الكتاب: فتح العزيز بشرح الوجيز = الشرح الكبير [وهو شرح لكتاب الوجيز في الفقه الشافعي لأبي حامد الغزالي (المتوفى: 505 هـ)] المؤلف: عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني (المتوفى: 623هـ) الناشر: دار الفكر   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- فتح العزيز بشرح الوجيز = الشرح الكبير للرافعي الرافعي ، عبد الكريم الكتاب: فتح العزيز بشرح الوجيز = الشرح الكبير [وهو شرح لكتاب الوجيز في الفقه الشافعي لأبي حامد الغزالي (المتوفى: 505 هـ)] المؤلف: عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني (المتوفى: 623هـ) الناشر: دار الفكر   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بسم الله الرحمن الرحيم أحمد الله الحق ذا الجلال والاكرام وأصلي على رسوله محمد خير الانام وأسلم عليه وعلي آله وأصحابه أفضل الصلاة والسلام وأقول إن المبتدئين بتحصيل المذهب من أبناء الزمان قد تولعوا بكتاب الوجيز للامام حجة الاسلام أبى حامد الغزالي قدس الله روحه، وهو كتاب غزير الفوائد، جم العوائد، وله القدح المعلي والحفظ الاوفى من استيفاء أقسام الحسن والكمال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 واستحقاق صرف الهمة إليه والاعتناء بالاكباب عليه والاقبال والاختصاص بصعوبة اللفظ ودقة المعنى لما فيه من حسن النظم وصغر الحجم وإنه من هذا الوجه محوج الي أحد أمرين: إما مراجعة غيره من الكتب وإما شرح يذلل صعابه: ومعلوم أن المراجعة لا تتأتي لكل أحد وفي كل وقت وأنها لا تقوم مقام الشرح المغنى لا يضاح الكتاب، فدعاني ذلك الي عمل شرح يوضح فقه مسائله فيوجهها: ويكشف عما انغلق من الا لفاظ ودق من امعاني ليغتنمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 الشارعون في ذلك الكتاب المخصوصون بالطبع السليم: ويعينهم علي بغيتهم ويتنبه الذين غيره أولي بهم لما ذهب عليهم من فقه الكتاب ودقائقه واستصعابه عليه فينكشف لهم أنهم حرموا شيئا كثيرا (ولقبته بالعزيز في شرح الوجيز) وهو عزيز علي المتخلفين بمعنى * وعند المبرزين المنصفين بمعنى * وربما تلتبس على المبتدئين والمتبلدين أمور الكتاب فيطمعون في اشتمال هذا الشرح علي ما يشفيهم ولا يظرون به * فليعلموا أن السبب فيه أن تلك   قال ابن السبكي في الطبقات تحرز بعض اصحابنا عن تسميته بالعزيز اه ولذلك جرينا في الطبع على هذا ووسميناه بفتح العزيز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 المواضع لا تستحق شرحا يودع بطون الاوراق * والقصور في أفهامهم * فدواؤهم الرجوع الي من يطلعهم علي ما يطلبون * والله ولي التيسير * وهذا حين افتتح القول فيه مستعينا بالله تعالى: ومتوخيا للاختصار ما استطعت والله حسبى ونعم الوكيل * أما ديباجة الكتاب فلا يتعلق بشرحها غرض ولكن من شرطك أن تطالعها وتعرف   (تنبيه) رمز المصنف إلى الخلاف بحروف مخصوصة الميم لمالك والحاء لابي حنيفة والزاي للمزني والواو لوجه أو قولي بعيد مخرج للاصحاب وجعلها بالهمزة فوق الكلمات وهذه الرموز ساقطة من نسخة الشرح واتماما للفائدة اثبتناها في عبارة المتن بجعل الحرف بين قوسين بعد الكلمة المختلف فيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 منها غاية حجة الاسلام رحمه الله بالرموز التى قصد أن يسم بها الكلمات إشعارا بالاقوال والوجوه ومذاهب سائر الائمة وتتبين أنه ليس للشارح اهمالها علي غزارة فائدتها فانها لا تعطي الا معرفة خلاف في المسألة فأما كيفيته واطلاقه وتفصيله فلا * ولذلك نجد أكثر النسخ عاطلة عنها في معظم المسائل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 ونحن لا نلتزم الوفاء بها فان اختلاف العلماء فن عظيم لا يمكن جعله علاوة كتاب ولكن نتعرض منها لما هو أهم في غرض الكتاب ويستدعيه لفظه وبالله التوفيق قال (رحمة الله عليه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 كتاب الطهارة (وفيه ثمانية أبواب الباب الاول في المياه الطاهرة (والمطهر للحدث والخبث (ح) هو الماء من بين سائر المائعات) أراد بالطهارة بعض أنواع الطهارة وهو الطهارة بالماء والا فمن شرطه ادراج التيمم في أبواب هذا الكتاب لانه إحدى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 الطهارات الا تري الي قول الشافعي رضي الله عنه طهارتان فكيف يفترقان فلما افرده دل انه أراد الطهارة بالماء: ثم الاحكام المتعلقة بالطهارة تنقسم الي ما يجرى مجرى المقدمات كالقول في المياه والي ما يجرى مجرى المقاصد كالقول في نفس الوضوء والغسل فجعل من الابواب الثمانية اربعة في المقدمات واربعة في المقاصد ولهذا قال عند تمام الاربعة الاولي هذا قسم المقدمات: ثم الماء اما ان يكون معلوم الحكم أو لا يكون فان كان فهو اما طاهر أو نجس وان لم يكن فهو الذى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 يشكل ويشتبه حاله: ثم هو على التقديرين اما ان يكون في اناء يحفظ فيه ويستعمل منه أو لا يكون فجعل الباب الاول في المياه الطاهرة: والطاهر ينتظم الطهور وغيره والثاني في المياه النجسة والثالث فيما اشتبه حكمه والرابع فيما يعتوره من الاحكام باعتبار الظروف والاوانى * وقوله والمطر للحدث والخبث هو الماء من بين سائر المائعات فيه كلامان احدهما ان الخبث مرقوم في النسخ برقم ابي حنيفة رحمة الله عليه دون الحدث بناء علي ان المشهوران الطهورية مخصوصة بالماء في الحدث اجماعا لكنه في الخبث مختلف فيه بيننا وبينه: ولك ان تقول دعوى الاجماع في الحدث على اطلاقه لا يستقيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 لان نبيذ التمر عنده طهور في السفر عند اعواز الماء وإذا كان كذلك فلو جعل الرقم على قوله هو الماء ليشملهما جميعا لم يضر: الثاني لم قال من بين سائر المائعات ولم يقتصر على قوله والمطهر للحديث والخبث هو الماء والجواب انه لو اقتصر عليه لا شكل بالتراب فانه مطهر وليس بماء. واعلم انه لو اراد تخصيص الطهورية في الحدث والخبث جميعا بالماء لما لزم هذا الاشكال لكنه لم يرد التخصيص في الفصلين جميعا وانما أراد التخصيص في كل واحد منهما فوجب الاحتراز: فان قلت ولم اختصت الطهورية بالماء: قلنا أما في الحدث فلقوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) لولا اختصاص الوضوء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 بالماء لما نقل الي التراب الا بعد فقد ما يشارك الماء في الطهورية من المائعات ليأتي باكمل الطهارات واما في الخبث فلما نستوفي من الخلاف * قال (ثم المياه علي ثلاثة أقسام الاول الماء المطلق الباقي على اوصاف خلقته فهو طهور ومنه ماء البحر وماء البئر وكل ما نزل من السماء أو نبع من الارض) قوله ثم المياه يعني المياه الداخلة في هذا الباب وهى الطاهرة: وانما انقسمت الي ثلاثة اقسام لانها اما ان تبقى على اصل الخلقة أو لا تبقى وان لم تبق فلما ان يخرج بما تغير من الصفات عن أن يسمى ماء مطلقا أو لا يكون كذلك الاول الباقي على اوصاف خلقته فهو طهور لوقوع اسم مطلق الماء عليه واندراجه تحت النصوص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 الآمرة باستعمال الماء والمجوزة له. وقد ورد في ماء البحر قوله صلى الله عليه وسلم (البحر هو الطهور ماؤه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وفى ماء البئر انه توضأ من بئر بضاعة فان قلت لم اعتبر الاطلاق مع البقاء على اصل الخلقة حيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 قال الماء المطلق الباقي على اوصاف خلقته ثم إذا اعتبر فكيف عد منه ماء البحر وماء البئر وهذا مقيد لا مطلق: فالجواب ان وصف الماء بالاطلاق قد تكرر في كلام الآئمة ثم منهم من يفسر المطلق بالباقي على اوصاف الخاتمة ومنهم من يفسره بالعاري عن القيود والاوصاف ويقول الماء ينقسم الي مطلق والي مضاف ثم من المضاف ما هو طهور كماء الكوز والبحر ومنه ما ليس بطهور كماء الزعفران وماء الشجر: فيجوز ان يقال أراد بالمطلق الباقي على اوصاف الخلقة وبه يشعر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 ظاهر كلامه في الوسيط وعلى هذا يكون تعقيب المطلق بالباقي على وصف الخلقة تفسيرا وبيانا للمعنى. ويجوز أن يقال أراد العارى عن القيود والاضافات أي كل ما يسمى ماء من غير قيد فهو طهور وهذا لا ينافيه وقوع اسم الماء عليه مضافا بل تصح الاشارة إلى الماء المعين بأنه ماء وبأنه ماء عين أو نهر وبهذا يظهر فساد تقسيم من قسم الماء إلى مطلق ومضاف لان المطلق يجوز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 أن يكون مضافا وبالعكس أيضا فيدخل أحد القسمين في الآخر فإذا عرفت ذلك فان اراد المعني الاول فهما شئ واحد فلا معنى لقول القائل لم اعتبر الاطلاق مع البقاء علي أصل الخلقة وان أراد المعنى الثاني فقد ذكرنا انه لا منافاة بين كونه مطلقا بهذا المعنى ومضافا ثم ليس ذلك علي سبيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 اشتراط الاطلاق لان كل باق علي أصل الخلقة يقع عليه اسم الماء عريا عن الاضافة عن القيود والاوصاف فهو إذا ملازم للبقاء علي أصل الخلقة وانما هو اشارة الي أن المعني المقتضي للطهورية اطلاقه والدخول في النصوص على ما سبق ويتبين مما ذكرناه انه لو حذف لفظ المطلق لم يضر: قال (ولا يستثنى عنه الا الماء المستعمل في الحدث فانه طاهر (ح) غير مطهر على القول الجديد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 لتأدى العبادة به وانتقال المنع إليه: فالمستعمل في الكرة الرابعة طهور لعدم المعنيين: أما المستعمل في الثانية والثالثة أو في تجديد الوضوء أو في غسل الذمية إذا اغتسلت من الحيض ليحل للزوج غشيانها فيه وجهان لوجود أحد المعنيين دون الثاني) * استثناء المستعمل من الباقي على أوصاف الخلقة يبين انه ليس المراد من الاوصاف كل ما يصح وصف الماء به حتى الاضافات والاعتبارات والافانه قبل الاستعمال موصوف بانه غير مستعمل وبعده بانه مستعمل فلا يكون باقيا على الاوصاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 كلها حتي يستثنى منه وانما المراد الصفات المعنوية ثم الاعتبار منها باللون والطعم والرائحة وهى المنظور إليها في التغير بالنجاسة كما سيأتي والصفات المعنوية باقية بحالها في المستعمل ثم هو غير طهور علي المذهب فوجب استثناؤه * وفقه الفصل أن الماء المستعمل في الحدث طاهر وفي رواية عن أبي حنيفة رحمه الله هو نجس وبه قال أبو يوسف رحمه الله * لنا وجهان أحدهما قال صلي الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 عليه وسلم خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ الا ما غير طعمه أو ريحه ولا تغير ههنا: والثانى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 أن الصحابة فمن بعد هم كانوا يتوضؤن في ثيابهم ولا يحترزون عما يتقاطر إليهم وإلى ثيابهم: وهل هو طهور أم لا قال في الجديد لا لانهم ما كانوا يجمعون المياه المستعملة للاستعمال ثانيا ولو جاز الاستعمال لجمعوها كي لا يحتاجوا إلى التيمم: وحكي عن القديم انه طهور وبه قال مالك رحمه الله لان الطهور ما يتكرر منه الطهارة كالقتول والشتوم من يتكرر منه الفعل ولانه ماء باق على اطلاقه فأشبه غيره: ومنهم من لم يثبت هذا القول وجزم بالجديد وسواء ثبت أم لا فالفتوى على الجديد: ثم ذكر الاصحاب في انه لم سقطت طهورية المستعمل معنيين أحدهما تأدى عبادة الطهارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 به والثاني تأدي فرض الطهارة به: فمن قال بالاول أسقط طهورية المستعمل في الكرة الثانية والثالثة وتجديد الوضوء والمضمضة والاستنشاق وغسل الجمعة والعيدين وسائر مسنونات الطهارة والطهارة المسنونة وقالوا ببقاء الطهورية فيما اغتسلت به الذمية عن الحيض لتحل لزوجها المسلم إذ لا تصح منها العبادة: ومن قال بالآخر عكس الحكم واتفقوا علي انهما ليستا علتين مستقلتين والا لما صار بعضهم الي ثبوت الطهورية في هذه الصور وعلى انهما ليستا جزأي علة واحدة والا لما صار بعضهم إلى النفى وانما اختلفوا في ان المعنى هذا أو ذاك وكل واحد منهما ملائم: أما تأدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 العبادة فلان الآلة المستعملة في المقصود الحسي يورثها ضعفا وكلالا فكذلك الآلة المستعملة في المقصود الشرعي: وأما تأدى الفرض به فلان المراد منه رفع الحدث به أو رفع منعه من الصلاة حيث لا يرتفع هو كما في وضوء صاحب الضرورة وذلك يقتضى تأثر الماء الا ترى أن غسالة النجاسة لما أثرت في المحل حتى لم يبق المحل كما كان قبل الغسل تأثرت هي بالاستعمال حتي لم تبق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 كما كانت قبل الغسل يحكي هذا التقرير عن ابن سريج ويجوز أن لا يقدر لكل واحد من فريقي الاصحاب التعليل بالمعنى الذى أبداه استقلالا بل يقول هؤلاء ما ذكرناه من المعنى واقع في موضع الاتفاق ملائم للحكم فلا يحذف عن درجة الاعتبار ويزعمون أن المعنى الثاني لغو: والآخرون يدعون مثل ذلك في المعني الثاني فينتظم الخلاف علي هذا التقدير أيضا * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 واعلم ان ظاهر المذهب اعتبار أداء الفرض دون المعني الثاني حتى لا تسقط طهورية المستعمل في المرة الثانية واخواتها وتسقط في مسألة الذمية: والوجهان في الذمية مخصوصان بقولنا ان الذمية إذا أسلمت يجب عليها اعادة ذلك الغسل وهو الصحيح أما إذا قلنا لا تجب الاعادة عليها فهو مستعمل علي المعنيين لانه قد ارتفع به المنع من الوطئ وأفاد جواز العبادة به لو ارتفع مانع الكفر: وقوله في الاصل لتأدي العبادة به وانتقال كذلك يوجد في بعض النسخ بل في اكثرها وفي بعض النسخ المحدثة أو انتقال المنع إليه وشغف به جماعة من محصلى هذا الكتاب لما ذكرنا ان العلة غير مركبة من المعنبين: وانما اختلفوا في أن العلة ماذا ولا شك ان ما شرحناه من كلام الاصحاب واختلافهم يقتضي ذلك ولكن الواو واو قد يستعمل أحدهما في موضع الآخر فالواقف علي حظ المعنى قد ينزل الواو على أو ولا يغير صورة الكتاب ونظيره يكثر في المذهب ثم الحدث ليس شيئا محققا يفرض انتقاله من البدن إلى الماء لكن المعنى ان باستعمال الماء يرتفع منع كان في البدن وهو انه كان ممنوعا من الصلاة وغيرها ويحدث منع في الماء لم يكن وهو أنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 لا يستعمل مرة أخرى فعبر عن ارتفاع منع وحدوث منع بالانتقال توسعا: وينبغي أن تعلم ان انتقال المنع الذى ذكره هو الذى عبر عنه غيره من الاصحاب باداء الفرض لان رفع الحدث فرض ولا نعنى بالفرض في مثل هذا ما يلحق الاثم بتركه بل ما لا بد منه ولذلك نحكم باستعمال ما توضأ به الصبى الا علي وجه لا يعبأ به وباستعمال ما توضأ به البالغ لصلاة النفل: وعبارة اداء الفرض أوضح وأولى: قال (فروع ثلاثة (الاول) المستعمل في الحدث لا يستعمل في الخبث علي أحسن الوجهين (الثاني) إذا جمع الماء المستعمل حتى بلغ قلتين عاد طهورا علي أقيس الوجهين كالماء النجس (الثالث) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 إذا انغمس الجنب في ماء قليل ناويا وخرج منه ارتفعت (و) جنابته وصار الماء مستعملا بعد الخروج والانفصال) اعلم انه يتفرع علي القول الجديد مسائل (احداها) المستعمل في الحدث هل يستعمل في الخبث فيه وجهان قال الانماطي وابن خيران نعم لان للماء قوتين ولم يستوف الا أحداهما وقال الا كثرون وهو الاصح لا كما ان المستعمل في الحدث الاصغر لا يستعمل في الا كبر وبالعكس: ولا يقال الماء له قوتان ولم يستوف الا احداهما: ويجرى الوجهان في المستعمل في الخبث هل يستعمل في الحدث إذا فرعنا علي ان المستعمل في الخبث طاهر غير طهور وهو المذهب على ما سيأتي: ولك أن تقول إذا كان المستعمل في الخبث بحيث لا نحكم بنجاسته كان باقيا على أوصاف خلقته وهو غير طهور على الظاهر فيكون مستثني مع المستعمل في الحدث عن الماء الباقي على أوصاف الخلقة فكيف ساغ للامام رضى الله عنه ان يقول ولا يستثنى عنه الا الماء المستعمل في الحدث (المسألة الثانية) إذا جمع الماء المستعمل حتى بلغ قلتين هل يعود طهورا وجهان أصحهما نعم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 لانه لو لم يعد الي الطهورية لقبل النجاسة وقد قال صلى الله عليه وعلي آله وسلم إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا ولان الماء النجس المتفرق إذا جمع ولاتغير يعود طهورا فالمستعمل أولى لان النجاسة أقوى من الاستعمال ولانه صار إلى حالة لو كان عليها في الابتداء لم يتأثر بالاستعمال فإذا عاد الي تلك الحالة يسقط حكم الاستعمال: والثاني لا يعود طهورا لان قوته صارت مستوفاة بالاستعمال فالتحق بماء الورد وسائر المائعات (الثالثة) إذا انغمس الجنب في ماء قليل ونوى نظر ان نوى بعد تمام انغماسه فيه واتصال الماء بجميع البدن فلاخلاف في انه يرتفع حدثه ويصير الماء مستعملا: أما ارتفاع الحدث فلوصول الماء الطهور إلى محل الحدث مع النية: وأما الاستعمال فلاداء العبادة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 المفروضة به: وهل يحكم باستعماله في حق غيره قبل انفصاله عنه فيه وجهان أحدهما لا: وإنما يثبت حكم الاستعمال بعد الانفصال الا ترى ان الماء مادام مترددا علي أعضاء المتطهر لا يحكم باستعماله: والثاني وهو الاصح نعم وانما لا يحكم بالاستعمال ما دام الماء مترددا جاريا للحاجة إلى انغسال الباقي ولا ضرورة في حق غيره والماء منفصل عنه: فعلى هذا ليس لغيره ان يرفع به الحدث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وعلي الاول يجوز: ولو خاص جنبان فيه ونويا معا بعد تمام الا نغماس ارتفع حدثهما على الوجهين: وان نوى الجنب قبل تمام الانغماس إما في أولى الملاقاة أو بعد غمس بعض البدن ففيه وجهان قال أبو عبد الله الخضرى لا ترتفع الجنابة الا عن أول الجزء الملاقي مع النية لان الماء يصير مستعملا بملاقاته فلا ترتفع الجنابة عن الباقي بخلاف ما إذا كان الماء واردا على البدن حيث لا يحكم باستعماله باول الملاقاة لاختصاصه بقوة الورود والاصح انه ترتفع الجنابة ولا يصير الماء مستعملا باول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 الملاقاة لانا انما لم نحكم بالاستعمال عند ورود الماء على البدن للحاجة إلى رفع الحدث وعسر إفراد كل موضع بماء جديد وهذا المعنى موجود سواء كان الماء واردا أو كان هو واردا على الماء: وإذا عرفت ذلك نشأ لك البحث والنظر في امور من الفاظ الكتاب في الفرع الثالث: أحدها ان مراده ما إذا نوى بعد تمام الانغماس اما إذا نوى قبله أم كلتا الحالتين أما اللفظ فهو شامل لهما والتزويل عليهما صحيح لما ذكر بانه لا خلاف في   كذا في جميع النسخ وهو محل تأمل اه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 ارتفاع الجنابة في الحالة الاولى وان الصحيح في الحالة الثانية ايضا الارتفاع لكنه ما أراد الحالة الاولى وحدها لان قوله ارتفعت جنابته معلم بالواو ولا خلاف في ارتفاع الجنابة في تلك الحالة بقى احتمالان ارادة الحالة الثانية وحدها وعلامة الواو إشارة إلى وجه الخضرى واحتمال ارادتهما جميعا ويصح الاعلام بالواو أيضا لان الصائر إلى النفى في احدى الصورتين يخالف المثبت في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 الصورتين والاحتمال الثاني أقرب إلى اطلاق اللفظ والاول قضية ايراده في الوسيط (الثاني) انه لم قيد صورة الفرع بالخروج فقال إذا انغمس الجنب في ماء قليل وخرج: اعلم أن ارتفاع الجنابة لا يحتاج الي هذا القيد بل سواء خرج أو لم يخرج ترتفع الجنابة: وأما صيرورة الماء مستعملا ففى كلام الاصحاب ما يقتضى توقف الحكم بالاستعمال علي خروجه منه وهو مشكل لان المقتضي للاستعمال انه رفع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 الحدث فإذا ارتفع الحدث وجب أن يصير هو مستعملا سواء انفصل عن البدن أم لا هذا بالاضافة إليه وأما بالاضافة إلى غيره ففيه ما حكينا من الوجهين * وإذا عرفت ذلك فقد رتب على الانغماس والخروج شيئين ارتفاع الجنابة وصيرورة الماء مستعملا والاول مستغن عن شرط الخروج والثاني بتقدير أن يكون محتاجا إليه: ففى قوله بعد الخروج والانفصال ما يفيد التعرض لهذا الشرط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 فإذا قوله وخرج ضائع (الثالث) لم جمع بين لفظي الخروج والانفصال ظنى أن هذا مما يجرى به القلم لاعن قصد أو مما يقصد به البسط في العبارة ايضاحا وعلى التقديرين فلا يطلب لكل لفظة فائدة تخصها وان زعم زاعم أنه إذا لم يبق في الماء الا عضو واحد من المنغمس يسمى خارجا من الماء ولا يسمى منفصلا وحكم الاستعمال انما يثبت بعد الانفصال: قلت له هب انه كذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 لكن هذا وجه الحاجة إلى تعقيب الخروج بالانفصال فما الجواب عن قول القائل لم جمع بينهما وهلا اقتصر على الانفصال: قال (القسم الثاني ما تغير عن وصف خلقته تغيرا يسيرا لايزايله اسم الماء المطلق فهو طهور كالمتغير (و) بيسير الزعفران * وكذا المتغير بما يجاوره (و) كالعود والكافور الصلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وكذا المتغير بما لا يمكن صون الماء عنه كالمتغير بالطين والطحلب وكذلك المتغير بطول المكث والتراب والزرنيخ والنورة فان كل ذلك لا يسلب عنه اسم الماء المطلق وكذا المسخن والمشمس وفي المشمس كراهية من جهة الطب إذا شمس في البلاد المفرطة الحرارة في الاواني المنطبعة) ذكرنا أن المتغير عن أوصاف الخلقة قسمان أحدهما المتغير الذى لا يسلب اسم الماء المطلق عنه: والثاني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 ما يسلب * أما القسم الاول فقد أدرج فيه أنواعا منها أن يكون التغير يسيرا وان كان المغير خليطا مستغنى عنه كالزعفران والدقيق ونحوهما فظاهر المذهب أنه لا يقدح في الطهورية لانه لا يبطل اسم الماء المطلق وفيه وجه أنه يقدح كالتغير بالنجاسة يسلب الطهارة سواء كان يسيرا أو فاحشا: ومنها أن يتغير بشئ يجاور الماء ولا يخالطه كالعود ونحوه: وهل يؤثر في سلب الطهورية فيه قولان أصحهما وهو الذى ذكره في الكتاب أنه لا يؤثر لان هذا النوع من التغير تروح لا يسلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 اطلاق اسم الماء كتغير الماء بجيفة ملقاة علي شط نهر: والثاني نعم لانه تغير بما يلاقى الماء فأشبه التغير بما يخالط: وفي معنى العود الدهن والشمع وما لا يختلط بالماء * والكافور نوعان أحدهما يذوب في الماء ويختلط به والثاني لا ينماع فيه فالاول كالدقيق والزعفران والثاني كالعود فلذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 قيد الكافور باصلابة: ومنها أن يتغير بما لا يمكن صون الماء عنه كالمتغير بالطين والطحلب والكبريت والنورة في مقر الماء وممره فهذا التغير لا يسلب الطهورية لوجهين أحدهما أن أهل اللسان والعرف لا يمتنعون من إيقاع اسم الماء المطلق عليه والثاني عسر الاحتراز عنه: ومن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 هذا القبيل المتغير بالتراب الذى يثور وينبث في الماء ويختلط به والمتغير بالزرنيخ * ومنها المتغير بطول المكث وهو علي طهوريته لما روى أنه صلى الله عليه وسلم توضأ من بئر بضاعة وكان ماؤها كنقاعة الحناء وذلك التغير لا يمكن أن يكون بالنجاسة والا لما توضأ به فبعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 ذلك لا يخلو إما أن يكون بنفسه أو بشئ طاهر آخر ان كان بنفسه صح المدعى وان كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 بغيره فكذلك لان تغيره بنفسه أهون من تغيره بغيره فإذا لم يقدح الثاني فأولى ان لا يقدح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 الاول * ومنها المسخن فهو علي طهوريته لبقاء اطلاق الاسم ولانهم تطهروا بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالماء المسخن ولم ينكر عليهم * ومنها المشمس وهو علي طهوريته كالمسخن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وهل في استعماله كراهية أم لا فيه وجهان أحدهما لا وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله كماء الحياض والسواقي إذا تأثرت بالشمس وكما أن التسخين لا يؤثر في الكراهية: والثاني وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 الاصح نعم لما روى عن عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاها عن التشميس وقال انه يورث البرص * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 اغتسل بماء مشمس فأصابه وضح فلا يلو من الا نفسه * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 وكره عمر رضي الله عنه المشمس وقال انه يورث البرص فان قلنا بالكراهية ففى محلها اختلاف منشؤه اشارة النقل بعد النهى إلى سببه وهو خوف الوضح فقال قائلون من أصحابنا انما يكره إذا خيف منه هذا المحذور وانما يخاف عند اجتماع شرطين أحدهما أن يجرى التشميس في الاواني المنطبعة كالحديد والرصاص والنحاس لان الشمس إذا أثرت فيها استخرجت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 منها زهومة تعلو الماء ومنها يتولد المحذور: والثاني أن يتفق في البلاد المفرضة الحرارة دون الباردة والمعتدلة فان تأثير الشمس فيها ضعيف: ولا فرق عند القائلين بهذه الطريقة بين أن يقع ذلك قصدا أو اتفاقا فان المحذور لا يختلف: وأيدوا طريقتهم بالمشمس في الحياض والبرك فانه غير مكروه بالاتفاق وانما كان ذلك لانه لا يخاف منه مكروه: وقال آخرون لا تتوقف الكراهية علي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 خوف المحذور لا طلاق النهى والتعرض للمحذور اشارة إلى حكمته فلا يشترط حصولها في كل صورة وهؤلاء طردوا الكراهية في الاواني المنطبعة وغيرها كالخزفية وفى البلاد الحارة وغيرها واعتذروا عن ماء الحياض والبرك بتعذر الاحتراز: والطريقة الاولى أقرب إلى كلام الشافعي رضي الله عنه فانه قال ولا أكره المشمس الا من جهة الطب أي انما اكرهه شرعا حيث يقتضى الطب محذورا فيه. واستثنى بعضهم من المنطبعات الذهب والفضة لصفاء جوهرهما وبعد انفصال محذور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 عنهما وإذا عرفت ذلك نعد إلى الفاظ الكتاب: واعلم أن قوله ما تغير عن وصف خلقته تغيرا يسيرا لا يزايله اسم الماء المطلق ليس المراد من اليسير سوى انه بحيث لا يزايله اسم الماء المطلق وتعقيبه به مذكور تفسيرا لليسير وان لم يكن كذلك وجرينا على ظاهر اللفظ لزم اشتراط كون التغير يسيرا لبقاء الطهورية في جميع المسائل المعدودة وليس كذلك بل التغير بطول المكث وما لا يمكن صون الماء عنه وبالمجاور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 لا يفترق حكمه بين اليسير والفاحش وقوله وكذا المتغير بطول المكث والتراب والزرنيخ عطفه على المتغير بالطين والطحلب أحسن منه على المتغير بما يجاوره والمتغير بما لا يمكن صون الماء عنه ليكون تعذر الصور نوعا يدخل تحته المتغير بطول المكث وما لا يخلو الماء عنه في المقر والممر فمنه الطين والطحلب ومنه التراب الذى يثور وينتصر فيه * وأما الماء الذى يطرح فيه قصدا فقد ذكره من بعد: والاختلافات التى ذكرناها في المشمس تقتضي أن يكون لفظ الكراهية في قوله وفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 المشمس كراهية معلما بالواو والحاء والميم والالف وهو علامة أحمد رضي الله عنه وأن يكون قوله من جهة الطب معلما بالواو اشارة إلى خلاف من اتبع ظاهر النهى ولم تقف الكراهية على موضع خوف الوضح ولا بأس إأن يعلم قوله في الاواني المنطبعة بذلك أيضا اشارة الي استثناء من استثنى التبزين * قال (القسم الثالث ما تفاحش تغيره بمخالطة ما يستغنى الماء عنه حتي زايله اسم الماء المطلق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 فليس بطهور (ح) وان لم يستجد اسما آخر كالمتغير بالصابون والزعفران الكثير (ح) واجناسهما) * إذا بلغ تغير الماء حدا ينسلب به اسم الماء المطلق عنه خرج عن كونه طهورا ولا فرق بين أن يقع اسم الماء عليه مضافا إلى الخليط المغير كماء الزعفران والدقيق أو لا يقع ويحدث له أسم آخر كالصبغ والمرق والحبر خلافا لا بي حنيفة رضى الله عنه في الحالة الاولي: لنا وجهان احدهما القياس على ماء الباقلاء ونحوه والثاني أن النصوص الواردة في طهورية الماء متعرضة لاسم الماء عريا عن القيود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 والاضافات والكلام فيما انسلب عنه اسم الماء عريا عن القيود والاضافات فلا يلحق بمورد النص لظهور الفرق في خاصيته الرقة وغيرها: فان قيل النصوص متناولة للماء وماء الزعفران ماء: قلنا لا نسلمه بل الماء المضاف على ضربين منه ما يصح اطلاق اسم الماء عليه كماء البحر وماء الكوز: ومنه ما لا يصح كماء الورد وماء الباقلى فلم قلتم بأن ماء الزعفران من قبيل الاول لا من قبيل الثاني بل هو من الثاني فان التغير الفاحش يصح قول القائل هذا ليس بماء وانما هو ماء الزعفران الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 ولهذا لو حلف ان لا يشرب ماء فشرب ماء الزعفران لا يحنث وكان اسم الماء عريا عن القيود والاضافات غير موضوع للحقيقة المشتركة بين الماء وماء الزعفران بل كمالا يتفاحش تغير صفاته الاصلية والله أعلم: وهل يعتبر تغير اللون والطعم والرائحة جميعا أم يكفى تغير واحد منها ذكر الموفق بن طاهر في شرح مختصر الجوينى أن صاحب جمع الجوامع حكي فيه قولين اختار ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 سريج الثاني منهما وهو المشهور المتوجه: وحكي قولا آخر عن رواية الربيع أن التغير في اللون وحده وفى الطعم والرائحة معا يمنع الطهورية وفى احدهما لايمنع: وينبغي أن يتنبه من الفاظ الكتاب للاحتراز عن التغيرات التى لا تقدح: فقوله ما تفاحش تغيره يخرج عنه التغير اليسير وان كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 بخليط مستغني عنه: وقوله بمخالطة ما يستغني عنه يخرج عنه التغير بالمجاور وبما لا يمكن صون الماء عنه * قال (فرع ثلاثة) الاول المتغير بالتراب المطروح فيه قصدا فيه وجهان أظهرهما أنه طهور ويقرب منه الملح إذا طرح (و) في الماء فصدا لانه اجزاء سبخة من الارض بها يصير ماء البحر ما لحا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 فيضاهى التراب: الثاني إذا تفتتت الاوراق في المياه وخالطتها ففيها ثلاثة أوجه يفرق في الثالث بين الربيعي والخريفى لتعذر الاحتراز عن الخريفي: الثالث لو صب مائع علي ماء قليل ولم يغيره فان كان بحيث لو خالف في اللون لتفاحش تغيره زالت الطهورية به وان كان أقل منه فهو طهور ويجوز استعمال الكل على الاظهر وقيل إذا بقى قدر ذلك المائع لم يجز استعماله) في المتغير بالتراب المطروح فيه قصدا وجهان: وقيل قولان: أحدهما أنه ليس بطهور لانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 تغير بمخالطة مستغنى عنه فاشبه التغير بالزعفران: والثاني وهو الاظهر انه على طهوريته لان التغير الحاصل بالتراب ليس إلا الكدورة وهى لا تسلب اسم الماء ولان التراب يوافق الماء في الطهورية ولان الشرع امر بالتعفير في ولوغ الكلب ولو سلب طرح التراب في الماء الطهورية لما امر به: واما المتغير بالملح المطروح فيه فينظر فيه ان كان الملح مائيا فوجهان أظهرهما انه طهور لانه منعقد من عين الماء كالجمد والثلج والثاني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 لا وليس الملح عين الماء بل المياه نزلت عذبة من السماء ثم تختلط بها الاجزاء السبخات فتنعقد ملحا ولهذا لا يذوب في الشمس ولو كان منعقدا من الماء لذاب كالجمد: وان كان جبليا ترتب على المائي ان سبلنا الطهورية تمة فههنا أولي وإلا فوجهان أظهرهما السلب أيضا لانه خليط مستغنى عنه غير منعقد من الماء ومن لم يسلب زعم انه في الاصل كان ماء أيضا ولهذا يذوب في الماء وإذا اطلقت الكلام في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 الملح فقل في التغير به ثلاثة أوجه ثالثها الفرق بين الجبلى والمائي تشبيها للمائي بالجمد واستبعد الامام الغزالي ذلك وقال لو كان كالجمد لذاب في الشمس ولكن تعليله التشبيه بالتراب المطروح فيه قصدا لان ماء البحر ملح وملوحته من اجزاء سبخة في الارض تنتشر فيه فالملح إذا من اجزاء الارض فان حصل التغير به من غير قصد كماء البحر فهو طهور كالمتغير بالتراب من غير قصد وان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 كان بقصد فهو على الخلاف كالمتغير بالتراب المطروح فيه قصدا وهذا معنى قوله في الكتاب ويقرب منه الملح إلى قوله فيضا هي التراب: ولك أن تقول الملح اما ان يكون فيه ما ينعقد من محض الماء أو لا يكون ان كان فتشبيهه بالجمد قوى ولهذا لو تغير الماء العذب بذلك الماء الملح لم يؤثر فكذلك التغير بالمنعقد منه: والقول بانه لو كان كالجمد لذاب في الشمس ممنوع على هذا التقدير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 بل من المنعقد الماء ما يذوب ومنه ما لا يذوب وان لم يكن فيه ما ينعقد من محض الماء بل كان كل ملح من اجزاء الارض فانما يتضح تشبيه الخالف فيه بالخلاف في التراب أن لو جرى ذلك الخلاف في جميع اجزاء الارض وليس كذلك بل نص الاصحاب على أنه لا يجرى في الجص والنورة وغيرهما واستبعدوا خلاف من خالف فيه: وإذا كان كذلك فما الفرق بين الجص والملح وكل واحد منهما ليس بتراب: وقوله وبها يصير ماء البحر مالحا ربما تجد في بعض النسخ ملحا: ولا شك في انه افصح في اللغة قال الله تعالى (وهذا ملح أجاج) وورد المالح في لفظ الشافعي رضى الله عنه واعترض عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 معترضون وزعموا انه لا يصح في اللغة وأجاب الاصحاب عنه وصححوه هذا أحد الفروع * الثاني الاوراق إذا تناثرت في الماء وتروح الماء بها من غير أن يعرض لها عفونة واختلاط فهذا ماء متغير بشئ مجاور فيبقى على طهوريته على أظهر القولين كما سبق وان تعفنت واختلطت به ففيه ثلاثة اوجه أظهرها انه لا يسلب الطهورية كالمتغير بالطين والطحلب وسائر ما يعسر الاحتراز عنه: والثاني يسلب كسائر المتغيرات التى تلحق بالماء من خارج: والثالث وبه قال أبو زيد المروزى لا يسلب التغير بالخريفى لغلبة التناثر في الخريف بخلاف الربيعي: ولان الاوراق الخريفية قدامتصت الاشجار رطوبتها وقرب طبعها من طبع الخشب بخلاف الربيعية فان فيها رطوبة ولزوجة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 تقتضي الامتزاج وهذه الوجوه فيما إذا تناثرت الماء بنفسها وهو مسألة الكتاب: فلو طرحت فيه قصدا فطريقان احدهما القطع بسلب الطهورية للاستغناء عنه والثانى طرد الوجوه الثلاثة والفارق على الوجه الثالث ههنا انما هو المعنى الثاني لا غير: الثالث إذا اختلط بالماء مائع. يوافق الماء في الصفات كماء ورد منقطع الرائحة وماء الشجر والماء المستعمل ففيه وجهان احدهما انه ان كان الخليط أقل من الماء فهو طهور وان كان أكثر أو مثله فلا لانه تعذر اعتبار الاوصاف فيعدل إلى اعتبار الاجزاء ويجعل الحكم للغالب فإذا استويا اخذنا بالاحتياط والثاني وهو المذكور في الكتاب وهو الا ظهرانه ان كان الخليط قدرا لو خالف الماء في طعم أولون أو رائحة لتغير الماء فهو مسلوب الطهورية وان كان لا يؤثر مع المخالفة فلا لان التغير سالب للطهورية وهذا الخليط بسبب الموافقة في الاوصاف لا يغير فيعتبر تغيره لاستفادة ما طلبناه كما يفعل في معرفة الحكومات: ثم إذا اقتضى الحال بقاء الطهورية إما لقلة الخليط على الوجه الاول أو لتقاعده عن التغير على الثاني مع تقدير المخالفة فهل يستعمل جميعه أم يبقى قدر الخليط فيه ثلاثة أوجه أظهرها انه يستعمل الجميع لاستهلاك الخليط فيه وانطلاق اسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 الماء عليه: والثاني انه يبقى قدر الخليط وإلا كان مستعملا لغير الماء يقينا وصار كما لو حلف ان لا يأكل تمرة وخلطها بتمر كثير لا يحنث ما بقيت تمرة وان استوعب الكل حنث: واطبقوا على ضعف هذا الوجه: والثالث ان كان الماء وحده يكفى لواجب الطهارة فله استعمال الجميع وإلا فلا: فان قلنا يجوز استعمال الجميع ومعه من الماء ما لا يكفيه وحده ولو كمله بما يستهلك فيه لكفاه لزمه ذلك: واعلم ان الخلاف في ان الجميع هل يستعمل جار فيما إذا استهلكت النجاسة المائعة في الماء الكثير وفيما إذا استهلك الخليط الطاهر في الماء لقلته مع مخالفة الاوصاف لاوصاف الماء ولو لم يتغير الماء الكثير لموافقة النجاسة له في الاوصاف فالاعتبار بتقدير المخالفة لا بالاجزاء بلا خلاف كذلك ذكروه لتغليظ امر النجاسة واعتبروا في النجاسة بالمخالف الذى هو أشد صفة احتياطا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وفى الطاهرات بالوسط المعتدل فلا يعتبر في الطعم حدة الخل ولا في الرائحة ذكاء المسك: وقضية هذا الوجه ان ينطر إلى صفات الماء عذوبة وملوحة ورقة وصفاء فان لها أثرا ظاهرا في حصول التغير وعدمه ثم عد إلى الفاظ الكتاب واعلم ان قوله ان كان بحيث لو خالفه في اللون ليس لاعتبار اللون بعينه وانما ذكره مثالا وسائر الاوصاف في معناه وفيه ما قدمناه عن رواية الربيع رحمه الله: وقوله لتفاحش تغيره اشارة إلى انه لو كان التغير يسيرا لم يؤثر كما سبق: وقوله زالت الطهورية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 ينبغي ان يعلم بالواو: وكذا قولة فهو طهور لان الحكم لا يتعلق بتقدير التغير وعدمه عند من يعتبر الاجزاء: وقوله في أول هذا الفرع إذا صب مائع على ماء قليل ينبغي ان يعرف ان الصب لا اثر له بل انصباب المائع عليه واختلاطه به كالصب وانما يفرق بين الوقوع فيه والطرح قصدا فيما يتعذر الاحتراز عنه وكذلك التعرض للقليل ليس للتقييد بل القليل والكثير في هذا الحكم سواء ولو حذف لفظ القليل لم يضر * قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 الباب الثاني (في المياه النجسة) (وفيه فصول اربعة الاول في النجاسات والجمادات كلها على الطهارة إلا الخمر وكل نبيذ (ح) مسكر والحيوانات كلها علي الطهارة الا الكلب والخنزير وفروعهما) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 لما كان الاصل في الماء الطهوارة نجاسة عارضة تطرأ بملاقاة شئ نجس حسن القول في ان النجس ماذا أولا فعقد الفصل الاول في النجاسات وأداها في تقسيم اقتدى في معظمه بامام الحرمين رحمه الله وهو ان الاعيان تنقسم الي جماد وحيوان والاصل في الجميع الطهارة لانها مخلوقة لمنافع العباد وانما يحصل الانتفاع أو يكمل بالطهارة ولا يستثنى عن هذا الاصل من الجمادات إلا الخمر وما يسكر من الانبذة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 اما الخمر فلوجهين (احدهما) انها محرمة التناول لا لاحترام وضرر ظاهر والناس مشغوفون بها فينبغي أن يكون محكوما بنجاستها تأكيدا للزجر الا ترى ان الشرح حكم بنجاسة الكلاب لما نهى عن مخالطتها مبالغة في المنع: (الثاني) ان الله تعالى سماها رجسا والرجس والنجس عبارتان عن معنى واحد: واما الانبذة المسكرة فلانها ملحقة بها في التحريم فكذلك في النجاسة: وينبغى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 أن يكون النبيذ معلما بعلامة أبي حنيفة رحمة الله عليه فان يقول بالطهارة حيث يقول بالحل: وبالواو أيضا لان يحيى اليمنى حكي في البيان وجها ضعيفا ان النبيذ طاهر لاختلاف الناس فيه بخلاف الخمر بل ينبغي أن يكون لفظ الخمر معلما بالواو أيضا لامور ثلاثة احدها ان الشيخ أبا علي حكي خلافا في نجاسة المثلث المسكر الذى يبيحه أبو حنيفة مع الحكم بالتحريم قطعا: والثاني انه حكي وجها في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 طهارة الخمر المحترمة والثالث انهم ذكروا وجها في ان بواطن حبات العنقود مع استحالتها خمر الا يحكم بنجاستها تشبيها بما في باطن الحيوان وكل ذلك ينافى اطلاق القول بالنجاسة: واعلم انه لا يريد بالجماد في هذا التقسيم. مطلق ما لاحياة فيه بل وما لم يكن حيوانا من قبل ولا جزءا من الحيوان ولا خارجا منه وإلا لدخل في الجمادات الميتات واجزاء الحيوانات وما ينفصل من باطن الحيوان وحينئذ لا ينتظم قصر الاستثناء على الخمر والنبيذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 وأما الحيوانات فهى طاهرة ويستثني منها ثلاثة: أحدها الكلب لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور انها ليست بنجسة يعنى الهرة: ووجه الاستدلال منه مشهور ولان سؤره نجس بدليل ورود الامر با لاراقة في خبر الولوغ: ونجاسة السؤر تدل على نجاسة الفم وإذا كان فمه نجسا كانت سائر اعضائه نجسة لان فمه أطيب من غيره: ويقال انه أطيب الحيوان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 نكهة لكثرة ما يلهث: والثاني الخنزير وهو أسوأ حالا من الكلب فهو أولى بان يكون نجسا والثالث المتولد من أحدهما نجس لتولده من أصحل نجس: وعن مالك ان الكلب والخنزير طاهران ويغسل من ولو غهما تعبدا: ولك أن تعلم قوله والحيوانات على الطهارة بالواو لان أبا العباس الجرجاني في آخرين نقلوا وجها أن الدود المتولد من نفس الميتة نجس العين كولد الكلب فعلي ذلك الوجه لا ينحصر الاستثناء فيما ذكره لكن هذا الوجه ساقط ولو صح ذلك للزم أن يحكم بنجاسة الحيوان من حكم بنجاسة العلقة والمضغة ومني غير المأكول * قال (والميتات كلها على النجاسة الا السمك والجراد وكذا الآدمى علي الصحيح وكذا دود الطعام فهو طاهر على الصحيح ولا يحرم أكله مع الطعام على الاصح وما ليس له نفس سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه على الجديد وقيل انها نجست (ح م) بالموت وهذا عفو لتعذر الاحتراز عنه وقيل انها لا تنجس بالموت إذا ليس فيها دم معفن فاشبهت النبات) الاصل في الميتات النجاسة قال الله تعالى (حرمت عليكم الميتة) وتحريم ما ليس بمحترم ولا فيه ضرر كالسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 يدل على نجاسته ويستثنى منها انواع: أحدهما السمك والجرد قال صلى الله عليه وسلم أحلت لنا ميتتان الخبر ولو كانا نجسين لكان محرمين الثاني الآدمى وفي نجاسته بالموت قولان أحدهما ينجس بالموت لانه حيوان طاهر في الحياة غير مأكول بعد الموت فيكون نجسا كغيره والثاني وهو الاصح لا ينجس لقوله تعالي (ولقد كرمنا بنى آدم) وقضية التكريم أن لا يحكم بنجاسة ولانه لو نجس بالموت لكان نجس العين كسائر الميتات ولو كان كذلك لما امر بغسله كسائر الاعيان النجسة روى هذا الاستدلال عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 ابن سريج قال أبو اسحق عليه لو كان طاهرا لما أمر بغسله كسائر الاعيان الطاهرة أجابوا عنه بان غسل نجس العين غير معهود أما غسل الطاهر معهود في حق الجنب والمحدث علي أن الغرض منه تكريمه وازالة الاوساخ عنه: وقال أبو حنيفة ينجس بالموت ويطهر بالغسل وهو خلاف القولين جميعا: الثالث الحيوانات التى ليست لها نفس سائلة هل تنجس الماء إذا ماتت فيه اختلف فيه قول الشافعي رضي الله عنه على قولين: أحدهما نعم لا نها ميتة فتكون نجسة كسائر الميتات وإذا كانت نجسة نجس الماء بها كسائر النجاسات: والثاني وهو الاصح: لا: لقوله صلى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 عليه وسلم " إذا سقط الذباب في اناء أحدكم فامقلوه فان في أحد جناحيه شفاء وفى الآخر داء وانه يقدم الداء " وقد يفضى المقل إلى الموت سيما إذا كان الطعام حارا فلو نجس الماء لما أمر به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وعن سلمان رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كل طعام وشراب وقعت فيه دابة ليس لها دم فماتت فهو الحلال أكله وشر به والوضوء منه) ولان الاحتراز عنها مما يعسر وهذا الخلاف في غير ما نشؤه في الماء وأما ما نشؤه فيه وليس له نفس سائلة فلا ينجس الماء بلا خلاف فلو طرح فيه من خارج عاد الخلاف: فان قلنا انها تنجس الماء فلا شك في نجاستها. وان قلنا لا تنجس فهل هي نجسة في نفسها قال الا كثرون نعم كسائر الميتات وهو ظاهر المذهب: وقال القفال لا لان هذه الحيوانات لا تستحيل بالموت لان الاستحالة انما تأتي من قبل انحصار الدم واحتباسه بالموت في العروق واستحالته وتغيره: وهذه الحيوانات لا دم لها: وما فيها من الرطوبة كرطوبة النبات: وإذا عرفت ما ذكرناه عرفت انه لم يرتب الخلاف في النجاسة على الجديد: فقال وقيل إنها نجست بالموت وعرفت أن هذه الحيوانات على ظاهر المذهب غير مستثناة عن الميتات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وانما الاستثناء على قول القفال واما جعله القول بعدم نجاسة الماء قوله الجديد: فانما أخذه من امام الحرمين وروى القاضي أبو المحاسن الروياني خلاف ذلك فسمي هذا القول القديم: والا كثرون ارسلوا ذكر القولين من غير تعيين جديد وقديم: وأما ما ذكره في دود الطعام فايراده يشعر بمغايرة حكمه لحكم ما ليس له نفس سائلة اشعارا بينا وليس كذلك: بل من قال بنجاسة ما ليس له نفس سائلة صرح بانه لا فرق بين ما يتولد من الطعام كدود الخل والتفاح وغيرهما وبين ما لا يتولد منه كالذباب والخنفساء وقالوا ينجس الكل بالموت لكن لا ينجس الطعام الذى يموت فيه كما ذكرنا في نجاسة ما نشؤه في الماء: ومن قال لا ينجس ما ليس له نفس سائلة بالموت فلا شك أنه يقول به في دود الطعام بطريق الاولى فإذا قوله وكذا دود الطعام طاهر علي الصحيح اختيار لطريقة القفال والمعنى علي الصحيح من القولين ذهابا الي أن القول بعدم نجاسة الماء بموت ما ليس له نفس سائلة فيه مبنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 على انه ليس بنجس وأما قوله ولا يحرم أكله مع الطعام على الاصح فاعلم أن التقييد بكونه مع الطعام غير محتاج إليه لثبوت أصل الخلاف: ويجوز أن يكون محتاجا إليه: لكن القول بالحل أصح أما الاول فلانه ذكر في النهاية أنه لو جمع جامع من دود الطعام شيئا وأعتمد أكله فهل يحل فيه: وجهان أحدهما نعم لانه كالجزء من الطعام طعما وطبعا وأصحهما التحريم فنقل الوجهين في أكله منفردا وقد أطلق في الوسيط الوجهين في الحل من غير تخصيص بالاكل مع الطعام أو منفردا: وأما الثاني فلان إفراده بالاكل مستغنى عنه وهو مستقذر مندرج تحت عموم تحريم الميتة: أما التمييز بينه وبين الطعام عند الاكل فعسير جاز أنه يعفى عنه وبهذا المعنى قلنا لا ينجس الطعام بلا خلاف: وان حكمنا بنجاسته: وربما يخطر بالبال أن الخلاف في حل الاكل مبنى على الخلاف في الطهارة والنجاسة ان قلنا بالنجاسة يحرم: والا فيحل: وليس الامر فيه على هذا الاطلاق: بل الخلاف منتظم مع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 حكمنا بالطهارة فوجه التحريم الا ستقذار وشمول استم الميتة وصار كما لا نفس له سائلة مما لا يكون نشؤه في الطعام فانه يحرم: وان حكم بطهارته: ووجه الحل انه كالجزء من الطعام طبعا وطعما واما إذا حكمنا بالنجاسة فوجه التحريم بين: ووجه الحل إذا كان يؤكل مع الطعام عسر الاحتراز والتمييز وعن الانفراد لا ينقدح شئ والله أعلم واعرف بعد هذا شيئين أحدهما قوله والميتات علي النجاسة لا يعنى الميتة بجميع اجزائها بل ما سوى الشعر وما في معناه وفيها من الخلاف والتفصيل ما ذكره في باب الاواني: والثاني ظاهر كلامه حصر المستثنى من الميتات في الانواع المذكورة وليس كذلك بل الجنين الذى يوجد ميتا عند ذبح الام حلال طاهر أيضا وكذا الصيد إذا مات بالضغط على أحد القولين * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 قال (أما الاجزاء المنفصلة عن ظاهر الحيوان فكل ما أبين من حى فهو ميت الا الشعور المنتفع بها في المفارش والملابس فانها طاهرة بعد الجز للحاجة) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال ما أبين من حي فهو ميت فالاصل فيما بان من الحى النجاسة ويستثنى منه شعر المأكول المجزور في حياته فهو طاهر للحاجة إليه في الملابس ولو قدر قصر الانتفاع علي ما يكون على المذكي لضاع معظم الشعور * وفي معنى الشعور الريش والصوف والوبر وقد قيل في قوله تعالي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 (ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين) ان المراد إلى حين فنائها هذا فيما بيان بطريق الجز: وفي النتف والتناثر وجهان والاصح الحاقها بالجز وعلى هذا فقوله في الكتاب فانها طاهرة بعد الجز ليس مذكورا ليكون قيدا في الطهارة وعلى الوجه الآخر يمكن جعله قيدا: واعلم أن ظاهر قوله فكل ما أبين من حي فهو ميت الا الشعور المنتفع بها لا يمكن العمل به لا في طرف المستثني ولا في طرف السمتثنى منه أما المستثنى فلانه يتناول جملة الشعور المجزوزة والطهارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 مخصوصة بشعر المأكول وأيضا فلانه يتناول الشعر المبان على العضو المبان من الحيوان وانه نجس في أصح الوجهين وأما المستثنى منه فلانه يدخل فيه العضو المبان من الآدمى ومن السمك والجراد ومشيمة الآدمى وهذه الاشياء طاهرة على المذهب الصحيح وكذلك يدخل فيها شعر الآدمى لانه غير منتفع به حتى يدخل في المستثنى وإذا لم يتناوله الاستثناء بقى داخلا في المستثنى منه ومع ذلك فهو طاهر فظهر تعذر العمل بالظاهر ووقوع الحاجة بالتأويل ومما ينبغى أن يتنبه له معرفة أن تفصيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 الشعور المبانة وتقسيمها إلى طاهر ونجس مبنى على ظاهر المذهب في نجاسة الشعور بالموت فان قلنا لا ينجس بالموت فلا ينجس بالابانة أيضا بحال * قال: (وأما الاجزاء المنفصلة عن باطن الحيوان فكل مترشح ليس له مقر يستحيل فيه فهو طاهر من كل حيوان طاهر كالدمع واللعاب والعرق وما استحال في الباطن فأصله علي النجاسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 كالدم والبول والعذرة الا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه وجهان وكذا في جزء الجراد والسمك وما ليس له نفس سائلة وجهان لشبهها بالنبات) المنفصل عن باطن الحيوان قسمان أحدهما ما ليس له اجتماع واستحالة في الباطن وانما يرشح رشحا والثاني ما يستحيل ويجتمع في الباطن ثم يخرج فالاول كاللعاب والدمع والعرق فحكمه حكم الحيوان المترشح منه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 ان كان نجسا فهو نجس وان كان طاهرا فهو طاهر سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنتوضأ بما أفضلت الحمر فقال نعم وبما أفضلت السباع كلها ": حكم بطهارة السؤر وذلك يدل على طهارة اللعاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا معروريا لابي طلحة وركضه ولم يحترز عن العرق: والقسم الثاني كالدم والبول والعذرة وهذه الاشياء نجسة من الآدمى ومن سائر الحيوانات المأكول منها وغير المأكول: أما في غير المأكول فبالاجماع: وأما في المأكول فبالقياس عليه   قلت ويقبل في زكاة الحيوان منهما إذا كان اهلا للزكاة اه من هامش نسخة الاذرعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 لانها متغيرة مستحيلة: وذهب مالك وأحمد رحمهما الله إلى طهارة بول ما يؤكل لحمه وروثه وبه قال أبو سعيد الاصطخرى من أصحابنا واختاره القاضى الرويانى وتمسكوا بأحاديث مشهورة في الباب مع تأويلاتها ومعارضاتها وهل نحكم بنجاسة هذه الفضلات من رسول الله صلى الله عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 وسلم فيه وجهان قال أبو جعفر الترمذي لا لان اباطيبة الحاجم شرب دمه لم ينكر عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 وروى أن أم أيمن شربت بوله فقال إذا لا تلج النار بطنك ولم ينكر عليها ويروى شرب دمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 عن على وابن الزبير أيضا رضي الله عنهما وقال معظم الاصحاب حكمها حكمها من غيره قياسا وحملوا الاخبار على التداوى وقد روى أنه قال لا بي طيبة لا تعد الدم كله حرام وفي خرء السمك والجراد وبولهما وجهان أظهرهما النجاسة قياسا على غيرهما لوجود الاستحالة والتغير وبه قال أبو حنيفة وكذا في زرق الطيور الا الدحاجة والثاني الطهارة لجواز ابتلاع السموك حية وميتة واطباق الناس على أكل المملحة منها على ما في بطونها وكذلك في خرء ما ليس له نفس سائلة وجهان أظهرهما النجاسة: والثاني لا لان الرطوبة المنفصلة منه كالرطوبة المنفصلة من النبات لمشابهة صورته بعد الموت صورته في الحياة ولهذا لم يحكم بنجاسة بالموت على رأي ولهذا بنى بعضهم الخلاف في طهارة روثه على الخلاف في نجاسة بالموت * ونعود بعد هذا إلى ألفاظ الكتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 أما قوله فكل مترشح ليس له مقر يستحيل فيه فالمراد منه القسم الاول: وقوله وما استحال في الباطن فالمراد منه القسم الثاني: والتعرض للترشح في الاول انما وقع لان الغالب فيه الخروج علي هيئة الترشح لا أنه من خواصه أو أن الطهارة منوطة به ألا ترى أن الدم والصديد قد يترشحان من القروح والنفاطات وهما نجسان وقوله ليس له مقر يستحيل فيه لا يلزم من ظاهره ألا يكون مستحيلا أصلا لجواز أن يكون مستحيلا لا في مقرفان الدمع وسائر ما يقع في هذا القسم لا يستحيل أصلا فالتعرض لنفي المقر ضرب من التأكيد والبيان وان كان يستحيل لا في المقر فالحكم منوط بنفى الاستحالة في المقر لا بمطلق نفى الاستحالة وحينئذ يكون قوله وما استحال في الباطن منصرفا إليه * والمعنى وما استحال في مقر في الباطن وقوله كالدم والبول والعذرة ينبغى أن يعلم البول والعذرة بالميم والالف والواو اشارة إلى ما حكينا من مذهب مالك واحمد والاصطخري بل لا بأس باعلام الدم ايضا بالواو لان في المتحلب من الكبد والطحال وجها أنه طاهر وكذلك في دم السمك والله أعلم * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 قال (والالبان طاهرة من الآدمي (ح) ومن كل حيوان مأكول: والانفحة مع استحالتها في الباطن قيل بطهارتها لحاجه الجبن إليها) * اللبن من جملة المستحيلات في الباطن الا أن الله تعالى من علينا بألبان الحيوانات المأكولة فقال تعالى (وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها) الآية وجعل ذلك رفقا عظيما بالعباد * وأما غير المأكول فان كان نجسا فلا تخفى نجاسته منه وان كان طاهرا فهو إما آدمي أو غيره أما الآدمي فلبنه طاهر إذ لا يليق بكرامته أن يكون نشؤه على الشئ النجس ولانه لم ينقل أن النسوة أمرن في عصره بغسل الثياب والا بدان مما يصيبهن من اللبن وحكي وجه أنه نجس كسائر ما لا يؤكل وانما يربى الصبى به لضرورة: وأما غير الآدمي فالمذهب نجاسة لبنه على قياس المستحيلات وانما خالفنا في المأكول تبعا للحم وفي الادمي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 لكرامته: وعن أبي سعيد الاصطخرى انه طاهر كالسؤر والعرق * وإذا عرفت ذلك فالمعتبر عنده في طهارة اللبن طهارة الحيوان لا كونه مأكولا. فلا بأس لو أعلمت المأكول في قوله ومن كل حيوان مأكول بالواو. لانه مذكور قيدا في الطهارة. وكذلك قوله من الآدمى للوجه الذى رويناه * ومما يستثنى من المستحيلات الانفحة في أصح الوجهين: ولم يذكر كثيرون سوا أنها طاهرة لاطباق الناس على أكل الجبن من غير انكار والثاني أنها نجسة على قياس الاستحالة فان الانفحة لبن مستحيل في جوف السخلة وانما يجرى الوجهان بشرطين احدهما أن يؤخذ من السخلة المذبوحة فان ماتت فهي نجسة بلا خلاف والثاني الا تطعم الا اللبن والا فهي نجسة بلا خلاف * قال (والمنى طاهر من الآدمى (م) وفي سائر الحيوانات الطاهرة ثلاثة أوجه تخصص الطهارة في الثالث بمأكول اللحم منها لانه يشبه بيض الطير المأكول وفي بزر القز وبيض ما لا يؤكل لحمه وجهان: أما دود القز فطاهر والمسك طاهر وفأرته كذلك على الاظهر) * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 المني قسمان مني الآدمى ومنى غيره فاما منى الآدمى فهو طاهر لما روى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصلى فيه وفي رواية وهو في الصلاة والاستدلال بها أقوى ولانه مبدأ خلق الآدمى فاشبه التراب فان قيل هذا منقوض بالعلقة والمضغة قلنا أصح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 الوجهين فيهما الطهارة أيضا وحكي بعضهم عن صاحب التلخيص قولين في مني المرأة وحكي آخرون عنه أن منى المرأة نجس وفي منى الرجل قولان وهذا أقوى النقلين عنه ويوجه القول بنجاسة المنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وهو مذهب أبى حنيفة ومالك بما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال يغسل الثوب من البول والمذى والمنى وبما روى أنه عليه السلام قال لعائشة رضي الله عنها اغسليه رطبا وافركيه يابسا وإذا نصرنا ظاهر المذهب حملنا هما علي الاستحباب جمعا بين الاخبار * والمذهب الاول وهو طهارة المنى من الرجل والمرأة نعم قال الائمة ان قلنا رطوبة فرج المرأة نجسة نجس منيا بملاقاتها ومجاورتها وليس ذلك لنجاسة المنى في أصله بل هو كما لو بال الرجل ولم يغسل ذكره فان منيه ينجس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 بملاقات المحل النجس * وأما مني غير الآدمى فينظر ان كان ذلك الغير نجسا فهو نجس: وان كان طاهرا ففيه ثلاثة أوجه أظهرها أنه نجس لانه مستحيل في الباطن كالدم وانما حكم بطهارته من الآدمى تكريما له والثاني أنه طاهر لانه أصل حيوان طاهر فاشبه منى الآدمى: والثالث انه طاهر من المأكول نجس من غيره كاللبن * وبيض الطائر المأكول طاهر كلبن الانعام: وفي بيض ما لا يؤكل لحمه وجهان كما في منيه والاظهر النجاسة: ويجرى الوجهان في بزر القز فانه أصل الدود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 كالبيض فانه أصل الطير وفيه معني آخر وهو أن الدود من جملة ما ليس له نفس سائلة وقد ذكرنا في روث ما ليس له نفس سائلة وجهين فان كان البزر روثا عاد فيه ذلك الخلاف وان لم يكن روثا بل كان بيضا له فإذا كان روثه على الخلاف فبيضه أولى أن يكون كذلك * وأما دود القز فلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 خلاف في طهارته كسائر الحيوانات * وليس المسك من جملة النجاسات وان قيل انه دم لانه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعمله وكان أحب الطيب إليه * وفي فأرته وجهان: أحدهما النجاسة لانها جزء انفصل من حى وأظهرهما الطهارة لانه منفصل بالطبع كالجنين ولان المسك فيها طاهر ولو كانت نجسة لكان المظروف نجسا وموضع الوجهين ما إذا انفصلت في حياة الظبية أما لو انفصلت منها بعد موتها فهى نجسة كالجنين واللبن وحكي وجه آخر انها طاهرة كالبيض المتصلب: وألفاظ الكتاب في هذه المسائل بينه: نعم قوله في مني غير الآدمى يخصص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 الطهارة في الثالث بمأكول اللحم منه لانه أشبه بيض الطير يقتضى ظاهره أن تكون الطهارة في البيض مخصوصة ببيض المأكول وفاقا وليس كذلك بل في بيض غير المأكول وجهان كما في منى غير المأكول فالمراد تشبيه مني المأكول ببيض المأكول لا ثبات الطهارة فيه من جهة أن كل واحد منهما أصل الحيوان المأكول لا لتخصيص الطهارة به ولا خلاف في طهارة بيض المأكول وصاحب الوجه الثالث يقول ينبغى أن يكون المنى كذلك وأما من غير المأكول فيبقي علي قياس المستحيلات * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 (قال) (الفصل الثاني في الماء الراكد) (والقليل منه ينجس بملاقاة النجاسة وان لم يتغير: والكثير لا ينجس الا إذا تغير ولو يسيرا وإن زال التغير بطول المكث عاد طهورا وان زال بطرح المسك والزعفران فلا: وان زال بطرح التراب فقولان للتردد في أنه مزيل أو سائر) الماء قسمان راكد وجار وبينهما بعض الاختلافات في كيفية قبول النجاسة وزوالها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 فلا بد من التمييز بينهما: أما الراكد فينقسم إلى قليل وكثير وسيأتى معناهما: أما القليل فينجس بملاقاة النجاسة تغير بها أم لا روى أنه صلى الله عليه وسلم قال إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا ويروى نجسا والمعنى أنه يدفعه ولا يقبله فدل ان ما دون القلتين يقبله: وقد استوى حكم القليل والكثير عند التغير فيرجع الفرق إلى النجاسة من غير التغير ويدل عليه أنه يستحب غسل اليدين للمستيقظ من النوم قبل إدخالهما الاناء وفي الخبر تعليل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 ذلك باحتمال النجاسة وهو قوله صلى الله عليه وسلم فانه لا يدرى أين باتت يده ولولا أن قيل النجاسة يؤثر في الماء القليل لما كان لهذا الاستحباب معني وقال مالك لا ينجس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 القليل الا بالتغير كالكثير لقوله صلى الله عليه وسلم خلق الماء طهورا لا ينجسه شئ إلا ما غير طعمه أو ريحه واختاره القاضى الروياني في الحلية: والشافعي رضى الله عنه حمل هذا الخبر على الكثير لانه ورد في بئر بضاعة وكان ماؤها كثيرا: وأما الكثير فينجس إذا تغير بالنجاسة لقوله صلى الله عليه وسلم خلق الماء طهورا الخبر نص على الطعم والريح وقاس الشافعي رضى الله عنه اللون عليهما: وان لم يتغير نظر ان كان ذلك لقلة النجاسة واستهلاكها فيه لم ينجس الماء لقوله صلى الله عليه وسلم لم يحمل خبثا وهل يستعمل جميع ذلك الماء أم يبقى قدر النجاسة: فيه الوجهان المذكوران من قبل: وان كان عدم التغير لموافقتها الماء في الاوصاف فيقدر بما يخالف على ما سبق: ثم لو طال مكث الماء وزوال تغيره بنفسه عاد طهورا لان الاصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 في الماء الطهورية وانما حكمنا بنجاسة الكثير منه لمكان التغير فإذا زال سبب النجاسة عمل المقتضى للطهارة عمله: وحكي في التتمة وجها عن الاصطخرى انه إذا زال التغير بنفسه لا يطهر وكما لم ينجس الا بوارد عليه لا يطهر الا بوارد عليه: ولو طرح فيه المسك فلم توجد رائحة النجاسة أو الزعفران فلم يوجد لونها أو الخل فلم يوجد طعمها فلا يعود طهورا لانا لا ندرى أن أوصاف النجاسة زالت أم غلب عليها المطروح فيه فسترها بل الظاهر الاستتار ألا ترى أن ذكاء رائحة المسك يغلب الروائح الكريهة بحيث لا يحس بها ثم إذا فترت رائحة المسك حصل الاحساس بها: وان طرح فيه التراب فلم يكف التغير فهل يعود طهورا فيه قولان أحدهما ويروى عن المزني نعم لان التراب لا يغلب عليه شئ من الاوصاف الثلاثة حتى يفرض ستره إياها فإذا لم يصادف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 تغييرا أشعر ذلك بالزوال وأصحهما انه لا يعود طهورا لانه وان لم تغلب عليه هذه الاوصاف إلا أنه يكدر الماء والكدورة من اسباب الستر فلا يدرى معها ان التغير زائل أو مغلوب * ووجه بعضهم القول الاول بان التراب بوافق الماء في الطهارية فيتعاونان في دفع النجاسة ولهذا يجمع بينهما في ازالة النجاسة المغلظة * وهذا التوجيه يليق بمن يزعم اختصاص القولين بالتراب لكن الطريقة الصحيحة طرد القولين في الجص والنورة التي لم تطبخ وغير ذلك مما لا يكون الوصف المتغير من الماء غالبا عليه * هذا فقه الفصل * ثم نتكلم فيما يتعلق بألفاظ الكتاب من الفوائد أما قوله والقليل منه ينجس بملاقاة النجاسة وان لم يتغير يدخل فيه النجاسة المجاورة والمخالطة ولا يدخل فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 ما إذا تروح الماء بجيفة ملقاة على شط النهر لانه لا ملاقاة واعلم أنه ليس المراد تأثر الماء القليل بملاقات كل نجاسة فان من النجاسات ما لا يؤثر فيه كميته ما لا نفس له سائلة على الجديد كما سبق كالنجاسة التى لا يدركها الطرف وكما إذا ولغت الهرة بعد نجاسة فمها في ماء قليل وفيها خلاف سيأتي وانما الغرض بيان كيفية التأثر ان التغير غير معتبر فيه وأما ان النجاسة المؤثرة أية نجاسة فذلك شئ آخر * وأما قوله والكثير لا ينجس الا إذا تغير تغيرا يسيرا هكذا في أكثر النسخ ورأيت في بعضها طرح قوله تغيرا يسيرا لانه يوهم التقييد باليسير ومتى كان التغير اليسير قادحا فالفاحش أولي أن يكون قادحا فيستحيل التقيد ياليسير فان طرح فذاك * وقوله الا إذا تغير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 يشمل اليسير والفاحش وان لم يطرح فالمراد الا إذا تغير وان كان تغيرا يسيرا لا كالتغير بالطاهرات فانه انما يسلب الطهورية إذا تفاحش: ثم ننبه لامور أحدها قوله والكثير لا ينجس الا إذا تغير لا يمكن العمل بظاهره لانه يقتضي أن لا ينجس إذا لم يتغير أصلا وليس كذلك لما ذكرنا أنه لو لم يتغير للموافقة في الاوصاف تعذر كونه مخالفا فان كان بحيث تغير لو كان مخالفا فالماء نجس وان لم يتغير: فإذا اللفظ محتاج إلى التأويل: الثاني قوله الا إذا تغير يعم التغير بالنجاسة المخالطة والمجاورة والنوعان يسلبان الطهارة على ظاهر المذهب وفي وجه التغير بالنجاسة المجاورة لا يسلب الطهارة كما أن التغير بالطاهر المجاور لا يسلب الطهورية فلو أعلم قوله الا إذا تغير بالواو اشارة إلى هذا الوجه لم يكن ممتنعا: الثالث قضية اللفظ أنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 لا ينجس الا إذا تغير كله أما إذا تغير بعضه فلا لان قوله إذا تغير صفة الكثير وذلك يتناول الكل الا ترى انه إذا تغير البعض يصح أن يقال ما تغير هذا الماء وانما تغير بعضه أو طرف منه ولكن ظاهر المذهب نجاسة الكل. وان كان المتغير البعض وهو المذكور في المهذب وغيره وخرج وجه أنه لا ينجس الا لقدر المتغير وهذا يوافق ظاهر اللفظ وأما قوله وان زال بطرح التراب فقولان للتردد في انه مزيل أو ساتر ففيه استدراك لفظي وهو ان قوله وان زال فرض المسألة في الزوال مع الفرض في الزوال كيف ينتظم التردد في أن الحاصل زوال أم لا: وأشد من هذا قوله في الوسيط وان زال بطرح المسك والزعفران فلا لانه استتار لا زوال فطريق الجواب التأويل اما بحمل الزوال الاول علي فقد التغير وحمل الثاني على الحقيقة وأما باضمار بأن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 يقال المعنى وان اعتقد الزوال أو ما أشبه ذلك وذكر بعضهم أن هذا الخلاف في مسألة التراب مفروض في تغير الرائحة أما لو تغير اللون لم يؤثر طرح التراب فيه بحال والاصول المعتمدة ساكتة عن هذا التفصيل * قال (والكثير قلتان (ح) لقوله عليه الصلاة والسلام إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا والاشبه أنهما ثلثمائة من تقريبا لا تحديدا) * روينا الخبر الوارد في اعتبار القلتين وفي بعض الروايات إذا بلغ الماء قلتين بقلال هجر ثم روى الشافعي رضى الله عنه عن ابن جريج أنه قال رأيت قلال هجر فالقلة منها تسع قربتين أو قربتين وشيئا واحتاط الشافعي رضى الله عنه فحسب الشئ نصفا لانه لو كان فوق النص لقال تسع ثلاث قرب الاشيئا وهذا عادة أهل اللسان: فإذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 جملة القلتين خمس قرب واختلفوا في تقدير ذلك بالوزن علي ثلاثة أوجه أحدها ذهب أبو عبد الله الزهري رحمة الله عليه إلى أن القلتين ثلثمائة من لان القلة ما يقله البعير ولا يقل الواحد من بعر ان العرب غالبا أكثر من وسق والوسق ستون صاعا وذلك مائة وستون منا فالقلتان ثلثمائة وعشرون يحط منها عشرون للظروف والحبال يبقى ثلثمائة وهذا اختيار القفال والاشبه عند صاحب الكتاب: والثاني ان القلتين ألف رطل لان القربة قد تسع مائة رطل فالاحتياط الاخذ بالاكثر ويحكي هذا عن أبي زيد: والثالث وهو المذهب أن القلتين خمسمائة رطل مائتان وخمسون منا بالبغدادي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 لان القربة الواحدة لا تزيد على مائة رطل في الغالب ويحكي هذا عن نص الشافعي رضى الله عنه ثم ذلك معتبر بالتقريب أم بالتحديد فيه وجهان أصحهما وهو الذى ذكره في الكتاب أنه معتبر بالتقريب لان ابن جريج رد القلة إلى القرب تقريبا والشافعي رضى الله عنه حمل الشئ علي النصف احتياطا وتقريبا والقلال في الاصل تكون متفاوتة أيضا كما نعهده اليوم في الحباب والكيزان والثاني أنه معتبر بالتحديد كنصاب السرقة ونحو ذلك فان قلنا بهذا لم نسامح بنقصان شئ وان قلنا بالاول فنسامح بالقدر الذى لا يتبين بنقصانه تفاوت في التغير بالقدر المعين من الاشياء المغيرة وعند أبي حنيفة وأصحابه لااعتبار بالقلال وانما الكثير هو الذى إذا حرك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 جانب منه لم يتحرك الثاني هذه رواية ولهم روايات سواها * قال (فروع خمسة الاول يدركه الطرف من النجاسة الاول ما لا يدركه الطرف من النجاسة اضطرب فيه نص الشافعي رضى الله عنه والاقرب ان ما انتهت قلته إلى حد لا يدركه الطرف مع مخالفة لونه للون ما يتصل به فلا يدخل تحت التكليف التحفظ عنه وما يدركه عند مخالفة اللون فينبغي أن لا يعفى عنه لا في الثوب ولا في الماء) * النجاسة التى لا يدركها الطرف كنقطة الخمر والبول التى لا تبصر والذبابة تقع على النجاسة ثم تطير عنها هل تؤثر كالنجاسة المدركة أم يعفى عنها لفظه في المختصر بشعر بأنها لا تؤثر ونقل عن الام انه لا فرق بينها وبين النجاسة المدركة وعن الاملاء التسوية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 بينهما في الثوب واختلف الاصحاب فيه على سبعة طرق: أحدها أن في تأثيرها في الماء والثوب قولين: والثاني أنها تؤثر فيهما بلا خلاف: والثالث لا تؤثر فيهما بلا خلاف: والرابع تؤثر في الماء وفي الثوب قولان: والخامس تؤثر في الثوب وفى الماء قولان: والسادس تؤثر في الماء دون الثوب بلا خلاف: والسبع تؤثر في الثوب دون الماء بلا خلاف: فهذا هو اضطراب النص ومقالات الاصحاب: وأما التوجيه فمن ألحق هذه النجاسة بما يدركه بما يدركه الطرف قال الظواهر المقتضية لاحتساب النجاسة عامة تتناول التى يدركها الطرف والتى لا يدركها ومن سامح بهذه النجاسة علل بتعذر الاحتراز فان الذباب يقع على النجاسات ثم يطير ويقع في الماء وعلى الثياب فأشبه دم البراغيث وسائر ما يتعذر الاحتراز عنه: ومن قال تؤثر في الماء دون الثوب فرق من وجهين أحدهما أن صون الماء بتغطية رأس الاناء ممكن بخلاف الثياب: والثاني أن الذبابة إذا ارتفعت عن النجاسة جف ما نجس منها بالهواء فلا يؤثر في الثوب ويؤثر في الماء فلو كان الثوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 رطبا كان كالماء: ومن قال يؤثر في الثوب دون الماء قال الماء أقوى على دفع النجاسات بدليل الماء الكثير: وأما ما ذكره حجة الاسلام رحمه الله من أنه ان انتهت القلة إلى حد لا يدرك مع مخالفة لونه للون ما يتصل به فهو معفو عنه في الماء وغيره والا فلا: فهذا تفصيل لا نراه لغيره ووجهه في غير الوجيز بأن قال إذا بلغت القلة الحد المذكور كانت هذه النجاسة كما تحملها الرباح من النجاسات مثل الذر وتبثها على المياه والثياب ومعلوم أن ذلك مما لا يبالى به فكذلك ههنا ولك أن تقول غير هذا التفصيل أجود منه لان الكلام فيما لا يدركه الطرف لقلته لا للموافقة في اللون وما لا يدرك لقلته لا يدرك اختلف اللون أو اتفق: فأحد القسمين وهو أن يكون بحيث يدرك عند اختلاف اللون خارج عن صورة المسألة وانما صورتها القسم الثاني ثم القول فيه بالعفو اختيار القول المنقول في عدم تأثير هذه النجاسة في الماء والثوب جميعا: وظاهر المذهب عند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 المعظم خلافه: ثم في عبارة الكتاب بسط وتطويل ولا يخفى ايراد الغرض في أقصر منها لمن يبتغى الايجاز * قال (الثاني قلتان نجستان غير متغرتين إذا جمعتا ولا تغير عادتا طاهرتين فإذا فرقتا بقيتا على الطهارة ولم يضر التفريق بينهما الا إذا كانت النجاسة جامدة فبقيت في إحدى القلتين) * الماء القليل النجس إذا كوثر حتى بلغ قلتين هل يعود طهورا نظر: إن كوثر بغير الماء فلا بل لو كمل الماء الناقص عن القلتين بماء ورد وصار مستهلكا فيه ثم وقعت فيه نجاسة تنجس وان لم يتغير وانما لا تقبل النجاسة قلتان من محض الماء على ما قال صلى الله عليه وسلم إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا وان كوثر بالماء نظر ان كان مستعملا ففى عود الطهورية وجهان: أحدهما لا يعود لا نسلاب قوة المستعمل والتحاقه بسائر المائعات: وأظهرها تعود لان الاصل فيه الطهورية والضعف الذى عرض له ليس بأكثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 من أن تعرض له النجاسة: ولو كوثر الماء النجس بماء نجس ولاتغير: عادت الطهورية ومأخذ هذا الخلاف كمأخذ الخلاف في أن المستعمل هل يعود بالكثرة طهورا: وان لم يكن مستعملا عادت الطهورية فان الاصل في الماء الطهورية والنجاسة عرضت لعلة القلة فإذا كثر عمل الاصل عمله ثم التفريق بعد عود الطهورية لا يضر كما لو كان الماء قلتين عند وقوع النجاسة فيه ولم يتغير ثم فرق: ولا فرق بين أن يقع التكميل بماء طاهر أو نجس في عود الطهورية: وصورة مسألة الكتاب ما إذا كان كل واحد من المكمل والمكمل نجسا: ثم لا يخفى أن عود الطهورية انما يكون بشرط عدم التغير في المجموع وهل يشترط أن لا يكون فيه نجاسة جامدة فيه خلاف التباعد: ولو كوثر الاءإ القليل بما يغلب عليه ويغمره ولكن لم يبلغ قلتين فهل تزول نجاسته فيه وجهان أظهرهما لا تزول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 وان قلنا بالزوال فهو طاهر غير طهور وذلك بشروط أحدها أن يكون التكميل بماء طاهر لا ينجس: والثاني أن يورد الطاهر على النجس: والثالث أن يكون المكمل أكثر من المكمل مما لا يكون فيه نجاسة وكل ذلك فيما إذا بلغ قلتين بخلافه: ويشترط أيضا أن لا يكون فيه نجاسة جامدة لا محالة: وقوله في الكتاب جمعتا عادتا طاهرتين في لفظ الجمع اشارة إلى ما ذكره الاصحاب أن المعتبر في المكاثرة الضم والجمع دون الخلط حتى لو كان أحد البعضين صافيا والآخر كدرا وانضما تزول النجاسة من غير توقف على الاختلاط المانع من التمييز وقوله عادتا معلم بالالف لما روى عن أحمد وعن أصحابه أنه لا تعود الطهارة: وليس المراد من قوله عادتا طاهرتين مجرد الطهارة بل مع الطهورية * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 قال (الثالث نجاسة جامدة وقعت في ماء راكد كثير يجوز الاغتراف من جوانبها على القول القديم هو الاقيس ويجب التباعد عنها بقدر القلتين في القول الجديد) إذا وقع في الماء الكثير الراكد نجاسة جامدة كالميتة فهل يجوز الاغتراف مما حوالى النجاسة أم يجب التباعد عنها بقدر القلتين فيه قولان القديم وهو ظاهر المذهب على خلاف الغالب أنه يجوز الاغتراف من أي موضع شاء ولا حاجة إلى التباعد لانه طاهر كله فيستعمله المستعمل كيف شاء والدليل على أنه طاهر كله قوله صلى الله عليه وسلم إذا بلغ الماء قلتين الخبر: والجديد أنه يبعد عن النجاسة بقدر قلتين ثم يغترف لان ما دون القلتين مما يجاور النجاسة لو كان وحده لكان مجتنبا فكذلك إذا كان معه غيره وأثر الكثيرة دفع النجاسة عما وراء ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 القدر قال من نصر المذهب ذلك القدر المجتنب لو كان وحده محكوم له بالنجاسة في حالة الانفراد فاما أن يكون محكوما له بالنجاسة ههنا أيضا أولا يكون ان يكن فقد تغير حكمه عما كان عليه وحده وان كان فلينجس ما يجاوره بمجاورته كما ينجس هو بمجاورة النجاسة وهكذا حتى تنتشر النجاسة الي الكل لا يقال هذا مائع وذلك جامد وحكم النجاسة المائعة أخف الا ترى ان النجاسة المائعة لو وقعت في ماء كثير وانغمرت فيه جاز استعمال الكل لانا نقول إذا كان حكم النجاسة المائعة ما ذكرتم فلنأخذ حكم الطهارة ههنا أيضا لا تصاله بالملا الكثير وحصوله فيه وإذا كان طاهرا وجب أن يجوز الاغتراف والاستعمال واعلم ان من أصحابنا العراقيين من حكى خلاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 التباعد وجهين ونقل القولين أثبت فان فرعنا على وجوب التباعد فلا يكفي ان يبعد في البحر بقدر شبر على أحد العمق في حساب القلتين بل يتباعد بقدر القلتين في ابعاد متماثلة طولا وعرضا وعمقا فان كان الماء في موضع لا يتاتي فيه ذلك كما لو وقف في موضع منبسطا من غير عمق يتباعد في الطول والعرض قدر ما يبلغ قلتين في ذلك العمق وقال الامام محمد بن يحي رضي الله عنه لا يغنى التباعد بقدر قلتين في هذه الصورة بل يبعد إلى حيث يعلم ان النجاسة لا تنتشر إليه كما يعتبره أبو حنيفة رحمة الله عليه في بعض الروايات في الماء الكثير ولو كان الماء قلتين بلا زيادة فعلى الجديد لا يجوز لاعتراف منه وعلى القديم يجوز ذلك في أصح الوجهين كما في الحالة الاولى والثاني لا لان المأخوذ بعض الباقي والباقي نجس بالانفصال فكذلك المأخوذ وينبني ان يبحث علي القولين في مسألة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 التباعد أهما في جواز الاستعمال وعدمه بعد الاتفاق علي الطهارة ام في الطهارة والنجاسة: وذلك يترتب عليه فان كان الثاني فلم تكلم الا كثرون في الاغتراف والاستعمال نفيا واثباتا واشتهرت المسألة بالتباعد وهلا تكلموا في الطهارة والنجاسة على المعهود في نظائره ثم يفرع عليه جواز الاستعمال وعدمه: وان كان الاول فيم يوجه المنع من الاستعمال مع الحكم بالطهارة ولم تكلم بعضهم في النجاسة ونفيها وفرض فيها الخلاف وهل هما طريقتان هذا موضع نظر وتأمل ويدل على الاحتمال الاول اخبار القلتين فانها تنفي نجاسة الماء الكثير وأيضا فقد صرح بعض المعلقين عن الشيخ أبي محمد بانه لا خلاف في الطهارة وانما الخلاف في جواز الاستعمال وأما لفظ الكتاب فاعلم ان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 قضية كلامه في وجوب اجتناب الحريم في الفصل الثالث يقتضي ان يكون مراده من قوله ههنا يجوز الاعتراف من جوازها على القول القديم ما وراء الحريم الا ان المذهب ان حكم الحريم حكم غيره على ما سيأتي * قال (الرابع كوز فيه ماء نجس غير متغير طريق تطهيره ان يغمس في ماء كثير فإذا استوى عليه الماء صار طهورا للاتصال به) إذا غمس كوز فيه ماء نجس في ماء طاهر هل يعود طهورا ان كان الكوز ضيق الرأس فوجهان أحدهما نعم لحصول الكثرة والاتصال وأصحهما لا لانه لا يحصل به ما يقيد تأثير أحدهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 بالاخر لان ماء الكوز كالمودع بظرفه فيه وليس معدود اجزءا منه وان كان واسع الرأس فعلى هذين الوجهين لكن الاظهر هنا الطهارة لتاثر كل واحد منهما بالآخر عند سعة رأس الاناء وحيث يحكم بعود الطهارة فتعود على الفور أم بعد أن تمكث زمانا: فيه وجهان أظهرهما لا تعود على الفور بل لابد من مضي زمان يزول فيه التغير لو كان متغيرا ولا شك أن ذلك الزمان يكون في ضيق الرأس أطول منه في واسعه وإذا عرفت ذلك فعد إلى الفاظ الكتاب: وأعلم مقوله صار طهورا بالواو للوجه الثاني لعود الطهارة والطهورية * وقوله فإذا استوى عليه الماء أيضا اشارة إلى الوجه الصائر إلى اشتراط المكث ثم تنبه لامور: أحدها قوله غير متغير ليس مذكورا للتقييد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 فانه لو كان متغيرا فزال التغير بالاتصال عادت الطهورية أيضا فكأنه تعرض لهذا الوصف لانه حكم بعود الطهورية باستواء الماء عليه وبتقدير التغير لا تعود الطهورية بمجرد استواء الماء بل لابد من زوال التغير: الثاني قوله فإذا استوى عليه ينبه على انه لو لم يكن الكوز ملانا وغمسه فيه فما دام يدخل فيه الماء فلا اتصال وهو علي نجاسته: الثالث حكم بالطهورية من غير التعرض للخلاف فان كان يختار ذلك سواء ضاق رأس الكوز أم اتسع فهو معمول بظاهره وان قال بالمنع عند ضيق الرأس كما حكينا انه ظاهر المذهب ففى الكلام اضمار تقديره كوز واسع الرأس فيه ماء نجس والاحتمال الثاني هو قضية كلامه في سائر كتبه * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 قال (الخامس فأرة وقعت في البئر فتمعط شعرها فالطريق إلى تطهيره ان يستقي الماء الموجود في البئر فما تحصل بعد ذلك فان رؤي فيه شعر فنجس والا فطهور إذ الاصل طهارته وبقاء الشعر مشكوك فيه وإخراج الجميع هو الغالب باستقاء الماء) ماء البئر كغيره في قبول النجاسة وزوالها: لكن ضرورة التدرج الي الاستقاء منها قد يخصه لضرب من العسر فان كان قليلا وقد تنجس بوقوع نجاسة فيه فليس من الرأى ان ينزح لينبع بعده الماء الطهور لانه وان نزح فقعر البئر يبقي نجسا وقد يفضى النزح الي تنجيس جدران البئر أيضا بل ينبغي ان يترك ليزداد ويبلغ حد الكثرة فان كانت قليلة الماء لا يتوقع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 كثرته صب فيها ماء من خارج حتى يكثر: وينبغي أن يزول التغير أيضا لو كان متغيرا فان كان ماؤها كثيرا وقد تنجس بالتغير فتكاثر إلى زوال التغير أو يترك بحاله حتى يزول التغير بطول المكث أو بازدياد الماء فلو تفتت الشئ النجس فيه كالفأرة تمعط شعرها فقد يبقى على طهوريته لكثرته وعدم التغير لكن يتعذر استعماله بسبب أنه لا ينزح منه دلو الا وفيه شئ من أجزاء النجاسة فينبغي أن يستقى الماء كله لتخرج الشعور في صحبته فان كان العين فوارة وتعذر استقاء الكل فينزح بقدر ما يغلب على الظن ان الشعر قد خرج معه كله فما يبقي بعد ذلك في البئر وما يحدث فيه فهو طهور لانه ماء غير مستيقن النجاسة ولا مظنون النجاسة ولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 أثر للشك والتردد في بقاء الشعر فيه ووقوعه فيما حدث لحصول الظن باخراج الجميع نعم ان تحقق شيئا بعد ذلك على خلاف الغالب اتبعه وقيل أن ينزج إلى الحد المذكور فإذا غلب على ظنه انه لا يخلو كل دلو عن شئ من النجاسة ولكنه لم يره ولا تيقنه فجواز الاستعمال على القولين في الاصل والغالب إذا تعارضا كما سيأتي نظائر ذلك واعلم ان فرض المسألة في تمعط الشعور مبنى علي نجاسة شعور الحيوانات بالموت فان لم ينجسها فليقع الفرض في سائر الاجزاء * قال (الفصل الثالث في الماء الجارى فان وقعت فيه نجاسة مائعة لم تغيره فهو طاهر إذا الاولون لم يحترزوا من الانهار الصغيرة) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 نشرح مسائل الماء الجارى علي ما ذكرها ورواها في الاصل ثم نردفها بما ينبغي فنقول الماء الجاري ينقسم إلى ماء الانهار المعتدلة وإلى ماء الانهار العظيمة * القسم الاول ماء الانهار المعتدلة والنجاسة الواقعة فيه اما أن تكون مائعة أو جامدة فان كانت مائعة فينظر هل تغير الماء ام لا فان غيرته فالقدر المتغير نجس وحكم غيره معه كحكمه مع النجاسة الجامدة وان لم تغيره فينظر ان كان عدم التغير للموافقة في الاوصاف فالحكم على ما ذكرنا في الراكد وان كان لقلة النجاسة وانمحاقها فيه لم ينجس الماء وان كان قليلا لان الاولين كانوا يستنجون على شطوط الانهار الصغيره ولا يرون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 ذلك تنجيسا لمياهها وهذه الحالة هي المرادة في الكتاب (وان كانت النجاسة جامدة تجري بجري الماء فما فوق النجاسة وتحتها طاهر لتفاصل جريات الماء وما علي جانبيها فيه طريقان قيل بطهارته وقيل بتخريجه علي قول التباعد: وان كانت النجاسة واقفة فالحكم ما سبق الا أن ما يجرى من الماء علي النجاسة وينفصل عنها فهو نجس فيما دون القلتين: فان زاد علي القلتين اعني ما بين المغترف والنجاسة فوجهان أظهرهما المنع الا أن يجتمع في حوض مترادا فان الجارى لا تراد له فهو متفاصل الاجزاء) أما إذا كانت النجاسة جامدة كالميتة فان غيرت شيئا من الماء فهو نجس وان لم تغير فينظر أتجرى مع الماء أم هي واقفة والماء يجرى عليها: فان كانت تجرى مع الماء فما فوقها الذى لم يصل النجاسة وما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 تحتها الذى لم يصل إليه النجاسة طاهران لتفاصل أجزاء الماء الجارى فان كل جرية منه طالبة لما أمامها هاربة عما خلفها بخلاف الراكد فان أجزاءه مترادة متعاضدة: وأما ما علي يمينها وشمالها وفي سمتها إلى العمق أو وجه الماء فيه طريقان: أحدهما القطع بالطهارة لما ذكرنا من تفاصل الاجزاء: والثاني التخريج على قولى التباعد كالراكد: والتفاصل انما يكون في طول النهر لا نحدار الماء فيه لا في العرض ومنهم من أجرى خلاف التباعد بما تحت النجاسة دون ما فوقها لان ما تحتها مستمد من موضعها وفى كلام العراقيين ما يقتضى طرده في جميع الجوانب فينبغي أن يعلم قوله فما فوق النجاسة وما تحتها طاهر بالواو اشارة إلى الخلاف المذكور: وان كانت النجاسة واقفة والماء يجرى عليها فالحكم كما لو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 كانت جارية مع الماء ونزيدها هنا أن ما يجرى من الماء على النجاسة وهو قليل ينجس بملاقاتها ولايجوز الاغتراف منها إذا كان بين النجاسة وموضع الاغتراف دون القلتين: فان بلغ قلتين في الطول فوجهان: أحدهما وبه قال صاحب التلخيص وأبو إسحق رحمهما الله انه طاهر يجوز الاغتراف منه لحيلولة قدر القلتين ودفعه النجاسة وأصحهما وبه قال ابن سريج انه نجس وان امتد الجدول فراسخ لما سبق ان أجزاء الماء الجارى متفاصلة فلا يتقوى البعض منها بالبعض ولا تندفع النجاسة الا بأن تجتمع في حوض أو حفرة مترادا وقد يسأل فيقال ماء هو الف قلة وهو نجس من غير أن يتغير بالنجاسة هذا صورته * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 قال (وهذا كله في الانهار المعتدلة فأما النهر العظيم الذي يمكن التباعد فيه عن جوانب النجاسة بقدر القلتين فلا يجتنب فيه الا حريم (و) النجاسة) ولا يعود فيه الخلاف الذى ذكرناه في التباعد عما حوالى النجاسة (وهو الذى تغير شكله بسبب النجاسة وهذا الحريم مجتنب أيضا في الماء الراكد) بينا انقسام الماء الجاري الي ماء الانهار المعتدلة وإلى ماء الانهار العظيمة وذكرنا حكم القسم الاول أما النهر العظيم فلا يجتنب فيه الا حريم النجاسة ولا يعود في الخلاف الذى ذكرناه في التباعد عما حوالي النجاسة: وحكي في البسيط وجها آخر أنه يجرى الخلاف في أيضا ولابد من بيان العظيم والحريم وقد أشار إلى تفسيرهما في الكتاب أما العظيم فقد قال هو الذى يمكن التباعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 فيه عن جوانب النجاسة كلها بقدر القلتين والمعتدل ما لا يمكن فيه ذلك ويدخل فيه الجداول الصغيره التى يجرى فيها الماء اليسير والانهار التى يبلغ ما بين حافتيها قدر قلتين ولكن لا يمكن التباعد فيها بقدر قلتين من كل جانب وذكر إمام الحرمين رضي الله عنه أن النهر المعتدل هو الذى يفرض تغيره بالنجاسات المعتادة والعظيم ما لا يمكن تغيره بها قال (والبعرة في النهر المعتدل كالجيفة في الوادي العظيم وأما الحريم فقد فسره بما يتغير شكله بسبب النجاسة) يعنى ما ينسب إلى النجاسة بتحريكه إياها وانعطافه عليها أو التفافه بها ولهذا اعتبر التغير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 في الشكل دون الرائحة وسائر الصفات وفي وجوب اجتناب الحريم وجهان حكاهما في البسيط أحدهما أنه لا يجتنب كغيره: والثاني وهو الذى ذكره ها هنا أنه يجتنب وان لم يوجب التباعد لانه في العيافة والاستقذار كالمتغير بالنجاسة: ثم قال وهذا الحريم مجتنب في الماء الراكد أيضا وذكر في البسيط أنه لا يجتنب في الماء الراكد وفرق بينه وبين الجارى علي أحد الوجهين بأن الراكد لا حركة له حتى ينفصل البعض عن البعض في الحكم فكما يجوز الاغتراف مما بعد من النجاسة يجوز الاغتراف من جوارها وهذه الاختلاف تقتضي اعلام المستثنى والمستثني منه في قوله فلا يجتنب فيه الا حريم النجاسة لان منهم من أوجب اجتناب غير الحريم ومنهم من لم يوجب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 اجتناب الحريم أيضا وكذلك اعلام قوله: وهذا الحريم يجتنب أيضا في الماء الراكد: فهذا شرح ما ذكره ونعود إلى الموعود ونذكر أمورا من شرط محصل هذا الكتاب أن يعرفها: أحدها حكمه بطهورية القليل من الجارى إذا وقعت فيه نجاسة مائعة ولم تغيره كانه اختيار القول القديم الذى حكاه صاحب التلخيص وغيره في أن الماء الجارى لا ينجس الا بالتغير وذلك القول قد اختاره طائفة من الاصحاب ووجهوه بشئ آخر سوى ما ذكره في الكتاب: وهو أن الماء الجارى وارد على النجاسة فلا ينجس إلا بالتغير كالماء الذى تزال به النجاسة لكن المذهب الذى عليه الجمهور الفرق بين القليل والكثير كما في الراكد ونجاسة القليل بمجرد الملاقاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 ويدل عليه الاخبار الفارقة بين القليل والكثير فانها تعم الراكد والجارى: والثاني لم يتعرض في تفصيل النجاسة الجامدة للفرق بين القليل من الماء والكثير ولابد منه لانه لا يمكن أن تكون مسائله كلها مفروضة في الكثير وحده ولا في الكثير والقليل جميعا وإلا كان الوجهان في نجاسة الماء الجارى علي الميتة جاريين في الكثير الذى تبلغ كل جرية منه قلتين فصاعدا وهو محال ولا يمكن أن تكون كلها مفروضة في القليل وحده والا كان خلاف التباعد جاريا فيما علي يمين النجاسة ويسارها مع قلة الماء وهو بعيد بل الوجه الحكم بالنجاسة عند القلة وكذلك ذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 صاحب التهذيب وغيره: الثالث قضية كلام الا كثرين تصريحا وتلويحا انه لا فرق بين الحريم وغيره لا في الراكد ولا في الجارى على خلاف ما ذكره لانه اما أن يكون طاهرا في نفسه أو نجسا ان كان طاهرا فلا معنى لوجوب الاجتناب: وان كان نجسا فيلزم نجاسة ما يجاوره بملاقاته حتي يتعدى الي جميع الراكد والي جميع ما في عرض النهر في الماء الجارى * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 قال (الفصل الرابع في ازالة النجاسة) (فان كانت حكيمة فيكفى اجراء الماء على موردها وان كانت عينية فلابد من ازالة عينها فان بقى طعم لم يطهر لان ازالته سهل وان بقي لون بعد الحت والقرض فمعفو عنه والرائحة كاللون علي الاصح) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 الشئ النجس ينقسم إلى نجس العين وغيره أما نجس العين فلا يطهر بحال الا الخمر تطهر بالتخلل وجلد الميتة يطهر بالدباغ والعلقة والمضغة والدم الذى هو حشو البيض إذا نجسناها فاستحالت حيوانا: وأما غيره فالنجاسة تنقسم إلى حكيمة وإلى عينية: أما الحكيمة فهي التى لا تحس مع تيقن وجودها كالبول إذا جف على المحل ولم توجد له رائحة ولا أثر فيكفى اجراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 الماء على موردها إذ ليس ثم ما يزال ولا يجب في الاجزاء عدد خلافا لابي حنيفة حيث شرط في ازالة النجاسة الحكمية الغسل ثلاثا في رواية: وفي رواية الشرط أن يغلب على ظن الغاسل طهارته ولا حمد رحمه الله حيث قال في احدى الروايتين يشترط الغسل سبعا في جميع النجاسات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 كما في نجاسة الكلب: لنا قوله صلى الله عليه وسلم لاسماء رضى الله عنها حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء أمر بالغسل من غير اعتبار عدد، وأما العينية فلا يكفى فيها اجراء الماء بل لا بد من محاولة ازالة أوصافها الثلاثة الطعم واللون والرائحة أو ما وجد منها فان بقي طعم لم يطهر سواء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 بقى مع غيره من الصفات أو وحده لان الطعم سهل الازالة ويظهر تصويره فيما إذا دميت لثته أو تنجس فوة بنجاسة اخرى فغسله فهو غير طاهر مادام يجد طعمه في فيه وان لم يبق الطعم نظر: ان بقى اللون وحده وكان سهل الازالة فلا يطهر: وان كان عمر الازالة كدم الحيض يصيب الثوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 وربما لا يزول بعد المبالغة والاستعانة بالحت والقرص فيطهر لما روى أن نسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم سألنه عن دم الحيض يصيب الثوب وذكرن أن لون الدم يبقى فقال ألطخنه بزعفران المعنى أن اللون الباقي لا أثر له فان كرهتن رؤيته فالطخنه بزعفران وعن خولة بنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 يسار قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض فقال اغسليه فقلت اغسله فيبقى أثره فقال يكفيك ولا يضرك اثره وان بقيت الرائحة وحدها وهي عسرة الازالة كرائحة الخمر فهل يطهر المحل فيه قولان: وقيل وجهان والاول اصح أحدهما لا: لان بقاء الرائحة يدل على بقاء العين فصار كالطعم وهذا هو القياس في اللون لكن منعنا عنه الاخبار: والثاني وهو الاصح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 يطهر لانا انما احتملنا بقاء اللون لمكان المشقة في ازالته وهذا المعنى موجود الرائحة وروى في اللون ايضا وجه أنه لا يطهر المحل مادام باقيا ذكره في التتمة ونسبه امام الحرمين إلى صاحب التلخيص فلو اعلمت قوله فمعفو اشارة إلى هذا الوجه لما كان به بأس وان بقى اللون والرائحة معا فلا يطهر المحل لقوة دلالتهما على بقاء العين وفيه وجه ضعيف ويتبين لك بما حكيناه أن قوله فان بقي طعم لم يطهر مجري على اطلاقه لانه لا فرق بين أن يبقى وحده أو مع غيره في الصفات الثلاث: وقوله في الرائحة واللون غير محمول على اطلاقه بل المراد ما إذا كان كل واحد منهما وحده: ثم لك في قوله وان بقي لون بعد الحت والقرص فمعفو مباحثتان أحداهما: الاستعانة بالحت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 والقرص وهل هي شرط أم لا: ظاهر كلامه يقتضى الاشتراط وبه يشعر نقل بعضهم لكن الذى نص عيله المعظم خلافه واحتجوا عليه بحديث خولة واقتصروا على الاستحباب: الثانية لم قال فمعفو ولم يقل فطاهر: أهو نجس لكن يعفى عنه: أم كيف الحال: أطلق الا كثرون القول بالطهارة ويجوز أن يقال أنه نجس لكن يعفى عنه كما في أثر محل الاستنجاء ودم البراغيث: وليس في الاخبار تصريح بالطهارة وانما يقتضي العفو والمسامحة: وقد تعرض في التتمه لمثل هذا في الرائحة فقال ان قلنا لا يطهر فهو معفو عنه كدم البراغيث * قال (ثم يستحب الاستظهار بغسلة ثانية وثالثة وفي وجوب العصر وجهان فان وجب العصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 ففى الاكتفاء بالجفاف وجهان) قوله ثم يستحب الاستظهار يجوز أن يقرأ بالطاء والظاء فالاستطهار طلب الطهارة والاستظهار طلب الاحتياط وهذا كما قال الشافعي رضي الله عنه في المبتدأة المميزة إذا استحيضت ولا يجوز لها أن تسظهر بثلاثة أيام قرئ بهما جميعا والغرض ان التثليث مستحب في ازالة النجاسة كما في رفع الحدث واحتجوا عليه بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستيقظ من نومه بان لا يغمس يده في الاناء حتي يغسلها ثلاثا لتوهم النجاسة فعند تحققها أولي وانما يتأدى الاستحباب إذا وقعت المرة الثانية والثالثة بعد زوال النجاسة: أما الغسلات المحتاج إليها لا زالة النجاسة فلا بد منها: واستحباب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 الاستظهار يشمل النجاسة الحكمية والعينية وقد حكينا عن مذهب احمد ان العدد واجب في ازالة النجاسات مطلقا فينبغي أن يكون قوله ثم يستحب معلما بالالف: وأما العصر فقد اختلفوا في حصول الطهارة قبله على وجهين وبنوهما على ان الغسالة طاهرة أم نجسة: ان قلنا انها طاهرة فلا حاجة إلى العصر وهو الاصح: والا فالغسالة باقية فلا تطهر وعلى هذا هل يكتفى بالجفاف: فيه وجهان أصحهما نعم: لان زوال الغسالة بالجفاف أبلغ منه بالعصر: والثاني لا: لانا بالعصر نتوهم انتقال أجزاء النجاسة في صحبة الماء وعند الجفاف لا يزول الا بلل الماء وتبقي أجزاء النجاسة: وقد يستدرك على العبارة التى ذكرها في تفريع الوجهين في الجفاف على وجوب العصر لان التفريع على الشئ لا ينبغي أن يرفع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 الاصل ومن قال يطهر بالجفاف لا ينتظر منه القول بوجوب العصر واشتراطه بل الشرط عنده زوال البلل اما بالعصر أو بالجفاف فالعبارة السليمة أن يقال غسل المحل ولم يعصر هل يطهر مع بقاء البلل فيه وجهان: ان قلنا لا يطهر فهل يطهر إذا جف فيه وجهان * قال (فروع سبعة الاول إذا أورد الثوب النجس على ماء قليل نجس الماء ولم يطهر الثوب على الاظهر) ما سبق من طهارة المحل بالغسل اما مع العصر أو دونه فيما إذا كان الماء واردا على المحل أما لو ورد المحل النجس كالثوب نغمس في إجابة فيها ماء ويغسل فيه فهل يطهر فيه وجهان قال ابن سريج يطهر كما لو كان الماء واردا عليه وقال الاكثرون وهو الاصح لا يطهر لان بالملاقاة بين الماء القليل والنجاسة يقتضى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 نجاسة خالفنا فيما إذا كان الماء واردا فان الوارد عامل والقوة للعامل ويدل على الفرق انه صلى الله عليه وسلم منع المستيقظ من النوم من غمس اليد في الاناء قبل الغسل ثلاثا ولولا الفرق بين الوارد والمورود لما انتظم المنع من الغمس والامر بالغسل والوجه الاول فيما إذا قصد بالغمس ازالة النجاسة فاما لو ألقته الريح فيه والماء قليل نجس الماء بلا خلاف قال الائمة ومن هذا نشأظن من نقل عن ابن سريج أنه يشترط النية في ازالة النجاسة قال (الثاني إذا أصاب الارض بول فصب عليها الماء حتى صار مغلوبا ونضب الماء طهر (ح) وكذا إذا لم ينضب إذا حكمنا بطهارة الغسالة وان العصر لا يجب) * إذا أصاب الارض بول فصب عليها من الماء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 ما يغمره وتستهلك فيه النجاسة طهرت بعد نضوب الماء وقبله: وجهان: ان قلنا ان الغسالة طاهرة والعصر لا يجب فنعم وان قلنا انها نجسة والعصر واجب فلا وعلى هذا فلا يتوقف الحكم بالطهارة على الجفاف بل يكفى أن يفاض الماء كالثوب المعصور لا يشترط فيه الجفاف والنضوب كالعصر وقال أبو حنيفة لا تطهر الارض حتى تحفر إلى الموضع الذى وصلت إليه النداوة وينقل التراب لنا ما روى ان اعرابيا بال في ناحية المسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم صبوا عليه ذنوبا من ماء ولم يأمر بنقل التراب وقوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 حتى صار مغلوبا اشارة إلى أن المعتبر أن يكون الماء المصبوب على الموضع غالبا على النجاسة غامرا لها ولا بأس لو أعلمته أو اعلمت قوله طهر: بالواو لوجهين رويا على خلاف ظاهر المذهب أحدهما يجب أن يكون الماء سبعة أضعاف البول: الثاني يجب أن يصب على بول الواحد ذنوب وعلي بول الاثنين ذنوبان وعلى هذا أبدا ثم الخمر وسائر النجاسات المائعة كالبول تطهر الارض عنها بالمكاثرة ولا تقدير علي على ظاهر المذهب: وقوله إذا حكمنا بطهارة الغسالة وان العصر لا يجب لا ضرورة الي الجمع بينهما بل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 لو اقتصر على نفى وجوب العصر لحصل الغرض فان الخلاف في العصر مبنى على الخلاف في الغسالة قال (الثالث اللبن المعجون بماء نجس يطهر إذا صب عليه الماء الطهور فان طبخ طهر ظاهره بافاضة الماء دون باطنه) اللبن النجس ضربان أحدهما ان يختلط بالتراب نجاسة جامدة من روث أو عظام ميتة أو غيرهما فيضرب منه لبن فهو نجس ولا سبيل إلى تطهيره بحال لما فيه من عين النجاسة: فلو طبخ فالمذهب الجديد انه علي نجاسته والنار لا تطهر شيئا بل الطهورية مخصوصة بالماء: وفي القديم قول أن الارض النجسة تطهر إذا زال اثر النجاسة بالشمس والريح ومرور الزمان فخرج أبو زيد والخضرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 وآخرون منه قولا في تأثير النار وقالوا تأثير النار اشد واقوي من تأثير الشمس: فعلى هذا يطهر ظاهره بالطبخ لان النار تحرق ما عليه من النجاسة: وان قلنا بالجديد الصحيح فلو غسل هل يطهر ظاهره: المنصوص في الام انه لا يطهر لانتشار أجزاء النجاسة والتصاقها بالمحل وزوال الجميع غير معلوم وقال أبو الحسين بن المرزبان والقفال يطهر لان عين النجاسة قد زالت فإذا ورد عليه الماء طهر محله النجس والظاهر الاول: الضرب الثاني أن لا يختلط به نجاسة جامدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 ولكن يعجن بماء نجس أو بول وهو الذى ذكره في الكتاب فهذا اللبن يمكن تطهيره كسائر الاعيان التي أصابتها نجاسة مائعة وطريق تطهير ظاهره افاضة الماء عليه على سبيل غسل سائر الاعيان وطريق تطهير باطنه أن ينقع في الماء حتى يصل الماء إلى جميع اجزائه كالعجين بمائع نجس انما يطهر بوصول الماء إلى جميع اجزائه هكذا حكمه ما لم يطبخ فان طبخ فعلى التخريج الذى سبق يطهر ظاهره وكذلك باطنه في اظهر القولين لتأثره بالنار وعلى الجديد هو على نجاسته وإذا غسل طهر ظاهره دون باطنه لانه استحجر بالطبخ فلا يتغلغل الماء فيه وانما يطهر الكل إذا دق حتى صار كالتراب ثم افيض الماء عليه: ولو كان رخوا لا يمتنع نفوذ الماء فيه بعد الطبخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 فهو كما قبل الطبخ: وأما ما يتعلق بلفظ الكتاب فقوله يطهر إذا صب فيه الماء الطهور ليس المراد منه طهارة الظاهر وحده بدليل قوله بعده فان طبخ طهر ظاهره دون باطنه فانه بين ارادة طهارة الكل في الاول وحينئذ فمجرد الصب لا يكفي بل في الكلام اضمار: المعنى إذا صب فيه الماء الطهور حتي ينتقع فيه ويصل الماء إلى جميع اجزائه وفي بعض النسخ إذا نضب وهو عبارة الوسيط وتقييد الماء بالطهورية في هذا الموضع كالمستغني عنه لوضوح اشتراط الطهورية في الماء الذي تزال به النجاسات مطلقا وعدم اختصاصه بهذا الموضع وقوله فان طبخ طهر ظاهره بافاضه الماء يجوز أن يعلم قوله بافاضة الماء بالواو اشارة إلى التخريج المذكور فان من صار إليه قال بأنه يطهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 بالطبخ لا بافاضة الماء عليه كذلك قوله دون باطنه لما ذكرنا أن أحد القولين علي قاعدة القول المخرج طهارة الباطن ايضا قال (الرابع بول الصبى قبل أن يطعم يكفى فيه رش الماء (ح م) ولا يجب الغسل بخلاف بول الصبية للحديث) الواجب في ازالة النجاسات الغسل الا في بول الصبى الذى لم يطعم ولم يشرب سوى اللبن فيكفى فيه الرش ولا يجب الغسل خلافا لابي حنيفة ومالك وأحمد: لنا ما روى أنه صلى الله عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 وسلم قال انما يغسل من بول الصبية ويرش على بول الغلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 وعن أم قيس أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي لها لم يأكل الطعام فأجاسته في حجره فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله واعلم أنه لابد من أن يصيب الماء جميع موضع البول ثم لا يراده ثلاث درجات أحداها النضح المجرد: الثانية النضح مع الغلبة والمكاثرة: الثالث أن ينضم إلى ذلك الجريان والسيلان ولا حاجة في الرش الي الدرجة الثالثة وهل يحتاج إلى الثانية فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 وجهان اظهرهما نعم والرش والغسل يفترقان في أمر السيلان والتقاطر وهل يلحق بول الصبية ببول الصبي فيه وجهان أحدهما نعم كما يستوى بول الرجل والمرأة في الحكم واصحهما وهو المذكور في الكتاب انه لا يلحق به للخبر ويفرق بينهما من جهة المعني بأن بول الصبى كالماء وبول الصبية أصفر ثخين وأيضا بأن طبعها أحر فبولها الصق بالمحل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 (الخامس ولوغ الكلب يغسل سبعا احداهن بالتراب وعرقه وسائر اجزائه كاللعاب وفي الحاق (م) الخنزير به قولان والاظهر أنه لا يقوم الصابون والاشنان (ز) مقام التراب ولا الغسلة الثامنة ولو كان التراب نجسا أو مزج بالخل فوجهان ولو ذر التراب على المحل لم يكف بل لا بد من ماء يعفر به فيوصله إليه) ولوغ الكلب ما ولغ فيه والولوغ المصدر وقاعده الفرع أنه يغسل من ولوغ الكلب سبعا احداهن بالتراب خلافا لابي حنيفة حيث قال حكمه حكم سائر النجاسات ولا حمد حيث قال في رواية يغسل ثمان مرات: لنا ما روى أبو هريرة رضي الله أن النبي صلي الله عليه قال إذا ولغ الكلب في اناء أحدكم فليرقه وليغسله سبعا أو لا هن أو احداهن بالتراب ثم فيه مسائل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 أحداها عرقه وسائر اجزائه وفضلاته كاللعاب إذا تنجس الشئ بها وجب العدد والتعفير لان فمه أنظف من غيره كما سبق فإذا ورد التغليظ فيه ففى غيره أولى وفى وجه غير اللعاب كسائر النجاسات قياسا وعند مالك لا يغسل من غير الولوغ لان الكلب طاهر عنده والغسل من الولوغ تعبد: الثانية في الحاق الخنزير بالكلب في هذا التغليظ قولان الجديد أنه يلحق به لانه حيوان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 نجس العين والسؤر كالكلب فهو أولى بالتغليظ لانه لا يجوز اقتناؤه بحال والقديم انه لا يلحق به لان القياس يقتضى الاقتصار على المرة الواحدة وانما ورد التغليظ في الكلاب فطما لهم عن عادة مخالطتها ومنهم من قطع بالحاق الخنزير بالكلب ولم يثبت القول القديم فلك أن تعلم قوله قولان بالواو ويشير إلى هذه الطريقة الثالثة هل يقوم الصابون والاشنان مقام التراب فيه ثلاثة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 أقوال أظهرها لا: لظاهر الخبر ولانها طهارة متعلقة فلا يقوم غيره مقامه كالتيمم والثاني نعم كالدباغ يقوم فيه غير الشب والقرظ مقامهما وكالاستنجاء يقوم فيه غير الحجارة مقامها. الثالث أن وجد التراب لم يعدل إلى غيره وان لم يجده جاز اقامة غيره مقامه للضرورة ومنهم من قال يجوز اقامة غير التراب مقامه فيما يفسد باستعمال التراب فيه كالثياب ولا يجوز فيما لا يفسد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 كالاواني: الرابعة لو اقتصر على الماء وزاد في عدد الغسلات على السبع هل يطهر فيه وجهان أصحهما لا لظاهر الخبر ولانه غلظ أمر هذه النجاة بالجمع فيه بين جنسين فلا يجوز الاقتصار على أحدهما كزنا البكر لما غلظ أمره بالجمع بين الجلد والتغريب لا يقصر على أحدهما: والثاني نعم لان المقصود التطهير والماء أبلغ في التطهير من التراب ثم منهم من رتب هذا الخلاف على أن الصابون والاشنان ونحوهما هل تقوم مقام التراب أم لا ان قلنا لا فكذلك الغسلة الثامنة وان قلنا نعم فههنا وجهان لان ثم استعان بشئ آخر سوى الماء ومنهم من بناه على الخلاف فيما إذا غمس الاناء الذي ولغ فيه الكلب في ماء كثير هل يطهر أم لا يعتد بذلك غسلة واحدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 ويجب غسله ستا احداهن بالتراب فان قلنا بالاول طهر بالغسلة الثامنة وان قلنا بالثاني فلا: وحكى القاضي الروياني في المسألة وجها ثالثا أن الغسلة الثامنة تقوم مقام التراب عند عدمه: ولا تقوم مقامه عند وجوده وهو نظير القول الثالث في المسألة السابقة: الخامسة لو كان التراب نجسا ففيه وجهان أحدهما يجزى كالدبغ بالشئ النجس فان المقصود الاستعانة على القلع بشئ آخر وأصحهما لا كما لو تيمم بالتراب النجس وهذه المسألة تناظر مسألة أخرى وهى أن الارض الترابية لو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 تنجست باصابة الكلب اياها هل يحتاج في تطهيرها إلى التراب أم يكفي محض الماء ان قلنا يجوز التطهير بالتراب النجس فلا حاجة إلى تراب آخر وان قلنا لا يجوز فلابد من استعمال تراب آخر والا ظهر في هذه المسألة أنه لا حاجة إلى استعمال التراب لانه لا معنى للتعفير في التراب: السادسة لا يكفي ذر التراب على المحل وان غسله سبعا بل لابد من مائع يمزجه ليصل التراب بواسطته إلى جميع أجزاء المحل ثم ذلك المائع ان كان ماء حصل الغرض وان كان غيره كالخل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 وماء الورد وغسله ستا بالماء فوجهان أحدهما يكفى لان المقصود من تلك الغسلة التراب وأصحهما لا لقوله صلى الله عليه وسلم فليغسله سبعا احداهن بالتراب المعنى فليغسله بالماء سبعا والا لجاز الغسل بغير الماء وبنى طبقة من الائمة ومنهم صاحب الكتاب الخلاف في المسائل والاربع الاخيرة علي النظر في أن التعفير لماذا روعى فمنهم من قال هو تعبد يتبع فيه ظاهر النقل وقيل سببه الاستظهار بغير الماء وقيل سببه الجمع بين نوعي الطهور فعلى الاول لا يغني استعمال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 غير التراب ولا الغسلة الثامنة والتراب النجس والمزج بسائر المائعات لكن لاتجزى الغسلة الثامنة وعلى الثالث يمنع الكل الا المزج بسائر المائعات وقد يتوقف المتأمل في بعض هذه التفاريع وقوله في الاصل بل لابد من مائع يغيره ليوصله إليه يجوز أن يقرأ بالياء من التغير أي يغير التراب ذلك المائع فيوصل المائع التراب إليه ويمكن أن يجعل الفعل للمائع على معنى أنه يغير التراب عن هيئته فيهيأ للنفوذ والوصول إلى جميع الاجزاء وفي بعض النسخ يغبر به وكل جائز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 قال (السادس سؤر الهرة طاهر فان أكلت فأرة ثم ولغت في ماء قليل ففيه ثلاثة أوجه يفرق في الثالث بين أن تلغ في الحال أو بعد غيبة محتملة للولوغ في الماء الكثير والاحسن تعميم العفو للحاجة) * سؤر الهرة طاهر لانها طاهرة العين وما هو طاهر العين فهو طاهر السؤر ولذلك لما تعجبوا من اصغاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الاناء للهرة قال انها ليست بنجسة انها من الطوافين عليكم جعل طهارة العين علة طهارة السؤر فلو أكلت فأرة أو تنجس فمها بسبب آخر ثم ولغت في ماء قليل ونحن نتيقن نجاسة فمها بعد فهل ينجس: فيه وجهان أحدهما لا لكثرة اختلاطها وعسر الاحتراز ولانه صلى الله عليه وسلم كان يصغى لها الاناء ولا شك أنه تعترى النجاسة لفيها ولم يكن بقرب حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء كثير ترده الهرة وأصحهما نعم كسائر النجاسات والاحتراز وان عسر فانما يعسر عن مطلق الولوغ فأما عن الولوغ بعد تيقن نجاسة الفم فممنوع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وتغطية رأس الاناء هينة واصغاء النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل انه كان عند العلم بالطهارة أو عدم العلم بالنجاسة وان لم يتيقن عند الولوغ ان فمها نجس بعد فان غابت واحتمل ولوغها في ماء كثير أو ماء جاز فهل ينجس وجهان أحدهما لا لانه ماء معلوم الطهارة فلا يحكم بنجاسته بالشك والثاني نعم استصحابا لنجاسة الفم إذ لم تتيقن طهارته والاول أظهر وصاحب الكتاب قد جمع بين الحمالتين وجعل المسألة على ثلاثة أوجه وهو حسن لكن اختار تعميم العفو وهو خلاف ما صححه معظم الاصحاب والله أعلم قال (السابع غسالة النجاسة ان تغيرت فهو نجس وان لم تتغير فحكمه حكم المحل بعد الغسل ان طهر فطاهر (ح) وفي القديم هي طاهرة بكل حال ما لم تتغير وقيل حكمه حكم المحل قبل الغسل وفائدته تظهر في رشاش الغسلة الثانية من ولوغ الكلب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 الماء المستعمل في ازالة النجاسة وهو الغسالة اما أن يتغير بعض أو صافه بالنجاسة فهو نجس لقوله صلى الله عليه وسلم (الا ما غير طعمه أو ريحه) أو لا يتغير ففيه ثلاثة أقوال الجديدان حكمه حكم المحل بعد الغسل ان كان نجسا بعد فهو نجس والا فطاهر غير طهور لان البلل الباقي في المحل بعضه: والماء الواحد القليل لا يتبعض في الطهارة والنجاسة وانما حكمنا بسقوط الطهورية لما سبق في المستعمل في الحدث: والثاني وهو مخرج على الجديد انه نجس لانه ماء قليل أصابته نجاسة والعبارة عن هذا القول ان حكم الغسالة حكم المحل قبل استعمالها فيه كما في المستعمل في الحدث ومنه خرج: والثالث وهو القول القديم انه طاهر طهور بكل حال لما سبق في توجبه القديم في المستعمل في الحدث والعبارة عنه أن حكم الغسالة حكمها قبل الورود على المحل ومنهم من يعبر عن هذا الخلاف بالوجوه لانها غير منصوصة ويخرج على هذا الخلاف غسالات الماء المستعمل في ازالة نجاسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 الكلب فلو تطاير منها شئ في المرة الاولى إلى ثوب أو غيره غسل ذلك الموضع على الاول ست مرات لانه حكم المحل المغسول بعد تلك الغسلة وعلى الثاني يغسل سبعا لانه حكم المحل قبل تلك الغسلة وعلى الثالث لا حاجة إلى غسله أصلا وعلى هذا لو تطاير من السابعة غسل على الثاني مرة ولا يغسل منها اصلا فقس المرة الثانية وما بعدها حتى تنتهي إلى المرة السابعة فيغسل منهما على القول الثاني مرة ولا يغسل منها أصلا على الاول ولثالث ومتى وجب الغسل عنها نظر هل سبق التعفير للمرة المصاب منها ام لا فان لم يسبق لزم رعايته وفي وجه لكل غسلة سبع حكم المحل لانها تزيل سبع النجاسة فيغسل منها مرة وهذا الوجه يتضمن التسوية بين الغسلة المشتملة على التعفير وبين سائر الغسلات وهو اسقاط لا ثر التعفير ولا يخفى عليك بعد هذا ان قوله حكمه حكم المحل قبل الغسل أي قبل ذلك لا قبل مطلق الغسل وان ذكر الغسلة الثانية جرى على سبيل المثال والكناية في قوله وتظهر فائدته يجوز أن يعود إلى القول الثالث ويجوز أن يعود إلى الخلاف واستخراج العبارات الثلاث والاول أحسن وأولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 فهذا شرح ما في الكتاب على النظم: وينبغى أن يتنبه فيه لمسائل أحداهان ما ذكره من الخلاف مخصوص بالماء القليل إذا غسل به النجاسة وان أطلق اللفظ والا فلا خلاف في أن الكثير لا ينجس الا بالتغير: الثانية اطلق الخلاف فيما إذا لم يتغير ولو لم يتغير ولكن ازداد وزنه عند الانفصال على ما كان فهو نجس بمثابة ما لو تغير في أصح الوجهين: الثالثة الخلاف المذكور في المستعمل في واجب الازالة أما المستعمل في مندوبها ففيه وجهان أظهرهما انه طاهر طهور بلا خلاف: والثاني انه كالمستعمل في واجبها فيعود فيه القول الاول: والثالث دون الثاني * قال (الباب الثالث في الاجتهاد * مهما اشتبه عليه أناء تيقن نجاسته بمشاهدة أو سماع عن عدل بأناء طاهر لم يحز (و) استعمال أحد الانائين الا باجتهاد (ز) وطلب علامة تغلب ظن الطهارة) إذا اشتبه عليه أناء طاهر بأناء نجس واحتاج إلى الطهارة فماذا يفعل: فيه ثلاثة أوجه أحدها يستعمل ما شاء من غير اجتهاد ونظر: لان الذى يقصده بالاستعمال غير معلوم النجاسة والاصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 فيه الطهارة: والثاني انه انما يأخذ أحدهما إذا ظن طهارته ولكن لا يشترط استناده إلى اجتهاد وأمارة بل له ان يأخذ بما سبق وهمه إليه وكفى ذلك مرجحا لاصل الطهارة: والثالثة وهو المذهب ولم يذكر في الكتاب سواه انه لا يجوز أخذ احدهما الا بالاجتهاد وطلب علامة تغلب ظن طهارة المأخوذ ونجاسة المتروك لان أصل الطهارة عارضه يقين النجاسة وعرفنا أن ذلك الاصل صار متروكا اما في هذا أو في ذلك فيجب النظر في التعيين: وقال المزني يتيمم ولا يجتهد: وان كان الاشتباه في ثوبين صلى فيهما صلاتين وبه قال احمد: وقال أبو حنيفة يجتهد في الثياب ولا يجتهد في الاواني الا إذا كان عدد الطاهر أكثر:؟ ؟ قياس الاواني على الثياب وقد أعلموا لفظ الكتاب بالعلامات المشعرة بهذه الاختلافات فقوله لم يجز معلم بالواو ولفظ الانائين معلم بالحاء وقوله الا باجتهاد بالالف والزاى ولو كان سبب الاشتباه اخبار عدل اياه عن نجاسة أحدهما على الابهام وجب الاجتهاد كما لو عرفه بنفسه وكذلك لو أخبره عن نجاسة أحدهما بعينه ثم اشتبه عليه وسبيله سبيل الرواية فكل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 من تقبل روايته من ذكر وأنثى وعبد وحر يقبل قوله في ذلك بشرط العدالة وهل يقبل قول الصبى المميز وفيه وجهان ويشترط أن يعلم من حال المخبر أنه لا يخبر الا عن حقيقة لان المذاهب مختلفة في أسباب النجاسات فقد يظن ما ليس بمنجس منجسا ولعلك تقول لفظ الكتاب يقتضي أن يكون اخبار العدل مفيدا لليقين لانه قال تيقن نجاسته بمشاهدة أو سماع عن عدل وقول الواحد لا يفيد اليقين فاعلم أن الفقهاء كثيرا ما يعبرون بلفظ المعرفة واليقين عن الاعتقاد القوى علما كان أو ظنا مؤكدا ويجري ذلك في لسان أهل العرف وهذا على ذلك المذهب: ولك أن تستفيد من قوله لم يجز أخذ أحد الانائين الا بالاجتهاد فائدة وهي النظر فيما لو خرج أحد الانائين عن أن يستعمل اما بالانصباب أو بتقاطر شئ من الآخر فيه هل يحتاج إلى الاجتهاد في الثاني: الذى يقتضيه لفظ الكتاب أنه يحتاج إليه وهو الظاهر وفيه وجهان آخران أحدهما يتوضأ به من غير تحر: والثاني لا يتوضأ به أصلا بل يتيمم: وقوله الا بالاجتهاد وطلب علامة تغلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 ظن الطهارة ليس فيه الا الايضاح ولو اقتصر على قوله لم يجز أخذ أحد الانائين الا بالاجتهاد أو قال الا بطلب علامة لحصل به الغرض * قال (وان غلب على ظنه نجاسة أحد الانائين بكونه من مياه مدمنى الخمر أو الكفار المتدينين باستعمال النجاسة فهو كاستيقان النجاسة على أحد القولين وعليه تمتنع الصلاة في المقابر المنبوشة ومع طين الشوارع وكل ما الغالب نجاسته) * الشئ الذى لا يتيقن نجاسته ولكن الغالب في مثله النجاسة يستصحب طهارته أم يؤخذ بنجاسته قولان أحدهما يستصحب طهارته تمسكا بالاصل المتيقن إلى أن يزول بيقين بعده كما في الاحداث: والثاني يؤخذ عملا بالظن المستفاد من الغلبة بخلاف الاحداث فان عروصها أكثر فخفف الامر فيها بطرح الظن كالشك ويشهد هذان القولان لقولي تعارض الاصل والظاهر وللمسألة نظائر كثيرة منها ثياب مدمنى الخمر وأوانهيم وثياب القصابين والصبيان الذين لا حتراز لهم عن النجاسات وطين الشوارع حيث لاتتيقن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 نجاسته والمقابر المنبوشة حيث لا تتيقن النجاسة ومنها أواني الكفار الذين يتدينون باستعمال النجاسات كالمجوس يغتسلون ببول البقر ويتقربون بذلك ولا يلحق بهم الكفار الذين لا يتدينون باستعمالها كاليهود والنصارى: نعم المنهكمون منهم في الخمر والتلوث بالخنزير يجرى في ثيابهم وأوانيهم القولان لا محالة كمدمني الخمر من المسلمين وربما أطلقوا نقل القولين فيما إذا غلب على الظن النجاسة ولم يستيقن ولكن له شرط وهو أن تكون غلبة الظن مستندة إلى أن الغالب في مثله النجاسة أما لو كان سبب الظن غير ذلك لم يلزم طرد القولين حتى لو رأى ظبية تبول في ماء كثير وكان بعيدا عن الماء فانتهى إليه ووجده متغيرا وشك في أن تغيره بالبول أم بغيره فهو نجس نص عليه الشافعي رضى الله عنه وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ثم الظاهر من القولين استصحاب الاصل فانه أصدق وأضبط من الغالب الذى يختلف باختلاف الزمان والاحوال والنقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 يعضد ذلك مثل ما روى أنه صلى الله عليه وسلم حمل امامة بنت أبي العاص في صلاته وكانت هي بحيث لا تحترز عن النجاسات إذا تقرر هذا الاصل فنقول: ان ألحقنا غلبة الظن باليقين فلو اشتبه عليه اناء طاهر باناء الغالب في مثله النجاسة كان كما لو اشتبه باناء مستيقن النجاسة فيحتاج إلى الاجتهاد كما سبق: وان لم نلحقها باليقين فلا حاجة إلى الاجتهاد ويستعمل أيها شاء وكليهما أيضا وقوله وعليه يخرج امتناع الصلاة في المقابر المنبوشة وفي بعض النسخ وعليه تمتنع الصلاة أي على قول الحاق الغلبة باليقين تمتنع الصلاة في المقابر المنبوشة وكذلك حكم التيمم بترابها وامتناع الصلاة مع طين الشوارع ونحوه ويجوز أن يرجع الكتابة في قوله وعليه يخرج الي الخلاف * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 قال (ثم للاجتهاد شرائط الاول أن يكون للعلامة مجال في المجتهد فيه فيجوز (ز) الاجتهاد في الثياب والاواني ولا يجوز في تمييز المحرم والميتة عن المذكاة والا جنبية) * الشرائط جمع شريطة وحقها أن يقال الاولى والثانية فقوله الاول والثاني محمول على المعني: التقدير الشرط الاول والثاني إذا عرفت ذلك فمن شرائط الاجتهاد أن يكون للعلامة مجال في المجتهد فيه فيجوز في الثياب والاوانى إذا اشتبه بعضها ببعض لانها محال العلامات على ما سيأتي أما إذا كان الاشتباه فيما لا يتوقع ظهور الحال فيه بالعلامات لفقدها فلا يجوز الاجتهاد كما لو اختلط محرم له بنسب أو رضاع بأجنبية أو أجنبيات محصورات فلا يجوز نكاح واحدة بالاجتهاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 إذ لا علامة تمتاز بها المحرم عن الاجنبية ولو اشتبه عليه ميتة ومذكاة أو لبن بقرة بلبن اتان فوجهان أصحهما لا يجتهد أيضا إذ لا علامة: والثاني يجتهد إذ الميتة تطفوا الماء واعلم أنه لو منع مانع فقد الامارات في المحرم والاجنبية وادعى امكان الامتياز بالامور الخلقية والاخلاق وغيرها لم يبعد وكذلك في الصورة الثانية ثم انما ينتظم التعليل بفقد الامارات إذا اعتبرنا في الاجتهاد النظر في الامارات أما إذا قلنا يأخذ بما سبق وهمه إليه فليست العلة هذا وانما العلة فيه أن سبق الوهم انما يؤخذ به أعتمادا على ان الاصل في الماء الطهارة وههنا الاصل في الابضاع الحرمة وليست اللحوم على الاباحة أيضا ألا ترى أنه لو ذبح المشرف على الموت وشك في أن حركته عند الذبح كانت حركة المذبوح أو حياة مستقرة يغلب التحريم ولك أن تقول في توجيه المنع على قاعدة اعتبار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 العلامات ان فقدت العلامات ههنا فقد تعذر الاجتهاد وان وجدت فالعلامات انما تعتمد عند تأييدها بالاصل لما سيأتي ولم توجد ههنا * قال (الثاني أن يتأيد الاجتهاد باستصحاب الحال فلا يجوز الاجتهاد عند اشتباه البول أو ماء الورد (ح) بالماء على أظهر الوجهين) * إذا اشتبه عليه ماء وبول أو ماء وماء ورد فهل يجتهد فيه فيه وجهان أحدهما نعم: اعتمادا على الامارات كما في الماء النجس: وأصحهما لا: لان الاجتهاد وهم أو رجم ظن لا يعتمد الا إذا اعتضد بأصل الطهارة والطهورية فعلى هذا يعرض ههنا في الصورة الاولى ويتيمم: وفي الثانية يتوضأ بهذا مرة وبهذا مرة وان قلنا بالاول فلا شك أن ههنا لا يكتفى بسبق الوهم بفقد الاصل فلا بد من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 الامارات وبنى بعضهم الخلاف في الصورتين جميعا علي الخلاف في أناهل نكتفي في الاجتهاد بسبق الوهم أم يعتبر النظر في الامارات: ان قلنا بالاول فلا يجتهد وان قلنا بالثاني فيجتهد * قال (الثالث أن يعجز عن الوصول إلى اليقين فان كان على شط نهر امتنع الاجتهاد في الثياب والاواني على أحد الوجهين) * هل يجتهد مع امكان الطهارة فيه وجهان أحدهما لا لان الاجتهاد انما يصار إليه عند العجز عن درك اليقين ألا ترى أن في الحوادث لا يجوز الاجتهاد مع وجود النص: وأظهرهما نعم لان تركه التطهير بالماء المقطوع بطهارته والعدول إلى المشكوك في طهارته جائز وهذا أصل يتخرج عليه مسائل: منها ما إذا كان على شط نهر أمكنه التطهر به والا عراض عن المائين المشتبهين جميعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 وأمكن غسل الثياب المشتبهة به وهذه الصورة هي المذكورة في الكتاب ومنها أن يكون عنده قلتا ماء أحداهما نجسة من غير تغير ولو جمعها لبلغ المجموع قلتين ومنها أن يشتبه عليه ماء طهور ومستعمل ومنها أن يشتبه عليه ماء. وماء ورد فيجرى الوجهان في جميع هذه الصور الا أن الظاهر في الصورة الا خيرة منع الاجتهاد لا من جهة هذا الاصل بل للمعنى الذى سبق * قال (الرابع أن تلوح علامة النجاسة كحركة الماء أو نقصانه أو انصبابه أو ابتلال طرف الاناء إذا كانت النجاسة بولوغ الكلب ويشترك في دركه الاعمي (و) والبصير فان لم تلح علامة صب الماء وتيمم فان تيمم قبل الصب وجب القضاء لان معه ماء طاهرا بيقين) ان قلنا يأخذه ويستعمله من غير اجتهاد أو قلنا ما سبق وهمه إلى طهارته أخذ به فلا يحتاج إلى العلامات وان اعتبرنا الامارات والعلامات وهو الصحيح وعليه بنى صاحب الكتاب الكلام فلا بد من أن تلوح علامة النجاسة ليمتاز عنده النجس عن الطاهر مثال ذلك أن يعرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 أن سبب النجاسة ولوغ الكلب ثم يرى نقصان ماء أحد الانائين أو حركته أو ابتلال طرف الاناء أو قرب أثر قدم الكلب من أحدهما فهذه الامور مشعرة بكونه نجسا وقد تدل حركة الماء وابتلال طرف الاناء علي النجاسة من غير ولوغ الكلب أيضا فان لم تلح له علامة وتحير تيمم لعجزه عن الوضوء ثم ان كان تيممه بعد صب الماء في الانائين فلا قضاء عليه ويعذر في صبه لدفع القضاء بخلاف ما إذا صب ما عنده من الماء الطاهر عبثا وتيمم حتى يقضى علي أحد الوجهين وفي معنى الصب ما لو جمع بينهما لتنجسا وان تيمم قبل ذلك قضى لان معه ماء طاهرا بيقين وهل يجتهد الاعمى في الاواني فيه قولان أحدهما لا كما لا يجتهد في القبلة بل يقلد فيهما وأصحهما نعم وهو الذى ذكره في الكتاب لانه يعرف باللمس اعوجاج الاناء واضطراب الغطاء وسائر العلامات فصار كالاجتهاد في الوقت فعلى الاول من شرائط الاجتهاد كونه بصيرا وعلي الثاني لا فرق: ثم ان عجز الاعمى ولم يغلب على ظنه شئ فوجهان أظهرها أن له أن يقلد بخلاف البصير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 إذا تحير فيه هذا آخر الشروط وإذا تأملتها عرفت أن اشتراط الكل مختلف فيه أما الثاني والثالث فظاهر وأما الاول والرابع فهما مبنيان علي اعتبار العلامات ولعلك تقول الاجتهاد هو البحث والنظر وثمرته ظهور العلامات وثمرة الشئ تتأخر عنه والشرط يتقدم فكيف جعل ظهور العلامات شرطا فالجواب أن قوله ثم للاجتهاد شرائط أي للعمل بالاجتهاد أو لكونه مفيدا أو ما أشبه ذلك * قال (فرع لو ادى اجتهاده إلى اناء وصلى به الصبح ثم أدى عند الظهر اجتهاده إلى الثاني تيمم ولا يستعمل لان الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد وخرج ابن سريج أنه يستعمل ونورده على جميع الموارد الاول: لان هذه قضية أخرى وعلى النص هل يقضي الصلاة الثانية لان معه ماء طاهرا بحكم الاجتهاد فيه وجهان) * إذا غلب علي ظنه طهارة أحد الانائين فالمستحب ان يريق الثاني لئلا يتغير اجتهاده فيشكل عليه الامر فلو لم يفعل وقد صلى الصبح مثلا بما ظن طهارته ثم تغير اجتهاده عند الظهر إلى طهارة الثاني فلا يخلو اما ألا يبقى من الاول شئ أو بقى فهما حالتان أحدهما ألا يبقى من الاول شئ وهذه الحالة هي التي تكلم فيها في الكتاب فنقول أولا لا يجب عليه اعادة الاجتهاد ههنا إذا حضرته الصلاة الثانية لكن لو أعاد وتغير اجتهاده فظن طهارة الثاني ففيه قولان أحدهما وهو المنصوص أنه لا يستعمله بل يتيمم لانه لو استعمله فاما أن يغسل ما اصابه الماء الاول من بدنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 وثيابه فيلزم نقض الاجتهاد أو لا يغسل ذلك فيكون مصليا مع تعين النجاسة والثاني خرجه ابن سريج من تغير الاجتهاد في القبلة أنه يتوضأ بالثاني ولا يتيمم لان هذه قضية مستأنفة فلا يؤثر فيها الاجتهاد الماضي لكن لابد من ايراد الماء على جميع المواضع التى أصابها الماء الاول وغسلها لازالة النجاسة ثم يتوضأ بعد ذلك لان من علي بدنه نجاسة وأراد أن يتوضأ أو يغتسل لم تكف الغسلة الواحدة عنهما جميعا ثم علي النص هل تقضى الصلاة الثانية الموداة بالتيمم فيه وجهان أصحهما لا إذ ليس معه ماء طاهر بيقين والثاني نعم لان معه ماء طاهرا بحكم الاجتهاد وأما الصلاة الاولى فلا حاجة إلى قضائها لا على النص ولا على التخريج: الحالة الثانية أن يبقي من الاول شئ فان كانت البقية كافية لطهارته فالحكم على ما ذكرناه في الحالة الاولى لا في شيئين أحدهما انه يجب اعادة الاجتهاد للصلاة الثانية لان معه ماء مستيقن الطهارة والثاني ان الصلاة الثانية المؤداة بالتيمم يجب قضاؤها لان معه ماء طاهرا بيقين أما هذا أو ذاك هذا هو النص وفيه وجه أنه لا يجب لان ما معه من الماء ممنوع من استعماله شرعا فاشبه الذى حال بينه وبينه سبع وان لم تكن البقية كافية زاد النظر في أن ما لا يكفيه من الماء هل يجب استعماله أم لا ان قلنا لا فكما لو لم يبق شئ من الاول والافكما لو بقى ولو صب الماء الثاني في الحالة الاولى أو صبهما جميعا في الحالة الثانية ثم تيمم سقط القضاء بلا خلاف * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 قال (الباب الرابع في الاواني وهى ثلاثة أقسام) (القسم الاول المتخذ من الجلود واستعماله جائز بشرط أن يكون الجلد طاهرا وطهارته بالذكاة فيما يؤكل لجمه (ح) أو بالدباغ في الجميع الا الكلب (ح) والخنزير) * جعل الاواني على ثلاثة أقسام لانها اما أن تتخذ من الجلود أو من العظام أو من غيرهما وعلى الاحوال فالاعيان المتخذ منها أما أن تكون نجسة فلا يجوز استعمالها في الشرب والطهارة وسائر وجوه الاستعمال أو طاهرة فيجوز ويستثنى الذهب والفضة على ما سيأتي وهذه الجملة ظاهرة نعم الحاجة تمس إلى بيان الطاهر والنجس من الجلود والعظام وتمييز أحدهما عن الآخر وإلى حكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 المتخذ من الذهب والفضة فحصر كلام الاقسام الثلاثة في هذه الامور وانما يكون الجلد المتخذ منه الاناء طاهرا في حالتين أحدهما أن يكون جلد المأكول المذكي فهو على طهارته كاللحم وسائر الاجزاء وقد يؤكل الجلد على الرؤوس والمسموط ولا يلحق غير المأكول بالمأكول في ذلك بل جلد غير المأكول نجس وان ذكي كلحمه خلافا لابي حنيفة رحمه الله الثانية أن يكون مدبوغا فالدباغ يفيد طهارة الجلد من المأكول وغيره خلافا لا حمد لنا ما روى أنه عليه السلام مر بشاة ميتة لميمونة فقال هلا اتخذتم اهابها فدبغتموه فانتفعتم به فقيل انها ميتة فقال أيما أهاب دبغ فقد طهر ويستثنى جلد الحيوان النجس في الحياة وهو الكلب والخنزير وفروعهما خلافا لابي حنيفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 في الكلب لنا أن جلدها لم ينجس بالموت لما بينا أنهما نجسان في الحياة والدباغ انما يطهر جلدا نجس بالموت لان غاية الدباغ نزع الفضلات ودفع الاستحالات ومعلوم أن الحياة أبلغ في ذلك من الدباغ فإذا لم تفد الحياة الطهارة حتى كان نجسا قبل الموت فأولى أن لا يفيدها الدباغ: ونعود إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب أما قوله المتخذ من الجلد فاستعماله جائز بشرط أن يكون الجلد طاهرا فاعلم أن هذا كما هو شرط في المتخذ من الجلد فهو شرط في المتخذ من سائر الاعيان وان لم يذكره في سائر الاقسام: وقوله وطهارته بالذكاة ليس على معنى أن الذكاة تطهر فان التطهير يستدعي سبق النجاسة وهو طاهر في الحياة وانما المراد أن الجلد الذى يتخذ منه الاناء لا يكون طاهرا الا إذا وجد أحد المعنيين أما الذكاة في المأكول أو الدباغ: وقوله فيما يؤكل لحمه ينبغي أن يكون معلما بالحاء لان عنده لا حاجة إلى هذا القيد وموضع باقي العلامات ظاهر بعد ما نقلناه من الخلاف وقوله الا الكلب والخنزير يوجب حصر الاستثنأ فيهما وهو ظاهر المذهب بعد الحاق فروعهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 بهما ولنا قول أن الآدمى ينجس بالموت على تقدم ذكره فعلى ذلك القول هل يطهر جلده بالدباغ فيه وجهان أظهرهما نعم لعموم الخبر ولانه طاهر في الحياة فأشبه جلده سائر الجلود: والثاني وهو مذهب أبي حنيفة أنه لا يطهر لما فيه من الامتهان فعلى هذا يلحق جلد الآدمى بالمتثنى ولك أن تعلم قوله وبالدباغ مع الالف المشيرة إلى مذهب أحمد بالواو لا لمصير بعض الاصحاب الي المنع من الدباغ فليس فيهم من يقول به لكن لان صاحب التتمة حكي وجها عن رواية ابن القطان أن جلد الميتة لا ينجس وانما أمر بالدبغ لا زالة الزهومة فإذا كان طاهرا قبل الدباغ لم تكن طهارته بالدباغ * قال (وكيفية الدباغ نزع الفضلات بالاشياء الحريفة ولا يكفى الترتيب (ح) والتشميس (ح) ولا يجب استعمال الماء في أثناء الدباغ على أقيس الوجهين ويجب افاضة الماء المطلق على الجلد المدبوغ على أظهر الوجهين) * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 لك في قوله وكيفية الدباغ نزع الفضلات مباحثتان احداهما أن تقول ما الذى أراد بكيفية الدباغ أراد به حقيقته أم غير ذلك: وكيف يجوز ارادة الحقيقة وقد اشتهر في كلام الفقهاء ان مقصود الدباغ نزع الفضلات وعد ذلك كلاما صحيحا منتظما مقصود الشئ غير حقيقته: وان اراد غير ذلك فما هو: والجواب يجوز أن يكون المعنى والكيفية المعتبرة في الدباغ نزع الفضلات ويجوز أن يريد بكيفيته حقيقته لكن الدباغ يطلق بمعنيين يطلق بمعنى الفعل المخصوص في الجلد علي الهيأة التى يبتغي بها صلاح الجلد ويطلق بمعنى الفعل المصلح ولهذا يقال يحصل الدباغ بكذا ولا يحصل بكذا ومع وجود الدلك والاستعمال علي الهيئة التى يبتغي بها الصلاح فبالمعنى الاول ينتظم أن يقال مقصود الدباغ نزع الفضلات وبالمعني الثاني ينتظم أن يقال حقيقة الدباغ نزع الفضلات: الثانية أن يقول كيف اعتبر مجرد النزع والاصحاب يقولون يعتبر عند الشافعي رضى الله عنه في الدباغ ثلاثة أشياء نزع الفضول وتطييب الجلد وصيرورته بحيث لو نقع في الماء لم يعد الفساد والنتن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 والجواب أنه لا فرق في المعنى فانه إذا نزعت الفضلات طاب الجلد وصار إلى الحالة المذكورة وإذا اعتبرنا أحد الامور المتلازمة فقد اعتبرناها جميعا وقوله بالاشياء الحريفة يجوز أن يكون معلما بالواو لشيئين أحدهما أن هذا اللفظ يعم الشب والقرظ الواردين في خبر الدباغ وغيرهما كالعفص وقشور الرمان: وحكي بعضهم وجها أنه يختص الدباغ بالشب والقرظ كما يختص تطهير ولوغ الكلب بالتراب على الاظهر والمذهب أنه لا فرق بينهما وبين غيرهما مما يصلح للدباغ: والشب بالباء كذلك ذكره الازهرى وفي الصحاح أن الشب بالباء شئ يشبه الزاج والشث بالثاء نبت يدبغ به: الثاني أنه يعم الطاهر والنجس من آلات الدباغ سواء كان نجس العين كذرق الطائر أو غيره وفيه وجهان أحدهما لا يجوز الدباغ بالنجس لان النجس لا يصلح للتطهير وأظهرهما وهو ظاهر ما ذكره الجواز: لان الغرض اخراج الجلد عن التعرض للعفونة والاستحالة وهذا يحصل بالطاهر والنجس جميعا وهذا في طهارة العين ويجب غسله بعد ذلك لا محالة بخلاف المدبوغ بالشئ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 الطاهر ففى وجوب غسله خلاف يأتي ذكره وإذا عرفت ذلك فاعلم أن النزع انما اعتبر ليصير الجلد نظيفا مصونا عن الاستحالات والتغيرات فيطهر كما كان في حال الحياة ويترتب عليه أن التجميد بالالقاء في التراب والشمس لا يكفى لان الفضلات لا تزول ألا ترى أنه إذا نقع في الماء عاد الفساد: وعن أبي حنيفة أنه يكفى ذلك وبه قال بعض الاصحاب لحصول الجفاف وطيب الرائحة: ثم في الفصل مسألتان أحداهما هل يجب استعمال الماء في أثناء الدباغ مع الادوية فيه وجهان أحدهما نعم لان معنى الازالة في الدباغ أغلب والماء متعين لا زالة النجاسات وأيضا فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال أليس في الشب والقرظ والماء ما يطهره وأظهرهما لا: لقوله صلى الله عليه وسلم سلم أيما أهاب دبغ فقد طهر والغالب في الدباغ الاحالة دون الازالة ومعناه أن الجلد بنزع الفضلات يستحيل إلى الطهارة كالخمر يستحيل خلا: الثانية إذا دبغ الجلد بشئ طاهر فهل يجب غسله بعد الدباغ فيه وجهان أظهرهما نعم لا زالة أجزاء الادوية فانها نجست بملاقات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 الجلد وبقيت ملتصقة به: والثاني لا لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم فقد طهر فان قلنا يجب فالجلد بعد الدباغ طاهر العين كالثوب النجس بخلاف ما إذا أوجبنا استعمال الماء في أثناء الدباغ ولم يستعمل فانه يكون نجس العين وهل يطهر بمجرد نقعه في الماء أم لا بد من استعمال الادوية ثانيا فيه وجهان: وإذا أوجنا الغسل بعد الدباغ لم يجز أن يكون الماء متغيرا بالادوية وإذا أوجبنا الاستعمال في أثناء الدباغ لم يضر كونه متغيرا بها بل لا بد منه فلهذا وصف الماء في المسألة الثانية بكونه مطلقا ولم يتعرض لذلك في الاولى * قال (ثم الجلد المدبوغ طاهر ظاهره وباطنه (وم) يجوز بيعه (وم) ويحل أكله على أقيس القولين) * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 هل يطهر بالدباغ باطن الجلد كظاهره أم لا يطهر الا ظاهره: فيه قولان الجديد انه يطهر الباطن والظاهر حتى يصلى فيه وعليه ويباع ويستعمل في الاشياء الرطبة واليابسة لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال أيما أهاب دبغ فقد طهر ولقوله هلا أخذتم أهابها فدبغتموه فانتفعتم به أطلق ولم يفصل بين الانتفاع في الرطب واليابس ولان الدباغ يؤثر في الظاهر والباطن جميعا والقديم وهو مذهب مالك أنه لا يطهر باطنه حتى يصلى عليه ولا يصلى فيه ولا يباع ولا يستعمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 في الاشياء الرطبة لقوله صلى الله عليه وسلم لا تنتفعوا من الميتة باهاب ولا عصب ظاهره المنع مطلقا خالفنا في ظاهر الجلد جمعا بينه وبين الاخبار المجوزة للدباغ وأما الا كل منه فان كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 جلد مأكول فقولان الجديد الجواز لقوله صلى الله عليه وسلم دباغ الاديم ذكاته والقديم المنع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 لقوله عليه السلام انما حرم من الميتة أكلها وان كان من غير مأكول فطريقان أحدهما طرد القولين وأظهرهما القطع بالمنع كما في الذكاة وقد أطلق في الكتاب ذكر القولين في الاكل فيجوز أن يريد من المأكول ويجوز أن يريد المأكول وغيره علي طريقة طرد القولين فيهما وبها قال القفال: ثم الخلاف في الاكل يجوز أن يجعل من فروع الخلاف في طهارة الباطن وهو قضية ايراده في الاصل ويجوز أن يجعل خلافا مستقلا ويوجه بما سبق وكذلك جعله بعضهم وجها لا قولا وكذلك حكاه في الوسيط * قال (القسم الثاني المتخذ من العظام * والعظم ينجس (ح) بالموت على ظاهر المذهب وقيل قولان كما في الشعر ولا ينجس (و) شعر الآدمى بالموت والابانة ولا شعر الحيوان المأكول بالجز قولا واحدا فان حكمنا أن الشعر لا ينجس بالموت فالاصح أن شعر الكلب والخنزير نجس لنجاسة المنبت) * الشعور هل تنجس بالموت والابانة فيه قولان أحدهما لا لانه لاتحلها الحياة بدليل أنها لا تحس ولا تألم وانما يتأثر بالموت ما تحله الحياة: وأظهرهما نعم لانه ان حلها الحياة كانت كسائر الاجزاء والا فهي حادثة من الجملة فتكون تابعة لها في الطهارة والنجاسة كما تجعل تابعة لها في حكم الجنابة وغيره ويجرى القولان في الصوف والوبر والريش وأما العظام ففيها طريقان أظهرهما القطع بالنجاسة لانها تحس وتألم: والثاني طرد القولين كما فيها لان الظفر يقلم ولا يألم والظلف تبرد بالمبرد ولا يحس به الحيوان فان قلنا الشعر والعظم ينجسان بالموت والابانة وجعلنا حكمهما حكم سائر الاجزاء فيستثنى عنهما موضعان أحدهما شعر المأكول إذا أبين في حياته كما سبق: والثاني شعر الآدمى وفيه قولان أو وجهان مبنيان على نجاسته بالموت ان قلنا لا ينجس وهو الاصح فلا ينجس شعره بالموت والابانة وان قلنا ينجس ينجس شعره أيضا بالموت والابانة وعلى هذا القول إذا سقطت منه شعرة أو شعرتان وصلى فيها فلا بأس للقلة وتعذر الاحتراز فان كثرت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 لم يحتمل كدم البراغيث وان قلنا ينجس شعره بالموت والابانة فهل يستثنى شعر الرسول صلى الله عليه وسلم فيه وجهان: وجه الاستثناء أنه لما حلق شعره ناوله أبا طلحة رضي الله عنه ليفرقه على أصحابه ولم يمنعهم من استصحابه وإذا كان الصحيح في شعر غيره الطهارة فما ظنك بشعره صلى الله عليه وسلم: وجلد الميتة إذا دبغ وعليه شعر فهل يطهر على هذا القول فيه قولان أظهرهما لا لان الشعور لا تتأثر بالدباغ بل هي قبله وبعده على هيئة واحدة بخلاف الجلد: والثاني أنها تطهر تبعا لطهارة الجلد كما نجست بالموت تبعا وإذا فرعنا على أن الشعور لا تنجس بالموت فهى ملحقة بالجمادات وجميعا طاهر الا شعر الكلب والخنزير ففيه وجهان أصحهما أنه نجس ويستثنى هو من الجمادات كما استثنى صاحبه من الحيوانات والثاني أنه طاهر كشعر غيره والو جهان يشملان حالتى الموت والحياة جميعا فهذا فقه هذه المسائل وحظ الباب منه أن العظم إذا كان طاهرا فاستعمال الاناء المتخذ منه جائز والا فلا: وانما يكون طاهرا إذا كان من المذكي المأكول أو فرعنا علي القول الضعيف أن العظام لا تنجس أصلا. واعلم أن القطع في قوله ولا ينجس شعر الآدمى بالموت والابانة ولا شعر المأكول لحمه بالجز قولا واحدا لا يرجع إلى المسألتين وانما يرجع إلى المسألة الا خيرة وفي شعر الآدمى هل ينجس بالموت والابانة ما سبق من الخلاف وشعر المأكول قد سبق في الكتاب في فصل النجاسات وانما أعاده ههنا ليتبين أنه ليس موضع القولين وقوله فان حكمنا بأن الشعر لا ينجس بالموت هكذا الصواب وربما نجد في بعض النسخ فان حكمنا بان شعر الآدمى لا ينجس بالموت وقوله فالاصح أن شعر الكلب والخنزير نجس ليس المعنى أنه نجس بالموت لانه نجس في الحياة والموت جميعا على الاصح وظاهر فيهما على الثاني وعلى التقديرين فلا يكون نجسا بالموت وانما المعنى التعرض لنفس النجاسة وقوله لنجاسة المنبت قد يعترض عليه بأن هذا التعليل يقتضي نجاسة الزرع النابت على السرقين وقد نصوا علي أنه ليس بنجس العين لكنه نجس بملاقات النجاسة فإذا غسل طهر وإذا تسنبل فالحبات الخارجة منه طاهرة ويجوز أو يجاب عنه بأنه أراد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 بالمنبت ما منه النبات والذى ينبت منه الشعر نجس أما الزرع فانه ينبت من الحبات المنبثة في السرقين لا من نفس السرقين * قال (القسم الثالث المتخذ من الذهب والفضة وهو محرم الاستعمال على الرجال والنساء ولايجوز تزيين الحوانيت به على الاصح ولا يجوز اتخاذه (و) ولا قيمة على كاسره (و) ولا يتعدى التحريم إلى الفيروزج والياقوت على الاصح لان نفاستهما ما لا يدركها الا الخواص) عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما يكره استعمال الاواني المتخذة من الذهب والفضة وهل ذلك على سبيل التحريم أو هو على سبيل التنزيه فيه قولان قال في القديم أنه على التنزيه لان جهة المنع ما فيه من السرف والخيلاء وانكسار قلوب المساكين ومثل هذا لا يقتضى التحريم وقال في الجديد انه على التحريم وهو الصحيح وبه قطع بعضهم لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذي يشرب في آنية الفضة انما يجر جر في جوفه نار جهنم رتب الوعيد بالنار عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 ويستوى في المنع الرجال والنساء لشمول معني الخيلاء وان جاز للنساء التحلى بالذهب والفضة يزينا كما أن افتراش الحرير يحرم عليهن كما يحرم على الرجال ولا يحرم اللبس عليهن ثم الخبر وان ورد في الاكل والشرب منهما فسائر وجوه الاستعمال في معناهما كالتوضى والاكل بملعقة الفضة والتطيب بماء الورد من قارورة الفضة والتجمر بمجمرة الفضة إذا احتوى عليها ولا حرج في اتيان الرائحة من بعد وهل يجوز اتخاذ الاواني الذهبية والفضية ان قلنا لا يحرم استعمالها على القديم فيجوز وان قلنا يحرم فوجهان أحدهما يجوز لجمع المال واحرازه كيلا يتفرق: والثاني وهو الاصح والمذكور في الكتاب أنه لا يجوز لان ما حرم استعماله حرم اتخاذه كآلات الملاهي فان قيل آلات الملاهي تتشوف النفس إلى استعمالها بخلاف الاواني قيل لا نسلم أن الاواني لا تتشوف النفس إلى استعمالها بل الواجد لها يلتذ باستعمالها واحتجوا لهذا الوجه أيضا بانه لا خلاف في وجوب الزكاة فيها ولو كان اتخاذها مباحا لكان وجوب الزكاة فيها على القولين في الحلى المباح وعلى الوجهين يبنى جواز الاستئجار على اتخاذها وغرامة الصنعة على من كسرها ان قلنا يجوز اتخاذها جاز الاستئجار ووجب الغرم والا فلا: وفي جواز تزيين البيوت والحوانيت والمجالس بها وجهان لانه ليس باستعمال لكن السرف والخيلاء يكاد يكون أبلغ ثم في كلام بعضهم بناء الخلاف في الاتخاذ على هذا الخلاف ان حرمناه فلا منفعة فيها بحال فلا يجوز اتخاذها والا فيجوز ويجوز أن يعكس هذا البناء فيقال ان حرمنا الاتخاذ حرم التزيين لان ما حرم اتخاذه يجب اتلافه والتزيين يتضمن الامساك وان ابحنا الاتخاذ فلا منع الا من الاستعمال: وقال امام الحرمين رحمة الله عليه الوجه عندي تحريم التزيين بها للسرف مع الخلاف في حرمة الصنعة وأما الاواني المتخذة من سائر الجواهر النفيسة كالفيروزج والياقوت والزبرجد وغيرها فهل هي في معني المتخذ من الذهب والفضة فيه قولان بناهما الائمة علي أن تحريم إناء الذهب والفضة لعينهما أو لمعنى فيهما قالوا وفيه قولان الجديد أنه لعينهما كاختصاصهما بتقويم الاشيإ بهما ووجوب حق المعدن فيهما وجعلهما رأس مال القراض ونحو ذلك: والثاني أنه لمعنى فيهما وهو السرف والخيلاء فعلى الاول لا يحرم ما اتخذ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 غيرهما من الجواهر النفيسة وعلى الثاني يحرم واعتبر العراقيون والامام معني السرف والخيلاء لا محالة وقالوا حسم باب المعني مع ظهوره بعيد لكن وجه الجواز ان التبرين يظهر ان لكافة الناس والجواهر النفيسة يختص بمعرفتها بعضهم فيكون السرف والخيلاء في التبرين اكثر وهذا قضية قول صاحب الكتاب لان نفاستها لا يدركها الا الخواص وكيف ما كان فالاصح انها ليست في معنى الذهب والفضة ولا خلاف في أن ما تكون نفاسته بسبب الصنعة لا يحرم استعماله ولا يكره كلبس الكتان النفيس قال (والمموه لا يحرم على أظهر المذهبين والمضبب في محل يلقي فم الشارب محظور على الاظهر فان لم يلق فان كان صغيرا لا يلوح من البعد أو على قدر حاجة الكسر فجائز (و) وان انتفى المعنيان فحرام (ح) وان وجد أحدهما دون الثاني فوجهان وفي المكحلة الصغيرة تردد) لو اتخذ اناء من حديد أو غيره وموهه بالذهب أو الفضة نظر ان كان يحصل منها شئ بالعرض على النار منع من استعماله وليس هذا موضع الخلاف وان لم يحصل شئ فهل يمنع من الاستعمال فيه وجهان مبنيان علي مثل ما ذكرنا في الجواهر النفيسة: قال آخرون معنى الخيلا معتبر لكن من جوز قال المموه لا يكاد يخفى ولا يلتبس بالتبر ولو اتخذ اناء من ذهب أو فضة وموهه بنحاس أو غيره جرى الخلاف ان قلنا التحريم لعين الذهب والفضة يحرم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 وان قلنا المعنى الخيلاء فلا: ولو غشي ظاهره وباطنه جميعا بالنحاس قال الامام الذى أراه القطع بجواز استعماله والذى يجئ على قول من يقول التحريم لعين الذهب والفضة أن يقول بالتحريم ههنا أيضا وقوله في الاصل علي أظهر المذهبين يعنى الوجهين اللذين ذكرنا هما وأما المضبب فينظر ان كانت الضبة على شفة الاناء بحيث تلقى فم الشارب فوجهان أحدهما التحريم وبه قال مالك قدس الله روحه سواء كانت صغيرة أو كبيرة على قدر الحاجة أو فوقها لكونها في موضع الاستعمال: والثاني أنها كما لو كانت في موضع آخر وصاحب الكتاب في آخرين جعلوا الوجه الاول أظهر ولعل الذى دعاهم إليه أنه اشبه بكلام الشافعي رضي الله عنه في المختصر لكن معظم العراقيين علي انه لا فرق بين أن تكون الضبة علي موضع الشرب أو غيره وهو أوفق للمعني لان التحريم ان كان لعين الذهب والفضة فلا فرق وان كان لمعني الخيلاء فكذلك وقد تكون الزينة في غير موضع الشرب أكثر وليس لقائل أن يقول إذا كان شاربا على فضة كان متناولا بالنص لان لفظ الخبر المنع من الشرب في آنية الفضة لا على الفضة والمضبب ليس بآنية الفضة ثم من نصر الوجه الاول فمن شرطه أن يقول لو كان الاستعمال في غير الشرب وكانت الضبة على الموضع الذى يمسه المستعمل ويلاقيه يحرم أيضا ولا ينساغ غير ذلك وان كانت الضبة على غير موضع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 الشرب نظر ان كانت صغيرة وكانت على قدر الحاجة فلا تحريم ولا كراهة روى ان حلقة قصعة النبي صلى الله عليه وسلم كانت من فضة وكذلك قبيعة سيفه وان كانت كبيرة وفوق الحاجة حرم الاستعمال لظهور الزينة ووجود عين الذهب والفضة وان كانت صغيرة لكنها فوق قدر الحاجة أو كبيرة لكنها بقدر الحاجة فوجهان أحدهما التحريم لظهور معنى الخيلاء: أما في الصورة الاولي فلانه للزينة دون الحاجة: وأما في الثانية فلكبر الضبة وافتتان الناظرين بها كأصل الاناء وأصحهما وهو الذى ذكره الشيخ أبو حامد والعراقيون أنه يكره ولا يحرم أما في الصورة الاولى فلصغرها وقدرة معظم الناس على مثلها: وأما في الثانية فلظهور قصد الحاجة دون الزينة وبنى بعضهم الوجهين علي الاصل الذى سبق ان قلنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 التحريم لعين الذهب والفضة حرم وإن قلنا لمعنى الخيلاء فلا * وفي أصل المسألة وجهان آخر ان أحدهما أن المضبب يكره استعماله ولا يحرم بحال وبه قال أبو حنيفة والثاني أنه يحرم مطلقا حكاه الشيخ أبو محمد تخربجا على اعتبار العين وإذا عرفت ذلك فليكن قوله علي قدر حاجة الكسر فجائز معلما بالواو للوجه الثاني وقوله وان انتفى المعنيان فحرام بالحاء والواو للوجه الاول ثم ههنا مبا حثات احداها هل هذا الخلاف والتفصيل في المضبب بالفضة خاصة أو يعم المضبب بالفضة والذهب جميعا ذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي رحمة الله عليه انه يحرم التضبيب بالذهب مطلقا وهذا الخلاف والتفصيل في المضبب بالفضة ووجهه قوله صلى الله عليه وسلم في الذهب والحرير هذان حرام على ذكور أمتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 وأيضا فقد روى انه صلي الله عليه وسلم وسلم قال من شرب في آنية الذهب والفضة أو في انا فيه شئ من ذلك فانما يجر جر في جوفه نار جهنم قضية الخبر تحريم المضبب بهما مطلقا خالفنا في الفضة لما ورد من خبر القبعة والحلقة فبقى في الذهب على ظاهره والذى نص عليه الجمهور التسوية بين ضبة الذهب وضبة الفضة كأصل الاناء: الثانية ما حد الصغر والكبر قال بعضهم الكبير ما يستوعب جزء من الاناء كأسفله أو جانبا من جوانبه أو تكون عروته أو شفته أو غيرهما من الاجزاء كله من ذهب أو فضة: والصغير ما دون ذلك واستعبد امام الحرمين هذا وقال لعل الوجه أن يقال ما يلمع على البعد للناظر فهو كبير وما لا فهو صغير فيكون مأخذ ذلك مدانيا للقليل والكثير من طين الشوارع وهذا ما أشار إليه في الاصل حيث قال فان كان صغيرا لا يلوح من البعد أراد تفسير الصغير بما لا يلوح من البعد ولو بحث باحث عن حد البعد فلا يجد مرجعا فيه الا العرف والعادة وإذا كان كذلك فلو رجعنا في الفرق بين الصغير والكبير إلى العرف والعادة وطرحنا الواسطة لما كان به بأس وقد فعل بعض الاصحاب ذلك وقال المرجع في الفرق بين الصغير والكبير إلى العرف والعادة: الثالثة هل يسوى بين الذهب والفضة في الصغر والكبر لم يتعرض الاكثرون لذلك وعن الشيخ ابي محمد انه لا ينبغى أن يسوى بينهما فان الخيلاء في قليل الذهب كالخيلاء في كثير الفضة وأقرب معتبر فيه أن ينظر إلى قيمة ضبة الذهب إذا قومت بالفضة وهذا الكلام يقرب ما خذه مما حكيناه عن الشيخ أبي اسحق وقياس الباب أن لا فرق: الرابعة ما معني الحاجة التى اطلقناها في المسألة والجواب يعنى بها الاغراض المتعلقة بالتضبيب سوى التزيين كأصلاح موضع الكسر وكالشد والتوثيق فإذا كان على قدر ما يستدعيه الكسر فهو بقدر الحاجة وقوله في الاصل على حاجة الكسر اشارة إلى هذا ولا يعتبر العجز عن التضبيب بغير الذهب والفضة فان الاضطرار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 يبيح استعمال أصل الاناء من الذهب والفضة: الخامسة قدر الضبة المجوزة لو اتخذ منه اناء صغير كالمكلة وظرف الغالية هل يجوز حكي فيه وجهان للشيخ أبي محمد أحدهما نعم كما لو ضبب به غيره وأظهرهما لا: لانه الآن يقع عليه اسم الآنية فيندرج تحت النهى وخصوا هذا التردد بالفضة وقياس ما سبق التسوية بين الذهب والفضة وذكر في التهذيب أنه لو اتخذ للاناء حلقة من فضة أو سلسلة أو رأسا يجوز لانه منفصل عن الاناء لا يستعمله ولك أن تقول لا نسلم انه لا يستعمله بل هو مستعمل بحسبه تبعا للاناء ثم هب انه لا يستعمله لكن في اتخاذ الاواني من غير استعمال خلاف سبق فليكن هذا على ذلك الخلاف أيضا ويجوز أن يوجه التجويز بالمضبب أو تجعل هذه الاشياء كالظروف الصغيره كما سبق والله أعلم * قال (هذا قسم المقدمات أما قسم المقاصد ففيه أربعة ابواب الباب الاول في صفة الوضوء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 وفرائضه ستة الاولى النية وهى شرط في كل طهارة عن حدث (ح) ولا تجب (و) في ازالة النجاسة ولا يصح (ح و) وضوء الكافر وغسله إذ لا عبرة بنيته الا الذمية تحت المسلم تغتسل عن الحيض لحق الزوج فلا يلزمها الاعادة بعد الاسلام على أحد الوجهين والردة بعد الوضوء لا تبطله (و) وبعد التيمم تبطله في أحد الوجهين لضعف التيمم:) ذكرنا في أول الكتاب ان أحكام الطهارة على قسمين مقدمات ومقاصد وجعل قسم المقاصد على أربعة أبواب أحدها في صفة الوضوء وله فرائض وسنن أما الفرائض فهى ست: الفرض الاول منها النية فهى واجبة في طهارات الاحداث خلافا لابي حنيفة الا في التيمم لنا قوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 صلى الله عليه وسلم انما الاعمال بالنيات واعتبار ما عدا التيمم بالتيمم وأما ازالة النجاسة فلا يعتبر فيها النية لانها من قبيل التروك والمقصود هجران النجاسة والتروك لا تعتبر فيها النية كترك الشرب والزنا وغيرهما وطهارات الاحداث عبادات فاشبهت سائر العبادات ويحكي عن ابن سريح اشتراط النية فيها وبه قال أبو سهل الصعلوكى فيما حكاه صاحب التتمة وإذا عرفت ذلك فاعلم انه بنى على اعتبار النية في الطهارات امتناع صحتها من الكافر فلو اغتسل الكافر في كفره أو توضأ ثم أسلم لم يعتد بما فعله في الكفر لانه ليس أهلا للنية فيلزم الاعادة بعد الاسلام ولان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 الطهارة عبادة والكافر ليس أهلا للعبادات ولهذا لا يصح منه الصلاة والصوم ولعل هذا أولى من التعليل بانه لا يصح منه النية لان النية المعتبرة في الوضوء نية رفع الحدث وهي متصورة من الكافر وقال أبو بكر الفارسي لا يجب إعادة الغسل ويجب إعادة الوضوء لان الغسل يصح من الكافر في بعض الاحيان بدليل غسل الذمية عن الحيض لزوجها المسلم والوضوء لا يصح منه بحال وحكي وجه آخر أنه لا يجب إعادة الغسل ولا الوضوء وبه قال أبو حنيفة وأما مسألة الذمية فانها إذا طهرت من الحيض والنفاس فلا يحل لزوجها المسلم غشيانها حتى تغتسل كالمسلمة المجنونة تطهر من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 الحيض ثم لو أسلمت الذمية بعد ذلك الغسل أو أفاقت المجنونة فهل يلزمها الاعادة فيه وجهان أحدهما وبه قال أبو بكر الفارسى لا يلزم لانه غسل صح في حق حل الوطئ فيصح في حكم الصلاة وغيره وأصحهما انه يلزم الاعادة لانه ليس للكافر والمجنون أهلية العبادة وانما صح في حل الوطئ لضرورة حق الزوج ولهذا تجبر الزوجة على الغسل من الحيض مسلمة كانت أو ذمية لحقه هذا حكم الكافر الاصلى أما المرتد فلا تصح منه الطهارة بحال ولم يجروا منه الخلاف المذكور في الكافر الاصلى لان من قال ثم لا حاجة إلى الاعادة أخذ ذلك من غسل الذمية بحل الوطئ أو من التخفيف والعفو عند الاسلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 ولا يفرض واحد منهما في المرتد: ولو توضأ المسلم ثم ارتد هل يبطل وضوءه فيه وجهان أحدهما نعم لان ابتداء الوضوء لا يصح مع الردة فإذا طرأت في دوامه أبطله كالصلاة لا يصح ابتداؤها مع الردة وتبطل إذا طرأت في دوامها واصحهما وهو المذكور في الكتاب انه لا يبطل حتي لا تجب الاعادة إذا عاد إلى الاسلام لانه بعد الفراغ من الوضوء مستديم حكمه لا فعله وإذا كان كذلك لم يتأثر ما سبق بالردة الا ترى انه إذا ارتد لم يبطل ما مضى من صومه وصلاته حتى لا تجب اعادته بعد السلام وهل يجرى هذا الخلاف في الغسل المشهور انه لا يجري لان الغسل يجامع الكفر بدليل مسألة الذمية والوضوء بخلافه ومنهم من أجرى الخلاف فيه أيضا والتوجيه ما ذكرنا في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 الوضوء: وأما التيمم ففى بطلانه بعروض الردة وجهان أيضا لكن الاصح فيه البطلان لان التيمم لا ستباحة الصلاة وإذا ارتد خرج عن اهلية الاستباحة فلا يفيد تيممه الاباحة بعد ذلك كما إذا تيمم قبل الوقت لا يستبيح به الصلاة بعد دخول الوقت ومنه من يرتب فيقول ان بطل الوضوء بالردة فالتيمم أولى وان لم يبطل ففى التيمم وجهان والفرق ضعف التيمم وتقاعده عن افادة الاباحة بعد تعذر الاستباحة قال (ثم وقت النية حالة غسل الوجه ولا يضر الغروب بعده ولو اقترنت باول سنن الوضوء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 وعزبت قبل غسل الوجه فوجهان) لا يجوز ان تتأخر النية عن أول غسل الوجه لانها لو تأخرت لخلا أول الفرض عن النية وصار كالصلاة يشترط فيها المقارنة باولها بخلاف الصوم يحتمل فيه التقدم تارة والتأخر أخرى لعسر مراقبة طلوع الفجر وتطبيق النية عليه ثم إذا لم تتأخر فاما ان يحدث مقارنة لاول غسل الوجه أو يتقدم عليه فان حدثت مقارنة لاول غسل الوجه صح الوضوء ولا يجب الاستصحاب إلى آخر الوضوء لما فيه من العسر ولكن لا يحصل له ثواب ما قبله من السنن إذ ليس للمؤمن من عمله الا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 ما نوى وان تقدمت عليه نظران استصحبها إلى أن ابتدا بغسل الوجه صح الوضوء وحصل ثواب السنن المنوبة قبله وان قارنت ما قبله من السنن وعزبت قبل غسل الوجه ففى صحة الوضوء وجهان أحدهما الصحة لان تلك السنن من جملة الوضوء فإذا اقترنت النية بها فقد اقترنت بأول العبادة وان لم تكن فرضا وأصحهما المنع لان المقصود من العبادة واجباتها والمندوبات توابع وتزينات فلا يكفى اقتران النية بها ولانها أمور سابقة على فرض الوضوء فلا يكفى اقتران النية بها كالاستنجاء ثم لا خلاف في ان المضمضة والاستنشاق من سنن الوضوء واختلفوا فيما قبل ذلك كغسل اليدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 والسواك والتسمية فلم يعدها كثيرون من سننه وان كانت مندوبة في ابتدائه وعدها آخرون من سننه وهو الوجه ولهذا تقع معتدا بها مثابا عليها إذا نوي مطلق الوضوء ولو لم تكن معدودة من افعاله لما اعتد بها بنية الوضوء: وفى لفظ الكتاب أشياء بنبغي أن يتنبه لمثلها الاول ان قوله وقت النية حالة غسل الوجه مؤول لان اطلاق غسل الوجه يتناول جميعه والجميع ليس بوقت النية لا بمعني انه يجب اقتران النية بالكل كقولنا وقت الصوم النهار لانه يجوز أن يغسل الوجه على التدريج ولا تقترن النية بما سوى الجزء الاول ولا بمعنى انه تجزى النية أي بعض من ابعاضه اتفقت كقولنا وقت الصلاة كذا لان اقترانها بما سوى الجزء الاول لا يغني فإذا المراد أول غسل الوجه: والثاني ان قوله ولا يضر الغروب بعده ليس على اطلاقه لان الذى لا يضر ليس مطلق الغروب بل الغروب بشرط ان لا تحدث نية أحرى حتى لو عزبت نيته المعتبرة وحدثت له نية تبرد أو تنظف لم يصح وضوءه في أصح الوجهين لان النية الاولى غير باقية حقيقة والثانية حاصلة حقيقة فتكون أقوى: والثالث قوله ولو اقترنت بأول سنن الوضوء ليس من شرط هذه الصورة أن يكون الاقتران بالنية الاولى بل سواء اقترنت النية بالاولى أو بغيرها وعزبت قبل الشروع في غسل الوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 حصل الوجهان وبالله التوفيق قال (وكيفيتها ان ينوى رفع الحدث أو استباحة الصلاة أو ما لا يباح الا بالطهارة أو اداء فرض الوضوء فان نوى رفع بعض الحدث دون البعض فسدت نيته على أحد الوجهين وان نوى استباحة صلاة لا بعينها صحت نيته على أحد الوجهين وقيل يفسد في الكل وقيل يباح له ما نوي ولو نوى ما يستحب له الوضوء كقراءة القرآن للمحدث فوجهان ولو شك في الحدث بعد تيقن الطهارة فتوضأ احتياطا ثم تبين الحدث ففى وجوب الاعادة وجهان للتردد في النية وان نوى بوضوءه رفع الحدث والتبرد لم يضر على الاظهر وكذا إذا نوى غسل الجنابة مع غسل الجمعة حصلا معا) الوضوء نوعان وضوء رفاهية ووضوء ضرورة أما وضوء الرفاهية فعلى صاحبه أن ينوى أحد امور ثلاثة أو لها رفع الحدث أو الطهارة عنه فان اطلق كفاه لان المقصود من الوضوء رفع مانع الصلاة ونحوها فإذا نواه فقد تعرض لما هو المطلوب بالفعل وحكى وجه انه ان كان يمسح على الخف لم يجزه نية رفع الحدث بل ينوى استباحة الصلاة كالمتيمم ولو نوى رفع بعض الاحداث دون بعض بان كان قد نام وبال ومس فنوى رفع حدث منها ففيه وجوه أصحها انه يصح وضوءه لانه نوى رفع البعض فوجب ان يرتفع والحدث لا يتجزأ فإذا ارتفع البعض ارتفع الكل والثاني لا يصح لان ما لم ينو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 رفعه يبقي والاحداث لا تتجزأ فإذا بقى البعض بقي الكل ويكاد هذان الكلامان يتقاومان لكن من نصر الاول قال نفس النوم والبول لا يرفع وانما يرفع حكمهما وهو شئ واحد تعددت أسبابه والتعرض لها ليس بشرط فإذا تعرض له مضافا إلى سبب واحد لغت الاضافة إلى السبب وارتفع والثالث ان لم ينف رفع ما عداه صح وضوءه وان نفاه فلا لان نيته حينئذ تتضمن رفع الحدث وابقاءه فصار كما لو قال أرفع الحدث لا أرفع الحدث والرابع ان نوى رفع الحدث الاول صح وضوءه وان نوى غيره فلا. لان الاول هو الذى أثر في المنع ونقض الطهارة والخامس ان نوي رفع الحدث الاخير صح وان نوى غيره فلا لان الاخير أقرب وذكر بعضهم ان الخلاف فيما إذا نواه ونفى غيره فان لم ينف صح بلا خلاف وهذا إذا كان الحدث الذى خصه بالرفع واقعا له فان لم يكن كما إذا نوى رفع حدث النوم ولم ينم وانما بال نظر ان كان غالطا صح وضوءه لان التعرض لها ليس بشرط فلا يضر الغلط فيها وان كان عامدا لم يصح في أصح الوجهين لانه متلاعب بطهارته الثاني استباحة الصلاة أو غيرها مما لا يباح الا بالطهارة كالطواف وسجدة التلاوة والشكر ومس المصحف فإذا نواها واطلق اجزأه لان رفع الحدث انما يطلب لهذه الاشياء فإذا نواها فقد نوى غاية المقصد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 وروى وجه أنه لا يصح الوضوء بنية الاستباحة لان الصلاة ونحوها قد تستباح مع بقاء الحدث بدليل المتيمم وان نوى استباحة صلاة معينة فان لم يتعرض لما عداها بالنفي والاثبات صح أيضا وان نفى غيرها فثلاثة أوجه أصحها الصحة لان المنوية ينبغى أن تباح ولا تباح الا إذا ارتفع الحدث والحدث لا يتبعض: والثاني المنع لان نيته تضمنت رفع الحدث وابقاءه كما سبق والثالث يباح له المنوي دون غيره لظاهر قوله صلى الله عليه وآله ولكل امرئ ما نوى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 وان نوى ما يستحب له الوضوء كقراء القرآن للمحدث وسماع الحديث وروايته والقعود في المسجد وغيرها فوجهان أظهرهما لا يصح وضوءه لان هذه الافعال مباحة مع الحدث فلا يتضمن قصدها قصد رفع الحدث: والثاني يصح لانه قصد أن يكون ذلك الفعل على أكمل أحواله وان يكون كذلك الا إذا ارتفع الحدث: والوجهان جاريان فيما إذا كان الوضوء مستحبا في ذلك الفعل لمكان الحدث كما ذكرنا من الامثلة وفيما إذا كان الاستحباب لا باعتبار الحدث كتجديد الوضوء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 فان المقصد منه زيادة النظافة لكن المنع في القسم الثاني أظهر منه في الاول ولذلك قطع بعضهم بنفى الصحة فيه: ولو شك في الحدث بعد يقين الطهارة فتوضأ احتياطا ثم تبين أنه كان محدثا فهل يعتد بهذا الوضوء فيه هذان الوجهان لان الوضوء والحالة هذه محبوب للاحتياط لا للحدث وفي المسألة معنى آخر وهو أنه عند الوضوء متردد في الحدث فيكون مترددا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 في نية رفع الحدث وإذا كان كذلك وجب أن لا يعتد بوضوءه لاختلال النية وهذا بخلاف ما إذا شك في الطهارة بعد يقين الحدث حيث يؤمر بالوضوء ويحكم بصحته مع التردد لان الاصل ثم بقاء الحدث والتردد الذى يعتضد أحد طرفيه بالاصل لا يضر لحصول الرجحان والظهور وهذا المعنى على العكس ههنا أما إذا كان الفعل بحيث لا يتوقف علي الوضوء ولا يستحب الوضوء له كدخول السوق فتوضأ له لم يصح الثالث: أداء فرض الوضوء بهذه النية كما إذا نوى المصلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 أداء فرض الصلاة وهذا لان النية معتبرة في الوضوء لجهة كونه قربة فأشبه سائر القربات ولهذا ذكروا وجهين في اشتراط الاضافة إلى الله تعالى كما في الصوم والصلاة وسائر العبادات والاولى أن لا يجعل اعتبار النية في الوضوء على سبيل القربات بل يعتبرها للتمييز ولو كان الاعتبار على وجه القربة لما جاز الاقتصار على أداء الوضوء وحذف الفرضية لان الصحيح أنه يشترط التعرض للفرضية في الصلاة وسائر العبادات وقد نصوا على أنه لو نوى أداء الوضوء كفاه بل يلزم أن يجب التعرض للفرضية ولو نوى رفع الحدث أو الاستباحة والله أعلم. فان قيل إذا لم يدخل وقت الصلاة فليس عليه وضوء ولا صلاة فكيف ينوى فرض الوضوء فالجواب أن الشيخ أبا علي ذكر أن الموجب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 للطهارة هو الحدث وقد وجد الا أن وقتها لا يتضيق عليه ما لم يدخل وقت الصلاة فلذلك صح الوضوء بنية الفرضية قبل دخول الوقت لكن هذا الجواب مبني على أن الموجب للطهارة هو الحدث وقد صار بعض الاصحاب إلى أن الموجب هو دخول الوقت أو أحدهما بشرط الآخر ويجوز أن يقال لا نعنى بالفرضية انه يلزمه الاتيان به والا لا متنع أن يتوضأ الصبي المميز بهذه النية ولكن المراد أنه ينوى اقامة طهارة الحدث المشروطة في الصلاة وشروط الشئ تسمى فروضه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 وربما نذكر في معنى فرضية الصلاة التي ينويها المصلى ما يقارب هذا ونبين ما فيه من الاشكال في كتاب الصلاة ان شاء الله تعالى: ثم إذا نوى بوضوءه أحد الامور الثلاثة وقصد معه شيئا آخر يحصل ذلك الشئ من غير قصد ونية كما لو نوى بوضوءه رفع الحدث والتبرد أو استباحة الصلاة والتبرد ففي صحة الوضوء وجهان أحدهما يحكى عن ابن سريح أنه لا يصح لان الاشتراك في النية بين القربة وغيرها مما لا يخل بالاخلاص وأصحهما أنه يصح لان التبرد حاصل وان لم ينو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 فنيته لاغية وصار كما لو كبر الامام وقصد مع التحريم اعلام القوم لا يضر ولو اغتسل بنية رفع الجنابة والتبرد فعلى هذين الوجهين ولو كان يغتسل ضحوة الجمعة فنوى رفع الجنابة وغسل الجمعة فهذا يبنى على انه لو اقتصر على نية رفع الجنابة هل يتأدى به سنة غسل الجمعة أم لا وفيه قولان ان قلنا لا فقضيته أنه لا يصح الغسل أصلا كما لو نوى بصلاته الفرض والنفل جميعا وان قلنا يتأدي به وهو الاصح فوجهان كالوجهين في ضم نية التبرد إلى رفع الحدث أصحهما أنه لا يضر كما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 لو صلى الفرض عند دخول المسجد ونوى التحية أيضا لا يضر لان التحية تحصل وان لم ينوها ولا فرق في جريان الوجهين في مسألة التبرد بين أن يضم قصد التبرد إلى النية المعتبرة في الابتداء وبين أن يحدثها في الاثناء وهو ذاكر للنية المعتبرة أما إذا كان غافلا عنها لم يصح ما أتي به بعد ذلك في أصح الوجهين وقد قدمنا هذا: هذا شرح مسائل الفصل على الاختصار ونعود إلى ما يتعلق بخصوص الكتاب: قوله وكيفيته أن ينوى رفع الحدث يجوز أن يعلم رفع الحدث بالواو اشارة إلى الوجه الذى ذكرناه في حق الماسح على الخف فان ذلك القائل لا يصحح الوضوء بنية رفع الحدث على الاطلاق بل في حق غير الماسح وقوله أو استباحة الصلاة ينبغي أن يعلم أيضا بالواو للوجه الذى رويناه: وقوله أو اداء فرض الوضوء ليس ذكر الفرضية على سبيل الاعتبار والاشتراط كما سبق وقد أوضح ذلك في الوسيط فقال ينوى أداء الوضوء أو فريضة الوضوء وقوله ولو نوى رفع بعض الحدث دون البعض يشمل ما إذا لم يتعرض للباقي أصلا وما إذا نفى رفع الباقي والخلاف جار في الحالتين علي أظهر الطريقين كما سبق فهو مجرى على اطلاقه لكن قوله وان نوى استباحة صلاة بعينها المراد منه ما إذا عينها ونفى غيرها لانه لا خلاف فيما إذا لم يتعرض لما سواها: وقوله في مسألة الشك للتردد في النية اشارة إلى المعنى الثاني لوجه عدم الاجزاء لكن المناسب لا يراد المسألة مقرونة بما إذا نوى بوضوءه الافعال المستحبة المعنى الاول: وقوله وكذا لو نوى غسل الجنابة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 والجمعة حصلا يجوز أن يريد به العطف على الاظهر في مسألة التبرد بناء على أنه يحصل غسل الجمعة وان اقتصر على رفع الجنابة وعلى هذا فاللفظ يشعر بالخلاف في المسألة ولا حاجة إلى اعلامه بالواو ويجوز أن يحمل على الابتداء وعلى هذا يحتاج إلى العلامة بالواو وعلى التقديرين هو معلم بالميم لان صاحب البيان حكي عن مالك أنه لا يجزيه الغسل الواحد عنهما * قال (والمستحاضة لا يكفيها نية رفع الحدث بل تنوى استباحة الصلاة ورفع الحدث ولو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 اقتصر على نية الاستباحة جاز على الاصح) * تكلمنا في كيفية النية في وضوء الرفاهية أما النوع الثاني في وضوء الضرورة وهو وضوء من به حدث دائم كالمستحاضة وسلس البول ونحوهما فنقول لو اقتصرت المستحاضة على نية رفع الحدث فهل يصح وضوءها فيه وجهان أصحهما وهو المذكور في الكتاب أنه لا يصح لان حدثها لا يرتفع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 بالوضوء وكيف يرتفع ومنه ما يقارن وضوءها ويتأخر عنه: والثاني يصح لان رفع الحدث يتضمن استباحة الصلاة فقصد رفع الحدث يؤثر بمتضمنه وان لم يؤثر بخصوصه ولو اقتصرت على نية الاستباحة فوجهان أصحهما أنه يصح وضوءها كما يصح التيمم بهذه النية: والثاني لا يصح يحكي ذلك عن أبي بكر الفارسى والخضرى لان لها أحداثا سابقة وأخرى لاحقة فتنوى الرفع لما تقدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 والاستباحة لما تأخر وان جمعت بينهما فهو الغاية ثم لو نوت استباحة فريضة واحدة لا غير جاز بلا خلاف بخلاف ما إذا فعل ذلك صاحب طهارة الرفاهية لان طهارته لا تفيد الا فريضة واحدة ولو نوت استباحة نافلة بعينها عاد ذلك الخلاف ثم النظر في كون المستباح فرضا أو نفلا أو مطلق الصلاة وفيما يباح لها إذا نوت النفل كما سيأتي في التيمم * قال (ولو أغفل لمعة في الاولى فانغسلت في الكرة الثانية على قصد التنفل ففى ارتفاع الحدث وجهان ولو فرق النية علي أعضاء الوضوء لم يجز على أظهر الوجهين) * في الفصل مسألتان احداهما لو كان يتوضأ ثلاثا كما هو السنة فترك لمعة في المرة الاولى غافلا وانغسلت في الغسلة الثانية أو الثالثة وهو يقصد التنفل بهما فهل يعتد بغسل تلك اللمعة أم يحتاج إلى اعادته فيه وجهان مخرجان على أصلين سبق ذكرهما أحدهما انه إذا لم تبق نيته الاولى وحدثت نية أخرى كما إذا عزبت نية رفع الحدث وقصد التبرد أو التنظف فقد حكينا فيه وجهين وههنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 كذلك لانه لم يبق له في المرة الثانية والثالثة نية رفع الحدث ضرورة اعتقاده ارتفاع الحدث بالمرة الاولي: والثاني ان تلك اللمعة ما صارت مغسولة بنية رفع الحدث وما في معناه بل علي قصد التنفل فيكون كما لو نوي بوضوئه ما يستحب له الطهارة: ولو أغفل لمعة في وضوئه وانغسلت في تجديد الوضوء بعد ذلك فعلى هذين الوجهين لكن الاصح الاعتداد بالمنغسل في المرة الثانية والثالثة وعدم الاعتداد بالمنغسل في التجديد والفرق أن الغسلات في المرات الثلاث طهارة واحدة وقضية نية الاولى أن تحصل الغسلة الثانية بعد الاولى فما لم ينغسل عن الاولى لا يقع عن الثانية وتوهمه الغسل عن الثانية لا يمنع الوقوع عن الاولى كما لو ترك سجدة من الاولى ناسيا وسجد في الثانية تتم بها الاولي وان كان توهم خلاف ذلك وأما التجديد فهو طهارة مستقلة منفردة بنية لم تتوجه إلى رفع الحدث أصلا (المسألة الثانية) إذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 فرق النية على اعضاء الوضوء فنوى عند غسل الوجه رفع الحدث عنه وعند غسل اليدين رفع الحدث عنهما وهكذا ففي صحة وضوئه وجهان أظهرهما عند صاحب الكتاب المنع لان الوضوء عبادة واحدة فلا يجوز تفريق النية علي ابعاضها كالصوم والصلاة: والثاني وهو الاصح عند المعظم أنه يصح لانه يجوز تفريق افعاله على الصحيح ولا يشترط فيه الموالاة وان كان عبادة واحدة فكذلك يجوز تفريق النية على أفعاله بخلاف الصلاة وغيرها لا يجوز التفريق في ابعاضها ثم من الاصحاب من يبني تفريق النية على تفريق الافعال ان جوزنا تفريق الافعال جوزنا تفريق النية والا فلا ومنهم من رتب فيقول ان لم يجز التفريق في الافعال ففي النية أولي وان جوزنا ذاك ففى هذا وجهان والفرق أنه وان فرق أفعاله فهو عبادة واحدة يرتبط بعضها ببعض ألا ترى أنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 لو أراد مس المصحف بوجهه المغسول قبل غسل باقي الاعضاء لا يجوز وإذا كان كذلك فليشملها نية واحدة بخلاف الافعال فانها لا تتأتي الا متفرقة ثم الخلاف في مطلق تفريق النية أم فيما إذا نوى رفع الحدث عن العضو المغسول ونفي غسل سائر الاعضاء دون ما إذا اقتصر على رفع الحدث عنه والمشهور الاول: وحكي عن بعض الاصحاب الثاني: وإذا قلنا في المسألة الاولي أنه لا يعتد بغسل اللمعة في الكرة الثانية والثالثة فهل يبطل ما مضى من طهارته أم يجوز البناء فيه وجها تفريق النية: ان قلنا لا يجوز التفريق يمتنع البناء لانه محتاج عند البناء الي تجديد النية للباقى وان قلنا يجوز جاز البناء ويبقي النظر في طول الفصل وعدمه فان اعتبرنا الموالاة لم يحتمل طول الفصل * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 قال (الفرض الثاني استيعاب غسل الوجه وهو من مبتدأ تسطيح الجبهة إلى منتهى الذقن ومن الاذن إلى الاذن واجب ولا تدخل النزعتان ولا موضع الصلع في التحديد وموضع التحذيف من الوجه على الاظهر والغمم إذا استوعب جميع الجبهة وجب ايصال الماء إليه فان لم يستوعب فوجهان) غسل الوجه أول الاركان الظاهرة في الوضوء قال الله تعالى (فاغسلوا وجوهكم) وحد الوجه علي ما اختاره صاحب الكتاب من مبتدأ تسطيح الجبهة إلى منتهى الذقن في الطول ومن الاذن إلى الاذن في العرض ومعنى ذلك أن ميل الرأس إلى التدوير ومن أول الجبهة يأخذ الموضع في التسطيح وتقع به المحاذاة والمواجهة فحد الوجه في الطول من حيث يبتدئ التسطيح وما فوق ذلك من الرأس: وإذا عرفت ذلك فمما يخرج عن الحد النزعتان وهما البياضان المكتنفان للناصية أعلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 الجبينين لانهما في سمت الناصية وهما جميعا في حد التدوير ومما يخرج عنه موضع الصلع لانه فوق ابتداء التسطيح ولا عبرة بانحسار الشعر عنه نظرا إلى الاعم الاغلب ومما يخرج عنه موضعا الصدغين وهما في جانبى الاذن يتصلان بالعذارين من فوق لانهما خارجان عما بين الاذنين لكونهما فوق الاذنين وحكي في الصدغين وجه أنهما من الوجه ومما يدخل في الحد موضع الغمم لانه في تسطيع الجبهة ولا عبرة بنبات الشعر على خلاف الغلب كما لا عبرة بانحساره عن موضع الصلع على خلاف الغالب هذا إذا استوعب الغمم جميع الجبهة والا فوجهان أصحهما أن الامر لا يختلف وهو من الوجه لما ذكرنا: والثاني أنه من الرأس لانه على هيئته والباقي المكشوف هو من الجبهة بخلاف ما إذا أخذ الغمم جميع الجبهة فان العادة لم تجربان لا يكون للانسان جبهة أصلا وربما وجه أحد هذين الوجهين: أنه مقبل في صفحة الوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 والثاني بأنه في تدوير الرأس ومعناه أن الاغم ينتأ من أوائل جبهته شئ ولا ينقطع شكل تدوير رأسه حيث ينقطع من غيره فذلك الموضع متصل بتدوير الرأس لكنه مقبل في صفحة الوجه وأما موضع التحذيف وهو الذى ينبت عليه الشعر الخفيف بين ابتداء العذار والنزعة وربما يقال بين الصدغ والنزعة والمعنى لا يختلف لان الصدغ والعذار متلاصقان وهل هو من الوجه أو الرأس فيه وجهان قال ابن سريج وغيره هو من الوجه لمحاذاته بياض الوجه ولذلك تعتاد النساء والاشراف ازالة الشعر عنه ولهذا سمى موضع التحذيف وقال أبو إسحاق وغيره هو من الرأس لنبات الشعر عليه متصلا بسائر شعر الرأس والاول هو الاظهر عند المصنف: والذى عليه الاكثرون الثاني وهو الذى يوافق نص الشافعي رضى الله عنه في حد الوجه وحاول امام الحرمين تقدير موضع التحذيف فقال إذا وضع طرف خيط على رأس الاذن والطرف الثاني على زاوية الجبين فما يقع منه في جانب الوجه فهو من الوجه ولك أن تقول توجيه من يجعله من الوجه لا يقتضي التقدير بهذا المقدار فان من يحذف قد يحذف أكثر من ذلك أو أقل ولا يراعي هذا الضبط فلا بد للتقدير من دليل * وأما لفظ الكتاب فقوله استيعاب غسل الوجه كان الاحسن أن يقول استيعاب الوجه بالغسل وقوله من مبتدأ تسطيح الجبهة الي آخره تحديد للوجه وكلمتا من وإلى إذا دخلتا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 في مثل هذا الكلام قد يراد بهما دخول ما وردتا عليه في الحد وقد يراد خروجه: نظير الاول حضر القوم من فلان إلى فلان ونظير الثاني من هذه الشجرة إلى هذه الشجرة كذا ذراعا وهما في قوله من مبتدأ تسطيح الجبهة الي منتهى الذقن مستعملتان بالمعنى الاول إذ لا يراد بمبتدأ التسطيح الا أوله وبمنتهى الذقن الا آخرة ومعلوم أنهما داخلان في الوجه وفي قوله من الاذن إلى الاذن مستعملتان بالمعنى الثاني لان الاذنين خارجتان من الوجه وأعلم قوله من الاذن إلى الاذن بالميم لان مالكا يعتبر من العذار إلى العذار ويخرج البياض الذي بين العذار والاذن عن حد الوجه: فان قيل يدخل في هذا الحد ما ليس من الوجه ويخرج منه ما هو من الوجه أما الاول فلانه يدخل فيه داخل الفم والانف فانه بين تستطيح الجبهة ومنتهى الذقن وليس من الوجه: وأما الثاني فلانه تخرج عنه اللحية المسترسلة وهى من الوجه لما روى أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا غطى لحيته وهو في الصلاة فقال اكشف لحيتك فانها من الوجه قلنا أما الاول فللكلام تأويل: المعني ظاهر ما بين تسطيح الجبهة ومنتهي الذقن ولهذا لو بطن جزء. بالالتحام وظهر جزء خرج الظاهر عن أن يكون من الوجه وصار الباطن من الوجه وعلى هذا المعنى نقيم الشعر مقام البشرة من صاحب اللحية الكثة وأما الثاني فتسمية اللحية وجها على سبيل التبعية والمجاز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 لامرين أحدهما أنه لولا ذلك لكانت وجوه المرد والنسوان ناقصة ولصح أن يقال لمن حلقت لحيته قطع بعض وجهه ومعلوم أنه ليس كذلك: والثاني انه يصح قول القائل اللحية من الشعور النابتة علي الوجه وفي المسترسلة انها نازلة عن حد الوجه وذلك يدل على ما ذكرنا قال (ويجب ايصال الماء الي منابت الشعور الخفيفة غالبا كالحاجبين والاهداب والشاربين والعذارين وأما شعر الذقن فان كشف بحيث لا تترا آى البشرة للناظر لم يجب ايصال الماء إلى منابته الا للمرأة فان لحيتها نادرة وفي العنفقة وجهان لان كثافتها قد تعد نادرة ويجب افاضة الماء على ظاهر اللحية الخارجة عن حد الوجه على أحد القولين) لما تكلم في حد الوجه عاد إلى الشعور النابتة عليه وهي قسمان حاصلة في حد الوجه وخارجة عنه والقسم الاول علي ضربين أحدهما ما يندر فيه الكثافة كالحاجبين والاهداب والشاربين والعذارين والعذار هو القدر المحاذي للاذن يتصل من الاعلى بالصدغ ومن الاسفل بالعارض فهذه الشعور يجب غسلها ظاهرا وباطنا كالسلعة النابتة علي محل الفرض ويجب غسل البشرة تحتها لانها من الوجه ولاعبرة بحيلولة الشعر لامرين أظهرهما ان الغالب في هذه الشعور الخفة فيسهل ايصال الماء إلى منابتها فان فرضت فيها الكثافة علي سبيل الندرة فالنادر ملحق بالغالب: والثاني أن بياض الوجه محيط بها اما من جميع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 كالحاجبين والاهداب أو من جانبين كالعذارين والشاربين فيجعل موضعها تبعا لما يحيط به ويعطي حكمه وفى كلام بعض الائمة حكاية وجه أنها إذا كشفت لا يجب غسل منابتها كاللحية فلك أن تعلم قوله ويجب ايصال الماء إلى منابت الشعور الخفيفة غالبا بالواو اشارة إلى هذا الوجه واقتصاره على ذكر المنابت ليس لان الشعور لا تغسل بل إذا وجب غسل المنابت وجب غسل الشعور بطريق الاولي ففى ذكر المنابت تنبيه عليها: والضرب الثاني ما لا يندر فيه الكثافة وهو شعر الذقن والعارضين والعارض ما ينحط عن القدر المحاذي للاذن فينظر فيه ان كان خفيفا وجب غسله مع البشرة تحته كالشعور الخفيفة غالبا وان كان كثيفا وجب غسل ظاهره ولم يجب غسل البشرة تحته لما روى ان النبي صلي الله عليه وسلم توضأ فغرف غرفة غسل بها وجهه وكان صلى الله عليه وسلم كث اللحية ولا يبلغ ماء الغرفة الواحدة أصول الشعر مع الكثافة والمعني فيه عسر ايصال الماء إلى المنابت مع الكثافة الغير النادرة وحكي فيه قول قديم أنه يجب غسل البشرة تحته لانها الوجه وهذا شعر نابت عليه ومنهم من يحكيه وجها وهو قول المزني رحمه الله وليكن قوله لم يجب ايصال الماء إلى منابتها معلما بالزاى والواو لهذا الخلاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 والمذهب الاول ويستثنى عن اللحية الكثيفة ما إذا خرجت للمرأة لحية كثيفة فيجب ايصال الماء الي منابتها لان أصل اللحية لها نادر فكيف بصفة الكثافة وكذلك لحية المشكل إذا لم يكن نبات اللحية مزيلا للاشكال وفيه خلاف يأتي ذكره فإذا اللحية في حقها من الضرب الاول وعنفقة الرجل من الضرب الاول أو من الضرب الثاني فيه: وجهان مبنيان علي المعنيين المذكورين في الحاجبين ونحوهما ان عللنا بالمعني الاول وهو ندرة الكثافة في تلك الشعور فالعنفقة ملحقة بها وان عللنا باحاطة البياض فلا: بل هي كاللحية والمعني الاول أظهر لانهم حكوا عن نص الشافعي رضى الله عنه التعليل بان هذه الشعور لا تستر ما تحتها غالبا ويدل عليه لحية المرأة والله أعلم: ثم ههنا سؤالان أحدهما ما الفرق بين الخفيف والكثيف والجواب. عبارة أكثر الاصحاب أن الخفيف ما تترآى البشرة من خلاله في مجلس التخاطب والكثيف ما يستر ويمنع الرؤية وهذا ما يشعر به لفظ الشافعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 رضى الله عنه وهو الذى حكاه المصنف وقال بعض الاصحاب الخفيف ما يصل الماء إلى منبته من غير مبالغة واستقصاء والكثيف ما يفتقر إليه ورأيت الشيخ أبا محمد والمسعودي وطبقة المحققين يقربون كل واحدة من العبارتين من الاخرى ويقولون انهما يرجعان إلى معنى واحد لكن بينهما تفاوت مع التقارب الذى ذكروه لان لهيئة النبات وكيفية الشعر في السبوطة والجعودة تأثيرا في الستر وفي وصول الماء إلى المنبت وقد يؤثر شعره في أحد الامرين دون الآخر وإذا ظهر الاختلاف فلك أن ترجح العبارة الثانية وتقول الشارب معدود من الشعور الخفيفة وليس كونه مانعا من رؤية البشرة تحته بامر نادر: الثاني شعر الضرب الثاني لو كان بعضه خفيفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 وبعضه كثيفا ما حكمه. الجواب فيه وجهان أصحهما أن للخفيف حكم الخفيف وللكثيف حكم الكثيف توفى المقتضي كل واحد منهما عليه والثاني للكل حكم الخفيف وهو الذى ذكره في التهذيب وعلله بأن كثافة البعض مع خفة البعض نادر فصار كشعر الذراع إذا كثف ولك أن تمنع ما ذكره وتدعى أن الكثافة في البعض والخفة في البعض أغلب من كثافة الكل وهذه المسألة يحتاج الناظر في الكتاب إلى معرفتها لانه قال أما شعر الذقن فان كثف الي آخره فظاهره يتناول ما إذا كثفت اللحية كلها ولم يبين حكم ما إذا لم تكثف كلها ويفرض ذلك على وجهين أحدهما أن تخف كلها ولا يخفى حكمه: والثاني أن يخف البعض ويكثف البعض وهو هذه المسألة: هذا كله في الشعور الحاصلة في حد الوجه: القسم الثاني الخارجة عن حد الوجه ففيما خرج عن حد الوجه من اللحية طولا وعرضا قولان أحدهما لا يجب غسله وبه قال أبو حنيفة والمزنى لان الشعر النازل عن حد الرأس لا يثبت له حكم الرأس حتى لا يجوز المسح عليه فكذلك الشعر النازل عن حد الوجه لا يثبت له حكم الوجه وأصحهما يجب لانه من الوجه بحكم التبعية لما سبق من الخبر ولان الوجه ما تقع به المخاطبة والمواجهة ولانه متدل من محل الفرض فأشبه الجلدة المتدلية وهذا الخلاف يجرى أيضا في الخارج عن حد الوجه من الشعور الخفيفة كالعذار والسبال إذا طال ولا فرق: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 وذكر بعضهم في السبال أنه يجب غسله قولا واحدا والظاهر الاول فان قلت قد عرفت المسألة فلماذا اشتهرت الافاضة فالناقلون يقولون تجب الافاضة في قول ولا تجب في قول وكذلك ذكر المصنف ولم يتكلموا في الغسل فاعلم أن لفظ الافاضة في اصطلاح الائمة المتقدمين إذا استعمل في الشعر لا مرار الماء علي الظاهر: ولفظ الغسل للامرار على الظاهر مع الادخال في الباطن ولذلك اعترضوا على أبي عبد الله الزبيري رضى الله عنه لما قال في هذه المسألة يجب الغسل في قول والافاضة في قول وقالوا الغسل غير واجب قولا واحدا وانما الخلاف في الافاضة وإذا تبين ذلك فقصدهم بهذه اللفظة بيان أن داخل المسترسل لا يجب غسله قولا واحدا كالشعور النابتة تحت الذقن لكن المصنف تعرض لظاهر اللحية في لفظه والافاضة على هذا الاصطلاح مغنية عن التقييد بالظاهر ثم مع هذا كله فقد حكي وجه أنه يجب غسل الوجه الباطن من الطبقة العليا من المسترسل إذا أوجبنا غسل الوجه البادى منه وهو بعيد عند علماء المذهب * قال (الفرض الثالث غسل اليدين مع المرفقين فلو قطع يده من الساعد غسل الباقي وان قطع من العضد استحب غسل الباقي لتطويل الغرة وان كان من المفصل يجب غسل رأس العظم الباقي على أصح القولين لانه من المرفق ولو نبتت يد زائدة من ساعده وجب غسلها وان لم تتميز الزائدة عن الاصلية وجب غسلهما وان خرجت من العضد لا تغسل الا إذا حاذت محل الفرض فيغسل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 القدر المحاذي) * هذا نصه قال الله تعالى (وأيديكم إلى المرافق) وكلمة إلى قد تستعمل بمعنى مع كقوله تعالى (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) وقوله عز اسمه (من أنصاري إلى الله) وهو المراد ههنا لما روى أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أمر الماء على مرفقيه وروى أنه ادار الماء على مرفقيه ثم قال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة الا به ثم اليدان كانت واحدة من كل جانب على ما هو الغالب وكانت كاملة فذاك وان قطع بعضها فله ثلاثة أحوال أحدها أن يكون القطع مما تحت المرفق كالكوع والذراع فغسل الباقي واجب فالميسور لا يسقط بالمعسور والثانية أن يكون مما فوق المرفق فلا فرض لسقوط محله ولكن الباقي من العضد يستحب غسله لتطويل الغرة كما لو كان سليم اليد يستحب له غسل ذلك الموضع لهذا المعني فان قيل غسل ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 الموضع مستحب تبعا فإذا سقط المتبوع فهلا سقط التابع كمن فاتته صلوات في أيام الجنون لما سقط قضاء الاصل سقط قضاء الرواتب التى هي أتباع: قلنا سقوط القضاء ثم مسامحة ورخصة والا فهو ممكن والتبع أولى بالمسامحة وسقوط الاصل ههنا ليس على سبيل الترخص بل هو متعذر في نفسه فحسن الاتيان بالتبع محافظة على العبادة بقدر الامكان كالمحرم إذا لم يكن على رأسه شعر يستحب له امرار الموسى علي الرأس وقت الحلق: فان قيل تطويل الغرة انما يفر ض في الوجه والذى في اليد تطويل التحجيل فكيف قال يغسل الباقي لتطويل الغرة: قلنا تطويل الغرة والتحجيل نوع واحد من السنن فيجوز أن يكون قوله لتطويل الغرة أشارة إلى النوع على أن أكثرهم لا يفرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 بينهما ويطلق تطويل الغرة في اليد ورأيت بعضهم احتج عليه بقوله صلى الله عليه وسلم من أراد منكم أن يطيل غرته فليفعل قال وانما يمكن الاطالة في اليد لان استيعاب الوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 بالغسل واجب وليس هذا الاحتجاج بشئ لان للمعترض أن يقول الاطالة في الوجه أن يغسل إلى الليت وصفحة العنق وهو مستحب نص عليه الائمة: والثالثة أن يكون القطع من مفصل المرفق فهل يجب غسل رأس العظم الباقي فيه طريقان أحدهما القطع بالوجوب لانه من محل الفرض وقد بقى قاشبه الساعد إذا كان القطع من الكوع والثاني وهو الذى ذكره في الكتاب فيه قولان القديم ومنقول المزني انه لا يجب والاصح وهو منقول الربيع أنه يجب واختلفوا في مأخذ القولين: منهم من قال مأخذهما أن المرفق في اليد السليمة يغسل تبعا أم مقصودا فمن قائل تبعا وضرورة لاستيعاب غسل اليدين إلى المرافق كما يغسل شئ من الرأس تبعا وضرورة لاستيعاب الوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 بالغسل: ومن قائل يغسل مقصودا كسائر أجزاء محل الفرض وكاطراف الوجه بالاضافة إلى وسطه. ومنهم من قال بل مأخذهما الخلاف في حقيقة المرفق فمن قائل المرفق عبارة عن طرف عظم الساعد ولم يبق ومن قائل المرفق مجموع العظمين وقد بقى أحدهما فيغسل وهذا ما أشار إليه بقوله لانه من المرفق هذا كله في اليد الواحدة أما إذا خلقت لشخص واحد من جانب واحد يدان فلا يخلو اما أن تتميز الزائد من محمل الفرض كالساعد والمرفق وجب غسلها مع الاصلية كالاصبع الزائدة والسلعة النابتة ولا فرق بين أن يجوز طولها الاصلية أو لا يجاوز وان خرجت مما فوق محل الفرض فان لم تبلغ إلى محاذات محل الفرض لم يجب غسل شئ منها وان بلغت إلى محاذاة محل الفرض فالمنقول عن نصه في الام انه يجب غسل القدر المحاذي دون ما فوقه لوقوع اسم اليد عليها وحصول ذلك القدر في محل الفرض بخلاف الجلدة المنكشطة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 العضد لا يغسل منها لا المحاذي ولا غيره لان اسم اليد لا يقع عليها وفيه وجه صار إليه كثير من المعتبرين وقرروه انه لا يجب غسل المحاذي ولا غيره لان هذه الزائد ليست على محل الفرض فتجعل تبعا ولا هي أصلية حتي تكون مقصودة بالخطاب وحملوا نصه في الام على ما إذا التصق شئ منها بمحل الفرض أما إذا لم تتميز الزائدة عن الاصلية وجب غسلهما جميعا سواء خرجتا من المنكب أو من المرفق أو الكوع لكن إذا خرجتا من المنكب يغسلان ضرورة أداء الواجب منهما وإذا خرجتا من المرفق أو الكوع غسلتا حتما ومن الامارات المميزة للزائدة عن الاصلية أن تكون احداها قصيرة فاحشة القصر والاخرى في حد الاعتدال فالزائدة القصيرة ومنها نقصان الاصابع ومنها فقد البطش وضعفه * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 قال (الفرض الرابع مسح الرأس وأقله ما يسمي (ح) مسحا (م ز) ولو على شعرة واحدة (و) بشرط أن لا يخرج محل المسح عن حد الرأس ولا يستحب الغسل ولا يكره على الاظهر وفي البل دون المد وجهان) قال الله (وامسحوا برؤوسكم) وليس من الواجب استيعاب الرأس بالمسح بل الواجب ما ينطلق عليه الاسم لان من أمر يده على هامة اليتيم صح أن يقال مسح برأسه ولان النبي صلى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 عليه وسلم مسح في وضوءه بناصيته وعلى عمامته ولم يستوعب * وقال مالك يجب الاستيعاب وهو اختيار المزني واحدى الروايتين عن أحمد والثانية انه يجب مسح أكثر الرأس * وقال أبو حنيفة يتقدر بالربع ثم ان كان يمسح على بشرة الرأس فذاك ولا يضر كونها تحت الشعر وقال الروياني في البحر به لا يجوز لانتقال الفرض الي الشعر وان كان يمسح علي الشعر فكذلك يجوز وان اقتصر على مسح شعرة واحدة أو بعضها ولا تقدير وعن ابن القاص انه لا أقل من ثلاث شعرات كما يعتبر ازالتها في التحلل عن النسك وفي ايجاب الدم على المحرم وهل يختص هذا الوجه بما إذا كان يمسح على الشعر أم يجري في مسح البشرة ويشترط المسح على موضع ثلاث شعرات: في كلام النقلة ما يشعر بالاحتمالين جميعا والاول أظهر ثم شرط الشعر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 الممسوح أن لا يخرج عن حد الرأس فلو كان مسترسلا خارجا عن حده وكان جعدا كانئا في حد الرأس لكنه بحيث لو مد لخرج عن حده لم يجز المسح عليه لان الماسح عليه غير ما سح على الرأس: واعلم أن كل شعر مد في جهة النبات يكون خارجا عن حد الرأس وان كان في غاية القصر وكان المراد المد في جهة الرقبة والمنكبين وهى جهة النزول ثم بعد حصول هذا الشرط هل يشترط أن لا يجاوز منبته: فيه وجهان أحدهما يشترط ذلك فلا يجوز المسح على ما جاور منبته وان كان في حد الرأس فانه كالغطاء لما تحته كالعمامة وأصحهما انه لا يشترط لوقوع اسم الرأس عليه ولو غسل الرأس بدلا عن المسح ففى اجزائه وجهان أحدهما لا يجزيه لانه مأمور بالمسح والغسل ليس بمسح واصحهما انه يجزيه لان الغسل مسح وزيادة وهو أبلغ من المسح فكان مجزيا بطريق الاولي وهذا قضية ما ذكره في الكتاب لانه نفى الاستحباب والكراهية عنه وهو مسعر بالاجزاء وهل يكره الغسل بدلا عن المسح وان أجزأ فيه وجهان احدهما نعم لانه سرف كغسل الخف بدلا عن مسحه وكالغسلة الرابعة واظهرهم لا يكره لان الاصل هو الغسل إذ به تحصل النظافة والمسح تخفيف من الشرع نازل منزلة الرخص فإذا عدل إلى الاصل لم يكن مكروها لكن لا يستحب ذلك لما اشار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 إليه النبي صلى الله عليه وسلم في باب الرخص بقوله ان الله قد تصدق عليكم فاقبلوا صدقته وقوله لا سيتحب الغسل ولا يكره على الاظهر ربما اوهم عود الخلاف اليهما وليس كذلك وانما الخلاف في الكراهية وحدها ولو بل رأسه ولم يمد اليد أو غيرها مما يمسح به على الموضع فهل يجزيه ذلك فيه وجهان اصحهما نعم لان المقصود وصول الماء فلا ينظر إلى كيفية الا يصال كما في الغسل لا يفترق الحال بين أن يجرى الماء على الاعضاء أو يخوض ببدنه في الماء والثاني وهو اختيار القفال لا يجزى لانه لا يسمى مسحا وهو مأمور بالمسح ولو قطر على رأسه قطرة ولم تجر هي على الموضع فعلى الخلاف فان جرت كفى وهذا يدل على أن المقصود الوصول ولا عبرة باسم المسح هذا ان سلم ان الامساس والوضع ليس بمسح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 قال الفرض الخامس غسل الرجلين مع الكعبين قال الله تعالى (وأرجلكم الي الكعبين) وحكم الرجل على انقسامها الي الكاملة والناقصة كما سبق في اليد. والكعبان هما العظمان الناتئان من الجانبين عند مفصل الساق والقدم وروي القاضي ابن كج وغيره عن بعض الاصحاب ان الكعب هو الذى فوق مشط القدم: وجه الاول ما روى النعمان بن بشير رضى الله عنه قال أمسنا رسول الله صلى الله عليه وسلم باقامة الصفوف فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب أخيه وكعبه بكعبه والذى يتصور فيه التزاق القائمين في الصف ما ذكرنا دون ظهر القدم وقد يمتحن فيسأل عن وضوء ليس فيه غسل الرجلين وصورته ما إذا غسل الجنب جميع بدنه الا رجليه ثم أحدث والاصل في المسألة على الاختصار أن من اجتمع في حقه الحدث الاكبر والاصغر هل يكفيه الغسل أم يحتاج معه إلى الوضوء فيه وجهان أحدهما لا يكفيه لان الطهارتين عبادتان مختلفتان فلا تتداخلان كالصلاتين ولانهما مختلفتا السبب والاثر والفعل وهذه الاختلافات تمنع التداخل وأصحهما أنه يكفيه الغسل لظاهر الاخبار نحو ما روى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 أنه صلى الله عليه وسلم قال أما انا فأحثى على رأسي ثلاث حثيات فإذا أنا قد طهرت ولم يفصل بين الحنابة المجردة والجنابة مع الحدث مع ان الغالب ان الجنابة لا تتجرد فعلي الاول يجب الوضوء والغسل ولا ترتيب بينهما: وعلى الثاني وهو الاصح هل من شرط الغسل ليكفى مراعاة الترتيب في أعضاء الوضوء فيه وجهان أحدهما نعم لان الترتيب خاصية الوضوء والتداخل انما يجرى فيما يشترك المتداخلان فيه من الافعال دون خواصهما فعلى هذا يكفى غسل البدن مرة واحدة ولكن يشترط أن تكون اعضاء الوضوء مغسولة على الترتيب وزاد بعضهم على هذا الوجه شرطا آخر وهو ان يمسح الرأس لانه من خاصية الوضوء أيضا بناء على أن الغسل لا يقوم مقام المسح والثاني وهو الاصح لا يشترط رعاية الترتيب لما أشرنا إليه من الظواهر ولا يبعد أن يدخل الاصغر في الاكبر فلا تبقى خاصيته الا ترى أن العمرة تفوت بما يفوت به الحج إذا دخلت تحته بالقران ولو انفردت لا تفوت: فقد بطلت خاصيتها حين ما دخلت في الاكبر فعلى هذا هل يحتاج إلى أن ينويهما جميعا بغسله أم يكفيه نية الاكبر فيه وجهان احدهما يحتاج إلى الجمع كالحج والعمرة يتداخلان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 في الافعال دون النية وأصحهما لا حاجة إليه لان الطهارات موضوعة على التداخل فعلا ونية ألا ترى انه إذا اجتمعت الاحداث كفى فعل واحد ونية واحدة هذا كله إذا اتفق وقوع الاكبر والاصغر معا أو سبق الاصغر الاكبر: اما إذا سبق الاكبر الاصغر فطريقان أحدهما طرد الخلاف والثاني الاكتفاء بالغسل بلا خلاف لان الاكبر إذا تقدم تأثر به جميع البدن فلا يؤثر فيه الاصغر بعد ذلك والاصغر إذا تقدم جاز أن يؤثر الاكبر فيه بعده لعظمه وزيادة آثاره * إذا عرفت هذا الاصل فنعود إلى الصورة المذكورة ونقول ان قلنا يجب وضوء وغسل عند اجتماع حدثين وجب غسل الرجلين عن الجنابة ووضوء كامل عن الحدث يقدم منهما ما شاء ويؤخر ما شاء وتكون الرجل مغسولة مرتين وان قلنا يكفى الغسل ثم يشترط الترتيب في أعضاء الوضوء وجب غسل الرجلين مؤخرا عن سائر أعضاء الوضوء ويكون غسلهما واقعا عن الجهتين الجنابة والحدث جميعا وان قلنا يكفى الغسل من غير اشتراط الترتيب فعليه غسل الرجلين عن جهة الجنابة إما قبل سائر اعضاء الوضوء أو بعدها أو في خلالها ويغسل سائر الاعضاء عن الحدث علي الترتيب وهذا هو الاصح واختيار ابن سريج وابن الحداد وعلي هذا الوجه يكون المأتي به وضوءا خاليا عن غسل الرجلين لان الرجلين قد اجتمع فيهما الحدثان ونحن علي هذا الوجه نحكم باضمحلال الاصغر في جنب الاكبر فليست الرجلان مغسولتين عن جهة الوضوء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 فهذه هي صورة الامتحان وينبغي أن يعلم أن هذا لا يختص بغسل الرجلين بل لو غسل الجنب من بدنه ما سوى الرأس والرجلين ثم أحدث كان الكلام في الرأس والرجلين على ما ذكر في الرجلين ولزم أن نقول علي الوجه الصحيح هذا وضوء خال عن مسح الرأس والرجلين وعلى هذا القياس لو غسل جميع بدنه سوى اليدين والرأس والرجلين فلهذا لا يتنجح المحصل بأمثال هذه الامتحانات (فائدة) عدوا غسل الرجلين احد فروض الوضوء وأركانه لكن المتوضئ غير مكلف بغسل الرجلين بعينه بل الذي يلزمه احد امرين إما غسل الرجلين أو المسح على الخفين بشرطه فلو عبر معبر عن هذا الركن هكذا لكان مصيبا والمراد عند الاطلاق ما إذا كان لا يمسح أو ان الاصل الغسل والمسح بدل * (الفرض السادس الترتيب (ح م ز) الا إذا اغتسل سقط الترتيب في أظهر الوجهين فانه يكفى للجنابة فللاصغر أولى والنسيان ليس بعذر في ترك الترتيب (ح) على الجديد وإذا خرج منه بلل واحتمل الجنابة والحدث فان شاء اغتسل ولم يغسل الثوب وان شاء توضأ وضوءا مرتبا وغسل الثوب) روى انه صلي الله عليه وسلم وسلم قال لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 فيغسل وجهه ثم يغسل يديه ثم يمسح برأسه ثم يغسل رجليه وهذا ونحوه ظاهر في اعتبار الترتيب وخلاف أبي حنيفة ومالك فيه مشهور وقد تكلم في هذا الركن في أمور احدها لو اغتسل المحدث بدلا عن الوضوء هل يجزيه ذلك: نظر ان أتي بالغسل بحيث يتأتي فيه تقدير الترتيب في لحظات متعاقبة كما إذا انغمس في الماء ومكث فيه زمانا ففيه وجهان احدهما لا يجزيه لان الترتيب من واجبات الوضوء والواجب لا يسقط بفعل ما ليس بواجب وأصحهما يجزيه لمعنيين أحدهما ان الغسل أكمل من الوضوء فانه يكفى لرفع أعلى الحدثين فالاصغر أولى: كيف والاصل هو الغسل وانما حط تخفيفا: والثاني ان الترتيب حاصل في الحالة المفروضة فانه إذا لاقي الماء وجهه وقد نوى يرتفع الحدث عن وجهه وبعده عن اليدين لدخول وقت غسلهما وهكذا الي آخر الاعضاء فعلى المعنى الاول وهو الذى ذكره في الكتاب ايثار الغسل على الوضوء يسقط الترتيب: وعلي الثاني الترتيب حامل والرافع للحدث هو الوضوء المندرج تحت الغسل كما لو اغتسل مراعيا للترتيب في أعضاء الوضوء حقيقة يرتفع حدثه بلا خلاف وان لم يتأت فيه تقدير الترتيب بأن انغمس وخرج علي الفور أو غسل الاسافل قبل الاعالى ففيه وجهان مبنيان علي الوجهين في الحالة الاولى: ان قلنا لا يجزي ثم فهنا أولى وان قلنا يجزى فيبنى على المعنيين ان قلنا الترتيب ساقط والرافع للحدث هو الغسل أجزأه ههنا أيضا وان قلنا بالمعني الثاني فلا والمعنى الثاني أصح: فلا جرم الاصح في هذه الحالة انه لا يجزيه ولا خلاف في الاعتداد بغسل الوجه في الحالتين جميعا إذا قارنته النية والكلام فيما عداه وعنهم من قال في الحالة الاولى يجريه ما أتى به بلا خلاف والخلاف في الحالة الثانية وهذا إذا نوي رفع الحدث فان نوى رفع الجنابة ان قلنا لا يجزيه إذا نوى رفع الحدث فههنا أولى وان قلنا يجزيه فوجهان ههنا أحدهما لا يجزيه لانه إذا نوى رفع الجنابة نوى طهرة غير مرتبة وأصحهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 الجواز والنية لا تتعلق بخصوص الترتيب نفيا واثباتا وهذا كله في المحدث المحض يغتسل: أما إذا أجنب وأحدث فالظاهر انه يكفيه الغسل كما تقدم والاصغر يتلاشى في جنب الا كبر وإذا عرفت ما ذكرناه ونظرت في لفظ الكتاب وجدته يعم الحالتين ما إذا اغتسل بحيث يتأتى فيه تقدير الترتيب وماذا اغتسل بحيث لا يتأتي فيه ذلك فان أرادهما جميعا فالخلاف شامل لكن الاظهر عند الجمهور أنه لا يجزيه الغسل في الحالة الثانية على خلاف ما ذكره. وان أراد الحالة الاولى فالنقل والاختيار كما ذكره غيره: الثاني لو ترك الترتيب عامدا لم يجزه وضؤه لكن يعتد بغسل الوجه وبما بعده على الانتظام فلو استعان باربعة غسلوا أعضاءه دفعة واحدة لم يجزه الوضوء كما لو نكس لان المعية تنافى الترتيب أيضا وفيه وجه أن الشرط عدم التنكيس ويجزيه الوضوء ههنا وان ترك الترتيب ناسيا فقولان الجديد انه كما لو ترك عامدا كما لو ترك سائر الاركان ناسيا وفي القديم قول انه يعذر بالنسيان وذكر الائمة انه مخرج من القول القديم في ترك الفاتحة ناسيا ووجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 الشبه أن قراءة الفاتحة وان كانت ركنا لكنها ليست قائمة بنفسها كالركوع والقيام ونحوهما وانما هي زينة وتتمة للقيام: كذلك الترتيب زيمة وهيئة في سائر الاركان: الثالث الوضوء نوعان احدهما وضوء من يتيقن ان حدثه الاصغر فيعتبر فيه الترتيب والثاني وضوء من يجوز أن يكون حدثه الاكبر ونظيره ما إذا خرج منه بلل واحتمل أن يكون منيا واحتمل أن يكون مذيا ففيما يلزمه وجوه: احدها انه يجب عليه الوضوء لان غسل ما زاد على الاعضاء الاربعة مشكوك فيه والمستيقن هذا القدر وعلى هذا الوجه لو عدل الي الغسل كان كالمحدث يغتسل بدلا عن الوضوء والثاني يجب عليه الوضوء وغسل وسائر البدن وغسل ما أصابه ذلك البلل لان شغل ذمته باحدى الطهارتين معلوم وصلاته موقوفة على الطهارة التي لزمته فعليه الاتيان بها ليخرج عن العهدة بيقين والثالث وهو الاصح انه يتخير بين أن يغتسل أخذا بأنه منى أو يتوضأ أخذا بانه مذى لان كل واحد منهما محتمل فإذا أتى بموجب أحدهما وجب أن تصح صلاته لان لزوم الآخر مشكوك فيه والاصل العدم وهذا الوجه هو الذى ذكره في الكتاب وليكن قوله فان شاء وان شاء معلمين بالواو اشارة إلى ما روينا من الوجهين ثم علي هذا الوجه الاظهر وجب أن يغسل ما أصابه ذلك البلل من ثوب وغيره لانه على التقدير الذى يجب الوضوء يكون ذلك الخارج نجسا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 وفيه وجه انه لا يجب غسل الثوب وهو ضعيف ولا بد أن يكون الوضوء المأتي به مرتبا وفيه وجه انه لا يجب الترتيب لانه إذا شك في كونه منيا أو غيره فقد شك في أن الواجب الطهارة الصغرى أو الكبرى والترتيب من خاصية الطهارة الصغرى فلا يجب بالشك كما لا يجب ما يختص بالطهارة الكبرى وانما يجب المشترك بينهما ويقال كان القفال يقول بهذا الوجه ثم رجع إلى الاول وهو المذهب لانه اما مني فموجبه الغسل أو غيره فموجبه الوضوء بأركانه فإذا لم يرتب الوضوء ولا اغتسل فقد صلى مع أحد الحدثين يقينا ويجرى هذا الخلاف فيما إذا أولج خنثى مشكل في دبر رجل فهما بتقدير ذكورة الخنثى جنبان والا فمحدثان فالجنابة محتملة غير مستيقنة فإذا توضآ وجب عليهما المحافظة علي الترتيب في ظاهر المذهب وفي وجه لا يجب لان لزومك الترتيب مشكوك فيه وهذا الوجه هو الذى دعا إلى ايراد مسألة البلل ههنا وان لم يذكره في لفظ الكتاب والله أعلم * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 القول (في سنن الوضوء وهي ثماني عشرة أن يستاك بقضبان الاشجار عرضا ويستحب ذلك عند كل صلاة وعند تغير النكهة ولا يكره الا بعد الزوال (ح م) للصائم) * عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال السواك مطهرة للفم مرضاة للرب إلى أخبار كثيرة فيستحب الاستياك مطلقا ولا يكره الا بعد الزوال للصائم خلافا لابي حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله وسنذكر تفصيل مذهبهم في الصوم ان شاء الله تعالى * لنا انه يزيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 أثر العبادة وهو خلوف الفم وانه مشهود له بالطيب قال صلى الله عليه وسلم لخوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وإذا كان كذلك فيكره ازالته كدم الشهيد وانما خص بما بعد الزوال لان تغيير الفم بسبب الصوم وحينئذ يطهر وفى غيره هذه الحالة يطرد الاستحباب لكنه أكد في مواضع منها عند الصلاة وان كان على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 الطهارة سواء كان متغير الفم أو لم يكن لقوله صلى الله عليه وسلم لولا أن أشق على امتى لا مرتهم بالسواك عند كل صلاة ومنها عند تغيير النكهة وذلك قد يكون للنوم فيستحب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 عند الا ستيقاظ الاستياك: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ استاك وروى انه كان يشوص فاه بالسواك وقد يكون لطول السكوت وقد يكون لترك الاكل وقد يكون لاكل ما له رائحة كريهة فيستحب الاستياك عندها جميعا لانها أسباب تغير الفم فتشبه النوم: ومنها اصفرار الاسنان وقد يفرض ذلك من غير تغير النكهة: ومنها قراءة القرآن تعظيما وتطهيرا له: ومنها عند الوضوء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 وان لم يصل في الحال: روى في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم قال لولا أن أشق على أمتى لا مرتهم بتأخير العشاء والسواك عند كل وضوء وقد حكينا فيما تقدم عن بعض الاصحاب أن السواك لا يعد من سنن الوضوء فلك أن تعلم قوله أيستاك بالواو اشارة إلى ذلك الوجه وقوله بقضبان الاشجار ليس علي سبيل الاشتراط لكنها أولى من غيرها والاولى منها الاراك والاحب أن يكون يابسا لين بالماء دون ما لم يلين فانه يقرح اللثة ودون الرطب فانه لا ينقى اللزوجة وأصل السنة تتأدى بكل خشن يصلح لازالة القلح كالخرقة الخشنة ونحوها نعم لو كان جزءا منه كاصبعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 الخشنة ففيه ثلاثة أوجه أظهرها لا يجزى لانه لا يسمى استياكا: والثاني يجزى لحصول مقصود الاستياك به: والثالث ان قدر على العود ونحوه فلا يجزى والا فيجزى لمكان العذر: وأما قوله عرضا فقد ذكر امام الحرمين أنه عد السواك علي طول الاسنان وعرضها فان اقتصر علي أحدى الجهتين فالعرض أولى لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال استاكوا عرضا وهكذا أورده المصنف في الوسيط وذكر آخرون منهم صاحب التتمة أن يستاك في عرض الا سنان لا في طولها ورووا في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 الخبر أنه قال استاكوا عرضا لا طولا فعلى الاول قوله عرضا ليس لانه متعين في اقامة هذه السنة بل خصه بالذكر لانه أولي وعلي الثاني هو تعيين * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 قال (وأن يقول بسم الله في الابتداء وأن يغسل يديه ثلاثا قبل ادخالهما في الاناء) ومن سنن الوضوء أن يقول في ابتدائه بسم الله علي سبيل التبرك والتيمن وذهب أحمد إلى أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 التسمية واجبة لقوله صلى الله عليه وسلم لا وضوء لمن لم يسم الله عليه قلنا المعنى لا وضوء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 كاملا كذلك روى في بعض الروايات ويدل عليه قوله صلي الله عليه وسلم من توضأ وذكر اسم الله كان طهورا لجميع بدنه ومن توضأ ولم يذكر اسم الله كان طهورا لاعضاء وضوءه ولو كانت التسمية واجبة لما طهر شئ: ثم لو نسي التسمية في ابتداء وتذكرها في اثناء الوضوء اتى بها كما لو نسي التسمية في ابتداء الاكل يأتي بها إذا تذكر في الاثناء: ولو تركها في الابتداء عمدا فهل يشرع له التدارك في الاثناء هذا محتمل ولك أن تعلم قوله وان يقول بسم الله بالالف والواو فالالف لان احمد عدها من الواجبات والواو لان بعض الاصحاب لم يعدها من سنن الوضوء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 وقال هي محبوبة في كل امر ذى بال فلا اختصاص لها بالوضوء: ومن سننه غسل اليدين إلى الكوعين قبل غسل الوجه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك في وضوءه ولا فرق في استحبابه بين القائم من النوم وغيره ولا بين ان يتردد في طهارة يديه أو يتيقنها ولا بين من يدخل يديه في الاناء في توضئه وبين من لا يفعل ذلك ولفظ الكتاب لا يقتضى الا الاستحباب في حق من يدخل يديه في الاناء: ثم من يدخل يديه في الاناء ولم يتيقن طهارة يديه بان قام من النوم واحتمل تنجس يديه في طوافهما وهو نائم يختص بشئ وهو انه يكره له ذلك قبل الغسل قال رسول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا فانه لا يدرى أين باتت يده وكذلك لو كان مستيقظا ولم يستيقن طهارة اليدين وإن تيقن طهارة يديه فهل يكره له الغمس قبل الغسل فيه وجهان اظهرهما لا بل يتخير بين تقديم الغمس وتأخيره لان سبب المنع ثم الاحتياط للماء لاحتمال نجاسة اليد وهذا مفقود ههنا: والثاني يكره لان المتيقن والمتردد يستويان في اصل استحباب الغسل فكذلك في استحباب تقديم الغسل علي الغمس وليكن قوله وان يغسل يديه معلما بالالف والو أو ايضا اما الالف فلان عند احمد ان قام من نوم الليل يجب غسل اليدين قبل ادخالهما الاناء وان قام من نوم النهار لا يجب واما الواو فلان بعضهم لا يعده من سنن الوضوء علي ما سبق واما قوله ثلاثا فليس ذلك من خاصية هذه السنة بل التثليث مستحب في جميع افعال الوضوء كما سيأتي * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 قال (وأن يتمضمض ثم يستنشق فيأخذ غرفة لفيه وغرفة لا نفه على أحد القولين وفي الثاني يأخذ غرفة لهما ثم يخلط على أحد الوجهين إذا كانت الغرفة واحدة ويقدم المضمضة في الوجه الثاني وأن يبالغ فيهما الا أن يكون صائما فيرفق) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمضمض ويستنشق في وضوئه فهما مستحبان فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 خلافا لاحمد حيث قال بوجوبهما: لنا ما روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عشر من السنة وعد منها المضمضة والاستنشاق ثم أصل الاستحباب يتأدى بايصال الماء إلى الفم والانف سواء كان بغرفة واحدة أو أكثر لكن اختلفوا في الكيفية التى هي أفضل على طريقين أصحهما أن فيه قولين أصحهما أن الفصل بين المضمضة والاستنشاق أفضل لما روى عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل بين المضمضة والاستنشاق ويقال ان عثمان وعليا رضى الله عنهما كذلك روياه ولانه أقرب إلى النظافة: والثاني الجمع بينهما أفضل لما روى عن علي رضي الله عنه في وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يتمضمض مع الاستنشاق بماء واحد ونقل مثله عن وصف عبد الله بن زيد والرواية عنه وعن عثمان وعلي رضى الله عنهم في الباب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 مختلفة: والطريق الثاني أن الفصل أفضل بلا خلاف وحيث ذكر الجمع أراد بيان الجواز فان قلنا بالفصل ففى كيفيته وجهان أصحهما أنه يأخذ غرفة يتمضمض منها ثلاثا وغرفة أخري يستنشق منها ثلاثا لان عليا رضى الله عنه كذلك رواه: والثاني أنه يأخذ ثلاث غرفات للمضمضة وثلاثا للاستنشاق لانه أقرب الي النظافة وأيسر ثم على هذا القول يقدم المضمضة على الاستنشاق وهذا التقديم مستحق علي أظهر الوجهين لانهما عضوان فيتعين الترتيب بينهما كما في سائر الاعضاء والثاني أنه مستحب لانهما لتقاربهما بمنزلة العضو الواحد كاليمين مع اليسار * وان قلنا بالجمع ففى كيفيته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 وجهان أيضا أظهرهما أنه يأخذ غرفة يتمضمض منها ثم يستنشق ثم يأخذ غرفة أخرى يتمضمض منها ثم يستنشق ثم يأخذ ثالثة فيعمل بها مثل ذلك كذلك روى عن وصف عبد الله بن زيد: والثاني أنه يأخذ غرفة واحدة يتمضمض منها ثلاثا ويستنشق ثلاثا روى ذلك في بعض الروايات ايضا ثم على هذا الوجه وهو اتخاذ الغرفة هل يخلط المضمضة بالاستنشاق ام يقدم المضمضة فيه وجهان احدهما انه يخلط فيتمضمض ويستنشق مرة بما معه ثم يفعل ذلك ثانية وثالثة لان اتحاد الغرفة يدل على انهما في حكم عضو واحد: والثاني يقدم المضمضة على الاستنشاق فان ذلك اقرب الي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 النظافة * ولنبين ما يشتمل عليه الكتاب من هذا الاختلافات أما قوله فيأخذ غرفة لفيه وغرفة لا نفه علي أحد القولين فهو قول الفصل بالكيفية المذكورة في الوجه الاول من الوجهين المذكورين على هذا القولين: وأما قوله وفي الثاني يأخذ غرفة لهما فهو قول الجمع بالكيفية المذكورة في الوجه الثاني علي هذا القول: وقوله ثم يخلط على أحد الوجهين إلى آخره هما الوجهان المذكوران أخيرا ومن سنن الوضوء المبالغة في المضمضة والاستنشاق ففى المضمضة يبلغ الماء أقصي الحنك ووجهى الاسنان واللثات مع امرار الاصبع عليها وفي الاستنشاق يصعد الماء بالنفس إلى الخيشوم مع ادخال الاصبع وازالة ما فيه من الاذى لكن لو كان صائما لا يبالغ فيهما كيلا يصل الماء إلى الدماغ أو البطن وقد روي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 عن لقيط بن صبرة قال قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء قال صلى الله آله وسلم أسبغ الوضوء وخلل بين الاصابع وبالغ في الاستنشاق الا أن تكون صائما قال (وان يكرر الغسل والمسح " ح م و " في الجميع وان شك أخذ بالاقل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ثم قال هذا وضوئي ووضوء الانبياء قبلى ووضوء خليلي ابراهيم * وروي أنه توضأ ثلاثا ثلاثا وقال من زاد على هذا فقد أساء وظلم ولا فرق بين المغسول من الاعضاء والممسوح المفروض منهما وغير المفروض لانه لفظ الخبر مطلق يتناول المغسول والممسوح * وقال مالك وابو حنيفة وأحمد رحمهم الله لا يستحب التكرار في مسح الرأس وحكاه أبو عيسى الترمذي في جامعة عن الشافعي رضى الله عنه ونقله أبو عبد الله الحناطي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 وجها للاصحاب فيه وفي مسح الاذنين * واحتجوا عليه بما روى أنه صلى الله عليه وسلم مسح رأسه مرة واحدة وعن على وعثمان رضى الله عنهما أنهما في وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 وسلم مسحا رؤوسهما مرة واحدة: قلنا ورد في رواية الربيع بنت معوذ انه مسح راسه مرتين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 وعن عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح رأسه ثلاثا على ان ما رويتموه يجوز ان يكون فعله في بعض الاحوال لبيان الجواز وهذا لبيان الفضيلة فلو شك في انه غسل أو مسح مرة أو مرتين أو شك في انه فعل ذلك مرتين أو ثلاثا فوجهان اصحهما وهو المذكور في الكتاب انه يأخذ بالاقل كما لو شك في عدد ركعات الصلاة: والثاني ذكره الشيخ أبو محمد أنه يأخذ بالاكثر حذرا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 ان يزيد غسلة رابعة فانها بدعة وترك السنة اهون من اقتحام البدعة لكن من قال بالاول لا يسلم ان الرابعة بدعة على الاطلاق بل البدعة اتيانه بالرابعة عن علم منه بحقيقة الحال * قال (وان يخلل اللحية إذا كانت كثيفة) ما لا يجب ايصال الماء الي باطنه ومنابته من شعر الوجه يستحب تخليله بالاصابع روى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 عن عثمان رضي الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم كان يخلل لحيته وروى انه كان يخلل لحيته ويدلك عارضيه بعض الدلك وعن المزني ان التخليل واجب ورواه القاضى ابن كج عن بعض الاصحاب فان أراد المزني فتفرداته لا تعد من المذهب إذا لم يخرجها علي أصل الشافعي رضي الله عنه وان اراد غيره حصل وجه موافق لما ذهب إليه المزني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 قال (وأن يقدم اليمنى على اليسرى) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في كل شئ حتى في وضؤه وانتعاله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 وعن أبي هريرة رضي الله عنه انه صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأتم فابدوءا بميامنكم وزعم المرتضي من الشيعة ان الشافعي رضي الله عنه في القديم كان يوجب تقديم اليمني علي اليسرى وليس لهذا ذكر في كتب أصحابنا ولا اعتماد عليه ويدل علي نفى الوجوب ما روى عن على رضى الله عنه انه قال ما أبالى بيمينى بدأت أو بشمالي إذا أكملت الوضوء ثم استحباب تقديم اليمنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 على اليسرى في كل عضوين يعتبر ايراد الماء عليهما دفعة واحدة كاليدين والرجلين: أما الاذنان فلا يستحب البداية باليمنى منهما لان مسحهما معا أهون وكذلك الخدان يغسلان معا: نعم الاقطع يعجز عن غسل الخدين ومسح الاذنين دفعة واحدة فيراعى التيامن هكذا ذكر القاضى أبو المحاسن وليكن قوله وأن يقدم اليمنى مرقوما بالالف لان أحمد صار إلى وجوبه * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 قال (وأن يطول الغرة) روي انه صلى الله عليه وسلم قال أمتى يوم القيامة غر محجلون من آثار الوضوء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 قال أبو هريرة فكنا بعد ذلك نغسل أيدنا إلى الآباط واختلف الاصحاب في التفسير ففرق بعضهم بين تطويل الغرة وتطويل التحجيل فقالوا تطويل الغرة غسل مقدمات الرأس مع الوجه وكذلك غسل صفحة العنق والتحجيل غسل بعض العضد عند غسل اليد وغسل بعض الساق عند غسل الرجل وغاية ذلك استيعاب العضد والساق وفسر كثيرون تطويل الغرة بغسل شئ من العضد والساق واعرضوا عن ذكر ما حوالى الوجه والاول اولي وأوفق لظاهر الخبر * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 قال (وأن يستوعب الرأس بالمسح فان عسر تنحية العمامة كمل المسح على العمامة) من سنن الوضوء استيعاب الرأس بالمسح والاحب في كيفيته أن يضع يده علي مقدم رأسه وكل واحدة من سبابتيه ملصقة بالاخرى وأبهاماه على صدغيه ثم يذهب بهما إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذى بدأ منه روى عن عبد الله بن زيد في صفة وضوء رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم مسح رأسه بيديه أقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى الموضع الذى بدأ منه وهل الذهاب باليد والرد مسحة واحدة أم الذهاب وحده مسحة ان لم يكن على رأسه شعر أو كان عليه شعر لا ينقلب بذهابه باليد وردها لكونه ضفيرة معقودة أو لطوله فامرار اليد من المقدم إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 المؤخر مسحة واحدة قال في التهذيب ولا يحسب الرد والحالة هذه مسحة أخري لصيرورة البلل مستعملا بحصول مسح جميع الرأس وان كان على رأسه شعر ينقلب بالذهاب باليد وردها فهما جميعا مسحة واحدة ليستوعب البلل جميع الرأس فان منابت الشعور مختلفة منها ما يكون وجهه الي مقدم الرأس ومنها ما يكون وجهه إلى مؤخره فبالذهاب ينبل بواطن القسم الاول وظواهر الثاني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 وبالرد ينبل ظواهر الاول وبواطن الثاني والاولى أن يمسح من الرأس الناصية مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بناصيته وعلي عمامته ولا يجوز الاقتصار على مسح العمامة لان المأمور به مسح الرأس والماسح على العمامة ليس بماسح على الرأس ولو عسر عليه تنحية ما علي رأسه من عمامة وغيرها ومسح من الرأس قدر ما يجب كمل بالمسح على العمامة بدلا من الاستيعاب وتشبها به: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 قال (وأن يمسح اذنيه بماء جديد ظاهرهما وباطنهما) يستحب مسح الاذنين لما روى انه صلي الله عليه وسلم مسح في وضؤه برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما وأدخل اصبعيه في صماخي اذنيه وينبغى أن يمسحهما بماء جديد لما روى عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 عبد الله بن زيد في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم انه توضأ فمسح أذنيه بماء غير الماء الذى مسح به الرأس وليس من الشرط أن يأخذ ماء جديدا حينئذ بل لو امسك بعض أصابعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 من البلل المأخوذ لمسح الرأس ومسح به الاذنين تأدت هذه السنة روى انه صلي الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 وسلم أمسك بسبابتيه وابهاميه عن الرأس لمسح الاذنين فمسح بسبابتيه باطنهما وبابهاميه ظاهرهما ويمسح الصماخين بماء جديد أيضا نص عليه لانه من الاذن كالفم والانف من الوجه وحكى قول آخر انه يكفي مسحه ببقية بلل الاذن لان الصماخ من الاذن والاحب في اقامة هذه السنة أن يدلل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 مسحتيه في صماخيه ويديرهما على المعاطف ويمر ابهاميه على ظهورهما ثم يلصق كفيه وهما مبلولتان بالاذنين استظهارا ولك أن تعلم قوله وأن يمسح أذنيه بالالف لان احمد قال بوجوبه وبالميم لان مالكا قال في رواية هما من الوجه يغسللان معه ولا يمسحان وقوله بماء جديد بالحاء لان أبا حنيفة يقول هما من الرأس يمسحان بالبلل المأخوذ للرأس وبالميم لان مالكا يقول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 في رواية هما من الوجه يمسحان بالبلل الباقي عن غسل الوجه وبالالف لان احمد مع قوله بالوجوب يجوزه بالمأخوذ لمسح الرأس وعن مالك روايتان أخريان احداهما مثل مذهبنا والاخريى مثل مذهب أبي حنيفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 قال (وأن يمسح الرقبة) روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مسح الرقبة أمان من الغل وعن ابن عمر رضى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من توضأ ومسح على عنقه وقي الغل يوم القيامة وهل يمسح بماء جديد أم بما يبقي من بلل مسح الرأس أو الاذن: بناه بعضهم على وجهين في أن مسح العنق سنة أم أدب ان قلنا سنة مسح بماء جديد وان قلنا ادب فمسح بالبلل الباقي * واعلم أن السنة والادب يشتركان في أصل الندبية والاستحباب لكن السنة ما يتأكد شأنها والادب دون ذلك ثم اختيار القاضى الروياني انه ينبغي أن يمسح بماء جديد وميل الاكثرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 إلى أنه يكفى مسحه بالبلل الباقي وهو قضية كلام المسعودي وصاحب التهذيب لان المسعودي قال انه غير مقصود في نفسه بل هو تابع للقفا في المسح والقفا تابع للرأس لتطويل الغرة وقال صاحب التهذيب يستحب مسحه تبعا للرأس أو الاذن اطالة للغرة واذ كان استحبابه لتطويل الغرة كفى فيه البلل الباقي والله أعلم * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 قال (وأن يخلل أصابع الرجلين بخنصر اليد اليسرى من أسفل اصابع الرجل اليمنى ويبتدئ بخنصر اليمنى ويختم بخنصر اليسرى) * من سنن الوضوء تخليل اصابع الرجلين في غسلهما لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال للقيط بن صبرة إذا توضأ فخلل الاصابع وهذا إذا كان الماء يصل إليها من غير تخليل فلو كانت الاصابع ملتفة لا يصل الماء إليها الا بالتخليل فحينئذ يجب التخليل لا لذاته لكن لاداء فرض الغسل وان كانت ملتحمة لم يجب الفتق ولا يستحب أيضا والاحب في كيفية التخليل أن يخلل بخنصر اليد اليسرى من أسفل الاصابع مبتدئا بخنصر الرجل اليمنى ومختتما بخنصر اليسرى ورد الخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك ذكره الائمة وعن أبي ظاهر الزيادي انه يخلل ما بين كل اصبعين من أصابع رجله باصبع من اصابع يده ليكون بماء جديد ويفصل الابهامان فلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 يخلل بهما لما فيه من العسر وهل التخليل من خاصية اصابع الرجلين أم هو مستحب في أصابع اليدين ايضا معظم أئمة المذهب ذكروه في أصابع الرجلين وسكتوا عنه في اليدين لكن القاضي أبا القاسم بن كج قال انه مستحب فيهما واستدل بخبر لقيط بن صبرة فان لفظ الاصابع ينتظمها وفي جامع أبي عيسي الترمذي عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأت فخلل اصابع يديك ورجليك وعلى هذا فالذي يقرب من الفهم ههنا أن يشبك بين الاصابع ولا تعود فيه الكيفية المذكورة في الرجلين ولك أن تعلم قوله يخنصر اليد اليسرى بالواو اشارة إلى ما حكينا عن الاستاذ أبي طاهر * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 قال (وان يوالى بين الافعال فهى سنة على الجديد) اختلف قول الشافعي رضى الله عنه في الموالاة فقال في القديم هي واجبة وبه قال مالك واحمد في رواية لان النبي صلى الله عليه وسلم وسلم توضأ على سبيل الموالاة وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة الا به ولانه عبادة ينقضها الحدث فيعتبر فيها الموالاة كالصلاة وقال في الجديد هي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 سنة لما روى أن رجلا توضأ وترك لمعة في عقبه فلما كان بعد ذلك أمره النبي صلى الله عليه وسلم وسلم بغسل ذلك الموضع ولم يأمره بالاستئناف ولم يبحث عن قدر المدة الفاصلة: وعن ابن عمر رضي الله عنهما انه كان يتوضأ في سوق المدينة فدعى إلى جنازة وقد بقى من وضؤه فرض الرجلين فمذهب معها الي المصلى ثم مسح على خفيه وكان لا بسا ولان أفعال الوضوء يجوز أن يتخللها الزمان اليسير فكذلك الزمان الكثير بخلاف الصلاة: ثم لجريان القولين شرطان وان أطلق في الكتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 احدهما أن يهمل الموالاة بتفريق كثير أما التفريق اليسير فلا يقدح بلا خلاف سواء كابعذر أو بغير عذر والتفريق الكثير أن يمضي من الزمان ما يجف فيه المغسول مع اعتدال الهواء ومزاج الشخص ولا عبرة بحال المحموم ولا بتباطئ الجفاف بسبب برودة الهواء ولا بتسارعه بسبب الحرارة وقيل يؤخذ الكثير والقليل من العادة وقيل إذا مضي قدر ما يمكن فيه اتمام الطهارة فقد كثر التفريق واعتبار مدة التفريق من آخر الفعل المأتي به من أفعال الوضوء حتي لو غسل وجهه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 ويديه ووقع فصل ثم مسح رأسه قبل جفاف ماء اليدين لم يضر وان جف الماء علي وجهه: وإذا غسل ثلاثا فالاعتبار من الغسلة الاخيرة * الشرط الثاني أن يكون التفريق الكثير بغير عذر أما إذا كان بعذر فلا يضر ولا يعود فيه القول القديم قال المسعودي لان الشافعي رضي الله عنه جوز في القديم تفريق الصلاة بالعذر فانه إذا سبقه الحدث يتطهر ويبنى ففى الطهارة أولي والعذر كما إذا نفد ماؤه فذهب لطلبه أو خاف من شئ فهرب وهل النسيان من الاعذار فيه وجهان للشيخ أبي محمد والاظهر انه من الاعذار ومنهم من طرد القولين في التفريق بالعذر أيضا والاكثرون علي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 الاول وحكي عن نص الشافعي رضى الله عنه ما يدل عليه وإذا عرفت موضع القولين فنقول ان فرعنا على القديم وفرق وجب عليه الاستئناف وان فرعنا علي الجديد فله البناء ثم ان كان مستديما للنية فذاك وان لم يكن فهل يحتاج إلى تجديد النية فيه وجهان أحدهما نعم لان استيفاء النية حكما خلاف الحقيقة انما يصار إليه عند تواصل الافعال وأظهرهما لا لان التفريق إذا كان جائزا كانت النية الاولى كافية ألا ترى أن الحج إذا جاز فيه التفريق كفت النية الاولى فيه * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 قال (وأن لا يستعين في الوضوء بغيره وأن لا ينشف الاعضاء فهى سنة علي أظهر الوجهين وان لا ينفض يديه للنهي عنه وأن يدعو بالدعوات المأثورة المشهورة عند غسل الاعضاء) هذه البقية تشتمل علي أربع سنن احداها ان لا يستعين في وضوء بغيره روى انه صلى الله عليه وسلم قال أنا لا أستعين على وضوئي بأحد قاله لعمر رضي الله عنه وقد بادر ليصب الماء على يديه ولانه نوع من التنعم والتكبر ذلك لا يليق بحال المتعبد والاجر على قدر النصب وهل تكره الاستعانة فيه وجهان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 أحدهما نعم لما ذكرناه وأظهرهما لا لان النبي صلى الله عليه وسلم قد استعان احيانا منها ما روى ان اسامة والربيع بنت معوذ صبا الماء علي يديه ومنها ما روى انه استعان بالمغيرة بن شعبة لمكان جبة ضيقة الكمين كان قد لبسها فعسر عليه الاسباغ منفردا ولا يستبعدن الخلاف في أن الاستعانة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 هل تكره مع الجزم بأن تركها محبوب فان الشئ قد يكون أولي ولا يوصف ضده بالكراهية كاستغراق الاوقاف بالعبادة وتركه: الثانية هل يستحب ترك تنشيف الاعضاء فيه وجهان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 أظهرهما نعم لما روى عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينشف أعضاءه وعن عائشة رضى عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصبح جنبا فيغسل ثم يخرج إلى الصلاة ورأسه يقطر ماء والثاني لا يستحب ذلك وعلى هذا اختلفوا منهم من قال لا يستحب التنشيف أيضا وقد روى من فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم التنشيف وتركه وكل حسن ولا ترجيح ومنهم من قال يستحب التنشيف لما فيه من الاحتراز عن التصاق الغبار وإذا فرعنا على الاظهر وهو استحباب الترك فهل نقول التنشيف مكروه أم لا فيه ثلاثة أوجه اظهرها لا لان النبي صلي الله عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 وسلم اغتسل فأتى بملحفة ورسية فالتحف بها حتي رؤى أثر الورس في عكنه ولو كان مكروها لما فعل: والثاني نعم لانه ازالة آلاثر العبادة فأشبه ازالة خلوف فم الصائم: والثالث حكى عن القاضي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 الحسين انه ان كان في الصيف كره وان كان في الشتاء لم يكره لعذر البرد: الثالثة أن لا ينفض يديه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 فهو مكروه لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأ تم فلا تنفضوا ايديكم فانها مراوح الشيطان (الرابعة) أن يحافظ على الدعوات الواردة في الوضوء فيقول في غسل الوجه اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه وعند غسل اليد اليمني اللهم اعطني كتابي بيمينى وحاسبني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 حسابا يسيرا وعند غسل اليسرى اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهرى وعند مسح الرأس اللهم حرم شعرى وبشرى على النار وروى اللهم احفظ رأسي وما حوى وبطني وما وعى وعند مسح الاذنين اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وعند غسل الرجلين اللهم ثبت قدمى علي الصراط يوم تزل فيه الاقدام ورد بها الاثر عن السلف الصالحين (خاتمتان) احداهما السنن التي أوردها يعود يصفها في الغسل التسمية وغسل اليدين والمضمضة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 والاستنشاق والمبالغة فيهما والتكرار والموالاة وترك الاستعانة والتنشيف والنفض: وفي التسمية وجه انها لا تستحب في الغسل وفي الموالاة طريق انها لا تجب في الغسل بلا خلاف (الثانية) ظاهر لفظ الكتاب حصر السنن في العدد المذكور لكن للوضوء مندوبات أخرمها أن يقول بعد التسمية الحمد لله الذى جعل الماء طهورا وأن يستصحب النية في جميع الافعال وأن يجمع في النية بين اللسان القلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 وان يتعهد الماقين بالسبابتين وما تحت الخاتم بتحريك الخاتم وكذلك المواضع التي يحتاج فيها إلى الاحتياط وأن يبدأ في غسل الوجه بأعلاه وفي مسح الرأس بمقدمه وفي اليد والرجل بأطراف الاصابع ويختم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 بالمرافق والكعب ان كان يصب الماء عليهما بنفسه وان صبه عليه غيره بدأ بالمرفق والكعب وأن لا ينقص الماء المتوضأ به عن مدو أن لا يسرف في صب الماء وأن لا يزيد على ثلاث مرات وأن لا يتكلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 في أثنائه ولا يلطم الوجه بالماء وان يتوضأ في مكان لا يرجع رشاش الماء إليه وان يمر اليد على الاعضاء المغسولة وان يقول بعد الوضوء مستقبلا للقبلة اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمد عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين سبحانك اللهم وبحمدك اشهد أن لا اله الا أنت استغفرك وأتوب اليك وليس لك أن تقول هذا من الاذكار والادعية وقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 أشار إليها في الكتاب فلا يكون وراء ما ذكره لان الادعية التى أشار إليها في الكتاب هي المأثورة عند غسل الاعضاء وهذا متأخر عن غسلها * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 قال (الباب الثاني في الاستنجاء) (وهو واجب وفيه فصول أربعة الاول في آداب قضاء الحاجة وهي أن يستر عورته ولا يحاذي بها الشمس والقمر والقبلة استقبالا واستدبارا الا إذا كان في بناء وان لا يجلس في متحدث الناس) الاستنجاء واجب عندنا خلافا لا بي حنيفة: لنا ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام وليستنج احدكم بثلاثة أحجار ونحوه ثم المحوج إلى الاستنجاء انما هو قضاء الحاجة فلذلك قدم فصلا أولا في آدابة وذكر منها أمورا أحدها أن يستر عورته عن العيون بشجرة أو بقية جدار ونحوهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 لما روى عن ابي هريرة رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وآله قال من أتي الغائط فليستتر فان لم يجد الا ان يجمع كثيبا من ر مل فليفعل وهذا إذا لم يكن في بناء سانر وهو أن يكون مسقفا أو محوطا يمكن تسقيفه فلو كان في بستان محوط وجلس بعيدا عن الجدار أو جلس في عرصة دار فيحاء فهو كما لو جلس في الصحراء فينبغي أن يستتر بشئ ثم ليكن الساتر قريبا من مؤخرة الرجل وليكن بينه وبين الساتر قدر ثلاثة اذرع فما دونها ولو اناخ راحلته وتستر بها أو جلس في وهدة أو نهر أو أرخى ذيله حصل الغرض: (الثاني) ان لا يستقبل الشمس والقمر بفرجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 فقد ورد النهي عنه ويشترك فيه الصحراء والبنيان كذلك ذكره المحاملى (الثالث) إذا كان في بناء أو بين يديه سافر فالادب ان لا يستقبل ولا يستدبرها وإذا كان في الصحراء ولم يستتر بشئ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 حرم عليه استقبال القبلة واستدبارها لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال إذا ذهب أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بغائط ولا بول وروى انه عليه الصلاة والسلام قال لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولكن شرقوا أو غربوا ولا يحرم ذلك في البناء وان كان الخبر مطلقا خلافا لابي حنيفة وذلك لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رقيت السطح مرة فرأيت رسول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 الله صلى الله عليه وآله جالسا على لبنتين مستقبلا بيت المقدس ومن استقبل بيت المقدس بالمدينة فقد استدبر الكعبة وعن جابر قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نستقبل القبلة بفروجنا ثم رأيته قبل موته بعام مستقبل القبلة وسبب المنع في الصحراء فيما ذكر الاصحاب أن الصحراء لا تخلوا عن مصل من ملك أو جنى أو انسى فربما وقع بصره على عورته: فاما في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 في الابنية فالحشوش لا يحضرها الا الشياطين ومن يصلى يكون خارجا عنها فيحول البناء بينه وبين المصلى وليس السبب مجرد احترام الكعبة وقد نقل ما ذكروه عن ابن عمر وعن الشعبي رضي الله عنهما: الرابع أن لا يجلس في متحدث الناس كيلا يفسد عليهم مجلسهم فيلعنوه وقد قال صلى الله عليه وسلم اتقوا الملاعن ثم في لفظ الكتاب في الادب الثاني والثالث كلامان أحدهما قوله ولا يحاذي بها الشمس والقمر والقبلة استقبالا واستدبارا يقتضى المنع من استقبال الشمس والقمر واستدبار هما جميعا كالقبلة سواء رجع قوله استقبالا واستدبار إلى الشمس والقمر والقبلة أو إلى القبلة وحدها: أما على التقدير الاول فظاهر واما علي الثاني فلان لفظة المحاذاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 وهي تشمل الاستقبال والاستدبار. واكثر الكتب ساكتة عن استدبارهما وان كان المنع عن استقبالهما مشهورا لكنه صحيح حكاه في البيان عن الصيمري ورأيته في الشافي لا بي العباس الجرجاني وفي الخبر ما يدل عليه الثاني ظاهر كلامه يقتضي عود الاستثناء في قوله الا إذا كان في بناء إلى الشمس والقمر والقبلة جميعا ولاشك أنه ليس كذلك بل هو مخصوص بالقبلة ثم الاحتراز عن استقبال النيرين واستدبارهما ليس بواجب بحال وانما هو ادب والاحتراز عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 استقبال الكعبة واستدبارها أدب في حال وواجب في حال كما سبق بيانه وإذا عرفت ذلك فيتوجه للناظر أن يقول ان اراد الامام بالمنع حالة التحريم لم يحسن درجه في جملة الاداب ولا الجمع بين القبلة والشمس والقمر في جملة واحدة وان أراد حالة الكراهة فلم استثنى ما إذا كان في بناء والادب الاحتراز في البناء أيضا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 قال (وأن لا يبول في الماء الراكد ولا في الجخرة ولا تحت الاشجار المثمرة ولا في مهاب الرياح استنزاها من البول) ومن الآداب ان لا يبول في الماء الراكد لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لا يبول أحدكم في الماء الدائم ويروى في الراكد وهذا المنع يشمل القليل والكثير لما فيه من الاستقذار ثم ان كان قليلا ففيه شئ آخر وهو انه تنجيس للماء وتعطيل لفوائد فان كان بالليل زاد شئ آخر وهو ما قيل ان الماء بالليل للجن فلا ينبغي أن يبال فيه ولا يغتسل خوفا من آفة تصيب من جهتهم ومنها أن لا يبول في الجحرة لما روى قتادة عن عبد الله بن سرجس ان النبي صلى الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 وسلم نهى عنه قيل لقتادة ما بال الجحرة قال يقال انها مساكن الجن: ومنها أن يجلس تحت الاشجار المثمرة صيانة لها عن التلويث والتنجيس وهذا في البول والغائط جميعا وان كان نظم الكتاب يخص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 البول: ومنها ان لا يبول في مهاب الرياح استنزاها من البول وحذارا من رشاشه قال صلى الله عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 وسلم استنزهوا من البول فان عامة عذاب القبر منه وروى أنه صلى الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 كان يتمخر الريح أي ينظر أين مجراها فلا يستقبلها لئلا يرد عليه البول لكن يستدبرها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 قال (ويعتمد في الجلوس علي الرجل اليسرى ويعد النبل ولا يستنجي بالماء في موضع قضاء الحاجة ولا يستصحب شيئا عليه اسم الله تعالى ورسوله ويقدم الرجل اليسرى في دخوله الخلاء واليمني في الخروج وان يستبرى من البول بالتنحنح والنتر) ومنها ان يعتمد إذا جلس على الرجل اليسرى لما روى عن سراقة بن مالك قال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتينا الخلاء أن نتوكأ علي اليسرى ومنها أن يعد النبل ان كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 يستنجي بالاحجار ثم يشتغل بعد ذلك بقضاء الحاجة لما روى أنه صلي الله عليه وسلم وسلم قال اتقوا الملاعن واعدوا النبل والمعنى فيه خوف الانتشار لو طلبها بعد قضاء الحاجة والنبل أحجار الاستنجاء جمع نبلة وأصلها الحصاة الصغيرة: ومنها ان لا يستنجي بالماء في موضع قضاء الحاجة بل ينتقل عنه ثم يستنجي تحرزا من عود الرشاش إليه إذا أصاب الماء النجاسة وأما إذا أكان يستنجي بالحجر فلا يقوم عن الموضع كيلا تنتشر النجاسة: ومنها أن لا يستصحب شيئا عليه اسم الله تعالى كالخاتم والدارهم التى عليها اسم الله تعالي كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل الخلاء وضع خاتمه لانه كان عليه محمد رسول الله وألحق باسم الله تعالى اسم رسوله صلى الله عليه وسلم وسلم تعظيما وتوقيرا له وكذلك يحترز عن استصحاب ما عليه شئ من القرآن وهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 يختص هذا الادب بالبنيان لم يعم البنيان والصحاى فيه اختلاف للاصحاب والاظهر التعميم ورأيت للصيمري أنه إذا كان على فص الخاتم ذكر الله تعالي خلعه قبل دخول الخلاء أو ضم كفه عليه فخير بينهما وكلام غيره يشعر بانه لا بد من النزع نعم قيل إنه لو غفل عن النزع حتي اشتغل بقضاء الحاجة ضم كفه عليه حتى لا يظهر ومنها أن يقدم رجله اليسرى في دخول الخلاء واليمني في الخروج على العكس من دخول المسجد والخروج منه لان اليسار للاذى واليمني لغيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 وهل يختص ذلك بالبنيان ام لا اختلف فيه كلام الاصحاب والذى ذكره في الوسيط يقتضى الاختصاص لكن الاكثرين على انه لا يختص حتى يقدم رجله اليسرى إذا بلغ موضع جلوسه في الصحراء أيضا وإذا فرغ قدم اليمنى: ومنها أن يستبرئ من البول بالتنحنح عند انقطاعه وبالنتر ثلاثا بان يمر بعض أصابعه على أسفل الذكر ويدلكه لاخراج ما هنا لك من البقايا وهذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 للاستنزاه من البول أيضا ويروى أنه صلى الله عليه وسلم قال فلينتر ذكره ولو استبرأ بالمشي عقيب البول فلا بأس وأكثره فيما قيل سبعون خطوة ويكره حشو الاحليل بالقطنة ونحوها * قال (الفصل الثاني فيما يستنجي عنه * وهى كل نجاسة ملوثة خارجة عن المحل المعتاد نادرة كانت أو معتادة جاز الاقتصار فيها على الجحر ما لم تنتشر الا ما ينتشر من العامة ولا يقتصر على الجحر في دم الحيض: وفي النجاسات النادرة قول إنه يتعين الماء فيه وقيل المذى نادر وان خرجت دودة لم تلوث ففى وجوب الاستنجاء وجهان) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 الخارج من البدن اما ريح فلا استنجاء منها أو عين فان وجبت بخروجها الطهارة الكبرى كالمني والحيض فيجب الغسل ولا يمكن الاقتصار على الحجارة وان لم تجب به الطهارة الكبرى نظر ان لم تجب به الصغرى أيضا فان كان طاهرا فذاك وان كان نجسا كدم الفصد والحجامة فيزال كما تزال سائر النجاسات ولا مدخل للحجر فيه وان وجبت به الطهارة الصغرى فان خرج من الثقبة التي تنفتح ويحكم بانتقاض الطهارة بالخارج منها على ما سيأتي فتزال كسائر النجاسات أم للحجارة فيه مدخل: فيه وجوه ثلاثة قد ذكرها في الكتاب في باب الاحداث ونذكرها في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 موضعها ان شاء الله تعالى وان خرج من السبيل نظر ان لم يكن ملوثا كالدودة والحصاة التى لا رطوبة معها ففى وجوب الاستنجاء منه قولان أصحها لا يجب لا بالماء ولا بالحجر لان المقصود من الاستنجاء ازالة النجاسة أو تخفيفها عن المحل فإذا لم يتلوث المحل ولم يتنجس فلا معني للازالة ولا للتخفيف: والثاني يجب لانه لا يخلو عن رطوبة وان قلت وخفيت وان كان ملوثا فينظر إن كان نادرا كالدم والقيح ففيه قولان أحدهما أنه يتعين ازالته بالماء رواه الربيع حيث حكي عن نصه انه ان كان في جوف مقعدته بواسير يخرج منها الدم والقيح يجب غسله بالماء ووجهه ان الاقتصار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 على الحجر تخفيف على خلاف القياس ورد فيما يعم به البلوى فلا يلحق به غيره: والثاني رواه المزني وحرملة وهو الاصح أنه يجوز فيه الاقتصار علي الحجر نظرا الي المخرج المعتاد فان خروج النجاسات منه علي الانقسام إلى الغالبة والنادرة مما يتكرر ويعسر البحث عنها والوقوف علي كيفياتها فيناط الحكم بالمخرج ومنهم من قطع بهذا وحمل ما رواه الربيع على ما إذا كان بين الاليتين لا في الداخل: ومن جملة النجاسات النادرة المذى فيجئ فيه هذا الاختلاف وحكي عن القفال تفصيل في النجاسات النادرة وهو ان ما يخرج منها مشوبا بالمعتاد كفى الحجر وان تمحض النادر فلا بد من الماء هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 في الخارج النادر: أما المعتاد فان لم يعد المخرج فعليه أحد الامرين إما ازالته بالماء كسائر النجاسات وإما التخفيف بجامد علي الشرط المذكور في الفصل الثالث وذلك أن الاصل في النجات الازالة بالماء بحيث لا يبقى عين ولا أثر فان جرى على الاصل فذاك والا أجزأه الاقتصار على الاحجار تخفيفا روى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 عن عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا ذهب احدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة احجار يستطيب بها فانها تجزى عنه وان عدا المخرج نطر ان لم ينتشر اكثر من القدر المعتاد فكذلك يتخير بين الامرين وذلك القدر من الانتشار يتعذر أو يتعسر الاحتراز عنه ونقل المزني رحمه الله أنه إذا عدا المخرج لا يجزى فيه الا الماء فمنهم من أثبته قولا آخر وزعم أن الضرورة تختص بالمخرج فلا تسامح فيما عداه بالاقتصار علي الاحجار والاكثرون امتنعوا من اثباته قولا وانقسموا إلى مغلط ومؤول وان انتشر أكثر من القدر المعتاد وهو أن يعد والمخرج وما حواليه فينطر ان لم يجاوز الغائط الا ليتين ففي جواز الاقتصار فيه على الاحجار قولان أظهرهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 الجواز رواه الربيع واحتج الشافعي رضي الله عنه لهذا القول بأن قال لم يزل في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم والي اليوم رقة البطون وكان اكثر اقواتهم التمر وهو مما يرقق البطن ومن رق بطنه انتشر خلاؤه عن الموضع وما حواليه ومع ذلك أمروا بالاستجمار والثاني ذكره في القديم أنه لا يجوز لانه انتشار لا يعمم ولا يغلب فإذا اتفق وجب غسله كسائر النجاسات وفيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 طريقتان أخريان أحداهما القطع بالقول الاول رواها الشيخ أبو محمد والمسعودي والثانية القطع بالقول الثاني حكاها كثيرون من الائمة: وأما البول فالحشفة فيه بمثابة الا ليتين في الغائط والامر فيه على هذا الاختلاف وعن أبي اسحق المروزى أنه قال إذا جاوز البول الثقب لم يجز فيه الحجر قولا واحدا والخلاف والتفصيل في الغائط والفرق ان البول ينفصل على سبيل التزريق فيبعد فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 الانتشار وان جاوز الغائط الاليتين والبول الحشفة تعينت الازالة بالماء كسائر النجاسات لانه نادر نحوه: ولا فرق بين القدر المجاوز وغيره ومنهم من جعل ما لم يجاوز على الخلاف ثم حيث يجوز الاقتصار علي الحجر فذاك بشرط ان لا تنتقل النجاسة عن الموضع الذى أصابته عند الخروج فلو قام وانضمت اليتاه عند الخطو وانتقلت النجاسة تعين الماء ويشترط ان لا يصيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 موضع النجو نجاسة من خارج حتي لو عاد إليه رشاش ما أصاب الارض تعين الماء ويشترط أن لا يجف الخارج علي الموضع فان جف تعين الماء وحكي القاضى الروياني انه ان كان يقلعه الحجر يجزي فيه الحجر والا فلا واختار هذا الوجه والله أعلم * هذا فقة مسائل الفصل والفاظ الكتاب في بعض المواضع من الفصل تفتقر إلى مزيد بيان فنقول أما قوله الفصل الثاني فيما يستنجي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 عنه فلفظ الاستنجاء يشمل الازالة بالماء والتخفيف بالاحجار لانه مشتق من النجو وهو القلع الا أن المراد ههنا انما هو الاستنجاء بالحجر لا مطلق الاستنجاء والا فلا يشترط في مطلق الاستنجاء كونه خارجا من المخرج المعتاد ولا كونه غير منتشر لكن قوله في آخر الفصل فإذا خرجت دودة لم تلوث ففى وجوب الاستنجاء وجهان ليس المراد منه الاستنجاء بالحجر بل مطلق الاستنجاء على ما بينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 المسألة من قبل وقد عبر عن الخلاف في المسألة بالوجهين وكذلك نقل الشيخ أبو محمد والصيدلاني والامام والاكثرون نقلوا قولين ومنهم من حكاهما عن الجامع الكبير والله أعلم * وأما قوله كل نجاسه يخرج عنه الاشياء الطاهرة وقوله ملوثة يخرج عنه ما لا يلوث واشتراط هذا القيد على الخلاف المذكور وقوله خارجة عن المخرج المعتاد يخرج عنه دم الفصد والحجامة وكذا الخارج عن الثقبة المنفتحة وان حكمنا بانقاض الطهر بالخارج منها وفيه الخلاف الذى أشرنا إليه من قبل لكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 الاظهر أنه لا يقتصر فيه على الحجر فلا بأس بخروجه عن الضابط: وقوله نادرة كانت أو معتادة جرى علي اصح القولين في النجاسات النادرة وهو انه يقتصر فيها على الحجر وقد ذكر القول الثاني بعد ذلك: وقوله ما ينتشر الا ما ينتشر من العامة ينبغى أن تكون كلمة الاستثناء منه مرقوم بالواو اشارة إلى مذهب من جعل منقول المزني قولا فان عدم الانتشار شرط عنده من غير استثناء وكذلك قوله ما ينتشرر من العامة اشارة إلى القول رواه الربيع انه وان زاد علي ذلك جاز الاقتصار فيه على الحجر ما لم يجاوز الاليتين والذى ذكره جواب على القول المنسوب إلى القديم واختيار له وقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 رجحه امام الحرمين وكثيرون لكن منقول الربيع أظهر كما سبق وكذلك ذكره المسعودي والقاضى الروياني وآخرون وبه أجاب المحاملى في المقنع: وأما قوله وقيل المذى نادر قيقتضى اثبات خلاف أي انه هل يعد من النجاسات النادرة ولكلامه في الوسيط اشعار به ايضا لكن الذى يشتمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 عليه كتب الاصحاب قديمها وحديثها عده من النجاسات النادرة من غير التعرض لخلاف فيه وطرح بعضهم لهذا السبب لفظة قيل من الكتاب وقد أحسن ولك أن تستدرك فتقول ما ذكره في الضابط لا يحوى جملة الشرائط المعتبرة في جواز الاقتصار علي الحجر لان منها ان لا تجف النجاسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 على الموضع ولا تنتقل عنه ولا تصيبه نجاسة أخرى كما سبق وقد سكته عنها * قال (الفصل الثالث فيما يستنجى به وهو كل عين طاهرة منشفة غير محترمة فلا يجز بالروث والزجاج الاملس والمطعوم وفي سقوط الفرض بالمطعوم وجهان والعظم مطعوم والجلد الطاهر يجوز الاستنجإ به على أصح الاقوال) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 قوله فيما يستنجي به أي من الجامدات وله شروط أحدها ان يكون طاهرا خلافا لابي حنيفة لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستنجاء بالروث والرمة ولان النجاسة لا تزال بالنجس كما لا تزال بالماء النجس ولا فرق بين نجس العين كالروث وما تنجس بعارض ألا ترى أن الشافعي رضى الله عنه قال ولا يستنجى بحجر قد مسح به مرة الا أن يكون قد طهر بالماء فلو استنجي بنجس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 هل يتعين استعمال الماء بعد ذلك أم له الاقتصار علي الحجر كما قبل استعماله: فيه وجهان احدهما له الاقتصار على الحجر لان النجس لا يتأثر بالنجاسة فيبقى حكمه كما كان وأظهرهما أنه يتعين الماء لان المحل قد اصابته نجاسة أجنبية باستعماله فيه والاقتصار على الحجر تخفيف فيما تعمم به البلوى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 فلا يلحق به: والثاني أن يكون منشفا قالعا للنجاسة فما لا يقلع لملاسته كالزجاج الاملس والقصب والحديد المملس لا يجوز الاستنجاء به لانه لا يزيل النجاسة وينقلها عن موضعها وكذلك ما لا يقلع للزوجته أو لتناثر أجزائه كالحممة الرخوة والتراب لا يجوز الاستنجاء به وقد نقل عن الشافعي رضي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 الله عنه جواز الاستنجاء بالمقابس ونقل انه لا يجوز بالحممة فمنهم من أثبت قولين والاصح تنزيلهما على حالين ان بقيت فيه صلابة اما لضعف تأثير النار فيه أو لقوة في جوهره كالغضا فيجوز الاستنجاء به وهو المراد بالمقابس وان كان يتناثر عند الاعتماد فلا يجوز وهو المراد بالحممة وكذلك نقل اختلاف النص في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 التراب وأثبت بعضهم فيه قولين وان كان يتناثر والاصح انه حيث جوز اراد المدر المتماسك وحيث منع أراد المتناثر لانه يلتصق بالنجاسة ولا يتأتي التحامل عليه ولو تحامل لتعدت النجاسة موضعها وانتشرت ثم لو استنجي بما لا يقلع لم يسقط الفرض به وان أنقى ويتعين بعده الازالة بالماء ان نقل النجاسة من موضع إلى موضع وان لم ينقل جاز الاقتصار على الحجر وخرجوا علي الشرط الاول والثاني امتناع الاستنجاء بالحجر الرطب ونحوه لان البلل الذى عليه ينجس باصابة النجاسة اياه ويعود شئ منه إلى محل النجو فيحصل عليه نجاسة أجنبية ويكون كاستعمال الخجر النجس ولان الشئ الرطب لا يزيل النجاسة بل يزيد التلوث والانتشار وحكي القاضى بن كج وغيره وجها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 آخر أنه يجوز الاستنجاء بالشئ الرطب ولمن نصره أن يقول لا نسلم ان البلل الذى عليه ينجس باصابة النجاسة اياه وانما ينجس عندي بالانفصال كالماء الذى يغسل به النجاسات وأما قوله انه لا يزيل النجاسة ممنوع نعم لو كان عليه شئ محسوس من الماء فربما كان كذلك أما مجرد البلل فلا: والثالث أن لا يكون محترما فلا يجوز الاستنجاء بالمطعومات لحرمتها والعظم معدود من المطعومات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 لان النبي صلى الله عليه وآله نهي عن الاستنجاء بالعظم وقال انه زاد اخوانكم من الجن وليس له حكم طعامنا من تحريم الربا فيه وغيره وعند مالك لا منع من الاستنجاء بالعظم الطاهر والخبر حجة عليه ومن الاشياء المحترمة ما كتب عليه شئ من العلم كالحديث والفقه وفي جزء الحيوان المتصل به كاليد والعقب من المستنجي وغيره كذنب الحمار وجهان أصحهما أنه لا يجوز الاستنجاء به لحرمته ومنهم من فرق بين أن يستنجي بيد نفسه أو يد غيره فقال لا يجوز أن يستنجى بيد نفسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 ويجوز أن يستنجى بيد غيره كما يجوز أن يسجد على يد غيره دون يد نفسه وعكس امام الحرمين ذلك فقال له أن يستنجي بيد نفسه دون يد غيره لانه لا حرج على المرء في تعاطى النجاسات ومهما جرى الخلاف في جزء الحيوان ففى جملة الحيوان أولى وصورته أن يستنجى بعصفورة حية وما في معناها ولا يلحق بالمحترمات في هذا الحكم الذهب والفضة في أظهر الوجهين فيجوز الاستنجاء بالقطعة الخشنة من الذهب والجواهر النفيسة كما يجوز أن يستنجى بالقطعة من الديباج ثم إذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 استنجي بشئ محترم من مطعوم وغيره عصي وهل يجزئه ذلك عن الفرض فيه وجهان أحدهما نعم لان المقصود قلع النجاسة وقد حصل فصار كالاستنجاء باليمين وأظهرهما أنه لا يجزئه لان الاقتصار على الاحجار من قبيل الرخص والرخص لا تناط بالمعاصي وعلى هذا فله أن يقتصر على الاحجار كما لو لم يستعمل شيئا الا إذا نقل النجاسة عن موضعها كما في الاملس ويلتحق بهذا الشرط القول في الجلد: والطاهر منه ضربان غير المدبوغ وهو جلد المأكول المذكي والمدبوغ من المأكول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 وغيره أما غير المدبوغ ففى جواز الاستنجاء به قولان أحدهما الجواز كالثياب وسائر الاعيان وان كان فيه حرمة فليست هي بحيث تمنع الاستعمال في سائر النجاسات فكذلك في هذه النجاسة وأصحهما المنع لا مرين أحدهما أن فيه دسومة تمنع التنشيف والثاني أنه مأكول ألا ترى أنه يؤكل علي الرؤس والا كارع فصار كسائر المطعومات ومنهم من قال لا يجوز بلا خلاف واليه مال الشيخ أبو حامد وكثيرون وحملوا ما نقل من تجويز الاستنجاء علي ما بعد الدباغ: وأما الضرب الثاني وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 المدبوغ ففيه قولان أيضا اصحهما الجواز لان الدباغ يزيل ما فيه من الدسومة ويقلبه عن طبع اللحوم الي طبع الثياب والثاني لا يجوز لانه من جنس ما يؤكل ويجوز أكله إذا دبغ وان كان جلد ميتة على اختلاف فيه قد قدمناه ومنهم من قال يجوز ههنا بلا خلاف وما نقل من المنع محمول على ما قبل الدباغ وإذا جرينا على الطريقة الظاهرة وهى اجراء القولين في الصورتين واعتبرنا مطلق الجلد انتظم ثلاثة أقوال كما ذكر في الكتاب المنع مطلقا والتجويز مطلقا والفرق بين المدبوغ وغيره وهو الاصح في المذهب وان جعل صاحب الكتاب الثاني أصح وليس من شرط المستنجى به أن لا يكون قد استنجى به مرة بل ان تلوث وتنجس جاز استعماله مرة أخرى إذا طهر وجف وان لم ينجس كالحجر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 الثاني والثالث إذا لم يبق على الموضع شئ جاز استعماله في الحال وفيه وجه أنه لا يجوز كالتراب المستعمل ولو كان كذلك لما جاز أيضا بعد غسله ولم يختلفوا في جواز استعماله بعد الغسل * قال (الفصل الرابع في كيفية الاستنجاء * فيستنجى بثلاثة أحجار والعدد واجب (ح م ز) فان لم يحصل الانقاء استعمل رابعة فان حصل أوتر بخامسة ويمر كل حجر على جميع الموضع على أحسن الوجهين وقيل ان واحدة للصفحة اليمني وواحدة وواحدة للصفحة اليسرى وواحدة للوسط وينبغى أن يضع الحجر على موضع طاهر حتى لا يلقى جزءا من النجاسة ثم يدير ليختطف النجاسة ولا يمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 فينقلها فان أمر ولم ينقل كفى على أصح الوجهين ويستنجي بيده اليسرى (والاستنجاء واجب اما بالماء أو الحجر) والافضل أن يجمع بين الماء والحجر) * في الفصل مسائل احداها إذا كان يستنجى بالجامد وجب أن يستوفى ثلاث مسحات اما باحرف حجر واحد وما   ما بين القوسين ساقط من بعض النسخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 في معناه أو بأحجار لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال إذا جلس أحدكم لحاجته فليمسح ثلاث مسحات وعن سلمان رضى الله عنه قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 أن لا نجتزئ بأقل من ثلاثة أحجار وظاهر الامر للوجوب فيجب رعاية العدد * وعند أبي حنيفة الاستنجاء مستحب من أصله والعدد فيه غير مستحب وانما الاعتبار للانقاء: وقال مالك إذا حصل الانقاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 بما دون الثلاث كفى ولا صحابنا وجه يوافقه حكاه أبو عبد الله الحناطي وغيره ويحتج له بما روي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 أنه صلى الله عليه وسلم قال من استجمر فليوتر ومن لا فلا حرج ومن اوجب العدد حمله على ما بعد الثلاث جمعا بين الاخبار وحينئذ لا حرج في ترك الايتار ثم قوله وليستنج بثلاثة أحجار ليس لتخصيص الحكم بها لان غير الحجر بالشرائط المذكورة مشارك للحجر في تحصيل مقصود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 الاستنجاء وقد روى انه صلى الله عليه وسلم قال وليستنج بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع ولا عظم هذا يشعر بان الحكم غير مخصوص بالحجر والا فلا فرق بين الرجيع والعظم وسائر ما ليس بحجر ولعل ذكر الاحجار جري لغلبتها والقدرة عليها في عامة الاماكن ثم إذا استنجي بثلاثة أحجار ونحوها واستوفى العدد لكنه لم ينق وجب عليه أن يزيد حتي ينقي فانه المقصود الاصلى من شرع الاستنجاء فلو حصل الانقاء بالرابعة استحب ان يوتر بخامسة لما روى انه صلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 الله عليه وسلم قال إذا استجمر أحدكم فليستجمر وترا وإذا عرفت ذلك لم يخف عليك ان قوله فيستنجى بثلاثة احجار مسوق على موافقة الخبر والا فالحكم غير مخصوص بالاحجار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 وقوله استعمل رابعة أي وجوبا وقوله أو تر بخامسة أي استحبابا (المسألة الثانية) في كيفية الاستنجاء وجهان اظهرهما وبه قال ابن ابي هريرة وابو المروزي انه يمسح بكل حجر جميع المحل بان يضع واحدا على مقدم الصفحة اليمنى فيمسحها به الي مؤخرها ويديرها إلى الصفحة اليسرى فيمسحها به من مؤخرها الي مقدمها فيرجع الي الموضع الذى بدأ منه ويضع الثاني على مقدم الصفحة اليسرى ويفعل به مثل ذلك ويمسح بالثالث الصفتين والمسربة وتوجيه ما روى أنه صلى الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 وسلم قال وليستنج بثلاثة أحجار يقبل بواحدة ويدبر باخرى ويحلق بالثالث والثاني قاله أبو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 اسحق ان حجرا للصفحة اليمنى وحجرا لليسرى وحجرا للوسط لما روى انه صلى الله عليه وآله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 وسلم قال حجر للصفحة اليمني وحجر للصفحة اليسرى وحجر للوسط وحكي في التهذيب وجها ثالثا وهو انه يأخذ واحدا فيضعه على مقدم المسربة ويديره الي مؤخرها ويضع الثاني علي مؤخرها ويديره إلى مقدمها ويحلق بالثالث كأن المراد بالمسربة جميع الموضع وعلى هذا الوجه يمسح بالحجر الاول والثاني جميع الموضع كأنه صفحة واحدة ويدير الحجر الثالث على المنفد وبهذا يفارق هذا الوجه الاول فانه على ذلك الوجه يطيف الحجرين الاولين ويمسح بالثالث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 جميع الموضع وهذا الخلاف في الاستحقاق أم في الاولوية والاستحباب فيه وجهان عن الشيخ أبي محمد أن الوجهين موضوعان على التنافى فصاحب الوجه الاول لا يجيز الثاني لان تخصيص كل حجر بموضع مما يمنع رعاية العدد الواجب ولا يحصل في كل موضع الا مسحة واحدة وصاحب الوجه الثاني لا يجيز الاول للخبر المصرح بالتخصيص ويقول العدد معتبر بالاضافة الي جملة الموضع دون كل جزء منه وقال المعظم الخلاف في الاولوية والاستحباب لثبوت الروايتين جميعا وكل منهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 جائز وقوله في هذه المسألة ويمر كل حجر على جميع الموضع يعنى به المسح المشترك بين الامرار والادارة دون خصوص الامرار ألا تراه يقول بعد ذلك يدير الحجر ولا يمره (المسألة الثالثة) ينبغى أن يضع الحجر على موضع طاهر بالقرب من النجاسة لانه لو وضع على النجاسة لبقى شيئا منها ونشرها وحينئذ يتعين الغسل بالماء ثم إذا انتهي إلى النجاسة أدار الحجر قليلا قليلا حتى يرفع كل جزء منه جزءا من النجاسة ولو أمره من غير ادارة لنقل النجاسة من الموضع إلى الموضع وتعين الماء ولو أمر ولم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 ينقل هل يجزئه ذلك فيه وجهان أحدهما لا لان الجزء الثاني من المحل يلقى ما تنجس من الحجر والاستنجاء بالنجس لا يجوز وأظهرهما أنه يجزئه لان الاقتصار على الحجر رخصة وتكليف الادارة يضيق باب الرخصة وقد يعبر عن هذا الخلاف بان الادارة هل تجب أم لا: المسألة الرابعة الادب الاستنجاء باليسار دون اليمين لما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت كانت يد رسول الله صلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه وكانت اليسرى لخلائه وما كان من أذى فان كان يستنجي بالماء صبه بيمينه ومسح بيساره وان كان يستنجى بالجامد ففى الغائط يأخذ الحجر بيساره ويمسح به الموضع ولا يستعين باليمنى بخلاف ما في الماء وكذلك تفعل المرأة في الاستنجاء من البول وأما الرجل إذا كان يستنجي من البول فينظر ان استنجى بما لا يحتاج إلى ضبطه كالصخرة العظيمة والجدار أخذ ذكره باليسار ومسحه عليه وان كان يحتاج إلى ضبطه كالحجر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 الصغير فيمسكه بين ابهامى الرجلين أو بين العقبين ويأخذ ذكره بيساره ويمسحه عليه فان احتاج إلى الاستعانة باليمين اخذ الحجر باليمين والذكر باليسار ويحرك اليسار دون اليمين فلو حركهما جميعا أو خص اليمين بالحركة كان مستنجيا باليمين ومنهم من قال الاولي ان يأخذ الحجر بيساره والذكر بيمينه ويمر الحجر على الذكر لان الاستنجاء يقع بالحجر فامساكه باليسار اولى والاول أظهر وأشهر لان مس الذكر باليمين مكروه: روى ابو قتادة انه صلي الله عليه وسلم قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه وذكر بعضهم انه لا طريق للاحتراز عن هذه الكراهية الا الامساك بين العقبين أو الابهامين اما إذا استعمل اليمين فيه كان مرتكبا للنبى كيف فعل (الخامسة) الافضل ان يجمع بين الماء والحجر أو ما في معناه قد أثنى الله تعالي على اهل قباء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 بذلك وانزل فيه قوله تعالي فيه رجال يحبون ان يتطهروا الاية وفيه من طريق المعنى ان العين تزول بالحجر والاثر بالماء فلا يحتاج إلى مخامرة عين النجاسة وهى محبوبة فان اقتصر على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 أحدهما فالماء أولى لانه يزيل العين والاثر والحجر لا يزيل الا العين والله أعلم * ونختم الباب بمسألة في حال الستنجين باعتبار الذكورة والانوثة فنقول لا فرق بين الخنثى المشكل وبين واضح الحال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 في الاستنجاء من الغائط وأما في البول فليس للمشكل أن يقتصر على الحجر إذا بال من مسلكيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 أو احداهما لان كل واحد منهما إذا أفرد بالنظر احتمل أن يكون زائدا فسبيل النجاسة الخارجة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 منه سبيل دم الفصد والحاجة نعم يجئ في مسلكيه الخلاف الذى نذكره في جواز الاقتصار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 على الحجر في الثقبة المنفتحة مع انفتاح المسلك المعتاد إذا قلنا تنتقض الطهارة بالخارج منها وأما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 واضح الحال فالرجل مخير ان شاء اقتصر علي الماء وان شاء استعمل الاحجار أو ما في معناها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 وكذلك البكر لان البكارة تمنع من نزول الماء في الفرج واما الثيب فالغالب انها إذا بالت تعدى البول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 الي فرجها الذى هو مدخل الذكر ومخرج الولد لان ثقبة البول فوقه فيسيل إليه فان تحققت ان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 الامر كذلك لم يجزئها الا الماء وان لم تتحقق جاز لها الاقتصار على الحجر لان موضع خروج البول لا يختلف بالثيابة والبكارة وانتشار البول إلى غيره غير معلوم وحكي وجه أنه لا يجوز لها الاقتصار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 علي الحجر بحال ثم القدر المغسول من الرجل ظاهر وهو من المرأة ما يظهر إذا جلست على القدمين أحدهما فالماء أولى لانه يزيل العين والاثر والحجر لا يزيل الا العين والله أعلم * ونختم الباب بمسألة في حال الستنجين باعتبار الذكورة والانوثة فنقول لا فرق بين الخنثى المشكل وبين واضح الحال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 في الاستنجاء من الغائط وأما في البول فليس للمشكل أن يقتصر على الحجر إذا بال من مسلكيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 أو احداهما لان كل واحد منهما إذا أفرد بالنظر احتمل أن يكون زائدا فسبيل النجاسة الخارجة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 منه سبيل دم الفصد والحاجة نعم يجئ في مسلكيه الخلاف الذى نذكره في جواز الاقتصار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 على الحجر في الثقبة المنفتحة مع انفتاح المسلك المعتاد إذا قلنا تنتقض الطهارة بالخارج منها وأما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 واضح الحال فالرجل مخير ان شاء اقتصر علي الماء وان شاء استعمل الاحجار أو ما في معناها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 وكذلك البكر لان البكارة تمنع من نزول الماء في الفرج واما الثيب فالغالب انها إذا بالت تعدى البول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 الي فرجها الذى هو مدخل الذكر ومخرج الولد لان ثقبة البول فوقه فيسيل إليه فان تحققت ان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 الامر كذلك لم يجزئها الا الماء وان لم تتحقق جاز لها الاقتصار على الحجر لان موضع خروج البول لا يختلف بالثيابة والبكارة وانتشار البول إلى غيره غير معلوم وحكي وجه أنه لا يجوز لها الاقتصار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 علي الحجر بحال ثم القدر المغسول من الرجل ظاهر وهو من المرأة ما يظهر إذا جلست على القدمين وفي وجه تغسل الثيب باطن فرجها كما تخلل أصابع رجليها لانه صار ظاهرا بالثيابة * أحدهما فالماء أولى لانه يزيل العين والاثر والحجر لا يزيل الا العين والله أعلم * ونختم الباب بمسألة في حال الستنجين باعتبار الذكورة والانوثة فنقول لا فرق بين الخنثى المشكل وبين واضح الحال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 في الاستنجاء من الغائط وأما في البول فليس للمشكل أن يقتصر على الحجر إذا بال من مسلكيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 أو احداهما لان كل واحد منهما إذا أفرد بالنظر احتمل أن يكون زائدا فسبيل النجاسة الخارجة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 منه سبيل دم الفصد والحاجة نعم يجئ في مسلكيه الخلاف الذى نذكره في جواز الاقتصار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 على الحجر في الثقبة المنفتحة مع انفتاح المسلك المعتاد إذا قلنا تنتقض الطهارة بالخارج منها وأما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 واضح الحال فالرجل مخير ان شاء اقتصر علي الماء وان شاء استعمل الاحجار أو ما في معناها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 وكذلك البكر لان البكارة تمنع من نزول الماء في الفرج واما الثيب فالغالب انها إذا بالت تعدى البول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 الي فرجها الذى هو مدخل الذكر ومخرج الولد لان ثقبة البول فوقه فيسيل إليه فان تحققت ان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 الامر كذلك لم يجزئها الا الماء وان لم تتحقق جاز لها الاقتصار على الحجر لان موضع خروج البول لا يختلف بالثيابة والبكارة وانتشار البول إلى غيره غير معلوم وحكي وجه أنه لا يجوز لها الاقتصار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 علي الحجر بحال ثم القدر المغسول من الرجل ظاهر وهو من المرأة ما يظهر إذا جلست على القدمين وفي وجه تغسل الثيب باطن فرجها كما تخلل أصابع رجليها لانه صار ظاهرا بالثيابة * أحدهما فالماء أولى لانه يزيل العين والاثر والحجر لا يزيل الا العين والله أعلم * ونختم الباب بمسألة في حال الستنجين باعتبار الذكورة والانوثة فنقول لا فرق بين الخنثى المشكل وبين واضح الحال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 في الاستنجاء من الغائط وأما في البول فليس للمشكل أن يقتصر على الحجر إذا بال من مسلكيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 أو احداهما لان كل واحد منهما إذا أفرد بالنظر احتمل أن يكون زائدا فسبيل النجاسة الخارجة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 منه سبيل دم الفصد والحاجة نعم يجئ في مسلكيه الخلاف الذى نذكره في جواز الاقتصار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 على الحجر في الثقبة المنفتحة مع انفتاح المسلك المعتاد إذا قلنا تنتقض الطهارة بالخارج منها وأما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 واضح الحال فالرجل مخير ان شاء اقتصر علي الماء وان شاء استعمل الاحجار أو ما في معناها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 وكذلك البكر لان البكارة تمنع من نزول الماء في الفرج واما الثيب فالغالب انها إذا بالت تعدى البول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 الي فرجها الذى هو مدخل الذكر ومخرج الولد لان ثقبة البول فوقه فيسيل إليه فان تحققت ان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 الامر كذلك لم يجزئها الا الماء وان لم تتحقق جاز لها الاقتصار على الحجر لان موضع خروج البول لا يختلف بالثيابة والبكارة وانتشار البول إلى غيره غير معلوم وحكي وجه أنه لا يجوز لها الاقتصار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 علي الحجر بحال ثم القدر المغسول من الرجل ظاهر وهو من المرأة ما يظهر إذا جلست على القدمين وفي وجه تغسل الثيب باطن فرجها كما تخلل أصابع رجليها لانه صار ظاهرا بالثيابة * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 فتح العزيز - عبد الكريم الرافعي ج 2 فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 2 الجزء: 2 فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ..الجزء الثاني دار الفكر بسم الله الرحمن الرحيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1 [قال * (الباب الثالث في الاحداث وفيه فصلان الاول في أسبابها) * [ولا تنتقض الطهارة بالفصد (ح) والحجامة (ح) والقهقهة (ح) في الصلاة وغيرها وأكل ما مسته النار (و) ] * الحديث يقع علي الحالة الموجبه للوضوء والحالة الموجبة للغسل ألا ترى أنه يقال هذا حدث أصغر وذا حدث أكبر لكن إذا أطلق مجردا عن الوصف بالصغر والكبر كان المراد منه الاصغر غالبا وهو الذي اراده في هذا الموضوع ثم له سبب وأثر فجعل كلام الباب في فصلين أحدهما في الاسباب والثاني في الاثار وتكلم أو لا فيما ليس من أسباب الحدث عندنا واشتهر خلاف العلماء ايانا فيه فمن ذلك الفصد والحجامة وكل خارج من غير السبيلين لا ينقض الطهارة خلافا لابي حنيفة حيث قال كل نجاسة خارجة من البدن تنقض الوضوء كالدم إذا سال والقي إذا ملا الفم وبه قال احمد الا أنه لا يقول بالانتقاض إذا كان الدم قطرة أو قطرتين: لنا ما روى أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم (احتجم وصلي ولم يتوضأ ولم يزد علي غسل محاجمه) وروى مثل مذهبنا عن عبد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 2 [الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن ابي أوفى وأبي هريرة وجابر بن عبد الله وعائشة رضي الله عنهم ومنها القهقهة فلا تنقض الوضوء سواء وجدت في الصلاة أو في غيرها وعند ابي حنيفة القهقهة في الصلاة تنقض الوضوء الا في صلاة الجنازة لنا ما روى عن جابر رضي الله عنه أنه صلى] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 [الله عليه وسلم قال (الضحك ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء) ومنها أكل ما مسته النار فلا يؤثر في انتقاض الطهارة وقال أحمد تنتقض الطهارة باكل لحم الجزور وحكي ابن القاص عن القديم] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 [قولا مثله لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (توضؤا من لحوم الابل ولا تتوضؤا من لحوم الغنم) لنا ما روى عن جابر قال كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 (ترك الوضوء مما مسته النار) قال (وانما ينتقض بامور أربعة الاول خروج الخارج من احد السبيلين ريحا كان أو عينا نادرا كان أو معتادا طاهرا كان أو نجسا) نواقض الوضوء عندنا أربعة أحدها خروج الخارج من أحد السبيلين يدل عليه الاجماع والنصوص] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 [كقوله تعالي (أو جاء أحد منكم من الغائط) وقوله صلى الله عليه وسلم في المذى (ينضح فرجه بالماء ويتوضأ وضوءه للصلاة) ولا فرق بين العين والريح قال صلى الله عليه وسلم] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 [ (لا وضوء الا من صوت أو ريح) وقد يفرض خروج الريح من القبل في النساء ومن الاحليل أيضا لا درة وغيرها فينقض الطهارة أيضا خلافا لابي حنيفة: لنا القياس على الدبر ولك] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 [ان تعلم قوله ريحا بالحاء اشارة إلى هذا الخلاف وإذا كان الخارج عينا فلا فرق بين أن يكون معتادا أو نادرا كالدود والحصا خلافا لمالك في النادر الا في دم الاستحاضة: لنا القياس على المعتاد بعلة أنه خارج من السبيلين وظاهر ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (الوضوء مما خرج) ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 [ونحو ذلك وأما قوله طاهرا أو نجسا فقد يتوهم أن المراد من الطاهر المنى وليس كذلك بل المراد منه الدود والحصا وسائر ما هو طاهر العين وأما المنى فلا يوجب خروجه الحدث وانما يوجب الجنابة ولا يغتر بتعميم الائمة القول في ان الخارج من السبيلين ناقض للطهارة فان هذا ظاهر يعارضه نصهم في تصوير الجنابة المجردة عن الحدث على أن من أنزل بمجرد النظر أو بالاحتلام قاعدا فهو جنب غير محدث وحكى في البيان عن القاضى ابي الطيب أن خروج المني يوجب الحدثين جميعا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 [الاصغر لانه خارج من السبيلين والاكبر لانه منى والمذهب المشهور هو الاول فالشئ مهما أوجب أعظم الاثرين بخصوصه لا يوجب أهونها بعمومه كزني المحصن لما أوجبت أعظم الحدين لانه زني المحصن لا يوجب أدناهما لانه زني ولا يخفى ان المراد من قوله خروج الخارج من السبيلين هو الخروج من أيهما كان ولا يشترط في الانتقاض الخروج من كليهما وكل ما ذكرناه فيمن هو واضح الحال في أمر الذكورة والانوثة أما المشكل فان خرج الخارج من فرجيه جميعا فهو محدث لان أحدهما أصلى وان خرج من أحدهما فالحكم كما لو خرج من واضح الحال خارج من ثقبة انفتحت تحت المعدة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 [مع انفتاح السبيل المعتاد وسيأتي حكمه * قال [وفى معناه ثقبة انفتحت تحت المعدة مع انسداد المسلك المعتاد فان كان فوق المعدة أو تحتها لكن مع انفتاح المسلك المعتاد فقولان فان قلنا ينتقض فلو كان الخارج نادرا فقولان وفى جواز الاقتصار فيه على الحجر ثلاثة أوجه يفرق في الثالث بين المعتاد وغيره وكذا في انتقاض الطهر بمسه وفى وجوب الغسل بالايلاج فيه وفى حل النظر إليه تردد] لو انسد السبيل المعتاد وانفتحت ثقبة تحت المعدة نظر ان خرج منها النجاسة المعتادة وهى البول والعذرة انتقض الطهر لان الانسان لابد له في مطرد العادة من منفذ يخرج منه الفضلات التى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 [تدفعها الطبيعة فإذا انسد ذلك قام ما انفتح مقامه وان خرج غيرها كالدود والحصا والدم والريح ففيه قولان أحدهما لا ينتقص به الوضوء لان غير الفرج انما يقام مقامه لضرورة أن الانسان لابد له من منفذ تنفصل فيه الفضلات المعتادة التى تخرج لا محالة ولا ضرورة في خروج غير المعتاد وأظهرهما أنه ينتقض لانه منفذ تنتقض الطهارة بالمعتاد إذا خرج منه فكذلك بغيره كالفرج الاصلى ولوافتحت الثقبة فوق المعدة وقد انسد السبيل المعتاد أو تحت المعدة والمعتاد منفتح فهل تنتقض الطهارة بالخارج المعتاد منها في الصورتين: فيه قولان أصحهما لا: أما في الصورة الاولى فلان ما يخرج من فوق المعدة أو من حيث يحاذبها لا يكون مما احالته الطبيعة لان ما تحيله تلقيه إلى الاسفل فهو إذا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 [بالقئ أشبه: وأما في الثانية فلان غير الفرج انما يعطي حكمه لضرورة ان الانسان لابد له من مسلك فيقام المنفتح عند انسداد المعتاد مقامه ولا انسداد: والثاني ينتقض لان الخارج النجاسة المعتادة ولا يضر في أن تتحول الثقبة التي تنفصل فيها الفضلات إلى مكان أعلى أو أسفل وهاتان الصورتان هما المجوعتان في قوله فان كان فوق المعدة أو تحتها ولكن مع انفتاح المسلك المعتاد المعنى فان كان فوق المعتاد مع الانسداد أو تحتها ولكن مع الانفتاح فان قلنا لا تنتقض الطهارة نخروج المعتاد في الصورتين فلا كلام وان قلنا تنتقض فهل تنتقض بخروج النادر فيه القولان المذكوران في خروج النادر من ثقبة تحت المعدة مع انسداد السبيل المعتاد وان انتفى المعنيان فلم يكن المعتاد منسدا ولا المنفتح تحت المعدة فلا انتقاض كالقئ والرعاف ونحوهما ومتى حكمنا بالانتقاض فيتفرع عليه] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 [فروع (احدها) هل يجوز الاقتصار في الخارج منه على الاحجار وما في معناها أم تتعين الازالة بالماء حكي صاحب الكتاب فيه ثلاثة أوجه أظهرها أنه يتعين الماء لانه نادر والاقتصار على الحجر خارج عن القياس فلا يكون في معني السبيلين وثانيها يجوز الاقتصار عليه لانه منفذ ألحق بالسبيلين في كون الخارج منه ناقضا للطهارة فكذلك في جواز الاقتصار على الحجر وثاليثها يفرق بين أن يكون الخارج النجاسة المعتادة فيجوز بين أن تكون غيرها فلا لانضمام ندرة الخارج إلى ندرة المخرج وحكي امام الحرمين بدل الوجوه اقوالا وهو والامام الغزالي قدس الله روحهما مسبوقان بهذا الاختلاف لان القاضى أبا القاسم بن كج حكي في المسألة قولين وهما الاول والثاني وحكاهما أبو على صاحب الافصاح وجهين وكذلك روى الصيدلاني الثاني هل تنتقض الطهارة بمسه فيه وجهان أحدهما نعم لانه التحق بالفرج في انتقاض الطهارة بالخارج منه فكذلك في حكم الانتقاض بمسه وأصحهما لا لانه لا يقع مسه في مظنة الشهوة ولانه ليس بفرج حقيقة فلا ينتاوله النصوص الواردة في مس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 [الفرج وحينئذ وجب ان يحكم ببقاء الطهارة (الثالث) إذا أولج فيه هل يجب الغسل فيه وجهان لا يخفى توجيههما مما ذكرنا (الرابع) هل يحل النظر إليه فيه هذان الوجهان وموضع الوجهين ما إذا كان فوق السرة أما إذا كان تحتها لا يحل النظر إليه لا محالة ولو كان بحيث يحاذي السرة جري الوجهان] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 [كما لو كان فوقها لان الصحيح أن السرة ليست من العورة والظاهر أنه لا يثبت شىء من الاحكام قال إمام الحرمين والتردد في هذه الاحكام علي بعده لا يتعدى أحكام الاحداث فلا يثبت في الايلاج فيه شئ من أحكام الوطئ سوى ما ذكرناه في وجوب الغسل نعم كان شيخي يتردد في حل النظر وهو قريب هذا كلامه: ورأيت لابي عبد الله الحناطي طرد التردد في ايجاب المهر وسائر أحكام الوطئ والله أعلم * قال: [الثاني زوال العقل باغماء أو جنون أو سكر أو نوم كل ذلك ينقض الطهارة الا النوم قاعدا ممكنا مقعده من الارض] زوال العقل يفرض بطريقين احدهما غير النوم كالجنون والاغماء والسكر فينتقض الوضوء بكل حال لان النوم ناقض على ما سيأتي وانما كان كذلك لانه قد يخرج منه الخارج من غير شعوره] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 [به ومعلوم أن الذهول عند هذه الاسباب أبلغ والسكر الذى ينقض الوضوء هو الذى لا يبقى معه الشعور دون أوائل النشوة وحكى في التتمة وجها ضعيفا أن السكر لا ينقض الوضوء أصلا والثاني النوم وانما نحصل حقيقته إذا استرخي البدن وزال الاستشعار وخفى عليه كلام من يتكلم عنده وليس في معناه النعاس وحديث النفس وهو من نواقض الوضوء في الجملة لما روى انه صلى الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 [عليه وسلم قال (العينان وكاء السه فإذا نام العينان استطلق الوكاء فمن نام فليتوضأ) وروى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 أنه صلى الله عليه وسلم قال (من استجمع نوما فعليه الوضوء) وتفصيله بأن يقال النوم اما أن يكون في غير الصلاة وفي الصلاة: ان كان في غير الصلاة فنظر ان نام قاعدا ممكنا مقعده من مقره فلا ينتقض وضوءه لانه يأمن استطلاق الوكاء إذا نام على هذه الحالة وقد روى أن أصحاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 [رسول الله صلى الله عليه وسلم (كانو ينتظرون العشاء فينامون قعودا ثم يصلون ولا يتوضئون) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 [وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا وضوء على من نام قاعدا انما الوضوء على من نام مضطجعا) فان من نام مضطجعا استرخت مفاصله ولا فرق بين أن يكون مستندا أو غيره مستند بعد أن يكون المقعد متمكنا من الارض ولا بين أن يكون السناد بحيث لوسل لسقط وبين أن لا يكون كذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 [وعن الشيخ أبي محمد أنه ان كان بحيث لو سل لسقط بطل الوضوء وان نام على غير هيئة العقود بالصفة المذكورة بطل الوضوء سواء كان مضطجعا أو مستلقيا أو قائما أو على هيئة الساجدين أو الراكعين وفى قول لا ينتقض الوضوء بالنوم على أي هيئة كانت من هيآت المصلين عند الاختيار وان لم يكن في الصلاة وبه قال أبو حنيفة لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا وضوء على من نام قائما أو راكعا أو ساجدا) لكن أئمة الحديث ضعفوه فعلى هذين القولين لا ينحصر الاستثناء في حالة العقود على خلاف ما ذكره صاحب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 [الكتاب وعن الشافعي رضى الله عنه قول آخر أن تلك الحالة أيضا لا تستثنى بل النوم في عينه حدث لاطلاق ما سبق من الاخبار وكما في سائر الاحداث لا فرق فيها بين حالتى العقود وغيرها والى هذا القول صار المزني: وعن مالك أنه ان نام جالسا قليلا لم ينتقض وضوءه وان نام كثيرا انتقض هذا كله إذا كان في غير الصلاة أما إذا كان في الصلاة فقولان القديم أنه لا ينتقض] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 [وضوئه لما روي أنه صلى الله عليه وسلم (قال إذا نام العبد في صلاته باهى الله به ملائكته يقول انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده ساجد بين يدى) والجديد أن حكمه كما لو كان خارج الصلاة لما سبق من الاخبار وللقياس علي سائر الاحداث ولان النوم انما أثر لانه قد يخرج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 [منه الشئ من غير شعوره به وهذا المعني لا يختلف بين أن يكون في الصلاة أو خارج الصلاة وإذا عرفت ما ذكرنا عرفت أن قوله أو سكر ينبغى أن يكون معلما بالواو وكلمة الاستثناء من قوله الا النوم قاعدا بالقاف والزاى اشارة الي القول الذى حكينا أن عين النوم حدث واليه ذهب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 [المزني فانه لااستثناء علي ذلك القول وقوله وكذا النوم قاعدا بالميم لما ذكرنا من مذهب مالك وكذلك ينبغى أن يكون قوله كل ذلك ينقض الطهر معلما بالقاف اشارة إلى القول المنقول في النوم قائما أنه لا ينقض وفى النوم علي هيئات المصلين وكذلك في النوم في الصلاة فانها مستثناة أيضا علي هذه الاقوال] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 [قال الثالث لمس بشرة المرأة الكبيرة الاجنبية ناقض للطهارته (م ح) فان كانت محرما أو صغيرة أو ميتة أو مس شعرها أو ظفرها أو عضوا مبانا منها ففى الكل خلاف وفى الملموس قولان واللمس سهوا أو عمدا سواء (وم) اللمس من نواقض الوضوء خلافا لابي حنيفة الا في المباشرة الفاحشة وهى أن يضع الفرج على الفرج مع الانتشار ولمالك وأحمد فانهما اعتبر الشهوة في كونه ناقضا هذه رواية عن أحمد وعنه روايتان أخريان أحداهما مثل مذهبنا والاخرى مثل مذهب ابى حنيفة: لنا قوله تعالى (أو لمستم النساء) عطف اللمس علي المجئ من الغائط ورتب عليهما الامر بالتيمم عند فقدان الماء فدل على كونه حدثنا كالمجئ من الغائط والمراد من اللمس الجس باليد كذلك روي عن ابن عمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 [رضى الله عنهما وغيرهم ثم ينظر ان وجد اللمس من الرجل بالصفات المذكورة في الكتاب وهى أن يلمس بشرة المرأة الكبيرة الاجنبية فتنقض طهارته: فان قيل الشرط في الانتقاض ان لا يكون بينهما حائل ولم يتعرض له: قلنا في قوله لمس بشرة المرأة ما يفيد ذلك لانه إذا كن بينهما حائل فلا يقال لمس ولا مس ولهذا لو حلف أن لا يمس امرأة فمسها من وراء حائل قال الاصحاب لا يحنث وان فقد شئ من الصفات التي ذكرها نظر ان لمس غير البشرة كالشعر والظفر والسن ففيه] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 [وجهان أحدهما ينتقض وضوءه كسائر أجزاء البدن ولهذا يسوى بين الكل في الحل والحرمة واضافة الطلاق وأصحهما لا ينتقض لان الا لتذاذ بهذه الاشياء انما يكون بالنظر دون اللمس أو معظم الالتذاذ فيها بالنظر: وان كان الملموس عضوامبانا منها ففيه وجهان أحدهما أنه كالمتصل الا ترى ان مس الذكر المقطوع كمس الذكر المتصل على الصحيح واصحهما انه لا ينتقض لان اللمس حدث لظاهر الآية وفهم من جهة المعني اعتبار الوقوع في مظنة الشهوة وان لم يعتبر نفس الشهوة ولمس المبان ليس في مظنة الشهوة ولايقال لمن لمسه لمس امرأة بخلاف من مس الذكر المبان فانه قد مس الذكر وان لمس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 [صغيرة والمراد التى لم تبلغ حد الشهوة ففيه وجهان أحدهما نعم لظاهر الآية وأصحهما لا لانه ليس في مظنة الشهوة فصار كلمس الرجل الرجل ومنهم من يقول في المسألة قولان كما في المحرم وان لمس محرما فقولان: أحدهما ان حكمها حكم الاجنبيات في اللمس لعموم الآية: وأصحهما لا لانها ليست في مظنة الشهوه بالاضافة إليه ولا فرق بين محرمية النسب والرضاع والمصاهرة في اطراد القولين وان لمس ميتة ففيه وجهان ايضا ينظر في أحدهما إلى عموم اللفظ وفى الثاني إلى أن لمسها ليس في مظنة الشهوة والظاهر الاول كما يجب الغسل بالايلاج فيها ولم يذكر مسألة الميتة في الوسيط وإذا عرفت ما ذكرناه تبين لك أن الخلاف الذى ابهمه في قوله ففى الكل خلاف قولان في مسألة المحرم ووجهان في سائر المسائل وهذا مما ينبغي أن يعتني به محصل هذا الكتاب فانه كثيرا ما يرسل ذكر الخلاف والتردد في مسائل يعطف بعضها على بعض وهو قول في بعضها ووجه في البعض فينبغي أن يضبط ثم كما ينتقض وضوء الرجل إذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 [لمس بهذه الشرائط ينتقض وضوء المرأة إذا لمست هذه الشرائط وفى الملموس قولان أصحهما أنه ينتقض وضوءه أيضا لاستوائهما في اللذة كما أن الفاعل والمفعول يستويان في حكم الجماع والثاني لا ينتقض لما روى عن عائشة رضى الله عنها قالت (أصابت يدى أخمص قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة فلما فرغ من صلاته قال أتاك شيطانك) ولو انتقض طهر الملموس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 [لما أتم الصلاة ثم حكي قولان في أن الملموس من هو أحدهما أن الملموسة هي المرأة وان وجد فعل اللمس منها والرجل لامس والثاني وهو الاصح المشهور أن اللامس من وجد منه فعل اللمس رجلا كان أو امرأة والملموس الآخر ويخرج مما ذكرناه قول أن المرأة لا ينتقض وضوءها وان لمست وإن نفى المصنف في الوسيط أن يكون في الانتقاض خلاف ثم لافرق بيين أن يتفق اللمس عمدا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 [أو سهوا كسائر الاحداث ولا بين أن يكون بشهوة أو بغير شهوة وحكي وجه أن اللمس انما ينقض الوضوء إذا وقع قصدا وكان تخصيص اللمس بالذكر في الكتاب انما كان لمكان هذا الوجه والا فسائر الاحداث ايضا عمدها وسهوها سواء لكن أبا عبد الله الحناطى روى في مس الذكر ناسيا وجهين أيضا وحكي في اللمس أن ابن سريج ذهب إلى اعتبار الشهوة كما صار إليه مالك قال وحكي ذلك عن الشافعي رضي الله عنه أيضا ولمس العجوز كغيرها ولمس العضو الاشل والزائد كلمس الصحيح والاصلي وفى الصور الثلاث وجه آخر * الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 (قال) [الرابع مس الذكر ببطن الكف ناقض (خ ز) للوضوء وكذا مس فرج المرأة وكذامس حلقة الدبر (م) على الجديد وكذا مس فرج البهيمة على القديم وكذا فرج الميت (و) والصغير (م) وكذا محل الجب (و) وفى الذكر المبان وجهان وفى المس برؤوس الاصابع وجهان وبما بين الاصابع لا ينقض علي الصحيح] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 [مس الذكر ناقض للوضوء خلافا لابي حنيفة ومالك فان حكم المس عندهما علي ما ذكرنا في اللمس: لنا حديث بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من مس ذكره فليتوضأ) ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 [وانما ينتقض الوضوء إذا مس بالكف والمراد بالكف الراحة وبطون الاصابع وقال أحمد تنتق ظالطهارة سواء مس بظهر الكف أو ببطنها: لنا أن الاخبار الواردة في الباب جرى في بعضها لفظ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 [المس وفى بعضها لفظ الافضاء ومعلوم أن المراد منهما واحد والافضاء في اللغة المس ببطن الكف ولو مس ببطن أصبع زائدة نظران كانت على استواء الاصابع فهي كالاصلية على أصح الوجهين وان لم تكن علي استواء الاصابع فلا في أصح الوجهين ولو كانت له كفان فان كانتا عاملتين أو غير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 [عاملتين فبأيتهما مس انتقض الوضوء وان كانت احداهما عاملة دون الاخرى انتقض بالمس بالعاملة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 [دون الاخرى ذكره القاضى الروياني وصاحب التهذيب وحكي بعضهم خلافا في اليد الزائدة مطلقا واليد الشلاء كالصحيحة في أصح الوجهين وكذا الذكر الاشل كالصحيح وحكم فرج المرأة في] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 [المس حكم الذكر لما روى عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضأون) قالت عائشة بابي وأمى هذا للرجال أفرأيت النساء قال (إذا مست احداكن فرجها فلتتوضأ) وفى حلقة الدبر وهى ملتقى المنفذ قولان قال] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 [في القديم لا ينتقض الوضوء بمسه وبه قال مالك لان الاخبار وردت في القبل وهو الذى يفضى بمسه إذا كان على سبيل الشهوة إلى خروج المذي وغيره فاقيم مسه مقام خروج الخارج بخلاف الدبر] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 [وقال في الجديد ينتقض لانه فرج فينتقض الوضوء بمسه لقوله صلى الله عليه وسلم (ويل للذين يسمون فروجهم ولا يتوضؤون) وبالقياس على القبل ومن الاصحاب من جزم بما قاله في الجديد وففى الخلاف فيه وعن أحمد روايتن كالقولين وفى فرج البهيمة قولان حكي عن القديم أن مسه] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 [كمس فرج الآدمى لظاهر قوله (من مس الفراج الوضوء) ولان فرج البهيمة كفرج الآدمى في الايلاج فكذلك في حكم المس وهذا القول في القبل دون الدبر فان دبر الآدمى لا يلحق علي القديم بالقبل فمن غيره أولى: وقال في الجديد لاأثر لمسه كما لا يجب ستره ولا يحرم النظر إليه ولا يتعلق به ختان ولا استنجاء ولان لمس إناث البهائم ليس بحدث فكذلك مس فروجها وقطع بعضهم بما قاله في الجديد: وفى مس فرج الميت ذكرا كان أو أنثى وجهان: أصحهما وهو المذكور في الكتاب أنه كفرج الحى لشمول الاسم وبقاء الحرمة: والثاني لاأثر لمسه لزوال الحياة وخروج لمسه عن] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 [مظنة الشهوة: وفى فرج الصغيرة وجهان أصحهما أنه كفرج الكبير لما ذكرنا: والثاني لا لما روى أنه صلى الله عليه وسلم مس زبيبة الحسن أو الحسين ولم يرو أنه توضأ: ومس محل الجب من المجبوب هل يؤثر فيه وجهان أصحهما نعم لان مسه مظنة خروج الخارج منه فأشبه الشاخص:] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 [والثانى لا: لانه مس محل الذكر دون الذكر وقد حكي عن القفال أن الوجهين مرتبان على أحد أصلين: أما مس حلقة الدبر فان قلنا انه لا يوثر فهذا أولى وان قلنا يوثر فهمنا وجهان لان اللحقة طاهرة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 [بأصل الخلقة وهذا قد طهر بعارض: وأما مس الثقبة المنفتحة مع انسداد المسلك المعتاد فيه وجهان سبق ذكرهما وعلى هذا فالانتقاض ههنا أولي لانه أصلي والوجهان في المسألة فيما إذا لم يبق شئ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 [شاخص أصلا فان بقى شئ فلا خلاف في أن مسه ناقض: وفى الذكر المبان وجهان أصحهما أنه كالمتصل لشمول الاسم له: والثاني لا لخروج لمسه عن مظنة الشهوة: ولعلك تقول رجح الائمة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 [من الخلاف في مسائل اللمس الوجه الناظر إلى وقوعه في محل الشهوة ومظنتها حتى قالوا لا تنقض الطهارة بلمس المحرم والصغيرة على الاصح وههنا عكسوا ذلك فقالوا الاصح الانتقاض بمس فرج الميت والصغير ولم يعتبروا الشهرة فما الفرق * فالجواب أن اللمس والمس متقاربان في أمر الشهوة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 [وحصول الخلاف إذا وقعا في غير مظنة الشهوة إلا أن الشافعي رضي الله عنه آنظر في اللمس الي شئ آخر إذا كان الممسوس فرج الغير وهو أنه بالمس هاتك حرمة الممسوس فرجه فحكم بانتقاض وضوئه منعاله عن ذلك ولهذا لم يحكم بانتقاض طهارة الممسوس فرجه لانه لاهتك منه بخلاف الملموس حيث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 [انتقض طهره على أظهر القولين لشمول معنى الشهوة وكان الهتك أرجح المعنيين عند الشافعي رضي الله عنه والنظر إليه أولى ألاتراه علل في مس فرج البهيمة لا يوجب حدثا فقال لانه لاحرمة لها ولا تعبد عليها والله أعلم * وهذه المسائل كلها في المس ببطن الكف: أما لو مس يرؤوس الاصابع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 [ففيه وجهان: أحدهما أن المس بها كالمس بالراحة لانها من جنس بشرة الكف ويعتاد المس بها بالشهوة وغيرها: وأظهرهما أنه لا يؤثر المس بها لانها خارجة عن سمت الكف ولا يعتمد على المس بها وحدها من أراد معرفة ما يعرف باللمس من اللين والخشونة وغيرهما وفيما بين الاصابع أيضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 [وجهان وعدم الانتقاض فيه أظهر وقد نقلوه عن نص الشافعي رضي الله عنه واطبقوا على ترجيحه: وأما في رؤوس الاصابع فمنهم من رجح القول بالانتقاض وكأنه لهذا التفاوت صرح بأن الصحيح عدم الانتقاض في المسألة الثانية وسكت عن الترجيح والتصحيح في الاولى والمعني برأس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 [الاصبع موضع الاستواء بعد المنحرف الذى يلي الكف فأنه من الكف بلا خلاف ثم من يقول بأن المس برأس الاصبع ناقض بقول باطن الكف ما بين الاظفار والزنداي في الطول ومن يقول انه غير ناقض يقول باطن الكف هو القدر المنطبق إذا وضعت احدى اليدين على الاخرى مع تحامل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 [يسير والتقييد بقولنا مع تحامل يسير ليدخل فيه المنحرف الذي ذكرناه وطرف الكف وهو حرف اليد على الوجهين في رؤس الاصابع * قال [وإذا مس الخنثى من نفسه أحد فرجيه لم ينتقض لاحتمال أن الممسوس زائد وان مس رجل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 [ذكره أو امرأة فرجه انتقض إذ لا يخلو عن مس أو لمس وان مس رجل فرجه أو امرأة ذكره لم ينتقض لاحتمال أنه زائد ولو ان خنثيين مس احدهما من صاحبه الفرج ومس الآخر الذكر فقد انتقض طهارة أحدهما لا بعينه ولكن تصح صلاة كل واحد منهما وحده لان بقاء لههارته ممكن] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 ما سبق من المسائل فيما إذا اتفق المس ولم يكن في الماس ولا في الممسوس إشكال في حكم الذكورة والانوثة فان كان ففيه مسائل أحداها ان مس الخنثي المشكل فرج واضح فالحكم على ما سبق وان مس فرج نفسه نظر ان مس فرجيه جميعا انتقض وضوءه لانه ان كان رجلا فقد مس ذكره وان كانت امرأة فقدمست فرجها وان مس أحدهما لم ينتقض وضوءه لانه ان مس الذكر فيجوز أن يكون أنثى وهو سلعة زائدة وان مس الآخر فيجوز أن يكون رجلا وهو ثقبة زائدة وان مس أحدهما وصلى الصبح مثلا ثم توضأ ومس الآخر وصلى الظهر ففى المسألة وجهان احدهما انه يقضيهما جميعا لان احدى صلايته واقعة مع الحدث واظهرهما انه لا يقضي واحدة منهما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 [لان كل صلاة مفردة بحكمها وقد بنى كل واحدة على ظن صحيح فصار كما لو صلى صلاتين إلى جهتين باجتهادين وان مس احدهما وصلى الصبح ثم مس الآخر وصلى الظهر من غير وضوء بينهما أعاد الظهر لانه محدث عندها ومضت الصبح على الصحة: الثانية لو مس الواضح فرج مشكل نظر ان مس رجل ذكره انتقض وضوءه لانه ان كان رجلا فقد مس الذكر وان كانت امرأة فقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 [لمس امرأة وان مست امرأة فرجه انتقض وضوءها ايضا لمثل هذا المعنى وهذا إذا لم يكن بين الخنثى والماس محرمية وغيرها مما يمنع لمسه عن ان ينتقض به الوضوء فان كان فلا انتقاض وان مس الرجل فرجه لم ينتقض وضوءه لاحتمال ان يكون رجلا والممسوس ثقبة زائدة وان مست المرأة ذكره فكذلك لا ينتقض وضوءها لاحتمال ان يكون الخنثى امرأة والممسوس سلعة زائدة والضابط ان الواضح إذا مس منه ماله انتقض وضوءه فان مس ما ليس له فلا: ثم إذا حكمنا بانتقاض طهارة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 [الواضح فلا نقول الخنثى ملموس حتى يعود في انتقاض طهارته القولان بل هو ممسوس حتى لاتنتقض طهارته طرحاللشك واستضحابا للطهارة: والثالثة لو مس مشكل فرج مشكل آخر نظر ان مس فرجيه جميعا انتقض وضوءه كما لو مسهما من نفسه وكذلك لو مس ذكر مشكل وفرج مشكل آخر ينتقض وضوءه أيضا لكن ههنا ينتقض لعلة المس أو اللمس وان مس أحد فرجيه لاغير لم ينتقض وضوءه لاحتمال كونه عضوا زائدا ولو مس أحد المشكلين فرج الآخر ومس الآخر ذكر الاول انتقض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 [طهارة أحدهما لا بعينه لانهما ان كانا رجلين فقد أحدث ماس الذكر وان كانتا امرأتين فقد احدثت ماسة الفرج وان كان أحدهما رجلا والآخر امرأة فقد احدثا جميعا بسبب اللمس فإذا طهارة أحدهما باطلة لا محالة لكنه غير متعين وما من واجد منهما أفردناه بالنظر الا والحدث في حقه مشكوك فيه فنستصحب يقين الطهارة ولا نمنع واحدا منهما عن الصلاة ونظائر ذلك لاتخفى وأما قوله في الكتاب في هذه المسألة ولكن تصح صلاة كل واحد منهما وحده ففى كلمة وحده أشكال لان المفهوم منه ان لكل واحد منهما ان يصلى منفردا ويمتنع ان يقتدى بالآخر كما نقول إذا اختلف اجتهاد اثنين في انانين مشتبهين صلى كل واحد منهما وحده يريد به ما ذكرنا لكن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 [اقتداء الخنثى بالخنثى ممتنع علي الاطلاق فأن معنى التقييد في هذه المسألة ان كلمة وحده يشبه ان يكون من سبق القلم لاعن قصد وتعمد لانه في الوسيط لم يتعرض لذلك وانما قال لكن تصح صلاتهما ويأخذ كل واحد منهما باحتمال الصحة وان اتي بها عن قصد فقد ذكر بعضهم ان فائدة التقييد انه لاتجزى صلاة واحد منهما خلف الآخر قطعا وان بان بعد الفراغ كون الامام رجلا بخلاف ماذا اقتدى الخثنى بالخنثى في غير هذه الصورة ثم بان بعد الفراغ كون الامام رجلا فان في وجوب القضاء قولين والله أعلم * الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 [قال واليقين لا يرفع بالشك (م) لا في الطهارة ولا في الحدث وان تيقن انه بعد طلوع الشمس توضأ وأحدث ولم يدر أيهما سبق اسند الوهم إلى ما قبله فان انتهى إلى الحدث فهو الآن متطهر لانه تيقن طهرا بعده وشك في الحدث بعد الطهر وان انتهى إلى الطهر فهو الآن محدث وقيل انه يستصحب ما قبل الحالتين ويتعارض الظنان] [من القواعد التى ينبني عليها كثير من الاحكام الشرعية استصحاب اليقين والاعراض عن الشك والاصل فيه ما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 [ (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه اخرج منه شئ أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) وروى انه صلى الله عليه وسلم قال (ان الشيطان ليأتي أحدكم فينفخ بين اليتيه ويقول أحدثت أحدثت فلا ينصرفن حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) ولا فرق عندنا بين ان يتيقن الطهارة ويشك في الحدث بعده أو يتقن الحدث ويشك في الطهارة بعده بل يستصحب اليقين في الحالتين خلافا لمالك حيث قال إذا استيقن الطهارة وشك في الحدث أخذ بالحدث احتياطا وتوضأ إذا كان خارج الصلاة وان كان في الصلاة سلم انه يمضيى في صلاته وما رويناه من الخبر حجة عليه لانه مطلق وحكي في التتمة وجها عن بعض الاصحاب يوافق مذهب] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 [مالك ومن نظائر الشك في عروض الحدث ما إذا نام قاعدا ثم تمايل وانتبه ولم يدر أيهما سبق فلا ينتقض وضوءه بخلاف ما إذا عرف أن الانتباه كان بعد التمايل يلزمه الوضوء ومنها ما إذا شك في أنه لمس الشعر أو البشرة إذا قلنا انه لا أثر للمس الشعر ومنها ما إذا مس الخنثى فرجيه مرتين وشك في ان الممسوس ثانيا هو الممسوس أولا أو الفرج الآخر ومنها ما لو شك في ان ما عرض له رؤيا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 [أو حديث نفس فلا يلزمه الوضوء في شئ منها وكذلك القول في الشك في الحدث الاكبر وهذا كله إذا عرف سبق الطهارة اما إذا لم يعرف ذلك بان تيقن انه بعد طلوع الشمس توضأ وأحدث ولم يدر أيهما سبق وانه الآن علي ماذا ففى المسألة وجهان أصحها قال صاحب التلخيص والاكثرون] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 [يؤمر باسناد الوهم الي ما قبل طلوع الشمس وتذكر ما كان عليه من الطهارة والحدث فان تذكر انه كان محدثا فهو الآن علي الطهارة لانه تيقن الطهارة بعد ذلك الحدث وشك في تأخر الحدث المعلوم بعد الطلوع عن تلك الطهارة وان تذكر انه كان متطهرا فهو الان محدث لانه تيقن حدثا بعد تلك الطهارة وشك في تأخر الطهارة عن ذلك الحدث ومن الجائز سبقها علي الحدث وتوالى الطهارتين وهذا إذا كان الشخص ممن يعتاد تجديد الطهارة فان لم يكن التجديد من عادته فالظاهر ان طهارته بعد الحدث فيكون الآن متطهرا وان لم يتذكر ما قبلها فلا بعد من] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 الوضوء لتعارض الاحنمالين من غير ترجيح ولا سبيل الي الصلاة مع التردد المحض في الطهارة ومنهم من قال يؤمر بالتذكر لكنه ان تذكر الحدث قبل الطلوع فهو الآن محدث أيضا وان تذكر الطهارة فهو الآن متطهر لان ما يذكره من قبل معلوم فيستصحب ويتعارض الظنان الطارآن بعده لتقابل الاحتمالين والوجه الثاني انه لا نظر إلى ما قبل الطلوع ويؤمر بالوضوء بكل حال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 [اخذا بالاحتياط ثم نتكلم في قوله واليقين لا يرفع بالشك في ابتداء هذا الفصل من ثلاثة أوجه أحدها قد يتوهم أن هذا الكلام متصل بآخر مسألة الخنثيين وهو قوله لان بقاء طهارته ممكن ولا شك انه صالح لذلك لكنه لم يقصد تذنيب المسألة به وانما أراد افتتاح قاعدة مقصودة في نفسها وايراده في الوسيط يوضح ذلك ثم لا يخفى تخريج مسألة الخنثيين علي هذه القاعدة: الثاني لا نعني بقولنا اليقين لا يرفع ولا يترك بالشك يقينا حاضرا فان الطهارة والحدث نقيضان ومهما شككنا في أحد النقيضين فمحال ان نتيقن الآخر ولكن المراد أن اليقين الذي كان لا يترك حكمه بالشك بل يستصحب لان الاصل في الشئ الدوام والاستمرار فهو في الحقيقة عمل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 [بالظن وطرح للشك: الثالث المشهور من معني الشك الرتدد في طرفي وجود الشئ وعدمه بصفة التساوى فإذا حدث له هذا التردد في الحدث بعد تيقن الطهارة أو في الطهارة بعد تيقن الحدث لم يلتفت إليه واستصحب ما كان: وهذا الحكم لا يختص بالشك في طرف الحدث بل لو كان الحادث ظن الحدث بعد تيقن الطهارة فهو كالشك في انه يجوز له الصلاة استصحابا ليقين الطهارة لكن لو ظن الطهارة بعد الحدث لم يستصحب حكم الحدث بل له أن يصلى بالظن فإذا حكم الشك واحد في الطرفين وحكم الظن في الحدث بخلاف حكمه في الطهارة * قال [قاعدة تنكشف حال الخنثي بثلاث طرق: أحدها خروج خارج من الفرجين فان بال بفرج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 [الرجال أو أمنى فرجل وان بال بفرج النساء أوحاض فامرأة وان بال بفرج الرجال وحاض بفرج النساء قيل التعويل على المبال لانه أدوم وقيل مشكل: (الثانية) نبات اللحية ونهود الثدى فيه خلاف والاظهر ان لا عبرة بهما كما لا عبرة بتأخر النبات والنهود عن أو انهما: (الثالثة) ان يراجع الشخص ليحكم بمبله فإذا اخبر لا يقبل رجوعه الا ان يكذبه الحس بأن يقول أنا رجل ثم ولدت ولدا] [لما تكلم في صور مس الخنثي أراد ان يبين ما ينكشف به حال الخنثي فذكر له طرقا منها خروج الخارج من أحد الفرجين وذلك على قسمين أحدها خارج لا يوجب الغسل وهو البول فإذا بال بفرج الرجال فرجل وان بال بفرج النساء فامرأة لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 [ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذى له ما للرجال وما للنساء (يورث من حيث يبول) وهذا بشرط ان يكون له ما يشبه آلة الرجال وما يشبه آلة النساء ويكون بوله من أحدهما فأما إذا لم يكونا له وهو يبول من ثقبة أو كانا له لكنه لا يبول بهما فلا دلالة في بوله ولو بال بهما جميعا ففيه وجهان أحدهما أن دلالة البول قد سقطت وأصحهما ان ما يختص بسبق الخروج أو تأخر الانقطاع فالحكم له فان وجد أحد المعنيين في أحدهما والآخر في الثاني فالاخذ بسبق الخروج] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 [أولى وان فقد المعينان فيهما سقطت دلالة البول ولا حكم للكثرة ولا للتزريق والترشيش في أصح الوجهين: والثاني ان الحكم للاكثر وانه ان زرق بهما فرجل وان رشش فامرأة وان زرق بهذا ورشش بذلك فحينئذ تسقط دلالة البول: والقسم الثاني خارج موجب للغسل كالحيض والمني فإذا أمنى بفرج الرجال فرجل وان أمنى بفرج النساء أو حاض فامرأة وذلك بشرطين أحدهما ان ينفصل في وقت امكان خروج المني والحيض: والثاني أن يتكرر خروجه ليتأكد الظن ولا يتوهم] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 [كونه اتفافيا ولو أمنى من الفرجين جميعا فوجهان أحدهما أنه تسقط هذه الدلالة ويستمر الاشكال وأصحهما انه لو أمنى منهما على صفة منى الرجال يكون رجلا ولو أمنى منهما على صفة منى النساء يكون امرأة لان الظاهر أن المنى الموصوف بصفة منى الرجال ينفصل من الرجال وكذلك ما هو بصفة منى النساء ينفصل من النساء نعم لو أمنى من فرج الرجال على صفة منى النساء أو من فرج النساء على صفة منى الرجال أو أمنى من فرج الرجال على صفة منيهم ومن فرج النساء على صفة منيهن يستمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 [الاشكال ومن هذا القسم خروج الولد فيفيد القطع بالانوثة حتى يترجح على ما يعارضه من الامارات اما لو تعارض البول مع الحيض أو مع المنى ففيه وجهان أحدهما أنه يحكم بمقتضي البول لانه دائم متكرر فيكون أقوى دلالة وأصحهما أن يستمر الاشكال ويتساقطان ومنها نبات اللحية ونهود الثدى وفيهما وجهان أحدهما أن نبات اللحية يدل على الذكورة ونهود الثدى على الانوثة لان اللحى انما تكون للرجال غالبا وتدلى الثديين للنساء غالبا فيستدل بهما على الذكورة والانوثة وأظهرهما أنه لا عبرة بهما لانه لا خلاف أن عدم نبات اللحية في وقته لا يقتضي الانوثة وعدم تدلي الثديين في وقته لا يقتضى الذكورة ولو جاز الاستدلال بنبات اللحية على الذكورة لجاز الاستدلال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 [بعدمه على الانوثة لان الغالب من حال من لا يلتحى في وقته الانوثة كما ان الغالب من حال من يلتحى الذكورة وأجرى بعضهم الوجهين في نزول اللبن ايضا وذهب بعض الاصحاب إلى انه تعد أضلاع الخنثى من جانبيه فان نقص عددها من الجانب الايسر فهو دليل الذكورة وان تساوى عددها من الجانبين فهو دليل الانوثة وظاهر المذهب انه لا عبرة بذلك والتفاوت بين الرجل والمرأة في عدد الاضلاع غير معلوم ولا مسلم ومنها ان يراجع الخنثى فان قال أميل الي الرجال استدللنا على الانوثة وان قال أميل إلى النساء استدللنا به على الذكورة لان الله تعالي أجرى العادة بميل الرجال الي النساء والنساء إلى الرجال بالطبع وهذا إذا عجزنا عن الامارات السابقة والا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 [فالحكم لها لانها محسوسة معلومة الوجود وقيام الميل غير معلوم فانه ربما يكذب في إخباره ومن شرط الاعتماد على إخباره وقوعه بعد العقل والبلوغ كسائر الروايات والاخبار ومن الاصحاب من قال يكفى وقوعه في سن التمييز كالحضانة يخير فيها الصبى بين الابوين في سن التمييز والمذهب الاول لان اختبار الخنثى لازم فلا حكم له قبل البلوغ كالمولود إذا تداعاة اثنان لا يصح انتسابه قبل البلوغ والاختيار في الحضانة ليس بلازم ثم يتعلق بفصل الاختيار (فروع) أحدها إذا بلغ وهو يجد من نفسه أحد الميلين يجب عليه ان يخبر عنه فان أخر عصى * الثاني لا يخبر بالتشهى فانه غير مخير ولكن يخبر عما يجده من ميله الجبلي: * الثالث لو زعم انه لا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 [يميل الي الرجال ولا الى النساء أو أنه يميل اليهما جميعا استمر الاشكال: الرابع اخبر عن أحد الميلين لزمه ولا يقبل رجوعه بعد ذلك لاعترافه بموجبه نعم لو وجدت الدلالة القاطعة بعد اخباره عن الذكورة وهى الولادة غيرنا الحكم لانا تيقنا خلاف ما ظنناه وكذا لو ظهر حمل بعده تبين بطلان اخباره كما لو حكمنا بشئ من الدلائل الظاهرة ثم ظهر به حمل بطل ذلك وقد ذكر هذا الفرع في الكتاب لكن للمتأمل وقفة عند قوله فإذا اخبر لا يقبل رجوعه الا إذا كذبه الحس لان ظاهر الاستثناء يقتضي قبول الرجوع عند الولادة وإذا ولدت فلا عبرة بالرجوع ولا معنى له بل يبطل الحكم السابق سواء وجد الرجوع أم لا وكأنه أراد أنه لا يقبل رجوعه ويجرى عليه حكم قوله الاول الا ان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 يكذبه الحس بالولادة فالاستثناء يرجع إلى أجزاء حكم القول الاول عليه لا إلى عدم قبول الرجوع وكذلك أورد امام الحرمين رحمه الله هذا اللفظة: الخامس ذكرنا ان الاختيار انما يرجع إليه عند فقد الامارات الظاهرة فلو رجعنا إليه لفقدها ثم وجد بعض تلك الامارات يجوز ان يقال لا نبالي به ونستصحب الحكم الاول الا ان توجد دلالة قاطعة: وهذا قضية قوله الا ان يكذبه الحس إذا قدرنا عود الاستثناء إلى ما بيناه ويجوز ان يقال يعدل إلى الامارة الظاهرة ويحكم بها كما إذا تداعى اثنان مولودا ولم يكن قائف فانتسب بعد البلوغ واختار ثم وجدنا القائف تقدم القيافة على اختياره والله أعلم] * الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 [قال (الفصل الثاني في حكم الحدث: وهو المنع من الصلاة ومس المصحف وحمله ويستوى (ح) في المس الجلد والحواشي ومحل الكتابة وفى مس الخريطة والصندوق (ح) والعلاقة وتقليب الاراق بقضيب وحمل صندوق فيه أمتعة سوى المصحف خلاف ولا يحرم مس كتب التفسير والفقه والدراهم المنقوشة الا ما كتب للدراسة كلوح الصبيان (و) والاصح انه لا يجب على المعلم تكليف الصبي المميز الطهارة لمس اللوح والمصحف] * المحدث ممنوع من الصلاة قال صلى الله عليه وسلم (لاصلاة الا بطهارة) وكذلك من] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 [الطواف قال صلى الله عليه وسلم (الطواف بالبيت صلاة الا ان الله سبحانه وتعالى أباح فيه الكلام) ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 [وسجدة الشكر والتلاوة كالصلاة في ان المحدث ممنوع منهما ويحرم عليه أيضا مس المصحف وحمله قال] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 [الله تعالى (لا يمسه الا المطهرون) وروى انه صلي الله عليه وسلم قال لحكيم بن حزام (لا تمس المصحف الا طاهرا) وروى أنه قال (لاتحمل المصحف ولا تمسه الا طاهرا) ثم فيه] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 [مسائل احداها إذا كان المصحف مجلدا فهل يحرم مس الجلد كمس الموضع المكتوب فيه وجهان أصحهما وهو الذى ذكره في اكتاب نعم لانه كالجزء من المصحف الا ترى أنه لو باعه دخل الجلد فيه: والثاني لا لانه ظرف ووعاء لما كتب عليه القرآن فصار كالكيس والجراب الذى فيه المصحف: الثانية لا فرق في حكم المس بين موضع الكتابة وبين الحواشي والبياض في خلال السطور لان اسم المصحف يقع على جميع ذلك وقوعا واحدا: الثالثة في مس الخريطة والصندوق والعلاقة وجهان إذا كان المصحف فيها أظهرهما انه يحرم لانها متخذة للقرآن منسوبة إليه فإذا اشتملت على القرآن اقتضي التعظيم ان لا يمس الا على الطهارة: والثاني لا لان الظواهر واردة في المصحف وهذه الاشياء غير المصحف وهذا الخلاف قريب من الاخلاف في الجلد ولذلك جمع بعض الاصحاب] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 [بينهما جميعا وحكي فيهما الوجهين ومنهم من جزم بالجواز في غير الجلد وخصص الخلاف بالجلد ومنهم من جزم بالمنع في الجلد وخصص الخلاف بما سواه وكلامه في الكتاب أوفق لهذه الطريقة أو هو هي وفى كتب أصحابنا عن أبي حنيفة أنه يجوز للمحدث مس غير المكتوب من الحواشى وظهر المصحف وغيرهما: نعم لا يجوز ذلك للجنب والحائض: وعنه أيضا انه يجوز للمحدث الحمل والمس مطلقا ولايجوز للجنب والحائض: وعنه أيضا أنه يجوز له حمل المصحف بعلاقته وبه قال أحمد وحكي بعضهم عن مالك أنه يجوز له حمل المصحف ومسه من غير طهارة والمشهور ان هذا قول داود ولا يخفى موضع العلامة من هذه الاختلافات: الرابعة لو وضع المصحف بين يديه وهو] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 يقلب أوراقه بقضيب وغيره ويقرأ منه هل يجوز فيه وجهان: أحدهما نعم لانه لم يحمل المصحف ولا مسه فقد حافظ على شرط التعظيم وأصحهما أنه لا يجوز لانه حمل بعض المصحف مقصود افان الورقة بحمله تنتقل من جانب إلى جانب: الخامسة المنع من الحمل حيث كان المصحف هو المقصود بالحمل فأما إذا حمل صندوقا فيه ثياب وأمتعة سواه ففيه وجهان: أحدهما انه لا يجوز لانه حامل للمصحف وحكم الحمل لا يختلف بين ان يكون هو المحمول أو يكون محمولا مع غيره الا ترى أنه لو حمل نجاسة في صلاته لم تصح صلاته سواء حملها وحدها أو مع غيرها وأصحهما الجواز لان المنع من الحمل المخل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 [بالتعظيم والاجلال ويفارق حمل الصندوق والخريطة فان ذلك تبع للمصحف وهنا بخلافه: السادسة المصحف مكتوب لدراسة القرآن منه فحكمه في المس والحمل ما ذكرنا: وفى لوح الصبيان وجهان أصحهما هو الذى ذكره في الكتاب انه في معنى المصحف لانه أثبت فيه القرآن للتعلم منه ولدراسته: والثاني لا لانه لا يقصد باثباته الدوام بل هو كالمسودة التى تتخذ وسيلة ولا يعتنى بها: وأما ما اثبت فيه شئ من القرآن لا للدراسة كالدراهم الاحدية والعمامة المطرزة بآيات القرآن والحيطان المنقوشة به وكتب الفقه والاصول والتفسير ففيه وجهان: أحدهما انها كالمصحف في حرمة المس] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 [والحمل تعظيما للقرآن: وأصحهما أنه لامنع لما روى انه صلى الله عليه وسلم كتب كتابا إلى هرقل وكان فيه (تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) الآية ولم يأمر الحامل بالمحافظة على الطهارة ولان هذه الاشياء لا يقصد باثبات القرآن فيها قراءته فلا تجرى عليها احكام القرآن ولهذا يجوز هدم الجدار المنقوش عليه وأكل الطعام وهذا الوجه هو المذكور في الكتاب وذهب بعض الاصحاب إلى تفصيل في الكتب فقال ان كان القرآن اكثر حرم المس والحمل والا فوجهان ذكروا ذلك في كتاب التفسير ولاشك في ان غيره في معناه ومنهم من قال ان كتب القرآن بخط غليظ والتفسير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 [بخط دقيق وميز بينهما حرم الحمل وان كان الكل بخط واحد فوجهان (السابعة) كل ما ذكرناه في العاقل البالغ: أما الصبي المميز هل يجب علي الولي والمعلم منعه من مس المصحف وحمله إذا كان محدثا فيه وجهان: أحدها نعم لان البالغ انما يمنع منه تعظيما للقرآن والصبي أنقص حالا منه فأولي ان يمنع وأصحهما لا لان تكليفهم استصحاب الطهارة مما يعظم فيه المشقة والوجهان جاريان في اللوح أيضا وفيه تكلم في الكتاب وهو بناء على ان اللوح حكمه حكم المصحف كما تقدم هذه مسائل الكتاب] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 [ونختمها بفروع: الاول كتابة القرآن على الشئ الموضوع بين يديه من غير مس ولا حمل جائز للمحدث في أصح الوجهين: الثاني لا يحرم مس التوراة والانجيل وحملهما في أصح الوجهين وكذا حكم ما نسخ من القرآن: الثالث حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلحق بالقرآن فيما نحن فيه لكن الاولى ان يكون على الوضوء إذا مسه] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 قال [الباب الرابع في الغسل: وموجبه الحيض والنفاس والموت والولادة وان كانت ذات جفاف على الاظهر] * عد موجبات الغسل أربعة: يشتمل هذا الفصل على ثلاثة منها: أحدها الحيض قال الله تعالى (ولا تقربوهن حتى يطهرن) ثم وجوبه بخروج الدم أو بانقطاعه فيه ثلاثة أوجه: أحدها بخروجه كما يجب الوضوء بخروج البول والغسل بخروج المني: وثانيها بالانقطاع لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش (إذا اقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي) علق الاغتسال بادبار الدم: وثالثها وهو الا ظهران الخروج] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 [يوجب الغسل عند الانقطاع كما يقال الوطئ يوجب العدة عند الطلاق والنكاح يوجب الارث عند الموت وكذلك نقول في البول والمني خروجهما يوجب الغسل والوضوء عند الانقطاع بل عند القيام الي الصلاة والنفاس كالحيض في الغسل ومعظم الاحكام: الثاني الموت يوجب غسل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 [الميت على ما سيأتي في الجنائز: ولك ان تقول الغسل اما أن يكون مفسرا بما سوى النية وهو غسل الاعضاء أو يكون مفشرا به مع النية والاول ضعيف فان النية عندنا من جملة الغسل ولولا ذلك لعد نجاسة جميع البدن ونجاسة موضع منه اشبه بالباقي من موجبات الغسل وقد امتنع صاحب الكتاب ومعظم الائمة منه فتعين الثاني وحينئذ: اما أن يكون المعتبر مطلق النية أو النية من صاحب الاعضاء] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 [المغسولة فان كان الثاني لم ينتظم عد الموت من موجبات الغسل وكان اطلاق الغسل في الميت بمعنى آخر وان كان الاول فغسل الميت انما يكون من هذه الجملة إذا كانت النية معتبرة فيه من جهة الغاسل ولنا في ذلك وجهان يأتي ذكرهما في باب الجنائز: الثالث الولادة فلو ولدت ولم تر بللا ولا دما] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 [ففى وجوب الغسل عليها وجهان أحدهما لا يجب لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (الماء من الماء) فانه ينفى وجوب الغسل بغير الانزال خالفنا في الاسباب المتفق عليها فيتمسك به فيما عداها وأظهرهما الوجوب لانه لا يخلو عن بلل وان قل غالبا فيقام الولد مقامه كالنوم يقام مقام الخروج لمقارنته اياه غالبا ولانه يجب الغسل بخروج الماء الذى يخلق الولد منه فبخروج الولد أولى ويجرى الوجهان في القاء العلقة والمضغة * الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 [قال والجنابة وحصولها بالتقاء الختانين أو بايلاج قدر الحشفة من مقطوع الحشفة في أي فرج كان من غير المأتي أوميت (ح) ويخروج المنى: وخواص صفاته ثلاثة: رائحة الطلع والتدفق بدفعات والتلذذ بخروجه فلو خرج على لون الدم لاستكثار الوقاع وجب الغسل لبقية الصفات وكذلك لو خرج (ح م) بغير شهوة لمرض أو خرج بقيته بعد الغسل حصلت (م) الجنابة إذا بقيت رائحة الطلع ولو انتبه ولم ير الا الثخانة والبياض فيحتمل ان يكون وديا فلا يلزمه الغسل والمرأة إذا تلذذت بخروج ماء منها لزمها الغسل وكذا إذا اغتسلت وخرج منها منى الرجل بعده فانه لا ينفك عن مائها] * الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 [السبب الرابع الجنابة ولها طريقان: أحدهما التقاء الختانين: قالت عائشة رضى الله عنها (إذا التقى الختانان وجب الغسل) فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا وفسر الشافعي رضى الله عنه التقاء الختانين فقال المراد منه تحاذيهما لاتضامهما فان التضام غير ممكن لان مدخل الذكر في أسفل الفرج وهو مخرج الولد والحيض وموضع الختان في أعلاه وبينهما ثقبة البول وشفرا المرأة يحيطان بها جميعا وإذا كان كذلك كان التضام متعذر لما بينهما من الفاصل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 وههنا شبهة وهى ان يقال ان كان موضع ختان المرأة من حيز الداخل بحيث لا يصل إليه شئ من الحشفة فالقول بتعذر التضام واضح لكن لو كان بحيث إذا أحاط الشفران باول الحشفة لاقى شئ من الحشفة ذلك الموضع كان التضام ممكنا فلعل المراد من الخبر ذلك والله أعلم: ثم موضع الختان غير معتبر بعينه لا في الذكر ولا في المحل اما في الذكر فمقطوع الحشفة إذا غيب مقدار الحشفة لزمه الغسل فانه في معنى الحشفة ومعلوم ان ما سفل من الحشفة ليس موضع ختان لكن تغييب قدر الحشفة معتبر فلو غيب البعض لم يجب الغسل لان التحاذى لا يحصل به غالبا وحكى القاضي ابن كج ان تغييب بعض] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 [الحشفة كتغييب الكل وروى وجه ان تغييب قدر الحشفة في مقطوع الحشفة لا يوجب الجنابة وانما الموجب تغييب جميع الباقي إذا كان مثل الحشفة أو أكثر واما في المحل فلان المحل الذى هو موضع الختان قبل المرأة وكما يجب الغسل بالايلاج فيه يجب الغسل بالايلاج في غيره كالاتيان في غير المأتي وهو الدبر يجب الغسل به على الفاعل والمفعول وكذا فرج البهيمة خلافا لابي حنيفة لنا انه جماع في الفرج فاشبه فرج الادمى بل ايجاب الغسل ههنا أولى لانه أحق بالتغليظ ولا فرق بين اليلاج في فرج الميت والايلاج في فرج الحي وخالف أبو حنيفة في فرج الميت وكذا قال في الصغيرة التى لا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 [تشتهي: لنا انه التقى الختانان فيجب الغسل ثم كما يجب الغسل بالايلاج في فرج الميت والبهيمة يجب علي من غاب في فرجه فرجهما ولا يجب اعادة غسل الميت بسبب الايلاج فيه على أظهر الوجهين وإذا عرفت ما ذكرنا فانظر في لفظ الكتاب واعلم انه انما عقب قوله بالتقاء الختانين بقوله أو ايلاج قدر الحشفة في أي فرج كان لما بينا ان التقاء الختانين غير معنى بعينه والايلاج في كل فرج في معناه ولو اقتصر على قوله والجنابة وحصولها بايلاج قدر الحشفة في أي فرج كان حصل الغرض ودخل فيه التقاء الختانين الا ان التقاء الختانين هو الاصل الذى ورد فيه الخبر فقدمه ثم بين ان كل جماع في معناه وفى قوله قدر الحشفة اشارة الي ما سبق ان المرعى مقدار الحشفة لا عينها: وليكن معلما بالواو للخلاف الذى حكيناه ثم قوله أو ايلاج قدر الحشفة يتناول ظاهره ما إذا لف خرقة على ذكره وأولج وكذلك التقاء الختانين لان المراد منه التحاذى فهل هو كذلك أم لا تحصل الجنابة حينئذ فيه ثلاثة أوجه أظهرها أنه تحصل الجنابة لما سبق من حديث عائشة رضى الله عنها وروى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 [انها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا التقى الختانان وجب الغسل) والالتقاء ينظم هذه الصورة ولا يخلو عن قضاء شهوة أيضا: والثانى لا يحصل لان اللذة انما تكمل عند ارتفاع الحجاب: والثالث أنه ان كان الخرقة لينة حصلت الجنابة والا فلا لان اللينة لا تمنع حصول اللذة بخلاف الخشنة والخشنة هي التى تمنع وصول بلل الفرج إلى الذكر ووصول الحرارة من أحدهما إلى الآخر واللينة مالا تمنع وكل هذا فيما إذا جرى الايلاج وهما واضحا الحل أما إذا كان مشكلين] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 [وأولج أحدهما في فرج الآخر فلا جنابة ولا حدث لجواز كونهما امرأتين أو رجلين وكذا لو أولج كل واحد منهما في فرج الآخر وان أولج كل واحد منهما في دبر الآخر فلا جنابة أيضا لجواز كونهما امرأتين ولكن بالنزع يحدثان لان خروج الخارج من السبيلين ينقض الوضوء وان أولج أحدهما في دبر الآخر انتقض وضوء المولج في دبره لهذا المعنى وان أولج أحدهما في فرج الآخر وأولج الآخر في دبر الاول فلا جنابة أيضا لاحتمال كونهما امرأتين لكنهما على هذا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 [التقدير يحدثان بالنزع لخروج الخارج من قبل أحدهما ودبر الثاني وعلي غير هذا التقدير هما جنبان فيحكم بثبوت أدني الحدثين ولو كان الاشكال في الفاعل وحده فلا جنابة أيضا سواء أولج في فرج بهيمة أو امرأة لجواز كونه امرأة وينتقض وضوء المرأة بالنزع وان أولج في دبر رجل فلا جنابة أيضا لكن يحدثان لان بتقدير الذكورة هما جنبان وبتقدير الانوثة قد لمس الخنثى وخرج من دبر الرجل شئ وهما من نواقض الوضوء فيثبت أدني الحدثين ولو كان الاشكال في المفعول وحده فالايلاج في دبره كهو في دبر غيره والايلاج في فرجه لا يوجب جنابة ولا حدثا لجواز كونه رجلا ولو أولج رجل في فرج مشكل والمشكل في فرج امرأة فالمشكل جنب لانه جامع أو جومع والرجل والمرأة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 [لا يجنبان لكن ينتقض وضوء المرأة بالنزع: الطريق الثاني للجنابة خروج المني فهو موجب للغسل للاجماع ولقوله صلى الله عليه وسلم (الماء من الماء) ولافرق بين ان يخرج منه من الطريق المعتاد أو من غيره مثل ان يخرج من ثقبة في الصلب أو في الخصية كذلك ذكره صاحب التهذيب وغيره وهو ظاهر ما ذكره في الكتاب وقال في التتمة حكمه في الجنابة حكم النجاسة المعتادة إذا خرجت من منفذ غير السبيلين فيعود فيه التفصيل والخلاف المذكور ثم ويجوز ان يكون الصلب ههنا بمثابة المعدة ثم فقد قيل يخرج المنى من الصلب ثم للمني خواص ثلاث: أحداها الرائحة الشبيهة برائحة العجين والطلع مادام رطبا فإذا جف اشتبهت رائحته برائحة بياض البيض: والثانية التدفق بدفعات] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 [قال الله تعالى (من ماء دافق) : والثالثة التلذذ بخروجه واستعقابه فتور الذكر وانكسار الشهوة وله صفات أخر نحو الثخانة واليباض في منى الرجل والرقة والاصفرار في مني المرأة في حال اعتدال الطبع لكن هذه الصفات ليست من خواصه بل الودي أيضا أبيض ثخين كمنى الرجل والمذي رقيق كمنى المرأة وإذا عرفت ذلك فنقول ما ليس من خواصه لا ينفى عدمه كونه منيا ولا يقتضى وجوده كونه منيا ويوضح الطرفين بالمثال: أما الاول فلو زالت الثخانة والبياض لمرض وجب الغسل عند وجود شئ من خواصه ولو خرج على لون الدم لاستكثار الوقاع وجب الغسل أيضا اعتمادا على الصفات الخاصة به: وحكي وجه انه لا يجب الغسل ههنا لان المنى دم في الاصل فإذا خرج على] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 [لون الدم لم يقتض غسلا كسائر الدماء: واما الثاني فلو تنبه ولم ير الا الثخانة والبياض فلا غسل عليه لان الودي يشارك المنى في هاتين الصفتين فيحتمل ان يكون الخارج وديا فلا يجب الغسل بالشك بل يتخير بين ان يتوضأ ويغسل المحل الذى أصابه ذلك الخارج وبين ان يغتسل ولا يغسله على ما ذكرناه في فصل الترتيب هذا ظاهر المذهب: وقد حكينا وجها انه يلزمه الغسل فلذلك أعلم قوله في الكتاب فلا يلزمه الغسل بالواو فان قلنا بظاهر المذهب وغلب على الظن أنه مني لان الودى لا يليق بحال صاحب الواقعة أو لتذكر وقاع تخيله: قال امام الحرمين يجوز ان يقال يستصحب يقين الطهارة ويجوز ان يحمل الامر على غالب الظن تخريجا على غلبة الظن في النجاسة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 [والاحتمال الاول أوفق لكلام المعظم هذا حكم غير الخواص واما الخواص فلا يشترط اجتماعها بل الخاصة الواحدة كافية في معرفة الخارج منى فلو خرج بغير دفق وشهوة لمرض أو لحمل شئ ثقيل وجب الغسل خلافا لابي حنيفة وكذلك لمالك وأحمد رحمهما الله فيما حكاه أصحابنا: لنا ان الخارج مني لوجود خاصية الرائحة فيه فيوجب الغسل لقوله صلى الله عليه وسلم (الماء من الماء) ولو اغتسل عن الانزال ثم خرجت منه بقية وجب اغسل لوجود الرائحة سواء خرجت بعد ما بال أو قبله خلافا لمالك حيث قال في احدى الروايتين لا غسل عليه في الحالتين وفى رواية ان خرج قبل البول فهو من بقية المني الاول فلا يجب الغسل ثانيا وان خرج بعده فهو منى جديد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 [فيلزمه الغسل وخلافا لاحمد حيث قال ان خرج قبل البول وجب الغسل ثانيا وان خرج بعده فلا: وحكي عن أبي حنيفة مثله وجعل ذلك بناء على المسألة الاولى وهى اعتبار الدفق والشهوة لان ما خرج قبل البول بقية ما خرج لشهوة وما خرج بعد البول خرج بغير شهوة لنا ما سبق وقياس احدى الحالتين على الاخرى وقول من قال الخارج بعد البول منى جديد ممنوع بل هو بقية الاول بكل حال والله أعلم * ولا فرق في خروج المنى بين الرجال والنساء في حكم الغسل: روى ان أم سليم جاءت] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 [الي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقالت ان الله لا يستحي من الحق هل على المراة من غسل إذا هي احتلمت قال نعم إذا رأت الماء) وقوله في الاصل والمرأة إذا تلذذت بخروج ماء منها لزمها الغسل يشعر بان طريق معرفة المنى في حقها الشهوة والتلذذ لاغير: وقد صرح به في الوسيط فقال ولا يعرف في حقها الا من الشهوة وكذلك ذكره إمام الحرمين لكن ما ذكره الاكثرون] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 [تصريحا وتعريضا التسوية بين منى الرجل والمرأة في طرد الخواص الثلاث وقد قال في التهذيب ان مني المرأة إذا خرج بشهوة أو بغير شهوة وجب الغسل كمني الرجل فإذا وجب الغسل مع انتفاء الشهوة كان الاعتماد على سائر الخواص ولو اغتسلت المرأة من الجماع ثم خرج منها المنى لزمها الغسل بشرطين: أحدهما ان تكون ذات شهوة دون الصغيرة التى لا شهوة لها: والثاني أن تقضى شهوتها] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 [بذلك الجماع لا كالنائمة والمكرهة وانما وجب الغسل عند اجتماع هذين الشرطين لانه حينئذ يغلب على الظن اختلاط منيها بمنيه فإذا خرج منها ذلك المختلط فقد خرج منها منيها: أما في الصغيرة والمكرهة والنائمة إذا خرج المني بعد الغسل لم يلزم اعادة الغسل لان الخارج منى الرجل وخروج منى الغير من الانسان لا يقتضى جنابته وصورة المسألة في الكتاب وان كانت مطلقة لكن في] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 [قوله فانه لا ينفك عن مائها ما يبين اشتراط ما ذكرنا: ويحكي وجه آخر انه لا يشترط اعادة الغسل بحال لانه لا يتيقن خروج منيها: نعم الاحتياط الاعادة: هذا تمام الكلام في طريقي الجنابة ولفظ الكتاب ظاهر في الحصر فيهما وهو الصحيح وزاد بعض الاصحاب طريقا آخر للجنابة وهو استدخال المني قالوا إذا استدخلت المرأة منيا لزمها الغسل كما يجب به العدة إذا كان الماء محترما: وينسب هذا إلى أبي زيد المروزى وعلى هذا لا يفترق الحال بين القبل والدبر والمذهب الاول لان الاستدخال غير متناول بالنصوص الواردة في الباب ولا هو في معني المنصوص عليه (خاتمة) قوله في أول الباب وموجبه الحيض والنفاس إلى آخره يقتضي حصر موجبات الغسل في الاربعة المذكورة لكن القاء المضغة والعلقة موجب على الصحيح كما سبق وهو لا يدخل في لفظ الولادة فيكون خارجا عما ذكره واختلفوا في شيئين آخرين أحدهما غسل الميت قال في القديم يجب به الغسل على الغاسل واليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 [ذهب أحمد لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (من غسل ميتا فليغتسل ومن مسه فليتوضأ) والجديد انه ليس من موجبات الغسل والحديث وان ثبت محمول على الاستحباب: والثاني زوال العقل بالجنون والاغماء: حكي بعضهم عن أبي هريرة ان زواله بالجنون يوجب الغسل: وروى آخرون وجهين في الجنون والاغماء جميعا: ووجه وجوبه ان زوال العقل يفضي إلى الانزال غالبا فاقيم مقامه كالنوم اقيم مقام خروج الخارج والمذهب المشهور أنه لا يجب به الغسل ويستصحب يقين الطهارة إلى ان يستيقن انزال: والقول بان الغالب منه الانزال ممنوع] * الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 قال [ثم حكم الجنابة حكم الحدث مع زيادة تحريم قراءة القرآن والمكث في المسجد (ز) اما العبور فلا (م ح) ثم لا فرق في القراءة بين آية (م) أو بعضها (ح) الا أن يقول بسم الله والحمد لله على قصد الذكر ولا بحل لحائض القراءة بحاجة التعليم (م) وخوف النسيان على الاصح] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 [لما فرغ من بيان موجب الجنابة ذكر حكمها: وأما حكم الحيض والنفاس فيأتي في بابهما ولا يفرض في الموت مثل هذه الاحكام فيقول كل ما يحرم بالحدث الاصغر يحرم بالجنابة بطريق الاولى لانها اغلظ ويزداد تحريم شيئين: أحدهما قراءة القرآن فيحرم على الجنب ان يقرأ شيئا من القرآن] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 [قاصدا به القرآن سواء كان آية أو بعض آية خلافا لمالك حيث جوز قراءة الآيات اليسيرة للجنب ولابي حنيفة حيث جوز له قراءة بعض الآية وبه قال أحمد في أصح الروايتين: لنا ما] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 [روى انه صلى الله عليه وسلم قال (لايقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن) وعن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 [على رضي الله عنه قال: لم يكن يحجب النبي صلى الله عليه وسلم عن القرآن شئ سوى الجنابة: ويروى يحجز: ولا يستثنى عندنا شئ من الصور الا إذا لم يجد الجنب ماء ولا تربا وصلى على حسب الحال ففي جواز قراءة الفاتحة له وجهان: أحدهما يجوز والترخيص في الصلاة ترخيص في قراءة الفاتحة إذ لا صلاة الا بفاتحة الكتاب فعلى هذا الوجة تستثنى هذه الصورة: والثاني وهو الاظهر أنه لا يجوز قراءتها كقراءة غيرها ويأتي بالذكر والتسبيح بدلا كالعاجز عن القراءة حقيقة أما إذا قرأ شيئا منه لا على قصد القرآن فيجوز كما لو قال بسم الله علي قصد التبرك والابتداء أو الحمد الله في خاتمة الامر أو قال سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين علي قصد اقامة سنة الركوب لانه إذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 [لم يقصد القرآن لم يكن فيه اخلال بالتعظيم ولو جرى علي لسانه ولم يقصد هذا ولا ذاك فلا يحرم أيضا وكما تحرم القراءة على الجنب تحرم على الحائض لما سبق من الخبر ولان حدثها اغلظ فيكون الحكم بالتحريم أولي وعن مالك انه يجوز لها قراءة القرآن ورواه أبو ثور عن أبي عبد الله فمن الاصحاب من قال أراد به مالكا ونفي ان يكون الجواز قولا للشافعي ومنهم من قال أراد الشافعي رضى الله عنه وهو قول له في القديم وهذا ما ذكره في الكتاب فقال ولا يحل للحائض القراءة لحاجة التعليم وخوف النسيان علي الاصح أي من القولين وهذه الطريقة أظهر لان الشيخ أبا محمد قال وجدت أبا ثور جمع بينهما في بعض المواضع فقال قال أبو عبد الله ومالك فثبت نقل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 [قول الجواز وتوجيهه ما أشار إليه وهو انها قد تكون معلمة فلو منعناها عن القراءة والحيض مما يعرض في كل شهر غالبا لانقطعت عن حرفتها ولان ترك القراءة يؤدى إلى النسيان لامتداد زمان الحيض بخلاف الجنابة فانه يمكن ازالتها في الحال وهذا القول يجرى في النفساء أيضا: الثاني المكث] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 [في المسجد وهو حرام علي الجنب: روى انه صلى الله عليه وسلم قال (لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) ولا يحرم العبور قال الله تعالى (ولا جنبا إلا عابرى سبيل) والمعنى الفارق بين المكث والعبور في المسجد لا قربة فيه وفى المكث قربة الاعتكاف فمنع منه الجنب ثم قد يعذر في المكث عند الضرورة كما لو نام في المسجد فاحتلم ولم يمكن الخروج لاغلاق الباب أو] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 [الخوف من العسس أو غيره علي النفس أو المال وليتيمم في هذه الحالة تطهير أو تخفيفا للحدث بقدر الامكان وهذا إذا وجد ترابا غير تراب المسجد ولا يتيمم بترابه لكن لو تيمم به صح والعبور وان لم يكن حراما فهو مكروه إلا لغرض كما إذا كان المسجد طريقه إلى مقصده أو كان أقرب الطريقين إليه ولا فرق في الجواز بين ان يكون له سبيل آخر إلى مقصده وبين ان لا يكون وفى وجه انما يجوز إذا لم يجد طريقا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 [سواه وليس له ان يتردد في اكناف المسجد فان التردد في غير جهة الخروج كالمكث وليكن قوله والمكث في المسجد معلما بالالف لان عند أحمد يجوز للجنب المكث إذا توضأ وبالزاء لان عند المزني في الرواية المشهورة يجوز له المكث مطلقا: وقوله اما العبور فلا معلما بالحاء والميم لان عندهما لا يجوز له العبور أيضا الا ان يحتلم في المسجد فله ان يعبر في الخروج ولا يكلف قصد] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 [الباب الاقرب * قال [وفضل ماء الجنب والحائض طهور ولا بأس للجنب ان يجامع ويأكل ويشرب ولكن يستحب له ان يتوضأ وضوءه للصلاة ويغسل فرجه عند الجماع] * في الفصل مسألتان: أحداهما فضل ماء الجنب والحائض طهور ولا كراهية في استعماله وقال أحمد لا يجوز للرجل أن يتوضأ بفضل ما استعملته المرأة إذا خلت بالماء واستعملت بعضه: لنا ماروى] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 [عن عائشة رضى الله عنها قالت: كنت اغتسل انا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة من اناء واحد تختلف أيدينا فيه قال إمام الحرمين: لو فسر فضل الحائض والجنب بما لم يمساه من الماء فلا يتخيل امتناع استعماله والذى يتوهم فيه الخلاف ما مسه بدن الجنب والحائض] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 [على وجه لا يصير الماء به مستعملا ولهذا استدل الشافعي رضي الله عنه في الباب باخبار تدل على طهارة بدنهما: الثانية يجوز للجنب ان يجامع ثانيا وان ينام ويأكل ويشرب لكن يستحب ان لا يفعل شيئا من ذلك الا بعد غسل الفرج والوضوء كما يؤتي به للصلاة: عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد ان يأكل أو ينام وهو جنب توضأ للصلاة وروى] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 [عن عائشة كان إذا اراد ان ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة قبل ان ينام وللبخاري عن عروة عنها إذا اراد ان ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة ورواه النسائي بلفظه إلى قوله توضأ وهو أيضا من رواية الاسود: وروى ابن ابى خيثمة عن القطان قال ترك شعبة حديث الحكم في الجنب إذا أراد ان ياكل: (قلت) قد اخرجه مسلم من طريقه فلعله تركه بعد أن كان يحدث به لتفرده بذكر الاكل كما حكاه الخلال عن احمد: (وقد روى) الوضوء عند الاكل للجنب من حديث جابر عند ابن ماجه وابن خزيمة ومن حديث ام سلمة وابى هريرة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 [انه قال إذا (اتى أحدكم أهله ثم بدا له ان يعاود فليتوضأ بينهما وضوءا) والمقصود منه التنظيف ودفع الاذي واعلم ان كلامه في الكتاب يشعر بتخصيص الوضوء وغسل الفرج بالجماع أو تخصيص غسل الفرج به واستحباب الوضوء بغير الجماع لانه قال لا بأس للجنب أن يجامع وياكل ويشرب لكن يستحب له أن يتوضأ وضوءه للصلاة ويغسل فرجه عند الجماع فان كان قوله عند الجماع راجعا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 [إلى جميع ماء صفه بالاستحباب فهو تخصيص للوضوء وغسل الفرج معا بالجماع والا فهو راجع إلى غسل الفرج المذكور أخيرا وفيه تخصيص لغسل الفرج بالجماع لكن ليسا ولا واحد منهما مما يختص استحبابه بالجماع بل هما مستحبان في الاكل والشرب والنوم أيضا كذلك ذكره في التهذيب وغيره] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 [وقد روى عن عمر رضى الله عنه انه قال يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب قال (نعم إذا توضأ أحدكم فليرقد) ويروى انه قال اغسل ذكرك وتوضأ ثم نم *] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 [قال [واما كيفية الغسل فاقله النية واستيعاب البدن بالغسل ولا يجب المضمضة والاستنشاق (ح) ويجب ايصال الماء إلى منابت الشعور وان كثفت ويجب (م) نقض الضفائر ان كان لا يصل الماء إلى باطنها] * [لما فرغ من الكلام في موجبات الجنابة وأحكامها تكلم في كيفية الغسل والقول في كيفيتة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 [يتعلق بالاقل والاكمل: اما الاقل فهو شيئان أحدهما النية فهى واجبة عندنا خلافا لابي حنيفة كما في الوضوء وقد ذكرنا مسائل النية في الوضوء ونظائرها في الغسل تقاس بها فلا يجوز أن تتأخر النية عن أول الغسل المفروض كما لا يجوز ان تتأخر في الوضوء عن أول غسل الوجه وان حدثت مقارنة لاول الغسل المفروض صح الغسل لكنه لا ينال ثواب ما قبله من السنن على ما سيأتي بيانها: وان تقدمت على أول غسل مفروض وعزبت قبله فوجهان كما سبق في الوضوء ثم ان نوى رفع الجنابة أو رفع الحدث عن جميع البدن أو نوت الحائض رفع حدث الحيض صح الغسل وان نوى رفع الحدث مطلقا ولم يتعرض للجنابة ولا غيرها صح غسله أيضا على أظهر الوجهين لان الحدث عبارة عن المانع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 [عن الصلاة وغيرها على أي وجه فرض: ولو نوى رفع الحدث الاصغر فان تعمد لم يصح غسله علي أظهر الوجهين وان غلط فظن ان حدثه الاصغر لم ترتفع الجنابة عن غير أعضاء الوضوء وفى أعضاء الوضوء وجهان أحدهما لا ترتفع عنها أيضا لان الجنابة أغلظ ولم يقصد رفعها وأظهرهما انها ترتفع عن الوجه واليدين والرجلين لان غسل هذه الاعضاء واجب في الحدثين فإذا غسلها بنية غسل واجب كفى ولا يرتفع عن الرأس في أصح الوجهين لان فرض الرأس في الوضوء المسح فالذي نواه انما هو المسح والمسح لا يغني عن الغسل اما إذا نوى المغتسل استباحة فعل نظر ان كان مما يتوقف على الغسل كالصلاة والطواف وقراءة القرآن فالحكم على ما سبق في الوضوء ومن هذا القبيل ما إذا نوت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 الحائض استباحة الوطئ في أصح الوجهين: والثاني ان غسلها بهذه النية لا يصح للصلاة وما في معناها كغسل الذمية عن الحيض لتحل للزوج: وان لم يتوقف الفعل المنوي على الغسل نظر ان لم يستحب له الغسل لم تصح نيته استباحته: وان كان يستحب له الغسل كالعبور في المسجد والاذان وغسل الجمعة والعيد فالحكم على ما ذكرنا في الوضوء وان نوى الغسل المفروض أو فريضة الغسل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 [صح غسله: الثاني استيعاب جميع البدن بالغسل قال صلى الله عليه وسلم (تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وانقوا البشرة) ومن جملة البشرة ما يظهر من صماخي الاذنين وما يبدوا من الشقوق وكذا ما تحت القلفة من الاقلف وما ظهر من انف المجدوع في أظهر الوجهين وكذلك ما ظهر من الثيب بالافتضاض قدر ما يبدو عند العقود لقضاء الحاجة دون ما وراء ذلك في اظهر الوجوه لانه صار ذلك في حكم الظاهر كالشقوق: والثاني انه لا يجب غسل ما وراء ملتقى الشفرين كما لا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 [يجب غسل باطن الفم والانف: والثالث يجب عليها غسل باطن الفرج في غسل الحيض والنفاس خاصة لازالة دمهما ولا يدخل فيها باطن الانف والفم فلا تجب المضمضة والاستنشاق في الغسل عندنا خلافا لابي حنيفة وذكر امام الحرمين ان في بعض تعاليق شيخه حكاية وجه موافق لمذهب ابي حنيفة: لنا انهما لا يجبان في غسل الميت ولو وجبا في غسل الحي لوجبا في غسل الميت وايضا فلو وجب غسل باطن الفم والانف في الغسل لكانا من الوجه ولو كانا من الوجه لوجب غسلهما في الوضوء: واما الشعور فيجب ايصال الماء إلى منابتها خفت] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 [أو كثفت بخلاف الوضوء لانه يتكرر في اليوم والليلة مرارا فلو كلف ايصال الماء فيه إلى المنابت لعظمت المشقة ويجب نقض الضفائر ان كان لا يصل الماء إلى باطنها الا بالنقض: إما لاحكام] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 الشد أو للتلبد أو لغيرهما فان وصل الماء إليها بدون النقض فلا حاجة إليه: وعن مالك انه لا يجب نقض الضفائر ولا ايصال الماء الي باطن الشعور الكثيفة وما تحتها: وعن أبي حنيفة انه إذا بلغ الماء أصول الشعر فليس على المرأة نقض الضفائر: وعن أحمد ان الحائض تنقض شعرها دون الجنب: لنا الخبر الذى قدمناه ويستثنى من الشعور ما ينبت في العين فان ادخال الماء في العين لا يجب وكذلك باطن] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 [العقد التى تقع على الشعرات يسامح به وحكي القاضى الروياني وجها آخر انه يلزم قطعها قال [والاكمل ان يغسل ما على بدنه من أذى أولا ثم يتوضأ للصلاة وان لم يكن محدثا ويؤخر غسل الرجلين إلى آخر الغسل في أحد القولين ثم يتعهد معاطف بدنه ثم يفيض الماء على رأسه ثم يكرر ثلاثا ثم يدلك وان كانت حائضا تستعل فرصة من مسك أوما يقوم مقامها وماء الغسل والوضوء غير مقدر (ح) وقد يرفق بالقليل فيكفى ويخرق بالكثير فلا يكفي والرفق أولى وأحب] * الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 [كمال الغسل يجب بأمور ذكر منها ثمانية: أحدها ان يغسل ما علي بدنه من أذى أولا: ان اعترض معترض فقال الاذى المذكور اما ان يكون المراد منه الشئ القذر أو النجاسة وكيف يجوز الاول وقد فسر الشارحون قول الشافعي رضى الله عنه ثم يغسل ما به من أذى بموضع الاستنجاء إذا كان قد استنجي بالحجر وهذا تفسير له بالنجاسة وكذلك فسروا لفظ الاذى في الخبر وان كان الثاني فكيف عطف النجاسة على الاذى في الوسيط والعطف يقتضى المغايرة ثم من علي بدنه نجاسة لابد له من ازالة النجاسة أولا ليعتد بغسله ووضوئه وإذا كان كذلك كان غسل الموضع عن] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 [النجاسة من الواجبات لا من صفات الكمال (الجواب) قلنا من علي بدنه نجاسة لو اقتصر علي الاغتسال والوضوء وزالت تلك النجاسة طهر المحل وهل يرتفع الحدث وجهان حكاهما في المعتمد وغيره: فان قلنا بارتفاع الحدث أمكن عد ازالة النجاسة من جملة صفات الكمال ولعل من عده منها] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 [صار إلى ذلك الوجه: وان قلنا لا يرتفع الحدث وهو الظاهر من المذهب فالاذى المعدود ازالته من جملة صفات الكمال انما هو الشئ المستقذر: واعلم انا إذا جرينا علي ظاهر المذهب وهو انه لا يرتفع الحدث إذا كان علي بدنه نجاسة حتى يغسل النجاسة أولا ثم يغسل الموضع عن الحدث فكما لا يصح عد ازالة النجاسة من كمال الغسل لا يصح عدها من أركانه أيضا خلافا لكثير من أصحابنا حيث قالوا واجبات الغسل ثلاثة: غسل النجاسة ان كانت علي البدن والنية وايصال الماء الي الشعر والبشرة لنا انه لو كان من واجبات نفس الغسل لكان الترتيب معتبرا في أركان الغسل لاشتراط تقديم ازالة النجاسة وقد اتفقوا على انه لا ترتيب في الغسل ولان الامر في الوضوء والغسل واحد ولم يعده] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 [أحد من أركان الوضوء فإذا تقديم ازالة النجاسة شرط فيهما وشرط الشئ لا يعد من نفس ذلك الشئ كالطهارة وستر العورة لا يعدان من أفعال الصلاة وأركانها: واما من جمع بين الاذى والنجاسة وعد ازالتهما من كمال الغسل لم ينتظم ما فعله في النجاسة الا علي قولنا ان الغسلة الواحدة كافية عن الخبث والحدث جميعا ولم يتفق المفسرون لكلام الشافعي رضى الله عنه] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 [على ان المراد من الاذى النجاسة بل اختلفوا منهم من فسره بها ومنهم من فسره بالمنى ونحوه مما يستقذر: حكي هذا الخلاف القاضى أبو القاسم بن كج وغيره ولعل ذلك بحسب الاختلاف في المسألة المذكورة والله اعلم: الثاني ان يتوضأ كما يتوضأ للصلاة: روت عائشة رضى الله عنها انه صلى] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 [الله عليه وسلم كان إذا غتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها اصول شعره ثم يفيض الماء على جلده كله: واعلم ان قوله في الاصل ويتوضأ وضوءه للصلاة وان لم يكن محدثا يشعر بالطراد الاستحباب فيما إذا كان يغتسل عن الجنابة المجردة وفيما إذا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 [انضم الحدث إلى الجنابة وانما يتضح ذلك بتصوير الجنابة المجردة أولا فنقول من صور ذلك: اتيان الغلام والبهيمة يوجب الجنابة دون الحدث لفقد أسبابه الاربعة ومنها ما إذا لف خرقة على ذكره وأولج في فرج امرأة تحصل الجنابة علي قولنا ان الخرقة الحائلة لا تمنع حصول الجنابة وقد قدمنا الخلاف فيه ولا يحصل الحدث لان اللمس انما يوجب الحدث إذا لم يكن بين البشرتين حائل ومنها إذا انزل بفكر] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 [ونظر أو احتلم قاعدا ممكنا مقعده من الارض تحصل الجنابة دون الحدث علي ما سبق في باب الاحداث وألحق المسعودي بهذه الصور الجماع مطلقا وقال انه يوجب الجنابة لا غير واللمس الذى يتضمنه يصير مغمورا به كما ان خروج الخارج الذى يتضمنه الانزال يصير مغمورا به واستشهد على ما ذكره بان من جامع في الحج يلزمه بدنة وان كان متضمنا للمس ومجرد اللمس يوجب شاة وعند الاكثرين بالجماع يحصل الحدثان جميعا ولا يندفع اثر اللمس الذى يتضمنه الجماع بخلاف اندفاع اثر خروج الخارج الذى يتضمنه الانزال لان اللمس يسبق حصول حقيقة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 [الجماع فيجب ترتيب حكمه عليه وإذا تم حقيقة الجماع وجب حصول الجنابة ايضا: وفى الانزال لا يسبق خروج الخارج الانزال بل إذا نزل حصل خروج الخارج وخروج المنى وموجب خروج المنى أعظم الحدثين فيدفع حلوله حلول الاصغر معه كما سبق: وأما مسألة المحرم فممنوع على وجه وعلى التسليم ففى الفدية معنى الزجر والمؤاخذة وسبيل الجنايات اندراج المقدمات في المقاصد: الا يرى ان مقدمات الزنا لو تجردت أوجبت التعزير وإذا أفضت إلى الزنا لم يجب التعزير مع الحد: واما ههنا فالحكم منوط بصورة اللمس ولهذا لا يفرق فيه بين العمد والنسيان: وإذا عرفت ذلك فنقول] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 [ان تجردت الجنابة فالوضوء محبوب في الغسل عنها وان اجتمع الحدث والجنابة فقد حكينا في باب صفة الوضوء الخلاف في انه هل يكفيه الغسل أم يجب معه الوضوء فان اكتفينا بالغسل فالوضوء فيه محبوب كما لو كان يغتسل عن مجرد الجنابة وعلى هذا ينتظم القول باستحباب الوضوء علي الاطراد اما إذا أوجبنا معه الوضوء امتنع القول باستحبابه في الغسل ولا صائر إلى أنه يأتي بوضوء مفرد وبوضوء آخر لرعاية كمال الغسل ولا ترتيب علي هذا الوجه بين الوضوء والغسل بل يقدم منهما ما شاء ولابد من إفراد الوضوء بالنية لانها عبادة مستقلة علي هذا بخلاف ما إذا كان من محبوبات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 [الغسل فانه لا يحتاج إلى إفراده بنية: ثم الوضوء المحبوب في الغسل هل يتمه في ابتداء الغسل أم يؤخر غسل الرجلين إلى آخر الغسل: فيه قولان أظهرهما انه يتمه ويقدم غسل الرجلين مع سائر اعضاء الوضوء لما سبق من حديث عائشة فانها قدمت الوضوء على افاضة الماء والوضوء ينتظم غسل الرجلين: وثانيهما انه يؤخره إلى آخر الغسل وبه قال أبو حنيفة لان ميمونة وصفت غسل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 [رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت (ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه ثم أفاض علي سائر جسده ثم تنحى فغسل رجليه) ولا كلام في ان أصل السنة يتأدي بكل واحد من الطريقين انما الكلام في الاولى (الثالث) يتعهد من بدنه الموضع الذي فيه انعطاف والتواء كالاذنين فيأخذ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 [كفا من الماء ويضع الاذن برفق عليه ليصل إلى معاطفه وزواياه ولغضون البطن إذا كان سمينا وكذلك يفعل بمنابت الشعر فيخلل أصول الشعر ومنابته وكل ذلك قبل افاضة الماء على الرأس] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 [وانما يفعل ذلك ليكون أبعد عن الاسراف في الماء وأقرب إلى الثقة بوصول الماء (الرابع) يفيض الماء على رأسه ثم على الشق الايمن ثم علي الشق الايسر ويروى ذلك في صفة غسل رسول الله صلي الله عليه وسلم (الخامس) يكرر غسل البدن ثلاثا كما في الوضوء بل أولى لان الوضوء مبني] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 [على التخفيف فان كان ينغمس في الماء انغمس ثلاث مرات وهل يستحب تجديد الغسل: فيه وجهان أحدهما نعم كالوضوء: وأظهرهما لا لان الترغيب في التجديد انما ورد في الوضوء والغسل ليس في معناه لان موجب الوضوء أغلب وقوعا واحتمال عدم الشعور به أقرب فيكون الاحتياط فيه أتم (السادس) ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 [يدلك ما وصل إليه يده من بدنه يتبع به الماء والفائدة ما ذكرنا في التعبد: وقال مالك يجب الدلك لنا قوله صلى الله عليه وسلم (أما انا فاحثي علي رأسي ثلاث حثيات من الماء فإذا أنا قد طهرت) رتب الطهارة على افاضة الماء ولم يتعرض المدلك (السابع) إذا اغتسلت الحائض تتعهد أثر الدم] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 [بمسك أو طيب آخر بان تجعله على قطنة وتدخلها في فرجها: روى عن عائشة ان امرأة جاءت الي رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله عن الغسل من الحيض فقال خذى فرصة من مسك فتطهري] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 [بها فلم تعرف ما أراد فاجتذبتها وقلت تتبعي بها آثار الدم: والفرصة القطعة من كل شئ ذكره ثعلب] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 [ويروي خذى فرصة ممسكة قال في العربين الفرصة القطعة من الصوف والقطن فالاولى المسك فان لم تجده استعملت طيبا آخر فان لم تجد فطينا لقطع الرائحة الكريهة فان لم تجد كفي الماء والنفساء كالحائض] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 [في ذلك (الثامن) ماء الوضوء والغسل غير مقدر: قال الشافعي رضى الله عنه وقد يخرق بالكثير فلا يكفى ويرفق بالقليل فيكفى والاحب أن لا ينقص ماء الوضوء من مد وماء الغسل من صاع] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 [لما روى انه صلى الله عليه وسلم أنه كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع وروى انه قال (سيأتي أقوام يستقلون هذا فمن رغب في سنتي وتمسك بعث معى في حضيرة القدس) والصاع والمد معتبران الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 [على التقريب دون التجديد والله أعلم * وحكي بعض مشايخنا عن أبي حنيفة انه يتقدر ماء الغسل بصاع فلا يجوز أقل منه وماء الوضوء بمد وربما حكي ذلك عن محمد بن الحسن لنا ان ثبتت الرواية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 [عنهما ما روى انه صلي الله عليه وسلم توضأ بنصف مد وروى أيضا انه عليه الصلاة والسلام توضأ بثلث مد ونختم الباب بكلامين (أحدهما) انه ادخل كلمة ثم في معظم هذه الآداب وهى على حقيقتها في الترتيب الا في قوله ثم يدلك بعد قوله ثم يكرر ثلاثا فان الدلك لا يكون متأخرا عن التكرار ثلاثا بل الدلك في كل غسلة معها (الثاني) ان كمال الغسل لا ينحصر فيما ذكره بل له مندوبات أخر منها ما بيناه في فصل سنن الوضوء ومنها أن يستصحب النية إلى آخر الغسل ومنها أن لا يغتسل في الماء الراكد ومنها أن يقول في آخره أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 [قال * (كتاب التيمم) * (وفيه ثلاثة أبواب) [الباب الاول فيما يبيح التيمم وهو العجز عن استعمال الماء وللعجز أسباب سبعة: الاول فقدان الماء وللمسافر أربعة أحوال الاولى أن يتحقق عدم الماء حواليه فيتيمم من غير طلب (و) ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 [لابد من النظر في انه متى يتيمم وكيف يتيمم ولم يتيمم فجعل (الباب الاول) فيما يبيح التيمم فحينئذ يتيمم والثاني في كيفيته: والثالث في حكمه ليعرف ما يستفاد به ومالا يستفاد فانه انما يتيمم لفائدته: الباب الاول في المبيح وهو شئ واحد وهو العجز عن استعمال الماء والمراد منه أن يتعذر استعمال الماء عليه أو ينغمس للحوق ضرر ظاهر وأسباب العجز فيما ذكره سبعة (أحدها) فقد الماء قال الله تعالى (فلم تجدوا الماء فتيمموا) وللمسافر أربع احوال لانه اما أن يتيقن وجود الماء حواليه أو لا يتيقنه فان لم يتيقنه فاما أن يتيقن عدمه وهو الحالة الاولى أو لا يتيقن عدمه أيضا بل يتردد وهو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 [الثانية وان تيقنه فاما ان لا يزحمه غيره على الاخذ والاستيفاء وهو الحالة الثالثة أو يزحمه غيره عليه وهو الرابعة: الحالة الاولى أن يتحقق عدم الماء حواليه مثل أن يكون في بعض رمال البوادى فيتيمم وهل يفتقر إلى تقديم الطلب عليه فيه وجهان (أحدهما) نعم لان الله تعالى قال (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وانما يقال لم يجد إذا فقد بعد الطلب وأظهرهما وهو الذى ذكره في الكتاب انه لا حاجة الي الطلب لان الطلب مع يقين العدم عبث: وأما ذكر الاول في الاستدلال بالآية ممنوع] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 قال [الثانية: أن يتوهم وجود الماء حواليه فليتردد (ح) الرجل الي حد يلحقه غوث الرفاق فلو دخل عليه وقت صلاة أخرى ففى وجوب اعادة الطلب وجهان] إذا لم يتيقن عدم الماء حواليه بل جوز وجوده تجويزا قريبا أو بعيدا وجب تقديم الطلب على التيمم لان التيمم طهارة ضرورة ولا ضرورة مع امكان الطهارة بالماء: ويشترط أن يكون الطلب بعد دخول الوقت فحينئذ تحصل الضرورة: وهل يجب أن يطلب بنفسه أم يجوز أن ينيب غيره فيه وجهان: أظهرهما أنه يجوز الانابة حتى لو بعث النازلون واحدا ليطلب الماء أجزأ طلبه عن الكل ولا خلاف أنه لا يسقط بطلبه الطلب عمن لم يأمره ولم يأذن له فيه: وكيفية الطلب ان يبحث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 [عن رحله ان كان وحده ثم ينظر يمينا وشمالا وخلفا وقداما إذا كان في مستو من الارض ويخص مواضع الخضرة واجتماع الطيور بمزيد الاحتياط وان لم يكن الموضع مستويا واحتاج إلى التردد نظر * فان كان يخاف على نفسه وماله فلا يجب ذلك لان الخوف يبيح له الاعراض عند تيقن الماء فعند التوهم أولى وان لم يخف: وهذه الحالة هي المحكوم فيها بقوله في الكتاب فعليه أن يتردد إلى حد يلحقه غوث الرفاق وهذا الضابط مستفاد من امام الحرمين رحمه الله: قال لا نكلفه البعد عن مخيم الرفقة فرسخا أو فرسخين وان كانت الطرق آمنة: ولا نقول لا يفارق طنب الخيام فالوجه القصد أن يتردد ويطلب إلى حيث لو استغاث بالرفقة لاغاثوه مع ماهم عليه من التشاغل بالاشغال والتفاوض] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 [في الاقوال وهذا يختلف باستواء الارض واختلافها صعودا وهبوطا وهذا الضبط لا يكفى في كلام غير لكن الائمة من بعده تابعوه عليه وليس في الطرق ما يخالفه: هذا إذا كان وحده فان كان في رفقة وجب البحث عنهم أيضا إلى أن يستوعبهم أو يضيق الوقت فلا يبقى الا ما يسع لتلك الصلاة وفى وجه إلى ان: يستوعبهم أو لا يبقى من الوقت الا ما يسع ركعة وفى وجه إلى أن يستوعبهم وان خرج وقت الصلاة وإذا عرف أن معهم ماء فهل يجب استيهابه من صاحبه: فيه وجهان: أحدهما لا: لصعوبة السؤال علي أهل المروءة: والثاني وهو الاظهر نعم: لانه ليس في هبة الماء كثير منة وهذان الوجهان يخرجان على ظاهر المذهب في أنه إذا وهب منه الماء وجب عليه قبوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 [وفيه وجه نذكره من بعد: وكل ما ذكرناه فيما إذا لم يسبق تيمه تيمم آخر وطلب للماء فان اتفق ذلك واحتاج إلى التيمم مرة أخرى اما لبطلان الاول بحدث أو لفريضة أخري فائتة أو مؤداة فهل يفتقر الى اعادة الطلب نظر ان انتقل من ذلك المكان إلى مكان آخر أو اطبقت غمامة أو طلع ركب ومنا أشبه ذلك مما يظن عنده حصول الماء وجب الطلب كما في التيمم الاول نعم كل موضع تيقن بالطلب أنه لا ماء فيه ولم يجوز بالسبب الذي حدث حصوله فيه لم يحتج إلى البحث والطلب في ذلك الموضع على ظاهر المذهب كما سبق: وان لم ينتقل عن ذلك الموضع ولم يحدث شئ يوهم حصول الماء فان تيقن بالطلب الاول أن لا ماء ثم فعلي ما ذكرنا في حالة يقين العدم: وان لم يتيقنه بل غلب على ظنه العدم فوجهان: أحدهما أنه لا يحتاج الي اعادة الطلب لانه لو كان ثم ماء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 [لظفر به بالطلب الاول ظاهرا: وأظهرهما أنه يجب الطلب ثانيا لانه قد يطلع على بئر خفيت عليه أو يجد من يدله علي الماء لكن يجعل الطلب الثاني أخف من الاول وإذا عرفت ما ذكرناه وتأملت قوله فان دخل عليه وقت صلاة أخرى ففى وجوب اعادة الطلب وجهان: فينبغي أن لا يخفى عليك منه شيئآن: أحدهما أن هذا الخلاف غير مخصوص بما أذا دخل عليه وقت صلاة آخرى بل مهما احتاج إلى اعادة التيمم اما لهذا السبب أو لان تيممه الاول قد بطل بعروض حدث أو طلوع ركب: جرى الوجهان سواء تخلل بين التيممين زمان أو لم يتخلل: والثاني ان] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 [كلامه وان كان مطلقا لكن الشرط في صورة الخلاف أن لا يحدث سبب يوهم حدوث الماء من الانتقال إلى مكان آخر أو طلوع ركب ونحوهما والا وجب اعادة لطلب بلا خلاف وان لا يكون العدم مستيقنا بمقتضى الطلب الاول والا فإذا استيقن العدم ولم يحدث ما يوهم حصول الماء كان اليقين الاول مستمرا ولا معني للطلب مع يقين العدم كما تقدم: ولك أن تعلم قوله فليتردد الرجل بالحاء لامرين أحدهما أن عند أبي حنيفة ليس علي المتيمم طلب الا إذا غلب على ظنه ان بقربه ماء: والثاني أن عنده صلاة العيد وصلاة الجنازة يجوز ان يتيمم لهما إذا خاف الفوت لو اشتغل بالوضوء وان كان الماء موجودا عنده وكلام الكتاب مطلق *] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 [قال الثالثة ان يتيقن وجود الماء في حد القرب فيلزمه (ح) ان يسعى إليه وحد القرب إلى حيث يتردد إليه المسافر للرعي والاحتطاب وهو فوق حد الغوث فان انتهى العبد إلى حيث لا يجد الماء في القوت فلا يلزمه وان كان بين الرتبتين فقد نص أنه يلزمه إذا كان علي يمين المنزل أو يساره ونص فيما إذا كان على صوب مقصده انه لا يلزمه فقيل قولان وقيل بتقرير النصين لان جوانب المنزل منسوبة إليه دون صوب الطريق] * إذا تيقن وجود الماء حواليه فله ثلاث مراتب احداها ان يكون علي مسافة ينتشر إليها النازلون في الاحتطاب والاحتشاش وتنتهي البهائم إليها في الرعى فيجب السعي إليه والوضوء به] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 [لانه إذا كان يسعي لاشغاله إلى هذا الحد فلمهم العبادة أولى وهذا فوق حد الغوث الذى يسعى إليه عند التوهم قال الامام محمد بن يحيى ولعله يقرب من نصف فرسخ: (الثانية) أن يكون بعيدا عنه بحيث لو سعى إليه الفاته فرض الوقت فيتيمم ولا يسعى إليه لانه فاقد في الحال ولو وجب انتظار الماء مع خروج الوقت لما ساغ التيمم أصلا بخلاف مالو كان واجدا للماء وخاف فوات الوقت لو توضأ حيث لا يجوز له التيمم لانه ليس بفاقد على ان صاحب التهذيب حكي في هذه الصورة وجها انه يتيمم ويصلى لحرمة الوقت ثم يتوضأ ويعيد: وقد يقول الناظر أيعتبر كونه بحيث لو سعى إليه لفاته فرض الوقت من حين نزوله في ذلك المنزل أو من أول وقت الصلاة لو كان نازلا فيه فان كان الاول فقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 [يكون الماء في حد القرب ولو سعى إليه لفابه فرض الوقت لنزوله في آخر الوقت فإذا لم نوجب السعي إليه بطل اطلاق قولنا انه إذا كان الماء في حد القرب لزم السعي إليه وان اعتبرنا من أول وقت الصلاة فمواقيت الصلاة مختلفة في الطول والقصر فما الذى يفعل انعتبر الوسط منها كما يفعل في حد القرب فان القدر الذى ينتشر إليه المسافر لحاجة مختلف صيفا وشتاء وتؤثر فيه وعورة المكان وسهولته وما أشبه ذلك والمعتاد في نظائر ذلك الاخذ بالوسط المعتدل أم نعتبر في كل صلاة وقتها فتختلف المسافة التى يحتاج إلى قطعها أم كيف الحال ولو كان يتيمم لفائتة فكيف يقدر فوات وقتها لو سعى إلى الماء أيقال وقتها أول حالة التذكر فيلزم ان لا يسعى الي الماء في حد القرب لانه زمان يسير أو] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 [لا يقال هذا ويحنئذ لا يفرض لها وقت آخر يفوت بالسعي الماء ولو كان يتيمم للنوافل وجوزنا ذلك فكيف نعتبر الوقت فيها وهل نجعل مواقيت الفرائض الخمس معيارا للفوائت والنوافل أم لا: والجواب الاشبه بكلام الائمة ان الاعتبار من أول وقت الصلاة لو كان نازلا في ذلك المنزل ولا بأس باختلاف المواقيت والمسافات فان الغرض صيانة وظيفة الوقت عن الفوات وعلى هذا إذا انتهى الي المنزل في آخر الوقت وكان الماء في حد القرب لزم السعي إليه والوضوء به وان كان يفوته فرض الوقت كما لو كان الماء في رحله وفاته الفرض لو توضأ والاشبه ان نجعل وقت الحاضرة معيارا في الفوائت والنوافل فانها الاصل والمقصد بالتيمم غالبا والله أعلم: الثالثة ان يكون بين الرتبتين] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 [وتزيد المسافة علي التي يتردد المسافر إليها لحاجاته ولا ينتهي الي حد خروج الوقت فهل يلزمه السعي إليه أم يجوز له التيمم نص الشافعي على انه إذا كان على يمين المنزل أو يساره يلزمه السعي إليه ولا يجوز له التيمم وفيما إذا كان على صوب مقصده انه لا يجب السعي إليه وله التيمم فاختلف الاصحاب فيه على طريقتين أحداهما تقرير النصين: والثانية جعل المسئلتين علي قولين نقلا وتخريجا ولنبين أولا معنى قول المذهبيين في المسئلتين قولان بالنقل والتخريج فنقول إذا ورد نصان عن صاحب المذهب مختلفان في صورتين متشابهتين ولم يظهر بينهما ما يصلح فارقا فالاصحاب يخرجون نصه في كل واحدة من الصورتين في الصورة الاخرى لاشتراكهما في المعني فيحصل في كل واحدة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 [من الصورتين قولان منصوص ومخرج: المنصوص في هذه هو المخرج في تلك والمنصوص في تلك هو المخرج في هذه فيقولون فيهما قولان بالنقل والتخريج أي نقل المنصوص في هذه الصورة إلى تلك وخرج فيها وكذلك بالعكس ويجوز ان يراد بالنقل الرواية ويكون المعني في كل واحدة من الصورتين قول منقول أي مروي عنه وآخر مخرج: ثم الغالب في مثل ذلك عدم اطباق الاصحاب على هذا التصرف بل ينقسمون إلى فريقين منهم من يقول به ومنهم من يأبي ويستخرج فارقا بين الصورتين يستند إليه افتراق النصين وانما ذكرنا هذا الكلام في هذا الموضع لانه] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 [أول موضع ذكر فيه المصنف النقل والتخريج وإذا عرف ذلك فنقول أما من قرر النصين فرق بان المسافر قد يتيامن ويتياسر في حوائجه ولا يمضى في صوب مقصده ثم يرجع قهقرى وجوانب المنزل منسوبة إليه دون ما بين يديه: واما من جعل الصورتين على قولين وجه تجويز التيمم بانه فاقد للماء في الحال والمنع بانه قادر على الوصول الي الماء والتيمم انما يعدل إليه عند الضوررة وهذه الطريقة أظهر من الاولى لان لاصحابها ان يقولوا للاولين المسافر مادام سائر الا يعناد المضي يمينا وشمالا كمالا يرجع قهقرى *] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 [وإذا كان في المنزل ينتشر في الجوانب كلها ويعود إلى منزله فالفرق ممنوع وما ذكرناه من الطريقين نقل صاحب الكتاب وامام الحرمين في آخرين: وقال في التهذيب إذا كان الماء على طريقه وهو يتيقن الوصول إليه قبل خروج الوقت وصلى في آخر الوقت بالتيمم جاز وقال في الاملاء لا يجوز بل يؤخر حتى يأتي الماء والاول المذهب وان كان الماء على يمينه أو يساره أو ورائه لم يلزمه اتيانه وان امكن في الوقت لان في زيادة الطريق مشقة عليه كما لو وجد الماء يباع باكثر من ثمن المثل لا يلزمه الشراء: وقيل لا فرق بل متى امكنه ان يأتي الماء في الوقت من غير خوف فلا فرق بين ان يكون على يمينه أو يساره أو أمامه * في جواز التيمم قولان هذا ما رواه وبينه وبين الكلام] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 [الاول بعض المباينة توجيها وحكما: أما التوجيه فظاهر واما الحكم فلان هذا الكلام انما يستمر في حق السائر وقضيته نفى الفرق بين الجوانب في حق النازل في المنزل لانه يحتاج إلى الرجوع في المنزل من أي جانب مضي إلى الماء وفى زيادة الطريق مشقة: وأما الكلام الاول فقضيته الفرق بين الجوانب في حق المنازل ايضا الا أن الفرق ممنوع كما تقدم وأيضا فان منقول صاحب الكتاب يقتضى كون السعي إلى ما يكون علي اليمين واليسار أولى بالايجاب وما ذكره في التهذيب يقتضى كون الايجاب فيما على صوب القصد أولي لانه جعل فيه قولين وفيما على اليمين واليسار طريقين وجزم في أحدهما بنفى الوجوب: واعلم أن ظاهر المذهب جواز التيمم وان علم الوصول إلى الماء] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 [في آخر الوقت روى أن ابن عمز رضى الله عنه أقبل من الجرف حتى إذا كان بالمربد تيمم وصلى العصر فقيل له أتتيمم وجدران المدينة تنظر إليك فقال أو أحيى حتى أدخلها ثم دخل المدينة والشمس حية مرتفعة فلم يعد الصلاة وإذا جاز التيمم في حق من يعلم الانتهاء إلى الماء في صوب سفره فأولى أن يجوز للنازل في بعض المراحل إذا كان الماء على يمينه أو يساره لزيادة مشقة السير لو سعى إليه وإذا جاز التيمم للنازل فهو للسائر أجوز وهذا في حق المسافر أما] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 [المقيم فذمته مشغولة بالقضاء وان صلى بالتيمم وليس له أن يصلى بالتيمم وان خاف فوت الوقت لو سعى إلى الماء وتوضأ واذ كان ممنوعا من الصلاة بالتيمم مع فوات الوقت فأولى أن يكون ممنوعا عنها في أول الوقت قال [ثم ان تيقن وجور الماء قبل مضى الوقت فالاولى التأخير قولا واحدا فان توقعه بظن غالب فقولان لتقابل نفس فضيلة أول الوقت مع ظن ادراك الوضوء] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 [هذا تفريع على جواز التيمم وان أمكن الوصول إلى الماء قبل مضى الوقت وقد ذكرنا الخلاف فيه فان جوزناه وهو المذهب فنقول الاولى ان يؤخر ليصلى بالوضوء أو أن يجعل الصلاة بالتيمم نظر ان تيقن وجود الماء في آخر الوقت فالاولي أن يؤخر ليصلى بالوضوء لان فضيلة الصلاة بالوضوء وان كان في آخر الوقت أبلغ من فضيلة الصلاة بالتيمم في أوله ألا يرى أن تأخير الصلاة إلى آخر الوقت جائز مع القدرة على أدائها في أوله ولا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 [يجوز التيمم مع القدرة على الوضوء هذا ما قطع به الاكثرون وبه قال صاحب الكتاب حيث قال قولا واحدا وحكي في التيمم خلافا في أن الاولى التقديم أو التأخير على ما سنحكي نظيره في الحالة الثانية فلك أن تعلم قوله قولا واحدا بالواو اشارة إلى هذا الخلاف وان لم يتيقن وجود الماء في آخر الوقت ولكن رجاه فقولان أصحهما التعجيل في أول الوقت بالتيمم لانه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 [أفضل الاعمال فقال (الصلاة في آول وقتها) ولم يفرق بين أن يكون بالوضوء أو التيمم ولان فضيلة الاولوية ناجزة وهى تفوت بالتأخير يقينا وفضيلة الوضوء غير معلومة الحصول فصيانة الناجز عن يقين الفوات أولى من المحافظة على أمر موهم: والثاني وبه قال أبو حنيفة أن التأخير أفضل لان الايراد بالظهر وتأخيرها عند شدة الحر مأمور به كي لا يختل معنى الخشوع فالتأخير لادراك الوضوء أولي أن يؤمر به * واحتج في الوسيط للقول الاول بأن تعجيل الصلاة منفردا أفضل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 [من تأخيره لحيازة الجماعة وكذلك فعل امام الحرمين: لكن أبا علي الطبري ذكر في الافصاح أن التأخير لحيازة الجماعة أفضل واحتج به للقول الثاني وتوسط آخرون فجعلوا المسألة على وجهين مبنيين على القولين في المسألة التى نحن فيها ثم لا يخفى أن موضع القولين ما إذا اقتصر على صلاة واحدة أما إذا صلى بالتيمم في أول الوقت وبالوضوء في آخره فهو النهاية في أحراز الفضيلة: ولك أن تبحث عن قوله وان توقعه بظن غالب فنقول لم قيده بالظن الغالب ولم يقتصر على مجرد التوقع فاعلم أن التوقع] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 [يشمل الظن ومجرد التجويز فلو لم يقل بظن غالب لدخل فيه ما إذا تساوى الطرفان عنده فلم يظن الوجود في آخر الوقت ولا العدم وما أذا ظن العدم وجوز الوجود ولا جريان للقولين في هاتين الحالتين بل الحكم فيهما أو لوية التعجيل لا محالة وموضع القولين ما إذا ترجح عنده الوجود على العدم وان لم يتيقنه فلذلك قال بظن غالب وربما وقع في كلام بعضهم نقل القولين فيما إذا لم يظن الوجود ولا العدم ولا وثوق به وكأن ذلك القائل اراد بالظن اليقين] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 [قال [الرابعة أن يكون الماء حاضرا كماء البئر يتنازع عليها الواردون وعلم أن النوبة لا تنتهى إليه الا بعد خروج الوقت فقد نص فيه وفى مثله في الثوب الواحد يتناوب عليه جماعة من العراة أنه يصبر: ونص في السفينة انه يصلي قاعدا إذا ضاق محل القيام ولا يصبر فقيل سببه أن القعود أهون ولذلك جاز في النفل مع القدرة على القيام وقيل قولان بالنقل والتخريج] * إذا زاحمه غيره على الاستقاء كما إذا انتهوا إلى بئر ولم يمكن الاستقاء الا بالمناوبة اما لاتحاد الآلة أو لضيق موضع النازح فان توقع] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 [النوبة إليه قبل خروج الوقت لم يتيمم فلعله يجد فرصة للوضوء: وان علم انه لا تنتهى النوبة إليه الا بعد الوقت فقد حكي عن نص الشافعي رضي الله عنه أنه يصبر إلى أن يتوضأ ولا يبالى بخروج الوقت: ولو حضر جمع من العراة وليس ثم الاثوب واحد يصلون فيه على التناوب وعلم أن النوبة لا تنتهى إليه الا بعد الوقت نص انه يصبر أيضا ولا يصلى عاريا يفى الوقت ولو اجتمعوا في سفينة أو بيت ضيق وهناك موضع واحد يمكن فيه الصلاة قائما نص انه يصلي في الوقت قاعدا ولا يصبر] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 [إلى انتهاء النوبة إليه بعد الوقت وهذا يخالف النص في المسألتين الاولين فاختلف الاصحاب على طريقين أظهرهما وبها قال أبو زيد المروزى لا فرق والمسائل كلها على قولين بالنقل والتخريج أظهرهما أنه يصلي في الوقت بالتيمم و؟ ريا وقاعدا لان؟ رمة الوقت لابد من رعايتها والقدرة بعد الوقت لا تأثير لها في صلاة الوقت: والثاني انه يصبر لوجود القدرة على الوضوء واللبس والقيام: (الثانية) تقرير النصين: والفرق أن تقرير أمر القعود أسهل من أمر الوضوء واللبس ولهذا جاز تركه في النفل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 [مع القدرة على القيام بخلاف التيمم وكشف العورة لا يحتمل في النفل كما في الفرض وهذا الفرق حكاه الشيخ أبو محمد عن القفال قال امام الحرمين هذا ضعيف لان القيام ركن في صلاة الفرض فمن أين ينفع حطه في صلاة أخرى: وللفارق أن يقول الواجب في نوعي الفرض والنفل أهم من الواجب في أحدهما فيكون أبعد عن قبول المسامحة وينتظم الفرق: وقال كثيرون من الاصحاب لا نص للشافعي في مسألة البير لكن نص في المسألتين الاخريين على ما سبق فمنهم من نقل وخرج ومنهم من قرر النصين وفرق بوجهين أحدهما ما سبق: والثاني أن للقيام بدلا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 [ينتقل إليه وهو القعود ألا يرى أن قعود المريض كقيام الصحيح وستر العورة لا بدل له فوجب الصبر إلى القدرة عليه وهؤلاء ألحقوا مسألة البير بمسألة السفينة وقالوا لا يصبر لان للوضوء بدلا وهو التيمم: ولك أن تعلم قوله فقد نص فيه وفى مثله في الثوب بالواو لان هؤلاء نفوا أن يكون للشافعي نص في مسألة البير وخالفوا ما رواه: واعلم أن امام الحرمين أجرى الخلاف المذكور في هذه المسألة فيما إذا ضاق الوقت ولاح للمسافر ولا عائق لكن علم أنه لو اشتعل به لفاتته الصلاة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 [وذكر في الوسيط ذلك أيضا وهو يقتضي اثبات الخلاف في المرتبة الثانية وان لم يذكر ثم قال] فرعان أحدهما لو وجد ماء لا يكفيه لوضوئه يلزمه (ح) استعماله قبل التيمم على أظهر القولين] * إذا وجد الجنب من الماء ما لا يكفيه لغسله أو المحدث ما لا يكفيه لوضوئه ففيه قولان احدهما وبه قال أبو حنيفة واختاره المزني لا يجب استعماله بل يتيمم كما لو وجد بعض الرقبة لا يجب اعتاقه عن الكفارة بل يعدل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 [إلى الصوم وأصحهما أنه يجب استعماله ويتيمم للباقي لانه قدر على غسل بعض أعضائه فلا يسقط بالعجز عن الباقي فصار كما إذا كان بعض أعضائه جريحا والبعض صحيحا يجب غسل الصحيح وهذا الثاني قوله الجديد والاول القديم: وذكر الشيخ أبو علي والمسعودي أن له في الجديد قولين أحدهما مثل القديم ورواية المزني في المختصر تدل علي ما قالاه فان فرعنا على القول الثاني وجب استعمال الماء أو لا ليصير فاقدا ولهذا قال في الاصل يلزمه استعماله قبل التيمم ثم ان كان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 [محدثا غسل به وجهه ثم يديه على الترتيب إلى أن ينفد وان كان جنبا غسل أي عضو شاء اذلا ترتيب في الغسل والاولى أن يستعمله في أعضاء الوضوء وفى الرأس وانما يجب تقديم استعماله علي التيمم إذا وقع الغسل والتيمم عن طهارة واحدة: أما لو أحدث وأجنب ووجد ما يكفى للوضوء به دون الغسل وقلنا الحدث الاصغر لا يدخل في الاكبر بل يجب الوضوء مع الغسل فانه يتوضأ به ويتيمم عن الجنابة ويتخير في التقديم والتأخير: وان قلنا يدخل الاصغر في الاكبر سقط حكمه وواجبه الغسل فيجب تقديم استعماله علي التيمم على هذا القول وكل ما ذكرناه فيما إذا كان الموجود يصلح للغسل: فأماا؟ اكان الشخص محدثا ولم يجد الا ما يصلح للمسح دون الغسل كثلج وبرد لا يذوب ففيه طريقان أظهرهما أنه يكفيه التيمم ها هنا لانا حيث نوجب استعمال الموجود من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 الماء علي المحدث نأمره بتقديمه على التيمم ولا يمكن تقديم مسح الرأس مع بقاء فرض الوجه واليدين عليه: والثاني أنه على القولين فان قلنا يجب استعمال الماء الناقص فقد ذكر أبو العباس الجرجاني من أصحابنا أنه يتيمم علي الوجه واليدين ثم يمسح رأسه ببلل الثلج ثم يتيمم للرجلين وهذا كله إذا وجد ترابا يتيمم به أما إذا وجد المحدث أو الجنب الماء الناقص ولم يجد ما يتيمم به ففيه طريقان أحدهما طرد القولين وأظهرهما أنه يجب استعماله لا محالة لانه لا بدل ينتقل إليه فصار كالعريان يجد ما يستر به بعض عورته يلزمه ستر ما يمكن به بخلاف ما إذا وجد بعض الرقبة ولم يقدر على الصوم والاطعام لا يؤمر بالاعتاق لان الكفارات علي التراخي فقد تطرأ القدرة بعد ذلك فافهم هذه] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 [المسائل واعرف موضع القولين اللذين أطلقهما في الكتاب قال [الثاني لو صب الماء في الوقت فتيمم ففى القضاء وجهان وجه وجوبه أنه عصي بصبه بخلاف الصب قبل الوقت وبخلاف ما لم تجاوز نهرا ولم يتوضأ في الوقت] * إذا فوت الماء الذى عنده بالاراقة أو الشرب أو غيرهما واحتاج لذلك الي التيمم فلا خلاف في أنه يتيمم لانه فاقد في الحال وكذلك لو نجسه ثم ننظر ان فعل ذلك قبل دخول الوقت وتيمم في الوقت فلا قضاء عليه سواء فعل ذلك لغرض أو سفها لانه لا فرض عليه ما لم يدخل الوقت وان فعله بعد دخول الوقت فان كان له فيه غرض فكذلك لا قضاء عليه وذلك مثل أن يتبرد به الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 [أو يشربه لحاجة العطش أو يغسل به ثوبه تنظيفا وكذلك إذا اشتبه عليه الاناء ان واجتهد ولم يغلب على ظنه شئ فاراقهما أو جمع بينهما وتيمم فهو معذور لان فيه غرضا وهو أن لا يكون مصليا بالتيمم وعدنه ماء طاهر بيقين وان فوته لغير غرض وفائدة وتيمم وصلى فهل يجب عليه القضاء: فيه وجهان أظهرهما لا لانه فاقد حين يتيمم فيكفيه البدل كما لو قتل عبده أو أعتقه وكفر بالصوم يجزئه: والثاني نعم لانه عصى بالصب والحالة هذه وسقوط الفرض بالتيمم من قبيل الرخص فلا تناط بالمعاصي بخلاف ما إذا كان الصب قبل الوقت فانه لا يعصى وبخلاف ما إذا كان الصب لغرض فانه معذور ولو اجتاز بماء في الوقت ولم يتوضأ ثم بعد عنه وصلى بالتيمم فالذي ذكره في الكتاب يشعر بالقطع بانه لاقضاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 [عليه وكذلك أورده صاحب التهذيب وغيره: والفرق أنه لم يصنع شيئا هاهنا وانما امتنع من التحصيل والتقصير في تفويت الحاصل أشد منه في الامتناع من تحصيل ما ليس بحاصل: ورأيت في كلام الشيخ أبي محمد طرد الوجهين في صورة الاجتياز وهو غريب ولو وهب الماء في الوقت من غير حاجة وعطش للمتهب أو باعه من غير حاجة إلى ثمنه ففى صحة البيع والهبة وجهان أشبهما المنع لان البدل حرام عليه فهو غير مقدور علي تسليمه شرعا وثانيهما الجواز لانه مالك نافذ التصرف والمنع لا يرجع الي سبب يختص بالعقل فلا يوثر في فساد العقد فان قلنا بصحة البيع والهبة فحكم قضاء الصلاة على البائع والواهب ما ذكرنا في الصب لانه فوته بازالة الملك عنه: وان قلنا بعدم الصحة فلا يصح تيممه مادام الماء في] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 [يد المبتاع أو الموهوب منه وعليه الاسترداد ار قدر فان لم يقدر وتيمم قضى وان تلف في يده وتيمم ففى القضاء الخلاف المذكور في الاراقة لانه إذا تلف الماء صار فاقدا عند التيمم: ثم إذا أوجبنا القضاء في هذه الصور ففى القدر المقضى ثلاثة أوجه أصحها يقضي تلك الصلاة الواحدة التى فوت الماء في وقتها: والثاني يقضى أغلب ما يؤديه بوضوء واحد: والثالث كل صلاة صلاها بالتيمم * والله أعلم * قال [السبب الثاني أن يخاف على نفسه أو ماله من سبع أو سارق فله التيمم ولو وهب منه الماء أو أعير منه الدلو يلزمه القبول بخلاف ما إذا وهب (ز) ثمن الماء أو الدلو فان المنة فيه تثقل ولو بيع بغبن لم يلزمه شراؤه وبمثل الثمن يلزم ألا إذا كان عليه دين مستغرق أو احتاج إليه لنفقة سفره والاصح أن ثمن المثل يعرف بقدر أجرة النقل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 [إذا كان بقربه ماء لكنه يخاف من السعي إليه على نفسه من سبع أو عدو أو على ماله المخلف في المنزل أو الذى معه من غاصب أو سارق فله التيمم وهذا الماء كالمعدوم وكذلك الحكم لو كان في السفينة ولا ماء معه وخاف على نفسه لو استقى من البحر والخوف على بعض الاعضاء كالخوف على النفس ولو خاف الوحدة والانقطاع عن الرفقة لو سعي الي الماء فان كان عليه ضرر وخوف في الانقطاع لم يلزمه السعي إليه ويتيمم وان لم يكن ضرر فكذلك على أظهر الوجهين وان كان الماء لغيره فوهبه منه فهل عليه قبوله فيه وجهان المذهب أنه يجب وهو الذي ذكره في الكتاب لانه والحالة هذه يعد واجدا للماء والمسامحة غالبة في الماء فلا تعظم منة في قبوله بخلاف ما لو وهب منه الرقبة لا يلزمه القبول لانها] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 [ليست في محل المسامحة غالبا: والثاني أنه لا يلزمه القبول لانه نوع يكسب للطهارة فلا يلزمه كما لا يلزمه اكتساب ثمن الماء ولو أعير منه الدلو أو الرشاء وجب قبوله لان الاعارة لا يعظم فيها المنة والقادر على قبولها لا يعد فاقدا للماء هكذا أطلقه الاكثرون ومنهم صاحب الكتاب وفصل بعضهم فقال ان لم تزد قيمة المستعار على ثمن مثل الماء وجب القبول وان زادت فلا لان العارية مضمونة وقد يتلف فيحتاج الي غرامة ما فوق ثمن الماء ولو أفترض الماء وجب قبوله في أصح الوجهين لانه انما يطالب عند الوجدان وحينئذ يهون الخروج عن العهدة ولو بيع منه الماء وهو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 [لا يملك الثمن لكنه وهب منه فقد أطلق القول في الكتاب بأنه لا يلزمه قبوله لان المنة تثقل فيه كما لا يلزم على العارى قبول الثوب: وحكي بعض الاصحاب فيما إذا وهبه الاب من الابن أو العكس وجهين كالوجهين فيما إذا بذل الابن لابيه أو بالعكس المال في الحج هل يلزمه وهل يصير مستطيعا به وهذا حسن لكن الاظهر ثم أنه لا يجب القبول فيجوز أن يكون اطلاق الجواب هاهنا جريا على الاظهر واقتصارا عليه وهبة آلات الاستقاء كالدلو والرشاء كهبة ثمن الماء في الحكم ولو أقرض منه الثمن فلو كان معسرا لم يلزمه الاستقراض وأن كان موسرا لكن المال غائب فكذلك في أظهر الوجهين بخلاف ما إذا أقرض منه الماء لان الماء في محل المسامحة والقدرة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 [عليه عند توجه المطالبة أظهر وأغلب: ولو بيع منه الماء نسيئة وهو موسر لزم الشراء على أظهر الوجهين لان الاجل لازم هاهنا فلا مطالبة قبل الحلول بخلاف صورة الاقراض ولو ملك الثمن فكان حاضرا عنده لكنه كان محتاجا لدين مستغرق في ذمته أو لنفقته أو نفقة رقيقه أو حيوان محترم معه أو لسائر مؤنات سفره في ذهابه وايابه فلا يجب عليه الشراء ويعذر في الصرف الي هذه الوجه وان فضل عن حاجته لزمه الشراء إن بيع بثمن المثل لانه قادر على استعمال الماء ويصرف إليه أي نوع من المال كان معه: وان بيع بغبن لا يلزمه الشراء كما لو كان يتلف شئ من ماله لوسعي إلى الماء المباح وظاهر كلامه في الكتاب وعليه الاكثرون أنه لا فرق بين أن يكون الغبن بقدر قليل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 [أو كثير ومنهم من قال أبن بيع بزيادة يتغابن الناس بمثلها وجب الشراء ولا عبرة بتلك الزيادة وإذا كان البيع نسيئه وزيد بسبب التأجيل ما يليق به فهو بيع بثمن المثل على أظهر الوجهين وان زاد المبلغ على ثمن مثله نقدا فيجب الشراء على قولنا يجب الشراء بالنسيئة: وكيف يعتبر ثمن مثل الماء وما معناه فيه ثلاثة اوجه: أحدها ثمن مثله قدر أجرة نقله الي الموضع الذى فيه الشخص لانه لا يرغب في الماء بأكثر منه وعلى هذا فالاجرة تختلف باختلاف المسافة طولا وقصرا فيجوز ان يعتبر الوسط المقصد ويجوز أن يعتبر الحد الذى يسعى إليه المسافر عند تيقن الماء فان ذلك الحد لو لم يقدر علي السعي إليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 [بنفسه واحتاج إلى بذل الاجرة لم ينقل الماء منه إليه يلزمه البذل إذا كان واجدا لها وثانيها أنه يعتبر ثمن مثله في ذلك الموضع في غالب الاوقات ولا يعتبر ذلك الوقت بخصوصه فان الشربة الواحدة عند العزة يرغب فيها بدنانير كثيرة: وثالثها أنه يعتبر ثمن مثله في ذلك الموضع في تلك الحالة فان لكل شئ سوقا يرتفع وينخفض وثمن مثل الشئ ما يليق به في تلك الحالة ألا تري أن الرقبة وان كانت غالية بالاضافة إلى عموم الاحوال يجب شراؤها بما يرغب فيها في تلك الحالة وهذا الوجه هو الاظهر عند الاكثرين من الاصحاب والوجه الثاني منقول عن أبي اسحاق واختاره القاضى الرويانى ولم نر أحدا اختار الوجه الاول سوى صاحب الكتاب ومن تابعه] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 [وقد ذكر امام الحرمين أن ذلك الوجه مبني علي أن الماء لا يملك فانه إذا لم يملك لم يمكن له ثمن فاعتبر أجرة النقل: وأشار المسعودي إلى هذا البناء أيضا ومعلوم أن القول بان الماء لا يملك وجهه ضعيف في المذهب فليكن كذلك ما هو مبنى عليه: وادعى في الوسيط أن الوجه الذى اختاره غير مبنى على ذلك الوجه حيث قال أحدها ان ثمن مثله أجرة نقل الماء فبه تعرف الرغبة في الماء وان كان مملوكا على الاصح يعنى أنه وان كان مملوكا فالقدر الذى يرغب به فيه أجرة النقل: وللاكثرين أن يقولوا ان ادعيت أن هذا القدر هو الذى يرغب به في الماء حيث يكثر الماء في البلاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 [وغيرها فهذا مسلم لكن الماء والحالة هذه لا يشتري انما ينقل: وان ادعيت انه القدر الذى يرغب به في الماء حيث يحتاج إلى الشراء فممنوع ولو بيع منه آلات الاستقاء كالدلو والرشاء بثمن المثل وجب شراؤها إذا كان فاقدا لها وكذلك لو أوجرت باجرة مثلها فان باعها مالكها أو أجرها بزيادة لم يجب تحصيلها هكذا ذكروه: ولو قال قائل يجب التحصيل ما لم تجاوز الزيادة ثمن مثل الماء لكان محسنا لان الآلة المشتراة تبقى له وقدر ثمن الماء محتمل التلف في هذه الجهة: ولو لم يجد الا ثوبا وقدر علي شده في الدلو ليستقى لزمه ذلك: ولو لم يكن دلو وأمكن ادلاؤه في البئر ليبتل ويعصر منه ما يتوضأ به لزمه ذلك ولو لم: يصل إلى الماء وأمكن شقه وشد البعض في البعض ليصل وجب: وهكذا كله] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 [إذا لم يدخل نقصان أو لم يزد نقصا به عل أكثر الامرين من ثمن مثل الماء وأجرة مثل الحبل قال [الثالث ان يحتاج إلى الماء لعطشه في الحال أو توقعه في المآل أو لعطش رفيقه أو عطش حيوان محترم فله التيمم: وان رات صاحب الماء ورفقاؤه عطشى يمموه وغرموا للورثة الثمن فان المثل لا يكون له قيمة غالبا: ولو أوصي بمائه لاولى الناس به فحضر جنب وحائض وميت فالميت أولى لانه آخر عهده ومن عليه نجاسة أولى من الجنب إذ لا بدل له وفيه مع الميت وجهان: والجنب أولى من المحدث الا إذا كان الماء قدر الوضوء فقط فان انتهى هولاء الي ماء مباح واستووا في اثبات اليد فالملك لهم وكل واحد أولى بملك نفسه وان كان حدث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 [غيره أغلظ] في الفصل مسائل: (احداها) لو قدر علي ماء مملوك أو غير مملوك لكنه احتاج إليه لعطشه فله التيمم دفعا لما يلحقه من الضرر لو توضأ والقول فيما يلحقه لو توضأ ولم يشرب يقاس بما سيأتي في المرض المبيح للتيمم: ولو احتاج إليه رفيق له أو حيوان آخر محترم للعطش دفعه إليه اما مجانا أو بعوض وتيمم وللعطشان أن يأخذه منه قهرا لو لم يندله له وغير المحترم من الحيوان هو الحربي والمرتد والخنزير والكلب العقور وسائر الفواسق الخمس وما في معناها وكان والذى رحمه الله يقول ينبغي أن يقال لو قدر على التطهر به وجمعه في ظرف ليشربه لزم ذلك ولم يجز التيمم وما ذكره يجيئ وجها] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 [في المذهب لان أبا علي الزجاجي وأقضي القضاة الماوردى وآخرين ذكروا في كتبهم أن من معه ماء طاهر وآخر نجس وهو عطشان يشرب النجس ويتوضأ بالطاهر: وإذا امر بشرب النجس ليتوضأ بالطاهر فاولى أن يؤمر بالوضوء وشرب المستعمل وهل يفترق الحال بين أن تكون هذه الحاجة ناجزة أو متوقعة في المآل اما في عطش نفسه فلا فرق بل توقعه مالا لاعواز غير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 [ذلك الماء طاهرا كحصوله حالا: واما في عطش الرفيق والبهيمة فقد أبدى فيه امام الحرمين ترددا فيه وتابعه عليه في الوسيط والظاهر الذى اتفق عليه المعظم انه يتزود لرفيقه ويتيمم كما يفعل ذلك لفسه إذ لا فرق بين الروحين في الحرمة: (الثانية) قال الشافعي رضي الله عنه إذا مات رجل له ماء ورفقاؤه يخافون العطش شربوه ويمموه وأدوا ثمنه في ميراثه وانما جاز لهم شربه وان كان فيه تفويت غسل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 [الميت عليه لانهم يخافون علي مهجهم وليس للشرب بدل وللطهارة بدل وهو التيمم: وأما قوله (وادوا ثمنه في ميراثه) فقد تكلموا في المراد بالثمن منهم من قال أراد بالثمن المثل لان الماء مثل والمثليات تضمن بالمثل دون القيمة: ومنهم من قال أراد به القيمة وانما أوجب القيمة هاهنا لان المسألة مفروضة فيما إذا كاوا في مغازة عند الشرب ثم رجعوا إلى بلدهم ولا قيمة للماء بها فلو أدواالماء لكان] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 [ذلك احباطا لحقوق الورثة فيغرمون قيمة يوم الاتلاف في موضعه: وهذا الثاني هو الذى ذكره في الكتاب وينبغي أن يعلم لفظ الثمن في قوله وغرموا للورثة الثمن بالواو لانه أراد به القيمة حيث علل فقال فان المثلى لا يكون له قيمة غالبا ولو أنه لم يعلل لما انتظم اعلامه بالواو لان من أوجب المثل جوز تسميته بالثمن أيضا ألا تراهم اختلفوا في مراد الشافعي رضي الله عنه بلفظ الثمن: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 [ (الثالثة) إذا أوصى بمائه لاولى الناس به أو وكل رجلا يصرف ماءه الي اولى الناس به فحضر محتاجون إلى ذلك الماء كالجنب والحائض والميت ومن على بدنه نجاسة فمن يقدم منهم * اعلم أن الميت ومن على بدنه نجاسة أولى من غيرهما: أما الميت فلمعنيين: أحدهما قال الشافعي رضى الله عنه ان أمره يفوت فليختم باكمل الطهارتين والاحياء يقدرون عليه في ثاني الحال: والثاني قال بعض] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 [الاصحاب المقصد من غسل الميت تنظيفه وتكميل حاله والتراب لا يفيد ذلك وغرض الحى استبا؟ ة الصلاة واسقاط الفرض عن الذمة وهذا الغرض يحصل بالتيمم حصوله بالغسل: وأما من على بدنه نجاسة فلان ازالة النجاسة لا بدل لها وللطهارات بدل وهو التيمم: وإذا اجتمعا فمن المقدم منهما: فيه وجهان أصحهما أن الميت أولى قال المحاملي من أئمة العراق والصيدلاني من غيرهم الوجهان مبنيان على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 [المعنيين في الميت ان قلنا بالتعليل الاول فالميت أولى وان قلنا بالتعليل الثاني فالنجس أولى لان فرضه لا يسقط بالتيمم بخلاف غسل الميت ولا خلاف انه إذا كان على بدن الميت نجاسة فهو أولى ولا يشترط في استحقاق الميت أن يكون له ثم وارث يقبل عنه كما لو تطوع أنسان بتكفين ميت لا حاجة الي قابل: وفى المسألة وجه ضعيف: وان اجتمع ميتان والماء لا يكفى الا لاحدهما فان] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 [كان الماء موجودا قبل موتهما وماتا على الترتيب فالاول أولى وان ماتا معا أو وجد الماء بعد موتهما فأفضلهما أولى: فان استويا اقرع بينهما: هذا كلامنا في الميت ومن عليه نجاسة: أما غيرهما ففى الحائض مع الجنب ثلاثة أوجه أصحها الحائض أولى لان حدثها أغلظ ألا يرى أن الحيض يحرم الوطئ ويسقط ايجاب الصلاة: والثاني الجنب أولى لانه أحق بالاغتسال فان الصحابة اختلفوا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 [في تيمم الجنب ولم يختلفوا في تيمم الحائض: (والثالث) هما سواء لتعارض المعنيين وعلى هذا ان طلب أحدهما القسمة والآخر القرعة فالقرعة أولى في أظهر الوجهين والقسمة في الثاني هذا ان أوجبنا استعمال الماء الناقص والا تعينت القرعة وان اتفقا علي القسمة جاز ان قلنا يجب استعمال الماء الناقص والا لم يجز فانه تضييع وإذا حضر جنب ومحدث نظر ان كان ذلك الماء كافيا للوضوء دون الغسل فالمحدث أولى أن لم نوجب استعمال الماء الناقص وان أوجبناه فثلاثة أوجه أصحها ان المحدث أولى أيضا لانه] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 [يرتفع حدثه بكماله: والثاني الجنب أولى لغلظ حدثه والثالث يتساويان وتفريعه على ما سبق وان لم يكن ذلك كافيا لواحد منهما فالجنب أولى ان أوجبنا استعمال الماء الناقص لغلظ حدثه والا فهو كالمعدوم وان كان كافيا لكل واحد منهما فننظر ان فضل شئ من الوضوء به ولم يفضل من الغسل فالجنب أولى ان لم نوجب استعمال الناقص لانه لو استعمله المحدث لضاع الباقي وان أوجبنا استعمال الناقص فثلاثة أوجه أصحها ان الجنب أولى أيضا لغلظ حدثه: والثاني المحدث أولى بقدر الوضوء والباقي للجنب] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 [مراعاة للجانبين: والثالث أنهما سواء وان فضل من كل واحد منهما شئ أو لم يفضل من واحد منهما فالجنب أولى لا محالة وان كان الماء الموجود كافيا للغسل دون الوضوء ويتصور ذلك بان يكون الجنب نضو الخلقة فقيد الاعضاء والمحدث ضخما عظيم الاعضاء فالجنب أولى أيضا لانا ان لم نوجب استعمال الماء الناقص فالمحدث لا ينتفع به وان أوجبناه فحدث الجنب أغلظ: وإذا عرفت ما ذكرنا تبين لك ان أحوال المسألة أربع: أن يكون الماء كافيا للوضوء دون الغسل: وان يكون كافيا لكل واحد] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 [منهما: وان لا يكون كافيا لواحد منهما: وان يكون كافيا للغسل دون الوضوء والظاهر تقديم المحدث في الحالة الاولى وتقديم الجنب فيما عداها فلذلك قال والجنب أولى من المحدث الا أن يكون الماء قدر الوضوء فقط وليكن المستثنى والسمتثنى منه من هذا اللفظ معلما بالواو لما حكينا من التفصيل والخلاف وقوله (قدر الوضوء فقط) ان كان المراد أنه قدر الوضوء دون الغسل فحسن وان كان المراد انه لا يزيد على قدر الوضوء فهذا ليس بشرط في تصوير الحالة الاولى بل إذا لم يكن كافيا للغسل وكان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 [كافيا للوضوء فالمحدث أولى سواء زاد على قدر الوضوء أو لم يزد عليه فهذا شرح مسألة الوصية * واعلم انه ان عين المكان فقال اصرفوا هذا الماء الي أولى الناس به في هذه المفازة فالحكم على ما ذكرنا ولو لم يعين بل قال اصرفوا إلى أولى الناس به واقتصر عليه فينبغي أن يبحث عن المحتاجين في غير ذلك المكان ألا يرى أنه لو أوصى لاعلم الناس لا يختص بأهل ذلك الموضع الا ان حفظ الماء ونقله الي مفازة أخرى كالمستبعد * والله أعلم * ولو انتهى هؤلاء المحتاجون الي ماء مباح واستووا في] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 [احرازه واثبات اليد عليه ملكوه على السواء لاستوائهم في سبب الملك وكل واحد أحق بملك نفسه من غيره وان كان ذلك الغير أحوج إلى الماء وكان حدثه أغلظ بل لا يجوز لكل واحد ان يبذل ما ملكه لغيره وان كان ناقصا الا إذا قلنا لا يجب استعمال الماء الناقص عن قدر الكفاية: هذا ما أورده صاحب الكتاب وذكره امام الحرمين وأورد أكثر الاصحاب هذه الصورة وقالوا يقدم فيها الاحوج فالاحوج كما في مسألة الوصية ولا منافاة بين الكلامين لان هؤلاء أرادو التقديم على سبيل الاستحباب وكانهم يقولون مجرد الانتهاء إلى الماء المباح لا يقتضى الملك وانما يثبت الملك بالاستيلاء والاحراز فيستحب لغير الاحوج ترك الاحراز والاستيلاء ايثارا للاحوج وهؤلاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 [يسلمون أنهم لو لم يفعلوا ذلك واستولوا عليه وازدحموا كان الامر على ما ذكره امام الحرمين لكن يمكن ان ينازع هو فيما ذكروه من الاستحباب ويقول انه متمكن من الطهارة بالماء فلا يجوز له العدول إلى التيمم كما لو ملكه لا يجوز له بذله لغيره * قال [الرابع العجز بسبب الجهل كما إذا نسي الماء في رحله فتيمم (ح) قضي الصلاة على الجديد ولو ادرج في رحله ولم يشعر به لم يقض على الصحيح إذ لا تفريط: ولو أضل الماء في رحله فلم يجده مع الامعان في الطلب ففى القضاء قولان كمن أخطأ القبلة: ولو أضل رحله في الرحال فقولان والاولى سقوط القضاء لان المخيم أوسع من الرحل] * لك أن تقول الكلام هاهنا في أسباب العجز المبيح للتيمم والسبب المبيح هاهنا انما هو] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 [الفقد في ظنه الا انه تبين بعد ذلك أنه لم يكن فاقدا ولا شك في ان الاسباب المبيحة يكفى فيها الظن ولا يعتبر التعين وإذا كان كذلك فليس هذا سببا خارجا عما تقدم: وأما الكلام في أنه هل يقضي الصلاة إذا تبين أنه غير فاقد فذلك شئ آخر وراء جواز التيمم واللائق ذكره في أحد موضعين أما آخر سبب الفقد واما الفصل المعقود فيما يقضى من الصلوات المختلة: ثم ذكر في هذا الفصل أربع مسائل: (احداها) لو نسي الماء في رحله فتيمم على ظن انه لا ماء عنده ثم تبين الحال فهل يلزمه قضاء الصلاة التي أداها به نص في المختصر على وجوب الاعادة: وعن أبي ثور قال سألت أبا عبد الله عنها فقال لا اعادة عليه: واختلف الاصحاب على طريقتين أظهرهما وهو المذكور في الكتاب أن في المسألة قولين الجديد الصحيح وجوب الاعادة: وبه قال أحمد لان مثل هذا الشخص اما ان يكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 [واجدا للماء أو لا يكون ان كان واجدا فقد فات شرط التيمم وهو أن لا يجد وان لم يكن واجدا فسببه تقصيره فتجب الاعادة كما لو نسي ستر العورة أو غسل بعض أعضاء الطهارة والقديم: انه لا تجب الاعادة لان النسيان عذر حال بينه وبين الماء فيسقط فرضه بالتيمم كما لو حال بينهما سبع وشبهوا هذا القول القديم في نسيان الترتيب في الوضوء ونسيان الفاتحة: وعن مالك روايتان كالقولين وعند أبى حنيفة لا اعادة: والطريقة الثانية القطع بوجوب الاعادة وتأويل ما نقله أبو ثور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 [بحمل أبي عبد الله علي مالك أو تنزيل ما نقله علي المسألة الثانية التى نذكرها: ولو علم المسافر أن في موضع نزوله بئرا فنسيها وتيمم وصلى ثم تذكر فعلى الطريقتين: ولو كان الماء يباع فنسي الثمن وتيمم وصلى ثم تذكر قال القاضي أبو القاسم بن كج يحتمل أن يكون مثل نسيان الماء ويحتمل غيره والاول أظهر (المسألة الثانية) لو ادرح الماء في رحله من غير شعوره به فتيمم علي اعتقاد أن لا ماء عنده وصلى ثم تبين الحال ففى المسألة طريقتان (احداهما) طرد قول النسيان فيه لكن] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 [الاصح ههنا نفى الاعادة: (والثانية) القطع بنفى الاعادة لعدم التقصير ههنا بخلاف صورة النسيان فانه كان عالما بالماء ثم ذهل عنه: ولو تبين أن بقربه بئرا ولم يكن علم بها أصلا فهو نظير هذه الصورة وقوله في الكتاب لم يقض على الصحيح يجوز أن يكون اختيارا للطريقة الثانية والمعني علي الصحيح من الطريقين ويجوز ان يكون جوابا علي الطريقة الاولى والمعنى الصحيح من القولين وطريقة القولين أظهر عند علماء الاصحاب (الثالثة) لو كان في] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 [رحله ماء فأضله فتيمم ثم وجده نظر ان لم يمعن في الطلب فعليه القضاء لتقصيره وان أمعن حتى غلب على ظنه فقد الماء فقولان: أحدهما أنه لا اعادة عليه لانه لم يفرط في البحث والطلب فيعذر وأظهرهما تجب الاعادة لانه عذر نادر لا يدوم وانما يسقط القضاء بالاعذار العامة والنادرة التى تتصل وتدوم: قال الائمة والقولان مخرجان على القولين فيمن اجتهد في القبلة وصلى ثم تيقن الخطأ ولذلك يقول بعضهم في المسألة وجهان: (الرابعة) لو أضل رحله في الرحال بسبب ظلمة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 [أو غيرها فان لم يمعن في الطلب وجبت الاعادة لا محالة وان أمعن فطريقان احدهما أنه علي القولين في اضلال الماء في الرحل: والثاني القطع بنفى الاعادة والفرق من وجهين: أحدهما ما ذكر في الكتاب ان مخيم الرفقة أوسع من الرحل ورحله اضبط للماء من المخيم للرحل وإذا كان كذلك كان أبعد عن التقصير ههنا: والثاني ان من صلى في رحله وفيه ماء فقد صلى بالتيمم علي الماء ومن صلي وقد أضل رحله فقد صلى وليس معه ماء ومنهم من يحكي في المسألة وجهين كما ذكرنا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 [في الصورة السابقة وعن الحليمى وجه ثالث انه لو وجده قريبا منه فيعيد ولو وجده بعيدا فلا وظاهر المذهب نفى الاعادة مطلقا ولا ينبغي أن يفهم ذلك من قوله في الكتاب وأولي بسقوط القضاء فانهم إذا رتبوا صورة على صورة في الخلاف ثم قالوا وأولي بكذا لا يعنون به سوى رجحان ما وصفوه بالاولوية بالاضافة إليه في الصورة المرتب عليها ولا يلزم من كون النفي أو الاثبات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 [في صورة أرجح منه في صورة أخرى كونه أرجح علي مقابله: نعم إذا قيل أولى الوجهين كذا فقضيته رجحان ذلك الوجه كما؟ ؟ قيل الاظهر أو الاصح كذا * قال [السبب الخامس المرض الذى يخاف من الوضوء معه فوت الروح أو فوت عضو أو منفعة أو مرضا مخوفا وكذا ان لم يخف الا شدة الضني وبطء البرء أو بقاء شين علي عضو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 [ظاهر علي أقيس الوجهين فان كل ذلك ضرر ظاهر وان كان يتألم في الحال ولا يخاف عافبة لزمه الوضوء] * الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 [المرض مبيح للتيمم في الجملة قال الله تعالى (وان كنتم مرضى أو على سفر) إلى قوله (فلم تجدوا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 [ماء فتيمموا) نقل عن ابن عباس ان المعنى وان كنتم مرضي فتيمموا وان كنتم على سفر فلم تجدوا ماء فتيمموا: ثم هو على ثلاثة أقسام أولها المرض الذى يخاف من الوضوء معه فوت الروح أو فوت عضو أو فوت منفعة عضو فيبيح التيمم نقل عن ابن عباس في تفسير الآية إذا كان] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 [بالرجل جراحة في سبيل الله أو قروح أو جدري فيجنب ويخاف أن يغتسل فيموت يتيمم بالصعيد والحق بهذا النوع ما إذا خاف مرضا مخوفا وكذا لو كان به مرض لا يخاف من استعمال الماء معه التلف لكن يخاف من استعمال الماء معه حدوث المرض المخوف: وينبغي أن يعلم قوله أو مرضا مخوفا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 [بالواو لان امام الحرمين حكي فيه عن العراقيين طريقين أحدهما القطع بجواز التيمم: والثاني ان فيه قولين وقد توجه المنع بالقدرة على استعمال الماء وقصور الضرر فيه عما تقدم من المضاو فظاهر المذهب القطع بالجواز لانه إذا خاف المرض الذى يخاف منه التلف فقد خاف التلف وهذا قضية كلامه في المختصر وهو الذى ذكره المسعودي وغيره في الشروح: على أن في تشبيه الامام] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 [الطريقين في هذه الصورة شبهة قوية فان الذى يلفى في كتبهم حكاية الطريقتين في صورة بطء البر وأخواتها كما سيأتي لا في هذه الصورة بل الذى يدل عليه كلامهم تجويز التيمم هاهنا من غير تردد والله أعلم: وثانيها المرض الذى يخاف من استعمال الماء معه شدة الضنى أو زيادة العلة أو بطء البرء] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 وبقاء الشين القبيح ولنفصل هذه الصور وأحكامها: أما زيادة العلة وبطء البرء فقد حكوا فيهما ثلاثة طرق أظهرها ان في جواز التيمم للخوف منها قولين (أحدهما) المنع لان اباحة التيمم لمريض ماخوذة من الآية وقد روينا عن تفسير ابن عباس اعتبار خوف التلف فيه وأظهرهما] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 [والجواز وبه قال مالك وابو حنيفة لانا لا نوجب شراء الماء باكثر من ثمن المثل لما فيه من الضرر ومعلوم ان الضرر ههنا أشد ولان ترك الصوم وترك القيام في الصلاة لا يعتبر فيه خوف التلف بل يلفي فيه هذا النوع من المرض فكذلك ههنا والطريق الثاني القطع بالجواز وتأويل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 [قول المنع على ما إذا لم يلحقه الا مجرد الالم والمشقة والثالث القطع بالمنع وتأويل الجواز على ما إذا كان المخوف التلف فان قلت وما الفرق بين زيادة العلة وبطء البرء فالجواب أن المراد من زيادة العلة افراط الالم وكثرة المقدار وان لم تمتد المدة ومن بطء البرء امتداد المدة وان لم يزد القدر] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 [ثم قد يجتمع الامران وأما شدة الضنى ففى جواز التيمم بها الطريقان الاوليان والظاهر عود الطريقة الثالثة أيضا والمراد من الضنى المرض المدنف الذى يجعله ضمنا وكأنه نوع من المرض خاص: وأما إذا خاف من استعمال الماء بقاء الشين علي بدنه فنظر ان خاف شيئا فبيحا علي عضو ظاهر كالسواد الكثير في الوجه ففيه ثلاثة طرق أيضا أحدها الجزم بالجواز لانه يشوه الخلقة ويدوم ضرره فأشبه تلف العضو ويحكي ذلك عن ابن سريج والاصطخري والثاني الجزم بالمنع إذ ليس فيه بطلان عضو ولا منفعته وانما هو فوات جمال والثالث أنه علي القولين المقدمين وان خاف شيئا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 [يسيرا كأثر الجدري والسواد القليل فلا عبرة به وكذلك لو خاف شيئا قبيحا علي غير الاعضاء الظاهرة والمراد من الظاهرة ما يبدو عند المهنة غالبا كلوجه واليدين: وأما تعبيره عن الخلاف في هذه المسائل بالوجهين فانما اتبع فيه امام الحرمين والمشهور في طرق الاصحاب أن فيها قولين علي طريقة اثبات الخلاف كما حكيناه: وثانها المرض الذى لا يخاف من استعمال الماء معه محذورا في العاقبة فلا يرخص في التيمم وان كان يتألم في الحال لجراحة أو حر أو برد لانه واجد للماء قادر على استعماله من غير ضرر شديد: واعلم أن المرض المرخص لا يفترق الحال فيه بين أن يعرف] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 [كونه بحيث يرخص بنفسه وبين أن يخبره طبيب حاذق بشرط كونه مسلما بالغا عدلا وفى وجه يقبل في ذلك خبر الصبي المراهق والفاسق أيضا ولا فرق بين الحر والعبد والذكر والانثى لان طريقه الخبر وأخبارهم مقبولة ولا يشترط فيه العدد وحكي أبو عاصم العبادي فيه وجهين وهذا كله فيما إذا منعت العلة استعمال الماء أصلا لعموم العذر جميع موضع الطهارة وضوءا كان أو غسلا فان تمكنت العلة من بعض أعضاء الطهارة دون بعض غسل الصحيح بقدر الامكان وما الذي يفعل العليل نذكره بعد هذا والله أعلم *] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 قال [السادس القاء الجبيرة بانخلاع العضو فيجب غسل ما صح من الاعضاء والمسح على الجبيرة بالماء وفى نزوله منزلة مسح الخف في تقدير مدته وسقوط الاستيعاب وجهان: ثم يتيمم مع الغسل والمسح على أظهر الوجهين ولا يمسح الجبيرة بالتراب علي الاصح لان التراب ضعيف وفى تقديم الغسل على التيمم ثلاثة أوجه الاعدل هو الثالث وهو أنه لا ينتقل عن عضو ما لم يتم تطهير ذلك العضو فلو كانت الجراحة علي يده تيمم قبل مسح الرأس] لو جعل المرض سببا واحدا من أسباب العجز ثم قسمه إلى مالا يحوج إلى القاء الجبيرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 [ولا لصوق عليه والى ما يحوج إليه وحذف السبب السادس والسابع لكان أحسن وأولي فان الانخلاع والجراحة نوعان خاصان من العلل والامراض ولو عددنا كل مرض سببا علي حدة لطال الامر وكثرت الاسباب فان قلت اسم المرض لا يقع علي انخلاع العضو والجراحة قلنا نحن لا نعني بالمرض سوى العلة العارضة التى يخاف معها من استعمال الماء علي أن ابن عباس رضي الله عنه فسر المريض بالجريح كما تقدم فدل على أن اسم المرض يقع على الجراحه: ثم الكسر والانخلاع له حالتان: احداهما أن يحوج إلى القاء الجبائر على موضعه وهي الالواح التى تهيأ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 [لذلك: والثانية ألا يحوج إليه والمعتبر في حاجة الالقاء أن يخاف شيئا من المضار السابقة لو لم يلقها عليه: الحالة الاولي أن يحتاج إلى القائها عليه والغالب في مثلها أن يكون ذلك الموضع بحيث لا يخاف من ايصال الماء إليه وانما يقصد بالقائها الانجبار فإذا ألقاها علي موضع فلا يخلو اما أن يقدر على نزعها عند الطهارة من غير أن يخاف شيئا من المضار السابقة أو لا يقدر عليه فان لم يقدر لم يكلف النزع ويراعى في الطهاره أمورا أحدها غسل الصحيح وفى وجوبه عليه طريقان أحدهما أن فيه قولين في قول يجب وفى قول لا بل يكفيه التيمم وهما عند أصحاب هذا الطريق مخرجان] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 [من القولين فيما إذا وجد من الماء ما يكفى لبعض الاعضاء هل يقتصر على التيمم أم يستعمله مع التيمم ووجه الشبه أنه في الصورتين تمكن من غسل بعض الاعضاء دون بعض وغسل البعض لا يكفى مطهرا والتيمم يكفي مطهرا والطريق الثاني وهو الاصح القطع بوجوب غسل الصحيح لان اعتلال بعضن الاعضاء لا يزيد على فقدانه ولو كان مقطوع بعض الاطراف لم يسقط عنه غسل الباقي فهنا أولي بخلاف ما إذا وجد بعض الماء فان الخلل ثم في الآلة التى تتأدى بها العبادة فأشبه ما إذا وجد بعض الرقبة فان قلنا بالصحيح وهو وجوب غسل الصحيح فيجب ذلك بحسب] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 [الامكان حتى لو قدر على غسل ما تحت أطراف الجبيرة من الصحيح الذى أخذنه الجبيرة وجب ذلك بأن يضع خرقة مبلولة عليه ويعصرها لتنغسل تلك المواضع بالتقاطر منها: والثاني] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 [يجب المسح على الجبيرة بالماء لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا رضى الله عنه أن يمسح على الجبائر وحكي أبو عبد الله الحناطى قولا أنه لا يمسح ويكفيه التيمم: وعن القاضي أبي الطيب أنه قال عندي يكفيه التيمم وغسل الصحيح والاول هو الصحيح المشهور وعليه تتفرع مسائل احداها ان كان جنبا مسح الجبيرة متى شاء وان كان محدثا والجبيرة على بعض] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 [أعضاء الوضوء مسحها إذا وصل إلى غسل العضو الذى عليه الجبيرة فان الترتيب ركن في الوضوء (الثانية) هل تتقدرمدة هذا المسح فيه وجهان: أحدهما نعم لانه مسح على حائل فأشبه المسح على الخف فيتقدر في حق المقيم بيوم وليلة وفى حق المسافر بثلاثة أيام ولياليهن وأصحهما وبه قطع الصيدلاني لا: لان التقدير انما يعرف بنقل أو توقيف ولم يرد بل له الاستدامة الي الاندمال: قال امام الحرمين] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 [وهذا الاختلاف فيما إذا كان يتأتي الرفع بعد انقضاء كل يوم وليلة من غير ضرر فان لم يمكن فلا خلاف في جواز استدامته وان كان يتأتي ذلك في كل طهارة لم يجز المسح ووجب النزع لا محالة: (الثالثة) هل يجب تعميم الجبيرة بالمسح فيه وجهان: احدهما لا بل يكفى ما يقع عليه الاسم لانه مسح بالماء فأشبه مسح الرأس والخف وأصحهما أنه يجب لانه مسح أبيح لضرورة العجز عن الاصل فيجب] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 [فيه التعميم كالمسح في التيمم بخلاف مسح الخف فانه بني على التخفيف والترخص وهاتان المسألتان هما اللتان أشار اليهما بقوله وفى نزوله منزلة المسح على الخف في تقدير مدة وسقوط الاستيعاب وجهان وينبغى أن يكون قوله فيجب غسل ما صح من الاعضاء والمسح على الجبيرة معلما بالواو لما سبق حكايته في الغسل والمسح جميعا: والثالث التيمم على الوجه واليدين وفى وجوبه مع الغسل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 [والمسح طريقان أظهرهما أن فيه قولين أحدهما لا يجب لان المسح على الجبيرة ناب عما تحتها فلا حاجة إلى بدل آخر كالمسح على الخف وأصحهما أنه يجب لحديث جابر رضي الله عنه في المشجوج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 [الذى احتلم واغتسل فدخل الماء شجته ومات ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (انما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب علي رأسه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده) والطريق الثاني ان ما تحت الجبيرة ان كان معلولا بحيث لا يمكن غسله وان كان باديا وجب التيمم كالجريح الذى ليس على جرحه شئ فانه يتيمم وان كان يمكن غسله لو كان باديا فلا حاجة إلى التيمم كالمسح على الخف واعلم ان المشهور عند اصحاب الطريقة الاولى ان المسألة علي قولين وحكوهما جميعا عن البويطى] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 ورووا عن الام أنه يتيمم وعن القديم أنه لايتيمم وصاحب الكتاب عبر عن الخلاف بوجهين تقليدا لامام الحرمين فانه كذا روى فان قلنا يتيمم تفرع عليه مسألتان احداهما لو كانت الجبيرة على موضع التيمم فهل يمسح بالتراب في تيممه فيه وجهان أحدهما نعم محاولة لاتمام التيمم بالمسح بالترا ب كما يحاول اتمام الوضوء بالمسح بالماء وأصحهما لا لان التراب ضعيف فلا يوثر من وراء حائل بخلاف الماء فان] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 [تأثيره من وراء الحائل معهود في المسح عل الخف: الثانية هل يجب تقديم غسل الصحيح على التيمم أم لا أما في حق الجنب فوجهان أحدهما أنه يجب لان الغسل أصل والتيمم بدل فيقدم الاصل كما إذا وجد من الماء مالا يكفيه يستعمله ثم يتيمم وأصحهما أنه يتخير ان شاء قدم وان شاء أخر لانه انما يتيمم لما به من العلة وهى مستمرة بخلاف تلك المسألة فانه انما يتيمم لعدم الماء] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 [فلابد من استعمال الموجود أولا ليصير عادما وأما المحدث ففيه ثلاثة أوجه أشار إليها في الكتاب أحدها يجب تقديم غسل المقدور عليه من أعضاء الوضوء كلها كما ذكرنا في الجنب: والثاني أنه يتخير ان شاء قدم الغسل وان شاء أخره عن التيمم وان شاء أدخله في خلال المغسول ولا نظر الي أن الترتيب مرعى في الوضوء لان التيمم فرض مستقل بنفسه والترتيب انما يراعى في العبادة الواحدة وهذا اختيار الشيخ أبي علي. والثالث وهو الصحيح عند المعظم أن التيمم بدل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 [عن موضع العذر فلا يجوز أن ينتقل عن العضو المعلول قبل أن يتمم ولا يجوز أن يقدمه عليه إذا لم يكن المعلول أول أعضاء الوضوء وذلك لان الترتيب شرط في الوضوء فلا يعدل من عضو الي عضو ما لم يتم تطهير الاول أصلا وبدلا وقول الاول أن التيمم فرض مستقل بنفسه ممنوع بل وصف تابع في طهارة المعلول وكونه مستقلا في بعض المواضع لا ينافى كونه تابعا ههنا فعلى هذا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 لو كانت الجبيرة على الوجه وجب تقديم التيمم على غسل اليدين ويتخير في تقديمه على غسل الصحيح من الوجه وتأخيره عنه فان العضو الواحد لا ترتيب فيه وان كانت علي اليدين وجب أن يكون التيمم مؤخرا عن غسل الوجه مقدما علي مسح الرأس وعلي هذا القياس ولو كان له علي عضوين فصاعدا جبائر فلا بد من تعديد التيمم علي هذا الوجه الثالث نظيره كانت علي الوجه] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 [جبيرة وعلي اليد اخرى يغسل الصحيح من وجهه ويتيمم للمعلول منه ثم يغسل الصحيح من يديه ويتيمم للمعلول منهما ثم يمسح برأسه ويغسل رجليه وعلي الوجه الاول والثاني يكفى التيمم الواحد وان تعددت الجراحات وانما يجوز الاقتصار علي غسل الصحيح والمسح علي الجبائر مع التيمم أو دونه علي الخلاف المتقدم بشرطين أحدهما ألا يأخذ من الصحيح تحت الجبيرة الا القدر الذى] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 [لابد منه للاستمساك: والثاني أن يضع الجبيرة علي طهر كالخف لابد وان يلبس علي الطهارة ليجوز المسح عليه هذا ظاهر المذهب وفى وجه لا يشترط الوضع علي الطهارة ثم ليس معنى اشتراط الطهارة تعذر المسح أصلا ورأسا لو وضع الجبيرة علي الحدث ولكن المراد أنه يلزم النزع وتقديم الطهارة ان أمكن النزع والا فيجب القضاء بعد البرء وفى سقوط الفرض بالتيمم لالقاء الجبيرة خلاف يأتي] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 [ذكره في الباب الثالث من الكتاب ان شاء الله تعالى فهذا إذا لم يقدر علي نزع الجبيرة عند الطهارة فأن قدر علي النزع واحل من غير ضرر فعليه النزع عند الطهارة وغسل ذلك الموضع أن أمكن والمسح بالتراب ان كان علي موضع التيمم ولم يمكن الغسل هذا تمام الحالة الاولى وهى أن يحوجه الكسر إلى القاء الجبيرة عليه: (المسالة الثانية) ألا يحتاج إليه ويخاف من ايصال الماء إليه] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 [فيغسل الصحيح بقدر الامكان ويتلطف إذا خاف سيلان الماء إلى موضع العلة بوضع خرقة مبلولة بالقرب منه ويتحامل عليها لينغسل بالمتقاطر منها ما حواليه من غير أن يسيل إليه ويلزمه ذلك سواء قدر عليه بنفسه أو بغيره فان لم يطعه الغير الا باجرة لزمته كالاقطع الذى يحتاج إلى من يوضئه وهل يحتاج إلى ضم التيمم إليه فيه الخلاف الذى قدمناه في الحالة الاولي ولا يجب مسح] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 [موضع العلة بالماء وان كان لا يخاف من المسح فان الواجب الغسل فإذا تعذر ذلك فلا فائده في المسح بخلاف المسح على الجبيرة فانه مسح على حائل كالخف وقد ورد الخبر به هكذا ذكره الائمة رضي الله عنهم وللشافعي رضي الله عنه نص مساقه وجوب المسح وليس هذا موضع ذكره وإذا فرعنا على أنه يتيمم فلو كانت العلة على محل التيمم امر التراب على موضعها فانه لا ضرر ولا خوف في امرار] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 [التراب عليه بخلاف امرار الماء وكذا لو كان للجراحة أفواه مفتحة وامكن امرار التراب عليها لزم لانها صارت ظاهرة فهذا شرح هذا الفصل وينبغي أن يعلم قوله ثم يتيمم مع الغسل والمسح بالحاء لان أبا حنيفة رحمه الله لا يقول بوجوب الغسل علي الاطلاق ولا بوجوب التيمم علي الاطلاق بل قال ان كان اكثر بدنه صحيحا اقتصر على غسل الصحيح وان كان الاكثر جريحا اقتصر علي التيمم] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 [قال [السابع الجراحة ان لم يكن عليها لصوق فلا يمسح علي محل الجرح وان كان فهو كالجبيرة وفى لزوم القاء اللصوق عند امكانه تردد كالتردد في لزوم لبس الخف علي من وجد من الماء ما يكفيه لو مسح علي الخف] * الجراحة قد تحتاج في معالجتها إلى الصاق لصوق بها من خرقة وقطنة ونحوهما كما يحتاج] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 [في معالجة الانخلاع والانكسار إلى القاء الجبائر وحكم الجراحة وما عليها من اللصوق حكم الانكسار وما علي موضعه من الجبائر فيعود فيه جميع ما سبق وإذا لم يكن علي الجراحة لصوق فلا يجب المسح علي محل الجرح كما ذكرنا في الانكسار إذا لم يكن عليه جبيرة وهل يجب القاء اللصوق عليه عند امكانه وكذا القاء الجبيرة فيه وجهان قال الشيخ أبو محمد يجب لانه لو القى الحائل لمسح عليه بدلا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 [عن الغسل فليتسبب إليه تكميلا للطهارة بقدر الامكان واستبعد امام الحرمين ذلك وقال انه لا نظير له في الرخص وليس للقياس مجال فيها ولو اتبع القياس لكان اقرب شئ ان يمسح علي محل الجرح عند الامكان فإذا لم يجب ذلك فهذا اولى قال ولم ار القول بالوجوب لاحد من الاصحاب ثم رتب عليه ما إذا كان الشخص علي طهارة كاملة وقد ارهقه حدث ووجد من الماء ما يكفى لوجهه] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 [ويديه وراسه ويقصر عن رجليه ولو لبس الخف لامكنه ان يمسح علي خفيه فهل يجب عليه ان يلبس الخف ثم بمسح بعد الحدث عليه قال قياس ما ذكره شيخي ايجاب ذلك وهو بعيد عندي والله اعلم * وإذا عرفت ذلك لم يخف عليك ان المراد من التردد في قول صاحب الكتاب وفى لزوم القاء اللصوق عند امكانه تردد وهو الوجهان اللذان حكيناهما ما صار إليه الشيخ أبو محمد وما] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 [عليه الاكثرون واما ما اشار إليه من التردد في مسألة وجوب اللبس فسياق كلامه يشعر باثبات وجهين في المسألة لكن امام الحرمين لم يذكرهما نقلا عن شيخه وانما قال قياس ما ذكره وجوب اللبس ولا يصح اثبات الخلاف إذا لم يكن نقل الا إذا انتفى الفارق وقد وجد الفرق بين المسألتين وبينه الامام فقال لشيخي ان ينفصل عما ذكرته في المسح علي الخف بانه رخصه محضة فلا يليق بها ايجاب لبس الخف وما نحن فيه من مسالك الضروريات فيجب فيه الاتيان بالممكن والقاء خرقة يمسح عليها ممكن واعلم ان ظاهر المذهب اشتراط الطهارة عند القاء الجبيرة واللصوق ليجوز المسح] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 [عليه كما يشترط ذلك عند لبس الخف وقد بيناه من قبل وإذا كان كذلك فمن يقول بوجوب الالقاء عند الامكان يأمر به قبل الحدث ليمسح عليه إذا تطهر بعد الحدث كما في مسألة اللبس ويضعف المصير الي الوجوب في الصورتين بشئ وهو أن الشخص إذا كان متطهرا فلا يخلو اما أن يكون أدى وظيفة الوقت أو لم يؤدها فان لم يؤدها فهو متمكن من ادائها بهذه الطهارة فلا يكلف والحالة هذه بطهارة أخرى والطهارة التى لا يكلف بها لا يكلف باعداد اسبابها ألا ترى أنه لا يؤمر بامساك الماء ليتوضأ به للصلاة التى لم يدخل وقتها ولو صبه هزلا واحتاج إلى الصلاة بالتيمم لم يلزمه القضاء] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 [وان أدى وظيفة الوقت فليس عليه طهارة أخرى حتى يدخل وقت الصلاة الاخرى ولا يكلف باعداد اسباب الطهارة التي لم يلزم بعد قال [ومهما تيمم لمرض أو جراحة أعادة لكل صلاة ولم يعد الوضوء ولا المسح] الاصل في المسألة أن التيمم لا يؤدى به فريضتان بل تفتقر كل فريضة إلى تيمم وكذلك وضوء المستحاضة وسنذكره في موضعه وإذا عرفت ذلك فنقول من غسل الصحيح وتيمم لمكان عذر المرض أو الانخلاع أو الجراحة أما مع المسح علي الحائل أو دونه إذا لم يكن حائل وصلي فريضة بطهارته فله أن يصلي بها من النوافل ما شاء ولابد من اعادة التيمم للفريضة الاخرى وان لم يحدث وهل يحتاج الي اعادة الوضوء مع التيمم المعاد فيه طريقان أحدهما أن فيه قولين كما لو] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 [نزع الماسح علي الخف الخف أو انقضت مدة المسح هل يستأنف الوضوء أم يقتصر علي غسل الرجلين فيه قولان ووجه الشبه أن الطهارة في الصورتين كملت من جنسين أصل وبدل فإذا بطل حكم البدل هل يبطل الاصل حتى يؤمر بالاستئناف فيه اختلاف والطريق الثاني القطع بنفى الاستئناف لان التيمم طهارة مستقلة في الجملة فلا يلزم بارتفاع حكمها انتقاض طهارة أخرى وان كانت بعضها من منها في هذه الصورة كما لو اغتسل الجنب ثم أحدث يلزمه الوضوء ولا ينتقض غسله وان كان أعضاء الوضوء بعض المغسول في الجنابة لان الوضوء طهارة مستقلة في الجملة ويخرج عليه المسح علي الخف فانه غير مستقل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 [أصلا وهذا الخلاف جار في الجنب إذا غسل الصحيح من بدنه وتيمم للعليل وصلي هل يفتقر للفريضه الثانية إلى استئناف الغسل مع التيمم وإذا فرعنا علي الصحيح وهو أنه لا يجب استئناف الوضوء والغسل فهل يجب اعادة شئ منهما مع التيمم أما في الغسل فلا: وأما في الوضوء فوجهان أحدهما وبه قال احمد ابن الحداد لا: لان الوضوء الكامل لا يجب اعادته لكل فريضة فكذلك غسل الصحيح الذى هو بعضه وانما التيمم هو الذي يعاد لكل فريضة وأظهرهما انه يجب أن يعيد مع التيمم غسل كل عضو يترتب علي العضو المجروح رعاية للترتيب فانه إذا تيمم بدلا عن محل العذر فإذا وجب اعادته خرج ذلك العضو عن أن يكون طهارته] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 [تامة فإذا أتمها وجب اعادة غسل ما بعد ذلك العضو كما لو أغفل لمعة من وجهه وتنبه له بعد الفراغ يغسلها وما بعد الوجه من الاعضاء ثم نعود إلى لفظه في الكتاب ونقول لا يخفى أن قوله لم يعد الوضوء لكل صلاة أراد الفريضة لا مطلق الصلاة وهكذا هو في بعض النسخ وينبغي أن يعلم قوله بالواو لما حكينا من الخلاف ثم لك أن تقول قوله ولم يعد الوضوء أما ان يعنى به أنه لا يعيد الوضوء بكماله أي لا يستأنف أو يعنى به أنه لا يعيد شيئا منه والاول صحيح وجواب علي الطريقة الثانية الا أن كلامه في الوسيط يبين أنه ما أراده وانما أراد المعني الثاني لانه قال يجب اعادة التيمم عند كل صلاة ولا يجب اعادة الغسل ولا اعادة مسح الجبيرة فنفى اعادة مطلق الغسل لكن ارادة المعنى الثاني لا تحسن من وجهين أحدهما] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 [أنه يكون جوابا بالوجه الاول الذى ذهب إليه ابن الحداد وظاهر المذهب انما هو الثاني والثانى أن الشيخ أبا علي والمعتبرين قالوا الخلاف في أنه هل يعيد شيئا من الوضوء أم لا مبني علي الخلاف الذى سبق في أن التيمم المضموم إلى الوضوء هل يعتبر فيه الترتيب أم لا فان أوجبنا الترتيب اعاد ههنا مع التيمم غسل الاعضاء المترتبة علي العضو المعلول والا فلا وإذا كان كذلك فصاحب الكتاب قد اختار ثم وجه اعتبار الترتيب وعبر عنه بالاعدل فلا يلائمه أن يقول ههنا لا يعيد شيئا من الوضوء أصلا والله أعلم * ولو تطهر المعلول كما ذكرنا ثم برأ وهو علي طهارته غسل موضع العذر جنبا كان أو محدثا ويغسل المحدث ما بعد العضو المعلول أيضا بلا خلاف رعاية للترتيب وهل يجب استئناف الوضوء والغسل فيه القولان في نزع الخف هذا إذا تحقق الاندمال والبرء بعد الطهارة وهو كما لو وجد العادم الماء بعد التيمم فيبطل تيممه وغسل ذلك الموضع والاستئناف علي ما ذكرنا ولو توهم الاندمال فرفع اللصوق فإذا هو لم يندمل لم يبطل تيممه على أصح الوجهين بخلاف ما إذا توهم وجود الماء يبطل تيممه وان بان خلاف ما توهمه لان توهم الماء يوجب الطلب وتوهم الاندمال لا يوجب البحث والطلب عنه وإذا وجب الطلب بطل التيمم لان التيمم طهارة ضرورة فلا صحة له الا حيث يتمكن من الصلاة وإذا وجب الطلب لم يتمكن من الصلاة وتوقف امام الحرمين في قول الاصحاب لا يجب الطلب عند] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 [توهم الاندمال] قال [الباب الثاني في كيفية التيمم وله سبعة اركان الركن الاول نقل التراب إلى الوجه واليدين فلا يكفى ضرب (ح) اليد علي حجر صلد ثم ليكن المنقول ترابا طاهرا خالصا مطلقا فيجوز التيمم بالاعفر والاسود والاصفر والاحمر والابيض وهو المأكول والسبخ والبطحاء فان كل ذلك تراب ولا يجوز الزرنيخ (ح) والجص (ح) والنورة (ح) والمعادن إذ لا يسمى ترابا ولا يجوز التراب النجس والمشوب بالزعفران وان كان قليلا ولا التراب المستعمل علي أحد لوجهين ولا يجوز سحاقة الخزف وفى الطين المسوى المأكول تردد ويجوز بالرمل إذا كان عليه غبار] جعل للتيمم سبعة أركان أحدها نقل التراب إلى الوجه واليدين وغرضه في هذا الفصل الكلام في التراب وما يعتبر فيه من الاوصاف فأما الكلام في النقل وفى الوجه واليدين فهو مذكور فيما بعد من الاركان وجملة ما اعتبره فيما يتيمم به أربعة أمور أن يكون ترابا طاهرا خالصا مطلقا أما كونه ترابا فلابد منه وبه قال أبو يوسف وأحمد فلا يكفى ضرب اليد على حجر صلد لا غبار عليه خلافا لابي حنيفة ومحمد حيث قالا يجوز بكل ما هو من جنس الارض كالتراب والرمل والحجر والزرنيخ والكحل ولا يشترط أن يكون على الحجر المضروب عليه غبار ولمالك حيث قال بمثل قولهما وزاد فجوز بكل متصل بالارض أيضا كالاشجار والزرع لنا قوله تعالى] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 [فتيمموا صعيدا طيبا) عن ابن عمر وابن عباس رضى الله عنهما (أي ترابا طاهرا) وعن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (فضلنا على الناس بثلاث جعلت لنا الارض مسجدا وجعل ترابها طهورا) عدل إلى ذكر التراب بعد ذكر الارض ولولا اختصاص الطهورية بالتراب لقال جعلت لنا الارض مسجدا وطهورا ثم اسم التراب لا يختص ببعض الالوان والانواع ويدخل فيه الاصفر وهو ما لا يخلص بياضه والاصفر والاسود ومنه طين الدواة والاحمر ومنه الطين الارمني الذى يوكل تداويا والابيض ومنه الذى يؤكل سفها ويقال انه الخراساني والسبخ وهو الذى لا ينبت دون الذى يعلوه ملح فان الملح ليس بتراب والبطحاء وهو التراب اللين في مسيل الماء وكل ذلك يقع عليه اسم التراب كما يقع اسم الماء على الملح والعذب والكدر والصفى وسائر الانواع وقد تيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتراب المدينة وأرضها سبخة وقد روى أن الشافعي رضى الله عنه قال في بعض المواضع في بيان ما لا يتيمم به (ولا السبخ ولا البطحاء) وليس ذلك باختلاف قول منه باتفاق الاصحاب وانما أراد به ما إذا كانا صلبين لا غبار عليهما فهما إذا كالحجر الصلب ولو ضرب اليد على ثوب أو جدار ونحوهما وارتفع غبار كفى فانه تيمم بالتراب وسئل القاضي الحسين عن تراب الارضة فقال ما أخرجته من الخشب لم يجز التيمم به فانه ليس بتراب وان أشبهه وان أخرجته من مدر جاز ولا بأس باختلاطه بلعابها كالتراب] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 [المعجون بالخل إذا جف يتيمم به ولا يدخل تحت اسم التراب الزرنيخ والنورة والجص وسائر المعادن فلا يجوز التيمم بها وأغرب أبو عبد الله الحناط من أصحابنا فحكي في جواز التيمم بالذريرة والنورة والزرنيخ قولين وكذا في الاحجار المدفونة والقوارير المسحوقة واشباهها وأما الرمل فقد حكي عن نصه في القديم والاملاء جواز التيمم به وعن الام المنع واختلفوا فيه على طريقين أحداهما وبها قال صاحب التلخيص أنه على قولين أحدهما المنع كالحجارة المدفونة والثاني الجواز لانه من جنس التراب وعلي طبعه والثانية وهى الصحيحة انه ليس فيه اختلاف قول والنصان محمولان علي حالتين ان كان خشنا لا يرتفع منه غبار لم يكف ضرب اليد عليه وهو المراد بالمنع وان كان يرتفع منه غبار يعلق باليد يجوز التيمم به فان ذلك المرتفع غبار وهو المراد بالجواز وأما كون المتيمم به طاهرا فلابد منه فلا يجوز التيمم بالتر اب النجس كما لا يجوز الوضوء بالماء النجس والتراب النجس هو الذى أصابه مائع نجس أما إذا اختلط به جامد نجس كأجزاء الروث فلا مؤثر في أجزائه بالنجاسة لكن لا يجوز التيمم به أيضا لانه إذا استعمله كان الواصل إلى بعض أجزائه ترابا والى بعضها روثا والنجس لا يطهر ولو تيمم بتراب المقابر التي عم فيها النبش وغلب اختلاط صديد الموتي به ففى جوازه قولا تقابل الاصل والغالب الظاهر كما تقدم وان ضرب يده علي ظهور كلب عليه تراب فان عرف التصاقه به في حالة الجفاف جاز وان عرف التصاقه به في حال الرطوبة أو علم] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 [أنه أصابه عرق فلا وان تردد فيه فعلي القولين وأما كونه خالصا فيخرج عن المثوب بلزعفران والدقيق ونحوهما فان كان الخليط كثيرا لم يجز التيمم به بلا خلاف فان الخليط الكثير يسلب طهورية الماء مع قوته فأولى أن يسلب ههنا وان كان قليلا فوجهان عن أبى اسحاق وصاحب التقريب انه لا يضر كما في الماء الحافا بالمغمور بالمعدوم وقال الاكثرون أنه يسلب طهوريته كالكثير بخلاف الماء فانه نظيف لا يمنعه الخليط عن السيلان فيزيل جزء الدقيق في صوب جريانه ويجرى علي موضعه وليس للتراب هذه القوة لكثافته فالموضع الذى علق به الدقيق لا يصل إليه التراب ثم بماذا تعتبر القلة والكثرة ولو اعتبرت الاوصاف الثلاثة كما في الماء لكان مسلكا وأما كونه مطلقا فقد قال امام الحرمين يتعلق به شيئان أحدهما الكلام في التراب المستعمل ونحن نذكر حكم المستعمل ثم تعود إلى ما ذكر من التعلق بوصف الاطلاق واختلفوا في أن التراب المستعمل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 [في التيمم هل يجوز استعماله فيه ثانيا وثالثا علي وجهين أصحهما لا كما في الماء لانه تأدت به العبادة واستبيح به الصلاة والثاني نعم بخلاف الماء لانه يرفع الحدث والتراب لا يرفع فلا يتأثر بالاستعمال ثم الكلام في أن الملتصق من التراب بالوجه واليدين مستعمل حتى لا يجوز علي الاصح أن يضرب الانسان يده علي وجه المتيمم ويده ليتيمم بالغبار المأخوذ منه وأما المتناثر فهل هو مستعمل حتى يعود فيه الخلاف المذكور فيه وجهان أحدهما لا: لان التراب كثيف إذا علقت منه صفحة بالمحل منعت التصاق غيرها به وإذا لم يلتصق بالمحل فلا يؤثر ولا يتأثر بخلاف الماء فان صفحاته رقيقة لطيفة فيلاقى المحل بجميعها وأصحهما أنه مستعمل كالمتقاطر من الماء لان الملتصق والساتر مادام يمسح يتردد من الموضع إلى الموضع والفرض يسقط بالجميع فهذا هو حكم المستعمل والذى ذكره الامام من تعلقه بوصف الاطلاق فليس له وجه بين لان التراب المستعمل موصوف بوصف الاطلاق كما أنه موصوف] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 [بوصف الخلوص وسائر الاوصاف التي هي معتبرة في المتيمم به الا ترى ان الامام الغزالي قدس الله روحه استثني الماء المستعمل من الماء المطلق في أول الكتاب ولولا كون المستعمل مطلقا لما انتظم الاستثناء نعم من قال لا يجوز التيمم بالمستعمل اعتبر سوى الاوصاف الاربعة شرطا آخر وهو ألا يكون مستعملا ومن جوز التيمم به اكتفى بالاوصاف الاربعة ومعلوم ان هذا الكلام لا اختصاص له بقيد الاطلاق: الثاني قال ان سحاقة الخزف أصلها تراب ولكنها لا تسمى ترابا مطلقا فلا يجوز التيمم بها وتابعه صاحب الكتاب فجعل وصف الاطلاق احترازا عن السحاقة ذكره في الوسيط ولك أن تقول التراب المطلق وغير المطلق يشتركان في مسمى التراب وسحاقة الخزف لا تسمى ترابا أصلا لا مطلقا ولا غير مطلق فهى خارجة عن اسم التراب ولا حاجة إلى هذا القيد يوضح ذلك انه حكي عن نص الشافعي رضي الله عنه في الام انه قال ان دق الخزف ناعما لم يجز التيمم به لان الطبخ احاله عن أن يقع عليه اسم التراب ولو أحرق التراب حتى صار رمادا فكذلك لا يجوز التيمم به ولو شوى الطين المأكول وسحقه ففى جواز التيمم به وجهان أحدهما لا يجوز كالخرف والآخر المسحوقين والثانى يجوز وهو الاظهر لان اسم التراب لا يبطل بمجرد الشي بخلاف طبخ الخزف والآجر فانه يسلب اسم التراب ويجعله جنسا آخر ولو أصاب التراب نار فاسود ولم يحترق بحيث يسمي رمادا فعلى هذين الوجهين * ونختم الفصل بالتنصيص على المواضع المستحقة من لفظ الكتاب المرقوم المشيرة إلى ما حكينا من الاختلافات فنقول ينبغى أن يعلم قوله فلا يكفى] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 [ضرب اليد على حجر صلد بالحاء والميم وكذا لفظ التراب في قوله ثم ليكن المنقول ترابا طاهرا وقوله ولا يجوز الزرنيخ إلى آخره بهما وبالواو لما رواه الحناطى وقوله وان كان قليلا بالواو وكذا سحاقة الخزف لما رواه الحناطى وقوله ويجوز بالرمل بالواو قال [الثاني القصد إلى الصعيد فلو تعرض لمهب الريح لم يكف ولو يممه غيره باذنه وهو عاجز جاز وان كان قادرا فوجهان] القصد إلى التراب معتبر واحتجوا عليه بقوله تعالى (فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا) أمر بالتيمم والمسح والتيمم القصد فلو وقف في مهب الريح فسفت عليه التراب فامر اليد عليه نظر ان وقف غيرنا وثم لما حصل التراب عليه نوى التيمم لم يصح تيممه وان وقف قاصدا بوقوفه التيمم حتى أصابه التراب فمسحه بيده فظاهر نص الشافعي رضي الله عنه وقول اكثر الاصحاب أنه لا يصح تيممه لانه لم يقصد التراب وانما التراب أتاه وعن أبي حامد المروزى قدس الله روحه أنه لا يصح كما لو جلس في الوضوء تحت الميزاب أو برز للمطر وذكره صاحب التقريب وبه قال الحليمى والقاضى أبو الطيب وحكاه القاضى أبو القاسم بن كج عن نص الشافعي رضى الله عنه وإذا عرفت ذلك فاعلم أن لفظ الكتاب في المسألة يجوز أن يراد به الصورة الاولى ويجوز أن يراد به الثانية أو المشترك بينهما وعلي هذا يكون نفى الجواز جوابا على أظهر الوجهين والظاهر الاحتمال الثاني لانه حكى الخلاف في الوسيط ولا خلاف في] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 [الصورة الاولى وإذا كان كذلك فليكن قوله لم يكف معلما بالواو ولو يممه غيره نظر ان كان بغير اذنه فهو كالتعرض لمهب الريح وان كان باذنه نظر ان كان عاجزا عن المباشرة بنفسه لقطع أو مرض جاز بل يجب عليه ذلك إذا وجد غيره وان كان قادرا فوجهان قال صاحب التلخيص لا يجوز كما في مسألة الريح لانه مأمور بقصد التراب ولم يقصد والاظهر الجواز اقامة لفعل نائبه مقام فعله ويحكي ذلك عن نصه في الام قال [الثالث النقل فلو كان على وجهه تراب فردده بالمسح لم يجز إذ لا نقل فان نقل من سائر أعضائه الي وجهه جاز وان نقل من يده إلى وجهه جاز على الاصح ولو معك وجهه في التراب جاز على الصحيح] نقل التراب الممسوح به إلى العضو ركن في التيمم واحتجوا عليه بأن الله تعالى أمر بالتيمم وهو القصد وانما يكون قاصدا إذا نقل التراب الي المحل الممسوح وغير هذا الاستدلال أوضح منه وجملة المذهب في النقل أن يكون على العضو الممسوح به اما ان التراب الممسوح أو ينقل إليه من غيره فان كان عليه بان كانت الريح قد سفته عليه من غير قصد منه إلى التيمم أو بسبب آخر فردده عليه من جانب إلى جانب ومسحه لم يجز لانه لم ينقل ولو أخذه منه ورده إليه ومسحه به جاز على أصح الوجهين لانه بالانفصال انقطع حكم ذلك العضو عنه وان نقله إلى العضو الممسوح من غيره نظر ان نقله من عضو ليس هو محل التيمم فيجوز كما لو نقله من الارض أو من بدن غيره وهذا ما أراد بقوله وان نقله من سائر أعضائه وان نقله من يده إلى وجهه أو بالعكس فوجهان أحدهما لا يجوز لانه منقول من محل الفرض فاشبه مالو نقل من أعلى الوجه الي أسفله أو من الساعد إلى الكف وأظهرهما يجوز لانه منقول من غير العضو الممسوح به] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 [فصار كالمنقول من الرأس والظهر وهذا في غير تراب التيمم: فأما لو مسح وجهه بتراب كثير ثم أخذه ليمسح به اليد زاد النظر في استعمال المستعمل وقد سبق ذلك ولو تمعك في التراب فوصل إلى وجهه ويديه بهذا الطريق نظر ان كان معذورا جاز نص عليه والا فوجهان أحدهما لا يجوز لانه لم ينقل التراب إلى أعضاء التيمم انما نقل العضو إليه وادعى المسعودي ان هذا ظاهر المذهب وأصحهما عند الاكثرين الجواز لان القصد إلى التراب قد تحقق بهذا الطريق وهو المطلوب ولو سفت الريح ترابا على كمه فمسح به وجهه جاز على أصح الوجهين وكذا لو أخذ التراب من الهواء للمسح حالة اثارة الريح اياه * قال [الرابع أن ينوى استباحة الصلاة فلو نوى رفع الحدث لم يجز وأكمله أن ينوى استباحة الفرض والنفل جميعا أو استباحة الصلاة مطلقا (و) فيكفيه فلو نوى استباحة الفرض جاز النفل أيضا بالتبعية على الصحيح ولكن في جوازه بعد وقت تلك الفريضة أو قبل فعلها خلاف مشهور ولو نوى النفل ففى جواز الفرض به قولان فان منع ففى جواز النفل وجهان من حيث أن النفل كالتابع فلا يفرد ولو نوى استباحة فرضين صح تيممه لفرض واحد على أحد الوجهين] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 [النية واجبة في التيمم قال صلى الله عليه وسلم (ليس للمرء من عمله الا ما نواه) وقد ذكرنا صحة الوضوء إذا نوى أحد أمور ثلاثة فبين في التيمم حكمها الاول رفع الحدث وهل يجوز التيمم بهذه النية فيه وجهان أحدهما نعم لان التيمم يرفع الحدث في حق الفريضة الواحدة والنوافل لانها مستباحة به وقد قال صلى الله عليه وسلم (لا صلاة الا بطهارة) ولان رفع الحدث يتضمن استباحة الصلاة فقصد رفع الحدث يتضمن قصد الاستباحة ويحكي هذا الوجه عن ابن سريح وجعله ابن خيران قولا للشافعي رضى الله عنه وأصحهما وهو المذكور في الكتاب انه لا يجوز لان التيمم لا يرفع الحدث الا ترى] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 [انه صلي الله عليه وسلم قال لعمرو بن العاص وقد تيمم للجنابة من شدة البرد (يا عمرو صليت باصحابك وأنت جنب فقال عمرو اني سمعت الله تعالى يقول ولا تقتلوا أنفسكم فضحك رسول الله صلي الله عليه وسلم ولم ينكر عليه شيئا) سماه جنبا بعد التيمم ولانه لو رفع الحدث لما بطل الا بعروض الحدث ولما تأثر بروية الماء وإذا لم يرفع الحدث لم يصح التيمم بنية رفعه كما لو قصد شيئا آخر لا يفيده التيمم ولو تيمم الجنب بنية رفع الجنابة فهو علي هذا الخلاف الثاني استباحة الصلاة وغيرها مما لا يباح الا بالطهارة وإذا تيمم بنية استباحة الصلاة مثلا فله أربعة احوال أحدها أن يقصد استباحة نوعيها الفرض والنفل وأخطرهما بالبال فيصح تيممه لانه قد تعرض لمقصود التيمم ويباح له الفريضة بهذا التيمم وكذلك النافلة قبل الفريضة وبعدها حكي عن نصه في رواية البويطي وفى وجه ليس له النفل بعد خروج وقت الفريضة وانما يخرج هذا الوجه إذا كانت الفريضة المنوية معينة وهل يشترط تعينها بصفاتها أم يكفى نية مطلق الفريضة فيه وجهان أحدهما يشترط ويروى ذلك عن أبي اسحق وابن أبي هريرة وبه قال أبو قاسم الصيمري] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 [واختاره الشيخ أبو علي لانه لابد من نية الفريضة ليستبيحها فلابد من تعينها الا ترى ان في نية الصلاة لما وجب التعرض للفريضة وجب تعينها وأصحهما عند الاكثرين أنه لا يشترط لانه لا يحتاج في الطهارة إلى تعيين الحدث الذى ينوى رفعه فكذلك لا يحتاج الي تعين ما ينوى استياحته وعلى هذا إذا أطلق صلى أية فريضة شاء ولو عين واحدة جاز له أن يصلي غيرها: (الحالة الثانية) أن ينوى الفريضة ولا تخطر له النافلة فتباح الفريضة له بشرط التعيين أو دونه كما سبق لانه نواها وللمرء من عمله ما نواه وحكم المنذورة حكم المكتوبات الخمس وإذا استباح الفريضة بهذا تيمم فهل له أن يتنفل به قبل فعل الفريضة فيه قولان أحصهما نعم لان النوافل تبع الفرائض فإذا صلحت طهارته للفريضة التي هي الاصل فللنوافل أولى: والثاني لا يجوز وبه قال مالك لان النوافل تؤدى بالتيمم تبعا للفرائض فانه طهارة ضرورة ولا ضرورة في الاتيان بالنوافل والتابع لا يقدم علي المتبوع وهل يتنفل بعد الفريضة فيه طريقان أصحهما القطع بانه يتنفل لانه إذا قدم] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 [الفريضة فقد حافظ على قضية التبعية وهى تقديم المتبوع وتأخير التابع: والثاني وهو اختيار القفال فيما حكاه الشيخ أبو محمد طرد القولين وجه المنع انه لم ينو غير الفريضة فلا يباح له غيرها فان جوزنا له التنفل بعد الفريضة؟ ذلك مادام وقت الفريضة باقيا ان عينها فإذا خرج فل يجوز له أن يتنفل بذلك التيمم: فيه وجهان أظهرهما نعم لانه إذا جاز له التنفل وجب ألا يفترق الحال فيه بين ما قبل انقضاء الوقت وما بعده كما في الوضوء: والثاني لا لانقطاع التبعية بانقضاء الوقت ومن قال بالطريقة الثانية في أنه هل يتنفل بعد الفريضة وطرد القولين انتظم منه أن يقول إذا تيمم للفرض فهل له ان يتنقل فيه قولان ان قلنا نعم فذلك بعد فعل الفريضة وقبل خروج وقته: أما قبل فعله فهل له ذلك قولان وبعد خروج الوقت وجهان وكلام صاحب الكتاب الي هذا الايراد أقرب فقوله جاز النفل أيضا بالتبعية على الصحيح أي من القولين وقوله خلاف مشهور يعنى به قولين فيما قبل فعل الفريضة ووجهين فيما بعد وقتها وهذا كله فيما إذا لم يقصد عددا من الفرض بل قصد نوع الفرض أو فريضة واحدة أما إذا تيمم لفائتتين أو منذورتين فهل يصح تيممه فيه وجهان أصحهما نعم لانه نوى الواحدة وزاد فلغت الزيادة وعمل الاصل والثاني لا: لانه نوى مالا يباح بالتيمم الواحد ففسدت نيته وصار كما لو لم ينو أصلا وقرب امام الحرمين الوجهين ههنا من الوجهين فيما إذا نوى المتوضي استباحة صلاة دون غيرها لانه بقتصر النية على النية على الصلاة الواحدة مخالف حكم الوضوء كما أن المتيمم بنية الزيادة مخاف حكمه وإذا عين فريضة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 [فيشترط أن تكون عليه حتى لو تيمم لفائتة ظنها عليه ولم تكن عليه فائتة أصلا أو تيمم لفائتة ظهر ثم بان أن التى عليه عصر لم يصح تيممه لان استباحة الفريضة لازمة وان لم يجب التعيين فأذا عين وأخطأ لم يصح كما إذا عين الامام في الصلاة وأخطأ بخلاف مثله في الوضوء لان نية الاستباحة غير لازمة في الوضوء من أصلها فلا يضر الخطأ فيها كما لو عين المصلي اليوم وأخطأ: (الحالة الثالثة) أن ينوى النفل ولم يخطر له الفرض فهل يباح له الفرض بهذا التيمم فيه قولان أصحهما لا: لان الفرض هو الاصل والنفل تبع فلا يجعل المتبوع تابعا: والثاني نعم لانه نوى بطهارته ما يفتقر إلى الطهارة فاشبه مالو توضأ للنافلة وعن أبي الحسين ابن القطان أنه لا يختلف القول في انه لا يباح الفرض به فهذا طريق آخر جازم فان قلنا يباح له الفريضة فالنافلة أولى وان قلنا لا يباح الفريضة ففى النافلة وجهان أصحهما أنها تباح لانه نواها بطهارته والتيمم صالح للفرض إذا نواه فللنفل أولى والثاني لا يباح لان النفل تابع والتيمم طهارة ضرورة فلا يجعل مقصدا به ومن قال بهذا الوجه فقد قال بان هذا التيمم لا يصح أصلا ولو نوى بتيممه حمل المصحف أو سجود التلاوة أو الشكر أو نوي الجنب الاعتكاف وقراءة القرآن فهو كما لو نوى بتيممه صلاة النفل ففى جواز] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 [الفريضة له قولان وإذا منعنا ففى جواز ما نواه وجهان ولو تيمم لصلاة الجنازة فهو كما لو تيمم للنافلة على أظهر الوجهين لانها وان تعينت عليه فهي كالنافلة من حيث انها لا تنحصر وهى غير متوجهة نحوه على التعيين ويتصور سقوطها بفعل الغير بخلاف المكتوبات ولو نوت الحائض استباحة الوطئ صح تيممها على أصح الوجهين لانه مما يفتقر إلى الطهارة لكنه يكون كالتيمم للنافلة (الحالة الرابعة) أن يقصد نفس الصلاة من غير تعرض للفرض والنفل ففيه وجهان أحدهما أنه كما لو نوى الفرض والنفل جميعا وهذا هو الذى ذكره في الكتاب حيث قال أو استباحة الصلاة مطلقا فيكفيه وهو قياس قول الحليمي فيما حكاه أبو الحسن العبادي وقطع به امام الحرمين رحمهم الله لان الصلاة اسم جنس يتناول الفرض والنفل جميعا فاشبه ما لو تعرض لهما في نيته والثانى أنه كما لو نوى النفل وحده لان مطلق اسم الصلاة محمول عليه والفرض يحتاج إلى تخصيصه بالنية الا ترى أنه لو تحرم بالصلاة مطلقا انعقدت صلاته نفلا وهذا الوجه أظهر ولم يذكر أصحابنا العراقيون غيره وهو المنقول عن القفال فهذا تمام الاحوال الاربع وهى بأسرها مذكورة في الكتاب الامر الثالث لو نوى فريضة التيمم أو اقامة التيمم المفروض ففيه وجهان أحدهما يصح تيممه كما يصح الوضوء بهذه النية وأصحهما أنه لا يصح لان التيمم ليس مقصودا في نفسه وانما يؤتي به عن ضرورة فلا يصلح مقصدا بخلاف الوضوء ولهذا يستحب تجديد الوضوء دون التيمم واعلم انه كما لا يجوز أن تتأخر النية في الوضوء عن أول فعل مفروض كذلك لا يجوز في التيمم وأول أفعاله المفروضة نقل التراب ولو قارنته النية وعزبت قبل مسح شئ من الوجه فهل يجوز وجهان أحدهما نعم كما لو قارنت أول غسل الوجه في الوضوء وعزبت بعده وأظهرهما وهو الذى ذكره في التهذيب أنه لا يجوز لان النقل وان كان واجبا الا أنه ليس بركن مقصود في نفسه بخلاف غسل الوجه في الوضوء ولو تقدمت النية على أول فعل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 [مفروض فهو كمثله في الوضوء قال [الخامس أن يستوعب (ح) وجهه بالمسح ولا يلزمه ايصال التراب إلى منابت الشعور وان خفت] قال الله تعالي (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) يجب استعياب الوجه بالمسح بالتراب خلافا لابي حنيفة حيث قال يجوز أن يترك من ظاهر الوجه دون الربع حكاه الصيدلاني من أصحابنا وعن الحسن بن زياد عن أبي حنيفة انه إذا مسح أكثر وجهه أجزأه لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم (تيمم فمسح وجهه ويديه) ومن لم يستوعب صح أن يقال ما مسح وجهه انما مسح بعض الوجه وأيضا وانه عضو هو محل الفرض في الطهارتين يجب استيعابه في الوضوء فيجب في التيمم ولا يجب اتصال التراب إلى منابت الشعور خفيفة كانت أو كثيفة عامة كانت أو نادرة كلحية المرأة لان النبي صلى الله عليه] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 [وسلم تيمم بضربتين مسح بأحدهما وجهه وبالضربة الواحدة لا يصل التراب إلى منابت الشعور وفيه وجه أنه يجب ايصال التراب إلى ما تحت الشعور التي يجب ايصال الماء إليها اعطاء للبدل حكم الاصل والفرق ظاهر لعسر ايصال التراب إلى منابت الشعور وهل يجب مسح ظاهر المسترسل من اللحية الخارج عن حد الوجه فيه قولان كما في الوضوء قال [السادس مسح اليدين إلى المرفقين (م) فيضرب ضربة واحدة لوجهه ولا ينزع خاتمه ولا يفرج أصابعه وينزع ويفرج في الضربة الثانية ويمسح الي المرفقين ولا يغفل شيئا] يجب استيعاب اليدين إلى المرفقين بالمسح في التيمم كما يجب الاستيعاب بالغسل في الوضوء لما روى أنه صلى الله عليه وآله تيمم فمسح وجهه وذراعيه والذراع اسم للساعد إلى المرفق وروى أنه صلى الله] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 [عليه وسلم (قال التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين) وقال مالك واحمد يمسح يده إلى الكوعين لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (لعمار يكفيك ضربة للوجه وضربة للكفين) ونقل مثل هذا عن القديم للشافعي رضي الله عنه وأنكر الشيخ أبو حامد وطائفة ذلك وسواء ثبت أم لا فالمذهب الاول واعلم انه قد تكرر لفظ الضربتين في الاخبار فجرى طائفة من الاصحاب على الظاهر وقالوا لا يجوز أن ينقص منها ويجوز أن يزيد فانه قد لا يتأتي له الاستيعاب بالضربتين وقال آخرون الواجب ايصال التراب إلى الوجه واليدين سواء كان بضربة أو اكثر وهذا أصح نعم يستحب ألا يزيد ولا ينقص وحكي القاضي ابن كح عن بعض أصحابنا أنه يستحب] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 [أن يضرب ضربة للوجه واخرى لليد اليمنى واخرى لليسرى والمشهور الاول وصورة الضرب غير معينة بل لو كان التراب ناعما فوضع اليد عليه وعلق الغبار بيده كفى ثم إذا أخذ التراب بدأ في مسح الوجه باعلاه ومسح اليدين بان يضع أصابع يده اليسرى سوى الابهام علي ظهور أصابع اليمني سوى الابهام بحيث لا تخرج انامل اليمني عن مسبحة اليسرى ويمرها على ظهر كفه اليمني فإذا بلغت الكوع ضم اطراف أصابعه إلى حرف الذراع ويمرها إلى المرفق ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع فيمرها عليه وابهامه منصوبة فإذا بلغ الكوع مسح ابهامه ببطنها ظهر ابهامه اليمنى ثم يضع أصابع اليمنى على اليسرى فيمسحها كذلك وهذه الكيفية محبوبة علي المشهور وقد زعم بعضهم أنها منقولة من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الصيدلاني أنها غير واجبة ولا سنة وهو قضية كلام أكثر الشارحين للمختصر قالوا أنما ذكر الشافعي رضى الله عنه هذه الكيفية ردا علي مالك رضي الله عنه حيث قال بالضربة الواحدة لا يتأتي المسح إلى المرفقين وهذا يشعر بأنها غير محبوبة ولا مقصودة في نفسها وهل يفرق أصابعه في الضربتين أما في الثانية فنعم وأما في الاولى فقد روى المزني التفريق أيضا واختلف الاصحاب فيه فغلطه قوم منهم القفال وقالوا لا يفرق في الضربة الاولى لانها لمسح الوجه] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 [ولا يمسح الوجه بما بين الاصابع وما لم يمسح الوجه لا يدخل وقت مسح اليدين حتى يقدر الاحتساب به عن اليدين فلا فائدة في التفريق وأما في الضربة الثانية دخل وقت مسح اليدين فيفرق حتي يستغنى عن ايصال التراب إليها مما علي الكف وصوبه آخرون وقالوا فائدته زيادة تأثير الضرب في أثارة الغبار لاختلاف موضع الاصابع إذا كانت مفرقة وهذا أصح ثم القائلون بالاول اختلفوا في أنه هل يجوز أن يفرق في الضربة الاولى فقال الاكثرون نعم إذ ليس فيه الا حصول تراب غير مستعمل بين أصابعه فان لم يفرق في الضربة الثانية كفاه ذلك التراب لها وان فرق حصل فوقه تراب آخر غير مستعمل فيقع المجموع عن الفرض وقال الاقلون ومنهم القفال لا يجوز ذلك ولا يصح تيممه لو فعل لان فرض ما بين الاصابع لا ينأتي بالضربة الاولى لوجوب الترتيب وحصول ذلك الغبار ولمنع وصول الثاني ولصوقه بالمحل ومن قال بالاول قال الغبار الاول لا يمنع وصول الثاني أو لا يمنع الوصول المعتبر ولهذا لو غشيه غبار في تقبله في السفر ثم تيمم يصح تيممه ولا يكلف نفض التراب أولا ثم إذا فرق في الضربتين وجوزنا ذلك أو فرق في الضربة الثانية وحدها فيستحب تخليل الاصابع بعد مسح اليدين على الهيئة المذكورة احتياطا ولو لم يفرق فيهما] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 [أو فرق في الاولى وحدها وجب التخليل آخرا لان ما وصل إليه قبل مسح الوجه غير معتد به ثم يمسح بعد ذلك احدى الراحتين بالاخرى وهو واجب أو مستحب فيه خلاف مبني على أن فرض الكفين هل يتأتى بضربهما علي التراب أم لا وفيه وجهان منهم من قال لا لانه لو تأدى فرضهما حينئذ لما صلح الغبار الحاصل عليهما لموضع آخر لانه يصير بالانفصال عنه مستعملا ومنهم من قال وهو الاصح نعم لانه وصل الطهور إلى محل الطهارة بعد النية ودخول وقت طهارة ذلك المحل فعلى هذا المسح آخرا متحب وعلي الاول هو واجب هذا ما يتعلق بهذه الهيئة والقدر الواجب ايصال التراب إلى الوجه واليدين كيف ما كان ولا يشترط أن يكون المسح باليد بل لو مسح وجهه بخرقة أو خشبة عليها تراب جاز ولا يشترط الامرار علي أصح الوجهين كما ذكرنا في مسح الرأس ولا يشترط أيضا ألا يرفع عن العضو الممسوح ختى يستوعبه في أصح الوجهين والثاني يشترط لان التراب] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 [الباقي بالفصل يصير مستعملا فلا يصح تيممه بالمردود حتى يأخذ ترابا جديدا ومن قال بالاول أجاب بانا إذا قلنا أن المستعمل هو اللاصق بالعضو فالباقي غير مستعمل بحال وان قلنا أن المتناثر مستعمل فانما يثبت حكم الاستعمال إذا انفصل بالكلية واعرض المتيمم عنه لان في ايصال التراب إلى الاعضاء عسرا سيما مع رعاية الاقتصار على الضربتين فيعذر في رفع اليد وردها كما يعذر في التقاذف الذى يغلب في الماء ولا يحكم باستعمال المتقاذف والله أعلم * ونعود إلى لفظ الكتاب في نزع الخاتم وتفريج الاصابع قال فيضرب ضربة واحدة لوجهه ولا ينزع خاتمه ولا يفرج أصابعه وقد يوجد في بعض النسخ وينزع خاتمه ولا يفرج أصابعه فعلى الاول المراد أنه لا يجب نزع الخاتم لان المقصود من الضربة الاولى مسح الوجه دون اليدين وقد ذكرنا أن المسح لو كان بخرقة ونحوها جاز فغايته مسح بعض الوجه بما علي الخاتم وليس المراد أنه لا يجوز النزع فانه لا صائر إليه ولا وجه له بل يستحب النزع ليكون مسح جميع الوجه باليد اتباعا للسنة وقوله ولا يفرج أصابعه يمكن أن يراد به أنه لا يجوز التفريج ذهابا إلى ما صار إليه القفال ومن وافقه لكنه لم يرد ذلك لانه نقل كلام القفال في الوسيط واستبعده وانما أراد أنه] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 [لا يجب التفريج أو انه لا يستحب أو انه يستحب ألا يفرج فان أراد الاحتمال الاول فلا كلام فيه وان أراد غيره فليكن معلما بالواو لما ذكرنا من رواية المزني وتصحيح الاصحاب لها وبينا أنه ظاهر المذهب وأما من روى في الكتاب وينزع خاتمه فذلك ظاهر والمراد الاستحباب على ما سبق قال [السابع الترتيب كما في الوضوء] الترتيب معتبر بين الوجه واليدين كما في الوضوء وتركه ناسيا حكمه ما سبق في الوضوء ولا يشترط الترتيب في أخذ التراب للعضوين على أصح الوجهين حتى لو ضرب يديه على ح الارض معا وتمكن من مسح الوجه بيمينه ومن مسح يمينه بيساره جاز لان الركن الاصلى هو المسح وأخذ التراب ونقله وسيلة فلا يعتبر فيه ترتيب (خاتمتان) احداهما قال جماعة من الاصحاب اركان التيمم وفروضه خمسة وحذفوا الركن الاول والثاني من السبعة التى عدها في الكتاب والذى فعلوه أولى اما الركن الاول فلانه ما ساقه الا للكلام في التراب المتيمم به ولو حسن عد التراب ركنا في التيمم لحسن عد الماء ركنا في الوضوء والغسل واما الركن الثاني فلان القصد داخل في النقل فانه إذا نقل التراب علي الوجه الذى سبق وقد نوى التيمم كان قاصدا الي التراب لا محالة وحذف بعضهم النقل ايضا فاقتصر على اربعة والاكثرون عدوه ركنا وبنوا عليه انه لو احدث بعد اخذ التراب] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 [وقبل ان يمسح به الوجه يبطل ما فعله وعليه الاخذ ثانيا كما لو غسل في الوضوء وجهه ثم احدث بخلاف ما إذا اخذ كفا من الماء ليغسل به وجهه فاحدث ثم غسل الوجه جاز لان القصد إلى الماء ونقله لا يجب وقياس ذلك انه لا يضر عزوب النية بعد افترانها باخذ التراب وهو وجه قدمناه لكن الاصح انه لابد من الاستصحاب الي مسح بعض الوجه لما سبق وإذا يممه غيره باذنه وهو عاجز أو قادر وجوزناه واحدث احدهما بعد الضرب واخذ التراب وقبل المسح فقد ذكر القاضى في فتاويه انه لا يضر ذلك لانه الآذن لم يأخذ حتي يبطل بحدثه وحدث المأدون لا يؤثر في طهارة غيره وهذا مشكل بل ينبغى ان يبطل الاخذ بحدث الآذن كما لو كان يتيمم بنفسه ولهذا لو احدث بعد مسح الوجه يبطل ولا نقول انه لم يمسح حتى يبطل بحدثه ولو ضرب يده علي بشرة امرأة اجنبية عليها تراب فان كان كثيرا يمنع تلاقى البشرتين فلا بأس وان كان قليلا لا يجوز لان اللمس حدث والحدث إذا قارن فعل الطهارة منع الاعتداد به وفرق في التتمة بين ان يضرب اليد عليها في الضربة الاولى أو في الثانية وقال الاخذ للوجه صحيح فا؟ اضرب اليد عليها في المرة الثانية بطل مسح الوجه لانه حدث طرأ في اثناء التيمم والاول هو الوجه فان النقل من الاركان فمقارنة الحدث له كمقارنته لغسل الوجه في الوضوء وهكذا اطلق القاضى في الفتاوى وزاد بعضهم في الاركان طلب التراب وليس ذلك من نفس التيمم فان المريض يتيمم كالمسافر والطلب مخصوص بالمسافر وما يختص به بعض المتيممين لا يكون من نفس مطلق التيمم (الثانية) لم يفرد في الكتاب السنن بالذكر كما فعل في الوضوء وللتيمم سنن منها ما صار مذكورا في] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 [كيفية مسح الوجه واليدين ومنها التسمية وتقديم اليمنى على اليسرى ومنها امرار التراب علي العضد ذكر في التهذيب وغيره انه مستحب ونازع بعضهم فيه ومنها الموالاة وفيها قولان كما في الوضوء ويعتبر ههنا مدة الجفاف لو كان المستعمل ماء هذا إذا اعتبرنا ثم الجفاف وحكى أبو عبد الله الحناطي ههنا طريقة اخرى جازمة بانها لا تشترط في التيمم وذكر القاضى ابن كج طريقة ثالثة جازمة بالاشتراط ومنها تخفيف التراب المأخوذ إذا كان كثيرا بنفض اليدين ومنها الا يرفع اليد عن العضو الممسوح حتى يتم مسحه ومنها الا يكرر المسح وفيه وجه ضعيف قال [الباب الثالث في احكام التيمم وهى ثلاثة الاول انه يبطل برؤية الماء قبل الشروع في الصلاة ولا تبطل الصلاة (ح ز) بعد الشروع فيها وتبطل بظن وجود الماء قبل الشروع ولكن المصلي إذا رأى الماء فالاولي له ان يقلب فرضه نفلا علي وجه وان يستمر علي وجه وان يخرج من الصلاة علي وجه ليدرك فضيلة الوضوء وفى وجه يلزمه المضى ولا يجوز الخروج وعلي هذا لو كان في نافلة بطلت لانها غير مانعة من الخروج وهو بعيد نعم لو اراد ان يزيد في ركعات النافلة ففى جوازه وجهان] ذكرنا ان هذا الباب مسوق لبيان فائدة التيمم وهي التى تباح به فتكلم في ثلاثة امور في انه إلى م أبيح وفى انه ماذا يبيح وفى ان ما يبيحه إذا اتى به هل يستغنى عن القضاء ام لا أما الاول فلا شك في ان التيمم يبطل بعرض الحدث كالوضوء ويختص هو بالبطلان بعروض القدرة علي استعمال الماء فجعل كلام الحكم الاول فيه واعلم ان التيمم على قسمين احدهما ما يرخص فيه مع وجدان الماء كتيمم المريض والثاني ما يكون بسبب اعواز الماء أو الحاجة إليه أو الخوف من] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 [الاستقاء وما اشبه ذلك فالاول لا يتأثر برؤية الماء وطلوع الركب بحال واما الثاني فيتأثر بذلك وجملته ان ننظران رأى الماء خارج الصلاة يبطل تيممه لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال لابي ذر رضي الله عنه (إذا وجدت الماء فامسسه جلدك) وكذا لو لم يتيقن الظفر بالماء لكن ظنه كما لو طلع عليه ركب أو اطبقت بالقرب منه غمامة أو توهمه كما إذا تخيل سرابا ماء لانه يجب عليه الطلب عند حدوث هذه العوارض وقد ذكرنا انه إذا وجب الطلب بطل التيمم وانما يبطل التيمم في هذه الصور بشرط ان لا يقارن هذه العوارض مانع آخر من استعمال الماء فلو قارنها مانع لم يبطل التيمم لانه يجوز التيمم ابتداء فاولى ان يدفع البطلان دواما وذلك كما إذا وجد ماء وهو محتاج إليه لسقيه أو وجده في قعر بئر وهو عند العثور عليه عالم بتعذر الاستقاء أو قال انسان اودعني فلان ماء وهو حين يسمع يعرف غيبة المودع وما اشبه ذلك وان رأى الماء في الصلاة فلا يخلو اما ان تكون الصلاة مغنية عن القضاء أو لا تكون فان لم تكن مغنية عن القضاء كما إذا تيمم الحاضر لعدم الماء وشرع في الصلاة ثم رأى الماء في صلاته فهل تبطل صلاته وتيممه فيه وجهان احدهما لا لانه شرع في الصلاة بطهور امر باستعماله فيتمها محافظة على حرمتها ثم يتوضأ ويعيد واصحهما نعم لان الحاضر تلزمه الاعادة إذا وجد الماء بعد الفراغ فإذا وجده في اثناء الصلاة فليشتغل بالاعادة وان كانت مغنية عن القضاء فظاهر المذهب المنصوص انه لا يبطل تيممه ولا صلاته واشار المزني إلى تخريج قول انهما يبطلان وبه قال أبو حنيفة واحمد في رواية وساعد ابن سريج المزني علي التخريج وقال المستحاضة إذا انقطع دمها في الصلاة تبطل صلاتها فليكن المتيمم برؤية الماء كذلك لان الضرورة قد ارتفعت في الصورتين وجعل المسألتين علي قولين بالنقل والتخريج وجه الاول انه لو طلع عليه ركب لا يبطل تيممه فكذلك إذا رأى الماء وتيقن وجوده] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 [لانهما متلازمان الا ترى انه قبل الشروع ببطل بهما وبعد الفراغ لا يبطل لا بهذا ولا بذاك وايضا لما شرع في الصلاة فقد تلبس بالمقصود ووجدان الاصل بعد التلبس بمقصود البدل لا يبطل حكم البدل حكم البدل كما لو شرع في الصيام ثم وجد الرقبة وأيضا فان احباط الصلاة عليه أشد ضررا من تكليفه شراء الماء بالزيادة على ثمن المثل بقدر يسير فإذا لم يجب ذلك فاستعمال الماء ههنا أولى ألا يجب لحرمة الصلاة ووجه الثاني ظاهر قوله صلي الله عليه وسلم (فأمسسه جلدك) وأيضا فان المعتدة بالشهور لو حاضت في أثنائها تنتقل إلى الاقراء فكذلك ههنا والفرق بين المتيمم والمستحاضة نذكره في أحكام المستحاضة ان شاء الله تعالى ويتعلق بالمذهب المنصوص ويتفرع عليه أمور أحدها أنه يستثنى عنه ما لو شرع في الصلاة وهو مسافر ثم نوى الاقامة فيها بعد وجدان الماء ففى بطلان صلاته وجهان أصحهما البطلان تغليبا لحكم الاقامة وهما كالوجهين فيما إذا كان مقيما ورأى الماء في صلاته ولو شرع المسافر في الصلاة بالتيمم ونوى القصر ثم وجد الماء في الصلاة ونوى الاتمام بعده بطلت صلاته أيضا في أصح الوجهين لان تيممه صح لهذه الصلاة مقصورة وقد التزم الآن زيادة ركعتين والثانى لو كان في صلاة فريضة فهل يجوز له أن يخرج منها ليتوضأ فيه ثلاثة أوجه أحدها نعم وهل هو أولى فيه وجهان أظهرهما نعم ليخرج من الخلاف فان من العلماء من حرم عليه الاستمرار ولانه لو وجد الرقبة في اثناء الصيام فالافضل أن يعدل الي التحرير فكذلك ههنا والثانى الاولى الاستمرار لان الخروج ابطال للعمل وقد قال الله تعالى (ولا تبطلوا أعمالكم) حكى الوجهين هكذا الشيخ أبو حامد وطبقه وعن الشيخ ابى محمد والقاضي الحسين أن الخروج المطلق ليس بأولى لا محالة لكن الخلاف في أن الاولي أن يقلب فرضه نفلا ويسلم عن ركعتين أم الاولي أن يتم الفريضة فمن صائر الي الاول صيانة للعبادة عن الابطال وأداء الفريضة بأكمل الطهارتين ومن صائر الي الثاني محافظة علي حرمة الفريضة والوجه الثاني في أصل المسألة أنه لا يجوز] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 [الاعراض عن الفريضة بحال لان الاعراض ابطال للفريضة والثالث ذكره امام الحرمين أنه يفرق بين أن يضيق الوقت فلا يجوز الخروج لانه ان لم يكن في الصلاة تعين عليه البدار حينئد فإذا كان فيها يمتنع الخروج وان لم يضق الوقت فله الخروج لان الوجوب في أول الوقت موسع والشروع لا يلزم شيئا وهذا التفصيل عنده لا يختص بالتيمم بل مطرد في كل مصل * الثلث إذا لم يخرج منها وأتم الفريضة فكما تمت بطل تيممه ان كان الماء الذى ظفر به باقيا بحاله حتى حكى القاضي الروياني عن والده أنه لا يسلم التسليمة الثانية لان بالتسليمة الاولى تمت الصلاة وبطل التيمم وان لم يكن ذلك الماء باقيا ولم يعرفه المصلي حتى فرغ فكذلك وان عرف فواته وهو بعد في الصلاة فهل يبطل تيممه إذا فرغ وجهان قال صاحب التلخيص نعم وبه قال الشيخ أبو حامد لان التيمم يبطل بوجدان الماء الا في الصلاة التى هو فيها لحرمتها وقال آخرون منهم القفال لا يبطل حتى يجوز له التنفل به لانه حين الفراغ غير واجد للماء ولا متوهم للوجدان * الرابع لو رأى الماء وهو في صلاة نافلة ففى بطلانها وجهان أصحهما لا تبطل كالفريضة والثانى أنها تبطل لان حرمتها قاصرة عن حرمة الفريضة الا يرى أنها لا تلزم بالشروع والفريضة تلزم وهذا الوجه حكاه امام الحرمين قدس الله روحه عن ابن سريج رحمه الله فعلى الاول الاصح لو كان قد شرع فيها من غير تعيين عدد في نيته لم يزد علي ركعتين نص عليه لان الاولي في النوافل أن تكون مثني مثني فليسلم عن ركعتين وليصل بالوضوء وعن القاضى الحسين أن له أن يزيد ما شاء وان كان قد نوى ركعة أو ركعتين فلا يزيد على ما نوى لان الزيادة كافتتاح نافلة بعد وجود الماء الا ترى أنه تفتقر الزيادة إلى قصد جديد وعن القفال أنه يجوز أن يزيد ما شاء لان حرمة تلك الصلاة باقية ما لم يسلم بخلاف مالو سلم وأراد افتتاح نافلة أخرى ولو نوى عددا فوق الركعتين ثم رأى الماء فهل يستوفى ما نواه أم يجب الاقتصار علي ركعتين فيه وجهان أظهرهما أن له أن يستوفى ما نواه لان احرامه انعقد لذلك العدد فأشبه المكتوبة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 [المقدرة وعلي هذا ففي جواز الزيادة علي المنوي الوجهان المذكوران في جواز الزيادة علي الركعتين إذا نواهما واصل هذه المسائل أن المصلى بسبيل من زيادة الركعات ونقصانها في النوافل المطلقة كيف شاء وسيأتي ذلك في موضعه ان شاء الله تعالى فإذا وقفت على ما ذكرنا فعد إلى ألفاظ الكتاب (اعلم) أن قوله أنه يبطل برؤية الماء قبل الشروع في الصلاة وان كان مطلقا مشروط بشرطين أحدهما أن يكون ذلك التيمم غير تيمم المريض ونحوه والثاني ألا يقارن رؤية الماء مانع يرخص في ابتداء التيمم على ما بيناهما وقوله ولا تبطل برؤية الماء بعد الشروع فيها مقيد بما إذا كانت الصلاة مغنية عن القضاء والا فهى باطلة علي الاصح ولابد من استثناء الصورتين المذكورتين من قبل أيضا وقوله ولكن المصلي إذا رأى الماء لا يتعلق بقوله ويبطل بظن الماء قبل الشروع وان كان مذكورا عقيبه بل بقوله لا تبطل بعد الشروع فيها والوجوه الثلاثة التى ذكرها في أن الاولى ماذا كلها مبنية على أنه يجوز له الخروج وترك الفريضة والذى يقابله قوله وفى وجه يلزمه المضي ولا يجوز الخروج وليس في الجمع بين هاتين العبارتين سوى الايضاح وقوله وعلي هذا لو كان في نافلة بطلت لانها غير مانعة يعني به انا إذا قلنا بوجوب المضي في الفريضة انما نقول به لحرمة الفريضة وليس للنافلة حرمة مانعة من الخروج فتبطل وقوله وهو بعيد يجوز أن يريد به هذا البناء ووجه البعد فيه أن قضية وجوب المضى لحرمة الفريضة أن يقول بعدم الوجوب إذا فقدنا تلك الحرمة فاما أن يقول بالبطلان فلم وطريق توجيه البطلان أن يقال رؤية الماء تقتضي البطلان مطلقا خالفناه في الفريضة لزيادة حرمتها كما أشرنا إليه لكن صاحب الكتاب لم يرد استبعاد البناء وانما أراد استبعاد أصل الوجه وهو بين من كلامه في الوسيط واستقرب بالاضافة إليه التردد في زيادة الركعات *] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 [قال [الثاني ألا يجمع بين فرضين بتيمم واحد ويجمع بين فرض ونوافل وبين فرض ومنذورة ان قلنا يسلك بها مسلك جائز الشرع لا مسلك واجبه وبين فرض وركعتي الطواف الا إذا قلنا انهما فريضة ويجمع بينهما وبين الطواف بتيمم واحد علي احد الوجهين لانهما كالتابع له ويجمع بين فريضة وصلاة جنازة ولا يقعد في صلاة الجنازة مع القدرة على القيام هذا نصه وقيل قولان بالنقل والتخريج وقيل ان تعيت عليه فلها حكم الفرض وقيل لها حكم النفل ولكن القعود لا يحتمل مع القدرة لان القيام اظهر ركانها] لا يؤدى بالتيمم الواحد مما يتوقف على الطهارة الا فريضة واحدة خلافا لابي حنيفة حيث قال يؤدى به ما شاء وكذلك قال احمد في رواية وفى رواية اخرى يتيمم لوقت كل صلاة لنا ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال (من السنة الا يصلي بالتيمم الا مكتوبة واحدة ثم يتيمم للاخرى) والسنة في كلام الصحابي تنصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لان التيمم طهارة ضرورة فلا يؤدى به فريضتان ولا فرق بين ان يتحد الجنس كصلاتين أو طوافين أو يختلف كصلاة وطواف ولا فرق في ذلك بين البالغ والصبي وحكي القاضي الرويانى] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 [في الصبى هل يجمع بين فريضتين بتيمم واحد وجهين والصحيح انه لا يجمع لانه وان لم يكن مكلفا لكن ما يؤديه حكمه حكم الفرائض الا ترى انه ينوى بصلاته المفروضة ولا فرق في المكتوبة بين الفائتة والمؤداة واغرب أبو عبد الله الحناطي فحكى وجها انه يجوز الجمع بين الفوائت وبين الفائتة والمؤداة ويجوز ان يجمع المتيمم بين فريضة ونوافل لان النوافل مما لا يمكن المنع منها وفى تجديد التيمم لكل واحدة منها حرج عظيم لانها لا تنضبط وايضا فهي اتباع للفرائض بخلاف الفرائض بعضها مع بعض ثم في الفصل مسائل (احداها) هل يجمع بين مكتوبة ومنذورة فيه وجهان وربما قيل قولان اصحهما لا لانها مفروضة متعينة على الناذر فاشبهت المكتوبة والثانى نعم لانها وجبت بعارض فلا يلحق بالمفروض الاصلي وهذا الخلاف مبني على اصل في النذر وهو انه يسلك بالمنذور مسلك واجب الشرع أو مسلك أقل ما يتقرب به وفيه وجهان فإذا نذر هديا حمل في قول علي شئ من النعم لانه الهدى الواجب شرعا وعلي قول له ان يقتصر علي دجاجة وقطعة لحم لان ذلك مما يتقرب به وإذا قلنا بهذا القول فيعطى المنذور حكم القربات التى لا تجب حتى يجوز القعود في الصلاة مع القدرة علي القيام ويجوز اداؤها علي الراحلة وإذا قلنا بالاول لا يجوز وقول الاصحاب يسلك به مسلك جائز الشرع أي في الاحكام مع وجوب الاصل وعنوا بجائز الشرع ههنا القربات التي جوز تركها ويجرى الخلاف فيما لو جمع بين منذورتين (الثانية) في وجوب ركعتي الطواف قولان يذكران في موضعهما فان لم نوجبهما فلا يخفى جواز الجمع بينهما وبين] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 [الطواف وبينهما وبين مكتوبة وان اوجبناهما ففى الجمع بينهما وبين الطواف وجهان احدهما ويحكى عن ابن سريج انه يجوز لانهما تابعتان للطواف أو كالجزء منه بمثابة بعض الاشواط واصحهما انه لا يجوز لان ركعتي الطواف عبادة مستقله ولهذا يحتاج الي نية مفردة بخلاف بعض الاشواط والخلاف في الوجوب مخصوص بركعتي طواف الفرض اما ركعتا طواف التطوع فتطوع ومنهم من اجرى القولين في ركعتي طواف التطوع أيضا وقال اتفاق الفرض والنفل في الشرائط لا ينكر الا يرى ان صلاة الفرض والنفل يستويان في اعتبار الطهارة وستر العورة فعلى هذا لو صلى فريضة بتيمم وطاف تطوعا هل له ان يصلى به ركعتي الطواف فيه وجهان وفى جواز الجمع بين الخطبة وصلاة الجمعة بالتيمم الواحد وجهان كالوجهين في الجمع بين الطواف أو اجب وركعتيه إذا اوجبناهما لان الخطبة تابعة للصلاة كالركعتين للطواف وهذا علي قولنا تشترط طهارة الحدث في الخطبة الثالثة نص في المختصر انه يجمع بين فريضة وصلاة جنازة وفى موضع آخر انه لا يقعد فيها مع القدرة علي القيام وانها لا تؤدى علي الراحلة فهذا يقتضي الحاقها بالفرائض والاول يقتضى الحاقها بالنوافل واختلفوا فيه علي ثلاثة طرق احدها ان المسألتين علي قولين نقلا وتخريجا احدهما انها ملحقة بالفرائض فلا يجوز الجمع ولا القعود ولا علي الراحلة لانها فرض في الجملة والفرض بالفرض اشبه منه بالنفل وان اختلفت كيفية الافتراض والثاني انها ملحقة بالنوافل فيجوز فعلها على الراحلة والجمع والقعود لان فروض الكفايات كالنوافل في جواز الترك وعدم الانحصار والطريق الثاني تنزيل النصين على حالين حيث قال يجمع اراد ما إذا لم يتعين عليه وفى هذه الحالة له ان يقعد ويؤديها على الراحلة وحيث قال لا يقعد اراد ما إذا تعينت عليه بان لم يحضر غيره وفى هذه الحالة لا يجمع والثالث ان حكمها] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 حكم النفل على الاصلاق الا انه لا يسامح بالقعود فيها لان قوامها بالقيام إذ ليس فيها ركوع ولا سجود فإذا قعد فيها بطلت صورتها بالكلية فلا تلحق في هذا الحكم بالنوافل وهذا تقرير النصين وظاهر المذهب جواز الجمع بكل حال ولو جمع بين صلاتي جنازة بتيمم واحد ففيه هذا الخلاف ولو اراد ان يصلى على جنازتين صلاة واحدة فقد قال بعضهم يبنى ذلك على الخلاف ان اعتبرنا لكل صلاة تيمما لم يجز ذلك والا فيجوز وقال صاحب المعتمد ينبغي ان يجوز ذلك بكل حال لانه إذا جاز سقوط الفرضين بصلاة واحدة جاز الاقتصار على التيمم الواحد قال * (ومن نسى صلاة من خمس صلوات يصلي خمس صلوات بتيمم واحد وان نسي صلاتين فان شاء صلى خمس صلوات بخمس تيممات وان شاء اقتصر على تيممين وادى بالتيمم الاول الاربعة الاولى من الخمسة وبالثاني الاربعة الاخيرة من الخمسة) * إذا نسى صلاة من صلوات نظر ان كانت متفقة كما إذا نسي ظهرا من اسبوع فلا يلزمه الا ظهر واحدة ولا اثر للتردد في اليوم الذي فاتت منه ولا يخفى انه يفردها بتيمم وان لم تكن متفقة كما إذا نسى صلاة من الصلوات الخمس فيلزمه ان يأتي بالخمس ليخرج عن العهدة بيقين وعن المزني انه يكفيه ارب ركعات ينوى بها فائتته ويجلس في الثلاث الاخيرة ويسجد للسهو ويسلم وهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 [يكفيه تيمم واحد للجميع أم يفتقر لكل واحدة إلى تيمم فيه وجهان أحدهما ويحكى عن ابن سريج أنه يفتقر لكل صلاة إلى تيمم لان كل واحدة منها واجبة عليه بعينه فأشبهت الفائتتين وهذا اختيار الخضرى وأصحهما وهو المذكور في الكتاب وبه قال ابن القاص وابن الحداد أنه يكفيه تيمم واحد للجميع لانها وان كانت واجبة الفعل فالمقصود منها واحدة وما عداها كالوسيلة إليها قال الشيخ أبو علي الوجهان مبنيان علي أنه لا يجب تعبين الفريضة المقصودة بالتيمم فان أوجبنا لتعبين وجب لكل واحدة تيمم لا محالة ولك أن تقول انما يجب التعبين إذا كانت الفريضة معينة فأما إذا لم تكن فيجوز أن يقال ينوى بتيممه ما عليه ويحتمل منه التردد والابهام كما يحتمل في كل واحدة من الصلوات ينوى أنها فائتته وهو متردد في ذلك ويجوز أن يعلم قوله يصلي خمس صلوات بالزاى لان عنده يكفيه صلاة واحدة بالصفة التى تقدمت وان نسي صلاتين من صلوات نظر أن كانتا مختلفتين وهى الحالة المرادة من مسألة الكتاب كما إذا نسى صلاتين من الوظائف الخمس فيجب الاتيان بالخمس لا محالة وحكم التيمم يبنى علي ما إذا كانت المنسية واحدة فان قلنا يجب ثم خمس تيممات فكذلك ههنا وان قلنا ثم يكفى تيمم واحد فما الذى يفعل ههنا قال ابن القاص يتيمم لكل واحدة منها ويقتصر عليها وقال ابن الحداد يقتصر علي تيممين ويزيد في عدد الصلوات فيصلي بالتيمم الاول الفجر والظهر والعصر والمغرب وبالثاني الظهر والعصر والمغرب والعشاء فيخرج عن العهدة بيقين لانه صلى الظهر] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 [والعصر والمغرب مرتين بتيممين فان كانت الفائتتان من هذه الثلاث فقد تأدت كل واحدة بتيمم وان كانت الفائتتان الفجر والعشاء فقد تأدت الفجر بالتيمم الاول والعشاء بالثاني وان كانت احدى الفائتتين احدى الثلاث واخر الفجر والعشاء فكذلك ولا شك أن ما ذكره ابن القاص جائز عند ابن الحداد فيخرج عن العهدة والذى ذكره ابن الحداد هل يجوز عند ابن القاص ظاهر كلامه في التلخيص أنه لا يجوز وقال الصيدلاني وغيره من الائمة لا خلاف بينهما وكل واحد منهما يجيز ما قاله الآخر فان كان الاول التقى كلام ابن القائن والخسرى في هذه الصورة ونظائرها وإذا كان الثاني انتظم أن يقال هو مخير ان شاء فعل ذلك وان شاء فعل هذا كما ذكره في الكتاب ويجوز أن يعلم قوله ان شاء وان شاء بالواو لظاهر كلامه في التلخيص وبالزاى ان قياس قوله أن لا يلزمه واحد من الامرين بل يكفيه صلاتان كما ذكرنا بتيممين وحكى وجه آخر أنه يتيمم مرتين ويصلي بكل واحد منهم الصلوات الخمس لانه للفائتة الواحدة يقضي الخمس بتيمم فللفائتتين يلزمه ضعف ذلك وهذا أبعد الوجوه عند مشايخ الاصحاب من جهة أنه إذا صلي الاربع بالتيمم الاول فقد علم سقوط احدي الفائتتين عنه ففعل الخامسة عبث لانه لا يتأدى فرضان بتيمم واحد والمستحسن عندهم ما ذكره ابن الحداد ولابد فيه من زيادة في عدد الصلوات فيجب معرفة ضابط القدر الزائد وما يشترط في كيفية أدائها ليخرج عن العهدة أما الضابط فهو أن يزيد في عدد المنسى فيه عددا لا ينقص عما يبقى من المنسى فيه بعد اسقاط المنسى وينقسم المجموع صحيحا على المنسى بيانه في الصورة المذكورة المنسى صلاتان والمنسى فيه خمس يزيد عليه ثلاثة لانها لا تنقص عما ببقى من الخمسة بعد اسقاط الاثنين بل يساويه والمجموع وهو ثمانية ينقسم على الاثنين صحيحا ولو أنه أبي بعشر صلوات يجزيه عما ذكرنا في الوجه الاحير لانه زاد ما لا ينقص عن الباقي من المنسي فيه بعد اسقاط المنسى وينقسم مع الاصل صحيحا عليه وأول عدد يزيد عليه ووجد فيه الوصفان المذكوران حصل به الفرض فان تكلف زيادة عليه فأولى أن يجزيه وأما ما يشترط في كيفية الاداء فانه يبتدئ من المنسي فيه بأية صلاة شاء ويصلي بكل تيمم ما تقتضيه] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 [القسمة لكن شرط خروجه عن العهدة بالعدد المذكور أن يترك في كل مرة ما ابتدأ به في المرة التي قبلها ويأتي في المرة الاخيرة بما بقى من الصلوات فلو صلى في المثال الذى سبق بالتيمم الاول الظهر والعصر والمغرب والعشاء وبالثانى الصبح والظهر والعصر والمغرب فقد أخل بهذا الشرط ان لم يترك في المرة الثانية ما ابتدأ به في المرة الاولي وانما ترك ما ختم به في المرة الاولى فلا يخرج عن العهدة لجواز أن يكون ما عليه الظهر أو العصر أو المغرب مع العشاء فبالتيمم الاول صحت تلك الصلاة ولم تصح العشاء وبالتيمم الثاني لم يصل العشاء فلو صلى العشاء بعد ذلك بالتيمم الثاني خرج عن العهدة وقد أشار إلى هذا الشرط في الكتاب بقوله وأدى بالاول الاربع الاولى من الخمس وبالثانى الاربع الاخيرة ولو نسى ثلاث صلوات من صلوات يوم وليلة ولم يعرف عينها فعلى طريقة صاحب التلخيص يتيمم خمس تيممات ويصلي الخمس وعلى الوجه الاخير يتيمم ثلاث مرات ويصلى بكل واحد منها الخمس وعلى قول ابن الحداد يقتصر على ثلاث تيممات ويزيد في عدد الصلوات فيضم الي الخمس أربعا لان الاربعة لا تنقص عما يبقى من الخمسة بعد اسقاط الثلاثة بل يزيد عليه وينقسم المجموع وهو تسعة صحيحا علي الثلاثة ولو ضممنا إلى الخمسة اثنين أو ثلاثة لما انقسم ثم يصلى بالتيمم الاول الصبح والظهر والعصر وبالثاني الظهر والعصر والمغرب وبالثالث العصر والمغرب والعشاء وله غير هذا الترتيب إذا حافظ على الشرط المذكور فلو أخل به كما إذا صلى بالتيمم الاول العصر ثم الظهر ثم الصبح وبالثانى المغرب ثم العصر ثم الظهر وبالثالث العشاء ثم المغرب ثم العصر لم يخرج عن العهدة لجواز أن يكون التي عليه الصبح والعشاء وثالثهما الظهر أو العصر فيتأدى بالتيمم الاول الظهر أو العصر ويتأدي بالثالث العشاء ويبقى الصبح عليه فيحتاج الي تيمم رابع للصبح وقس علي هذا نظائره هذا كله فيما إذا نسي صلاتين مختلفتين أو أكثر أما إذا نسى صلاتين متفقتين من صلوات يومين فصاعدا فعليه أن يأتي بعشر صلوات صبحين وظهرين وعصرين ومغربين وعشائين ليخرج عن العهدة بيقين ويجب لها] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 [عشرة تيممات علي لوجه المنسوب إلى الخضرى وعند معظم الاصحاب يكفيه تيممان يصلى بكل واحد منهما الصلوات الخمس ولا يكفى ههنا ثمان صلوات بتيممين بخلاف ما إذا كانتا مختلفتين لانه إذا فعل ذلك لم يأت بالصبح الا مرة واحدة بالتيمم الاول ولا بالعشاء الا مرة بالتيمم الثاني ويجوز أن يكون ما عليه صبحين أو عشائين ولو لم يعلم أن فائتتيه متفقتان أو مختلفتان أخذ بالاسوأ وهو أن تكونا متفقتين فيحتاج إلى عشر صلوت بتيممين لا يكفيه الاقتصار علي الثمان والوجه الذى هو اختيار الخضرى لا يخفى والله أعلم: وان اشتبه الحال علي حاج فلم يدر أترك صلاة فرض أم طواف فرض أتى بالطواف وبالصلوات الخمس بتيمم واحد وعلي وجه الخضرى يحتاج إلى ستة تيممات ولو صلى منفردا بتيمم ثم أدرك جماعة وأراد اعادتها معهم فان قلنا المعادة سنة له أن يعيدها بذلك التيمم وان قلنا الفرض أحدهما لا بعينه فهل يجوز فعله بذلك التيمم فيه وجهان كالوجهين فيما إذا نسى صلاة من الخمس هل يكفيه لها تيمم واحد والصحيح أنه يكفى ولو صلي الفرض بالتيمم علي وجه يحتاج إلى قضائه كالمربوط علي الخشبة ونحوه وأراد القضاء بالتيمم فيبني علي أن الفرض المعاد أو الاول أو كلاهما أو احدهما لا بعينه ان قلنا الفرض المعاد أو كلاهما افتقر إلى تيمم آخر وان قلنا الفرض الاول فلا حاجة الي اعادة التيمم وان قلنا الفرض أحدهما لا بعينه فهو على الوجهين السابقين قال [وكذلك لا يتيمم لفريضة قبل دخول (ح) وقتها ووقت صلاة الخسوف بالخسوف ووقت الاستسقاء باجتماع الناس في الصحراء ووقت صلاة المبت بغسل الميت والفائتة بتذكرها والنوافل الرواتب لا يتأقت تيممها علي أحد الوجهين ولو تيمم لفائتة ضحوة النهار فلم يؤدبه الا ظهرا بعد الزوال فهو جائز علي الاصح وكذا لو تيمم للظهر ثم تذكر فائتة فاداها به جاز على الاصح ولو تيمم لنافلة ضحوة وقلنا يستباح به الفريضة فأدى الظهر به فعلي هذا الخلاف] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 [لا يتيمم لصلاة قبل دخول وقتها خلافا لابي حنيفة لنا انه طهارة ضرورة ولا ضرورة قبل دخول الوقت فلو تيمم لفريضة قبل دخول وقتها لم يصح للفرض وهل يصح للنفل حكى بعضهم فيه وجهين بناء علي أن من احرم بالظهر قبل الزوال هل تنعقد صلاته نفلا وظاهر المذهب انه لا يصح تيممه لا للفرض ولا للنفل وهذا الاصل يطلق اطلافا الا انه لابد من استثناء صورة عنه وهى ما إذا كان يجمع بين صلاتي الجمع بالتيمم فان ظاهر المذهب أن الجمع بين الصلاتين بتيممين جائز وحينئذ إذا قدم الاخيرة فقد تيمم لها قبل وقتها الاصلى ولو تيمم وصلى الظهر ثم تيمم فيضم إليها العصر فدخل وقت العصر قبل ان يشرع فيها فيبطل الجمع ولا يصلح ذلك التيمم للعصر لوقوعه قبل وقتها وانحلال رابطة الجمع وكما لا يقدم التيمم للمؤداة علي وقتها لا يقدم التيمم للفائتة علي وقتها ووقتها يدخل بتذكرها قال صلى الله عليه وسلم (فليصلها إذا ذكرها فان ذلك وقتها) وإذا تيمم للفريضة في اول الوقت واخرها إلى آخر الوقت جاز نص عليه لانه تيمم في وقت الحاجة ولو تيمم لفائتة ضحوة النهار ولم يؤدها به حتي زالت الشمس فاراد أن يصلى به الظهر هل يجوز فيه وجهان اصحهما وبه قال ابن الحداد يجوز لان التيمم قد صح لما قصده وإذا صح التيمم لفريضة جاز له ان يعدل عنها الي غيرها كما إذا كانت عليه فائتتان فتيمم لاحداهما له ان يصلي الاخرى به دون التى تيمم لها والثاني لا يجوز وبه قال أبو زيد والخضرى لانه يقدم على وقت الظهر فلا يؤدى به كما إذا تيمم لها قبل وقتها ولو تيمم للظهر في وقتها ثم تذكر فائتة فاراد اداءها به فيه] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 [طريقان احدهما طرد الوجهين والثاني القطع بالجواز والفرق انه إذا تيمم لقضاء الفائتة ضحوة فقد تيمم والظهر غير واجبة عليه فلا يصلح تيممه لها وههنا تيمم للظهر والفائتة واجبة عليه لكنه لم يكن عارفا بوجوبها وقد سلم الجواز هنا أبو زيد والخضرى وقوله في الكتاب في الصورة الاولى على الاصح يعنى من الوجهين وفى الصورة الثانية يجوز ان يريد الاصح من الوجهين جريا على طريقة طرد الوجهين وسكوتا عن الاخرى ويجوز ان يريد الاصح من الطريقين وهو قضية كلامه في الوسيط لكن طريقة طرد الخلاف اظهر من جهة النقل وكل هذا تفريع علي ان تعيين الفريضة التى يتيمم لها ليس بشرط فان شرطناه لم يصلح التيمم لغير ما عينه وجملة ما ذكرنا فيما إذا كانت الصلاة التى يتيمم لها فريضة اما النافلة فتنقسم الي مؤقتة والى غيرها اما المؤقتة فكالرواتب التابعة للفرائض وصلاتي العيد والكسوف وأوقاتها مذكورة في مواضعها ومنها صلاة الاستسقاء ووقتها اجتماع الناس لها في الصحراء ومنها صلاة الجنازة وبم يدخل وقتها فيه وجهان اظهرهما وهو المذكور في الكتاب انه يدخل بغسل الميت فانها حينئذ تباح وتجرى والثانى وبه اجاب صاحب الكتاب في الفتاوى انه يدخل بالموت فانه السبب المحوج إلى الصلاة فان قدم التيمم لهذه النوافل علي اوقاتها فالمشهور انه لا يصح كما في الفرائض لانه مستغن عن التيمم لها قبل وقتها وحكي امام الحرمين فيه وجهين والفرق ان امر النوافل اوسع ولهذا جاز اذاء نوافل كثيرة بتيمم واحد فصاحب الكتاب ذكر هذا الخلاف في الرواتب وهو غير مخصوص بها وان تيمم لهذه النوافل في اوقاتها جاز له ان يصلي النافلة التى تيمم لها وغيرها وهل يجوز الفريضة يبنى علي القولين اللذين قدمناهما في انه إذا تيمم للنافلة هل يصلي به الفريضة ان قلنا لا فلا يجوز وان قلنا نعم فله ذلك ان تيمم للنافلة في وقت تلك الفريضة ولو تيمم لنافلة ضحوة ثم دخل وقت الظهر فهل له ان يصلي الظهر به علي هذا القول فيه الوجهان المذكوران فيما إذا تيمم لفائتة قبل الزوال هل يصلي الظهر به وقوله فيه هذا الخلاف يعني الوجهين المذكورين دون الطريقين وان كان مذكورا بعد مسألة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 [الطريقين وما ذكرنا من المسائل فيما إذا تيمم للنافلة وحدها مبني علي ظاهر المذهب وهو ان التيمم لمجرد النافلة صحيح وفيه وجه قدمناه واما غير المؤقتة من النوافل فيتيمم لها متى شاء الا في اوقات الكراهية في اظهر الوجهين واعلم ان الشرح قد يقتضى تغيير مسائل الكتاب عن نظمها وترتيبها وهذا الفصل من ذاك قال [الحكم الثالث فيما يقضى من الصلوات المختلة والضابط فيه ان ما كان بعذر (ح) إذا وقع دام فلا قضاء افيه كصلاة المستحاضة وسلس البول وصلاة المريض قاعدا ومضطجعا وصلاة المسافر بتيمم: وإذا لم يكن العذر فيه دائما نظر فان لم يكن له بدل وجب (و) القضاء كمن لا يجد ماء ولا ترابا فصلي علي حسب حاله * والمصلوب إذا صلي بالايماء أو من علي جرحه أو ثوبه نجاسة ويستثنى عنه صلاة شدة الخوف فانها رخصة وان كان لها بدل كتيمم المقيم (و) أو التيمم لالقاء الجبيرة أو تيمم المسافر لشدة (ح) البرد ففي القضاء قولان] التيمم قد يكون بحيث يغنى الصلاة المؤداة به عن القضاء وقد يكون بحيث لا يغنى والغرص الاعظم في هذا الموضع بيان ذلك ثم اختلط به القول في الصلوات المشتملة علي غير ذلك من وجوه الخلل ما التى تقضى وما التى لا تقضى لاندراج الكل تحت ضايط واحد قال الاصحاب الاعذار ضربان عام ونادر فاما العام فيسقط القضاء لان ايجابه مع عموم العذر يفضى إلى عموم المشقة وقال تعالى (وما جعل عليكم من الدين من حرج) ولهذا المعني جعلنا الحيض مسقطا للقضاء وعدوا في هذا القسم صورا منها صلاة المسافر بالتيمم لعدم الماء فلا اعادة عليه إذا وجد الماء في الوقت ولا قضاء إذا وجده بعده (روى ان رجلين خرجا في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا وصليا ثم وجدا الماء في الوقت وأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الآخر ثم أتيا رسول] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 [ألله صلى الله عليه وسلم فذكرا له ذلك فقال للذى أعاد لك الاجر مرتين وللذي لم يعد اصبت السنة وأجزأتك صلاتك) والمعنى فيه ان فقد الماء في الاسفار عذر عام وسنبين من بعد ان الحكم غير منوط بالسفر بل بالموضع الذى يغلب فيه فقد الماء وانما لا يقضي المسافر بشرط ألا يكون سفره سفر معصية: أما لو كان سفر معصية وتيمم وصلى ففى القضاء وجهان: أحدهما لا يقضى لانا إذا أوجبنا عليه التيمم فقد صار عزيمة في حقه بخلاف العصر والفطر ونحوهما فانها لا تجب وأظهرهما أنه يجب لانه وان كان واجبا فسقوط الفرض به رخصة فلا بناط بسفر المعصية وحكي الحناطي مع هذا الخلاف وجها آخر انه لا يتيمم أصلا وهل يشترط لعدم القضاء أن يكون السفر طويلا: فيه قولان أصحهما لا والقصير كالطويل في هذا الحكم لقوله تعالى (وان كنتم مرضى أو علي سفر) الآية واسم السفر يقع علي الطويل والقصير وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه رجع عن الجرف فلما بلغ المربد تيمم ثم دخل المدينة فلم يعد مع بقاء القوت والثاني أن يقضي في السفر القصير لانه يلحق بالحضر في امتناع القصر والفطر فكذلك في حكم القضاء ومنهم من قطع بالاول ولم يثبت الثاني قولا للشافعي رضي الله عنه قال امام الحرمين رضى الله عنه وفى هذه الصورة مزيد مع عموم العذر وهو أنه وان اختل الوضوء فقد أثبت الشرع عنه بدلا وهو التيمم فقام مقام المبدل وهذا المعنى يسقط القضاء على قول وان كان العذر نادرا علي ما سنذكره من بعد ولا فرق في نفى القضاء بين أن يكون تيممه عن جنابة أو عن حدث ولو كان مع المسافر ماء لكنه يحتاج إليه للشرب أو عجز عن تناول الماء للخوف من سبع أو ظالم أو لفقدان آلة الاستقاء فتيمم وصلى فكذلك لا اعادة عليه ومنها ما إذا تيمم لمرض مانع من استعمال الماء ومنها المرض المحوج إلى القعود أو الاضطجاع في الصلاة فان المرض علي الجملة من الاعذار العامة فيسقط القضاء: وأما العذر النادر فعلى ضربين نادر إذا وقع دام غالبا ونادر إذا وقع لم يدم غالبا أما الذى يدوم غالبا فيسقط القضاء أيضا لما يلحق صاحبه من المشقة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 [الشديدة وذلك كالاستحاضة وسلس البول والمذى والجرح السائل واسترخاء المقعد ودوام خروچ الحدث منه ولا فرق في هذا القسم بين أن يون عن الصفة الفائتة بدل أو لا يكون فان المستحاضة وان كانت تتوضأ لكل صلاة فريضة لكن ليس للنجاسات الدائمة ازالة ولا بدل عنها وأما الذي لا يدوم غالبا فعلى ضربين أحدهما أن يكون مع الخلل الحاصل بدل مشروع عن الفائت: والثانى ألا يكون معه بدل فان لم يكن معه بدل وجب القضاء لدور العذر وفوات الصفة المطلوبة لا الي بدل وذكر في] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 [الكتاب لهذا القسم صورا منها ما إذا لم يجد ماء ولا ترابا فصلى وقد يفرض فقدهما جميعا في حق المحبوس في موضع لا يجد واحدا منهما أو في موضع لا يجد الا ترابا نجسا أو فيما إذا كانت الارض متوحلة ولم يقدر على تخفيف الطين فإذا اتفق ذلك ببعض هذه الاسباب أو غيرها فهل يجب عليه الصلاة في القديم لا يجب لانه يجب عليه الاعادة وان صلى فلو أوجبناه لالزمناه ظهرين وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لاظهر ان في يوم) نعم يستحب ذلك لحرمة الوقت والجديد الصحيح أنه يجب عليه الصلاة في الوقت لانه استطاع الاتيان بافعال الصلاة وان عجز عن الطهارة وقد قال] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 [صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم) وصار كما إذا عجز عن ستر العورة لا يترك الصلاة بسببه ومنهم من نقل القول القديم في الحرمة وقال يحرم عليه أن يصلي كالحائض وبه قال أبو حنيفة وإذا صلى في الوقت امنثالا لما أمرناه به وجوبا أو ندبا فظاهر المذهب وجوب الاعادة لان هذا عذر نادر لا دوام له وحكي بعض الاصحاب فيه قولين وهذا العادم وان أمر بالصلاة والحلة هذه لا يجوز له حمل المصحف وقراءة القرآن ان كان جنبا وان كان حائضا فليس للزوج غشيانها ولو قدر على أحد الطهورين في خلال الصلاة بطلت صلاته ومنها المربوط على الخشبة ومن شد وثاقه على الارض يصلي على حسب حاله بالايماء ثم يعيد لانه عذر نادر بخلاف المريض يصلي بالايماء ولا يعيد لان عذر المرض يعم وقال الصيدلاني ان كان مستقبل القبلة فلا اعادة عليه كالمريض يصلي بالايماء علي جنب وان لم يكن يلزمه الاعادة قال وكذا الغريق يتعلق بعود ويصلي بالايماء يعيد إذا كان الي غير القبلة وذكر في التهذيب نحوا من هذا في مسألة الغريق فقال لا يعيد ما صلى إلى القبلة بالايماء وما صلى إلى غير القبلة فيه قولان أحدهما لا يعيد أيضا كما لو صلى بالايماء إلى القبلة واصحهما أنه يعيد بخلاف ما لو صلي بالايماء لان حكم الايماء أخف من ترك القبلة الا ترى أن المريض يصلي بالايماء ولا يعيد وإذا لم يجد من يحوله إلى القبلة يصلي إلى غيرها ويعيد: وأما مسألة المربوط فلم يذكر فيها هذا التفصيل وحكم بوجوب الاعادة وبه قال امام الحرمين قدس الله روءحه ومنها إذا كان على بدنه جراحة عليها دم وخاف من غسله التلف صلى وأعاد وان كانت على أعضاء الوضوء تيمم وصلى وأعاد فان هذا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 [الخلل ليس له بدل والعذر نادر غير دائم وفي القديم قول انه لا يعيد وبه قال أبو حنيفة والمزنى وكذلك الخلاف فيما إذا كان محبوسا في مكان نجس وصلي على النجاسة هل يعيد أم لا والقول القديم مطرد في كل صلاة وجبت في الوقت وان كانت مختلة وهو اختيار المزني والضرب الثاني أن يكون مع الخلل الحاصل بدل مشروع يعدل إليه ففى وجوب القضاء خلاف نفصله في صور هذا القسم منها المقيم إذا تيمم لعدم الماء فظاهر المذهب أنه يجب عليه القضاء لان عدم الماء في موضع الامامة نادر وإذا اتفق لا يدوم غالبا فان أهل ذلك الموضع يتبادرون إلى الاصلاح والاثباط فلا يصلح عذرا دافعا للقضاء والبدل المعدول إليه يقام مقام الاصل في جواز الاتيان بالصلاة حتى لا يخلو الوقت عن وظيفته وفى القديم وهو اختيار المزني أنه لا اعادة عليه لانه أتي بالمقدور عليه] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 [واعلم أن وجوب القضاء على المقيم إذا قلنا بظاهر المذهب ليس لعلة الاقامة بل لان فقد الماء في موضع الافامة نادر وكذلك عدم الوجوب في السفر ليس لانه مسافر بل لان الفقد في السفر مما يعم ويغلب حتي لو أقام الرجل في مفازة أو موضع يعدم فيه الماء غالبا وطالت اقامته فيه يتيمم ويصلي ولا يعيد وفى مثله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي ذر وكان يقيم بالربذة ويفقد الماء أيا (فسأل عن ذلك فقال ما لتراب كافيك ولو لم تجد الماء عشر حجج) ولو دخل المسافر في طريقه بلده أو قرية وعدم الماء وتيمم وصلى أعاد علي أظهر الوجهين فان كان حكم السفر باقيا نظر إلى ندرة العدم في ذلك الموضع وإذا عرفت ذلك فقول الاصحاب المقيم يقضي والمسافر لا يقضي جار على الغالب من حال السفر والاقامة والحقيقة وما بينا ومنها التيمم لالقاء الجبيرة وجملته أنه إذا كان به عذ يمنع من استعمال الماء في بعض محل الطهارة دون بعض فغسل المفدور عليه وتيمم وصلي هل يجزيه ذلك أم يلزمه القضاء عند زوال العذر ننظر ان لم يكن على محل العذر ساتر من جبيرة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 [ولصوق فيجزيه ولا قضاء عليه لانه لو تجرد التيمم لشئ من العلل والامراض لما كان عليه اعادة فإذا انضم إلى التيمم غسل بعض الاعضاء كان أولى ألا يجب عليه الاعادة وان كان على محل العذر سائر فنظر أن ألقاه علي الطهارة ففى القضاء قولان أحدهما يجب لانه عذر نادر غيره دائم وأظهرهما أنه لا يجب لحديث جابر في الشجوج كما تقدم لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالاعادة مع الحاجة إلى البيان ولا المسح علي الخف يغنى عن الاعادة مع أنه لا ضرورة إليه فالمسح على الجبيرة أولى لمكان الضرورة وان ألقاه لا علي الطهارة فعليه النزع ان أمكن ولا يجوز المسح عليه كما سبق وان تعذر النزع مسح وصلى للضرورة وهل يعيد فيه طريقان أظهرهما نعم لفوات شرط الوضع علي الطهارة والثاني طرد القولين فيه وذكر بعضهم أنه ان وضع علي الطهارة فلا يعيد في القديم قولا واحدا وفى الجديد قولان وان لم يضع علي الطهارة فيعيد في الجديد قولا واحدا وفى القديم قولان ولا خلاف في جريان الخلاف في الاعادة بين أن نقول بوجوب التيمم مع غسل المقدور عليه وبين أن لا نوجب التيمم ويجوز الاقتصار علي الغسل وقد بينا الخلاف فيه في موضعه وعن أبى حفص ابن الوكيل أن الخلاف في الاعادة علي قولنا أنه لا يتيمم أما إذا قلنا بوجوب التيمم فلا اعادة بلا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 [خلاف وهذا كله فيما إذا كانت الجبيرة أو اللصوق علي غير محل التيمم فأما إذا كان علي محل التيمم وجبت الاعادة لا محالة لنقصان البدل والمبدل جميعا كذلك ذكره ابن الصباغ في الشامل وأبو سعيد المتولي في التتمة ومنها التيمم لشدة البرد فان اتفق ذلك في السفر ففى اعادة الصلاة المؤداة به قولان أحدهما لا يجب وبه قال أبو حنيفة لان عمرو بن العاص تيمم بسبب البرد في غزوة ذات السلاسل وصلى وحكي ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يأمره بالاعادة وأصحهما أنها تجب لان البرد وان لم يكن شيئا نادرا لكن العجز عما يسخن به الماء وعن ثياب يدفا بها مع ذلك نادر وأن اتفق فانه لا يذوم فلا يسقط الاعادة وان اتفق في الحضر فالمشهور وجوب الاعادة وعن أبي الحسن بن القطان انه يبنى ذلك على السفر ان قلنا يعيد في السفر ففى الحضر أولى وان قلنا لا يعيد ثم ففى الحضر قولان ونعود إلى ما يتعلق من هذه المسائل بألفاظ الكتاب ونظمه خاصة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 [اعلم انه اهمل التقسيم الاول الذى حكيناه عن الاصحاب حيث قالوا العذر ينقسم إلى عام ونادر ثم قالوا النادر ينقسم إلى دائم وغير دائم واقتصر على تقسيم العذر إلى دائم إذا وقع والى غير دائم ويدخل العام والنادر في كل واحد من هذين القسمين الا ان دوام الوقوع ليس بشرط في قسم العام بل هو مسقط للقضاء دام أو لم يدم الا ترى ان حاجة المسافر الي ما عنده من الماء للشرب مسسقط للقضاء لانه يعم ولا يظهر فيها الدوام والاستمرار بل عدم الماء في السفر مما لا يدوم ايضا غالبا فانه ان فقد الماء في مرحلة وجده في المرحلة الاخرى فإذا كان كذلك فلمضايق أن يضايق في عده صلات المسافر بالتيمم على موجب التقسيم الذى ذكره من القسم الاول وللمضايقة وجوه أخر لا نطول بذكرها وأما قوله فان لم يكن لها بدل وجب القضاء ينبغى ان يعلم بالقاف والزاى لما ذكرنا من القول الذى اختاره المزني وقوله فصلى فيمن لم يجد ماء ولا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 [ترابا بالحاء والقاف لمذهب ابي حنيفة والقول الموافق له كما سبق وقوله أو المصلوب صلي بالايماء المراد منه المربوط علي الخشبة وليعلم بالواو لما ذكرنا في شرح المسألة بقى ان يقال لم عدها من قسم ما لا بدل له وهلا جعل الايماء بدلا عن الركوع والسجود والجواب ان المعني بالبدل في هذا المقام الشئ المضبوط الذى يعدل إليه العاجزون كلهم كالتيمم مع الوضوء والايماء ليس كذلك بل يختلف بالاحوال والاشخاص وله درجات متفاوتة ينزل المعذور من كل واحدة إلى ما يليها بحسب الامكان وأما قوله ويستثنى عنه صلاة شدة الخوف فليس المراد الاستثناء من الصورة الاخيرة وهى ما إذا صلي وعلي جرحه نجاسة وجدها بل المراد الاستثناء من اصل هذا القسم وهو ندور العذر وعدم البدل وذلك لان في الصلاة حالة المسابقة اختلالا ظاهرا في الافعال والاركان ويحتمل ايضا كثرة الافعال وتلطخ السلاح بالدم علي تفصيل يأتي في موضعه وليس لها بدل وانما احتمل ذلك رخصة بالنص قال الله تعالى (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) ونازع امام الحرمين قدس الله روحه في كون القتال والنجاسة من الاعذار النادرة وقال هو كثير الوقوع في حق المقاتلة فعلى هذا صلاة شدة الخوف غير مستثناة عن هذا القسم وقوله أو التيمم لالقاء الجبيرة مطلق لم يفرق بين ان يكون الوضع والالقاء علي الطهارة اولا علي الطهارة فهذا جواب علي طريقة طرد القولين في الحالتين وفى عده مسألة الجبيرة من الاعذار التي لا تدوم كلام فان القاضى ابا المحاسن الروياني قال هي ملحقة بالنادر الذى يدوم وذكر كثيرون من الاصحاب ان الكثير من جملة الاعذار العامة وعلى هذا فلا اعتبار بكونه دائما أو غير دائم ولا يستبعدن قولهم انه عام فانه لا يعنى بالعموم في هذا الباب سوى الكثرة والكسر والانخلاع كثير ليس بنادر واما قوله أو تيمم المسافر لشدة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 [البرد فالتخصيص بالمسافر يشير إلى انه لو كان مقيما وتيمم لشدة البرد قضي بلا خلاف وهو الظاهر كما تقدم قال [والعاجز عن السترة في كيفية صلاته ثلاثة اوجه في وجه لا يتم الركوع والسجود بل يومئ حذرا من كشف العورة وفى وجه يتم وفى وجه يتخير فان قلنا لا يتم فيقضى لدور العذر وعدم البدل وان قلنا يتم فالاظهر انه لا يقضى لان وجوب الستر ليس من خصائص الصلاة] العاجز عن ستر العورة إذا صلى عاريا هل يقضى يبنى ذلك علي أنه كيف يصلي وفيه قولان أحدهما وهو اختيار المزني أنه يصلي قاعدا ليكون أقرب إلى التستر وأبعد عن الهيئة المستنكرة في الصلاة وعلي هذا هل يتم الركوع والسجود أم يقتصر علي الايماء وادناء الجبهة من الارض فيه قولان وأصحهما انه يصلي قائما ويتم الركوع والسجود فان المقدور عليه لا يسقط بالمعجوز عنه كيف والقيام والركوع والسجود أركان الصلاة وستر العورة من الشرائط وانما اعتبرت الشرائط زينة وكما لا للاركان فلا يجوز ترك الاركان لها هذا نقل المعظم وهو الظاهر وحكى امام الحرمين بدل القولين وجهين ووجهان ثالثا انه يتخير لتعارض الامرين ولزوم أحد الاختلالين] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 [وصاحب الكتاب تابع الامام فحكي في المسألة ثلاثة أوجه والمروى عن أبي حنيفة واحمد التخيير كما في الوجه الثالث فليكن الوجهان الاولان معلمين بعلامتهما والخلاف في هذه المسألة يجرى في صور منها أذا كان محبوسا في موضع نجس ولو سجد لسجد علي نجاسة هل يتم السجود أم يقتصر على الايماء وإذا وجد ثوبا طاهرا لو فرشه لبقى عاريا ولو لبسه لصلى على نجاسة ماذا يفعل فيه الخلاف وإذا وجد العريان ثوبا نجسا هل يصلى فيه ام يصلى عاريا فيه الخلاف وإذا عرف ذلك فان قلنا في مسألة العارى انه لا تتم الاركان فيقضي علي ظاهر المذهب لندور العذر وعدم البدل كمن لم يجد ماء ولا ترابا فصلي وفيه الخلاف المذكور في تلك الصورة ونظائرها وان قلنا تتم الاركان فهل يقضي فيه وجهان احدهما نعم لان العذر نادر وليس له دوام ولا بدل واظهرهما لا: ووجهوه بشيئين احدهما ان وجوب الستر لا يختص بالصلاة فاختلاله لا يقتضي وجوب الاعادة لكن سياق هذا أن لا يجب القضاء وان ترك الستر مع القدرة كالاحتراز عن الكون في العرصة المغصوبة لما لم تكن من خاصية الصلاة لم يقتض اختلاله وجوب القضاء وان صلي فيه عمدا وهذا مذهب مالك والثاني العرى عذر عام أو نادر إذا اتفق دام فلا نوجب القضاء والطبع لا ينقاد لكون العرى بهذا الصفة واطلق قوم من شيوخ الاصحاب كصاحب التقريب القول بنفى الاعادة وهو جواب منهم علي ظاهر المذهب ولا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 [فرق في نفى الاعادة بين ان يكون العارى في الحضر أو في السفر بخلاف المتيمم لعدم الماء والفرق ان الثوب في مظنة الضنة فقد لا يبذل وان كان في الحضر والماء بخلافه وكل ما ذكرناه فيما إذا اتفق العرى في ناحية لا يعتاد اهلها العرى فاما إذا صلى عاريا في قوم يعتادون العرى فلا قضاء عليه إذا تحول واكتسي لعموم العذر وشيوعه عندهم كذلك فصل الشيخ أبو محمد وذكر امام الحرمين انه ساعده عليه كثير من الاصحاب وهو الذى أورده صاحب الكتاب في الوسيط قال الامام والوجه القطع بان الذين يعتادون العرى يتمون الركوع والسجود فانهم يتصرفون في أمورهم عراة فيصلون كذلك ولا يقضون وجها واحدا واعلم أن هذا التفصيل انما ينتظم على قول من يعد العرى من الاعذار النادرة ليصير باعتيادهم ذلك عاما فاما من عده من الاعذار العامة علي الاطلاق يتجه ألا يفرق بينهم وبين غيرهم والله أعلم * قال * (باب المسح علي الخفين) * [والنظر في شروطه وكيفيته وحكمه وله شرطان الاول أن يلبس الخف علي طهارة كاملة مائية قوية فلو غسل احدى رجليه وادخلها الخف لم يصح لبسه حتى يغسل الثانية ثم يبتدئ اللبس وكذا لو صب الماء في الخف (ح) بعد لبسها علي الحدث] عن أبى بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما وعن صفوان بن عسال قال] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 [أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين أو سفرا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن الا من جنابة لكل من غائط أو بول أو نوم والاحاديث في باب المسح كثيرة ومن شرط المسح علي الخف أن يلبسه وهو متطهر وعند أبى حنيفة لا يشترط تقديم الطهارة علي اللبس وانما المعتبر أن يطرأ الحدث بعد اللبس علي طهارة كاملة لنا حديث أبي بكرة وعن المغيرة ابن شعبة قال (سكبت الوضوء لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انتهيت الي رجليه أهويت إلى الخفين لانزعهما فقال دع الخفين فاني ادخلتهما وهما طاهرتان) علل جواز المسح بطهارتهما عند اللبس وإذا كانتا طاهرتين كانت سائر الاعضاء طاهرة لان الترتيب واجب وغسل الرجل آخر الاركان ويترتب علي هذا الاصل مالو غسل احدى الرجلين وادخلها الخف ثم غسل الاخرى وادخلها الخف لم يجز المسح عليهما إذا أحدث لان أول اللبس تقدم علي تمام الطهارة وإذا كانت الطهارة شرطا للبس يجب تقدمها بكمالها علي اللبس كما يشترط تقدمها علي الصلاة فلو نزع ما لبسه أولا وأعاد اللبس وهو علي طهارته جاز المسح إذا أحدث لكمال الطهارة حين اللبس المعاد والآخر ملبوس علي كمال الطهارة فقد تحقق الشرط فيهما جميعا وعن ابن سريج انه إذا نزع] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 [الاول وجب نزع الثاني أيضا ويستأنف لبسهما ليجوز له المسح لان حكم كل واحد منهما مرتبط بالآخر الا ترى ان نزع احدهما بعد الحدث يوجب نزع الثاني ولو لبس الخفين قبل أن يغسل رجليه ثم صب فيهما الماء حتى انغسلتا لم يجز له المسح وان تم وضوءه بما فعل لانه لبسهما قبل كمال الطهارة وأنزعهما ثم لبسهما فله المسح إذا أحدث وعند أبي حنيفة والمزنى له المسح في الصورتين ولا حاجة الي النزع واعلم ان الاعتبار فيما ذكرنا بحالة استقرار القدمين في مقرهما عن الخف حتى لو أدخل الرجلين في ساق الخف قبل أن يغسلهما وغسلهما في الساق ثم أدخلهما موضع القدم جاز له المسح لانه حين استقرتا في مكانها علي كمال الطهارة ولو ابتدأ اللبس وهو متطهر ثم أحدث قبل أن وصلت الرجل إلى قدم الخف لم يجز المسح نص عليه في الام وذكر فيه انه إذا مسح على الخفين] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 [بشرطه ثم ازال قدمه من مقرها ولم يظهر من محل الفرض شئ فلا يبطل المسح وقياس الاول أن يبطل لكن الفرق ان ثم الاصل عدم المسح فلا يباح الا باللبس التام وإذا مسح فالاصل استمرار الجواز ولا يبطل الا بالنزع التام ونقل القاضى أبو حامد أنه يبطل المسح في الصورة الثانية واختاره القاضى أبو الطيب الطبري كما انه في الابتداء لا يمسح وفى الصورة الاولى وجه انه يجوز المسح إذا ابتدأ اللبس علي طهارة ثم أحدث قبل أن تستقر الرجلان في موضعهما وفرض القاضي حسين المسألة فيما إذا أحدث وقد أدخل بعض قدمه في مقرها والباقى في ساق الخف وقال اختلفوا في صورتي الابتداء والانتهاء في أن حكم البعض هل هو حكم الكل أم لا وقوله في الكتاب على طهارة تامة قوية لفظ التامة معلم بالحاء والزاى لما حكيناه واحترز به عما إذا غسل احدى رجليه وأدخلها الخف ثم الثانية وأدخلها الخف وعما إذا لبسهما ثم صب الماء في الخف حتي انغسلتا ويمكن أن يقال لا حاجة إلى قيد التمام لانه من لم يغسل رجليه أو احديهما ينتظم أن يقال انه ليس على الطهارة وأما قيد القوة فالغرض منه الاحتراز عن طهارة المستحاضة وما في معناها قال [والمستحاضة إذا لبست علي وضوئها لم تمسح علي أحد الوجهين لضعف طهارتها ووضوء المجروح إذا تيمم لاجل الجراحة كوضوء المستحاضة ثم ان جوزنا فلا تستفيد بطهارة المسح الا ما كان يحل لها لو بقيت طهارتها الاولى وهو فريضة واحدة ونوافل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 [إذا توضأت المستحاضة ولبست الخفين ثم أحدثت حدثا غير حدث الاستحاضة فهل لها أن تمسح علي الخف فيه وجهان نسبهما الشيخ أبو علي إلى تخريج ابن سريج أحدهما لا: لان طهارتهما ضعيفة ناقصة وانما يجوز المسح بعد طهارة قوية لانه ضعيف فلا يحتمل انضمام ضعف إلى ضعف وأصحهما الجواز ويروى أن أبا بكر الفارسى حكاه عن نص الشافعي رضي الله عنه في عيون المسائل ووجهه انها تحتاج الي اللبس والارهاق به كغيرها وأيضا فانها تستفيد الصلاة بطهارتها فتستفيد المسح أيضا وموضع الوجهين ما إذا لم ينقطع دمها قبل أن تمسح فاما إذا انقطع دمها قبل المسح وشفيت نزعت وأتت بطهارة كاملة بلا خلاف لان الطهارة التي ترتب المسح عليها قد زالت بالشفاء الطارئ فيمتنع ترتيب المسح عليها وطرد بعضهم الوجهين ههنا أيضا وجعل انقطاع دمها بمثابة الحدث الطارئ والمشهور الاول ثم إذا جوزنا المسح نظر ان أحدثت قبل أن تصلي فريضة بطهارتها مسحت وصلت فريضة ونوافل وان أحدثت بعد ما صلت فريضة مسحت ولم تصل به الا النوافل لان ما تستفيد بطهارتها فريضة ونوافل فلا تستفيد بالمسح المترتب عليها أكثر من ذلك ولا يجوز لها استيفاء مدة المسح بل إذا مسحت وصلت فريضة ونوافل أو نوافل علي اختلاف الحالتين ثم ارادت قضاء فائتة أو دخل وقت فريضة أخرى وجب نزع الخف والوضوء الكامل لتلك الفريضة وكذلك لو أحدثت حدثا غير حدث الاستحاضة بعد أن صلت فريضة ونوافل بالمسح وحكى عن تعليق أبى حامد أن لها أن تستوفى مدة المسح اما يوما وليلة واما ثلاثة أيام ولياليهن لسكن عند كل صلاة فريضة تعيد الطهارة وتمسح على الخف ومال امام الحرمين في كلامه إلى هذا من جهة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 [المعنى وقطع بنفيه نقلا وفى معني طهارة المستحاضة طهارة سلس البول وكل من به حدث دائم وكذلك الوضوء المضموم إليه التيمم بسبب جراحة أو انكسار فيجرى فيها الخلاف المذكور في المستحاضة بلا فرق وأما محض التيمم فهل يستفاد به جواز المسح ينظر ان كان سببه اعواز الماء فلا بل إذا وجد الماء لزمه النزع والوضوء الكامل وعن ابن سريج أنه يجوز المسح لفريضة ونوافل كما ذكرنا في المستحاضة لان التيمم يبيح الصلاة أيصا فيبيح المسح والصحيح الاول بخلاف طهارة المستحاضة لان التيمم طهارة تفيد وتبيح عند الضرورة ولا ضرورة بعد وجدان الماء فلا سبيل إلى ترتيب المسح عليه وطهارة المستحاضة لا تتأثر بوجدان الماء كطهارة غيرها وان كان سبب التيمم شيئا آخر سوى اعواز الماء فهو كطهارة المستحاضة في جواز ترتيب المسح عليه فانه لا يتأثر بوجدان الماء لكنه ضعيف لا يرفع الحدث كطهارتها ولا يخفى بعد هذا الشرح معنى قوله ان جوزنا فلا تستفيد بالمسح الا ما كان يحل لها الي آخره لكن ظاهر لفظه لا يتناول الا ما إذا أحدثت قبل أن تصلي الفريضة بطهارتها فانها حينئذ تحل لها فريضة ونوافل لو بقيت طهارتها الاولى مما إذا أحدثت بعد أن تصلي الفريضة فلا يحل لها لو بقيت تلك الطهارة الا النوافل والوافى بحكم الحالتين على النظم الذى ذكره أن يقال في آخره وهو فريضة واحدة ونوافل أو نوافل * قال [الشرط الثاني أن يكون الملبوس ساترا قويا حلالا فان تخرق أو كان دون الكعبين لم يكن ساترا والمشقوق القدم الذى يشد محل الشق منه بشرج فيه خلاف والقوى ما يتردد عليه في المنازل لا كالجورب واللفاف وجورب الصوفية والمغصوب (و) لا يجوز المسح عليه على أحد] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 [الوجهين لان المسح لحاجة الاستدامة وهو مأمور بالنزع] اعتبر في الملبوس ثلاثة أمور أحدها أن يكون ساترا لمحل فرض الغسل من الرجلين فلو كان دون الكعببين لم يجز المسح عليه لان فرض الظاهر الغسل وفرض المستور المسح ولا صائر إلى الجمع بينهما فيغلب حكم الغسل فانه الاصل ولهذ لو لبس أحد الخفين لم يجز المسح له ولو كان الخف متخرقا ففيه قولان القديم به قال مالك أنه يجوز المسح عليه ما لم يتفاحش الخرق لانه مما يغلب في الاسفار حيث يتعذر الاصلاح والخرز فالقول بامتناع المسح يضيق باب الرخصة فوجب أن يسامح وعلي هذا فما حد الفاحش منه قال الاكثرون مادام يتماسك في الرجل ويتأتي المشى عليه فهو ليس بفاحش وقال في الافصاح حده ألا يبطل اسم الخف والقول الجديد أنه لا يجوز المسح عليه قليلا كان التخرق أو كثير الان بعض محل الفرض غير مستور ومواضع الخرز التى ينشد بالخيوط أو ينضم لا عبرة بها فان لم تكن كذلك وظهر منها شئ لم يجز المسح أيضا ولو تخرقت الظهارة وحدها أو البطانة وحدها جاز المسح ان كان ما بقى صفيقا والا فلا يجوز في أظهر الوجهين وعلي هذا يقاس ما إذا تخرق من الظهارة موضع ومن البطانة موضع لا يحاذيه والخف المشقوق القدم إذا شد منه محل الشق بالشرج أن كان يظهر منه شئ مع الشد فلا يجوز المسح عليه وان لم يظهر منه] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 [شئ فوجهان احدهما لا يجوز أيضا كما لو لف قطعة أدم علي القدم وشدها لا يجوز المسح عليها وأظهرهما ونقله الشيخ أبو محمد عن نصه أنه يجوز لصول الستر به وارتفاق المشى فيه فلو فتح الشرج بطل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 [المسح وان لم يظهر شئ لانه إذا مشى فيه ظهر وليكن قوله في الكتاب فلو تخرق معلما بالقاف والميم لما ذكرنا وبالحاء ايضا لان عند ابي حنيفة ان كان الخرق بحيث يبين منه قدر ثلاث اصابع من اصابع الرجل لم يجز المسح عليه وان كان اقل جاز (الثاني) ان يكون قويا والمراد منه كونه] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 [بحيث يمكن متابعة المشى عليه لافرسخا ومرحلة بل قدر ما يحتاج المسافر إليه من التردد في حوائجه عند الحط والترحال فلا يجوز المسح على اللفائف والجوارب المتخذة من الصوف واللبد لانه لا يمكن المشى عليها ويسهل نزعها ولبسها فلا حاجة إلى ادامتها في الرجل ولانها لا تمنع نفوذ الماء إلى الرجل ولابد من شئ مانع على الاصح كما سيأتي وكذلك الجوارب المتخذة من الجلد التي تلبس مع المكعب وهي جورب الصوفية لا يجوز المسح عليها حتى تكون بحيث يمكن متابعة المشي عليها وتمنع نفوذ الماء ان اعتبرنا ذلك اما لصفاقها أو لتجليد القدمين والنعل على الاسفل أو الالصاق بالكعب وحكى بعضهم أنها وان كانت صفيقة ففى اشتراط تجليد القدمين قولان وعند أبى حنيفة لا يجوز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 [المسح على الجوربين وان كانا صفيقين حتي يكونا مجلدين أو منعلين وخالفه صاحباه فهذا إذا تعذر المشى فيه لضعف الملبوس في نفسه ولو تعذر المشى فيه لسعته المفرطة أو لثقله أو لضبقه ففى جواز المسح عليه وجهان احدهما يجوز لانه في نفسه صالح للمشى عليه الا ترى انه لو لبسه غيره لارتفق به واصحهما لا يجوز لانه لا حاجة له في ادامة مثل هذا الخف في الرجل ولا فائدة له فيه ولو تعذر المشى فيه لثقله أو غلظه كما إذا اتخذ خفا من خشب أو حديد وهو بحيث لا يمكن المشى عليه فلا يجوز المسح عليه كما لو تعذر المشئ فيه لضعفه وكذلك لو كان المتخذ من الخشب محدد الرأسي لا يثبت مسنقرا على الارض ولو كان المتخذ من الخشب والحديد لطيفا يتأتي المشي فيه جاز المسح عليه هذا قضية] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 [ما ذكره الجمهور تصريحا وتلويحا وذكر امام الحرمين وصاحب الكتاب في الوسيط أنه يجوز المسح على الخف من الحديد وان عسر المشي فيه فان ذلك ليس لضعف الملبوس وأنما هو لضعف اللابس ولا نظر إلى احوال اللابسين فانه لا ينضبط (الثالث) ان يكون حلالا فالخف المغصوب والمسروق في جواز المسح عليه وجهان قال صاحب التلخيص لا يجوز لان المسح عليه لحالة الاستدامة وهو مأمور بالنزع والرفض ولان لبسه معصية والمسح رخصة والرخص لا تناط بالمعاصى وقال أبو علي الطبري والاكثرون يجوز كالوضوء بالماء المغصوب والصلاة في الثوب المغصوب ولو اتخذ من الذهب أو الفضة خفا فجواز المسح عليه على الوجهين وايراد صاحب التهذيب يشعر بالمنع] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 [جزما والاول أقرب ولعلك تقول اول كلام صاحب الكتاب يقتضى اشتراط الحل جزما حيث قال الشرط الثاني ان يكون الملبوس ساترا قويا حلالا وبالآخرة ذكر وجهين في المسح علي الخف المغصوب ثم الاظهر منهما في المذهب جواز المسح عليه فينحذف القيد الثالث عن درجة الاعتبار ولا يلائم آخر الكلام أوله فاعلم ان الضوابط في المذهب تذكر كالتراجم لما قيل باعتباره وفاقا أو خلافا والاعتماد على ما يذكر من التفصيل آخرا وكثيرا ما ينحذف بعض القيود علي الاظهر الا انه يذكر لمعرفة الخلاف لكن ههنا صورة اخرى تقتضي التعرض لهذا القيد واعتباره وان جوزنا المسح علي الخف المغصوب والمسروق وهى ما إذا اتخذ خفا من جلد الكلب أو جلد الميتة قبل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 [الدباغ فهذا الجلد لنجاسة عينه لا يحل استعماله في البدن باللبس وغيره علي اصح القولين وقد نص في الام علي انه لا يجوز المسح عليه لانه لا يمكن الصلاة فيه وفائدة المسح وان لم تنحصر في الصلاة الا ان المقصود الاصلي الصلاة وما عداها كالتابع لها وايضا فان الخف بدل عن الرجل ولو كانت الرجل نجسة لم تغسل عن الوضوء ما لم تطهر عن النجاسة فكيف يمسح علي البدل وهو نجس العين ولا يعود الخلاف في هذه الصورة (واعلم) انه يعتبر في الملبوس وراء الصفات الثلاث المذكورة في الكتاب صفات أخر (احداها) ان لا يتعذر المشى عليه بسبب السعة المفرطة أو الضيق المفرط أو بسبب الثقل أو الاحتداد كما سبق (والثانية) ذكر الشيخ أبو محمد انه ينبغى ان يقع عليه اسم الخف حتى لو لف علي قدمه قطعة أدم وشده بالرباط لم يجز المسح عليه لان اللف لا يقوى ولا يتأتى التردد ومتابعة المثي عليه فان فرض ربط قوى فمثل ذلك يعسر ازالته واعادته على هيئته مع استيفاز المسافر فلا يحصل الارتفاق المقصود بالمسح فيتبع مورد النص وهو الخف (الثالثة) ان يمنع نشف الماء ووصوله إلى لرجل فلو لم يمنع كالخف المنسوج والذى لا صفاقة له فهل يجوز المسح عليه فيه وجهان اظهرهما لا: لان الغالب من الخفاف ان يمنع النفوذ فينصرف إليها نصوص المسح ويبقى الغسل واجبا فيما عداها والثاني يجوز كما لو تخرقت ظهارة الخف وبطانته من موضعين غير متوازبين يجوز المسح عليه مع نفوذ الماء واختار امام الحرمين هذا الوجه وتابعه صاحب الكتاب في الوسيط ولذلك] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 [حذف هذا الشرط من اصله ههنا لكن ظاهر المذهب الاول قال [فرع الجر موق الضعيف فوق الخف لا يمسح عليه وان كان قويا لم يجز (م ح) المسح عليه أيضا في الجديد بل عليه ان يدخل اليد بينهما فيمسح علي الاسفل] الجرموق هو الذي يلبس فوق الخف وانما يلبس غالبا لشدة البرد فإذا لبس جرموقين فوق الخفين أو خفين فوق الخفين فلا يخلو من اربع احوال (احداها) ان يكون الاسفل بحيث لا يمسح عليه لضعف أو تخرق والا علي يحيث يمسح عليه فالمسح علي الاعلي والاسفل والحالة هذه كالجورب واللفافة (والثانية) ان يكون الامر بالعكس من ذلك فيمسح على الاسفل القوى وما فوقه كخرقة تلف على الخف فلو مسح على الاعلي فوصل البلل إلى الاسفل فان قصد المسح علي الاسفل جاز وكذا لو قصد المسح عليهما جاز ويلغو قصد المسح علي الاعلي وفيه وجه انه إذا قصدهما لم يعتد بالمسح وان قصد المسح على الاعلى الضعيف لم يجزه وان لم يقصد شيئا بل كان علي نيته الاولى وقصد المسح في الجملة ففيه وجهان اظهرهما الجواز لانه قصد اسقاط فرض الرجل بالمسح وقد وصل الماء إليه فكفى (الحالة الثالثة) الا يكون واحد منهما بحيث يمسح عليه فلا يخفى تعذر المسح (الرابعة) ان يكون كل واحد منهما بحيث يمسح عليه فهل يجوز المسح علي الاعلي فيه قولان قال في القديم والاملاء يجوز وبه قال أبو حنيفة واحمد والمزنى لان المسح علي الخف جوز] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 [رفقا وتخفيفا وهذا المعني موجود في الجرموق فان الحاجة تدعو إلى لبسه وتلحق المشقة في نزعه عند كل وضوء وقال في الجديد لا يجوز وهو اشهر الروايتين عن مالك لان الاصل غسل الرجلين والمسح رخصة وردت في الخف والحاجة إلى لبسه اهم واعم فلا يلحق به الجرموق فان فرعنا على القديم وجوزنا المسح علي الجرموق فكيف السبيل في ذلك: ذكر ابن سريج فيه ثلاثة معان اظهرها ان الجرموق بدل عن الخف والخف بدل عن الرجل لانه يستر الخف ستر الخف للرجل ويشق نزعه كما يشق نزع الخف فاقيم مقامه (وثانيها) ان الاسفل كاللفافة والخف هو الاعلى لانا إذا جوزنا المسح عليه فقد جعلناه اصلا في رخصة المسح وثالثها ان الاعلي والاسفل معا بمثابة خف واحد فالاعلى كالظهارة والاسفل كالبطانة ويتفرع علي هذه المعاني مسائل (منها) لو لبسهما جميعا وهو علي كمال الطهارة له ان يمسح على الاعلي علي هذا القول وهل له ان يمسح علي الاسفل بان يدخل اليد بينهما فيه وجهان ان قلنا الاعلي بدل الاسفل يجوز كما يجوز لو غسل الرجل في الخف وان قلنا الاسفل كاللفافة أو هما كطافتى خف واحد فلا (ومنها) لو لبس الاسفل علي كمال الطهارة ولبس الاعلي علي الحدث ففى جواز المسح علي الاعلي وجهان ان قلنا بالمعنى الاول أو الثاني فلا يجوز لانه مقصود بالمسح لبسه محدثا فلا يمسح عليه كالخف الواحد وان قلنا بالمعني الثالث فيجوز كما لو لبس الخف علي الطهارة ثم احدث والصق به طاقة اخرى وفى المسألة طريقة اخري انه لا يجوز المسح عليه جزما] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 [غسل الرجلين وهل يكفيه ذلك ام يفتقر إلى استئناف الوضوء قولان كما سنذكر في نزع الخف وان قلنا انهما كالظهارة والبطانة فلا شئ عليه وان قلنا الاسفل كاللفافة فينزع الاسفل ايضا ويغسل الرجلين وفى لزوم الاستئناف قولان فيحصل من مجموع الاختلافات في المسألة خمسة أقوال لا يلزمه شئ: يلزم المسح علي الاسفل لا غير: يلزم المسح مع استئناف الوضوء: يلزم نزع الخفين وغسل الرجلين: يلزم ذلك مع استئناف الوضوء (ومنها) لو تخرق الاعلي من احدى الرجلين أو نزعه فان قلنا الاعلى بدل البدل فهل يلزمه نزعه من الرجل الاخرى فيه وجهان اصحهما نعم كما لو نزع احد الخفين يلزمه نزع الثاني ثم إذا نزع عاد القولان في انه يكفيه المسح علي الاسفلين ام يحتاج] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 [ولو لبس الاسفل كذلك واحدث ومسح عليه ثم لبس الجرموق فهل يمسح عليه منهم من بناه على المعاني ان قلنا الجرموق بدل الخف أو قلنا انه كالظهارة فيجوز وان قلنا انه الخف والاسفل كاللفافة فلا وقيل يبني الجواز علي هذا المعني الثالث على ان المسح علي الخف هل يرفع الحدث ام لا ان قلنا يرفع فيجوز والا فلا لانه لم يلبس على طهارة قوية ومنهم من بنى المسألة على هذا الاصل وقطع النظر عن المعاني الثلاثة وإذا جوزنا المسح في هذه المسألة علي الاعلي فقد ذكر الشيخ أبو على ان ابتداء المدة يكون من حين أحدث أول ما لبس لا من وقت الحدث بعد لبس الجرموقين لان كله كاللبس الواحد يبني البعض علي البعض وفى جواز المسح على الاسفل الخلاف الذى سبق (ومنها) لو لبس الاسفل على الحدث وغسله فيه ثم لبس الاعلى وهو على طهارة كاملة فلا يجوز المسح علي الاسفل لا محالة وهل يجوز على الاعلى يبنى علي المعاني ان قلنا الاعلي بدل البدل فلا يجوز لان الاسفل ليس ممسوحا عليه إذا كان ملبوسا على الحدث فلا يصلح للبدلية وان قلنا انهما كالظهارة والبطانة فكذلك لا يجوز كما إذا لبس الخف ثم الصق به طاقة اخري وهو متطهر وان قلنا الاسفل كاللفافة فله المسح علي الاعلى (ومنها) لو تخرق الاعلى من الرجلين جميعا أو نزعهما بعد ما مسح عليه وبقي الاسفل بحاله فان قلنا الاعلى بدل البدل لم يجب نزع الاسفل لان حكم الاصل لا يبطل بسقوط البدل لكن لابد من المسح علي الخفين كما إذا نزع الخف لابد من] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 [إلى اعادة الوضوء والثاني لا يلزم نزع الآخر لان كل واحدة من الرجلين دونها حائل والفرض فيما المسح بخلاف ما إذا نزع احد الخفين فان فرض الرجل المكشوفة حينئذ الغسل وعلي هذا فيما يلزمه قولان احدهما المسح على الخف الذي خلع الاعلى من فوقه والثاني استئناف الوضوء والمسح على ذلك الخف وعلي الاعلي من الرجل الاخرى وان قلنا الاعلي والاسفل كطاقتي خف واحد لم يلزمه شئ وان قلنا بالمعنى الثالث نزع الاسفل من الرجل التى نزع منها الاعلي أو تخرق ونزعهما من الثانية ويغسل الرجلين وفى لزوم الاستئناف قولان (ومنها) لو تخرق الاسفل من الرجلين جميعا لم يضر علي المعاني كلها وان تخرق من احداهما فان قلنا الاعلي بدل البدل نزع واحدة من الرجل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 [الاخرى أيضا كيلا يكون جامعا بين البدل والمبدل كذلك ذكره في التهذيب وغيره ولك ان تقول هذا المعنى موجود فيما إذا تخرق الاعلى من احدى الرجلين وقد حكوا وجهين في لزوم النزع من الرجل الاخرى فليحكم بطردهما ههنا ثم إذا نزع ففيما يلزم: قولان احدهما المسح على الخف الذى تزع الاعلى من فوقه والثاني استئناف الوضوء والمسح عليه وعلي الاعلي الذى تخرق الاسفل تحته وان قلنا بالمعنى الثاني أو الثالث فلا شئ عليه ومنها لو تخرق الاعلي والاسفل من الرجلين جميعا أو من احداهما لزم نزع الكل علي المعاني كلها نعم ان قلناهما كطاقتي خف واحد وكان الخرق في موضعين غير متحاذيين لم يضر علي ما تقدم (ومنها) لو تخرق الاعلي من رجل والاسفل من الثانية] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 [فان قلنا انه بدل البدل نزع الاعلي المتخرق واعاد المسح علي ما تحته وهل يكفى ذلك ام يحتاج إلى استئناف الوضوء ماسحا عليه وعلي الاعلى من الرجل الاخرى: فيه قولان وان قلنا هما كطاقتي خف واحد لم يضر وان قلنا الاسفل كاللفافة وجب نزع الكل كما لو تخرق احد الخفين ثم إذا نزع غسل الرجلين وفى استئناف الوضوء قولان: هذا كله تفريع علي القديم وان فرعنا على الجديد ومنعنا المسح علي الجرموق والخف الاعلي فان نزع الاعلي ومسح علي الاسفل فذاك وان ادخل اليد بينهما ومسح علي الاسفل فهل يجوز فيه وجهان اصحهما وهو المذكور في الكتاب نعم كما لو غسل رجليه وهما في الخف يجوز والثاني لا يجوز لان المسح ضعيف فلا يجوز إذا كان هناك] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 [حائل لانضمام ضعف إلى ضعف وعلي هذا القول لو تخرق الخفان تحت الجرموقين نظر ان كان عند التخرق علي طهارة لبس الاسفل مسح علي الاعلي لانه صار اصلا بخروج ما تحته عن ان يمسح عليه وان كان محدثا في تلك الحالة لم يمسح علي الاعلي كما لو ابتدأ اللبس علي الحدث فان كان علي طهارة المسح وذلك إذا جوزنا ادخال اليد بينهما والمسح على الاسفل منهما ففى جواز المسح علي] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 [الاعلى وجهان كما ذكرنا في التفريع على القديم والله اعلم * ولو لبس الجرموق في احدى الرجلين واقتصر في الاخرى علي الخف واراد المسح علي جرموق وخف فلا شك انه يمتنع ذلك علي الجديد وعلي القديم يبنى علي المعاني الثلاثة ان قلنا الجرموق بدل البدل لم يجز ذلك لان اثبات البدل في احدى الرجلين يمتنع كما يمتنع المسح في احدى الرجلين والغسل في الاخرى وقد ذكرنا انه لو مسح] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 [علي الجرموقين ثم نزع احدهما لا يلزمه شئ علي رأى ويستدام حكم المسح علي جرموق وخف والفرق علي هذا ان الامر في الاستدامة اقوى الا يرى ان اعتراض العدة والردة في دوام النكاح لا تبطله بخلاف ما في الابتداء وان قلناهما كطاقتي خف يجوز له المسح علي الجرموق والخف الآخر كما لو لبس حفين لاحدهما طاقة واحدة وللاخر طاقتان فان قلنا الاسفل كاللفافة فوجهان احدهما لا يجوز كما لو لبس خفا ولف على] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 [الرجل الثانية لفافة واصحهما الجواز لانه انما ينزل منزلة اللفاقة إذا كان مستورا فاما إذا كان باديا فهو مستقل بنفسه بدل عن الرجل بخلاف مالو نزع احد الجرموقين يجب نزع الكل علي ذلك التقدير لانه يلبس الجرموق والمسح عليه صار الاسفل لفافة والله اعلم * قال [النظر الثاني في كيفية المسح واقله ما ينطلق عليه الاسم مما يوازى محل الفرض فلو اقتصر علي الاسفل فظاهر النص منعه واما الاكمل فان يمسح علي أعلي الخف واسفله الا ان يكون علي اسفله نجاسة واما الغسل والتكرار فمكروهان واستيعاب الجميع ليس بسنة] * الكلام في كيفية المسح يتعلق بالاقل والاكمل فاما الاقل فيكفى في قدره ما ينطلق عليه اسم المسح خلافا لابي حنيفة حيث قدر الاقل بثلاث اصابع اليد ولاحمد حيث اوجب مسح اكثر الخف لنا ان النصوص متعرضة لمطلق المسح وإذا اتى بما يقع عليه اسم المسح فقد مسح وهذا كما ذكرنا في مسح] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 [الرأس ثم لابد وان يكون محل المسح ما يوازى محل الفرض من الرجل إذ المسح بدل عن الغسل وهل جميع ذلك محل المسح ام لا: لا كلام في ان ما يحاذي غير الاخمصين والعقبين محل له وأما ما يحاذي الاخمصين وهو اسفل الخف ففى جواز الاقتصار علي مسحه ثلاثة طرق أظهرها أن فيه قولين اظهرهما انه لا يجوز لان الرخص يجب فيها الاتباع ولم يؤثر الاقتصار علي الاسفل قال اصحاب هذه الطريقة وهذا هو المراد فيما رواه المزني في المختصر انه ان مسح باطن الخف وترك الظاهر اعاد والثانى وهو مخرج انه يجوز لانه محاذ لمحل الفرض كالاعلي وعبر بعضهم عن هذا الخلاف بالوجهين والطريق الثاني القطع بالجواز ثم من الصائرين إليه من غلط المزني وزعم ان ما رواه لا يعرف للشافعي في شئ من كتبه ومنهم من قال اراد بالباطن الداخل لا الاسفل والطريق الثالث القطع بالمنع واما عقب الخف ففيه وجهان انه ثم منهم من رتب العقب علي الاسفل وقال العقب أولى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 [بالجواز لانه ظاهر يرى والاسفل لا يرى في اغلب الاحوال فاشبه الداخل ومنهم من قال العقب أولى بالمنع إذ لم يرد له ذكر اصلا ومسح الاسفل مع الاعلي منقول ان لم ينقل الاقتصار عليه وننبه بعد هذا الامور من الفاظ الكتاب احدها قوله فان اقتصر علي الاسفل بعد قوله مما يوازى محل الفرض كالمنقطع عنه ولو قال لكن لو اقتصر أو نعم لو اقتصر وما اشبه ذلك كان اولى ليشعر باستثنائه مما يوازى محل الفرض الثاني قوله فظاهر النص منعه جواب علي طريقة القولين لان هذا الكلام انما يطلق غالبا حيث يكون ثم قول آخر مخرج الثالث ظاهر كلامه يقتضى تجويز المسح على عقب الخف لانه قال اقله ما ينطلق عليه الاسم مما يوازى محل الفرض ولم يخرج عنه الا اسفل الخف وموضع العقب مما يوازى محل الفرض وليس هو من اسفل الخف لكن الاظهر عند الاكثرين انه لا يجوز الاقتصار عليه كالاسفل واما الاكمل فهو ان يمسح اعلي الخف واسفله خلافا لابي حنيفة واحمد حيث قالا لا يمسح الاسفل لنا ما روى عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 [ان النبي صلى الله عليه وسلم مسح اعلي الخف واسفله والاولي ان يضع كفه اليسرى تحت العقب واليمني علي ظهور الاصابع ويمر اليسرى إلى اطراف الاصابع من اسفل واليمني إلى الساق يروى هذه الكيفية عن ابن عمر رضى الله عنهما وقوله الا ان يكون علي اسفله نجاسة استثناء لم يذكره في الوسيط ولا تعرض له الاكثرون وفيه اشعار بالعفو عن النجاسة التي تكون علي الخف ولا شك انه ان كان عند المسح علي اسفل خفه نجاسة فلا يمسح عليه لان المسح يزيد فيها واما اشعاره بالعفو والقول في انه كيف يصلي فيه ايتعين ازالة النجاسة عنه بالماء كما في سائر المواضع] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 [أم يكفى دلكه بالارض فسيأتي في كتاب الصلاة ان شاء الله تعالى وهل يستحب مسح عقب الخف فيه قولان وقيل وجهان اصحهما نعم كسائر اجزاء الخف من الاعلي والاسفل والثانى لا: لان السنة ما جاءت به ولانه موضع صقيل وبه قوام الخف فادامة المسح عليه تفسده ومنهم من قطع بالاستحاب ونفى الخلاف فيه ثم مسح الاعلي والاسفل وان كان محبوبا لكن استيعاب الكل ليس بسنة مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم علي خفه خطوطا من الماء وحكي عن تعليق القاضى انه يستحب الاستيعاب كما في مسح الرأس واما قوله الغسل والتكرار مكروهان فانما يكره الغسل لانه تعييب] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 [للخف بلا فائدة وكذلك التكرار يوجب ضعف الخف وفساده وهذا المسح رخصة مبنية علي التخفيف ولك ان تعلم قوله فمكروهان بالواو واما في الغسل فلان القول بالكراهة مبني علي ان الغسل جائز قائم مقام المسح في صحة الوضوء وفيه وجه ان الغسل لا يجزى كما ذكرنا في مسح الرأس لا انه مكروه واما في التكرار فلان القاضى ابا القاسم ابن كج حكى وجها انه يستحب فيه التكرار ثلاثا كما في مسح الرأس * قال [النظر الثالث في حكمه وهو اباحة الصلاة إلى انقضاء مدته أو نزع الخف ومدته للمقيم] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 [يوم وليلة (م و) وللمسافر ثلاثة ايام من وقت الحدث فلو لبس المقيم ثم سافر قبل الحدث اتم مدة المسافرين * وكذا لو احدث في الحضر * فان مسح في الحضر (ح ز) ثم سافر أتم مسح المقيمين (ح) تغليبا للاقامة * ولو مسح في السفر ثم أقام لم يزد (ز) علي مدة المقيمين ولو شك فلم يدر أنقضت المدة أو مسح في الحضر فالاصل وجوب الغسل ولا يترك مع الشك *] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 [يباح بالوضوء الذى مسح فيه على الخفين الصلاة وسائر ما يفتقر إلى الطهارة ومد صاحب الكتاب ذلك الي احدي غايتين اما مضى مدة المسح واما نزع الخف وفى معناه تخرقه فاما الغاية الاولى وهى مضنى مدة المدة فتعرف بمعرفة مدته وهل يتقدر المسح بمدة ام لا فيه قولان قال في القديم لا: وبه قال مالك لما روى عن خزيمة قال (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر ان يمسح] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 [ثلاثة ايام ولياليهن ولو استزدناه لزادنا) وعن أبي بن عمارة وكان ممن صلي إلى القبلتين قال (قلت] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 [يا رسول الله امسح علي الخف قال نعم قلت يوما قال ويومين قلت وثلاثة ايام قال نعم وما شئت) وقال في الجديد وهو المذكور في الكتاب يتقدر في حق المقيم بيوم وليلة وفى حق المسافر بثلاثة ايام ولياليهن لحديث صفوان بن عسال كما سبق وعن علي رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم (جعل المسح ثلاثة ايام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم) ويتفرع علي الجديد مسائل (احداها) يعتبر ابتداء المدة في حق المسافر والمقيم جميعا من وقت الحدث بعد اللبث خلافا لاحمد حيث قال فيما رواه اصحابنا يعتبر من وقت المسح والذى رأيته لاصحابه انه يعتبر من وقت الحدث كما ذكرنا ونسبوا الاعتبار من وقت المسح إلى داود لنا ان وقت جواز المسح يدخل بالحدث ولا معنى لوقت العبادة سوى الزمان الذى يجوز فعلها فيه كوقت الصلاة وغيره وغاية ما يمكن فعله بالمسح من الصلوات المؤداة علي التوالى ست عشرة إذا لم يجمع وان جمع فيتصور ان يؤدى به سبع عشرة صلاة وذلك في حالة عدم الجمع] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 [مثل ان يحدث بعد طلوع الفجر بقدر ما يسع صلاة الفجر وقد بقى إلى طلوع الشمس ما يسعها ايضا فتوضأ ويمسح علي خفيه ويصلى الفجر ويصلي باقى صلوات اليوم والليلة بالمسح وكذلك صلوات اليوم الثاني والثالث ويصلي الفجر في اليوم الرابع قبل الانتهاء الي وقت الحدث في اليوم الاول فتلك ست عشرة وفى حالة الجمع مثل ان يحدث بعد الزوال بقدر ما يسع صلاة الظهر والعصر وقد بقى من وقت الظهر ما يسعهما أيضا فصلاهما بالمسح وكذا ما بعدهما من الصلوات إلى ان يدخل وقت الزوال في اليوم الرابع فيصلي بالجمع الظهر والعصر قبل الانتهاء إلى وقت الحدث في اليوم الاول فيكون قد صلي اربع صلوات من صلوات اليوم الاول وعشرا من صلوات اليوم الثاني والثالث ثلاث صلوات من صلوات اليوم الرابع فجملتها سبع عشرة وغاية ما يصلي المقيم بالمسح من صلوات الوقت ست صلوات ان لم يجمع وسبع ان جمع بعذر مطر ولا يخفى تصويره مما ذكرنا في المسافر (الثانية) انما يمسح المسافر ثلاثة ايام ولياليهن بشرطين احدهما ان يكون سفر طويلا اما السفر القصير فهو كالاقامة والثانى الا يكون سفر معصية فان كان سفر معصية لم يمسح ثلاثة ايام ولياليهن كما لا يترخص بالقصر والافطار وهل يمسح يوما وليلة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 [فيه وجهان مذكوران في باب صلاة المسافرين في الكتاب وسنشرحهما ثم ويجريان في أن العاصي بالاقامة كالعبد المأمور بالسفر إذا أقام هل يمسح يوما وليلة أم لا (الثالثة) لو لبس الخف في الحضر ثم سافر وأحدث في السفر فله أن يمسح مسح المسافرين وكذلك لو أحدث في الحضر ثم سافر وابتدأ المسح في السفر خلافا للمزني حيث قال في هذه الصورة يمسح مسح المقيمين لان ابتداء المدة وقع في الحضر * لنا أن أول المسح أول العبادة فإذا وقع في السفر أقيمت العبادة كما يقام في السفر ولا نظر إلى دخول الوقت في الحضر الا ترى أنه لو سافر بعد دخول وقت الصلاة كان له القصر على الصحيح ولا فرق بين أن يخرج وقت الصلاة بعد ما أحدث في الحضر وبين ألا يكون كذلك * قال أبو اسحق المروزى إذا مضي الوقت] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 [في الحضر ولم يصل ثم سافر مسح مسح المقيمين لانه عاص باخراج الصلاة عن الوقت ولا رخصة للعاصي والاول أصح كما لو فاتته صلاة في الحضر له أن يقضيها بالتيمم في السفر وليكن قوله في الكتاب وكذا لو احدث في الحضر معلما بالزاى لمذهب المزني وبالواو للتفصيل الذى رويناه عن ابى اسحق * ولو ابتدأ المسح في الحضر ثم سافر أتم مسح المقيمين ولا يزيد عليه خلافا لابي حنيفة حيث قال يمسح مسح المسافرين إلا ان يتم اليوم والليلة قبل مفارقة العمران وعن أحمد روايتان احداهما مثل مذهبنا والثانية أنه يمسح مسح المسافر * لنا أنه عبادة اجتمع فيها الحضر والسفر فيغلب حكم الحضر كما لو كان مقيما في أحد طرفي صلاته لا يجوز القصر واعلم أن الاعتبار في المسح بتمامه حتي لو توضأ في الحضر ومسح علي أحد الخفين ثم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 [سافر ومسح علي الآخر كان له أن يمسح مسح المسافرين لانه لم يتم المسح في الحضر ولو ابتدأ المسح في السفر ثم صار مقيما نظر ان اقام بعد تمام يوم وليلة لم يمسح بل ينزع ويستأنف اللبس ويجزئه ما مضى وإن زاد على يوم وليلة وإن أقام قبل تمام يوم وليلة فله أن يتم يوما وليلة مسح المقيمين وقال المزني كل يوم وليلة في السفر مقابل بثلث يوم وليلة في الحضر فان مسح يوما وليلة في السفر ثم أقام فله ثلثا يوم وليلة * وان مسح يومين وليلتين ثم أقام فله ثلث يوم وليلة لنا تغليب جانب الحضر كما تقدم (الرابعة) لو شك في انقضاء مدة المسح أما المقيم في مده المقيمين أو المسافر في مدة المسافرين وجب عليه غسل الرجلين وتعذر المسح قال صاحب التلخيص هذا مما يستثنى عن قولنا اليقين لا يترك بالشك لان جواز المسح يقين] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 [وانقضاء المدة مشكوك فيه أجاب الاصحاب بأن قالوا لا بل هذا أخذ باليقين لان الاصل وجوب غسل الرجلين والمسح رخصة منوطة بشرائط فإذا شك في المدة فقد شك في بعض الشرائط فيعود إلى الاصل وهذا كما لو توضأت المستحاضة ثم شكت في انقطاع دمها قال الشافعي رضى الله عنه لا تصلى حتى تتوضأ ولا نقول الاصل سيلان الدم بل نقول الاصل أن من احدث توضأ وانما جوز لها الصلاة للضرورة فإذا شكت في بقاء الضرورة عادت إلى الاصل وكذلك لو دخل المسافر بعض البلاد ولم يدر انه البلد الذى قصده ام غيره فلا يقصر لان الاصل وجوب الاربع وقد شك في شرط القصر وهو السفر ولو شك المسافر في ان ابتداء مسحه كان في الحضر أو في السفر لا يزيد على مدة المقيمين اخذا بالاصل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 [المقتضي لوجوب الغسل فلو مسح في اليوم الثاني على الشك وصلى ثم زال الشك في اليوم الثالث وعلم أنه ابتدأ المسح في السفر فعليه اعادة صلوات اليوم الثاني لانه صلاها علي الشك ويجوز أن يصلى بالمسح في اليوم الثالث ثم ان كان علي مسح اليوم الاول ولم يحدث في اليوم الثاني له أن يصلي في اليوم الثالث بذلك المسح وان كان قد أحدث في اليوم الثاني لكنه مسح علي الشك وجب عليه اعادة المسح لصلوات اليوم الثاني وفى وجوب استئاف الوضوء قولا الموالاة ويجوز له أن يعيد صلوات اليوم الثاني بالمسح في اليوم الثالث ذكر كل ذلك في التهذيب وقال ابن الصباغ في الشامل يجب اعادة الصلوات لكن يجزئه المسح] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 [مع الشك والاول أظهر هذا تمام الكلام في احدى الغايتين * قال [ومنهما نزع الخفين أو احدهما فيجب غسل القدمين واما الاستئناف فلا يجب ان قلنا ان المسح لا يرفع الحدث وان قلنا يرفع وجب لانه في عوده لا يتجزأ] الغاية الثانية نزع الخفين أو احدهما ومهما اتفق ذلك وهو علي طهارة لزم غسل الرجلين سواء كان عند انقضاء المدة أو قبلها وهل يجب استئناف الوضوء فيه قولان احدهما يجب وبه قال احمد واصحهما لا: وبه قال مالك وابو حنيفة والمزني واختلف الاصحاب في ان القولين مستقلان بنفسهما أو هما مبنيان] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 [علي اصل آخر: منهم من قال هما مستقلان ووجه قول الاكتفاء بغسل الرجلين بأن المسح بدل زال حكمه بطهور محل مبدله فيرجع الي المبدل وهو الغسل كالمتيمم يرى الماء ووجه قول الاستئناف بأن قال عبادة بطل بعضها فيبطل كلها كالصلاة: ومنهم من قال هما مبنيان على اصل واختلفوا فيه علي ثلاثة طرق احدها انهما مبنيان علي القولين في تفريق الوضوء ان جوزنا كفى غسلهما وإلاوجب الاستئناف ويحكى هذا عن ابن سريج وابي اسحق لكن زيفه الجمهور من وجوه منها] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 [انه لا خلاف في جواز التفريق في الوضوء علي الجديد ونص في مواضع من الجديد علي وجوب الاستئناف ههنا: ومنها ان قولى التفريق يختصان بالتفريق الكثير فاما اليسير منه فهو جائز بلا خلاف ولا صائر إلي الفرق فيما نحن فيه: ومنها ان التفريق بالعذر جائز والعذر موجود ههنا والثاني نهما مبنيان علي ان بعض الطهارة هل يختص بالانتقاض ام يتداعى انتقاض البعض إلى انتقاض الكل فيه قولان احدهما يختص البعض بالانتقاض لانه لو غسل بعض اعضاء طهارته يرتفع الحدث عنه وان لم يرتفع عن الباقي] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 [وإذا جاز ان يتبعض ارتفاعا جاز ان يتبعض ثبوتا فعلي هذا لا يجب الاستئناف والثاني لا يختص البعض بالانتقاض كالصلوات وسائر العبادات فعلي هذا يجب الاستئناف والثالث وهو المذكور في الكتاب وبه قال القفال والشيخ أبو حامد واصحابهما انهما مبنيان علي ان المسح علي الخفين هل يرفع الحدث عن الرجلين ام لا وفيه قولان احدهما يرفع لانه مسح بالماء فاشبه مسح الرأس ولانه يجوز الجمع به بين فرضين ولو لم يرفع الحدث لما جاز كالتيمم والثانى لا يرفع لانه لو رفع الحدث لما تقدر بمدة ولا يمتد اثره إلى وجود الحدث فان قلنا انه لا يرفع الحدث عن الرجل فلا يجب استئناف الوضوء لان الحدث قد ارتفع عن سائر الاعضاء الا عن الرجلين فإذا غسلهما ارتفع عنهما أيضا وكفى قال في التتمة وهذا إذا لم يقع تفريق كثير فان وقع ففيه خلاف التفريق وان قلنا ان المسح يرفع الحدث عن الرجل فيجب استئناف الوضوء لان وجوب غسل الرجلين عند النزع يدل علي عود الحدث فيهما والحدث لا يتجزأ في عوده * واعلم ان هذه الطريقة والتى قبلها متقاربتان ومن يجوز انتقاض بعض الطهارة دون بعض لا يبعد ان يقول بان الحدث يتجزأ عند العود ولا يسلم لزوم الاستئناف والله اعلم * هذا تمام الكلام] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 [في الغايتين ولك ان تقول غاية فائدة المسح لا تنحصر في الامرين المذكورين بل تنتهى بأمرين آخرين احدهما ان يلزم الماسح غسل جنابة أو كانت امرأة فلزمها غسل حيض أو نفاس فيجب غسل الرجلين واستئناف اللبس بعد ذلك ان اراد المسح قال صفوان كان يأمرنا ألا ننزع خفافنا ثلاثا ايام ولياليهن الا من جنابة والمعنى فيه ان الجنابة لا تتكرر فلا يشق نزع الخف لها الثاني إذا دميت رجله في الحف ولم يمكن غسلها فيه وجب النزع وغسل الدم ولا يكون المسح بدلا عنه وان امكن غسلها فيه نغسلها لم يبطل المسح * قال [فرع لو لبس فرد خفه لم يجز المسح الا ان تكون الرجل الاخرى ساقطة من الكعب] سليم الرجلين إذا لبس احد الحفين دون الآخر لم يجز المسح عليه لوجهين احدهما ان المسح انما جوز للارتفاق بلبس الخف لغرض المشي أو دفع الحر والبرد وغيرهما والمعهود في تحصيل هذه الاغراض لبسهما جميعا فإذا لم يفعل لزمه الغسل الذى هو الاصل والثاني ان الرجلين بمثابة العضو الواحد وهو مخير فيهما بين الغسل وبين المسح علي الخفين وإذا تخير بين خصلتين في العبادة الواحدة لم يجز له التوزيع كما في خصال الكفارة ولو لم يكن له الارجل واحدة إما باصل الخلقة أو سبب عارض] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 [فهي وحدها كالرجلين ان شاء غسلها وان شاء مسح علي ساترها بالشرائط السابقة لانه قد يحتاج إلى اللبس ايضا للمشى عليها مع عصا يتخذها أو لدفع الحر والبرد ولو بقيت من الرجل الاخرى بقية لم يجز المسح حتى يواريها بساتر مستجمع لشرائط المسح * قال * (كتاب الحيض) * وفيه خمسة أبواب (الاول) في حكم الحيض والاستحاضة * اما الحيض فاول وقت امكانه اول السنة التاسعة في وجه وإذا مضت ستة اشهر منها في وجه واول العاشرة في وجه فما قبل ذلك دم فساد وأقل مدة الحيض يوم (ح م) وليلة (و) واكثرها خمسة عشر يوما وأقل الطهر خمسة عشر يوما (ح) واكثره لاحد له واغلب الحيض ست أو سبع وأغلب الطهر بقية الشهر ومستند هذه التقديرات الوجود المعلوم] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 [بالاستقراء فلو وجدنا امرأة تحيض أقل من ذلك علي الاطراد ففى اتباع ذلك خلاف لان بحث الاولين أو في] الدم الذى تراه النساء ينقسم الي غير النفاس والى النفاس وغير النفاس ينقسم إلى حيض واستحاضة وهما مختلفا الحكم ثم قد تكون المرأة بحيث تعرف حيضها من استحاضتها وقد يختلط احدهما بالآخر فلا تعرف هذا من ذاك وعلى الاحوال فالدم قد يطبق وقد ينقطع فترى مثلا يوما دما ويوما نقاء فجعل كلام هذه الامور في خمسة ابواب أولها في خواص الدم الذى هو حيض وفى احكام الحيض والاستحاضة وثانيها في معرفة المستحاضات وثالثها في المتحيرة المشتبهة الحال ورابعها في التقطع وخامسها في النفاس اما الباب الاول فمما يحتاج إليه لمعرفة الحيض بيان السن المحتمل للحيض وفيه ثلاثة اوجه اصحها ان اقل سن تحيض فيه المرأة تسع سنين فان رأت الصبية دما قبل استكمال التسع فهو دم فساد قال الشافعي رضي الله عنه واعجل من سمعت من النساء نساء تهامة يحضن لتسع سنين وهذا هو الذى عبر عنه صاحب الكتاب بقوله وأول العاشرة في وجه والثاني ان اول وقت الامكان يدخل بالطعن في السنة التاسعة وقد تسمى حينئذ بنت تسع والثالث يدخل بمضي ستة اشهر من السنة التاسعة قال الاصحاب والمتبع في وقت الحيض وقدره الوجود فنرجع فيه إلى العرف لان كل ما ورد به الشرع مطلقا ولم يكن له ضابط في الشرع واللغة يرجع فيه إلى العرف كالقبوض والاحراز ثم كل واحد من اصحاب الوجوه الثلاثة يزعم ان ما ذكره قد عهد والاعتبار علي الوجوه بالسنين القمرية دون غيرها وهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 [يعتبر بالتقريب أم بالتحديد اظهرهما التقريب وعلى هذا فيه وجهان لو كان بين رؤية الدم وبين استكمال التسع علي الوجه الاصح مالا يسع لحيض وطهر يكون ذلك الدم حيضا والا فلا ولا فرق في سن الحيض بين البلاد الحارة وغيرها وعن الشيخ أبي محمد ان الامر في البلاد الحارة علي ما ذكرناه وفى الباردة وجهان واما أقل مدة الحيض فقد نص في المختصر علي ان أفل الحيض يوم وليلة وقال فيه في العدة وأقل ما علمناه من الحيض يوم فاختلفوا فيه علي طرق احدها ان فيه قولين اظهرهما ان اقله يوم وليلة لما روى عن علي رضى الله عنه ان اقل الحيض يوم وليلة ولان المتبع فيه الوجود المتعاد وقد قال الشافعي رضي الله عنه رأيت امرأة لم تزل تحيض يوما وليلة وروى مثله عن عطاء وعن أبى عبد الله الزبيري رضى الله عنهما والثانى اقله يوم لما روى عن الاوزاعي قال كانت عندنا امرأة تحيض بالغداة وتطهر بالعشى والطريق الثاني القطع بان أقله يوم وحيث قال اقله يوم وليلة انما قال ذلك لانه لم يجد في النساء من تحيض أقل من ذلك ثم وجد وعرف فرجع إليه والثالث وهو] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 [الاظهر القطع بأن أقله يوم وليلة وحيث قال يوما أراد بليلته والعرب كثيرا ما تفعل ذلك وهذا هو المذكور في الكتاب وعليه تفاريع الحيض وبه قال احمد وقال أبو حنيفة أقله ثلاثة أيام وعند مالك لاحد لاقلة وأما اكثر الحيض فهو خمسة عشر يوما وليلة خلافا لابي حنيفة حيث قال اكثره عشرة أيام لنا ما ذكرنا ان الرجوع إلى ما وجد من عادات النساء واقصاها ما ذكرنا روى عن علي رضي الله عنه أنه قال ما زاد على خمسة عشر فهو استحاضة وعن عطاء رأيت من تحيض يوما ومن تحيض خمسة عشر يوما وعن أبي عبد الله الزبيري مثل ذلك واما الطهر فأكثره لا حد له فقد لا ترى المرأة الدم في عمرها إلا مرة واقله خمسة عشر يوما خلافا لاحمد حيث قال أقله ثلاثة عشر وعن مالك قال ما اعلم بين الحيضتين وقتا يعتمد عليه وعن بعض أصحابه ان اقله عشرة ايام] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 [لنا الرجوع إلى الوجود وقد ثبت ذلك من عادات النساء وروى انه صلي الله عليه وسلم قال (تمكث احداكن شطر دهرها لا تصلي) اشعر ذلك بأقل الطهر واكثر الحيض وغالب عادات النساء في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 الحيض ست أو سبع وفي الطهر باقي الشهر وقد ورد به الحديث قال صلي الله عليه وسلم (تحيضي في علم الله ستا أو سبعا كما تحيض النساء ويطهرن) وسيأتي ذلك من بعد وقوله ومستند هذه التقديرات الوجود المعلوم بالاستقراء يعني ما ذكرنا ان المتبع في سن الحيض والاقل والاكثر ما وجد من عادات النساء بعد البحث الشافي فاعتمدنا ذلك واتبعناه ولو وجدنا امرأة تحيض اقل من يوم وليلة على الاطراد أو اكثر من خمسة عشر أو تطهر اقل من خمسة عشر فهل نتبع ذلك فيه ثلاثة اوجه احدها نعم وذهب إليه الاستاذ أبو اسحق الاسفراينى في جواب له والقاضى حسين] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 [فيما حكى ووجهه انا بينا ان المتبع في هذه المقادير الوجود فإذا وجدنا الامر علي خلاف ما عهدنا وجب اتباعه وقد تختلف العادات باختلاف الاهوية والاعصار والثانى وهو الاظهر انه لا عبرة به لان الاولين قد اعطوا البحث حقه ولم ينقلوا زيادة ولا نقصانا وبحثهم اوفى واحتمال عروض دم فساد للمرأة اقرب من انخراق العادات المستمرة والثالث انه ان وافق ذلك مذهب واحد من السلف صرنا إليه وإلا فلا لانه تبين لنا بذلك ان ما وجدناه قد وجد قبل هذا لكنه لم يبلغ الشافعي رضى الله عنه والمذهب المعتمد هو الوجه الثاني وعليه يفرع مسائل الحيض ويدل عليه الاجماع علي انها لو كانت تحيض يوما وتطهر يوما علي الاستمرار لا يجعل كل ذلك النقاء طهرا كاملا قال [وحكم الحيض تحريم اربعة امور (الاول) ما يفتقر إلى الطهارة كسجود التلاوة والطواف والصلا ثم لا يجب قضاء الصلاة عليها] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 [يحرم علي الحائض ما يحرم علي الجنب فليس لها أن تصلي لقوله صلى الله عليه وسلم (إذا اقبلت الحيضة فدعى الصلاة) ولا ان تطوف لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضى الله عنها وقد حاضت وهى محرمة (اصنعي ما يصنع الحاج غير ان لا تطوفي بالبيت) ولا ان تمس المصحف لقوله تعالى لا يسمه الا المطهرون] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 [ولا ان تلبث في المسجد لما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا احل المسجد لجنب ولا حائض) ولا أن تقرأ القرآن لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن) وفى قراءة القرآن قول قدمناه وفى معنى الصلاة سجود التلاوة والشكر ولا يجب] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 [عليها قضاء الصلاة قالت عائشة رضي الله عنها (كنا نؤمر بقضا الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) وسيأتى المعني فيه على الاثر وقوله ما يفتقر إلى الطهارة ان كان المراد منه الطهارة الكبرى فالمكث في المسجد داخل فيه فلا حاجة الي تكراره في الامر الثاني حيث قال فالمكث محرم وان كان المراد الطهارة الصغرى لم يكن الكلام حاويا لقراءة القرآن وهى مما تمنع على الحائض أيضا قال [الثاني العبور في المسجد فان امنت التلويث فالمكث محرم وفى العبور وجهان] الحائض أن خافت تلويث المسجد لو عبرت اما لانها لم تستوثق أو لغلبة الدم فليس لها العبور فيه صيانة للمسجد عن التلويث بالنجاسة وليس هذا من خاصية الحائض بل المستحاضة وسلس البول ومن به جراحة نضاخة بالدم يخشي من المرور التلويث ليس لهم العبور وان امنت التلويث ففى جواز العبور لها وجهان احدهما لا يجوز لاطلاق الخبر (لا احل المسجد لجنب ولا حائض) واصحهما الجواز كالجنب ومن علي بدنه نجاسة لا يخاف معها التلويث وقوله في الكتاب (فان امنت التلويث فالمكث محرم) ترتيب تحريم المكث علي حالة الا من ليس علي سبيل التخصيص بها بل هو في حالة الخوف اولي بالتحريم لكن الفرض انه لا خلاف في تحريمه في هذه الحالة وان كان العبور مختلفا فيه وفى ذكره الوجهين في العبور حالة الا من ما يبين انه اراد بقوله اولا العبور في المسجد حالة الخوف أو اراد انه ممتنع في الجملة إلى ان يبين التفصيل قال [الثالث الصوم فلا يصح منها ويجب القضاء بخلاف الصلاة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 [ليس للحائض ان تصوم لما روى عن أبى سعيد الخدرى ان النبي صلى الله عليه وسلم وسلم قال (إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم) وهذا التحريم يبقى مادامت ترى الدم فإذا انقطع ارتفع وان لم تغتسل بعد بخلاف الاستمتاع وما يفتقر إلى الطهارة فان التحريم فيه مستمر إلى ان تغتسل ومما يرتفع تحريمه بانقطاع الدم الطلاق وسقوط قضاء الصلاة ايضا ينتهي بانقطاع الدم ثم يجب علي الحائض قضاء الصوم وان لم يجب قضاء الصلاة روى ان معاذة العدوية قالت لعائشة رضى الله عنها ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضى الصلاة فقالت (احرورية انت: كنا ندع الصوم والصلاة علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقضي الصوم ولانقضي الصلاة) ]   تقدم تخريج هذا الحديث من التلخيص في صفحة فلينتبه اه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 [وذكروا في الفرق معنيين احدهما ان قضاء الصوم لا يشق مشقة قضاء الصلاة لان غاية ما يفوتها بعض شهر رمضان ويهون قضاؤه في السنة بخلاف الصلاة فانها تكثر وتتكرر والثاني ان امر الصلاة لم يبن على ان تؤخر ثم تقضى بل اما الا تجب اصلا أو تجب بحيث لا تؤخر بالاعذار والصوم قد يترك بعذر السفر والمرض ثم يقضي فكذلك يترك بالحيض ويقضي وهل يقال بوجوب الصوم على الحائض في حال الحيض فيه وجهان فمن قائل نعم ولولاه لما وجب القضاء كالصلاة ومن قائل لا فانها ممنوعة منه والمنع والوجوب لا يجتمعان قال [الرابع الجماع ولا يحرم الاستمتاع بما فوق السرة وما تحت الركبة وبما تحت الازار (م) وجهان ثم ان جامعها والدم عبيط تصدق بدينار وفى اواخر الدم بنصف دينار استحبابا اما الاستحاضة فكسلس البول لا تمنع الصلاة ولكن تتوضأ لكل صلاة في وقتها وتتلجم وتستثفر وتبادر إلى الصلاة فان اخرت فوجهان ووجه المنع تكرر الحدث عليها مع الاستغناء وفى وجوب تجديد العصابة لكل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 [فريضة وجهان فان ظهر الدم علي العصابة فلا بد من التجديد ومهما شفيت قبل الصلاة استانفت الوضوء وان كانت في الصلاة فوجهان احدهما انها كالتيمم إذا رأى الماء والثاني انها تتوضأ وتستأنف لان الحدث متجدد فان انقطع قبل الصلاة ولم يبعد من عادتها العود فلها الشروع في الصلاة من غير استئناف الوضوء ولكن ان دام الانقطاع فعليها القضاء وان بعد ذلك من عادتها فعليها استئناف الوضوء في الحال] الاستمتاع ضربان احدهما الجماع في الفرج فيحرم في الحيض لقوله تعالى (فاعتزلوا النساء في المحيض) قال صلى الله عليه وسلم في تفسيره (افعلوا كل شئ الا الجماع في الفرج) ويستمر هذا التحريم وان انقطع الدم] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 [إلى ان تتطهر بالماء أو التراب عند العجز عن استعمال الماء خلافا لابي حنيفة حيث قال إذا انقطع الدم لاكثر الحيض حل الجماع وان لم تغتسل لنا قوله تعالى (ولا تقربوهن حتى يطهرن) بالتشديد أي يغتسلن وأما على التخفيف فقد قال فإذا تطهرن فاتوهن أي اغتسلن فلم يجوز الاتيان الا بعد الاغتسال ولو لم تجد ماء ولا ترابا لم يجز وطؤها علي اصح الوجهين بخلاف الصلاة تأتى بها تشبها لحرمة الوقت ومهما جامع في الحيض عمدا وهو عالم بالتحريم ففيه قولان الجديد انه لاغرم عليه لكنه يستغفر ويتوب مما فعل لانه وطئ محرم لا لحرمة عبادة فلا يجب به كفارة كوطئ الجارية المجوسية وكالاتيان في الموضع المكروه لكنا نستحب له ان يتصدق بدينار ان جامع في اقبال الدم وبنصف دينار ان جامع في ادباره لو رود الخبر بذلك وهذا القول هو المذكور في الكتاب والقديم انه يلزمه غرامة كفارة لما فعل ثم فيها قولان احدهما يلزمه تحرير رقبة بكل حال لمذهب عمر رضي الله عنه واشهرهما انه ان وطئ في اقبال الدم فعليه ان يتصدق بدينار وان كان في ادباره فعليه ان يتصدق بنصف دينار لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (من اتى امرأته حائضا فليتصدق بدينار ومن اتاها وقد ادبر الدم فليتصدق بنصف دينار) ثم الدينار الواجب] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 [أو المستحب مثقال الاسلام من الذهب الخالص يصرف إلى الفقراء والمساكين ويجوز ان يصرف إلى واحد وعلى قول الوجوب انما يجب ذلك علي الزوج دون الزوجة وما المراد باقبال الدم وبادباره فيه وجهان احدهما وبه قال الاستاذ أبو اسحق الاسفراييني انه ما لم ينقطع الدم فهو مقبل وادباره ان ينقطع ولم تغتسل بعد يدل عليه ما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (إذا وطئها في اقبال الدم فدينار وان وطئها في ادبار الدم بعد انقطاعه وقبل الغسل فعليه نصف دينار) واشهرهما ان] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 [اقباله أوله وشدته وادباره ضعفه وقربه من الانقطاع وهذا هو الذى ذكره في الكتاب حيث قال ثم ان جامعها والدم عبيط تصدق بدينار إلى آخره ويدل عليه ماروى عن ابن عباس رضى الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا وقع الرجل باهله وهى حائض ان كان دما احمر فليتصدق بدينار وان كان اصفر فليتصدق بنصف دينار) وليكن قوله استحبابا معلما بالقاف للقول الذى حكيناه وبالالف لان عند احمد يجب عليه دينار أو نصف دينار لانه روى في بعض الروايات فليتصدق بدينار أو نصف دينار وهذه الرواية مما يستدل بها على ان هذا الامر للاستحباب لان التخيير بين القدر المعين وبعضه في الايجاب لا معنى له فهذا إذا وطئ عامدا عالما بالتحريم وان وطئها ناسيا أو جاهلا بتحريم وطئ الحائض أو بانها حائض فلا شئ عليه وقال بعض الاصحاب يجئ علي قوله القديم وجه آخر انه يجب عليه الكفارة ايضا (الضرب الثاني) من الاستمتاع غير الجماع وهو ضربان (احدهما) الاستمتاع بما بين السرة والركبة وهو المراد بما تحت الازار] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 [فهل يحرم في الحيض فيه ثلاثة اوجه اظهرها نعم ويحكى ذلك عن نصه في الام لظاهر قوله تعالي] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 [فاعتزلوا النساء في المحيض وعن معاذ قال (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض فقال ما فوق الازار) ولان الاستمتاع بما تحت الازار يدعو إلى الاستمتاع] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 [بالفرج قال صلي الله عليه وسلم وسلم (من رتع حول الحمي يوشك ان يواقعه) فوجب ان يمنع منه وبهذا قال أبو حنيفة والثاني انه لا يحرم وبه قال أبو إسحاق وهو مذهب احمد لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (افعلوا كل شئ الا الجماع) ولان الحماع في الفرج انما يحرم بسبب الاذى فلا يحرم الاستمتاع بما حواليه كالموضع المكروه: والثالث انه ان أمن علي نفسه التعدي الي الفرج لورع أو قلة شهوة لم يحرم والاحرم ويروى هذا عن أبي الفياض ونقل بعضهم في المسألة قولين وقالوا الجديد التحريم والقديم الاباحة (الضرب الثاني) الاستمتاع بما فوق السرة وتحت الركبة كالتقبيل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 [والمضاجعة وهو جائز لما روينا من حديث معاذ وعن عائشة رضى الله عنها قالت (كنت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في الخميلة فحضت فانسللت فقال انفست فقلت نعم فقال خذى ثياب حيضك وعودي الي مضجعك ونال منى ما ينال الرجل من امرأته الا ما تحت الازار) ويروى مثله] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 [عن أم سلمة رضى الله عنها ولا فرق بين ان يصيب دم الحيض موضعا منه وبين الا يصيبه وفى وجه لا يجوز الاستمتاع بالموضع المتلطخ به لانه لو استمتع به لاصابه اذى الحيض وانما منع من وطئ الحائض للاذي والاول هو الظاهر لاطلاق الاخبار ولك ان تعلم قوله ولا يحرم الاستمتاع بما فوق السرة وبما تحت الركبة لهذا الوجه الذاهب الي التفصيل فهذا شرح الامور الاربعة الممنعة بالحيض واعلم ان قوله وحكم الحيض امتناع اربعة أمور يشعر بانحصار حكمه فيه لكن له احكام أخر منها انه يجب الغسل أو التيمم عند انقطاعه على ما سبق بيان ذلك في موجبات الغسل ومنها] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 [انه تمتنع صحة الطهارة مادام الدم مستمرا إلا الاغسال المشروعة لما لا يفتقر إلى الطهارة كالاحرام والوقوف بعرفة فانها تستحب للحائض لان المقصود من تلك الاغسال التنظيف وإذا فرعنا علي أن الحائض تقرأ القرآن فلها ان تغتسل إذا اجنبت لتقرأ ويستثني هذا الغسل ايضا علي القول] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 [المشار إليه عن سائر الطهارات ومنها انه يوجب البلوغ ومنها أنه يتعلق به العدة والاستبراء ومنها انه يكون الطلاق فيه بدعيا وهذه الاحكام تذكر في مواضعها وحكم النفاس حكم الحيض الا في ايجاب البلوغ وما بعده *] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 [قال [اما الاستحاضة فكسلس البول لا تمنع الصلاة ولكن تتوضأ لكل صلاة في وقتها وتتلجم وتستثفر وتبادر إلى الصلاة فان اخرت فرجهان ووجه المنع تكرر الحدث عليها مع الاستغناء وفى وجوب تجديد العصابة لكل فريضة وجهان فان ظهر الدم علي العصابة فلابد من التجديد] الاستحاضة قد يعبر بها عن كل دم تراه المرأة غير دمى الحيض والنفاس سواء كان متصلا بدم الحيض كالمجاوز لاكثر الحيض أو لم يكن متصلا به كالذى تراه المرأة قبل تسع سنين وقد يعبر بها عن الدم المتصل بدم الحيض وحده وبهذا المعنى تنوع المستحاضة إلى معتادة ومبتدأة ثم إلى مميزة وغيرها ويسمي ما عدا ذلك دم فساد لكن الاحكام المذكورة في جميع ذلك لا تختلف] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 [والدم الخارج حدث دائم كسلس البول والمذي فلا يمنع الصوم والصلاة للاخبار التي نرويها في المستحاضات ولذلك يجوز للزوج وطؤها وانما اثر الاحداث الدائمة الاحتياط في ازالة النجاسة وفى الطهارة فتغسل المستحاضة فرجها قبل الوضوء أو التيمم ان كانت تيمم وتحشوه بقطن أو خرقة دفعا للنجاسة وتقليلا لها فان كان الدم قليلا يندفع به فذاك والا شدت مع ذلك وتلجمت بان تشد علي وسطها خرقة كالتكة وتأخذ خرقة أخري مشقوقة الرأسين وتجعل أحداهما قدامها والاخرى من ورائها وتشدها بتلك الخرقة وذلك كله واجب الا في موضعين احدهما ان تتأذى بالشد ويحرقها اجتماع الدم فلا يلزمها لما فيه من الضرر والثاني ان تكون صائمة فتترك الحشو] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 [نهارا وتقتصر علي الشد وسلس البول ايضا يدخل قطنة في احليله فان انقطع والاعصب مع ذلك رأس الذكر بخرقة ثم تتوضأ المستحاضة بعد الاحتياط الذى ذكرناه ويلزمها الوضوء لكل فريضة ولا تصلي فريضتين بطهارة واحدة لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش (توضأى لكل صلاة) ولابد وان تكون طهارتها للصلاة بعد دخول وقتها كما ذكرنا في التيمم وحكي الشيخ أبو محمد وجها انه يجوز ان تقع طهارتها قبل الوقت بحيث ينطبق آخرها علي اول الوقت وتصلي به الصلاة والمذهب الاول وينبغى ان تبادر إلى الصلاة عقيب احتياطها وطهارتها فلو اخرت بان توضأت في أول الوقت وصلت في آخره أو بعد خروج الوقت نظر ان كان التأخر للاشتغال بسبب من أسباب الصلاة كستر العورة والاجتهاد في القبلة والاذان والاقامة وانتظار الجماعة والجمعة ونحوها فيجوز والا فثلاثة اوجه اصحها المنع لان الحدث متكرر عليها وهي مستغنية عن واحتمال ذلك قادرة علي المبادرة الثاني الجواز كما في التيمم ولانها الو امرت بالمبادرة لامرت بتخفيف] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 [الصلاة والاقتصار علي الاقل: والثالث ان لها التأخير ما لم يخرج وقت الصلاة فإذا خرج فليس لها ان تصلي بتلك الطهارة وذلك لان جميع الوقت في حق تلك الصلاة كالشئ الواحد والوجوب فيه موسع وهل يلزمها تجديد غسل الفرج وحشوه وشده لكل فريضة ننظر ان زالت العصابة عن موضعها زوالا له وقع أو ظهر الدم علي جوانب العصابة فلا بد من التجديد لان النجاسة قد كثرت وامكن تقليلها فلا تحتمل ولا باس بالزوال اليسير كما يعفى عن الانتشار اليسير في الاستنجاء وان لم تزل العصابة عن موضعها ولا ظهر الدم فوجهان اصحهما وجوب التجديد كما يجب تجديد الوضوء: والثانى لا يجب إذ لا معني للامر بازالة النجاسة مع استمرارها لكن الامر بطهارة الحدث مع استمراره معهود ونقل المسعودي الخلاف المسالة قولين وهذا الخلاف جار فيما إذا انتقض وضوء المستحاضة واحتاجت الي وضوء آخر بسبب ذلك كما لو خرج منها ريح قبل ان صلت] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 [فيلزمها الوضوء وفى تجديد الاحتياط الخلاف: ولو انتقض وضوءها بان بالت وجب التجديد لا محالة لظهور النجاسة كيف وهي غير ما ابتليت به * واعلم انه إذا خرج منها الدم بعد الشد فان كان ذلك لغلبة الدم لم يبطل وضوءها وان كان لتقصيرها في الشد بطل وكذا لو زالت العصابة عن موضعها لضعف الشد وزاد خروج الدم بسببه فان اتفق ذلك في الصلاة بطلت الصلاة وان اتفق بعد الفريضة لم يكن لها ان تتنفل * ولنعد الي الفاظ الكتاب اما قوله ولكن تتوضأ لكل صلاة يعني به كل صلاة الفرض وينبغى ان يعلم بالحاء والالف لان عند أبي حنيفة واحمد تتوضأ لوقت كل صلاة لا لكل صلاة ولها ان تجمع بين فرائض بوضوء واحد مادام الوقت باقيا وبخروج الوقت تبطل طهارتها قال أبو حنيفة وان توضأت قبل الوقت لصلاة لا يمكنها ان تصلي تلك الصلاة بذلك الوضوء لان دخول وقت كل صلاة يكون بخروج وقت التى قبلها وخروج الوقت مبطل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 [إلا صلاة الظهر فانها إذا توضأت قبل الزوال تم زالت الشمس لها ان تصلي الظهر: واما قوله وتتلجم ووتستثفر فقد ورد اللفظان في خبر حمنة بنت جحش قال صاحب الصحاح اللجام فارسي معرب واللجام ما تشده الحائض وقوله تلجمى أي شدى عليك اللجام قال وهو شبيه بقوله استثفرى واما الاستثفار فقد قال في الغريبين يحتمل ان يكون مأخوذا من ثفر الدابة أي تشد الخرقة عليها كما يشد الثفر تحت الذنب ويحتمل ان يكون مأخوذا من الثفر اريد به فرجها وان كان اصله للسباع ثم استعير يقال استفر الكلب إذا ادخل ذنبه بين رجليه واستثفر الرجل إذا ادخل ذيله بين رجليه من خلفه هذا بيان اللفظين والمراد بهما شئ واحد وهو ما سبق وصفه وسماه الشافعي رضي الله عنه التعصيب أيضا ويجب تقديم ذلك علي الوضوء كما سبق وان اخره صاحب الكتاب في اللفظ عن الوضوء: وقوله فان أخرت فوجهان ظاهره يقتضى طرد الوجهين في مطلق التأخير لكن لو كان التأخير بسبب من اسباب الصلاة فقد نفى معظم النقلة الخلاف فيه وخصوه بما إذا لم يكن لعذر فليحمل مطلق لفظه عليه والله اعلم قال [ومهما شفيت قبل الصلاة استأنفت الوضوء وان كانت في الصلاة فوجهان أحدهما أنها كالتيمم إذا رأى الماء والثانى أنها تتوضأ وتستأنف لان الحدث متجدد فان انقطع قبل الصلاة ولم يبعد من عادتها العود فلها الشروع في الصلاة من غير استئناف الوضوء ولكن ان دام الانقطاع فعلبها القضاء وان بعد ذلك من عادتها فعليها استئناف الوضوء في الحال] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 [طهارة المستحاضة تبطل بحصول الشفاء لزوال العذر والضرورة ويجب عليها استئنافها وفيه وجه ضعيف انه لو اتصل الشفاء بآخر الوضوء لم تبطل هذا ان اتفق خارج الصلاة فأن وقع في الصلاة فظاهر المذهب انه يبطل الصلاة وتتوضأ وتستأنف لانها قدرت علي ان تتطهر وتصلي مع الاحتراز عن الحدث واستصحاب النجاسة وارتفعت الضرورة وخرج ابن سريج من المتيمم يرى الماء في اثناء الصلاة قولا ههنا ان طهارتها لا تبطل وتمضى في الصلاة لكن الفرق ظاهر من وجهين احدهما ان حدث المتيمم وان لم يرتفع لم تردد ولم يتجدد والمستحاضة قد تجدد حدثها بعد الوضوء والثانى ان المستحاضة مستصحبة للنجاسة وسومحت به للضرورة فإذا زالت الضرورة زالت الرخصة والمتيمم لا نجاسة عليه حتي لو كان علي بدنه نجاسة غير معفو عنها ووجد الماء في اثناء] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 [الصلاة تبطل صلاته ولا يجوز له البناء وقد ذكرنا في التيمم ان ابن سريج كما خرج من ثم الي ههنا خرج من ههنا إلى ثم وجعل المسألتين علي قولين بالنقل والتخريج ومنهم من عبر عن الخلاف ههنا بالوجهين وكذلك فعل صاحب الكتاب وإذا لم يكن القولان منصوصين فكثيرا ما يعبر عنهما بالوجهين وعن الشيخ أبي محمد ان ابا بكر الفارسى حكي قولا عن الربيع عن الشافعي رضي الله عنه ان المستحاضة تخرج من الصلاة وتتوضأ وتزيل النجاسة وتبنى علي صلاتها ويمكن ان يكون هذا بناء على القول القديم في سبق الحدث وهو يوافق تخريج ابن سريج في انه لا يبطل ما سبق من صلاتها ويخالفه في الامر بالوضوء وازالة النجاسة فهذا حكم الانقطاع الكلي وهو الشفاء: وذاا عرفت ذلك فنقول مهما انقطع دمها وهي تعتاد الانقطاع والعودا ولا تعتاده ولكن اخبرها عنه من] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 [تعتمد من أهل البصيرة فينظر ان كانت مدة الانقطاع يسيرة لاتسع الطهارة والصلاة التى تطهرت لها فلها الشروع في الصلاة ولا عبرة بهذا النوع من الانقطاع لان الظاهر أنه لا يدوم بل يعود على القرب ولا يمكن من الطهارة والصلاة من غير حدث فلو انه امتد على خلاف عادتها أو خلاف ما أخبرت عنه بان بطلان الطهارة ووجب قضاء الصلاة وان كانت مدة الانقطاع كثيرة تسع الطهارة والصلاة فعليها اعادة الوضوء بعد الانقطاع فلو عاد الدم علي خلاف عادتها قبل الامكان ففى وجوب اعادة الوضوء وجهان اظهرهما انها لا تجب لكن لو شرعت في الصلاة بعد هذا الانقطاع من غير اعادة الوضوء ثم عاد الدم قبل الفراغ وجب لقضاء علي اصح الوجهين] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 [لانها حين الشروع كانت شاكة في بقاء الطهارة الاولى وان انقطع دمها وهي لا تعتد الانقطاع والعود ولم يخبرها اهل البصيرة عن العود فنؤمر بأعادة الوضوء في الحال ولا يجوز لها أن تصلى بالوضوء السابق لان هذا الانقطاع يحتمل ان يكون شفاء وهو الظاهر فان الاصل بعد الانقطاع عدم العود فلو عاد قبل امكان فعل الطهارة والصلاة ففيه وجهان اصحهما أن وضوءها بحاله لانه لم يوجد الانقطاع المغنى عن الصلاة مع الحدث والثاني يجب الوضوء وان عاد الدم نظرا إلى أول الانقطاع ولو خالفت أمرنا وشرعت في الصلاة من غير اعادة الوضوء بعد الانقطاع فان لم يعد الدم لم تصح صلاتها لظهور الشفاء وكذلك أن عاد بعد مضي امكان الطهارة والصلاة لتمكنها من الصلاة من غير حدث وان عاد قبل الامكان فهل يجب قضاء الصلاة فيه وجهان كما في اعادة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 [الوضوء لكن الاصح الوجوب لانها شرعت فيه على تردد وعلي هذا لو توضأت بعد انقطاع الدم وشرعت في الصلاة ثم عا الدم فهو حدث جديد يجب عليها أن تتوضأ وتستأنف الصلاة: واعلم أن المستحاضة في غالب الامر لا ندرى عند انقطاع دمها انه شفاء أم لا وسبيلها ان تنظر هل تعتاد الانقطاع أم لا وتجرى على مقتضي الحالتين كما بينا وحكم الشفاء الكلى إذا عرف هو المذكور أولا وهذا الذى رويناه وهو إيراد معظم أئمة أصحابنا العراقيين وغيرهم وبينه وبين كلام صاحب الكتاب بعض الاختلافات لانه قسم حال الانقطاع إلى قسمين احدهما ألا يبعد من عادتها العود والثانى ان يبعدوهما جميعا بفرضان في التى لها عادة عود وما حكيناه يقتضى جواز الشروع في] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 [الصلاة متى كان العود معتادا بعد ام قرب وانما يمنع الشروع من غير استئناف الوضوء إذا لم يكن العود معتادا أصلا ويجوز أن يؤول كلامه علي ما ذكره المعظم ولا يبعد أن يلحق ندرة العود وبعده في عادتها بعدم اعتياد العود والله اعلم * ثم قوله فلها الشروع في الصلاة في الحالة الاولى محمول] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 [على ما إذا كانت مدة الانقطاع يسيرة وان كان اللفظ مطلقا أما لو كانت مديدة فلابد من اعادة الوضوء كما سبق ثم عروض الانقطاع في أثناء الصلاة كعروضه قبل الصلاة بناء علي ظاهر المذهب في أن الشفاء في الصلاة كهو قبلها فإذا لم يكن معتادا لها أو جرت علي عادتها بالانقطاع قدر ما تتمكن فيه من فعل الطهارة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 [والصلاة بطلت طهارتها وصلاتها وان كان الانقطاع معتادا لها ومدته دون ذلك لم يؤثر وقوله فان انقطع قبل الصلاة انما قيد بما قبل الصلاة لانه أراد ترتيب الشروع عليه لا ترتيب حكم ينتظم الحالتين قال * (الباب الثاني في المستحاضات وهن أربعة) * [المستحاضة الاولى مبتدأة مميزة ترى الدم اقوى (ح) اولا فتحيض في الدم القوى بشرط] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 ألا يزيد علي خمسة عشر يوما ولا ينقص عن يوم وليلة وتستحيض في الضعيف بشرط ألا ينقص عن خمسة عشر يوما والقوي هو الاسود أو الاحمر بالاضافة إلى لون ضعيف بعده * ولو رأت خمسة سوادا ثم خمسة حمرة ثم اطبقت الصفرة فالحمرة مترددة بين القوة والضعف ففى وجه تلحق بالسواد إذا امكن الجمع الا ان تصير الحمرة أحد عشر وفى وجه تلحق الحمرة ابدا بالصفرة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 [المستحاضات أربع لان التى جاوز دمها اكثر الحيض أما أن تكون مبتدأة وهى التى لم يسبق لها حيض وطهر أو معتادة وهى التى سبق لها ذلك وعلي التقديرين فاما أن تكون مميزة أو لا تكون فالاصناف إذا أربعة مبتدأة مميزة مبتدأة غير مميزة معتادة مميزة معتادة غير مميزة وهذا اصناف اللواتى يتميز وقت حيضهن عن استحاضتهن: أما الناسية فلا يمكن التمييز في حقها بين الحيض والاستحاضة وتختص لذلك بأحكام فافرد لها بابا بعد هذا (المستحاضة الاولى) المبتدأة المميزة وهى التى ترى الدم على نوعين احدهما أقوى أو على ثلاثة أنواع احدها أقوى فترد الي التمييز علي معنى انها تكون حائضا في ايام القوى مستحاضة في أيام الضعيف خلافا لابي حنيفة حيث قال ترد إلى اكثر الحيض وهو عشرة أيام عنده وتطهر باقى الشهر لنا ماروى في الصحيحين] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 [عن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاءت فاطمة بنت أبي حبيش فقالت يا رسول الله انى امرأة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة قال لا انما ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا ادبرت فاغسلي عنك الدم وصلي) *] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 [ويروى انه قال (دم الحيض اسود وان له رائحة فإذا كان ذلك فدعى الصلا وإذا كان الآخر فاغتسلي وصلى) وورد في صفته انه اسود محتدم بحراني ذو دفعات وفى دم الاستحاضة أنه أحمر رقيق مشرق والاسود هو الذى تعلوه حمرة متراكمة فيضرب من ذلك إلى السواد والمحتدم هو الجار الذى يلذع البشرة ويحرقها] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 [بحدته ويختص برائحة كريهة ودم الاستحاضة رقيق لا احتدام فيه يضرب إلى الشقرة أو الصفرة ولذلك يسمى مشرقا وقيل المحتدم هو الضارب إلى السواد والبحراني هو الشديد الحمرة قال صاحب الغريبين يقال احمر باحر وبحراني أي شديد الحمرة ثم انما يحكم بالتمييز بثلاثة شروط شرطان منها في القوى وهما ألا يزيد علي خمسة عشر يوما ولا ينقص عن يوم وليلة وإلا كان زائدا علي اكثر الحيض أو ناقصا عن أقله فلا يمكن تحيضها فيه والثالث في الضعيف وهو الا ينقص عن خمسة عشر يوما وذلك لانا نريد أن نجعل الضعيف طهرا والقوى بعده حيضة اخرى وإنما يمكن جعله طهرا إذا بلغ أقل الطهر فلو رأت ستة عشر دما اسود ثم احمر فقد فقد الشرط الاول ولو رأت يوما أو نصف يوم اسود ثم احمر فقد فقد الشرط الثاني ولو رأت يوما وليلة دما أسود واربعة عشر احمر ثم عاد الاسود فقد فقد الشرط الثالث وهو ألا ينقص الضعيف عن خمسة عشر وقول الاصحاب ينبغي ألا ينقص الضعيف عن خمسة عشر يوما أرادوا خمسة عشر على الاتصال وإلا فلو رأت يوما أسود ويومين أحمر وهكذا أبدا فجملة الضعيف في الشهر لم ينقص عن خمسة عشر يوما لكن لما لم يكن على الاتصال لم يكن ذلك تمييزا معتبرا ثم بماذا نعتبر القوة والضعف فيه وجهان احدهما وهو الذى ذكره في الكتاب ان الاعتبار في القوة والضعف بمجرد اللون فالاسود قوى بالاضافة الي الاحمر والاحمر قوى بالاضافة الي الاشقر والاشقر اقوى من الاصفر والاكدر إذا جعلناهما حيضا وادعي إمام الحرمين قدس] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 [الله روحه كون هذا الوجه متفقا عليه وقال لو رأت خمسة سوادا مع الرائحة المنعوتة في الخبر حيث قال (له رائحة تعرف) وخمسة سوادا بلا رائحه فهما دم واحد وفاقا والوجه الثاني وهو الذى ذكره أصحابنا العراقيون وغيرهم أن القوة تحصل باحدى خصال ثلاث اللون كما ذكرنا في الوجه الاول والرائحة فالذي له راحة كريهة أقوى ممالا لهراحسة والثخن فالثخين أقوى من الرقين فيجب أن يكون قوله والقوى هو الاسودا والاحمر بالاضافة إلى لون ضعيف بعده معلما بالواو لهذا الوجه علي أن الاصح هذا الوجه على خلاف ما ذكره صاحب الكتاب الا ترى يأن الشافعي رضي الله عنه ذكر في صفة الحيض أنه محتدم ثخين له رائحة وورد في الخبر التعرض لغير اللون كما ورد التعرض للون وعلى هذا قلا يشترط اجتماع الصفات كلها بل كل واحدة منها تقتضي القوة وحدها ولو كان بعض دمها موصوفا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 [بصفة من الصفات الثلاث والبعض خاليا عن جميعها فالقوى هو الموصوف بها وان كان للعبض صفة وللبعض صفتان فالقوى الثاني وان كان للعبض صفتان وللبعض الصفات الثلاث فالقوى الثاني وان وجد فيالبعض صفة وفى البعض أخرى فالحكم للسابق منهما كذلك ذكره في التتمة وهو موضع التأمل ثم إذا وجدت الشرائط الثث للتمييز فلا يخلو إما أن يتقدم القوى أو يتقدم الضعيف فان تقدم القوى نظر ان استمر بعده ضعيف واحد كما إذا رأت خمسة سوادا ثم خمسة حمرة مستمرة فايام القوى حيض وأيام الضعيف استحاضة لما سبق من الخبر ولا فرق بين أن يتمادي زمان الضعيف وبين أن يقصر علي ظاهر المذهب وفيه وجهان آخران أحدهما أن الضعيف أن كان مع القوى قبله تسعين يوما فما دون ذلك عملنا بالتمييز وقلنا هي مستحاضة في أيام الضعيف وان جاوز ابتدأت بعدن التسعين حيضة أخرى وجعلنا كل دور تسعين ذكره امام الحرمى بناء علي ما قال القفال في حد العادة المردود إليها وسنذكر ذلك في باب النفاس والوجه الثاني ذكر في التتمة ان من شرط اعتبار التمييز ألا يزيد مجموع القوي والضعيف علي ثلاثين يوما فان زاد سط حكم التمييز لان الثلاثين لا تخلو عن حيض وطهر في الغالب وليس بعض المقادير بعد مجاوزة الثلاثين أولي بأن يجعل دورا من بعض فعلي هذا ينضم شرط رابع إلى الشروط الثلاث المشهورة والاصح الاول لان أخبار التمييز مطلقة وهو الذى يوافق كلام الشافعي رضى الله عنه فانه قال فإذا ذهب ذلك الدم يعني القوى وجاءها الدم الاحمر الرقيق المشرق فهو عرق وليست بالحيضة فعليها ان تغتسل اطلق الكلام اطلاقا هذا إذا استمر بعد القوى ضعيف واحدا اما إذا وجد بعد ضعيفان كما إذا رأت خمسة سوادا ثم خمسة حمرة ثم صفرة مطبقة فالحمرة المتوسطة تلحق بالقوى قبلها ام بالضعيف بعدها حكي صاحب الكتاب فيه وجهين احدهما انها تلحق بالسوادان امكن وذلك بان لا يزيد المجموع على خمسة عشر لانها قويان بالاضافة إلى ما بعد هما وقد امكن جعلهما حيضا فصار كما لو كان كل ذلك سوادا أو حمرة فان لم يمكن الجمع حينئذ تلحق الحمرة بالصفرة والثانى انها تلحق بالصفرة بكل حال لانها إذا دارت بين ان] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 [تلحق القوى قبلها وبين أن تلحق بالضعيف بعدها والاحتياط هو اثاني فيصار إليه ويحصل من هذا السياق اثبات وجهين في حالة امكان الجمع والجزم بالالحاق بالصفرة في حالة عدم الامكان وفى كل واحدة من الحالتين طريقة أخرى سوى ذلك اما ف حالة امكان الجمع فقد قطع بعضهم بضم الحمرة إلى السواد ونفي يالخلاف فيه واما في حالة عدم الامكان فقد اثبت بعضهم وجهين أحدهما ان حكم الحرمة حكم السواد لقوتها ولو زاد السواد علي خمسة عشر لكانت فاقدة للتمييز فكذلك إذا زاد مجموعهما وظهرهما ان حيضها ايام السواد لاغير لاختصاصها بزيادة القوة وبالاولية أيضا فان قلت أنما يكون ما ذكره جزما بالالحاق بالصفرة عند عدم الا ما كان إذا كان حكم المستثنى في قوله الا ان تكون الحرمة احدى عشر الالحاق بالصفرة ويحتمل انه اراد الا ان تكون الحمرة احد عشر فتكون فاقدة للتمييز وهو احد الوجهين المحكيين في الحالة الثانية وعلي هذا التقدير فيكون ما ذكره اثباتا للخلاف في الحالتين فنقول نعم هذا محتمل لكن ايراده في الوسيط يبين انه اراد ما ذكرناه ثم أعلم ان قوله إذا امكن الجمع الا أن تكون الحمرة أحد عشر ليس بجيد من جهة اللفظ لانه يستحيل أن يكون ذلك استثناء من قوله إذا أمكن الجمع فان حالة عدم الامكان لا يستثني من الامكان وانما هو استثناء من قوله يلحق بالسواد ويحنئذ في قوله إذا امكن الجمع ما يغنى عن هذا الاستثناء وفى الاستثناء ما يفهم المقصود ويغنى عن قوله إذا امكن الجمع فاحدهما غير محتاج إليه فان أراد التمثيل فالسبيل ان نقول إذا أمكن الجمع بان لا تزيد الحمرة على أحد عشر ولو تقدم الاضعف من الضعتيفين وتأخر الاقوي منهما كما إذا رأت سوادا ظثم صفرة ثم حمرة فهذه الصورة تترتب علي ما إذا كانت الحمرة متسوطة فان الحقناها بالسواد فالحكم كما إذا رأت سوادا ثم حمرة ثم عاد السواد ولا يخفى بما ذكرنا من شرائط المييز وان الحقناها عند التوسط بالصفرة فالصفرة المتوسطة ههنا اولى أن تلحق بما بعدها والله اعلم *] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 [قال [هذا إذا تقدم القوى فلو رأت خمسة حمرة ثم خمسة سوادا ثم استمرت الحمرة فالصحيح ان النظر إلى لون الدم لا إلى الاولية وقيل يجمعان إذا امكن الجمع بان لم يزد المجموع علي خمسة عشر] ذكرنا ان بعد شرائط التمييز لا يخلو الحال اما ان يتقدم الدم القوى وقد بيناه أو يتقدم الضعيف كما إذا رأت خمسة حمرة ثم سوادا ثم عادت الحمرة واستمرت فان أمكن الجمع بين الحمرة والسواد مثل أن تري خمسة حمرة وخمسة سوادا ففيه ثلاثة أوجه محكية عن ابن سريج أظهرها أن النظر الي لون الدم دون الاولية فتكون حائضا في خمسة السواد مستحاضة قبلها وبعدها ووجه ظاهر قوله صلي الله عليه وسلم (أن دم الحيض أسود يعرف) وأيضا فان ما سوى السواد ضعيف فلا يجعل حيضا كما لو كان متأخرا عن السواد والثانى أنه يجمع بين السواد والحمرة قبله فتحيض فيهما لان للحمرة قوة السبق وللسواد قوة اللون وقد أمكن الجمع والثالث انه يسقط التمييز لان العدول عن أول الدم مع حدوثه في زمان الامكان بعيد والجمع بين السواد والحمرة يخالف عادة التمييز فلا يبقى الا أن يحكم بسقوط التمييز وان لم يمكن الجمع بين الحمرة والسواد كما إذا كانت الحمرة السابقة خمسة والسواد أحد عشر ترتب علي الحالة الاولي ان قلنا ثم حيضها الدم القوى فكذلك ههنا وان قلنا هي فاقدة للتمييز فههنا اولا فان قلنا يجمع بينهما فقد تعذر الجمع هههنا فهى فاقدة للتمييز وسنبين حكم المبتدأة التي لا تمييز لها وفيه وجه آخر أن حيضها ههنا الدم المتقدم علي السواد نظرا إلى الاولية فلو صار السواد ستة عشر فقد فقد أحد شروط التمييز فهى كمبتدأة لا تمييز لها ويعود الوجه الصائر الي رعاية الاولية الذى ذكرناه الآن وهو ضعيف وسنعيد هذه الصورة لغرض آخر ان شاء الله تعالي وإذا فرعنا على الاصح وهو أن حيضها السواد فلو رأت المبتدأة خمسة عشر حمرة أولا ثم خمسة عشر سوادا تركت الصوم والصلاة في جميع هذه المدة اما في الخمسة عشر الاولي فلانها ترجو الانقطاع واما في الثانية فلان السواد بين ان ما قبله استحاضة وانه هو الحيض ان اجتمع شرائط التمييز ويجوز أن يكون كذلك قال الائمة ولا يتصور مستحاضة تدع الصلاة شهرا كاملا الا هذه علي هذا الوجه وزاد أبو سعيد المتولي فقال ولو زاد السواد علي الخمسة عشر والصورة هذه فقد فات شرط التمييز] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 [وحكمها أن ترد من اول الاحمر الي يوم وليلة أو الي ست أو سبع على اختلاف قولين نذكرهما من بعد فيكون ابتداء دورها الثاني الحادى والثلاثون فان حيضناها فيه يوما وليلة فهذه امرأة تؤمر بترك الصلاة احدا وثلاثين يوما وان حيضناها ستا أو سبعا فهذه امرأة تؤمر بتركها ستا وثلاثين أو سبعا وثلاثين * قال [ثم المبتدأة إذا انقلب دمها الي الضعيف في الدور الاول فلا تصلي فلعل الضعيف ينقطع دون خمسة عشر يوما فيكون الكل حيضا فان جاوز ذلك نأمرها بتدارك ما فات في أيام الضعيف نعم في الشهر الثاني كما ضعف (م) الدم فتغتسل إذ بان استحاضتها ومهما شفيت قبل خمسة عشر يوما فالضعيف حيض مع القوى] إذا بلغت الانثى سن الحيض فبدأ بها الدم لزمها أن تترك الصلاة والصوم كما ظهر الدم ولا يأتيها الزوج ثم لو انقطع لما دون أقل الحيض بان انه لم يكن حيضا فتقضى الصلاة والصوم هذا هو المذهب وفيه وجه آخر أنها لا تترك الصوم والصلاة حتى تمضي مدة أقل الحيض من أول ظهور الدم لان وجوبهما مستيقن وكونه حيضا مشكوك فيه فلا يترك اليقين بالشك وهذا ما ذكره الشيخ أبو علي في شرح الفروع حيث قال إذا ابتدأ الدم بها في رمضان وهى بنت خمس عشرة سنة فليس لها أن تفطر حتى يدوم قدر أقل الحيض فانها حينئذ تعلم أنه حيض والظاهر من المذهب الاول لان الدم الخارج من مخرج الحيض في وقت الحيض يكون حيضا غالبا وظاهرا وإذا عرف ذلك فنقول إذا كانت المبتدأة مميزة فلا تشتغل بالصوم والصلاة بانقلاب دمها من القوى إلى الضعيف فانها لا تدرى أنه تجاوز الخمسة عشر أم لا وبتقدير ألا يجاوز يكون الضعيف حيضا مع القوى فلابد لها من التربص لتتبين الحال فإذا تربصت وجاوز الخمسة عشر عرفت أنها مستحاضة وان حيضها منحصر في أيام القوى علي ما سبق فتتدارك ما فات من الصوم والصلاة في أيام الضعيف هذا حكم الشهر الاول وأما في الشهر الثاني وما بعده فإذا انقلب الدم إلى الضعيف اغتسلت وصامت وصلت ولم تتربص ولا مخرج ذلك علي أن العادة هل ثبتت بمرة أم لا لان الاستحاضة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 [علة مزمنة والظاهر دوامها ثم لو اتفق الانقطاع قبلا الخمسة عشر وشفيت في بعض الادوار فالضعيف حيض مع القوى كما في الشهر الاول واعلم انه لا فرق في كون الكل حيضا مهما انقطع الدم قبل مجاوزة الخمسة عشر بين ان يتقدم القوى على الضعيف أو يتقدم الضعيف هذا هو المشهور المقطوع به وحكى في التهذيب وجهين فيما إذا تقدم الضعيف علي القوى ولم يزد علي الخمسة عشر كما إذا رأت خمسة حمرة وخمسة سوادا وانقطع دمها أحد الوجهين ما حكيناه والآخر أن حيضها أيام السواد لانه أقوى وما قبله لا يتقوي به بخلاف ما بعده فانه يتبعه وحكي وجهين ايضا فيما إذا رأت خمسة حمرة وخمسة سوادا وخمسة حمرة اصحهما ان الكل حيض والثانى حيضها السواد وما بعده لا: ثم المفهوم من اطلاقهم انقلاب الدم الي الضعيف أن يتمحض ضعيفا حتى لو بقيت خطوط من السواد وظهرت خطوط من الحمرة لا ينقطع حكم الحيض وانما ينقطع إذا لم يبق السواد أصلا وصرح امام الحرمين بهذا المفهوم وقوله في الكتاب كما ضعف الدم معلم بالميم لان مالكا قال المميزة بعد الدم القوى تتحيض ثلاثة ايام من الضعيف ايضا احتياطا لنا قوله صلى الله عليه وسلم (وإذا أدبرت الحيضة فاغتسلي وصلي) وايضا فانا لا نجعل شيئا من الدم القوى طهرا احتياطا فكذلك لا نجعل شيئا من الدم الضعيف حيضا ولك ان تعلم قوله في آخر الفصل فالضعيف حيض مع القوى بالواو لانه يشمل ما إذا تقدم الضعيف وما إذا تقدم القوى وفى حالة تقدم الضعيف الوجه الذى حكيناه عن التهذيب والله اعلم * قال [المستحاضة الثانية مبتدأة لا تمييز لها أو فقدت شرط التمييز ففيها قولان احدهما أن ترد إلى عادة نساء بلدها علي وجه أو نساء عشيرتها على وجه بشرط ألا ينقص عن ست ولا يزيد علي سبع لقول النبي صلى الله عليه وسلم وسيلم (تحيضي في علم الله ستا أو سبعا كما تحيض النساء ويطهرن) والقول الثاني انها ترد إلى أقل مدة الحيض احتياطا للعبادة وأما في الطهر فترد إلى اغلب العادات وهي أربع وعشرون لانه ابلغ في الاحتياط وقيل إلى تسع وعشرين لانه تتمة الدور] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 [المبتدأة التي لا تمييز لها وهي التي يكون جميع دمها من نوع واحد ينظر في خالها أن لم تعرف وقت ابتداء دمها فحكمها حكم المتحيرة لان مردها علي ما سيأتي يترتب في كل شهر على أول مفاتحة الدم فإذا كان ذلك مجهولا لزم التحير وان عرفت وقت الابتداء وهي الحالة المرادة في الكتاب ففي القدر الذي تحيض فيه قولان اصحهما انها تحيض اقل الحيض وهو يوم وليلة لان سقوط الصلاة عنها في هذا القدر مستيقن وفيما عداه مشكوك فيه فلا تترك اليقين الا بيقين أو أمارة ظاهرة كالتمييز والعادة والثاني ترد الي غالب عادات النساء وهو ست أو سبع لان الظاهر اندراجها في جملة الغالب وقد روى ان حمنة بنت جحش قالت (كنت استحاض حيضة شديدة فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام ثم اغتسلي فإذا رأيت انك قد طهرت فصلي اربعا وعشرين ليلة أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها وصومي وصلي فان ذلك يجزئك) وروى أنه صلي الله عليه وسلم قال (تحيضي في علم الله ستا أو سبعا كما تحيض النساء ويطهرن ميقات حيضهن وطهرهن) فقال جماعة من الاصحاب منشأ القولين الذين ذكرناهما تردد الشافعي رضى الله عنه في ان حمنة كانت مبتدأة أو معتادة ان قلنا كانت معتادة رددنا المبتدأة إلى الاقل اخذا باليقين ومن قال بهذا قال لعله عرف من عادتها انها احد العددين الغالبين اما الست أو السبع لكن لم يعرف عينه فلذلك قال تحيضي ستا أو سبعا وان قلنا كانت مبتدأة رددنا المبتدأة الي الغالب وقوله في علم الله أي فيما علمك الله من عادتك ان قلنا كانت معتادة ومن غالب عادات النساء ان قلنا كانت مبتدأة فان فرعنا علي القول الثاني فهل الرد الي الست أو السبع على سبيل التخيير بينهما أم لا فيه وجهان احدهما انه علي التخيير لظاهر الخبر فتحيض ان شاءت ستا وان شاءت سبعا ويحكي هذا عن شرح ابى اسحق المروزى وزعم الحناطى انه اصح الوجهين والثانى وهو الصحيح عند الجمهور انه ليس علي التخيير ولكن تنظر في عادات النساء اهن يحضن ستا أو سبعا ومن النسوة المنظور اليهن فيه ثلاثة اوجه اظهرها ان الاعتبار بنسوة عشيرتها من الابوين جميعا لان طبعها إلى طباعهن اقرب فان لم يكن لها عشيرة فالاعتبار بنساء بلدها والثاني ان الاعتبار] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 [بنساء العصبات خاصة والثالث يعتبر نساء بلدها وناحيتها ولا تخصص بنساء العصبة ولا نساء العشيرة وإذا عرفت ذلك فعليها ان تجتهد وتنظر في امر النسوة المعتبر بهن فان كن يحضن جميعا ستا أو سبعا اخذت بذلك وعلي هذا حملوا قوله صلي الله عليه وسلم (تحيضي في علم الله ستا أو سبعا) وقالوا انه علي التنويع أي ان كن يحضن ستا فتحيضى ستا وان كن يحضن سبعا فتحيضى سبعا وان كانت عادتهن جميعا اقل من ست أو اكثر من سبع ففيه وجهان اظهرهما أنها ترد الي الست في الصورة الاولى والي السبع في الاخرى اخذا بالاقرب إلى عادتهن والخبر عين العددين وغالب عادات النساء لا تجاوزهما فلا عدول عنهما والثانى انها ترد إلى عاداتهن الحافا لها بالنسوة المعتبر بهن والوجه الاول هو الذى ذكره في الكتاب حيث قال بشرط الا ينقص عن ست ولا يزيد علي سبع وان اختلفت عادتهن فحاضت بعضهن ستا وبعضهن سبعا ردت الي الاغلب فان استوى البعضان ردت الي الست احتياطا للعبادة وكذلك الحكم لو حاضت بعضهن دون الست وبعضهن فوق السبع هذا بيان مردها في الحيض واما في الطهر فان قلنا انها مردودة في الحيض الي الغالب فكذلك في الطهر فترد إلى ثلاث وعشرين أو اربع وعشرين كما نطق به الخبر وان قلنا انها مردودة الي الاقل ففى طهرها قولان احدهما انها ترد إلى اقل الطهر أيضا فيكون دورها ستة عشر يوما وإذا جاء السابع عشر استأنفت حيضة أخرى واصحهما انها لا ترد في الطهر إلى الاقل لان الرد في الحيض إلى الاقل انما كان للاحتياط ولو رددنا في الطهر إلى الاقل لكثر حيضها لعوده على قرب وذلك نقيض قضية الاحتياط وعلي هذا فوجهان احدهما انها ترد الي الغالب وهو ثلاث وعشرون أو اربع وعشرون واظهرهما انها ترد الي تسع وعشرين ليتم الدور ثلاثين مراعاة لغالب الدور وانما لم نحمل الحيض على الغالب احتياطا للعبادة ثم نعود إلى ما يتعلق بالفاظ الكتاب خاصة اما قوله مبتدأة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 [لا تمييز لها أو فقدت شرط التمييز فاعلم ان التي لا تمييز لها هي التى ترى الدم كله نوعا واحدا والتي فقدت شرط التمييز ان ترى الدم على نوعين لكن القوى يكون دون يوم وليلة أو اكثر من خمسة عشر يوما أو يكون الضعيف دون الخمسة عشر وحكمهما واحد في جريان القولين احدهما الرد إلى الاقل والثاني الي الغالب وابتداؤه علي القولين من أول ظهور الدم وعن ابن سريج انه لو ابتدأ الدم الضعيف وجاوز القوى بعده اكثر الحيض فالضعيف استحاضة وابتداء حيضها علي اختلاف القولين من أول القوى والمعنى فيه العمل بالتمييز بقدر الامكان ونظيره ما إذا رأت خمسة حمرة ثم اسود دمها وعبر الخمسة عشر وهذه هي الصورة التي وعدنا من قبل ان نعيدها ولك ان تعلم قوله إلى عادة نساء بلدها علي وجه أو نساء عشيرتها علي وجه بالحاء والميم والالف لان ابا حنيفة لا يردها إلى هذا ولا إلى ذاك انما يردها الي اكثر الحيض وهو عشرة عنده وبه قال مالك واحمد في احدى الروايات عنهما الا ان اكثر الحيض عندهما خمسة عشر] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 [يوما وعن مالك روايتان اخريان احداهما انها ترد الي عادة لداتها وتستظهر بعد ذلك بثلاثة ايام بشرط الا تجاوز خمسة عشر يوما والثانية انها ترد الي عادة نسائها والاستظهار كما ذكرنا وعن احمد روايتان اخريان مثل قولينا وقوله واما في الطهر فترد الي اغلب العادات الي آخره يجوز ان يكون مبينا على قول الرد الي الاقل فان في طهرها على هذا القول اختلافا كما بيناه وهذا قضية إيراده في الوسيط ويجوز ان يجعل كلاما مبتدأ غير مبني علي احد القولين فان قدر الطهر] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 [إذا افردناه بالنظر مختلف فيه ثم الرد على الغالب يخرج على القولين جميعا وما عداه يختص بقول الرد الي الاقل وليكن قوله الي اغلب العادات معلما بما ذكرنا من العلامات فان من رد الي اكثر الحيض لا يرد في الطهر الي اغلب العادات وإنما يرد الي الباقي من الثلاثين وقوله وهي اربع وعشرون يقتضي كون الاربع والعشرين اغلب من ثلاث وعشرين وهو ممنوع ومن قال بهذا الوجه لا يرد لعين الاربع والعشرين بل يقول بردها الي الطهر الغالب وهو بين ثلاث وعشرين وبين أربع] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 [وعشرين حكاه امام الحرمين هكذا ثم قال وكان شيخي يرى علي هذا الوجه أن ترد إلى أربع وعشرين فان الاحتياط فيه أبلغ منه في ثلاث وعشرين فإذا ما ذكره صاحب الكتاب مصير إلى كلام الشيخ أبى محمد وقضية خبر حمنة أن نعتبر طهرها بعادة النساء المنظور اليهن كما في الحيض فليكن قوله وهو أربع وعشرون معلما بالواو لما رويناه ثم ايراده يقتضى الميل إلى الرد الي غالب الطهر وتصحيح هذا الوجه وعلى هذا التقدير يكون دورها خمسة وعشرين إذا ردت الي أربع] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 [وعشرين في الطهر والي الاقل في الحيض لكن ما اتفقت طرق الاصحاب عليه أن ظاهر المذهب اشتمال كل شهر علي حيض وطهر لها سواء ردت الي الاقل أو الغالب وذلك يقتضي ترجيح الوجه الصائر الي تسع وعشرين وبالله التوفيق * قال [ثم في مدة الطهر تحتاط كالمتحيرة أو هي كالمستحاضات ففيه قولان] غير المميزة كالمميزة في ترك الصوم والصلاة في الشهر الاول الي تمام الخمسة عشر فإذا جاوز الدم الخمسة عشر تبينت الاستحاضة وعرفنا أن مردها الاقل والغالب] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 [على اختلاف القولين فان رددناها إلى الاقل قضت صلوات أربعة عشر يوما وان رددناها الي الست أو السبع قضت صلوات تسعة أيام أو ثمانية وأما في الشهر الثاني وما بعده فينظر ان وجدت تمييزا بالشروط السابقة قبل تمام المرد أو بعده فلا نظر إلى ما تقدم وهي في ذلك الدور كمبتدأة مميزة مثاله مبتدأة رأت أولا دما أحمر ثم في الشهر الثاني رأت خمسة دما أسود والباقى أحمر فحيضها في الشهر الاول الاقل أو الغالب وفى الشهر الثاني خمسة السواد أخذا بالتمييز فانه شاهد في صفة الدم فالنظر إليه أولي وان استمر فقد التمييز فيما بعد الشهر الاول وهذا مقصود الفصل ومحل القولين فكما جاوز دمها المرد وهو الاقل أو الغالب فتغتسل وتصوم وتصلي لان الظاهر دوام الاستحاضة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 [ثم لو شفيت في بعض الشهور قبل الخمسة عشر بان أنها غير مستحاضة فيه وان جميع الدم حيض فتقضي ما تركته من الصوم في المرد وما صامته فيما وراءه أيضا لتبين الحيض فيه وتبين أن غسلها لم يصح عقب انقضاء المرد ولا تأثم بفعل الصوم والصلاة والوطئ فيما وراء المرد لانها معذورة في بناء الامر علي الظاهر وهل يلزمها الاحتياط فيما وراء المرد الي تمام الخمسة عشر فيه قولان احدهما انها تحتاط كالمتحيرة لان احتمال الحيض والطهر والانقطاع قائم الي تمام الخمسة عشر وانما تحتاط المتحيرة لقيام هذه الاحتمالات فكذلك هذه وأصحهما أنها لا تحتاط كسائر المستحاضات لانا قد جعلنا لها مردا في الحيض فلا عبرة بما بعده كما في المعتادة والمميزة فأن قلنا تحتاط فلا تحل تنزوج] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 [الي تمام لخمسة عشر ولا تقضى في هذه المدة فوائت الصوم والصلاة والطواف لاحتمال أنها حائض ويلزمها الصوم والصلاة لاحتمال انها طاهر وتغتسل لكل صلاة لاحتمال الانقطاع وتقضي صوم جميع الخمسة عشر اما في المرد فلانها لم تصم وأما فيما وراءه فلاحتمال الحيض وان قلنا لا تحتاط فتصوم وتصلي ولا تقضي شيئا ويأتيها زوجها ولا غسل عليها وتقضى الفوائت وعلي القولين لا نقضى الصلوات المأتي بها بين المرد والخمسة عشر لانها ان كانت طاهرة فقد صلت وان كانت حائضا فليس عليها قضاء الصلوات وحكى في المهذب هذا الخلاف وجهين والاشهر الا ثبت القولان ولا يخفى عليك بعد ما ذكرناه شيئان أحدهما أن قوله ثم في مدة الطهر يعنى به مدة الطهر إلى تمام الخمسة عشر لا الي آخر الشهر فان ما بعد الخمسة عشر طهر بيقين والثاني] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 [ان في وجوب قضاء الصلاة علي المتحيرة خلافا نذكره في موضعه وههنا لا يجب قضاء الصلاة بحال وان أمرناها بالاحتياط فإذا قلنا أنها تحتاط كالمتحيرة في قول وجب أن يستثني قضاء الصلاة وصاحب الكتاب لا يحتاج الي هذا الاستثناء لانه نفى وجوب القضاء علي المتحيرة علي ما سيأتي قال [المستحاضة الثالثة المعتادة وهى التى سبقت لها عادة فترد إلى عادتها في وقت الحيض وقدره فان كانت تحيض خمسا وتطهر خمسا وعشرين فجاءها دور فحاضت ستا ثم استحيضت بعد ذلك رددناها إلى الست لان الصحيح ثبوت العادة بمرة واحدة] المعتادة تنقسم إلى ذاكرة لعادتها إلى ناسية والذى بقى من هذا الباب يشتمل علي قسم الذاكرة واما الناسية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 [فقد افرد لها الباب التالي لهذا الباب والذاكرة تنقسم الي فاقدة للتمييز والي واجدة أما الفاقدة وهى المقصودة بهذا الفصل فهي مردودة الي عادتها القديمة خلافا لمالك حيث قال لا اعتبار بالعادة لنا ماروى عن ام مسلمة ان امرأة كانت تهريق الدماء علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت لها فقال (لتنظر عدد الايام والليالي التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذى أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر فإذا خلفت ذلك فلتغسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل) وتفصيل القول فيها ان يقال عادتها السابقة إما الا يكون فيها اختلاف لا في القدر ولا في الوقت أو يكون فيها اختلاف فهما حالتان فاما في الحالة الاولى فننظر ان تكررت عادة حيضها وطهرها مراراردت الي عادتها في قدر الحيض ووقته وفى الطهر ايضا وظاهر المذهب انه لا فرق بين ان تكون عادتها ان تحيض اياما من كل شهر أو من كل شهرين أو من كل سنة وقيل بخلاف ذلك وهو الذى حكاه صاحب الكتاب في باب النفاس ونذكره ثم ان شاء الله تعالي وان لم يتكرر ما سبق من عادة الحيض والطهر ففيه خلاف مبنى على ان العادة بماذا تثبت] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 وفيه وجهان مشهوران أصحهما وبه قال ابن سريج وأبو إسحق أنها تثبت بمرة واحدة واحتجوا عليه بقوله صلي الله عليه وسلم في حديث ام سلمة (فلتنظر عدد الايام والليالي التى كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذى اصابها) اعتبر الشهر الذى قبل الاستحاضة والثاني ويحكي عن ابن خيران أنه لا تثبت العادة الا بمرتين لان العادة مشتقة من العود وإذا لم يوجد الا مرة واحدة فلا عود وحكي أبو الحسن العبادي وجها ثالثا أنها لا تثبت الا بثلاث مرات لقوله صلى الله عليه وسلم (دعي الصلاة أيام اقرائك) وأقل الجمع ثلاثة وضرب في الكتاب مثالا لهذه] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 [القاعدة فقال لو كانت تحيض خمسا وتطهر خمسا وغشرين فجاءها دور فحاضت يه ستا ثم استحيضت بعد ذلك فان قلنا العادة لا تثبت بمرة واحدة رددناها إلى الخمس وان قلنا أنها تثبت بمرة رددناها إلى الست وقلنا ردها الي ما قرب ونسخ ما قبله أولى ثم المعتادة في الشهر الاول من شهور الاستحاضة تتربص كالمبتدأة لجواز أن ينقطع دون الخمسة عشر وان حاوز عادتها فان عبر الخمسة عشر قضت صلوات ما وراء أيام العادة ثم في الدور الثاني وما بعده إذا مضت أيام العادة اغتسلت وصامت وصلت لطهور الاستحاضة ولا يتأتى ههنا قول الاحتياط الذي ذكرناه في المبتدأة لقوة العادة (الحالة الثانية) أن يكون في عادتها السابقة اختلاف فمن صورها أن يكون لها عادة دائرة وقد ذكره في آخر الباب الثالث في فرع وكان ذكره في هذا الموضع أليق لانها نوع من العادات (ومنها) أن يكون في عاداتها المتقدمة علي الاستحاضة اختلاف في القدر أو في الوقت وسمى متقدمو الاصحاب التى انتقلت عادتها وتغيرت عما كانت ثم استحيضت منتقلة ونحن نذكر من مسائلها صورا ترشد إلى غيرها (منها) لو كانت تحيض خمسا من أول كل شهر وتطهر باقيه فحاضت في دور أربعا من الخمسة المعتادة ثم استحيضت بعد ذلك فهذه قد انتقل حيضها من الكثرة إلى القلة ولو حاضت في دور ستا ثم استحيضت فقد انتقل من القلة الي الكثرة والحكم في الصورتين مبنى علي الخلاف الذى سبق في العادة ان أثبتناها بمرة رددناها الي ما قبل الاستحاضة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 [والا فالعادة القديمة ولو كانت المسألة بحالها فرأت في دور ستة أيام دما وفى دور عقببه سبعة ثم استحيضت فان أثبتنا العادة بمرة رددناها إلى السبعة والا فوجهان أحدهما أنها ترد إلى الخمسة ويتساقط العددان في الدورين الاخيرين لان واحدا منهما لم يتكرر على حياله وأظهرهما أنها ترد إلى الستة لان التكرر قد حصل فيها فانها وجدت مرة وحدها ومرة مندرجة في السبعة وإذا فرعنا علي الوجه الثالث فلا شك في ردها إلى الخمسة ولو كانت المسألة بحالها فحاضت في دور الخمسة الثانية من الشهر فهذه قد تغير وقت حيضها وصار دورها المتقدم علي هذه الخمسة بتأخر الحيض خمسة وثلاثين خمسة منها حيض والباقى طهر فينظر ان تكرر هذا الدور عليها بأن رأت الخمسة الثانية دما وطهرت ثلاثين ثم عاد الدم في الخمسة الثالثة من الشهر الآخر وعلي هذا مرارا ثم استحيضت فهي مردودة إليه فتحيض من أول الدم الدائم خمسة وتطهر ثلاثين وعلي هذا أبدا وان لم يتكرر هذا الدور كما إذا استمر الدم المتأخر المبتدئ من الخمسة الثانية وصارت مستحاضة فهل نحيضها من أوله أم لا فيه وجهان عن أبي اسحق انه لا حيض لها في هذا الشهر والذى بدأ استحاضة كله الي آخر الشهر فإذا جاء أول الشهر ابتدأت منه دورها القديم حيضا وطهرا وقال الجمهور نحيضها خمسة من الدم الذى ابتدأ من الخمسة الثانية ثم ان قلنا بثبوت العادة بمرة حكمنا لها بالطهر ثلاثين يوما وأقمنا عليها الدور الاخير أبدا وان لم نقل بذلك فوجهان أظهرهما أن] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 [خمسة وعشرين بعدها طهر لانه المتكرر من اطهارها والثاني ان باقى الشهر طهر لا غير وتحيض الخمسة الاولي من الشهر الآخر وتراعي عادتها القديمة قدرا ووقتا وان رأت الخمسة الثانية دما وانقطع وطهرت بقية الشهر ثم عاد الدم فقد صار دورها خمسة وعشرين فان تكرر ذلك بأن رأت الخمسة الاولي من الشهر بعده دما وطهرت عشرين وهكذا مرارا ثم استحيضت فترد إليه وان لم يتكرر كما إذا عاد في الخمسة الاولى واستمر فلا خلاف في أن الخمسة الاولي حيض ويبنى حكم الطهر علي الخلاف في العادة ان أثبتناها بمرة فطهرها عشرون والا فخمسة وعشرون ولو كانت المسألة حالها فطهرت بعد خمستها المعهودة عشرين وعاد الدم في الخمسة الاخيرة فهذه قد تغير وقت حيضها بالتقدم وصار دورها خمسة وعشرين فان تكرر هذا الدور بأن رأت الخمسة الاخيرة دما وانقطع وطهرت عشرين وهكذا مرارا ثم استحيضت فترد إليه ولو لم يتكرر كما إذا استمر الدم العائد فمحصول ما تخرج من طرق الاصحاب في هذه المسألة ونظائرها أربعة أوجه أظهرها أنها تحيض خمسة من أوله وتطهر عشرين وهكذا أبدا والثانى تحيض خمسة وتطهر خمسة وعشرين والثالث تحيض عشرة منه وتطهر خمسة وعشرين ثم تحافظ علي الدور القديم والرابع أن الخمسة الاخيرة استحاضة وتحيض من أول الدور خمسة وتطهر خمسة وعشرين على عادتها القديمة وقد ذكرنا في صورة التأخر ما حكى عن أبي اسحق من المحافظة على أول الدور] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 [والحكم بالاستحاضة فيما قبله واختلفوا في قياس مذهبه ههنا منهم من قال قياسه الوجه الثالث ومنهم من قال لا بل هو الرابع ولو كانت المسألة بحالها حاضت خمستها وطهرت أربعة عشر يوما ثم عاد الدم واستمر فالمتخلل بين خمستها وبين الدم العائد ههنا ناقص عن أقل الطهر فحاصل ما قيل فيه أربعة أوجه أيضا أظهرها أن يوما من الدم العائد استحاضة تكميلا للطهر وخمسة بعده حيض وخمسة عشر طهر إذ صار دوها بما اتفق عشرين والثانى أن اليوم الاول استحاضة والباقى من الشهر وخمسة من الشهر الذى بعده حيض ومجموع ذلك خمسة عشر ثم تطهر خمسة وعشرين وتحافظ علي دورها القديم والثالث ان اليوم الاول استحاضة وبعده خمسة حيض وخمسة وعشرون طهر وهكذا ابدا والرابع ان جميع الدم العائد الي ول الشهر استحاضة وتفتتح منه دورها القديم وقد ذكرت كيفية هذه الوجوه ومأخذها في غير هذا الموضع فلا أطول ههنا ولك أن تعلم قوله في آخر هذا الفصل ثبوت العادة بمرة واحدة بالحاء والالف اشارة الي أنهما يقولان لا تثبت العادة بأقل من مرتين * قال [المستحاضة الرابعة المعتادة المميزة فان رأت السواد مطابقا لايام العادة فهو المراد وان] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 [اختلفت بأن كانت عادتها خمسة فرأت عشرة سوادا ثم اطبقت الحمرة فهل الحكم للعادة ام للتمييز فيه قولان فعلى هذا ان رأت في أيام العادة خمسة حمرة ثم عشرة سوادا ثم اطبقت الحمرة ففى وجه الحكم للعادة (م) وفى وجه للتمييز فتحيض في العشر السواد وفى وجه (ح م) يجمع بينهما الا أن يزيد المجموع على خمسة عشر فيتعين الاقتصار على العادة أو علي التمييز] * المعتادة الذاكرة لعادتها إذا كانت واجدة للتمييز نظر ان توافق مقتضي العادة والتمييز كما إذا كانت تحيض خمسة من اول كل شهر وتطهر الباقي فاستحيضت ورأت خمستها سوادا وباقى الشهر حمرة فحيضها تلك الخمسة واعتضدت كل واحدة من الدلالتين بصاحبتها وان لم يتوافق مقتضاهما] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 [نظر ان لم يتخلل بين العادة والتمييز قدر أقل الطهر كما إذا كانت تحيض خمسة كما ذكرنا فرأت في دور عشرة سوادا ثم حمرة واستحيضت ففيه ثلاثة أوجه أصحها وبه قال ابن سريج وابو اسحق انها ترد الي التمييز فتحيض في العشرة كلها لقوله صلي الله عليه وسلم (دم الحيض أسود يعرف) ظاهره ينفى كون غيره حيضا لان التمييز صفة موجودة والعادة دلالة قد مضت والرد الي الدلالة الموجودة أولي والثانى وبه قال ابن خيران والاصطخري أنها ترد إلى العادة فترد الي الخمسة القديمة لقوله صلى الله عليه وسلم (فلتنظر عدد الايام والليالي التى كانت تحيضهن) ولم يفصل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 [ولان العادة قد ثبتت واستقرت وصفة الدم بعرض البطلان الا ترى انه لو زاد الدم القوى علي خمسة عشر يوما بطلت دلالة قوته والثالث ان امكن الجمع بينهما يجمع عملا بالدلالتين والا فيتساقطان فتكون كمبتدأة لا تمييز لها وفيها ما قدمناه من القولين: مثال امكان الجمع ان ترى عشرة سوادا كما ذكرناه ومثال عدم الامكان أن ترى خمستها المعهودة حمرة واحد عشر عقيبها سوادا وان يتخلل بينهما أقل الطهر كما إذا رأت عشرين فصاعدا دما ضعيفا ثم خمسة قويا ثم ضعيفا وعادتها القديمة خمسة من أول الشهر كما سبق فقدر العادة ؤيض بحكم العادة والقوى حيض آخر لانه تخلل بينهما زمان طهر كامل ومنهم من قال تبنى هذه الحالة على الحالة الاولى ان قلنا يقدم التمييز فحيضها خمسة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 [السواد وطهرها المتقدم عليه خمسة واربعون وقد صار دورها خمسين وان قلنا تقدم العادة فحيضها خمسة من أول الشهر وخمسة وعشرون من بعدها طهر وان قلنا يجمع بينهما حيضت الخمسة الاولي بالعادة وخمسة السواد بالتمييز لامكان الجمع بتخلل طهر كامل بينهما هذا فق؟ الفصل * ولك ان تعلم قوله الحكم للعادة بالميم لما ذكرنا أنه لا اعتبار للعادة عنده فضلا عن ان تقدم علي التمييز وقوله الحكم للتمييز بالالف لان عند احمد تقدم العادة عند اجتماع المعنبين وبالحاء ايضا لان عند ابي حنيفة لا اعتبار للتمييز * واعلم انه تحصل مما حكيناه في كل واحدة من حالتى امكان بين العادة والتمييز وعدم الامكان ثلاثة اوجه أحدها الحكم بالعادة والثاني الحكم بالتمييز وهما يشملان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 [الحالتين والثالث في احدى الحالتين الجمع وفى الثانية التساقط ولفظ الكتاب يفيد الوجوه الثلاثة عند امكان الجمع والوجهين الشاملين عند عدم الامكان دون الثالث وقوله فيتعين الاقتصار على العادة أو علي التمييز أي على العادة في وجه وعلي التمييز في وجه قال [فرعان الاول مبتدأة رأت خمسة سوادا ثم أطبق الدم علي لون واحد ففى الشهر الثاني نحيضها خمسا لان التمييز اثبت (ح م) لها عادة] العادة التى ترد إليها المستحاضة المعتادة ليس من شرطها ان تكون عادة حيض وطهر صحيحين بلا استحاضة بل قد تكون كذلك وقد تكون تلك العادة هي التى استفادتها من التمييز وهي مستحاضة كما] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 [إذا رأت المبتدأة خمسة سوادا وخمسة وعشرين حمرة وهكذا مرارا ثم استمر السواد أو الحمرة في بعض الشهر فقد عرفنا بما سبق من التمييز ان حيضها خمسة من اول كل شهر وصار ذلك عادة لها فنحيضها الآن خمسة من اول كل شهر ونحكم بالاستحاضة في الباقي * هذا هو الصحيح وحكى امام الحرمين وجها آخر انه إذا انخرم التمييز فلا نظر الي ما سبق وهى كمبتدأة غير مميزة ولو كانت المسألة بحالها فرأت في بعض الادوار عشرة سوادا وباقى الشهر حمرة ثم استمر السواد وفى الدور الذى بعده فقد قال الائمة نحيضها عشرة السواد في ذلك الدور لان] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 [الاعتماد علي صفة الدم ثم مردها بعد ذلك العشرة ولو كاتت المسألة بحالها اعتادت السواد خمسة ثم استمر الدم ثم رأت في بعض الادوار عشرة فترد في ذلك الدور إلى العشرة وفى هاتين الصورتين اشكالان (أحدهما) ردها إلى العشرة في الصورة الاولى ظاهر إذا قلنا العادة تثبت بمرة واحدة اما إذا قلنا لا تثبت فينبغي ألا نكتفي بسبق العشرة مرة قال صاحب الكتاب في الوسيط هذه عادة تمييزية فينسخها مرة واحدة ولا يجرى فيها ذلك الخلاف كغير المستحاضة إذا تغيرت عادتها القديمة مرة فانه نحكم بالحالة الناجزة وهذا لا يشفى الغليل وللمعترض أن يقول لم يختص الخلاف بغير التمييزية] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 [ولماذا تشتبه العادة التمييزية بالصورة المذكور دون غير التمييزية وما الفارق (الثاني) إذا أفاد التمييز عادة للمستحاضة ثم تغير مقدار القوى بعد انخرام التمييز أو قبله وجب أن لا يخرم بالرد إليه بل ينبغى أن يخرج علي الخلاف فيما إذا اجتمع العادة والتمييز كما تقدم ولم يزد امام الحرمين في هذا الموضع علي دعوي اختصاص ذلك الخلاف بالعادات الجارية من غير استحاضة ولم يبد معنى فارقا ولمقرر الاشكال ان يمنع اختصاص الخلاف بتلك العادات الا ترى أنها لو كانت ترى خمسة سوادا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 [من أول كل شهر وباقيه حمرة فجاءها شهر رأت فيه الخمسة الاولى حمرة والخمسة الثانية سوادا ثم عادت الحمرة واستمرت يجرى فيها لك الخلاف مع أن هذه عادة مستفادة من التمييز أورد هذه الصورة صاحب التهذيب وغيره فعلى الوجه المغلب للتمييز حيضها الخمسة الثانية وعلي الوجه المغلب للعادة حيضها الخمسة الاولي وعلي وجه الجمع تحيض فيهما والله أعلم * جئنا الي ما يتعلق بلفظ الكتاب قوله مبتدأة رأت خمسة سوادا ثم أطبق الدم علي لون واحد المفهوم من ظاهره اطباق غير لون السواد من انقضاء خمسة السواد واستمراره علي الاطلاق لكن بتقدير ان يكون كذلك فالضعيف على امتداده استحاضة وليس لها شهر ثان] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 [حتى نحكم بالتحيض خمسة من أوله فإذا المعني رأت خمسة سوادا وخمسة وعشرين حمرة أو نحوها ثم أطبق السواد في الشهر الثاني ثم قوله ففى الشهر الثاني نحيضها خمسا بناء على عدم اشتراط التكرار في العادة التمييزية واكتفاء بوقوعها مرة واحدة وقد ذكرنا ما فيه من الاشكال ويؤيده ان ما عدا الخمسة لو كان طهرا محسوسا واستحيضت في الشهر الثاني لم نردها الي الخمسة علي قولنا العادة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 [لا تثبت بمرة ومعلوم ان التمييز لا يزيد عليه وليكن قوله نحيضها خمسا معلما بالواو اشارة إلى الوجه الذى تقدم * قال [الثاني قال الشافعي رضى الله عنه الصفرة والكدرة (م) في أيام الحيض حيض (ح) فهو كذلك في ايام العادة وفيما وراءها الي تمام الخمسة عشر ثلاثة اوجه احدها انه حيض كايام العادة والثانى لا لضعف اللون والثالث ان كان مسبوقا بدم قوى ولو لطخة فيكون حيضا والا فلا ومرد المبتدأة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 ايام العادة أو كما وراءها فيه وجهان] هذا الفرع لا اختصاص له بالمستحاضة بل معظم فائدته فيما إذا لم يعبر الدم الاكثر كما سيأتي والصفرة شئ كالصديد يعلوه اصفرار والكدرة شئ كدر وليسا على الوان الدماء ولا خلاف في كونهما حيضا في ايام العادة لان الوقوع في ايام العادة يغلب علي الظن بكون الاذى الموجود فيه الحيض المعهود وفيما وراء ايام العادة اربعة اوجه اظهرها ان لهما حكم الحيض ايضا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 [لقوله تعالي (قل هو اذى فاعتزلوا النساء في المحيض) والصفرة والكدرة اذى ولما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت (كنا نعد الصفرة والكدرة حيضا) وهذا اخبار عما عهدته في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم والثانى ليس لهما حكم الحيض لقوله صلي الله عليه وسلم (دم الحيض أسود يعرف) ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 [وعن ام عطية وكانت قد بايعت النبي صلى الله عليه وسلم قالت (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئا) وبهذا الوجه قال الاصطخرى وينسب الي صاحب التلخيص أيضا وبالاول قال ابن سريج وأبو اسحق والوجه الثالث وبه قال أبو على الطبري ان سبق دم قوى من سوادا وحمرة فالصفرة والكدرة بعده حيض والا فلا والفرق ان الدم يبدو قويا ثم يرق ويضعف علي التدريج الا ترى ان الجراحة تصب دما قويا ثم يرق ويختلط بالرطوبات فإذا سبق دم قوى استتبع ما بعده والرابع حكاه القاضي ابن كج أنه انما يحكم بكون الصفرة والكدرة حيضا بشرط ان يسبقها دم قوى ويلحقها دم قوى لينسحب الحكم علي المتخلل والا فما ليس علي هيئة الدماء لا يعطي له حكمها واما المبتدأة فقد حكي امام الحرمين عن بعض الاصحاب أنها إذا رأت صفرة أو كدرة ثم طهرت فحكم مردها على اختلاف القولين وهما الاقل والغالب كايام العادة في حق المعتادة قال والصحيح أنه كما وراء أيام العادة فحصل وجهان كما روى صاحب الكتاب ان قلنا أنه كايام العادة فالصفرة والكدرة فيها حيض بلا خلاف وان قلنا كما وراء أيام العادة عاد فيه الاوجه وهذا هو الذى ذكره الجمهور ولنوضح] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 [هذه المسألة بالامثلة: امرأة عادتها ان تحيض من كل شهر خمسة وتطهر الباقي فرأت خمستها صفرة أو كدرة وطهرت فهى حائض في تلك الخمسة بلا خلاف: ولو رأت خمستها سوادا ثم خمسة صفرة أو كدرة وانقطع ما بها فعلي الوجه الاول الكل حيض وعلي الثاني حيضها السواد وعلي الثالث لكل حيض لتقدم السواد وعلى الرابع حيضها السواد لعدم لحوق القوى ولو رأت مبتدأة خمسة عشر فما دونها صفرة أو كدرة فالذي رأته حيض على الوجه الاول دون الثاني لخروجه عن يام العادة وكذلك علي الوجه الثالث لانه لم يتقدمه سواد ولا حمرة وكذا علي الرابع لعدم التقدم والتأخر هذا على طريقة طرد الخلاف وفى مردها الوجه الذى سبق وإذا اعتبرنا تقدم الدم القوى أو تأخره ففى المقدار المشروط وجهان أصحهما أنه لا يشترط له قدر معين لان المعنى فيه ما ذكرنا من هيئة التدربج وإذا سبق الدم القوى فقد يتسارع إليه الضعف وقد لا يتسارع ولا ينضبط هذا هو الذى ذكره في الكتاب حيث قال ولو لحظة والثانى انه يشترط ان يكون قدر يوم وليلة ليكون حيضا بنفسه حتى يقوى علي استتباع غيره واما ما حكاه من لفظ الشافعي رضي الله عنه في أول الفرع فقد نص عليه في المختصر واختلفوا في المراد بايام الحيض بحسب ما حكينا من الخلاف فمن قال الصفرة والكدرة في أيام العادة حيض لا غير قال المراد بايام الحيض ايام العادة ومن قال حيض فيما وراء ايام العادة وفى المبتدأة قال أراد بايام الحيض زمان امكان] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 [الحيض ولفظ الكتاب بعد رواية هذا النص يختلف في النسخ فقد تجد في بعض النسخ وذلك في أيام العادة وهذا لفظه في الوسيط وقد تجد وهو كذلك في أيام العادة وهما صحيحان وقد تجد وكذلك في أيام العادة وهو فاسد ولا يخفى عليك ذلك ان عرفت ما قدمناه وليكن قوله أنه حيض كايام العادة معلما بالالف لان الحكاية عن احمد أنه ليس بحيض وقوله لا لضعف اللون معلما بالحاء لان عند ابى حنيفة هو حيض كما هو الاصح عندنا والله أعلم * قال [الباب الثالث في التى نسيت عادتها ولها احوال الاولى التي نسيت العادة قدرا ووقتا وهي المتحيرة وهى مردودة إلى المبتدأة في قدر الحيض والي أول الاهلة في قول ضعيف والصحيح أنه لا يعين اول الاهلة فانه تحكم بل تؤمر بالاحتياط أخذا بأشق الاحتمالات في امور ستة] الناسية لعادتها اما أن تكون مميزة بشرط التمييز واما الا تكون كذلك فان كان الاول فهي مردودة الي التمييز لان الرجوع إلى العادة قد تعذر فنأخذ بدلالة التمييز كيف اتفق ولو أمكن الرجوع الي العادة أيضا لكنا نأخذ بالتمييز على الاصح وفى هذه الحالة لا تحير ولا اشكال وعن الاصطخرى وابن خيران أنها لا ترد الي التمييز ولا فرق بين ان تكون مميزة أو لا تكون وهذا لا يوافق لمصيرهما الي تقديم العادة عند اجتماع المعنبين لكن المشهور الاصح هو الاول وان لم تكن مميزة بشرطه وهذه الحالة هي المقصودة بهذا الباب فلها ثلاث أحوال لانها اما أن تكون ناسية لقدر الحيض ووقته جميعا واما أن] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 [تكون ناسية لقدر الحيض دون الوقت واما أن تكون بالعكس من ذلك الحالة الاولى ان تكون ناسية لهما جميعا وتعرف بالمتحيرة لتحيرها في شأنها وقد تسمى محيرة ايضا لانها تحير الفقيه في أمرها وبعضهم يضع اسم المتحيرة موضع الناسية فتسمى ناسية الوقت وناسية القدر أيضا متحيرة وكذلك فعل صاحب الكتاب في الوسيط والاول احسن والنسيان المطلق قد يعرض لغفلة وعلة عارضة وقد تجن صغيرة وتستمر لها عادة في الحيض ثم تفيق وهي مستحاضة فلا تعرف مما سبق شيئا وفى حكمها في هذه الحالة قولان أحدهما انها مردودة الي المبتدأة لان العادة المنسية لا يمكن استفادة الحكم منها فتكون كالمعدومة الا ترى ان التمييز لما لم يمكن استفادة الحكم منه لفوات بعض الشروط الحق بالعدم ولان المصير الي القول الثاني يلزمها حرجا عظيما على ما سيأتي ولا حرج في الدين وأصحهما أنها مأمورة بالاحتياط] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 [غير مردودة إلى المبتدأة إذ ما من زمان يمر عليها الا ويحتمل الحيض والطهر والانقطاع فيجب الاخذ بالاحتياط وقد نقل (ان سهلة بنت سهيل استحيضت فاتت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها ان تغتسل عند كل صلاة) فحمله حاملون على أنها كانت ناسية فأمرها به احتياطا ومنهم من لم يثبت] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 [سوى القول الثاني لكن طريقة اثبات القولين اظهر وهي التى ذكرها في الكتاب فان قلنا بالرد الي المبتدأة فقد اختلفوا منهم من طرد فيها القولين في الرد إلى الاقل أو الغالب ومنهم من اقتصر علي الرد الي الاقل والاول اظهر وهو قضية اطلاقه في الكتاب حيث قال فهي مردودة الي المبتدأة في قدر الحيض ويجوز ان يعلم بالواو اشارة إلى الوجه الثاني واما وقت ابتداء حيضها فلا يمكن أخذه من المبتدأة لان ابتداء دورها معلوم بظهور الدم بخلاف الناسية والمشهور تفريعا على هذا القول ان ابتداء حيضها أول الهلال حتى لو افاقت المجنونة في اثناء الشهر الهلالي عدت باقى الشهر استحاضة واحتج له بان الغالب ان الحيض يبتدئ مع استهلال الشهر وهذه دعوى يخالفها الحس والجود وعن القفال انها إذا افاقت فابتداء حيضها من وقت الافافة لان التكليف حينئذ يتوجه عليها قال الائمة وهذا بعيد ايضا فانها قد تفيق في اثناء الحيض واقوى مازيفوا به اصل القول الذى يفرع عليه ما في ابتداء الحيض من الاشكال اما الرد الي الاقل أو الغالب فغير بعيد ولهذا قال صاحب الكتاب والصحيح انه لا يتعين اول الاهلة فانه تحكم محض التحكم بتعين اول الاهلة دون تعيين القدر وان كان ذلك متروكا علي قول الاحتياط ايضا ومتى أطلقنا الشهر في مسائل المستحاضات عنينا به ثلاثين يوما سواء كان ابتداؤه من أول الهلال ام لا ولا نعنى به الشهر الهلالي الا في هذا الموضع علي هذا القول وليكن قوله إلى أول الاهلة في وقته معلما بالواو لما حكينا عن؟ ؟ ثم علي هذا القول هل تؤمر بالاحتياط من انقضاء وقت المرد إلى] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 [آخر الخمسة عشر فيه القولان المذكوران في المبتدأة واما التفريع علي قول الاحتياط فقد حصره في ستة أمور ونحن نشرحها علي النسق قال [الاول ألا يجامعها زوجها اصلا لاحتمال الحيض] ليس لزوج المتحيرة وسيدها أن يجامعها اصلا إذ ما من زمان يفرض الا وهو محتمل للحيض فلابد من الاحتياط وعن اقضي القضاة الماوردى وجه آخر انه لا بأس بوطئها ورأيته لبعض المتأخرين ايضا ووجهه ان الاستحاضة علة مزمنة فالتحريم توريط لها في الفساد وإذا قلنا بالصحيح فلو فعل عصى ولزمها الغسل من الجنابة ولا يعود ههنا القول المذكور في وجوب الكفارة بوطئ الحائض لانا لانتبين وقوعه في الحيض فنسقط الكفارة بالشبهة كما نثبت التحريم بالشبهة وهل يجوز الاستمتاع بما تحت الازار منها فيه الخلاف الذى سبق في الحائض قال [الثاني الا تدخل المسجد ولا تقرأ القرآن] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 [المتحيرة لا تقرأ القرآن لاحتمال الحيض في كل زمان وقد ذكرنا في الحائض قولا انها تقرأه فهذه أولي إذ لا نهاية لعذرها هذا في القراءة خارج الصلاة واما في الصلاة فهل تزيد علي الفاتحة فيه وجهان اظهرهما نعم ولا حجر وحكمها في دخول المسجد حكم الحائض فلا تمكث بحال ولا تعبر عند خوف التلويث وعند الامن وجهان ولا يخفى بعد هذا انه ينبغى ان يعلم قوله ولا تقرأ القرآن ولا تدخل المسجد كلاهما بالواو قال [الثالث أنها تصلى وظائف الاوقات لاحتمال الطهر وتغتسل لكل صلاة لاحتمال انقطاع الدم] يجب على المتحيرة ان تصلي الخمس ابدا لان كل وقت افرد بالنظر فمن الجائز كونها طاهرة فيه فنأخذ بالاحتياط وهل لها أن تتنقل فيه وجهان أحدهما لا: لانه لا ضرورة في التنفل مع احتمال الحيض فصار كقراءة القرآن في غير الصلاة وحمل المصحف وأصحهما نعم كالمتيمم يتنفل مع بقاء حدثه ولان النوافل من مهمات الدين فلا وجه لحرمانها عنها ومنهم من جوز السنن الراتبة دون غيرها وهذا الخلاف يجرى في نوافل الصوم والطواف ثم يلزمها ان تغتسل لكل فريضة لاحتمال الانقطاع قبلها ويجب ان يقع غسلها في الوقت لانه طهارة ضرورة فصار كالتيمم وفى وجه لو وقع غسلها قبل الوقت وانطبق اول الصلاة علي اول الوقت وآخر الغسل جاز وقد ذكرنا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 [نظيره في طهارة المستحاضة وهل تلزمها المبادرة الي الصلاة عقيب الغسل فيه وجهان احدهما نعم كما ذكرنا في وضوء المستحاضة وأصحهما عند امام الحرمين وصاحب الكتاب لا: لانا انما نوجب البدار الي الصلاة بعد الوضوء تقليلا للحدث. والغسل انما تؤمر به لاحتمال الانقطاع ولا يمكن تكرر الانقطاع بين الغسل والصلاة ولو بادرت أيضا فمن المحتمل أن غسلها وقع في الحيض وانقطع بعده فإذا لا حيلة في دفع هذا الاحتمال وان قرب الزمان وللاول ان يقول نعم دفع أصل الاحتمال لا يمكن لكن الاحتمال في الزمان الطويل أظهر منه في الزمان القصير فبالمبادرة يقل الاحتمال فعلي الوجه الثاني إذا أخرت لزمها لتلك الصلاة وضوء آخر إذا لم نجوز للمستحاضة تأخير الصلاة عن الطهارة * قال [الرابع يلزمها ان تصوم جميع شهر رمضان لاحتمال دوام الطهر ثم عليها أن تقضي ستة عشر يوما لاحتمال دوام الحيض خمسة عشر يوما وانطباقها إلى ستة عشر بطريانها في وسط النهار وقضاء الصلاة لا يجب (و) لما فيه من الحرج] * مقصود الفصل مسألتان أحداهما أن المتحيرة تصوم علي قول الاحتياط جميع شهر رمضان لاحتمال أنها طاهر في الكل ثم كم يجزيها من ذلك المنقول عن الشافعي رضى الله عنه انه يجزيها خمسة عشر يوما إذ لابد وان يكون لها في الشهر طهر صحيح وغاية ما يمكن امتداد الحيض إليه خمسة عشر يوما فيقع صوم خمسة عشر يوما في الطهر وهذا ما ذكره قوم من اصحابنا كصاحب الافصاح والشيخ ابى حامد وقال أبو زيد واكثر الاصحاب علي اختلاف الطبقات لا يجزيها الا اربعة عشر يوما لاحتمال ان يبندى حيضها في اثناء نهار ويمتد خمسة عشر يوما فينقطع] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 [في اثناء نهار أيضا فتنبسط الخمسة عشر على ستة عشر ويفسد صومها واثبت امام الحرمين في المسألة طريقتين احداهما القطع بما ذكره الاكثرون وحمل كلام الشافعي رضى الله عنه على ما إذا حفظت ان دمها كان ينقطع بالليل والثانية جعل المنقول من الشافعي رضى الله عنه من المذهب ايضا فليكن قوله ثم عليها ان تقضي ستة عشر يوما معلما بالواو لهذا المعني وهذا إذا كان الشهر كاملا وهو المراد من مسألة الكتاب قأما إذا كان ناقصا فالمحسوب علي قياس المنقول عن الشافعي رضي الله عنه لا يختلف وتقضي ههنا أربعة عشر يوما وعلى قول الاكثرين المقضى لا يختلف ويحسب لها ثلاثة عشر يوما وقال الشيخ أبو إسحق الشيرازي في المهذب يحسب لها أربعة عشر يوما وهذا مع موافقته للاكثرين في صورة الكمال واحتج له يحيى النميى بان قال أجرى الله تعالي العادة بان الشهر لا يخلو عن طهر صحيح كاملا كان أو ناقصا وإذا كان كذلك فغاية الممكن ان يكون حيضها من الشهر الناقص اربعة عشر يوما ثم يجوز ان يفسد به صوم خمسة عشر يوما فيصح أربعة عشر ولك ان تقول لا نسلم ان الله تعالي أجرى العادة بما ادعيتة ثم هب أنه كذلك لكنا على قول الاحتياط لا نكتفي بالغالب ولو اكتفينا به لجعلنا الفاسد صوم سبعة أيام أو ثمانية لان الغالب من الحيض ستة أو سبعة فإذا ما ذكره الشيخ سافط (المسألة الثانية) إذا أدت الصلوات الخمس فهل يجزيها ذلك أم يجب القضاء مع الاداء كما في الصوم فيه وجهان احدهما وهو المذكور في الكتاب انه لا يجب ولهذا سكت الشافعي رضي الله عنه] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 [عن قضاء الصلاة مع حكمه بوجوب قضاء الصوم والمعنى فيه أن قضاء صلوات أيام الحيض لا يجب فان كانت طاهرا وقت الصلاة المؤداة اجزأها ما فعلت والا فلا صلاة عليها وأيضا فان قضاء الصلاة يفضى إلى حرج شديد والثاني أنه يجب القضاء لجواز ان ينقطع الحيض في خلال الصلاة أو في آخر الوقت ويجوز أن ينقطع قبل غروب الشمس فيلزمها الظهر والعصر أو قبل طلوع الفجر فيلزمها المغرب والعشاء وإذا سلكنا طريق الاحتياط وجب سلوكه في جميع جهات الاحتمال ويحكى هذا عن ابن سريج ويشهر بابى زيد وهو ظاهر المذهب عند الجمهور ولم يورد صاحبا التهذيب والتتمة سوا ذلك ومنهم من قطع به وقال الشافعي رضي الله عنه كما لم يذكر وجوب القضاء لم ينفه أيضا وقضية مذهبه الوجوب فعلى هذا تغتسل في اول وقت الصبح وتصليها ثم إذا طلعت الشمس اغتسلت مرة أخرى واعادتها لاحتمال ان المرة الاولي وقعت في الحيض وانقطع بعده فلزمها الصبح وبالمرتين تخرج عن العهدة يقينا لانها إذا كانت طاهرا في المرة الاولي فهى صحيحة والا فان انقطع في الوقت أجزأتها المرة الثانية وان لم ينقطع فلا شئ عليها ولا يشترط البدار إلى المرة الثانية بعد خروج الوقت بل متى قضتها قبل انقضاء خمسة عشر يوما من اول وقت الصبح خرجت من العهدة ايضا لان] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 [الحيض لو انقطع في الوقت لم يعد الي خمسة عشر يوما قال امام الحرمين ولا يشترط تأخر جميع الصلاة المرة الثانية عن الوقت بل لو وقع بعضها في آخر الوقت جاز بشرط ان يكون دون تكبيرة إذا قلنا تلزم الصلاة بادراك تكبيرة أو دون ركعة إذا قلنا لا تلزم الا بادراك ركعة وفيه قولان مذكوران في كتاب الصلاة وانما يجوز ذلك لانه إذا فرض الانقطاع قبل المرة الثانية فقد اغتسلت وصلت والانقطاع لا يتكرر وان فرض في اثنائها فلا شىء عليه في التصوير المذكور ولك ان تقول اشكالا المرة الثانية يتقدمها الغسل فإذا وقع بعضها في الوقت والغسل سابق جاز أن يقع للانقطاع في اثناء الغسل ويكون الباقي من وقت الصلاة من حينئذ قدر ركعة أو تكبيرة فيجب أن ننظر إلى] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 [زمان الغسل سوى الجزء الاول منه والى الجزء الواقع من الصلاة في الوقت فيقال ان كان ذلك دون ما يلزم به الصلاة جاز والا فلا ولا يقصر النظر على جزء الصلاة ثم من المعلوم أنه لا يمكن أن يكون ذلك دون التكبيرة ويبعد ان يكون دون الركعة فهذا في الصبح وأما في العصر والعشاء فيصليهما مرتين كذلك وأما الظهر فلا يكفى وقوعها المرة الثانية في أول وقت العصر ولا وقوع المغرب في أول وقت العشاء لانها لو ادركت قدر ركعة أو خمس ركعات علي اختلاف قولين نذكرهما من وقت العصر يلزمها الظهر والعصر وكذلك لو أدركته في وقت العشاء يلزمها المغرب والعشاء ومن الجائز انقطاع حيضها في الوقت المفروض فيجب ان تعيد الظهر في الوقت الذى يجوز] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 [اعادة العصر فيه وذلك بعد وقت العصر وتعيد المغرب في الوقت الذى يجوز اعادة العشاء فيه وذلك بعد وقت العشاء ثم إذا أعات الظهر والعصر بعد الغروب فينظر ان قدمتها علي اداء المغرب فعليها ان تغتسل للظهر وتتوضا للعصر وتغتسل للمغرب وانما كفى لهما غسل واحد لان دمها ان انقطع قبل الغروب فقد اغتسلت بعده وان انقطع بعد الغروب فليس عليها ظهر ولا عصر وانما لزم اعادة الغسل للمغرب لاحتمال الانقطاع في خلال الظهر أو العصر أو عقيبهما وهكذا الحكم إذا قضت المغرب والعشاء قبل اداء الصبح بعد طلوع الفجر وحينئذ تكون مصلية الوظائف الخمس مرتين بثمانية اغسال ووضوءين وان أخرت الظهر والعصر عن أداء المغرب] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 [اغتسلت للمغرب وكفاها ذلك للظهر والعصر ايضا لانه ان انقطع حيضها قبل المغروب فلا تعود الي تمام مدة الظهر وان انقطع بعده لم يكن عليها ظهر ولا عصر ولكن تتوضأ لكل واحدة من الظهر والعصر كما هو شأن المستحاضات وهكذا القول في المغرب والعشاء إذا اخرتهما عن الصبح وحينئذ تكون مصلية الوظائف الخمس مرتين بالغسل ست مرات والوضوء اربعا وبالطريق الثاني تخرج عن عهدة الصلوات الخمس وأما بالطريق الاول فقد اخرت المغرب والصبح عن أول وقتهما لتقديمها القضاء عليهما فتخرج عن عهدة ما عداهما واما هما فقد قال في النهاية إذا اخرت الصلاة عن أول الوقت حتى مضى ما يسع الغسل وتلك الصلاة فلا يكفى فعلها مرة اخرى في آخر الوقت أو بعده علي التصوير الذى سبق لجواز ان تكون طاهرا في أول الوقت ثم يطرأ الحيض فيلزمها الصلاة وتكون المرتان واقعتين في الحيض بل يحتاج الي فعلها مرتين اخريين بغسلين يشترط] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 [ان تكون احدهما بعد انقضاء وقت الرفاهية والضرورة وقبل تمام خمسة عشر يوما من افتتاح الصلاة المرة الاولي والثانية في أول السادس عشر من آخر الصلاة الاولى فحينئذ تخرج عن العهدة بيقين لان الخمسة عشر المتخللة أما ان تكون كلها طهرا فتصح المرة الثانية أو كلها حيضا فتصح المرة الاولي أو الثالثة أو يكون آخرها طهرا فيكون قدر ما بعدها طهرا أيضا فان انتهي الي آخر المرة الثالثة فهى واقعة في الطهر والا فالثانية واقعة فيه أو يكون أولها طهرا فيكون شيء مما قبلها طهرا أيضا فان كان افتتاحه قبل المرة الاولي فهى في الطهر وان كان في اثناء الاولى كانت الثانية في الطهر ومع هذا كله فلو اقتصرت علي اداء الصلوات في أوائل اوقاتها ولم تقض شيئا حتي مضت خمسة عشر يوما أو مضى شهر فلا يجب عليها لكل خمسة عشر الا قضاء صلوات يوم وليلة لان] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 [القضاء انما يجب لاحتمال الانقطاع ولا يتصور الانقطاع في الخمسة عشر الا مرة ويجوز ان يجب به تدارك صلاتي جمع وهما الظهر والعصر أو المغرب والعشاء فإذا اشكل الحال اوجبنا قضاء صلوات يوم وليلة كمن نسي صلاة أو صلاتين من خمس ولو كانت تصلي في اوساط الاوقات لزمها ان تقضى للخمسة عشر صلوات يومين وليلتين لجواز ان يطرأ الحيض في وسط صلاة فتبطل وتنقطع في وسط اخرى فيجب ويجوز ان يكونا مثلين ومن فاته صلاتان متماثلتان ولم يعرف عينهما فعليه صلوات يومين وليلتين بخلاف ما إذا كانت تصلي في أول الوقت فانه لو فرض ابتداء الحيض في اثناء الصلاة لما وجبت لانها لم تدرك من الوقت ما يسعها والله اعلم * قال [الخامس إذا كان عليها قضاء يوم واحد فلا تبرأ ذمتها الا بقضاء ثلاثة ايام وسبيله ان] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 [تصوم يوما وتفطر يوما ثم تصوم يوما ثم تصوم السابع عشر من صومها الاول فتخرج مما عليها بيقين لان الحيض كيفما قدر مقدما أو مؤخرا فيخرج يوم عن الحيض وعلة هذا التقدير ذكرناها في كتاب البسيط] * تكلم في أن المتحيرة إذا ارادت قضاء صوم يوم لم تبرأ ذمتها ولم يذكر ما إذا ارادت ان تقضي اكثر من يوم ولاقضاء الصلوات الفائتة والمنذورة ونحن نذكرهما على الاختصار فاما صوم يوم واحد فانما تخرج عن عهدته بصوم ثلاثة أيام بان تصوم يوما متي شاءت وتفطر يوما وتصوم اليوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 [الثالث ثم اليوم السابع عشر وانما خرجت عن العهدة بذلك لانها أما طاهر في اليوم الاول فتحصل به الفرض أو غير طاهر وحينئد أما ان تكون حائضا في جميعه فينقطع حيضها قبل السابع عشر لا محالة ويقع الثالث أو السابع عشر في الطهر وأما ان تكون حائضا في بعضه فان كانت حائضا في أوله وانقطع فيه فهى طاهر في اليوم الثالث وان كانت حائضا في اخره وابتدأ فيه فغايته الانتهاء الي السادس عشر ويقع السابع عشر في الطهر فعلي أي تقدير قدر يقع يوم في الطهر واعلم ان ذكر اليوم الثالث والسابع عشر للصوم الثاني والثالث انما جرى في كلام الائمة لبيان ان السبعة عشر اقل مدة يمكن فيها قضاء اليوم الواحد والا فلا يتعين اليوم الثالث للصوم الثاني ولا السابع عشر للصوم الثالث بل لها ان تصوم بدل الثالث يوما بعده الي اخر الخامس عشر وبدل السابع عشر يوما بعده إلى اخر تسعة وعشرين يوما ولكن الشرط ان يكون المخلف من اول السادس عشر مثل ما بين معها الاول والثاني أو أقل منه فلو صامت الاول والثالث] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 [والثامن عشر لم يجز لان المخلف من أول السادس عشر يومان وليس بين الصومين الاولين الا يوم وانما امتنع ذلك لجواز ان ينقطع الحيض في اليوم الثالث ويعود في الثامن عشر فيكون الكل في الحيض ولو صامت الاول والرابع والثامن عشر جاز لان المخلف مثل ما بين الصومين ولو صامت السابع عشر والحالة هذه جاز لان المخلف اقل مما بين الصومين ولو صامت الاول والخامس عشر فقد تخلل بين الصومين ثلاثة عشر يوما فلها ان تصوم التاسع والعشرين لان المخلف حينئذ مثل ما بين الصومين ولها أن تصوم يوما قبله لان المخلف يكون أقل نعم لا يجوز ان تصوم السادس عشر فانها لو فعلت ذلك لم تخلف شيئا ولابد من تخليف * ثم بشرط ما ذكرنا فهذا شرح ما أورده ثم لك أن تعلم قوله فلا تبرأ ذمتها الا بقضاء ثلاثة أيام بالواو لان من الاصحاب من قال يكفيها يومان بينهما أربعة عشر يوما وحكي ذلك عن نص الشافعي رضي الله عنه وهذا قول من قال نحسب لها من رضمان خمسة عشر يوما] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 [والاكثرون قطعوا بانه لا يكفى اليومان لجواز ان يبتدئ الحيض في اليوم الاول وينقطع في الخامس عشر وأولوا كلام الشافعي رضي الله عنه علي ما إذا عرفت ان دمها كان يبتدئ وينقطع ليلا وربما قالوا انه مهد القاعدة ولم يخطر له حينئذ تقدير ببعض اليوم فما يقتضيه الاحتياط عين مذهبه ولو قال صاحب الكتاب الا بصوم ثلاثة أيام بدل قوله بقضاء ثلاثة أيام لكان أحسن لان الايام الثلاثة لا تقع قضاء وفائتتها يوم وانما الواقع قضاء واحد من الثلاثة واما إذا قضت اكثر من يوم فتضعف ما عليها وتزيد يومين ثم تصوم نصف المجموع ولاء متى شاءت وتصوم مثل ذلك من أول السادس عشر فتخرج عن العهدة مثاله إذا أرادت أن تقضى يومين تضعف وتزيد يومين تكون ستة تصوم ثلاثة متى شاءت ثم ثلاثة من أول السادس عشر فيكفيها لان الثلاثة الاول اما ان تكون في الطهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 [فذاك أولا تكون فان كان كلها في الحيض فغايته الانتهاء الي السادس عشر بتقدير ان يكون الابتداء في اليوم الاول فيقع اليومان الاخيران في الطهر وان كان بعضها في الحيض دون البعض فان كان اليوم الاول في الطهر صح من الثامن عشر وان كان اليومان الاولان في الطهر صحا وان كن اليوم الاخير في مع السادس عشر وإذا كانت تقضى ثلاثة أيام صامت اربعة ولاء ثم أربعة من أول السادس عشر وعلي هذا القياس حتى إذا كانت تقضي اربعة عشر يوما تضعف وتزيد يومين فستوعب الشهر وهو غاية ما يمكن قضاؤه في الشهر الواحد ولذلك لم يحسب من رمضان الا هذا القدر ولو أنها صامت ما عليها علي الولاء متى شاءت من غير زيادة واعادته من أول السابع عشر وصامت بينهما] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 [يومين اما مجتمعين أو غير مجتمعين متصلين بالصوم الاول أو الثاني أو غير متصلين لخرجت عن العهدة أيضا وكل واحد من هذين الطريقين يطرد في قضاء اليوم الواحد لكن الطريق المذكور فيه أخف للقناعة بصوم ثلاثة أيام وعلي هذين الطريقين تصير اربعة وهذا كله في قضاء الصوم الذى لا تتابع فيه اما إذا قضت صوما متتابعا بنذر وغيره فان كان قدر ما يقع في شهر صامته علي الولاء ثم مرة أخرى قبل السابع عشر ثم مرة أخرى من السابع عشر مثاله عليها يومان متتابعان تصوم يومين وتصوم السابع عشر والثامن عشر وتصوم بينهما يومين متتابعين وإذا كان عليها شهران متتابعان صامت مائة واربعين يوما علي التوالى أربعة أشهر لستة وخمسين يوما وعشرين يوما لاربعة أيام فإذا دام طهرها شهرين فذاك والا فقدر شهرين من هذه المدة صحيح لا محالة وتخلل الحيض] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 [لا يقطع التتابع واما إذا كانت تقضي فائتة صلاة أو تريد الخروج عن عهدة منذورة نظر ان كانت واحدة صلتها بغسل متى شاءت ثم تمهل زمانا يسع الغسل وتلك الصلاة وتعيدها بغسل آخر بحيث يقع في خمسة عشر يوما من أول الصلاة المرة الاولى وتمهل من أول السادس عشر قدر الامهال الاول ثم تعيدها بغسل آخر قبل تمام الشهر من المرة الاولى ويشترط أن لا تؤخر الثالث عن أول السادس عشر اكثر من الزمان المتخلل بين آخر المرة الاولى وأول الثانية وهذا كله كما ذكرنا في الصوم والامهال الاول كالافطار اليوم الثاني والامهال الثاني كالافطار السادس عشر وان كانت الصلوات التى تريدها اكثر من واحدة فلها طريقان أحدهما ان تنزلها منزلة الصلاة الواحدة فتصليها على الولاء ثلاث مرات كما ذكرنا في الواحدة وتغتسل في كل مرة للصلاة الاولي وتتوضأ لكل واحدة بعدها ولافرق علي هذا بين ان تكون الصلوات متفقة أو مختلفة والثانى] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 [أن تنظر فيما عليها من العدد ان لم يكن فيه اختلاف فتضعفه وتزيد عليه صلاتين ابدا وتصلي نصف الجملة ولاء ثم النصف الاخر في اول السادس عشر من أول الشروع في النصف الاول مثاله عليها خمس صلوات صبح تضعفها وتزيد صلاتين تكون اثنتى عشر تصلي نصفها وهو ستة متي شاءت ثم ستة في أول السادس عشر وان كان في العدد الذى عليها اختلاف فتصلي ما عليها بانواعه علي الولاء متى شاءت ثم تصلى صلاتين من كل نوع مما عليها بشرط ان يقعا في خمسة عشر يوما] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 [من أول الشروع وتمهل من أول السادس عشر زمانا يسع الصلاة المفتتح بها ثم تعيد ما عليها علي ترتيت فعلها في المرة الاولي مثاله عليها ثلاث صلوات صبح وظهر ان تصلي الخمس متي شاءت ثم تصلى بعدها في الخمسة عشر صبحين وظهرين وتمهل من السادس عشر ما يسع لصبح وتعيد الخمس كما فعلت أولا وفى هذا الطريق تفتقر لكل صلاة الي غسل بخلاف ما ذكرنا في الطريق الاول والطواف بمثابة الصلاة واحدا كان أو عددا وتصلي مع كل طواف ركعتيه ويكفى غسل واحد للطواف مع الركعتين ان لم نوجب الركعتين وان اوجبناهما فثلاثة أوجه أصحها أنه يجب وضوء للركعتين بعد الطواف والثانى يجب غسل آخر لهما والثالث لا يجب لا هذا ولا ذاك ولو بسطنا القول في جميع ذلك لطال وقد فعلته في غير هذا الكتاب] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 [قال [السادس إذا طلقت انقضت عدتها بثلاثة أشهر ولا تقدر تباعد حيضها الي سن اليأس لانه تشديد عظيم] * المتحيرة إذا طلقها زوجها بماذا تعتد: نقلوا عن صاحب التقريب وجها انها تصبر إلى سن اليأس ثم تعتد بالاشهر لان من المحتمل تباعد الحيض ونحن نفرع علي قول الاحتياط فنأخذ في كل حكم بالاسوأ والذى صار إليه المعظم ورواه صاحب الكتاب أن عدتها تنقضي بثلاثة أشهر لان الغالب أن يكون للمرأة في كل شهر حيضة وحمل أمرها على تباعد الحيض وتكليفها الصبر إلى سن اليأس فيه مشقة عظيمة وضرر بين فلا وجه لاحتماله بتجويز مجرد علي خلاف الغالب بخلاف العبادات فان المشقة فيها اهون ثم في كيفية اعتدادها بالاشهر كلام ذكره في كتاب العدة واعلم أن امام الحرمين قدس الله روحه مال إلى رد المتحيرة الي المبتدأة في قدر الحيض وان لم يجعل أول الهلال ابتداء دورها ومما استشهد به هذه المسألة فقال اتفاق معظم الاصحاب علي أنها تعتد] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 [بثلاثة أشهر يدل علي تقريب أمرها من المبتدأة في عدد الحيض والطهر والمعني القاضى برد المبتدأة الي الاقل والغالب يقضى بمثل ذلك في المتحيرة فوجب القول به وهذ توسط بين القول الضعيف وبين الاحتياط التام وفيه تخفيف الامر عليها في المحسوب من رمضان فان غاية حيضها علي هذا التقدير يكون سبعة وأقصي ما يفرض انبساطه على ثمانية أيام فيصح لها من الشهر الكامل اثنان وعشرون يوما وكذلك في قضاء الصوم والصلاة فيكفيها على هذا التقدير إذا كانت تقضى صوم يوم أن تصوم يومين بينهما سبعة أيام لكن الذى عليه جمهور الاصحاب ما تقدم وبالله التوفيق قال [الحالة الثانية أن تحفظ شيئا كما لو حفظت أن ابتداء الدم كان أول كل شهر فيوم وليلة من أول كل شهر حيض بيقين وبعده يحتمل الانقطاع الي انقضاء الخامس عشر فتغتسل لكل صلاة وبعده الي آخر الشهر طهر بيقين فتتوضأ لكل صلاة ولو حفظت أن الدم كان ينقطع عند آخر كل شهر الي المنتصف فاول الشهر طهر بيقين ثم بعده يتعارض الاحتمال ولا يحتمل الانقطاع لان في آخره حيضا بيقين فتتوضأ وتصلى إلى انقضاء التاسع والعشرين واليوم الاخير بليلته حيض بيقين] * إذا حفظت الناسية من عادتها شيئا ونسيت شيئا فالقول الجملي فيها أن كل زمان تتيقن فيه الحيض تثبت فيه أحكام الحيض وكل زمان تتيقن فيه الطهر تثبت فيه أحكام الطهر نعم بها حدث دائم وكل زمان يحتمل الحيض والطهر فهي في الاستمتاع كالحائض وفى لزوم العبادات كالطاهر ثم ان كان ذلك الزمان محتملا للانقطاع أيضا فعليها أن تغتسل لكل فريضة ويجب] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 [الاحتياط علي ما تقتضيه الحال وإذا عرفت هذه المقدمة فنقول: ذكرنا أن الناسية إذا لم تنس القدر والوقت جميعا وحفظت شيئا فمحفوظها اما أن يكون الوقت واما أن يكون القدر أو شئ منه فجعل الحالة الاولى من الحالتين الاخريين في القسم الاول والثانية منهما في القسم الثاني وقوله ان تحفظ شيئا أي من الوقت والادخل فيه الحالة الاخيرة واقتصر ههنا علي ذكر مثالين احدهما لو عينت ثلاثين يوما وذكرت انها كانت يبتدئ بها الدم لاول هذه المدة وكذلك في كل ثلاثين بعدها ولم تعرف شيئا غير ذلك فيوم وليلة من أول الثلاثين حيض بيقين فانه اقل الحيض وبعده يحتمل الحيض والطهر والانقطاع إلى آخر الخامس عشر وبعده إلى آخر الشهر طهر بيقين وكذلك الحكم في كل ثلاثين بعدها والمراد من الشهر في هذه المسائل الايام التى تعينها هي لا الشهر الهلالي والثاني] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 [إذا عينت ثلاثين يوما بلياليها وقالت احفظ ان الدم كان ينقطع لآخر كل شهر فالاول الي انقضاء النصف طهر بيقين لان غاية الممكن افتتاح الحيض من اول ليلة السادس عشر وبعده يحتمل الحيض والطهر دون الانقطاع واليوم الثلاثون والليلة قبله حيض بيقين ويتعلق بهذه الحالة مسائل تشتهر بمسائل الخلط نذكر منها صورتين احداهما الخلط المطلق وهو ان تقول كنت اخلط شهرا بشهر حيضا أي كنت في آخر كل شهر واول ما بعده حائضا فلحظة من اول كل شهر ولحظة من آخره حيض] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 [بيقين ولحظة من آخر الخامس عشر ولحظة من ليلة السادس عشر طهر بيقين وما بين اللحظة من أول الشهر واللحظة من آخر الخامس عشر يحتمل الحيض والطهر والانقطاع وما بين اللحظة من أول ليلة السادس عشر واللحظة من آخر الشهر يحتملهما ولا يحتمل الانقطاع ولو قالت كنت اخلط شهرا بشهر طهرا فليس لها حيض بيقين لكن لها ساعتا طهر بيقين ساعة من آخر كل شهر وساعة من أوله ثم قدر اقل الحيض بعد مضي اللحظتين لا يمكن فيه الانقطاع وبعده يمكن: الثانية لو قالت] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 [كنت اخلط الشهر بالشهر وكنت اليوم الخامس حائضا فلحظة من آخر الشهر الي آخر خمسة أيام من الشهر الثاني حيض بيقين ولحظة من آخر الخامس عشر الي آخر العشرين طهر بيقين وما بينهما كما سبق * قال [الحالة الثالثة إذا قالت اضلت عشرة في عشرين من اول الشهر فالعشر الاخير طهر بيقين وجميع العشرين من اول الشهر يحتمل الحيض والطهر نعم لا يحتمل الانقطاع في العشر] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 [الاول فتتوضأ لكل صلاة ويحتمل في العشر الثاني فتغتسل لكل صلاة ولو قالت اضللت خمسة عشر في عشرين من أول الشهر فالخمسة الثانية والثالثة من اول الشهر حيض بيقين لانها تندرج تحت تقدير التقديم والتأخير جميعا] * الحافظة لقدر الحيض انما تخرج عن التحير المطلق إذا حفظت مع ذلك قدر الدور وابتداءه إذ لو قالت كان حيضي خمسة واضللته في دورى ولا اعرف سوى ذلك فلا فائدة فيما ذكرت لاحتمال الحيض والطهر والانقطاع في كل زمان وكذا لو قالت حيضى خمسة ودورى ثلاثون ولا اعرف ابتداءه] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 [وكذا لو قالت حيضى خمسة وابتداء دورى يوم كذا ولا اعرف قدره وإذا حفظتهما جميعا مع قدر الحيض فاشكال الحال بعد ذلك انما يكون لاضلال الحيض والاضلال قد يكون في جميع الدور وقد يكون في بعضه فان كان الاضلال في كله فكله يحتمل الحيض والطهر وقدر الحيض من اول الدور لا يحتمل الانقطاع وبعده يحتمل الانقطاع ايضا: مثاله قالت دورى ثلاثون ابتداؤها كذا وحيضى عشرة اضلاتها في الثلاثين فعشرة من اولها لاتحمل الانقطاع والباقى يحتمله والكل يحتمل الحيض والطهر: هذا إذا لم تعرف مع ذلك شيئا آخر فان عرفت شيئا آخر فعليها الاحتياط كما تقتضيه الحال: مثاله قالت حيضى احدى عشرات الشهر وقد نسيت عينها فهذا يفارق الصورة السابقة في ان احتمال الانقطاع بعد العشرة الاولي قائم الي آخر الشهر وههنا لا يحتمل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 [الانقطاع الا في آخر كل عشرة من العشرات وان كان الاضلال في بعض الدور فقد ذكر في الكتاب منه صورتين احداهما إذا قالت اضللت عشرة في عشرين من أول الشهر فالعشرة الاخيرة طهر بيقين والعشرون من اوله يحتمل الحيض والطهر ولا يمكن الانقطاع في العشرة الاولى ويمكن في الثانية والثانية قالت اضللت خمسة عشر في عشرين من اول الشهر فالعشرة الاخيرة طهر بيقين والخمسة الثانية والثالثة حيض بيقين لاندراجهما تحت تقدير تقديم الحيض وتأخيره جميعا والخمسة الاولى تحتمل الحيض والطهر دون الانقطاع والرابعة تحتملها جميعا والطهر المتيقن في هاتين الصورتين وقع في الطرف الآخر من الدور وقد يقع في الطرف الاول كما إذا قالت اضللت العشرة أو الخمسة عشر في العشرين من آخر الشهر وقد يقع في الوسط كما إذا قالت كان حيضي] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 [خمسة والدور ثلاثون وكنت اليوم الثالث عشر طاهرا فخمسة من اول الدور تحتمل الحيض والطهر دون الانقطاع وما بعدها يحتملها جميعا الي آخر الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر طهر بيقين ومن أول السادس عشر إلى آخر العشرين يحتمل الحيض والطهر دون الانقطاع ومنه الي آخر الشهر يحتملها جميعا ومتي كان القدر الذى اضلته زائدا على نصف محل الضلال كان لها حيض بيقين من وسطه وقدره ضعف القدر الزائد من الحيض على نصف محل الضلال وان شئت قلت ما يزيد من ضعف قدر الحيمن على كل محل الضلال ففى الاولي من صورتي الكتاب لم يكن قدر الحيض زائدا علي نصف محل الضلال فلم يكن لها حيض بيقين وفى الثانية كان زائدا فلا جرم لها حيض بيقين ومقداره عشرة لان الزائد من قدر الحيض علي نصف محل الضلال خمسة وضعف الخمسة عشرة وبالعبارة الثانية نقول ضعف قدر الحيض ثلاثون ومحل الضلال عشرون والثلاثون تزيد علي العشرين بعشرة *] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 قال [فرع إذا اتسقت عادتها فكانت تحيض في شهر ثلاثا ثم في شهر خمسا ثم في شهر سبعا ثم تعود الي الثلاث علي هذا الترتيب ثم استحيضت ففى ردها الي هذه العادة الدائرة وجهان فان قلنا لا ترد إليها فقد قيل انها كالمبتدأة وقيل انها ترد الي القدر الاخير قبل الاستحاضة وقيل ترد إلى الثلاثة ان استحيضت بعد الخمسة لانها متكررة في الخمسة ولو كانت الاقدار ما سبق من ثلاث وخمس وسبع ولكن لا علي سبيل الاتساق فان قلنا ترد إلى العادة الدائرة فهذه كالتي نسيت النوبة المتقدمة في العادة الدائرة بعد الاستحاضة وحكمها الاحتياط فعليها ان تغتسل بعد الثلاث لان الثلاث حيض بيقين ثم تتوضأ لكل صلاة الي انقضاء الخامس ثم تغتسل مرة اخرى ثم تتوضأ الي انقضاء السابع ثم تغتسل ثم هي طاهر إلى آخر الشهر] * الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 [إذا استمرت للمرأة عادات حيض مختلفة المقادير ثم استحيضت فلا تخلو اما ان تكون متسقة منتظمة أو لا تكون كذلك فهما حالتان احداهما ان تكون منتظمة لا تختلف كما إذا كانت تحيض في شهر ثلاثة ثم في شهر خمسة ثم في شهر سبعة ثم في الشهر الرابع ثلاثة ثم خمسة ثم سبعة وهكذا فهل ترد بعد الاستحاضة الي هذه العادة: وجهان اظهرهما نعم لان تعاقب الاقدار المختلفة قد صار عادة لها فصار كالوقت والقدر المعتادين والثاني لا ترد الي العادة الدائرة لان كل واحد من المقادير ينسخ ما قبله ويخرجه عن الاعتبار ولا فرق على الوجهين بين ان يكون نظم عادتها علي ترتيب العدد كما ذكرنا أو لا يكون كما إذا كانت ترى في شهر خمسة ثم ثلاثة ثم سبعة ثم تعود الي الخمسة ولا فرق ايضا بين ان ترى كل واحدة من العادات مرة كما ذكرنا أو مرتين كما إذا كانت ترى] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 [في شهرين ثلاثة ثلاثة وفى شهرين بعدهما خمسة خمسة وفى شهرين بعدهما سبعة سبعة وقوله في صورة المسألة ثم تعود الي الثلاث علي هذا الترتيب انما ذكر ذلك لانه لو ابتدأ الحيض بها ورأت الافدار الثلاثة في ثلاثة ادوار واستحيضت في الرابع فلا خلاف في انها لا ترد الي تلك الاقدار في ادوارها اما إذا اثبتنا العادة بمرة فلان القدر الاخير ينسخ ما قبله واما إذا لم نثبت فلانه لم يثبت كون العادات المختلفة عادة لها هكذا قاله في النهاية ولهذا قال الائمة اقل ما تستقيم فيه العادة في المثال المذكور في الكتاب ستة اشهر فان كانت ترى هذه الاقدار مرتين مرتين فسنة فإذا محل الوجهين ما إذا تكررت العادة الدائرة فان قلنا ترد إليها فاستحيضت عقيب شهر الثلاثة ردت في أول شهر الاستحاضة إلى الخمسة وفى الثاني الي السبعة وفي الثالث الي الثلاثة وان استحيضت عقيب شهر الخمسة ردت الي السبعة ثم إلى الثلاثة ثم إلى الخمسة وان استحيضت عقيب شهر السبعة ردت إلى الثلاثة ثم إلى الخمسة ثم إلى السبعة وان] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 قلنا لا ترد إليها فقد نقل صاحب الكتاب ثلاثة أوجه احدها انها ترد الي القدر الاخير قبل الاستحاضة ابدا وهذا مبنى على ان العادة تثبت بمرة وتنتقل بمرة والثاني ترد الي القدر المشترك بين الحيضتين المتقدمتين علي الاستحاضة فان استحيضت بعد شهر الخمسة ردت الي الثلاثة وكذا لو استحيضت بعد شهر الثلاثة وان استحيضت بعد شهر السبعة ردت الي الخمسة وهذا الذى بعده خارجان عن قولنا ان العادة لا تثبت بمرة والثالث انها كالمبتدأة لان شيئا من الاقدار لم يصر عادة لها أما إذا لم يتكرر علي حياله ولا عبرة بالتكرار في ضمن عدد اكثر منه فانه حينئذ ليس بحيضة لها ولم ار بعد البحث نقل هذه الوجوه متفرعة علي الوجه الثاني لغير صاحب الكتاب حتى لشيخه امام الحرمين رحمه الله فانه وان ذكر هذه الوجوه فانما ذكرها فيما إذا لم تتكرر العادة الدائرة وقد حكينا ان محل الوجهين ما إذا تكررت فإذا صاحب] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 [الكتاب متفرد بنقل هذه الوجوه تفريعا علي احد الوجهين والذى ذكره غيره تفريعا عليه الرد إلى القدر المتقدم علي الاستحاضة لاغير ثم إذا رددناها إلى القدر المتقدم علي الاستحاضة فهل يجب عليها الاحتياط فيما بين أقل العادات واكثرها فيه وجهان اصحهما لا كذات العادة الواحدة لا تحتاط بعد الرد والثانى نعم لجواز امتداد الحيض إليه فعلي هذا يجتنبها الزوج في المثال المذكور إلى آخر السبعة ثم ان استحيضت عقيب شهر الثلاثة تحيضت من كل شهر ثلاثة ثم تغتسل وتصوم وتصلي وتغتسل مرة أخرى لآخر الخامس ومرة اخرى لآخر السابع وتقتضي صوم السبعة جميعا لانها لم تصم الثلاثة وفيما وراءهما احتمال الحيض قائم وان صامت ولا تقضى الصلاة ايضا لانها حائض في الثلاثة وليس على الحائض قضاء الصلاة وفيما وراءها ان كانت حائضا فلا شئ عليها وان كانت طاهرا فقد] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 [صلت وان استحيضت عقيب شهر الخمسة تحيضت من كل شهر خمسة ثم تغتسل وتصوم وتصلى وتغتسل مرة اخرى لآخر السابع وتقضى صوم الكل وصلوات اليوم الرابع والخامس لاحتمال انها كانت طاهرا فيهما ولم تصل وان استحيضت عقييب شهر السبعة تحيضت من كل شهر سبعة واغتسلت عند انقضاء السابع وتقضى صوم السبعة وصلوات ما وراء الثلاثة المستيقنة من السبعة والله اعلم: هذا كله إذا ذكرت العادة المتقدمة علي الاستحاضة فان نسيتها تحيضت من كل شهرا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 [ثلاثة فانها أقل المقادير التى عهدتها وهى حيض بيقين ثم تغتسل وتصوم وتصلي وتغتسل ايضا في آخر الخامس والسابع وتتوضأ فيما بينهما لكل فريضة كما تفعل المستحاضات ثم هي طاهر بيقين الي آخر الشهر وهل يختص هذا الجواب بقولنا انها ترد الي العادة الدائرة أو هو مستمر على الوجهين جميعا قضية كلام الاكثرين انه مستمر على الوجهين جميعا وكثيرا ما يستوى التفريع] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 530 [علي وجهين مختلفين واطلاق صاحب الكتاب يوافق كلامهم وقال امام الحرمين هو مخصوص بقولنا ترد إلى العادة الدائرة اما إذا قلنا ترد إلى القدر المتقدم على الاستحاضة فمنهم من قال ههنا ترد إلى اقل العادات ومنهم من قال هي كالمبتدأة وقد ذكرنا قولين في المبتدأة أنها هل تؤمر بالاحتياط الي آخر الخمسة عشر فهما جاريان ههنا فيحصل من هذا خلاف في انها هل تحتاط وإذا احتاطت فلا يختص الاحتياط على هذا بآخر اكثر الاعداد (الحالة الثالثة) ان لا تكون تلك] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 531 [العادات منتظمة بل كانت تأتيها مختلفة مرة تتقدم هذه واخرى هذه ذكر امام الحرمين وصاحب الكتاب ان حكم هذه الحالة يبنى على حالة الانتظام ان قلنا ثم لا ترد الي العادة الدائرة فههنا اولى وترد الي القدر المتقدم علي الاستحاضة على هذا وان قلنا ترد ألى العادة الدائرة فعدم الانتظام بمثابة نسيان النوبة المتقدمة علي الاستحاضة فتحتاط كما سبق وقد ذكر غيرهما طرقا في هذه الحالة محصول الخارج منها ثلاثة أوجه اصحها الرد الي القدر المتقدم على الاستحاضة وهذا مبنى] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 532 [علي ان العادة تثبت بمرة: الثاني ان القدر المتقدم عليها ان تكرر مرتين أو ثلاثة ردت إليه وإلا فترد الي الاقل من عاداتها لانه متكرر ومستيقن: الثالث أنها كالمبتدأة ولا نظر الي شئ من تلك العادات ثم قالوا ان قلنا ترد إلى القدر المتقدم علي الاستحاضة أو الي أقل العادات فتحتاط إلى آخر اكثر العادات وان قلنا هي كالمبتدأة ففي الاحتياط الي آخر الخمسة عشر الخلاف المذكور في المبتدأة هذا إذا عرفت القدر المتقدم علي الاستحاضة فان نسيته والعادات غير متسقة فههنا وجهان الذى ذكره الاكثرون الرد إلى اقل العادات والثاني أنها كالمبتدأة فعلي الثاني في الاحتياط] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 533 [الخلاف المذكور في المبتدأة وعلي الاول يجب الاحتياط إلى آخر أكثر العادات وحكي بعضهم أنه يستحب ولا يجب وإذا تأملت ما حكينا حصل عندك جوابان في أنها هل تحتاط في الحالة الثانية سواء عرفت القدر المتقدم علي الاستحاضة أو نسيته إن قلنا تحتاط فذلك الي آخر اكثر المقادير أو إلى آخر الخمسة عشر فيه جوابان ويحصل مثل هذا الخلاف عند النسيان في الحالة الاولي بل عند العلم ايضا لانا روينا فيه الوجهين في الاحتياط آخر اكثر المقادير وذكر في الكتاب وجها أنها كالمبتدأة فيجئ فيه الخلاف المذكور في احتياط المبتدأة أيضا وعند هذا لك] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 534 [ن تعلم قوله وحكمها الاحتياط بالواو للوجه الصائر إلى أنه لا يلزمها الاحتياط وقوله في آخر الباب ثم هي طاهر الي آخر الشهر أيضا للوجه الصائر إلى أنها تحتاط الي آخر الخمسة عشر وقوله فعليها ان تغتسل بعد الثلاث لان الثلاث حيض بيقين أيضا لان من قال بانها كالمبتدأة حيضها يوما وليلة أو ستا أو سبعا ولا يعتبر الثلاث وقوله ثم تتوضأ إلى آخر الخامس وإلى آخر السابع أيضا للوجه الذاهب الي أنها تحتاط في جميع الخمسة عشر واعلم ان الصحيح من هذا الخلاف عند العلم في حالة انتظام العادات أنها لا تحتاط والصحيح عند النسيان وفى حالة عدم الانتظام انها تحتاط] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 [لكن إلى آخر اكثر الاقدار لا الي تمام الخمسة عشر ولهذا خلط في الكتاب الحالة الثانية بصورة النسيان من حال الانتظام والله أعلم * قال [الباب الرابع في التلفيق] فإذا انقطع دمها يوما يوما وانقطع علي الخمسة عشر ففى قول تلتقط أيام النقا وتلفق (ح) ويحكم بالطهر فيه والقول الاصح انا نسحب (م) حكم الحيض علي أيام] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 [النقاء ونجعل ذلك كالفترات بين دفعات الدم لان الطهر الناقص فاسد كالدم الناقص] * إذا انقطع دم المرأة وكانت ترى يوما دما ويوما نقاء أو يومين ويومين فلا يخلو اما أن ينقطع قبل مجاوزة الخمسة عشر أو يجاوزها فهما قسمان الاول أن ينقطع ولا يجاوز ففيه قولان احدهما وبه قال مالك واحمد أنها نلتقط أيام النقاء وتلفق ويحكم بالطهر فيها وحيضها أزمنة الدم لا غير لقوله تعالي] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 [ولا تقوبوهن حتى يطهرن أي ينقطع دمهن وقد انقطع فوجب ان يجوز القربان ولانه لا يحكم في أيام الدم حقيقة بالطهر فكذلك لا يحكم في أيام النقاء حقيقة بالحيض توفيرا لحكم كل واحدة من الحالتين عليها ولا شك أن أزمنة النقاء لا تجعل اطهارا في حق انقضاء العدة بها والطلاق فيها] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 538 [لا يخرج عن كونه بدعيا فقولنا نحكم بالطهر فيها على هذا القول أي في الصوم والصلاة والاغتسال ونحوها والثانى وبه قال أبو حنيفة ان حكم الحيض ينسحب على ايام النقاء فتحيض فيها جميعا لان زمان النقاء ناقص عن أقل الطهر فيكون حيضا كساعات الفترة بين دفعات الدم ولان ازمنة النقاء] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 [لو كانت طهرا فاما ان يكون كل واحد منها طهرا وحده أو مجموعها طهرا واحدا فان كان الاول وجب انقضاء العدة بواحد بثلاثة منها وان كان الثاني وجب ان تفرقها على جميع الشهر حتي لا تكون مستحاضة مع مجاوزة الدم بصفة التقطع وليس كذلك والقول الاول اصح عند الشيخ ابي حامد وطائفة من اصحابنا العراقيين لكن ما عليه المعظم ان الثاني اصح علي ما ذكره في الكتاب وبه قال القاضي أبو الطيب الطبري وموضع القولين ما إذا كانت مدة الانقطاع زائدة علي الفترات المعتادة بين دفعات الدم فانه لا يسيل دائما في الغالب فان لم يزد عليها فلا خلاف في كون الكل حيضا وهذا بين من الحاقه ايام النقاء علي قول السحب بها وقد قال امام الحرمين في الفرق بينهما دم الحيض يجتمع في الرحم ثم الرحم يقطره شيئا فشيئا فالفترة ما بين ظهور دفعة وانتهاء اخرى من] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 540 [الرحم إلى المنفذ فما زاد علي ذلك فهو النقاء الذى فيه القولان وربما يتردد الناظر في ان مطلق الزائد علي المدة المذكورة هل تخرج عن حد الفترات المعتادة لان تلك المدة يسيرة والله أعلم بالصواب: ولا فرق على القولين بين ان يكون قدر الدم اكثر من قدر النقاء أو قدر النقاء اكثر أو يكونا متساويين وإذا رأت صفرة أو كدرة بين سوادين وقلنا الصفرة في غير ايام العادة ليست حيضا فهو من صور التقطع * قال [ولكن نسحب حكم الحيض علي النقاء بشرطين (أحدهما) أن يكون النقاء محتوشا بدمين في الخمسة عشر حتى لو رأت يوما وليلة دما وأربعة عشر نقاء ورأت في السادس عشر دما فالنقاء مع] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 541 [ما بعده من الدم طهر لانه ليس محتوشا بالحيض في المدة (والثانى) أن يكون قدر الحيض في المدة الخمسة عشر تمام يوم وليلة وإن تفرق بالساعات وقيل أن كل دم ينبغى أن يكون يوما وليلة وقيل لا يشترط ذلك بل لو كان المجموع قدر نصف يوم صار الباقي حيضا] * غرض الفصل بيان قاعدتين يشرطان علي قول السحب احدهما لابد من كون النقاء محتوشا بدمين في الخمسة عشر ليثبت لهما حكم الحيض ثم ينسحب علي ما بينهما أما النقاء الذى لا يقع بين دمين فهو طهر لا محالة وضرب له في الكتاب مثالا وهو ما إذا رأت يوما وليلة دما واربعة عشر نقاء ورأت في السادس عشر دما فالاربعة عشر طهر إذ ليس بعدها دم محكوم له بالحيض حتى ينسحب حكمه على النقاء وإنما شرط في هذا المثال أن تري الليلة دما مع اليوم لانه لا دم] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 542 [في الخمسة عشر سوى ما رأته أولا فلو كان في اليوم وحده لما كان لها حيض أصلا وحينئذ لا يقتصر الطهر علي الاربعة عشر وما بعدها بل يعم الكل ولا يخفى ان الغرض من قوله فالنقاء مع ما بعده من الدم طهر التسوية بينهما في نفى الحيض لا في احكام الطهارة مطلقا فانها مستحاضه في زمان الدم دون ايام النقاء ولك ألا تستحسن هذا المثال في هذا الموضع لانه الآن يتكلم فيما إذا لم يجاوز الدم الخمسة عشر وفى هذه الصورة قد جاوز واللائق غير هذا المثال نحو ما إذا رأت يوما دما ويوما نقاء الي الثالث عشر ولم يعد الدم في الرابع عشر والخامس عشر طهر لان النقاء فيهما غير محتوش بدمين في الخمسة عشر (الثانية) الدماء المتفرقة أما أن يبلغ مجموعها أقل الحيض أولا يبلغ فان بلغ مجموعها أقل الحيض نظر ان بلغ الاول والآخر كل واحد منهما أقل الحيض ففيه القولان] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 [وحكى أبو عبد الله الحناطي طريقا آخر أن ازمنة النقاء في هذه الحالة حيض بلا خلاف والقولان فيما إذا لم يبلغ كل واحد من الطرفين الاقل وإن لم يبلغ واحد منها أقل الحيض كما إذا رأت نصف يوم دما ومثله نقاء وهكذا إلي آخر الخمسة عشر ففيه ثلاثة طرق أصحها طرد القولين علي قول التلفيق حيضها أنصاف الدم سبعة ونصف وعلى قول السحب حيضها أربعة عشر ونصف لان النصف الاخير لا يتخلل بين دمين في المدة والثانى لا حيض لها وكل ذلك دم فساد لان جعل النقاء حيضا خلاف الحقيقة إنما يصار إليه إذا تقدم أقل الحيض أو تأخر اقله أو وجد إحدهما حتي استتبع النقاء والثالث ان توسطهما قدر أقل الحيض علي الا تصل كفى ذلك لحصول القولين وإلا فكلهما دم فساد وان بلغ احدهما أقل الحيض دم الآخر فثلاثة طرق أيضا اصحها طرد القولين والثانى أن] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 544 [الذى بلغه حيض وما عداه دم فساد والثالث ان بلغ الاول أقل الحيض فهو ما سواه حيض وان بلغ الآخر الاقل فهو حيض دون ما عداه والفرق أن الحيض في الابتداء أقوي وأدوم هذا كله إذا بلغ مجموع الدماء أقل الحيض أما إذا لم يبلغ فطريقان اظهرهما أنه علي القولين ان قلنا بالتلفيق فلا حيض لها بل دم فساد وان قلنا بالسحب فكذلك علي أظهر الوجهين والثانى أن الدماء وما بينها حيض والثانى القطع بان لا حيض لها وإذا تأملت ما ذكرناه حصل عندك في القدر المعتبر من الدمين ليجعل ما بينهما حيضا على قول السحب ثلاثة أوجه كما ذكر في الكتاب أظهرها وبه قال أبو بكر المحمودى أنه يشترط أن يكون مجموع الدماء قدر أقل الحيض ولا بأس بتفرقها ونقصان كل واحد منها وقوله ان يكون قدر الحيض في المدة الخمسة عشر تمام يوم ليلة عبارة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 545 [عن هذا الوجه وأراد بالحيض الدم وإلا فالنقاء حيض ايضا علي قول السحب والثانى أنه يشترط مع ذلك أن يكون كل واحد من الدمين قدر أقل الحيض حتى لو رأت دما ناقصا عن الاقل ودمين آخرين غير ناقصين فالاول دم فساد والآخران وما بينهما من النقاء حيض وقوله أن كل دم ينبغى أن يكون يوما وليلة لا نعنى به كل دم في الخمسة عشر إذ لا يشترط في الدماء المتوسطة ذلك وانما المراد كل دم من الاول والآخر والثالث وبه قال الانماطى أنه لا يشترط شئ من ذلك بل لو كان مجموع الدماء نصف يوم أو أقل فهي وما بينها من النقاء حيض على القول الذى نتكلم فيه وقوله صار الباقي حيضا أي الباقي من الخمسة عشر بشرط أن يكون متخللا بين الدمين ويحصل مما سبق وجه رابع وهو أنه لا يشترط أن يكون كل واحد من الدمين أقل الحيض لكن] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 [يشترط بلوغ أولهما هذا الحد ووجه خامس وهو أنه يشترط أن يكون احدهما أقل الحيض أما الاول أو الآخر ووجه سادس وهو أنه يشترط ذلك أما في الاول أو الآخر أو الوسط * قال [فرع المبتدأة إذا أنقطع دمها فتؤمر بالعبادة في الحال وإذا استمر التقطع ففى الدور الثالث لا تؤمر بالعبادة وفى الثاني تبنى علي أن العادة هل تثبت بمرة واحدة] * المبتدأة إذا انقطع الدم فكما انقطع وهو بالغ أقل الحيض لزمها ان تغتسل وتصوم وتصلي ولها ان تطوف وللزوج أن يغشاها لافرق في كل ذلك بين القولين لانها لا تدري هل يعود الدم أم لا والظاهر استمرار العدم وفى الغشيان وجه أنه لا يجوز ثم إذا عاد الدم تركت الصوم والصلاة وامتنعت عن الوطئ وتبين علي قول السحب وقوع الوطئ والعبادات في الحيض لكن] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 547 [لا يأثم بالوطئ وتقضي الصوم والطواف دون الصلاة وعلي قول اللقط والتلفيق ما مضي صحيح ولا قضاء وهذا الحكم في الانقطاع الثاني والثالث وسائر الانقطاعات في الخمسة عشر وفيه وجه ان في سائر الانقطاعات يبنى الامر على أن العادة بماذا تثبت فإذا ثبتت توقفنا في الغسل وسائر العبادات ارتقابا للعود واما في الدور الثاني وما بعده من الادوار فعلي قول التلفيق لا يختلف الحم وعلي قول السحب في الدور الثاني طريقان أصحهما أنه يبنى علي الخلاف في العادة ان أثبتناها بمرة فقد عرفنا التقطع بالدور الاول فلا تغتسل ولا تصلى ولا تصوم حملا علي عود الدم فان لم يعد بان أنها كانت طاهر افتقضى الصوم والصلاة جميعا وان لم نثبتها بمرة فالحكم كما سبق في الشهر الاول وفى الدور الثالث وما بعده تثبت العادة بمرتين سابقتين فلا تغتسل إذا انقطع الدم ولا تصلى] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 548 [ولا تصوم وقد حكينا وجها من قبل أن العادة لا تثبت الا بثلاث مرات ولا يخفى قياسه والطريق الثاني ويحكى عن أبى زيد أن التقطع وان تكرر مرات كثيرة فالحكم في المرة الاخيرة كما في الاولي لان الدم إذا انقطع فبناء الحكم على عوده وترك العبادات بعيد وقوله في الكتاب المبتدأة إذا انقطع دمها فتؤمر بالعبادة يجوز أن يراد به الانقطاع الاول وحده ويجوز أن يراد به كل انقطاع يتفق في الدور الاول وعلى التقدير الثاني ينبغي ان يعلم قوله فتؤمر بالعبادة بالواو للوجه الصائر إلى بنائه علي الخلاف في العادة وقوله ففى الدور الثالث لا تؤمر بالعبادة ينبغي أن يعلم بالواو لشيئين أحدهما الوجه الذاهب الي أن العادة تثبت بثلاث مرات والثانى الطريقة المنسوبة الي أبي زيد وكذلك قوله وفى الثاني يبنى علي ان العادة هل تثبت بمرة لطريقة أبى زيد: هذا كله إذا كان الانقطاع بعد] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 549 [بلوغ الدم أقل الحيض اما إذا رأت المبتدأة نصف يوم دما وانقطع وقلنا بطرد القولين فعلى قول السحب لا غسل عليها عند الانقطاع الاول لانه ان عاد الدم في الخمسة عشر فالنقاء الذى رأته بعد ذلك الدم حيض أيضا وان لم يعد فهو دم فساد ولكن تتوضأ وتصلي وفى سائر الانقطاعات إذا بلغ مجموع ما سبق دما ونقاء أقل الحيض يصير الحكم على ما سبق في الحالة الاولي وعلي قول التلفيق لا يلزمها الغسل أيضا في الانقطاع الاول علي أظهر الوجهين لانا لا ندرى هل هو حيض أم لا والثاني يجب احتياطا كما يجب على الناسية احتياطا وفي سائر الانقطاعات إذا بلغ ما سبق من الدم وحدة أقل الحيض يلزمها الغسل وقضاء الصوم والصلاة وحكم الدور الثاني والثالث علي القولين جميعا كما ذكرنا في الحالة الاولى هذا تمام القسم الاول وهو أن لا يجاوز الدم المتقطع خمسة عشر يوما *] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 550 [قال [اما إذا جاوز الدم خمسة عشر يوما صارت مستحاضة فلها أربعة أحوال (الاولى) المعتادة فان كانت تحيض خمسا وتطهر خمسا وعشرين فجاءها الدور وأطبق الدم مع التقطع وكانت ترى الدم يوما وليلة والنقاء كذلك فعلى قول السحب نحيضها خمسة من أول الدور لان النقاء فيه محتوش بالدم ولو كانت عادتها يوما وليلة فاستحيضت وكانت ترى يوما دما وليلة نقاء وهكذا ففيه اشكال لان اتمام الدم بالنقاء عسير إذ ليس محتوشا بدمين في وقت العادة لا يمكن تكميل اليوم بالليلة فقد قيل ههنا تعود الي قول التلفيق فيلتقط النقاء من الحيض وقيل لا حيض لها أصلا وقيل يسحب حكم الحيض علي ليلة النقاء ويضم اليوم الثاني إليه فيكون قد ازداد حيضها] * إذا جاوز الدم بصفة التلفيق الخمسة عشر فقد صارت مستحاضة كغير التلفيق إذا جاوز] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 551 [دمها هذه المدة ولا صائر الي الالتقاط من جميع الشهر وان لم يزد مبلغ الدم علي اكثر الحيض وإذا صارت مستحاضة ووقعت الحاجة إلى الفرق بين حيضها واستحاضتها فالمرجع إلى العادة والتمييز كما في غير ذات التلفيق وقال محمد ابن بنت الشافعي ان اتصل الدم المجاوز بالدم في آخر الخمسة عشر فالامر كذلك وان انفصل عنه بنقاء متخلل فالمجاوز استحاضة وجميع ما في الخمسة عشر من الدماء إما وحدها أو مع النقاء المتخلل علي اختلاف القولين حيض مثال ما إذا اتصل رأت ستة دما وستة نقاء وجاوز فالدم متصل ههنا من آخر الخامس باول السادس ومثال ما إذا انفصل رأت يوما دما ويوما نقاء وجاوز فهذه ترى الدم في الخامس عشر وتكون نقية في السادس عشر فعنده جميع الخمسة عشر حيض على قول السحب وما فيها من الدماء علي قول اللقط وما جاوز الخمسة عشر استحاضة وبه قال أبو بكر المحمودى وغيره والمذهب الاول ثم جعل صاحب الكتاب المستحاضات في هذا الباب أربعا إحداهن الناسية وفى غير ذات التلفيق ذكر أربعا دون الناسية وليس ذلك لاختلاف] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 [عددهن بالتقطع وعدم التقطع لكن حذف ذكر المعتادة المميزة ههنا لان الوقوف علي حكمها سهل المأخذ من حيث أن الكلام في أن أي المعنيين يرجح من العادة والتمييز وقد سبق في غير ذات التلفيق ولا فرق فيه بين حالة التقطع وعدم التقطع وإذا رجحنا أحد المعنيين فهى كالمنفردة بتلك الصفة: المستحاضة الاولي المعتادة الحافظة لعادتها وعادتها السابقة علي ضربين (احدهما) وهو الذى ذكر مثاله في الكتاب العادة التي لا تقطع فيها لكل عادة ترد إليها عند الاطبقاق والمجاوزة ترد إليها عند التقطع والمجاوزة ثم على قول السحب كل دم يقع في أيام العادة وكل نقاء يتخلل بين دمين فيها حيض واما النقاء الذى لا يتخلل بين دمين فيها لا يكون حيضا وأيام العادة ههنا بمثابة الخمسة عشر عند عدم المجاوزة فلا يعدل عنها وعلي قول التلفيق أزمنة النقاء طهر وفيما يجعل حيضا لها وجهان أظهرهما] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 [أن قدر عادتها من الدماء الواقعة في الخمسة عشر حيض لها فان لم تبلغ الدماء في الخمسة عشر قدر عادتها جعل الموجود حيضا ووجهه أن المعتادة عند الاطباق مردودة الي قدر عادتها وقد أمكن ردها هنا إلى قدر العادة فيصار إليه والثاني أن حيضها ما يقع من الدماء في أيام العادة لا غير لان حكم الحيض عند الاطباق انما يثبت الدماء الموجود في أيام العادة فكذلك ههنا مثاله كانت تحيض خمسة علي التوالي من كل ثلاثين فجاءها دور تقطع فيه الدم والنقاء يوما ويوما وجاوز الخمسة عشر فعلى قول السحب نحيضها خمسة من أول الدور وما فيها من النقاء محتوش بالدم في أيام العادة فينسحب عليه حكم الحيض وعلى قول التلفيق وجهان أظهرهما أن حيضها الاول والثالث والخامس والسابع والتاسع وتجاوز أيام العادة محافظة علي القدر والثاني أن حيضها الاول والثالث] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 والخامس لا غير ولو كانت تحيض ستة علي التوالى ثم استحيضت والدم منقطع كما وصفنا فعلي قول السحب لا نردها الي الستة لان النقاء في اليوم السادس غير محتوش بدمين في أيام العادة وعلى قول التلفيق حيضها علي الوجه الاول الايام الخمسة والحادي عشر أيضا وعلي الوجه الثاني الاول والثالث والخامس لا غير ولو انقلبت عادتها بتقدم أو تأخر ثم استحيضت عاد الخلاف كما ذكرنا في حالة الاطباق وكذا الخلاف فيما يثبت به العادة مثال التقدم كانت عادتها خمسة من ثلاثين كما ذكرنا فرأت في بعض الشهور اليوم الثلاثين دما واليوم الذى بعده نقاء وهكذا تقطع دمها وجاوز الخمسة عشر فعن ابى اسحق انها تراعى أيامها المتقدمة وما قبلها استحاضة فعلي قول السحب حيضها اليوم الثاني والثالث والرابع وعلي قول اللقط حيضها اليوم الثاني والرابع لاغير] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 [وظاهر المذهب أن العادة تنتقل بمرة واحدة واليوم الثلاثون حيض فعلى قول السحب حيضها خمسة متوالية من الثلاثين وعلي قول اللقط حيضها اليوم الثلاثون والثاني والرابع أن لم يجاوز أيام العادة وان جاوز ضممنا إليها السادس والثامن ومثال التأخر ما إذا رأت في المثال المذكور اليوم الاول في بعض الادوار نقاء ثم تقطع عليها الدم والنقاء من اليوم الثاني وجاوز فعند أبي اسحق الحكم علي ما ذكرنا في الصورة السابقة وعلى ظاهر المذهب ان فرعنا علي قول السحب فحيضها خمسة علي التوالى من اليوم الثاني وان فرعنا علي قول اللقط فان لم يجاوز أيام العادة فحيضها الثاني والرابع والسادس وان كنا خارجا عن أيام العادة القديمة لكن بالتأخر قد انتقلت غادتها وصار أول الخمسة الثاني وآخرها السادس وان جاوزنا أيام العادة فحيضها هذه الايام مع الثامن] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 [والعاشر ولا يخفى ان قدر طهرها السابق علي الاستحاضة في هذه الصورة قد صار ستة وعشرين وفى صورة التقدم أربعة وعشرين ولو لم يتقدم الدم في المثال المذكور ولا تأخر لكن انقطع الدم والنقاء عليها يومين يومين فلا يعود خلاف أبى اسحق ويبنى الحكم على قول التلفيق ان سحبنا فحيضها خمسة أيام ولاء واليوم السادس استحاضة كالدماء التى بعده وان لقطنا فان لم يجاوز أيام العادة فحيضها اليوم الاول والثاني والخامس لاغير وان جاوز ضممنا إليها السادس والتاسع وحكي وجه ان الخامس لا يجعل حيضا علي قولنا بعدم المجاوزة ولا التاسع على قولنا بالمجاوزة لانهما متصلان بدم الاستحاضة فيضعفان بضعفه ويجرى هذا الوجه في كل نوبة دم يخرج بعضها عن أيام العادة ان اقتصرنا علي ايام العادة وعن الخمسة عشر ان جاوزنا ايام العادة وإذا عرفنا قدر حيض هذه المستحاضة علي اختلاف الاحوال فكم مدة طهرها بعد الحيض الي استئناف حيضة أخرى ينظر أن كان التقطع بحيث ينطبق الدم علي أول الدور: ابتداء الحيضة الاخرى وان] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 [لم ينطبق فابتداء حيضها أقرب نوب الدماء إلى أول الدور تقدمت أو تأخرت فان استوتا في التقدم والتأخر فابتداء حيضها النوبة المتأخرة ثم قد يتفق التقدم أو التأخر في بعض أدوار الاستحاضة دون بعض وإذا أردت أن تعرف هل ينطبق الدم علي أول الدور أم لا فخذ نوبة دم ونوبة نقاء واطلب عددا صحيحا يحصل من ضرب مجموع النوبتين فيه مقدار دورها فان وجدته فاعرف انطباق الدم علي أول الدور والا فاضربه في عدد يكون مردوده أقرب الي دورها زائدا كان أو ناقصا واجعل حيضها الثاني أقرب الدماء إلى أول الدور فان استوى طرفا الزيادة والنقصان فالاعتبار بالزائد ولنوضح ذلك بامثله: عادتها خمسة من ثلاثين وتقطع الدم يوما ويوما في بعض الادوار وجاوز فنوبة الدم يوم ونوبة النقاء مثله وانت تجد عددا لو ضربت الاثنين فيه كان الحاصل ثلاثين وهو خمسة عشر فاعرف أن الدم ينطبق على أول دورها ابدا مادام التقطع بهذه الصفة ولو كانت المسألة بحالها وتقطع الدم والنقاء يومين يومين فلا تجد عددا يحصل من ضرب أربعة فيه ثلاثون فاطلب ما يقرب الحاصل من الضرب فيه من ثلاثين وههنا عدد ان سبعة وثمانية ان ضربت الاربعة في سبعة رد ثمانية وعشرين وان ضربتها في ثمانية رد اثنين وثلاثين والتفاوت في طرفي الزيادة والنقصان واحد فخذ بالزيادة واجعل أول الحيضة الاخرى الثالث والثلاثين وحينئذ يعود ما سبق نقله من خلاف أبي اسحق لتأخر الحيض عن أول الدور فحيضها عنده في أول الدور الثاني] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 558 [هو اليوم الثالث والرابع لاغير علي قولي التلفيق جميعا وأما على قول السحب فلان ما قبلهما وما بعدهما نقاء لم يتخلل بين دمين في أيام العادة وأما على قول اللقط فلانه ليس لها في أيام العادة دم الا في هذين اليومين وأما علي ظاهر المذهب فان فرعنا على السحب حيضناها من اليوم الثالث خمسة علي التوالي وان فرعنا علي اللقط فان جاوزنا أيام العادة فحيضها الثالث والرابع والسابع والثامن والحادي عشر وان لم يجاوزها فحيضها الثالث والرابع والسابع لا غير ثم في الدور الثالث ينطبق الدم علي أول الدور فلا يبقى خلاف ابي اسحق ويكون الحكم كما ذكرنا في الدور الاول وفى الدور الرابع يتأخر الحيض ويعود الخلاف وعلى هذا أبدا ولم نر أحدا يقول إذا تأخر الدم في الدور الثاني بيومين فقد صار أول أدوار المجلوزة اثنين وثلاثين فنجعل هذا العدد دورا لها تفريعا علي أن العادة تثبت بمرة وحينئذ ينطبق الدم على أول الدور أبدا لانا نجد عددا يحصل من ضرب الاربعة فيه هذا العدد وهو ثمانية ولو قال به قائل لما كان به باس فان قلت هذا الدور حدث في زمان الاستحاضة فلا عبرة به قلنا لا نسلم فانا قد نثبت عادة المستحاضة مع دوام العلة الا ترى أن المستحاضة المميزة يثبت لها بالتمييز عادة معمول بها ولو كانت المسألة بحالها ورأت ثلاثة دما وأربعة نقاء فمجموع النوبتين سبعة فلا نجد عددا إذا ضربت السبعة فيه رد ثلاثين فاضربه في اربعة ليرد ثمانية وعشرين واجعل أول الحيضة الثانية التاسع والعشرون ولا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 [تضربه في خمسة فانه يرد خمسة وثلاثين وذلك أبعد من الدور وعند ذلك يتقدم الحيض علي أول الدور فعلي قياس ابى اسحق ما قبل الدور استحاضة وحيضها اليوم الاول علي قولي التلفيق جميعا وقياس ظاهر المذهب لا يخفى ولو كانت عادتها قديما ستة من ثلاثين وتقطع الدم في بعض الادوار سته ستة وجاوز ففي الدور الاول حيضها الستة الاولي بلا خلاف واما في الدور الثاني فانها ترى ستة من أوله من أوله نقاء وهى أيام عادتها فعند أبى اسحاق لا حيض لها في هذا الدور أصلا وأما سائر الاصحاب فقد حكي امام الحرمين في هذه الصورة عنهم وجهين أظهرهما انا نحيضها الستة الثانية على قولي السحب واللقط جميعا والثاني أن يحضها الستة الاخيرة من الدور الاول لان الحيضة إذا فارقت محلها فقد تتقدم وقد تتأخر والستة الاخيرة قد تخلل بينها وبين الحيضة التى قبلها طهر كامل فتحيض فيها ونحكم بنقصان طهرها السابق ويجئ هذا الوجه حيث خلا جميع أيام العادة عن الحيض: هذا كله] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 [إذا لم ينقص الدم الموجود في زمان العادة عن أقل الحيض اما إذا نقص كما إذا كانت عادتها يوما وليلة فرأت في بعض الادوار يوما دما وليلة نقاء واستحيضت قال صاحب الكتاب فهذا فيه اشكال يعنى علي قول السحب لان اتمام الدم بالنقاء عسير لانه غير محتوش بالدم في وقت العادة ولا يمكن الاقتصار علي اليوم الواحد ولا تكميله باليوم الثاني فان مجاوزة العادة علي قول السحب مما لا يجوز فبماذا نحكم فيه ثلاثة أوجه اظهرها أنه لا حيض لها في هذه الصورة لتعذر الاقسام وبه قال أبو اسحق والثانى انها تعود في هذه الصورة إلى قول التلفيق ونستثنيها عن قول السحب لانه يبعد ان يقال لا حيض لها وهى ترى الدم شطر دهرها علي صفة الحيض وبهذا قال ابو بكر المحمودى والثالث انا نحيضها اليوم الاول والثانى والليلة بينهما وليس فيه الا زيادة حيضها وهو اقرب الاقسام والاحوال وهذا الوجه ذكره الشيخ أبو محمد واما على قول التلفيق فلا حيض لها ان لم نجاوز أيام العادة وان جاوزناها حيضناها في اليوم الاول والثاني وقلنا الليلة بينهما طهر: الضرب الثاني العادة المنقطعة فإذا استمرت لها عادة منقطعة قبل الاستحاضة ثم استحيضت مع التقطع فننظر ان كان التقطع بعد الاستحاضة كالتقطع قبل الاستحاضة فمردها قدر حيضها علي اختلاف القولين مثاله: كانت تري ثلاثة دما واربعة نقاء وثلاثة دما وتطهر عشرين ثم استحيضت والتقطع بهذه الصفة فعلي قول السحب كان حيضها عشرة قبل الاستحاضة فكذلك بعدها وعلي قول اللقط كان حيضها ستة يتوسط بين نصفيها أربعة فكذلك الآن وان اختلفت كيفية التقطع كما إذا انقطع الدم عليها في المثال المذكور في بعض الادوار يوما يوما واستحيضت فعلى قول السحب حيضها الآن تسعة أيام لانها جملة الدماء الموجودة في أيام العادة وما بينها من النقاء واليوم العاشر نقاء لم يتخلل بين دمين في وقت العادة وعلي قول اللقط أن لم يجاوز أيام العادة فحيضها اليوم الاول والثالث والتاسع إذ ليس لها في أيام حيضها القديم على هذا القول دم الا في هذه الثلاثة وان جاوزناها ضممنا إليها الخامس] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 [والسابع والحادي عشر تكميلا لقدر حيضها قال [الثانية المبتدأة فإذا رأت النقاء في اليوم الثاني صامت وصلت وهكذا تفعل مهما رأت النقاء إلى خمسة عشر فإذا جاوز الدم ذلك تبين أنها مستحاضة ثم مردها أما يوم وليلة وأما أغلب عادات النساء في حقها كالعادة في حق المعتادة] * ذكرنا أن المبتدأة إذ انقطع عليها الدم تصوم وتصلي عند الانقطاع الاول وهكذا في سائر الانقطاعات الواقعة في الخمسة عشر وقد اشتمل الفرع المذكور قبل تقسيم المستحاضات على ما ذكره في هذا الموضع أو علي بعضه لان قوله ثم إذا انقطع دمها تؤمر بالعبادة في الحال ان أراد به كل الانقطاع فهو والمذكور في هذا الموضع شئ واحد وان أراد به الانقطاع الاول فهو قوله ههنا: وإذا رأت النقاء في اليوم الثاني صامت وصلت: وليكن قوله وهكذا تفعل مهما رأت النقاء معلما بالواو لما بيناه في شرح] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 [ذلك الفرع ثم إذا جاوز دمها بصفة التقطع الخمسة عشر تبين أنها مستحاضة فان قلنا المبتدأة ترد إلى يوم وليلة وهو الاصح وكان تقطع الدم والنقاء عليها يوما يوما فحيضها (يوم وليلة والباقى طهر وان قلنا أنها ترد إلى ست أو سبع فعلى قول السحب ان رددناها الي ست فحيضها) خمسة علي التوالي لان اليوم السادس نقاء لم يحتوشه دمان في المرد وان رددناها إلى سبع فحيضها سبعة على التوالي علي قول اللقط ان لم يجاوز ايام العادة ورددناها إلى ست فحيضها اليوم الاول الثالث والخامس وان رددناها إلى سبع ضممنا اليوم السابع إلى هذه الايام وان جاوزنا ايام العادة ورددناها الي ست فحيضها ست من ايام الدماء وان رددناها إلى سبع فحيضها سبعة منها وكل هذا علي ما تقدم في المعتادة فلذلك قال ومردها في حقها كالعادة في حق المعتادة وابتداء الحيضة الثانية طريقه]   ما بين القوسين في بعض النسخ فقط ولا يصح المعني بدونه فتأمل ها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 [ما ذكرنا في المعتادة ثم إذا كانت تصلى وتصوم في ايام النقاء حتى جاوز الدم الخمسة عشر وتتركهما في ايام الدم كما امرناها به فلا خلاف في أنها تقضي صيام ايام الدم بعد المرد وصلواتها لانها تركتهما رجاء الانقطاع قبل الخمسة عشر فإذا جاوزها الدم وتبين الطهر في تلك الايام فلا بد من قضاء العبادة المتروكة واما صلوات ايام النقاء وصيامها فعلى قول اللقط لا حاجة الي قضائها اصلا واما على قول السحب فلا حاجة ايضا الي قضاء الصلوات لانها ان كانت طاهرا فقد صلت وان كانت حائضا فلا صلاة عليها وفى صومها قولان أظهرهما انها لا تقضى أيضا كما في الصلاة والثاني تقضي لانها صامت علي تردد في صحته وفساده فلا يجزيها بخلاف الصلاة فان الصلاة أن لم تصح لم يجب قضاؤها إذ لا يجب قضاء الصلاة على الحائض ثم منهم من بنى القولين علي القولين فيما إذا صلى خنثي خلف امرأة وأمرناه بالقضاء فلم يقض حتي] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 564 [بان كون امرأة هل يلزمه القضاء لان العبادة في الصورتين مؤداة على التردد في صحتها وفسادها وقال الاكثرون هما مبنيان علي القولين المذكورين في أن المبتدأة هل تحتاط بعد المرد إلى آخر الخمسة عشر أم لا ان قلنا تحتاط وجب القضاء مع الاداء وإلا فلا قالوا ولو كان الخلاف مبنيا علي مسألة الخنثى لكان مخصوصا بالشهر الاول من شهور الاستحاضة لثوبت الاستحاضة بعد ذلك الشهر وارتفاع التردد والخلاف مطرد في الادوار كلها خرج من هذا انا ان حكمنا باللقط لم تقض من الخمسة عشر الا صلوا ت سبعة ايام وصيامها ان رددنا المبتدأة إلى يوم وليلة وهى ايام الدم سوى اليوم الاول وان رددناها إلى ست أو سبع فان لم تجاوز أيام العادة وكان الرد إلى ست قضتها] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 565 [من خمسة ايام وان ردت الي سبع فمن أربعة أيام وان جاوزناها وردت الي ست قضتها من يومين وان ردت إلى سبع فمن يوم واحد واما ان حكمنا بالسحب فان رددناها الي يوم واحد قضت صلوات سبعة ايام وهى ايام الدم سوى اليوم الاول ولا تقضى غير ذلك وفى الصوم قولان اظهرهما لا تقضى الا صيام ثمانية ايام وهي ايام الدم كلها والثانى تقضى صيام الخمسة عشر ولفظ الوسيط تعبير عن القول الاول أنه لا يلزمها إلا قضاء تسعة أيام في رمضان لانها صامت سبعة في أيام النقاء من الشطر الاول ولولا ذلك النقاء لما لزمها إلا ستة عشر فإذا حسبنا سبعة بقى تسعة والصواب ما قلناه وهو المذكور في التهذيب وغيره ولولا النقاء لما لزمها الا خمسة عشر وإنما تلزم الستة عشر إذا أمكن انباسط اكثر الحيض علي الستة عشر وهو غير ممكن في المثال الذى] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 [نتكلم فيه وان رددناها إلى ست أو سبع فان ردت الي ست قضت صلوات خمسة ايام وهى ايام الدماء التى لم تصل فيها بعد المرد لان جملتها ثمانية ويقع منها في الي سبع قضت صلوات اربعة واما الصوم فعلي أحد القولين تقضى صيام الخمسة عشر جميعا وعلي اظهرهما ان ردت إلى ست قضت صيام عشرة ايام ثمانية منها ايام الدم في الخمسة عشر ويومان نقاء وقعا في المرد لتبين الحيض فيهما وان ردت إلى سبع قضت صيام احد عشر يوما هذا تمام الكلام في المبتدأة التى لا تمييز لها قال [الثالثة المميزة وهي التى ترى يوما دما قويا ويوما دما ضعيفا فان أطبق الضعيف بعد الخمسة عشر حيضناها خمسة عشر يوما لاحاطة السواد بالضعيف المتخلل وكل ذلك تفريع علي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 [ترك التلفيق فاما إذا استمر تعاقب السواد والحمرة في جميع الشهر فهى فاقدة التمييز لفوات شرطه] المتبدأة إذا كانت مميزة ننظر ان كانت فاقدة لشرط التمييز فهى كالفاقدة لاصل التمييز وحكمها ما سبق نظيره لو رأت يوما سوادا ويوما حمرة إلى آخر الشهر فهى فاقدة لاحد شروط التمييز وهو أن لا يجاوز القوى الخمسة عشر وقوله في هذا المثال فاقدة للتمييز لفوات شرطه أي التمييز المعتبر وإلا فهي واجدة لاصله وإن كان واجدة لشرط التمييز فعلي قول السحب حيضها الدماء القوية في الخمسة عشر مع النقاء المتخلل والضعيف المتخلل وعلي قوله اللقط حيضها القوى دون ما يتخلله مثله رأت يوما سواد ويوما حمرة إلى آخر الخمسة عشر ثم استمرت الحمرة بعد الخمسة عشر أما لصفة التقطع فحيضها علي قول السحب جميع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 568 [الخمسة عشر وعلي قول اللقط أيام السواد وهى ثمانية وقوله المييزة وهى التي ترى يوما دما قويا ويوما دما ضعيفا يوهم اشتراط التقطع بين القوى والضعيف ليثبت التمييز فانه كالتفسير للمميزة ولا يشترط ذلك بل يثبت التمييز المعتبر وان كان التقطع بين القوى والنقاء والشرط أن لا ترى القوى الا في الخمسة عشر ويكون المجاوز هو الضعيف ولا فرق في الضعيف المجاوز بين أن يكون دائما أو منقطعا وقوله ولك ذلك تفريع علي ترك التلفيق أي قول السحب وانما كان يحسن قوله وكل ذلك إذا جري تفريع طويل ولم يجر ههنا كثير شئ * قال [الرابعة الناسية فان أمرناها بالاحتياط على الصحيح فحكمها حكم من أطبق الدم عليها علي قول السحب إذ ما من نقاء الا ويحتمل أن يكون حيضا وانما تفارقها في أنا لا نأمرها بتجديد الوضوء في وقت النقاء لان الحدث في صورته غير متجدد ولا بتجديد الغسل إذ الانقطاع مستحيل في حالة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 [انتفاء الدم وعلى قول التلفيق يغشاها الزوج في أيام النقاء وهى طاهرة فيها في كل حكم] الناسية لعادتها قد تنساها من كل وجه وهى المتحيرة وقد تنساها من وجه دون وجه كما في حالة الاطباق فاما المتحيرة فيعود فيها القولان المذكوران عند الاطباق ان قلنا هي كالمبتدأة فحكمها ما تقدم وان أمرناها بالاحتياط وهو الصحيح بنينا أمرها على قولي التلفيق ان قلنا بالسحب فتحتاط في أزمنة الدم من الوجوه التي ذكرناها في حالة الاطباق بلا فرق لاحتمال الحيض والطهر والانقطاع وتحتاط في أزمنة النقاء أيضا إذ ما من نقاء الا ويحتمل أن يكون حيا نعم لا تؤمن بالغسل في وقت النقاء لان الغسل انما يجب لاحتمال الانقطاع ولا انقطاع في حالة انتقاء الدم وكما لا تؤمر بتجديد الغسل لا تؤمر بتجديد الوضوء أيضا لان ذلك انما يجب لتجدد الحدث ولا تجدد في وقت النقاء فإذا يكفيها لزمان النقاء الغسل عنه انقضاع كل نوبة من نوب الدماء وان قلنا باللقط فعليها أن تحتاط في أيام الدم وعند كل انقطاع وأما في أزمنة النقاء فهي طاهر في الغشيان وسائر الاحكام ولك أن تستدرك من] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 [من جملة اللفظ على قوله وانما تفارقها في آناء لامرها بتجديد الوضوء في أيام النقاء وتقول انما ينتظم هذا الكلام ان لو كانت المتحيرة عند الاطباق مأمورة بتجديد الوضوء لتكون هذه مفارقة لها ومعلوم أنها لا تؤمر بتجديد الوضوء وانما تؤمر بتجديد الغسل فكان الاحسن أن يقول وانما تفارقها في أنا لا نأمرها بتجديد الغسل وكذلك بتجديد الوضوء: واما الناسية التى نسيت عادتها من وجه دون وجه فتحتاط علي مقتضى قولى التلفيق مع رعاية ما نذكره: مثاله قالت أضلت خمسة في العشرة الاولي من الشهر وقد تقطع الدم والنقاء عليها يوما يوما واستحيضت فان قلنا بالسحب فاليوم العاشر طهر لانه نقاء لم يتخلل بين دمي حيض ولاغسل عليها في الخمسة الاولي لتعذر الانقطاع فإذا انقضت اغتسلت وبعدها لا تغتسل في أيام النقاء وتغتسل في آخر السابع والتاسع لجواز الابتداء في أول الثالث والخامس وهل تغتسل في أثناء السابع والتاسع منهم من قال نعم لامكان الانقطاع في الوسط وغلطهم المعظم لان الانقطاع في الوسط لو فرض ههنا لفرض ابتداء في أثناء الثاني أو الرابع وهي نقية فيهما فان قلت إذا خرج اليوم العاشر انحصر الضلال في التسعة والخمسة التى هي قدر الحيض زائدة على نصف التسعة فهلا كان لها حيض بيقين كما كان في حالة الاطباق فالجواب أن اضلال الخمسة في التسعة المتقطعة يوجب التردد في مقدار الحيض لان] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 571 [بتقدير تأخر الحيض الي الخمسة الاخيرة لا تكون الآن حائضا الا في ثلاثة أيام منها لان السادس نقاء لم يتخلل بين دمى حيض وكذلك العاشر وفى حالة الاطباق لاتردد في قدر الحيض فلهذا افترقا في تيقن الحيض وأما إذا قلنا باللقط فان لم يجاوز أيام العادة فالحكم كما ذكرنا في قول السحب الا أنها طاهر في أيام النقاء في كل حكم وانها تغتسل عقيب كل نوبة من نوب الدم في جميع المدة لان المتقطع حيض وان جاوزنا أيام العادة حيضناها خمسة أيام وهى الاول والثالث والخامس والسابع والتاسع وبتقدير انطباق الحيض على الحيضة الاولي بتقدير تأخرها إلى الخمسة الثانية فليس لها في الخمسة الثانية الا يوما دم وهما السابع والتاسع فتضم اليهما الحادى عشر والثالث عشر والخامس عشر فهى إذا حائض في السابع والتاسع بيقين] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 572 [لدخولهما في كل تقدير والله أعلم قال * (الباب الخامس في النفاس) * [واكثره ستون يوما وأغلبه أربعون يوما واقله لحظة (ز) والتعويل فيه على الوجود] * أكثر النفاس ستون يوما خلافا لابي حنيفة واحمد حيث قالا اكثره اربعون يوما ورووا عن مالك فيه روايتين احداهما مثل مذهبنا والاخرى انه لا حد له ويرجع الي اهل الخبرة من النساء فتجلس اقصي ما تجلس النساء: لنا الرجوع لي اكثر ما وجد وعهد كما ذكرنا في الحيض وقد روى عن الاوزاعي انه قال عندنا امرأة ترى النفاس شهرين وعن ربيعه ادركت النساء يقولون اكثر ما تنفس المرأة ستون يوما ولك ان تعلم المسألة مع الحاء] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 [والالف والميم بالقاف لان ابا عيسى الترمذي روى في جامعه عن الشافعي رضى الله عنه ان دم النفاس إذا جاوز الاربعين لم تدع الصلاة بعد ذلك فحصل قوله علي موافقتهم ووجهه ماروى عن اسم سلمة رضى الله عنها قالت (كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اربعين يوما) وهذا علي ظاهر المذهب محمول علي الغالب ولاشك في ان غالب النفاس اربعون يوما واما اقله فلا حد له ويثبت حكم النفاس لما] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 وجدته قل أو كثر والمعنى فيه الرجوع الي الوجوذ كما ذكرنا ولك ان تعلم المسألة بالحاء لانه روى عن ابي حنيفة في اقل النفاس ثلاث روايات احداها مثل مذهبنا وهي الاظهر والثانية انه احد عشر يوما والثالثة خمسة وعشرون يوما وبالزاى لان المزني قال اقله اربعة ايام لان اكثر النفاس مثل اكثر الحيض اربع مرات فليكن اقله مع اقله كذلك واعلم انه لا فرق في حكم النفاس بين ان يكون الولد حيا أو ميتا كامل الخلقة أو ناقصها ولو القت علقة أو مضغة وقالت القوابل انه ابتداء خلق الادمي فالدم الذى تجده بعده نفاس ذكره في التتمة قال [فأن رأت قبل الولادة دما علي ادوار الحيض فله حكم الحيض في احد القولين الا في انقضاء العدة به فلو كانت تحيض خمسا وتطهر خمسا وعشرين فحاضت خمسا وولدت قبل مضي خمسة عشر من الطهر] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 [فما بعد الولد نفاس ونقصان الطهر قبله لا يقدح في افساده ولا في افساد الحيض الماضي لان تخلل الولادة أعظم من طول المدة ولو اتصلت الولادة بآخر الخمسة وجعلناها حيضا فلا نعدها من النفاس ولا نقول هو نفاس سبق وكذلك ما يظهر من الدم في حال ظهور مخايل الطلق] ما تراه الحامل من الدم على ترتيب أدوار الحيض هل هو حيض أم لا قال في القديم لا بل هو دم فساد وبه قال أبو حنيفة واحمد لقوله صلي الله عليه وسلم (لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض) جعل الحيض] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 576 [دليلا على براءة الرحم فلو قلنا الحامل تحيض لبطلت دلالته ولان فم الرحم ينسد بالحمل فيمتنع خروج دم الحيض فان الحيض يخرج من اقصي الرحم: وقال في الجديد هو حيض وبه قال مالك لقوله صلي الله عليه وسلم (دم الحيض اسود يعرف) اطلق ولم يفصل بين الحامل والحائل ولانه دم في ايام العادة بصفة الحيض وعلي قدره فجاز ان يكون حيضا كدم الحامل والمرضع ولا فرق علي القولين ما تراه قبل حركة الحمل وما تراه بعدها ومنهم من قال القولان فيما بعد حركة الحمل اما من وقت العلوق الي الحركة فهو كحال الحيال فان قلنا انه ليس بحيض فهو حدث دائم كسلس البول وان قلنا أنه حيض حرم فيه الصلاة والصوم والوطئ ويثبت جميع احكام الحيض إلا أنه لا يحرم فيه الطلاق ولا تنقضي به العدة قال الله تعالى (واولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) ثم هذا القول في الدم من التى ولدت بعد خمسة عشر فصاعدا من وقت] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 [انقطاعه أما إذا ولدت قبل تمام خمسة عشر من انقطاعه فهل يكون حيضا فيه وجهان أحدهما لا لانه لم يتخلل بينه وبين النفاس طهر كامل واصحهما أنه حيض أيضا علي هذا القول لانه قد تقدمه طهر كامل ونقصان الطهر إنما يؤثر فيما بعده لافيما قبله وههنا لم يؤثر فيما بعده لان ما بعد الولد نفاس بلا خلاف فأولى أن لا يؤثر فيما قبله وعند هذا لا نسلم اشتراط تخلل الطهر الكامل بين الدمين مطلقا وانما يشترط ذلك إذا كان كل واحدها منهما حيضا وههنا احدهما نفاس ولو رأت الحامل الدم علي عادتها وولدت علي الاتصال بآخره ولم يتخلل طهر أصلا ففيه هذا الوجهان ولا خلاف في أن ذلك الدم لا يعد من النفاس لان النفاس لا يسبق الولادة بل هو عند الفقهاء عبارة عن الدم الذى يخرج عقب الولادة ولهذا قطع معظم الاصحاب بأن ما يبدو عند الطلق ليس بنفاس أيضا وقالوا ابتداء النفاس] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 578 [يحسب من وقت انفصال الولد وحكي صاحب الافصاح وجها فيما يبدو عند الطلق أنه نفاس لانه من آثار الولادة ثم علي طريقة المعظم كما لا نجعل ذلك الدم نفاسا لا نجعله حيضا كذلك ذكره القاضى أبو المكارم في العدة ورأيته لابي عبد الله الحناطى أيضا وحكى مع ذلك وجها آخر أنه حيض علي قولنا الحامل تحيض وإذا كان الظاهر في هذه الصورة أنه ليس بحيض أيضا وجب أن يستثني هذا الدم عن صورة القولين في دم الحامل فانها حامل بعد في تلك الحالة واما الدم الخارج مع الولد فهل هو نفاس أم لا فيه وجهان أحدهما نعم وبه قال ابن القاص وأبو إسحق لانه خارج بسبب الولادة فصار كالخارج بعدها وأصحهما لا لما ذكرنا أنه لم يخرج عقيب الولادة وقول الاول يشكل بالبادى عند الطلق فان كلا من الاصحاب استبعد عده من النفاس ثم علي الوجه الثاني ما حكم ذلك] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 579 [الدم حكى صاحب التهذيب فيه وجهين اشهرهما أنه كالخارج قبل الولادة لانها قبل انفصال كل الولد في حكم الحامل الا ترى أنه يجوز للزوج مراجعتها والثاني أنه كالخارج بين الولدين لخروج بعض الحمل فإذا قلنا أنه نفاس وجب به الغسل وإن لم تر بعد الولادة دما وقلنا لا غسل على ذات الجفاف ويبطل صومها وعلي الوجه الثاني لا يجب الغسل به ولا يبطل صومها إذا لم تر بعد الولادة دما أو كان ما بعد الولادة بعد انقضاء النهار وتحصل من الخلاف المذكور في هذه المسائل وجوه في أن ابتداء مدة النفاس من أي وقت يحتسب أحدها يحسب من وقت الدم البادى عند الطلق الثاني من الدم الخارج مع ظهور الولد والثالث وهو الاظهر من وقت انفصال الولد وحكى إمام الحرمين وجها انها لو ولدت ولم تر الدم أياما ثم ظهر الدم فابتداء مدة النفاس من وقت خروج الدم يحسب لا من وقت الولادة فهذا وجه رابع وموضعه ما إذا كانت الايام المتخللة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 580 [دون أقل الطهر وإذا عرفت ما ذكرناه فلا يخفى عليك أن قوله فلو كانت تحيض خمسة وتطهر خمسة وعشرين الي آخر المسألة تفريع علي قولنا أن الحامل تحيض ولذلك حسن في التصوير تسمية ما رأته حيضا وإلا فهو على القول الآخر ليس بحيض ثم جريان عادتها بما ذكرناه ليس بشرط بل مهما رأت دما في زمان الامكان وولدت قبل مضى خمسة عشر من وقت انقطاعه فهو صورة المسألة سواء كان ذلك الدم معتادا لها أم لا وليعلم قوله ولا في افساد الحيض بالواو لما سبق وقوله لان تخلل الولادة أعظم من طول المدة أي في التأثير وفصل أحد الدمين عن الآخر ولقوة تأثيرها قامت في العدة مقام المدة الطويلة وقوله في الصورة الاخرى وجعلناها حيضا أي إذا فرعنا علي أن ما تراه الحامل حيض ولك أن تقول لا حاجة الي هذا التقييد في الحكم الذى رتبه عليه لان الذى] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 581 [علي هذء الصورة انا لانعدها من النفاس ولا نقول هو نفاس سبق والامر كذلك وإن لم نجعل تلك الخمسة حيضا علي ما سبق بيانه وقوله ما يظهر من الدم في حال ظهور مخابل الطلق ينبغى أن يعلم أيضا بالواو للوجه الذى رويناه * قال [فاما الدم بين التوأمين فنفاس علي أصح الوجهين وقيل أنه كدم الحامل فان قلنا أنه نفاس فما بعد الثاني معه نفاسان على وجه ونفاس واحد علي وجه وقيل إن تمادى الاول ستين يوما فنفاسان والا فنفاس واحد] * في الدم الذى تراه المرأة بين التوأمين وجهان أحدهما أنه ليس بنفاس لانه دم خرج قبل فراغ الرحم فأشبه دم الحامل والثاني ويحكي عن صاحب التلخيص أنه نفاس لانه خرج عقيب خروج] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 582 [نفس وجعل صاحب الكتاب هذا الوجه اصح اقتداء بامام الحرمين لكن الاصح عن الشيخ أبى حامد وأصحابنا العراقيين انما هو الاول وتابعهم عليه صاحب التهذيب فان قلنا ليس بنفاس فقال الاكثرون إنه ينبنى علي دم الحامل ان جعلناه حيضا فهو أولي والا ففيه قولان والفرق أنها إذا وضعت احدى التوأمين كان استرخاء الدم قريبا بخلاف ما قبل الولادة فان فم الرحم منسد حينئذ وهذا هو الذى ذكره في الكتاب حيث قال وقيل انه كدم الحامل وهو الوجه الثاني من قوله على أصح الوجهين وليعلم بالحاء والالف لان عندهما هو نفاس ويحكي مثل ذلك عن مالك وفى كلام بعض الاصحاب ما يقتضى كونه دم فساد وان قلنا الحامل تحيض كالدم الذى يظهر عند الطلق واما إذا فرعنا على انه نفاس فهل يعد الثاني معه نفاس واحد أو نفاسان فيه وجهان اظهرهما نفاسان لانفصال كل واحدة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 583 [من الولادتين عن الاخرى فعلي وعلي هذا لا يبالى بمجاوزة الدم الستين من الولادة الاولي والثاني هما نفاس واحد لانهما في حكم الولد الواحد ألا ترى ان العدة لا تنقضي بوضع احدهما فعلي هذا إذا زاد الدم علي ستين من الولادة الاولى فهي مستحاضة واختلفوا في موضع الوجهين قال الصيدلاني موضعهما ما إذا كانت المدة المتخللة بين الدمين دون الستين أما لو بلغت الستين فهو نفاس آخر لا محالة وهذا ما أشار إليه بقوله وقيل ان تمادى الاول ستين يوما إلى آخره: وعن الشيخ أبى محمد انه لا فرق وإذا ولدت الثاني بعد الستين وفرعنا علي اتحاد النفاس فما بعده استحاضة ولو سقط عضو من الولد والباقى مجبن ورأت في تلك الحالة دما فهل هو نفاس ذكر في التتمة أنه علي الوجهين في الدم الخارج بين الولدين والله اعلم: هذا إذا لم يجاوز دم النفساء الستين *] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 584 [قال [أما المستحاضات في النفاس فهن أربع الاولى المعتادة فترد الي عادتها من الاربعين مثلا ثم بحكم بالطهر بعد الاربعين علي قدر عادتها ثم تبتدئ حيضها ولو ولدت مرارا وهى ذات جفاف ثم ولدت واستحيضت فهى كالمبتدأة وعدم النفاس لا يثبت لها عادة كما انها لو حاضت خمسة وطهرت سنة وهكذ مرار ثم استحيضت فلا نقيم الدور سنة بل أقصى ما يرتقى الدور إليه تسعون يوما وهى ما تنقضي به عده الآية فما فوقه لا تؤثر العادة فيه *] إذا جاوز الدم الستين فقد دخلت الاستحاضة في النفاس وطريق التمييز بينهما ما تقدم في الحيض: هذا ظاهر المذهب وعليه يبنى تقسيم حالها إلى المعتادة والمبتدأة كما ذكر في الكتاب وفيه وجهان آخران أحدهما ان جميع الستين نفاس والزائد عليه استحاضة بخلاف ما في الحيض لان] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 585 [الحيض محكوم به ظاهرا لا قطعا فجاز أن ينتقل عنه ألى ظاهر آخر والنفاس مقطوع به إذ الولادة معلومة والنفاس هو الخارج بعد الولادة فلا ينتقل عنه الي غيره الا بيقين وهو مجاوزة الاكثر وعلى هذا يجعل الزائد استحاضة الي تمام طهرها المعتاد أو المردود إليه في المبتدأة ثم ما بعده حيض والوجه الثاني أن الستين نفاس والذى بعده حيض علي الاتصال به لانهما دمان مختلفان فيجوز أن يتعقب كل واحد منهما الآخر وأطبق الجمهور على ضعف هذين الوجهين وقالوا ننظر ان كانت معتادة ذاكرة لعادتها مثل ان كانت تنفس فيما سبق أربعين ثم ولدت مرة وجاوز دمها الستين فترد إلى الاربعين كما ترد في الحيض إلى عادتها ثم لها في الحيض حالتان ذكر أولهما في الكتاب دون الثانية الاولى أن تكون معتادة في الحيض أيضا فنحكم لها بالطهر بعد الاربعين على] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 586 [قدر عادتها في الطهر ثم تحيض قدر عادتها في الحيض والثانية أن تكون مبتدأة في الحيض فنجعل القدر الذى إليه ترد المبتدأة في الطهر استحاضة والذى ترد إليه في الحيض حيضا والخلاف المذكور فيما تثبت به العادة وفى أنه إذا اجتمعت العادة والتمييز أيهما يقدم يجرى ههنا كما في الحيض ولو ولدت المرأة مرارا وهي ذات جفاف ثم ولدت مرة ونفست واستحيضت فلا نقول عدم النفاس عادة لها وانما هي مبتدأة في النفاس كالتى لم تلد أصلا وسنذكر حكم المبتدأة وشبه صاحب الكتاب هذه المسألة بمسألة في الحيض وهى أن المعتادة في الحيض لو كانت تحيض خمسة وتطهر سنة أو سنتين واستمر بها ذلك ثم انها استحيضت فهل نجعل المدة الطويلة طهرا لها قال القفال لا: إذ يبعد أن لا نحكم بحيضها سنة أو سنتين والحد الفاصل بين ما يكون طهرا بين حيضتين ويثبت عادة وبين مالا يكون كذلك تسعون يوما خمسة عشر فما دونها حيض والباقى طهر لان عدة الآيسة تنقضي بهذا القدر والعدة وجبت لبراءة الرحم والدور الواحد مظنة البراءة بدليل الاستبراء فلو تصور أن] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 587 [يزيد الدور علي هذا القدر لما اكتفى به وهذا هو الذى أورده في الكتاب وعلي هذا لو زاد الطهر المتقدم على الاستحاضة علي القدر المذكور نظر فيما قبل ذلك ان كان لها طهر علي الحد المعتبر جعل طهرها بعد الاستحاضة ذلك القدر والا فحكمها في الطهر حكم المبتدأة ووجه تشبيه مسألة النفاس بهذه المسألة انا لا نجعل عدم الحيض في المدة الطويلة عادة لها فكذلك عدم النفاس لا يصير] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 588 [عادة والذى يوافق اطلاق أكثر الاصحاب الرد الي عادتها في الطهر طالت المدة أو قصرت وقد نص عليه الشيخ أبو حامد والمقتدون به ويدل عليه ظاهر خبر المعتادة التي استفت لها أم سلمة كما سبق فانه مطلق فوجب اعلام قوله فلا نقيم الدور سنة بالواو لهذا المعنى * قال [الثانية المبتدأة إذا استحيضت ترد الي لحظة علي قول والي أربعين علي قول: الثالثة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 589 [المميزة فحكمها حكم الحائض في شرط التمييز الا أن الستين ههنا بمثابة خمسة عشر ثم لا ينبغى أن يزيد الدم القوى عليه] * إذا استحيضت في النفاس وهى مبتدأة فننظر هل هي مميزة بشرط التمييز ام لا فان لم تكن ففيها قولان أصحهما الرد الي الاقل وهو لحظة والثانى الرد الي الغالب وهو أربعون يوما وفى المسألة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 590 [طريقة أخرى عن ابن سريج وأبي اسحق وهى الجزم بالرد الي الاقل والمشهور اثبات القولين كما في الحيض وهو الذى ذكره في الكتاب وحكي في العدة قولا ثالثا وهو الرد الي أكثر النفاس ونقله قولان عن الشافعي غريب نعم هو مشهور بالمزنى وينبغي أن يعلم قوله إلى لحظة والي الاربعين كلاهما بالزاى لذلك ثم منهم من خصص ذهابه إليه بالمبتدأة ومنهم من طرد في المعتادة أيضا وحينئذ يكون مذهبه مثل الوجه الاول من الوجهين اللذين حكيناهما في المعتادة علي خلاف] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 591 [ظاهر المذهب ثم ننظر في حال هذه النفساء ان كانت معتادة في الحيض حيث تعد مرد النفاس قدر طهرها استحاضة ثم تبتدئ الحيض على عادتها وان كانت مبتدأة في الحيض أيضا أقمنا لها الهطر والحيض كما يقتضيه حال المبتدأة وأما إذا كانت مميزة بشرط التمييز فترد الي التمييز كما في الحيض وقوله في الكتاب فحكمها حكم الحائض في شرط التمييز غير مجرى على اطلاقه لانا نعتبر] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 592 [في الحيض ثلاثة أمور أن لا ينقص القوى عن يوم وليلة وأن لا يزيد علي خمسة عشر وأن لا ينقص الضعيف عن خمسة عشر والذى يعتبر من ذلك ههنا أن لا يزيد القوى على أكثر النفاس وهو ستون يوما وهى بمثابة الخمسة عشر في الحيض أما في طرف القلة فلا ضبط وكذلك لا يعتبر للضعيف حد معين *] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 593 [قال [الرابعة المتحيرة إذا نسيت عادتها في النفاس ففي قول ترد إلى الاحتياط وعلى قول الي المبتدأة والرد ههنا الي المبتدأة اولى لان أول وقتها معلوم بالولادة] * في الناسية لعادة نفاسها قولان كما في الناسية لعادة الحيض فعلي قول ترد الي ما ترد إليه المبتدأة وعلي قول تؤمر بالاحتياط وعلي هذا فلو كانت مبتدأة في الحيض وجب الاحتياط أبدا لان أول] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 594 [حيضها لا يعلم وقد بينا ان المبتدأة إذا لم تعرف وقت ابتداء الدم كانت كالمتحيرة وان كانت معتادة في الحيض ناسية لعادتها فكذلك تستمر علي الاحتياط وان كانت ذاكرة لعادة الحيض فهذه يلتبس عليها الدور لالتباس منفرض النفاس وهى بمثابة ناسية لوقت الحيض عارفة بقدره] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 595 [وقد سبق القول فيها وقوله والرد ههنا الي المبتدأة أولى لا يقتضي ترجيح هذا القول علي قول الاحتياط بل المراد ان هذا القول اظهر منه في الحيض لان وقت النفاس معلوم بالولادة وتعيين اول الهلال للحيض تحكم على ان امام الحرمين رجح قول الرد إلى المبتدأة ههنا علي قول الاحتياط فيجوز ان يكون ما ذكره في الكتاب جريا علي موافقته وقوله المتحيرة إذا نسيت عادتها في اللفظ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 596 زيادة مستنغي عنها لانها لا تكون متحيرة الا إذا نسيت عادتها وقد تجعل المتحيرة مع الناسية اسمين مترادفين كما سبق فلو اقتصر علي قوله المتحيرة في النفاس لما ضر * قال [فرع إذا انقطع الدم علي النفساء عاد الخلاف في التلفيق ولو طهرت خمسة عشر يوما ثم عاد الدم فالعائد نفاس علي وجه لوقوعه في الستين وهو حيض (ح) علي وجه لتقدم طهر] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 597 كامل عليه فان قلنا انه نفاس فعلي قول السحب مدة النقاء ايضا نفاس وقيل تستثني هذه الصورة ايضا علي قول السحب إذ يبعد تقدير مدة كاملة في الطهر حيضا وعليه يخرج اما إذا ولدت ولم تر الدم إلى خمسة عشر في ان الدم الواقع في الستين هل هو نفاس ام لا والله اعلم] * الجزء: 2 ¦ الصفحة: 598 [ما ذكرناه من أول الباب الي هذا الموضع فيما إذا كان الدم مستمرا لا ينقطع اما إذا انقطع دم النفساء فله حالتان أحداهما ان لا يجاوز الستين فننظر ان لم تبلغ مدة النقاء بين الدمين أقل الطهر كما لو رأت يوما دما ويوما نقاء فأزمنة الدم نفاس لامحاله وفى أزمنة النقاء القولان المذكوران في الحيض وان بلغ اقل الطهر كما لو رأت الدم اياما عقيب الولادة وطهرت خمسة عشر يوما فصاعدا ثم عاد الدم فالعائد حيض ام نفاس فيه] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 599 [وجهان اصحبهما انه حيض لانه نقاء قبله دمان تخللهما طهر صحيح فلا يضر أحدهما إلى الآخر كدمي الحيض ولانا لو جعلناه نفاسا لجعلنا الطهر الصحيح نفاسا ايضا تفريعا علي الصحيح وهو قول السحب ولا ضرورة بنا الي ذلك والثانى انه نفاس لوقوعه في زمان امكان النفاس كما لو كان المتخلل دون اقل الطهر وعلي هذا الخلاف يخرج ما إذا ولدت ولم تر الدم خمسة عشر فصاعدا ثم رأت الدم هل هو] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 600 [حيض أو نفاس التفريع ان قلنا العائد حيض فلا نفاس لها في هذه الصورة الاخيرة اصلا ولو نقص العائد عن اقل الحيض ففيه وجهان اظهرهما انه دم فساد لان الطهر الكامل قطع حكم النفاس والثانى أنه نفاس لانه تعذر جعله حيضا وامكن جعله نفاس فيصار إليه وان جاوز العائد اكثر الحيض فهي مستحاضة فننظر اهى معتادة ام مبتدأة ونحكم بما يقتضيه الحال وان قلنا العائد نفاس فمدة النقاء على قولي التلفيق ان قلنا بالسحب فهو نفاس وان قلنا باللقط فهو طهر كما لو كانت المدة دون أقل الطهر هذا أشهر الطريقين ومنهم من قال هو طهر علي القولين وتستثنى هذه الصورة علي قول السحب إذ يبعد ان تجعل المدة الكاملة في الطهر نفاسا ولا نعطى لها حكم الطهر بخلاف ما إذا كانت المدة ناقصة فانها لا تصلح طهرا وحدها فيستعقبها الدم (الحالة الثانية) ايجاوز الستين فننظر ان بلغ زمان النقاء في الستين اقل الطهر ثم جاوز العائد] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 601 [فالعائد حيض ولا يجئ فيه الخلاف المذكور في الحالة الاولي وبهذا تبين أن صاحب الكتاب اراد بكلامه المطلق الحالة الاولي وان لم يبلغ زمان النقاء اقل الطهر فننظر ان كانت مبتدأة مميزة ردت إلى التمييز وان لم تكن مميزة فعلي القولين السابقين في المبتدأة وان كانت معتادة ردت الي عادتها وفي الاحوال تراعي قضية قول التلفيق ان سحبنا فالدم في ايام المرد والنقاء بينهما نفاس وان لفقنا فنلفق في ايام الرد أو من جميع الستين فيه الخلاف المذكور في الحيض والله اعلم ولك أن تعلم قوله في الكتاب وهو حيض علي وجه بالحاء لان عند ابى حنيفة العائد نفاس] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 602 [وان تعلم قوله فالعائد نفاس بالالف وقوله ايضا قبله وعاد الخلاف في التلفيق بالالف لان عند احمد الدم العائد مشكوك فيه تصوم وتصلي فيه وتقضى الصوم ولا يأتيها الزوج لانه يحتمل ان يكون نفاسا ويحتمل انه دم فساد ولا فرق عنده بين ان يبلغ مدة النقاء اقل الطهر وبين ان لا يبلغه والله اعلم * الجزء: 2 ¦ الصفحة: 603 فتح العزيز - عبد الكريم الرافعي ج 3 فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 3 الجزء: 3 فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ..الجزء الثالث دار الفكر بسم الله الرحمن الرحيم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1 قال (كتاب الصلاة) (وفيه سبعة ابواب الباب الاول في المواقيت وفيه ثلاثة فصول) (الاول) في وقت الرفاهية: أما الظهر فيدخل وقته بالزوال وهو عبارة عن ظهور زيادة الظل لكل شخص في جانب المشرق ويتمادى وقت الاختيار إلى أن يصير ظل الشخص (م زح) مثله من موضع الزيادة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 2 الكلام في الصلاة حواه في سبعة أبواب أو لها في المواقيت وصدر الشافعي كتاب الصلاة بهذا الباب لان أهم الصلوات الوظائف الخمس وأهم ما يعرف منها مواقيتها لانها بدخول الوقت تجب وبخروجه تفوت وفي الباب ثلاثة فصول أولها في وقت الرفاهية والثانى في وقت العذر وفي كلام الشافعي رضى الله عنه أن الوقت وقتان وقت مقام ورفاهية ووقت عذر وضرورة قال الشارحون المقام الاقامة والرفاهية الفسحة والدعة يقال فلان رافه إذا كان حاضرا غير ظاعن وفلان في رفاهية من عيشه أي خفض ودعة واتفقوا علي ان الغرض بهما في كلامه شئ واحد وهو وقت المترفه الذى ليس به عذر ولا ضرورة وهو الوقت الاصلي للصلوات واختلفوا في العذر والضرورة فمنهم من قال وقت العذر غير وقت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 الضرورة فالعذر ما يرخص في التقديم والتأخير من غير إلجاء إليه وهو السفر والمطر والضرورة ما تدفع وتلجي إليه وذلك في الصبي يبلغ والمجنون يفيق والكافر يسلم والحائص النفساء ينقطع دمهما وعلى هذا قالوا الاوقات ثلاثة لكن الشافعي رضى الله عنه جعلهما على قسمين وجعل وقتا في حيز ووقتين في حيز لما بينهما من التناسب ومنهم من قال العذر والضرورة واحد وأراد به وقت الصبى يبلغ ومن في معناه وإذا عرفت ذلك فاعلم أن صاحب الكتاب جعل الفصل الاول في وقت الرفاهية والثانى في وقت الضرورة وسماها وقت العذر كانه وافق الفرقة الصائرة الي أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 المراد بالعذر والضرورة واحدا فأما الفصل الاول فالاصل فيه ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما عن النبي عنهما عن النبي صلي الله عليه وسلم قال (أمنى جبريل عند باب البيت مرتين فصلي بي الظهر حين زالت الشمس) وروى حين كان الفي مثل الشراك (وصلي بين العصر حين كان كل شئ بقدر ظله وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم وصلي بى العشاء حين غاب الشفق وصلي بي الفجر حين حرم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 الطعام والشراب علي الصائم فلما كان الغد صلي به الظهر حين كان كل شئ بقدر ظله وصلى بى العصر حين صار ظل كل شى مثليه وصلي بي المغرب للغدر الاول لم يؤخرها وصلي بي العشاء حين ذهب ثلث الليل وصلى بى الفجر حين اسفر ثم التفت فقال يا محمد هذا وقت الانبياء من قبلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 والوقت فيما بين هذين الوقتين) ويروى مثل ذلك عن ابن عمر رضى الله عنهما وأبي هريرة وأبي موسى وجابر وأنس وغيرهم رضي الله عنهم ولهذا الحديث بدأ الائمة بصلاة الظهر ووقتها يدخل بالزوال وبيانه ان الشمس إذا طلعت وقع ظل كل شاخص في جانب المغرب طويلا ثم مادامت الشمس ترتفع فالظل ينقض حتي إذا بلغت كبد السماء وهى حالة الاستواء انتهي نقصانه وقد لا يبقى له ظل أصلا وذلك في بعض البلاد كمكة وصنعاء اليمن في أطوال أيام السنة وإذا بقي فهو مختلف المقدار باختلاف البلاد والفصول ثم إذا مالت الشمس إلى جانب المغرب فان لم يبق ظل عند الاستواء حدث الان في جانب المشرق وان بقى شئ زاد الان وتحول الي المشرق فحدوثه أو زيادته هو الزوال ثم إذا صار ظل الشخاص مثله من اصل الشاخص ان لم يبق شئ من الظل عند الاستواء أو من نهاية القدر الباقي في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 حالة الاستواء أن بقى شئ فقد خرج وقت الظهر وقوله في الكتاب وهو عبارة عن ظهور زيادة الظل يريد به أغلب الاحوال وهو بقاء الظل في حالة الاستواء وان قل فأما إذا لم يبق شئ عند الاستواء فالزوال بظهور الظل ولا معنى للزيادة لكنه نادر لا يكون الا في يوم واحد من السنة في بعض البلدان وقوله ويتامدى وقت الاختيار الي أن يصير ظل الشخص مثله من موضع الزيادة جار على الغالب أيضا كما بيناه فإذا كان الشاخص ذراعين مثلا والباقى من ظله عند الاستواء ربع ذراع فانما يخرج الوقت إذا صار الظل ذراعين وربع ذراع وأراد بوقت الاختيار ما اشتمل عليه بيان جبريل عليه السلام بعد وقت الفضيلة الا تراه يقول في وقت العصر ووقت الفضيلة في الاول وبعده وقت الاختيار وفسر بعضهم وقت الاختيار بما يشتمل عليه بيان جبريل من غير التقييد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 بكونه بعد وقت الفضيلة وعلي هذا فوقت الاختيار ينقسم إلى وقت الفضيلة والي ما بعده وليكن قوله الي ان يصير ظل الشيخ مثله معلما بالحاء لان عند ابي حنيفة يبقى وقت الظهر الي ان يصير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 ظل الشئ مثليه ثم يدخل وقت العصر وبالميم أيضا لان عند مالك يبقي وقت الظهر الي أن يصير ظل الشئ مثليه ولكن إذا صار ظل الشئ مثليه دخل وقت العصر ومن مصير الظل مثل الي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 مصيره مثليه وقت لكل واحدة من الصلاتين هكذا روى مذهبه طائفة من أصحابنا وروى آخرون أنه قال يدخل وقت العصر بمصير الظل مثله ولا يخرج وقت الظهر حتي يمضي قدر اربع ركعات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 وهذا القدر هو المشترك بين الصلاتين ويروى هذا عن المزني أيضا فلنضف الزاى الي الحاء والميم قال (وبه يدخل وقت العصر (ح ز) ويتمادى (م) إلى غروب المشس: ووقت الفضيلة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 في الاول وما بعده: ووقت الاختيار إلى مصير الظل مثليه: وبعده وقت الجواز الي االاصفرار ووقت الكراهية عند الاصفرار) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 إذا صار ظل الشئ مثله فقد دخل وقت العصر لما روينا من حديث ابن عباس وقد يوهم الخبر اشتراكا بين الظهر والعصر في قدر من الوقت كما حكيناه عن مالك لانه قال صلى الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شئ مثله وصلى العصر في اليوم الاول حين صار ظل الشئ مثله واوله الشافعي علي أنه ابتدأ العصر في اليوم الاول حين صار ظل الشئ مثله وفرغ من الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل الشئ مثله ودليل التأويل ما روى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 عن ابن عمر ان النبي صلي الله عليه وسلم قال (وقت الظهر ما لم يدخل وقت العصر) ثم يمتد وقت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 العصر إلى غروب الشمس لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 العصر) وفيه وجه آخر واليه ذهب أبو سعيد الاصطخرى أنه لا يمتد إلى غروب الشمس بل آخر وقت العصر إذا صار ظل الشئ مثليه لانه لو زاد عليه لبينه جبريل عليه السلام وعلى ظاهر المذهب وقت الاختيار الي مصير الظل مثليه وبعده وقت الجواز بلا كراهية إلى اصفرار الشمس ومن اصفرار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 الشمس الي الغروب وقت الكراهية ومعناه أنه يكره تأخيرها إليه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرنى الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها الا قليلا) واما ما يتعلق بالفاظ الكتاب فقوله وبه يدخل وقت العصر ينبغي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 أن يعلم بالحاء لما قدمناه وقوله ويمتد الي غروب الشمس بالواو للوجه المنسوب الي الاصطخرى فان قلت قال الشافعي في المختصر (ثم لا يزال وقت الظهر قائما حتى يصير ظل كل شئ مثله فإذا جاوز ذلك باقل زيادة فقد دخل وقت العصر) ظاهر هذا يقتضي اعتبار زيادة علي مصير الظل مثله ليدخل وقت العصر وذلك ينافى قوله وبه يدخل وقت العصر ظاهر وهل في ذلك اختلاف قول أو وجه أم كيف الحال فالجواب انه لا خلاف في دخول وقت العصر حين يخرج وقت الظهر عندنا وكلام الشافعي محمول على أن خروج وقت الظهر لا يكاد يعرف الا بزيادة الظل علي المثل والا فتلك الزيادة من وقت العصر وقوله ووقت الفضيلة في الاول لا يختص به العصر بل وقت فضيلة جميع الصلوات أول اوقاتها علي ما سيأتي لكن اجتماع الاوقات الاربعة الفضيلة والاختيار والجواز والكراهية من خاصية العصر والصبح وما عداهما إما ذات وقتين الفضيلة والاختيار كالظهر واما ذات ثلاث اوقات الفضيلة والاختيار والجواز كالعشاء والعصر أول الصلاتين المخصوصتين بالاوقات الاربعة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 في الترتيب المذكور فهذا هو الداعي إلى تقسين وقت العصر الي الفضيلة وغيرها قال (وقلت المغرب يدخل بغروب الشمس ويمتد (م) إلى غروب الشفق في قول وعلي قول إذا مضى بعد الغروب وقت وضوء وأذان واقامة وقدر خمس (و) ركعات فقد انتقضي (ح) الوقت لان جبريل عليه السلام صلاها في اليومين في وقت واحد وعلي هذا فلو شرع في الصلاة فمد آخر الصلاة إلى وقت غروب الشفق ففيه وجهان) * لا خلاف في أن وقت المغرب يدخل بغروب الشمس والاعتبار بسقوط قرصها وهو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 ظاهر في الصحارى واما العمران وقلل الجبال فالاعتبار بان لا يرى من شعاعها شئ علي أطراف الجدران وقلل الجبال ويقبل الظلام من المشرق روي أنه صلي الله عليه وسلم قال (إذا أقبل الظلام من هاهنا) واشار إلى المشرق (وادبر النهار إلى من ههنا) واشار إلى المغرب (فقد افطر الصائم) والى متي يمتد وقت المغرب فيه قولان القديم أنه يدوم وقتها إلى غيبوبة الشفق لما روى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 عن بريدة أن رجلا سأل النبي صلي الله عليه وسلم عن وقت الصلاة فقال (صل معنا هذين) يعني اليومين إلى أن قال (وصلي بى المغرب في اليومين الثاني قبل أن يغيب الشفق) وروى في الصحيح أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 النبي صلي الله عليه وسلم قال (ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق) ويعبر عن هذا القول بان للمغرب وقتين كسائر الصلوات وفي الجديد إذا مضى قدر وضوء وستر عورة واذان واقامة وخمس ركعات فقد انقضى الوقت لان جبريل عليه السلام صلاها في اليومين في وقت واحد ولو كان لها وفتان لبين كما في سائر الصلوات ثم معلوم أن ما لابد منه من شرائط الصلاة لا يجب تقديمه على الوقت فيحتمل التأخير بعد الغروب قدر ما يشتغل بها والاعتبار في جميع ذلك بالوسط المعتدل ويحتمل أيضا اكل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 لقم يكسر بها سورة الجوع وفي وجه ما يمكن تقديمه علي الوقت كالطهارة وستر العورة يحط عن الاعتبار وفي وجه لا يعتبر خمس ركعات وانما يعتبر ثلاث ركعات ويعبر عن هذا القول بان للمغرب وقتا واحدا يعتبر تقديره بالفعل وعلي هذا القول لو شرع في المغرب في الوقت المضبوط فهل يجوز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 أن يستديم صلاته الي أن ينقضى هذا الوقت ان قلنا أن الصلاة التى وقع بضعها في الوقت وبعضها بعد الوقت اداء وانه يجوز تأخيرها الي أن يخرج عن الوقت بعضها فله ذلك لا محالة وان قلنا لا يجوز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 ذلك في الصائر الصلوات ففى المغرب وجهان أحدهما المنع كسائر الصلوات وأصحهما أن يجوز مدها الي غروب الشفق لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (قرأ سورة الاعراف في المغرب) فظاهر المذهب القول الجديد واختار طائفة من الاصحاب القول الاول ورجحوه وعندهم أن المسألة مما يفتى فيها على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 القديم وإذا عرفت ذلك فعد الي الفاظ الكتاب وعلم قوله ويمتد إلى غروب الشفق بالميم لان مذهب مالك مثل القول الجديد في أظهر الروايتين وقوله فقد انقضى الوقت بالحاء والالف لان مذهبهما مثل القول القديم ولفظ الوضوء بالواو وكذا قوله وقدر خمس ركعات لما حكينا من الوجهين وادعى القاضي الروياني أن المذهب اعتبار الثلاث دون الخمس وقوله وعلي هذا فلو مد آخر الصلاة الي غروب الشفق فوجهان فيه اشارة إلى أن الوجهين مبنيان علي قولنا ان في سائر الصلوات لا يجوز الاتيان بها بحيث يقع بعضها بعد الوقت لا ما إذا جوزنا ذلك فلا اختصاص للامتداد بغروب الشفق مهما كان الشروع في الوقت المضبوط * قال (ووقت العشاء يدخل بغيبوبة الشفق وهو الحمرة (ح) التى تلى الشمس دون البياض والصفرة ثم يمتد وقت الاختيار الي ثلث الليل على قول وإلى النصف علي قول ووقت الجواز الي طلوع الفجر (و)) * إذا غاب الشفق دخل وقت العشاء لما روينا من خبر جبريل عليه السلام والشفق هو الحمرة وبه قال مالك وأحمد خلافا لابي حنيفة والمزني حيث قالا هو البياض الذى يعقب الحمرة ويروى عن احمد أن الاعتبار في الصحراء بالحمرة وفي البنيان بالبياض لنا ما روى عن ابن عمر رضى الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 عنهما عن النبي صلى أنه قال (الشفق الحمرة فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة) والي متى يمتد وقت الاختيار فيه قولان أصحهما الي ثلث الليل لبيان جبريل عليه السلام والثانى الي نصف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 الليل وبه قال أبو حنيفة لقوله صلى الله عليه وسلم (لولا أن أشق علي أمتي لامرتهم بالسواك عند كل صلاة ولاخرت العشاء الي نصف الليل) وعن أحمد روايتان كالقولين ثم يستمر وقت الجواز الي طلوع الفجر الثاني وفيه وجه آخر انه إذا ذهب وقت الاختيار علي اختلاف القولين فقد ذهب وقت الجواز أيضا أما علي قول الثلث فلحديث جبريل عليه السلام حيث قال (الوقت ما بين هذين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 الوقتين وأما على قول النصف فلما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (وقت العشاء ما بينك وبين نصف الليل) والي هذا الوجه ذهب الاصطخرى وكذلك أبو بكر الفارسي فيما حكي المعلق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 عن الشيخ أبي محمد والمذهب الاول واحتجوا له بما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشى أحدكم الصبح فليوتر بركعة) وبما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (ليس التفريط في النوم وانما التفريط في اليقظة أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى) ظاهره يقتضي امتداد وقت وانما التفريط في اليقظة أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى) ظاهره يقتضي امتداد وقت كل صلاة إلى دخول وقت الاخرى ولا يخفى عليك مما ذكرناه المواضع المستحقة للعلامات من ألفاظ الكتاب وان قوله ووقت الجواز إلى طلوع الفجر المراد منه الفجر الثاني وقوله في تفسير الشفق دون البياض والصفرة لا كلام في أن البياض خارج عن تفسير الشفق عندنا وانه لا يعتبر غروبه وأما الصفرة فقد ذكر امام الحرمين في النهاية أن أول وقت العشاء يدخل بزوال الحمرة والصفرة والشمس إذا غربت تعقبها حمرة ترق إلى تنقلب صفرة ثم يبقى بياض قال وبين غيبوبة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 الشمس الي زوال الصفرة ما بين الصادق الي طلوع قرن الشمس وبين زوال الصفرة إلى انمحاق البياض يقرب مما بين الصبح الصادق والكاذب ونقل صاحب الكتاب في البسيط هذا الكتاب لكن الذى يوافق اطلاق المعظم ما ذكرناه في هذا الموضع وهو الاكتفاء بغيبوبة الحمرة ولفظ الشافعي رضي الله عنه دال عليه ألا تراه يقول في المختصر وإذا غاب الشفق وهو الحمرة فهو أول وقت العشاء ثم غروب الشفق ظاهر في معظم النواحي أما الساكنون بناحية تقصر لياليهم ولا يغيب عنهم الشفق فيصلون العشاء إذا مضى من الزمان قدر ما يغيب فيه الشفق في أقرب البلدان إليهم ذكره القاضى حسين في فتاويه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 قال (ووقت الصبح يدخل بطلوع الفجر الصادق المستطير ضوءه لا بالفجر الكاذب الذى يبدو مستطيلا كذنب السرحان ثم ينمحق أثره ثم يتمادى وقت الاختيار إلى الاسفار ووقت الجواز الي الطلوع) * يدخل وقت الصبح بطلوع الفجر الصادق ولا عبرة بالفجر الكاذب والصادق هو المستطير الذى لا يزال ضوء يزداد ويعترض في الافق سمى سمتطيرا لانتشاره قال الله تعالي (كان شره مستطيرا) والكاذب يبدون مستطيلا ذاهبا في السماء ثم يمنحق وتصير الدنيا أظلم مما كانت والعرب تشبهه بذنب السرحان لمعنيين أحدهما طوله والثانى أن الضوء يكون في الاعلى دون الاسفل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 كما أن الشعر يكثر علي أعلى ذنب الذئب دون أسفله روى انه صلي الله عليه وسلم قال (لا يغرنكم الفجر المستطيل فكلوا واشربوا حتى يطلع الفجر المستطير) ويتمادى وقت الاختيار إلى الاسفار لحديث جبريل عليه السلام وهل يزيد الوقت عليه قال أبو سعيد الاصطخرى لا والمذهب انه يبقي وقت الجواز الي طلوع الشمس لقوله صلي الله عليه وسلم (ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح) ثم من الاسفار الي طلوع الحمرة جواز بلا كراهية ووقت طلوع الحمرة وقت الكراهية فيكره تأخير الصلاة إليها من غير عذر ذكره الشيخ أبو محمد وكذلك أورده في التهذيب فيحصل للصبح أربعة أوقات كما للعصر وقوله ووقت الجواز إلى الطلوع ان كان المراد منه ما تشترك فيه حالة الكراهية وحالة عدمها فلا مخالفة بينه وبين ما حكيناه ولكنه خص الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 اسم الجواز بما لا كراهة معه في فصل العصر الا تراه يقول وبعده وقت الجواز الي الاصفرار ووقت الكراهية عند الاصفرار فيشبه أن يريد بالجواز ههنا مثل ذلك أيضا وحينئذ يكون ما ذكره مخالفا لما حكيناه والله أعلم * قال (ثم يقدم (وح) أذان هذه الصلاة علي الوقت في الشتاء لسبع بقى من الليل وفي الصيف بنصف سبع وقيل يدخل وقت أذانها بخروج وقت اختيار العشاء ثم ليكن للمسجد مؤذنان يؤذن أحدهما قبل الصبح والاخر بعده) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 صلاة الصبح تختص في حكم الاذان بأمور ذكر منها ههنا شيئين احدهما أنه يجوز تقديم أذانها علي دخول الوقت خلافا لابي حنيفة لنا ما روى عن ابن عمر رضى الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ان بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادى ابن أم مكتوم) والمعني فيه ايقاظ النوام فان الوقت وقت النوم والغفلة ليتأهبوا للصلاة وقال الشيخ يحيى اليميني في البيان ذكر بعض أصحابنا انه إذا جرت عادة أهل بلد بالاذان بعد طلوع الفجر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 لم يقدم فيها الاذان علي الوقت كيلا يشتبه عليهم الامر وهذا التفصيل غريب وليكن قوله ثم يقدم معلما بالواو مع الحاء لذلك ثم في القدر الذى يجوز به التقديم وجوه ذكر منها في الكتاب وجهين احدهما انه يقدم في الشتاء لسبع بقى من الليل وفى الصيف لنصف سبع بقى من الليل روى عن سعد القرظي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 قال (كان الاذان على عهد رسول لله صلي الله عليه وسلم في الشتاء لسبع بقى من الليل وفي الصيف لنصف سبع) وهذا القدر لا يعتبر تحديدا وانما يعتبر تقريبا والغرض ان يتأهب الغافلون لاسباب الصلاة وفي التنبيه قريبا من السحر ما يحصل هذا المقصود والثانى أنه إذا خرج وقت اختيار العشاء إما الثلث وإما النصف علي اختلاف القولين فقد دخل وقت أذان الصبح لانه لا يخاف اشتباه احد الاذانين بالاخر فان الظاهر ان العشاء لا تؤخر عن وقت الاختيار والوجه الثالث أن وقته النصف الاخير من الليل ولا يجوز قبل ذلك وان قلنا ان وقت اختيار العشاء لا يجاوز ثلث الليل وشبه ذلك بالدفع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 من المزدلفة والمعني فيه ذهاب معظم الليل والرابع حكاه القاضي ابو القاسم بن كج وآخرون أن جميع الليل وقت له كما انه وقت لنية صوم الغد * واحتج له باطلاق قوله صلي الله عليه وسلم (أن بلا لا يؤذن بليل) وأظهر الوجوه انما هو الاول ولم يفصل في التهذيب بين الصيف والشتاء واعتبر السبع علي الاطلاق تقريبا وكل هذا في الاذان أما الاقامة فلا تقدم علي الوقت بلا خلاف وهذا الفصل ليس من أحكام الاذان الا أن الشافعي رضى الله عنه ذكره في هذا الموضع لتعلقه بالمواقيت وتأسى به الاصحاب (الثاني) يستحب أن يكون للمسجد مؤذنان يؤذن أحدهما قبل الصبح والاخر بعده كما كان لمسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم والاول أولي بالاقامة وان لم يكن الا مؤذن واحد فيؤذن مرتين مرة قبل الصبح وأخرى بعده ويجوز أن يقتصر على مرة واحدة اما قبل الصبح أو بعده أو بعض الكايات قبل الصبح وبعضها بعده فإذا اقتصر علي مرة فالاولي أن تكون بعد الصبح علي المعهود في سائر الصلوات * قال (قاعدة: تجب الصلاة بأول (ح) الوقت وجوبا موسعا (ح) فلو مات في وسط الوقت قبل الاداء عصى على أحد الوجهين ولو أخر حتى خرج بعض الصلاة عن الوقت ففى كونه أداء ثلاثة أوجه وفي الثالث يجعل القدر الخارج قضاء (ح) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 الصلاة تجب بأول الوقت وجوبا موسعا ومعنى كونه موسعا أنه له أن يؤخرها الي آخر الوقت ولا يأثم: وعند أبى حنيفة تجب بآخر الوقت لكن لو صلي في أول الوقت سقطا لفرض * لنا قوله تعالي (أقم الصلاة لدلوك الشمس) والامر للوجوب ولو أخر من غير عذر ومات في أثناء الوقت فهل يعصي فيه وجهان أحدهما نعم لانه ترك الواجب وأصحهما لا لانه أبيح له التأخير بخلاف ما لو أخر الحج بعد الوجوب فمات بعد امكان الاداء يعصي لان آخر الوقت غير معلوم وأبيح له التأخير بشرط أن يبادر الموت فإذا مات قبل الفعل أشعر الحال بتقصيره وتوانيه وفي الصلاة آخر الوقت معلوم فلا ينسب الي التقصير ما لم يؤخر عن الوقت ولو وقع بعض الصلاة في الوقت وبعضها بعد خروج الوقت فقد حكى صاحب الكتاب فيه ثلاثة أوجه ولم يفرق بين أن يكون الواقع في الوقت ركعة أو دونها (أحدها) أن الكل أداء اعتبارا بأول الصلاة (والثاني) أن الكل قضاء اعتبارا بالاخر فانه وقت سقوط الفرض بما فعل (والثالث) أن الواقع في الوقت أداء وفي الخارج قضاء كما انه لو وقع الكل في الوقت كان أداء وإذا وقع خارجه كان قضاء والذى ذكره معظم لاصحاب الفرق بين ان يكون الواقع في الوقت ركعة فصاعدا أو دونها واقتصروا على وجهين أصحهما انه ان وقع في الوقت ركعة فالكل أداء والا فالكل قضاء وبه قال ابن خيران لقوله صلي الله عليه وسلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 (من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح) وأيضا فان للركعة من التأثير ما ليس لغيرها الا يرى انه تدرك الجمعه بركعة ولا تدرك بما دونها والوجه الثاني ان ما وقع في الوفت اداء والخارج عنه قضاء وأورد امام الحرمين الاوجه الثلاثة المذكورة في الكتاب ولكن بعد الفرض في الركعة ثم قال ان الائمة ذكروا الركعة فيما يقع في الوقت وكان شيخي يرد ذلك الي تفصيل المذهب فيما يدرك به أصحاب الضرورات الفرض قال والذى ذكره غير بعيد وإذا عرفت ذلك فان كان صاحب الكتاب أراد بالبعض الذي أطلقه الركعة فذلك والا فهو جرى علي المنقول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 عن الشيخ أبى محمد * ثم فيما يدرك به أصحاب الضزوزة الفرض قولان أحدهما ركعة والثانى تكبيرة فرض الخلاف في مطلق البعض تكون جوتبا علي هذا القول الثاني وليكن قوله يجعل القدر الخارج قضاء معلما بالالف لان القاضي الرويانى روى ان عند احمد إذا وقعت ركعة من الصلاة في الوقت فالكل أداء كما هو الصحيح عندنا ولا بأس باعلامه بالحاء لان عند أبى حنيفة لو طلعت الشمس في خلال صلاة الصبح بطلت ولا يعتد بها لا قضاء ولا أداء وسلم انه لو غربت الشمس في خلال الصلاة من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 عصر يومه لا تبطل الصلاة لنا ما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن بطلع الشمس فليتم صلاته) ومتى قلنا الخارج عن الوقت قضاء أو قلنا الكل قضاء لم يجز للمسافر قصر تلك الصلاة علي قولنا إن القصر لا مدخل له في القضاء وهل يجوز بأخير الصلاة الي حد يخرج بعضه عن الوقت ان قلنا انها مقضنة أو ان بعضها مقضى فلا وان قلنا مؤداة فقد حكي امام الحرمين عن أبيه تريد الجواب في لا لك ومال الي انه لا يجوز وهذا هو الذى أروده في التهذيب من غير ترديد وبناء على خلاف ولو شرع فيها وقد بقي من الوقت ما يسمع الجميع لكن مدها بطول القراءة حتى خرج الوقت لم يأثم ولا يكره أيضا في أظهر الوجهين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 قال (ثم تعجيل الصلاة أفضل (ح) عندنا وفضيلة الاولية بأن تشتغل بأسباب الصلاة كما دخل الوقت وقليل تتمادى الفضيلة إلى نصف وقت الاختيار ويستحب تأخير العشاء علي أحد القولين ويستحت الابراد بالظهر في شدة الحر إلى وقوع الظل الذى يمشى فيه الساعي الي الجماعة وفى الابراد بالجمعة وجهان اشدة الخطر في فواتها) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 روى عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال (أول الوقت رضوان الله وآخر الوقت عفو الله قال الشافعي رضى الله انما يكون للمحسنين والعفو يشبه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 أن يكون للمقصرين وروى ان النبي صلى الله عليه وإله وسلم قال (أفضل الاعمال الصلاة لاول وقتها) (وبم تحصل فضيلة الاولية حكى الامام فيه ثلاثة أوجه أقربها عنده وهو الذى ذكره صاحب التقريب انها تحصل بأن يشتغل باسباب الصلاة كالطهارة كما دخل الوقت فانه لا يعد حينئذ متوانيا ولا مؤخرا والثاني يبقى وقت الفضيلة إلى نصف الوقت لان معظم الوقت باق ما لم يمض النصف فيكون موقعا للصلاة في حد الاول والى هذا مال الشيخ أو محمد واعتبر نصف وقت الاختيار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 والثالث لا تحصل الفضيلة الا إذا قدم ما يمكن تقديمه من الاسباب لينطبق الوقت علي أول دخول الوقت وعلي هذا قيل لا ينال المتيمم فضيلة الاولية وعلي الاول لا يشترط تقديم ستر العورة كالطهارة وعن الشيخ أبي محمد اشتراطه لان ستر العورة لا تختص بالصلاة والشغل الخفيف كاكل لقم وكلام قصير لا يمنع ادراك الفضيلة ولا يكلف العجلة علي خلاف العادة) ولنتكلم في الصلاة واحدة واحدة أما الظهر فيستحب فيها التعجيل الا إذا اشتد الحر وظاهر المذهب أنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 يستحب الابراد به لقوله صلي الله عليه وسلم (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فان شدة الحر من فيح جهنم) ومن الاصحاب من قال الابراد رخصة فلو تحمل القوم المشقة وصلوا في أول الوقت فهو افضل والاول المذهب ثم الابراد المحبوب أن يؤخر اقامة الجماعة عن أول الوقت في المسجد الذى يأتيه الناس من بعد بقدر ما يقع للحيطان ظل يمشي فيه الساعون إلى الجماعة فلا ينبغى أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 يؤخر عن النصف الاول من الوقت ولو كانت منازل القوم قريبة من المسجد أو حضر جمع في موضع ولا يأتيهم غيرهم فلا يبردون بالظهر وفيه قول آخر أنهم يبردون بها ولو امكنهم المشى إلى المسجد في كن أو في ظل أو كان يصلى منفردا في بيته فلا ابراد ايضا وفي وجه يستحب الابراد فمن قال بالابراد في هذه الصور احتج باطلاق الخبر ومن منع قال المعنى المقتضى للابراد دفع المشقة والتأذى بسبب الحر وليس في هذه الصور كبير مشقة وهذا هو الاظهر وهل يختص الاستحباب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 بالبلاد الحارة أم لا: فيه وجهان منهم من قال لا وبه قال الشيخ أبو محمد لان التأذى في اشراق الشمس حاصل في البلاد المعتدلة أيضا وهذا بخلاف النهي عن استعمال المشمس يختص بالبلاد الحارة علي الظاهر لان المحذور الظنى لا يتوقع مما يشمس في البلاد المعتدلة ومنهم من قال باختصاصه بالبلاد الحارة وبه قال الشيخ أبو علي لان الامر هين في غيرها وهذا اظهر وحكاه القاضي ابن كج عن نص الشافعي رضي الله عنه وهل يلحق صلاة الجمعة بالظهر في الابراد: فيه وجهان احدهما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 نعم كالظهر في سائر الايام والثاني لا لشدة الخطر في فواتها فانها إذا أخرت ربما تكاسلوا فيها وإذا حضروا فلابد من تقديم الخطبة ولان الناس يبكرون إليها فلا يتأذون بالحر وهذا أظهر وأما العصر والمغرب فالافضل تعجيلهما في جميع الاحوال وأما العشاء ففيها قولان أظهرهما ان تعجيلها أفضل كسائر الصلوات لعموم الاخبار والثانى أن تأخيرها أفضل ما لم يجاوز وقت الاختيار لقوله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 صلي الله عليه وسلم (لولا أن اشق على امتى لامرتهم بتأخير العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه) واما الصبح فيستحب فيها التعجيل أيضا مطلقا لما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت) كان النساء ينصرفن من صلاة الصبح مع رسول الله صلي الله عليه وسلم وهن متلفعات بمروطهن لا يعرفن من الغلس) وينبغي ان يعرف مما يتعلق بنظم الكتاب اثنين أحدهما أن كلمة عندنا في قوله ثم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 تعجيل الصلاة أفضل عندنا علي خلاف عادة الكتاب ثم ليس فيه كبير فائدة فانا إذا اطلقنا الكلام أطلقناه بما عندنا لا بما عند غيرنا وغايته الاشارة الي خلاف في المسألة لكن لا يعرف به المخالف من هو وانه ماذا يقول ولا تغنى عن الرموز التى هي عادة الكتاب فليكن قوله هو افضل معلما بالحاء لان عند ابى حنيفة الافضل في صلاة الصبح الاسفار بها وفي العصر التأخير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 ما لم تتغير الشمس وفي العشاء التأخير ما لم يجاوز ثلث الليل وساعدنا في المغرب على استحباب التعجيل وكذلك في الظهر إذا لم يشتد الحر وليكن معلما بالميم أيضا لما روي عن مالك انه يستحب تأخير الظهر الي ان يصير الفئ قدر ذراع وفي العصر ايضا يستحب التأخير قليلا والثاني أن قوله تعجيل الصلاة أفضل يشمل الصلاة كلها وقوله بعد ذلك يستحب تأخير العشاء علي قول ويستحب الابراد استثناء في الحقيقة عما أطلقه أولا وإن لم يكن لفظه لفظ الاستثناء وينبغى أن يعلم قوله ويستحب الابراد بالواو للوجه الصائر الي انه رخصة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 قال (فرع من اشتبه عليه الوقت يجتهد ويستدل بالاوراد وغيرها فان وقعت صلاته في الوقت أو بعده فلا قضاء عليه وان وقعت قبل الوقت قضى علي أحد القولين وكذا في طلب شهر رمضان والقادر على درك اليقين بالصبر هل له المبادرة بالاجتهاد في أول الوقت فيه وجهان) * إذا اشتبه عليه وقت الصلاة بغيم أو حبس في موضع مظلم أو غيرهما اجتهد واستدل عليه بالدرس والاعمال والاوراد وما أشبهها ومن جملة الامارات صياح الديك المجرب اصابة صياحه للوقت وكذلك أذان المؤذنين في يوم الغيم إذا كثروا وغلب علي الظن لكثرتهم انهم لا يخطئون والاعمى يجتهد في الوقت كالبصير وانما يجتهدان إذا لم يخبرهما عدل عن دخول الوقت عن مشاهدة فلو قال رايت الفجر طالعا أو الشفق غاربا فلا مساغ للاجتهاد ووجب قبول قوله ولو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 أخبر عن اجتهاد فليس للبصير القادر علي الاجتهاد تقليده والاخذ بقوله وهل للاعمي ذلك فيه وجهان أصحهما نعم ويسوغ له الاجتهاد والتقليد جميعا ويترتب علي هذا الاعتماد علي أذان المؤذن فان كان بصيرا لم يعتمد عليه في يوم الغيم لانه يؤذن عن اجتهاد ويعتمد عليه في يوم الصحو إذا كان المؤذن عدلا عالما بالمواقيت لانه يؤذن عن مشاهدة وان كان أعمى فهل يعتمد عليه فيه الوجهان المذكوران في جواز التقليد له وحكى في التهذيب وجهين في تقليد المؤذن من غير فرق بين الاعمى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 والبصير وقال الاصح الجواز * واحتج عليه بقوله صلي الله عليه وسلم سلم (المؤذنون أمناء الناس علي صلواتهم) ويحكي أن ابن سريح ذهب إليه والتفصيل أقرب وهو اختيار القاضي الرويانى وغيره وإذا لزم الاجتهاد فصلي من غير اجتهاد لزمه الاعادة وان وقعت صلاته في الوقت وان لم يكن دلالة أو كانت ولم يغلب علي ظنه شئ أخر إلى ان يغلب على ظنه دخول الوقت والاحتياط أن يؤخر ان لم يغلب على ظنه انه لو أخر عنه خرج الوقت وعند ابى حنيفة في يوم الغيم يؤخر الظهر ويعجل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 العصر ويؤخر المغرب ويعجل العشاء وحكم الفجر كما ذكر في غير يوم الغيم وهل يجتهد إذا قدر على الصبر الي استيقان دخول الوقت فيه وجهان أحدهما وهو اختيار اذستاذ أبى اسحق الاسفرايني انه لا يجتهد للقدرة علي الايقاع في الوقت يقينا واظهرهما انه يجتهد إذ لا قدرة علي اليقين في حالة الاشتباه وهذا كالخلاف فيما إذا اشتبه عليه اناء ان ومعه ماء طاهر بيقين: فان قلت وما من حالة الا ويمكن الصبر فيها الي درك اليقين فان الاوقات في المضى والاشتباه انما يقع في أوائلها فإذا صبر زال الاشتباه قلنا يجوز أن يكون محبوسا في مطمورة لا يعرف شيئا من الاوقات أصلا ولا يدرى أن الساعة التى هو فيها ليل أو نهار ويجوز في حق غيره أيضا الا يحصل له يقين أصلا بأن لا يعرف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 في يوم اطباق الغيم هل دخل وقت الظهر أم لا ولا يعرف نه ان دخل هل بقي ام لا ثم إذا اجتهد وصلي فان لم يتبين الحال فذاك وان تبين نظران وقعت صلاته في الوقت أو بعده فلا قضاء عليه: وما فعله بعد الوقت قضاء أو اداء فيه وجهان اصحهما انه قضاء حتى لو كان مسافرا يجب عليه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 اعادة الصلاة تامة إذا قلنا لا يجوز قصر القضاء فان وقعت صلاته قبل الوقت نظر ان أدرك الوقت أعاد ولا فقولان وكل ذلك خلافا ووفاقا يجرى فيما إذا اشتبه شهر رمضان علي الاسير فاجتهد وأخطأ:، وأصح القولين وجوب الاعادة وهما مبنيان علي أن المفعول بعد الوقت قضاء كما في غير حالة الاشتباه أو أداء قائم مقام الواقع في الوقت لمكان العذر فان قلنا بالاول لم يعتد بما تقدم على الوقت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 وان قلنا بالثاني اعتد به * قال * (الفصل الثاني في وقت المعذورين) * (ونعني بالعذر ما يسقط القضاء كالجنون والصبا والحيض والكفر ولها ثلاثة أحوال الاولي أن يخلوا عنها آخر الوقت بقدر ركعة كما لو طهرت الحائض قبل الغروب بقدر ركعة يلزمها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 العصر (ز) وكذا بقدر تكبيرة (م ز) على أقيس القولين) * ذكرنا في أول الباب أن الغرض من هذا الفصل هو الكلام في الوقت الذى سماه الشافعي رضي الله عنه وقت الضرورة سواء قلنا انه ووقت العذر شئ واحد أم لا والمراد من وقت الضرورة الوقت الذى يصير فيه الشخص من أهل لزوم الصلاة عليه بزوال الاسباب المانعة من اللزوم وهى الصبى والجنون والكفر والحيض وفي معنى الجنون الاغماء وفي معنى الحيض النفاس ثم لهذه الاسباب أحوال ثلاثة لانها اما أن لا تستغرق وقت الصلاة أو تستغرقه وان لم تستغرقه فاما أن يوجد في أول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 الوقت ويخلو عنها آخره أو يكون بالعكس من ذلك (الحالة الاولي) أن يوجد في أول الوقت ويخلو عنها آخره كما لو طهرت عن الحيض أو النفاس في آخر الوقت فننظر ان بقى من الوقت قدر ركعة فصاعدا لزمها فرض الوقت واحتجوا عليه بقوله صلى الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن ادرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) والمعتبر في الركعة أخف ما يقدر عليه أحد وانما يلزم فرض الوقت بادراك قدر الركعة بشرط وهو أن تمتد السلامة عن الموانع قدر امكان فعل الطهارة وتلك الصلاة أما لو عاد مانع قبل ذلك فلا مثاله إذا بلغ الصبى في آخر وقت العصر ثم جن أو أفاق المجنون ثم عاد جنونه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 أو طهرت حائض ثم جنت أو أفاقت مجنونة ثم حاضت فان مضي في حال السلامة قدر ما يسع أربع ركعات بعد الطهارة لزم العصر والا فلا هذا إذا كان الباقي من الوقت مقدار ركعة أما إذا كان الباقي مقدار تكبيرة أو فوقها ودون ركعة ففى لزوم فرض الوقت به قولان في الجديد أصحهما وبه قال أبو حنيفة نعم لانه أدرك جزءا من الوقت فصار كما لو أدرك قدر ركعة ولان الادراك الذى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 تعلق به الايجاب تستوى فيه الركعة وما دونها ألا ترى أن المسافر إذا اقتدى بمقيم في جزء يسير من الصلاة لزمه الاتمام كما لو اقتدى به في ركعة ثم اللزوم علي هذا القول انما يكون بالشرط الذى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 ذكرناه فيما إذا بقى قدر ركعة والقول الثاني وبه قال المزني أنه لا يلزم به فرض الوقت لان الادراك في الخبر منوط بمقدار ركعة وصار كما إذا أدرك من الجمعة ما دون ركعة لا يكون مدركا لها هذا مذهبه في القديم ويحكى عن مالك مثل ذلك وقد نقل الناقلون الجديد اللزوم والقديم منعه اقتصارا من قولي الجديد على ما يقابل القديم وقوله في الكتاب ونعنى بالعذر ما يسقط القضاء أي إذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 استغرق الوقت واستبشع بعضهم عند الكفر من الاعذار وقال الكافر غير معذور بكفره ولا معنى للاستبشاع بعد العناية وتفسير العذر بما يسقط القضاء ولا يشك أن القضاء ساقط عن الكافر ويجوز أن يعد عذرا بعد الاسلام لانه غير مؤاخذ بما تركه في حال الكفر وقوله وكذا بقدر تكبيرة معلم بالميم والزاى * قال (وهل يلزمها الظهر بما يلزم به العصر فيه قولان فعلي قول يلزم وعلى الثاني لابد من زيادة أربع ركعات على ذلك حتى يتصور الفراغ من الظهر فعلا ثم يفرض لزوم العصر بعده وهذه الاربع في مقابلة الظهر والعصر فيه قولان ويظهر فائدته في المغرب والعشاء) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 ما ذكرناه من لزوم فرض الوقت بادراك ركعة أو بما دونها علي أحد القولين يشمل الصلوات كلها ثم الصلوات التى يتفق في آخر وقتها زوال العذر اما ان تكون صلاة لا يجمع بينها وبين ما قبلها أو صلاة يجمع بينهما وبين ما قبلها علي ما سيأتي كيفية الجمع في بابه فالقسم الاول هو الصبح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 والظهر والمغرب فلا يلزم بزوال العذر في آخر وقت الواحدة من هذه الصلوات سوى تلك الصلاة والقسم الثاني هو العصر والعشاء فيجب علي الجملة بادراك وقت العصر الظهر وبادراك وقت العشاء المغرب خلافا لابي حنيفة والمزنى قال صاحب المعتمد وقول مالك يشبه ذلك لنا ما روى عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس رضي الله عنهما انهما قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر (بركعة يلزمها المغرب والعشاء) وأيضا فان وقت العصر وقت الظهر في حاله العذر ففى حالة الضرورة وهى فوق العذر أولى وإذا عرفت ذلك فينبغي أن يعرف أن صاحب الكتاب انما فرض الكلام في وقت العصر حيث قال في الفصل السابق كما لو طهرت الحائض قبل الغروب لان العصر من القسم الثاني فأراد ان يرتب لزوم الظهر عليه بعد بيان حكم العصر فقال وهل يلزمها الظهر بما يلزم به العصر الي آخره وشرح ذلك أن الشافعي رضى الله عنه بعد الجزم بأن الظهر قد يلزم بادراك وقت العصر اختلف قوله في انه بماذا يلزم فأصح قوليه انه يلزم بما يلزم به العصر وذلك ركعة علي قول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 وتكبيرة على قول ووجهه انا جعلنا وقت العصر وقتا للظهر ومعلوم انه لو أدرك من وقت الظهر ركعة أو تحريمة يلزمه الظهر فكذلك إذا أدرك من وقت العصر لانا لا نعتبر امكان فعل الصلاتين فيكفى ادراك وقت مشترك والقول الثاني انه لا يلزم به بل لابد من زيادة اربع ركعات بعد ذلك القدر لان انما نجعلها مدركة للصلاتين حملا علي الجمع وانما يتحقق صورة الجمع إذا تمت احدى الصلاتين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 وبعض الاخرى في الوقت ثم الاربع الزائدة تقع في مقابله الظهر أو العصر فيه قولان وليسا بمنصوصين لكنهنا مخرجان ولذلك عبر الصيدلاني وقيره عنهم بوجهين أصحهما أن الاربع في مقابلة الظهر لانها السابقة وعند الجمع لابد من تقديمهما وجوبا أو استحبابا علي ما سيأتي في موضعه. لانه لو لم يدرك الا قدر ركعة أو تحريمة لما لزمه الظهر علي هذا القول الذى عليه تفرع وإذا زال قدر الاربع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 لزم الظهر فدل علي أن هذه الزيادة في مقابلة الظهر والثاني انها في مقابلة العصر لان الظهر ههنا تابعة للعصر في الوقت واللزوم فإذا اقتضي الحال الحكم بادراك الصلاتين وجب أن بكون الاكثر في مقابلة المتبوع والاقل في مقابلة التابع وفائدة هذا الخلاف الاخير لا يظهر في هذه الصورة وانما يظهر في المغرب والعشاء وذلك ان في لزوم المغرب بما يلزم به العشاء قولين كما في لزوم الظهر بما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 يلزم به العصر اصح القولين انه يلزم به والثانى لابد من زيادة علي ذلك فان قلنا في الصورة الاولي الاربع في مقابلة الظهر كفى ههنا قدر ثلاث ركعات للمغرب زيادة على ما يلزم به العشاء وان قلنا انها في مقابلة العصر وجب أن يزيد قدر أربع ركعات وقوله في الكتاب حتى تتصور الفراغ من الظهر فعلا ثم يفرض لزوم العصر بعده المراد منه ما قد مضي أن صورة الجمع انما يتحقق إذا تمت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 احدى الصلاتين وبعض الاخرى في الوقت وتعيين الظهر ولزوم العصر بعده كأنه مبنى علي أن الظهر لابد من تقديمه عند الجمع * قال (وهل تعتبر مدة الوضوء مع الوقت الذى ذكرناه فعلى قولين) * هل يعتبر مع القدر المذكور للزوم الصلاة الواحدة أو صلاتي الجمع ادراك زمان الطهارة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 فيه قولان احدهما نعم لان الصلاة انما تمكن بعد تقديم الطهارة وأصحهما لا لان الطهارة لا تختص بالوقت ولا تشترط في الا لزام وانما يشترط في الصحة ألا ترى أن الصلاة تلزم على المحدث ويعاقب علي تركها وإذا جمعت بين الاقوال التي حكيناها حصل عندك في القدر الذى يلزم به كل صلاة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 من ادراك آخر وقتها أربعة أقوال أصحهما قدر تكبيرة وثانيها هذا مع زمان طهارة وثالثها قدر ركعة ورابعها هذا مع زمان طهارة وفيما يلزم به الظهر مع العصر ثمانية أقوال هذه الاربعة وخامسها قدر اربع ركعات مع تكبيرة وسادسها هذا مع زمان طهارة وسابعها قد خمس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 ركعات وثامنها هذا مع زمان طهارة وفيها يلزم به العشاء مع المغرب مع هذه الثمانية أربعة أخرى أحدها ثلاث ركعات وتكبيرة والثانى هذا مع زمان طهارة والثالث أربع ركعات والرابع هذا مع زمان طهارة * قال (فان زال الصبي بعد أداء وظيفة الوقت فلا يجب (ح وز) اعادتها وكذا يوم الجمعة وإن أدرك الجمعة بعد الفراغ من الظهر علي أحد الوجهين وكذا لو بلغ الصبي بالسن في أثناء الصلاة واستمر عليها وقع عن الفرض) * جميع ما ذكرنا فيما إذا كان زوال العذر قبل اداء وظيفة الوقت وهكذا يكون حال ما سوى الصبى من الاعذار فانها كما تمنع الوجوب تمنع الصحة فأما الصبى فيجوز أن يزول بعد اداء وظيفة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 الوقت أو في اثنائها لانها لا تمنع الصحة وان منع الوجوب فإذا صلي الصبى وظيفة الوقت ثم بلغ وقد بقى شئ من الوقت اما بالسن أو بالاحتلام فيستحب له ان يعيد وهل يجب عليه الاعادة ظاهر المذهب وهو المذكور في الكتاب انه لا يجب لانه ادى وظيفة الوقت وصحت منه فلا تلزمه الاعادة كالامة إذا صلت مكشوفة الرأس ثم عتقت والوقت باق لا تعيد وخرج ابن سريج انه يجب لان ما أداه في حال الصغر واقع في حال النقصان فلا يجزى عن الفرض بعد حصول الكمال في الوقت والمفعول مع النقصان كغير المفعول وهذا مذهب أبى حنيفة والمزنى ورواه القاضى الرويانى عن مالك قال وعن احمد روايتان ولا فرق عند ابن سريج بين أن يكون الباقي من الوقت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 حين بلغ قليلا أو كثيرا وعن الاصطخرى انه ان بلغ والباقى من الوقت ما يسع لتلك الصلاة لزمت الاعادة والا فلا ولو بلغ في أثناء الصلاة وانما يكون ذلك بالسن فقد قال الشافعي رضي الله عنه أحببت أن يتم ويعيد ولا يتبين لي أن عليه الاعادة واختلفوا في معناه بحسب الاختلاف فيما إذا بلغ بعد الصلاة فقال جمهور الاصحاب يجب الاتمام وتستحب الاعادة أما وجوب الاتمام فلان صلاته صحيحة وقد أدركه الوجوب فيها فيلزمه اتمامها وقد تكون العبادة تطوعا في الابتداء ثم يجب اتمامها كحج التطوع وكما إذا ابتدأ الصوم وهو مريض ثم شفى وكما لو شرع في صوم التطوع ثم نذر اتمامه يجب عليه الاتمام وأما استحباب الاعادة فليؤدى الصلاة في حال الكمال ومعنى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 قوله أحببت أن يتم ويعيد عند هؤلاء هو استحباب الجمع بينهما وهذا الوجه هو الذى ذكره في الكتاب حيث قال وقع عن الفرض وقال ابن سريج الاتمام يستحب والاعادة واجبة وهذا خلاف قوله ولا يبين لي أن عليه الاعادة والاصطخري جرى على التفصيل الذى سبق وقال إذا كان الباقي قدرا لا يسع للصلاة أشبه ما إذا بلغ في اثناء صوم يوم من رمضان لا يجب عليه القضاء لان الباقي لا يسع صوم يوم: واعلم ان مسألة الصوم قد سلم فيها ابو حنيفة والمزنى نفى القضاء تعليلا بما ذكره الاصطخرى واختلف سائر اصحابنا في تعليله منهم من ساعدهم علي هذا التعليل وقال بقية اليوم لا يسع الصوم ولا يمكن ايقاع بعضه في الليل بخلاف الصلاة يمكن ايقاع بعضها بعد خروج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 الوقت ومنه من علل بأن الصوم المأتي به صحيح واقع عن الفرض وينبنى علي هاتين العلتين ما إذا بلغ وهو مفطر فعلي التعليل الاول لا قضاء عليه وعلى الثاني يجب وعن ابن سريح أنه يجب القضاء في الصوم كما في الصلاة بلغ مفطرا أو صائما هذا في غير الجمعة من الصلوات أما إذا صلي الظهر يوم الجمعة ثم بلغ والجمعة غير فائتة بعد هل يلزمه حضورها من قال في سائر الصلوات تلزم الاعادة أولي أن يقول باللزوم ههنا ومن نفى الاعادة في سائر الصلوات اختلفوا ههنا علي وجهين أحدهما وبه قطع ابن الحداد أنه يجب عليه الجمعة لانه لم يكن من أهل الفرض حين صلى الظهر وقد كمل حاله بالبلوغ بخلاف سائر الصلوات لانه بالبلوغ لا ينتقل إلى فرض أكمل مما فعل وههنا ينتقل إلى الجمعة وهو أكمل من الظهر الا ترى أمنها تتعلق باهل الكمال وبخلاف المسافر والعبد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 إذا صليا الظهر ثم أقام المسافر وعتق العبد وأدركا الجمعة لا يلزمهما الجمعة لانهما حين صليا الظهر كانا من أهل الفرض والوجه الثاني وهو الاصح أنها لا تلزم كسائر الصلوات ومنعوا قوله أنه ليس من اهل الفرض لانه مأمور بالصلاة مضروب على تركها ولا يعاقب احد على ترك التطوع وعن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 الشيخ ابي زيد يخرج هذا الخلاف علي الخلاف في أن المتعدى بترك الجمعة هل يعتد بظهره قبل فوات الجمعة لان الصبى مأمور بحضور الجمعة فإذا بلغ ولم يصل الجمعة كان مؤديا للظهر قبل فوات الجمعة ولا يخفى بعد حكاية هذه المذاهب الحاجة الي أعلام قوله فلا يجب اعادتها بالحاء والميم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 والالف والزاى وبالواو لما ذكره ابن سريج والاصطخري وكذا اعلام قوله وقع عن الفرض بهذه العلامات وكذا أعلام قوله وكذا يوم الجمعة ما سوى الواو من العلامات * قال (الحالة الثانية أن يخلو أول الوقت فإذا طرأ الحيض وقد مضى من الوقت مقدار ما يسع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 الصلاة لزمتها ولا يلزم بأقل من ذلك وقيل لا يلزم ما لم تدرك جميع الوقت في صورة الطريان وأما العصر فلا يلزم بادراك أول وقت الظهر لان وقت الظهر لا يصلح للعصر في حق المعذورة ما لم يفرغ من فعل الظهر) * هذه الحالة الثانية عكس الاولي وهي ان يخلو أول الوقت عن الاعذار المذكورة ثم يطرأ منها في آخر الوقت ما يمكن أن يطرأ منها وهو الحيض أو النفاس والجنون والاغماء واما الصبي فلا يتصور عروضه والكفر وان تصور عروضه لكنه لا يسقط القضاء كما سيأتي فإذا حاضت في اثناء الوقت نظر في القدر الماضي من الوقت ان كان قدر ما يسع لتلك الصلاة استقرت في ذمتها وعليها القضاء إذا طهرت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 لانها ادركت من الوقت ما يمكن فيه فعل الفرض فلا يسقط بما يطرأ بعده كما لو هلك النصاب بعد الحول وامكن الادا لا تسقط الزكاة وعن مالك انه لا تلزمها تلك الصلاة ما لم تدرك آخر الوقت وبه قال ابو حنيفة قال الكرخي في مختصره وان كانت طاهرة فحاضت في آخر الوقت فلا قضاء عليها وخرج ابن سريح مثل ذلك علي اصل الشافعي رضي الله عنه وقال لا يلزم القضاء ما لم تدرك جميع الوقت اخذا مما لو سافر الرجل في اثناء الوقت يجوز له القصر وان مضى من الوقت ما يسع للصلاة الثانية واعلم ان في تلك المسألة ايضا تخريجا مما نحن فيه لانه لا يقصر وقد ذكر الاختلاف في المسألتين جميعا في الكتاب في باب صلاة المسافرين نشرحه في موضعه ان شاء الله تعالى ثم علي ظاهر المذهب المعتبر أخف ما يمكن من الصلاة حتى لو طولت صلاتها فحاضت في اثنائها والماضي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 من الوقت يسع تلك الصلاة لو خففت لزمها القضاء ولو كان الرجل مسافرا فطرأ عليه جنون واغماء بعد ما مضى من وقت الصلاة المقصورة ما يسع ركعتين لزمه قضاؤها لانه لو قصر لامكنه أداؤها ولا يعتبر مع امكان فعل الصلاة زمان امكان الطهارة من الوقت لان الطهارة يمكن تقديمها على الوقت الا إذا لم يجز تقديم طهارة صاحب الواقعة علي الوقت كالتيمم وطهارة المستحاضة وان كان الماضي من الوقت دون ما يسع لتلك الصلاة لم تلزم تلك الصلاة وقال ابويحيي البلخى من اصحابنا إذا أدرك من أول الوقت قدر ركعة أو تكبيرة على اختلاف القولين المذكورين في آخر الوقت لزمه القضاء اعتبار الاول الوقت بآخره حكاه ابو علي صاحب الافصاح فمن بعده عنه وخطأ فيما قال لانه لم يدرك من الوقت ما يتمكن فيه من فعل الفرض فأشبه ما لو هلك النصاب بعد الحول وقبل امكان الاداء ويخالف آخر الوقت لانه أدرك جزءا من الوقت امكن البناء على ما أوقعه فيه بعد خروج الوقت ثم ذكرنا في الحالة الاولى ان من الصلوات ما إذا ادرك صاحب العذر آخر وقتها لزمه التى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 قبلها معها كالظهر يلزم بادراك آخر وقت العصر والمغرب يلزم بادراك آخر وقت العشاء واما ههنا فالعصر لا يلزم بادراك وقت الظهر ولا العشاء بادراك وقت المغرب خلافا لابي يحيى البلخى حيث قال إذا ادرك من وقت الظهر ثمان ركعات ثم طرأ العذر لزم الظهر والعصر كما لو ادرك ذلك من وقت العصر لزمه الصلاتان معا والفرق علي ظاهر المذهب ان الحكم لزوم الصلاتين إذا ادرك وقت العصر مأخوذ من الجمع بينهما عند قيام سببه ولان كل واحدة منهما مؤداة في وقت الاخرى ومعلوم ان وقت الظهر انما يكون وقتا للعصر على سبيل تبعية العصر للظهر ألا ترى انه إذا جمع بالتقديم لم يجز له تقديم العصر على الظهر فإذا لم يفعل الظهر فليس وقتها بوقت العصر واما وقت العصر فليس وقتا للظهر علي سبيل تبعية الظهر للعصر ألا ترى انه إذا جمع بالتأخير جاز له تقديم الظهر علي العصر بل هو أولي على وجه ومتعين على وجه كما سيأتي في باب الجمع وكان وقت العصر وقتا للظهر من غير التوقف علي فعل العصر فلهذا المعنى افترق الطرفان: جئنا الي ما يتعلق بلفظ الكتاب اما قوله فإذا طرأ الحيض وقد مضى من الوقت مقدار ما يسع للصلاة ليس المراد منه مطلق الصلاة بل المراد اخف ما يمكن من الصلاة بصفة العصر ان وجد المعنى المجوز للعصر على ما بيناه قوله لزمتها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 معلم بالخاء والميم لما قدمناه ولا حاجة الي اعلامه بالواو اشارة إلى تخريج ابن سريح لان قوله بعد ذلك وقيل لا يلزم ما لم يدرك جميع الوقت في صورة الطريان وهو ذلك التخريج: ثم اعلم ان الحكم بلزوم الصلاة إذا ادرك من الوقت ما يسعها لا يختص بما إذا كان المدرك من أول الوقت بل لو كان المدرك من وسطه لزمت الصلاة ايضا ونظيره ما إذا أفاق مجنون في اثناء الوقت وعاد جنونه في الوقت أو بلغ ثم جن أو افاقت مجنونة ثم حاضت وقوله ولا يلزم بأقل من ذلك معلم بالواو للوجه المشهور عن البلخي وقد حكاه القاضي ابن كج عن غيره من الاصحاب ايضا وكذلك قوله فأما العصر فلا يلزم بادراك أول الظهر وليس لفظ الاول في قوله بادراك أول الظهر لتخصيص الحكم به فان العصر لا يلزم بادراك آخر وقت الظهر ايضا بل بادراك جميعه وانما جرى لفظ الاول في مقابلة الاخر في الحالة الاولى وقوله لان وقت الظهر لا يصلح للعصر الي آخره المراد منه ما شرحناه في الفرق بين الاول والاخر واراد بالمعذور ههنا الذى يجمع لسفر أو مطر بخلاف ما في أول الفصل فانه اراد بالمعذور ثم صاحب الضرورة علي ما سبق ايضاحه: واعلم ان الاخيرة من صلوات الجمع وان لم يلزم بادراك وقت الاولي لكن الاولى منهما قد يلزم بادراك وقت الاخيرة كما انها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 تلزم بادراك آخر وقتها مثاله إذا افاق المغمي عليه في أول وقت العصر قدر ما يسع للعصر والظهر جميعا لزمناه فان كان مقيما فالمعتبر قدر ثمان ركعات وان كان مسافرا يقصر كفى قدر اربع ركعات ويقاس المغرب والعشاء في جميع ما ذكرناه بالظهر والعصر والله الموفق * قال (الحالة الثالثة أن يعم العذر جميع الوقت فيسقط القضاء ولا تلحق الردة بالكفر بل يجب (م ح) القضاء على المرتد (م ح) والصبي يؤمر بالصلاة بعد سبع سنين ويضرب علي تركها بعد العشر وان لم يكن عليه قضاء والاغماء في معنى الجنون (ح) قل أو كثر وزوال العقل بسكر أو بسبب محرم لا يسقط القضاء ولو سكر ثم جن فلا يقضي ايام الجنون ولو ارتد ثم جن قضي أيام الجنون ولو ارتدت أو سكرت ثم حاضت لا يلزمها قضاء أيام الحيض لان سقوط القضاء عن المجنون رخصة وعن الحائض عزيمة) * قوله أن يعم العذر جميع الوقت فيه شيئان أحدهما انه فسر العذر من قبل بما يسقط القضاء والمراد ما إذا استغرق جميع الوقت كما تقدم فكأنه قال أن يعم ما يسقط القضاء فيسقط القضاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 وغير هذا أجود منه وليس في قولنا إذا وجد ما يسقط القضاء يسقط القضاء في مثل هذا المقام كثير فائدة: والثاني ان قوله جميع الوقت ليس المراد منه الاوقات المخصوصة بالصلوات وكيف وقد ذكرنا انه إذا زالت الضرورة في آخر وقت العصر لزم الظهر ايضا مع انه عم العذر جميع وقت الظهر فإذا المراد منه وقت الرفاهية والضرورة جميعا وغرض الفصل أن الاسباب المانعة من لزوم الصلاة وقد عددناها من قبل مسقطة للقضاء أما الحيض فانه يمنع وجوب الصلاة وجوازها ويسقط القضاء علي ما سبق في كتاب الحيض وأما الكفر فالكافر الاصلي مخاطب بالشرائع علي أشهر وجهى اصحابنا في الاصول لكن إذا أسلم لا يجب عليه قضاء صلوات أيام الكفر لقوله تعالي (قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) والمعنى فيه أن ايجاب القضاء ينفره عن الاسلام والردة لا تلحق بالكفر بل يجب علي المرتد قضاء صلوات ايام الردة خلافا لابي حنيفة حيث قال الردة تسقط قضاء صلوات ايام الردة والصلوات المتروكة قبلها ايضا * لنا انه التزم الفرائض بالاسلام فلا يسقط عنه بالردة كحقوق الادميين: فاما الصبي فلا تجب عليه الصلوات قال صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبى حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 فلا يؤمر أحد ممن لا تجب عليه الصلاة بفعليا سوى الصبى فانه يؤمر بها إذا بلغ سبع سنين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 سنين ويضرب علي تركها إذا بلغ عشرا لما روى انه صلي الله عليه وسلم وسلم قال (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع) قال الائمة فيجب على الاباء والامهات تعليم الاولاد الطهارة والصلاة والشرائع بعد السبع والضرب علي تركها بعد العشر وذكروا في اختصاص الضرب بالعشر معنيين أحدهما انه زمان احتمال البلوغ بالاحتلال فربما بلغ ولا يصدق والثاني انه حينئذ يقوى ويحتمل الضرب واحتج بعض أصحابنا بهذا علي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 انه لا يجوز أن يختن الصبى قبل العشر لان ألم الختان فوق ألم الضرب ويؤمر بالصوم أيضا ان أطاقه كما يؤمر بالصلاة وأجرة تعليم الفرائض من مال الطفل فان لم يكن له مال فعلى الاب وان لم يكن فعلى الام وهل يجوز أن تعطي الاجرة من مال الطفل علي تعليم ما سوى الفاتحة والفرائض من القرآن والادب فيه وجهان: وأما المجنون فلا صلاة عليه أيضا للخبر والاصل ان من لا تجب عليه العبادة لا يجب عليه قضاؤها وانما خالفنا ذلك في حق النائم والناسى لما روى انه صلى الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 عليه وسلم قال (إذا نسى أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها) والاغماء في معنى الجنون يستوى قليله وكثيره في اسقاط القضاء إذا استغرق وقت العذر والضرورة خلافا لابي حنيفة حيث قال لا تسقط الصلاة بالاغماء ما لم يزد علي يوم وليلة ولا حمد حيث قال انه لا يسقط القضاء قل أو كثر لنا القياس علي الجنون ولا يلحق بالجنون زوال العقل لسبب محرم كشرب مسكرا أو دواء مزيل للعقل بل يجب عليه القضاء لانه غير معذور وهذا إذا تناول الدواء وهو عالم بأنه مزيل للعقل من غير حاجة كما إذا اشرب المسكر وهو عالم انه مسكر أما إذا لم يعلم أن الدواء مزيل للعقل وأن الشراب مسكر فلا قضاء عليه كما في الاغماء ولو عرف ان جنسه مسكر لكن ظن ان ذلك القدر لا يسكر لفلته فليس ذلك بعذر ولو وثب من موضع لحاجة فزال عقله فلا قضاء عليه وان فعله عبثا قضى ثم في الفصل فرعان (أحدهما) لو ارتد ثم جن قضى أيام الجنون وما قبلها إذا أفاق واسلم تغليظا علي المرتد ولو سكر ثم جن قضى بعد الافاقة صلوات المدة التى ينتهي إليها السكر لا محالة وهل يقضى صلوات أيام الجنون فيه وجهان احدهما نعم لان السكران يغلظ عليه امر الصلاة كما يغلظ علي المرتد واصحهما وهو المذكور في الكتاب انه لا يقضي صلوات ايام الجنون والفرق ان من جن في ردته مرتد في جنونه حكما ومن جن في سكره ليس بسكران في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 دوام جنونه قطعا (الثاني) لو ارتدت المرأة ثم حاضت أو سكرث ثم حاضت فلا تقضي أيام الحيض ولا فرق بين اتصالها بالردة واتصالها بالسكر بخلاف الجنون حيث افترق الحال بين اتصاله بالردة وبين اتصاله بالسكر والفرق ان سقوط القضاء عن الحائض ليس من باب الرخص والتحقيقات بل هو عزيمة فانها مكلفة بترك الصلاة والمجنون ليس مخاطبا بترك الصلاة كما ليس مخاطبا بفعلها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 وانما أسقط القضاء عنه تحفيفا فإذا كان مرتدا لم يستحق التخفيف ومما يوضح الفرق انها لو شربت دواء حتي حاضت لا يلزمها القضاء بخلاف ما لو شربت دواء يزيل العقل وكذلك لو شربت دواء حتى ألقت الجنين ونفست لا يجب عليها قضاء الصلوات على المذهب الصحيح لان سقوط الصلاة عن الحائض والنفساء عزيمهة: فالحاصل ان من لم يؤمر بالترك لا يستحيل أن يؤمر بالقضاء فإذا لم يؤمر كان تخفيفا ومن أمر بالترك فامتثل الامر لا يتوجه أن يؤمر بالقضاء وهذا يشكل لفصل الصوم فان الحائض مامورة بترك الصوم ثم تؤمر بالقضاء الا أن ذلك معدول به عن القياس اتباعا للنص: والمواضع المستحقة للعلامات من الفصل بينة والذى لا بأس بذكره قوله ولو ارتد ثم جن قضي أيام الجنون ينبغي أن يعلم قوله قضي بالحاء لان عند أبى حنيفة لا قضاء في الردة فكيف يؤمر في ايجاب قضاء أيام الجنون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 قال الفصل الثالث في الاوقات المكروهة وهى خمسة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ووقت الطلوع إلى أن يرتفع قرص الشمس ووقت الاستواء إلى أن تزول الشمس ووقت اصفرار الشمس الي وقت تمام الغروب) * الاوقات المكروهة خمسة وقتان تعلق النهي فيهما بالفعل وهى بعد صلاة الصبح حتى تطلع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 الشمس وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس روى ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ووجه تعلق النهى فيهما بالفعل ان صلاة التطوع فيهما مكروهة لمن صلى الصبح والعصر دون من لم يصلهما ومن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 صلاهما فان عجلهما ف أول الوقت طال في حقه وقت الكراهية وان أخرهما قصر وثلاثة أوقات يتعلق النهي فيهما بالزمان وهى عند طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رمح ويستولى سلطانها بظهور شعاعها فان الشعاع يكون ضعيفا في الابتداء وعند استواء الشمس حتى تزول وعند اصفرار الشمس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 حتى يتم غروبها لما روي انه صلي الله عليه وسلم (ان الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها: ونهي عن الصلاة في هذه الاوقات) وقوله ومعها قرن الشيطان قيل معناه قوم الشيطان وهم عبدة الشمس يسجدون لها في هذه الاوقات نهى عن الصلاة فيها لذلك وقيل معناه ان الشيطان يقرب رأسه من الشمس في هذه الاوقات ليكون الساجد للشمس ساجدا له ولك ان تعلم قول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 المصنف الي أن يرتفع قرص الشمس بالوا ولان من الاصحاب من قال يخرج وقت الكراهية بطلوع القرصة بتمامها ولم يعتبر الارتفاع وايراده في الوسيط يشعر بترجيح هذا الوجه وظاهر المذهب الاول ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم (فإذا ارتفعت فارقها) واعلم أن حالة الاصفرار داخلة في الوقت الثاني وهو ما بعد العصر حتى تغرب الشمس لكن في حق من صلي العصر وحالة الطلوع الي الارتفاع متصلة بما بعد الصبح في حق من صلي الصبح وذكر بعضهم في العبارة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 على الوقت الاول من أوقات الراهية انه ما بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس قيد رمح وعلي هذا فتنقص أوقات الكراهية عن الخمسة وربما انقسم الواحد منها إلى متعلق بالفعل والي متعلق بالزمان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 قال (وذلك في كل صلاة لاسبب لها بخلاف الفائتة وصلاة الجنازة وسجود التلاوة وتحية المسجد وركعتي الطواف وفى الاستسقاء تردد وركعتا الاحرام مكروهة لان سببها متأخر) * الاوقات المكروهة لا ينهي فيها عن الصلاة عن على الاطلاق بل عن بعض أنواعها وما ورد فيها من النهى المطلق محمول علي ذلك البعض فالغرض من هذا الفصل بيان ما ينهى عنه من الصلوات في هذه الاوقات وما لا ينهي عنه وقوله وذلك في كل صلاة لا سبب لها أي النهي والكراهة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 وقول الاصحاب في هذا المقام صلاة لا سبب لها وصلاة لها سبب ما أرادوا به مطلق السبب إذ ما من صلاة الا ولها سبب ولكن أرادوا بقولهم صلاة لها سبب ان لها سببا متقدما على هذه الاوقات أو مقارنا لها وبقولهم صلاة لا سبب لها أي ليس لها سبب متقدم ولا مقارن فعبروا بالمطلق عن المقيد وقد يفسر قولهم لا سبب لها بأن الشارع لم يخصها بوضع وشرعية بل هي التى يأتي بها الانسان ابتداء وهى النوافل المطلقة وعلي هذا التفسير فكل ما لا سبب له مكروه لكن كل ماله سبب ليس بجائز ألا ترى أن ركعتي الاحرام لهما سبب بهذا التفسير وهما مكروهتان كما سنذكر ان شاء الله ولفظ الكتاب يوافق التفسير الاول لانه خص النهي والكراهة بما لا سبب له من الصلواب ثم انه عد أنواعا من الصلوات التي لها سبب فمنها الفائتة فلا تكره في هذه الاوقات لعموم قوله صلي الله عليه وسلم (من نام عن صلاد أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فان ذلك وقتها لا وقت لها غيره) ويستوى في الجواز قضاء الفرائض والسنن والنوافل التى اتخذها وردا له ومنها صلاة الجنازة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 روى انه صلى الله عليه وسلم قال (يا علي لا تؤخر أربعا) وذكر منها الجنازة إذا حضرت: ومنها سجود التلاوة فلا يكره في هذه الاوقات لان سبب سجدة التلاوة قراءة القرآن وهي مقارنة لهذه الاوقات فلا يؤخر عن وقتها وفى معناه سجود الشكر فان سببه السرور الحادث فليس ذكرهما في هذا الموضع لكونهما من أنواع الصلاة لكن لانهما كالصلاة في الشرائط والاحكام ومنها تحية المسجد فان اتفق دخوله في هذه الاوقات لغرض في الدخول كاعتكاف ودرس علم وقراءة فيه لم تكره التحية لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) ولان سبب التحية هو الدخول في المسجد وقد افترن بهذه الاوقات ولو دخلها في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 هذه الاوقات ليصلي التحية لا لحاجة في الدخول فهل يكره فيه وجهان أحدهما لا لما سبق وأقيسهما نعم كما لو أخر الفائتة ليقضيها في هذه الاوقات ويدل عليه ما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (لا يتحرى احدكم لصلاة قبل طلوع الشمس وغروبها) وومنهم من لا يفصل ويجعل في التحية وجهين على الاطلاق وينسب القول بالكراهية إلى عبد الله الزبيري رضى الله عنه وليكن قوله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 وتحية المسجد معلما بالواو لما حكيناه ومنها ركعتا الطواف فلا يكرهان في هذه الاوقات لانهما يؤديان بعد الطواف بسببهما موجود في هذه الاوقات ومنها صلاة الاستسقاء وفيها وجهان عبر عنهما المنصف بالتردد أحدهما إنما يكره لان الغرض منها الدعاء والسؤال وهو لا يفوت بالتأخير فأشبهت صلاة الاستخراة وهذا هو الذى ذكره صاحب التهذيب وآخرون وأظهرهما انها لا تكره لان الحاجة الداعية ايها موجودة في الوقت ومن قال بهذا قد يمنع الكراهة في صلاة الاستخارة أيضا ومن هذه الصلوات صلاة الخسوف فانها لو أخرت عن هذه الاوقات فربما انجلت الشمس وفاتت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 الصلوات ومنها إذا تطهر في هذه الاوقات جاز له أن يصلي ركعتين لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال لبلال (حدثنى بارجي عمل عملته في الاسلام فانى سمعت دف نعليك بين يدى في الجنة قال ما عملت عملا أرجى عندي انى لم اتطهر طهورا في ساعة من ليل أو نهار الا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي) وهل يلحق ركعتا الاحرام بهذه الصلوات فيه وجهان أحدهما نعم لحاجته الي الاحرام في هذه الاوقات بالحج أو العمرة واصحهما وهو المذكور في الكتاب لا: لان سببهما الاحرام وهو متأخر عنهما وقد يتفق بعدهما وقد يعوق دونه عائق ولك أن تعلم قوله وذلك في كل صلاة لا سبب لها بالحاء لانه يقتضى حصر النهى في الصلاة التى لا سبب لها في الاوقات الخمسة جميعا وعند ابي حنيفة الوقتان اللذان يتعلق النهى فيهما بالفعل يكره فيهما التطوع ولا يكره فيهما الفرض ولا بأس بأن يصلي فيهما على الجنازة ويقضي فوائت الفرائض وبسجد للتلاوة والسهو ولكن لا يصلى المنذورة ولا ركعتي الطواف والتطوعات وأما في الاوقات الثلاثة فلا تجوز صلاة ما الا عصر اليوم عند غروب الشمس فلو دخل في تطوع قال يقطعه ويقضيه في الوقت المأمور به فلو مضي فيه اساء وأجزأه وان صلى فيها فرضا أو واجبا اعاد الا عصر يومه وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة ولك ان تعلمه بالميم والالف ايضا لانه روى عن مالك انه يقضى الفرائض في الاوقات الخمسة ولا يصلي فيها النافلة سواء كان لها سبب أو لم يكن وبه قال احمد واستثنى علي مذهبه ركعتا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 الطواف وصلاة الجماعة مع امام الحى وأبو حنيفة يكره اعادتها في الجماعة لنا ما تقدم وايضا ما روى انه صلي الله عليه وسلم (دخل بيت أم سلمة رضي الله عنها بعد صلاة العصر وصلي ركعتين فسألته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 عنهما فقال أتانى ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان) وروى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 انه صلي الله عليه وسلم (رأى قيس بن قهد يصلى ركعتين بعد الصبح فقال ما هاتان الركعتان فقال اني لم اكن صليت ركعتي الفجر فسكت رسول الله صلي الله عليه وسلم ولم بنكر عليه) ويتبين مما نقلناه انه لو علم الفائتة وما بعدها بالحاء لجاز وقد ورد الخبر باستثناء يوم الجمعة عن الكراهية وقيل يختص ذلك بمن يغشاه النعاس عند حضور الجمعة وورد أيضا باستثناء مكة فلا تكره صلاة ولا طواف في وقت من الاوقات * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 (فرع) لو تحرم بالصلاة في وقت الكراهية انغقدت علي أحد الوجهين كالصلاة في الحمام الصلاة المنهي عنها في الاوقات الخمسة على التفصيل الذى وضح لا ينهي عنها علي الاطلاق عندنا بل يستثنى عنها زمان ومكان أما الزمان فهو يوم الجمعة فيستثنى وقت الاستواء يوم الجمعة ولا تكره فيها التطوعات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 خلافا لابي حنيفة ومالك وأحمد لنا ما روى انه صلى الله عليه وآله (نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس الا يوم الجمعة) وهل يستثنى باقى الاوقات الخمسة يوم الجمعة فيه وجهان أحدهما نعم كوقت الاستواء تخصيصا للجمعة وتفضيلا وقد روى (أن جهنم لا تسجر يوم الجمعة) وأصحهما لا: لان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 الرخصة وردت في وقت إذ استواء فيبقى الباقي على عموم النهي فان قلنا بالوجه الاول جاز النقل في وقت الاستواء وغيره لكل أحد فيه وجهان أحدهما نعم لمطلق قوله (الا يوم الجمعة) وايراد المصنف يقتضى ترجيح هذا الوجه لانه حكم بالاستثناء ثم روى عن بعضهم تخصيص الاستثناء بمن يغشاه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 النعاس وبترجيحه قال صاحب التهذيب وغيره واحتجوا عليه أيضا بما روى انه صلي الله عليه وسلم وسلم (كره الصلاة نصف النهار الا يوم الجمعة وقال ان جهنم تسجر الا يوم الجمعة) والوجه الثاني انه لا يجوز التنفل لكل أحد لان المعني المرخص لا يشمل الكل وذكروا في الترخيص ومعنيين أحدهما ان الناس عند الاجتماع يوم الجمعة يشق عليهم مراعاة الشمس والتمييز بين حالة الاستواء وما قبلها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 وما بعدها فخفف الامر عليهم بتعميم الترخيص والثانى أن الناس يبتكرون إليها فيغلبهم النوم فيحتاجون الي طرد النعاس بالتنفل كيلا يبطل وضوءهم فيفتقرون في اعادة الوضوء إلى تخطى رقاب الناس فعلي المعنيين جميعا المتخلف القاعد في بيته وقت الاستواء لعذر أو غير عذر ليس له التنفل فيه وأما الذى حضر الجمعة فقضية المعنى الاول تجويز التنفل له مطلقا وقضية المعني الثاني تخصيص الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 الجواز بالذى يبتكر إليها ثم يغلبه النعاس أما الذى لم يبتكر ولم يؤذه النعاس فلا يجوز له ذلك وقول صاحب الكتاب وقيل يختص بذلك بمن يغشاه النعاس عند حضور الجمعة يوافق المعنى الثاني من جهة اعتبار غشيان النعاس ولكن قضية تجويز التنفل بمن يغشاه النعاس وان لم يبتكر إليها وفى كلام غيره ما يقتضى اعتبار التبكير وكون غلبة النعاس لطول الانتظار واعلم ان قوله وقد ورد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 الخبر باستثناء يوم الجمعة عن الكراهية ظاهره يقتضى استثناء جميع الاوقات الخمسة كما حكيناه وجها عن بعض الاصحاب ولكن قوله وهل يختص ذلك بمن يغشاه النعاس يبين انه اراد بالاول وقت الاستواء لا غير وفيه اشتهر الخبر وهو الاصح في المذهب وأما المكان فقد روى عن أبى ذر ان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 رسول الله صلي الله عليه وسلم قال (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس) الا بمكة واختلف الاصحاب في هذا الاستثناء ومنهم من قال مكة كسائر البلاد في أوقات الكراهة والاستثناء لركعتي الطواف فان له أن يطوف متى شاء وإذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 طاف بالبيت يصلى ركعتي الطواف لانها صلاة لها سبب والاصح وهو المذكور في الكتاب أن مكة تخالف سائر البلاد لشرف البقعة وزيادة فضيلة الصلاة فلا يحرم فيها عن استكثار الفضيلة بحال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 ويدل عليه ما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (يا بنى عبد مناف من ولي منكم من أمور الناس شيئا فلا يمنعن احد اطاف بهذا البيت أو صلى أية ساعة من ليل أو نهار) وليكن قوله فلا يكره فيها صلاة معلما بالواو للوجه الاول وبالحاء والميم لان عندهما لا فرق بين مكة وسائر البلاد ثم ليس المراد من مكة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 نفس البلد بل جميع الحرم للاستواء في الفضيلة وفى وجه يحتص بالاستثناء المسجد الحرام وما عداه كسائر البلاد والمشهور الصحيح الاول ومتي ثبت النهى والكراهة فلو تحرم بالصلاة المنهية هل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 ينعقد أم لا هذا هو الذى رسمه فرعا في الكتاب وفيه وجهان أحدهما نعم كالصلاة في الحمام لا خلاف في انعقاها مع ورود النهى واظهرهما لا كما لو صام يوم العيد لا يصح وعلي هذين الوجهين يخرج ما لو نذر أن يصلي في الاوقات المنهية ان قلنا تصح الصلاة فيها يصح النذر وان قلنا لا تصح فلا يصح النذر كما لو نذر صوم يوم العيد فان صححنا النذر فالاولي أن يصلى في وقت آخر كمن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 نذر أن يضحي شاة بسكين مغصوب يصح نذره ويذبحها بسكين غير مغصوب وأما إذا نذر صلاة مطلقا فله أن يفعلها في الاوقات المكروهة فانها من الصلوات التى لها سبب كالفائتة ونختم الفصل بشيئين أحدهما ان قوله في أول الفصل في الاوقات المكروهة وهى خمسة يقتضى الحصر في الخمسة المذكورة وهو المشهور والحصر في الخمسة حكم باثبات الخمسة ونفى الزائد لكن في كلام الاصحاب حكاية وجهين في أن بعد طلوع الفجر هل يكره ما سوى ركعتي الفجر من النوافل أم لا أحدهما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 نعم وبه قال أبو حنيفة لما روى انه صلى الله عليه وسلم (قال لا صلاة بعد طلوع الفجر الا ركعتا الفجر) والثاني لا وبه قال مالك لقوله صلى الله عليه وسلم (لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس)) والمفهوم من صلاة الصبح هو الفريضة فالتخصيص بالفريضة يدل علي عدم الكراهة قبلها والوجه الثاني هو الذى يوافق كلام معظم الاصحاب حيث قالوا بأن النهي في الوقتين يتعلق بالفعل والا فإذا ثبتت الكراهة من طلوع الفجر لم يختلف زمان الكراهة بتقديم الصبح وتأخيرها طولا وقصرا وهذا استدلال بين علي ترجيح هذا الوجه وصرح به الشيخ أبو محمد وغيره لكن ذكر صاحب الشامل أن ظاهر المذهب هو الوجه الاول ولم يورد في التتمة سواه وان قلنا به دخل وقت الكراهية بطلوع الفجر فان عد ما قبل صلاة الصبح وقتا بانفراده زاد الاوقات المكروهة على خمسة وان جعل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وقتا واحدا وأدرجنا وقت الاصفرار فيما بعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 صلاة العصر كما سبق عادت الاوقات المكروهة الي أربعة وان نضم حالة الطلوع إليه فتعود الاوقات المكروهة الي ثلاثة والشيخ أبو إسحق الشيرازي في آخرين ما أطلقوا الوجهين في الكراهة من حين طلوع الفجر لكن نقلوا الوجهين في كراهة التنفل بعد ركعتي الفجر وذلك يقتضي الجزم بنفى الكراهة قبل أن يصلي ركعتي الفجر وما يتعلق بالحصر علي ما بينته لا يختلف بالطريقين (الثاني) إذا فاتته راتبة أو نافلة اتخذها وردا فقد ذكرنا انه يجوز أن يقضيها في أوقات الكراهة ويدل عليه ما سبق من حديث أم سلمة ثم إذا فعل ذلك فهل له أن يداوم علي تلك الصلاة في وقت الكراهة فيه وجهان أحدهما نعم لان في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 حديث أم سلمة رضي الله عنها ان النبي صلي الله عليه وسلم (داوم علي ركعتين بعد ذلك) وعليه حمل ما روى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 عن عائشة رضي الله عنها قالت (ما كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يأتيني في يوم بعد العصر الا صلى ركعتين) وأصحهما انه لا يجوز لعموم الاخبار الناهية وما فعله رسول الله صلي الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 عليه وسلم كان مخصوصا به فانه كان يداوم علي عمل وقد روى عن عائشة رضى الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم (كان يصلي بعد العصر وينهى عنها) فان قلنا بالاول فهذه الحالة مما تستثنى عن عموم أخبار النهي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 قال (باب الثاني في الاذان وفيه ثلاثة فصول) (الاول) في محله وهو مشروع سنة علي اظهر الرأيين في الجماعة الاولي من صلوات الرجال في كل مفروضة مؤداة وفى الجماعة الثانية في المسجد المطروق قولان وفى جماعة النساء ثلاثة أقوال وفى الثالث انها تقيم ولا تؤذن ولا ترفع الصوت بحال وفى المنفرد في بيته ثلاثة اقوال وفى الثالث انما يؤذن ان انتظر حضور جمع فان قلنا لا يؤذن ففى اقامته خلاف وان قلنا يؤذن فيستحب رفع الصوت ولا أذان في غير مفروضة كصلاة الخسوف والاستسقاء والجنازة والعيدين بل ينادى لها الصلاة جامعة وفى الصلاة جامعة وفى الصلاة الفائتة المفروضة ثلاثة أقوال وفى الثالث يقيم ولا يؤذن (ح) ولو قدم العصر الي وقت الظهر فيؤذن للظهر ويقيم لكل واحدة ولو أخر الظهر الي العصر يؤديهما باقامتين (ح) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 بلا أذان (و) بناء علي ان الظهر كالفائتة فلا يؤن لها) * لا شك أن الاذان دعاء إلى الصلاة اعلام للوقت ولكن لا يدعي به الي كل صلاة بل إلى بعض الصلوات وليس دعاء علي أي وجه اتفق بل له كيفية مخصوصة ولا يدعو به كل أحد بل بعض الناس فتمس الحاجة الي بيان الصلاة التى هي محل الاذان وبيان كيفية الاذان وصفات المؤذن فتكلم في هذه الامور في ثلاثة اصول وافتتح القول في الاول بذكر الخلاف في انه سنة أم فرض كفاية ولو قدم هذه المسألة علي الفصول أجمع وقصر كلام الفصل الاول علي بيان الصلوات التى شرع فيها الاذان سنة كان أم فرضا كان اليق بترجمة الفصل وكذلك فعل في الوسيط واختلفوا في الاذان والاقامة أهما سننان أم فرضا كفاية علي ثلاثة أوجه أصحها انهما سنتان لانهما للاعلام والدعاء الي الصلاة فصار كقوله الصلاة جامعة في العيدين ونحوهما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 ولانه صلى الله عليه وسلم (جمع بين الصلاتين واسقط الاذان من الثانية) والجمع سنة فلو كان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 الاذان واجبا لما تركه لسنة والوجه الثاني انهما فرضا كفاية لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (صلوا كما رأيتموني أصلي فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) وظاهر الامر للوجوب ولانه من شعائر الاسلام فليؤكد بالفريضة وهذان الوجهان هما اللذان أرادهما المصنف بالرأيين والثالث انهما مسنونتان في غير الجمعة وفرضا كفاية في الجمعة لانها اختصت بوجوب الجماعة فيها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 فاختصت بوجوب الدعاء إليها وبالوجه الثالث قال ابن خيران ونسبه القاضي بن كج والشيخ أبو حامد الي أبي سعيد الاصطخرى ونسب آخرون إلى أبي سعيد الوجه الثاني دون الثالث فان قلنا هما سنة فلو اتفق أهل بلد علي تركها هل يقاتلون عليه فيه وجهان أصحهما لا كسائر السنن وينسب إلى أبى اسحق المروزى والثانى نعم لانه من شعائر الاسلام فلا يمكن من تركه وان قلنا هما فرضا كفاية فانما يسقط الحرج بالظهارها في البلدة أو القرية بحيث يعلم جميع أهلها انه قد أذن فيها لو أصقوا ففى القرية الصغيرة يؤذن في موضع واحد والبلدة الكبيرة لابد منه في مواضع ومحال فلو امتنع قوم منها قوتلوا ومن قال بافتراضهما في صلاة الجمعة خاصة فقد اختلفوا: منهم من قال الاذان الواجب هو الذى يقام بين يدى الخطيب فانه الذى يختص بالجمعة فلا يبعا ايجابه كالجماعة والخطبة وغيرهما وهذا ما حكاه الشيخ أبو محمد عن احمد بن سيان من أصحابنا قال الشيخ ووجدت لفظ الوجوب في هذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 الاذان نصا للشافعي رضى الله عنه فلعله أراد توكيد أمره ومنهم من قال يسقط الوجوب بالاذان الذى يؤتى به لصلاة الجمعة وان لم يكن بين يدى الخطيب ولك أن تعلم قوله مشروع سنة بالالف لان بعض اصحاب احمد ذكر ان الاذان والاقامة فرضان علي الكفاية عندهم وبالميم لان في تعليق الشيخ ابي حامد أن مالكا يقول بوجوب الاذان ويلزم الاعادة ما بقى الوقت فان ذهب الوقت وصلى من غير أذان جاز * ونعود بعد هذا الي بيان محمد الاذان وقد ضبطه المصنف فقال محله الجماعة الاولي من صلاة الرجال الرجال في كل مفروضة مؤداة وفيه خمسة قيود أولها الجماعة فالمنفرد في الصحراء أو في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 المصر هل يؤذن الجديد أنه يؤذن لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابي سعيد الخدرى رضي الله عنه (انك رجل تحب الغنم والبادية فإذا دخل عليك وقت الصلاة فأذن وارفع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 صوتك فانه لا يسمع صوتك حجر ولا شجر ولا مدر الا شهد لك يوم القيامة) وحكي عن القديم انه لا يؤذن لان المقصود من الاذان الابلاغ والاعلام وهذا لا ينتظم في المنفرد وقال بعض اصحابنا انه كان يرجو حضور جمع اذن والا فلا وحمل حديث ابي سعيد على انه كان ينتظر حضور غلمانه ومن معه في البادية هذا إذا لم يبلغ المنفرد اذان المؤذنين واما إذا بلغه فالخلاف فيه مرتب على هذا الخلاف وأولى بان لا يؤذن كاحاد الجمع فان قلنا لا يؤذن المنفرد فهل يقيم فيه وجهان أحدهما لا كالاذان وأصحهما نعم لانهما للحاضرين فيقيم لنفسه وإذا قلنا يؤذن فهل يرفع الصوت فيه وجهان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 أصحهما نعم لحديث أبى سعيد والثانى ان انتظر حضور جمع رفع والا فلا ولا شك في انه إذا أذن يقيم: وأعلم أن هذا الترتيب يشتمل عليه كلام امام الحرمين وهذا الذى اقتبسه منه المصنف الا أنه جعل الفرق بين أن ينتظر حضور جمع أولا ينتظر قولا واطلق في المسألة ثلاثة أقوال والامام لم يروه الا عن بعض الاصحاب والجمهور افتصروا على ذكر المذهب المنسوب الي الجديد ولم يتعرضوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 لخلاف نعم حكى القول القديم في التتمة ولكن إذا كان المنفرد يصلى في المصر خاصة ولم يطرده في المنفرد في الصحراء: وقوله في الكتاب وفى المنفرد في بيته تخصيص البيت بالذكر يمكن أن يحمل علي موافقة ما رواه في التتمة لكنه لم يرد ذلك بل طرد الخلاف في السفر والحضر في الوسيط واما الفرق بين أن يرجو حضور جمع ولا يرجوا فسنيين في الاذان للفائتة أنه من أين اخذ وليكن قوله وان قلنا يؤذن - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 فيستحب رفع الصوت مرقوما بالواو لما قدمناه ويدل علي استحباب الاذان للمنفرد وعلي ان الاقامة أولى بالرعاية ما روى ان النبي صلي الله عليه وسلم قال (إذا كان أحدكم بارض فلاة فدخل عليه دقت صلاة فان صلي بغير أذان ولا اقامة صلى وحده وان صلي باقامة صلى بصلاته ملكاه فان صلي باذان واقامة صلي خلفه صف من الملائكة اولهم بالمشرق وآخرهم بالمغرب) ويستثنى عما ذكرنا من أن المفرد يرفع صوته بالاذان صورة وهى ما إذا صلي في مسجد اقيمت الجماعة فيه وانصرفوا فههنا لا يرفع الصوت لئلا يتوهم السامعون دخول وقت صلاة أخرى سيما في يوم الغيم وثانيها كونها جماعة أولي ومهما اقيمت الجماعة في مسجد ثم حضر قوم فان لم يكن له امام راتب لم يكره لهم اقامة الجماعة فيه وان كان ففيه وجهان أصحهما أنه يكره وبه قال أبو حنيفة وإذا أقاموا جماعة ثانية مكروهة كانت أو غير مكروهة فهل يسن لهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 الاذان حكى امام الحرمين عن رواية صاحب التقريب فيه قولين أحدهما لا لان كل واحد منهم يدعو بالاذان الاول وقد أجاب بالحضور فصاروا كالحاضرين في الجماعة الاولي بعد الاذان والثانى نعم لان الاذان الاول قد انتهى حكمه باقامة الجماعه الاولي لكن الاذان الثاني لا يرفع فيه الصوت كيلا يلتبس الامر علي الناس وهذ أظهر والاول مذهب أبى حنيفة قال الكرخي في مختصره ولا يؤذن في مسجد له امام معروف مرتين واما ذكر المصنف المطروق في صورة المسالة فليس للتقييد لان رواية صاحب التقريب مطلقة ولعله انما ذكره لان اقامة الجماعة بعد الجماعة انما تتفق غالبا في المساجد المطروقة والله أعلم: وثالثهما صلاة الرجال ففى جماعة النساء ثلاثة أقوال حكاها في النهاية اصحها وهو نصه في الام والمختصر أنه يستحب لهن الاقامة دون الاذان اما أن الاذان لا يستحب فلان الاذان للابلاغ والاعلام ولا يحصل ذلك الا برفع الصوت وفى رفع النساء الصوت خوف الافتتان وقد روى عن ابن عمر رضي الله عنهما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 انه قال ليس علي النساء اذان واما ان الاقامة تستحب فلانها لاستفتاح الصلاة واستنهاض الحاضرين فيستوى فيها الرجال والنساء فلو اذنت علي هذا القول من غير رفع الصوت لم يكره وكان ذكر الله تعالى والثانى انه لا أذان ولا اقامة أما الاذان فلما سبق واما الاقامة فلانها تبع الاذان والثالث انه يستحب الاذان والاقامة لما روى عن عائشة رضي الله عنها انها كانت تؤذن وتقيم ثم لا يختص هذا الخلاف بما إذا صلين جماعة بل وهو جار في المرأة المنفردة ولكن بالترتيب علي الرجل ان قلنا لا يؤذن الرجل المنفرد فالمرأة أولى وان قلنا يؤذن ففى المرأة هذا الخلاف وقوله ولا يرفع الصوت بحال أي لا ترفع المؤذنة صوتها فوق ما تسع واحبها ويحرم عليها أن تزيد على ذلك قال في النهاية وحيث قلنا في أذان الجماعة الثانية في المسجد الذى أقيم فيه الجماعة الاولي والاذان الراتب انه لا يرفع صوته فلا يعنى به أن الاولى أن لا يرفع فان الرفع أولي في حقه ولكن يعني به انه يعتد باذانه دون الرفع ورابعها المفروضة فليس في غير المفروضة اذان ولا اقامة سواء فيه الصلاة التي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 يسن له الجماعة كالعيدين والكسوفين والاستسقاء واتى لا يسن كصلاة الضحي لانه لم ينقل الامر به عن الرسول صلي الله عليه وسلم ولا عن خلفائه الراشدين رضى الله عنهم ولكن ينادى لصلاة العيدين والكسوفين والاستسقاء الصلاة جامعة وكذلك لصلاة التراويح إذا اقيمت جماعة واختلف الناقلون في صلاة الجنازة فعدها المصنف في جملة ما يستحب فيه هذا النداء وكذلك فعله القاضى ابن كج وآخرون وقال الشيخ ابو حامد وطبقته لا يستحب لها الاذان والاقامة ولا هذا النداء ووافقهم صاحب التهذيب فلا بأس بأعلام قوله بل ينادى لها الصلاة جامعة لهذا السبب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 وخامسها المؤداة ففى الفائتة ثلاثة أقوال الجديد انه لا يؤذن لها لما روى عن ابى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال (حسبنا عن الصلاة يوم الخندق حتى كان بعد المغرب هو يا من الليل فدعا رسول الله صلي الله عليه وسلم بلالا فاقام للظهر فصلاها ثم أقام للعصر فصلاها ثم اقام للمغرب فصلاها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 ثم أقام للعشاء فصلاها ولم يؤذن لها مع الاقامة) والقديم انه يؤذن لها وبه قال مالك وابو حنيفة وأحمد لما روى انه صلي الله عليه وسلم كان في سفر فقال (احفظوا علينا صلاتنا) يعتى الفجر فضرب علي اذاتهم فما ايقظهم الاحر الشمس فقاموا فسار واهينة ثم نزلوا فتوضأ واو اذن بلال فصلوا ركعتي الفجر وركبوا وقال في الاملاء ان امل اجتماع قوم يصلون معه اذن والا فلا قال الائمة الاذان في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 الجديد حق الوقت وفى القديم حق الفريضة وفى الاملاء حق الجماعة وهذا الخلاف في الاذان اما الاقامة فنأتي بها علي الاقوال كلها ثم استفيد من هذا الخلاف شيئان أحدهما أن الفرق في المنفرد بين ان ينتظر حضور جمع أولا ينتظر مخرج من قول الاملاء مصيرا إلى ان الاذان حق الجماعة حكى تخريجه منه عن ابى اسحق المروزى والثاني ظهور القول بان المنفرد في المؤداة هل يؤذن لها وجب ان يرتب فنقول ان قلنا المؤداة لا يؤذن لها فالفائتة أولي وان قلنا يؤذن ففى الفائتة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 خلاف ولو اقيمت الفائتة جماعة فلا جريان للقول الثالث: واعلم بعد هذا ان قول المصنف وفى صلاة الفائتة المفروضة ثلاثة أقوال لفظ المفروضة مستغنى عنها فانا عرفنا بالتقييد سابقا ان غير المفروضة لا اذان لها إذا كانت مؤداة فكيف يتوهم لها الاذان إذا كانت مؤداة فائتة ثم قوله فيه ثلاثة اقوال في الثالث يقيم ولا يؤذن يقتضي ان يكون احد الاقوال انه يؤذن لها والثانى لا يؤذن لها ولا يقيم والثالث ما ذكره وتكون هذه الاقوال حينئذ علي مثال ما قدمه في جماعة النساء لكن سهو ههنا بلا شك فقد اطبقت النقلة على ان الفائتة يقيم لها وانما الاقوال في الاذان وأن ثالثها الفرق بين ان ينتظر حضور جمع اولا ينتظره وقد نقله المصنف علي الصحة في الوسيط فقال في الجديد يقيم ولا يؤذن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 وفى القديم يقيم ويؤذن وفى الاملاء ان انتظر حضور جمع اذن والا اقتصر علي الاقامة وهى متفقة علي انه يقيم لها وهذا كله في الفائتة الواحدة فان كانت عليه فوائت وقضاها على التوالى ففى الاذان للاولي هذه الاقوال ولا يؤذن لما عداها بلا خلاف ويقيم لكل واحدة منها الاولي وغيرها وعند ابي حنيفة يتخير فيما بعد الاولى ان شاء اذن واقام وان شاء اقتصر على الاقامة ولو والي بين فريضة وقت وفائتة فان قدم فريضة الوقت اذن واقام لها واقتصر على الاقامة للفائتة وان قدم الفائتة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 أقام لها وفى الاذان الاقوال وأما فريضة الوقت فقد قال في النهاية ان قلنا يؤذن للفائتة فلا يؤذن للمؤداة بعدها كي يتوالى الاذانان وان قلنا يقتصر للفائتة علي الاقامة فيؤذن للاداء بعدها ويقيم والاظهر انه يقتصر لصلاة الوقت بعد الفائتة علي الاقامة بكل حال لحديث ابي سعيد الخدرى فانه لم يأمر للعشاء بالاذان وإن جمع بين صلاتي جمع بسفر أو مطر فان قدم الاخيرة الي وقت الاولي كتقديم العصر الي الظهر فيؤذن ويقيم للاولى ويقتصر للثانية علي الاقامة لما روى انه صلي الله عليه وسلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 (جمع بين الظهر والعصر بعرفة في وقت الظهر باذن واقامتين) وايضا فانه لو اذن للثانية للاخل بالموالاة وهى مرعية عند التقديم لا محالة وإن أخر الاولى الي وقت الثانية كتأخير الظهر إلى العصر اقام لكل واحدة منهما ولم يؤذن للعصر محافظة علي الموالاة وأما الظهر فتجرى فيه أقوال الفائتة لانها تشبهها من جهة انها خارجة عن وقتها الاصلي والاصح انه لا يؤذن لها ايضا لان النبي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 صلى الله عليه وسلم (جمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة في وقت العشاء باقامتين من غير أذان) قال امام الحرمين قدس الله روحه وينقدح أن يقول يؤذن قبل الظهر وان قلنا الفائتة لا يؤذن لها اما لانها مؤداة ووقت الثانية وقت الاولى عند العذر واما لان اخلاء صلاة العصر عن الاذان وهى واقعة في وقتها بعيد فيقدر الاذان الواقع قبل صلاة الظهر للعصر وقد يؤذن الانسان لصلاة ويأتي بعده بتطوع وغيرها الي ان تتفق الاقامة وتخلله لا يقدح في كون الاذان لتلك الصلاة * وعند ابى حنيفة يصلى للمغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان واقامة ولا يقيم للعشاء ويجوز ان يعلم بالواو قوله بلا اذان وكذا قوله في حالة التقديم فيؤذن للظهر لانه لتخصيص الاذان بالظهر وقد حكي القاضى ابو القاسم بن كج ان ابا الحسن بن القطان خرج وجها انه يؤذن لكل واحدة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 من صلاتي الجمع قدم أو اخر وقوله علي أن الظهر كالفائته فلا يؤذن لها هذا وحده لا يوجب نفى الاذان فيهما لكنه يفيد نفى الاذان للظهر واما العصر فانما لا يؤذن لها لمعنى الموالاة ويلزم من مجموع الامرين ان يكون اداؤهما بلا اذان وقد نجد في بعض النسخ التعرض لسبب نفى الاذان للعصر ايضا والله اعلم وإذا عرفت ما ذكرناه فلا يخفى عليك ان القيود الخمسة مختلف فيها كلها سوى القيد الرابع وان الظاهر عدم اعتبار الاول والثاني واعتبار الثالث والخامس * (فرع) - لا يشرع الاذان في الصلاة المنذورة كذلك رواه صاحب التهذيب وغيره ويخرج عن الضابط بقيد الجماعة فان الجماعة لا يشرع فيها * قال (الفصل الثاني في صفة الاذان وهو مثني مثني والاقامة فرادى علي الادراج: والترجيع مأمور به وكذا التثويب في اذان الصبح علي القديم وهو الصحيح: والقيام والاستقبال شرط للصحة في احد الوجهين ثم يستحب أن يلتفت في الحيعلتين يمينا وشمالا ولا يحول صدره عن القبلة) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 الفصل ينتظم مسائل (احدها) الاذان مثني والاقامة فرادى خلافا لابي حنيفة حيث قال الاقامة كالاذان الا أنه يزاد فيها كلمة الاقامة لنا ما روى عن ابن عمر رضى الله عنه قال (كان الاذان على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثنى والاقامة فرادى الا أن المؤذن كان يقول قد قامت الصلاة مرتين) ثم قولنا الاذان مثنى ليس المراد منه ان جميع كلماته مثناة لان كلمة لا اله الا الله في آخره لا يؤتي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 بها الا مرة واحدة فكلمة التكبير يؤتى بها في أوله أربع مرات خلافا لمالك حيث قال لا يؤتى بالتكبير في أوله الامرتين لنا أن ابا محذورة كذلك (حكاه عن تلقين رسول الله صلي الله عليه وسلم وسلم إياه) وكذلك هو في قصة رؤيا عبد الله بن زيد في الاذان وهي مشهورة وقولنا الاقامة فرادى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 لا نعنى به أن جميع كلماتها موحدة بل كلمة التكبير مثناة في الابتداء والانتهاء وكذلك كلمة الاقامة هذا قوله في الجديد وفى القديم لا يقول هذه الكلمات الامرة وبه قال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 مالك لما روى أنه (أمر بلالا أن يشفع الاذان ويوتر الاقامة) وهذا يقتضى ايتار جميع الكلمات وحجة الجديد ما قدمنا من خبر ابن عمر رضى الله عنهما ومنهم من يقتصر في حكاية القديم علي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 إفراد كلمة الاقامة دون التكبير ويجوز أن يعلم قوله والاقامة فرادى مع الحاء بالواو لان محمد بن اسحق بن خزيمة من أصحابنا قال ان رجع في الاذان ثني الاقامة وإلا أفردها جمعا بين الاخبار في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 الباب وذكر في التهذيب أنه قول للشافعي رضى الله عنه لما روى عن أبى محذورة أن النبي صلى الله عليه وسلم (علمه الاذان تسع عشرة كلمة والاقامة سبع عشر كلمة) (الثانية) المستحب أن يرتل الاذان ويدرج الاقامة والترتيل أن يأتي بكلماتها مبينة من غير تمطيط يجاوز الحد والادراج أن يأتي بالكلمات حدرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 من غير فصل لما روى عن جابر رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر) والترسل هو الترتيل (الثالثة) ينبغى أن يرجع في أذانه خلافا لابي حنيفة واحمد والترجيع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 هو أن يأتي بالشهادة مرتين مرتين بصوت خفيض ثم يمد صوته فيأتي بكل واحدة منهما مرتين أخريين بالصوت الذى افتتح الاذان به لنا ما روى عن أبى محذورة قال (القي على رسول الله صلي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 الله عليه وسلم التأذين بنفسه فقال قل الله اكبر الله اكبر الله اكبر الله الا اله الا الله اشهد أن لا اله الا الله اشهد أن محمدا رسول الله اشهد أن محمدا رسول الله ثم قال أرجع فمد صوتك اشهد ان لا اله الا الله اشهد ان لا اله الا الله اشهد ان محمدا رسول الله اشهد ان محمدا رسول الله وذكر باقى الاذان ووافقنا مالك علي أنه يرجع لكن الصيدلانى روى من مذهبه أنه لا يزيد في كلمات الاذان بل الترجيع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 أن يقول مرة أشهد أن لا اله الا الله ثم مرة اشهد أن محمدا رسول الله ثم يرجع فيمد صوته ويعيد الكلمتين مرة مرة بصوت عال ثم أن المصنف لم يزد في الكتاب على كون الترجيع مأمورا به والامر به يشمل المستحق والمستحب فمن أي القسمين هو الاصح أنه مستحب ولو تركه لم يضر كالتثويب ولان المقصود الاعلام والابلاغ والذى يأتي به بصوت خفيض لا يسمعه الا من حوله فلا يتعلق به ابلاغ وفيه وجه اخر انه مستحق فيه كسائر الكلمات المأمور بها ومنهم من يحكيه قولا الرابعة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 التثويب في أذان الصبح ورد الخبر به وهو أن يقول بعد الحيعلتين الصلاة خير من النوم مرتين ثم يأتي بباقى الاذان وسمي تثويبا من قولهم ثاب إلى الشئ أي عاد والمؤذن يعود به الي الدعاء الي الصلاة بعد ما دعا إليها بالحيعلتين وفيه طريقان أحدهما وهو المذكور في الكتاب ان فيه قولين القديم انه يثوب والجديد انه لا يتوب والثانى القطع بأنه يثوب وبه قال مالك وأحمد لما روى عن بلال رضى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تثوبن في شئ من الصلاة الا في صلاة الفجر) وبهذه الطريقة قال أبو علي الطبري والشيخ ابو حامد والقاضى ابن كح وحكاها الصيدلانى واعتمدها قال هؤلاء وانما كرهه في الجديد معللا بأن أبا محذورة لم بحكه وقد ثبت عن أبي محذورة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 انه قال (علمتي رسول الله صلى الله عليه وسلم الاذان وقال وإذا كنت في اذان الصبح فقلت حي علي الفلاح فقل الصلاة خير من النوم مرتين) فيحتمل انه لم يبلغه عن أبى محذورة وبنى التثويب في القديم على رواية غيره ويحتمل انه يلغه في القديم ونسيه في الجديد وعلى كل حال فاعتماده في الجديد علي خبر أبى محذورة وروايته فكأنه قال مذهبي ما ثبت في حديثه ومن أثبت القولين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 قال المسالة مما يفتى فيها علي القديم * وأما أبو حنيفة فقد روى عنه مثل مذهبنا وروى انه يمكث بعد الاذان بقدر عشرين آية ثم يقول حى علي الصلاة حي علي الفلاح مرتين وقال انه التثويب ثم المشهور في التثويب القطع بأنه ليس بركن في الاذان وقال امام الحرمين فيه احتمال عندي من جهة انه يضاهى كلمات الاذان في شرع رفع الصوت به فكان أولي بالخلاف من الترجيع وقوله وكذا التثويب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 في اذان الصبح مطلق يشمل الاذان الاول والثاني للصبح لكن ذكر في التهذيب انه إذا أذن مرتين وثوب في الاول لا يثوب في الثاني علي أصح الوجهين (الخامسة) ينبغي أن يؤذن ويقيم قائما لان الملك الذى رآه عبد الله بن زيد في المنام أذن قائما وكذلك كان يفعل بلال وغيره من مؤذني رسول الله صلي الله عليه وسلم ولانه أبلغ في الاعلام فلو ترك القيام مع القدرة ففيه وجهان أصحهما ان الاذان والاقامة صحيحان لحصول أصل الابلاغ والاعلام ولانه يجوز ترك القيام في صلاة النفل ففى الاذان أولي الا انه يكره ذلك الا إذا كان مسافرا فلا بأس بأن يؤذن راكبا قاعدا والثاني انه لا يعتد بأذانه واقامته كما لو ترك القيام في الخطبة وهذا لان شرائط الشعار تتلقي من استمرار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 الخلق واتفاقهم وهذا مما استمروا عليه وينبغى أن يستقبل فيهما القبلة بمثل ما قدمناه ولو تركه وأذن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 مستديرا ففيه الخلاف المذكور في ترك القيام ويستحب الالتفات في الحيلعتين يمينا وشمالا وذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 بأن يلوى رأسه وعنقه من غير أن يحول صدره عن القبلة أو يزيل قدميه عن مكانهما لما روى عن أبي جحيفة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 قال (رايت بلالا خرج إلى الابطح فأذن فلما بلغ حي علي الصلاة حى الفلاح لوى عنقه يمينا وشمالا ولم يستدبر) وكيفيته أن يلتفت يمينا فيقول حى علي الصلاة مرتين ثم يلتفت شمالا فيقول حى على الفلاح مرتين وهذا هو الاصح وعليه العمل وبه قال أبو حنيفة وعن القفال انه يقسم كل حيعلة علي الجهتين فيقول حي علي الصلاة مرة عن يمينه ومرة عن يساره وكذلك قوله حي علي الفلاح ولفظ الكتاب يصلح لهذا الوجه بأن يكون المعنى انه يلتفت في كل حيعلة يمينا وشمالا ولكنه لم يرد ذلك وانما اراد الهيأة المشهورة والمعنى يستحب أن يلتفت في الحيعلتين يمينا في الاولى وشمالا في الثانية ثم حكى صاحب البيان على الوجه الاول وجهين فيما يفعل الي تمام كل واحدة من الحيعلتين (أحدهما) انه يلتفت يمينا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 ويقول حي علي الصلاة مرتين ثم يرد وجهه الي القبلة ثم يلتفت شمالا ويقول حي علي الفلاح مرتين وهذا ما عليه العمل والثانى يلتفت يمينا ويقول حى على الصلاة مرة ثم يرد وجهه الي القبلة ثم يلتفت يمينا ويقول حى على الصلاة مرة أخرى وكذلك يفعل بالجهة الثانية وانما اختصت الحيعلتان بالالتفات دون سائر الاذان لان سائر الاذان ذكر الله تعالي وهنا خطاب الادمى فلا يعدل عن القبلة فيما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 ليس بخطاب الادمى وهذا كالسلام في الصلاة ويلتفت فيه ولا يلتفت في سائر الاذكار وانما لم يستحب في الخطبة أن يلتفت يمينا وشمالا لان ألفاظها تختلف والغرض منها الوعظ والافهام فلا يخص بعض الناس بشئ منها كيلا يختل الفهم بذهاب بعض الكلام عن السماع وههنا الغرض الاعلام بالصوت وذلك يحصل بكل حال وفي الالتفات اسماع النواحى وهل يستحب الالتفات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 في الاقامة فيه وجهان أشهرهما نعم كما في الاذان والثاني لا لان المقصود منها اعلام الحاضرين فلا حاجة الي الالتفات الا أن يكبر المسجد ويحتاج إليه وليكن قوله ولا يحول صدره عن القبلة معلما بالحاء والالف لان عند أبى حنيفة وأحمد ان أذن علي المنارة دار عليها وان أذن علي وجه الارض اقتصر علي الالتفات قال (ورفع الصوت في الاذان ركن) * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 ينبغي للمؤذن أن يرفع الصوت بالاذان وأن يبالغ فيه ما لم يجهده وروى انه صلى الله عليه وسلم قال (يغفر للمؤذن مدى صوته) ثم الاذان ينقسم الي ما يأتي به الانسان لفنسه وإلى ما يأتي به للجماعة أما الاول فيكفى فيه أن يسمع نفسه على المشهور لان الغرض منه الذكر دون الاعلام وقال الامام الاقتصار علي اسماع النفس يمنع كون المأتي به أذانا واقامة فليزد عليه قدر ما يسمع من عنده لو حضر ثم نفر بخلاف الذى قدمناه في أن المنفرد إذا أذن هل يرفع صوته مفروض علي المشهور في انه هل يستحب الرفع وعلي ما ذكره الامام في انه هل يعتد به دون الرفع وأما الاذان للجماعة فقد نقل عن نصه انه لو جهر بشئ من الاذان وخافت بشئ لم يكن عليه اعادة ما خافت به كما لو أسر بالقراءة في موضع الجهر وللاصحاب فيه ثلاثة أوجه (أحدها) انه لا باس بالاسرار جريا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 علي ظاهر النص (وثانيها) انه لا يجوز الاسرار بالكل ولو أسر بكلمة أو بكلمتين فلا بأس والنص محمول علي هذه الحالة (وأصحها) وبه قال صاحب الافصاح أنه لا يجوز الاسرار بشئ منه لان ذلك مما يبطل مقصود الاذان وهو الابلاغ والاعلام والنص محمول علي أذان المنفذر وقد عرفت بما ذكرنا ان لفظ الكتاب محمول علي أذان الجماعة ثم هو معلم بالواو للوجهين الاخرين وأما الاقامة فلا يكفى فيها الاقتصار علي اسماع النفس كما في الاذان علي الاصح ولكن الرفع فيها دون الرفع في الاذان لانها للحاضرين * قال (والترتيب في كلمات الاذان شرط ولو عكسها لا يعتد بها وان طول السكوت في أثنائها فقولان ولو بنى عليه غيره فقولان مرتبان وأولي بالالبطلان ولو ارتد في أثناء الاذان بطل وان قصر الزمان على أحد القولين لان الردة تحبط العبادة) * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 لعلك تقول لم عد رفع الصوت ركنا والترتيب شرطا فاعلم ان ليس في هذا كثير شئ وكلاهما مما لابد منه ولو عد الترتيب ركنا في الاذان كما فعل في الوضوء لم يبعد لكن يمكن ان يقال ركن الشئ ما يفوت بفواته المقصود من ذلك الشئ والشرط زينة الشئ وتتمتة وإذا كان كذلك فرفع الصوت مما يفوت بفواته المقصود من الاذان وهو الاعلام والترتيب زينة وهيئة للكلمات ولهذا فرقنا بين الترتيب وسائر الاركان في الوضوء فجعلنا النسيان عذرا فيه دون غيره علي قول على ان الظن أنه ما قصد تحقيق فرق بينهما وفى سياق كلامه في الوسيط ما يفهم ذلك وغرض الفصل انه يعتبر في الاذان شيثان احدهما الترتيب بين كلماته لان النبي صلى الله عليه وسلم (علمه مرتبا) فيتبع ولانه لو لم يكن لها ترتيب خاص لا ورث ذلك اختلال الاعلام والايلاغ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 فلو عكس الكلمات لم يعتد بها معكوسة ويبنى علي القدر المنتظم ولو ترك بعض الكلمات من خلاله اتى به واعاد ما بعده الثاني الموالاة لان غرض الاعلام يبطل إذا تخلل الفصل الطويل ويظن السامعون انه لعب أو تعليم ويتعلق بهذا الشرط مسائل (أحداها) لو سكت في اثناء الاذان يسيرا لم يضر لان مثله يقع للنفس والاستراحة ولا ينقطع به الولاء وان طول السكوت فقد حكي في الكتاب فيه قولين وبناهما امام على القولين في الطهارة وهذا أولي باعتبار الموالاة فيه كيلا يلتبس الامر على السامعين ولا يبطل غرض الاعلام فان اعتبرها الموالاة بطل الماتي به بالسكوت الطويل ووجب الاستئناف والا فله البناء علي المأتى به وبنى بعض الاصحاب القولين على القولين في جواز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 البناء علي الصلاة إذا سبقه الحدث (الثانية) لكلام في خلال الاذان بمطلقه لا يبطله لانه ليس بآكد من الخطبة وهى لا تبطل به ولكن ينظر ان كان يسيرا لم يضر كما في الخطبة وكما في السكوت اليسير هذا هو المشهور وعن الشيخ ابي محمد تردد في تنزيل الكلام اليسير إذا رفع الصوت به منزلة السكوت الطويل لان الكلام اشد جرا للبس من السكوت وان تكلم بكلام كثير ففيه قولان مرتبان على السكوت الطويل وهو أولي بابطان الولاء لما ذكرنا وإذا خرج عن اهلية الاذان بغير الردة كما إذا أغمى عليه أو نام في خلال الاذان فهو علي هذا التفصيل ان كان يسيرا أو زال علي قرب لم يضر وجاز البناء عليه وان طال ففيه القولان وان خرج عن اهلية الاذان بالردة فسياتى واعلم ان صاحب الافصاح والعراقيين قالوا يجوز البناء في هذه الصور وان طال الفصل وحكوه عن نص الشافعي رضى الله عنه لكن الاشبه وجوب الاستئناف عند تخلل الفصل الطويل لانهم اتفقوا علي اشتراط الترتيب في الاذان وما يقتضى اشتراط الترتيب فيه هو بعينه يقتضي اشتراط الموالاة وهذا هو الذى اورده الصيدلاني والشيخ أبو علي وتابعهما صاحب التهذيب وغيره وحملوا كلام الشافعي رضى الله عنه علي الفصل اليسير ثم في الاغماء والنوم يستحب الاستئناف وان لم يجب أما لقصر الزمان أو على قولنا انه لا يضر وان طال الزمان وكذلك يستحب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 الاستئناف في الكلام والسكوت الكثيرين وان قلنا انهما لا يبطلان ولا يستحب الاستئناف إذا كانا يسيرين (الثالثة) المستحب ان لا يتكلم في اذانه بشئ فلو عطس حمد الله تعالى في نفسه وبنى ولو سلم عليه انسان أو عطس لم يجب ولم يشمت حتى يفرغ ولو أجاب أو شمت أو تكلم بما فيه مصلحة لم يكره وان ترك المستحب وان رأى اعمي يكاد يقع في بئر فلابد من انذاره (الرابعة) إذا لم يحكم ببطلان الاذان بالفصل المتخلل فله ان يبني علي اذانه وهل لغيره البناء عليه فيه قولان بناهما بعضهم علي جواز الاستخلاف في الصلاة وقال ان جوزنا صلاة واحدة بامامين ففى الاذان أولى وان لم نجوز ففى الاذان قولان والفرق ان الاذان لا يتأثر باكلام اليسير والاغماء بخلاف الصلاة ومنهم من بناهما علي جواز البناء علي خطبة الخطيب إذا أغمى عليه في اثنائها وهما قريبان لان الخلاف في الخطبة ايضا مبنى علي قولي الاستخلاف في الصلاة ولذلك إذا جوزنا البناء شرطنا ان يكون الذى يبنى ممن سمع الخطبة من أولها ومنهم من رتب بناء غيره على بنائه علي اذان نفسه عند طول الفصل وهو أولي بالبطلان لان صدور الاذان من رجلين ابلغ في اثارة اللبس وهذا الترتيب هو المذكور في الكتاب وظاهر المذهب المنع من بناء الغير عليه (الخامسة) لو ارتد بعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 الفراغ من اذانه ثم اسلم واقام جاز لكن المستحب ان لا يصلي باذانه واقامته بل يعيد غيره الاذان ويقيم لان ردته تورث شبهة في حاله ولو ارتد في خلال الاذان لم يجز البناء عليه في الردة بحال لان اذان الكافر لا يعتد به كما سيأتي ولو عاد الي الاسلام فهل يجوز البناء عليه منهم من يحكى فيه قولين وكذلك فعل المصنف ومنهم من رواهما وجهين وهم الاكثرون وانما كان كذلك لانهما ليسا بمنصوصين لكن روى عن نصه في الاذان انه لا يبنى وفي المعتكف إذا ارتد ثم أسلم انه يبني فخرجوهما علي قولين احدهما وبه قال ابو حنيفة انه لا يجوز البناء لانه عبادة واحدة فتحبط بعروض الردة فيها كالصلاة وغيرها واصحهما الجواز والردة انما تمنع العبادة في الحال فلا تبطل ما مضى الا إذا اقترن بها الموت وتخرج عليه الصلاة ونحوها من العبادات لانها لا تقبل الفصصل بحال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 وقطع بعضهم بهذا الوجه الثاني وحمل كلام الشافعي رضى الله عنه على ما إذا اطال زمان الردة فالحاصل في الردة طريقان احدهما طرد الخلاف في مطلق الارتداد طال زمانه أم قصر وعلى هذا فللبطلان عند طول الزمان ماحذان طول الفصل وكون الردة مبطلة للعبادة والطريقة الثانية تخصيص الخلاف بما إذا طال الزمان الارتداد وتجويز البناء إذا قصر جزما وعلى هذا فالردة بمثابة الاغماء والكلام وغيرهما وهل لغير المرتد البناء على اذانه فيه خلاف الذى سبق وكذا لو مات في خلال الاذان وقوله ولو ارتد في اثناء الاذان بي ل وان قصر الزمان على احد القولين جرى علي الطريقة الاولى واثبات للخلاف في طول الزمان وقصره تعليلا بان الردة مبطلة للعباد * قال (الفصل الثالث في صفة المؤذن ويشترط ان يكون مسلما عاقلا ذكرا فلا يصح اذان كافر وامرأة ومجنون وسكران مختبط ويصح أذان الصبى المميز) * الصفات المعتبرة في المؤذن تنقسم إلى مستحقة ومستحبة فبدأ بالمستحقة وهى الاسلام والعقل والذكورة أما الاسلام فلا يصح أذان الكافر لانه ليس من اهل العبادة ولانه لا يعتقد مضمون الكلمات ولا الصلاة التى هي دعاء إليها فاتيانه به ضرب من الاستهزاء ثم الكفار ضربان أحدهما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 الذين يستمر كفرهم مع الاتيان بالاذان وهم العيسوية فرقة من اليهود ويقولون محمد رسول الله إلى العرب خاصة فلا ينافى لفظ الاذان مإقالتهم والثانى سائر الكفار وفى الحكم باسلامهم بكلمتي الشهادة في الاذان وجهان نقلهما صاحب البيان أحدهما لا نحكم لانه يأتي به علي سبيل الحكاية وأصحهما وهو المشهور في الكتب انه يحكم بالاسلام كما لو تكلم بالشهادتين باستدعاء غيره فعلي هذا لا يستمر كفر هؤلاء مع الاتيان بالاذان ولكنه لا يعتد باذانهم لوقوع أوله في الكفر وأما العقل فهو شرط فلا يصح أذان المجنون لانه ليس أهلا للعبادة وفي أذان الكسران وجهان مبنيان علي الخلاف في تصرفاته واعتبار قصده واصحهما وهو المذكور في الكتاب انه يلحق بالمجنون تغليظا للامر عليه وانما شرط كونه مخبطا اشارة الي ان الذى هو في أول النشوة ومبادي النشاط يصح أذانه كسائر تصرفاته لانتظام قصده وفعله وأما الذكورة فلا يصح من المرأة أن تؤذن للرجال كما لا يجوز ان تؤمهم وكذلك لا يعتد باذان الخنثى المشكل للرجال وأما أذان المرأة لنفسها ولجماعة النساء فقد سبق حمكه وقوله وولا يصح أذان كافر وامرأة المراد منه ما إذا أذنت للرجال وان كان الكلام مطلقا ويصح الاذان من الصبى المميز لوجود الشرائط الثلاث وصار كامامته للبالغين وليكن قوله ذكرا وقوله وامراة مرقوما بالحاء لان المحكى عن أبى حنيفة أنه يعتد بأذانها للرجال وبالواو لان صاحب التتمة روى وجها مثل ذلك وليكن قوله ويصح اذان الصبي المميز معلما بالواو أيضا لان صاحب التتمة روى وجهان انه لا يعتد بأذانه ومأخذ الوجهين الغريبين تنزيل الاذان منزلة الاخبار لانه بناء عن دخول الوقت وخبر المرأة مقبول وخبر الصبي غير مقبول * قال (ويستحب الطهارة في الاذان ويصح بدونها والكراهية في الجنب أشد وفي الاقامة أشد) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 يستحب الطهارة في الاذان ولا تجب خلافا لاحمد وبعض أصحابه لنا ما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (حق وسنة ان لا يؤذن الرجل الا وهو طاهر) وهذا يقتضى الاستحباب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 وينفى الوجوب وروى انه صلي الله عليه وسلم قال (لا يؤذن الا متوضئ) وأيضا فانه يدعو الي الصلاة فينبغي ان يكون هو بصفة تمكنه ان يصلى والا فهو واعظ غير معظ فلو اذن واقام جنبا أو محدثا فقد فعل مكروها ولكن يحسب أذانه لحصول مقصوده وكونه اهلا واذان الجنب أشد كراهة من اذن المحدث لان الجنابة اغلظ وما يحتاج إليه الجنب لتمكنه الصلاة فوق ما يحتاج إليه المحدث والاقامة مع أي واحد من الحدثين اتفقت أشد كراهة من الاذان مع ذلك الحدث لان الاقامة يتعقبها الصلاة وتكون بعد حضور القوم فان انتظروه ليتظهر ويعود شق عليهم والا ساءت الظنون فيه واتهم بالكسل في الصلاة * قال (وليكن المؤذن صيتا حسن الصوت ليكون أرق لسامعيه وليكن عدلا ثقة لتقلده عهدة المواقيت) * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 مما يستحب في المؤذن أن يكون صيتا لقوله صلي الله عليه وسلم في قصة عبد الله بن زيد (القه علي بلال فانه اندى منك صوتا) والمعنى فيه زيادة الابلاغ والاسماع ولهذا يستحب أن يضع اصبعيه في صماخي اذنيه لتنسد خروق الاذنين فيكون اجمع للصوت وان يؤذن علي موضع عال من منارة وسطح ونحوهما ومما يستحب فيه ان يكون حسن الصوت لان النبي صلي الله عليه وسلم اختار أبا محذورة لحسن صوته ولان الدعاء الي العبادة جذب للنفوس الي خلاف ما تقتضيه طباعها فإذا كان الداعي حلو المقال رقت قلوب السامعين فيكون ميلهم الي الاجابة أكثر ومما يستحب فيه أن يكون عدلا لمعنيين أحدهما ان السنة أن يؤذن علي موضع عال وحينئذ يشرف على العورات فإذا كان عدلا غض البصر وأمن منه والثانى انه يتقلد عهدة المواقيت فإذا كان فاسقا لم يؤمن أن يؤذن قبل الوقت وهذا المعنى هو الذى ذكره في الكتاب فان قلت قد قدمتم فيما سبق خلافا في انه هل يجوز الاعتماد على أذان المؤذن أم لا فان جاز فربما يؤذن قبل الوقت فيفطر الصائم ويصلي المبادر فيلزم المحذور أما إذا لم يجز فكل يعمل بعلمه واجتهاده فلا يستمر هذا المعنى قلنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 الاذان قبل الوقت غير محسوب ولا يؤمن أن يقدمه علي الوقت فيكون القوم مصلين بغير أذان وكل احد وان اجتهد للصلاة لا يجتهد للاذان فظهر المحذور علي التقدير الثاني أيضا وأما قوله عدلا ثقة فلعلك تقول لم جمع بين اللفظين فاعلم انهما جميعا موجودن في كلام الشافعي رضي الله عنه واختلف الاصحاب منهم من قال انه تأكيد في الكلام ومنهم من قال أراد عدلا في دينه ثقة في العلم بالمواقيت ومنهم من قال أراد عدلا ان كان حرا ثقة ان كان عبدا لان العبد لا يوصف بالعدالة لكن يوصف بالثقة والامانة * قال (والامامة أفضل من التأذين على الاصح لمواظبة النبي صلي الله عليه وسلم عليها) كل واحد من الاذان والامامة عمل فيه فضيلة ثم لا يخلو اما أن تكون الامامة أفضل من الاذان أو بالعكس أو لا يكون واحد منهما أفضل من الاخرو رابع هذه الاقسام محال وأما القسم الثالث وهو التسوية بينهما فهو وجه غريب لعبض الاصحاب حكاه صاحب البيان وغيره وأما القسمان الاولان ففيهما وجهان مشهوران أحدهما أن الامامة أفضل لان الرسول صلي الله عليه وسلم واظب عليها دون الاذان وكذا الخلفاء بعده والثاني أن الاذان أفضل لقوله صلي الله عليه وسلم (الائمة ضمناء والمؤذنون أمناء فأرشد الله الائمة وغفر للمؤذنين) والامين أحسن حالا من الضمين والدعاء بالمغفرة خير من الدعاء بالارشاد واعتذر الصائرون إلى هذا الوجه عن ترك الرسول صلي الله عليه وسلم الاذان بوجوه (أحدها) انه إذا قال حي علي الصلاة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 لزم أن يتحتم حضور الجماعة لانه أمر ودعاء واجابة النبي صلى الله عليه وسلم واجبة فتركه شفقة علي أمته (والثانى) انه لو أذن لكان اما أن يقول أشهد أن محمدا رسول الله وليس ذلك بجزل والقائل محمد الرسول صلي الله عليه وسلم واما أن يقول أشهد أني رسول الله وهو تغيير لنظم الاذان (والثالث) انه ما كان يفرغ للمحافظة علي الاذان لاشتغاله بسائر مهمات الدين من الجهاد وغيره والصلاة لابد من اقامتها بكل حال فآثر الامامة فيها والي هذا الوجه أشار عمر رضي عنه بقوله (لولا الخليفى لاذنت) ولمن نصر الوجه الاول أن يقول لا اسلم غانه لو اذن لتحتم الحضور وانما يلزم ذلك أن لو كان الامر والدعاء في هذا الموضع للايجاب ومعلوم ان الاوامر منقسمة إلى ما يكون للايجاب والى ما يكون للاستحباب وأما الثاني فلم قلتم انه لو قال اشهد ان محمدا رسول الله لاختلت الجزالة ألا ترى ان الله تعالي يقول (انما تنذر من اتبع الذكر وخشى الرحمن بالغيب) ولم يقل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 وخشينى بالغيب ونظائر ذلك لا تحصى ثم ما قولكم في كلمة الشهادة في التشهد أكان يقول اشهد ان محمدا رسول الله أو يقول أشهد أني رسول الله فان كان الاول فلا اختلال وان كان الثاني وهو المنقول فلم احتمل تغيير النظم منه ثم ولا يحتمل ههنا وأما الثالث فلا نسلم أن الاشتغال بسائر المهمات يمنع من الاذان مع حضور الجماعة واقامة الصلوات في أول الوقت وبتقدير التسليم فلا شك انه كان له أوقات فراغ فينبغي ان يؤذن في تلك الاوقات وإذا عرفت ذلك فاعلم ان الذى اختاره كثيرون من اصحابنا منهم الشيخ ابو حامد واتباعه أن الاذان أفضذل وغلطوا من صار الي تفضيل الامامة وبالغوا فيه وتابعهم صاحب التهذيب وعكس المصنف ذلك فجعل تفضيل الامامة أصح والذى فعله أولى وبه قال صاحب التقريب والقفال والشيخ أبو محمد وغيرهم ورجحه القاضي الرويانى أيضا وحكاه عن نص الشافعي رضى الله عنه في كتاب الامامة وعلل بان الامامة أشق فيكون الفضل فيها اكثر وتوسط بعض علمائنا بين المذهبين منهم أبو علي الطبري والقاضى بن كج والمسعودي والقاضى الحسين فقالوا ان علم من نفسه القيام بحقوق الامامة وما ينوب فيها واستجمع خصالها فالامامة افضل له وإلا فالاذان أفضل وأما الجمع بين الاذان والامامة فلا يستحب لم يفعله الرسول صلي الله عليه وسلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 ولا أمر به ولا السلف الصالح بعده وأغرب القاضي ابن كج فقال الافضل لمن يصلح لهما أن يجمع بينهما ولعله أراد الاذان لقوم والامامة لاخرين والله أعلم * قال (وللامام أن يستأجر المؤذن من بيت المال وهل لاحاد الناس ذلك فيه خلاف) * المؤذن يستحب له التطوع بالاذان لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (من أذن سبع سنين محتسبا كتبت له براءة من النار) فان لم يتطوع وطمع في شئ ففيما يصرف إليه طريقان أحدهما إدرار رزق عليه والثانى أن يعطي أجرة في اجارة والمذكور في الكتاب هو الثاني فأما الطريق الاول فللامام أن يرزق المؤذن من مال المصالح وهو خمس خمس الفئ والغنيمة المضاف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 الي الله تعالي ورسوله ولا يرزقه من اربعة أخماس خمسها لانها لاقوام مخصوصين كالزكاة وكذا لا يرزقه من أربعة أخماس الغنيمة لانها للغانمين وفي أربعة أخماس الفئ قولان يأتي ذكرهما في موضعهما ان شاء الله تعالي ان جعلناها للمصالح جاز أن يرزقه منها والا فلا: ثم إنما يرزق عند الحاجة وعلي قدر الحاجة فلو وجد فاسقا يتطوع بالاذان فله أن يرزق أمينا لا يتطوع وفيه وجه بعيد ولو وجد أمينا يتطوع وثم آخر حسن صوتا منه فهل يجوز أن يرزقه فيه وجهان أحدهما وينسب الي ابن سريج نعم والثاني ويحكي عن القفال لا وإذا كان في البلد مساجد فان لم يمكن جمع الناس في مسجد واحد رزق عددا من المؤذنين تحصل بهم الكفاية ويتأدي الشعار وان امكن فوجهان احدهما يجمع ويقتصر على رزق واحد نظرا لبيت المال والثاني يرزق الكل حتى لا تتعطل المساجد ولو لم يكن في بيت المال سعة بدأ بالاهم وهو رزق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 مؤذن الجامع واذان صلاة الجمعة اهم من غيره وكما يجوز الرق من بيت المال يجوز للامام ان يرزق من مال نفسه وكذلك للواحد من الرعايا وحينئذ لا حجر يرزق كم شاء ومتي شاء واما الطريق الثاني وهو ان يستأجر على الاذان ويعطي اجرة عليه فهل يجوز ذلك فيه وجهان احدهما وبه قال ابو حنيفة واحمد انه لا يجوز لانه عمل يعود نفعه الي الاجير فلا يصح الاستئجار عليه كالاستئجار علي القضاء لا يجوز وان جاز ان يرزق القاضى من بيت المال وهذا اختيار الشيخ ابى حامد ويقال ابن ابن المنذر نقله عن الشافعي رضي الله عنه واصحهما انه يجوز وبه قال مالك لانه عمل معلوم يجوز اخذ الرزق عليه فيجوز اخذ الاجرة عليه ككتبة المصاحف وعلي هذا فهل يختص الجواز بالامام ام يجوز لكل واحد فيه وجهان احدهما انه يختص بالامام أو من اذن له الامام لانه من الشعائر والمصالح العامة والامام هو القوام بها فيصرف مال بيت المال الي هذه الجهة واظهرهما أنه يجوز لاحاد الناس من أهل المحلة وغيرهم الاستئجار عليه ما مالهم كالاستئجار علي الحج وتعليم القرآن ويحصل من هذا الترتيب ثلاثة أوجه المنع المطلق والجواز المطلق والفرق بين الامام وغيره وقد ذكرها المصنف جميعا في باب الاجارة من الكتاب وان لم يذكر في الامام خلافا في هذا الموضع فلو اعلمت قوله وللامام أن يستأجر بالواو مع الحاء والالف لكلان صحيحا والمذكور في الاجارة يشتمل علي القدر المذكور ههنا مع زيادة فلو طرحه لماضر وإذا فرعنا علي جواز الاستئجار فانما نجوز للامام الاستئجار من بيت المال حيث يجوز له الرزق منه خلافا ووفاقا وذكر في التهذيب أنه لا يحتاج الي بيان المدة إذا استأجر من بيت المال بل يكفى أن يقول استأجرتك لتؤذن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 في هذا المسجد في أوقات الصلاة كل شهر بكذا وان استأجر من مال نفسه أو استأجر واحد من عرض الناس ففى اشتراط بيان المدة وجهان قال والاقامة تدخل في الاستئجار للاذان فلا يجوز الاستئجار علي الاقامة إذ لا كلفة فيها وفى الاذان كلفة لمراعاة الوقت وليست هذه الصورة بصافية عن الاشكال * قال (فرع) إذا كثر المؤذنون فلا يستحب ان يتراسلوا بل ان اتسع الوقت ترتبوا ثم من اذن أولا فهو يقيم فان تساووا أقرع بينهم ووقت الاقامة منوط بنظر الامام ووقت الاذان بنظر المؤذن) * الفرع يشتمل علي قاعدتين أحدهما يستحب أن يكون للمسجد مؤذنان كما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلال وابن ام مكتوم ومن الفوائد فيه أن يؤذن أحدهما لصلاة الصبح قبل الفجر والاخر بعده كما تقدم وتجوز الزيادة لكن الاحب ان لا يزاد علي أربعة فقد اتخذ عثمان رضي الله عنه أربعة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 من المؤذنين ولم يزد الخلفاء الراشدون علي هذا العدد وإذا ترشح للاذان اثنان فصاعدا فلا يستحب ان يتراسلوا بالاذان إذ لم يفعله مؤذنا رسول الله صلي الله عليه وسلم ولكن ينظر ان وسع الوقت ترتبوا فان تنازعوا في البداية اقرع بينهم وان ضاق الوقت فان كان المسجد كبيرا اذنوا متفرقين في افطار المسجد فانه ابلغ في الاسماع وان كان صغيرا وقفوا معا واذنوا وهذا إذا لم يؤد اختلاف الاصوات الي تشويش فان ادى لم يؤذن الا واحد فان تنازعوا اقرع بينهم روى انه صلى الله عليه وسلم قال (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الاول ثم لم يجدوا الا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه) وإذا انتهى الامر الي الاقامة فان اذنوا علي الترتيب فالاول أولى بالاقامة لما روى عن زياد الصدائي قال أمرني رسول الله صلي الله عليه وسلم أن أؤذن في صلاة الفجر فأذنت فأراد بلال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 أن يقيم فقال صلى الله عليه وسلم (أن أخا صدا قد أذن ومن أذن فهو يقيم) وهذا إذا لم يكن مؤذن راتب أو كان السابق هو المؤذن الراتب فاما إذا سبق غير المؤذن الراتب فأذن فهل يستحق ولاية الاقامة فيه وجهان أحدهما نعم لاطلاق الخبر واظهرهما لا لانه مسئ بالتقدم وفي القصة المروية كان بلال غائبا وزياد أذن باذن رسول الله صلي الله عليه وسلم وإذا قلنا ولاية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 الاقامة لمن أذن أولا فليس ذلك علي سبيل الاستحقاق بل لو اذن واحد وأقام غيره اعتد به روى أن عبد الله ابن زياد (لما القى الاذان علي بلال فأذن قال عبد الله أنا رأيته وأنا كنت أريده يا رسول الله قال فأقم انت) وحكى صاحب التتمة وغيره وجها انه لا يعتد به تخريجا من قول الشافعي رضي عنه انه لا يجوز ان يخطب واحد ويصلي آخر فهذا إذا اذنوا على الترتيب أما إذا أذنوا معا فان اتفقوا علي اقامة واحد فذاك والا اقرع بينهم ولا يقيم في المسجد الواحد الا واحد فانها لا سننها ض الحاضرين الا إذا لم تحصل الكفاية بواحد وقيل لا بأس بأن يقيم ومعا ايضا أن لم يؤد الي التشويش: ونعود إلى لفظ لكتاب قوله فلا يستحب ان يتراسلوا بل ان وسع الوقت ترتبوا نفى لاستحباب التراسل مطلقا وبيان لما يستحب علي أحد التقديرين وهو سعة الوقت وكان اللائق أن يبين معه حكم التدير الثاني فالتعرض لاحدهما والسكوت عن الثاني ترك غير مستحسن لا إيجاز فان قلت تقييد الترتيب بما أذا وسع الوقت يفيد أن الحكم بخلافه فيما إذا لم يسع الوقت قلنا نعم لكن لا يفيد الا انهم لا يترتبون ولا يعرف من ذلك انهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 يؤذنون جميعا لان ههنا قسما آخر وهو انه لا يؤذن الا أحدهم وبتقدير انه يفيد انهم يؤذنون جميعا اما وحده أو بقرينة قوله بعد ذلك فان استووا أقرع بينهم لكنه لا يفيد انهم يؤذنون مجتمعين أو متفرقين في نواحى المسجد فإذا القدر المذكور لا يفيد معرفة الحكم المطلوب وأما الاقامة فقد بين حكمها علي التقديرين وأما إذا أذنوا مرتبا فحيث قال ثم من أذن أولا فهو يقيم واما إذا أذنوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 معا فحيث قال فان استووا أقرع بينهم والمعنى فان استووا في الاذان وتنازعوا في الاقامة والا فلو سلموها لواحد فلا حاجة الي القرعة وقوله من أذن أولا فهو يقيم وان كان مطلقا لكنه محمول علي ما إذا لم يكن السابق مسيئا بمبادرة المؤذن الراتب كما قدمناه ثم الحكم بأنه يقيم استحقاق أو استحباب قد ذكرناه (الثانية) وقت الاذان منوط بنظر المؤذن لا يحتاج فيه إلى مراجعة الامام ووقت الاقامة منوط به نظر الامام فانما يقيم المؤذن عند اشارته لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (المؤذن أملك بالاذان والامام أملك بالاقامة) والمعنى فيه أن الاقامة سببها ان تعقبها الصلاة علي الاتصال والصلاة إلى الامام فينبغي أن يكون عازما علي الشروع عند تمامها ولهذا لم يقولوا بترتيب الاقامة عند كثرة المؤذنين لان ما سوى الاقامة الاخيرة لا يتصل بها الصلاة ونختم الباب بذكر محبوبات مما يتعلق بالاذان أهملها المصنف (منها) أن يكون المؤذن ممن جعل رسول الله صلي الله عليه وسلم أو بعض صاحبته الاذان في آبائهم إذا وجد وكان عدلا صالحا له وان يصلى المؤذن ومن يسمع الاذان على رسول الله صلي الله عليه وسلم بعد الاذان ويقول اللهم رب هذا الدعوة التامة والصلاة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 القائمة آت محمدا لوسيلة والضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذى وعدته وان يجب من يسمع الاذان المؤذن فيقول مثل ما يقول وان كان السامع جنبا أو محدثا الا في الحيعلتين فانه يقول لا حول ولا قوة الا بالله والا في كلمة الاقامة فانه يقول أقامها الله وأدامها وجعلني من صالحي أهلها والا في التثويب فانه يقول صدقت وبررت وفي وجه يقول صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة خيرمن النوم فان كان في قراءة أو ذكر فيستحب أن يقطعهما ويجيب فان ذلك لا يفوت ولو كان في الصلاة فالمستحب لا يجيب حتى يفرغ منها بل يكره أن يجيب في أظهر القولين لكن لو أجاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 بما استحببناه لم تبطل صلاته لانها اذكار نعم لو قال حى علي الصلاة أو تكلم بكلمة التثويب بطلت صلاته لانه كلام ولو أجاب في خلال الفاتحة استأنفها فان الاجابة في الصلاة غير محبوبة ويستحب أن يقول من سمع أذان المغرب اللهم هذا إقبال ليلك وادبار نهارك فاغفر لي ويستحب الدعاء بين الاذان والاقامة وأن يتحول المؤذن الي موضع آخر للاقامة قال (الباب الثالث في الاستقبال: والنظر فيه في ثلاثة أركان (الاول) لصلاة ويتعين الاستقبال في فرائضها (و) الا في القتال فلا تؤدى فريضة علي الراحلة ولا منذورة أن قلنا يسلك بها مسلك واجب الشرع ولا صلاة الجنازة (ح) لان الركن الاظهر فيها القيام) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 قال الله تعالي (قد نرى تقلب وجهك في السماء) الاية ووى أنه صلي الله عليه وسلم (د خل الببت ودعى في نواحيه ثم خرج وركع ركعتين في قبل الكعبة وقال هذه القبلة) واعلم أن الاستقبال يفتقر إلى مستقبل ومستقبل وهو المسمي قبلة ولابد من حالة يقع فيها الاستقبال ومعلوم ان الاستقبال لا يجب في غير حالة الصلاة والحاجة تمس الي الكلام في الامور الثلاثة فلذلك قال والنظر فيه في ثلاثة اركان وهي الصلاة القبلة والمستقبل أولها الصلاة وتنقسم الي فرائض ونوافل أما الفرائض فيتعين الاستقبال فيها الا في حالة واحدة وهى حالة شدة الخوف في القتال فانه يأتي بها بحسب الامكان قال الله تعالي (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) قال ابن عمر رضى الله عنهما (مستقبلي القبلة وغير مستقبليها) قال نافع لا أراه ذكر ذلك الا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله في الكتاب إلا في القتال يعنى به حالة شدة الخوف لا مطلق القتال ثم الشرط ان يكون القتال مباحا علي ما سيأتي في صلاة الخوف ان شاء الله تعالي ويلتحق بهذا الخوف ما إذا انكسرت السفينة فبقي علي لوح منها وخاف الغرق لو ثبت على جهة القبلة وكذلك سائر وجوه الخوف فليس القتال معنيا لعينه وانما المعتبر الخوف وأما النوافل فكذلك يجب الاستقبال فيها الا في حالة الخوف وفى السفر على ما سيأتي فالمستثنى في قسم الفرائض حالة واحدة وفي قسم النوافل حالتان والشافعي رضى الله عنه عبر عن الفرض بعبارة اخرى من غير تقسيم الصلوات الي الفرائض والنوافل فقال لا تجوز الصلاة من غير الاستقبال الا في حالتين احداهما النافلة في السفر والثانية شدة الخوف فان قيل الاستثناء لا ينحصر في هاتين الحالتين ألا ترى أن المريض الذى لا يجد من يوجهه الي القبلة ولا يطيق التوجه معذور وكذلك المربوط على الخشبة قلنا الكلام في القادر على ان يصلي متوجها فاما العاجز فلا يكلف بما ليس في وسعه ولا حاجة الي استثنائه من موارد امكان التكليف وإذا عرفت هذه المقدمة فيتفرع عليها انه لا يجوز فعل الفريضة علي الراحلة لاختلال امر الاستقبال وينبغي أن تعرف من قوله فلا يؤدى فريضة علي الراحلة شيئين (أحدهما) اثه ليس المراد منه الاداء الذى هو ضد القضاء فان الفريضة كما لا تؤدى علي الراحلة لا تقتضي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 أيضا وانما المراد منه الفعل (والثانى) انه وان كان مطلقا لكن الفرض ما إذا لم يلحقه خوف فاما إذا خاف الانقطاع عن الرفقة لو نزل لاداء الفريضة أو خاف علي نفسه أو ماله من وجه آخر فله ان يصلي علي الدابة لكنه يعيد إذا نزل وهل يجوز فعل المنذورة علي الراحلة يبنى على اصل سبق ذكره وهو أن المنذورة من العبادة عند الاطلاق يحمل علي أقل واجب ويعطى احكام الواجبات أم لا ان قلنا لا جاز ذلك وان قلنا نعم لم يجزو هو الصحيح والمحكى عن نصه في الام ولك أن تعلم قوله ولا منذورة بالحاء لان ابا الحسن الكرخي حكى في مختصره انه لا يصلي علي الراحلة صلاة نذر اوجبها وهو بالارض فان أوجب صلاة وهو راكب اجزأه فعلها على الدابة واما صلاة الجنازة ففى جواز فعلها علي الراحلة ثلاثة طرق بيناها في التيمم والظاهر ما ذكره في الكتاب وهو المنع لان الركن الاظهر فيها القيام وفعلها على الراحلة يمحو صورة القيام وذكر بعضهم للمنع معني آخر سنذكره من بعد ويجب ان يكون قوله ولا صلاة جنازة مرقوما بالواو لما تقدم * قال (ولا تصح الفريضة علي بعير معقول وفى ارجوحة معلقة بالحبال لانهما ليسا للقرار بخلاف السفينة الجارية لان المسافر محتاج إليها وبخلاف الزورق المشدود علي الساحل لانها كالسرير والماء كالارض) فعل الفريضة عل الراحلة كما يشتمل علي الاخلال بامر القيام والاستقبال ففيه شى آخر وهو اقامة الفريضة على ما لا يصلح للقرار وفى اشتراط اقامتها على ما يصلح للقرار كلام فاراد المصنف ان يبين ان امتناع فعل الفريضة علي الراحلة ليس لاختلال أمر الاستقبال فحسب بل من شرط الفريضة فعلها على ما هو للقرار وهذا الشرط فائت إذا أقيمت على الراحلة وفقه الفصل أن استقرار المصلي في نفسه شرط فليس له أن يصلي الفريضة وهو سائر ماش لان المشئ يشتمل علي الحركات والاصل أنه لا يحتمل أصلا فخالفنا في النوافل في السفر لما سيأتي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 وهل يجوز فعلها علي الدابة نظر ان أخل فعلها بالقيام أو الاستقبال فلا يجوز وان امكنه اتمام أركان الصلاة بان كان في هودج أو علي سرير موضوع علي الدابة فالذي ذكره المصنف أن الفريضة لا تصح وان كانت الدابة واقفة معقولة واتبع فيه امام الحرمين حيث قال لا تقام الفريضة على الراحلة وان كان المصلى قادرا علي المحافظة علي الاركان كلها مستقبلا وكان البعير معقولا لانه مأمور باداء الفرائض متمكنا علي الارض أوما في معناها وليست الدابة للاستقرار عليها وكذلك القول في الارجوحة المشدودة بالحبال فانها لا نعد في العرف مكان التمكن وهو مأمور بالتمكن والاستقرار وهذا بخلاف السفينة حيث تصح الصلاة فيها وإن كانت تجرى وتتحرك بمن فيها كالدواب تتحرك بالراكبين لان ذلك انما يجوز لمساس الحاجة إلى ركوب البحرو تعذر العدول في أوقات الصلاة عنه فجعل الماء علي الارض كالارض وجعلت السفينة كالصفائح المبطوحة علي الارض وألحق بالسفينة الجارية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 الزورق المشدود علي الساحل تنزيلا له منزلة السرير وللماء منزلة الارض وتحركه تسفلا وتصعدا كتحرك السرير ونحوه علي وجه الارض فلا يمنع صحة الفريضة وأما الزورق الجارى فهل للمقيم في بغداد وغيره اقامة الفريضة فيه مع تمام الاركان والافعال قال امام احرمين فيه احتمال وتردد ظاهر فان الافعال تكثر بجريان الزواريق وهو قادر علي دخول الشط واقامة الصلاة قال وان احتمل رجال سرير أو عليه انسان لم يصح عليه الفرض فانه محمول الناس فكان كمحمول البهائم هذا كلامهما ولا يخفى أن من حكم بالمنع والدابة معقولة فلان يحكم به وهى سائرة أولي وأورد أكثر أصحابنا منهم صاحب المعتمد والحسين الفراء وأبو سعيد المتولي والقاضى الروياني وغيرهم أنه يجوز فعل الفريضة علي الدابة مع اتمام الافعال والاركان بان كان في هودج أو علي سرير ونحوهما إذا كانت الدابة واقفة ولم يذكروا خلافا فيه وان كانت سائرة ففيه وجهان (أحدهما) الجواز كما لو صلي في سفينة جارية ومنهم من قاسه علي ما لو صلي علي سرير يحمله جماعة كأنهم اتخذوا هذه الصورة متفقا عليها (وأصحهما) وهو المحكى عن نصه في الاملاء أنه لا يجوز لان سير الدابة منسوب إليه ولهذا يجوز الطواف عليها وسير السفينة بخلافه فانها بمثابة الدار في البر وأيضا فان البهيمة لها اختيار في السير فلا يكاد يثبت علي حالة واحدة والسفينة كما يسير تسير اذلا اختيار لها وإذا وقفت علي ما حكيته تبين لك انه يجب أن يكون قوله ولا تصح الفريضة على بعير معلما بالواو بل الظاهر الجواز إذا كانت الدابة واقفة علي خلاف ما في الكتاب نقلا عن المذهب في معنى أما النقل فقد بيناه وأما المعني فلان المصنف وامام الحرمين لم يريدا في التوجيه علي أن المصلى في الفريضة مأمور بالاستقرار علي الارض أو غيرها مما يصلح للقرار وهذا لا يسلمه اصحاب الطريقة الاخرى انما المسلم عندهم انه مأمور بالاستقرار في نفسه ثم هو مشكل بالزورق المشدود علي الشط فانه لا تتعلق به الحاجة المفروضة في السفينة والزورق الجاريين وهو قادر على الخروج الي الساجل والاستقرار علي الارض فلم كان الزرق المشدود كالسرير علي الارض ولم تكن الدابة المعقولة كعدل أو متاع ساقط على الارض فان حاولت دفع الخلاف وقلت الفارقون بين أن تكون الدابة واقفة أو سائرة صوروا المسألة فيما إذا كان في هودج أو سرير على الدابة وليس في الكتاب تعرض لذلك فلعل مسألة الكتاب فيما إذا وقف علي ظهر الدابة من غير سرير ونحوه وحينئذ لا يتنافى الكلامان لتغاير الصورتين نعم يجب طلب الفرق والجواب ان هذا فاسد من وجوه ثلاثة (أحدها) أن الدابة الواقفة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 إذا لم تصلح للقرار فالمحمول عليها من السرير ونحوه أولى أن لا يصلح للقرار فمحال أن يمنع من الوقوف عليها ولا يمنع من الوقوف علي ما عليها (والثاني) ان الفارقين بأسرهم ما صوروا المسأة في الهودج والسرير بل منهم من تعرض لذلك ايضاحا لان اتمام الاركان والافعال حينئذ يتيسر ومنهم من فصل بين وقوف الدابة وسيرها من غير تعرض للسرير هذا الشيخ ابراهيم المروروذى ذكر فيما علق عنه ان أمكنه القيام والاستقبال في جميع الفريضة علي الدابة نظر ان كانت واقفة جازو ان كانت تسير فوجهان ولم يشترط أن يكون عليها سرير ونحوه (والثالث) انا حكينا عن امام الحرمين انه الحق ما إذا احتمل السرير رجال فصلي عليه بما إذا صلى على ظهر الدابة وذلك يوضح انه لا فرق بين أن يكون علي الدابة سرير أم لا والله أعلم * قال (أما النوافل فيجوز اقامتها في السفر الطويل راكبا وماشيا وفى السفر القصير قولان ولا يجوز (و) في الحضر) * تكلمنا في حكم اقامة الفرائض علي الرواحل وأما النوافل فيجوز اقامتها في السفر الطويل عند السير راكبا كان أو مشايا متوجها الي طريقه لما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما (ان النبي صلي الله عليه وسلم كان يصلي في السفر علي راحلته حيث توجهت به) وخالف ابو حنيفة في الماشي ويحكى مثله عن احمد فليكن قوله وماشيا معلما برقميهما لنا أن الانسان قد يكون له أوراد ووظائف ويحتاج إلى السفر لمعاشه فلو منع من التفل في سيره لفاته احد امرين اما اوراده أو مصالح معاشه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 ولا فرق في ذلك بين الراكب والماشي وهل يختص ذلك بالسفر الطويل فيه قولان احدهما وبه قال مالك نعم كالقصر والفطر واصحهما لا: لاطلاق الخبر الذى رويناه وروى مثله عن جابر ولان الحاجة كما تمس إلى الاسفار الطويلة تمس الي الاسفار القصيرة أو هي اغلب ومنهم من قطع بالجواز في السفر القصير وامتنع من اثبات خلاف فيه فلك ان تعلم بالواو لفظ القولين من قوله وفي السفر القصير قولان واما في الحضر فظاهر المذهب انه لا يجوز ترك استقبال القبلة في النوافل وهى والفرائض سواء في امر القيام وذلك لان الغالب من حال المقيم اللبث والاستقرار وقال ابو سعيد الاصطخرى يجوز للحاضر ترك لاستقبال فيها والتنفل متوجها إلى مقصده في الترددات لان المقيم ايضا محتاج الي التردد في دار اقامته وعلى هذا فالراكب والراجل سواء وذكر في التتمة ان هذا اختيار القفال ولم يحكه غيره عن اختياره على هذا الاطلاق لكن الشيخ ابا محمد ذكر انه اختار الجواز بشرط أن يكون مستقبلا في جميع الصلاة فليكن قوله ولا يجوز في الحضر معلما بالواو لمكان هذا الوجه ثم يتعلق بلفظ الكتاب في الفصل مباحثتان (أحداهما) انه قال اما النوافل فيجوز اقامتها في السفر الطويل ولفظ النوافل تدخل فيه الرواتب وغيرها فما ليس بفرض فهل يشمل الجواز الكل أم لا والجواب أن طائفة من اصحابنا منهم القاضي ابن كج ذكروا أنه لا تقام صلاة العيدين والسكوفين والاستسقاء علي الراحلة وانما تقام الرواتب وصلاة الضحى وما يكثر ويتكرر واما هذه الصلوات فهى نادرة فاشبهت صلاة الجنازة وبهذا العلة منع بعضهم صلاة الجنازة على الراحلة وهذه العلة والتى قدمناها من نحو صورة القيام ينبغي أن تختلفا في التفريع إذا صلاهما علي الراحلة قائما وقضية هذه العلة المنع وقضية تلك العلة الجواز وبه أجاب امام الحرمين رحمه الله وقضية لفظ الكتاب اطلاق القول في النوافل بالجواز وهو الظاهر عند الاكثرين ولذلك قالوا في ركعتي الطواف ان قلنا بالافتراض فلا تؤدى على الراحلة والا فتؤدى ولم يبالوا بالندرة وقال في التهذيب يستوى فيه الرواتب وغيرها مما ليس بفرض (والثانية) أنه قال راكبا وماشيا والركوب كما يستعمل في الدابة يستعمل في السفينة فيقال ركب السفينة أو الدابة وركب البحر فهل يجوز أن يتنفل في السفينة حيث ما توجهت كما يجوز علي الدابة والجواب لاحكى ذلك عن نص الشافعي رضي الله عنه ذلك لانه متمكن من الاستقبال ولهذا نقول لو كان في هودج علي الدابة يتمكن فيه من الاستقبال يلزمه ذلك على الصحيح كما سيأتي واستثنى في العدة عن راكبي السفينة الملاح الذى يسيرها فله أن يتنفل إلى حيث توجه لان تكليفه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 الاستقبال يقطعه عن النافلة أو عن عمله وسيره * قال (ولا يضر انحراف الدابة عن القبلة وقيل يجب الاستقبال عند التحرم (و) وقيل لا يجب إلا إذا كان العنان بيده ثم صوب الطريق بدل عن القبلة في دوم الصلاة ولا يصلي راكب التعاسيف إذ ليس له صوب معين وان حرف الدابة عمدا عن صوب الطريق بطلت صلاته وان كان ناسيا لم تبطل ان قصر الزمان لكن يسجد للسهو وان طال ففى البطلان خلاف يجرى مثله في الاستدبار ناسيا وان كان بجماع الدابة بطل ان طال الزمان وان قصر فوجهان ثم على الراكب أن يومئ بالركوع والسجود ويجعل السجود (ح) اخفض من الركوع وان كان في مرقد أتم السجود والركوع) * المتنفل في سيره أما راكب أو ماش ولابد في الحالتين من النظر في الاستقبال وكيفية الافعال فبدأ بالكلام في الراكب ثم تكلم في الماشي أما الراكب فاما أن يكون على سرج ونحوه ولا يمكنه اتمام السجود والركوع والاستقبال في جميع صلاته واما أن يكون في مرقد يمكنه ذلك فاما في الحالة الاولى فلا يمنع من الصلاه بتعذر الاستقبال في جميعها ولكن هل يجب عليه أن يستقبل القبلة عند التحرم فيه وجوه (أحدها) لا كما في دوام الصلاة لان تكليف الاستقبال يشق عليه ويشوش عليه سيره (والثانى) نعم ليكون ابتداء الصلاة على صفة الكمال ثم يخفف الامر في الدوام كما أن النية يشترط اقنرانها بالتكبير ولا يشترط في دوام الصلاة فعلى هذا الوجه لو تعذر الاستقبال في تلك الحالة لم تصح الصلاة أصلا (والثالث) انه ان سهل عليه الاستقبال عند التحرم وجب والا فلا فلو كانت الدابة واقفة وأمكنه الانحراف عليها إلى القبلة لو أدارها إليها أو كانت سائرة والزمام في يده ولاحران بها فالاستقبال سهل وان كانت مقطرة أو صعبة الادارة لحرانها فهو عسير أما الاشتراط عند السهولة فلما روى عن أنس رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان إذا سافر وأراد أن يتطوع استقبل القبلة بناقته وكبر ثم صلي حيث وجهه ركابه) وأما عدم الاشتراط عند الصعوبة فلدفع المشقة واختلال أمر السير عليه ولهذا رخصصنا في ترك الاستقبال في دوام الصلاة وهذه الوجوه الثلاثة هي التى أوردها في الكتاب واعلم أن الاكثرين سكتوا عن الوجه الثاني واقتصروا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 على ايراد الاول والثالث لكن حكاه الصيدلانى وتابعه امام الحرمين والمصنف على نقله ثم ايراد الكتاب يقتضي أن يكون عدم الاشتراط مطلقا أظهر لانه قال ولا يضر انحراف الدابة عن القبلة ثم ذكر الوجهين الاخرين والمذهبيون إذا أطلقوا الحكم ثم قالوا وقيل كذا كان اشارة منهم إلى ترجيح الاول الا إذا نصوا على خلافه لكن الذى رجحه معظم الائمة انما هو الوجه الثالث وفيه جمع بين الخبر والمعنى كما تقدم ثم ظاهر لفظه في حكاية الوجه الثالث يقتضى الايجاب فيما إذا كان العنان بيده ونفيه في غير هذه الحالة لكن لو كانت الدابة واقفة وسهل الانحراف عليه يلزمه ذلك علي هذا الوجه وان لم يكن العنان بيده فكأنه جعل هذا مثالا الصورة سهولة الاستقبال ليلحق به ما هو في معناه ويمكن أن يكون الذى حكاه ثانيا وجها مغايرا الوجه الثالث الذى قدمنا روايته فان الصيدلانى وغيره نقلوا كما نقله المصنف لكن الاول أقرب فان الفرق بين ما إذا كان العنان بيده وبين سائر صور السهولة بعيد وفى لفظ الكتاب شئ آخر يحتاج الي تأويله وذلك أنه قال ولا يضر انحراف الدابة عن القبلة ومعلوم أنه لا اعتبار بانحراف الدابة واستقبالها وانما الاعتبار بحال الراكب حتي لو استقبل عند التحرم حصل الغرض وارتفع الخلاف وإن كانت الدابة منحرفة واقفة كانت أو سائرة فإذا المعنى ولا يضر انحرافه على الدابة أو لانحراف الدابة وما اشبه ذلك وفى المسالة وجه رابع وهو أنه لو كانت الدابة متوجهة به عند افتتاح الصلاة أما إلى القبلة أو طريقه تحرم بالصلاة كما هو ولو كانت منحرفة به الي غيرها لم يجز التحرم إلا إلي القبلة لان تكليف صرف الدابة عن صوب الطريق إذا كانت متوجهة إليه قد يعسر أما عند الانحراف الي غير القبلة والطريق فلابد من صرفها فيصرفها إلى القبلة أولا ثم الي الطريق فليس فيه كثير عسر وإذا شرطنا الاستقبال عند التحرم ففى اشتراطه عند السلام وجهان أحدهما يشترط لانه أحد طرفي الصلاة ولهذا اعتبرنا نية الخروج على رأى اعتبارا بالطرف الاول واصحهما لا يتشرط كما في سائر الاركان وهذا قضية نظم الكتاب لانه قال لا يضر الانحراف ولم يستثن على بعض الوجوه سوى حالة التحرم وإذا عرفت الخلاف في التحريم والتحلل فاعرف أن فيما عداهما من اركان الصلاة يجعل صوب الطريق بدلا عن القبلة وكذلك عند التحرم والتحلل إذا لم يشترط فيهما الاستقبال وإنما كان كذلك لان المصلي لابد وأن يستمر على جهة واحدة ليجتمع همه ولا يتوزع فكره وجعلت تلك الجهة جهة الكعبة لشرفها فإذا عدل عنها لحاجة السير فليلزم الجهة التى قصدها محافظة علي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 المعنى المقتضي للاستمرار علي الجهة الواحدة: ثم الطريق في الغالب لا يستد بل يشتمل علي معاطف يلقاها السالك يمنة ويسرة فيتبعه كيف ما كان لحاجة السير وإنما قال صوب الطريق لانه لا يشترط أن يكون سلوكه في نفس الطريق المعبد فقد يعدل المسافر عند لزحمة ودفع غبار ونحوهما فالمعتبر الصوب دون نفس الطريق * ويتعلق بهذه القاعدة مسائل (أحداها) ليس لراكب التعاسيف ترك الاستقبال في ى شئ من صلاته وهو الهائم الذى يستقبل تارة ويستدبر أخرى إذ ليس له صوب ومقصد معين وقوله ولا يصلي راكب التعاسيف معناه أنه لا ينتفل متوجها إلى حيث تسير دابته كما يفعله غيره لا أنه لا ينتفل أصلا فان هذا الرجل لو تنفل مستقبلا في جميع صلاته أجزأه ولو كان له مقصد معلوم لكن لم يسر في طريق معين فهل يتنفل مستقبلا صوبه فيه قولان اظهرهما نعم لان له مقصدا معلوما والثانى لا: إذ لم يسلك طريقا مضبوطا وقد لا يؤدى سيره الي مقصده (الثانية) لو انحرف عن صوب الطريق أو نحرفت الدابة عنه فيبنى ذلك علي ما لو انحرف المصلي علي الارض عن القبلة وينظر فيه إن استدبر القبلة في صلاته أو تحول إلى جهة أخرى عمدا بطلت صلاته وان فعله ناسيا للصلاة فان تذكر على القرب وعاد إلى الاستقبال لم تبطل صلاته كما لو تكلم في صلاته ناسيا بكلام قليل وان طال الفصل ففى البطلان وجهان كما لو تكلم ناسيا بكلام كثير أصحهما البطلان ذكره الصيدلانى وصاحب التهذيب لان الصلاة لا تحتمل الفصل الطويل ولان ذلك مما يندر والثانى الصحة كما لو قصر الزمان للعذر وهو الذي ذكره المحاملى وطبقته ولو أماله انسان عن جهة القبلة قهرا وطال الزمان بطلت صلاته فان عاد إلى الاستقبال على قرب فوجهان أصحهما البطلان والفرق بين النسيان وقهر الغير إياه أن النسيان مما يكثر ويعم والاكراه في مثل ذلك يندر ولهذا المعني نقول لو اكره علي الكلام في صلاته تبطل صلاته علي الصحيح بخلاف النسيان جنئا إلى الانحراف عن صوب الطريق أو تحريف الدابة عنه فلو فعل ذلك عمدا فقد قال في الكتاب بطلت صلاته وهذا غير مجرى علي اطلاقه لانه لو انحرف إلى جهة القبلة لا تبطل صلاته وكيف تبطل وقد توجه الي الجهة التي هي الاصل فإذا المراد ما إذا حرف الدابة عن صوب الطريق إلى غير جهة القبلة أو انحرف عليها وهكذا قيده سائر الائمة وانما حكمنا بالبطلان لما ذكرنا من كون هذه الجهة قائمة مقام جهة القبلة وان حرف الدابة أو انحرف عليها الي غير القبلة ناسيا فان تذكر وعاد علي قرب لم تبطل صلاته وان طال الزمان فوجهان كما ذكرنا في استدبار المصلى علي وجه الارض ناسيا والاصح البطلان ولو أخطأ وظن ان الذى توجه إليه طريقه فهو كما لو انحرف ناسيا للصلاة ولو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 انحرف الي غير القبلة لجماح الدابة فهذه الصورة تشبه ما لو أماله غيره قهرا فان طال الزمان بطلت صلاته وذكر الشيخ أبو حامد انها لا تبطل كما ذكر في النسيان فقوله بطل معلم بالواو لذلك وان قصر فقد حكى في الكتاب فيه وجهين كما روينا في صورة الامالة ولم يأت امام الحرمين بحكاية الخلاف في الجماح لكن قال قد ذكرنا في مثل هذه الصورة خلافا فيمن يصرف عن القبلة والظاهر ههنا أن الصلاة لا تبطل لان جماح الدابة مما يعم به البلوى بخلاف صرف الرجل فهو نادر لا يعهد وان اراد ان الظاهر القطع بهذا والامتناع من تخريجه علي الخلاف في صورة الصرف لانه قال بعد الفرق بين الصورتين ولهذا قطع الائمة بان جماح الدابة في زمن قريب لا يبطل الصلاة ولم أر ما يخالف هذا للاصحاب فالامر على ما ذكرناه فإذا بحثت وجدت كتب الاصحاب متفقة على أن الصلاة لا تبطل في صورة جماح الدابة إذا ردها على القرب على أن الاكثرين سووا بين صورة النسيان وصورة الجماح سواء منهم الحاكم بالصحة عند طول الزمان والحاكم بالبطلان ويتبين من هذا أن المصنف كالمنفرد برواية الوجهين في بطلان الصلاة عند قصر المدة في صورة الجماع فاعلم ذلك (الثالثة) إذا لم يحكم بالبطلان في النسيان والجماح فهل يسجد للسهو اما عند النسيان فقذ ذكر في الكتاب أنه يسجد للسهو عند قصر الزمان وهكذا حكي الصيدلاني والامام وصاحب التهذيب ووجهه أن التحريف عمدا منطل للصلاة فإذا اتفق سهوا اقتضى سجود السهو لكن الشيخ ابا حامد في طائفة حكوا عن نص الشافعي رضى الله عنه أنه لا يسجد للسهو إذا عاد عن قريب فان طال الزمان فحينئذ يسجد فليكن قوله يسجد للسهو معلما بالواو لذلك وأما عند الجماح فمنهم من قال لا يسجد إذا لم نحكم ببطلان الصلاة لانه لم يوجد منه ترك مامور ولافعل منهي والذى وجد فعل الدابة ومنهم من قال وهو الاظهر يسجد وفعل الدابة كفعله وطريقة الشيخ أبي حامد ههنا كما في النسيان فالحاصل في الجماح ثلاثة أوجه يسجد: لا يسجد يفرق بين أن يطول الزمان أو يقصر وفي النسيان لا يصلح الا وجهان وهذا كله متفرع علي ظاهر المذهب وهو ان السهو في النافلة يقتضي السجود كما في الفريضة وحكي قول أنه لا مدخل لسجود السهو في النافلة بحال هذا تمام الكلام في استقبال الراكب علي السرج ونحوه: وأما كيفية اقامته الاركان فليس عليه وضع الجبهة علي عرف الدابة ولا علي السرج والاكاف لما فيه من المشقة وخوف الضرر من نزقات الدابة ولكن ينحنى للركوع والسجود الي الطريق ويجعل السجود أخفض من الركوع قال امام الحرمين والفصل بينهما عند التمكن محتوم والظاهر أنه لا يجب مع ذلك أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 يبلغ غاية وسعه في الانحناء وأما كيفية سائر الاركان فبينة (الحالة الثانية) أن يكون الراكب في مرقد ونحوه يسهل عليه الاستقبال واتمام الاركان فعليه الاستقبال في جميع الصلاة كراكب السفينة إذ لا مشقة عليه في ذلك وينبغى أن يتم الركوع والسجود أيضا فلو اقتصر على الايماء كان بمثابة المتمكن علي الارض إذا تنفل مضطجعا مقتصرا علي الايماء وفي جوازه وجهان مذكور ان في موضعهما وحكى القاضي ابن كج عن نص الشافعي رضى الله عنه انه لا يلزم الاستقبال ولا اتمام الركوع والسجود في المحمل الواسع كما لا يجب علي راكب السرج ذلك وفرق بينه وبين السفينة بان حركة راكب السفينة لا تؤثر فيها وحركة راكب الدابة تؤثر في المحمل فيخاف الضرر فإذا قوله أتم الركوع والسجود ينبغى أن يعلم بالواو لما رواه ابن كج أو للوجه الصائر الي تجويز التنفل موميا مضطجعا الا أن لا يريد بقوله اتم انه يلزم ذلك بل يريد انه الاحسن والاولي والظاهر ارادة اللزوم قال (وأما الماشي فاستقباله كمن بيده زمام دابته فيركع ويسجد ويقعد لا ينافي هذه الاركان ولا يمشى الا في حال القيام وفيه قول أنه يومئ بذلك كله) لما فرغ من الكلام في استقبال الراكب وكيفية اقامته الاركان اشتغل بالكلام فيهما في حق الماشي وقد حكى الاصحاب على طبقاتهم عن نص الشافعي رضى الله عنه أن الماشي يركع ويسجد علي الارض ولا يقتصر علي الايماء لسهولة الامر عليه بخلاف الراكب فان اتمامها عسير عليه أو متعذر والنزول لهما أعسر وأشق وزاد الشيخ أبو محمد فحكي مع ذلك عن نصه أنه يقعد في موضع التشهد أيضا ويسلم ولا يمشى الا في حال القيام وتابعه امام الحرمين والمصنف فقال ويركع ويسجد ويقعد لا ينافى هذه الاركان الي آخره ونفى الشيخ أبو حامد والعراقيون من أصحابنا هذه الزيادة وقالوا لا يجب القعود بل يمشى في حال التشهد كما في حال القيام وهو ظاهر المذهب لطول زمان التشهد كالقيام وهذا ما أورده الشيخ الحسين وأبو سعيد المتولي ثم ذكر امام الحرمين ان ابن سريج خرج قولا انه لا يلبث ولا يضع جبهته علي الارض بل يومئ راكعا وساجدا كالراكب لان كثرة اللبث قد يفضى إلى الانقطاع عن الرفقة ويشوش عليه أمر السفر وعلى هذا فيجعل السجود أخفض من الركوع كالراكب ولا يقعد في التشهد وحكي الشيخ أبو محمد هذا القول المنسوب الي ابن سريج عن القفال وانه أول نص الشافعي رضى الله عثه علي الاستحباب قال الشيخ ثم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 وجدت ما ذكره القفال منصوصا للشافعي رضى الله عنه فحصل في الاركان يتمها المشاي لابثا أم لا قولان منصوص ومخرج علي ما ذكره في الكتاب أو منصوصان علي ما رواه الشيخ ويترتب على ما ذكرناه القول في استقبال القبلة أما إذا قلنا أنه يركع ويسجد ويقعد لا ينافيها فلا شك في انه يستقبل القبلة فيها ويتحلل عن صلاته وهو مستقبل وإذا لزم الاستقبال في هذه الاحوال فهو عند التحرم ألزم فان الراكب يستقبل عند التحرم على الاظهر وان لم يستقبل في سائر الافعال والاركان وان استثنينا حالة الشتهد عن النص وقلنا لا يقعد فيها بل يمشى ففى وجوب الاستقبال عند السلام وجهان كما قدمناهما في الراكب واما إذا قلنا بالاقتصار على الايماء فلا يجب الاستقبال في الركوع والسجود ولا في التشهد وحكمه في التحرم حكم الراكب الذى بيده زمام دايته والحاصل من الخلاف الذى سبق في هذا الراكب وجهان اظهرهما لزوم الاستقبال فكذلك في الماشي وإذا عرفت هذا فلك في عبارة الكتاب أعنى قوله أما الماشي فاستقباله كمن بيده زمام دابته نظران (أحدهما) أنه أطلق الكلام اطلاقا ولم يقيد بحالة التحرم ومعلوم أن استقبال الماشي ليس كاستقبال من بيده زمام دابته على الاطلاق فان الراكب لا يؤمر بالاستقبال في الركوع والسجود وان كان بيده زمام دابته والماشي يؤمر به على الاظهر (والثاني) انه قيد بحالة التحرم لكن هذا الكلام اما أن يكون موصولا بما بعده أو يكون منقطعا عنه مستقلا بنفسه فان كان موصولا بما بعده علي معنى أنه مقول على قولنا أنه يركع ويسجد ويقعد لابثا فيكون هذا اثباتا للخلاف في الاستقبال مع الحكم باتمام هذه الاركان لان استقبال الراكب الذى بيده زمام دابته مختلف في وجوبه ولا خلاف في وجوب الاستقبال عند التحرم علي هذا المذهب كذلك ذكره امام الحرمين وغيره وهو المعقول وان كان مستقلا بنفسه منقطعا عما بعده كان هذا اثباتا للخلاف في انه هل يلزمه الاسته بال عند التحرم على الاطلاق والظاهر القطع بانه يلزمه ذلك لان الظاهر أنه يتم الركوع والسجود وحينئذ لا خلاف فيه على ما ذكرنا وانما الخلاف فيه علي القول المخرج فكان ينبغي أن يرتب قوله استقبال الماشي كمن بيده زمام دابته علي القول المخرج كما نقله الامام وقوله في حكاية القول المخرج انه يومي في ذلك كله يرجع الي الركوع والسجود دون القعود وان عمم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 اللفظ فانه لا إيماء الي القعود بل يعتدل قائما بعده الايماء بالسجود ويتشهد فيقع قيامه بدلا عن القعود كما يقع القعود بدلا عن القيام في حق العاجز عن القيام ثم صوب الطريق حيث لا يجب استقبال القبلة يكون بدلا عن القبلة في حق الماشي كما ذكرناه في الراكب ويعود فيه المسائل السابقة * قال (فرع لو مشى في نجاسة قصدا فسدت صلاته بخلاف لو وطئ فرسه نجاسة ولا يلزمه المبالغة في التحفظ عند كثرة النجاسة في الطريق) * يجب أن يكون ما يلاقى الراكب وثيابه طاهرا من السرج وغيره ولو بالت الدابة أو وطئت نجاسة لم يضر لان تلك النجاسة لا تلاقى بدنه وثيابه ولا هو حامل لها بل لو كان السرج نجسا فالقي عليه ثوبا طاهرا وصلي عليه جازا ما لو أوطأ الدابة نجاسة فالذي ذكره في الكتاب أن ذلك لا يضره كما لو وطئت بنفسها وكذلك أورده صاحب النهاية لكن قال في التتمة لو سيرها على النجاسة عمدا بطلت صلاته لامكان التحرز عنها فليكن قوله بخلاف ما لو أوطأ فرسه نجاسة معلما بالواو وأما الماشي فلا كلام في أنه لو مشي علي نجاسة قصدا فسدت صلاته لانه يصير ملاقيا لها بخفة الملبوس ولا يجب عليه التحفظ والاحتياط في المشى لان النجاسات تكثر في الطرف وتكليفه التحفظ يشوش عليه غرض السير ولو انتهى الي نجاسة ولم يجد معدلا عنها فقد قال امام الحرمين فيه احتمال قال يو لا شك أنها لو كانت رطبة فمشى عليها بطلت صلاته وان كان عن غير قصد لانه يصير حاملا للنجاسة وما سبق في النجاسة اليابسة (واعلم) أنه يشترط في جواز التنفل راكبا وماشيا دوام السفر والسير فلو بلغ المنزل في خلال الصلاة وجب اتمام الصلاة متمكنا متوجها إلى القبلة وينزل ان كان راكبا ولو دخل بلد اقامته فعليه النزول أول ما دخل البنيان واتمام الصلاة مستقبلا الا إذا جوزنا للمقيم التنفل علي الراحلة وكذلك لو نوى الاقامة ببلدة أو قرية ولو مر ببلدة مجتازا فله اتمام الصلاة راكبا وان كان له بها أهل فهل يصير مقيما بدخولها قولان إن قلنا نعم وجب النزول والاتمام وحيث أمرناه بالنزول فذلك عند تعذر البناء علي الدابة فلو لم يتعذر بان أمكنه الاستقبال واتمام الافعال عليها وهى واقفة جاز ويشترط أيضا الاحتراز عن الافعال التي لا يحتاج إليها فلو ركض الدابة للحاجة إليه فلا بأس ولو أعداها بغير عذر أو كان ماشيا فعدا قصدا بغير عذر بطلت صلاته في أصح الوجهين * قال (الركن الثاني القبلة ومواقف المستقبل مختلفة فالمصلى في جوف الكعبة يستقبل أي جدار شاء ويستقبل الباب وهو مردود وان كان مفتوحا والعتبة مرتفعة قدر موخرة الرحل جاز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 ولو انهدمت الكعبة والعياذ بالله صحت صلاته خارج العرصة متوجها إليها كمن صلى على أبى قبيس والكعبة تحته ولو صلى فيها لم يجز (ح م) إلا أن يكون بين يديه شجرة أو بقية حائط والواقف على السطح كالواقف علي العرصة فلو وضع بين يديه شيئا لا يكفيه ولو غرز خشبة فوجهان) * مسائل الركن مبنية علي النظر في موقف المصلي وهو اما ان لا يكون وراء الكعبة أو يكون وراءها وان كان وراءها فاما أن يكون في المسجد الحرام أو وراءه وان كان وراءه فاما أن يكون بمكة أو المدينة أو غيرهما والفصل يشتمل علي القسم الاول وهو أن لا يكون وراء الكعبة وحينئذ له ثلاثة أحوال لانها اما أن تكون على هيئتها مبنية أو تنهدم والعياذ بالله فيقف في عرصتها وإذا كانت على هيئتها مبنية فاما أن يقف في جوفها أو على سطحها (الحالة الاولي) أن يقف في جوفها فتصح صلاته فريضة كانت أو نافلة خلافا لمالك واحمد في الفريضة لنا أنه صلى متوجها إلى بعض أجزاء الكعبة فتصح صلاته كالنافلة وكما لو توجه إليها من خارج ثم يتخير في استقبال أي جدار شاء لانها أجزاء البيت ويجوز أن يستقبل الباب أيضا ان كان مردودا فان باب االبناء معدود من أجزائه الا ترى أنه يدخل في بيعه وان كان مفتوحا نظر في العتبة ان كانت قدر مؤخرة الرحل صحت صلاته وان كانت دونها فلا: ومؤخرة الرحل ثلثا ذراع إلى ذراع تقريبا قال امام الحرمين وكان الائمة راعوا في اعتبار هذا القدر أن يكون في جلوسه يسامت بمعظم بدنه الشاخص ولكنه يكون في القيام خارجا بمعظم بدنه عن المسامتة فليخرج علي الخلاف فيما إذا وقف علي طرف ونصف بدنه في محاذاة ركن من الكعبة وليكن قوله والعتبة مرتفعة قدر مؤخرة الرحل معلما بالوا ولانه مذكور قيدا في الجواز وقد حكي في البيان عن الشيخ أبى حامد وابن الصباغ أنه يكفى للجواز أن تكون العتبة شاخصة باى قدر كان وان قل لانه استقبل جزءا من البيت وكذا قوله جاز لان امام الحرمين حكى وجها آخر أنه لا يكفى أن يكون الشاخص قدر المؤخرة بل يجب أن يكون بقدر قامة المصلي طولا وعرضا ليكون مستقبلا بجميع بدنه الكعبة والعتبة لا تبلغ هذا الحد غالبا فلا تصح الصلاة اليبا علي هذا الوجه (الحالة الثانية) أن تنهدم الكعبة حاشاها ويبن وضعها عرصة فان وقف خارجها وصلى إليها جاز لان المتوجه الي هواء البيت والحالة هذه يسمى مستقبلا وصار كمن صلى علي جبل أبي قبيس والكعبة تحته يجوز لتوجهه الي هواء البيت ولو صلى فيها فالحكم فيه كالحكم في الحالة الثالثة وهو أن يقف علي سطحها فينظر ان لم يكن بين يده شئ شاخص من نفس الكعبة ففيه وجهان أحدهما وبه قال أبو حنيفة وابن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 سريج يجوز كما لو وقف خارج العرصة متوجها الي هواء البيت وأصحهما وهو المذكور في الكتاب أنه لا يجزئه لما روي أنه صلى الله عليه وسلم (نهي عن الصلاة علي ظهر الكعبة) ولانه والحالة هذه مصل على البيت لا الي البيت وخص بعضهم نقل الجواز عن ابن سريج بصورة العرصة دون السطح لكن قال امام الحرمين لا شك انه يجزئه في ظهر الكعبة وصرح في التهذيب بنقل الجواز عنه في الواقف على ظهر الكعبة فلا فرق وان كان بين يده شاخص من نفس الكعبة فان كان قدر مؤخرة الرجل جاز والا فلا كما ذكرنا في العتبة ويجرى الوجهان الاخران المذكوران في العتبة فيما نحن فيه أحدهما اشتراط كون الشاخص بقدر قامة المصلى والثاني الاكتفاء بأى قدر كان وإذا عرف ذلك فلو وضع بين يديه متاعا لم يكفه وان استقبل بقية حائط أو شجرة نبتت في العرصة جاز وكذا لو جمع ترابها تلا واستقبله أو حفر حفرة ووقف فيها وكذا لو وقف في آخر السطح أو العرصة وتوجه الي الجانب الاخر وكان الجانب الذى وقف فيه أخفض من الجانب الذى استقبله يجوز ولو نبتت حشيشة وعلت قال في النهاية لا حكم لها في الاستقبال والحق صاحب التهذيب الزرع بالشجرة وما ذكره الامام أظهر ولو غرز عصا أو خشبة فوجهان أحدهما يكفى لحصول الاتصال بالغرز ولذلك تعد الاوتاد المغروزة من الدار وتدخل في البيع وأصحهما لا كما لو وضع متاعا بين يده ومطلق الغرز لا يوجب كون المغروز من البناء والاوتاد جرت العادة بغرزها لما فيها من المصالح فقد تعد من البناة لذلك والوجهان في الغرز المجرد أما لو كانت مثبتة أو مسمرة كفت للاستقبال نعم قال امام الحرمين الخشبة وان كانت مثبتة فبدن الواقف خارج عن مجاذاتها من الطرفين فيكون علي الخلاف الذى يأتي ذكره فيمن وقف علي طرف ونصف بدنه في محاذاة ركن من الكعبة * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 قال (والواقف في المسجد لو وقف علي طرف ونصف بدنه في محاذاة الركن ففى صحة صلاته وجهان ولو امتد صف مستطيل قريب من البيت فالخارج عن سمت البيت لا صلاة له وهؤلاء قد يفرض تراخيهم الي آخر باب المسجد فتصح صلاتهم لحصول اسم الاستقبال) * سنذكر اختلاف قول في ان المطلوب في الاستبال عين الكعبة أو جهتها وذلك الخلاف في حق البعيد عن الكعبة أما الحاضر في المسجد الحرام فيجب عليه لا محالة استقبال عين الكعبة لانه قادر عليه وقد روينا أنه صلي الله عليه وسلم (دخل البيت ثم خرج فاستقبله وصلي ركعتين ثم قال هذه القبلة) أشار إلى عين الكعبة وحصر القبلة فيها وإذا عرفت ذلك ففى الفصل ثلاث صور (أحداها) لو وقف على طرف من اطراف البيت وبعض بدنه في محاذاة ركن والباقى خارج ففى صحة صلاته وجهان أحدهما تصح لانه توجه الي الكعبة بوجهه وحصل اصل الاستقبال واصحهما لا تصح لانه يصدق ان يقال ما استقبل الكعبة انما استقبلها بعضه (الثانية) الامام يقف خلف المقام والقوم يقفون مستديرين بالبيت فلو استطال الصف خلفه ولم يستديروا فصلاة الخارجين عن محاذاة الكعبة باطلة لانهم لا يسمون مستقبلين وذكر صاحب التهذيب وغيره من اصحابنا ان ابا حنيفة يصحح صلاة الخارجين عن محاذاة الكعبة لان الجهة كافية عنده وعلم لهذا قوله في الكتاب والخارج عن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 سمت البيت لا صلاة له بالحاء لكن أبا الحسن الكرخي وغيره من أصحاب أبي حنيفة فصلوا وقالوا الفرض علي المصلي استقبال القبلة واصابة عينها إذا قدر عليها أو الجهة إذا لم يقدر علي عينها وهذا يدل على انه انما يكتفى بالجهة في حق البعيد الذى لا يقدر علي اصابة العين لا مطلقا (الثالثة) لو تراخى الصف الطويل ووقفوا في آخر باب المسجد صحت صلاتهم لان المتبع اسم الاستقبال وهو يختلف بالقرب والبعد ولهذا يزول اسم الاستقبال عن القريب بانحراف يسير ولا يزول عن البعيد مثله والمعنى فيه أن الحرم الصغير كلما ازداد القوم عنه بعدا ازداد واله محاذاة كغرض الرماة وغيره * قال (والواقف بمكة خارج المسجد ينبغي أن يسوى محرابه بناء علي عيان الكعبة فان لم يقدر استدل عليها بما يدل عليها) * المصلى بمكة خارج المسجد ان كان يعاين الكعبة كمن هو علي جبل أبى قبيس صلى إليها بالمعاينة ولو سوى محرابه بناء علي العيان صلى إليه أبدا لانه يستيقن الاصابة ولا حاجة في كل صلاة الي معاينة الكعبة وفي معنى المعاين المكي الذى نشأ بمكة وتيقن اصابة الكعبة وان لم يشاهدها حين يصلي واما إذا لم يعاين الكعبة ولا تيقن الاصابة فيستدل بما أمكنه ويسوى محرابه بناء على الادلة هذا ما ذكره في الكتاب وحكاه في النهاية عن العراقيين وانهم قالوا لا يكلف الرقى الي سطح الدار مع امكان العيان واعتمدوا فيه ما صادفوا أهل مكة عليه في جميعا لاعصار قال وفيه نظر عندي فان اعتماد الاجتهاد بمكة مع امكان البناء علي العيان بعيد وسنذكره في الركن الثالث ان شاء الله تعالى ما يزداد به هذا الفصل وضوحا * قال (والواقف بالمدينة ينزل محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقه منزلة الكعبة فليس له الاجتهاد فيه بالتيامن والتياسر وهل ذلك في سائر البلاد فعلى وجهين) * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 محراب الرسول صلي الله عليه وسلم بالمدينة نازل منزلة الكعبة لانه لا يقر على الخطأ فهو صواب قطعا وإذا كان كذلك فمن يعاينه يستقبله ويسوى محرابه عليه اما بناء على العيان أو استدلالا كما ذكرنا في الكعبة ولا يجوز العدول عنه إلى جهة أخرى بالاجتهاد بحال وفى معني المدينة سائر البقاع التى صلي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ضبط المحراب وكذلك المحاريب المنصوبة في بلاد المسلمين وفى الطرق التى هي جادتهم يتعين التوجه إليها ولا يجوز الاجتهاد معها وكذلك في القرية الصغيرة ان نشأ فيها قرون من المسلمين ولا اعتماد علي العلامة المنصوبة في الطريق الذى يندر مرور الناس بها أو يستوى فيه مرور المسلمين والكفار وفى القرية الخربة التى لا يدري انها من بناء المسلمين أو الكفار ولابد من الاجتهاد في هذه المواضع وإذا منعنا من الاجتهاد في الجهة فهل يجوز الاجتهاد في التيامن والتياسر اما في محراب الرسول صلى الله عليه وسلم فلا ولو تخيل عارف بادلة القبلة أن الصواب فيه أن يتيامن أو يتياسر فليس له ذلك وخياله باطل وأما في سائر البلاد فعلي وجهين اصحهما ولم يذكر الاكثرون سواه أنه يجوز لان الخطأ في الجهة مع استمرار الخلق واتفقاهم ممتنع لكن الخطأ في الانحراف يمنة ويسرة مما لا يبعد ويقال أن عبد الله بن المبارك كان يقول بعد رجوعه من الحج تياسروا يا اهل مرو والثانى أنه لا يجوز لان احتمال اصابة الخلق الكثير أقرب وأظهر من احتمال اصابة الواحد وهذا يستوى فيه الجهة والانحراف يمنة ويسرة وفصل القاضى الروياني وغيره بين البلاة بعد المدينة فجعلوا قبلة الكوفة صوابا يقينا كقبلة المدينة لانه صلي إليها الصحابة ولم يجعلوا قبلة البصرة يقينا وقضية هذا الكلام جواز الاجتهاد في التيامن والتياسر في قبلة البصرة دون الكوفة وفيما علق عن ابن يونس القزويني مثل هذا الفرق فانه قال قبله الكوفة قد صلي إليها على كرم الله وجهه مع عامة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ولا اجتهاد مع اجماع الصحابة رضي الله عنهم قال واختلف أصحابنا في قبلة البصرة فمنهم من قال هي صواب أيضا كقبلة الكوفة ومنهم من جوز فيها الاجتهاد وفرق بان قبلة الكوفة نصبها علي رضى الله عنه وقبلة البصرة نصبها عتبة بن غروان والصواب في فعل علي رضى الله عنه أقرب ثم حكى في قبلة سائر البلاد وجهين وجعل أصحهما جواز الاجتهاد فيها وهذا أن عنى به الاجتهاد في الجهة من اصلها فهو بعيد بمرة بل الذى قطع به معظم الاصحاب منع ذلك في جميع البلاد في المحاريب المتفق عليها بين أهلها وان عنى به الاجتهاد في التيامن والتياسر فالفرق بين الكوفة والبصرة كما نقله الروياني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 بعيد ايضا لان كل واحدة منهما قد دخلها الصحابة وسكتوا وصلوا إليها فان كان ذلك مما يفيد اليقن وجب استواؤهما فيه وان لم يفد اليقين فكذلك والله أعلم * قال (الركن الثالث في المستقبل فالقادر علي معرفة القبلة لا يجوز له الاجتهاد والقادر علي الاجتهاد لا يجوز له التقليد والاعمي العاجز يقلد شخصا مكلفا مسلما عارفا بادلة القبلة وليس للمجتهدان يقلد غيره وان تحير في الحال في نظره صلي علي حسب حاله وقضى وقيل يقلد ويقضى وقيل انه يقلد ولا يقضى واما البصير الجاهل بالادلة ان قلد يلزمه القضاء الا إذا قلنا لا يجب تعلم أدلة القبلة علي كل بصير فعند ذلك ينزل منزلة الاعمي) * المصلى اما أن يقدر على معرفة القبة يقينا أو لا يقدر عليها فان قدر علي اليقين فليس له الاجتهاد كالقادر على العمل بالنص لا يجوز له الاجتهاد وحكى القاضى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 الرويانى وجهين فيما إذا استقبل المصلي حجر الكعبة وحده بناء علي هذا الاصل وقال الاصح المنع لان كونه من البيت غير مقطوع به وانما هو مجتهد فيه فلا يجوز العدول عن اليقين إليه ثم المعرفة يقينا قد تحصل بالمعاينة وقد تحصل بغير المعاينة كالناشئ بمكة يعرف القبلة باومارات تفيده اليقين وان لم يعاين كما سبق وكما لا يجوز للقادر علي اليقين الاجتهاد لا يجوز له الرجوع الي قول الغير أيضا وان لم يقدر علي درك اليقين فلا يخلوا ما أن يجد من يخبره عن القبلة عن علم وكان المخبر ممن يعتمد قوله أولا يجد فان وجد رجع الي قوله ولم يجتهد أيضا كما في الوقت إذا أخبره عدل عن طلوع الفجر يأخذ بقوله ولا يجتهد وكذلك في الحوادث إذا روى العدل خبرا يؤخذ به وكل ذلك قبول الخبر من أهل الرواية وليس من التقليد في شئ ويتشرط في المخبر أن يكون عدلا يستوى فيه الرجل والمرأة والحر والعبد وفى وجه لا تشترط العدالة بل يقبل خبر الفاسق لانه لايتهم في مثل ذلك والمذهب الاول ولا يقبل خبر الكافر بحال وفى الصبى بعد التمييز وجهان كما في رواية أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم والاكثرون علي انه لا يقبل: ثم الاخبار عن القبلة قد يكون صريحا وقد يكون دلالة اما الصريح فلا يخفى وأما الدلالة فنصب المحاريب في المواضع التي يعتمد عليها كما سبق في التفصيل ولا فرق في لزوم الرجوع الي الخبر بين أن يكون الشخص من أهل الاجتهاد وبين أن لا يكون حتى ان الاعمى يعتمد المحراب إذا عرفه بالمس حيث يعتمد البصير بالرؤية وكذا البصير إذا دخل المسجد في ظلمة الليل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 اعتمد المحراب بالمس هكذا ذكر صاحب التهذيب وغيره وقال في العدة انما يعتمد الاعمى علي المس إذا شاهد محراب المسجد قبل العمي أما لو لم يشاهد فلا يعتمد عليه ولو اشتبهت عليه طيقان المسجد فلا شك انه يصبر حتى يخبره غيره صريحا وان خاف فوات الوقت صلي على حسبن الحال وأعاد هذا إذا وجد من يخبره عن علمه وكان ممن يعتمد قوله أما إذا لم يجد فلا يخلو اما ان يكون قادرا على الاجتهاد أو لا يكون فان قدر على الاجتهاد لزمه الاجتهاد والتوجه إلى الجهة التي يظنها جهة القبلة ولا تحصل القدرة علي الاجتهاد الا بمعرفة أدلة القبلة وهى كثيرة صنفوا لذكرها كتبا مفردة وأضعفها الرياح لانها تختلف واقواها القطب وهو نجم صغير في بنات نعش الصغرى بين الفرقدين والجدى إذا جعله الواقف خلف اذنه اليمنى كان مستقبلا للقبلة هكذا يكون بناحية الكوفة وبغداد وهمذان وقزوين الرى وطبرستان وجرجان وما والاها إلى نهر الشاش وليس علي القادر على الاجتهاد ان يقلد غيره فيعمل باجتهاده كما في الاحكام الشرعية ولو فعل يلزمه القضاء ولا فرق بين أن يخاف فوت الوقت لو اشتغل بالاجتهاد أو اتمه وبين أن لا يخاف في انه لا يقلد لكن عند ضيق الوقت يصلي لحق الوقت كيفما كان ثم يجتهد ويقضي وقال ابن سريج يقلد عند خوف الفوات وقال في النهاية لو كان في نظره وعلمه ان وقت الصلاة ينتهي قبل انتهاء نظره فيقلد ويصلي في الوقت أم يتمادى الي تمام الاجتهاد في نظره هذا كما لو تناوب جمع على بئر وعلى ان النوبة لا تنتهي إليه الا بعد الوقت وقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 ذكرنا خلافا في انه هل يصبر أم يتيمم ويصلي في الوقت فتحصل من هذا الكلام وجه ثالث انه يصبر إلى تمام اجتهاد ولا يصلي وان فات الوقت لا كيفما كان ولا بالتقليد وما ذكرناه من الاجتهاد مستمر في حق الغائب عن مكة فأما الحاضر بمكة إذا لم يعاين الكعبة لحائل بينه وبين الكعبة نظر ان كان الحائل اصليا كالجبل فله الاجتهاد والاستقبال بالاستدلال ولا يكلف صعود الجبل أو دخول المجسد لما فيه من المشقة وان كان الحائل حادثا كالابنية فوجهان أحدهما لا يجوز لان الفرض في مثل هذا الموضع قبل حدوث البناء انما هو المعاينة دون الاجتهاد فلا يتغير بما طرأ من البناء وأصحهما الجواز كما في الحائل الاصلي لما في تكليف المعاينة من المشقة وما ذكره في الكتاب قبل هذا الفصل ان الواقف بمكة خارج المسجد إذا لم يعاين الكعبة يستدل عليها بما يدل عليها كأنه جواب على هذا الوجه ولو خفيت الدلائل على المجتهد اما لتغيم اليوم أو لكنه محبوسا في ظلمة فتحير لذلك أو لتعارض الدلائل عنده ففى المسألة ثلاثة طرق أظهرها ان فيها قولين اصحهما عند الاكثرين أنه لا يقلد لانه قادر على الاجتهاد والتحير عارض وقد يزول عن قريب والثانى وهو اختيار ابن الصباغ أنه يقلد لانه عجز عن استبانة الصواب بنظره فاشبه الاعمى والطريق الثاني القطع بالقول الاول والثالث القطع بالثاني فإذا قلنا لا يقلد فيصلي كيف اتفق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 ويقضى كالاعمى لا يجد من يقلده يصلى لحق الوقت ويقضى وان قلنا انه يقلد فهل يقضى ذكر في النهاية أنه علي وجهين مبنيين على القولين في لزوم القضاء إذا صلي بالتيمم لعذرنا در لا يدوم كما سيأتي بنظائره وقضية هذا الكلام أن يكون الاظهر وجوب القضاء على قولنا أنه يقلد كما أن الاظهر لزوم القضاء علي من تيمم في الحضر لفقد الماء ولكن الذى أورده الجمهور تفريعا علي قولنا أنه يقلد أنه لا قضاء عليه كالاعمي إذا صلى بالتقليد ثم قال امام الحرمين قدس الله روحه الخلاف المذكور في تحير المجتهد موضعه ما إذا ضاق الوقت وخشى الفوات فاما في أول الوقت ووسطه يمتنع التقليد لا محالة إذ لا حاجة إليه ثم قال وفى المسألة نوع احتمال وسببه الالحاق بالتيمم في أول الوقت مع العلم بانه ينتهي إلى الماء في آخر الوقت وهذا آخر الكلام في القادر على الاجتهاد. أما العاجز عنه فينقسم إلى عاجز لا يمكنه تعلم الادلة كالاعمى والى عاجز يمكنه التعلم: أما الاول فالاعمى لا سبيل له الي معرفة أدلة القبلة لانها تتعلق بالبصر فالواجب عليه التقليد كالعامي في الاحكام وانما يجوز تقليد المكلف المسلم العدل العارف بادلة القبلة يستوى فيها لرجل والمرأة والحر والعبد وتقليد الغير هو قبول قوله المستند الي الاجتهاد حتى أن الاعمى لو أخبره بصير بمحل القطب منه وهو عالم بدلالته أو قال رأيت الخلق الكثير من المسلمين يصلون إلى هذه الجهة كان الاخذ بمقتضاه قبول خبر لا تقليد ولو وجد مجتهدين واختلف اجتهادهما قلد من شاء منهما والا حب أن يقلد الاوثق والاعلم عنده وقيل يجب للذلك فان تساوى قول اثنين عنده تخير وقيل يصلي مرتين الي الجهتين وفى معنى الاعمي البصير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 الذى لا يعرف الالة وليس له أهلية معرفتها فيقلد كالاعمي لان عدم البصرة أشد من عدم البصر (القسم الثاني) لعاجز الذى يمكنه التعلم فيبني أمره على أن تعلم أدلة القبلة هل هو من فروض الاعيان أم لا وفيه وجهان أحدهما لا بل هو من فروض الكفايات كالعم باحكام الشريعة ولان الحاجة إلي استعمالها نادرة فان الاشتباه مما يندر وأصحهما أنه من فروض الاعنان كان الصلاة وشرائطها بخلاف تعلم الاحكام فانه يحتاج إلي زمن طويل وتحمل مشقة كبيرة فان قلنا لا يجب التعلم فله أن يصلى بالتقليد ولا يقضي كالاعمى وان قلنا بعين فليس له التقليد فان قلد قضي لتقصيره وإذا اضاق الوقت عن ان تعلم فهو كالعالم إذا تحير في اجتهاده وقد قدمنا الخلاف فيه: وارجع بعد هذا إلي ما يتلق بلفظ الكتاب خاصة فاقول أما قوله فالقادر على معرفة القبلة لا يجوز له الاجتهاد فاعلم أن القادر على معرفها وان كان يمتنع عليه الاجتهاد لكن امتناع الاجتهاد لا يختص به لان من وجد عد لا يخبره عن القبلة أخبارا ايستند إلى علم في زعم المخبر يمتنع عليه الاجتهاد ومع ان قوله لا يحصل المعرفة فان قلت قوله يحصل الظن وان لم تحصل المعرفة والفقهاء كثيرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 ما يعبرون بلفظ العلم والمعرفة عن الظن وعن المشترك بين العلم والظن لالتحاق الظن بالعلم في كونه معمولا به في الشرعيات فلعله أراد بالمعرفة ذلك والجواب أن لفظ المعرفة وان كان يستعلمل فيما ذكرت لكنه ما أراد به في هذا الموضع إذ العلم اليقيى الابراه يقول في الوسيط فان كان قادرا علي معرفة جهة القبلة يقينا لم يجزله الاجتهاد على انه لا يمكن ارادة المشترك بين العلم والظن في هذا السياق لان الاجتهاد يفييد ضربا من الظن فإذا كان المراد من المعرفة المشترك دخل القادر على الاجتهاد في قوله فالقادر على معرفة القبلة وحينئذ لا ينتظم الحكم بانه لا يجوز له الاجتهاد وأما قوله والقادر علي الجتهاد لا يجوز له التقليد فانه يفيد ما يفيده قوله بعد ذلك وليس للمجتهد أن يقلد غيره فالثاني تكرار والغالب على الظن انه انما أعاده تمهيد البناء مسألة التحير عليه لكن المحوج الي الاعادة لهذا الغرض توسيط حكم الاعمي بين الكلامين فلو عقب الكلام الاول بمسألة التحير وأخر حكم الاعمى لاستغنى عن ذلك وأما قوله والاعمى العاجز يقلد شخصا إلى آخره فليعلم المكلف بالواو لان في كلام الاصحاب وجها انه يجوز تقليد الصبى وهو كالخلاف المذكور في الرجوع الي أخباره ثم الصفات المذكورة غير كافية في المقلد بل يشترط فيه شئ آخر وهو العدالة وليس لفظ العاجز للتقليد فان كل أعمى عاجز وانما هو وصف له وتنبيه علي المعني المجوز للتقليد ومسألة التحرير قد أطلق الخلاف فيها وهو محمول علي ما إذا ضاق الوقت كما حكيناه من قبل وفوله أما البصير الجاهل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 بالادلة ان قلد يلزمه القضاء ليس مجرى علي اطلاقه أيضا لان البصير الجاهل إذا كان بحيث لا يمكنه التعلم فهو كالاعمى يقلد ولا يقضى كما تقدم * قال (ثم مهما صلي بالاجتهاد فتيقن الخطأ وبان جهة الصواب وجب (ح م) عليه القضاء علي أحد القولين فان تيقن الخطأ ولم يظهر الصواب الا بالاجهاد ففى القضاء قولان مرتبان واولى أن يجب عليه ومن صلي أربع صلوات الي أربع جهات بأربع اجتهادات ولم يتعين له الخطأ فلا قضاء (و) عليه) * المصلي بالاجتهاد إذا ظهر له الخطأ في اجتهاده فله ثلاث أحوال (أحدها) أن يظهر له الخطأ قبل الشروع في الصلاة (والثانية) أن يظهر بعد الفراغ منها (والثالثة) أن يظهر في اثنائها أما الحالة الاولى فهى غير مذكورة في الكتاب وحكمها أن ننظر ان تيقن الخطأ في اجتهادة أعرض عن مقتضاه وتوجه إلى الجهة التى نعلمها أو يعلمها أو يظنها جهة الكعبة وان ظن الخطأ في اجتهاده وظن أن الصواب جهة أخرى فان كان دليل الاجتهاد الثاني أوضح عنده من الاول اعرض عن مقتضي الاول وان كان دليل الاول اوضح عنده جرى علي مقتضاه وان تساويا تخير وقيل يصلي الي الجهتين مرتين وأما الحالة الثانية وهي ان يظهر الخطأ يقينا أو ظنا والقسمان مذكوران في الكتاب أما القسم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 الاول وهو ان يظهر الخطأ يقينا ففى وجوب القضاء قولان أصحهما الوجوب لانه تعين له الخطأ فيما يأمن مثله في القضاء فلا يعتد بما فعله كالحاكم إذا حكم ثم وجد النص بخلافه واحترزوا بقولهم فيما يأمن مثله في القضاء عن الخطأ في الوقوف بعرفة حيث لا يجب القضاء لان مثله غير مأمون في القضاء ويمكن أن يقال في قولنا تعيين الخطأ ما يفيد هذا الاحتراز لان الامر ثم مبني علي رؤية الهلال ولا يقين بكون الرأييين مصيبين أو على استكمال العدد وهو مبني علي الرؤية في الشهور المتقدمة والاصابة فيها مظنونة والمبنى علي المظنون مظنون والقول الثاني انه لا يجب القضاء لانه ترك القبله تعذر فأشبه تركها في حالة المسايفة قال الصيدلانى ومعنى القولين ايه كلف الاجتهاد لا غير أو كلف التوجه إلى القبلة فان قلنا بالاول فلا قضاء وان قلنا بالثاني وجب القضاء وبالقول الثاني قال أبو حنيفة ومالك واحمد والمزنى وقوله في الكتاب وجب القضاء معلم برقمهم جمبعا وللمسألة نطائر منها ما إذا اجتهد في وقت الصلاة فتبين تعد انقضاء الوقت انه اخطأ بالتقديم أو اجتهد المتحوس في الصيام فوافق اجتهاده شعبان وتبين بعد انقضاء رمضان ففى وجوب القضاء قولان قال امام الحرمين وهذا إذا لم يتأت الوصول إلى النقين فان بأتى ذلك فالوجه القطع بوجوب القضاء وان اجتهاده انما يغنى بشرط الاصابة ومنها ما إذا رأوا سوادا فظنوه عبوا فصلوا صلاة شدة الخوف ثم بان الخطأ ففى القضاء قولان ومنها ما إذا دفع الزكاة الي رجل ظنه فقيرا فبان غنيا ففى الضمان قولان ثم اختلفوا في موضع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 القولين فيما نحن علي طريقين قال الاكثرون القولان جاريا فيما إذا تبين الصواب يقينا مع يقين الخطأ وفيما إذا لم يتبين اصواب يقينا مع يقين الخطأ ولا فرق ومنهم من قال القولان فيما إذا بان يقين الخطا مع يقين الصواب اما إذا تيقن الخطاء دون الصواب فلا يخب القضاء بحال لانه لا يأمن الخطأ في القضاء أيضا فأشبه خطأ الحجيج في الوقوف بعرفة فانهم لما لم يأمنوا مثله في القضاء لم يلزمهم القضاء وهذا معنى قوله في الكتاب فان تيقن الخطأ ولم يظهر الصواب الا باجتهاد ففى القضاء قولان مرتبان وأولا بأن لا يجب ومتى رتب المذهبيون صورة علي صورة في الخلاف وجعلوا الثانية أولي بالنفى أو الاثبات حصل في الصورة المرتبة طريقان أحدهما طرد الحلاف والثانى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 القطع بما في الصورة الاخيرة اولي به من النفى أو الاثبات وقد يعبر عن هذا الغرض بعبارة اخرى مثل ان يقال فيما نحن فيه هل يجب القضاء عند تيقن الخطأ فيه ثلاثة اقوال يجب: لا يجب: يفرق بين أن يتيقن معه الصواب فيجب وبين أن لا يتيقن فلا يجب والاظهر طريقة طرد القولين واعترض امام الحرمين على التشبيه بخطأ الحجيج بأن قال الخطأ ثم غير مأمون في السنين المستقبلة بحال وههنا ان لم يأمن الخطأ في حالة الاشتباه فيمكنه الصبر حتى ينتهي الي بقعة يستيقن فيها الصواب وما ذكرناه من الخلاف في ان المجتهد إذا بان له يقين الخطأ هل يقضى يجرى بعينه في حق الاعمي ذى قلده (القسم الثاني) ان يظهر الخطأ بعد الفراغ من الصلاة ظنا وذلك لا يوجب القضاء لان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 الاجتهاد لا ينقص بالاجتهاد الا ترى ان القاضي لو قضى باجتهاده ثم تغير اجتهاده لا ينقض قضاؤه اول وينبنى علي هذا ما لو صلى اربع صلوات الي اربع جهات بأربعة اجتهادات فلا يجب عليه قضاء واحدة منها لان كل واحدة منها مؤداة باجتهاد لم يتعين فيه الخطأ هذا ظاهر المذهب وهو الذى ذكره في الكتاب وعن صاحب التقريب وجهان آخران احدهما يجب عليه قضاء الكل لان الخطأ مستيقن في ثلاث صلوات منها وان لم يتعين فأشبه ما إذا فسدت عليه صلاة من صلوات وحكى في التتمة هذا الوجه عن الاستاذ ابى اسحق الاسفراينى والثانى انه يجب قضاء ما سوى الصلاة الاخيرة ويجعل الاجتهاد الاخير ناسخا لما قبله وعلي هذا الحلاف لو صلى صلاتين الي جهتين باجتهادين أو ثلاثا الي ثلاث جهات باجتهادات فعلي ظاهر المذهب لا قضاء عليه وعلي الوجه الثاني يقضي الكل وعلى الثالث يقضي ما سوى الاخيرة واعلم انا سنذكر خلافا في انه إذا صلي بالاجتهاد هل يجب عليه تجديد الاجتهاد للصلاة الثانية وحكم هذه الصورة لا يختلف بين ان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 توجب تجديد الاجتهاد فيجدد وبين الا نوجب لكن اتفق له ذلك * قال (وان تيقن انه استدبر وهو فط اثناء الصلاة يحول وبناء الا إذا قلتا يجب القضاء عند الخطأ فههنا اولى بالابطال كيلا يجمع في صلاة واحدة بين جهتين اما إذا ظهر الخطأ يقينا أو ظنا ولكن لم يظهر جهة الصواب فان عجز عن الدرك بالاجتهاد بطلت صلاته وان قدر علي ذلك على القرب ففى البطلان قولان مرتبان على تيقن الصواب واولى بالبطلان لاجل التحير في الحال) * هذا الفصل لبيان الحالة الثالثة وهى أن يظهر الخطأ في الاجتهاد في اثناء الصلاة ولا يخلو أما أن يظهر له الصواب مقترنا بظهور الخطأ وأما أن لا يكون كذلك فهما ضربان (الضرب الاول) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 أن يظهر له الصواب مقترنا بظهور الخطأ فننظر ان كان الخطأ مستيقنا فنبي ذلك علي القولين في وجوب القضاء عند ظهور يقين الخطأ بعد الصلاة إن فلنا يجب بطلت صلاته ههنا ولزمه الاستئناف جهتين كالحادثة الواحدة لا يتصور امضاؤها بحكمين مختلفين وأصحهما أنه ينحرف الي جهة الصواب ويبنى على صلاته احتسابا لما مضي من صلاته كما يحتسب بجميع صلاته علي هذا القول إذا بان يقين الخطأ بعد الصلاة ولا ننكر اقامة الصلاة الواحدة إلى جهتين الا ترى أن أهل قباء كذلك فعلوا وان كان الخطأ ظاهرا بالاجتهاد فقد ذكرنا أنه إذا وقع ذدلك بعد الصلاة لم يؤثر فإذا اتفق في اثنائها فهو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 علي هذين الوجهين أو القولين وأصحهما أنه ينحرف وينبي لان الامر بالاستئناف نقض لما أدى من الصلاة والاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد والثانى أنه استأنف كيلا يجمع في صلاة واحدة بين جهتين فعلي الوجه الاول لو صلي أربع ركعات إلى أربع جهات باربعة اجتهادات فلا اعادة عليه كما ذكرنا في الصلاة وخص في التهذيب رواية الوجهين بما إذا تغير اجتهاده وكان الدليل الثاني أوضح من الاول فاما إذا كان الدليل الثاني مثل الاول أو دونه قال لا يتحول بل يتم صلاته إلي تلك الجهة ولا اعادة عليه ولك أن تقول ان كان الدليل الثاني دون الاول فلا يتغير الاجتهاد ولا يظهر الخطأ لان أقوى الظنين لا يترك باضعفهما وان كانا مثلين فقضيته التوقف والتحيرو حينئذ لا يكون الصواب ظاهرا فتكون الصورة من الضرب الثاني وسنذكر حكمه (الضرب الثاني) أن لا يظهر الصواب مع ظهور الخطأ فان عجز عن درك الصواب بالاجتهاد على القرب بطلت صلاته إذ لا سبيل إلى الاستمرار علي الخطأ ولا وقوف على جهة الصواب لينحرف وان قدر على ذلك على القرب فهل يبني وينحرف أم يستانف يعود فيه الخلاف الذى ذكرناه في الضرب الاول بالترتيب وههنا أولي بان يستأنف لان ثم يمكن من الانحراف إلى الصواب كما ظهر الخطأ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 وههنا بخلافه فانه متحير في الحال مثال هذا الضرب عرف أن قبلته يسار المشرق والسماء متغيمة فتوجه إلى جهة علي ظن أنها يسار المشرق فانقشع الغيم بحذائه وظهر كوكب قريب من الافق فقد علم الخطأ يقينا إذ بين له أنه مشرق أو مغرب ولم يعلم الصواب إذ لم يعرف أنه مشرق أو مغرب ثم قد يعرف الصواب علي القرب بان يرتفع الكوكب فيعلم أنه مشرق أو ينط فيعلم أنه مغرب ويترتب على ذلك معرفة القبلة وقد يعجز عن ذلك بان يظبق الغيم ويستمر الالتباس ولنبين ما يشتمل عليه الكتاب مما ذكرناه (اعلم) انا قسمنا الضرب الاول قسمين أحدهما أن يستقن الخطأ والثاني أن لا يستيقنه فقوله وأن تيقن أنه استدر هو القسم الاول من هذا الضرب فان المستيقن للاستدبار عارف بالصواب أيضا مع معرفة الخطأ بقينا وفرق تعذ تيقن الخطا بين أن يظهر الصواب يقينا أو ظنا وأن كانت الصورة المذكورة في الكتاب هو يقين الصواب مع يقين الخطا وقوله تحول وبنى جواب علي قولنا انه إذا بان يقين الخطا بعد الصلاة لا يجب عليه القضاء وقد روينا وجهين علي هذا القول فما ذكره جواب علي اصحهما ثم اشار الي التفريع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 علي القول الثاني بقول الا إذا قلنا يجب القضاء عند الخطأ أي إذا أوجبنا الف إقضاء عند ظهور الخطأ يقينا بعد الصلاة فنحكم ببطلان الصلاة عند ظهوره في أثنائها ولا يعتد بما أتى به بل البطلان ههنا أولي كيلا بجمع في صلاة بين جهتين وأما القصم الثاني من هذا الضرب فهو غير مذكور في الكتاب وحكمه قريب من حكم القسم الاول لانا وان رتبنا الحكم ثم علي القولين في ان تعين الخطأ بعد الصلاة هل يوجب القضاء كما سبق فلا يحصل الا وجهان أحدهما انه يبنى والثانى انه يستأنف وهما حاريان في القسم الثاني علي ما بينا ولهذا قال في الوسيط وان تبين بالاجتهاد انه مستدبر فحكمة حكم المتيقن نعم يختلف التوجيه بحست القسمين كما قدمناه وأما قوله أما إذا ظهر الخطا يقينا أو ظنا الي آخر فهو الضرب الثاني وههنا صرح باتسوية بين تيقن الخطأ وظنه وقوله ففى البطلان قولان مرتبان علي يقين الصواب أي يقين الصواب مع الخطأ وهو صورة الاستدبار وقد ذكر فيها قولين انه تبطل صلاته أو يبني وهذه مرتبة عليها والله أعلم * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 قال (ولو بان له بالخلطا في التيامن والتياسر فهل هو كالخطأ في الجهة فعلى وجهين يرجع حاصلهما إلى ان بين الشتد في الاستقبال وبين الاشد تفاوتا عند الحاذق فهل يجب طلب الاشد أم يكفى حصول أصل الاشتداد فعلي وجهين) * جميع ما ذكرنا من الاحوال الثلاث فيما إذا بان له الخطأ في الجهة فاما إذا كانت الجهة واحدة وبان له الخطأ في التيامن والتياسر فهذا يستدعي تقديم أصل وهو ان المطلوب بالاجتهاد عين الكعبة أم جهتها وفيه قولان أظهرهما أن المطلوب عين الكعبة لظاهر قوله تعالى (فولوا وجوهكم شطره) وقوله صلى الله عليه وسلم في الخبر الذى تقدم ذكره مشيرا إلى العين (هذه القبلة) وهما مطلقان ليس فيهما فصل بين القريب والتعيد والثاني أن المطلوب جهة الكعبة لان حرم الكعبة صغير يستحيل أن يتوجه إليه أهل الدنيا فيكتفى بالجهة ولهذا تصح صلاة الصف الطويل إذا بعدوا عن الكعبة ومعلوم أن بعضم خارجون عن محاذاة العين وهذا القول يوافق والمنقول عن أبى حنيفة وهو أن المشرق قبلة أهل المغرب والمغرب قبلة أهل المشرق والجنوب قبلة أهل الشمال والشمال قبلة أهل الجنوب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 وعن مالك ان الكعبة قبلة أهل المسجد والمسجد قبلة أهل مكة ومكة قبلة أهل الحرم والحرم قبلة أهل الدنيا: وإذا ثبت هذا الاصل فنقول الخطأ في التيامن والتياسر ان ظهر بالاجتهاد وكان ذلك بعد الفراع من الصلاة فلا يقتضي وجوب الاعادة لان الخطأ في الجهة والحالة هذه لا يؤثر ففى التيامن والتياسر اولي وان كان في اثناء الصلاة فينحرف ويبنى ولا يعود فيه الخلاف المذكور في نظيره من الخطأ في الجهة لانا استبعدنا الصلاة الواحدة الي جهتين مختلفين فاما الالتفات اليسير فانه لا يبطل الصلاة وان كان عمدا اما إذا ظهر الخطأ في التيامن والبياسر يقينا فيبني علي ان الفرض اصابة عين الكعبة ام اصابة جهتها فان قالا الفرض اصابة الجهة فلا اثر لهذا الخطأ في وجوب الاعادة ان ظهر بعد الصلاة ولا في وجوب الاستئناف ان ظهر في في آثنائها وان قلنا الفرض اصابة العين ففى الاعادة والاستئناف القولان المذكوران في الخطأ في الجهة ثم قال صاحب التهذيب وغيره لا يستيقن الخطأ في الانحراف مع بعد المسافة عن مكة وانما يظن اما إذا قربت المسافة فكل منهما ممكن وهذا كالتوسط بين اختلاف اطلقه اصحابنا العراقيون في انه هل يتيقين الخطا في الانحراف من غير معاينة الكعبة بلا فرق بين قرب المسافة وتعدها فقالو قال الشافعي رضي الله عنه لا يتصور ذلك الا بامعاينة وقال بعض الاصحاب يتصور والله أعلم هذا شرح المسألة: واما قوله يرجع حاصلهما الي ان بين المستند في الاستقبال الي آخره فهو كلام نحا فيه نحو امام الحرمين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 رحمة الله عليهما وذلك انهما حكيا ان الاصحاب بنوا الخلاف في خطا التيامن والتياسر على الخلاف في ان مطلوب المجتهد عين الكعبة أو جهتها واعترضا على هذه العبارة فقالا محاذاة الجهة غير كافية لان القريب من الكعبة إذا خرج عن محاذاة العين لا تصح صلاته وان كان مسيقبلا للجهة ومحاذاة العين لا يمكن اعتبارها فان البعيد عن الكعبة علي مسافة شاسعة لا يمكنه اصابة العين ومسامتتها والمحال لا يطلب وأيضا فالصف الطويل في آخر المسجد تصح صلاة جميعهم مع خروج تعضهم عن محاذاة العين وإذا بطل ذلك فما موضع الخلاف وما معنى العين والجهة ذكرنا ان الانحراف اليسير لا يسلب أسم الاستقبال عن البعيد عن الكعبة في المسجد وان كان يسلبه نعن القريب من الكعبة وإذا لم يسلبه عن البعيد الواقف في المسجد فاولي أن لا يسلبه عن الواقف في أقصى المشرق والمغرب ثم البصير بادلة القبلة يجعل التفات البعيد وانحرافه علي درجتين (أحدهما) لانحراف السالب لاسم الاستقبال وهو الكثير منه وأن يولي الكعبة يمينه أو يساره والثاني النحراف الذى لا يسلب اسم الاستقبال وفى هذه الدرجة مواقف يظن الماهر في الادلة أن بعضها أشد من بعض وان شملها أصل الشداد فهل يجى طلب الاشد أم لا فيه الخلاف وربما أشعر كلام امام الحرمين باثبات درجات التفات بقطع البصير بانه يسلب اسم الاستقبال والتفات يقطع بأنه لا يسلبه والتفات يظن انه لا يسلب لكنه لا يقطع به فهل تجوز القناعة بالشداد المظنون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 أم يجب طلب المقوع به فيه الخلاف هذا ما ذكراه والجمهور علي التعبير عن الخلاف بالعين والجهة واتفق العراقيون والقفال علي ترج يح القول الصائر إلى أن المطلوب العين ولهم أن يقولوا لا نسلم ان التعيد لا يمكنه اصابة عين الكعبة بل عليه ربط الفكر في اجتهادة بالعين دون الجهة وأما الصف الطويل فلا نسلم خروج بعضهم عن محاذاة العين وذلك لان التباعد من الحرم الصغير يوجب زيادة محاذاة العين كما تقديم * قال (فروع أربعة (الاول) إذا صلى الظهر باجتهاد فهل يلزمه الاستئناف للعصر فعلي وجهين (الثاني) لو أدى اجتهاد رجلين الي جهتين فلا يقتدى احدهما بالاخر (الثلالث إذا تحرم المقلد في الصلاة فقال له من هو دون مقلده أو مثله أخطأ بك فلان لم يلزمه قبوله وان كان أعلم فهو كتغير اجتهاد البصير في اثناء صلاته في نفسه ولو قطع بخطأه وهو عدل لزمه القبول لان قطعه أرجح من ظن غيره (الرابع) ولو قال البصير الاعمى الشمس وراءك وهو عدل فعلي الاعمي قبوله لانه اختار عن محسوس لا عن اجتهد) * ختم الباب بفروع (احدهما) إذا صلى الي جهة بالاجتهاد ثم دخل عليه وقت صلاة اخرى أو اراد قصاء فائتة فهل يحتاج الي تجديد الاجتهارد للفريضة الثانية وجهان احدهما لا لان الاصل استمرار الضن الاول فيجرى عليه الي ان يتبين خلافه وأظهر نعم سعيا في اصابة الحق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 لان الاجتهاد الثاني ان وافق الاول تأكد الظن وان خاله فكذلك لان تغير الاجتهاد لا يكون الا لامارة أقوى من الامارة الاولي وآكد الظنين أقرب إلى اليقين وهذان الوجهان كالوجهين في طلب الماء في التيمم وكالوجهين في المفتى إذا استفتى عن واقعة واجتهد وأجاب فاستفى مرة اخرى عن تلك الواقعة هل يحتاج إلى تجديد الاجتهاد وأما النوافل فلا يحتاج الي تجديد الاجتهاد لها كما لا يحتاج إلى تجديد التيم لها ذكره صاحب التهذيب وغيره: فان قلت ذكرتم ان الوجهين في وجوب تجديد الطلت مخصوصان بما إذا لم يبرح من مكانه فهل الامر كذلك ههنا قلنا في كلام تعض الاصحاب ما يقتضى تخصيص الوجهين تما إذا كان في ذلك المكان ههنا أيضا لكن الفرق ظاهر لان الطلب في موضع لا يفيد معرفة العدم في موضع إخر والادلة المعرفة لكون الجهة جهة القبلة لا تختلف بالمكانين فان أكثرها سماوية ولا تختلف دلالاتها بالمسافات القريبة (الثاني) لو أدى اجتهاد رجلين الي جهتين فكل واحد منهما يعمل باجتهاده ولا يفتدى أحدهما بالاخر فان كل واحد منهما مخطئ عند الثاني فصار كما لو اختلف اجتهادهما والاناءين والثوبين ولو اجتهد جماعة وتوافق اجتهادهم فامهم واحد منهم ثم تعغيير اجتهاد واحد من المأمومين فعليه أن يفارقه وينحرف الي الجهة الثانية وهل عليه أن يستأنف أم له البناء فيه الخلاف الذى قدمناه في تغيير الاجتهاد في أثناء الصلاة وللخلاف ههنا مأخذ آخر وهو انا سنذكر خلافا في ان المأموم هل أنه يفارق الامام أم وهل يفترق الحال بين أن يفارق بعذر أو غير عذر ثم منهم من قال هذه المفارقة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 بعذر ومنهم من قال هو مقصر بترك امعان ابحث والنظر ولو عذر ولو تغير اجتهاد الامام فنيحرف الي الجهة الاخرى اما بانيا أو مستأنفا على الخلاف الذى بق وهم يفارقونه ولو اختلف اجتهاد رجلين في التيامن والتياسر والجهة واحدة فان فان أوجبنا على المجتهد رعاية ذلك فهو الاختلاف في الجهة فلا يقتدى أهدهما بالاهر والا فلا بأس (الثلاث) إذا شرع المقلد في الصلاة بالتقلد ثم قال له عدل أخطأ بك من قادته فلا يخلو اما أن يقول ذلك عن اجتهاد أيضا أو عن علم ومعاينة فهما حالتان (فأما في الاحالة الاولى) فننظر ان كان قول الاول ارجح عنده واولى بالاتباع اما لزيادة عدالته وهدايته إلى الادلة فلا اعتبار بقول الثاني إذا الاقوى لا يرفع بالاضعف وان كان قول الثاني مثل قول الاول أو لم يعرف انها مثلان أو احدهما أقوى من الاحر فكذلك أثر لقول الثاني وان كان قول الثاني ارجح عند قهو كتغير اجتهاد البصير المجتهد في نفسه فيعود فيه الخلاف المقدم في انه يبنى أو يستأنف كذا هو في التهذيب وغيره ولو أخبره المجتهد الثاني بعد الفرع من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 الصلاة لم يلزم الاعادة وان كان قول الثاني أرجح كما لو تغير اجتهاد بعد الفراع وقوله فقال له من هو دون مقلده أو مثله أراد به هذه الحالة الاولى أي قال ذلك عن اجتهاد واما قوله لم يلزمه قبوله فلعلك تقول قد عرفت انه لا يلزمه فهل يجوز قبوله فالجواب ان هذا يرتب على ان المقلد إذا وجد مجتهدين قبل الشروع في الصلاة أحدهما أعلم من الاخر فهل يجب عليه ان يأخذ بقول الاعلم أم يتخير فان قلنا بالاول فلا قبوله وان قلنا باثناى ففيه خلاف لانه ان بنى كان مصليا للصلاة الواحدة جهتين وان استأنف كان مبطلا للفرض من غير ضرورة وفى نظائر كل واحد منهما خلاف (الحالة الثانية) ان يخبره عن علم ومعاينة فيجب لرجوع الي قوله لاستناده إلى اليقين واعتماد الاولى على الاجتهاد ولا فرق ههنا بين ان يكون قول الثاني اصدق عنده أو لا يكون ومن هذا القبيل ان يقول الاعمى انت مستقبل للشمس أو مستدبر والاعمى يعرف ان قبلته ليست في صوب الشرق ولا المغرب فيجب قبول قوله ويكون هذا ويكون هذا بمثابة ما لو تيقن المجتهد الخطأ في أثنا الصلاة فيلزمه الاستئناف على الصحيح ولو قال الثاني انك علي الخطأ قطعا فكذلك يجب قبوله فان قطعه أرجح من ظن الاول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 فينزل قطعه منزلة الاخبار عن محسوس ثم القاطع باخطأ قد يخبر عن الصواب به وقد يخبر عنه مجتهدا ويجب قبوله علي التقديرين لبطلان تقليد الاول بقطعه ولا يمكن ان يكون قطعه بالخطأ عن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 اجتهاد فان الاجتهاد لا يفيد القطع فلا عبرة بالعتارة الفارغة عن المعنى وكل ما ذكرناه مفروض فيما إذا اخبره الثاني عن الصواب والخطأ جميعا فأما إذا أخبره عن الخطأ علي وجه يجب قبوله ولم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 يخبره هو ولا غير عن الصواب فهو كتغير اجتهاد المجتهد في أصلاة وقد سبق حكمه والله اعلم: فان قلت وعد في الكتاب باربعة فروع ولم يذكر الا ثلاثة المذكورة في هذا الفصل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 لم يعدها في الوسيط الا ثلاثة فروع وجعل في اولها فرعا آخر وههنا عدها اربعة من غير ذلك المضموم فيجوز ان يقال جعل حالتى الفرع الاخير فرعين ويجوز غير ذلك والامر فيه هين * قال (الباب الرابع في كيفية الصلاة) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 (وأركانها أحد عشر التكبير والقرائة والقيام والركوع والاعتدال عنه والسجود والقعدة بين السجدتين مع الطمأنية في الجميع والتشهد الاخير والقعود فيه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والسلام (ح) والنية بالشرط اشبه) * الصلاة في الشريعة عبارة عن الافعال المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم ولابد من رعاية أمور أخر ليقع الاعتداد بتلك الافعال وتسمى هذه الامور شروطا وتلك الافعال أركان فجعل هذا الباب في الاركان والذى يليه في الشروط ولابد من معرفة الفرق بينهما (اعلم) أن الركن والشرط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 يشتركان في انه لابد منهما وكيف يفبرقان منهم من قال يفترقان العام والخاص ولا معنى للشرط الا ما لابد منه فعلي هذا كل ركن شرط ولا ينعكس وقال الاكثرون ويفترقان افتراق الخاصين ثم فسر قوم الشرط بما يتقدم على الصلاة كالطهارة وستر العورة والاركان بما تشتمل عليه الصلاة ويرد علي هذا ترك الكلام والفعل الكثير وسائر المفسدات فاتها لا تقديم علي الصلاة وهى معدودة من الشروط دون الاركان ولك أن تفرق بينهما بعبارتين (أحدهما) أن تقول يعنى بالاركان المفروضات المتلاحقة التى أوله الكبير وآخرها التسليم ولا يلزم التروك فانها دائمة ولا تلحق ونعنى بالشروط ما عداها من المفروضات (والثانية) ان نقول يعنى بالشرط ما يعتبر في الصلاة بحيث يقارن كل معتبر سواه وبالركن ما يعتبر لا على هذا الوجه: مثاله الطهارة تعتبر مقارنتها للركوع والسجود وكل أمر معتبر ركنا كان أو شرطا والركوع معتبر لا على هذا الوجه إذا تبين ذلك فحقيقة الصلاة تتركب من هذه الافعال المسماة اركان وما لم يشرع فيها لا يسمي شارعا في الصلاة وان تطهر وستر العورة واستقبل وهذا واضح في عرف الشرع واطلاقاته ثم ان المصنف عد الاركان احد عشر يعني اجناسها ثم منها ما لا يتكرر كالسلام ومنها ما يتكرر اما في الركعة الواحدة كالسجود أو بحسب عدد الركعات كالركوع ولم يعد الطمأنينة في الركوع وغيره اركانا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 بل جعلنا في كل ركن كالجزء منه والهثية التابعة له وبه يشعر قوله صلي الله عليه وسلم للاعرابي ((ثم اركع حتى تطمئن راكعا) وضم صاحب التخليص إلى الاركان المذكورة استقبال القبلة واستحسنه القفال وصوبه ومن فرض نية الخروج والموالاة والصلاة على آل النبي صلي الله عليه وسلم الحقها بالاركان ومنهم من ضم الي الاحد عشر التي ذكرها الترتيب في الافعال وهكذا أورد صاحب التهذيب ويظهر عده من الاركان على العبارة الثانية في تفسير الركن وأما النية فقد حكي الشسخ أبو حامد وغيره وجهين في انها من قبيل الشرائط أو من الاركان أحدهما وهو الاشبه عند صاحب الكتاب أنها من الشرائط لان النية تتعيق بالصلاة فتكون خارجة عن الصلاة والا لكانت متعلقة بنفسها ولا اقترن إلى نية أخرى وأظهرهما عند الاكثرين انها من الاركان لاقترانها بالتكبير وانتظامها مع سائر الاركان ولا يبعد أن تكون من الصلاة وتتعلق بسائر الاركان ويكون قول الناوى أصلي عبارة بلفظ الصلاة عن سائر الاركان تبعيرا باسم الشئ عن معطمه وبهذا الطريق سماها المصنف في الصوم ركنا والا فما الفرق ولك أن تعلم قوله واركانها احد عشر بالواو لما حكينا من الاختلاف على أن أكثره يرجع الي التعبيرات وكيفية العد وحظ المعني لا يختلف وابو حنيفة وسائر العلماء رحمة الله عليهم يخالفون في بعض الاركان المذكورة وسنذكر مذهبهم عند تفصيل القول فيها فان الغرض الان تزاحم جملة وإذا ذكرنا مذهبهم تبينت المواضع المحتاجة الي العلامات من هذا الفصل * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 قال (والابعاض اربعة القنوت والتشهد الاول والقعود فيه والصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الاول وعلى الاول في التشهد الاخير علي احد القولين وهذه الاربعة تجبر بالسجود وما عداها فسنن لا تجبر بالسجود) . للصلاة مفروضات ومندوبات أما المفروضات فهي الاركان والشروط وأما المندوبات فقسمان مندوبات يشرع في تركها سجود السهو ومندوبات لا يشرع فيها ذلك والتى تقع في القسم الاول تسمى أبعاضا ومنهم من يخصها باسم المسنونات وتسمى التى تقع في القسم الثاني هيآت قال امام الحرمين وليس في تسميتها ابعاضا توقيف ولعل معناها أن الفقهاء قالوا يتعلق السجود ببعض السنن دون بعض والتى يتعلق بها السجود اقل مما لا يتعلق ولفظ البعض في أقل قسمي الشئ أغلب اطلاقا فلذلك سميت هذه الابعاض وذكر بعضهم أن السنن المجبورة بالسجود قد تأكد أمرها وجاوز حد سائر السنن وبذلك القدر من التأكيد شاركت الاركان فسميت ابعاضا تشبيها بالاركان التى هي ابعاض واجزاء حقيقة وسيأتي وجه شرعية سجود السهو فيها في باب السجدات وقد ذكرها المصنف في ذلك الباب ولو لم يتعرض ها في هذا الموضع لما ضر لكنه لما ترجم الباب بكيفية الصلاة وعدت هذه السنن من ابعاضها اسنحسن دكرها في هذا الموضع ايضا ثم انه عدها اربعة أحدها القنوت وثانيها التشهد الاول وثالثا القعود فيه ورابعا الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم وصحبه وسلم فيه وفى استحبابها قولان يذكر ان من بعد فان قلنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 بالاستحباب فهو من الابعاض والحق بهذه الاربعة شيئان احدهما الصلاة على الا ال في التشهد الثاني ان قلنا انها مستحبة لا واجبة وكذلك في التشهد الاول ان استحببناها تفريعا علي استحباب الصلاة علي الرسول صلي الله عليه وسلم وهذا الخامس قد ذكره في الكتاب في باب السجدات ونشرح الخلاف فيه من بعد ان شاء الله تعالي والثانى القيام للقنوت عد بعضنا برأسه وقراءة القنوت بعضا آخر حتى لو وقف ولم يقرأ يسجد للسهو وهذا هو الوجه إذا عددنها التشهد بعضا والقعود له بعضا آخر وقد اشار الي هذا التفصيل في القنوت امام الحرمين قدس الله روحه وصرح به في التهذيب ثم كون القندت بعضا لا يختص بصلاة الصبح بل هو بعض في الوتر أيضا في النصف الاخير من رمضان وقوله وما عداها فسنن لا تجبر بالسجود ينبغي ان يعلم بالحاء والميم والالف لما سيأتي في باب سجود السهو * قال (الركن الاول التكبير ولتكن النية مقرونة به بحيث يحضر في العلم صفات الصلاة ويقرن القصد الي هذا المعلوم بأول التكبير ويبقى مستديما للقصد والعلم إلى آخر التكببر فلو عزبت بعد التكبير لم يضر ولو غربت قبل تمام التكبير فوجهان) * لما لم يعد النية ركنا خلط مسائلها بمسائل التكبير لان وقت النية هو التكبير ويجب أن تكون النية مقارنة للتكبير خلافا لابي حنيفة واحمد حيث قالا لو تقدمت النية علي التكبير بلزمان يسير ولم يعرض شاغل عن الصلاة جاز الدخول في الصلاة بتلك النية لنا ان التكبير أول أفعال العبادة فيجب مقارنة النية له كالحج وغيره ولهذا لو تقدمت بزمان طويل لم يجز بخلاف الصوم لما في اعتبار المقارنة ثم من عسر مراقبة طلوع الفجر ولهذا يحتمل فيه التقدم بالزمان الطويل ثم في كيفية المقارنة وجهان احدهما أنه يجب ان يبتدئ النية بالقلب مع ابتداء التكبير باللسان ويفرغ منها مع الفراغ من التكبير واصحهما أنه لا يجب ذلك بل لا يجوز لان التكبير من الصلاة فلا يجوز الاتيان بشئ منه قبل تمام النية وعلي تقدير التوزيع يكون أول التكبير خاليا عن تمام النية المعتبرة وهذا هو الذى ذكره في الكتاب حيث قال ويقرن القصد إلى هذا المعلوم باول التكبير ثم اختلفوا علي هذا الوجه فقال قوم منهم ابو منصور بن مهران شيخ الاودني يجب أن تتقدم النية علي التكبير ولو بشئ يسير ليأمن من تأخر اولها عن أول التكبير واستشهد عليه بالصوم وقال الاكثرون لا يجب ذلك ولو قدم فالاعتبار للنية المقارنة بخلاف الصوم فان التقديم كان لورود الشرع بالتبييت ثم سواء قدم أو لم يقدم فهل يجب استصحاب النية إلى أن يفرغ من التكبير فيه وجهان أحدهما لا لان ما بعد أول التكبير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 في حكم الاستدامة واستصحاب النية في دوام الصلاة لا يجب واصحهما نعم لان النية مشروطة في الانعقاد والانعقاد لا يحصل الا بتمام التكبير الا ترى أنه لو رأى المتيمم الماء قبل تمام التكبير يبطل تيممه واما بعد التكبير فلا يشترط استصحاب النية ولا يضر غروبها لما في تكليف استصحابها من العسر واما قوله بحيث يحضر في العلم صفات الصلاة إلى آخره فهو بيان لحقيقة النية وما تفتقر إليه وذلك أن النية قصد والقصد يتعلق بمقصود ولابد وان يكون المقصود معلوما فالناوي يحضر في ذهنه أو لا ذات الصلاة وما يجب التعرض لها من صفاتها كالظهرية والعصرية وغيرهما كما سيأتي ثم يقصا الي هذا المعلوم ويجعل قصده مقارنا لاول التكبير ولا يغفل عن تذكره حتى يتم التكبير وقوله ويبقى مستديما للقصد والعلم الي آخر التكبير ينبغى أن يتنبه فيه لشيئين أحدهما أنه لو لم يتعرض في مثل هذا الموضع للعلم لكان الفرض حاصلا لان المستدام هو القصد الي الصلاة بصفاتها المعتبرة ولا يمكن استدامة هذا القصد الا باستدامة حضور المقصود في الذهن وهو العلم والثانى أن هذا الكلام بيان لما ينبغى أن يفعله المصلي ثم هو واجب أو مسنون قد بينه آخرا بقوله وان عزبت قبل تمام التكبير فوجهان ان قلنا يجوز فالاستدامة مسنونة والا فواجبة * قال (ولو طرأ في دوام الصلاة ما يناقض جزم النية بطل كما لو نوى الخروج في الحال أو في الراكعة الثانية أو تردد في الخروج ولو علق نية الخروج بدخول شخص فيه وجهان أحدهما يبطل في الحال وهو الاقيس والثانى لا يبطل لانه قد لا يدخل فيستمر علي مقتضي النية فعلي هذا ان دخل ففى البطلان وجهان) * استدامة النية وان لم يكن شرطا في دوام الصلاة الا أن الامتناع عما يناقض جزم النية شرط فان هذا هين وان كان الاول عسيرا وهذا كالايمان لا يشترط فيه استحضار العقد الصحيح علي الدوام ولكن يستدام حكمه ويشتزط الامتناع عما يناقضه إذا تبين ذلك فنقول لو نوى الخروج من الصلاة في أثنائها بطلت صلاته فان هذه النية تناقض قصده الاول ولو تردد في أنه يخرج أو يستمر فكذلك تبطل صلاته لما بين التردد والجزم من التنافى قال امام الحرمين والمراد من هذا التردد أن يطرأ له الشك المناقض للجزم واليقين ولا عبرة بما يجرى في الفكر أنه لو تردد في الصلاة كيف يكون الحال فان ذلك مما يبتلي به الموسوس وقد يقع له ذلك في الايمان بالله تعالي أيضا فلا مبالاة به ولو نوى الخروج من صلاته في الركعة الثانية أو علق الخروج بشئ آخر يقع في صلاته لا محالة بطلت صلاته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 في الحال لانه قطع موجب النية فان موجبها الاستمرار علي الصلاة الي انتهائها وهذا يناقضه وحكي في النهاية عن كلام الشيخ أبى علي أنه لا تبطل صلاته في الحال ولو رفض هذا التردد قبل الانتهاء الي الغاية المضروبة صحت صلاته فال بأس باعلام قوله أو في الراكعة الثانية بالواو لهذا الكلام وان كان غريبا ولو علق نية الخروج بدخول الشخص ونحوه مما يجوز عروضه في الصلاة وعدمه فهل تبطل صلاته في الحال فيه وجهان أصحها نعم كما لو قال ان دخل فان تركت الاسلام فانه يكفر في الحال وكما لو شرع في الصلاة على هذه النية لا تنعقد صلاته بلا خلاف والثانى لا تبطل في الحال فان ذلك المعلق عليه ربما لا يوجد فتبقى النية علي استمرارها فعلي هذا لو دخل الشخص ووجدت الصفة المعلق عليها فهل تبطل الصالة حينئذ فيه وجهان عند الشيخ ابى محمد أنها لا تبطل إذا لو بطلت لبطلت في الحال القيام التردد فإذا لم تبطل لم يكن لهذا التردد وكان وجوده وعدمه بمثابة واحدة وقطع الاكثرون بانها تبطل عند وجود الصفة فانه مقتضى تعليقه قال امام الحرمين ويظهر علي هذا أن يقال يتبين عند وجود الصفة أن الصلاة بطلت من وقت التعليق لان بوجود الصفة يعلم أن التعليق خالف مقتضى النية المعتبرة في الصلاة وموضع الوجهين المفرعين علي الوجه الثاني ما إذا وجدت الصفة وهو ذا هل عن التعليق المقدم اما إذا لم يكن ذاهلا فال خلاف في بطلان صلاته وليكن قوله ولو طرأ في دوام الصلاة ما يناقض جزم النية بطل معلما بالحاء لان عنده لا أثر لنية الخروج لا في الحال ولا في المال وللتردد في الخروج وليس قوله ما يناقض جزم النية مجرى علي اطلاقه لان الغفلة عن جزم النية يناقضه وهى غير قادحة على ما سبق والمراد ما عدا الغفلة (واعلم) أنه لو لم ينو الخروج مطلقا ولكن نوى الخروج من الصلاة التى شرع فيها وصرفها الي غيرها كان كقصد الخروج المطلق في أن الصلاة المشروع فيها تبطل ثم ينظران صرف فرضنا الي فرض كما لو شرع في الظهر ثم صرفها الي العصر لا يصير عصرا وان صرف فرضا الي سنة راتبة أو بالعكس فكذلك وفى بقاء صلاته نفلا في هذه الصورة قولان تذكرهما من بعد * قال (ولو شك في أصل النية ومضى مع الشك ركن لا يزاد مثله في الصلاة كركوع بطل وان لم يمض وقصر الزمان لم يبطل ولو طال فوجهان والصوم يبطل بالتردد في الخروج علي أحد الوجهين لانه ليس له عقد وتحريم يؤثر القصد فيه) * الفصل يشتمل علي مسألتين وثانيتهما في النظم الكتاب أولاهما بالتقديم لمضاهاتها المسائل المتقدمة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 علي هذا الفصل فنقدمها ونقول لو تردد الصائم في انه هل يخرج من صومه أو لا أو علق نية الخروج بدخول شخص فقد ذكر المعظم أن صومه لا يبطل واشعر كلامهم بنفى الخلاف فيه وذكر ابن الصبالغ في كتاب الصوم أن ابا حامد حكى فيه وجهين كما سنذكره في الصورة الآتية ولو جزم نية الخروج ففيه وجهان أحدهما تبطل كما في الصلاة وأظهرهما وبه قال ابو حنيفة لا كما في الحج والفرق بين الصوم والصلاة أن الصلاة يتعلق تحرمها وتحللها بقصد الشخص واختياره والصوم بخلافه فان الناوى ليلا يصير شارعا في الصوم بطلوع الفجر وخارجا منه بغروب الشمس وان لم يكن له شعور بهما وإذا كان كذلك كان تأثر الصلاة بضعف النية فوق تأثر الصوم ولهذا يجوز تقديم النية علي أول الصوم وتأخيرها في الجملة عن أوله ولا يجوز ذلك في الصلاة والمعنى فيه أن الصلاة أفعال وأقوال والصوم ترك وامساك والافعال إلى النية أحوج من الترك إذا تقرر ذلك فقوله في الكتاب وكذا يحرم الخروج مقطوع عما قبله علي ما أشعر به كلام المعظم ولا جريان للوجهين في صورة التردد وعلي ما رواه ابن الصباغ يجوز صرف الوجهين إلى الصورتين والاول هو قضية ايراده في الوسيط (المسألة الاخرى) لو شك في صلاته أنه هل أتى بالنية المعتبرة في ابتدايها سواء شك في أصلها أو بعض شروطها فينظر ان أحديث علي الشك ركنا فعليا كالركوع والسجود بطلت صلاته وان أحدث ركنا قوليا كالقراءة وتشهد فهل هو كالفعلى حتى تبطل الصلاة بمضيه على الشك أيضا اختلف الناقلون فيه فمنهم من قال لا فرق بان المأتى به علي التردد غير محسوب فلابد من اعادته والاركان الفعلية إذا زيدت عمد ابطلت الصلاة ولئن عد معذورا في الاعادة فهو غير معذور في الانشاء علي الشك بل كان من حقه التوقف واما الاركان القولية فزيادتها عمدا لا تبطل الصلاة فلا يضر أحداثها علي التردد وهذه الطريقة هي المذكورة في الكتاب فانه قال ومضى مع الشك ركن لا يزاد مثله في الصلاة وقصد به الاحتراز عن القراءة والتشهد ومد الطمأنينة وهذا مبني علي ظاهر المذهب في انه لا تبطل الصلاة بتكرير الفاتحة والتشهد عمدا بخلاف تكرير الركوع والسجود وفيه وجه منقول عن أبى الوليد النيسابوري وغيره ان تكرير الفاتحة كتكرار الركوع فلا فرق علي ذلك الوجه ومنهم من سوى بين الاركان القولية والفعلية وعللوا بان البطلان بان المأتى به علي الشك إذا لم يكن محسوبا فالاشتغال به تلاعب بالصلاة فليمتنع مما ليس من الصلاة ولا فائدة فيه وليتوقف إلى التذكر وهذه الطريقة أظهر وبه قال العراقيون ورووها عن نص الشافعي رضي الله عنه وليكن قوله لا يزداد مثله في الصلاة مسلما بالواو لانه مذكور للتقييد ولا تقييد على هذه الطريقة الاخيرة وان لم يحدث شيئا من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 فروض الصلاة علي التردد حتى يذكر النية نظر أن قصر الزمان لم يضر أيضا لانه قد أتى بما يليق بالحال حيث لم يحدث على الشك قولا ولا تقصير منه في عروضه وأطهرهما البطلان لانقطاع نظم الصلاة وندرة مثل هذا الشك وشبهوا الوجهين بالوجهين فيما إذا كثر الكلام ناسيا والفرق بين طول الزمان وقصره سيأتي في نظائر المسألة * قال (ثم كيفية النية أن ينوى الاداء أو الظهر وهل يجب التعرض للفرضية والاضافة إلى الله عزوجل فوجهان والنية بالقلب لا باللسان وأما النوافل فلابد من تعيين الرواتب بالاضافة وغير الرواتب يكفى فيها نية الصلاة مطلقة) * الصلاة قسمان فرائض ونوافل أما الفرائض فيعتين فيها قصد أمرين بلا خلاف (أحدهما) فعل الصلاة لتمتاز عن سائر الافعال فلا يكفى اخطار نفس الصلاة بالبال مع الغفلة عن الفعل (الثاني) تعيين الصلاة المأتى بها من ظهر وعصر وجمعة لتمتاز عن سائر الصلوات ولا يجزئه نية فريضة الوقت عن نية الظهر والعصر في أصح الوجهين لانه لو تذكر فائتة غير الظهر في وقت الظهر كان الاتيان بها فيه اتيانا في الوقت قال صلي الله عليه وسلم (فليصلها إذا ذكرها فان ذلك وقتها) وقتها ليست هي بظهر ولا يصح الظهر بنية الجمعة وفيه وجه ضعيف وتصح الجمعة بنية الظهر المقصورة ان قلنا انها ظهر مقصورة وان قلنا هي صلاة على حيالها لم تصح ولا تصح بنية مطلق الظهر علي التقديرين واختلفوا في اعتبار أمور سوى هذين الامرين منها التعريض للفرضية في اشتراطه وجهان اداء كانت الفريضة أو قضاء احدهما وبه قال ابن ابى هريرة لا يشترط لان الشافعي قال في الصبي يصلي ثم يبلغ في آخر الوقت يجزئه ولو كانت نية الفرض مشروطة لما اجزأه ذلك لانه لم ينو الفريضة واظهرهما عند الاكثرين وبه قال ابو اسحاق تشترط لان الظهر قد يوجد من الصبى وممن صلى منفردا ثم اعادها في الجماعة ولا يكون فرضا فوجب التمييز ولك ان تقول قولنا المصلى ينوى الفرضية اما ان يعنى بالفريضة في هذا المقام كونها لازمة علي المصلي بعينه أو كونها من الصلوات اللازمة على اهل الكمال أو شيئا آخر ان عنينا به شيئا آخر فلنلخصه اولا ثم لنبحث عن لزومه وان عنينا الاول وجب ان لا ينوى الصبى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 الفريضة بالاخلاف ولم يفرق الائمة بين الصبى والبالغ بل اطلقوا لوجهين وايضا فانهم قالوا فيمن صلى منفردا ثم ادرك جماعة الصحيح أنه ينوى الفرض بالثاني وهو غير لازم عليه وان عنينا الثاني فمن تعرض للظهر والعصر فقد تعرض لاحدى الصلوات اللازمة على أهل الكمال وكونها ظهرا أخص من كونها صلاة لازمة عليهم والتعرض للاخص يغني عن التعرض للاعم ولهذا كان التعرض للصلاة مغنيا عن التعرض للعبادة ونحوها من الاوصاف وبهذا البحث يضعف ما ذكر في توحيه الوجهين ومنها الاضافة الي الله تعالى بأن يقول لله أو فريضة الله فيها وجهان احدهما وبه قال بن القاص يشترط ليتحقق معني الاخلاص وأصحهما عند الاكثرين لا يشترط لان العبادة لا تكون الا لله تعالي ومنها التعرض لكون المأتي به قضاء أو أداء في اشتراطه وجهان احدهما يشترط أنه ليمتاز كل واحد منها عن الآخر كما يشترط التعرض للظهر والعصر والثاني وهو الاصح عند الاكثرين أنه لا يشترط بل يصح الاداء بنية القضاء وبالعكس لان القضاء والاداء كل واحد منهما يستعمل بمعنى الآخر قال الله تعالي فإذا قضيتم مناسككم أي أديتم ويقال قضيت الدين واديته بمعنى واستشهدوا لهذا الوجه بنص الشافعي رضى الله عنه علي انه لو صلى يوم الغيم بالاجتهاد ثم بان انه صلي بعد الوقت يحكم بوقوعه عن القضاء مع انه نوى الاداء ولك أن تقول القول بأن النية الاداء هل تشترط في الاداء ونية القضاء هل تشترط في القضاء وفرض الخلاف فيه منقدح لكن قولنا هل يصح الاداء بنية القضاء وبالعكس أما أن يعنى به أن يتعرض في الاداء لحقيقته ولكن يجرى في قلبه أو علي لسانه لفظ القضاء وكذلك في عكسه أو يعنى به انه يتعرض في الاداء حقيقة القضاء وفى القضاء لحقيقة الاداء أو شيئا آخر ان عنينا به شيئا آخر فلابد من معرفته أولا وان عنينا الاول فلا ينبغى ان يقع النزاع في جوازه لان الاعتبار في النية بما في الضمائر ولا عبرة بالعبارات وان عنينا الثاني فلا ينبغي أن يقع نزاع في المنع لان قصد الاداء مع العلم بخروج الوقت والقضاء مع العلم ببقاء الوقت هزء وعبث فوجب ان لا ينعقد به الصلاة كما لو نوى الظهر ثلاث ركعت أو خمسا ومنها التعرض لاستقبال القبلة شرطه بعض اصحابنا واستبعده الجمهور لانه اما شرط أو ركن وليس علي الناوى التعرض لتفاصيل الاركان والشرائط ومنها التعرض لعدد الركعات شرطه بعضهم والصحيح خلافه الان الظهر إذا لم يكن قصر الا يكون الا أربعا (القسم الثاني) النوافلل وهى ضربان احدهما النوافل المتعلقة بوقت أو سبب فيشترط فيها ايضا نية فعل الصلاة والتعيين فينوي سنة الاستسقاء والخسوف وسنة عيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 الفطر والتراويح والضحي وغيرها وفى الرواتب يعين بالاضافة فيقول اصلي ركعتي الفجر أو راتبة الظهر أو سنة العشاء وفى الرواتب وجه ان ركعتي الفجر لابد فيهما من التعيين بالاضافة وفيما عداهما يكفى نية أصل الصلاة الحافا لركعتي الفجر بالفرائض لتأكدها والحاقا لسائر الرواتب بالنوافل المطلقة وفى الوتر ينوى سنة الوتر ولا يضيفها الي العشاء فانها مستقلة بنفسها وإذا زاد علي واحدة ينوى بالجميع الوتر كما ينوى في جميع ركعات التراويح وحكى القاضى الروياني وجوها اخر احدها انه ينوى بما قبل الواحدة صلاة الليل والثانى ينوى سنة الوتر والثالث مقدمة الوتر ويشبه ان تكون هذه الوجوه في الاولوية دون الاشتراط وهل يشترط التعرض للنفلية في هذا الضرب اختلف كلام النافلين فيه وهو قريب من الخلاف في اشتراط التعريض لل فريضة في الفرائض والخلاف في التعرض للقضاء والاداء والاضافة الي الله تعالى يعود ههنا ايضا الضرب الثاني النوافل المطلقة فيكفى فيما نية فعل الصلاة لانها ادنى درجات الصلاة فإذا قصد الصلاة وجب ان يحصل له ولم يذكروا ههنا خلافا في التعرض للنفلية ويمكن أن يقال قضية اشتراط قصد الفريضة لتمتاز الفرائض عن غيرها اشتراط التعرض للنفلية ههنا بل التعريض لخاصيتها وهى الاطلاق والانفكاك عن الاسباب والاوقات كالتعرض لخاصية الضرب الاول من النوافل ثم النية في جميع العبارات معتبرة بالقلب فلا يكفى النطق مع غفلة القلب ولا يضر عدم النطق ولا النطق بخلاف ما في القلب كما إذا قصد الظهر وسبق لسانه الي العصر وحكي صاحب الافصاح وغيره عن بعض أصحابنا أنه لابد من التلفظ باللسان لان الشافعي رضى الله عنه قال في الحج ولا يلزمه الا ذا أحرم ونيوى بقلبه أن يذكره بلسانه وليس كالصلاة التي لا تصح الا بالنطق قال الجمهور لم يرد الشافعي رضي الله عنه اعتبار التلفظ بالنية وانما أراد التكبير فان الصلاة به تنعقد وفى الحج يصير محرما من غير لفظ ولو عقب النية بقوله ان شاء الله بقلب أو باللسان فان قصد التبرك أو وقوع الفعل بمشيئة الله تعالي لم يضره وان قصد الشك لم تصح صلاته وأعود الي ما يتعلق بلفظ الكتاب فاقول قوله أن ينوى الاداء والظهر قصد بلفظ الاداء التعرض لشيئين أحدهما أصل الفعل وهذا لابد منه وثاني الوصف المقابل للقضاء وهو الوقوع في الوقت وهذا فيه خلاف بين الاصحاب كما سبق وما ذكره جواب على وجه اشتراط نية الاداء في الاداء فليكن كلمة الاداء معلمة بالواو وقوله والنية بالقلب لا باللسان معلم بالواو للوجه الذى حكيناه فيه وهذه المسألة لا تختص بنية الفرائض ولا بنية النوافل بل تعمهما فلو ذكرها في أول المسألة النية أو آخرها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 لكان أحسن من ذكرها بين قسم الفرائض والنوافل وقوله ولابد من تعيين الرواتب بالاضافة معلم بالواو أو ايضا للوجه المنقول فيهما سوى ركعتي الفجر ثم اهم الرواتب في المشهور للنوافل التابعة للفرائض وهى التى ارادها بلفظ الرواتب في باب صلاة التطوع لكن لا يمكن حمل اللفظ في هذا الموضع عليها وحدها لانه قال وغير الرواتب يكفى فيه نية غير كافية في صلاة العيد واخواتها مع انها غير النوافل التابعة للفرائض * قال (ولو نوى الفرض قاعدا وهو قادر علي القيام لم ينعقد فرضه وهل ينعقد نفلا فيه قولان وكذا الخلاف في التحريم بالظهر قبل الزوال وكل حالة تنافى الفرضية دون النفلية هذا حكم النية) * الاصل الجامع لهذه المسائل أن من أتي بما ينافى الفرضية دون النفلية اما في أول صلاته أو في أثائها وبطل فرضه فهل تبقى صلاته نافلة أم تبطل مطلقا فيه قولان ذكر الائمة أنهما مأخوذان بالنقل والتخريج من نصوص مختلفة للشافعي رضى الله عنه في صور هذا الاصل فمنها لو دخل في الظهر قبل الزوال لا يصح ظهر أو نص أنه ينعقد نفلا كذلك رواه الصيدلاني وتابعه صاحب التهذيب ولو تحرم بالفرض منفردا فجاء الامام وتقدم ليصلى بالناس قال احببت أن يسلم عن ركعتين تكونان نافلة له ويصلي الفرض في الجامعة فقد صحح النفل مع ابطال الفرض مع ابطال الفرض ونص فيما إذا وجد القاعد خفة في أثناء الصلاة فلم يقم انه تبطل الصلاة رأسا ولو قلب فرضه نفلا بلا سبب يدعو إليه فقد حكي ابن كج عن نصه أن صلاته تبطل فجعل الائمة في هذه الصور وأخواتها كلها قولين أحدهما أن صلاته لا تبطل بالكلية وتكون نفلا لان الاختلال انما وقع في شرط الفرض لا في شرط الصلاة طلقها وقد نوى صلاة بصفة الفريضة فان بطلت الصفة يبقى قسد الصالة مطلقا وهذا القصد مصروف الي النافلة والثانى انها تبطل لان المنوي هو الفرض والنفل غير منوى فإذا لم يحصل المنوي فلان لا يحصل غير المنوي كان أولي وهذان القولان كالقولين فيما إذا أحرم بالحج قبل اشهر الحج هل ينعقد عمرة ام لا ولتوجيههما شبه بتوجيه القولين فيم إذا قال لفلان علي الف من ممن الخمر هل يلغو جميع كلامه ام تلغو الاضابة ويلزمه ومن صور هذا الاصل ما إذا نوى الفرض قاعدا وهو قادر على القيام والمسبوق إذا وجد الامام في الركوع فبادر إلى الركوع واتى ببعض تكبيرة الاحرام بعد مجاوزة حد القيام فلا يصح الفرض فيهما وهل يكون نفلا فيه القولان واما الاصح من القولين فقد ذكر الاصحاب انه مختلف باختلاف الصور ففي إذا تحرم بالظهر فان قبل الزوال ان كان عالما بحقيقة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 الحال فالاصح البطلان لانه متلاعب بصلاته وان كان يظن دخول الوقت لاجتهاد فتبين خلافه فالصح انها تكون نفلا لانه نوى التقرب إلى الله تعالى وبنى قصد الفرض على اجتهاد فإذا ظهر الخطأ حسن ان لا يضيع سعيه وفيما إذا تحرم بالفرض منفردا ثم أقيمت الجماعة فانفرد بركعتين وسلم الاصح أن صلاته تبقى نفلا لانه قصد النفل بعد الاعراض عن الفرض وانما فعل ذلك لامر محبوب وهو استئناف الصلاة بالجماعة وفيما إذا وجد القاعد خفة فلم يقم أو قلب فرضه إلى النفل لا لسبب وعذر الاظهر البطلان لان الخروج عن الفرض بغير عذر وابطاله مما لا يجوز وفيما إذا نوى الفرض قاعدا وهو قادر علي القيام الاظهر البطلان أيضا لتلاعبه بالصلاة واما مسألة المسبوق فان كان عالما بانه لا يجوز ايقاع التكبيرة فيما بعد مجاوزة حد القيام فالاظهر البطلان وان كان جاهلا فالاظهر أنها تنعقد نفلا كما ذكرنا في التحرم بالظهر قبل الزوال * قال (اما حكم التكبير فتتعين كلمته على القادر فلا تجزئ (ح) ترجمته ولو قال الله الاكبر فلا بأس لانه لم يغير النظم والمعنى ولو قال الله جليل اكبر فوجهان لتغير النظم ولو قال الاكبر الله نص علي أنه لا يجوز ونص في قوله عليكم السلام أنه يجوز لانه يسمى تسليما وذلك لا يسمي تكبيرا وقيل قولان بالنقل والتخريج) * عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (مفتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) والكلام في التكبير في القادر والعاجز أما القادر فيتعين عليه كلمته فلا يجوز له العدول إلى ذكر آخر وان قرب منها كقوله الرحمن أجل والرب أعظم بل لا يجزئه قوله الرحمن أو الرحيم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 اكبر ايضا ولا يجزئه ترجمة التكبير بلسان آخر وخالفنا ابو حنيفة في الفصلين جميعا فحكم باجزاء الترجمة وباجزاء التسبيح والتهليل وسائر الاذكار والادعية الا أن يذكر اسما على سبيل النداء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 كقوله يا الله أو يقول اللهم اغفر لي ونحوه من الادعية لنا أنه صلى الله عليه وسلم (كان يبتدئ الصلاة بقوله الله اكبر) هكذا روته عائشة رضي الله عنها وقد قال صلي الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي) روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يضع الطهور مواضعه ويستقبل القبلة فيقول الله اكبر) وحكى القاضي ابن كج وجها لاصحابنا أنه تنقعد الصلاة بقوله الرحمن اكبر والرحيم اكبر كله اعتبر لفظ الكبرياء علي ذلك ولم يعتبر اسما من اسماء الله تعالى بخصوصه ولو قال الله الاكبر اجزأه لان زيادة الالف واللام لا تبطل لفظة التكبير ولا المعني بل قول القائل الله الاكبر يشتمل على ما يشتمل عليه قوله الله اكبر مع زيادة مبالغة في التعظيم للاشعار بالاختصاص والزيادة التى لا تغير النظم لا المعنى لا تقدح كزيادة المد حيث يحتمله وكقوله الله اكبر من كل شئ أو اكبر أو أجل وأعظم ووثال مالك واحمد لا يجزئه قوله الله اكبر لظاهر الخبر السابق وحكي قول عن القديم مثل مذهبهما وممن حكاه القاضى ابو الطيب الطبري ذكران ابا محمد الكرابيسي نقل عن الاستاذ أبي الوليد روايته فليكن قوله فلا بأس مرقوما بالميم والالف والقاف ولو قال الله الجليل اكبر ففى انعقاد الصلاة به وجهان اظهرهما الانقعاد لان هذه الزيادة لا تبطل اسم التكبير ومعناه فاشبه الزيادة في قوله الله الاكبر والثاني المنع لتغير النظم منها بخلاف قوله الله الاكبر فان الزائد ثم غير مستقثل ولا مفيد ويجرى هذا الخلاف فيما إذا أدخل بين كلمتي التكبير شيئا آخر من نعوت الله تعالي بشرط أن يكون قليلا كقوله الله عزوجل اكبر وما اشبهه فاما إذا كثر الداخل بينهما كقوله الله الذى لا اله الا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس اكبر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 فلا يجزئه لان هذه الزيادة تخرج المأتي به عن أن يسمى تكبيرا في اللغة ولهذا السبب لا يجوز أن يقف بين كلمتيه وقفة متفاحشة ولو عكس فقال الاكبر الله فظاهر كلامه في الام والمختصر انه لا يجوز ونص في الام على أنه لو قال في آخر الصلاة عليكم السلام يجزئه وان كان مكروها فاختلف الاصحاب علي طريقين أظهرهما تقرير النصين والفرق أنه مأمور بالتكبير وقول القائل الاكبر الله يسمى تكبيرا وعند السلام هو مأمور بالتسليم وقوله عليكم السلام يسمى تسليما ولاصحاب الطريق الثاني ان ينازعوا في تحقيق هذا الفرق فيقولوا ذاك يسمى تكبيرا ان كان هذا يسمى تسليما والثانى أن المسألتين علي القولين نقلا وتخريجا أحدهما الجواز لان المعنى واحد قدم أو أخر فصار كما لو ترك الترتيب في التشهد واظهرهما المنع لما سبق من الظواهر ويتأيد بترك الترتيب في الفاتحة وأصحابنا العراقيون حكوا في عكس التكبير وجهين بدل القولين بالنقل والتخريج وهما متقاربان والخلاف في قوله الاكبر الله يجرى في قوله اكبر الله أيضا وقيل لا يجزئ اكبر الله بلا خلاف ويجب علي المصلي أن يحترز في لفظ التكبير عن زيادة تغير المعنى بان يقول الله اكبر فينقلب الكلام استفهاما أو يقول الله اكبار فالاكبار جمع كبر وهو الطبل ولو زاد واوا بين الكلمتين أماسا كنة أو متحركة فقد عطل المعنى فلا يجزئه أيضا ويجب أن يكبر بحيث يسمع نفسه ويجب أن يكبر قائما حيث يلزمه القيام * قال (أما العاجز فيلزمه ترجمته ولا يجزئه ذكر آخر لا يؤدى معناه والبدوي يلزمه قصد البلدة لتعلم كلمة التكبير علي أحد الوجهين ولا يجزئه الترجمة بدلا بخلاف المتيمم) * العاجز عن جميع كلمة التكبير أو بعضها له حالتان (إحداهما) أنه لا يمكنه كسب القدرة عليها فان كان لخرس ونحوه حرك لسانه أو شفتيه ولهاته بالتكبير بحسب ما يمكنه وان كان ناطقا لكن لم يطاوعه لسانه علي هذه الكلمة فيأتى بترجمتها لانه ركن عجز عنه فلابد له من بدل وترجمته أولي ما يجعل بدلا عنه لادائها معناها ولا يعدل الي سائر الاذكار بخلاف ما لو عجز عن الفاتحة لا يعدل الي الترجمة لان القرآن معجز وسائر السور تشتمل أيضا علي النظم المعجز بخلاف الترجمة وينبغي أن يعلم قوله ولا يجزئه ذكر أخر بالحاء لان أبا حنيفة يجوز سائر الاذكار في حال القدرة ففى حال العجز اولى وانما قال لا يؤدى معناه لانه لو أدى كان كالترجمة بلغة أخرى وترجمة التكبير بالفارسية (خداى بزركتر) ذكر الشيخ أبو حامد والقاضى الروياتي فلو قال خداى بزرك وترك صيغة التفضيل لم يجز لقوله الله الكبير وجميع اللغات في الترجمة سواء فتخير بينهما وقيل السريانية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 والعبرانية قد انزل الله بهما كتابا فان احسنهما لم يعدل عنهما والفارسية بعدهما أولى من التركية والهندية (والحالة الثانية) أن يمكنه كسب القدرة عليها اما بالتعلم من انسان أو مراجعة موضع كتبت هذه الصيفة عليه فليزمه ذلك فلو كان بدويا لا يجد في موضعه من يعلمه الكلمة فهل يلزمه المسير إلى بلدة أو قرية لتعلمها فيه وجهان احدهما لا بل له الاقتصار علي الترجمة بدلا كما لا يلزمه الانتقال ليتطهر بالماء ويجزئه التيمم بدلا واصحهما نعم لانه قادر على السير والتعلم وإذا تعلم عاد الي موضعه وانتفع بالكلمة طول عمره بخلاف التيمم فان استصحاب الماء للمستقبل لا يمكن ومفارقة الموضع بالكلية قد يشق عليه ويدل علي الفرق بين المفصلين ان العادم في اول الوقت يجوز له ان يتيمم ولا يلزمه التأخير ليصلي بالوضوء كما سبق والجاهل بالكلمة لا يجوز له الاقتصار على الترجمة في اول الوقت إذا امكنه التعلم والاتيان بها في آخر الوقت فان قلت وهل علي العاجز قضاء الصلوات التى اتي بها بلا تكبير فالجواب أما في الحالة الاولي فلا لان العبادة المختلة إذا قضيت فانما تقضي بعد ارتفاع الخلل وثم لا يتوقع ارتفاعه واما في الحالة الثانية فان ضاق الوقت أو كان بليدا لا يمكنه التعلم الا في يوم فصاعدا لم يلزمه قضاء الصلوات المؤداة بالترجمة في الحال لانه معذور ولا تقصير منه ولو أخر التعلم مع القدرة فإذا ضاق وقت الصلاة فلابد من ان يصلي بالترجمة لحرمة الوقت وههنا يلزمه القضاء لتفريطه بالتأخير وفيه وجه آخر ضعيف * قال (وسنن التكبير ثلاث ان يرفع يديه مع التكبير الي حذو المنكبين في قول والي أن تحاذى رؤوس الاصابع أذنيه في قول والى أن تحاذى اطراف أصابعه الذنيه وابهامه شحمة أذنيه وكفاه منكبيه في قول ثم قيل يرفع غير مكبر ثم يبتدئ التكبير عند ارسال اليد وقيل يبتدئ الرفع مع التكبير وقيل يكبر ويداه قارتان بعد الرفع وقبل الارسال ثم إذا أرسل يديه وضع اليمني على كوع (ح) اليسرى تحت صدره) * لما فرغ من ذكر ما يجب رعايته في التكبير عدل الي بيان السنن وذكر منها ثلاثا (أحدها) رفع اليدين عند التكبير وقد حكي في بعض نسخ الكتاب في قدر الرفع ثلاثة أقوال أحدها ان يرفع يديه الي حذ والمنكبين والثانى انه يرفعها الي أن تحاذى رؤوس اصابعه اذنيه والثالث الي أن تحاذى اطراف اصابعه اذنيه وابهامه شحمة أذنيه وكفاه منكبيه وليس في بعض النسخ الا ذكر القول الاول والثاني ويمكن ان يحتج للقول الاول بما روى عن ابن عمر رضي الله عنه انه صلى الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 عليه وسلم (كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة) وللقول الثاني بما روى عن وائل بن حجر انه صلى الله عليه وسلم لما كبر رفع يديه حذو أذنيه) وللثالث لاستعمال هذين الخبرين وبما روى انه صلى الله عليه وسلم (رفع الي شحمة أذنيه) واعرف في ما نقله شيئين احدهما أن المراد من القول الاول وهو الرفع الي حذ والمنكبين ان لا يجاوز بأصابعه منكبيه هذا قد صرح به إمام الحرمين وقوله في حكاية القول الثاني والي ان تخاذ رؤوس اصابعه أذنيه كأنه يريد شحتمه الاذنين واسافلهما والا فلو حاذت رءوس اصابعه أعلى الاذنين حصلت الهيئة المذكورة في القول الثالث وارتفع الفرق والثانى انه كالمنفرد بنقل الافوال الثالثة في المسألة أو بنقل القولين لان معظم الاصحاب لم ينقلوا فيه اختلاف قول بلا اقتصر بعضهم علي ما ذكره في المختصر انه يرفع يديه إذا كبر حذو منكبه واقتصر آخرون علي الكيفية المذكورة في القول الثالث وبعضهم جعلها تفسيرا لكلامه في المختصر وللشافعي رضى الله عنه فيها حكاية مشهورة مع أبى ثور والكرابيسي حين قدم بغداد ولم أر حكاية الخلاف في المسألة الا للقاضى ابن كج وامام الحرمين لكنهما لم يذكرا الا القول الاول والثالث فظهر تفرده بما نقل من القولين أو الثلاثة وكلامه في الوسيط لا يصرح بها جميعا وكيف ما كان فظاهر المذهب الكيفية المذكورة في القول الثالث واما ابو حنيفة فالذي رواه الطحاوي والكرخي انه يرفع يديه حذو اذنيه وقال القدورى يرفع بحيث يحاذي ابهامه شحمة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 أذنيه وهذا يخالف القول الاول وذك بعض اصحابنا منهم صاحب التهذيب أن مذهبه رفع اليدين بحيث تحاذى الكفان الاذنين وهذا بخلاف القول الثالث فلك أن تعلمهما معا بالحاء للروايتين ولو كان المصلي مقطوع اليدين أو احداهما من المعصم رفع الساعد وان كان القطع من المرفق رفع عظم العضد في أصح الوجهين تشبيها بالرافعين ولو لم يقدر علي رفعهما أو رفع أحداهما القدر المنون بل كان إذا رفع زاد أو نقص اتي بالممكن فان قدر عليهما جميعا فالزيادة أولي (الثانية) في وقت الرفع وجوه أحدهما أنه يرفع غير مكبر ثم يبتدئ التكبير مع ابتداء الارسال وينهيه مع انتهائه روى ذلك عن ابي حميد الساعدي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وثانيها ان يبتدئ الرفع مع ابتداء التكبير ويروى ذلك عن وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه وسلم وثالثها أن يرفع ثم يكبر ويداه قارتان ثم يرسلهما فيكون التكبير بين الرفع والارسال ويروى ذلك عن ابن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم وذكر في التهذيب أن هذا أصح لكن الاكثيرين علي ترجيح الوجه الثاني المنسوب إلى رواية وائل وهو انه يبتدئ الرفع مع ابتداء التكبير واختلفوا علي هذا في انتهائه فمنهم من قال يجعل انتهاء الرفع والتكبير معا كما جعل ابتداؤهما معا ومنهم من قال يجعل انتهاء التكبير والارسال معا وقال الاكثرون الاستحباب في الانتهاء فان فرغ من التكبير قبل تمام الرفع أو بالعكس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 أتم الباقي وان فرغ مهما حط يديه ولم يستدم الرفع ولو ترك رفع اليدين حتى أتى ببعض التكبير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 رفعهما في الباقي وان اتمه لم يرفع بعد ذلك (الثالثة) يسن بعد التكبير وحط اليدين من رفعهما أن يضع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 اليمنى اليسرى خلافا لمالك في احدى الروايتين عنه حيث قال يرسلهما لنا ما روي انه صلى الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 عليه وأله وسلم قال (ثلاث من سنن المرسلين تعجيل الفطر وتأخير السحور ووضع اليمنى على الشمال في الصلاة) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 ثم المستحب أن يأخذ بيمينه علي شماله بأن يقبض بكفه اليمني كوع اليسرى وبعض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 الرسغ والساعد خلافا لابي حنيفة حيث قال يضع كفه اليمني علي ظهر كفه اليسرى من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 غير أخذ كذلك رواه أصحابنا * لنا ما روي عن وائل انه صلى الله عليه وسلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 (كبر ثم أخذ شماله بيمينه) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 ويروى عنه (ثم وضع يده اليمنى علي ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد) ويتخير بين بسط اصابع اليمنى في عرض المفصل وبين نشرها في صوب الساعد ذكره القفال لان القبض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 باليمني على اليسرى حاصل في الحالتين ثم يضع يديه كما ذكرنا تحت صدره وفوق سرته خلافا لابي حنيفة حيث قال يجعلهما تحت سرته وبه قال أحمد في احدى الروايتين ويحكى عن أبى اسحق المروزى من اصحابنا لنا ما روى عن علي رضى الله عنه انه فسر قوله تعالي (فصل لربك وانحر) بوضع اليمين على الشمال تحت النحر ويروى ان جبريل عليه السلام كذلك فسره للنبي صلى الله عليه وسلم إذا عرفت ذلك فاعلم قوله وضع اليمنى بالميم وقوله على كوع اليسرى بالحاء لانه يقول يضع علي ظهر كفه اليسرى دون الكوع وقوله تحت صدره بالحاء والالف والواو ولك أن تبحث عن لفظ الارسال الذى أطلقه في هذه السنة والتي قبلها وتقول كيف يفعل المصلى بعد رفع اليدين عند التكبير أيدلي يديه كما يفعله الشيعة في دوام القيام ثم يضمهما إلى الصدر أم يحطهما ويضمهما إلى الصدر من غير أن يدليهما والجواب ان المصنف ذكر في الاحياء انه لا ينفض يديه يمينا وشمالا إذا فرغ من التكبير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 لكن يرسلهما ارسالا خفيفا رفيقا ثم يستأنف وضع اليمين علي الشمال قال وفى بعض الاخبار انه كان يرسل يديه إذا كبر فإذا أراد ان يقرأ وضع اليمنى علي اليسرى فهذا ظاهر في انه يدلى ثم يضمهما الي الصدر قال صاحب التهذيب وغيره المصلي بعد الفرغ من التكبير يجمع بين يديه وهذا يشعر بالاحتمال الثاني ونختم الفصل بكلامين أحدهما ان لمضايق ان ينازع في عد هذا المندوب الثالث من سنن التكبير ويقول انه واقع بعد التكبير مقارن لحال القيام فكان عده من سنن القيام أولي وكذلك فعل أبو سعد المتولي والثاني ان ظاهر قوله وسنن التكبير ثلاث حصر سننه فيها وله مندوبات أخر منها أن يكشف يديه عند الرفع للتكبير وأن يفرق بين اصابعه تفريقا وسطا وان لا يقصر التكبير بحيث لا يفهم ولا يمططه وهو أن يبالغ في مده بل يأتي به مبينا والاولى في فيه الحذف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 لما روى انه صلي الله عليه واله وسلم قال (التكبير جزم والتسليم جزم) أي لا يمد وفيه وجه انه يستحب فيه المد والاول هو ظاهر المذهب بخلاف تكبيرات الانتقالات فانه لو حذفها على باقى انتقاله عن الذكر إلى أن يصل الي الركن الثاني وههنا الاذكار مشروعة علي الاتصال بالتكبير * قال (الركن الثاني القيام وحده الانتصاب مع الاقلال فان عجز عن الاقلال انتصب متكئا فان عجز عن الانتصاب قام منحنيا فان لم يقدر الا على حد الراكعين قعد فان عجز عن الركوع والسجود دون القيام قال (ح) وأوما بهما) * القيام بعينه ليس ركنا في مطلق الصلاة بخلاف التكبير والقراءة لان القعود في النفل جائز مع القدر علي القيام فإذا الركن هو القيام أو ما يقوم مقامه فيحسن أن لا يعد القيام بعينه ركنا بل يقال الركن هو القيام أو ما في معناه وإذا عرف ذلك فنقول اعتبر في حد القيا أمرين الانتصال والاقلال أما الاقلال فالمراد منه أن يكون مستقلا غير مستند ولا متك علي جدار وغيره وهذا الوصف قد اعتبره امام الحرمين وأبطل صلاة من اتكاة في قيامه من غير حاجة وضرورة وأن كان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 منتصبا وتابعه المصنف عليه وحكي صاحب التهذيب وغيره انه لو استند في قيامه الي جدار أو انسان صحت صلاته مع الكراهة قالوا ولا فرق بين أن يكون استناده بحيث لو رفع السناد لسقط وبين أن لا يكون كذلك مهما كان منتصبا وفى بعض التعاليق انه ان كان بحيث لو رفع السناد لسقط لم تجزه صلاته فيحصل من مجموع ذلك ثلاثة أوجه أحدهما وهو المذكور في الكتاب انه لا يجوز الاتكاء عند القدرة بحال والثانى الجواز ولعله أظهر لان المأمور به القيام ومن انتصب متكئا فهو قائم والثالث الفرق بين الحالتين وهذا الكلام في الاتكاء الذى لا يسلب اسم القيام أما لو اتكأ بحيث لو رفع قدميه عن الارض لامكنه فهذا معلق نفسه بشئ وليس بقائم ولو لم يقدر على الاقلال انتصب متكئا فان الانتصاب ميسور له ان كان الاقلال معسورا والميسور لا يسقط بالمعسور وحكي في التهذيب وجها آخر انه لا يلزمه القيام والحالة هذه بل له أن يصلي قاعدا فليكن قوله انتصب متكئا مرقوما بالواو لهذا الوجه أما الانتصاب فلا يخل به أطراق الراس وانما يعتبر نصب الفقار فليس للقادر عليه أن يقف مائلا إلى اليمين أو اليسار زائلا عن سنن القيام ولا أن يقف منحنيا في حد الراكعين لانه مأمور بالقيام ويصدق أن يقال هذا راكع لا قائم وان لم يبلغ انحناؤه حد الركوع لكن كان أقرب إليه منه الي الانتصاب فوجهان اظهرهما انه لا يجوز أيضا هذا عند القدرة علي الانتصاب فاما إذا لم يقدر عليه بل تقوس ظهره لكبر أو زمانة وصار في حد الراكعين فقد قال في الكتاب انه يقعد لان حد الركوع يفارق حد القيام فلا يتأدى هذا بذاك وذكر امام الحرمين مثل ما ذكره استباطا عن كلام الائمة فقال الذى دل عليه كلامهم انه يقعد ولا يجزئه غيره لكن الذى ذكره العراقيون من اصحابنا وتابعهم صاحب التهذيب والتتمة انه لا يجوز له القعود بل يجب عليه أن يقوم فإذا اراد ان يركع زاد في الانحناء ان قدر عليه ليفارق الركوع القيام في الصورة وهذا هو المذهب فان الواقف راكعا أقرب الي القيام من العقود فلا ينزل عن الدرجة القرب الي البعدى وقد حكي القاضى ابن كج ذلك عن نص الشافعي رضى الله عنه فيجب اعلام قوله قعد بالواو ومعرفة ما فيه ولو عجز عن الركوع والسجود دون القيام لعلة بظهره تمنعه من الانحناء لزمه القيام خلافا لابي حنيفة لنا انه مستطيع للقيام فيلزمه لما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 روي انه صلي الله عليه وأله وسلم قال لعمران بن الحصين (صل قائما فان لم تستطع فقاعدا فان لم تستطع فعلي جنب) ولانه عجز عن ركن فلا يسقط عنه غيره كما لو عجز عن القيام لا تسقط عنه القراءة ثم إذا انتهى الي الركوع والسجود يأتي بهما على حسب الطاقة فيحنى صلبه بقدر الامكان فان لم يطلق حنى رقبته ورأسه فان احتاج فيه الي الاعتماد علي شئ أو إلى أن يميل علي جنبه لزمه ذلك فان لم يطق الانحناء أصلا أو مأبهما قال (ولو عجز عن القيام قعد كيف شاء لكن الاقعاء مكروه وهو أن يجلس علي وركيه وينصب ركبتيه والافتراض افضل في قول والتربع في قول وقيل ينصب ركبته اليمنى كالقارئ يجلس بين يدى القرئ ليفارق جلسة التشهد) * إذا عجز عن القيام في صلاة الفرض عدل إلى القعود لما سبق في خبر عمران ولا ينقص ثوابه لمكان العذر ولا يعني بالعجز عدم التأتى فحسب بل خوف الهلاك وزيادة المرض ولحوق المشقة الشديدة في معناه ومن ذلك خوف الغرق ودوران الرأس في حق راكب السفينة ولو حبس الغازون في مكمن فادركتهم الصلاة ولو قاموا لرآهم العدو وفسد التدبير فلهم ان يصلوا قعودا لكن يلزمهم القضاء فان هذا سبب نادر وإذا قعد المعذور فلا يتعين للقعود هيثة بل يجزئه جميع هيئات القعود لاطلاق الخبر الذى تقدم لكن يكره الاقعاء هذا في القعود وفى جميع قعدات الصلاة لما روى أنه صلى الله عليه وسلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 (نهي ان يقعي الرجل في صلاته) ويروى انه قال (لا تقعوا اقعاء الكلاب) واختلفوا في تفسيره علي ثلاثة أوجه أحدها أن الاقعاء أن يفترش رجليه ويضع اليتيه علي عقبيه والثاني أن يجعل يديه على الارض ويقعد على اطراف أصابعه والثالث وهو الذى ذكره في الكتاب ان الاقعاء هو الجلوس على الوركين ونصف الفخذين والركبتين وهذا أظهر لان الكلب هكذا يقعد وبهذا فسره ابو عبيدة لكن زاد فيه شيئا آخر وهو وضع اليد ين على الارض وما الاولي من هيئات القعود فيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 قولان ووجهان أحد القولين أن يقعد متربعا لما روي أنه صلي الله عليه واله وسلم (لما صلى جالسا تربع) ويروى هذا عن مالك واحمد وابي حنيفة ثم يركع متربعا أم يفترش إذا أراد الركوع عن أبى حنيفة واصحابه فيه اختلاف رواية واصحهما أنه يقعد مفترشا لانه قعود لا يعقبه سلام فاشبه التشهد الاول وسيأتى معنى الافتراش في موضعه وتأويل الخبر انه ربما لم يمكنه الجلوس علي هيئة الافتراش أو اراد تعليم الجواز والا فالتربع ضرب من التنعم لا يليق بحال العبادة ويجرى القولان فيما إذا قعد في النافلة واما الوجهان فاحدهما وقد ذكره في الكتاب أنه ينصب ركبته اليمنى ويجلس على رجله اليسرى كالقارئ يجلس بين يدى المقرئ ولا يتربع لما ذكرنا ولا يفترش لتفارق هيئة الجلوس هنا هيئة الجلوس في التشهد وهذا يحكي عن القاضى الحسين والوجه الثاني حكى في النهاية أن بعض المصنفين ذكر انه يتورك في هذا القعود ويمكن أن يوجه هذا بان مدة القيام طويلة وهذا القعود بدل عنه فاللائق به التورك كما في آخر الصلاة واما الافتراش فانما يؤمر به عند الاستيفاز وإذا عرفت ما ذكرناه فلا يخفى عليك ان تفسير الاقعاء من لفظ الكتاب ينبغي أن يعلم بالواو وقوله الافتراش أفضل بالميم والالف والحاء وكذلك ينصب ركبتيه اليمني وقوله ليفارق جلسة التشهد بعض التوجيه معناه لا يفترش لهذا المعنى ولا يتربع لانه هيئة تنعم واما هذه فهي لائقة بالتعظيم * قال (ثم ان قدر القاعد على الارتفاع إلى حد الركوع يلزمه ذلك في الركوع فان لم يقدر فيركع قاعدا إلى حد تكون النسبة بينه وبين السجود كالنسبة بينهما في حال القيام فان عجز عن وضع الجبهة انحنى للسجود وليكن السجود اخفض منه للركوع) * حكم المصنف بان القاعد لو قدر على الارتفاع عند الركوع الي حد الراكعين عن قيام لزمه ذلك ذكره امام الحرمين ووجهه بان الركوع مقدور عليه فلا يسقط بالمعجوز عنه وهذا الكلام مفرع منهما علي أن من بلغ انحناؤه حد الركوع يقعد فاما إذا فرعنا على انه يقف كذلك وهو الاظهر علي ما تقدم فلا تجئ هذه المسألة الا أن يفرض لحوق ضرر في الوقوف قدر القيام دون الوقوف قدر الركوع فيحنئذ يقعد لخوف الضرر لا بسبب الانحناء ويرتفع عند الركوع واما من لا يقدر علي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 الارتفاع فنتكلم في ركوعه قاعدا ثم في سجوده فاما ركوعه فقد ذكر الائمة فيه عبارتين أحداهما انه ينحنى حتى يصير بالاضافة الي القاعد المنصب كالراكع قائما بالاضافة إلى القائم المنتصب فيعرف النسبة بين حالة الانتصاب وبين الركوع قائما ويقدر كان المائل من شخصه عند القعود هو قدر قامته فينحى بمثل تلك النسبة والثانية وهى المذكورة في الكتاب أنه ينحي الي حد تكون النسبة بينه وبين السجود كالنسبة بينهما في حال القيام ومعناه ان اكمل الركوع عند القيام أن ينحنى بحيث يستوى ظهره ورقبته ويمدهما وحينئذ تحاذى جبهته موضع سجوده واقله أن ينحنى بحيث تنال راحتاه ركبتيه وحينئذ يقابل وجهه أو بعض وجهه ما وراء ركبته من الارض ويبقى بين الموضع المقابل وبين موضع السجود مسافة فيراعي هذه النسبة في حال القعود فاقل ركوع القاعد ان ينحنى قدر ما يحاذي وجهه وراء ركبة من الارض والاكمل أن ينحنى بحيث تحاذى جبهته موضع سجوده ولا يخفى انه لا منافاة بين العباربين وكل واحدة منهما مؤدية للغرض واما السجود فلا فرق فيه بينه وبين القادر علي القيام هذا قدر القاعد علي الركوع والسجود فان عجز لعلة بظهره أو غيرها أتى بالقدر الممكن من الانحناء ولو قدر على الركوع وعجز عن وضع الجبهة علي الارض للسجود فقد قال في الكتاب أنه ينحنى للسجود أخفض منه للركوع ويجب ههنا معرفة شيئين أحدهما أن هذا الكلام غير مجرى على اطلاقه ولكن للمسألة ثلاث طرق أوردها صاحب النهاية (أحداها) أن يقدر علي الانحناء الي أقل الركوع أعني ركوع القاعدين ولا يقدر علي الزيادة عليه فلا يجوز بقسيم المقدور عليه الانحاء الي الركوع والسجود بان يصرف الي الركوع وتمامه الي السجود حتى يكون الانحناء للسجود أخفض وذلك لانه يتضمن ترك الركوع مع القدرة عليه بل يأتي بالمقدور عليه مرة للركوع ومرة للسجود وان استويا (الثانية) أن يقدر علي أكمل ركوع القاعدين من غير زيادة فله أن ياتي به مرتين ولا يلزمه الاقصار للركوع علي حد الاقل حتي يظهر التفات بينه وبين السجود فان المنع من اتمام الركوع حالة الركوع بعيد (الثالثة) أن يقدر علي اكمل الركوع وزيادة فيحب ههنا أن يقتصر علي حد الكمال للركوع وياتي بلزياة للسجود لان لان الفرق بين الركوع والسجود واجب عند الامكان وهو ممكن ههنا قال امام الحرمين وليس هذا عريا عن احتمال فليتأمل إذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 عرفت ذلك تبين أنه لا يجب أن يكون الانحناء للسجود أخفص منه للركوع في الصورة الاولي الثانية بل لو وجب ايماء في الصورة الثالثة الثاني أن ظاهر كلامه يقضى الاكتفاء بجعله الانحناء للسجود اخفض منه للركوع لقوله في الراكب المتنفل يومئ للركوع والسجود ويجعل السجود أخفض منه للركوع فانه يكفيه ارتفاع التفات بينهما علي ما تقديم وليس الامر علي الظاهر ههنا بل يلزمه مع جعل الانحناء للسجود اخفض ان يقرب جبهه من الارض اقصي ما يقدر عليه حتي قال الاصحاب لو امكنه ان يسجد علي صدغه أو عظم رأس الذى فوق الجبهة وعلم انه إذا فعل ذلك كانت جبهته اقرب إلي الارض يلزمه ان يسجد عليه فإذا كان الاحسن ان يقول يجعل السجود اخفض من الركوع ويقرب جبهته من الارض بقدر الامكان فجميع بينهما وكذلك فعله في الوسيط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 قال (فان عجز عن القعود صلي (ح) على جنبه الايمن (و) مستقبلا بمقاديم (ح) بدنه الي القبلة كالموضوع (و) في اللحد فان عجز فيومئ (ح) بالطراف أو يجرى الافعال علي قلبه لقوله صلي الله عليه وسلم سلم إذا أمرتكم بشئ فأتوا ما استطعتم) * ذكرنا أن العجز عن القيام يتحقق بتعدده وفى معناه ما إذا لحقه خوف ومشقة شديدة وأما العجز عن القعود فهو معتبر به ولم يفرق الجمهور بينهما وقال في النهاية لا أكتفى في ترك القعود بما اكتفى به في ترك القيام بل يشترط فيه تصور العقود أو خيفة الهلاك أو المرض الطويل الحاقا له بالمرض الذى يعدل بسببه الي التيمم إذا عرف فنقول العاجز عن القعود كيف يصلي فيه وجهان من قال قولان أصحهما أنه يضطجع على جنبه الايمن مستقيلا بوجهه مقدم بدنه القبلة كما يضجع الميت في اللحد وبهذا قال احمد وهو المذكور في الكتاب ووجهه قوله صلي الله عليه وسلم في حديث عمران (فان لم تستطع فعلي جنب) وعلى هذا لو اضطجع علي جنبه الايسر مستقبلا جاز الا انه ترك سية التيامن والثانى أنه يستلقى علي ظهره ويجعل رجعل رجليه إلى القبلة فانه إذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 رفع وسادته قليلا كان وجه الي القبلة وإذا أوما بالكوع والسجود كان ايماؤه في صوب القبلة والضطجع علي الجنب إذا أومأ لا يكون ايماؤه في صوب القبلة وبهذا قال أبو حنيفة وهذا الخلاف فيمن قدر علي الاضطجاع وألاستلقاء أما إذا لم يقدر الا علي احدى الهيئتين اتى بها وذكر امام الحرمين أن هذا الخلاف ليس راجعا إلى الاول بخلاف ما سبق من الكلام هيئة القاعد وانما هو خلاف فيما يجب لان امر الاستقبال يختلف به وفى المسألة وجه ثالث ضعف انه يضطجع علي جنبه الايمن واخمصاه إلى القبلة وإذا صلى على الهيئة المذكورة فان قدر علي بهما والا أومأ بهما منحنيا وقرب جبهته من الارض بحسب الامكان وجعل السجود أخفض من الركوع فان عجز عن الاشارة بالرأس أومأ بطرفه فان لم يقدر على تحريك الاحفان أجرى أفعال الصلاة علي قبله وان اعتقل لسانه أجرى القرآن والاذكار علي قلبه وما دام عاقلا لا تسقط عنه الصلاة خلافا لابي حنيفة هيث إذا عجز عن الايماء بالرأس لا يصلي ولا يومئ بعينه ولا بقلبه ثم يقضى بعد البرء ولمالك حيث قال لا يصلي ولا تقضى لنا ما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 روى عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يصلي المريض قائما فان لم يستطع صلي جالسا فان لم يستطع السجود أومأ وجعل السجود أخفض من الركوع فان لم يستطع صلى على جنبه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 الايمن مستقبل القبلة فان لم يستطع صلي علي قتاه مستلقيا وجعل رجليه مستقبل القبله) وجه الاستدلال انه قال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 اومأ بطرفه وفيه دليلل علي أن العاجز عن القعود يصلي علي جنبه الايمن فان عجز حينئذ يستلقى واحتج في الكتاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 * للترتيب المذكور بما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (إذا امرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم) ولا يتضح الاحتجاج به في هذا الخبر أمر بالاتيان بما يشتمل عليه المأمور عند العجز عن ذلك المأمور فانه قال فاتوا منه ما استطعتم والقعود المعدول إليه عند العجز لا يشتمل عليه القيام المأمور بن حتى يكون مستطاعا من المأمور به وكذلك الاضطجاع لا يشتمل عليه القعود وأجراء الافعالى علي القلب لا تشتمل عليه الافعال المأمور بها الا ترى أنه إذا اتي بالافعال ولم يحضرها في ذهنه حين ما يأتي بها أجزأته صلاته فلا تكون هذه المسائل متناولة بالخبر ولتعد الي أمور تتعلق بلفظ الكتاب قوله فان عجز عن القعود صلي علي جنبه الايمن كلمة صلى قد اعلم في النسخ بالخاء لان المصنف روى في الوسيط أن ابا حنيفة رحمة الله عليه قال إذا عجز عن القعود سقطت الصلاة لكن هذا النقل لا يكاد يلفى في كتبهم ولا في كتب أصحابنا وانما الثابت عن ابي حنيفة اسقاط الصلاة إذا عجز عن الايماء بالرأس فإذا موضوع العلامة بالحاء قوله فيومئ بالطرف وليعلم بالميم أيضا لما قدمنا حكايته وبالواو ايضا لان صاحب البيان حكى عن بعض أصحابنا وجها مثل مذهب ابي حنيفة وقوله علي جنبه الايمن ينبغى أن يرقم بالحاء لان عنده يستلقى علي ظهره وكذلك بالواو اشارة الي الوجه الصائر إلى مثل مذهبه وكذلك قوله مستقبلا بمقاديم بدنه القبلة بالواو اشارة الي الوجه الثالث وقوله أو يجرى الافعال علي قلبه ليست كلمة أو للتخيير بل للترتيب واعلم أن جميع ما ذكره من اول الركن إلى هذه الغاية من ترتيب المنازل والهيئات مفروض في الفرائض فاما النوافل فسنذكر حكمها في الفرع الثالث * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 قال (فروع ثلاثة (الاول) من به رمد لا يبرأ الا بالاضطجاع فلا قيس أن يصلي مضطجعا وان قدر على القيام ولم ترخص عائشة وابو هريرة لابن عباس رضي الله عنه فيه) * القادر على القيام إذا أصابه رمد وقال له طبيب يوثق بقوله ان صليت مستلقيا أو مضطجعا أمكن مدلوانك والاخفت عليك العمي فهل له أن يستلقى أو يضطجع بهذا العذر فيه وجهان أحدهما وبه قال الشيخ أبو حامد لما لما روى أن ابن عباس رضى الله عنهما لما وقع الماء في عينه قال له الاطباء ان مكثت سبعا لا تصلى الا مستلقيا عالجناك فسأل عائشة وأم سلمة وأبا هريرة وغيرهم من الصحابة رضى الله عنهم فلم يرخصوا له في ذلك فترك المعالجة وكف بصره ويروي هذا الوجه عن مالك واظهرهما وبه قال أبو حنيفة واحمد له ذلك كما يجوز له الافطار في رمضان بهذا العذر وكما يجوز ترك الوضوء والعدول الي التيمم به ولانه يجوز ترك القيام لما فيه من المشقة الشديدة والمرض المضجر فلان يجوز تركه لذهاب البصر كان اولي ولو كانت المسألة بحاها وامره الطبيب بالعقود فقد قال امام الحرمين الذى أراه أنه يجوز القعود بلا خلاف وبنى هذا علي ما حكيناه عنه في أنه يجوز ترك القيام بما لا يجوز به ترك القعود قال ولهذا فرض سيوخ الاصول الخلاف في المسألة في صورة الاضطجاء وسكنوا عن صورة الفعود والمفهوم من كلام غيره أنه لا فرق والله أعلم * قال (الثاني مهما وجد القاعد خفة في اثناء الفاتحة فليبادر إلى القيام وليترك القراءة في النهوض إلى ان يعتدل ولو مرض في قيامه فليقرأ في هويه وان خف بعد الفاتحة لزمه القيام دون الطمأنينة ليهوى الي الركوع فان خف في الركوع فبل الطمأنينة كفاه أن يرتفع منحنيا إلى حد الراكعين) * إذا عجز المصلي في اثناء صلاته عن القيام قعد وبنى وكذا لو كان يصلي قاعدا فعجز عن القعود في اثناء صلاته يضطجع ويبني ولو كان يصلي قاعدا فقدر علي القيام في صلاته يقوم ويبنى وكذا لو كان يصلى مضطجعا فقدر علي القيام أو القعود يأتي بالمقدور عليه ويبنى خلافا لابي حنيفة في هذه الصورة الاخيرة حيث قال يستأنف لنا انه قدر علي الركن المعجوز عنه في صلاته فيعدل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 إليه ويبنى كما لو صلي قاعدا فقدر علي القيام إذا عرف ذلك فنقول تبدل الحال أما أن يكون من النقصان الي الكمال أو بالعكس (القيم الاول) كما إذا وجد القاعد قدرة القيام لخفة المرض ينظر فيه ان اتفق ذلك قبل القرءة قا وقرأ قائما فان كان في أثناء القراءة فكذلك يقوم ويقرأ بقية الفاتحة في القيام ويجب أن يترك القراءة في النهوض الي أن ينتصب ويعتدل فلو قرأ بعض الفاتحة في نهوضه لم يحسب وعليه ان يعيده لان حالة النهوض دون حالة القيام وقد قدر على أن يقرأ في اكمل الحالتين وان قدر بعد القراءة وقيل الركوع فيلزمه القيام ايضا ليهوى منه إلى الركوع * ولا يلزمه الطمأنينة في هذا القيام فانه غير مقصود لنفيه وانما الغرض منه الهوى إلى الركوع * لا غير ويستحب في هذه الاحوال إذا قام ان يعيد الفاتحة لتقع في حالة الكمال ولو وجد المريض الخفة في ركوعه قاعدا نظر ان وجدها قبل الطمأنينة لزمه الارتفاع إلى حد الراكعين عن قيام ولا يجوز له أن ينتصب قائما ثم يركع لانه لو فعل ذلك لكان قد زاد ركوعا وان وجدها بعد الطمأنينة فقد تم ركوعه ولا يلزمه الانتقال إلى ركوع القائمين وفى لفظ الكتاب ما ينبه علي افتراق هاتين الحالتين في وجوب الارتفاع إلى حد الراكعين عن قيام وان لم يصرح بذكرهما لانه قيد الخفة في الركوع بما قبل الطمأنينة فيشعر بأنه لو خف بعد الطمأنينة كان الامر بخلافة وقوله كفاه ان يرتفع يفهم أن هذا الكافي لابد منه وانه يجب عليه الارتفاع منحنيا الي حد الراكعين عن قيام وهذا التفصيل ذكره امام الحرمين هكذا بعد ما حكى عن الاصحاب انهم قالوا يجوز ان يرتفع راكعا ولم ينصوا علي انه يجب ذلك (واعلم) انهم لم يفرقوا في جواز الارتفاع الي حد الراكعين بين ان يخف قبل الطمأنينة وبعدها لانه لابد له من القيام للاعتدال أما مستويا أو منحنيا فإذا ارتفع منحنيا فقد اتي بصورة   ما بين النجمتين زائد في بعض النسخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 ركوع القائمين في ارتفاعه الذى لابد فلم يمنع منوه بخلاف ما لو انتصب قائما ثم ركع فانه زاد ما هو مستغن عنه فقلنا ببطلان صلاته ولو خف المريض في الاعتدال عن الركوع قاعدا فان كان قبل ان يطمئن لزمه ان يقول للاعتدال ويطمئن فيه بخلاف ما إذا خف بعد القراءة فقام ليهوى منه إلى الركوع حيث لا تجب الطمأنينة فيه لما سبق ولان كان بعد الطمأنينة فهل يلزمه ان يقوم ليسجد عن قيام حكى في التهذيب فيه وجهين احدهما نعم كما يلزمه إذا خف بعد القراءة ليركع عن قيام واظهرهما لا لان الاعتدال ركن قصير فلا يمد زمانه نعم لون اتفق ذلك في الركعة الثانية من صلاة الصبح قبل القنوت فليس له ان يقنت قاعدا ولو فعل بطلت صلاته بل يقوم ويقنت (واما القسم الثاني) وهو ان يتبدل حاله من الكمال إلى النقصان كما إذا مرض في صلاته فعجز عن القيام فيعدل فيه إلى المقدور عليه بحسب الامكان فان اتفق في اثناء الفاتحة فيجب عليه ادامة القراءة في هويه لان حالة الهوى اعلي من حالة القعود * قال (الثالث القادر علي القعود لا يتنفل مضطجعا علي أحد الوجهين إذ ليس الاضطجاع كالقعود فانه يمحه صورة الصلاة) * النوافل يجوز فعلها قاعدا مع القدرة على القيام لكن الثواب يكون علي النصف من ثواب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 القاثم لما روى عن عمران بن الحصين رضي الله عنه قال (سألت رسول الله صلي الله عليه وأله وسلم) عن صلاة الرجل وهو قاعد فقال من صلى قائما فهو أفضل ومن صلي قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلي نائما فله نصف اجر القاعد) ويروى (وصلاة النائم علي النصف من صلاة القاعد) ولو تنفل مضطجعا مع القدرة علي القيام والقعود فهل يجوز فيه وجهان احدهما لا لان قوام الصلاة بالافعال فإذا اضطجع فقد ترك معظمها وانمحت صورتها بخلاف القعود فان صورة الصلاة تبقي منظومة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 معه اصحهما الجواز لما روينا من الخبر ثم المضطجع في صلاة الفرض ان قدر على الركوع والسجود يأتي بهما كما تقدم وههنا الخلاف في جواز الاضطجاع جار في جواز الاقتصار علي الايماء لكن الاظهر منع الاقتصار علي الايماء ثم قال الامام ما عندي أن من يجوز الاضطجاع يجوز الاقتصار في الاركان الذكرية كالتشهد والتكبير وغيرهما علي ذكر القلب وبهذا يضعف الوجه الثاني من أصله وان ارتكبه من صار إليه كان طاردا للقياس لكنه يكون خارجا عن الضبط مقتحما ولمن جوز الاضطجاع أن يقول ما روينا من الخبر صريحا في جواز الاضطجاع فليجز ثم المضطجع وان جوزنا له الاقتصار على الايماء في الركوع والسجود فلا يلزم من جواز الاقتصار على الايماء في الافعال جواز الاقتصار على ذكر القلب في الاذكار فان الافعال أشق من الاذكار فهي أولي بالمسامحة ولا فرق في النوافل بين الرواتب وصلاة العيدين وغيرهما وقال القاضى ابن كج في شرحه صلاة العيدين والاستسقاء والخسوف لا يجوز فعلها عن قعود كصلاة الجنازة * قال (الركن الثالث القراءة ودعاء الاستفتاح بعد التكبير مستحب (م ح) ثم التعوذ (م) بعده من غير جهر (و) وفى استحباب التعود في كل ركعة وجهان) * لركن القراءة سنتان سابقتان واخريان لاحتقال اما الساقتان فأولاهما دعاء الاستفتاح فيستحب للمصلي إذا كبر ان يستفتح بقوله (وجهت وجهي للذى فطر السموات والارض حنيفا مسلما وما أنا من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 المشركين ان صلاتي ونسكي ومحياى ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وانا من المسلمين) خلافا لمالك حيث قال لا يستفتح بعد التكبير إلا بالفاتحة والدعاء والتعوذ يقدمهما على التكبير ولابي حنيفة واحمد حيث قالا يستفتح بقوله سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالي جدك ولا إله غيرك لنا ما روى عن علي رضي الله عنه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 أنه (كان إذا استفتح الصلاة كبر ثم قال وجهت وجهى الي أخره وقال في أخره وانا أول المسلمين) لانه صلي الله عليه وسلم أول مسلمى هذه الامة وروى أنه كان يقول بعده (اللهم أنت الملك لا اله الا أنت سبحانك وبحمدك أنت ربى وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا انه لا يغفر الذنوب الا أنت واهدنى لاحسن الاخلاق لا يهدى لاحسنها الا أنت واصرف عنى سيئها لا يصرف على سيئها الا أنت لبيك وسعديك والخير كله في يديك والمهدى من هديت انا بك واليك لا ملجأ ولا منجى منك الا اليك تباركت وتعاليت استغفرك واتوب اليك) وروى بعد قولة والخير كله في يديك (والشر ليس اليك) قال المزني أي لا يضاف اليك علي انفراده وقيل أي لا يتقرب به اليك زيادة علي ما ذكرنا أولا نستحبها للمنفرد والامام إذا علم رضاء المأمومين بالتطويل إذا عرفت ذلك فاعلم قوله ودعاء الاستفتاح بعد التكبير مستحب بالميم واللفط لا يقتضي الاعلام بالحاء والالف لانهما يساعدان علي انه يستفتح قبل القراءة بشئ وانما يخالفان في انه بم يستفتح وكل واحد من الذكرين اعني وجهت وسبحانك اللهم يسمي دعاء الاستفتاح وثناءه وليس في لفظ الكتاب تعرض للاول بعينه الا انه هو الذى اراده فلذلك اعلم بهما ايضا ومن ترك دعاء الاستفتاح عمدا أو سهوا حتى تعوذ أو شرع في الفاتحة لم يعد إليه ولم يتداركه في سائر الركعات وفرع عليه ما لو ادرك الامام المسبوق في التشهد الاخير فكبر وقعد فسلم الامام كما قعد يقوم ولا يقرأ دعاء الاستفتاح * لفوات وقته بالقعود ولو سلم الامام قبل قعوده يقعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 ويقرأ دعاء الاستفتاح ولا فرق في دعاء الاستفتاح بين الفريضة غيرها وحكى بعض الاصحاب ان السنة في دعاء الاستفتاح ان يقول سبحانك اللهم وبحمدك الي آخره ثم يقول وجهت وجهى الي آخره جمعا بين الاخبار ويحكى هذا عن ابي اسحق المروزى وابى حامد وغيرهما الثانية يستحب بعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 دعاء الاستفتاح ان يتعوذ خلافا لمالك الا في قيام رمضان لنا ما روى عن جبير بن مطمم وغيره ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ في صلاته قبل القراءة وصيغة التعوذ اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذكره الشافعي رضي الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 عنه وورد في لفظ الخبر وحكى القاضي الرويانى عن بعض اصحابنا الاحسن ان يقول اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ولا شك ان كلا منهما جائز مؤد لغرض وكذا كل ما يشتمل على الاستعاذة بالله من الشيطان وهل يجهر به فيه قولان أحدهما انه يستحب الجهرية في الصلاة الجهرية كالتمسية والتأمين واصحهما وهو المذكور في الكتاب ان المستحب فيه الاسرار بكل حال لانه ذكر مشروع بين التكبير والقراءة فيسن فيه الاسرار كدعاء الاستفتاح وذكر الصيدلانى وطائفة من الاصحاب ان الاول قوله القديم والثانى الجديد وحكي في البيان القولين علي وجه آخر فقال أحد القولين انه يتخير بين الجهر والاسرار ولا يرجح والثاني انه يستحب فيه الجهر ثم نقل عن أبي علي الطبري انه يستحب الاسرار به فيحصل في المسألة عوخ ثلاثة مذاهب * ثم استحباب التعوذ يخت ص باركعة الاولى أم لا منهم من قال لا بل يسن في كل ركعة الا انه في الركعة الاولى أكد وحكوا ذلك عن نص الشافعي رضى الله عنه اما انه يستحب في كل ركعة فلظاهر قوله تعالي (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من شيطان الرجيم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 وقد وقع الفصل بين القراءة خارج الصلاة بشل ثم عاد إليها يستحب له التعوذ وأما ان الاستحباب في الركعة الاولي أكد فلان افتتاح قراءته في صلاته انما يكون في الركعة الاولي وقد اشتهر ذلك من فعل رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم ولم يشتهر في سائر الركعات ومنهم من قال فيه قولان أحدهما الاستحباب لما ذكرنا والثانى لا يستحب في سائر الركعات ويروى ذلك عن أبى حنيفة كما لو سجد للتلاوة في قراءته ثم عاد الي القراءة لا يعيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 التعوذ وكأن رابطة الصلاة تجعل الكل قراءة واحدة وعلى هذا فلو كتركه في الركعة الاولى عمدا أو سهوا تدارك في الثانية بخلاف دعاء الاستفتاح وسواء أثبتنا الخلاف في المسألة أم لا فالاظهر انه يستحب في كل ركعة وبه فكل قال القاضى أبو الطيب الطبري وامام الحرمين والرويانى وغيرهم وبعضهم يروى في المسألة وجهين بدل القولين ومنهم امام الحرمين والمصنف * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 قال (ثم الفاتحة بعده متعينة (ح) ترجمتها مقامها ويستوي فيه الامام والمأموم (ح) في السرية والجهرية (ح) الا في ركعة المسبوق ونقل المزني سقوطها عن المأموم في الجهرية) * للمصلي طحالتان احداهما أن يقدر على قراءة الفاتحة والثانية أن لا يقدر عليها فاما في الحالة الاولى فيتعين عليه قراءتها في القيام أو ما يقع بدلا عنه ولا يقوم مقامها شئ آخر من القرآن ولا ترجمتها وبه قال مالك وأحمد خلافا لابي حنيفة حيث قال الفرض من القراءة آية من القرآن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 سواء كانت طويلة أو قصيرة وباى لسان قرأ جاز وان كان ترك الفاتحة مكروها والعدول الي لسان آخر اساءة * لنا ما روى عن عبادة بن الصامت انه صلي الله عليه وسلم وسلم قال (لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب) ولا فرق في تعيين الفاتحة بين الامام والمأموم في الصلاة السرية: وفى الجهرية قولان ت أحدهما انها لا تجب على المأموم وبه قال مالك واحمد لما روى أنه صلي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 الله عليه وسلم (انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال هل قرأ معى أحد منكم فقال رجل نعم يارسول الله فقال مالى أنازع بالقرآن فانتهى الناس عن القراءة فيما يجهر فيه بالقرادة) واصحهما أنها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 تجب عليه أيضا لما روى عن عبادة بن الصامت رضي الله عن هقال (كنا خلف رسول الله صلي الله عليه وسلم وصحبه وسلم في صلاة الفجر فثقلت عليه القراءة فلما فرغ قال لعلكم تقرؤن خلفي قلنا نعم قال لا تفعلوا ذلك الا بفاتحة الكتاب) وهذا القول يعرف بالجديد ولم يسمعه المزني م نلا شافعي رضى الله عنه فنقله عن بعض اصحابنا عنه يقال انه اراد الربيع واما القول الاول فقد نقله سماعا عن الشافعي رضي الله عنه * وقال ابو حنيفة لا يقرأ المأموم لا في السرية ولا في الجهرية وحكى القاضي ابن كح ان بعض اصحابنا قال به وغلط فيه (التفريع) ان قلنا لا يقرأ المأموم في الجهرية فلو كان اصم أو كان بعيدا لا يسمع قراءة الامام فهل يقرأ فيه وجهان أصحهما نعم ولو جهر الامام في صلاة السر أو بالعكس فالاعتبار بالكيفية المشروعة في الصلاة أم بفعل الامام فيه وجهان قال صاحب التهذيب أصحهما ان الاعتبار بصفة الصلاة وهذا ظاهر لفظ المصنف حيث قال سقوطها عن المأموم في الجهرية والصلاة جهرية وان اسر الامام بهاو الذى ذكره المحاملي حكاية عن نص الشافعي رضى الله عنه يقتضي الاعتبار بفعل الامام وهو الموافق الموجه الاصح في المسألة المتقدمة وهل يسن للمأموم علي هذا القول أن يتعوذ روى في البيان فيه وجهين أحدهما لا وبه قال أبو حنيفة لانه لا يقرأ والثاني نعم لانه ذكر سرى فيشارك الامام فيه كما لو اسر بالفاتحة واذ قلنا المأموم يقرأ فلا يجهر بحيث يغلب جاره ولكن يأتيب بها سرا بحيث يسمع نفسه لو كان سميعا فان ذلك اذنى القراءة ويستحب للامام علي هذا القول أن يسكت بعد قراءة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 الفاتحة قدر ما يقرأ المأموم الفاتحة ذكره في التهذيب وإذا عدت إلى الفاظ الكتاب عرفت أن قوله متعينة وقوله ولا تقوم ترجمتها مقامها لم أعلم كل واحد منهما بالحاء وقوله يستوى فيه الامام والمأموم ينبغي ن يعلم بالحاء ثم ان كان المراد استواءهما في معنى الفاتحة فالحاء عليه كهو علي قوله متعينة فان ابا حنيفة لا يقول بتعينها على الامام ولا علي المأموم فقوله يخالف قول القائل باستوائهما في تعينها عليهما لانه يقول باستوائهما في عد تعينها عليهما وان كان المراد استواءهما في اصل ركن القراءة فتكون الحاء اشار الي ان القراءة غير واجبة علي المأموم اصلا بخلاف الامام وليعلم هذا الموضع بالواو أيضا للوجه الذى نقله القاضي ابن كج وقوله والجهرية بالميم والالف لما روينا من مذهبهما وقوله الا في ركعة المسبوق انما استشاها لان من ادرك الامام في الركوع كان مدركا للركعة علي ما سيأتي وان لم يقرأ الفاتحة في تلك الركعة ثم كيف يقول أيتحمل الامام عنه الفاتحة أم لا يجب عليه اصلا فيه مأخذان للاصحاب وفى هذا الاستثناء اشارة الي أن اشتمال الصلاة علي القراءة في الجملة غير كاف بل هي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 واجبة في كل ركعة من ركعات الصلاة خلافا لابي حنيفة حيث قال لا تجب القراءة في الفرائض الا في ركعتين فان كانت الصلاة ذات ركعتين فذاك وان كانت أكثر من ركعتين فالواجب الفراءة في ركعتين وفيما سواهما يتخير بين أن يقرأ أو يسبح أو يسكت ولمالك حيث قال تجب القراءة في معظم الركعات ففى الثلاثية يقرأ في ركعتين وفى الرباعية في ثلاث ركعات ويروى هذا عن أحمد والمشهور عنه مثل مذهبنا * لنا ما روى عن أبي سعيد الخدرى انه قال (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ فاتحة الكتاب في كل ركعة) وقوله ونقل المزني أي سماعا عن الشافعي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 رضي الله عنه والا فقد نقل القول الاول أيضا عن غيره عن الشافعي كما ذكرنا وهما جميعا مذكوران في المختصر * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 قال (ثم بسم الله الرحمن الرحيم آية (ح م) منها وهى آية من كل سورة أما مع الآية الاولى أو مستقلة بنفسها على أحد القولين) * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 التسمية آية من الفاتحة لما روى انه صلى الله عليه وسلم (قرأ فاتحة الكتاب فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم وعدها آية منها) وروى انه قال (إذا قرأ تم فاتحة الكتاب فاقرؤا بسم الله الرحمن الرحيم فانها أم القرآن والسبع المثاني وان بسم الله الرحمن الرحيم أية منها) وأما حكم التسمية في سائر السور سوى سورة براءة لاصحابنا فيه طريقان أحدهما ان في كونها من القرآن في اول سائر السور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 قولين أصحهما انها من القرآن لانها مثبتة في أولها بخط المصحف فتكون من القرآن كما الفاتحة ولم تكن كذلك لما أثبتوها بخط القرأن والثانى انها ليست من القرأن وانما كتبت للفصل بين السورتين لما روي عن ابن عباس قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورتين حتى ينزل بسم الله الرحمن الرحيم) والطريقة والثانية وهى الاصح انها من القرآن في أول سائر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 السور أيضا بلا خلاف وانما الخلاف في انها آية مستقلة منها أم هي مع صدر السورة آية ولا يستبعد التردد في كونها آية أو بعض آيه في أول السور مع القطع بأنها آية من أول الفاتحة الا يرى انهم اتفقوا علي آية من سورة النمل وان الحمد الله رب العالمين آية تامة من الفاتحة وهو بعص آيه في قوله تعالي (وآخر دعواهم أن الحمد الله رب العالمين) فاحد القولين انها بعض الاية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 من سائر السور لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (سورة تشفع لقادئها وهى ثلاثون آية ألا وهي الملك) وتلك السورة ثلاثون آية سوى التسمية وأصحهما انها آية تامة كما في أول الفاتحة (واعلم) ان جمهور اصحابنا لم ينقلوا الطريقتين جميعا باقتصار علي نقل الثانية والاكثرون علي نقل الاولي لكن جمع بينهما الصيدلانى وتابعه امام الحرمين وغيره هذا مذهبا * وقال مالك ليست التيسمة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 من القرآن الا من سورة النمل وهو أشهر الروايتين عن ابي حنيفة وقال بعض أصحابه مذهبه انها آية في كل موضع أثبتت فيه لكنها ليست من السورة وإذا عرفت ذلك فعندنا بجهر المصلى بالتسمية في الصلاة الجهرية في الفاتحة وفى السورة بعدها خلافا لمالك حيث قال لا يقرأها أصلا لا في الجهرية ولا في السرية ولابي حنيفة حيث قال يسر بها وقال أحمد الا انه يوجب ذلك في كل ركعة لان التسمية عنده من الفاتحة وأبو حنيفة يأمر بها الا استحبابا ويقال انه لا يأمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 بها الا في الركعة الاولي كالتعوذ لنا ما روى عن ابن عمر انه قال (صليت خلف النبي صلي الله عليه سلم وأبى بكر وعمر وكانوا يجهرون بالتسمية) وعن علي وابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم (كان يجهر بها في الصلاة بين السورتين واما ما يتعلق بلفظ الكتاب فقوله آية منها معلم بالميم الحاء وكذا قوله من كل سورة ولا يخفى ان المراد ما سوى براءة ويروى عن احمد ان التسمية حيث أثبتت آية وليست من السورة ورأيت في رؤس المائل لتعض اصحابه انها ليست من الفاتحة ولا من سائر السور والمشهور عنه في كتب اصحابنا انه يوافقنا في كونها من القرآن وانما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 يخالف في الجهر فعلى غير المشهور لكن الكلمتان معلمين بلالف ايضا وقوله وهى آيه من كل سورة الي آخر سورة الي آخره كلامان احدهما ان ظاهر قوله وهى آيه من كل سورة انها آية مستقلة لانها إذا كانت مع صدر السورة آية وانما تكون بعض آية وإذا كان كذلك فلا يحسن ان يرتب عليه التردد فيه انها مستقلة ام لا فان الشئ إذا اثبتناه لا ينظم مثار التردد فيه معني الكلام انها من جملة السور معدودة من القرآن وهل هي آية مستقلة فيه الخلاف والثانى ان لفظ الكتاب يمكن التنزيله علي الطريقة الثاني بأن يجعل جازما بانها من السورة وترد الخلاف إلى انها مستقلة ام لا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 ويكون تقدير الكلام اما مع الاية الاولي على احد القولين أو مستقلة بنفسها علي احد القولين وهذا الذي اراده ويمكن تنزيله علي ذكر الخلاف الذى اشمل عليه الطريقان جميعا بأن يصرف قوه علي احد القولين الي اول الكلام وهو قوله وهى آية من كل سورة والقول المقابل له انها ليست من السور ويجعل الترديد في قوله اما مع الاية الاولى أو مستقلة بنفسها اشارة إلى الخلاف المذكور في الطريقة الثانية تفريعا علي انا من القرآن وإذا انتظم التردد في انها آية علي استقلالها لم لا بعد القطع بأنها من القرآن ينتظم التردد فيه بعد اثبات الخلاف تفريعا على انها من القرآن * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 قال (ثم كل حرف وتشديد ركن وفى ابدال الضاد بالظاء تردد) * لا شك ان فاتحة الكتاب عبارة عن هذه الكلمات المنظومة والكلمات المنظومة مركبة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 من الحروف المعلومة وإذا قال الشارع صلى الله عليه وسلم (لا صلاة الا بفاتحة الكتاب) فقد وقف الصلاة جملتها والموقوف على أشياء مفقودة عند فقد بعضها كما هو مفقود عند فقد كلها فلو اخل بحرف منها لم تصح صلاته ولو خفف حرفا مشددا فقد اخل بحرف لان المشدد حرفان مثلان أولهما ساكن فإذا خفف فقد أسقط احدهما ولو ابدل حرفا بحرف فقد ترك الواجب وهل يستثني ابدال الضاد في قوله (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) بالظاء ذكروا فيه وجهين احدهما نعم فيحتمل ذلك لقرب المخروج وعسر التمييز بينهما وأصهما لا يستثني ولو ابدل كان كابدال غيرهما من الحروف وكما لا يتحمل الاخلال بالحروف لا يتحمل اللحن المخل المعنى كقوله انعمت عليهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 واياك نعبد بل تبطل صلاته ان تعمد ويعيد علي الاستقامة ان لم يتعمد ويسوغ القراءات السبع وكذا القراءة الشاذة ان لم يكن فيها تغيير معنى ولا زيادة حرف ولا نقصانه وقوله ثم كل حرف وتشديد ركن يجوز ان يريد به انه ركن من الفاتحة لان ركن الشئ احد الامور التي يلتئم منها ذلك الشئ ويجوز ان يريد به انه ركن من الصلاة لان الفاتحة من اركان الصلاة وجزء الجزء جزء والاول أصوب لئلا تخرج اركان الصلاة عن الضبط * قال (ثم الترتيب فيها شرط فلو قرأ النصف الاخير اولا لم يجزه ولو قدم آخر التشهد فهو كقوله عليكم السلام والموالاة ايضا شرط بين كلماتها فلو قطعها بسكوت طويل وجب الاستئناف (و) وكذا بتسبيح يسير الا ماله سبب في الصلاة كالتأمين لقراءة الامام والسؤال والاستعاذة أو سجود التلاوة عند قراءة الامام آية سجدة أو رحمة أو عذاب فان الولاء لا ينقطع علي احد الوجهين ولو ترك الموالاة ناسيا ففيه تردد ولو طول ركعا قصير لم نوسيا لم يضر) * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 الفصل يشتمل علي جملتين مشروطتين في الفاتحة (أحداهما) الترتيب فيجب رعايتها لان الاتيان بالنظم المعجز مقصود والنظم والترتيب ومناط البلاغة والاعجاز فلو قدم مؤخرا علي مقدم نظران كان عامدا بطلت قراءته وعليه الاستئناف وان كان ساهيا عاد الي الموضع الذى اخل منه بالترتيب فقرأ منه قال الصيدلانى الا أن يطول فيستأنف وعلى كل حال لا يعتد بالمؤخر الذى قدمه وينبغي ان يحمل قوله فلو قدم النصف الاخير قبل الاول لم يجزه على هذا أي لا يجزئه النصف الاخير فاما النصف الاول فهل يجزئه ويبنى عليه ام يلزمه الاستئناف فيه التفصيل الذى ذكرناه ولو اخل بترتيب التشهد نظر أن غير تغييرا مبطلا للمعني فليس ما جاء به محسوبا وان تعمده بطلت صلاته لانه أتى بكلام غير منظوم قصدا وان لم يبطل المعنى وكان كل واحد من المقدم والمؤخر مفيدا مفهوما ففيه الطريقان المذكوران فيما إذا عكس لفظ السلام فقال عليكم السلام والاظهر الجواز لانه لا يتعلق بنظمه اعجاز وقوله ولو قدم آخر التشهد يعني به هذه (الحالة الثانية) وهى أن لا يغير المعنى وان كان اللفظ مطلقا واعلم أن تغيير الترتيب علي وجه يبطل المعنى كما يفرض في التشهد يفرض في الفاتحة فوجب أن يقال ثم أيضا إذا غير تغييرا مبطلا للمعنى عمدا تبطل صلاته والثانية الموالاة بين كلماتها والاخلال بها على ضربين (أحدهما) أن يكون الشخص عامدا فيه فان سكت في اثنائها نظر ان طالت مدة السكوت وذلك بان يشعر مثل ذلك السكوت بقطعه القراءة واعراضه عنها اما اختيار أو لعائق فتبطل قراءته ويلزمه الاستئناف لانه صلي الله عليه وسلم (كان يوالى في قراءته) وقد قال (صلوا كما رأيتموني أصلي) وروى امام الحرمين والمصنف في الوسيط وجها آخر عن العراقبين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 أن ترك الموالاة بالسكوت الطويل عمدا لا يبطل القراءة وأعلم لهذا الوجه قوله وجب الاستئناف بالواو وان قصرت مدة السكوت فلا يؤثر لان السكوت اليسير قد يكون لتنفس وسعال ونحوهما فلا يشعر بقطع القراءة ونظيره التفريق اليسير في الوضوء لا يؤثر وان أوجبنا الموالاة فيه وهذا إذا لم ينو مع السكوت قطع القراءة فان نواه والسكوت يسير ففيه وجهان حكيا عن الحاوى أحدهما انه لا تبطل القراءة أيضا لان السكوت اليسير لا اثر له بمجرده ولا للنية بمجردها فلا يضر انضمام أحدهما إلي الآخر واصحهما وهو الذى ذكره المعظم انها تبطل ويجب الاستئناف لا قران الفعل بنية القطع وقد تؤثر النية مع الفعل فيما لا يؤثر فيه أحدهما الا ترى ان نية التعدي من المودع لا توجب كون الوديعة مضمونة عليه وكذلك مجرد النقل من موضع إلى موضع وإذا اقترنا صارت مضمونة عليه وانما لم توثر مجرد النية ههنا بخلاف نية قطع الصلاة فانها تؤثر فيها لان النية ركن في الصلاة تجب ادامتها حكما إن لم تجب ادامتها حقيقة ولا يمكن ادامتها حكما مع نية القطع فتبقى الافعال بالنية وقراءة الفاتحة لا تفتقر إلى نية خاصة فلا يؤثر فيها نية القطع فلواتي بتسبيح أو تهليل في اثنائها أو قرأ آية اخرى فيها بطلت الموالاة قل ذلك ام كثر لان الاشتغال بغيرها يغير النظم ويوهم الاعراض عنها وهذا فيما لا يؤمر به في الصلاة اما ما يؤمر به وتتعلق به مصلحة الصلاة كما إذا أمن الامام والمأموم في خلال الفاتحة فأمن معه أو قرأ الامام آية رحمة فسألها المأموم أو آية عذاب فاستعاذ منه أو آية سجدة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 فسجد المأموم معه أو فتح على الامام قراءته ففى بطلان الموالاة في جميع ذلك وجهان أحدهما وبه قال الشيخ ابو حامد تبطل كما لو فتح علي غير امامه أو اجاب المؤذن أو عطس فحمد الله تعالى واصحهما وبه قال صاحب الافصاح والقاضي أبو الطيب والقفال لا تبطل لانه ندب الي هذه الامور في الصلاة لمصلحتها فالاشتعال بها عند عروض أسبابها لا يجعل قادحا وهذا مفرع علي استحباب هذه الامور للمأموم وهو المشهور وفيه وجه آخر ثم لم يجروا هذا الخلاف في كل مندوب إليه فان الحمد عند العطاس مندوب إليه وإن كان في الصلاة وهو قاطع للموالاة ولكن في المندوبات التى تختص بالصلاة وتعد من صلاحها وقوله الاماله سبب في الصلاة محمول على هذا ولما كان السكوب مبطلا للموالاة بشرط ان يكون طويلا وكان التسبيح مبطلا من غير هذا الشرط قيد في لفظ الكتاب السكوت بالطويل وجعل التسبيح بوصف كونه يسيرا مبطلا للموالاة تنبيها علي الفرق بينهما ثم لا يخفى أن ما يبطل يسيره فكثيره أولى ان يبطل (الضرب الثاني) أن يخل بالموالاة ناسيا ونذكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 أولا مسألة وهى أنه لو ترك الفاتحة ناسيا هل تجزئه صلاته الجديد وهو المذهب أن لا يعتد بتلك الركعة بل إن تذكر بعد ما ركع عاد إلى القيام وقرأ وإن تذكر بعد القيام الي الركعة الثانية صارت هذه الركعة أولاه ويلغو ما سبق ووجهه الاخبار الدالة على اعتبار الفاتحة والالحاق بسائر الاركان وقال في القديم تجزئه صلاته تقليد العمر رضي الله عنه (فانه نسي القراءة في صلاة المغرب فقيل له في ذلك فقال كيف كان الركوع والسجود قالوا كان حسنا قال فلا بأس) وقد ذكرت ما قيل في الفرق بين الفاتحة وسائر الاركان في فصل الترتيب في الوضوء إذا عرف ذلك فنقول إذا ترك المولالة ناسيا فالذي ذكره الجمهور ونقلوه عن نص الشافعي رضي الله عنه انه لا تنقطع الموالاة وله أن يبني وليس هذا تفريعا علي القول القديم في ترك الفاتحة ناسيا بل نقلوا ذلك مع القول بانه إذا ترك الفاتحة ناسيا لم يعتد بالركعة ومال إمام الحرمين إلى انه ينقطع الولاء بالنسيان إذا قلنا النسيان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 ليس بعذر في ترك الفاتحة حتى لا يجزئه ما اتي به كما لو ترك الترتيب نايبا وتابعه الامام الغزالي رحمه الله فجعل المسألة علي التردد واعترض امام الحرمين قدس الله روحه علي كلام الجمهور فقال ترك الولاء إذا كان مما تختل به القراءة فجريانه النسيان وجب ان يكون بمثابة ترك القراءته ناسيا حتى لا يعذر به وللجمهور ان يقولوا سلمت في هذا الاعتراض مقدمة مطلقة وهى ان ترك الولاء مما تختل به القراءة وعندنا لا تختل به القراءة الا عند التعمد فان قال إذا اختلت به عند التعمد وجب ان تختل عند النسيان كما ان ترك القراءة من أصلها لا يفترق حكمه في الحالتين فلهم أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 يقولوا في الفرق الموالاة هيئة في الكلمات تابعة لها فإذا ترك القراءة فقد ترك التابع والمتبوع وإذا ترك الموالاة فقد ترك التابع دون المتبوع فلا يبعد أن يجعل النسيان عذرا ههنا ولا يجعل عذرا ثم ونظيره غسل الاعضاء في الوضوء لا يحتمل تركها عمدا ولا سهوا وترك المولاة سهوا يحتمل على الاظهر وان اوجبنا فيه الموالاة واما ما ذكره من ترك الترتيب ناسيا فقد فرق الشيخ ابو محمد بينه وبين الموالاة بأن امر الموالاة أهون ألا ترى انه لو أخل المصلى بترتيب الاركان ناسيا فقدم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 السجود على الركوع لم يعتد بالسجود المقدم ولو أخل بالموالاة بان طول ركنا في الصلاة ناسيا لم يضر واعتد بما أتي به وكذلك لو ترك سجدة من الركعة الاولي أقيمت السجدة المأتي بها في الركعة الثانية مقامها وان اختلت الموالاة ولهذا يحتمل غير افعال الصلاة في خلالها إذا كانت يسيرة كالخطوة وقبل الحية ونظائرهما مع أنها تخل بصورة الموالاة فلا يلزم من جعل النسيان عذرا في اضعف المعتبرين جعله عذرا في أقواهما وقد حكي الامام بعض هذا الفرق عن الشيخ ولم يعترض عليه بازيد مما سبق وربما وجه النص المنقول في ان ترك الموالاة ناسيا لا يضر بمسائل ترك الموالة ناسيا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 في الصلاة كتطويل الركن القصير ونحوه والله اعلم وينكشف لك من هذا الشرح ما السبب الداعي الي ايراد المصنف مسألة تطويل الركن القصير في خلال مسائل القراءة ومن لم يعرف هذا السبب ولم تكن فيه غباوة فانه يتعجب من ذلك وليس في لفظ الكتاب ما ينبه عليه وأما تسمية كل واحد من الترتيب والموالاة شرطا والحروف والتشديدات اركانا فقد تقدم في باب الاذان ما يناظر ذلك والقول فيهما قريب * قال (أما العاجز فلا تجزئه ترجمته (ح) بخلاف التكببر بل يأتي بسبع آيات من القرآن متوالية لا تتقص حروفها عن حروف الفاتحة فان لم يحسن فمتفرقة فان لم يحسن فيأتى بتسبيح وتهليل لا تنقص حروفه عن حروف الفاتحة) * ذكرنا أن للمصلى حالتين أحداهما أن يقدر علي قراءة الفاتحة وما ذكرناه الي الآن كلام فيها والثانية أنه لا يقدر فيلزمه كسب القدرة عليها اما بالتعلم أو التوسل الي مصحف يقرأها منه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 سواء قدر عليه بالشرى أو الاستئجار أو الاستعارة فان كان بالليل أو كان في ظلمة فعليه تحصيل السراج أيضا عند الامكان فلو امتنع عن ذلك مع الامكان فعليه اعادة كل صلاة صلاها الي أن قد ر علي قراءتها وإذا تعذر التعلم عليه أو تأخر لضيق الوقت أو بلادته وتعذرت القراءة من المصحف أيضا فكيف يصلى هذا غرض الفصل وجملته أن لا تجزئه الترجمة وخلاف أبي حنيفة يعود ههنا بطريق الاولى ويخالف التكبير حيث يعد العاجز إلى ترجمته لما قدمناه أن نظم القرآن معجز وهو المقصود فيراعى ما هو أقرب منه واما لفظ التكبير فليس بمعجز ومعظم الفرض معناه فالترجمة اقرب إليه وإذا عرفت ذلك فينظر ان احسن غير الفاتحة من القران فيجب عليه ان يقرأ سبع آيات من غيرها ولا يجوز له العدول إلى الذكر لان القران بالقرآن أشبه ولا يجوز أن ينقص الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 عدد الآيات الماتى بها عن السبع وان كانت طويلة لان عدد الآدى مرعى فيها قال الله تعالى سبعا من المثاني (وعدها رسول الله صلي الله عليه وسلم سبع آيات) فيراعي هذا العدد في بدلها وهل يشترط مع ذلك أن لا تنقص حروفها عن حروف الفاتحة فيه وجهان احدهما لا ويكفى اعتبار اعتبار الآيات كما لو فاته صوم يوم طويل يجوزه قضاؤه في يوم قصير ولا ينظر إلي الساعات واصحهما وهو المذكور في الكتاب انه يشترط لانها معتبرة في الفاتحة وقد أمكن اعتبارها في البدل فاشبهت الآيات وهذان الوجهان في جملة الفاتحة مع جملة البدل فلا يمتنع أن يجعل ايتين بدلا عن آية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 وفى وجه يجب ان تعدل حروف كل آية بآية من الفاتحة علي الترتيب وينبغى ان تكون مثلها أو اطول منها ويحكى هذا عن الشيخ ابى محمد ثم ان احسن سبع آيات متوالية بالشرط المذكور لم يجز العدول إلي المتفرقة فان المتوالية اشبه بالفاتحة وان لم يحسنها اتي بها متفرقة واستدرك امام الحرمين فقال لو كانت الآيات المفرودة لا تفيد معنى منظوما إذا قرئت وحدها كقوله (ثم نظر) فيظهر ان لا نأمره بقراءة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 هذه الآيات المتفرقة ونجعله كمن لا يحسن شيئا من القرآن اصلا ولو كان ما يحسنه من القران دون السبع كآية أو آيتين ففيه وجهان احدهما انه يجب عليه ان يكرر حتي يبلغ قدر الفاتحة واصحهما انه يقرأ ما يحسنه ويأتي بالذكر للباقى هذا كله إذا احسن شيئا من القرآن اما إذا لم يحسن فيجب عليه ان ياتي بالذكر كلا تسبيح والتهليل خلافا لابي حنيفة حيث قال لا يلزمه الذكر ويقف ساكنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 بقدر القراءة ولمالك حيث قال لا يلزمه الذكر ولا الوقوف بقدر القراءة لنا ما روى انه صلي الله عليه واله وسلم قال (إذا قام احدكم إلي الصلاة فليتوضأ كما امره الله فان كان لا يحسن شيئا من القرآن فليحمد الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 وليكبره) وروى ان رجلا جاء إلى النبي صلي الله عليه واله وسلم فقال (اني لا استطيع أن آخذ شيئا من القران فعلمني ما يجزينى في صلاتي فقال قل سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر ولا حول ولا قوة الا بالله) ثم هل يتعين شئ من الاذكار ام يتخير فيها فيه وجهان احدهما ان الكلمات المذكورة في الخبر الثاني متعينة لظاهر الامر وعلي هذا اختلفونا منهم من قال تكفيه هذه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 الكلمات الخمس لانه قال علمني ما يجزينى في صلاتي والنبي صلي الله عليه وسلم علمه هذه الكلمات وبهذا قال ابو علي الطبري والقاضى ابو الطيب ومنهم من قال يضم إليها كلمتين اخريبن حتى تصير سبعة أنواع فيكون كل نوع بدلا عن آية والمراد بالكلمات ههنا انواع الذكر لا الالفاظ المفردة واصحهما انه لا يتعين شئ من الاذكار وبه قال ابو اسحق المروزى وهذا هو الذى ذكره في الكتاب لانه أطلق فقال فيأتى بتسبيح وتهليل وعلي هذا فتعرض الخبر للكلمات الخمس جرى على سبيل التمثيل وهل يشترط ان لا تنقص حروف ما يأتي به عن حروف الفاتحة وجهان كما ذكرنا فيما إذا احسن غير الفاتحة من القرآن والاصح وهو المذكور في الكتاب انه شرط ثم قال امام الحرمين لا يرعي ههنا الا الحروف بخلاف ما إذا احسن غير الفاتحة من القرآن فانه يراعي عدد الايات وفى الحروف الخلاف وقال في التهذيب يجب أن ياتي بسبعة انواع من الذكر ويقام كل نوع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 مقام آية وهذا أقرب تشبيها لمقاطع الانواع بغايات الايات وهل الادعية المحضة كالاثنية فيه تردد للشيخ ابى محمد قال امام الحرمين والاشبه ان ما يتعلق بامور الاخرة كالاثنية دون ما يتعلق بالدنيا ويشترط ان لا يقصد بالذكر الماني به شيئا آخر سوى البدلية كما إذا استفتح أو تعوذ علي قصد اقامة سنتهما ولكن لا يشترط قصد البدليه فيهما ولا في غيرهما من الاذكار في أظهر الوجيهن وان لم يحسن شيئا من القران والاذكار فعليه ان يقوم بقدر الفاتحة ثم يركع وكل ما ذكرناه فيما إذا لم يحسن الفاتحة أصلا * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 قال (فان لم يحسن النصف الاول منها اتي بالذكر بدلا عنه ثم يأتي بالنصف الاخير * اصل المسألة ان من يحسن بعض الفاتحة دون بعض يكرره ام يأتي به ويبدل الباقي فيه وجهان وقيل قولان (احدهما) انه يكرر ما يحسنه قدر الفاتحة ولا يعدل إلى غيره لان بعضها اقرب الي الباقي من غيرها فصار كما إذا احسن غيرها من القرآن لا يعدل إلى الذكر (واصحهما) انه يأتي به وببدل الباقي لان الشئ الواحد لا يكون اصلا وبدلا ويدل عليه ان النبي صلى الله عليه وسلم (امر ذلك السائل بالكلمات الخمس) ومنها الحمد لله وهذه الكلمة من جملة الفاتحة ولم يأمره بتكريرها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 وهذا الخلاف فيما إذا كان يحسن للباقى بدلا اما إذا لم يحسن الا ذلك البعض فيكرره بلا خلاف إذا تقرر ذلك فلو أحسن النصف الثاني دون الاول فقد قال في الكتاب يأتي بالذكر بدلا عن النصف الاول ثم يأتي بالنصف الثاني وهذا جواب على الوجه الاصح ويجب أن يقدم البدل للنصف الاول علي قراءة النصف الثاني رعاية للترتيب كما يجب الترتيب في اركان الصلاة وفى كلمات الفاتحة وحكي في التهذيب وجها انه لا يشسترط التريب بين البدل والاصل وكيف ما قرأ جاز وأما إذا فرعنا علي الوجه الاول وهو انه يكرر القدر الذى يحسنه فلا يأتي في هذه الصورة لنصف الاول ببدل بل يكرر النصف الاخير وليعلم لهذا الوجه قوله اتي بالذكر بدلا عنه بالواو وكذا قوله ثم يأتي بالنصف الاخير لان كلمة ثم للترتيب وقد ذكرنا وجها أنه لا يجب الترتيب ولو كان الامر بالعكس فكان يحسن النصف الاول دون الثاني فعلي الوجه الاول يكرره وعلي الاصح يأتي بالنصف الاول ثم بالذكر بدلا عن الثاني * قال (قان تعلم قبل قراءة البدل لزمه قراءتها وان كان بعد الركوع فلا وان كان قبل الركوع وبعد الفراغ فوجهان) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 جميع ما سبق فيما إذا استمر العجز عن القراءة في الصلاة فاما إذا تعلم الفاتحة في اثنائها أو لقنه انسان أو احضر مصحف وتمكن من القراءة منه فينظر ان اتفق ذلك قبل الشروع في قراءة البدل فعليه أن يقرأ الفاتحة وان كان في خلال قراءة البدل مثل ان اتى بنصف الاذكار ثم قدر علي قراءة الفاتحة فعليه قراءة النصف الاخير وفى الاول وجهان احدهما لا يجب كما إذا شرع في صوم الشهرين ثم قدر علي الاعتاق لا يلزمه العدول الي الاعتاق وأظهرهما يجب كما إذا وجد الماء قبل تمام التيمم يبطل تيممه وان كان ذلك بعد قراءة البدل وبعد الركوع فلا يجوز الرجوع وقد مضت تلك الركعة على الصحة وان كان بعد القراءة وقبل الركوع فوجهان احدهما عليه قراءة الفاتحة لان محل القراءة باق وقد قدر عليها واظهرهما لا يجب لان البدل قد تم وتأدى الفرض وبه واشبه ما لو اتي المكفر بالبدل ثم قدر علي الاصل أو صلى بالتيمم ثم قدر علي الوضوء ويجوز أن يعلم قوله لزمه قراءتها بالواو لان قوله قبل قراءة البدل يتناول ما إذا لم يشرع في البدل أصلا وما إذا شرع لكن لم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 يتمه حتى تعلم الفاتحة وقد ذكرنا في الصورة الثانية وجهين ويجوز أن يعلم قوله فوجهان في الصورة الاخيرة أيضا لان صاحب البيان ذكر طريقا آخر أنه لا يجب قراءة الفاتحة وجها واحدا * قال (ثم بعدن الفاحة سنتان أحداهما التمين مع تخفيف الميم ممدودة أو مقصورة وفى جهر الامام به خلاف والا ظهر الجهر وليؤمن المأموم مع تأمين الامام لا قبله ولا بعده) * بينا أن لركن القراءة سنتين لاحقتين فاشتغل بذكرهما حين فرغ من احكام الفاتحة احداها التأمين فيستحب لكل من قرأ الفاتحة خارج الصلاة أو في الصلاة أن يقول عقيب الفراغ آمين ثبت ذلك من رسول الله صلي الله عليه وسلم معنى الكلمة ليكن كذلك وفيها لغتان القصر والمد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 والميم مخففة في الحالتين وينبغي أن يفصل بينها وبين قوله ولا الضالين بسكتة لطيفة تمييزا بين القرآن وغيره ويستوى في استحبابها الامام والمأموم والمنفرد ويجهر بها الامام والمنفرد في صلاة الجهر تبعا للقراءة وقد روى عن وائل بن حجر (صليت خلف النبي صلى اله عليه وسلم فلما قال ولا الضالين ت آمين ومدبها صوته) أما المموم فقد نقل عن القديم انه يؤمن جهرا ايضا وعن الجديد أنه لا يجهر واختلف الاصحاب فقال الاكثرون في المسألة قولان احدهما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 أنه لا يجهر كما لا يجهر بالتكبيرات ان كان الامام يجهر بها واصحهما وبه قال احمد انه يجهر لما روى عن عطاء قال (كنت اسمع الائمة وذكر ابن الزبير ومن بعده يقولون آمين ويقول من خلفهم آمين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 حتي أن للمسجد للجة) ويروى عن ابي هريرة قال كان إذا امن رسول الله صلي الله عليه وسلم امن من خلفه حتي كان للمسجد ضجة) ولان المقتدى متابع للامام في التأمين فانه انما يؤمن لقراءته فيبعه في الجهر كما يتبعه في التأمين ومنهم من اثبت قولين في المسألة ولكن لا علي الاطلاق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 بل فيما إذا جهر الامام اما إذا لم يجهر الامام فيجهر المأمون ليتبه الامام وغيره ومنهم من حمل النصين على حالين فحيث قال لا يجهر المأمومون اراد ما إذا قل المقتدون أو صغر المسجد وبلغ صوت الامام القول فيكفى اسماعه اياهم التأمين كاصل القراءة وان كثر القوم يجهرون حتى يبلغ الصوت الكل والاحب ان يكون تأمين المأموم مع تأمين الامام لا قبله ولا بعده لما روى عن ابي هريرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أمن الامام امنت الملائكة فامنوا فان من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) فان لم يتفق ذلك أمن عقيب تأمينه * واما لفظ الكتاب فلك ان تعلم قوله التأمين بالميم لانه روى مالك أنه لا يسن التأمين للمصلى أصلا وعنه رواية اخرى أن الامام لا يؤمن في الجهرية ورواية أخرى ان الامام والمأموم يؤمنان لكن يسران وهو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 مذهب أبي حنيفة ولذلك اعلم قوله والاظهر الجهر بعلامتهما وقوله ممدودة أو مقصورة التأنيث علي تقدير الكلمة وقوله وفى جهر المأموم به خلاف أي الصلاة الجهرية واما في السرية فالمحبوب الاسرار لمأموم وغيره بلا خلاف ثم قوله خلاف يجوز أن يريد به قولين جوابا علي الطريقة المشهورة ويجوز ان يريد به طريقين وهما الاول والثالث فقد ذكرهما في الوسيط فان كان الاول فقوله والاظهر الجهر أي من القولين وان كان الثاني فالمعنى والاظهر مما قيل في المسألة انه يجهر * قال (الثانية السورة وهى مستحبة للامام والمنفرد في ركعتي الصبح والاوليين من غيرهما وفى الثالثة والرابعة قولان منصوصان الجديد انها تستحب (ح) وان كان العمل على القديم والمأموم لا يقرأ السورة في الجهرية بل يستمع وان لم يبلغه الصوت ففى قراءته وجهان) * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 يسن للامام والمنفرد قراءة سورة بعد الفاتحة في ركعة الصبح والاوليين من سائر الصلوات لما سيأتي وأصل الاستحباب يتادى بقراءة شئ من القرآن لكن السورة أحب حتي ان السورة القصير أولي من بعض سورة طويلة وروى القاضي الرواياني عن احمد انه يجب عنده قراءة شئ من القرآن وهل يسن قراءة السورة في الثالثة من المغرب وفي الثالثة والرابعة من الرباعيات فيه قولان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 الجديد أنها تسن لكن تجعل السورة فيهما أقصر لما روى عن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنهم ان النبي صلي الله عليه وسلم كان (نقرأ في الصلاة الظهر في الركعتين الاوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آيه وفى الاخريين قدر خمس عشرة آية وفى العصر في الركعتين الاوليين في كل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 ركعة قدر خمس عشرة اية وفى الاخريين وقدر نصف ذلك) والقديم وبه قال ابو حنيفة ومالك واحمد أنها لا يتسن لما روى عن أبي قتادة أن النبي صلي الله واله وسلم (كان يقرأ في الظهر في الاوليين بام الكتاب وسورتين وفى الركعتين الاخيريين بام الكتاب ويسمعنا الاية ويطول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 في الركعة الاولى يطول في الثانية) هل يفضل الركعة الاولى على الثانية فيه وجهان أظهرهما لا ويدل عليه حديث أبي سعيد والثانى وبه قال الامام السرخسى نعم ويدل عليه حديث أبي قتادة ويجرى الوجهان في الركعتين لاخرتين ان قلنا تستحب فيهما السورة وقال ابو حنيفة يستحب تفصيل الاولى علي الثانية في الفجر خاصة ويستحب أن يقرأ في الصبح بطوال المفصل كالحجرات نعم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 في الركعة الاولى من صبح يوم الجمعة يستحب قراءة الم السجدة وفى الثانية هل أتى ويقرأ في الظهر بما يقرب من القراءة في الصبح وفى العصر والعشاء بأوساط المفصل وفى المغرب بقاصره وأما المأموم فلا يقرأ السورة في الصلاة التى يجهر بها الامام وهو يسمع صوته بل ينبغى ان ينصت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 ويستمع قال الله تعالي (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) ولهذا يستحب الامام أن يسكت بعد الفاتحة قدر يقرأ فيه المأموم الفاتحة كيلا يفوته استماع الفاتحة ولا استماع السورة وان كانت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 الصلاة سرية أو جهرية والمأموم لا يسمع لبعد أو صمم فوجهان أحدهما انه لا يقرأ لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (إذا كنتم خلفي فلا تقرؤا الا بفاتحة الكتاب) وأصحهما يقرأ كالمنفرد وانما لا يؤمر بالقراءة حيث يستمع ليستمع وأما الحديث فله سبب وهو ان اعرابيا راسل رسول الله صلي الله عليه وسلم في قراءة الشمس وضحاها فتعسرت القراءة علي رسول الله صلى اله عليه وسلم فلما تحلل عن صلاته قال ذلك ويستحب للقارئ في الصلاة وخارج الصلاة أن يسأل الرحمة إذا مر بآية رحمة وأن يتعوذ إذا مر بآية عذاب وأن يستح إذا مر باية تسبيح وأن يتفكر إذا مر بآية مثلل ذلك وان يقول بلي وانا علي ذلك من الشاهدين إذا قرأ أليس الله بأحكم الحاكمين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 ويقول آمنا بالله إذا قرأ فبأى حديث بعده يؤمنون والمأموم يفعل ذلك لقراءة الامام وقوله في الكتاب فقولان منصوصان التصريح بكونها منصوصين يعرف انهما ليسأ ولا واحد منهما مخرمج ولا يتوهم من ذلك انه إذا أرسل ذكر القولين كان ثم تخريح كما ان التعرض للقديم والجديد يعرف تاريخ القولين ولا يلزم من ارسال القولين أن يكون أحدهما قديما ولآخر جديدا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 وقوله وان كان العمل علي القديم اشارة إلى ترجيح القول القديم وبه أفتي الاكثرون وجعلوا المسألة من المسائل التي يفتي فيها علي القديم ونازع الشيخ أبو حامد وطائفة فيه ورجحوا الجديد (واعلم) أن مسألة جهر المأموم بالتأمين من جملة تلك المسائل إذا أثبتنا الخلاف فيها كما تبين في الفصل السابق وقوله والمأموم لا يقرأ السورة في الجهرية إلى آخره التعرض لحكم قراءته في الجهرية واهما له الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 في السرية فيه اشار بأنه يقرأ في السرية وهو الاظهر كما بيناه وان لم يكن متفقا عليه * قال (الركن الرابع الركوع وأقله أن ينحى بحيث تنال راجتاه وكبتيه ويطمنن (ح) بحيث ينفصل هويه عن ارتفاعه ولا يجب الذكر) * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 تكلم في أقل الركوع ثم في اكمله ما اقله فقد ذكر فيه شيئين لا بد منهما (احدهما) ان ينحى بحيث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 تنال راحتاه ركبتيه يقال أنه ورد في لفظ الخبر ومعناه أن يصير بحيث لو أراد أن يضع راحتيه علي ركبتيه لمكن وهذا عند اعتدال الخلقة وسلامة اليدين والركبتين وفي لفظ الانحناء إشارة إلى أنه لو انخنس وأخرج ركبتيه وهو مائل منتصب لم يكن ذلك ركوعا وان صار بحيث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 لو مد يديه لنالت راحتاه ركبتيه لن نيلهما ركبتيه لم يكن بالانحناء قال امام الحرمين ولو مزج الانحناء بهذه الهيئة وكان التمكن من وضع الراحتين علي الركبتين بهما جميعا لم يعتد بما جاء به ركوعا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 أيضا ثم أن لم يقدر علي أن ينحنى الي الحد المذكور الا بمعين أو الاعتماد علي شئ أو بان ينحني على شق لزمه ذلك وان لم يقدر انحنى القدر المقدور عليه وان عجز اومأ بطرفه عن قيام (واعلم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 ان الذى ذكره في هذا الموضع هو حد ركوع القائمين فاما إذا كان يصلي قاعدا فقد صار حد أقل ركوعه واكمله مذكورا في فصل القيام (والثاني) ان يطمئن خلافا لابي حنيفة حيث قال لا تجب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 الطمأنينة لنا ما روى عن ابى هريرة رالله عنه (ان رجلا دخل المسجد ورسول الله صلي الله عليه وسلم جالس في ناحية المسجد فصلي ثم جاء فسلم عليه فقال صلي الله عليه وسلم وعليك السلام ارجع فصل فانك لم تصل فرجع فصلي ثم جاء فقال له مثل ذلك فقال علمني يا رسول الله فقال إذا قمت الي الصلاة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 فاسبغ الوضوء استقبل القبلة فكبر اقرا أبما يتيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا) ومعنى الطمأنينة في الركوع أن يصبر تستقر أعضاؤه في هيئة الركوع وينفصل هويه عن ارتفاعه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 منه فلو جاوز حد أقل الركوع وزاد في الهوى ثم ارتفع والحركات متصلة فلا طمأنينة وزيادة الهوى لا تقوم مقام الطمأنينة فهذا بيان الامرين اللذين لابد منهما وأما قوله ولا يجب الذكر فالغرض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 من ذكره ههنا بيان خروجه عن حد الاقل خلافا لا حمد فانه يحكي عنه ايجاب التسبيح في الركوع والسجود مرة واحدة وكذلك ايجاب التكبير للركوع والسجود لنا أن النبي صلي الله عليه وسلم (لم يأمر المسئ صلاته بالذكر فيهما) ويجوز أن (يع) ؟ الاقل شئ آخر وهو أن (لا) ؟ به غير الركوع لان صاحب التهذيب وغيره ذكروا انه لو قرأ في صلاته آية سجدة فهوى ليسجد للتلاوة ثم بدا له الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 بعد ما بلغ حد الراكعين ان يركع لم يعتد بذلك عن الركوع لانه لم يقطع القيام لقصد الركوع بل يجب عليه أن يعود إلي القيام ثم يركع وسيأتي لهذا نظائر ولك أن تعلم قوله بحيث تنال راحتاه ركتبيه (؟ ؟ ؟) القاضي ابن كج حكى عن ابن حنيفة أنه لا يعتبر ذلك ويكتفى باصل الانحناء * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 قال (وأكمله أن ينحني بحيث يستوى ظهره وعنقه وينصب ركبتيه عليهما ويضع كفيه عليهما يجافى الرجل مرفقيه عن جنبيه ولا يجاوز في الانحناء حد الاستواء ويقول الله أكبر رافعا يديه عند الهوى ممدودا علي قول ومحذوفا علي قول كيلا يغير المعنى بالمدو يقول سبحان ربى العظيم ثلاثا ولا يزيد الامام علي الثلاث) * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 الكلام في اكمل الركوع يقع في جملتين (أحداهأما) في هيئته وهى أن ينحنى بحيث يستوى ظهره وعنقه ويمدهما كالصفحة الواحدة فلا تكون رأسه ورقبته أخفض من ظهره ولا أعلي يروى أن رسول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 الله صلى الله عليه وسلم (كان يستوى في الركوع بحيث لو صب الماء علي ظهره لا ستمسك وروى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 انه صلي الله عليه وسلم (عن التذبيح في الصلاة) وفى رواية (نهى ان يذبح الرجل في الركوع كما يذبح الحمار) والتذبيح ان يبسط ظهره ويطأطئ رأسه فتكون رأسه اشد انحطاطا من اليتيه وهذا اللفظ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 يذكر بالدال والاول اشهر وينبغي للراكع ان ينصب ساقيه إلي الحقو ولا يثني ركبتيه وهذا هو الذى اراده بقوله وينصب ركبتيه ويستحب له وضع اليدين علي الركبتين واخذهما بهما ويفرق بين اصابعه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 حينئذ ويوجههما نحو القبلة روى انه صلي الله على وسلم (كان يمسك راحتيه على ركبتيه في الركوع كالقابض عليهما) ويفرج بين اصابعه فان كان اقطع أو كانت إحدى يديه عليلة فعل بالاخرى ما ذكرنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 فان لم يمكنه وضعهما على الركبتين ارسلهما: ويجافى الرجل مرفقيه عن جنبيه فقد روي ان النبي صلى الله عليه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 وسلم (كان يفعل ذلك) والمرأة لا تجافى فانه استر لها والخنثى كالمرأة: اما قوله ولا يجاوز في الانحناء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 الاستواء فالمراد استواء الظهر والرقية وفى قوه اولا واكمله ان ينحنى بحيث يستوى ظهره وعنقه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 ما يفيد هذا الغرض فانا إذا عرفنا استحاب استواء الظهر والعنق نعرف انه لا ينبغى ان نتجاور الاستواء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 فاعادته ثانيا اما ان تكون تأكيدا أو يكون الغرض الاشارة إلي ان المجاوزة مكروهة قصية للنهي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 عن التذبيح وعلي هذا فالاعادة لا تكون لمحض التأكيد إذ لا يلزم من استحباب الشئ ان يكون تركه منهيا عنه مكروها وعلي كل حال فلو ذكر قوله ولا يجاوز متصلا بالكلام الاول لكان احسن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 (الجملة الثانية) في الذكر المستحب فيه ويستحب ان يكبر للركوع لما روى عن ابن مسعود رضى الله عنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 ان النبي صلي الله عليه وسلم (كان يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعمود) ويبتدئ به في ابتداء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 الهوى وهل يمده فيه قولان القديم وبه قال ابو حنيفة لا يمده بل يحذف لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (التكبير جزم) أي لا يمد ولانه لو حاول المد لم يأمن ان يجعل المد على غير موضعه فيغير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 المعني مثل ان يجعله علي الهمزة فيصير استفها ما والجديد انه يمده إلي تمام الهوى حتى لا يخلو جزء من صلاته عن الذكر والقولان جاريان في جميع تكبيرات الانتقالات هل يندها من الركن المنتقل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 عنه إلى أن يصحل في المنتقل إليه ويرفع يديه إذا ابتدأ التكبير خلافا لابي حنيفة لنا ما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع) ويستحب أن يقول في ركعه سبحان ربى العظيم ثلاثا وذلك أدني درجات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 الكمال لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (قال ركع أحدكم فقال سبحان ربى العظيم ثلاثا فقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 تم ركوعه وذلك أدناه فإذا سجد فقال في سجوده سبحان ربى الاعلي ثلاثا فقدم سجوده وذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 ادناه) واستحب بعضهم ان يضيف إليه وبحمده وقال انه ورد في بعض الاخبار والافضل أن يضعيف إليه (اللهم لك ركعت ولك خشعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصرى ومخفي وعظمي وعصبي وشعرى وبشرى وما استقلت به قدمى لله رب العالمين) فقد روى ذلك الخبر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 وهو أتم الكمال وحكى عن الحاوى ان اتم الكمال من سبع تسبيحات الي احدى عشرة واوسطه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 ثم الزائد علي أدنى الكمال من سبع تسبيحات الي احدي عشرة واوسطه خمس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 ادنى الكمال انما يستحب للمنفرد اما الامام فلا يزيد علي التسبيحات الثلاث كيلا يطول على القوم وقال القاضى الروايانى في الحلية لا يريد علي خمس تسبيحات وذكره غيره ايضا فليكن قوله ولا يزيد الامام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 علي الثلاث معلما بالواو واستحباب التخفيف للامام فيها إذا لم يرض القوم بالتطويل اما إذا كان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 الحاضرون لا يريدون ورضوا بالتطويل فيسوى في أتم الكمال ويكره قراءة القرآن في الركوع والسجود * قال (ثم يعتدل عن ركوعه ويطمئن (ح) ويستحب رفع اليدين إلى المكبين ثم يخفض يديه بعد الاعتدال ويقول وعند رفعه سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ويستوى (ح) فيها الامام والمأموم والمنفرد) * الاعتدال ركن في الصلاة لكنه غير مقصود في نفسه ولذلك عند ركنا قصيرا فمن حيث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 أنه ركن عده في ترجمة الاركان في أول الباب ومن حيث أنه ليس مقصودا في نفسه جعله ههنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 تابعا للركوع وأوردهما في فصل وهكذا بالجلسة بين السجدتين وقال أبو حنيفة لا يجب الاعتدال وله أن ينحط من الركوع ساجدا وعن مالك روايتان (أحدهما) كمذهبنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 الاخرى كمذهب الي حنيفة لنا ما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال للمسئ صلاته (ثم ارفع حتى تعتدل قائما) ولو كان يصلي قاعدا لمرض فيعود إلى الفعود بعد الركوع وبالجملة فالاعتدال الواجب أن يعود بعد الركوع الي الهيئة التى كان عليها قبل الركوع فلو ركع عن قيام وسقط في ركوعه نظر ان لم يطمئن في ركوعه فعليه أن يعود إلي الركوع ويعتدل منه وان اطمأن فيعتدل قائما ويسجد منه ولو رفع الراكع رأسه ثم سجد وشك في أنه هل تم اعتداله وجب عليه أن يعتدل قائما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 ويعيد السجود وتجب المطأنينة في الاعتدال كما تجب في الركوع وقال في النهاية في قلبي من الطمأنية في الاعتدال شئ فان النبي صلي الله عليه وسلم في المسئ صلاته ذكر الطمأنينة في الركوع والسجود ولم يذكرها في الاعتدال وللقعدة بين السجدتين فقال (ثم ارفع رأسك حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطئمن ساجدا ثم ارفع رأسك حتى تعتدل جالسا قال وفي كلام الاصحاب ما يقتضي التردد فيها والمنقول هو الاول ويستحب عند الاعتدال رفع اليدين إلي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 حذ والمنكبين فإذا اعتدل قائما حطهما وقال أبو حنيفة لا يرفع لنا ما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة وإذا كبر للركوع وإذا رأسه من الركوع رفعهما كذلك وقال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد) ويستحب أن يقول عند الارتفاع سمع الله لمن حمده ويكون بتداؤة برفع الرأس من الركوع ورفع اليدين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 والتسميع دفعة واحدة فإذا استوى قائما قال ربنا لك الحمد وروينا في خبر ابن عمر (ولك الحمد) والروايتان معا صحيحتان ويستوى في الذكرين الامام والمأموم والمنفرد خلافا لمالك وأبى حنيفة حيث قالا لا يزيد الامام علي سمع الله لمن حمده ولا المأموم علي ربنا ولك الحمد وأما المنفرد فقد روى صاحب التهذيب عنهما أنه يجتمع بين الذكرين ثم روى مثل مذهبهما عن احمد والاشهر عن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 احمد انه يجمع الامام والمنفرد بينهما ولا يزيد المأموم علي ربنا لك الحمد ويستحب أن يزاد فيه ما روى عن عبد الله بن ابى اوفي قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الارض وملء ما شئت من شئ بعد) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يقول مع ذلك اهل اثناء والمجد حق ما قال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 العبد كلنا لك لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد والامام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 لا يأتي بهذه الزيادة الاخيرة ولنتكلم فيما يتعلق بلفظ الكتاب قوله ثم يعتدل عن ركوعه ويطمئن إشارة منه إلى واجب الاعتدال لذلك قال عقييه ويستحب رفع اليدين ليمتاز واجبه عن مسنونه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 واعلم أن واجب الاعتدال لا ينحصر في الامرين المذكورين بل له واجب ثالث وهو أن لا يقصد بالارتفاع شيئا إخر حتى لو رأى حية في ركوعه فاعتدل فزعا منها لم يعتد به وواجب رابع وهو أن لا يطوله فلو طول عمدا بذكر أو قراءة بطلت صلاته علي الاصح ة نه ركن قصير وسيأتي الكلام فيه من بعد في باب سجود السهو إن شاء الله تعالي وقوله ويستحب رفع اليدين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 إلي المنكبين يجوز أن يعلم لفظ إلى المنكبين بالوا أو ولان رفع اليدين في الاعتدال وفي الركوع مثل رفعهما في حالة التحريم وقد سبق ثم ذكر الخلاف في أنه يرفع إلى المنكبين أو يزيد فيعود ذلك الخلاف ههنا وقوله ويقول عند رفعه سمع الله لمن حمده يجوز أن يكون المعني عند رفعه رأسه من الركوع ويجوز أن يكون المعنى عند رفعه اليدين لان المستحب في الرفعين المقارنة فما يقارن هذا يقارن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 ذلك أيضا وظاهر الكلام يوهم ان يكون قوله سمع الله لمن حمده وقوله ربنا لك الحمد عند الرفع لكن المستحب أن يكون الاول في حال الرافع والثاني بعد أن يعتدل قائما كما بيناه ولك أن تعلم قوله عند الرفع بالوا وولان القاضى ابن كج ذكر أنه يبتدئ بقوله سمع الله لمن حمده وهو راكع ثم إذا ابتدأ به اخذ في الرأس واليدين وقوله يستوى فيه الامام والمنفرد معلم بالحاء والميم وعلي رواية صاحب التهذيب بالالف أيضا * قال (ويستحب (ح) القنوت في الصبح وان نزلت بالمسلمين نازلة ورأى الامام القنوت في سائر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 الصلوات فقولان ثم الجهر بالقنوت مشروع علي الظاهر والمأموم يؤمن فإذا لم يسمع صوته قنت علي أحد القولين) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 لما كان القنوت مشروعا في حال الاعتدال ذكره متصلا بالكلام في الاعتدال وإذا كاره (واعلم) أن القنوت يشرع في صلاتين أحدهما من النوافل وهي الوتر في النصف الاخرين من رمضان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 وسيأتى في باب النوافل والثانية من الفرائض وهى الصبح فيستحب القنوت فيها في الركعة الثانية خلافا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 لابي حنيفة حيث قال لا يستحب وعن احمد أن القنوت الائمة يدعون للجيوش فان ذهب إليه ذاهب فلا بأس لنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 ما روى النبي صلي الله عليه وسلم (قنت شهرايد عو علي فاتلى أصحابه ببئر معونة ثم تركه) فاما في الصبح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 فلم يقنت حتى فارق الدنيا وروى ذلك عن خلفائه الاربعة رضوان الله عليهم أجمعين ومحله بعد الرفع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 من الركوع خلافا لمالك حيث قال يقنت قبل الركوع لنا ما روى عن ابن عباس وأبى هريرة وأنس رضي الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 عنهم ان النبي صلى الله عليه وسلم (قنت بعد رفع رأسه من الركوع في الركعة الاخيرة) () والقنوت أن يقول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 (اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن تولني فيمن توليت وبارك لى فيما اعطيت وقنى شر ما قضيت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 425 انك تقضى ولا يقضى عليك لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعايت) هذا القدر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 يروى عن الحسن بن على رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله والامام لا يخص نفسه بل يذكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 بلفظ الجمع وزاد العلماء ولا يعز من عاديت (قبل تباركت ربنا وتعاليت وبعده) فلك لحمد علي ما قضيت استغفرك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 واتوب اليك ولم يستحسن القاضي ابو الطيب كلمة ولا يعز من عاديت وقال لا تضاف العداوة إلى الله تعالى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 قال سائر الاصحاب ليس ذلك ببعيد قال الله تعالى (فان الله عدو للكافرين) وهل يسن فيه الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم فيه وجهان (احدهما) لا لان أخبار القنوت لم ترد بها واظهر هما وبه قال الشيخ ابو محمد نعم لانه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 روى في حديث السحن انه قال صلى الله عليه وسلم تباركت ربنا وتعاليت عليه النبي وسلم وأيضا فقد قال الله تعالي (ورفعنا لك ذكرك) قال المفسرون أي لا أذكر الا وتذكر معي إذا عرفت ذلك فقوله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 ويستحب القنوت في الصبح ينبغى ان يعلم بالحاء والالف لما ذكرناه ويجوز ان يعلم بالواو ايضا لان ابا الفضل ابن عبدان حكي عن ابى علي بن ابى هريرة انه قال المستحب ترك القنوت في صلاة الصبح إذا صار شعار قوم من المبتدعة إذ الاشتغال به تعريض النفس للتهمة وهذا غريب وضعيف وهل تتعين كلمات القنوت فيه وجهان (احدهما) وهو الذى ذكره المصنف في الوسيط نعم كالتشهد وأظهرهما عند الاكثرين لا بخلاف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 التشهد لانه فرض اومن جنس الفرض وعلى هذا قالوا الوقت بما روى عن عمر رضي الله عنه كان حسنا وسنذكره في باب النوافل ان شاء الله تعالي واما ما عدا الصبح من الفرائض فقال معظم الاصحاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 ان نزلت بالمسلمين نازلة من وباء أو قحط فيقنت فيها ايضا في الاعتدال عن ركوع الركعة الاخيرة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بئر معونة على ما سبق وان لم نتزل نازلة ففيه قولان اصحهما الا يقنت لان النبي صلى الله عليه وسلم ترك القنوت فيها والثانى انه يتخير ان شاء قنت والا فلا وعن الشيخ ابي محمد انه قلب هذا التريب فقال ان لم تكن نازلة فلا قنوت الا في الصبح وان كانت نازلة فعلي قولين: وجه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 المنع القياس علي سائر اركان الصلاة وركعاتها لا يراد فيها الدعاء بنزول النوازل وهذه الطريقة الثانية هي التى اوردها في الكتاب فانه خص القولين بما إذا انزلت نازلة اشعار ابانها إذا لم تنزل فلا قنوت في غير الصبح بحال وينبغي ان يعلم قوله فقولان بالواو لان اصحاب الطريقة الاولي قالوا يقنت عند نزول النازلة ونفوا الخلاف فيه واما قوله ورأى الامام القنوت في سائر الصلوات فليس علي معني ان جواز القنوت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 فيها للناس موقوف على رأى الامام واذنه بل من أراد القنوت جاز له ذلك وكانه اراد القوم إذا صلوا جماعة فقال ان رأى قنت والقوم يتبعونه كما في الصبح وان اراد ترك ولا بد للمتقدين من الترك ايضا وفيه اشارة إلى انه لا يستحب القنوت في غير الصبح بحال وانما الكلام في الجواز فحيث يجوز فالامر فيه الي اختيار المصلى وهذا قضيه كلام اكثر الائمة ومنهم من يشعر ايراده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 بالاستحباب والله اعلم ثم الامام في صلاة الصبح هل يجهر بالقنوت فيه وجهان (احدهما) لا كالتشهد وسائر الدعوات المشروعة في الصلاة (واظهرهما) انه يجهر لانه روى الجهر به عن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله على الظاهر أي من هذين الوجهين وقوله مشروع أي بصفة الاستحباب وليس المراد مجرد الجواز ولفظ الكتاب وإن كان مطلقا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 فالوجهان في الامام أنما المنفرد فيسر به كسائر الاذكار والدعوات ذكره التهذيب وأما المأموم فالقول فيه مبنى علي الوجهين في الامام إن قلنا لا يجهر الامام به فيقنت المأموم كما يقنت الامام قياسا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 علي سائر الاذكار وإن قلنا يجهر الامام به فان كان المأموم يسمع صوته فوجهان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يؤمن ولا يقنت لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يقنت ونحن نؤمن خلفه) والثانى ذكره ابن الصباغ أنه يتخير بين أن يؤمن وبين أن قنت معه فعلي الاول فيماذا يؤمن فيه وجهان حكاما القاضي الرويانى وغيره أوفقهما لظاهر لفظ الكتاب أنه يؤمن في الكل وأظهرهما أنه يؤمن في القدر الذى هو دعاء أما في الثناء فيشاركه أو يسكت وإن كان لا يسمع صوت الامام لبعد وغيره وقلنا أنه لو سمع لا من فههنا وجهان أحدهما يقنت والثاني يؤمن كالوجهين في قراءة السورة إذا كان لا يسمع صوت الامام وإنما لم يجر الخلاف علي قولنا الامام يسر بالقنوت مع جريانه في قراءة السورة في الصلاة السرية على الجملة مجهور بها والقنوت إذا لم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 ير الجهر به ينزل منزلة سائر الاذكار فيشارك المأموم الامام فيه لا محالة فهذا حكم الجهر بالقنوت في الصبح وأما في سائر الصلوات إذا قنت فيها فايراده في الوسيط يشعر بانه يسر في السريات وفي الجهريات الخلاف المذكور في الصبح وإطلاق غيره يقتضى طرد الخلاف في الكل وحديث بئر معونة يدل علي أنه كان يجهر به في جميع الصلوات وهل يسن رفع اليدين في القنوت فيه وجهان أحدهما نعم لما روى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 445 عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا دعوت فادع بيطون كفيك فإذا فرغت فاسمح راحتيك علي وجهك) وقد روى الرفع في القنوت عن ابن مسعود بل عن عمر وعثمان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 446 رضي الله عنهم وهو اختيار أبى زيد والشيخ أبى محمد وابن الصباغ وهو الذى ذكره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 في الوسيط وأظهرهما عند صاحبي المهذب والتهذيب أنه لا يرفع لما روى عن أنس رضى الله عنه أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 النبي صلي الله عليه وسلم (لم يكن يفع اليد الا في ثلاثة مواطن الاستسقاء والاستنصار وعشية عرفة) وهذا اختيار القفال واليه ميل امام الحرمين فان قلنا لا يرفع فذاك وان قلنا يوضع فوجهان في أنه هل يمسح بهما وجهه قال في التهذيب اصحهما أنه لا يمسح * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 قال (الركن الخامس السجود وأقله وضع الجبهة علي الارض مكشوفة بقدر ما ينطلق عليه الاسم وفي وضع اليدين والركبتين والقديمن قولان فان أوجبنا وضع اليدين ففى كشفهما قولان وكشف الجبهة واجب وان سجد علي طرته (ح) أو كور عمامته (ح) أو طرف كمه المتحرك بحركته لم يجز (ح) والتنكس واجب في السجود وهو استعلاء الاسافل ولو تعذر التنكس بمرض وجب وضع وسادة ليضع الجبهة عليها في أظهر الوجهين) * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 الكلام في السجود في الاقل والاكمل (أما الاقل) فهذا الفصل يتكلف ببيانه وفيه مسائل (أحدها) فيما يجب وضعه علي مكان السجود ولابد من وضع الجبهة خلافا لابي حنيفة حيث قال الجبهة والانف يجزئ وضع كل واحد منهما عن الاخر ولا تتعين الجبهه * لنا ما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال (إذا سجدت فمكن جبهتك من الارض ولا تنقر نقرا) ولا يجب وضع جميع الجبهة علي الارض بل يكفى وضع ما يقع عليه الاسم منها وذكر القاضي ابن كج ان أبا الحسين بن القطان حكى وجها انه لا يكفى وضع البعض لظاهر خبر ابن عمر والمذهب الاول لما روى عن جابر رضي الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 عنه قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدبا علي جبهته علي قصاص الشعر) ولا يجزى وضع الجبين عن وضع الجبهة وهما جانبا الجبهة وهل يجب وضع اليدين والركبتين والقدمين على مكان السجود فيه قولان (احدهما) وبه قال احمد يجب وهو اختيار الشيخ ابي على لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (أمرت أن اسجد على سبعة اعظم على الجبهة واليدين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 والركبتين وأطراف القدمين) ويروى علي سبعة آراب * وأظهرهما لا يجب وبه قال أبو حنيفة ويروى عن مالك أيضا لانه لو وجب وضعها لوجب الايماء بها عند العجز ونقريبها من الارض كالجبهة فان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 قلنا يجب فيكفى وضع جزء من كل واحد منها والاعتبار في اليدين بباطن الكف وفي الرجلين ببطون الاصابع وإن قلنا لا يجب فيعتمد علي ما شاء منها ويرفع ما شاء ولا يمكنه أن يسجد مع رفع الجميع هذا هو الغالب أو المقطوع به ولا يجب وضع الانف على الارض في السجود خلافا لاحمد في إحدى الروايتين حيث قال يجب وضعه مع الجبهة لنا ما سبق من حديث جابر رضى الله عنه ومعلوم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 أن من سجد باعلي الجبهة لا يكون أنفه علي الارض (الثانية) يجب كشف الجبهة في السجود لما روى عن خباب قال (شكونا الي رسول الله صلي الله عليه وسلم حر الرمضاء في جباهنا واكفنا فلم يشكنا أي لم يزل شكوانا -) ولا يجب كشف الجميع بل يكفى ما يقع عليه الاسم كما في الوضع ويجب أن يكون المكشوف من الموضوع على الارض فلو كشف شيئا ووضع غيره لم يجزو انما يحصل الكشف إذا لم يكن بينه وبين موضع السجود حائل متصل به يرتفع بارتفاعه فلو سجد علي طرته أو كور عمامته لم يجز لانه لم يباشر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 بجبهته موضع السجود وقال ابو حنيفة يجوز السجود على كور العمامة علي الناصية والكم وعلي اليد ايضا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 إذا لم تكن مرفوعة عن الارض بحيث لا يبقى اسم السجود وعن احمد روايتان كالمذهبين واختلف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 نقل اصحابنا عن مالك * لنا حديث خباب وايضا فقد روى انه صلى الله عليه وسلم قال (الزق جبهتك بالارض) ولو سجد علي طرف كمه أو ذيله نظران كان يتحرك بحركته قياما وقعودا لم يجز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 462 ككور العمامة وان طال وكان لا يتحرك بحركته فلا بأس لانه في حكم المنفصل عنه فاشبه ما لو سجد على ذيل غيره وإذا اوجبنا وضع الركبتين والقدمين فلا نوجب كشفهما اما الركبتان فلانهما من العورة أو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 متصلان بالعورة فلا يليق بتعظيم الصلاة كشفهما واما القدمان فلانه قد يكون ماسحا علي الخف وفى كشفهما ابطال طهارة المسح وتفويت تلك الرخصة واما اليدان إذا أوجبنا وضعهما ففى كشفهما قولان احدهما يجب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 لحديث خباب واصحهما لا يجب لان المقصود من السجود اظهار هيئة الخضوع وغاية التواضع وقد حصل ذلك بكشف الجبهة وأيضا فلانه قد يشق ذلك عند شدة الحر والبرد بخلاف الجبهة فانها بارزة بكل حال فان أوجبنا الكشف كفى كشف البعض من كل واحدة منهما كما ذكرنا في الجبهة (الثالثة) إذا هو من الاعتدال ووضع الجبهة وسائر أعظائه علي الارض فلوضع أعالي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 465 اعضائه مع الاسافل ثلاث هيئات (إحداها) أن تكون الاعالي أعلى كما لو وضع راسه علي شئ مرتفع وكان راسه أعلي من حقوه فلا يجزئه ذلك لان اسم السجود لا يقع علي هذه الهيئة فصار كما لو أكب ومدر جليه (والثانية) أن تكون الاسافل أعلي فهذه هيئة التنكس وهى المطلوبة ومهما كان المكان مستويا فيكون الحقو أعلي لا محالة وان كان موضع الراس مرتفعا قليلا فقد ترتفع أسافله وتحصل هذه الهيئة ايضا (والثالثة) ان يتساوي الاعالي والاسافل لارتفاع موضع الجبهة وعدم رفعه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 الاسافل ففيها تردد للشيخ ابى محمد وغيره والاظهر أنه اغير مجزية أيضا وهذا هو المذكور في الكتاب وكذلك أورد صاحب التهذيب حيث قال وحد السجود ان تكون أسافل بدنه أعلى من اعاليه فلو تعذرت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 هذه الهيئة لمرض أو غيره فهل يجب وضع وسادة ونحوها ليضع الجبهة عليها ام يكفى انهاء الرأس إلى الحد الممكن من غير وضع الجبهة على شئ فيه وجهان حكاهما في النهاية (اظهرهما) عند صاحب الكتاب انه يجب وضع شئ ليضع الجبهة عليه لان الساجد يلزمه هيئة التنكس ووضع الجبهة فإذا تعذر احد الامرين يأتي بالثاني محافظة على الواجب بقدر الامكان (والثانى) انه لا يجب ذلك لان هيئة السجود فاتتة وان وضع الجبهة علي شئ فيكفيه الانحناء بالقدر الممكن وهذا اشبه بكلام الاكثرين ولا خلاف أنه لو عجز عن وضع الجبهة على الارض وقدر على وضعها علي سادة مع رعاية هيئة التنكس يلزمه ذلك ولو عجز عن الانحناء أشار بالرأس ثم بالطرف كما تقدم نظيره هذا شرح مسائل الكتاب: واما ما يتعلق بالفاظه (فقوله) واقله وضع الجبهة يجوز أن يعلم بالحاء لان عنده الجبهة غير متعينة كما سبق (وقوله) مكشوفة كذلك لان عنده يجوز أن يسجد على كور العمامة وقوله بقدر ما ينطلق عليه الاسم يجوز ان يرجع إلي القدر الموضوع منها ويجوز أن يرجع إلى المكشوف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 468 وعلى التقديرين فليعلم بالواو اشارة إلى الوجه الذى حكاه ابن القطان (وقوله) فان اوجبنا وضع اليدين ففى كشفهما قولان بعد ذلك القولين فيهما وفي الركبتين والقدمين جميعا ففيه تنبيه علي ان كشف الركبتين والقدمين لا يجب لا خلاف (وقوله) وكشف الجبهة واجب لا حاجة إليه بعد قوله اولا مكشوفة واعلم انه يعتبر في اقل السجود وراء ما ذكره امور (احدها) الطمأنينة كما في الركوع خلافا لابي حنيفة وكانه ترك ذكرها ههنا اكتفاء بما سبق (والثانى) لا يكفى في وضع الجبهة الامساس بل يحب ان يتحامل علي موضع سجوده بثقل راسه وعنقه حتى تستقر جبهته وتثبت قال صلى الله عليه وسلم (مكن جبهتك من الارض) فلو كان يسجد علي قطن أو حشيش أو علي شئ محشو بهما فعن الشيخ ابى محمد انه ينبغي ان يتحامل قدر ما يظهر اثره علي يده لو فرضت تحته وقال في التهذيب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 469 ينبغى ان يتحامل عليه حتى ينكنس وتثبت جبهته عليه فان لم يفعل لم يجزه والكلامان متقاربان وقال امام الحرمين بل يكفى عندي ان يرخي رأسه ولا يقله ولا حاجة إلى التحامل كيفما فرض موضع السجود لان الغرض ابداء هيئة التواضع وذلك لا يحصل بمجرد الامساس فانه مادام يقل رأسه كان كالضنين بوضعه فإذا ارخي حصل الغرض بل هو اقرب إلى هيئة التواضع من تكلف التحامل واليه الاشارة بقول عائشة رضى الله عنها (رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم في سجوده كالخرقة البالية) وهذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 470 ما أورده المصنف في الوسيط (الثالث) ينبغي ان لا يقصد بهويه غير السجود فلو سقط علي الارض من الاعتدال قبل قصد الهوى للسجود لم يحسب بل يعود الي الاعتدال ويسجد منه ولو هوى ليسجد فسقط على الارض بجبهته نظران وضع جبهته علي الارض بنية الاعتماد لم يحسب عن السجود وان لم تحدث هذه النية يحسب ولو هوى ليسجد فسقط علي جنبه فانقلب واتى بصورة السجود على قصد الاستقامة والاشتداد لم يعتد به وان قصد السجود اعتد به والله اعلم * قال (اما اكمل السجود فليكن اول ما يقع منه على الارض ركبتاه (ح م) وليكبر عند الهوى ولا يرفع اليد ويقول سبحان ربى الاعلي ثلاث مرات ويضع الانف مع الجبهة مكشوفا ويفرق بين ركبتيه ويجافى مرفقيه وجنبيه ويقل بطنه عن فحذيه وهو التخويه والمراة لا تخوى ويضع يديه بازاء منكبيه منشورة الاصابع ومضمومتها) * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 السنة أن تكون أول ما يقع من الساجد علي الارض ركبتاه ثم يداه ثم أنفه وجبهته خلافا لمالك حيث قال يضع يديه قبل ركبتيه وربما خير فيه * لنا ما روى وائل بن حجر رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه) ويبتدئ التكبير مع ابتداء الهوى وهل يمد أو يحذف فيه ما سبق من القولين ولا يرفع اليد مع التكبير ههنا لما روى عن ابن عمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 472 رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان لا يرفع يديه في السجود) ويقول في سجوده سبحان ربي الاعلي ثلاثا لما روينا من الخبر في فصل الركوع وذلك أدناه والافضل أن يضيف إليه ما روى عن علي رضى الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم (أنه كان يقول في سجوده اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذى خلقه وصوره وشق سمعه وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين) وهذا أتم الكمال وما ذكرناه في فصل الركوع ان المستحب لذمام ماذا وللمنفرد ماذا يعود كله ههنا ويستحب للمنفرد أن يجتهد في الدعاء في سجوده ويضع الساجد الانف مع الجبهة مكشوفا لما روى عن أبى حميد قال (كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا سجد مكن أنفه وجبهته من الارض ونجى يديه عن جنبيه ووضع كيفيه حذو منكبيه ويجوز أن يعلم قوله ويضع الانف بالالف لانه معدود من السنن وقد بينا ان احدى الروايتين عن احمد ان الجمع بين وضع الانف والجبهة واجب ويستحب له أن يفرق بين ركبتيه وبين مرفقيه وجنبيه وبين بطنه وفخذيه: أما التفريق بين الركبتين فمنقول عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الاخبار وأما بين المرفقين والجنبين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 فقد رواه أبو حميد كما سبق وأما بين البطن والفخذين فقد روى عن البراء رضى الله عنه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وهذه الجملة يعبر عنها بالتخوية وهو ترك الخرواء بين الاعضاء روى انه صلى الله عليه وسلم (كان إذا سجد خوي في سجود) والمرأة لا تفعل ذلك بل تضم بعضها إلى بعض فانه أتسر لها ويضع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 يديه بازاء منكبيه لما سبق من حديث ابى حميد ولتكن الاصابع منشورة ومضمومة مستطيلة في جهة القبلة لما روى عن وائل بن حجر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا سجد ضم اصابعه) وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان إذا سجد وضع أصابعه تجاه القبلة) قال الائمة وسنة أصابع اليدين إذا كانت منشورة في جميع الصلاة التفريج المقتصد الا في حالة السجود وينبغى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 475 ان لا يفرش ذراعيه بل يرفعهما وأما أصابع القدمين فيوجهها الي قدميه وتوجيهها الي القبلة انما يحصل بالتحامل عليها والاعتماد علي بطونها وقال في النهاية الذى صححه الائمة انه يضع أطراف الاصابع علي الارض من غير تحامل والاول أظهر والله أعلم * قال (ثم يجلس مفترشا (ح) بين السجدتين حتي يمئن ويضع يديه قريبا من ركبتيه منشورة الاصابع ويقول اللهم اغفر لى واجبرني وعافني وازرقني واهدنى) * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 يجب أن يعتدل جالسا بين السجدتين خلافا لابي حنيفة ومالك حيث قالا لا يجب بل يكفى ان يصير الي الجلوس اقرب وربما قال اصحاب ابي حنيفة يكفى أن يرفع رأسه قدر ما يمر السيف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 477 * عرضا بين جبهته وبين الارض * لنا قوله صلي الله عليه وسلم في خبر المسئ صلاته (ثم اسجد حتي تطمئن ساجدا ثم ارفع راسك حتي تعتدل جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا) ويجب فيه الطمأنينة لانه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 478 قد روى في بعض الروايات (ثم ارفع حتي تطمئن جالسا) وينبغى ان لا يقصد بالارتفاع شيئا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 479 آخر وان لا يطول الجلوس كما ذكرنا في الاعتدال عن الركوع والسنة أن يرفع رأسه مكبرا لما تقدم من الخبر وكيف يجلس المشهور وهو الذي ذكره في الكتاب انه يجلس مفترشا لما روى عن ابى حميد الساعدي رضى الله عنه في وصفه صلاة النبي صلي الله عليه وسلم (فلما رفع رأسه من السجدة الاولى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 480 ثنى رجله اليسرى وقعد عليها وحكى قول آخر أنه يضجع قدميه ويجلس يروى ذلك عن ابن عباس رضى الله عنهما فليعلم قوله مفترشا بالقاف لذلك وبالميم أيضا لان أصحابنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 481 حكوا عن مالك أنه أمر بالتورك في جميع جلسات الصلاة ويضع يديه علي فخذيه قريبا من ركبتيه منشورة الاصابع قال في النهاية ولو انعطف أطرافها على الركبة فلا بأس ولو تركها علي الارض من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 جانبي فخذ به كان كارسالها في القيام ويقول في جلوسه اللهم اغفر لى واجبرني وعافنى وارقني واهدنى وقال ابو حنيفة لا يسن فيه ذكر: لنا ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول ذلك ويروي وارحمني بدل واجبرني * قال (ثم يسجد سجدة أخرى مثلها ثم يجلس جلسة خفيفة للاستراحة ثم يقوم مكبرا واضعا يديه علي الارض كما يضع العاجن) * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 مضمون الفصل مسألتان (أحداهما) أنه يسجد السجدة الثانية مثل السجدة الاولى في واجباتها ومندوباتها بلا فرق (الثانية) إذا رفع رأسه من السجدة الثانيه في ركعة لا يعقبها تشهد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 فما الذى يفعل نص في المختصر أنه يستوى قاعدا ثم ينهض وفي الام أنه يقوم من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 485 السجدة وللاصحاب فيه طريقان (أحدهما) أن فيها قولين (أحدهما) انه يقوم من السجدة الثانية ولا يجلس وبه قال ابو حنيفة ومالك واحمد لما روى عن وائل أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا رفع راسه من السجدتين استوى قائما) (وأصحهما) وهو المذكور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 في الكتاب انه يجلس جلسة خفيفة ثم يقوم وتسمي هذه الجلسة جلسة الاستراحة ووجهه ما روى عن مالك بن الحويرث انه رأى النبي صلي الله عليه وسلم (يصلي فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 487 حتى يستوى) قاعدا ووصف أبو حميد الساعدي في عشرة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين صلاة النبي صلي الله عليه وسلم (فذكر هذه الجلسة) (والطريق الثاني) قال ابو اسحق المسألة علي حالتين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 إن كان بالمصلي ضعف لكبر وغيره جلس للاستراحة والا فلا (فان قلنا) لا يجلس المصلي للاستراحة فيبتدئ التكبير مع ابتداء الرفع وينهيه مع استوائه قائما ويعود قول الحذف كما تقدم (وان قلنا) يجلس فمتى يبتدئ التكبير فيه وجهان (أحدهما) أنه يرفع راسه غير مكبر ويبتدئ التكبير جالسا ويمده الي ان يقوم لان الجلسة للفصل بين الركنين فإذا قام منها وجب أن يقوم بتكبير كما إذا قام إلي الركعة الثالثة ويحكى هذ عن اختيار القفال (واصحهما) أنه يرفع رأسه مكبرا لما روى انه صلى الله عليه وسلم (كان يكبر في كل خفض ورفع) فعلى هذا فمتى يقطع فيه وجهان (أحدهما) أنه يمده الي أن يقوم ويخفف الجلسة حتى لا يخلو شئ من صلاته عن الذكر وهذان الوجهان الاخيران كأنهما المفرعان علي أن التكبير يمد ولا يحذف وإذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 489 لم يميز الابتداء عن الانتهاء حصل في وقت التكبير ثلاثة أوجه وصاحب الكتاب أورد منها في الوسيط (الاول) الذى اختاره القفال والثانى الذى قال به ابو اسحق ولم يورد الثالث الذى هو الاظهر عند جمهور الاصحاب وكذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 490 فعل إمام الحرمين والصيدلاني وقوله ههنا ثم يقوم مكبرا بعد قوله ثم يجلس لاختيار القفال وهو أبعد الوجوه عند الاكثرين ويجب أن يعلم قوله مكبرا بالواو اشارة الي الوجه الثاني وهو أنه يقوم عن الجلسة غير مكبر والي الوجه الثالث ايضا فانه عند القائلين به لا يقوم مكبرا إنما يقوم متمما للتكبير ولا خلاف في أنه لا يكبر تكبيرتين والسنة في هيئة جلسة الاستراحة الافتراش كذلك رواه أبو حميد ثم سواء قام من جلسة الاستراحة أو من السجدة فانه يقوم معتمدا علي الارض بيديه فلافا لابي حنيفة حيث قال يقوم معتمدا على صدور قدميه ولا يعتمد بيديه علي الارض: لنا ما روى عن مالك بن الحويرث رضى الله عنه في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلما رفع راسه من السجدة الاخيرة في الركعة الاولى واستوى قاعدا قام واعتمد علي الارض بيديه) وعن اين عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان إذا قام في صلاته وضع يديه علي الارض كما يضع العاجن قال صاحب المجمل العاجن هو الذى إذا نهض اعتمد على يديه كبرا كأنه يعجن أي الخمير ويجور أن يكون معنى الخبر كما يضع عاجن الخمير وهما متقاربان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 قال (الركن السادس التشهد) الاول سنة والقعود فيه علي هيئة الافتراش (م) لانه مستوفز للحركة والمسبوق يفترش في التشهد الاخير لاستيفازه ومن عليه سجود السهو هل يفترش فيه خلاف والافتراش أن يضجع الرجل اليسرى ويجلس عليها وينصب القدم اليمنى ويضع اطراف الاصابع علي الارض والتورك سنة في التشهد الاخير (ح) وهو أن يضع رجليه كذلك ثم يخرجهما من جهة يمينه ويمكن وركه من الارض) * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 492 أدرج في هذا الركن اركانا ثلاثة (القعود) (والتشهد) (والصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم) ولو فصل العقود والتشهد والصلاد علي النبي صلي الله عليه وسلم عنهما لجاز كما فصل القيام عن القراءة فان القيام للقراءة كالقعود لهما وهكذا فعل في ترجمة الاركان وعدها ثلاثة: وففه الفصل أن التشهد والقعود ينقسمان إلى واقعين في آخر الصلاة كتشهد الصبح وتشهد الركعة الرابعة من الظهر والي واقعين لا في آخر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 493 الصلاة كالتشهد بعد الثانية من الظهر (فالاول) من القسمين مفروض مسنون ثم لا يتعين للعقود هيئة متعينة فيما يرجع إلى الاجزاء بل يجزئه القعود علي أي وجه كان لكن السنة في العقود في آخر الصلاة التورك وفي العقود الذى لا يقع في إخرها الافتراش وقال احمد إن كانت الصلاة ذات تشهدين تورك في الاخر وان كانت ذات تشهد واحد افترش فيه والافتراش أن يضجع الرجل اليسرى بحيث يلي ظهرها الارض ويجلس عليها وينصب اليمنى ويضع أطراف اصابعها علي الارض موجهة إلى القبلة والتورك أن يخرج رجليه وهما علي هيئتهما في الافتراش من جهة يمينه ويمكن الورك من الارض وقال ابو حنيفة السنة في العقودين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 494 الافتراش وقال مالك السنة فيهما التورك: لنا ما روي عن أبى حميد الساعدي انه وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (فإذا جلس في الركعتين جلس علي رجله اليسرى ونصب اليمني فإذا جلس في الركعة الاخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الاخرى وقعد علي مقعدته) والفرق من جهة المعنى ان المصلي في التشهد الاول مستوفز للحركة يبادر إلى القيام عند تمامه وذلك عن هيئة الافتراش أهون وأما الجلسة الاخيرة فليس بعدها عمل فيناسبها التورك الذى هو هيئة السكون والاستقرار ويترتب على هذه القاعدة مسألتان (احداهما) المسبوق إذا جلس مع الامام في تشهده الاخير يفترش ولا يتورك نص عليه لانه مستوفز يحتاج الي القيام عند سلام الامام ولانه ليس آخر صلاته والتورك انما ورد في آخر الصلاة وحكى الشيخ ابو محمد وجها عن بعض الاصحاب انه يتورك متابعة لامامه وذكر ابو الفرج البزار ان ابا طاهر الزيادي حكي في المسألة - هذين الوجهين ووجها ثالثا (انه) ان كان محل تشهد المسبوق كأن ادرك ركعتين من صلاة الامام جلس منتصبا والا جلس متوركا لان أصل الجلوس لمحض المتابعة فيتابعه في هيئته أيضا والاكثرون علي الوجه الاول (الثانية) إذ قعد في التشهد الاخير وعليه سجود سهو فهل يفترش ام يتورك فيه وجهان (احدهما) يتورك لانه قعود آخر الصلاة وقال الرويانى في التلخيص وهو ظاهر المذهب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 495 (والثاني) انه يفترش ذكره القفال وساعده الاكثرون لانه يحتاج بعد هذا القعود إلي عمل وهو السجود فاشبه التشهد الاول بل السجود عن هيئة التورك أعسر من القيام عنها فكان اولي بان لا يتورك وايضا فلانه جلوس يعقبه سجود فاشبه الجلوس بين السجدتين وينبغي ان يعلم قوله والتشهد الاول مسنون بالالف لان احمد يقول بوجوبه: لنا أنه صلي الله عليه وسلم (قام من اثنين من الظهر أو العصر ولم يجلس فسبح الناس به فلم يعد فلما كان آخر صلاته سجد سجدتين ثم سلم) ولو كان واجبا لعاد إليه ولما جبره السجود ولا تخفي سائر المواضع المستحقة للعلامات (وقوله) ويضع اطراف الاصابع علي الارض كذلك أي منتصبة (وقوله) في التورك ان يضجع رجليه كذلك أي عمل هيئتهما في الافتراش فاليمني منصوبة مرفوعة العقب واليسرى مضجعة * قال (ثم اليد اليسرى علي طرف الركعة منشورة مع التفريج المقتصد واليد اليمنى يضعها كذلك لكن يقبض الخنصر والبنصر والوسطى ويرسل المسبحة وفي الابهام أوجه (قيل) يرسلها (وقيل) يحلق الابهام والوسطى (وقيل) يضمها إلي الوسطى المقبوضة كالقابض ثلاثا وعشرين ثم يرفع مسبحته في الشهادة عند قوله الا الله وفي تحريكها عند الرفع خلاف) * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 496 السنة في التشهدين جميعا ان يضع يده اليسرى علي فخذه اليسرى لما روى أنه صلي الله عليه وسلم (كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى) وينبغي ان ينشر أصابعه ويجعلها قريبة من طرف الركبة بحيث تسامت رؤسها الركبة وهل يفرج بين أصابع اليسرى أو يضمها الذى ذكره في الكتاب أنه يفرج تفريجا مقتصدا وهذا هو الاشهر الا تراهم قالوا لا يؤمر بضم الاصابح مع نشرها إلا في السجود علي ما قدمناه وحكى الكرخي وغيره من أصحاب الشيخ ابى حامد أنه يضم بعضها إلى بعض حتي الابهام ليتوجه جميعها إلي القبلة وهكذا ذكر القاضي الرويانى فليكن قوله مع التفريج معلما بالواو وأما كونه مقتصدا فليس من خاصية هذا الموضع بل لا يؤمر بالتفريج المتفاحش في موضع ما اما اليد اليمنى فيضعها على طرف الركبة اليمنى كما ذكرنا في اليسرى وهو المراد من قوله فيضعها كذلك ولكن لا ينشر جميع أصابعه بل يقبض الخنصر والبنصر ويرسل المسبحة وفيما يفعل بالابهام والوسطي ثلاثة اقاويل أحدها انه يقبض الوسطى مع البنصر ويرسل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 497 الابهام مع المسبحة لما روى انه ابا حميد الساعدي وصف رسول الله صلي الله عليه وسلم فذكر انه كان يفعل هكذا) والثانى أنه يحلق بين الابهام والوسطي لما روى عن وائل بن حجر ان النبي صلي الله عليه وسلم فعل هكذا) وفي كيفية التحليق وجهان (احدهما) أنه يضع أنملة الوسطي بين عقدتي الابهام (وأصحهما) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 498 انه يحلق بينهما برأسيهما والقول (الثالث) وهو الاصح انه يقضبها لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى علي فخذه اليمني وقبض أصابعه كلها وأشار بالاصبع التي تلى الابهام) وفي كيفية وضع الابهام على هذا القول وجهان (أحدهما) أنه يضعها علي أصبعه الوسطى كانه عاقد ثلاثة وعشرين لما روي عن ابن الزبير رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان يضع ابهامه عند الوسطي) وأظهرهما انه يضعها بجنب المسبحة كانه عاقد ثلاثة وخمسين لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليمني علي ركبته اليمنى وعقد ثلاثة وخمسين واشار بالسبابة) ثم قال ابن الصباغ وغيره كيفما فعل من هذه الهيئات فقد أتى بالسنة لان الاخبار قد وردت بها جميعا وكأنه صلي الله عليه وسلم كان يضع مرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 499 هكذا ومرة هكذا وعلى الاقوال كلها فيستحب له أن يرفع مسبحته في كلمة الشهادة إذا بلغ همزة الا الله خلافا لابي حنيفة حيث قال لا يرفعها * لنا ما سبق انه كان يشير بالسبابة وهل يحركها عند الرفع فيه وجهان (أحدهما) نعم لما روى عن وائل رضي الله عنه قال (ثم رفع رسول الله صلي الله عليه وسلم أصبعه فرأيته يحركها) (وأصحهما) لا لما روى عن ابن الزبير رضي الله عنه (أن النبي صلي الله عليه وسلم كان ى يشير بالسبابة ولا يحركها ولا يجاوز بصره اشارته) (وقوله) في الكتاب ويقبض الخنصر والبنصر والوسطى ان أراد بالقبض ههنا القدر الذى يشارك فيه الوسطى الخنصر والبنصر وهو ترك البسط والارسال فهذا لا خلاف فيه وان أراد أنه يصنع بالوسطي ما يصنع بالخنصر والبنصر فهذا تنازع فيه قول التحليق فاعرفه واما التعبير عن الخلاف المذكور بالاوجه فانما اقتدى فيه بامام الحرمين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 500 وعامة الاصحاب حكوه أقوالا منصوصة للشافعي رضى الله عنه معزية إلى كتبه (وقوله) يرسلها هو القول الاول والتحليق (الثاني) والذى ذكره آخر أحد الوجهين على القول الثالث (وقوله) ثم يرفع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 501 معلم بالحاء (وقوله) عند قوله الا الله يجوز ان يعلم بالواو لان الكرخي حكى وجهين في كيفية الاشارة بالمسبحة (اصحهما) انه يشير بها وقت التشهد وهو الذى ذكره الجمهور (والثاني) أنه يشير بها في جميع التشهد * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 502 قال (أما التشهد الاخير فواجب (ح م) والصلاة علي الرسول عليه السلام واجبة معه (ح م) وعلي الال قولان وهل تسن الصلاة على الرسول في الاول قولان) * القعود للتشهد الاخير والتشهد فيه واجبان خلافا لابي حنيفة حيث قال القعود بقدر التشهد واجب ولا يجب قراءة التشهد فيه ولمالك حيث قال لا يجب لا هذا ولا ذاك. لنا أن ابن مسعود رضى الله عنه قال (كانا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على الله قبل عباده السلام علي جبريل) الي آخره دل علي انه قد فرض ثم التشهد الاخير انما يكون لصلاة لها تشهد أول وقد تكون الصلاة بحيث لا يشرع فيها الا تشهد واحد كالصبح والجمعة فحكمه حكم التشهد الاخير في ذات التشهدين والعبارة الجامعة أن يقال: التشهد الذى يعقبه التحلل عن الصلاة واجب وتجب الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم في التشهد الواجب خلافا لابي حنيفة ومالك * لنا ما روى عن عائشة رضى الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم قال (لا يقبل الله صلاة الا بطهور والصلاة على) وهل تجب الصلاة علي الال فيه قولان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 503 وبعضهم يقول وجهان (أحدهما) تجب لظاهر ما روى انه قيل يا رسول كيف نصلي عليك فقال (قولوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 504 (اللهم صلي علي محمد وعلي آل محمد (واصحهما) لا وانما هي سنة تابعة للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهل يسن الصلاة علي الرسول في التشهد الاول فيه قولان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة واحمد لا لانها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 505 مبنية علي التخفيف روى أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان في التشهد الاول كمن يجلس علي الرضف) وهي الحجارة المحماة وذلك يشعر بانه ما كان يطول بالصلاة الدعاء (وأصحهما) ويروي عن مالك أنها تسن لانها ذكر يجب في الجلسة الاخيرة فيسن في الاولي كالتشهد وأما الصلاة فيه علي الآل فتبنى علي ايجابها في التشهد الاخير ان أوجبناها ففى استحبابها في الاول الخلاف المذكور في الصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم وان لم نوجبهها وهو الاصح فلا نستحبها في الاول وإذا قلنا لا تسن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 506 الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم في الاول فصلي عليه كان ناقلا للركن الي غير موضعه وفي بطلان الصلاة به كلام يأتي في باب سجود السهو وكذا إذا قلنا لا يصلي علي النبي صلي عليه وسلم في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 507 القنوت وهكذا الحكم إذا أوجبنا الصلاة على الآل في الاخير ولم نستحبها في الاول فاتي بها وآل النبي صلي الله عليه وسلم بنو هاشم وبنو المطلب نص عليه الشافعي رضى الله عنه وفيه وجه أن كل مسلم آله * قال (ثم أكمل التشهد مشهور وأقله التحيات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وهو القدر المتكرر في جميع الروايات واوجز ابن سريج بالمعنى وقال التحيات لله سلام عليك أيها النبي سلام علينا وعلي عباد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 508 الله الصالحين أشهد ان لا إله الا الله وان محمدا رسوله) * الكلام في أكل التشهد ثم في اقلة: أما أكمله فاختار الشافعي رصي الله عنه ما رواه ابن عباس رصي الله عنهما وهو التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 509 وبركاته سلام علينا وعلي عباد الله الصالحين اشهد ان لا إله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله هكذا روى الشافعي رضى الله عنه وروى غيره السلام عليك السلام علينا باثبات الالف واللام وهما صحيحان ولا فرق وحكى في النهاية عن بعضهم أن الاصل اثبات الالف واللام وقال ابو حنيفة واحمد الافضل ما رواه ابن مسعود رضى الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم وهو (التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا عبده ورسوله) وقال مالك الافضل ان يتشهد بما علمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس علي المنبر وهو (التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 510 لله الصلوات لله السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته إلى آخره) كما رواه ابن مسعود رضى الله عنه ووجه اختيار الشافعي رضي الله عنه يستوى في الخلاف عن أن الامر فيه قريب فان الفضيلة تتأدى بجميع ذلك ثم جمهور الاصحاب علي أنه لا يقدم التسمية لما روي انه صلي الله عليه وسلم كان اول ما يتكلم به عند القعدة التحيات لله وعن أبى علي الطبري وغيره من اصحابنا أن الافضل أن يقول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 511 بسم الله وبالله التحيات ويروى بسم الله خير الاسماء نقل عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن بعض أصحابنا أن الافضل أن يقول التحيات المباركات الزاكيات والصلوات والطيبات لله ليكون آتيا بما اشتملت عليه الروايات كلها: واما الاقل فالمنقول عن نص الشافعي رضي الله عنه أن أقل التشهد التحيات لله سلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلي عباد الله الصالحين اشهد أن لا اله الا الله وان محمدا رسول الله هكذا روى اصحابنا العراقيون وتابعهم القاضى الروياني وكذا صاحب التهذيب الا انه نقل واشهد ان محمدا رسوله واسقط الصيدلاني في نقل نصه كلمة وبركاته وجعل صيغة الشهادة الثانية واشهد ان محمدا رسول الله وهذا هو الذى أورده في الكتاب وحكاية القاضى بن كج فإذا حصل الخلاف في المنقول عن الشافعي رضى الله عنه في ثلاثة مواضع (أحدها) في كلمة وبركاته (والثاني) في كلمة وأشهد في الكرة الثانية (والثالث) في لفظ الله في الشهادة الثانية فمنهم من اكتفى بقوله رسوله ثم نقلوا عن ابن سريج في الاقل طريقة أخرى وهى التحيات لله سلام عليك أيها النبي سلام علي عباد الله الصالحين اشهد ان لا اله إلا الله وأن محمدا رسوله هذا ما ذكره في الكتاب ورواه طائفة وأسقط بعضهم لفظ السلام الثاني واكتفى بان يقول أيها النبي وعلي عباد الله الصالحين وأسقط بعضهم لفظ الصالحين ويحكى هذا عن الحليمي ووجه ذلك بان لفظ العباد مع الاضافة ينصرف غالبا إلي الصالحين كقوله تعالي (عينا يشرب بها عباد الله) ونظائره فاستغنى بالاضافة عنه ثم قال الائمة كأن الشافعي رضى الله عنه اعتبر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 512 في حد الاقل ما رآه مكررا في جميع الروايات ولم يكن تابعا لغيره به الروايات أو كان تابعا لغيره جوز حذفه وابن سريح نظره إلي المعنى وجوز حذف ما يتغير به المعنى واكتفى بذكر السلام عن الرحمة والبركة وقال وابن بدخولها فيه: وقوله في الكتاب وهو القدر المتكرر في جميع الروايات وأوجر ابن سريج بالمعني الشارة إلي هذا الكلام لكن لم بتعرض إلا للتكرر في جميع الروايات ولابد من التعرض للوصف الاخير وهو أن لا يكون تابعا للغير وإلا فالصلوات والطيبات متكررة جميع الروايات وقد جوز حذفها * واعلم أن ما ذكره الاصحاب من اعتبار التكرر وعدم التبعية أن جعلوه ضابطا لحد الاقل فذلك وان عللوا حد الاقل به ففيه إشكال لان التكرر في الروايات يشعر بانه لابد من القدر المتكرر فاما انه مجزى فلا ومن الجائر أن يكون المجرى هذا القدر مع ما تفردت به كل رواية: ولك أن قوله في طريقة الشافعي رضى الله عنه وأشهد في الكرة الثانية بالواو وكذا كلمة السلام الثاني والصالحين في طريقة ابن سريج اشارة إلى ما سبق من الخلاف * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 513 قال (ويقول بعد اللهم صلى علي محمد علي آل محمد ثم ما بعده مسنون إلي قوله حميد مجيد ثم الدعاء بعده مسنون وليخير كل من الدعاء أعجبه إليه) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 514 أقل الصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم أن يقول اللهم صل على محمد ولو قال صلي الله علي محمد أو صلي الله علي رسوله جاز وفي وجه يجوز أن يقتصر علي قوله صلي الله عليه وسلم والكناية ترجع الي ذكر محمد صلي الله عليه وسلم في كلمة الشهادة وهذا نظر الي المعنى: وأقل الصلاة على الال أن يقول وآله ولفظ الكتاب يشعر بأنه يجب أن يقول وعلي آل محمد لانه ذكر ذلك ثم حكم بان ما بعده مسنون والاول هو الذى ذكره صاحب التهذيب وغيره والاولى أن يقول اللهم صل علي محمد وعلي آل محمد كما صليت علي ابراهيم وعلي آل ابراهيم وبارك علي محمد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 515 وعلي آل محمد كما باركت علي ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد. روى كعب بن عجرة أن النبي صلي الله عليه وسلم سئل عن كيفية الصلاة عليه فامرهم بذلك قال الصيدلانى ومن الناس من يزيد وارحم محمدا: وآل محمد كما رحمت علي ابراهيم وربما يقول كما ترحمت على ابراهيم قال وهذا لم يرد في الخبر وهو غير فصيح فانه لا يقال ترحمت عليه وانما يقال رحمته وأما الترحم ففيه معنى التكلف والتضنع فلا يحسن اطلاقه في حق الله تعالي * ثم يستحب الدعاء في التشهد الاخير بعد الصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم وعلي آله وأن يدعو بما شاء من أمر الدنيا والاخرة خلافا لابي حنيفة حيث قال لا يدعو الا بما يشبه الفاظ القرآن والادعية المأثورة عن النبي صلي الله عليه وسلم ولا يدعو بما يشبه كلام الناس ومن اصحابه من قال يجزى الدعاء بما لا يطلب الا من الله تعالي فاما إذا دعا بما يمكن أن يطلب من الآدميين بطلت صلاته: وقال احمد إذا قال اللهم ارزقني جارية حسناء ونحو ذلك فسدت صلاته * لما روى عن ابن مسعود رضى الله عنه في آخر حديث التشهد أن النبي صلي الله عليه وسلم قال (ثم ليتخير من الدعاء اعجبه إليه فيدعو) وروى أنه قال (وليدع بعد ذلك بما شاء) والافضل أن يكون دعاؤه لامور الاخرة وما ورد في الخبر أحب من غيره ومن ذلك (اللهم اغفر لى ما قدمت وما أخرت وما اعلنت وما اسررت وما اسرفت وما انت اعلم به منى انت المقدم وانت المؤخر لا إله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 516 إلا أنت) وايضا (اللهم اني اعوذ بك من عذاب النار وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسسيح الدجال) وايضا (اللهم انى اعوذ بك من المأثم والمغرم) (اللهم انى ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لى مغفرة من عندك انك انت الغفور الرحيم) وقوله ثم الدعاء بعده مسنون أي في التشهد الاخير فاما في الاول فيكره بل لا يصلي على الال ايضا علي الصحيح كما سبق ويجوز ان يعلم قوله مسنون بالواو لانه يقتضى الاستحباب مطلقا وقد ذكر الصيدلاني في طريقته أن المستحب للامام أن يقتصر علي التشهد والصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم ليخفف علي من خلفه فان دعا جعل دعاءه دون قدر التشهد ولا يطول وأما المنفرد فلا بأس له بالتطويل هذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 517 ما ذكره والظاهر الذى نقله الجمهور أنه يستحب للامام الدعاء كما يستحب لغيره ثم الاحب أن يكون الدعاء أقل من النشهد والصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم لانه تبع لهما فان زاد لم يضر الا ان يكون اماما فيكره له التطويل وقوله وليتخير معلم بالحاء والالف لما روينا ويجوز أن يعلم بالواو ايضا لان امام الحرمين حكى في النهاية عن شيخه انه كان يتردد في مثل قوله اللهم ارزقني جارية صفتها كذا ويميل إلى المنع منه وانه يبطل الصلاة * قال (فرع العاجز عن التشهد يأتي بترجمته كتكبيرة التحرم والعاجز عن الدعاء بالعربية لا يدعو بالعجمية بحال وفى سائر الاذكار هل يأتي بتجمتها بالعجمية فيه خلاف) * لا يجوز لمن احسن التشهد بالعربية ان يعدل الي ترجمته كالتكبير وقراءة الفاتحة فان عجز أتى بترجمته كتكبيرة الاحرام بخلاف القرآن لا يأتي بترجمته لان نظمه معجز كما سبق والصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم وعلي الال ان اوجبناها كالتشهد واما ما عدا الواجبات من لالفاظ المشروعة في الصلاة إذا عجز عنها بالعربية فقد قسمها المصنف قسمين (احدهما) الدعاء فمنعه من ان يدعو بالعجمية مطلقا (والثاني) سائر الاذكار كثناء الاستفتاح والقنوت وتكبيرات الانتقالات وتسبيحات الركوع والسجود فقد روى منها في الوسيط ثلاثة أوجه (أحدها) ليس له أن يأتي بترجمتها لانها مسنونة لا ضرورة الي الاتيان بها (والثانى) أنه يأتي بمعانيها ويقيمها مقام العربية كالتكبير والتشهد (والثالث) ما يجبر تركه بالسجود يأتي بترجمته ومالا فلا وقضية هذه الطريقة المنع من أن يأتي بالترجمة عند القدرة على العربية بطريق الاول ولم يجعل امام الحرمين الدعاء قسما على اطلاقه لكن قال ليس للمصلي أن يخترع دعوة بالعجمية يدعو بها في صلاته وان كان له أن يدعو بغير الدعوات المأثورة بالعربية ثم حكي الوجوه الثلاثة في الاذكار المسنونة وايراده يشعر بالمنع من الذكر المخترع كالدعاء المخترع وتطرد الوجوه في الدعاء المسنون كما في سائر الاذكار المسنوية ولا فرق وصرح سائر الاصحاب بهذا الذى أشعر به كلامه فقالوا إذا عجز عن الاذكار العربية والادعية المسنونة هل يأتي بترجمتها فيه وجهان (أحدهما) لا لانه لا ضرورة إليها بخلاف الواجبات (واصحهما) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 518 نعم ليجوز فضلها ولو أحسن العربية فهل يجوز له أن يأتي بالترجمة فيه وجهان (أصحهما) لا يجوز كما في التكبير والتشهد ولو فعل تبطل الصلاد ذكر في التهذيب هذين الوجهين فيما إذا دعا بالعجمية مع القدرة علي العربية واطلقهما في بعض التعاليق في جميع الاذكار إذا عرفت ذلك فقوله والعاجز عن الدعاء لا يدعو بالعجمية بحال ان اراد به الدعاء المخترع الذى لم يؤثر كما ذكره امام الحرمين فلا يلزم منه المنع من ان ياتي العاجز بترجمة الدعاء المسنون بعد التشهد جزما بل يجرى فيه الخلاف المذكور في سائر الاذكار وان اراد به مطلق الدعاء فما الفرق بين الدعاء المسنون وبين التسبيح المسنون ولم يمنع من ترجمة احدهما جزما ويجعل ترجمة الآخر علي الخلاف ويلزم على ذلك أن لا يأتي بترجمة اللهم اغفر لي وارحمني في الجلوس بين السجدتين وظاهر لفظه الاحتمال الثاني ولذلك اعلم بالواو اشارة إلى الوجه المجوز للترجمة مع القدرة علي العربية فانه اولي بتجويزها عند العجز ويجوز أن يعلم بالحاء ايضا لان ابا حنيفة بجوز ترجمة القرآن وان كان قادرا على نظمه فترجمة الدعاء عند العجز أولي بأن يجوزها واعلم انه إذا حمل كلامه على المحمل الثاني أشبه أن يكون هو منفردا بنقل الفرق بين الدعاء وغيره والله اعلم) * قال (الركن السابع السلام وهو واجب ولا يقوم (ح) مقامه اضداد الصلاة واقله أن يقول السلام عليكم ولو قال سلام عليكم فوجهان وفي اشتراط نية الخروج وجهان وأكمله السلام عليكم ورحمة الله مرتين (ح م) في الجديد مع الالتفات من الجانبين بحيث ترى خداه ومع نية السلام علي من علي جانبيه من الجن والانس والملائكة والمقتدى ينوى الرد علي امامه بسلامه) * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 519 (لما وصف السلام بكونه ركنا فلو لم يقل وهو واجب لما ضره لان ركن الصلاة لابد وان يكون واجبا وإذا ذكرهما فينبغي أن يعلما بالحاء وكذلك قوله ولا يقوم مقامه اضداد الصلاة لان عند ابي حنيفة لو أتي بما ينافي الصلاة اختيارا من حديث أو كلام خرج به عن الصلاة وقام مقام السلام قال ولو كان ناسيا فلا يخرج به من الصلاة ولا تبطل صلاته لكن يتوضأ ويبنى ولو وقع ذلك من غير اختياره كانقضاء مدة المسح ورؤية المتيمم الماء في الصلاة تبطل صلاته: لنا قوله صلي الله عليه وسلم (وتحليلها التسليم) جعل التحليل بالتسليم فوجب أن لا يحصل بغيره ثم القول في أقل السلام وأكمله: أما الاقل فهو أن يقول السلام عليكم ولابد من هذا النظم لان النبي صلي الله عليه وسلم كذلك كان يسلم وهو كاف لانه تسليم وقد قال صلي الله عليه وسلم (وتحليلها التسليم) ولو قال سلام عليكم فوجهان (أحدهما) أنه لا يجزئه لانه نقص الالف واللام فاشبه ما لو قال سلام عليكم من غير تنوين وأظهرهما أنه يجزئه ويقوم التنوين مقام الالف واللام كما في التشهد يجزئه السلام وسلام ولو قال السلام عليكم فقد سبق حكمه في فصل التكبير ولا يجزئه قوله السلام عليك ولا سلامى عليك ولا سلام الله عليكم ولا السلام عليهم وما لا يجزئ فيبطل الصلاة إذا قاله عمدا سوى قوله السلام عليهم فانه دعاء لا علي وجه الخطاب وهل يجب أن ينوى الخروج من الصلاة بسلامه فيه وجهان (أحدهما) نعم وبه قال ابن سريج وابن القاص ويحكي عن ظاهر نصه في البويطى لانه ذكر واجب في احدى طرفي الصلاة فتجب فيه النية كالتكبير ولان نظم السلام يناقض الصلاة في وصفه من حيث هو خطاب الآدميين ولهذا لو سلم قصدا في الصلاة بطلت صلاته فإذا لم يقترن به نية صارفة الي قصد التحلل كان مناقضا (والثاني) لا يجب وبه قال أبو حفص بن الوكيل وابو الحسين بن القطان ووجهه القياس علي سائر العبادات لا يجب فيها نية الخروج لان النية تليق بالاقدام دون الترك وهذا هو الاصح عند القفال واختيار معظم المتأخرين وحملوا نصه علي الاستحباب (فان قلنا) تجب نية الخروج فلا تحتاج الي تعيين الصلاة عند الخروج بخلاف حالة الشروع فان الخروج لا يكون الا عن المشروع فيه ولو عين غير ما هو فيه عمدا بطلت صلاته علي هذا الوجه ولو سهي سجد للسهو وسلم ثانيا مع النية بخلاف ما إذا قلنا لا تجب نية الخروج فانه لا يضر الخطأ في التعيين وعلي وجه الوجوب ينبغي أن ينوى الخروج مقترنا بالتسليمة الاولي فلو سلم ولم ينو بطلت صلاته ولو نوى الخروج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 520 قبل السلام بطلت صلاته ايضا ولو نوى قبله الخروج عنده فقد قال في النهاية لا تبطل صلاته بهذا ولكنه لا يكفيه بل يأتي بالنية مع السلام ويجب على المصلى أن يوقع السلام في حال القعود إذا قدر عليه: واما الاكمل فهو أن يقول السلام عليكم ورحمة الله وهل يزيد علي مرة واحدة الجديد انه يستحب ان يقوله المصلي مرتين لما روى عن ابن مسعود رضى الله عنه (أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله) ويحكى عن القديم قولان (أحدهما) أن المستحب تسليمة واحدة لما روى عن عائشة رضى الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان يسلم تسليمه واحدة تلقاء وجهه) (والثانى) أن غير الامام يسلم تسليمة واحدة ويفرق في حق الامام بين أن يكون في القوم كثرة أو كان حول المسجد لغط فيستحب أن يسلم تسليمتين ليحصل الابلاغ وان قلوا ولا لغط ثم فيقتصر على تسليمة واحدة فان قلنا يقتصر علي تسليمة فتجعل تلقاء وجهه كما روى عن عائشة رضى الله عنهما وان قلنا بالصحيح وهو انه يسلم تسليمتين فالمستحب أن يلتفت في الاولى عن يمينه وفي الاخرى عن شماله وينبغي أن يبتدئ بها مستقبل القبلة ثم يلتفت بحيث يكون انقضاؤها مع تمام الالتفات وكيف يلتفت قال الشافعي رضى الله عنه في المختصر حتى يري خداه وحكى الشارحون أن الاصحاب اختلفوا في معناه (منهم) من قال معناه حتي يرى خداه من كل جانب ومنهم من قال حتى يرى من كل جانب خده وهو الصحيح لما روى أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 521 النبي صلي الله عليه وسلم (كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الايمن وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الايسر) ثم المصلى ان كان اماما فيستحب له أن ينوى بالتسليمة الاولى السلام علي من علي يمينه من الملائكة وعلي الجن والانس وبالثانية السلام علي من على يساره منهم والمأموم ينوى مثل ذلك ويختص بشئ آخر وهو انه ان كان على يمين الامام ينوى بالتسليمة الثانية الرد على الامام وان كان علي يساره ينويه بالتسليمة الاولي وان كان في محاذاته ينويه بايهما شاء وهو في التسليمة الاولى أحب ويحسن أن ينوى بعض المأمومين الرد على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 522 البعض روى عن سمرة قال (امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسلم علي أنفسنا وان ينوى بعضنا علي بعض) وقال علي رضي الله عنه (كان النبي صلي الله عليه وسلم يصلى قبل الظهر أربعا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 523 وبعدها اربعا وقبل العصر أربعا يفصل بين كل ركعتين بالتسليم علي الملائكة المقربين والنبيين ومن معهم من المؤمنين) وأما المنفرد فينوي بهما السلام علي من علي جانبيه من الملائكة وكل منهم ينوى بالتسليمة الاولى الخروج من الصلاة أيضا ان لم نوجبها فقوله في الكتاب مرتين ينبغى أن يعلم بالميم لان المنقول عن مالك أن الاختيار للامام والمنفرد الاقتصار علي تسليمة واحدة وأما المأموم فيسلم تسليمتين ويروى عنه استحباب الاقتصار علي التسليمة الواحدة مطلقا وقال احمد في اصح الروايتين التسليمتان جميعا واجبتان مطلقا فيجوز ان يعلم قوله مرتين بالالف لان عنده ليس ذلك من حد الكمال ويجوز ان يعلم به قوله واقله السلام عليكم ايضا وقوله بحيث يرى خداه اراد به المعني الثاني الصحيح علي ما صرح به في الوسيط فليكن مرقوما بالواو للوجه الاول * قال (خاتمة لا ترتيب في قضاء الفوائت لكن الاحب تقديم الفائتة على المؤداة الا إذا ضاق وقت الاداء فان تذكر فائتة وهو في المؤداة اتم التي هو فيها ثم اشتغل بالقضاء) إذا فتت الفريضة وجب قضاؤها (قال رسول الله صلي الله عليه وسلم من نام صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) امر المعذور بالقضاء ويلزم مثله في حق غير المعذور بطريق الاولي وينبغي ان يقضى على الفور محافظة على الصلاة وتنزيه الذمة وهل يجب ذلك فيه كلام أخرناه الي كتاب الحج لان صاحب الكتاب أورد المسالة ثم وإذا قضى فائتة الليل بالليل جهر فيها وإذا قضى فائتة النهار بالنهار لم يجهر فيها وان قضى فائتة الليل بالنهار وبالعكس فالاعتبار بوقت القضاء في اصح الوجهين وبوقت الاداء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 524 في الثاني وإذا فاتته صلاة فالمستحب في قضائها الترتيب لان النبي صلي الله عليه وسلم فاتته اربع صلوات يوم الخندق فقضاها على الترتيب ولا يستحق في قضائها الترتيب وكذا لا يستحق الترتيب بين الفائتة وصلاة الوقت خلافا لمالك وأبي حنيفة واحمد: لنا أنها عبادات مستقلة والترتيب فيها من توابع الوقت وضروراته فلا يبقى معتبرا في القضاء كصيام ايام رمضان ولنفصل المذاهب فيه اما عندنا فيجوز تقديم الفائتة المؤخرة على المقدمة وتأخير المقدمة ولو دخل عليه وقت فريضة وتذكر فائتة نظر ان كان وقت الحاضرة واسعا فالمستحب له أن يبدأ بالفائتة ولو عكس صحتا وان كان الوقت ضيقا بحيث لو بدأ بالفائتة لفاتتة الحاضرة فيجب أن يبدأ بالحاضرة كيلا تفوت ولو عكس صحتا ايضا وان أساء ولو انه تذكر الفائتة بعد شروعه في صلاة الوقت اتمها سواء كان الوقت واسعا أو ضيقا ثم يقضي الفائتة ويستحب ان يعيد صلاة الوقت بعدها ولا تبطل بتذكر الفائتة الصلاة التى هو فيها روى ان النبي صلي الله عليه وسلم وسلم قال (إذا نسي أحدكم صلاة فذكرها وهو في صلاة مكتوبة فليبدأ بالتي هو فيها فإذا فرغ منها صلي التى نسي) وقال ابو حنيفة يجب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 525 * الترتيب في قضاء الفوائت ما لم يدخل في حد التكرار بان لا تزيد علي صلوات يوم وليلة فان زادت جار التنكيس وكذا لو كان عليه فائتة ودخل وقت الحاضرد ان دخلتا مع ما بينهما في حد التكرار لم يجب اعادة الترتيب والا وجب الترتيب ولم يجز تقديم الحاضرة مع تذكر الفائتة الا ان يخشى فوت الحاضرة فله تقديمها وان تذكرها في خلال صلاة الوقت بطلت ان وسع الوقت فيقضي الفائتة ثم يعيد صلاة الوقت وان كان الوقت ضيقا فلا تبطل وان تذكرها بعد ما فرغ من صلاة الوقت فقد مضت علي الصحة ويشتغل بقضاء الفائتة ومذهب مالك يقرب من هذا لكن نقل عنه انه يستحب إذا تذكر الفائتة في خلال الحاضرة ان يتمها ثم يقضى الفائتة ثم يعيد الحاضرة ونقل ايضا أنه إذا تذكرها بعد الفراغ من الحاضرة فعلية قضاء الفائتة واعادة الحاضرة ولا يجعل النسيان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 526 عذرا في سقوط الترتيب وقال احمد يجب الترتيب في قضاء الفوائت وان كثرت حتى لو تذكر فائتة ولم يعدها حتى طالت المدة وهو ياتي بصلوات الوقت فعليه فضاء تلك الفائتة واعادة جميع ما صلي بعدها قال ولو تذكر فائتة وهو في الحاضرة يجب عليه اتمامها وقضاء الفائتة واعادة الحاضرة إذا عرفت ذلك لم يخف عليك اعلام قوله لا ترتيب في قضاء الفوائت بعلامتهم جميعا وكذا اعلام قوله أتم التى هو فيها بالحاء لانها تبطل عنده وبالميم لانا نعني بقولنا أتم انه يجب عليه الاتمام ومالك لا يوجبه ولا حاجة إلى اعلامه بالالف وقوله لكن الاحب تقديم الفائتة على الموداة الا إذا ضاق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 527 وقت الاداء أي فيجب تقديم المؤداة ولا يجوز تقديم الفائتة وليس سلب الا حبيبة واعلم ان هذه المسائل لا اختصاص لها بباب صفة الصلاة لكن طرفا منها مذكور في المختصر في أواخر هذا الباب فتبرك المصنف بترتيب المزني رحمه الله أو الشافعي رضي الله عنه وجعلها خاتمة الباب * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 528 فتح العزيز - عبد الكريم الرافعي ج 4 فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 4 الجزء: 4 فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ الجزء الرابع دار الفكر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1 قال * (الباب الخامس) * * (في شرائط الصلاة وهى ستة) * (الاول) الطهارة عن الحدث فلو احدث عمدا أو سهوا بطلت صلاته ولو سبقه الحدث بطلت (ح) علي الجديد وعلي القديم يتوضأ ويبني بشرط أن لا يتكلم ولا يحدث عمدا) * ترجم الباب بشروط الصلاة ولم يرد جميع شروطها لان منها الاستقبال وقد سبق له باب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 2 منفرد ومنها ايقاع الصلاة بعد العلم بدخول وقتها أو بعد غلبة الظن به وقد صار ذلك مذكورا في باب المواقيت ولكن الغرض ههنا الكلام في ستة شروط سوى ما سبق (أحدها) طهارة الحدث وقد تبين في كتاب الطهارة أنها كيف تحصل فلو لم يكن عند الشروع في الصلاة متطهرا لم تنعقد صلاته بحال سواء كان عامدا أو ساهيا ولو شرع فيها وهو متطهر ثم احدث نظر إن احدث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 باختياره بطلت صلاته لانه قد بطلت طهارته " وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا صلاة الا بطهارة " ولا فرق بين أن يكون ذاكرا للصلاة أو ناسيا لها وهو المراد من قوله في الكتاب فلو أحدث عمدا أو سهوا بطلت صلاته وان أحدث بغير اختياره كما لو سبقه الحدث فلا خلاف في بطلان طهارته وهل تبطل صلاته فيه قولان (الجديد) انها تبطل لانه لا صلاة إلا بطهارة ولما روى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 عن علي بن ابى طالب قال " قال رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا فسا احدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة " وبهذا قال احمد ويروى عن مالك ايضا (والقديم) وبه قال أبو حنيفة انها لا تبطل بل يتوضأ ويبنى علي صلاته وهو أشهر الروايتين عن مالك لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " من قاء أو رعف أو امذى في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن علي صلاته ما لم يتكلم " وليس المراد ما إذا فعل ذلك باختياره بالاجماع فيتعين السبق مرادا فان فرعنا على القديم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 فلا فرق بين الحدث الاصغر والاكبر كما إذا غلب عليه النوم في صلاته فاحتلم فانه يغتسل ويبنى وقال أبو حنيفة تبطل صلاته ههنا وكيف يبنى ايعود الي الركن الذى سبقه الحدث فيه ام يشتغل بما بعده قال الصيدلاني لو سبقه الحدث في الركوع فيعود الي الركوع لا يجزئه غيره قال ووافقنا ابو حنيفة فيه وفصل امام الحرمين فقال ان سبقه الحدث قبل أن يطمئن في ركوعه فلا بد من العود إليه وان كان بعد أن يطمئن فالظاهر انه لا يعود إليه لان ركوعه قد تم في الطهارة وهذا التفصيل هو الذى أورده المصنف في الوسيط فيجوز أن يجزى كلام الصيدلانى علي اطلاقه ويقال لابد من العود إليه وان اطمأن قبل الحدث لينتقل منه الي الركن الذى بعده فان الانتقال من الركن إلى الركن واجب وقد قدمنا له نظائر ويجب علي المصلي إذا سبقه الحدث وأراد أن يتوضأ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 ويبنى أن يسعي في تقريب الزمان وتقليل الافعال بحسب الامكان فليس له أن يعود الي الموضع الذى كان يصلي فيه بعد ما تطهر أن كان يقدر على الصلاة في موضع أقرب منه الا إذا كان اماما لم يستخلف أو مأموما يبغى فضيلة الجماعة فهما معذوران في العود ذكره في التتمة وما لا يستغنى عنه من السعي إلى الماء والاستقاء وما اشبه ذلك فلا بأس به ولا يؤمر بالعود والبدار الخارج عن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 الاقتصاد ويشترط أن لا يتكلم علي ما ورد في الخبر الا إذا احتاج إليه في تحصيل الماء وهل يشترط أن يمتنع عن أسباب الحدث عمدا إلى أن يتوضأ حكى أصحابنا العراقيون وغيرهم عن نص الشافعي رضي الله عنه تفريعا على القديم انه لو سبقه البول فخرج واستتم الباقي لم يضر ذلك لان طهارته قد بطلت بما سبق ولم تتأثر الصلاة به فالبول بعده يطرأ على طهارة باطلة فلا يؤثر وقال امام الحرمين تبطل صلاته بما فعله إذا امكنه التماسك لان الفعل الكثير يبطل صلاته إذا كان مستغنى عنه فكذلك الحدث إذا كان مختارا فيه وهذا هو الذى اورده في الكتاب فقال ولا يحدث عمدا والذى أورده الجمهور هو الاول ونقل صاحب البيان هذه الصورة وحكمها عن النص قال واختلفوا في المعنى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 فمنهم من علل بحاجته إلى اخراج البقية ومنهم من علل بان الطهارة قد بطلت بالقدر الذى سبقه فلا أثر لما بعده فعلي الاول لا يجوز ان يحدث حدثا آخر مستأنفا وعلي الثاني يجوز ولا يخفى ان جميع ما ذكرناه في طهارة الرفاهية فاما صاحب طهارة الضرورة كالمستحاضة فلا اثر لحدثه المتجدد لا عند الشروع ولا في اثناء الصلاة * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 قال (ويجرى هذا القول في دفع كل مناقض لا تقصير منه فيه كما إذا انحل ازاره فرده سريعا أو وقع عليه نجاسة يابسة فدفعها في الحال وانقضاء مدة المسح منسوب إلى تقصيره وفى تخرق الخف تردد لتقصيره بالذهول عنه) * ما سوى الحدث من الاسباب المناقضة للصلاة إذا طرأت في الصلاة باختياره بطلت صلاته كما لو احدث باختياره وكل ما يبطل الصلاة إذا طرأ باختياره يبطلها ايضا إذا طرأ لا باختياره لكن إذا كان منتسبا فيه إلى تقصير كما لو كان ماسحا علي الخف فانقضت مدة مسحه في اثناء الصلاة واحتاج في ذلك الي غسل القدمين أو استئناف الوضوء فتبطل صلاته ولا يخرج علي قول سبق الحدث لانه مقصر بايقاع الصلاة في الوقت الذى تنقضي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 مدة المسح في اثنائها فاشبه المختار في الحدث وقضية هذا أن يقال لو شرع في الصلاة على مدافعة الاخبثين وهو يعلم أنه لا تبقى له قوة التماسك في اثنائها ووقع ما علمه تبطل صلاته لا محالة ولا يخرج علي القولين ولو تخرق خف الماسح في صلاته وظهر شئ من محل الفرض فوجهان (احدهما) أنه تبطل الصلاة بلا خلاف لانه مقصر من حديث ذهل عن الخف ولم يتعهده ليعرف قوته وضعفه فاشبه انقضاء المدة (وأظهرهما) أنه على قولي سبق الحدث لان الانسان لا يتعهد الخف كل ساعة فلا يعد مقصرا بترك البحث عنه وقد يفجأ الخرق لبعض العوارض ايضا أما إذا حدث مناقض في الصلاة لا باختياره ولا تقصير منه فان امكن ازالته علي الاتصال بحدوثه كما لو انكشف عورته فرد الثوب في الحال أو وقعت عليه نجاسة يابسة فنفض ثوبه وسقطت في الحال فلا يقدح في صحة الصلاة وكذا لو القي الثوب الذى وقعت عليه النجاسة في الحال صحت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 صلاته ولا يجوز أن ينحيها بيده أو كمه هكذا نقل صاحب التهذيب وغيره وان احتاج في الدفع إلى زمان يتخلل بين عروضه واندفاعه ففيه القولان المذكوران في سبق الحدث: وقوله يجرى هذا القول في دفع كل مناقض لا تقصير منه فيه يعني به هذه الحالة وان كان اللفظ مطلقا فاما إذا دفعه في الحال فالصلاة صحيحة بلا خلاف ومثال ما يحتاج في دفعه الي زمان ما إذا تنجس ثوبه أو بدنه واحتاج إلى الغسل أو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 طيرت الريح ثوبه وابعدته ولو اصاب المصلي جرح وخرج منه دم علي سبيل الدفق ولم يلوث البشرة فقد قال في التتمة لا تبطل صلاته بحال لان المنفصل منه غير مضاف إليه ولعل هذا فيما إذا لم يمكن غسل موضع الانفتاق أو كان ما أصابه قليلا وقلنا القليل من الدم معفو عنه كما سيأتي والا فقد صار ذلك من الطاهر فيجب؟ له * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 قال (الشرط الثاني طهارة الخبث وهي واجبة في الثوب والبدن والمكان أما الثوب فان أصاب أحد كميه نجاسة فادى اجتهاده الي احدهما فغسله لم تصح صلاته علي أحد الوجهين لانه استيقن نجاسة الثوب ولم يستيقن طهارته) * النجاسة قسمان (احدهما) النجاسة التي لا تقع في مظنة العذر والعفو (والثانى) التي تقع فيها أما الاول فيجب الاحتراز عنه في ثلاثة أشياء في الثوب والبدن والمكان ويجوز ان يعلم قوله فهي واجبة بالميم لان اصحابنا نقلوا عن مالك ان ازالة النجاسة عنده لا تجب للصلاة وانما يستحب ويدل على وجوب طهارة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 الثوب قوله تعالي (وثيابك فطهر) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لاسماء رضي الله عنها " حتيه ثم اقرضيه ثم اغسليه بالماء ثم صلي فيه " فان اصابه نجاسة وعرف موضعها منه فطريق ازالتها بالغسل كما سبق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 ولو قطع موضع النجاسة حصل الغرض ويلزمه ذلك إذا تعذر الغسل وامكن ستر العورة بالطاهر منه ولم ينقص من قيمته بالقطع اكثر من اجرة مثل الثوب لو استأجره وان لم يعرف موضع النجاسة من الثوب وكان يجوزه في كل جرء منه وجب غسل جميعه وكذلك في البدن ولا يجوز الاقتصار على غسل البعض لا بالتحرى ولا دونه وان أفاد ذلك الشك في نجاسة الباقي لان حصول النجاسة في هذا الثوب متيقن واليقين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 لا يدفع بالشك ولو شقه نصفين لم يجز التحريم فيهما لجواز ان يكون الشق في موضع النجاسة فيكونا نجسين ولو اصاب شئ رطب طرفا من هذا الثوب لا نحكم بنجاسته لانا لا نتيقن نجاسة موضع الاصابة ولو غسل احد نصفيه ثم غسل النصف الثاني فهو كما لو تيقن نجاسة لكل وغسله هكذا وفيه وجهان (احدهما) انه لا يطهر حتى يغسل الكل دفعة واحدة (واظهرهما) انه ان غسل مع النصف الثاني القدر الذى يجاوره من الاول طهر الكل وان لم يغسل الا النصف في الدفعة الثانية طهر الطرفان وبقى المنتصف نجسا في صورة التيقن ونجسا في الصورة الاولي ولو نحس واحد من موضعين منحصرين أو مواضع واشكل عليه كما لو تنجس أحد الكمين فادى اجتهاده إلى نجاسة أحدهما فغسله وصلي فيه فهذه مسألة الكتاب وفى صحة صلاته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 وجهان (احدهما) وينسب الي ابن سريج أنها تصح لحصول غلبة الظن بالطهارة (واصحهما) عند معظم الاصحاب أنها لا تصح لان الثوب واحد وقد تيقن نجاسته ولم يتيقن الطهارة فيستصحب اليقين وصار كما لو خفى موضع النجاسة ولم تنحصر في بعض المواضع ولو فصل أحد الكمين عن الثوب واجتهد فيهما فهما كالثوبين ان غسل ما ظنه نجسا وصلي فيه جاز وان صلي فيما ظنه طاهرا جاز أيضا لانه لم يستيقن نجاسته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 أصلا فاجتهاده متأيد باستصحاب أصل الطهارة بخلاف ما قبل الفصل ويجرى الوجهان فيما إذا نجس احدى يديه أو احدى اصابعه وغسل النجس عنده وصلى وكذلك فيما لو اجتهد في ثوبين وغسل النجس عنده وصلي فيهما معا لانه استيقن النجاسة في المجموع ولم يستيقن الطهارة لكن الاظهر ههنا الجواز وفرقوا بأن محل الاجتهاد الاشتباه بين الشيئين فاما إذا اشتبه عليه اجزاء الشئ الواحد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 فلا يؤمر فيه بالاجتهاد ولهذا لا يجتهد إذا خفى عليه موضع النجاسة ولم ينحصر في موضعين أو مواضع مخصوصة وإذا كان كذلك فتأثير الاجتهاد فيه أضعف ولو غسل احدى الكمين بالاجتهاد وفصله عن الباقي فجواز الصلاة فيما لم يغسله وحده على الخلاف وإذا غسل أحد الثوبين بالاجتهاد تجوز الصلاة في كل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 واحد منهما وحده بلا خلاف ولو اشتبه عليه ثوبان طاهر ونجس أو أثواب بعضها طاهر وبعضها نجس فيجتهد كما سبق في الاواني فان لم يغلب علي ظنه شئ وامكنه غسل واحد ليستصحبه في صلاته لزمه ذلك والا فهو كما لو لم يجد الا ثوبا نجسا وسيأتى حكمه في الشرط الثالث ولو غلب علي ظنه طهارة أحد الثوبين واستصحبه ثم تغير اجتهاده عمل بمقتضي الاجتهاد الثاني في أظهر الوجهين كما في القبلة بخلاف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 الاواني حيث لا يعمل فيها بالاجتهاد الثاني علي النص لما سبق انه يلزم منه نقض الاجتهاد بالاجتهاد * قال (ولو القى طرف عمامته على نجاسة بطلت صلاته وان كان لا يتحرك بحركته ولو قبض طرف حبل ملقى علي نجاسة بطلت صلاته ان كان الملاقى للنجاسة يتحرك بحركته والا فوجههان ولو كان علي ساجور كلب أو عنق حمار عليه نجاسة فوجهان مرتبان واولي بالجواز ولو كان رأس الحبل تحت رجله فلا بأس لانه ليس حاملا ما لبسه المصلي يجب أن يكون طاهرا سواء كان يتحرك بحركته في قيامه وقعوده أو كان يتحرك بعض اطرافه كذبابة العمامة وكما لا يجوز ان يكون شئ من ملبوسه نجسا لا يجوز ان يكون ملاقيا للنجاسة فلو القى طرف عمامته علي ارض نجسة أو عين نجسة بطلت صلاته وان لم يتحرك بحركته لانها ملبوسة له ومعدودة من ثيابه فصار كما لو لبس قميصا طويلا لا يرتفع ذيله بارتفاعه وكان نجسا لا تصح صلاته وذكر الصيدلاني وآخرون ان عند أبي حنيفة ان لم يتحرك طرف العمامة الملقى علي النجاسة بحركته جازت صلاته فليكن قوله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 وان كان لا يتحرك بحركته معلما بالحاء لذلك ولو قبض طرف حبل أو ثوب وطرفه الآخر نجس أو ملقي على نجاسة فان كان يتحرك ذلك الطرف بارتفاعه وانخفاضه بطلت صلاته لانه حامل للشئ النجس أو لما هو متصل بالنجاسة وان كان لا يتحرك فوجهان (احدهما) تبطل صلاته كما في العمامة لانه حامل لشئ متصل بالنجاسة (والثانى) أنها لا تبطل لان الطرف الملاقى للنجاسة ليس محمولا له فانه لا يرتفع بارتفاعه بخلاف العمامة فانها منسوبة إليه لبسا والمصلى مأخوذ بطهارة ثيابه وكلام الاكثرين يدل علي أن الوجه الاول ارجح عندهم ولو كان طرف الحبل ملقى على ساجور كلب أو مشدودا به فوجهان مرتبان علي الصورة السابقة وهذه الصورة أولي بصحة الصلاة لان بين الكلب وطرف الحبل واسطة وهى الساجور فيكون ابعد عن النجاسة ولو كان طرف الحبل على الكلب فهو والصورة السابقة سواء ولو كان طرف الحبل علي موضع طاهر من حمار وعليه نجاسة في موضع آخر فالخلاف فيه مرتب وهذه الصورة أولي بالصحة من صورة الساجور لان الساجو قد يعد من توابع الحبل واجزائه بخلاف الحمار هكذا رتب المسائل امام الحرمين وصاحب الكتاب في الوسيط وأشار ههنا إلى معظم الغرض وإذا تركت الترتيب وقلت أخذ بطرف حبل طرفه الآخر نجس أو متصل بنجاسة حصل في الجواب ثلاثة اوجه (أحدها) تصح (والثاني) لا (والثالث) ان كان الطرف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 الآخر نجسا أو متصلا بعين النجاسة كما لو كان في عنق كلب فلا تصح وإن كان متصلا بشئ طاهر وذلك الطاهر متصل بنجاسة كما لو كان مشدودا في ساجور أو خرقه وهما في عنق كلب أو كان عنق حمار وعليه حمل نجس فلا بأس وهكذا أورد الخلاف الصيدلانى وتابعه صاحب التهذيب ثم أعرف ههنا أمورا (أحدها) أن فرض صاحب الكتاب الصورة فيما إذا قبض بيده على طرف الحبل ليس لتخصيص الحكم بالقبض بل لو شده في يده أو رجله أو في وسطه كان كما لو قبض عليه علي أن صاحب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 التهذيب جعل صورة الشد أولي بالمنع حيث الحقها بمسألة العمامة ولم يحك فيها خلافا وفي القبض باليد روى الوجوه الثلاثة (الثاني الفرق بين أن يكون الطرف الملقى على النجاسة يتحرك بحركته وبين أن لا يتحرك في الجزم بالمنع في الحالة الاولي وتخصيص الخلاف بالحالة الثانية لم أره إلا للمصنف وإمام الحرمين ومن تابعهما وعامة الاصحاب ارسلوا الكلام إرسالا سواء منهم من جزم بالمنع ومن أثبت الخلاف (الثالث) أطلق الكلام في الكلب وهكذا فعل الشيخ أبو محمد والصيدلاني وابن الصباغ وفصل الاكثرون وقالوا ان كان الكلب صغيرا أو ميتا وطرف الحبل مشدود عليه بطلت صلاته بلا خلاف لانه حامل للنجاسة ويعنون به انه لو مشى لجره وان كان الكلب كبيرا حيا فاصح الوجهين أنها تبطل ايضا لانه حامل لشئ متصل بالنجاسة والثاني لا لانه يمشى باختياره وله قوة الامتناع وإذا كان مشدودا في سفينة وموضع الشد طاهر وفى السفينة نجاسة فان كانت صغيرة تنجر بالجر فهى كالكلب وإن كانت كبيرة فلا بأس كما لو كان مشدودا في باب دار فيها نجاسة وحكوا وجها بعيدا في السفينة الكبيرة أيضا ويعرف من هذا الفصل صحة قولنا من قبل ان قضية كلام الاكثرين ترجيح وجه البطلان (الرابع) قوله علي ساجور كلب أو عنق حمار عليه نجاسة يفهم ان الشد ليس بشرط بل يجرى الخلاف عند حصول الاتصال والالتقاء والعراقيون من اصحابنا اطبقوا علي التصوير في الشد ولعل السبب فيه انهم ينظرون إلي الانجرار عند الجر ولا يكون ذلك إلا بتقدير الشد ثم اتفقت الطوائف على أنه لو جعل رأس الحبل تحت رجله صحت صلاته في الصور جميعها لانه ليس حاملا لنجاسة ولا لما هو متصل بنجاسة وما تحت قدمه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 طاهر فاشبه ما لو صلى علي بساط طرفه الآخر نجس * قال (واما البدن فيجب تطهيره كما سبق في الطهارة وفيه مسألتان (أحداهما) إذا وصل عظمه بعظم نجس وجب (ح و) نزعه وإن كان يخاف الهلاك علي المنصوص ولكن إذا كان متعديا في الجبر بان وجد عظما طاهرا وإذا لم يكتس العظم باللحم فان استتر سقط حكم النجاسة عنه فان مات قبل النزع لم ينزع علي النص لانه ميت كله وفيه قول مخرج انه لا ينزع عند خوف الهلاك) * قوله فيجب تطهيره كما سبق في الطهارة لا اختصاص له بالبدن بل حكم ازالة النجاسة فيه وفى الثوب والمكان واحد فلو ذكر هذا الكلام عند قوله وهى واجبة في الثوب والبدن والمكان لكان أحسن الا أن يريد به الاشارة الي الاستنجاء أيضا فان النجاسة التى تصيب البدن تنقسم الي ما يزال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 بالماء لا غير وإلي ما يخفف بالحجر ونحوه وهذا من خاصية البدن ثم تكلم ههنا في مسألتين (أحداهما) وصل العظم ومن انكسر عظم من عظامه فجبره بعظم طاهر فلا بأس وإن جبره بعظم نجس وينبغى أن يتذكر أولا ان هذا يتفرع علي ظاهر المذهب في نجاسة العظام فينظر ان احتاج إلي الجبر ولم يجد عظما طاهرا يقوم مقامه فهو معذور للضرورة وليس عليه نزعه وإن لم يحتج إليه أو وجد طاهرا يقوم مقامه فيجب عليه النزع ان كان لا يخاف الهلاك ولا تلف عضو من أعضائه ولا شيئا من المحذورات المذكورة في التيمم فان لم يفعل أجبره السلطان عليه ولم تصح صلاته معه لانه حامل لنجاسة يمكنه ازالتها وقد تعدى بحملها ولا عبرة بالالم الذى يلحقه ولا يخاف منه ولا فرق بين ان يكتسي باللحم وبين ان لا يكتسي خلافا لابي حنيفة حيث قال إذا اكتسى باللحم لم يجب النزع وان كان لا يخاف الهلاك: لنا أنه حامل لنجاسة اصابته من خارج ولم تحصل في معدن النجاسة فيلزمه الازالة عند القدرة كما لو كانت علي ظاهر البدن ومال امام الحرمين الي ما ذكره أبو حنيفة وذكر القاضي ابن كج أن ابا الحسين حكاه عن بعض الاصحاب وان خاف من النزع الهلاك أو ما في معناه ففى وجوب النزع وجهان (أحدهما) يجب لتفريطه ولو لم ينزع لكان مصليا عمره مع النجاسة ونحن نحتمل سفك الدم في ترك صلاة واحدة (والثانى) وهو المذهب انه لا يجب ابقاء للروح كما لو كان عليه نجاسه يخاف من غسلها التلف لا يجب عليه غسلها بل يحرم وهذا في حالة الحياة اما لو مات قبل النزع فهل ينزع منه العظم الذى يجب نزعه في الحياة فيه وجهان أظهرهما وهو الذى نص عليه في المختصر وغيره انه لا ينزع لان فيه مثلة وهتكا لحرمة الميت ولان النزع في حالة الحياة انما أمر به محافظة على شرائط الصلاة فإذا مات زال التكليف وسقط التعبد (والثاني) انه ينزع لئلا يلقى الله تعالي حاملا للنجاسة ومنهم من خصص هذا الوجه بما إذا لم يستتر باللحم وقطع بنفي النزع بعد الموت عند استتاره ولنعد الي ما يتعلق بلفظ الكتاب قوله وجب نزعه وان كان يخاف الهلاك علي المنصوص الخلاف في وجوب النزع يرجع الي حالة خوف الهلاك وليس هو مختلفا فيه علي الاطلاق وقوله ولكن إذا كان متعديا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 في الجبر لا يختص بقولنا يوجب النزع عند خوف الهلاك بل حيث وجب النزع أما وفاقا وهو حالة عدم الخوف أو علي أحد المدهبين في حالة الخوف فشرطه ان يكون متعديا في الجبر وقوله في آخر المسألة وفيه قول مخرج أنه لا ينزع عند خوف الهلاك هو المقابل لقوله ههنا وان كان يخاف الهلاك علي المنصوص ولا تعلق له بقوله لم ينزع علي النص لانه ميت كله وتعبيره عن الخلاف في وجوب النزع بالقولين المنصوص والمخرج من تفرداته وسائر الاصحاب لم يطلقوا في المسألة إلا وجهين كما قدمنا ورجحوا القول بعدم الوجوب وإيراده يشعر بترجيح الوجوب ويجوز أن يقال إنما عبر عن وجوب النزع بالمنصوص لان الشافعي رضي الله عنه قال في المختصر ولا يصل ما انكسر من عظمه الا بعظم ما يؤكل لحمه ذكيا وان رقعه بعظم ميتة أجبره السلطان علي قلعه وهذا مطلق يتناول حالة الخوف وعدمه ولك ان تعلم قوله وان كان يخاف الهلاك بالحاء لان الصيدلانى روى عن ابى حنيفة أنه لا ينزع عند خوف الهلاك سواء التحم أو لم يلتحم وعند الالتحام لا ينزع خيف الهلاك أم لم يخف وقوله بان وجد عظما طاهرا معناه عظما طاهرا يقوم مقام العظم النجس عند الحاجة الي الجبر وإلا فالتعدي لا يحصل بمجرد وجدان العظم الطاهر وقوله وإذا لم يستتر العظم باللحم فان استتر سقط حكم نجاسته جواب عن الوجه الذى ذكرنا أن إمام الحرمين مال إليه والظاهر عند الجمهور انه لا فرق بين ان يستتر أو لا يستتر حيث أوجبنا النزع فليكن قوله وإذا لم يستتر معلما بالواو لانه جعله مشروطا وكذا قوله سقط حكم نجاسته وقوله فان مات قبل النزع لم ينزع علي النص لعلك تقول ما معنى قوله لم ينزع معناه انه لا يجوز النزع ام انه لا يجب والجواب أن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 قضية التعليل بهتك الحرمة انه لا يجوز وقضية التعليل الثاني انه لا يجب وقد اختلف كلام الناقلين في الوجه المقابل له وهو انه ينزع منهم من روى الوجوب ومنهم من قال الاولي النزع وقوله لانه ميت كله لفظ الشافعي رضي الله عنه قال في المختصر فان مات صار ميتا كله والله حسيبه أي محاسبه فان شاء عفا عنه وان شاء عذبه واختلفوا في معنى قوله صار ميتا منهم من قال اراد أنه صار نجسا كله مثل ذلك العظم فلا معنى لقلعه واستخرجوا من هذا اللفظ أن له قولا في نجاسة الادمى بالموت ومنهم من قال اراد انه سقط عنه حكم التكليف بالموت وكنا نأمره بالقلع لحق الصلاة فلا حاجة إلى النزع الآن واعلم أن مداواة الجرح بالدواء النجس والخيط النجس كالوصل بالعظم النجس فيجب النزع حيث يجب نزع العظم النجس وكذا لو شق موضعا من بدنه وجعل فيه دما وكذا لو وشم يده بالنؤورة أو العظلم فانه ينجس عند الغرز وحكى عن تعليق الفراء انه يزال الوشم بالعلاج فان لم يمكن إلا بالجرح لا يجرح ولا اثم عليه بعد التوبة * قال (الثانية قال صلي الله عليه وسلم " لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والواشرة والمستوشرة وعلة تحريم الوصل ان الشعر أما ان يكون نجسا أو شعر اجنبي لا يحل النظر إليه وان كان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 مبانا علي احد الوجهين فان كان شعر بهيمة ولم تكن المرأة ذات زوج فهى متعرضة للتهمة وان كانت ذات زوج فهى ملبسة عليه فان كان باذن الزوج لم يحرم على اقيس الوجهين وفى تحمير الوجنة تردد في الحاقه بالوصل) * المسألة الثانية وصل الشعر والاصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال " لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والواشرة والمستوشرة " قال علماء العرب الواصلة هي التي تصل الشعر بشعر آخر والمستوصلة هي التي تسأل أن يفعل بها ذلك والوشم غرز ظهر الكف ونحوه بالابرة واشباعه بالعظلم ونحوه حتي يخضر والواشمة هي التى تفعل ذلك والمستوشمة هي التي تفعل بها والواشرة التى تشر الاسنان حتى يكون لها اشر وهو التحدد والرقة في طرف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 الاسنان تفعله الكبيرة تشبها بالصغائر ويروى بدل المستوشمة والمستوشرة المتوشمة والمتوشرة والمعنى واحد وإذا عرفت ذلك فاعلم ان وصل الشعر حرام وفاقا في بعض الاحوال وخلافا في بعضها ثم قد يحرم لمعنى واحد وقد يجتمع له معان وتفصيله ان الشعر أما نجس وأما طاهر وهذا التقسيم مفرع علي ظاهر المذهب وهو ان الشعر قد ينجس بالموت فاما الشعر النجس فيحرم وصله لانه لا يجوز استصحابه في الصلاة وفى غير الصلاة يكون مستعملا للشئ النجس العين في بدنه استعمال اتصال وذلك حرام في أصح القولين ومكروه في الثاني الا عند ضرورة أو حاجة حاقة ونظيره الادهان بالدهن النجس ولبس جلد الميتة والكلب والخنزير والامتشاط بمشط عاج كل ذلك حرام علي الاصح وأما غير النجس فينقسم إلى شعر الآدمى وغيره وهذا التقسيم مفرع علي ظاهر المذهب وهو ان شعر الادمى لا ينجس بالموت والابانة فاما شعر الادمى فيحرم وصله لان من كرامته أن لا ينتفع بشئ منه بعد موته وانفصاله عنه بل يدفن وايضا فلانه ان كان شعر رجل فيحرم على المرأة استصحابه والنظر إليه وان كان شعر امرأة فيحرم على زوجها أو سيدها النظر إليه وهذا بتقدير أن يكون شعر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 رجل اجنبي عنها أو شعر امرأة اجنبية عن زوجها أو سيدها وبتقدير أن يتفرع علي أن العضو المبان يحرم النظر إليه ومسه وفيه وجهان فان كان شعر رجل من محارمها أو شعر امرأة من محارم زوجها أو لم يكن لها زوج أو فرعنا على جواز النظر إلى العضو المبان فلا تكاد تطرد هذه العلة الاخيرة ويثبت التحريم بظاهر الخبر وبالمعني الاول ولا فرق في تحريم الوصل بالشعر النجس وشعر الادمى بين أن تكون المرأة خلية أو ذات زوج وأما شعر غير الادمى فينظر فيه الي حال المرأة ان لم يكن لها زوج ولا سيد فلا يجوز لها وصله للخبر ولانها تعرض نفسها للتهمة ولانها تغر الطالب وذكر الشيخ ابو حامد وطائفة انه يكره ولا يحرم والاول اظهر وبه قال القاضي ابن كج والاكثرون فان كان لها زوج أو سيد فلا يجوز لها الوصل بغير اذنه لانه تغرير له وتلبيس عليه وان وصلت باذنه فوجهان (احدهما) المنع ايضا لعموم الخبر (واقيسهما) واظهرهما الجواز كسائر وجوه الزينة المحببة الي الزوج وقال الشيخ أبو حامد ومتبعوه لا يحرم ولا يكره إذا كان لها زوج ولم يفرقوا بين أن ياذن أو لا ياذن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 وسوى ابن كج بين حالتى الاذن وعدمه وحكي في الجواز وجهين فيهما هذا حاصل المسألة وقوله وعلة تحريم الوصل يوهم الجزم بالتحريم على الاطلاق ورد الكلام إلى العلة لكنه لم يرد ذلك الا تراه يقول آخر الم يحرم علي أقيس الوجهين وانما أراد أن يبين مواضع التحريم خلافا ووفاقا مع التعرض للمعانى الموجبة للتحريم فقوله اما أن يكون نجسا أي فيحرم وهو اشارة الي قسم النجس من الشعور وغير النجس علي ما ذكرناه أما شعر الآدمى وقوله أو شعر اجنبي إشارة واليه وأما شعر غيره وهو قوله أو شعر بهيمة وإنما قال أو شعر أجنبي لانه اراد التعليل بالمعني الثاني علي سبق دون المعنى الاول وهو كرامة الآدمى والشعر الموصول مبان فبين أن في تحريم النظر الي العضو المبان وجهين ليعرف أن التحريم معللا بهذا المعنى انما يستمر على قولنا بتحريم النظر واعلم انه نص في هذا الموضع على وجهين في تحريم النظر والذي أجاب به في أول كتاب النكاح انما هو التحريم حيث قال والعضو المبان كالمتصل وسنشرح المسألة ثم ان شاء الله تعالى (وقوله) فهى متعرضة للتهمة أي فيحرم عليها وكذا قوله فهى ملبسة عليه وكانه حذف ذكر التحريم اكتفاء بقوله أو لا وعلة تحريم الوصل ولا بأس لو اعلمت قوله اما ان يكون نجسا بالحاء والواو لان عنده الشعر لا يكون نجسا أصلا وهو قول لنا وأما قوله وفى تحمير الوجنة تردد فاعلم ان الصيدلاني والقاضي الحسين ذكرا في طريقهما ان تحمير الوجنة كوصل الشعر الطاهر فلا يجوز ان كانت المرأة خلية ولا إذا كانت ذات زوج ولم يأذن لها وان فعلته باذنه ففيه وجهان واستبعد امام الحرمين قدس الله روحه الخلاف فيما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 إذا كان بأذن الزوج وخصه بالوصل لانه ورد فيه النهي وفيه تغيير للخلقة وليس في التحمير نهى ولا تغيير ظاهر إذ الوجنة قد تحمر لعارض غضب أو فرح فعلي هذا لا يلتحق تحمير الوجنة بوصل الشعر الطاهر علي الاطلاق بل هو جائز عند الاذن بلا خلاف وعلي الاول يلتحق به مطلقا فهذا تنزيل التردد المذكور في الكتاب ومعناه ونسب في الوسيط التردد في المسألة الي الصيدلاني وليس في كلامه ما يقتضي ذلك ولا حكاه امام الحرمين عنه والخضاب بالسواد وتطريف الاصابع الحقوه بالتحمير قال في النهاية ويقرب منه تجعيد الشعر ولا بأس بتصفيف الطرة وتسويد الاصداغ واطلقوا القول بستحباب الخضاب بالحناء لها بكل حال وقد تنازع معنى التعرض للتهمة في بعض هذه الاحوال إذا كانت خلية فليكن الامر على تفصيل سنحكيه في فصل سنن الاحرام ان شاء الله تعالي واما الوشم المذكور في الخبر فلا يجوز بحال والوشر كوصل الشعر الطاهر * قال (وأما المكان فليكن كل ما يماس بدنه طاهرا (ح) وما لا يماس فلا بأس بنجاسته الا ما يحاذي صدره في السجود ففيه وجهان لانه كالمنسوب إليه) * يجب أن يكون ما يلاقى بدن المصلي وثيابه من موضع الصلاة طاهرا خلافا لابي حنيفة حيث قال لا يشترط الا طهارة موضع القدمين وفي رواية طهارة موضع القدمين والجبهة ولا يضر نجاسة ما عداه الا أن يتحرك بحركته لنا النهى عن الصلاة في المزبلة والمجزرة كما سيأتي ولا سبب له الا نجاستهما وكما يعتبر ذلك في جهة السفل يعتبر في جهة العلو والجوانب المحيطة به حتي لو وقف بحيث يحتك في صلاته بجدار نجس بطلت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 صلاته ولو صلي علي بساط تحته نجاسة أو على طرف آخر منه نجاسة أو على سرير قوائمه على نجاسة لم يضر خلافا لابي حنيفة حيث قال ان كان يتحرك ذلك الموضع بحركته لم يجز وإذا نجس احد البيتين تحرى كما في الثياب والاواني وإذا اشتبه مكان من بيت أو بساط فوجهان (اصحهما) انه لا يجزى كما لو خفى موضع النجاسة من الثوب الواحد والثاني نعم كما لو اشتبه ذلك في الصحراء يتحرى ويصلي ولو كان ما يلاقى بدنه وثيابه من موضع الصلاة طاهر لكن كان ما يحاذي صدره أو بطنه أو شيئا من بدنه في السجود نجسا فهل تصح صلاته فيه وجهان (احدهما) لا لان القدر الذى يوازيه منسوب إليه بكونه مكان صلاته فيعتبر طهارته كقميصه الفوقاني الذى لا يلاقى بدنه لما كان منسوبا إليه نعتبر طهارته (واصحهما) ان صلاته صحيحة لانه ليس حاملا للنجاسة ولا ملاقيا لها فصار كما لو صلي علي بساط احد طرفيه نجس تصح صلاته وان عد ذلك مصلاه ونسب إليه وقوله فليكن كل ما يماس بدنه طاهرا ينبغي ان يعلم بالحاء وكذا قوله فلا بأس بنجاسته لما ذكرناه والمراد ما يماس بدنه وثيابه وقوله وما لا يماس أي لا يماسهما وفى لفظ المماسة اشارة الي انه لو كان تحت البساط الذى يصلي عليه نجاسة لم يضر وان كان يصلي علي نجاسة لانه لا مماسة ولو بسط علي النجاسة ثوبا مهلهل النسيج وصلى عليه فان كان يحصل المماسة والالتقاء في الفرج لم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 تصح الصلاة وان كان لا يحصل الالتقاء لكن النجاسة تحاذى من الفرج يده الموضوعة عليه في السجود أو سائر بدنه فهذا علي الوجهين السابقين في نجاسة ما يحاذي صدره * قال (وقد نهى عليه السلام عن الصلاة في سبعة مواطن المزبلة والمجزرة وقارعة الطريق وبطن الوادي والحمام وظهر الكعبة وأعطان الابل * أما مسلخ الحمام ففيه تردد * واعطان الابل مجتمعها عند الصدر عن المنهل إذ لا يؤمن نفارها هذا حكم النجاسات التى لا عذر في استصحابها) * مما يتعلق بمكان الصلاة الكلام في الاماكن التى ورد النهى عن الصلاة فيها وقد روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم نهي عن الصلاة في سبعة مواطن المزبلة والمجزرة وقارعة الطريق وبطن الوادي والحمام ومعاطن الابل وفوق ظهر بيت الله تعالي ويروى بدل بطن الوادي المقبرة فاما المزبلة والمجزرة فالنهي فيهما لنجاسة المكان فلو فرش عليه ثوبا أو بساطا طاهرا فللنهى معنيان (احدهما) غلبة النجاسة في الطرق والثاني ان مرور الناس يشغله عن الصلاة قال في التتمة اختلفوا في ان العلة ماذا وبنى عليه الصلاة في جوار الطرق في البراري ان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 قلنا النهي للمعنى الاول يثبت فيها ايضا وان قلنا للمعنى الثاني فلا وفى صحة الصلاة في الشوارع مع غلبة النجاسات فيها القولان اللذان ذكرناهما في باب الاجتهاد لتعارض الاصل والغالب فان صححناها فالنهى للتنزيه وإلا فللتحريم فلو بسط شيئا طاهرا صحت لا محالة وتبقى الكراهة بسبب الشغل: وأما بطن الوادي فسبب النهى فيه خوف السيل السالب للخشوع فان لم يتوقع السيل ثم فيجوز ان يقال لا كراهة ويجوز ان يتبع ظاهر النهي: وأما الحمام فقد اختلفوا في سبب النهي فيه: منهم من قال سببه انه يكثر فيه النجاسات والقاذورات فيخاف اصابة الرشاش اياه ومنهم من قال بل سببه انه مأوى الشيطان فلا يصلى فيه وفي المسلخ وجهان مبنيان على هذين المعنيين ان قلنا بالاول فلا تنكره الصلاة فيه وان قلنا بالثاني فتكره وأيضا فان دخول الناس يشغله وهذا الوجه أظهر وتصح الصلاة بكل حال في المسلخ وغيره إذا علم طهارة الموضع خلافا لاحمد: وأما ظهر الكعبة فحكمه ما سبق في باب الاستقبال وأما اعطان الابل فقد فسرها الشافعي رضي الله عنه بالمواضع التي تنحى إليها الابل الشاربة ليشرب غيرها فإذا اجتمعت استبقت وهو المراد من قوله مجتمعها عند الصدر من المنهل وليس النهي فيها لمكان النجاسة فانه لا كراهة في مراح الغنم وأمر النجاسة لا يختلف روى انه صلي الله عليه وسلم قال " إذا ادركتكم الصلاة وانتم في مراح الغنم فصلوا فيها فانها سكينة وبركة وإذا ادركتكم وانتم في أعطان الابل فاخرجوا منها وصلوا فانها جن خلقت من جن ألا ترى إذا نفرت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 كيف تشمخ بانفها " والفرق من وجهين (احدهما) قال الشافعي رضى الله عنه يبين الخبر انها خلقت من اجن والصلاة تكره في مأوى الجن والشياطين ولهذا قال صلي الله عليه وسلم " اخرجوا من هذا الوادي فان فيه شيطانا " والثاني انه يخاف من نفارها وذلك يبطل الخشوع وهذا المعنى لا يوجد في الغنم ومراح الغنم هو مأواها ليلا وقد يصور في الغنم مثل ما صور في أعطان الابل وحكمهما واحد ومأوى الابل ليلا كالموضع المعبر عنه بالعطن نظرا الي انها مخلوقة من الجن ويخاف منها أيضا نعم النفار في الموضع الذى تقف فيه صادرة من المنهل اقرب لاجتماعها وازدحامها جائية وذاهبة فتكون الكراهة فيه اشد وكل واحد من العطن والمراح ااكان نجسا بالابوال والابعار لم تجز الصلاة فيه وإن كانا طاهرين صحت مع افتراقهما في الكراهة وقال احمد لا تصح الصلاة في العطن بحال وأما المقبرة فالصلاة فيها مكروهة بكل حال روى أنه صلي الله عليه وسلم قال " الارض كلها مسجد الا المقبرة والحمام " ثم ان كانت جديدة لم تنبش أو فرش على نبشها ثوبا طاهرا وصلى صحت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 صلاته خلافا لاحمد وإن صلي في مقبرة يعلم أن موضع الصلاة منها منبوش لم تصح الصلاة لاختلاط صديد الموتي به وإن شك في نبشه فقولان سبقا في نظائر المسألة اظهرهما الجواز لان الاصل الطهارة وبه قال مالك وابن ابى هريرة والثانى المنع لان الغالب في المقابر النبش وبه قال أبو اسحق ويكره استقبال القبور في الصلاة لما روى أنه صلى الله عليه وسلم " نهى ان تتخذ القبور محاريب " هذا تمام الكلام في النجاسات التي ليست هي في مظنة العفو والعذر * قال (اما مظان الاعذار فخمسة الاولي الاثر علي محل النجو ولو حمل المصلى من استجمر لم يجز على أصح الوجهين لان العفو في محل نجو المصلي للحاجة ولو حمل طيرا جاز وما في البطن ليس له حكم النجاسة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 قبل الخروج لانها مستترة خلقة وما على منفذه لا مبالاة به على الاظهر وفى الحاق البيضة المذرة بالحيوان تردد لان النجاسة مستترة خلقة والقارورة المصممة الرأس ليست كالبيضة (و) * القسم الثاني من النجاسات النجاسات الواقعة في مظنة العذر والعفو وقد جعل مظان الغذر خمسا (أحداها) الاثر علي محل النجو إذا استنجى بالحجر فهو معفو عنه وإن كان ذلك المحل نجسا اما كونه معفوا عنه فلما سبق من جواز الاقتصار علي الحجر واما كونه نجسا فلان المطهر هو الماء فلو خاض في ماء قليل نجس الماء لان العفو رخصة وتخفيف والخوض في الماء مما تندر الحاجة إليه ولو حمل المصلي من استنجى بالحجر ففى صحة صلاته وجهان (أحدهما) تصح لان ذلك الاثر واقع في محل العفو فلا عبرة به كما لو صلى المحمول معه وكما يعفى عنه من الحامل (واصحهما) انها لا تصح لان العفو عنه من المستجمر انما كان للحاجة ولا حاجة به الي حمل الغير فصار كما لو حمل شيئا آخر نجسا وينسب الوجه الاول إلى الشيخ ابي علي والثاني الي القفال ويجرى الوجهان فيما إذا حمل المصلي من علي ثوبه نجاسة معفو عنها ويقرب منهما الوجهان فيما لو عرق وتلوث بمحل النجو غيره لكن الاصح ههنا العفو لتعذر الاحتراز بخلاف حمل الغير ولو حمل طيرا أو حيوانا آخر لا نجاسة عليه صحت صلاته ولا نظر إلى ما في بطنه من النجاسة لانها في معدنها الخلقى فلا يعطى لها حكم النجاسة كما في جوف المصلي وما قدمناه من الفرق بين المصلي والمحمول ينقدح ههنا لكن روى ان النبي صلي الله عليه وسلم حمل امامة بنت ابى العاص في صلاته وهى بنت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 فلذلك قلنا بالصحة وهذا إذا كان الحيوان المحمول طاهر المنفذ فان لم يكن فهو جزء طاهر تنجس بما يخرج من النجاسة فهل تصح الصلاة فيه وجهان (أظهرهما) عند المصنف أنها تصح ولا مبالاة بذلك القدر اليسير (والثاني) لا تصح كما لو كان جزء آخر منه نجسا وهذا أظهر عند امام الحرمين ولم يورد في التتمة سواه والوجهان جاريان فيما لو وقع هذا الحيوان في ماء قليل أو مائع آخر وخرج حيا هل يحكم بنجاسته لنجاسة المنفذ لكن الظاهر ثم العفو لان الحمل لا تعرض الحاجة إليه الا علي سبيل الندور وصيانة الماء وسائر المائعات عنها مما يشق وأيضا فان الطيور لم تزل تغوص في المياه الكثيرة والقليلة وكان الاولون لا يحترزون عنها ولو حمل بيضة صار حشوها دما وظاهرها طاهر ففى صلاته وجهان حكاهما القفال وغيره (أحدهما) تصح صلاته كما لو حمل حيوانا طاهر الظاهر لان النجاسة في الصورتين مستترة خلقة (وأظهرهما) أنها لا تصح كالنجاسات الطاهرة إذا حملها بخلاف باطن الحيوان لان للحيوان اثرا في درء النجاسات الا ترى انها إذا زالت نجس جميع الاجزاء وأما البيضة فهي جماد ويجرى هذا الخلاف فيما إذا حمل عنقودا استحال باطن حباته خمرا ولا رشح على ظاهرها وكذلك في كل استتار خلقي ولو حمل قارورة مصممة الرأس بصفر ونحوها وفيها نجاسة فظاهر المذهب وهو المذكور في الكتاب ان صلاته تبطل لان الاستتار ههنا ليس بخلقي بخلاف البيضة والحيوان وعن أبي على بن أبي هريرة أنها تصح لان النجاسة باطنة لا يخرج منها شئ فاشبهت ما في البيضة وباطن الحيوان ولو حمل حيوانا مذبوحا بعد غسل الدم عن موضع الذبح فالذي قاله الائمة أن الصلاة باطلة بخلاف الحمل في حال الحياة ولم يذكروا ههنا الخلاف المذكور في البيضة ونحوها وذلك جواب منهم علي ظاهر المذهب والا فالنجاسة مستترة ههنا أيضا خلقة ويجوز أن يجعل منافذ الحيوان فارقا والله أعلم وقوله في مسألة حمل الطير لانها مستترة خلقة ظاهر اللفظ انما هو التعليل بمجرد الاستتار خلقة ولو كان كذلك لوجب ان لا يقع التردد في البيضة لوجود العلة لكن في الحيوان وجد امران الاستتار الخلقي وكونه في باطن الحيوان فكأن بعضهم جعل العلة مجموع الامرين ومنع من حمل البيضة وبعضهم اكتفى بالوصف الاول وجوز حمل البيضة فإذا قوله لانها مستترة خلقة اشارة الي الوصف الذى لابد منه ثم يبقى الكلام في انه مؤثر وحده أو مع شئ آخر وأراد بالبيضة المذكورة التى صار حشوها دما والا فهي كالمح المنتن وهو طاهر وقوله القارورة المصممة الرأس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 يعنى بالصفر والنحاس وما أشبه ذلك أما التصميم بالخرقة ونحوها فلا يغنى كلف النجاسة في الخرقة والشمع عند بعضهم كالخرقة والحقة القاضى ابن كج بالرصاص * قال (الثانية يعذر من طين الشوارع فيما يتعذر الاحتراز عنه غالبا وكذا ما علي الخف في حق من يصلى معه) * طين الشوارع ينقسم الي ما يغلب علي الظن اختلاطه بالنجاسات والي ما يستيقن والي غيرهما فاما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 غيرهما فلا بأس به واما ما يغلب على الظن اختلاطه بالنجاسات ففيه قولان سبق ذكرهما في باب الاجتهاد وأما ما تستيقن نجاسته فيعفى عن القليل منه لان الناس لابد لهم من الانتشار في حوائجهم وكثير منهم لا يملك الا ثوبا واحدا فلو أمروا بالغسل لعظم العناء والمشقة واما الكثير فلا يعفي عنه سائر النجاسات والقليل هو الذى يتعذر الاحتراز عنه والرجوع في الفرق بينه وبين الكثير الي العادة ويختلف الامر فيه بالوقت وبموضعه من البدن وذكر الائمة له تقريبا فقالوا القليل المعفو عنه هو الذى لا ينسب صاحبه الي سقطة أو نكبة أو قلة تحفظ فان نسب الي شئ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 من ذلك فهو كثير وقوله ويعذر من طين الشوارع اراد به القسم الثالث وهو المستيقن النجاسة على ما صرح به في الوسيط ثم الذى يغلب علي الظن نجاسته في معناه ان فرعنا علي العمل بالغالب واما قوله وكذا ما على الخف في حق من يصلي معه فاعلم أولا أن اصحابنا حكوا عن الشافعي رضى الله عنه قولين في أنه إذا أصابت أسفل خفه أو نعله نجاسة فدلكه بالارض حتى ذهب أجزاؤها هل تجوز صلاته فيه قالوا وهما؟ ؟ علي انه لا يطهر والكلام في العفو احدهما وهو القديم أنه تجوز صلاته فيه وبه قال أبو حنيفة لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " إذا أصاب أحدكم أذى فليدلكه بالارض " ولان النجاسة تكثر في الطرق وغسله كل مرة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 مما يشق فعفى عنه فاكتفى بالمسح كمحل النجو والثانى وهو الجديد أنه لا يجوز الصلاة فيه ما لم يغسل كالثوب إذا أصابته نجاسة والاذى في الخبر محمول علي المستقذرات وذكروا للقولين شروطا (أحدها) ان يكون تنجسه بنجاسة لها جرم يلتصق به أما البول ونحوه فلا يكفى فيه الدلك بحال (والثانى) ان يقع الدلك في حال الجفاف فاما ما دام رطبا فلا يغنى الدلك بلا خلاف (والثالث) حكى عن الشيخ ابي محمد ان الخلاف فيما إذا كان يمشى في الطريق فأصابته النجاسة من غير تعمد منه فاما إذا تعمد تلطيخ الخف بها وجب الغسل لا محالة ثم قال الاصحاب الفتوى علي الجديد ولم يفرقوا في حكاية القولين بين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 القليل والكثير من طين الشوارع المستيقن نجاسته ومن سائر النجاسات الغالبة في الطرق واعلم ثانيا ان قوله وكذا ما على الخف يعني من طين الشوارع وسائر النجاسات الغالبة في الطرق كالروث وغيره لان لفظه في الوسيط وكذا ما علي الخف من نجاسة لا يخلو الطريق عن مثلها وإذا عرفت ذلك فلك ان تقول (ان قلنا) بالقديم فيحتمل نجاسة الخف ويكتفى بانتشار جرم النجاسة عنه بالدلك بعد الجفاف وان قلنا بالجديد فلا يحتمل ذلك فما معني قوله وكذا ما علي الخف اهو جواب على القديم ام كيف الحال والجواب ان خروجه علي القديم واضح لا ينكرو وراءه احتمالان اقربهما أن يكون القولان مفروضين في الكثير الذى لا يعفى عنه من النجاسات هل يجب غسله إذا اصاب الخف ام يكفى فيه الدلك ويكون المراد مما ذكره في الكتاب القليل من الطين المستيقن نجاسته ومن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 الروث وغيره فيعفى عنه في الخف كما في الثوب والبدن من غير غسل ولا دلك بل العفو فيه لان الاحتراز اشق وكذلك يكتفى فيه بالدلك علي قول ولا يكتفى به في الثوب والبدن بحال فعلي هذا لا يتعين كلام الكتاب جوابا على القديم بل القليل معفو عنه بلا خلاف والاثر الباقي علي القديم ايضا فينتظم فيهما الحكم بالعفو مما علي الخف والاحتمال الثاني ان يؤخذ باطلاق القولين ويطرد في القليل والكثير من هذه النجاسات ويجوز ان يفرق علي هذا بين الخف والثوب بأن الحاصل علي الثوب لطخات قليلة والحاصل على الخف قدر كبير وايضا فان الخف ينزع في الغالب ولا يحتاج إلى استصحابه بخلاف الثياب فعلي هذا يتعين كلام الكتاب جوابا علي القديم ومتى وقع التفريع على القديم مرادا سواء كان ذلك كل المراد أو من المراد فيجب ان يريد بقوله وكذا ما على الخف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 اثر النجاسات المذكورة بعد الجفاف دون عينها فانه لو بقى العين فلا يحتمل علي القديم ايضا كما لا يحتمل على الجديد وعلى الاحتمال الاول ينبغى ان يعفى عن اللوث الحاصل على جميع اسفل الخف واطرافه ويعد ذلك قليلا بخلاف ما لو كان علي الثوب والبدن وكذا يعفى عن اللوث في حال الرطوبة كما في الثوب والبدن بخلاف ما إذا فرعنا علي القديم فان العفو يختص بالاثر الباقي بعد الجفاف والدلك ثم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 العفو بكل حال فيما يحصل من غير قصد منه اما لو تعمد التلطيخ فلا وهكذا يكون الحكم في الثوب والبدن ولهذا قال في باب الاستقبال الماشي المتنفل لو مشي على نجاسة قصدا بطلت صلاته ولا تجب المبالغة في التحفظ عند كثرة النجاسات في الطرق (فان قلت) حكيتم ثم عن امام الحرمين أنه لو مشى علي نجاسة رطبة بطلت صلاته سواء كان قاصدا إليها أو لم يكن وهذا يخالف ما ذكرتم الآن (قلنا) ذاك إذا جرينا علي الاحتمال الاول الاقرب محمول علي ما إذا حصل تلويث كثير لا يقع في حد العفو واعلم أن قوله في باب المسح على الخفين يمسح أعلى الخف وأسفله إلا أن يكون على أسفله نجاسة إن كان تجويزا للصلاة معه وعفوا فتنزيله علي قضية القولين كما ذكرنا في قوله وكذا ما على الخف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 ويمكن أن يقال ليس الغرض ثم سوى أنه لا يمسح علي الاسفل إذا كان عليه نجاسة كما قدمناه * قال (الثالثة دم البراغيث معفو عنه إلا إذا كثر كثرة يندر وقوعها ويختلف ذلك بالاوقات والاماكن فان وقع كثرته في محل الشك فالاحتياط أحسن والترخص به جائز ايضا) * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 دم البراغيث ينقسم إلى قليل وكثير فالقليل معفو عنه في الثوب والبدن جميعا لانه مما تعم البلوى به ويشق الاحتراز عنه فعفي عنه نفيا للحرج واما الكثير ففيه وجهان أصحهما عند العراقيين والقاضي الرويانى وغيرهم انه يعفي عنه أيضا لانه من جنس ما يتعذر الاحتراز عنه والغالب في هذا الجنس عسر الاحتراز فيلحق غير الغالب منه بالغالب كما أن المسافر يترخص وإن لم يلحقه في سفره مشقة اعتبارا بالغالب ولان الحاجة الي الفرق والتمييز بين القليل والكثير مما توجب المشقة والوجه الثاني انه لا يعفي عنه لان الاصل اجتناب النجاسات وانما خالفنا في القليل لعموم البلوى به وهذا أصح عند امام الحرمين وهو المذكور في الكتاب وفى معنى دم البراغيث دم القمل والبعوض وما أشبه ذلك وكذا ونيم الذباب وبول الخفاش ولو كان قليلا فعرق وانتشر اللطخ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 بسببه ففيه الوجهان المذكوران في الكثير واختيار القاضي الحسين انه لا يعفى عنه لمجاوزته محله واختيار أبى عاصم العبادي العفو لتعذر الاحتراز ثم بماذا يفرق بين القليل والكثير في دم البراغيث وغيره حكى فيه قولان قديمان أحدهما ان القليل قدر دينار فما دونه وان زاد عليه فهو كثير والثانى ان القليل ما دون قد الكف والجديد انه لا عبرة بذلك واختلفوا فيما يضبط به علي قياسه في الجديد علي وجهين أحدهما انه إذا بلغ حد يظهر للناظر من غير تأمل وامعان طلب فهو كثير وان كان دونه فهو قليل لان المقصود من الاحتراز عن النجاسات تعظيم أمر الصلاة وأداؤها على الهيئة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 الحسني وإذا صارت النجاسة بحيث تظهر للناظرين فقد اختل معنى التعظيم وأظهرهما ان الرجوع فيه الي العادة فما يقع التلطيخ به غالبا وتعسر الاحتراز عنه فهو قليل وان زاد عليه فهو كثير وذلك لان اصل العفو انما اثبتناه لتعذر الاحتراز عن هذه النجاسة فينظر في الفرق بين القليل والكثير إليه ايضا فعلي الوجه الاول لا يختلف الحال بالاماكن والاوقات وعلى الوجه الثاني هل يختلف فيه وجهان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 احدهما لا بل يعتبر الوسط المعتدل ولا ينظر في الازمنة والامكنة الي ما يندر فيه ذلك ولا إلى ما يتفاحش فيه وأظهرهما انه يختلف الامر باختلاف الاوقات والاماكن لان لها تأثيرا ظاهرا في سهولة الاحتراز وعسرة فعلى هذا يجتهد المصلى فيه وينظر اهو قليل أم كثير وإذا فرعنا علي ما ذكره في الكتاب وهو أن الكثير لا يعفي عنه فلو شك في ان ما اصابه قليل أو كثير فقد ذكر امام الحرمين فيه احتمالين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 أحدهما انه لا يعفى عنه لان الاصل اجتناب النجاسة والرخصة انما تثبت في القليل فإذا شككنا في انه قليل ام لا فقد شككنا في المرخص والثانى انه يعفى لان الاصل في هذه النجاسة العفو الا إذا تيقنا الكثرة وهذا هو الذى رجحه وذكره في الكتاب حيث قال والترخص جائز ايضا والاول هو الاحتياط الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 ولنبين المواضع المستحقة للعلامات من هذا الفصل قوله الا إذا كثر ينبغي ان يعلم بالواو للوجه الصائر إلى العفو في الكثير والقليل وكذلك بالحاء والالف لان الحكاية عن أبي حنيفة ان دم البراغيث طاهر وبه قال أحمد في أصح الروايتين فلا فرق بين القليل والكثير وهذا مذهبهما في الرطوبة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 المنفصلة عن كل ما ليس له نفس سائلة كونيم الذباب ونحوه وقوله كثرة يندر وقوعها بالواو اشارة الي القولين القديمين فانهما لا ينظران الي غلبة الوقوع وندرته ولا يعتبران الكثرة بندرة الوقوع وقوله ويختلف ذلك بالاوقات والاماكن للوجه الصائر إلى مراعاة الظهور والوجه المعتبر للوسط ايضا وقوله والترخص جائز أيضا ينبغي ان يعلم ايضا للاحتمال الاول على ما سبق قال (الرابعة دم البثرات وقيحها وصديذها معفو عنه وان أصابه من بدن غيره فوجهان ولطخات الدماميل والفصدان دام غالبا فكدم الاستحاضة وان لم يدم ففى الحاقها بالبثرات تردد) دم البثرات كدم البراغيث لان الانسان قلما يخلو عن بثرة يترشح منها شئ فلو وجب الغسل كل مرة لشق بل ليس دم البراغيث الا رشحات تمصها البراغيث من بدن الانسان ثم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 تمجها والا فليس لها دماء في نفسها ذكره امام الحرمين وغيره ولذلك عدت البراغيث مما ليس له نفس سائلة إذا تمهد ذلك فالقليل منه معفو عنه بلا خلاف وفى الكثير وجهان كما في دم البراغيث ولفظ الكتاب ههنا وان كان مطلقا الا انه اراد به القليل لوجهين (أحدهما) أنه أجاب بعدم العفو في دم البراغيث إذا كان كثيرا والخلاف في الدمين واحد فلا ينتظم أن نحكم ههنا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 بالعفو في الكثير والثانى انه قال متصلا به وان أصابه من بدن الغير فوجهان والخلاف فيما يصيبه من بدن الغير في القليل دون الكثير على ما سيأتي وإذا كان مراده القليل فلا حاجة إلى اعلامه بالواو من حديث أن اللفظ يتناول الكثير وهو مختلف فيه لان القلة مضمرة فيه لكن يجوز ان يعلم بالواو من جهة انه يشمل ما إذا عصر البثرة قصدا واخرج ما فيها وقد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 نقل صاحب التتمة في هذه الصورة وجهين لانه مستغنى عنه والاظهر العفو علي ما يقتضيه اطلاق الكتاب لما روى أن ابن عمر رضى الله عنهما عصر بثرة على وجهه ودلك بين اصابعه بما خرج منها وصلي ولم يغسله ولو اصابه دم من بدن غيره من آدمي أو بهيمة أو غيرهما نظر ان كان كثيرا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 فلا عفو عنه لانه قدر فاحش والاحتراز عنه سهل وان كان قليلا وهو المراد من لفظ الكتاب فقد حكى فيه وجهين وكذلك فعل الصيدلانى وجماعة والجمهور حكوهما قولين احدهما وهو نصه في الاملاء انه لا يعفى عنه لانه لا يشق الاحتراز عنه فاشبه القليل من الخمر وسائر النجاسات والثانى وهو نصه في القديم وفى الام انه يعفي عنه لان جنس الدم يتطرق إليه العفو فيقع القليل منه في محل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 المسامجة والاصح منهما عند العراقيين انما هو العفو وتابعهم صاحب التهذيب وعند امام الحرمين وجماعة عدم العفو وهو الاحسن ولو أصابه شئ من دم نفسه ولكن لا من البثرات بل من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 الدماميل والقروح ومن موضع الفصد والحجامة ففيه وجهان (احدهما) ويحكى عن ابن سريج انه كدم البثرات لانها وان لم تكن غالبة فليست بنادرة ايضا وإذا وجدت دامت وعسر الاحتراز الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 عن لطخها ولان الفرق بين البثرات والدماميل الصغار قد يعسر والثانى انها لا تلحق بدم البثرات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 لان البثرات لا يخلو معظم الناس عنها في معظم الاحوال بخلاف الدماميل والجراحات وعلي هذا فينظر ان كان مثلها مما يدوم غالبا فهى كدم الاستحاضة وحكمه ما سبق في الحيض وان كان مما لا يدوم غالبا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 فيلحق بدم الأجنبي حتى لا يعفى عن كثيره بحال وفى قليله الخلاف الذى سبق والوجه الاول هو قضية كلام الاكثرين حيث لم يفرقوا في الدم الخارج من البدن بين ان يخرج من البثرات أو غيرها والوجه الثاني وهو اختيار القاضى ابن كج والشيخ ابى محمد وامام الحرمين رحمهم الله وهو الاولي وإذا أردت تلخيص حكم الدماء بعد دم البراغيث فطريقه علي قضية الوجه الاول أن نقول ما سوى دم البراغيث ينقسم إلى الخارج من بدنه فهو كدم البراغيث والى غيره فلا يعفي عن كثيره وفى قليله الخلاف وعلي قضية الوجه الثاني أن نقول ما سوى دم البراغيث ينقسم الي الخارج من بدنه على وجه يعم وهو دم البثرات فهو كدم البراغيث والي غيره ويدخل فيه ما يخرج من بدنه وعلي وجه لا يعم وما يخرج من غيره فلا يعفي عن كثيره وفى قليلة الخلاف وحكم القيح والصديد حكم الدم في جميع ما ذكرناه لانهما دما مستحيلان الي نتن وفساد وأما ماء القروح والنفطات فان كان له رائحة كريهة فهو نجس كالقيح والصديد والا ففيه طريقان (أحدهما) القطع بطهارته تشبيها له بالعرق (والثاني) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 فيه قولان (احدهما) هذا (وأظهرهما) النجاسة كالصديد الذى لا رائحة له ويحكى هذا عن الشيخين أبي محمد وأبى علي وأما ما يتعلق بلفظ الكتاب فمنه ما اندرج في اثناء الكلام ومنه ان قوله وان أصابه من بدن الغير راجع الي اول كلامه وهو دم البثرات لكن الخلاف في دم الغير لا يختص بالخارج من بثراته بل يستوى فيه الخارج من البثرات وغير البثرات وقوله ولطخات الدماميل والفصد وقد يقرأ بعضهم بدل الفصد العقد ولا بأس به فموضع الفصد والحجامة والدماميل كلها في الحكم سواء وقوله ان دام غالبا أي أن دام مثلها غالبا وكذا قوله وان لم يدم أي مثلها أو ما اشبه ذلك والا فلا يمكن ان يكون قوله دام ولم يدم صفة الدماميل ولا صفة اللطخات لان منها ما هو دائم ومنها ما هو غير دائم فلا يجوز وصف كلها لا بالدوام ولا بعدم الدوام ثم لك ان تستدرك فتقول نظم الكتاب يقتضى أن يكون التردد في الحاقها بدم البثرات مخصوصا بلطخات الدميل التى لا تدوم وان تكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 لطخات الدماميل الدائمة ملحقة بدم الاستحاضة من غير تردد وليس الامر كذلك بل حكى امام الحرمين وغيره في الحاقها بدم البثرات وجهين مطلقا كما قدمنا ثم يفصل على وجه عدم الالحاق فيقال ما يدوم منها كدم الاستحاضة وما لا يدوم كدم الأجنبي وايراده في الوسيط محتمل لما ذكره في الوجيز ولما هو الحق * قال (الخامسة الجاهل بنجاسة ثوبه فيه قولان الجديد وجوب القضاء فان كان عالما ثم نسي فقولان مرتبان واولى بالوجوب (م) ومثار التردد انه من قبيل المناهى فيكون النسيان عذرا فيه أو من قبيل الشروط كطهارة الحدث) * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 إذا صلي وعلي ثوبه أو بدنه أو موضع صلاته نجاسة غير معفو عنهما وهو لا يدرى نظر ان لم يعلم بها أصلا ثم تبين الامر له ففى وجوب القضاء قولان الجديد وبه قال أبو حنيفة انه يجب كما لو بان له بعد الفراغ من الصلاة انه كان محدثا والقديم انه لا يجب لما روى انه صلي الله عليه وسلم " خلع نعله في الصلاة فخلع الناس نعالهم فلما قضى صلاته قال ما حملكم علي ما صنعتم قالوا رأيناك القيت نعلك فالقينا نعالنا فقال ان جبريل أتاني واخبرني أن فيها قذرا " والاستدلال انه بعد تبين الحال مضى في صلاته ولم يستأنف ولو علم بالنجاسة ثم نسى فصلى ثم تذكر فطريقان (احدهما) القطع بوجوب القضاء لتفريطه (والثانى) أنه علي القولين لان النسيان عذر كالجهل ويقال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 ان القول بعدم وجوب الاعادة مخرج من القول القديم في نسيان الماء في الرحل ولا يمكن اعتبارها بالحدث فان العفو الي النجاسات أسرع منه إلي الحدث فيجوز ان يعد الجهل والنسيان فيها من الاعذار ثم إذا أوجبنا الاعادة فيجب اعادة كل صلاة تيقن أنه صلاها مع تلك النجاسة وان احتمل انها حدثت بعد ما صلي فلا شئ عليه وعن أبي حنيفة ان كانت النجاسة رطبة اعاد صلاة واحدة وان كانت يابسة وكان في الصيف فكذلك وان كان في الشتاء اعاد صلاة يوم وليلة إذا عرفت ذلك فاعلم ان قوله الجاهل بنجاسة ثوبه المراد منه النجاسة التى لا يعفي عنها والخلاف لا يختص بالثوب بل البدن والمكان في معناه وإنما ذكر الثوب مثالا فقوله الجديد وجوب القضاء اعلم لفظ الوجوب بالميم لان المنقول عن مالك انه كان الوقت باقيا يعيد والا فلا قال الشيخ أبو حامد ومهما قال مالك ذلك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 فلا يوجب الاعادة ولكن يستحبها في الوقت وحكى امام الحرمين مثل ذلك عن أئمة مذهبه ويجوز ان يعلم بالالف ايضا لانه روى عن أحمد روايتان في المسألة كالقولين وقوله فقولان مرتبان في الصورة الثانية يشير الي أن فيها طريقين كما رويناهما وقوله وأولي بالوجوب يجوز ان يعلم لفظ الوجوب بالميم والالف اشارة الي مذهبهما والحكم عندهما واحد في الصورتين وقوله ومثار التردد الي آخره شرحه ان خطاب الشارع قسمان (أحدهما) خطاب التكليف بالامر أو النهي والنسيان يؤثر في هذا القسم الا يرى ان الناس لا ياثم بترك المأمور ولا بفعل المنهى لانه لم يبق مكلفا عند النسيان بل التحق بالمجنون وبسائر من لا يخاطب والقسم الثاني خطاب الاخبار وهو ربط الاحكام بالاسباب وجعل الشي شرطا من هذا القبيل فان معناه ان يقول إذا لم يوجب كذا في كذا فهو غير معتد به والنسيان لا يؤثر في هذا القسم ولهذا يجب الضمان علي من اتلف مال الغير ناسيا لانه مأخوذ من قوله من أتلف ضمن واختلاف القولين مستند الي أن استصحاب النجاسة من قبيل المناهي في الصلاة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 حتى إذا كان ناسيا يعذر ولا يعد مقصرا مخالفا أو الطهارة عنها من قبيل الشروط فلا يؤثر الجهل والنسيان كما في طهارة الحدث وقد ورد في الباب الفاظ ناهية نحو قوله صلي الله عليه وسلم " تنزهوا من البول " وقوله تعالي والزجر فاهجروا الفاظ شارطة نحو ما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم ": فهذا بيان ما ذكره واعلم ان هذا الكلام يوجب ان يكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 قوله من قبل الشرط الثاني طهارة الحدث بناء على قوله الجديد وان يكون القول القديم منازعا فيه ثم لك أن تقول انه عد ترك الكلام من الشروط ومعلوم ان الكلام ناسيا لا يضر بلا خلاف بيننا فان كانت الشروط لا تتأثر بالنسيان فمن الواجب ان لا يعده شرطا وحيث ادرجه في الشروط فكأنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 اراد بالشروط عند عد الاشياء الستة ما لا بد منه في الصلاة عند العلم واراد بالشروط في قوله ههنا ومن قبيل الشروط ما لا بد منه مطلقا وما لا بد منه عند العلم قد يكون بحيث لا بد منه علي الاطلاق وقد لا يكون كذلك ثم بتقدير ان يكون استصحاب النجاسة من المناهى في الصلاة فلم تبطل الصلاة إذا استصحبها عالما ايلزم ذلك من نفس النهي ام يؤخذ من دليل زائد فيه كلام اصولي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 لا اطول منها بذكره خاتمة لهذا الشرط قوله في اول القسم الثاني اما مظان الاعذار فخمس يشعر بانحصارها في الخمس المذكورة لكن للعذر مظان أخر منها النجاسة التى تستصحبها المستحاضة وسلس البول في صلاته ومنها ما إذا كان على جرحه دم كثير يخاف من ازالته ومنها تلطخ سلاحه بالدم في صلاة شدة الخوف ومنها الشعر الذى ينتف ولا يخلوا عنه ثوبه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 وبدنه وحكمه حكم دم البراغيث ومنها القدر الذى لا يدركه الطرف من البول والخمر وغير الدم من النجاسات ففيه خلاف ذكرناه في الطهارة وقال أبو حنيفة النجاسة قسمان مغلظة ومخففة فالمغلظة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 كالخمر والعذرة وبول ما لا يؤكل لحمه فيعفى عنها في الثوب والبدن والمكان بقدر الدرهم البغلي فما دونه فان زاد لم يجز والمخففة كبول ما يؤكل لحمه فتجوز الصلاة معه ما لم يتفاحش وهو ان لا يبلغ ربع الثوب ومنهم من قال التفاحش الشبر في الشبر * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 قال (الشرط الثالث ستر العورة وهو واجب في غير الصلاة وفى وجوبه في الخلوة تردد والمصلي في الخلوة يلزمه الستر في الصلاة) * وجوب ستر العورة عند القدرة لا يختص بحالة الصلاة بل يجب في غير حالة الصلاة أيضا لما روى انه صلي الله عليه وسلم " قال لا تكشف فخذك ولا تنظر إلى فخذ حى ولا ميت " وروى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 " لا تبرز فخذك " وهذا إذا كان معه غيره فاما إذا كان في الخلوة فوجهان احدهما وبه قال الشيخ أبو محمد لا يجب إذ ليس ثم من ينظر إليه وروى هذا عن أبى حنيفة واحمد واصحهما وبه قال الشيخ أبو علي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 يجب لظاهر الخبر وللتستر عن الجن والملائكة وأيضا فان الله تعالي أحق ان يستحيي منه واما في حالة الصلاة فهو شرط للصحة فلو تركه مع القدرة بطلت صلاته سواء كان في خلوة أو معه غيره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 خلافا لمالك حيث قال انه ليس بشرط لكنه واجب في الصلاة وغيرها وروى بعضهم عن مذهبه أن الستر شرط عند الذكر ولا يشترط حالة النسيان لنا قوله تعالي خذوا زينتكم عند كل مسجد عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال يعنى الثياب عند الصلاة وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال " لا يقبل الله صلاة الحائض الا بخمار " والمراد بالحائض البالغة فلك أن تعلم قوله الشرط الثالث ستر العورة بالميم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 لما حكينا عن مذهب مالك وقوله يلزمه الستر في الخلوة ان كان المراد منه الاشتراط فكذلك ينبغى أن يعلم بالميم وان كان المراد منه الوجوب فلا ويجوز أن يعلم قوله ستر العورة بالحاء والالف أيضا لانه يشير إلى أن ستر الكل شرط فانه لو كان البعض مكشوفا فاصح أن يقال ما ستر عورته انما ستر بعضها وعند أبي حنيفة لو ظهر من العورة المغلظة قدر درهم بطلت صلاته ولا باس بظهور ما دونه ولو ظهر من العورة المخففة قدر ربع عضو بطلت الصلاة ولا باس بظهور ما دونه قال والمغلظة السوأتان والمخففة ما سواهما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 علي تفاوته بين الرجل والمرأة كما سيأتي وعند أحمد لو ظهر اليسير من العورة لم يضر ولم يقدر كما فعله أبو حنيفة رحمه الله * قال (وعورة الرجل ما بين السرة والركبة وعورة الحرة جميع بدنها الا الوجه واليدين إلى الكوعين وظهر القدم عورة في الصلاة وفى أخمصها وجهان أما الامة فما يبدو منها في حال المهنة ليس بعورة وما هو عورة من الرجل فو عورة منها وما بينهما) * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 ترجمة هذا الشرط الثالث انما هي ستر العورة فيجب بيان العورة وبيان كيفية الستر وانه بم يحصل وهذا الفصل لبيان حد العورة وهى من الرجل حرا كان أو عبدا ما بين السرة والركبة وليست السرة من العورة ولا الركبة علي ظاهر المذهب لما روى عن أبى أيوب الانصاري رضى الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " ما فوق الركبة ودون السرة عورة " وروى انه قال " عورة الرجل ما بين سرته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 وركبته " وليكن قوله ما بين السرة والركبة معلما بالحاء لان عند ابي حنيفة الركبة غير خارجة عن حد العورة وان كانت السرة خارجة وبالميم لان عن مالك الفخذ ليس بعورة وبالواو لامور ثلاثة (أحدها) انهم حكوا وجها عن بعض الاصحاب أنهما جميعا من العورة (والثانى) أن أبا عبد الله الحناطي حكى عن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 الاصطخرى أن عورة الرجل هي القبل والدبر فقط (والثالث) أن أبا عاصم العبادي حكي عن بعضهم أن الركبة من العورة دون السرة وليكن معلما بالالف ايضا لان عن احمد رواية أن عورته القبل والدبر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 لا غير وعنه رواية أخرى مثل مذهبنا وهي أظهر عندهم وايضا فان المراد من العورة ههنا ما يجب ستره في الصلاة وعنده يجب ستر المنكب في الصلاة المفروضة وهو خارج عما بين السرة والركبة اما المرأة فان كانت حرة فجميع بدنها عورة الا الوجه واليدين لقوله تعالي (ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها) قال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 المفسرون هو الوجه والكفان وليس المراد الراحة وحدها بل اليدان ظهرا وبطنا الي الكوعين خارجتان عن حد العورة ولا يكاد يفرض ظهور باطن اليدين دون ظاهرهما ولا يستثنى ظهور قدميها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 خلافا لابي حنيفة حيث قال القدمان من العورة وبه قال المزني لنا ما روى صلي الله عليه وسلم " سئل عن المرأة تصلي في درع وخمار من غير ازار فقال لا باس إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها " وهل يستثني اخمصا القدمين حكي صاحب الكتاب وطائفة فيه وجهين وجعلهما آخرون قولين منهم القفال (احدهما) انهما ليستا من العورة لان النبي صلي الله عليه وسلم خص ظهور القدمين بالذكر فاشعر ذلك بان تغطية باطن القدمين لا تجب (واصحهما) انهما من العورة تسوية بين ظاهرهما وباطنهما كما يسوى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 بين ظاهر اليدين وباطنهما في الخروج عن حد العورة: ولك ان تعلم قوله واليدين بالالف لان اصحابنا حكوا عن احمد انه لا يستثنى الا الوجه ويدها عورة وقوله وظهر القدمين عورة في الصلاة كالمستغنى عنه ولو اقتصر علي قوله الا الوجه واليدين وفى اخمصي قدميها وجهان لحصل الغرض لانه إذا لم يستثن الا الوجه واليدين بقى ظهر القدمين داخلا في المستثنى منه واذ ذكره فليعلم بالحاء والزاى لما قدمناه وقوله عورة في الصلاة أشار به إلى ان العورة قد تطلق لمعنى آخر وهو ما يحرم النظر إليه وكلامنا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 الآن فيما يجب ستره في الصلاة فاما ما يجوز النظر إليه وما لا يجوز فيذكر في اول كتاب النكاح هذا ما قصده لكن هذه الاشارة لا اختصاص لها بظهر القدم فلو تعرض لها في اول ما ذكر العورة لكان احسن واما الامة فقد جعل بدنها على ثلاث مراتب (احداها) ما هو عورة من الرجل فلا شك في كونه عورة منها (والثانية) ما يبدو وينكشف في حال المهنة فليس بعورة منها وهو الراس والرقبة والساعد وطرف الساق لانها تحتاج الي كشفه ويعسر عليها ستره وفيه وجه ان جميع ذلك عورة كما في حق الحرة سوى الرأس لان عمر رضي الله عنه رأى أمة سترت رأسها فمنعها عن ذلك وقال أتتشبهين بالحرائر فليكن قوله مما يبدو منها في حال المهنة معلما بالواو لهذا الوجه (والثالثة) ما عداهما كالظهر والصدر وفيه وجهان أحدهما انه عورة كما في حق الحرة وانما احتملنا الشكف فينا يظهر عند المهنة لان الحاجة تدعو إليه واصحهما انه ليس بعورة لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال في الرجل يشترى الامة " لا باس أن ينظر إليها الا الي العورة وعورتها بين معقد ازارها الي ركبتها " وحكم المكاتبة والمدبرة والمستولدة ومن بعضها رقيق حكم الامة وحكم الخنثي المشكل ان كان رقيقا وقلنا بظاهر المذهب وهو ان عورة الامة كعورة الرجل فلا يلزمه أن يستر في صلاته الا ما بين السرة والركبة وان كان حرا أو رقيقا وقلنا ان عورة الامة أكثر من عورة الرجل وجب عليه ستر الزيادة على عورة الرجل ايضا لجواز الانوثة فلو خالف ولم يستر الا ما بين السرة والركبة فهل تجزيه صلاته فيه وجهان نقلهما في البيان أحدهما نعم لان كون الزيادة عورة مشكوك فيه والثانى لا لاشتغال ذمته بفرض الصلاة والشك في براءتها * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 قال (وأما الساتر فكل ما يحول بين الناظر وبين البشرة ولا يكفى الثوب السخيف ولا الماء الصافى ويكفى الماء الكدر والطين وفى وجوب التطيين عند فقد الثوب وجهان وإذا كان القميص متسع الذيل فلا باس وان كان متسع الجيب لم يجز الا إذا كانت كثافة لحيته تمنع من الرؤية عند الركوع فيجوز علي أحد الوجهين وكذا لو ستر باليد بعض عورته) * في الفصل مسألتان (أحداهما) في صفة الساتر ويجب ان يستر عورته بما يحول بين الناظر ولون البشرة فلا يكفى الثوب الرقيق الذى يشاهد من ورائه سواد البشرة وبياضها وكذا الغليظ المهلهل النسج الذي تظهر بعض العورة من فرجه فان مقصود الستر لا يحصل بذلك اما لو ستر اللون ووصف حجم الاعضاء فلا باس كما لو لبس سروالا ضيقا أو ثوبا ضيقا ووقف في الشمس وكان حجم أعضائه يبدو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 من وارئه ولو وقف في ماء صاف لم تصح صلاته لانه لا يحول بين الناظر ولون البشرة الا إذا غلبت الخضرة لتراكم الماء فان خاض فيه الي عنقه ومنعت الخضرة من رؤية لون البشرة فحينئذ يجوز وقوله ولا الماء الصافى المراد منه غير هذه الحالة وان كان اللفظ مطلقا ولو وقف في ماء كدر وصلي فهل يجزئه فيه وجهان اصحهما وهو المذكور في الكتاب انه يجزئه لانه يمنع مشاهدة اللون فاشبه ورق الشجر والجلد وغيرها والثانى لا يجزئه لانه لا يعد ساتر حكي هذا عن الحاوى ونقله أبو الحسن العبادي عن القفال ايضا وانما تفرض الصلاة في الماء إذا قدر علي الركوع والسجود علي الارض أو كان في صلاة الجنازة حتى لا يحتاج إلى الركوع والسجود ولو طين عورته واستتر اللون اجزأه وان قدر على الستر بالثياب لحصول مقصود الستر هذا هو المشهور وذكر امام الحرمين انه متفق عليه بين الاصحاب لكن صاحب العدة قال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 فيه وجه آخر انه لا يجوز لانه إذا جف تشقق فلا يحصل به الستر وهذا قريب من الوجه المحكي في الماء الكدر فان الستر بهما مما لا يعتاد بحال فليكن كل واحد من اللفظين الماء الكدر والطين معلما بالواو وإذا فرعنا على الظاهر فلو لم يجد ثوبا ونحوه وأمكنه التطيين فهل يجب عليه ذلك فيه وجهان احدهما لا وبه قال أبو اسحق لما فيه من المشقة والتلويث واصحهما نعم لحصول الستر وإذا طين فان كان الطين ثخينا وأمكن الاحتراز عن مس الفرج بثخنه فذاك وان كان رقيقا فليلف خرقة علي اليد ان وجدها وله ان يستعين فيه بغيره وكل هذا إذا عجز عن تقديم التطيين علي الوضوء (المسألة الثانية) في كيفية الستر قال الاصحاب الستر يرعى من الجوانب ومن فوق ولا يرعي من اسفل الازار والذيل حتي لو صلى في قميص متسع الذيل وان كان على طرف سطح يرى عورته من نظر من الاسفل لان الستر انما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 يلزم من الجهة التى جرت العادة بالنظر منها والعادة لم تجر بالنظر من أسفل وتوقف امام الحرمين وصاحب المعتمد في صورة الواقف علي طرف السطح لان الستر من الاسفل انما لا يراعي إذا كان علي وجه الارض فان التطلع من تحت الازار لا يمكن الا بحيلة وتعب أما إذا كان علي طرف السطح فالاعين تبتدر ادراك السوءة فليمتنع ذلك ولو صلي في قميص واسع الجيب ترى عورته من الاعلي في حال من احوال الصلاة اما في الركوع والسجود أو غيرهما لم تصح الصلاة لما روى عن سلمة بن الاكوع قال " قلت يا رسول الله انى رجل اصيد أفاصلى في القميص الواحد قال نعم وازرره بشوكة " وطريقه عند سعة الجيب أن يزره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 كما أرشد إليه النبي صلي الله عليه وسلم أو يشد وسطه بخيط أو يستر موضع الجيب بشئ يلقيه على عاتقه أو ما أشبه ذلك وكذا لو لم يكن واسع الجيب لكن كان علي صدر القميص أو ظهره خرق تبدو منه العورة فلا بد من شئ مما ذكرناه ولو كان القميص بحيث يرى من سعة جيبه شئ من العورة عند الركوع والسجود لكن منع منها لحيته أو شعر رأسه ففيه وجهان أحدهما لا تجزيه صلاته لان الساتر لا بد وان يكون غير المستتر فلا يجوز أن يكون بعضه لباسا له وهذا ما ذكره القاضي ابن كج والروياني واصحهما أنه يجوز لحصول مقصود الستر كما لو ستره بمنديل وكما لو كان على ازاره ثقبة فجمع عليها الثوب بيده ولو ستر باليد الثقبة ففيه الوجهان ولا يخفى أن الكلام فيما إذا لم تمس السوءة ولو كان القميص بحيث تظهر منه العورة عند الركوع ولا مانع وكان لا يظهر شئ منها في القيام فهل تنعقد صلاته ثم إذا انحنى بطل أو لا تنعقد أصلا قال امام الحرمين فيه هذا الوجهان لان سبب عدم التكشف التصاق صدره في القيام بموضع ازراره وتظهر فائدة الخلاف فيما لو اقتدى به غيره قبل الركوع وفيما لو القى ثوبا على عاتقه قبله ويتبين بما ذكرناه أن قوله الا إذا كانت كثافة لحيته مانعة من الرؤية ليس لحصر الاستثناء في هذه الصورة بل لو صلى في قميص متسع الجيب وشد وسطه أو أتى بطريق آخر يمنع الرؤية كما سبق جاز وكذا لو ستر باليد بعض عورته في جريان الوجهين والاصح منهما (واعلم) أنه يشترط في الستر ان يكون الساتر شيئا يشتمل الستور عليه اما باللبس كالثوب والجلد أو بغير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 اللبس كما في صورة التطيين فأما الفسطاط الضيق ونحوه فلا عبرة به لانه لا يعد مشتملا عليه وانما يقال هو داخل فيه ولو وقف في جب وصلي على جنازة فان كان واسع الرأس تظهر منه العورة لم يجز وان كان ضيق الرأس فقد قال في التتمة يجوز ذلك ومنهم من قال لا يجوز لانه لا يعد ذلك سترا * قال (ولو وجد خرقة لا تكفى الا لاحدى السوءتين لم يستر بها الفخذ ويخير بين السوءتين علي أعدل الوجوه إذ لا ترجيح ولو عتقت الامة في أثناء الصلاة تسترت واستمرت فان كان الحمار بعيدا فعلي قولي سبق الحدث) * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 في الفصل مسالتان نذكرهما وما يليق بهما في قاعدتين (احداهما) إذا لم يجد المصلى ما يستر به العورة صلى عاريا والقول في أنه كيف يصلى وإذا صلى هل يقضى قد سبق في آخر كتاب التيمم ولو حضر جمع من العراة فلهم أن يصلوا جماعة وينبغى أن يقف امامهم وسطهم كالنسوة إذا عقدن الجماعة وهل يسن لهم اقامة الجماعة أم الاولى ينفردوا فيه قولان القديم أن الانفراد اولي ويحكى عن أبي حنيفة ولو كان فيهم لابس فليؤمهم وليقفوا صفا واحدا خلفه فان خالفوا فأم عار واقتدى به اللابس جاز خلافا لابي حنيفة حيث قال لا يجوز اقتداء اللابس بالعارى ولو اجتمع رجال ونساء فلا يصلون معا لا في صف ولا في صفين بل يصلي الرجال أولا والنساء جالسات خلفهم مستدبرات للقبلة ثم يصلي الرجال والنساء جالسون خلفهن كذلك ولو وجد المصلي ما يستر به بعض العورة فعليه أن يستر به القدر الممكن بلا خلاف لا كمن يجد من الماء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 ما لا يكفيه لطهارته فان فيه خلافا قدمناه لان للماء بدلا ينتقل إليه والستر بخلافه ثم ان كان ما وجده يكفى للسوءتين بدأ بهما ولو كان لا يكفى الا أحدهما لم يعدل الي ستر غيرهما كالفخذ لان ما سوى السوءتين كالتابع والحريم لهما فسترهما أهم واولي وفيهما ثلاثة أوجه أصحها عند جمهور الاصحاب وحكوه عن نص الشافعي رضي الله عنه أنه يستر القبل رجلا كان أو امرأة لانه لا حائل دون القبل ودون الدبر حائل وهو الاليتان والثانى انه يستر الدبر لانه افحش عند الركوع والسجود والثالث انه يتخير لتعارض هذين المعنيين حكى هذا الوجه القاضي ابن كج وغيره وهو ارجح عند المصنف وأعدل لتقابل الامرين وانتفاء الترجيح لكن من صار الي الوجه الاول ذكر شيئا آخر وهو انه يستقبل بالقبل القبلة فيكون ستره اهم تعظيما لها وهذا كله في واضح الذكورة والانوثة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 أما الخنثى المشكل ان وجد ما يستر به قبله ودبره قدم سترهما فان لم يف الموجود بهما وفرعنا على انه يقدم القبل فيستر قبليه فان كان لا يكفى الا لاحدهما ستر ايهما شاء والاولي ان يستر آلة الرجال ان كان ثم امراة وآلة النساء ان كان ثم رجل ثم ما ذكرناه من تقديم السوءتين أو احداهما علي الفخذ وغيره ومن تقديم احدى السوءتين علي الاخرى على الخلاف الذى فيه كلام في الاستحقاق أو في الاولوية والاستحباب قال امام الحرمين لا يمتنع ان يقال الكلام في الاولوية وله ستر ما شاء لان الفخذ وما دون السرة من العورة ولا فرق عندنا بين السوءة وغيرها في وجوب الستر وابو حنيفة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 رحمه الله هو الذى يفصل ويقسم العورة الي مغلظة ومخففة قال وفى كلام الاصحاب ما يدل علي أنه في التحتم نظر الي عرف الناس فان من ستر فخذه وترك السوءة بادية يعد منكشفا (واعلم) أن الاول من هذين الاحتمالين هو الذى أورده طائفة منهم القاضى الرويانى وردوا الكلام الي الاولوية صريحا والثاني قضية كلام الاكثرين وهو الاولى وقوله في الكتاب لم يستر بها الفخذ: ان كان المراد منه احد الاحتمالين فليعلم بالواو لمكان الثاني وان كان المراد المشترك بينهما وهو الظاهر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 فذاك (الثانية) لو كانت الامة تصلي مكشوفة الرأس فعتقت في خلال الصلاة نظر ان لم تقدر على الستر مضت في صلاتها كالعاجز ياتي بجميع الصلاة في العرى وان كانت قادرة على الستر لكنها لم تشعر بقدرتها عليه أو لم تشعر بالعتق حتي فرغت من الصلاة ففى وجوب القضاء عليها القولان المذكوران فيما إذا صلي جاهلا بنجاسة ثوبه ومنهم من قطع بالوجوب ههنا لانها كانت متمكنة من الستر قبل الشروع في الصلاة وان شعرت بهما فان كان الخمار قريبا منها فطرحته علي رأسها أو طرحه غيرها عليها مضت في صلاتها وكان ذلك بمثابة ما لو كشف الريح عورته فرد الثوب في الحال وان كان بعيدا أو احتاجت في التستر إلى أفعال كثيرة ومضي مدة في التكشف ففيه القولان المذكوران في سبق الحدث فان فرعنا على القديم فلها ان تسعى في طلب الساتر كما يسعي في طلب الماء وان وقفت حتي أتيت به نظر ان وصل إليها في المدة التي كانت تصل إليه لو سعت فلا باس وان زادت المدة فوجهان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 أحدهما يجوز ذلك لما فيه من ترك المشي والافعال وأظهرهما لا يجوز وتبطل صلاتها لزيادة المدة وكثره الافعال لا باس بها علي القول الذى يفرع عليه وينبغي أن يطرد هذا التفصيل والخلاف في طلب الماء عند سبق الحدث وان لم نذكره ثم هو لو شرع العارى في الصلاة ثم وجد السترة في اثنائها فحكمه علي ما ذكرنا في الامة تعتق وهي واجدة السترة: ونختم الكلام في هذا الشرط بفروع مهمة (منها) أنه ليس للعاري أخذ الثوب من مالكه قهرا ولو وهبه منه لم يلزمه قبوله وحكى فيه وجهان آخران أحدهما أنه يلزمه القبول والصلاة فيه ثم له الرد والثاني عليه القبول وليس له الرد ولو اعاره منه فعليه القبول فلو لم يقبل وصلي عريانا لم تصح صلاته ولو باعه أو آجره منه فهو كما لو بيع الماء منه وقد ذكرناه في التيمم واقراض الثوب كاقراض الثمن ولو احتاج الي شراء الثوب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 والماء ولم يقدر علي شرائهما يقدم شراء الثوب (ومنها) لو أوصى بثوبه لاولي الناس به في ذلك الموضع فالمرأة أولي من الرجل والخنثى أولى من الرجل (ومنها) لو لم يجد الا ثوبا نجسا ولم يجد ما يغسله به فقولان أحدهما يصلي فيه تسترا عن أعين الناس كما أنه يجب التستر به خارج الصلاة وعلي هذا تجب الاعادة واصحهما انه يصلي عاريا ولا يلبسه فان لم يجد الا ثوب حرير فاصح الوجهين أنه يصلي فيه لان لبس الحرير يباح للحاجة (ومنها) يستحب أن يصلي الرجل في أحسن ما يجده من ثيابه يتعمم ويتقمص ويرتدى فان اقتصر علي ثوبين فالافضل قميص ورداء أو قميص وسراويل فان اقتصر علي واحد فالقميص أولي ثم الازار ثم السراويل وانما كان الازار أولي لانه يتجافى ثم في الثوب الواحد ان كان واسعا التحف به وخالف بين طرفيه كما يفعل القصار في الماء وان كان ضيقا عقده الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 فوق سرته ويجعل علي عاتقه شيئا ويستحب ان تصلي المرأة في قميص سابغ وخمار وتتخذ جلبابا كثيفا فوقا ثيابها ليتجافي عنها ولا يتبين حجم اعضائها قال (الشرط الرابع ترك الكلام والعمد منه مع العلم بتحريمه مبطل للصلاة قل أو كثر فتبطل الصلاة بالحرف الواحد ان كان مفهما وان لم يكن مفهما فلا تبطل الا بتوالي حرفين وفى حرف بعده مدة تردد والتنحنح بغير ضرورة مبطل في أصح الوجوه وان تعذرت القراءة الا به لم يضر وان تعذر الجهر فوجهان) * عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال " ان صلاتنا هذه لا يصح فيها شئ من كلام الآدميين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 انما هي للتسبيح والتكبير وتلاوة القرآن " وروى انه صلي الله عليه وسلم قال " ان الله يحدث من أمره ما يشاء وان مما أحدث ان لا تتكلموا في الصلاة " للمتكلم في الصلاة حالتان (أحداهما) أن لا يكون معذورا فيه (والثانية) أن يكون معذورا وهذا الفصل مسوق لبيان الحالة الاولي فينظر ان نطق بحرف واحد لم تبطل صلاته الا إذا كان مفهما اما انه لا تبطل إذا لم يكن مفهما فلان أقل ما بنى عليه الكلام حرفان والحرف الواحد ليس من جنس الكلام واما انه تبطل إذا كان مفهما فلاشتماله على مقصود الكلام والاعراض به عن الصلاة ومثال الحرف الواحد المفهم ق وش من وقى ووشي وما أشبه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 ذلك فانه يفهم وان كان ينبغى أن يسكت عليها بالهاء وان نطق بحرفين بطلت صلاته سواء أفهما أم لا لان ذلك من جنس الكلام والكلام ينقسم الي مفيد وغير مفيد ولو اتي بحرف ومدة بعده فهل هما كالحرفين فيه وجهان أحدهما لا لانها قد تتفق لاشباع الحركة ولا يعد حرفا وأظهرهما نعم لان المدة الف أو ياء أو واو وهي حروف مخصوصة فضمها الي الحرف كضم حرف آخر إليه ومال امام الحرمين الي رفع هذا الخلاف بحمل الوجه الاول علي ما إذا أتبعه بصوت غفل لا يقع علي صورة المدات والجزم بالمنع إذا أتبعه بحقيقة المد وفى التنحنح ثلاثة اوجه أظهرها انه ان لم يبن منه حرفان فلا تبطل الصلاة والا فيبطلها كما لو اتي بحرفين على وجه آخر والثانى انه لا تبطل وان بان منه حرفان لانه ليس من جنس الكلام ولا يكاد يتبين منه حرف محقق فاشبه الصوت الغفل وحكي هذا عن نص الشافعي رضي الله عنه والثالث ذكر القفال انه ان كان مطبقا فمه لم يضر وان كان فاتحا فمه ننظر حينئذ هل يبين منه حرفان ام لا والفرق انه ان كان مطبقا شفتيه كان التنحنح كقرقرة في التجاويف فإذا فرعنا على الاول وهو الذى قطع به الجمهور فذلك إذا أتى به قصدا من غير حاجة فاما إذا كان مغلوبا فلا باس ولو تعذرت القراءة الا به تنحنح وهو معذور وان أمكنه القراءة لكن تعذر عليه الجهر لو لم يتنحنح ففيه وجهان أحدهما أنه يعذر به اقامة لشعار الجهر ولان التنحنح في أثناء القراءة لا يعد منقطعا عن القراءة بل يعد من توابعها وأظهرهما أنه ليس بعذر لان الجهر أدب وسنة ولا ضرورة إلى احتمال التنحنح له ولو تنحنح الامام وظهر منه حرفان فهل للمأموم أن يدوم على متابعته فيه وجهان ذكرهما القاضي الحسين أحدهما لا بل يفارقه لان الاصل سلامته وصدور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 أفعاله عن اختياره وأظهرهما أن له أن يدوم علي متابعته لان الاصل بقاء العبادة والظاهر من حاله الاحتراز عن مبطلات الصلاة فيحمل علي كونه مغلوبا والضحك والبكاء والنفخ والانين كالتنحنح ان بان منها حرفان بطلت صلاته والا فلا ولا فرق بين أن يكون بكاؤه لامر الدنيا أو الآخرة وعند أبي حنيفة ان كان الانين والبكاء لامر الجنة أو النار لم يضر وان كان لمرض ونحوه بطلت صلاته بكل حال إذا عرفت ذلك فعد إلى الفاظ الكتاب واعلم أن قوله والعمد منه مبطل للصلاة الغرض منه بيان حكم الكلام في غير المعذور لادارة الحكم على وصف العمدية فانه قد يتكلم عامدا ولا تبطل صلاته علي ما سيأتي في الاعذار لكن الوصف المقابل للعمدية وهو النسيان أشهر الاعذار فكني بالعامد عن غير المعذور وقوله فتبطل الصلاة بالحرف الواحد الي آخره اشارة إلى حد القليل معناه ما قل هو الحرف الواحد ان كان مفهما أو حرفان كيفما كانا وقوله والتنحنح لغير ضرورة مبطل في أصح الوجوه مطلق والمراد منه ما إذا ظهر منه حرفان فان قلت لو لم يظهر الا حرف واحد لم يقع عليه اسم التنحنح وقد تعرض في الكتاب للتنحنح فلا حاجة إلى التقييد المذكور فالجواب أن انتقاء ظهور الحرفين قد يكون لانحصار ما ظهر في الحرف الواحد وقد يكون لاسترسال سعال لا يبين منه حرف أصلا فلا بد من التقييد (وقوله) لغير ضرورة كأن المراد بالضرورة الحاجة والا فيدخل في قوله والتنحنح لغير ضرورة مبطل ما إذا تعذرت القراءة الا به لانه يمكنه الصبر فلعلها تتيسر على قرب وحينئذ يكون ما ذكره حكما بالبطلان في تلك الصورة ومعلوم انه ليس كذلك * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 قال (ولا تبطل الصلاة بسبق اللسان ولا بكلام الناسي (ح) ولا بكلام الجاهل (ح) بتحريمه ان كان قريب العهد بالاسلام وهل تبطل بكلام المكره فيه قولان ومصلحة الصلاة ليست عذرا (م) في الكلام) * غرض هذا الفصل القول في اعذار الكلام فمنها سبق اللسان إلى الكلام عن غير قصد منه لا يقدح في الصلاة بحال لانا سنبين ان الناسي معذور فهذا أولي لان الناسي يتكلم قاصدا إليه وانما غفل عن الصلاة وهذا غير قاصد الي الكلام وكذلك لو غلبه الضحك أو السعال لم يضر وان بان منه حرفان ومنها النسيان فلا تبطل الصلاة بكلام الناسي للصلاة خلافا لابي حنيفة حيث قال كلام الناسي ككلام العامد وسلم أبو حنيفة أن سلام الناسي لا يبطلها وعن احمد روايتان أحداهما مثل مذهبه والاشهر مثل مذهبنا لنا ما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال " صلي بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر وسلم في ركعتين فقال ذو اليدين فقال أقصرت الصلاة ام نسيت فقال كل ذلك لم يكن فقال قد كان بعض ذلك فاقبل على الناس فقال أصدق ذو اليدين فقيل نعم فاتم ما بقى من الصلاة وسجد للسهو " ووجه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 الاستدلال انه تكلم معتقدا انه ليس في الصلاة ثم بني عليها وايضا القياس علي السلام ناسيا وعلي الاكل في الصوم ناسيا ومنها الجهل بتحريم الكلام علي المصلى لما روى عن معاوية بن الحكم قال " لما رجعت من الحبشة صليت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم فعطس بعض القوم فقلت يرحمك الله فحدقنى الناس بابصارهم فقلت ما شأنكم تنظرون الي فضربوا بايديهم علي أفخاذهم يسكتونني فسكت فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا معاوية ان صلاتنا هذه لا يصلح فيها شئ من كلام الناس انما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " وهذا عذر في حق قريب العهد بالاسلام فان كان بعيد العهد به بطلت صلاته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 لانه مقصر بترك التعلم ولو علم أن الكلام حرام في الصلاة ولكن لم يعلم أنه مبطل لها لم يكن ذلك عذرا كما لو علم أن شرب الخمر حرام ولم يعلم أنه يوجب الحد بخلاف ما لو لم يعلم التحريم والسبب فيه انه بعد ما عرف التحريم حقه الامتناع وقال في الوسيط عقيب هذه المسألة الجهل بكون التنحنح أو ما يجرى مجراه مبطلا فيه تردد يعنى وجهين والاصح انه عذر ويبعد أن يكون التصوير فيما إذا جهل كون التنحنح مبطلا بعد العلم بتحريمه فانا انما اكتفينا في المسألة السابقة بالعلم بالتحريم من حيث انه إذا علم التحريم فينبغي أن يمتنع عن الحرام ولا حاجة إلى العلم بكونه مبطلا وهذا موجود في التنحنح فلا يظهر بينهما فرق مع التسوية في الحرمة والقول بكونهما مبطلين ولكن الاقرب شيئان أحدهما ان يكون هذا التردد في الجاهل بكون التنحنح مبطلا بعد العلم بكون الكلام مبطلا أو حراما لا التنحنح وان بان منه حرفان لا يعد كلاما فلا يلزم من العلم بالمنع عن الكلام العلم بالمنع منه والتردد علي هذا التنزيل قريب من التردد فيما إذا علم أن جنس الكلام محرم ولم يعلم ان ما أتي به هل هو محرم ام لا والظاهر في الصورتين أنه معذور والثانى ان يكون التردد في حق بعيد العهد بالاسلام إذا جهل كون التنحنح مبطلا هل يعذر ام لا فعلي رأى لا كما إذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 جهل كون الكلام مبطلا وعلى رأى نعم لان ذلك مشهور لا يكاد يجهله مسلم وهذا مما يختص بمعرفته الفقيه والله اعلم ومنها الاكراه فلو اكره حتي تكلم هل تبطل صلاته فيه قولان كالقولين فيما لو اكره الصائم علي الاكل احدهما لا تبطل صلاته الحاقا للاكراه بالنسيان وفى الخبر " رفع عن امتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " واصحهما ولم يذكر في التهذيب سواه انها تبطل لانه أمر نادر بخلاف النسيان وصار كما لو اكره علي أن يصلى بلا وضوء أو قاعدا تجب عليه الاعادة ولا يكون عذرا ثم جميع هذه الاعذار في الكلام اليسير فاما إذا كثر ففى صورة النسيان وجهان مشهوران (احدهما) انه لا يبطل الصلاة لانه لو أبطلها لابطلها القليل كما في حالة التعمد وبهذا قال أبو اسحق واظهرهما عند الجمهور انها تبطل وعليه يدل كلام الشافعي رضي الله عنه في المختصر وذكروا له معنيين احدهما ان الاحتراز عن الكثير سهل غالبا لان النسيان فيه يبعد ويندر وما يقع نادرا لا يعتد به والثانى انه يقطع نظم الصلاة وهيئتها والقليل يحتمل لقلته ورتبوا علي هذه المسألة بطلان الصوم بالاكل الكثير ناسيا ان قلنا لا تبطل الصلاة فالصوم أولي بان لا يبطل وان قلنا ببطلان الصلاة ففى الصوم وجهان مبنيان علي المعنبين ان قلنا بالمعني الاول يبطل وان قلنا بالثاني فلا إذ ليس في الصوم افعال منظومة حتى يفرض انقطاعها وانما هو انكفاف مجرد واجري صاحب المهذب وغيره هذا الخلاف في حالة الجهل ايضا وكذلك في سبق اللسان: وما الحد الفارق بين القليل والكثير حكى في البيان عن الشيخ ابي حامد ان الكلام اليسير حده الكلمة والكلمتان والثلاث ونحوها وعن ابن الصباغ ان اليسير هو القدر الذى تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذى اليدين وكل واحد منهما للتمثيل اصلح منه للتحديد والاظهر فيه وفى نظائره الرجوع الي العادة علي ما سيأنى إذا عرفت ذلك عرفت أن قوله ولا تبطل بسبق اللسان ولا بكلام الناسي الي آخره المراد منه الكلام اليسير وان كان اللفظ مطلقا الا أن يريد الجواب على الوجه المنسوب إلى ابى اسحق فحينئذ لا حاجة إلى التقييد ويحتاج إلى الاعلام بالواو والظاهر انه ما اراد الا اليسير وقوله ولا بكلام الناسي معلم بالحاء والالف لما قدمنا ولك ان تعلم قوله ولا بكلام الجاهل بالحاء ايضا لان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 في كلام اصحابنا حكاية الخلاف عن أبي حنيفة في صورة الجهل ايضا (وقوله) بان كان قريب العهد بالاسلام في بعض النسخ ان كان قريب العهد وهو اولى لان الغرض تقييد الجاهل وانما يقال بان يكون كذا في موضع التفسير والبيان (وقوله) ومصلحة الصلاة ليست عذرا في الكلام الغرض منه بيان انه لا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 فرق بين أن يتكلم لمصلحة الصلاة مثل أن يقول لامامه الساهي بالقيام اقعد أو بالقعود قم أو تكلم لا لمصلحتها وكونه لمصلحتها ليس من جملة الاعذار خلافا لمالك رضي الله عنه وهو رواية عن أحمد في حق الامام خاصة * لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم " قال الكلام ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء " وهذا مطلق * واحتج الاصحاب أيضا بان المأموم إذا أراد تنبيه الامام على سهوه فالسنة له أن يسبح إن كان رجلا وأن تصفق إن كانت امرأة فلو جاز أن ينبهه بالكلام لما أمر بالعدول إلى التسبيح وغيره واعرف ههنا شيئين (احدهما) ان التسبيح والتصفيق لا اختصاص لهما بحالة تنبيه الامام بل متى ناب الرجل شئ في صلاته كما إذا رأى اعمي يقع في بئر واحتاج الي تنبيهه أو استأذنه انسان في الدخول أو أراد اعلام غيره امرا فالسنة له ان يسبح والمرأة تصفق في جميع ذلك لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " إذا ناب احدكم شئ في صلاته فليسبح فانما التسبيح للرجال والتصفيق للنساء " (والثاني) ان المراد من التصفيق ان تضرب بطن كفها الايمن على ظهر كفها الايسر وقيل ان تضرب اكثر اصابعها اليمني على ظهر اصابعها اليسرى وقيل هو ضرب اصبعين على ظهر الكف والمعاني متقاربة والاول اشهر ولا ينبغى ان تضرب بطن الكف علي بطن الكف فان ذلك لعب ولو فعلت ذلك على اللعب بطلت صلاتها وان كان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 ذلك قليلا لان اللعب ينافى الصلاة فهذا شرح مسائل الكتاب وينخرط في سلك الاعذار سوى ما ذكره أمور (منها) ما يقع جوابا للرسول صلي الله عليه وسلم فإذا خاطب مصليا في عصره وجب عليه الجواب ولم تبطل بذلك صلاته (ومنها) لو أشرف انسان علي الهلاك فاراد انذاره وتنبيهه ولم يحصل ذلك الا بالكلام فلا بد له من ان يتكلم وهل تبطل صلاته فيه وجهان (أحدهما) وبه قال أبو إسحق واختاره جماعة من الاصحاب لا كاجابة النبي صلي الله عليه وسلم (واصحهما) عند الاكثرين نعم للنصوص المطلقة ويستثني جواب رسول الله صلي الله عليه وسلم لشرفه ولهذا أمر المصلي بان يقول سلام عليك ايها النبي ولا يجوز ان يقول ذلك لغيره (ومنها) ما حكى المحاملي وغيره انه لو قال آه من خوف النار لم تبطل صلاته والمشهور خلافه * قال (ولو قال ادخلوها بسلام على قصد القراءة لم يضر وان قصد التفهيم فان لم يقصد الا التفهيم بطلت وفي السكوت الطويل في اثناء الصلاة وجهان) الكلام الذى يقدح في الصلاة عند عدم الاعذار هو ما عدا القرآن والاذكار وما في معناها فاما القرآن فإذا أتي بشئ من نظمه قاصدا به القراءة لم يصر وان قصد مع القراءة شيئا آخر كتنبيه الامام أو غيره والفتح علي من ارتج عليه وتفهيم أمر من الامور مثل أن يقول لجماعة يستأذنون في الدخول ادخلوها بسلام آمنين أو يقول يا يحيى خذ الكتاب وما أشبه ذلك ولا فرق بين أن يكون منتهيا في قراءته إلى تلك الآية أو ينشئ قراءتها حينئذ وقال أبو حنيفة إذا قصد شيئا آخر سوى القراءة بطلت صلاته الا أن يريد تنبيه الامام أو المار بين يديه وكذا لو اتي بذكر وتسبيح في الصلاة وقصد به مع الذكر شيئا آخر ففيه هذا الخلاف وذلك مثل أن يحمد الله تعالي على عطاس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 أو بشارة يبشر بها أو يخبر بما يسوءه فيقول انا لله وانا إليه راجعون لنا ما روى عن علي رضى الله عنه قال " كانت لي ساعة ادخل فيها علي رسول الله صلي الله عليه وسلم فان كان في الصلاة سبح وذلك أذنه وان كان في غير الصلاة أذن " ولانه قصد الافهام والاعلام بشئ مشروع في الصلاة فلا يضر كما لو قصد تنبيه الامام والمار بين يديه ونقل صاحب البيان وغيره وجها عن بعض أصحابنا ايضا انه إذا قصد مع التلاوة شيئا آخر بطلت صلاته فليكن قوله وان قصد التفهيم معلما بالحاء والواو كذلك وان لم يقصد الا الافهام والاعلام فلا خلاف في بطلان الصلاة كما لو افهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 بعبارة أخرى ولو أتى بكلمات لا توجد في القرآن علي نظمها وتوجد مفرداتها مثل ان يقول يا ابراهيم سلام كن بطلت صلاته ولم يكن لها حكم القرآن بحال واما الاذكار والتسبيحات والادعية بالعربية فلا تقدح أيضا سواء المسنون وغير المسنون منها نعم ما فيه خطاب مخلوق غير رسول الله صلي الله عليه وسلم يجب الاحتراز منه فلا يجوز ان يقول للعاطس يرحمك الله وعن يونس بن عبد الاعلي عن الشافعي رضى الله عنه انه لا يضر ذلك وصحح القاضى الروياني هذا القول والمشهور الاول ويدل عليه ما قدمنا من حديث معاوية بن الحكم ولم ينقل خلاف في انه لا يجوز أن يسلم ولا ان يرد السلام لفظا ويرده بالاشارة بيده أو برأسه خلافا لابي حنيفة ولو قال يرحمه الله أو عليه السلام لم يضر هذا هو الكلام في احدى مسألتي الفصل وما يتعلق بها (والثانية) السكوت اليسير في الصلاة لا يضر بحال وفي السكوت الطويل إذا تعمده وجهان احدهما انه يبطل الصلاة لانه كالاضراب عن وظائفها إذ اللائق بالمصلى الذكر والقراءة والدعاء ومن رآه في سكتة طويلة سبق الي اعتقادة انه ليس في الصلاة كما أذا رآه يتكلم واصحهما لا تبطل لان السكوت لا يخرم هيئة الصلاة وما يجب فيها من رعاية الخضوع والاستكانة وخص في التهذيب الوجهين بما إذا سكت لغير غرض فاما لو سكت طويلا لغرض بان نسي شيئا فتوقف لتذكره فلا تبطل صلاته لا محالة ولو سكت سكوتا طويلا ناسيا وقلنا ان عمده مبطل فطريقان أحدهما التخريج علي الخلاف المذكور في الكلام الكثير ناسيا والثانى انه لا يضر جزما تنزيلا له منزلة الكلام اليسير ولهذا عند التعمد جعل طويل السكوت كقليل الكلام وسومح بقليل السكوت قال في الوسيط وهذا أصح (واعلم) ان الاشارة المفهمة من الاخرس نازلة منزلة عبارة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 الناطق في العقود هل تبطل الصلاة بها اجاب الامام الغزالي رحمه الله في الفتاوى بانها لا تبطل ورأيت بخط والدى رحمه الله حكاية وجه آخر أنها تبطل ككلام الناطق * قال (الشرط الخامس ترك الافعال الكثيرة والكثير ما يخيل للناظر الاعراض عن الصلاة كثلاث خطوات أو ثلاث ضربات متواليات ولا تبطل بما دونه ولا بمطالعة القرآن ولا بتحريك الاصابع في سبحة أو حكة علي الاظهر) * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 ما ليس من أفعال الصلاة ضربان (أحدهما) ما هو من جنسها فان فعله ناسيا عذر ولم تبطل صلاته لما روى أنه صلى الله عليه وسلم " صلي الظهر خمسا فلما تبين له الحال سجد للسهو ولم يعد الصلاة " وان كان عامدا بطلت سواء كثر أو قل كركوع وسجود ونحوهما لانه تلاعب في الصلاة واعراض عن نظام اركانها * وقال أبو حنيفة لا تبطل صلاته بزيادة الركوع والسجود عمدا وانما تبطل بزيادة ركعة: والضرب الثاني ما ليس من جنس أفعال الصلاة وهو المقصود في الكتاب فلا خلاف انه يفرق فيه بين القليل والكثير لما روى انه صلي الله عليه وسلم " صلي وهو حامل أمامة بنت أبي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 العاص فكان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها " وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال " اقتلوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 الاسودين في الصلاة الحية والعقرب " وروى انه صلي الله عليه وسلم " أخذ باذن ابن عباس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 رضي الله عنهما وهو في الصلاة فاداره من يساره الي يمينه " ودخل أبو بكرة المسجد والنبي صلي الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 عليه وسلم في الركوع فركع خيفة أن يفوته الركوع ثم خطا خطوة ودخل الصف فلما فرغ قال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 له النبي صلي الله عليه وسلم زادك الله حرصا ولا تعد " ولم يامره بالاعادة وروى انه صلى الله عليه وسلم سلم عليه نفر من الانصار فرد عليهم بالاشارة دلت هذه الاخبار ونحوها علي احتمال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 الفعل القليل في الصلاة والي هذا أشار المصنف حيث قال في ترجمة الشرط ترك الافعال الكثيرة وفى الكلام لما استوى قليله وكثيره في الابطال اطلق فقال ترك الكلام والمعنى فيه انه يعسر علي الانسان أو يتعذر السكون علي هيئة واحدة في زمان بل لا يخلو عن حركة واضطراب ولا بد للمصلى من رعاية التعظيم والخشوع فعفي عن القدر الذى لا يحمل على الاستهابة بهيئة الخشوع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 وأما في الكلام فالاحتراز عن قليله وكثيره هين * ثم بماذا يفرق بين القليل والكثير للاصحاب فيه عبارتان غريبتان وعبارتان مشهورتان فاحدى الغريبتين أن القليل مالا يسع زمانه لفعل ركعة من الصلاة فان وسع فهو كثير حكاها صاحب العدة والثانية ان كل عمل لا يحتاج فيه الي كلتا اليدين فهو قليل وما يحتاج فيه اليهما فهو كثير فالاول كرفع العمامة وحل اشرطة السراويل والثاني الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 كتكوير العمامة وعقد الازار والسراويل واما المشهورتان فاحداهما ما حكي عن القفال وغيره ان القليل هو القدر الذى لا يظن الناظر إليه أن فاعله ليس في الصلاة والكثير ما يظن ان فاعله ليس في الصلاة وهذا هو الذى ذكره في الكتاب فقال والكثير ما يخيل الي الناظر الاعراض عن الصلاة واعترضوا عليها بان هذا الظن والتخيل اما ان ينشا من انه غير محتمل في الصلاة شرعا أو من ان غالب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 عادة المصلين الاحتراز عنه من غير ان ينظر إلى انه محتمل ام لا فان كان الاول فانما يحصل هذا الظن أو الخيال لمن عرف حد الكثير المبطل ونحن عنه نبحث فكأنا قلنا الكثير هو الذي يحكم ببطلان الصلاة به من عرف انه مبطل ومعلوم ان هذا لا يفيد شيئا وان كان الثاني فهو يشكل بما إذ رآه يحمل صبيا أو يقتل حية أو عقربا فانه محتمل مع ان الناظر إليه يتخيل انه ليس في الصلاة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 لانه علي خلاف عادة المصلين غالبا والثانية ان الرجوع في الفرق بينهما الي العادة فلا يضر ما يعده الناس قليلا كالاشارة برد السلام وخلع النعل ولبس الثوب الخفيف ونزعه وما أشبه ذلك وهذه العبارة هي التى اختارها الاكثرون ومنهم الشيخ أبو حامد ومن تابعه ولم يذكر صاحب التهذيب سواها واوردها الصيدلانى مع الاولي واشعر ايراده بترجيح هذه الثانية ايضا وعند هذا لا يخفى عليك ان قوله والكثير ما يخيل إلى الناظر وينبغى ان يعلم بالواو اشارة الي العبارات الاخر ثم اطبق اصحاب العبارتين المشهورتين على ان الفعلة الواحدة معدودة من القليل كالخطوة الواحدة والضربة الواحدة وقد نص عليه الشافعي رضي الله عنه وعلى ان الثلاث فصاعدا من الكثير وفي الفعلتين وجهان محكيان عن رواية القاضى ابى الطيب وغيره احدهما انهما من حد الكثير لمكان التكرار وكالثلاث واصحهما انهما من القليل لما روى انه صلي الله عليه وسلم " خلع نعليه في الصلاة " وهما فعلتان ورايت في كثير من نسخ الكتاب قوله ولا تبطل بما دونه معلما بالواو كأنهم اشاروا به إلى الوجه الاول لكن انما ينتظم ذلك لو رجعت الكناية في قوله بما دونه إلى الخطوات والضربات ورجوعها الي قوله والكثير أظهر من رجوعها الي الخطوات الا ترى انه ذكر الكناية ولم يؤنثها ثم اجمعوا على ان الكثير انما يبطل بشرط أن يوجد علي التوالي واليه أشار بقوله متوالية أما لو تفرق كما لو خطا خطوة ثم بعد زمان خطا خطوة أخرى وهكذا مرارا لم تبطل صلاته وكذلك لو خطا خطوتين ثم بعد زمان خطوتين أخريين إذا قلنا أن الفعلتين من حد القليل * واحتجوا عليه بحديث حمل أمامة فان النبي صلي الله عليه وسلم كان يحملها ويضعها ولم يضر ذلك لتفريق الافعال والتفريق بان يعد الثاني منقطعا عن الاول في العادة وقال في التهذيب فيما إذا ضرب ضربتين ثم بعد زمان ضربتين أخريين وحد التفريق عندي ان يكون بين الاوليين والاخريين قدر ركعة لحديث امامة ثم ما ذكره الائمة ان الفعلة الواحدة تعد من القليل ارادوا به نحو الطعنة والضربة والخطوة فاما إذا أفرطت كالوثبة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 الفاحشة فانها تبطل الصلاة ذكره صاحب التهذيب وغيره وهو قضية العبارتين المشهورتين وكذلك قولهم الثلاث المتوالية من الكثير المبطل أرادوا الخطوة وما يشبهها واما الحركات الخفيفة كتحريك الاصابع في سبحة أو حكة أو عقد وحل ففيها وجهان أحدهما انها إذا كثرت وتوالت ابطلت لانها افعال متعددة فاشبهت الخطوات واظهرهما انها لا تؤثر لانها لا تخل بهيئة الخشوع فهي مع كثرة العدد بمثابة الفعل القليل وقد حكي عن نص الشافعي رضي الله عنه انه لو كان يعد الآى في صلاته عقدا باليد لم تبطل صلاته وان كان الاولى ان لا يفعله وبه قال أبو حنيفة وجميع ما ذكرناه فيما إذا تعمد الفعل الكثير فاما إذا اتى به ناسيا فقد حكى في النهاية فيه طريقين احدهما انه علي الوجهين في الكلام الكثير ناسيا والثانى ان اول حد الكثرة لا يؤثر كالكلام اليسير من الناسي فان اول حد الكثرة هو الذى يبطل عند التعمد كالكلام اليسير عند التعمد وما جاوز اول حد الكثرة وانتهي الي السرف فهو علي الخلاف في الكلام الكثير ناسيا والذى حكاه الجمهور من هذا الخلاف انه لا فرق في الفعل الكثير بين العمد والسهو وهو الذى يوافق ظاهر قوله الشرط الخامس ترك الافعال الكثيرة وفرقوا بينه وبين الكلام بان الفعل أقوى من القول ولهذا ينفذ احبال الجنون دون اعتاقه قالوا ولا يعارض هذا بان القليل من الفعل محتمل والقليل من الكلام غير محتمل لان القليل من الفعل لا يتأتى الاحتراز عنه والكلام مما يتاتي الاحتراز عنه من النوعين والله اعلم. واعلم انه يستثني عن ابطال العمل الكثير الصلاة حال شدة الخوف فيحتمل فيها الركض والعدو عند الحاجة وهل يحتمل عند عدم الحاجة فيه كلام مذكور في الكتاب في صلاة الخوف على ما سيأتي ان شاء الله تعالي: واما قوله ولا بمطالعة القرآن فاعلم انه لو قرأ القرآن من المصحف لم يضر بل يجب ذلك إذا لم يحفظ الفاتحة علي ما سبق ولو قلب الاوراق احيانا لم يضر لانه عمل يسير * وعن ابي حنيفة انه لو قرأ القرآن من المصحف بطلت صلاته لان النظر عمل دائم وعندنا لو كان ينظر في غير القرآن ويردد في نفسه ما فيه لا تبطل صلاته ايضا لان النظر لا يشعر بالاعراض عن الصلاة وحديث النفس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 معفو عنه وحكى القاضى ابن كج وجها ان حديث النفس إذا كثر ابطل الصلاة وقوله بعد مطالعة القرآن ولا بتحريك الاصابع في سبحة أو حكة علي الاظهر: الوجهان المخصوصان بالتحريك لا جريان لهما في مطالعة القرآن فلا يتوهم من العطف غير ذلك * قال (وإذا مر المار بين يديه فليدفعه فان أبي فليقاتله فانه شيطان هذا لفظ الخبر وهو تأكيد لكراهية المرور واستحباب الدفع فان لم ينصب المصلي بين يديه خشبة أو لم يستقبل جدار أو علامة لم يكن له الدفع علي أحد الوجهين لتقصيره ولا يكفيه أن يخط علي الارض بل لا بد من شئ مرتفع أو مصلي ظاهر وان لم يجد المار سبيلا سواه فلا يدفع بحال) * السبب الداعي للى ايراد هذا الفصل ههنا الاستدلال بالامر بالدفع علي الفعل القليل لا باس به في الصلاة ثم يتعلق به مسائل مقصودة فجرت العادة بذكرها في هذا الموضع والخبر المشار إليه ما روى أنه صلى الله عليه وسلم (قال إذا مر المار بين يدى احدكم وهو في الصلاة فليدفعه فان أبى فليدفعه فان أبي فليقاتله فانه شيطان) وروى البخاري في الصحيح عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم (قال إذا صلي احدكم إلي شئ يستره من الناس فاراد أحد ان يجتاز بين يديه فليدفعه فان أبى فليقاتله فانما هو شيطان) قيل معناه شيطان الانس وقيل معناه فان معه شيطانا فان الشيطان لا يجسر أن يمر بين يدى المصلي وحده فإذا مر إنسي رافقه والمستحب للمصلي أن يكون بين يديه سترة من جدار أو سارية أو غيرهما ويدنو منها بحيث لا يزيد ما بينه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 وبينها علي ثلاثة أذرع وان كان في الصحراء فينبغي ان يغرز عصا ونحوها أو يجمع شيئا من رحله ومتاعه وليكن قدر مؤخرة الرحل فان لم يجد شيئا شاخصا خط بين يديه خطا أو بسط مصلي لما روى عن أبى هريرة رضى الله عن أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فان لم يجد فلينصب عصا فان لم يكن معه عصا فليخط خطا ثم لا يضره ما مر بين يديه " ثم إذا صلى إلى سترة كره لغيره ان يمر بينه وبين السترة وهل هذه الكراهة للتحريم أو للتنزيه الذى ذكره في التهذيب انه لا يجوز المرور وصاحب الكتاب اراد بقوله وهو تأكيد لكراهية المرور التنزيه لانه صرح في الوسيط بان المرور ليس بمحذور وانما هو مكروه وكذلك ذكره امام الحرمين والاول اظهر لانه صح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم انه قال " لو يعلم المار بين يدى المصلي ماذا عليه من الاثم لكان أن يقف اربعين خير له من ان يمر بين يديه " والاثم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 انما يلحق بالحرام وليكن قوله لكراهية المرور معلما بالواو لما ذكرناه وذكر القاضى الرويانى في الكافي أن للمصلي ان يدفعه وله ان يضربه علي ذلك وان أدى الي قتله وكل هذا لا يكون الا إذا حرم المرور ولو لم يجعل بين يديه سترة فهل له دفع المار فيه وجهان حكاهما صاحب النهاية وغيره أحدهما نعم لعموم الخبر المذكور في الكتاب وأصحهما وهو الذى أورده في التهذيب لا لتقصيره وتضييعه حظ نفسه ورواية الصحيح مقيدة بما إذا صلي الي السترة والمطلق محمول علي المقيد ولو وقف بعيدا من السترة فهو كما لو صلي لا إلى سترة ولو وجد الداخل فرجة في الصف الاول فله أن يمر بين يدى الصف الثاني ويقف فيها لتقصير اصحاب الصف الثاني باهمالها ذكره الشيخ أبو محمد واما قوله فلا يكفيه ان يخط علي الارض فاعلم أن امام الحرمين نقل ان الشافعي رضي الله عنه مال إلى الاكتفاء بالخط في القديم وروى في الجديد ذلك أيضا وحض عليه قال وما استقر عليه الامر ان الخط لا يكفى إذا الغرض الاعلام وذلك لا يحصل بالخط وهذا هو الذى ذكره في الكتاب وقال لا بد من شئ مرتفع أو مصلي ظاهر ليقف المار عليه فيعدل عن حريم صلاته وقد تعرض لما نقله عن الجديد متعرضون لكن لم يثبتوه قولا واتفقت كلمة الجمهور علي الاكتفاء بالخط كما إذا استقبل شيئا شاخصا فليكن قوله ولا يكفيه ان يخط معلما بالواو لذلك فان توهمت الجمع بين كلام الكتاب وما ذكره الاكثرون وقلت انهم وان ذكروا استحباب الخط لم يذكروا انه يمتنع به المرور ويثبت للمصلي ولاية الدفع فلعله وان كان مستحبا لا يفيد جواز الدفع وحينئذ لا يكون بين قوله ولا يكفيه ان يخط وبين ما ذكروه منافاة وبتقدير أن يكون هذان الحكمان متلازمين فانما ذكروا الاستحباب فيما إذا لم يجد شيئا شاخصا فليحمل ما ذكره امام الحرمين والمصنف علي ما إذا وجد فالجواب اما الاول فممتنع نقلا وحجاجا اما النقل فلان صاحب البيان حكي عن المسعودي امتناع المرور وولاية الدفع فيما إذا خط حسب ثبوتهما فيما إذا صلي الي سترة أو عصا واما الحجاج فمن وجهين (احدهما) انه صلي الله عليه وسلم قال في آخر خبر أبى هريره رضى الله عنه ثم لا يضره ما مر بين يديه أي من وراء العلامات المذكورة ومنها الخط والثاني ان المقصود من أمر المصلي بنصب السترة وغيرها ان يظهر حريم صلاته ليضطرب فيه في حركاته وانتقالاته ولا يزحمه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 غيره ويشغله عن صلاته وأما الثاني فلو انهما أرادا حالة وجدان الشاخص لسويا بينه وبين بسط المصلي كما ان الذين قالوا باستحباب الخط عند فقدان الشاخص سووا بينه وبين بسط المصلي ذكره صاحب التهذيب وغيره * ولم يفعلا ذلك بل الحقا بسط المصلي بنصب الخشبة ويدل عليه ظاهر لفظ الكتاب في موضعين من الفصل وبالجملة فليس في لفظه ههنا ولا في الوسيط ما يشعر بهذا التأويل بل فيه ما يدل علي انه لا عبرة بالخط بحال وقوله فان لم ينصب المصلي بين يديه خشبة أو لم يستقبل جدارا أو علامة عني بالعلامة بسط المصلى وقضيه ما سبق نقله حمل أو في قوله أو علامة علي الترتيب وكذا في قوله أو مصلى ظاهر دون التخيبر والتسوية واما قوله وإذا لم يجد الماء سبيلا سواه فلا يدفع بحال فقد ذكر امام الحرمين ايضا وقال النهى عن المرور والدفع إذا وجد سواه سبيلا اما إذا لم يجد وازدحم الناس فلا نهي عن المرور ولا يسوع الدفع وهذا فيه اشكال لان البخاري روى في الصحيح عن ابي صالح السمان قال " رأيت أبا سعيد الخدرى رضي الله عنه في يوم جمعة يصلي الي سترة فاراد شاب ان يمر بين يديه فدفع أبو سعيد رضي الله عنه في صدره فنظر الشاب فلم يجد مساغا الا بين يديه فعاد ليجتاز ودفعه أبو سعيد أشد من الاولي فلما عوتب في ذلك روى الحديث الذى قدمناه " وأكثر الكتب ساكتة عن تقييد المنع بما إذا وجد سواه سبيلا والله اعلم * قال (الشرط السادس ترك الاكل وقليله مبطل لانه اعراض وهل تبطل بوصول شئ الي جوفه كامتصاص سكرة من غيره مضغ فيه وجهان) * الا كل نوع من الافعال فافراده بالذكر يبين انه اراد بترك الافعال في الشرط الخامس ما عدا الاكل من الافعال والفرق بينه وبين سائر الافعال ان قليلها لا يبطل كما سبق وقليل الاكل يبطل لانه ينافى هيئة الخشوع ويشعر بالاعراض عن الصلاة فلو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 كان بين اسنانه شئ أو نزلت نخامة من رأسه فابتلعها عمدا بطلت صلاته هذا ظاهر المذهب وهو الذى ذكره في الكتاب فقال فقليله مبطل وليكن معلما بالواو لان صاحب التتمة حكى في القليل وجها انه لا يبطل كالقليل من سائر الافعال ثم الحكم بالبطلان فيما إذا اكل عمدا اما لو كان مغلوبا كما لو جرى الريق بباقي الطعام أو نزلت النخامة ولم يمكنه امساكها لم تبطل صلاته ولو اكل ناسيا أو جاهلا بالتحريم فان كان قليلا لم تبطل وان كان كثيرا فوجهان اصحهما البطلان هكذا ذكره الائمة وجعلوه كالكلام في الصلاة ناسيا والاكل في الصوم ناسيا ولم يجعلوه كسائر الافعال في الصلاة إذ الجمهور علي أن الفعل لا فرق فيه بين العمد والسهو علي ما تقدم واعلم انه لا يعنى بالقليل ههنا ما بقابل الكثير بالمعنى الذى ذكره في الافعال لان تفسير الكثير ثم ما يخيل الي الناظر الاعراض عن الصلاة فالقليل المقابل له ما لا يخيل والاكل أي قدر كان يخيل الاعراض فيكون كثيرا بذلك التفسير بكل حال وانما المراد من القليل والكثير ههنا ما يعده أهل العرف قليلا وكثيرا ولو وصل شئ الي جوفه من غير ان يفعل فعلا من ابتلاع ومضغ كما لو وضع في فمه سكرة كانت تذوب وتسوغ ففى بطلان صلاته وجهان احدهما وبه قال الشيخ أبو حامد لا تبطل صلاته لانه لم يوجد منه مضغ وازدراد وهذا ذهاب إلى ان الاكل انما يبطل لما فيه من العمل وقضيته ان لا يبطل القليل منه كما حكاه صاحب التتمة واظهرهما انها تبطل ويعبر عنه بان الامساك شرط في الصلاة كما يشترط الانكفاف عن الافعال وعن مخاطبة الآدميين ليكون حاضر الذهن راجعا إلى الله تعالي وحده تاركا للعادات فعلي هذا تبطل الصلاة بكل ما يبطل به الصوم وقوله كامتصاص سكرة من غير مصغ ينبغي ان يعرف ان الامتصاص لا اثر له بل متى كانت في فمه وهى تذوب وتصل الي جوفه يحصل الخلاف وان لم يكن امتصاص وانما قال من غير مضغ لان المضغ فعل من الافعال يبطل الكثير منه وان لم يصل شى الي الجوف حتى لو كان يمضغ علكا في فمه بطلت صلاته وان لم يمضغه وكان جديدا فهو كالسكرة وان كان مستعملا لم تبطل صلاته كما لو أمسك في فمه اجاصة ونحوها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 قال (خاتمة: للمحدث المكث في المسجد وللجنب العبور عند خوف التلويث وعند الامن وجهان والكافر يدخل المسجد باذن المسلم ولا يدخل بغير اذن على أحد الوجهين فان كان جنبا منع كالمسلم وقيل لا لانه لم يلتزم تفصيل شرعنا) * مسائل الخاتمة إلي قوله فوجهان مكررة اما ان المحدث له المكث فقد صار معلوما بقوله في باب الغسل ثم حكم الجنابة حكم الحدث مع زيادة تحريمه قراءة القرآن والمكث في المسجد وفيه تصريح بتحريم المكث وجواز العبود للجنب واما حكم الحائض فقد ذكره في كتاب الحيض وشرحنا المسائل في الموضعين ثم جميع ذلك في حق المسلم اما الكافر فلا يمكن من دخول حرم مكة بحال يستوى فيه مساجده وغيرها قال الله تعالى (فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) واما مساجد غير الحرم فله أن يدخلها باذن المسلم خلافا لمالك ووافقه احمد في أظهر الروايتين لنا أن النبي صلي الله عليه وسلم " ربط ثمامة بن ثال في المسجد قبل اسلامه " وقدم عليه قوم من ثفيف فانزلهم في المسجد ولم يسلموا بعد " وهل يدخلها بغير اذن أحد من المسلمين فيه وجهان أحدهما نعم لانه ببدل الجزية صار من أهل دار الاسلام والمسجد من المواضع العامة فيها فصار كالشوارع وهذا أظهر عند القاضى الرويانى وجماعة والثاني وهو الاصح عند الاكثرين ولم يذكر صاحب التهذيب والتتمة سواه أنه ليس له ذلك ولو فعله عزر ووجهه أنه لا يؤمن أن يدخل على غفلة من المسلمين فيلوثه ويستهين به ولانه ليس من أهل من بنى المسجد له وكان المسجد مختصا بالمسلمين اختصاص دار الرجل به وذكر في التهذيب انه لو جلس الحاكم في المسجد يحكم فللذمي الدخول للمحاكمه ويتنزل جلوسه فيه منزلة التصريح بالاذن وإذا استأذن في الدخول بعض المسلمين لنوم أو اكل فينبغي ان لا يأذن له وان استأذن لسماع القرآن أو علم اذن له رجاء ان يسلم هذا كله إذا لم يكن جنبا فان كان جنبا فهل يمكن من المكث في المسجد ام يجب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 منعه فيه وجهان احدهما يمنع لان المسلم ممنوع عند الجنابة لحرمة المسجد فالكافر أولي بان يمنع واصحهما انه لا يمنع لان الكفار كانوا يدخلون مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ويطيلون الجلوس ولا شك بأنهم كانوا يجنبون ويخالف المسلم فانه يعتقد حرمة المسجد فيؤخذ بموجب اعتقاده والكافر لا يعتقد حرمته ولا يلتزم تفاصيل التكليف فجاز أن لا يؤخذ به وهذا كما أن الكافر لا يحد علي شرب الخمر لانه لا يعتقد تحريمه والمسلم يحد واما الكافرة الحائض فتمنع حيث تمنع المسلمة لان المنع ثم لخوف التلويث ولهذا يمنع من به جرح يخاف من التلويث وكذا الصبيان والمجانين يمنعون من دخوله وقوله والكافر يدخل المسجد يعنى به غير مساجد الحرم وان كان اللفظ مطلقا وقوله فان كان جنبا منع أي من المكث فانه الذى يمنع منه المسلم دون أصل الدخول: ثم ايراده يشعر بترجيح هذا الوجه لكن الوجه الثاني أرجح على قضية كلام اكثر الاصحاب واوفق لكلام الشافعي رضي الله عنه وصرح بترجيحه الشيخ أبو محمد والقاضي الرويانى والله أعلم * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 قال * (الباب السادس في السجدات وهي ثلاثة) * (الاولي سجدة السهو: وهي سنة (ح م) عند ترك التشهد الاول أو الجلوس فيه أو القنوت أو الصلاة علي الرسول في التشهد الاول أو علي الآل في التشهد الثاني ان رأيناهما سنتين: وسائر السنن لا تجبر بالسجود: وأما الاركان فجبرها بالتدارك فان تعمد ترك هذه الابعاض لم يسجد علي أظهر الوجهين) * السجدات ضربان (أحدهما) سجدات صلب الصلاة ولا يخفى أمرها والثانى غيرها وهى ثلاث (أحداها) سجدة للسهو وليست بواجبة وانما هي سنة خلافا لابي حنيفة حيث قال بوجوبها مع تسليم ان الصلاة لا تبطل بتركها وبعض أصحابنا يرويه عن الكرخي: وعن مالك انه ان كان السهو لنقصان يجب السجود ويروى عن احمد وأصحابه الوجوب مطلقا * لنا ان الصلاة لا تبطل بتركها فلا تجب كالتشهد الاول وأيضا فان سجود السهو مشروع لترك ما ليس بواجب وبدل ما ليس بواجب لا يكون واجبا ثم انه جعل الكلام في سجود السهو قسمين أحدهما فيما يقتضيه والثاني في محله وكيفيته أما مقتضيه فشيئان ترك مأمور وارتكاب منهى أما ترك المأمور فاعلم أن المأمورات تنقسم إلى أركان وغيرها أما الاركان فلا تنجبر بالسجود بل لا بد من التدارك ثم قد يقتضى الحال بعد التدارك السجود علي ما سيأتي وأما غير الاركان فتنقسم الي الابعاض وهى التى عددناها في أول صفة الصلاة والى غيرها فالابعاض مجبورة بالسجود أما التشهد الاول فلما روى ان النبي صلي الله عليه وسلم " صلى الظهر بهم فقام في الركعتين الاوليين لم يجلس فقام الناس معه حتى إذا قضي الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم " ولو قعد ولم يقرأ يسجد أيضا فان القعود مقصود للذكر وأما الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 في التشهد الاول إذا استحببناها وهو الصحيح فلانه لو تركها في التشهد الاخير عامدا بطلت صلاته فيسجد لها في التشهد الاول كالتشهد وأما الصلاة على الآل في التشهد الثاني فان قلنا بوجوبها فهي من الاركان يجب تداركها وان قلنا انها سنة فهي من الابعاض وتجبر بالسجود وكذلك احكم لو جعلناها سنة في التشهد الاول وقد سبق بيان الخلاف فيه وأما القنوت فلانه ذكر مقصود في نفسه فيشرع لتركه سجود السهو كالتشهد الاول ومعنى قولنا مقصود في نفسه انه شرع له محل مخصوص به ويخرج عنه سائر الاذكار فانها كالمقدمة لبعض الاركان كدعاء الاستفتاح أو كالتابع كالسورة واذكار الركوع والسجود وأما موضع القنوت فانما شرع فيه التطويل للقنوت وحيث لا يقنت يمنع من تطويله فهذا حكم الابعاض إذا تركت سهوا وان تركت عمدا فهل يشرع لها السجود فيه: فيه وجهان احدهما لا وبه قال أبو حنيفة واحمد لان الساهي معذور فيشرع له سبيل الاستدراك ومن تعمد الترك فقد التزم النقصان وفوت الفضيلة على نفسه وأصحهما نعم لان الخلل عند تعمد الترك أكثر فيكون الجبر أهم وصار كالحلق في الاحرام لا فرق فيه بين العمد والسهو وأما غير الابعاض من السنن فلا يجبر بالسجود خلافا لابي حنيفة حيث قال يسجد لترك تكبيرات العيد وترك السورة وكذلك لو أسر في موضع الجهر أو جهر بثلاث آيات في موضع الاسرار ولمالك حيث قال يسجد لترك كل مسنون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 ذكرا كان أو عملا وعن أبي اسحق أن للشافعي رضى الله عنه في القديم قولا مثل ذلك حكاه ابن الصباغ قال وهو مرجوع عنه وحكى ابن يونس القزويني عن عبد الباقي أن الداركي ذكر وجها فيمن نسى لتسبيح في الركوع والسجود أنه يسجد للسهو وعند أحمد لا يسجد لترك تكبيرات العيد والسورة وعنه في تبديل الجهر بالاسرار وعكسه روايتان أصحهما أنه لا يسجد وقال في تكبيرات الانتقالات وتسبيح الركوع والسجود والتسميع والتحميد يسجد لتركها * لنا ظاهر ما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال " لا سهو الا؟ ؟ قيام عن جلوس أو جلوس عن قيام " وعلي أبي حنيفة القياس على دعاء الاستفتاح وسائر المسنونات وكذلك عن أحمد وعلى مالك ما روى أن أنسا " جهر في العصر فلم يعدها ولم يسجد للسهو ولم ينكر عليه أحد " فهذا هو الكلام في ترك المأمورات ونعود الي ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله) وهى سنة ينبغي أن يعلم بالحاء والميم والالف وكذا قوله وسائر السنن لا تجبر بالسجود ولا باس باعلامه بالواو أيضا لما سبق حكايته وليس المراد من قوله سنة عند ترك التشهد الاول الي آخرها تخصيص الاستحباب بترك هذه الامور لا بمعنى أنها لا تشرع الا عند تركها ولا بمعنى ان في سائر الاسباب تجب بل حيث تشرع سنة واراد في هذا الفصل ذكر شيئين أحدهما ان سجدة السهو سنة والثانى الكلام فيما يقتضيها من ترك المأمورات ثم وصل أحدهما بالآخر فقال هي سنة عند كذا وكذا وهذا بين من كلامه في الوسيط (وقوله) عند ترك التشهد الي قوله لا يجبر بالسجود مذكورة في أول الباب الرابع نعم زاد ههنا ذكر الصلاة على الآل وما عداها مكرر وأحق الموضعين بذكره هذا الباب وقوله ان رأيناهما سنتين المقابل لهذا لرأى في الصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم في التشهد الاول عدم الشرعية ايجابا واستحبابا وفى الصلاة على الآل في التشهد الثاني الايجاب دون عدم الشرعية (وقوله) وأما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 الاركان فجبرها بالتدارك معناه انه لا بد في جبرها من التدارك لا أن كل الجبر يحصل به لانه قد يؤمر مع التدارك بسجود السهو علي ما سيأتي بيانه وقوله لم يسجد علي أظهر الوجهين خلاف ما ذكره جمهور الائمة فانهم حكوا أن الاظهر في المذهب انه يسجد منهم اصحابنا العراقيون وصاحب التهذيب وغيرهم ومن الائمة من لم يذكره سواه كالشيخ ابي حامد والصيدلاني وعبر بعضهم عن الخلاف في المسالة بالقولين وجعل المنصوص انه يسجد والثاني من تخريج ابي اسحق المروزى * قال (ولو أرتكب منهيا تبطل الصلاة بعمده كالاكل والافعال فليسجد عند ارتكابه سهوا ومواضع السهو ستة الاول إذا قرأ الفاتحة أو التشهد في الاعتدال من الركوع عمدا بطلت صلاته وان سها سجد لانه جمع بين تطويل ركن قصير ونقل ركن ولو وجد أحد المعنيين دون الثاني ففى البطلان بعمده وجهان فان قلنا لا تبطل ففي السجود لسهوه وجهان والاظهر أن الجلسة بين السجدتين ركن طويل) * المقتضي الثاني لسجود السهو ارتكاب المنهي: والمنهيات قسمان (أحدها) مالا تبطل الصلاة بعمده كالالتفات والخطوة والخطوتين والثانى ما تبطل بعمده نحو الكلام والركوع الزائد وما أشبه ذلك فقال الاصحاب مالا تبطل بعمده لا يقتضى السهو به السجود وما تبطل الصلاة بعمده الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 يقتضي سهوه السجود اما الاول فلان النبي صلى الله عليه وسلم " فعل الفعل اليسير في الصلاة ورخص فيه ولم يسجد للسهو ولا أمر به " واما الثاني فلما روى أنه صلي الله عليه وسلم " صلى الظهر خمسا ثم سجد للسهو وقد ذكر الطرف الثاني في الكتاب صريحا وأشار به إلى الاول ولا شك في جريان هذا الضابط من الطرفين في أغلب الصور ومنهم من وفى بطرده على الاطلاق كما سنفصله والطرف المذكور في الكتاب وهو أن ما تبطل الصلاة بعمده يسجد عند ارتكابه سهوا يرد عليه شيئان أحدهما ان الفعل الكثير سوى الاكثرون بين عمده وسهوه في ابطال الصلاة كما سبق فعلى ما ذكروه الفعل الكثير منهي تبطل الصلاة بعمده ولا يسجد عند سهوه بل تبطل الصلاة ايضا وكذلك الاكل والكلام الكثير عمدهما يبطل الصلاة وكذلك سهوهما في أصح الوجهين كما قدمنا والثاني أنه لو أحدت عمدا بطلت صلاته ولو أحدث سهوا فكذلك تبطل ولا يسجد للسهو فادرج صاحب التهذيب في هذا الضابط ما يخرج عنه الثاني فقال ما يوجب عمده بطلان الصلاة يوجب سهوه سجود السهو ان لم تبطل الطهارة وإذا أحدث فعمده وسهوه يستوى في ابطال الطهارة وأما الاول فما احترز عنه بل أدخل العمل في أمثلة هذا الضابط ولم يحسن فيه مع تسويته في فصل العمل بين العمد والسهو من كثيره ولو قيل ما تبطل الصلاة بعمده يسجد عند ارتكابه سهوا إذا لم تبطل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 الصلاة لخرجت المسائل كلها وقد ذكر أبو سعيد المتولي هذه اللفظة وقيدا آخر وبذلك القيد قصد الاحتراز لكن فيها غنية عنه ثم تكلم في الكتاب في ستة من مواضع السهو منها ما يتعلق بترك المأمور ومنها ما يقع في قسم ارتكاب المنهي وهذا الفصل يشتمل علي أولها وهو يتضمن مسائل يقتضى الشرح أن نفصلها أولا ثم نطبق نظم الكتاب عليها (احدها) الاعتدال عن الركوع ركن قصير أمر المصلي فيه بالتخفيف ولهذا لا يسن تكرير الذكر المشروع فيه بخلاف التسبيح في الركوع والسجود وكأنه ليس مقصودا لنفسه وان كان فرضا وانما الغرض منه الفصل بين الركوع والسجود ولو كان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 مقصودا لنفسه لشرع فيه ذكر واجب لان القيام هيئة معتادة فلا بد من ذكر يصرفها عن العادة الي العبادة كالقيام قبل الركوع والجلوس في آخر الصلاة لما كان كل واحد منهما هيئة تشترك فيه العادة والعبادة وجب فيها شئ من الذكر وبهذا الفقه اجاب أصحابنا احمد بن حنبل رحمه الله حيث قال بوجوب التسبيح في الركوع والسجود كالقراءة في القيام والتشهد في القعود فقالوا الركوع والسجود لا تشترك فيهما العادة والعبادة بل هما محض عبادة فلا حاجة إلى ذكر مميز بخلاف القيام والقعود فان قيل لو كان الغرض الفصل لما وجبت الطمأنينة فيه فالجواب ان الطمأنينة انما وجبت ليكون علي سكينة وثبات فان تناهى الحركات في السرعة يخل بهيئة الخشوع والتعظيم ويخرم الابهة إذا عرف ذلك فلو أطاله عمدا بالسكوت أو بالقنوت أو بذكر آخر ليس بركن فهل تبطل صلاته فيه وجهان حكاهما صاحب النهاية وغيره أحدهما لا لما روى عن حذيفة قال " صليت مع رسول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 الله صلي الله عليه وسلم ليلة فقرأ البقرة والنساء وآل عمران في ركعة ثم ركع فكان ركوعه نحوا من قيامه ثم رفع رأسه وقام قريبا من ركوعه ثم سجد " والثانى انها تبطل الا حيث ورد الشرع بالتطويل بالقنوت أو في صلاة التسبيح لان تطويله يعتبر لموضوعه فاوجب عمده بطلان الصلاة كما لو قصر الاركان الطويلة ونقص بعضها وهذا الوجه هو الذى اورده في التهذيب وذكر امام الحرمين انه ظاهر المذهب ايضا وحكى وجها ثالثا عن القفال أنه ان قنت عامدا في اعتداله بطلت صلاته وان طول بذكر آخر لا يقصد القنوت لم تبطل ويقرب من هذا كلام الشيخ ابى اسحق في المهذب فانه عد من المبطلات تطويل القيام بنية القنوت في غير موضع القنوت واحتج امام الحرمين للوجه الاظهر بانه لو جاز تطويله لبطل معنى الموالاة فان سائر الاركان قابلة للتطويل فإذا طوله ايضا لم تبق الموالاة ولا بد من الموالاة في الصلاة ولمن ذهب الي الوجه الاول أن يقول ان كان معني الموالاة ان لا يتخلل فصل طويل بين أركان الصلاة بما ليس منها فلا يلزم من تطويله وتطويل سائر الاركان فوات الموالاة والا فلا اسلم اشتراط الموالاة بمعنى آخر (المسألة الثانية) لو نقل ركنا ذكريا عن موضعه الي ركن آخر طويل كما لو قرأ الفاتحة أو بعضها في الركوع أو الجلوس آخر الصلاة أو قرأ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 التشهد أو بعضه في القيام عمدا فهل تبطل صلاته فيه وجهان أحدهما نعم كما لو نقل الاركان الفعلية إلى غير موضعها وأصحهما لا لان نقل الاركان الذكرية لا يغير هيئة الصلاة ولهذا قلنا لو كرر الفاتحة أو التشهد عمدا لا تبطل صلاته على الصحيح بخلاف الركوع والسجود وقطع قاطعون بهذا الوجه الثاني ويجرى الخلاف فيما لو نقله إلى الاعتدال ولم يطل بان قرأ بعض الفاتحة أو التشهد (الثالثة) لو اجتمع المعنيان فطول الاعتدال بالفاتحة أو التشهد فقد ذكر في النهاية ما يخرج منه طريقان أظهرهما طرد الوجهين فيه ولا يخفى ان الاصح بطلان الصلاة لما ذكرنا والثانى القطع بالبطلان لانضمام نقل الركن الي التطويل (الرابعة) الجلوس بين السجدتين ركن طويل أم قصير فيه وجهان أحدهما أنه طويل حكاه أمام الحرمين عن ابن سريج والجمهور تشبيها بالجلوس بعد السجدتين والثاني أنه قصير حكاه عن الشيخ أبي على وهذا هو الذى ذكره الشيخ أبو محمد في الفروق وتابعه صاحب التهذيب وغيره وهو الاصح لمثل ما ذكرناه في الاعتدال فان قلنا بالاول فلا بأس بتطويله وان قلنا بالثاني ففى تطويله عمدا الخلاف المذكور في الاعتدال (الخامسة) إذا قلنا في هذه الصور ببطلان الصلاة فلو فرض السهو بذلك الشئ سجد سهوا وحصل الوفاء بما سبق أن ما يبطل عمده الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 يسجد لسهوه إذا لم يبطل وإذا قلنا بعدم البطلان فهل يسجد عن الارتكاب سهوا فيه وجهان أحدهما لا كالالتفات والخطوة والخطوتين وسائر مالا يبطل عمده الصلاة وعلى هذا يحصل الوفاء بالطرف الثاني أيضا وهو أن ما لا يبطل عمده الصلاة لا يقتضي سهوه السجود واصحهما نعم أما في تطويل الركن القصير فكما لو قصر الركن الطويل فلم يتم الواجب وعدل إلى غيره سهوا واما في نقل الركن فكما لو نقل الركوع الي غير محله سهوا وهذا لان المصلى مأمور بالتحفظ واحضار الذهن حتى لا يتكلم ولا يزيد في صلاته ما ليس منها وهذا الامر مؤكد عليه تأكد التشهد الاول فإذا غفل فطول الركن القصير أو نقل الركن فقد ترك الامر المؤكد وغير شعار الصلاة فاقتضي الحال الجبر بالسجود وكترك التشهد الاول والقنوت وعلى هذا الوجه تستثنى هذه الصورة على قولنا مالا تبطل الصلاة بعمده لا يقتضى سهوه السجود فهذه هي المسائل: أما ما يتعلق بلفظ الكتاب فقوله إذا قرأ التشهد أو الفاتحة في الاعتدال من الركوع عمدا هو صورة المسألة الثالثة وقوله بطلت صلاته يجوز أن يكون جوابا علي الطريقة القاطعة بالبطلان ويجوز أن يكون جوابا علي الاصح مع اثبات الخلاف وعلى التقديرين فليكن معلما بالواو (واعلم) أن الحكم بالبطلان في هذه الصورة قد نقل عن الشافعي رضى الله عنه وذكر الشيخ أبو محمد وغيره أن الاصحاب اختلفوا في معناه منهم من قال انما بطلت الصلاة لتطويل الركن القصير فلم يحكم بالبطلان إذا قرأ الفاتحة في القيام أو الركوع ومنهم من قال انما بطلت لنقل الركن فحكم بالبطلان حيث وجد النقل وقوله ولو وجد أحد المعنيين دون الثاني ان وجد التطويل وحده فهو صورة المسألة الاولي والاظهر فيها البطلان وان وجد النقل وحده فهو صورة المسألة الثانية والاظهر فيها عدم البطلان ويجوز أن يعلم قوله وجهان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 بالواو اشارة الي طريقة القاطعين بعدم البطلان في الصورة الثانية وقولنا فان قلنا لا تبطل هو المسألة الاخيرة وقوله والاظهر الي آخره هو المسألة الرابعة لكن الحكم بانها قصيرة أظهر على ما سبق ولا يتضح فرق بين الاعتدال والجلسة * قال (الثاني من ترك اربع سجدات من اربع ركعات سهوا لم يكفه أن يقضيها في آخر صلاته بل لا يحتسب له من الاربع الا ركعتان ولو ترك من الاولى واحدة ومن الثانية ثنتين ومن الرابعة واحدة فليسجد سجدة واحدة ثم ليصل ركعتين فان ترك اربع سجدات من اربع ركعات ولم يدر من أين تركها فعليه سجدة واحدة وركعتان اخذا باسوأ التقديرين المذكورين * (فرع) لو تذكر في قيام الثانية أنه ترك سجدة واحدة ولم يكن جلس بعد السجدة الاولي فليجلس ثم ليسجد والقيام لا يقوم مقام الجلسة وان كان قد جلس بعد السجدة الاولي فيكفيه أن يسجد عن قيامه فان كان قد قصد بتلك الجلسة الاستراحة ففى تأدى الفرض بنية النفل وجهان ثم لا يخفى أنه يسجد للسهو في جميع ذلك) * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 قاعدة الفصل أن الترتيب في أركان الصلاة واجب الرعاية فان النبي صلى الله عليه وسلم كان يرتب وقد قال صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلي " فلو ترك الترتيب عمدا بطلت صلاته ولو تركه سهوا لم يعتد بما فعله بعد الركن المتروك حتى يأتي بما تركه فان تذكر الحال قبل فعل مثله في ركعة بعدها فكما تذكر يشتغل به وان تذكر بعد فعل مثله في ركعة أخرى تمت الركعة الاولى به ولغا ما بينهما هذا إذا عرف عين المنروك وموضعه وان لم يعرف أخذ بأدني الممكن واتي بالباقي وفى الاحوال كلها يسجد للسهو الا إذا وجب الاستئناف بان ترك ركنا واشكل عينه عليه وجوز أن يكون ذلك الركن هو النية أو التكبير والا إذا كان المتروك هو السلام فانه إذا تذكر ولم يطل الفصل يسلم ولا حاجة الي سجود السهو وقد ذكر في الكتاب مسألتين مما يترتب علي هذه القاعدة (احداهما) لو تذكر في الركعة الثانية أنه ترك سجدة من الاولي فلا يخلو اما أن يتذكر قبل أن يسجد في الثانية أو بعد أن يسجد فيها فاما الحالة الاولي فيشتمل عليها الفرع المرسوم في الكتاب آخرا ولا باس أن نقدمه فنقول إذا تذكر في قيام الثانية أنه ترك سجدة من الاولى فلا بد من الاتيان بها كما تذكر ثم ننظر ان لم يجلس عقيب السجدة المفعولة فهل يكفيه أن يسجد عن قيام أم يجلس مطمئنا ثم يسجد فيه وجهان (أحدهما) أنه يخر ساجدا والقيام يقوم مقام الجلسة بين السجدتين لان الغرض منها الفصل بينهما وقد حصل ذلك بالقيام (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يجب أن يجلس مطمئنا ثم يسجد لانه وان كان المقصود الفصل فالفصل واجب بهيئة الجلوس فلا يقوم القيام مقامها كما لا يقوم مقام الجلوس للتشهد وان جلس عقيب السجدة المفعولة نظر أن قصد به الجلسة بين السجدتين ثم غفل ولم يسجد الثانية فمن قال في الصورة الاولى يكفيه أن يسجد عن قيامه فههنا أولي ومن قال ثم يجلس ثم يسجد اختلفوا ههنا فقال أبو إسحق وغيره يجب أن يجلس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 ههنا أيضا لينتقل منه الي السجود كما لو قدر المريض علي القيام بعد القراءة يجب عليه أن يقوم ليركع عن قيام وظاهر المذهب وهو المذكور في الكتاب أنه يكفيه أن يسجد عن القيام كما لو ترك اربع سجدات من اربع ركعات ثم تذكر تحتسب له ركعتان كما سيأتي وان كانت السجدة التي في الثانية والتى في الرابعة واقعتين عن قيام وان قصد بتلك الجلسة الاستراحة لظنه أنه أتى بالسجدتين جميعا فوجهان مذكوران في الكتاب (أحدهما) لا يحسب ذلك الجلوس ويجب أن يجلس ثم يسجد لانه قصد بتلك الجلسة السنة فلا تنوب عن الفرض كما في سجدة التلاوة لا تقوم مقام سجود الفرض وبهذا قال ابن سريج وبه يقول أبو إسحق أيضا لينتقل من الجلوس الي السجود والثاني أنه يكفيه أن يسجد عن قيام ولا يضر اعتقاده أنه يجلس للاستراحة كما لو جلس في التشهد الاخير وهو يظن أنه الاول ثم تذكر يجزيه ذلك وما الاظهر من هذين الوجهين قال في التهذيب المذهب هو الاول لكن الاكثرون منهم العراقيون والقاضى الرويانى رجحوا الوجه الثاني والوجهان في المسألة كالوجهين فيما إذا أغفل المتوضئ لمعة في المرة الاولى وانغسلت في الثانية أو الثالثة هل يجزيه وقد ذكرنا في باب الوضوء أن الاصح عند المعتبرين الاجزاء بخلاف ما إذا انغسلت في تجديد الوضوء لان قضية نيته في ابتداء الوضوء أن لا يقع شئ عن السنة حتي يرتفع الحدث كذلك ههنا قضية نيته السابقة أن لا يكون الجلوس عن الاستراحة الا بعد الفراغ من السجدتين ولو تردد في أنه جلس بعد السجدة المفعولة أم لا فالحكم كما إذا علم أنه لم يجلس وقوله في الكتاب فليجلس ثم ليسجد ينبغي أنه يعلم بالميم لان عند مالك ان ذكر الحال بعد أن ركع في الثانية واطمأن فلا يعود الي السجود بل تلغو الاولي وتصير الثانية أولاه وانما يعود الي السجود إذا تذكر قبل الركوع وبالالف أيضا لان عند أحمد ان ذكر بعد الشروع في القراءة لا يعود الي السجود بل تلغو الاولى ويعتد بالثانية وانما يعود إذا ذكر قبل الشروع في القراءة لنا ان ما أتي به من الاولى وقع صحيحا فلا يبطل بترك ما بعده كما إذا ذكر قبل الركوع عند مالك وقبل القراءة عند احمد ويجوز أن يعلم بالحاء أيضا لان عند أبى حنيفة رحمة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 الله عليه يكفيه أن يسجد في آخر صلاته سجدة فتلحق بموضعها ولا يرجع إلى السجود وكذلك الحكم عنده لو ترك سجدة عمدا حكاه القاضى الرويانى وغيره وليعلم قوله فليجلس بالواو أيضا وكذلك قوله والقيام لا يقوم مقام الجلسة اشارة إلى الوجه الذى ذكرناه أنه يسجد عن قيام ولا يجلس وفى قوله فليجلس ثم ليسجد ما يفيد أصل الفرض ويبين أن القيام لا يقوم مقام الجلسة لكن عقبه به ايضاحا وتنبيها علي ما يتمسك به صاحب الوجه البعيد وقوله بعد السجدة الاولى في موضعين من الفرع انما سماها أولي بالنسبة إلى ما سيفعله من بعد والا فليس قبل التذكر الا سجدة واحدة (الحالة الثانية) أن يتذكر الحال بعد أن يسجد في الثانية فينظر إن تذكر بعد السجدتين معا أو في الاخيرة منهما فقد تم بما فعل ركعته الاولى ولغا ما بينهما ثم ان كان قد جلس في الاولي علي قصد الجلسة بين السجدتين فتمامها بالسجدة الاولى وكذا إن كان قد جلس علي قصد الاستراحة واقمناها مقام الجلسة بين السجدتين وان لم يجلس أصلا أو جلس علي قصد الاستراحة ولم يكتف بها فان قلنا إذا تذكر في القيام والحالة هذه يجلس ثم يسجد وهو الاصح فتمام الركعة الاولى ههنا بالسجدة الثانية وان قلنا ثم يسجد عن قيام فتمامها بالسجدة الاولى وينبنى علي هذا الخلاف ما إذا تذكر بعد السجدة الاولي فان قلنا بالاول فركعته غير تامة فيسجد سجدة ثم يقوم الي ركعة ثانية وان قلنا بالثاني فركعته تامة فيقوم إلى أخرى هذه مسألة والثانية إن تذكر في جلوس الركعة الرابعة أنه ترك من صلاته الرباعية أربع سجدات فلا يكفيه أن يقضيها فيأتي باربع سجدات ولاء ويسلم لان الترتيب يقتضى أن لا يعتد بشئ بعد الركن المتروك حتى يأتي به في ركعة أخرى ثم ترك السجدات الاربع من الصلاة الرباعية قد يقتضي الاحتساب بثلاث ركعات الا سجدتين وقد يقتضى الاحتساب بركعتين ناقصتين بسجدة فهذه ثلاثة أوجه والثالث أسوأها والمصنف ذكر لكل واحد من الوجهين الاخيرين مثالا دون الوجه الاول ونحن نذكرها جميعا على الاختصار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 فلو ترك ثنتين من الثالثة وثنتين من الرابعة صحت له الركعتان الاوليان وصحت الركعة الثالثة أيضا لكن لا سجدة فيها وفيما بعدها حتى يتم بها فيسجد سجدتين ويقوم الي ركعة رابعة فهذه الصورة من صور الوجه الاول وكذلك ترك واحدة من الاولي وواحدة من الثانية وثنتين من الرابعة وكذا ترك واحدة من الثانية وواحدة من الثالثة وثنتين من الرابعة: وأما الوجه الثاني فمن صوره أن يترك من كل ركعة سجدة فيحصل له ركعتان لان الاولي تتم بالسجدة التى في الثانية ويلغو ما بينهما وكذلك تتم الركعة الثالثة بالسجدة التى في الرابعة ومنها ترك ثنتين من الثانية وثنتين اما من الاولى أو الثالثة ومنها ترك ثنتين من الثانية وواحدة من الاولى وأخرى من الثالثة ومنها ترك ثنتين من الثانية وواحدة من الثالثة وأخرى من الرابعة ومنها ترك ثنتين من الاولى واثنتين من ركعتين بعدها متواليتين ومنها ترك واحدة من الاولي وواحدة من الثانية واثنتين من الثالثة ومنها ترك واحدة من الثانية واثنتين من الثالثة وواحدة من الرابعة يحصل في هذه الصور كلها ركعتان ويفوم إلى ركعتين أخريين وأما الوجه الثالث فمن صوره أن يترك من الاولي واحدة ومن الثانية ثنتين ومن الرابعة واحدة فالحاصل ركعتان الا سجدة وذلك لان ما بعد السجدة في الركعة الاولي غير محسوب حتى تتم هي وليس في الثانية ما يتمها فتتم بسجدة من الثالثة وتلغو سجدتها الاخرى لان الركعة إذا تمت فالواجب بعدها القيام وتحتسب ركعته الرابعة وليس فيها الا سجدة فيسجد أخرى ليتمها ويقوم الي ركعتين أخريبن ومنها لو ترك من الاولي ثنتين وواحدة من الثانية وأخرى من الرابعة وكذلك كل صورة ترك فيها ثنتين من ركعة وثنتين من ركعتين أخريين غير متواليتين إذا عرفت ذلك فان عرف الساهي موضع الاربع المتروكة فالحكم ما بينا وان لم يعرف أخذ بالاسوأ ليخرج عن العهدة بيقين والاسوأ أن ياتي بسجدة وركعتين وحكى امام الحرمين عن أبيه أنه كان يقول يلزمه في صورة الاشكال أن يسجد سجدتين ثم يقوم الي ركعتين أخريين لاحتمال أنه ترك ثنتين من الثالثة وثنتين من الرابعة أو على صورة أخرى من صور الوجه الاول ولو كان كذلك لكان عليه أن يسجد سجدتين ثم يقوم الي ركعة أخرى فيجب أن يسجد سجدتين لجواز أن يكون الترك علي وجه يقتضى ذلك ثم لا يجزئه الا ركعتان لجواز أن يكون الترك علي وجه آخر فيصلي ركعتين أخريين ليكون آتيا بكل ما تعذر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 وجوبه واعترض عليه بان السجدة الثانية غير معتد بها فانه إذا سجد سجدة واحدة والاشكال مستمر حصل له مما فعل ركعتان قطعا ولا شك انا نأمره بركعتين أخريين فالزيادة لغو والله اعلم * ثم جميع ما ذكرناه فيما إذا كان قد جلس عقيب السجدات كلها علي قصد الجلسة بين السجدتين أو على قصد الاستراحة واقمناها مقام الجلسة المفروضة وإذا فرعنا علي أن القيام يقوم مقام الجلسة فاما إذا لم يجلس في بعض الركعات أو في شئ منها الا في الرابعة وفرعنا علي الصحيح وهو أن القيام لا يقوم مقام الجلسة لم يحسب ما بعد السجدة المفعولة إلى ان يجلس حتى لو تذكر انه ترك من كل ركعة سجدة ولم يجلس الا في الاخيرة أو جلس بنية الاستراحة أو جلس في الثانية علي قصد التشهد الاول وقلنا الفرض لا يتأدى بالنفل فلا يحصل له مما فعل الا ركعة ناقصة بسجدة لانه لم يأت بعدها بجلوس علي قصد الفرضية ثم هذا الجلوس الذى نذكر الحال فيه يقوم مقام الجلسة بين السجدتين فيسجد سجدة ويقوم الي ثلاث ركعات فهذا ما يتعلق بترك اربع سجدات من صلاة رباعية ولو تذكر أنه ترك منها سجدة واحدة فان علم أنه نسيها من الاخيرة سجدها واستأنف التشهد ان كان قد تشهد وان علم أنه تركها من غير الاخيرة فعليه أن يقوم الي ركعة أخرى وان أشكل أخذ بالاحتمال الآخر وان تذكر ترك سجدتين منها فان كانتا من الركعة الاخيرة كفاه أن يأتي بسجدتين وان كانتا من غير الاخيرة فان كانتا من ركعة واحدة فعليه أن يقوم الي ركعة وان كانتا من ركعتين فقد يكفيه أن يقوم إلى ركعة وقد يلزمه أن يقوم إلى ركعتين بان ترك واحدة من الاولي وواحدة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 من الثالثة وان أشكل أخذ بهذا الاسوأ وان تذكر ترك ثلاث سجدات فقد يقتضي ذلك حصول ثلاث ركعات الا سجدة فيسجد سجدة ويقوم إلى ركعة وذلك مثل أن يكون اثنتان من الاولي أو الثانية أو الثالثة وواحدة من الرابعة وقد يكون بحيث يحصل له ثلاث ركعات الا سجدتان مثل أن تكون واحدة من الاولى واثنتان من الرابعة وقد يكون بحيث لا يحصل له الا ركعتان مثل أن يكون الثلاث من الثلاث الاوليات فان أشكل اخذ بهذا الاسوأ وان تذكر ترك خمس فقد يحصل ركعتان سوى سجدتين بان تكون واحدة من الاولى وثنتان من الثانية وثنتان من الرابعة وقد لا يحصل الا ركعة مثل أن تكون واحدة من الاولى وثنتان من الثانية وثنتان من الثالثة فان أشكل الحال فقد قال في المهذب يلزمه سجدتان وركعتان وقال غيره لا بل ثلاث ركعات وهو الصحيح ولا وجه للاول ولو ترك ست سجدات فلا يحصل الا ركعة ولو ترك سبعا فلا يحصل الا ركعة ناقصة بسجدة وحكم الثمان لا يخفى ونعود الي ما يتعلق بالفاظ الكتاب سوى ما تقدم (قوله) من ترك أربع سجدات من أربع ركعات عنى به ما إذا ترك كل سجدة من ركعة وان كان اللفظ مطلقا وقد صرح به في الوسيط وهذه الصورة من جملة الصور التى تقتضي ترك السجدات الاربع فيها الاحتساب بركعتين علي ما سبق ذكرها ولو اقتصر في الحكم علي قوله لم يكفه أن يقضيها في آخر صلاته لامكن اجراؤه علي اطلاقه فانه لا يكفى قضاء السجدات في آخر الصلاة بحال ولكن لما عقبه بقوله بل لا يحتسب له من الاربع الا ركعتان تعذر أجراؤه علي الاطلاق ثم شرط الاحتساب بالركعتين أن يجلس عقيب السجدات كما سبق وان لم يتعرض له لفظ الكتاب (وقوله) لم يكفه معلم بالحاء لان أبا حنيفة يقول في الصورة المرادة يكفيه أن يسجد أربع سجدات ولاء ويسلم وليس كذلك لان الترتيب في أفعال الصلاة ليس بشرط عنده فانه سلم أنه لو ترك ثمان سجدات لم يكفه الاتيان بها في آخر الصلاة بل لا يحتسب له الا ركعة بلا سجدة كما هو مذهبنا لكنه اكتفى ههنا بالسجدات لان عنده إذا تقيدت الركعة بسجدة اعتد بها حتى لو ترك من كل ركعة سجدة قصدا كفاه فعلها في آخر الصلاة أيضا * لنا أنه لو وقع الاعتداد بالركعة المقيدة بسجدة لما وجب فعل السجدات في آخر الصلاة كركعة المسبوق لما اعتد بها لم يجب تدارك القيام والقراءة منها (وقوله) في آخر صلاته انما سماه آخر الصلاة علي تقدير ان لو كان قضاؤها كافيا أو بالاضافة الي ظن المصلى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 اولا والا فليس الجلوس الذى فرضنا فيه التذكر آخر صلاته في الحقيقة ثم في هذه أللفظة أشعار بانه أراد تصوير الكلام فيما إذا تذكر سهوه قبل أن يسلم من صلاته والا فالسجدات لو قضيت لا تكون في آخر صلاته بل بعد آخرها واما الحكم لو تذكر السهو في المسائل المذكورة بعد السلام ان لم يطل الفصل فهو كما لو تذكر قبل السلام بلا فرق وان طال وجب الاستئناف ومعني طول الفصل سيأتي وقوله الا ركعتان يجوز أن يعلم بالميم والالف لانهما لا يصححان الا الركعة الاخيرة وهى ناقصة بسجدة فيسجد سجدة ويقوم الي ثلاث ركعات. وروى عن مالك ان صلاته تبطل فاما قوله ولو ترك من الاولي واحدة إلى آخره فهو من الصور التي يقتضي ترك السجدات الاربع فيها الاحتساب بركعتين الا سجدة وقوله في الصورة الثالثة ولم يدر من أين تركها يوضح انه اراد بالصورة الاولي ما إذا درى من أين ترك وهو ما بيناه (وقوله) فعليه سجدة واحدة يجوز أن يعلم بالواو لما حكينا عن الشيخ ابى محمد رحمه الله (وقوله) اخذ باسوء التقديرين المذكورين اسوء التقديرين ما إذا ترك سجدة من الاولي وثنتين من الثانية وواحدة من الرابعة ولا يجب عند الاشكال الحمل على هذه الصورة بعينها فان لها اخوات في معناها كما بينا وانما الواجب الحمل عليها أو علي شئ منها وقوله في آخر الفصل ثم لا يخفى انه يسجد للسهو في جميع ذلك أي في جميع مسائل الفصل ويمكن عدها من قسم ترك المأمور لان الترتيب مأمور به وتركه عمدا مبطل فإذا سها سجد ومن قسم ارتكاب المنهى أيضا لانه إذا ترك الترتيب فقد زاد في الافعال والاركان * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 (قال الثالث إذا قام إلى الثالثة ناسيا فان انتصب لم يعد إلى التشهد لان الفرض لا يقطع بالسنة فان عاد عالما بطلت صلاته وان عاد جاهلا لم تبطل لكن يسجد للسهو وإن كان مأموما وقعد امامه جاز الرجوع علي أحد الوجهين لان القدوة في الجملة واجبة وان لم يكن التقدم بهذا القدر مبطلا وان تذكر قبل الانتصاب فيرجع ثم يسجد للسهو ان كان قد انتهى الي حد الراكعين لانه زاد ركوعا) * قد سبق أن فوات التشهد الاول يقتضي سجود السهو وفى هذا الفصل يتبين أنه متى يفوت والي متى يجوز تداركه بالعود إليه وإذا عاد إليه هل يحتاج إلي سجود السهو ام لا فنقول: إذا نهض من الركعة الثانية ناسيا للتشهد أو جلس ولم يقرأ التشهد ونهض منه ناسيا ثم تذكر فلا يخلو إما ان يتذكر بعد الانتصاب أو قبله (الحالة الاولى) ان يتذكر بعد الانتصاب فلا يجوز له العود الي التشهد خلافا لاحمد حيث قال يجوز ما لم يشرع في القراءة والاولي أن لا يعود وحكى القاضي ابن كج عن ابي الحسين مثل ذلك لنا ما روى عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قام احدكم من الركعتين فلم يستتم قائما فليجلس وإذا استتم قائما فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو " ولان القيام فرض والتشهد الاول سنة لما سبق والفرض لا يقطع بالسنة فلو خالف وعاد نظر ان تعمده وهو عالم بانه لا يجوز العود بطلت صلاته وان عاد ناسيا لم تبطل وعليه ان يقوم كما تذكر وان عاد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 جاهلا بعدم الجواز ففيه وجهان منقولان في التهذيب وغيره (احدهما) انه لا يعذر وتبطل صلاته لتقصيره بترك التعلم (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب يعذر ولا تبطل صلاته كالناسي لانه مما يخفى على العوام ولا يمكن تكليف كل احد تعلمه وعلي هذا يسجد للسهو لما زاد في صلاته سهوا وكذلك في صورة النسيان وهذا الذى ذكرناه في المنفرد والامام في معناه فلا يرجع بعد الانتصاب الي التشهد ولا يجوز للمأموم ان يشتغل به ولو فعل بطلت صلاته نعم لو نوى مفارقته ليتشهد جاز وكان مفارقا بالعذر ولو انتصب مع الامام ثم عاد الامام لم يجز للمأموم ان يعود بل يخرج عن متابعته لانه اما مخطئ بالعود فلا يوافقه في الخطأ أو عامد فصلاته باطلة وهل يجوز ان ينتظره قائما حملا على أنه عاد ناسيا حكي في التهذيب فيه وجهين وقد سبق في التنحنح نظيره ولو قعد الامام للتشهد الاول وقام المأموم ساهيا أو نهضا ثم تذكر الامام فعاد قبل الانتصاب والمأموم قد انتصب هل يعود المأموم في الصورتين فيه وجهان (اصحهما) نعم لان متابعة الامام فرض بخلاف الامام والمنفرد فانهما لو رجعا لرجعا من فرض الي سنة (والثاني) أنه لا يعدو بل يصبر إلى ان يلحقه الامام لانه حصل في ركن القيام وليس فيما فعله الا تقدم الامام بركن وانه غير مبطل وان كان عمدا فلا حاجة الي الرجوع وقوله في الكتاب لان القدوة في الجملة واجبة وان لم يكن التقدم بهذا القدر مبطلا اشارة الي توجيه الوجهين وفى بعض النسخ لان القدوة في الجملة واجبة (والثانى) لا لان سبق الامام بركن لا يبطل وهما قريبان ويجوز أن يعلم قوله وان لم يكن التقدم مبطلا بالواو لان في وجه التقدم على الامام يبطل الصلاة ولو بركن واحد وقد أورده في الكتاب في الصلاة بالجماعة والذى ذكره ههنا مفرع علي ظاهر المذهب وصاحب النهاية قد صرح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 بذلك ثم ذكر ان الخلاف في المسالة في جواز الرجوع وعدم الجواز ولا خلاف في أنه لا يجب الرجوع لانه لو قام قصدا لم يقض ببطلان صلاته ووافقه المصنف فقال جاز الرجوع علي أحد الوجهين ففرض الخلاف في الجواز لكن الشيخ ابا محمد ومن تابعه نقلوا الوجهين في أنه هل يجب الرجوع وقالوا اصحهما الوجوب ولو لم يرجع بطلت صلاته لان متابعة الامام فرض ولم يورد صاحب التهذيب الا وجه الوجوب ثم قطع امام الحرمين بان في صورة قصد القيام ليس له أن يعود كما لو ركع قبل الامام أو رفع رأسه قبله عمدا لا يجوز أن يعود ولو عاد بطلت صلاته لانه زاد ركنا عمدا ولو فعل ذلك سهوا كما لو سمع حسا فظن ان الامام ركع فركع ثم تبين انه لم يركع بعد أو ظن أنه اعتدل عن الركوع فاعتدل ثم بان أنه لم يعتدل بعد فقد ذكر في النهاية وجهين في انه هل يجوز له أن يرجع لانه غالط فيما فعل وصاحب التهذيب وآخرون حكوا الوجهين في هذه المسألة في وجوب الرجوع أيضا وقالوا في وجه تبطل صلاته لو لم يرجع وفى وجه يتخير بين ان يرجع أو لا يرجع وهو الاصح وللنزاع في صورة قصد القيام ايضا مجال ظاهر لان اصحابنا العراقيين اطبقوا علي أنه لو ركع قبل الامام عمدا فينبغي ان يرجع ليرجع مع الامام واستحبوا الرجوع فضلا عن الجواز وربما تعود المسألة في باب الجماعة وقوله لم يعد الي التشهد معلم بالالف والواو لما قدمناه وكذا قوله بطلت صلاته وقوله في الجاهل لم تبطل معلم بالواو (الحالة الثانية) أن يتذكر قبل الانتصاب فقد نص الشافعي رضي الله عنه علي أنه يرجع الي التشهد وحكى الروياني خلافا للاصحاب في انه ما الذى أراد بالانتصاب فمنهم من قال اراد الاعتدال والاستواء ومنهم من قال اراد به ان يصير الي حالة هي ارفع من حد أقل الركوع والاول ظاهر اللفظ وهو الذي ذكره الجمهور ويدل عليه حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وبالثانى فسر المسعودي كلام الشافعي رضى الله عنه وبه قال الشيخ أبو محمد وهذا لاختلاف يرجع الي شئ وهو أن من قام في صلاته منحنيا فوق حد اقل الركوع هل يجزيه ذلك أم لا وفيه وجهان حكيناهما في ركن القيام فمن قال لا يجزيه وهو الاصح قال ههنا له أن يعود ومن قال يجزيه قال إذا صار في ارتفاعه الي هذا الحد لا يعود لانه حصل في حد الفرض وقوله في الكتاب فيرجع معلم بالميم لان عند مالك ان كان الي الانتصاب اقرب لم يرجع وعن ابن المنذر عنه انه إذا فارقت اليتاه الارض لم يرجع وبالحاء لان عند ابى حنيفة ان كان إلى القيام اقرب لم يعد ذكره القدورى ويجوز ان يعلم بالواو ايضا لان مراده من الانتصاب الاستواء ومن ذهب الي التفسير الثاني لا يطلق الرجوع إذا لم يستو ثم إذا عاد قبل الانتصاب فهل يسجد للسهو حكي الشيخ أبو حامد واصحابنا العراقيون فيه قولين (اظهرهما) عندهم انه لا يسجد لانه روى في حديث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 المغيرة انه صلى الله عليه وسلم قال " وأن ذكر قبل ان يستتم قائما جلس ولا سهو " ولانه عمل قليل فلا يقتضى سجود السهو والثانى وبه قال احمد واختاره القاضي أبو الطيب انه يسجد لما روى ان انسا رضي الله عنه " تحرك للقيام في الركعتين من العصر فسبحوا به فجلس ثم سجد للسهو " ولان ما اتى به زيادة من جنس الصلاة فاشبه ما إذا زاد ركوعا وقال كثير من الاصحاب ان صار اقرب الي القيام منه الي القعود ثم عاد سجد للسهو وان كان يعد اقرب الي القعود لم يسجد: ويحكى هذا عن القفال ايضا ووجهه انه إذا صار الي القيام أقرب فقد اتي بفعل يغير نظم الصلاة ولو أتي به عمدا في غير موضعه لبطلت صلاته فيقتضى سهوه السجود وهذا كالتوسط بين القولين وحمل للقولين علي الحالين وذكر في النهاية هذه العبارة وزاد انه لو عاد من حد يكون نسبته إلى القعود كنسبته إلى القيام لا يسجد ايضا وذكره عبارة اخرى عن الشيخ ابي محمد وآخرين وهى انه لو عاد قبل ان ينتهى إلى حد الراكعين فلا يسجد وان عاد بعد ان ينتهي الي حد الراكعين يسجد لانه زاد ركوعا سهوا وهذه العبارة هي التى ذكرها في الكتاب وليس المراد من حد الركوع ههنا أقل الركوع فان المرتفع إذا انتهى إلى حد اقل الركوع فقد جاوز حد اكمله وزاد ركوعا ولم يبلغه فهو في حد الراكعين ايضا نص عليه في النهاية وهذا الخلاف في الوجه الذى حكيناه عن بعضهم في تفسير الانتصاب حيث يعتبر اقل الركوع لان النظر ثم إلى الحصول في حد فرض القيام والعبارة الاولي اوفى بالغرض فان الثانية لا تجزئ الا إذا انتهض منحنيا ومن الجائز ان لا ينحني في انتهاضه فيحتاج الي الرجوع إلى العبارة الاولى وهما متقاربتان وليستا علي التنافي بل من قال بالاولي قال بانه إذا انتهي إلى حد الراكعين الي حد الراكعين وعاد يسجد للسهو ومن قال بالثانية سلم بانه إذا عاد بعدما صار اقرب إلى القيام من غير انحناء يسجد وليكن قوله ثم يسجد للسهو معلما لواو لمكان طريقة القولين المطلقين في العود قبل الانتصاب والظاهر التفصيل وبه اجاب صاحب التهذيب والرويانى في الحلية وجميع ما ذكرناه من الحالتين فيما إذا ترك التشهد الاول ونهض ناسيا فاما إذا فعل ذلك عمدا ثم عاد قبل الانتصاب والاعتدال فان عاد بعدما صار الي القيام اقرب بطلت صلاته وان عاد قبله لم تبطل ذكره في التهذيب ولو كان يصلى قاعدا فافتتح القراءة بعد الركعتين فان كان علي ظن أنه فرغ من التشهد وجاء وقت الثالثة لم يعد بعد ذلك الي قراءة التشهد في اصح الوجهين وان سبق لسانه الي القراءة وهو عالم بانه لم يتشهد فله ان يعود الي قراءة التشهد وترك القنوت يقاس بما ذكرنا في التشهد فإذا نسيه ثم تذكر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 بعد وضع الجبهة علي الارض لم يجز العود وان كان قبله فله العود ثم ان عاد بعد بلوغه حد الراكعين يسجد للسهو وان كان قبله فلا * قال (الرابع إذا تشهد في الاخير قبل ان يسجد تدارك السجود واعاد التشهد وسجد للسهو لانه زاد قعودا طويلا ولو ترك السجدة الثانية وتشهد ثم تذكر لم يسجد لهذا السهو لانه ركن طويل فلم يوجد الا نقل التشهد وهو غير مبطل علي احد الوجهين وان جلس عن قيام ولم يتشهد لكن طول سجد للسهو وان تذكر علي القرب فلا لان قدر جلسة الاستراحة في مثل هذا الوقت عمدا لا يبطل الصلاة) * صورة المسالة الاولى ان يجلس في الركعة الاخيرة عن قيامه ظانا انه إذا اتي بالسجدتين ويتشهد ثم يتذكر الحال بعد التشهد فيجب عليه تدارك السجدتين واعادة التشهد مراعاة لترتيب الصلاة ويسجد للسهو والحالة هذه لمعنيين (احدهما) وهو المذكور في الكتاب انه زاد قعودا طويلا في الصلاة ولو فعل ذلك عمدا بطلت صلاته فإذا فعله سهوا سجد والثاني انه نقل ركن التشهد عن موضعه الي غير موضعه وذلك يقتضى سجود السهو علي أظهر الوجهين كما تقدم ويتفرع علي هذا ما لو جلس بعد السجدتين في الركعة الاولي أو الثالثة وقرأ التشهد أو بعضه ثم تذكر سجد للسهو نص عليه الشافعي رضي الله عنه لانه نقل ركن التشهد إلى غير موضعه ولو لم يقرأ شيئا فان طول سجد للسهو لانه زاد قعودا طويلا وان لم يطول فلا لانتفاء المعنيين والتطويل بان يزيد علي قدر جلسة الاستراحة (واعلم) ان الحكم المذكور لا يختص بالركعة الاخيرة بل لو اتفق له ذلك في الركعة الثانية من صلاة رباعية أو ثلاثية فكذلك يتدارك السجود ويعيد التشهد ويسجد للسهو الا ان اعادة التشهد ههنا تكون مسنونة ولو اتفق ذلك في ركعة لا يعقبها تشهد فإذا تذكر تدارك (المسألة الثانية) لو سجد في الركعة الاخيرة سجدة وتشهد علي ظن أنه فرغ من السجدتين ثم تذكر فلا شك في أنه يتدارك السجدة الثانية ويعيد التشهد وهل يسجد للسهو قال في الكتاب لا يسجد بناء علي شيئين احدهما ان الجلوس بين السجدتين ركن طويل فلم يوجد منه زيادة قعود طويل والثانى ان نقل الركن الذكرى عن موضعه لا يقتضي السجود فتكون قراءة التشهد ههنا بمثابة ما لو اتى بذكر آخر ويحكى هذا عن ابن سريج لكن كل واحد من هذين الاصلين مختلف فيه والظاهر ان الجلسة بين السجدتين ركن قصير وان نقل الركن عن موضعه يقتضى السجود على ما بيناه من قبل فإذا الظاهر في المسألة أنه يسجد للسهو وبه قال الشيخ أبو علي وغيره وذكر في التهذيب انه المذهب ولو كانت المسألة بحالها وطول لا بالتشهد فههنا لا نقل لكن الظاهر انه يسجد للسهو ايضا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 تفريعا علي قولنا الجلسة بين السجدتين ركن قصير * واعرف من لفظ الكتاب في المسألة امورا ثلاثة (احدها) ان قوله لم يسجد لهذا السهو ليس جوابا ينفى السجود جزما لانه ذكر الخلاف فيما جعله علة لنفى السجود حيث قال لانه ركن طويل ولم يوجد الا نقل التشهد وهو غير مبطل يعنى إذا كان عمدا علي احد الوجهين والخلاف في العلة يوجب الخلاف في المعلول فتبين بذلك انا إذا قلنا ان عمده مبطل يسجد للسهو فإذا لا حاجة الي اعلام قوله لم يسجد بالواو لانه بمثابة قوله لم يسجد علي أحد الوجهين (الثاني) قوله على أحد الوجهين يجوز ان يرجع إلى النقل وحده ويجوز ان يرجع إليه والي قوله قبله ركن طويل فان الخلاف ثابت فيهما فان كان الاول فليعلم قوله ركن طويل بالواو (الثالث) لفظ الكتاب يشعر بان الحكم بان عمده غير مبطل مع قولنا الجلسة ركن طويل يقتضى نفي السجود ههنا لكنه قد ذكر من قبل انا وان لم نجعل عمد النقل مبطلا ففى السجود لسهوه وجهان فإذا القول بنفي السجود ههنا بناء علي الاصلين جواب علي انه إذا لم يبطل عمده لا يسجد لسهوه فالاظهر انه وان لم يبطل عمده يسجد لسهوه كما تقدم (المسألة الثالثة) لو جلس عن قيام ولم يتشهد نم تذكر اشتغل بالسجدتبن وبما بعدهما علي ما يقتضيه ترتيب صلاته ثم ان طال جلوسه سجد للسهو لما سبق ان زيادة القعود الطويل عمدا مبطلة وان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 لم يطل بل كان في حد جلسة الاستراحة فلا يسجد للسهو لان العمد منه في غير موضعه لا يبطل الصلاة بخلاف الركوع والسجود والقيام يبطل عمدها الصلاة وان قصر زمانه وذلك لان الجلوس معهود في نفس الصلاة من غير أن يكون ركنا كجلوس التشهد الاول وجلسة الاستراحة وهى لا تقع في نفس الصلاة الا اركانا فيكون تأثيرها في تغيير نظم الصلاة أشد والمسألتان الاخيرتان لا اختصاص لهما بالركعة الاخيرة كما ذكرنا في المسألة الاولى لكن هذا السهو حيث يكون بين يديه تشهد أقرب وقوعا وإذا كان التشهد فرضا يجب عليه اعادته بعد تبين الحال فلذلك كانت مسائل الكتاب مصورة في الركعة الاخيرة قال (الخامس إذا قام الي الخامسة ناسيا بعد التشهد فان تذكر جلس وسلم والقياس أنه لا يعيد التشهد والنص أنه يتشهد لرعاية الولاء بين التشهد والسلام وكيلا يبقى السلام فردا غير متصل بركن من أحد الجانبين) * إذا قام إلى الخامسة في صلاة رباعية ثم تذكر قبل أن يسلم فعليه أن يعود الي الجلوس ويسجد للسهو سواء تذكر في قيام الخامسة أو ركوعها أو سجودها وان تذكر بعد الجلوس فيها سجد للسهو ويسلم قال أبو حنيفة ان تذكر قبل أن يسجد في الخامسة يعود الي الجلوس وان تذكر بعد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 ما سجد فيها فان لم يكن قعد في الرابعة بطل فرضه وتحولت صلاته نفلا وعليه أن يضم إليها ركعة سادسة وان كان قد قعد في الرابعة ضم إليها ركعة أخرى وتكون أربع ركعات من صلاته فرضا وركعتان نفلا لنا ما روى أنه صلي الله عليه وسلم " صلي الظهر خمسا فقيل له أتزيد في الصلاة قال وما ذاك قالوا صليت خمسا فسجد سجدتين بعدما سلم " والاستدلال أنه لا يخلو اما ان كان قد قعد في الرابعة أو لم يقعد فان قعد فيها لم يضم إلى صلاته ركعة أخرى وان لم يقعد فيها لم يعد الصلاة وقوله في الكتاب جلس وسلم يعني وسلم بعد سجود السهو وهل يتشهد بعدما تذكر الحال نظر ان تذكر بعد الجلوس والتشهد في الخامسة فلا حاجة إلى اعادته بحال وان تذكر قبل الجلوس فيها فجلس أو بعد الجلوس فيها وقبل التشهد فان لم يكن تشهد في الرابعة فلا بد وأن يتشهد الآن وان كان قد تشهد فيها وهذه الحالة هي المذكورة في الكتاب فهل يحتاج الي اعادة التشهد فيه وجهان (أصحهما) وبه قال معظم الاصحاب لا لانه أتى به في موضعه فاشبه ما إذا قام الي الخامسة من السجود ثم تذكر فانه يقعد ويتشهد ولا يحتاج الي العود إلى السجود (والثانى) وبه قال ابن سريج أنه يجب اعادته وينسب هذا الي نص الشافعي رضي الله عنه لانه قال في المختصر وان ذكر أنه في الخامسة سجد أو لم يسجد قعد في الرابعة أو لم يقعد فانه يجلس للرابعة ويتشهد ويسجد للسهو حكم بانه يجلس ويتشهد سواء قعد في الرابعة أو لم يقعد وذكر ابن سريج لهذا الوجه الثاني معنيين (احدهما) رعاية الموالاة بين التشهد والسلام فان تشهده في الرابعة قد انقطع بالركعة الزائدة فلا بد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 من اعادته ليليه السلام (والثانى) أنه لو لم يعد التشهد لبقى السلام فردا غير متصل بركن قبله ولا بعده والكتاب يشتمل على هذين المعنيين معا وفرع ابن سريج عليهما ما إذا ترك الركوع ثم تذكره في السجود وان قلنا بالمعنى الاول يجب أن يعود الي القيام ويركع منه وان قلنا بالمعنى الثاني كفاه أن يقوم راكعا فانه لا يبقى فردا لاتصاله بالسجود وما بعده والاول مثل ما حكينا عن أبى اسحق فيما إذا تذكر في قيام الثانية أنه ترك سجدة من الاولي وكان قد جلس بعد السجدة المفعولة أنه يجلس ثم يسجد قال أصحاب الوجه الاول اما لفظ الشافعي رضى الله عنه فانما يتعرض للقعود ولم يقل تشهد أو لم يتشهد فالمراد ما إذا قعد ولم يتشهد واما المعنيان فضعيفان أما الاول فلان الفصل بالنسيان لا يقدح في الموالاة لانه إذا اعاد التشهد فاما أن يكون المعتد به تشهده الاول أو يكون هو الثاني فان كان المعتد به الاول فلا معنى للامر بالثاني ثم المحذور وهو انقطاع الموالاة بين التشهد والسلام يبقى بحاله وان كان المعتد به الثاني فلا موالاة بينه وبين ما قبله من الاركان فلم يحتمل انقطاع الموالاة بين التشهد وما قبله ولا يحتمل بين التشهد والسلام واما المعني الثاني فهو مفرع على انقطاع الموالاة والا فالسلام ليس فردا بل هو متصل بما قبله وهذا كله إذا كان قد تشهد علي قصد التشهد الاخير وهو المراد من مسألة الكتاب فاما إذا تشهد علي ظن أنه التشهد الاول عاد الوجهان في تأدى الفرض بنية النفل ان قلنا يتادى ففيه الخلاف المذكور وان قلنا لا يتادى فيجب اعادة التشهد بلا خلاف وإذا عرفت ما ذكرناه تبين لك أنه لم قال القياس أنه لا يتشهد والنص أنه يتشهد لكن في اللفظ شيئان (أحدهما) أنه سلم أن النص أنه يتشهد واصحاب الوجه الاول لم يسلموا ذلك بل منهم من يمنع دلالته عليه ومنهم من أوله (والثاني) ان قوله في مقابلته القياس أنه لا يتشهد انما يذكر مثله في ابداء الشئ على سبيل الاحتمال وهو منقول منصوص عليه من جهة معظم الاصحاب والله اعلم * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 قال (السادس إذا شك في اثناء الصلاة أخذ بالاقل (ح) وسجد للسهو ولو شك بعد السلام فقولان أحدهما أنه يقوم الي التدارك وكانه لم يسلم والثانى انه لا يعتبر بعد الفراغ لما فيه من العسر وان لم يشك الا بعد طول الزمان فالقياس أنه لا يلتفت إليه) * ليس في هذا الموضع السادس سهو محقق فكأنه أراد بقوله أولا ومواضع السهو ستة مواضع سجود السهو ثم ليس ذلك علي سبيل الحصر بل الصور المفردة التى يشرع فيها السجود تزيد علي اضعاف هذا العدد ويمكن التقسيم الجملى علي وجه ينتقص عنه وقوله إذا شك في اثناء الصلاة يعني في عدد الركعات وسبب الاخذ بالاقل وسجود السهو قد ذكره في الكتاب بعد هذا واعاد المسألة كما سنشرحها وليعلم قوله اخذ بالاقل بالحاء والالف لما سيأتي وان وقع الشك في عدد الركعات أو في ترك ركن من الاركان بعد السلام فينظر ان لم يطل الزمان ففيه قولان (احدهما) انه يشتغل بالتدارك ويسجد للسهو كما لو وقع الشك في اثناء الصلاة لان الاصل انه لم يفعله وايضا فلانه لو تيقن بعد السلام ترك ركن أو ركعة ولم يطل الفصل يتدارك كما لو كان ذلك قبل السلام فكذلك يتساويان في حكم الشك واظهرهما انه لا عبرة بهذا الشك لان الظاهر ان ختم الصلاة كان علي تمام الركعات والاركان ولو اعتبر الشك الطارئ بعد الفراغ لعسر الامر علي الناس وفى المسألة طريق آخر وهو القطع بهذا القول الثاني فليكن قوله فقولان معلما بالواو لذلك ولفظ الكتاب وان لم يصرح بوضع القولين فيما إذا لم يطل الزمان لكنه اشتمل على ما يبين ذلك الا ترى انه قال بعد القولين فان لم يشك الا بعد طول الزمان فافهم انهما فيما إذا لم يطل وان طال الزمان ثم شك ففيه طريقان حكاهما في النهاية (احدهما) طرد القولين (واصحهما) القطع بانه لا عبرة بالشك بعده لان الانسان بعد طول المدة تكثر تردداته وشكوكه فيما مضى من افعاله ولو اعتبر ذلك لكان الطريق ان يؤمر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 بالقضاء ومثل هذا الشك غير مأمون في القضاء ايضا وقوله على الصحيح أي من الطريقين وبه قال الشيخ أبو محمد ويجوز ان يريد من القولين جوابا على الطريقة الاولي وإذا لم يفصل بين طول الزمان وقصره قلت في الشك الطارئ بعد الفراغ طريقان (احدهما) انه لا يعتبر بحال (والثانى) وهو المذكور في الوسيط أن فيه ثلاثة اقوال (اصحها) الفرق بين أن يطول الزمان فلا يعتبر وبين أن لا يطول فيعتبر (فان قلت) وبم يضبط الزمان الطويل ويميز عن غير الطويل وهذا البحث يحتاج إليه ههنا وفيما إذا تيقن انه ترك ركعة أو ركنا بعد السلام فان الحكم فيه يختلف بطول الزمان وقصره علي ما سبق (فالجواب) أنه حكي عن البويطي ان الطويل ما يزيد على قدر ركعة وبه قال أبو إسحق المروزى وعن ابن أبي هريرة أن الطويل قدر الصلاة التى كان فيها والاظهر أن الاعتبار فيه بالعرف والعادة ويحكى ذلك عن الام وإذا جوزنا البناء فلا فرق بين أن يتكلم بعد السلام ويخرج من المسجد ويستدبر القبله وبين أن لا يفعل ذلك وقيل القدر الذى نقل عن رسول الله صلي الله عليه وسلم في الفصل محتمل فان زاد فلا والمنقول أنه قام ومضى الي ناحية المسجد وراجع ذا اليدين وسأل الصحابة فأجابوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 قال (قواعد اربع (الاولي) من شك في ترك مأمور سجد للسهو إذ الاصل انه لم يفعله وان شك في ارتكاب منهى لم يسجد لان الاصل العدم ولو شك في انه سجد للسهو أو في انه سجد واحدة أو ثنتين للسهو فالاصل العدم الا في مسالة وهو أنه لو شك انه صلي ثلاثا أو اربعا أخذ بالاقل قياسا وسجد للسهو جبرا وان كان الاصل انه لم يزد وقيل ان علته انه أدى الرابعة علي تردد حتى لو تيقن قبل السلام انها رابعة سجد أيضا وقيل لا يسجد عند زوال التردد) * هذه القواعد اصول في الباب لا بد من معرفتها والاولى منها مبنية علي أصل كثير الولوج في أبواب الفقه وهو أنا إذا تيقنا وجود شئ أو عدمه ثم شككنا في تغيره وزواله عما كان فانا نستصحب اليقين الذى كان ونطرح الشك إذا تذكرت ذلك فلو شك في ترك مامور ينجبر تركه بالسجود وهو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 الابعاض فالاصل انه لم يفعله فيسجد للسهو قال في التهذيب هذا إذا كان الشك في ترك مامور مفصل فاما إذا شك في الجملة في أنه هل ترك مامورا أم لا فلا يسجد كما لو شك هل سها أم لا ولو شك في ارتكاب منهي مثل شكه في أنه تكلم ناسيا أم لا أو سلم ناسيا أم لا فالاصل انه لم يفعل ولا سجود عليه ولو تيقن السهو وشك في أنه هل سجد للسهو أم لا فيسجد لان الاصل انه لم يسجد ولو شك في انه سجد للسهو سجدة أو سجدتين فيأخذ بانه لم يسجد الا واحدة ويسجد أخرى لان الاصل في الثانية العدم ولو شك في صلاته فلم يدر أثلاثا صلي أم اربعا اخذ بالاقل وأتى بالمشكوك فيه وسجد للسهو خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال ان كان هذا الشك أول ما عرض له بطلت صلاته وان كان يعرض له كثيرا تحرى وبنى علي غالب ظنه فان لم يغلب علي ظنه شئ بني على اليقين وعن أحمد رواية ان الامام يتحرى خاصة ويعمل بغالب ظنه والظاهر عنه مثل مذهبنا لنا ما روى أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " إذا شك احدكم في صلاته فلم يدر كم صلي ثلاثا ام اربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ويسجد سجدتين فان كانت صلاته تامة كانت الركعة والسجدتان نافلة وان كانت صلاته ناقصة كانت الركعة تماما والسجدتان ترغيما للشيطان " الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا شك احدكم فلم يدر اواحدة صلي أم اثنتين فليبن علي واحدة وان لم يدر أثنتين صلي ام ثلاثا فليبن على اثنتين وان لم يدر ثلاثا صلى أم اربعا فليبن على ثلاث ويسجد سجدتين قبل أن يسلم " وعندنا لا مجال للاجتهاد في هذا الباب ولا يجوز العمل بقول الغير أيضا وفيه وجه انه يجوز الرجوع إلى قول جمع كثيرين كانوا يرقبون صلاته وكذلك إذا قام الامام الي ركعة يظنها رابعته وعند القوم انها خامسة فنبهوه لا يرجع الي قولهم وفى وجه ان كثر عددهم رجع الي قولهم والمشهور الاول لانه تردد في فعل نفسه فلا يرجع الي قول غيره فيه كالحاكم إذا نسي حكمه لا ياخذ بقول الشهود عليه إذا عرف ذلك فالبناء على الاصل مستمر على الاصل الذى تقدم لان الاقل فيما سوى القدر المستيقن العدم واما الامر بسجود السهو فمخالف لذلك الاصل لانه إذا بنى على اليقين واتى بركعة اخرى فقد تمت صلاته خالية عن السهو بالزيادة ظاهرا فلماذا يسجد حكي امام الحرمين خلافا في تنزيله قال قال شيخي وطائفة المعتمد فيه ما روينا من الخبر ولا اتجاه له من جهة المعني وقال الشيخ أبو علي المقتضي للسجود تردده في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 أمر الركعة الاخيرة فان كانت زائدة فزيادتها تقتضي السجود والا فالتردد فيها أهى أصلية مفروضة أم زائدة يوجب ضعف النية ويحوج إلى الجبر بالسجود قال ويتفرع على هذا الخلاف ما لو زال تردده قبل السلام وعرف ان الركعة الاخيرة هي الرابعة حقا وانه ما زاد شيأ هل يسجد للسهو قطع الشيخ أبو محمد بانه لا يسجد فان المتبع الحديث والحديث ورد في دوام الشك والتردد وقال الشيخ أبو على يسجد لان تلك الركعة تأدت علي التردد وضعف النية فيها فزوال التردد بعد ذلك لا يغنى عن الجبر ثم الذى مال إليه امام الحرمين كلام شيخه انه لا يسجد عند زوال التردد واعترض علي كلام الشيخ أبي علي وقال انه منقوض بما إذا لم يدر الرجل اقضي الفائتة التى كانت عليه أم لا فانا نأمره بقضائها ولا يسجد للسهو إذا قضاها وان كان هو مترددا في انها هل هي مفروضة عليه من أول الصلاة الي آخرها أم لا وفى لفظ الكتاب ما يشعر بموافقته الامام علي اختياره فانه اسند سجود السهو في المسألة الي الخبر ثم قال وقيل إن عليه كذا وقال بينا ان هذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 السياق يشعر بترجيح الاول لكن المنقول عن القفال يوافق ما نسبه في المسألة إلى الشيخ ابي على ولم يورد صاحب التهذيب وكثيرون سواه وضبطوا صور عروض الشك وزواله فقالوا ان كان ما فعله من وقت عروض الشك إلى زواله ما لا بد منه علي كل احتمال فلا يسجد للسهو وان كان زائدا علي بعض الاحتمالات سجد للسهو مثاله لو شك في قيام من صلاة الظهر ان تلك الركعة ثالثة أو رابعة فركع وسجد علي هذا الشك وهو علي عزم القيام الي ركعة أخرى اخذا باليقين ثم تذكر قبل القيام الي الاخرى انها ثالثته أو رابعته فلا يسجد للسهو لان ما فعله في زمان الشك لا بد منه علي التقديرين جميعا وان لم يتذكر حتى قام الي الاخرى يسجد للسهو وان تذكر انها كانت ثالثته وهذه رابعة لانه كان احتمال الزيادة وكونها خامسة ثابت حين قام وقوله في الكتاب فالاصل العدم الا في مسألة يعني انه يعمل بقضية هذا الاصل الا في هذه المسألة فلا يعمل به لا أن هذه المسألة تغاير ما قبلها في نفس الاصل حتي لا يكون الاصل فيها العدم وليس الغرض استثناء هذه الصورة الفردة بل نظائرها في معناها كما إذا شك في ترك ركن سوى النية والتكبير يبني على اليقين ويسجد للسهو وترك الاصل في هذه الصورة ليس في الاخذ بالاقل ولكنه في الامر بسجود السهو كما بينا ولذلك قال اخذ بالاقل قياسا وسجد للسهو جبرا والصورة المستثناة قد ذكرها وحكمها في الفصل السابق علي هذا الفصل فهي معادة ههنا لكن هذا الموضع احق بذكرها ولذلك زاد ههنا الكلام في سبب سجود السهو وفرع عليه وكأنه قصد بذكرها في الفصل السابق التدرج منها الي الشك بعد السلام ولو اقتصر على ذكرها في هذا الموضع وعقبها بمسألة الشك بعد السلام لم يكن به باس وقوله آخرا وقيل لا يسجد عند زوال التردد تفريع على اسناد سجود السهو الي الجبر وليس شيئا مستأنفا ولو قال وعلي الاول لا يسجد عند زوال التردد لكان اوضح * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 قال (الثانية إذا تكرر السهو فيكفى سجدتان في آخر الصلاة وانما يتعدد سجود السهو في حق المسبوق إذا سجد لسهو الامام فانه يعيد في آخر صلاة نفسه وكذا إذا صلوا صلاة الجمعة ثم بان لهم بعد سجود السهو ان الوقت خارج تمموها ظهرا واعادوا السجود ولو ظن الامام سهوا فسجد ثم تبين أن لا سهو فقد زاد سجدتين فيسجد لهذا السهو سجدتين اخريين وقيل هما جايرتان لانفسهما كشاة من اربعين شاة تزكي نفسها وغيرها) * لا يتكرر سجود السهو بتكرر السهو وتعدده بل يكفى سجدتان في آخر الصلاة سواء تكرر نوع واحد أو وجود نوعان فصاعدا ووجهه الخبر والمعنى أما الخبر فهو حديث ذى اليدين فان النبي صلي الله عليه وسلم " سلم وتكلم واستدبر القبلة ومشى ولم يزد على سجدتين " واما المعني فهو ان سجود السهو مؤخر الي آخر الصلاة ولولا أنه يتداخل لامر به عند السهو كسجود التلاوة ياتي عند التلاوة قال الائمة ولا يتعدد سجود السهو الا في مواضع قالوا ونعنى بذلك صورة السجود والا فالمعتد به سجدتان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 بلا استثناء فمنها المسبوق إذا سجد مع الامام لسهوه يعيد في آخر صلاة نفسه على اختلاف ياتي من بعد والغرض ههنا الاشارة إلى أنه من المستثنيات واقتصر علي ذكر الاصح وهو أنه يعيد في آخر صلاة نفسه ويجوز أن يعلم قوله يعيد بالواو للخلاف الذى ياتي ذكره: ومنها لو سها الامام في صلاة الجمعة فسجدوا للسهو ثم تبين لهم قبل أن يسلموا خروج وقت الظهر فعليهم اتمامها ظهرا ويعيدون سجود السهو لان محل السجود في آخر الصلاة وقد تبين أن الاول لم يقع في آخر الصلاة وهذا تفريع علي ظاهر المذهب وفى المسالة قول آخر ياتي ذكره في الجمعة انهم لا يتمونها ظهرا بل يستأنفون فعلي ذلك القول لا تستمر المسألة ولا بأس لو اعلمت قوله تمموها ظهرا بالواو لمكان ذلك القول ومنها لو ظن أنه سها في صلاته فسجد للسهو ثم بان قبل أن يسلم أنه لم يسه فهل يسجد فيه وجهان أصحهما أنه يسجد لانه زاد سجدتين سهوا فيجبر هذا الخلل بالسجود والثانى وبه قال الشيخ أبو محمد لا يسجد لان سجود السهو يجبر كل خلل في الصلاة فيجبر نفسه كما يجبر غيره وهذا كوجوب شاة في اربعين إذا أخرج واحدة تزكي نفسها فانها من جملة الاربعين فهذه الصور الثلاث هي المذكورة في الكتاب وقوله وانما يتعدد سجود السهو يشعر بالحصر فيها ولكن وراءها صورا أخر منها لو شرع المسافر في الصلاة بنية القصر فسها وسجد للسهو ثم نوى الاتمام قبل أن يسلم أو صار مقيما بانتهاء السفينة الي دار الاقامة يجب عليه أن يتم الصلاة ويعيد السجود في آخر صلاته لان محله آخر الصلاة ومنها لو سجد للسهو ثم سها قبل أن يسلم بكلام أو غيره هل يسجد للسهو فيه وجهان احدهما وبه قال ابن القاص نعم لانه وان جبر ما قبله وما فيه فلا يجبر ما يقع بعده واصحهما لا يسجد كما لو تكلم في سجود السهو أو سلم بينهما والمعني فيه أنه لا يؤمن من وقوع مثله في السجود ثانيا أو بعده فيتسلسل ولو سجد للسهو ثلاثا سهوا لا يسجد لهذا السهو وكذلك لو شك في أنه سجد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 للسهو سجدة أو سجدتين فاخذ بالاقل وسجد أخرى كما امرناه ثم تحقق أنه كان قد سجد سجدتين لا يسجد ثانيا للمعني الذى ذكرناه وعبروا عن هذا الوجه الاصح وعن الاصح في الثالثة من صور الكتاب بان قالوا السهو في سجود السهو لا يقتضي السجود والسهو بسجود السهو يقتضي السجود ومنها لو ظن أن سهوه ترك القنوت فسجد للسهو ثم بان له قبل ان يسلم ان سهوه شئ آخر هل يسجد ثانيا فيه جوابان للقاضى الحسين احدهما نعم لانه قصد بالاول جبر ما لا حاجة الي جبره وبقى الخلل بحاله واظهرهما لا لانه قصد جبر الخلل وانه يجبر كل خلل * قال (الثالثة إذا سها المأموم لم يسجد بل الامام يتحمل عنه كما يتحمل عنه سجود التلاوة ودعاء القنوت والجهر والقراءة عن المسبوق والتشهد الاول عن المسبوق بركعة واحدة ولو سها بعد سلام الامام لم يتمحله ولو ظن أن الامام سلم فقام ليتدارك ثم جلس قبل سلام الامام فكل ما جاء به سهو ولا سجود عليه فإذا سلم الامام فليتدارك الآن وان تذكر في القيام ان الامام لم يتحلل فليرجع الي القعود أو لينتظر قائما سلامه ثم ليشتغل بقراءة الفاتحة بعده) * إذا سها المأموم خلف الامام لم يسجد ويتحمل الامام سهوه لما روي أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " ليس على من خلف الامام سهو وان سها الامام فعليه وعلي من خلفه " ولحديث معاوية بن الحكم الذى رويناه في فصل الكلام فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالسجود مع أنه تكلم خلفه وشبه في الكتاب تحمله سهو المأموم بامور اخر يتحملها احدها سجود التلاوة فان المأموم لو قرأ آية سجدة لا يسجد علي ما سيأتي والثاني دعاء القنوت علي ما سبق والثالث الجهر فان المأموم لا يجهر في الصلاة الجهرية ولو كان منفردا لجهر ويجوز ان يعلم هذا بالحاء لان عند أبي حنيفة لا يجهر المنفرد وإذا كان كذلك فلا معني للتحمل والرابع القراءة يتحملها عن المسبوق الذى ادركه في الركوع وكذلك يتحمل عنه اللبث في القيام. لا يتحمل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 عنه أصل القيام فانه لا بد له من ايقاع التكبيرة في حد القيام والخامس التشهد الاول يتحمله عن المسبوق الذى لحقه في الركعة الثانية فانه إذا قعد الامام للتشهد الاول يتابعه وهو غير محسوب للمسبوق من صلاته وموضع تشهده الاول آخر الركعة الثالثة للامام وهو لا يقعد فيه بل يقوم مع الامام فهذه الخمسة هي المذكورة في الكتاب * ومنها القنوت في صلاة الصبح إذا لحق المسبوق في الركعة الثانية علي ما ذكرنا في التشهد الاول * ومنها قراءة السورة على التفصيل المتقدم ومنها قراءة الفاتحة في الجهرية علي القول القديم ولو سها المأموم بعد سلام الامام لم يتحمله الامام لانقطاع رابطة الاقتداء وذلك في المسبوق إذا سها فيما ينفرد بتداركه وكذلك المأموم الموافق لو تكلم ساهيا عقيب سلام الامام والمنفرد إذا سها في صلاته دخل في جماعة جوزنا ذلك علي ما سيأتي فلا يتحمل الامام سهوه ذلك ولو ظن المأموم ان امامه قد سلم فسلم ثم بان له انه لم يسلم بعد فيسلم معه ولا سجود عليه فانه سهو في حالة الاقتداء ولو تيقن في التشهد أنه ترك الفاتحة أو الركوع من ركعة سهوا فإذا سلم الامام فعليه أن يقوم الي ركعة أخرى ثم لا يسجد للسهو لان سهوه كان خلف الامام ولو سلم الامام فسلم المسبوق سهوا ثم تذكر بني على صلاته وسجد للسهو لان سلامه وقع بعد انفراده ولو ظن المسبوق ان الامام سلم بان سمع صوتا خيل إليه ذلك فقام ليتدارك ما عليه وكان ما عليه ركعة مثلا فاتي بها وجلس ثم علم ان الامام بعد لم يسلم وان ظنه كان خطأ فهذه الركعة غير معتد بها لانها مفعولة في غير موضعها فان وقت التدارك ما بعد انقطاع القدوة اما لخروج الامام عن الصلاة أو لقطع المأموم القدوة حيث يجوز ذلك ولم يوجد واحد من الامرين وانما ظن زوال القدوة فتبين خلافه فإذا سلم الامام يقوم الي التدارك ثم لا يسجد للركعة التى سها بها لبقاء حكم القدوة وهذه المسألة منقولة عن نص الشافعي رضى الله عنه والعبارة عنها في الكتاب تحتاج إلى اضمارات فقوله ولو ظن أن الامام سلم يعني المسبوق وقوله فقام ليتدارك ثم جلس الي آخره أي تدارك ثم جلس قبل سلام الامام وعلم ان الامام لم يسلم بعد وكل ما جاء به سهو ولو كانت المسألة بحالها فسلم الامام وهو قائم فهل يجوز له أن يمضى في صلاته ام يجب عليه ان يعود إلى القعود ثم يقوم حكى صاحب التهذيب وغيره فيه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 وجهين ان جوزنا المضي فلا بد من استئناف القراءة وفرعوا علي الوجهين ما لو سلم الامام في قيامه لكنه لم يتنبه لذلك حتى أتم الركعة ان جوزنا المضى فركعته محسوبة ولا يسجد للسهو وان قلنا عليه القعود لم يحسب ويسجد للسهو لزيادته في الصلاة بعد تسليم الامام ولو كانت المسألة بحالها وتبين له في القيام ان الامام لم يسلم بعد فقد خيره في الكتاب بين أن يرجع الي القعود وبين ان ينتظر قائما سلام الامام وذكر امام الحرمين قدس الله روحه في هذه المسألة انه ان آثر ان يرجع فهو الوجه وان بدا له ان يتمادى ويقصد الانفراد قبل أن يتحلل الامام فهو مبنى على أن المقتدى إذا أراد الانفراد ببقية الصلاة وقطع القدوة هل له ذلك ان منعناه تعين عليه الرجوع وان جوزنا الانفراد فوجهان احدهما يجب الرجوع لان نهوضه غير معتد به فليرجع ثم ليقطع القدوة ان شاء والثانى لا يجب لان الانتهاض ليس مقصودا لعينه وانما المقصود نفس القيام وما بعده فصار كما لو قصد عند ابتداء النهوض: إذا عرفت ذلك فالمفروض في المسألة إذا لم يرجع الي القعود حالتان احداهما أن يقطع القدوة والثانية ان لا يقطعها بل ينتظر قائما الي ان يسلم الامام والذى نقلناه عن الامام كلام في الحالة الاولى وفيه ما يقتضى وجوب الرجوع في الحالة الثانية وامتناع الانتظار وما في الكتاب كلام في الحالة الثانية لانه إذا قطع القدوة وجوزناه فلا ينتظر سلام الامام بل يشتغل بتدارك ما عليه وليس تجويز الانتظار قائما إلى سلام الامام صافيا عن الاشكال لما فيه من المخالفة الظاهرة بخلاف سبقه الامام بركن فان السبق اليسير الي ما سينتهي الامام إليه لا يعد مخالفة محضة وبتقدير ان يكون قيام المسبوق كالسبق بركن فقد ذكرنا من قبل وجهين فيما إذا غلط المأموم فسبق الامام بركن هل يجب عليه العود ام يجوز له ان ينتظره فيه فليكن قوله أو لينتظر قائما معلما بالواو وعلى كل حال فلو كان قد قرأ قبل تبين الحال لم يعتد بقراءته بل عليه الاستئناف فلذلك قال ثم ليشتغل بقراءة الفاتحة بعده * (قال الرابعة يسجد المأموم مع الامام إذا سجد لسهوه (ح) فان ترك الامام سجد المأموم علي النص لاجل سهو (ز) الامام ولو سجد المسبوق مع الامام فهل يعيد في آخره صلاة نفسه فيه قولان يلتفتان الي انه يسجد لسهوه أو لمتابعته فان لم يسجد الامام سجد في آخر صلاة نفسه علي النص وسهو الامام قبل اقتدائه يلحقه على الاظهر كما بعد اقتدائه) * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 إذا سهاالامام في صلاته لحق سهوه المأموم لما روى في الخبر الذي تقدم وان سها الامام فعليه وعلي من خلفه ولانه لما تحمل سهو المأموم ألزمه سهو نفسه ويستثنى صورتان (احداهما) أن يتبين له كون الامام جنبا فلا يسجد لسهوه ولا يتحمل هو علي المأموم ايضا (الثانية) ان يعرف سبب سهو الامام ويتيقن انه مخطئ في ظنه كما إذا ظن ترك بعض الابعاض والمأموم يعلم انه لم يترك فلا يوافق الامام إذا سجد * إذا ثبت هذا الاصل فينظر ان سجد الامام وافقه المأموم فيه ولو تركه عمدا بطلت صلاته قال صلي الله عليه وسلم " انما جعل الامام ليؤتم به " وسواء عرف المأموم سهوه أو لم يعرفه فإذا سجد سجدتين في آخر صلاته وجب علي المأموم متابعته حملا علي انه سها وان لم يطلع علي سهوه بخلاف ما لو قام الي ركعة خامسه لا يتابعه حملا على انه ترك ركنا من ركعة لانه وان تحقق الحال ثم لم يكن له متابعته لاتمامه الصلاة يقينا ولو لم يسجد الا سجدة واحدة سجد المأموم أخرى حملا علي أنه نسى وان ترك الامام السجود لسهوه وسلم فهل يسجد المأموم نص الشافعي رضى الله عنه على أنه يسجد لان صلاة المأموم كملت بسبب اقتدائه بالامام فإذا تطرق نقص الي صلاة الامام تعدى الي صلاة المأموم وخرج بعض اصحابنا على أصول الشافعي رضى الله عنه منهم أبو حفص بن الوكيل انه لا يسجد بل يتابعه في السلام كما لو ترك الامام التشهد الاول أو سجود التلاوة لا ينفرد المأموم بهما وبهذا قال أبو حنيفة رحمه الله وكذلك احمد رحمه الله في احدى الروايتين والمزني وقد اشار في المختصر الي تخريجه علي أصل الشافعي رضى الله عنه لانه ينفرد به مذهبا وظاهر المذهب هو الاول واجابوا عن التشهد الاول وسجدة التلاوة بانهما يقعان في خلال الصلاة فلو انفرد بهما لخالف الامام وههنا سجود السهو يقع بعد سلام الامام وخروجه من الصلاة قال في النهاية وعبر عن هذا الخلاف بان المقتدى يسجد لسهو الامام أو لمتابعته ان قلنا لسهوه يسجد وان لم يسجد الامام وان قلنا لمتابعته فلا ولو سلم الامام ثم عاد إلى السجود نظر ان سلم المأموم معه ناسيا يوافقه في السجود فلو لم يفعل هل تبطل صلاته فيه وجهان مبنيان على أن من سلم ناسيا قبل السجود ثم عاد الي السجود هل يعود الي حكم صلاته ام لا وسياتى ذلك وان سلم المأموم عمدا مع ذكر السهو فلا يلزمه متابعته وان لم يسلم المأموم وعاد الامام ليسجد فان عاد بعد ان سجد المأموم للسهو لم يتابعه لانه قطع صلاته عن صلاة الامام بالسجود وان عاد قبل ان يسجد المأموم فاصح الوجهين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 انه لا يجوز ان يتابعه بل يسجد منفردا والثانى انه يلزمه متابعته وتبطل صلاته لو لم يفعل ولو سبق الامام حدث بعد ما سها اتم المأموم صلاته وسجد لذلك السهو تفريعا علي ظاهر المذهب وان كان الامام حنيفا فلم قبل ان يسجد للسهو لم يسلم معه المأموم بل يسجد قبل السلام ولا ينتظر سجود الامام لانه فارقه بسلامه وهذا تفريع علي ان اقتداء الشافعي بالحنفى جائز وسيأتي ولو كان المأموم مسبوقا وسها الامام بعد ما لحقه وسجد في آخر صلاته فيجب علي المسبوق ان يسجد معه رعاية للمتابعة كما يوافقه في سائر الافعال التي لا تحتسب له ويدل عليه قوله صلي الله عليه وسلم " انما جعل الامام ليؤتم به " وحكى الصيدلانى عن بعض أصحابنا انه لا يسجد معه لان موضع سجود السهو آخر الصلاة والصحيح المنصوص هو الاول وعليه فرع في الكتاب قوله ولو سجد مع الامام فهل يعيد في آخر صلاة نفسه فيه قولان اصحهما نعم لان سهو الامام اقتضي خللا في صلاته فيحتاج إلى جبره بالسجود ومحل الجبر بالسجود آخر الصلاة وما أتى به كان لمتابعة الامام والثاني لا وهو اختيار المزني رحمه الله لانه انما يسجد لمتابعة الامام والا فليس من جهته سهو وقد ارتفعت المتابعة بسلام الامام فهذا إذا سجد الامام وسجد المسبوق معه فاما إذا لم يسجد الامام فلا شك في ان المسبوق لا يسجد في آخر صلاة الامام إذ لا متابعة وليس هو محل السجود بالاضافة إلى المسبوق وهل يسجد في آخر صلاة نفسه فيه الخلاف الذى قدمناه في المأموم الموافق هل يسجد إذا لم يسجد الامام فليكن قوله سجد في آخر صلاة نفسه معلما بالحاء والالف والزاى ايضا وكل هذا في سهو الامام بعد اقتدائه فاما إذا سها قبل اقتداء المسبوق به فهل يلحقه حكمه فيه وجهان احدهما لا لانه لم يكن بينهما رابطة الاقتداء حينئذ كما لو سها في تداركه بعد سلام الامام لا يتحمله الامام فعلى هذا قال في النهاية ان لم يسجد الامام فلا يسجد هو اصلا وان سجد فالظاهر انه لا يسجد معه وقال بعضهم يسجد متابعة لكن لا يسجد في آخر صلاته والوجه الثاني وهو الاظهر أنه يلحقه حكمه لانه دخل في صلاة ناقصة فعلي هذا ان سجد الامام سجد معه وهل يعيد في آخر صلاة نفسه فيه القولان وان لم يسجد الامام سجد هو في آخر صلاته علي النص وإذا قلنا ان المسبوق يعيد السجود في آخر صلاته فلو اقتدى بالمسبوق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 بعد ما انفرد مسبوق آخر وبذلك المسبوق بعد ما انفرد مسبوق ثالث فكل واحد منهم يسجد لمتابعة امامه ثم يسجد في آخر صلاة نفسه ولو سها المسبوق في تداركه فان قلنا لا يسجد لسهو الامام في آخر صلاته فليسجد لسهوه سجدتين وان قلنا يسجد لسهو الامام في آخر صلاته فكم يسجد فيه وجهان احدهما اربع سجدات لتغاير الجهتين واصحهما سجدتان كما لو سها سهوين ولو انفرد المصلي بركعة من صلاة رباعية وسها فيها ثم اقتدى بمسافر وجوزنا الاقتداء في اثناء الصلاة وسها امامه ثم قام إلى ركعته الرابعة وسها فيها فكم يسجد في آخر صلاته فيه ثلاثة أوجه اصحها سجدتان والثاني اربع نظرا إلى سهوه في حالتي الجماعة والانفراد والثالث ست باعتبار الاحوال فان كان قد سجد الامام فلا بد وان يسجد معه ويكون قد أتى على الوجه الثالث بثمان سجدات وكذا المسبوق بركعة إذا اقتدى بمسافر وسها الامام وسجد وسجد معه المسبوق ثم صار الامام مقيما قبل أن يسلم فأتم وأعاد سجود السهو وأعاد معه المسبوق ثم قام إلى الركعة الرابعة وسها فيها وقلنا انه يسجد اربع سجدات فقد اتى بثمان سجدات فان سها بعدها بكلام ونحوه وفرعنا علي قول صاحب التلخيص صارت السجدات عشرا وقد يزيد عدد السجود علي هذا تفريعا على الوجوه الضعيفة * قال * (اما محل السجود وكيفيته فهما سجداتان (ح م) قبل السلام على القول الجديد فان سلم عامدا قبل السجود فقد فوت على نفسه وان سلم ناسيا وطال الزمان فقد فات وان تذكر علي القرب فان عن له ان لا يسجد فقد جرى السلام محللا وان عن له ان يسجد عاد الي الصلاة على أحد الوجهين وبان ان السلام لم يكن محللا) * ذكرنا ان الكلام في سجود السهو يقع في قسمين (أحدهما) في مقتضيه وقد تم (والثاني) في محله وكيفيته وهما سجدتان بينهما جلسة يسن في هيئتها الافتراش وبعدهما الي ان يسلم يتورك وكتب الاصحاب ساكتة عن الذكر فيهما وذلك يشعر بان المحبوب فيهما هو المحبوب في سجدات صلب الصلاة كسائر ما سكتوا عنه من واجبات السجود ومحبوباته وسمعت بعض الائمة يحكى أنه يستحب ان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 يقول فيهما " سبحان من لا ينام ولا يسهو " وهو لائق بالحال وفى محلهما ثلاثة أقوال (اصحها) أنه قبل السلام روى عن عبد الله بن بحينه ان النبي صلي الله عليه وسلم " صلي بهم الظهر فقام في الركعتين الاولتين لم يجلس فقام الناس معه حتى إذا قضي الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم " ولحديث أبي سعيد وعبد الرحمن رضي الله عنهما المذكورين في الشك في عدد الركعات (والثاني) وبه قال مالك والمزني رحمهما الله انه ان سها بزيادة فعل سجد بعد السلام وان كان بنقصان سجد قبل السلام أما انه يسجد في الزيادة بعد السلام فلقصة ذى اليدين فان النبي صلي الله عليه وسلم " سلم وتكلم ومشي فلما بنى علي صلاته سلم ثم سجد للسهو " وأما أنه يسجد في النقصان قبل السلام فلحديث ابن بحينة (والثالث) أنه مخير ان شاء قدم وان شاء أخر لثبوت الامرين عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وهذان القولان الاخيران منقولان عن القديم والاول هو الجديد الصحيح وقد نقل عن الزهري ان آخر الامرين من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود قبل السلام ثم هذا الاختلاف في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 الاجزاء علي المشهور بين الاصحاب وحكى القاضى ابن كج وامام الحرمين طريقة اخرى انه في الافضل ففى قول الافضل التقديم وفى قول الافضل التاخير وفى قول هما سواء وقال أبو حنيفة السجود بعد السلام بكل حال واختلفت الرواية عن أحمد فروى عنه مثل القول الثاني وروى مثل القول الاول وروى أنه قبل السلام الا في موضعين (أحدهما) ان يسلم ساهيا وقد بقي عليه شئ من صلاته كالركعة ونحوها (والثاني) ان يكون اماما ويشك في عدد صلاته ويتحرى علي احدى الروايتين لهم فانه يسجد بعد السلام والرواية الثالثة اظهر عند اصحابه وقد عرفث من هذه الاختلافات الحاجة الي أعلام قوله قبل السلام بالحاء والميم والالف والزاى (التفريع) ان قلنا يسجد قبل السلام فلو سلم قبل ان يسجد لم يخل اما ان يسلم عامدا ذاكرا للسهو أو يسلم ناسيا فان سلم عامدا ففيه وجهان (اصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه فوت السجود علي نفسه لان محل السجود قبل السلام وقد قطع الصلاة بالسلام (والثاني) أنه كما لو سلم ناسيا ان طال الفصل لم يسجد والا سجد كالنوافل التى تقضى لا فرق فيها بين العمد والنسيان ولا خلاف في أنه وان سجد لا يكون عائدا الي الصلاة بخلاف ما لو سلم ناسيا وسجد ففيه خلاف سيأتي وان سلم ناسيا فينظر ان طال الزمان ففيه قولان الجديد وهو الذى ذكره في الكتاب انه لا يسجد لفوات محله وتعذر البناء بطول الفصل كما لو ترك ركنا وتذكر بعد طول الفصل لا يبنى والقديم انه يسجد لانه جبران عبادة فيجوز ان يتراخى عنها كجبرانات الحج وعن مالك انه إذا ترك السجود ناسيا سجد متى تذكر ولو كان بعد شهر ولهذا أعلم قوله فقد فات بالميم مع القاف وان لم يطل الزمان بل تذكر علي القرب فان بدا له ان لا يسجد فذاك والصلاة ماضية علي الصحة وحصل التحلل بالسلام لانه لما لم يكن له رغبة في السجود عرفنا انه وإن لم يعتره نسيان لكان يسلم ولا يسجد وقال في النهاية رأيت في ادراج كلام الائمة ترددا في ذلك والظاهر انه إذا أراد أن يسجد قلنا له سلم مرة أخرى لان ذلك السلام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 غير معتد به فانك لو اردت ان تسجد لحكمنا بانك في الصلاة وهذا يوجب ان يكون قوله فقد جرى السلام محللا معلما بالواو وان اراد أن يسجد فقد حكي امام الحرمين فيه وجهين احدهما لا يسجد لان السلام ركن جرى في محله والسجود يجوز تركه قصدا فلو قلنا يسجد لاحتجنا الي اخراج السلام عن الاعتداد به فانا نفرع علي أن محل السجود قبل السلام وذلك مما لا وجه له والي هذا الوجه مال الامام وصاحب الكتاب في الفتاوى والثانى أنه يسجد وبه قطع الجمهور ونص عليه الشافعي رضي الله عنه لان النبي صلي الله عليه وسلم " صلي الظهر خمسا وسلم فقيل له في ذلك فسجد للسهو " وإذا قلنا أنه يسجد ههنا وهو الصحيح أو قلنا إذا طال الفصل تفريعا علي القديم فقد اختلفوا في انه هل يعود الي حكم الصلاة علي وجهين (احدهما) لا لان التحلل قد حصل بالسلام بدليل انه لا يجب اعادة السلام والعود الي الصلاة وهذا ارجح عند صاحب التهذيب (والثانى) يعود الي حكم الصلاة وبه قال أبو زيد وذكر القفال أنه الصحيح وتابعهما امام الحرمين والمصنف قطع في الفتاوى بذلك إذا قلنا أنه يسجد وهكذا ذكر القاضى الرويانى وغيره ووجهه أنه سلم ناسيا لسهوه ولو كان ذاكرا لما سلم لرغبته في السجود وعلمه ان محل السجود قبل السلام فالنسيان يخرجه عن كونه محللا كما يخرجه عن كونه محللا إذا سلم ناسيا لركن ثم تذكر ويتفرع علي الوجهين مسائل (منها) لو تكلم عامدا أو احدث في السجود بطلت صلاته علي الوجه الثاني وعلي الاول لا تبطل (ومنها) لو كان السهو في صلاة جمعة وخرج وقت الظهر في السجود فاتت الجمعة على الوجه الثاني وعلي الاول لا (ومنها) لو كان مسافرا يقصر ونوى الاتمام في السجود لزمه الاتمام على الثاني وعلي الاول لا (ومنها) هل يكبر للافتتاح وهل يتشهد ان قلنا بالوجه الثاني فلا يفعل ذلك وان قلنا بالاول فيكبر وفى التشهد وجهان اصحهما انه لا يتشهد قال في التهذيب والصحيح انه يسلم سواء قلنا يتشهد أو لا يتشهد بقى ههنا كلامان (احدهما) البحث عن حد طول الزمان وفيه الخلاف الذى ذكرناه فيما إذا ترك ركنا ناسيا ثم تذكر بعد السلام أو شك فيه والاصح الرجوع الي العرف والعادة وحاول امام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 الحرمين ضبط العرف فقال إذا مضى من الزمان قدر يغلب على الظن انه اضرب عن السجود قصدا أو نسيانا فهذا فصل طويل والا فليس ذلك بفصل قال وهذا إذا لم يفارق المجلس فان فارق ثم تذكر على قرب من الزمان فهذا محتمل عندي لان الزمان قريب لكن ان نظرنا إلى العرف فمفارقته المجلس تغلب على الظن الاضراب عن السجود كطول الزمان قال ولو سلم واحدث ثم انغمس في ماء علي قرب الزمان فالظاهر ان الحدث فاصل وان لم يطل الزمان (واعلم) انه قد نقل قول عن الشافعي رضى الله عنه ان الاعتبار بالمجلس فان لم يفارقه سجد وان طال الزمان وان فارقه لم يسجد وان قرب الزمان لكن الذى اعتمده الاصحاب الرجوع الي العرف كما سبق وقالوا لا تضر مفارقة المجلس واستدبار القبلة والله اعلم (الثاني) ان لفظ الكتاب في المسألة وهو قوله وان عن له ان يسجد عاد الي الصلاة على احد الوجهين يمكن حمله علي طريقة الجمهور بان يقال انه يسجد ثم في عوده الي الصلاة الوجهان ولكنه لم يرد ذلك وانما اراد نقل الوجهين في انه هل يسجد جريا علي طريقة الامام كما قدمناها ان قلنا يسجد فهو عائد الي الصلاة والا فلا وقد صرح بذلك في الوسيط وغيره هذا كله تفريع على قولنا أن السجود قبل السلام اما إذا قلنا انه بعد السلام اما في السهو بالزيادة أو علي الاطلاق فينبغي أن يسجد علي القرب فان طال الفصل عاد الخلاف وإذا سجد فلا يحكم بالعود الي الصلاة جزما وقال أبو حنيفة يعود إليها وهل يتحرم للسجدتين ويتشهد ويتحلل قال في النهاية الحكم فيها كحكمها في سجدة التلاوة وسيأتى ذلك ثم إذا رأينا التشهد فالمشهور أنه يتشهد بعد السجدتين كما في سجود التلاوة يتشهد بعده وعن الاستاذ أبى اسحق الاسفراينى رحمة الله عليه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 أنه يتشهد قبل السجدتين ليليهما السلام وحكي الحناطى رحمه الله عليه هذين المذهبين قولين وروى في البيان الوجهين في التفريع على القول الاول إذا قلنا أنه يتشهد * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 قال (السجدة الثانية سجدة التلاوة وهى مستحبة في اربع عشرة آية (م و) ولا سجدة في ص (ح م) وفى الحج سجدتان (م) ثم هي علي القارئ والمستمع جميعا فان سجد القارئ تأكد الاستحباب علي المستمع وان كان في الصلاة سجد لقراءة نفسه ان كان منفردا أو لقراءة امامه ان سجد امامه ولا يسجد (ح) لقراءة غير الامام ومن قرأ آية في مجلس مرتين هل تشرع السجدة الثانية فيه وجهان) * الفصل يشتمل على مسائل (احداها) سجود التلاوة سنة خلافا لابي حنيفة حيث قال بوجوبها لنا ما روى عن زيد بن ثابت رضي الله عنه " أنه قرأ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النجم فلم يسجد فيها ولا امرء بالسجود " وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه " أنه قرأ على المنبر سورة سجدة فنزل وسجد وسجد الناس معه فلما كان في الجمعة الاخرى قرأها فتهيأ الناس للسجود فقال علي رسلكم ان الله لم يكتبها علينا الا ان نشاء " (الثانية) في عدد آيات السجدة قولان (الجديد) انها اربع عشرة آية وفى القديم اسقط سجدات المفصل وردها الي احدى عشرة لما روى عن ابن عباس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم " لم يسجد في شئ من المفصل منذ تحول الي المدينة " واحتج في الجديد بما روى عن أبى هريرة رضي الله عنه قال " سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك " وكان اسلام أبي هريرة رضى الله عنه بعد الهجرة بسنين فرأى اثباته أولي من النفى وابو حنيفة رحمه الله يوافق الجديد في العدد ومالك القديم الا انهما اثبتا سجدة لا نعدها ونفيا بدلها اخرى نحن نثبتها أما الاولي فسجدة ص عندنا ليست من عزائم السجود وانما هي سجدة شكر خلافا لهما لنا ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم " سجد في ص وقال سجدها داود توبة وسجدتها شكرا " أي علي النعمة التى أتاها الله تعالي داود وهى قبول توبته وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان لا يسجد في ص إذا ثبت ذلك فلو سجد فيها خارج الصلاة فهو حسن ولو سجد في الصلاة جاهلا أو ناسيا لم يضر وان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 كان عالما فوجهان (أحدهما) وبه قال ابن كج لا تبطل صلاته لان سببه التلاوة واصحهما تبطل كسجود الشكر ولو سجد امامه في ص لانه ممن يراها فلا يتابعه المأموم فيها بل يفارقه أو ينتظره قائما وإذا انتظره قائما هل يسجد للسهو فيه وجهان (واما الثاني) ففي الحج عندنا سجدتان خلافا لهما في الثانية لنا ما روى عن عقبة بن عامر رضى الله عنه قال " قلت يا رسول الله فضلت سورة الحج بان فيها سجدتين قال نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما " وصار ابن سريج إلى اثبات سجدة ص والثانية في الحج معا وجعل آيات السجود خمس عشرة لما روى عن عمرو بن العاص ان النبي صلي الله عليه وسلم " اقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل وفى الحج سجدتان " وعن احمد روايتان (احداهما) مثل مذهب ابن سريج (واصحهما) مثل القول الجديد وإذا وقفت علي هذه الاختلافات اعلمت قوله وهي مستحبة بالحاء وقوله في اربع عشرة آية بالواو للقول القديم ولمذهب الاختلافات اعلمت قوله وهي مستحبة بالحاء وقوله في اربع عشرة آية بالواو للقول القديم ولمذهب ابن سريج وقوله ولا سجدة في ص بالميم والحاء والالف والواو وقوله وفى الحج سجدتان بالميم والحاء ثم مواضع السجود من الآيات بينة لا خلاف فيها الا في حم السجدة ففى موضع السجود الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 فيها وجهان (احدهما) عند قوله اياه تعبدون ويروى هذا عن أبى حنيفة واحمد (واصحهما) أنه عند قوله وهم لا يسأمون لان عنده يتم الكلام (الثالثة) كما يسن السجود للقارئ يسن للمستمع إليه لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال " كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن. فإذا مر بسجدة كبر وسجد وسجدنا معه " ولا فرق بين أن يكون القارئ في الصلاة أو لا يكون كذلك ذكره في التهذيب وبه قال أبو حنيفة وحكى في البيان أنه لا يسجد المستمع لقراءة من في الصلاة وأقام هذه المسألة خلافية بيننا وبين أبى حنيفة والاول أظهر واوفق لاطلاق لفظ الكتاب وكذلك ظاهر اللفظ يشتمل قراءة الصبى والمحدث والكافر ويقتضى شرعية السجود للمستمع الي قراءتهم وبه قال أبو حنيفة وقال في البيان لا اعتبار بقراءتهم خلافا له وأما الذى لا يستمع قصدا ولكنه سمع ما رأى فقد حكى عن مختصر البويطى ان الشافعي رضى الله عنه قال لا أؤكد عليه كما أؤكد علي المستمع وان سجد فحسن وعند أبى حنيفة لا فرق بينه وبين المستمع والقارئ ونقل مثله عن بعض أصحابنا لكنه يقول باللزوم ونحن بالاستحباب ودليل الفرق ما روى عن عثمان رضى الله عنه " أنه مر بقاص فقرأ آية سجدة ليسجد عثمان رضى الله عنه معه فلم يسجد وقال ما استمعنا لها " وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال " السجدة لمن جلس لها " وذكر في النهاية أن السامع لا يسجد لانه لم يقرأ ولا قصد الاستماع فلو سجد لكانت سجدته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 منقطعة عن سبب ينشئه فحصل في السامع ثلاثة أوجه كما يرى وإذا سجد القارئ فيكون الاستحباب في حق المستمع آكد وان كان أصل الاستحباب لا يتوقف علي سجوده هذا ما ذكره أكثر الائمة من العراقيين وغيرهم وحكاه امام الحرمين عن نصه في البويطى ونقل الصيدلانى أنه لا يسن له السجود الا ان يسجد القارئ ورجح الامام هذا الوجه واستشهد عليه بما روى " أن رجلا قرأ عند النبي صلي الله عليه وسلم السجدة فسجد فسجد النبي صلى الله عليه وسلم ثم قرأ آخر عنده السجدة فلم يسجد فلم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم فقال سجدت لقراءة فلان ولم تسجد لقراءتي فقال كنت امامنا فلو سجدت لسجدنا " وحمل الاول ذلك على تفاوت الاستحباب وحث الثاني على السجود وهذا في غير الصلاة أما المصلي فان كان منفردا سجد لقراءة نفسه فلو لم يسجد وركع وبدا له أن يسجد لم يجز لانه اشتغل بالفرض فان كان قبل بلوغه حد الراكعين فيجوز ولو هوى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 بسجود التلاوة ثم بدا له فرجع جاز لانه مسنون فله أن لا يتمه كما له ان يشرع فيه وهكذا لو قعد للتشهد الاول وقرأ بعضه ولم يتم جاز ولو اصغي المنفرد الي قراءة قارئ في الصلاة أو في غير الصلاة فلا يسجد لانه ممنوع من الاصغاء ولو فعل بطلت صلاته هذا قضية كلام الاصحاب وان كان المصلي في جماعة نظر ان كان اماما فهو كالمنفرد فيما ذكرنا ولا يكره له قراءة آية السجدة في الصلاة خلافا لمالك حيث قال يكره ولابي حنيفة وأحمد حيث قالا يكره في السرية دون الجهرية لنا ما روى انه صلى الله عليه وسلم " سجد في الظهر فرأى اصحابه انه قرأ آية سجدة فسجدوا " وإذا سجد الامام سجد المأموم فلو لم يفعل بطلت صلاته ولو لم يسجد الامام لم يسجد المأموم ولو فعل بطلت صلاته ويحسن القضاء إذا فرغ ولم يتاكد ولو سجد الامام ولم ينتبه المأموم حتى رفع الامام راسه من السجود لم يسجد وان علم وهو بعد في السجود سجد وان كان في الهوى ورفع الامام رأسه رجع معه ولم يسجد وكذا الضعيف الذى هوى مع الامام لسجود التلاوة فرفع الامام رأسه قبل انتهائه الي الارض لبطئ حركته يرجع معه ولا يسجد وان كان المصلي ماموما لم يسجد لقراءة نفسه بل يكره له قراءة آية السجدة ولا يسجد لقراءة غير الامام بل يكره له الاصغاء إليها ولو سجد لقراءة نفسه أو لقراءة غيره بطلت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 صلاته وقوله في الكتاب هي علي القارئ والمستمع ليس علي ههنا للايجاب وانما المراد تأكد الاستحباب وكثيرا ما يتكرر ذلك في كلام الاصحاب في هذه السجدة وسجدة السهو والراد ما ذكرنا وقد يستعملون لفظ الوجوب واللزوم أيضا وقوله فان سجد القارئ تأكد الاستحباب علي المستمع اشارة الي أن أصل الاستحباب ثابت وان لم يسجد القارئ جوابا على الاظهر المنصوص ويجوز أن يعلم بالواو لان من قال لا يسن للمستمع السجود الا إذا سجد القارئ لا يقول بتاكد الاستحباب عند عدم سجوده وانما يثبته عنده وقوله ولا يسجد لقراءة نفسه ولا لقراءة غير الامام هكذا هو في بعض النسخ وهو عبارة الوسيط وعلى هذا فالمراد لا يسجد المأموم وهو متعلق بقوله أو لقراءة امامه ان سجد امامه ولفظ الكتاب علي هذا التقدير ساكت عن حكم الامام ولا بأس به للعلم بان الامام كالمنفرد في هذا الباب وأمثاله وفى بعض النسخ ولا يسجد لقراءة غير الامام وطرح ما سواه وعلي هذا فالمفهوم من سياق الكلام رجوعه الي المأموم أيضا وسبب الطرح انا إذا قلنا ولا يسجد لقراءة غير الامام دخل فيه نفسه أيضا وذكر بعضهم أن المصنف أراد ولا يسجد المصلى لقراءة غير الامام وأعلم قوله ولا يسجد بالحاء على هذا التأويل لانا نعني بقولنا لا يسجد انه لا يجوز له السجود ولو فعله بطلت صلاته وعند ابى حنيفة لو سجد الامام والمقتدون لقراءة غيرهم لم تبطل صلاتهم وان كان لا يجزئهم ذلك ويسجدون بعد الصلاة ذكره القدورى وغيره (الرابعة) لو قرأ آيات السجدة في مكان واحد سجد لكل واحدة سجدة ولو كرر الآية الواحدة في المجلس الواحد فينظر ان لم يسجد للمرة الاولي فيكفيه سجود واحد وان سجد للاولي فوجهان (أحدهما) لا يسجد مرة اخرى وتكفيه الاولي كما في الصورة السابقة وبه قال أبو حنيفة وابن سريج (واظهرهما) انه يستحب مرة اخري لتجدد السبب بعد توفية حكم الاول وفى المسألة وجه ثالث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 انه ان طال الفصل سجد مرة أخرى والا فتكفيه السجدة الاولى قال في العدة وعليه الفتوى ولو كرر الآية الواحدة في الصلاة فان كان في الركعة الواحدة فهى كالمجلس الواحد وان كان في ركعتين فهما كالمجلسين فيعيد السجود ذكره الصيدلانى وغيره ولو قرأ مرة في الصلاة ومرة خارج الصلاة الصلاة في المجلس الواحد وسجد في الاولى فهذا لم اره منصوصا عليه في كتب الاصحاب واطلاقهم الخلاف في التكرار يقتضي طرده ههنا وعند أبى حنيفة إذا سجد خارج الصلاة لقراءة آية ثم اعادها في الصلاة اعاد السجدة ولم تجزه الاولى بخلاف ما لو لم يسجد حتى دخل في الصلاة واعادها فانه يسجد وتجزئه عن التلاوتين واعلم ان في قوله هل تشرع السجدة الثانية اشارة الا ان صورة الوجهين ما إذا كان قد سبق في المرة الاولي والا لم تكن سجدته سجدة ثانية والله أعلم * قال (ثم الصحيح أن هذه سجدة فردة وان كانت تفتقر الي سائر شرائط الصلاة ويستحب قبلها تكبيرة مع رفع اليدين ان كان في غير الصلاة ودون الرفع ان كان في الصلاة وقيل يجب التحرم والتحلل والتشهد وقيل يجب التحرم والتحلل دون التشهد وقيل لا يجب الا التحرم) * غرض الفصل الكلام في كيفية سجود التلاوة وشرائطه ولا خلاف في افتقاره الي شروط الصلاة كطهارة الحدث والخبث وستر العورة واستقبال القبلة وغيرها كما في الصلاة واما الكيفية فهو اما أن يكون في الصلاة أو خارج الصلاة فان كان خارج الصلاة ينوى ويكبر للافتتاح لما روى أنه صلي الله عليه وسلم " كان إذا مر في قراءته بالسجود كبر وسجد " ويرفع يديه حذو منكبيه في هذه التكبيرة كما يفعل ذلك في تكبيرة الافتتاح في الصلاة ثم يكبر تكبيرة أخرى للهوى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 أخرى للهوى من غير رفع اليدين كما في الهوي إلى السجود الذى هو من صلب الصلاة ثم تكبير الهوى مستحب وليس بشرط وفى تكبير الافتتاح وجهان (أحدهما) وهو الذى ذكره الشيخ أبو محمد واختاره صاحب الكتاب أنه مستحب ايضا وليس بشرط (والثانى) أنه شرط وهو قضية كلام الاكثرين فانهم اطبقوا على الاحتجاج لاحد القولين في السلام بان السجود يفتقر إلى الاحرام فيفتقر الي السلام وسيأتي ذلك وحكى الشيخ أبو حامد وغيره عن أبى جعفر الترمذي من اصحابنا انه لا يكبر تكبيرة الافتتاح لا وجوبا ولا استحبابا لان سجود التلاوة ليس صلاة بانفراده حتى يكون له تحرم والمستحب أن يقوم ويكبر وينوى قائما ثم يهوى من قيام وروى ذلك عن فعل الشيخ ابى محمد وعن القاضى الحسين وغيرهما ويستحب أن يقول في سجوده سجد وجهي للذى خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته لما روي عن عائشة رضى الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان يقول ذلك في سجود القرآن " ويستحب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 ايضا ان يقول اللهم اكتب لي بها عندك أجرا واجعلها لي عندك ذخرا وضع عنى بها وزرا واقبلها منى كما قبلت من عبدك داود لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما ان النبي صلي الله عليه وسلم " قال ذلك في سجود القرآن " ولو قال ما يقوله في سجود صلاته جاز ثم يرفع رأسه مكبرا كما يرفع عن سجود صلب الصلاة وهل يفتقر الي السلام فيه قولان (أحدهما) لا كما لو سجد في الصلاة (وأظهرهما) نعم لانه يفتقر الي الاحرام فيفتقر إلى التحلل كالصلاة وعلي هذا هل يفتقر الي التشهد فيه وجهان (أحدهما) نعم لانه سجود يفتقر إلى الاحرام والسلام فيفتقر إلى التشهد كسجود الصلاة (واصحهما) لا: لان التشهد في مقابلة القيام ولا قيام فيه بل القيام أولي بالرعاية بدليل صلاة الجنازة فكما لم يشترط ذلك فاولى أن لا يشترط التشهد ومن الاصحاب من يجمع بين التشهد والسلام ويقول فيهما ثلاثة أوجه أحدها انه لا حاجة اليهما وهو ظاهر ما نقل عن البويطى (وثانيها) أن لابد منهما (وثالثها) وهو الاظهر أنه لا بد من السلام دون التشهد وبهذا قال ابن سريج وابو اسحق وإذا قلنا ان التشهد ليس بشرط فهل يستحب ذكر في النهاية ان للاصحاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 خلافا فيه هذا كيفية السجود خارج الصلاة. واما في الصلاة فلا يكبر للافتتاح ولكن يستحب له التكبير للهوى إلى السجود من غير رفع اليد وكذلك يكبر عند رفع الرأس كما يفعل في سجدات الصلاة وعن أبى علي ابن أبى هريرة انه لا يكبر لا عند الهوى ولا عند رفع الرأس كيلا تشتبه هذه السجدة بسجدات الصلاة ولا فرق في الذكر بين ما لو سجد في الصلاة أو خارجها وإذا رفع الرأس يقوم منها ولا يجلس للاستراحة ويسن ان يقرأ شيئا ثم يركع ولا بد من أن ينتصب ثم يركع فان الهوى من القيام واجب كما تقدم ولنعد الي ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله) والصحيح ان هذه سجدة فردة يريد بالفردة انها لا تفتقر الي تحرم وتحلل ولا يريد انها واحدة لا كسجدتي السهو لانه قال والصحيح ولا خلاف في أنها واحدة وعن احمد انه يكبر للهوى والرفع ويسلم فان اراد به الاشتراط فليكن قوله فردة معلما بالالف (وقوله) وان كانت تفتقر الي سائر شرائط الصلاة تشتمل علي بيان مسألة مقصودة وهى أن شرائط الصلاة مرعية في سجدة التلاوة واشار بالايراد الذى ذكره إلى انها وان كانت كالصلاة في اعتبار الشروط لكنها تفارقها في الحاجة الي التحلل والتحرم على هذا الوجه ثم الذى يوجد في معظم النسخ وان كانت تفتقر الي سائر شرائط الصلاة وحذف بعضهم لفظ سائر وكانه حمله عليه اشتهار لفظ السائر في البعض الباقي من الشئ وشرائط الصلاة باسرها معتبرة في سجدة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 التلاوة ولم يجرد ذكر البعض حتى يضم الباقي إليه بلفظ السائر الا أن اطلاق السائر بمعنى الجميع صحيح قال صاحب الصحاح وسائر الناس جميعهم فأذا المعنى وان كانت تفتقر الي جميع شرائط الصلاة ولا حاجة الي الحذف (واعلم) ان النية عند صاحب الكتاب معدودة من شرائط الصلاة كما سبق والتكبير وحده يقع عليه اسم التحرم والتحريم قال صلي الله عليه وسلم " وتحريمها التكبير " وإذا كان كذلك فظاهر اللفظ يقتضى اشتراط النية علي الوجه الذى عبر عنه بالصحيح وان لم يشترط التكبير لكنه في الوسيط اخرج النية عن الاعتبار في هذا الوجه وعلي هذا فالنية تكون مستثناة عن قوله وان كانت تفتقر الي سائر الشرائط ويكون التحرم مفسرا بالنية والتكبير معا إذ بهما تشرع في الصلاة (واما قوله) ويستحب قبلها تكبيرة الي آخره فهو تفريع على هذا الوجه الذى يقول انها سجدة فردة لا يشترط فيها التكبير ولا غيرة (وقوله) تكبيرة منكر يوهم قصر الاستحباب علي تكبيرة واحدة لكنا ذكرنا استحباب تكبيرتين وان قلنا بعدم الاشتراط احداهما للافتتاح والاخرى للهوى وهكذا ذكر جمهور الاصحاب فلا يتوهم قصر الاستحباب علي واحدة إذا كان يسجد خارج الصلاة واعلم عند هذا انه لا يمكن حمل التكبيرة التي جرت في لفظ الكتاب علي تكبيرة الافتتاح بخصوصها لانه لا تكبيرة للافتتاح إذا كان يسجد في الصلاة وهو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 قد جعلها شاملة حيث قال ودون الرفع ان كان في الصلاة ولا يمكن حملها علي تكبيرة الهوي بخصوصها لانه قد استحب الرفع معها ولا يستحب رفع اليد مع تكبيرة الهوى بحال فالوجه ان يحمل كلامه على تكبيرة مطلقة ويقال بان تكبيرة مستحبة في الصلاة وغير الصلاة ثم في غير الصلاة الاهم تكبيرة الافتتاح ويستحب معها رفع اليدين وفى الصلاة لا يفرض الا تكبيرة الهوى وليس معها رفع اليد فهذا تنزيل لفظ الكتاب مع التكلف الذى فيه علي ما ذكره الجمهور منهم اصحابنا العراقيون والصيدلانى وصاحب التهذيب والقاضي الرويانى رحمهم الله وغيرهم والمفهوم من كلامه ههنا وفى الوسيط أنه ليس الا تكبيرة واحدة هي للتحرم خارج الصلاة وللهوى في الصلاة وبه يشعر كلام امام الحرمين قدس الله روحه وعلي هذا فليكن قوله ويستحب قبلها تكبيرة معلما بالواو للوجه الذى تقدم عن الترمذي وفى الوسيط اشارة إليه وقوله مع رفع اليدين معلم بالحاء لان عنده لا يرفع يديه واعلم قوله ودون الرفع ان كان في الصلاة بالواو لانه قال في الوسيط ولا يستحب رفع اليدين في الصلاة وقال العراقيون يستحب رفع اليدين لانه يكببر للتحرم لكن هذا شئ بدع حكما وعلة ولا يكاد يوجد نقله لغيره ولا ذكر له في كتبهم وقوله وقيل يجب التحرم والتحلل إلى رأس الفرع هذه الوجوه هي المقابلة للصحيح المذكور أولا كانه قال في اقل سجدة التلاوة اربعة أوجه (احدها) ان الاقل سجدة بواجباتها في صلب الصلاة لا غير والثانى سجدة مع التحرم والتحلل والتشهد والثالث مع التحرم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 والتحلل لا غير والرابع مع التحرم لا غير وجعل أولها الاصح وهو متأيد بما حكي عن الشافعي انه قال واقله سجدة بلا شروع ولا سلام والظاهر عند الاكثرين اعتبار التحرم والتحلل كما سبق وهو الوجه الثالث ثم الخلاف في السلام قولان عند اكثر الناقلين وفى التشهد وجهان فقوله قيل في هذا الموضع محمول علي القول تارة وعلي الوجه اخرى وتعجب بعض الشارحين من لفظ الوجوب في هذه الوجوه واستحسن ابداله بالاشتراط والاعتبار لان أصل السجدة لا تجب فكيف يقول يجب فيها كذا وكذا ولا شك ان المراد الاشتراط لكن لا حاجة الي تغيير اللفظ لان الوجوب في مثل هذا الموضع معهود بمعني ان الشئ لا بد منه يقال الوضوء وستر العورة واجبان في صلاة النفل أي لا بد منهما * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 قال (فرع الاصح ان هذه السجدات إذا فاتت وطال الفصل لا تقضي لانه لا يتقرب الي الله تعالي بسجدة ابتداء كصلاة الخسوف والاستسقاء بخلاف النوافل والرواتب وقيل أنه يتقرب الي الله تعالي بها ابتداء) * سجدة التلاوة ينبغى أن تقع عقيب قراءة الآية أو استماعها فلو تأخر نظر ان لم يطل الفصل سجد وان طال فلا وضبط الفرق بين أن يطول الفصل أو لا يطول يؤخذ مما ذكرناه في سجود السهو ولم يجعل امام الحرمين لمفارقة المجلس أثرا ههنا مع التردد في تأثيره في باب سجود السهو كما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 حكيناه عنه ولا يتضح فرق بينهما إذا عرفت ذلك فلو فاتت السجدة لطول الفصل هل تقضى ذكر في النهاية ان صاحب التقريب حكي فيه قولين وقربهما من الخلاف في أن؟ وافل الصلاة هل تقضي على ما سيأتي لكن الاصح أن السجدة لا تقضي ولم يذكر الصيدلانى وآخرون سواه لان النوافل المقضية هي التى تتعلق بالاوقات أما التي تتعلق باسباب عارضة كصلاة الخسوف والاستسقاء فلا تقضي والسجود كذلك ولو كان القارئ والمستمع محدثا عند والتلاوة فان تطهر على القرب سجد والا فالقضاء علي الخلاف وعن صاحب التقريب انه لو كان يصلي فقرأ قارى آية السجدة فإذا فرغ هل يقضى فيه هذا الخلاف قال الامام وهذا فيه نظر لان قراءة غير امامه في الصلاة لا تقتضي سجوده وإذا لم يجر ما يقتضي السجود اداء فالقضاء بعيد وقطع صاحب المعتمد وغيره بانه لا يسجد كما ذكره امام الحرمين وجعلوا هذه المسألة خلافية بيننا وبين أبى حنيفة وذكر في التهذيب أنه يحسن أن يقضي ولا يتأكد كما يجيب المؤذن إذا فرغ من الصلاة وكذا إذا قرأ الامام ولم يسجد فإذا فرغ المأموم من الصلاة يحسن أن يقضي ولا يتأكد والله اعلم وفى الفصل مسألة أخرى وهي أنه لو خضع الرجل لله تعالي فتقرب إليه بسجدة ابتداء من غير سبب هو يجوز ذلك فيه وجهان عن صاحب التقريب أنه يجوز ذلك وعن الشيخ أبى محمد أنه لا يجوز كما لا يجوز التقرب بركوع مفرد ونحوه والعبادات يتبع فيها الورود وهذا هو الصحيح عند امام الحرمين والمصنف وغيرهما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 وقوله في الكتاب إذا فاتت وطال الفصل ليس علي معني طول الفصل شئ مضموم الي الفوات وقيد فيه وانما هو سبب الفوات والمراد إذا فاتت لطول الفصل وقوله لا يقضى معلم بالحاء لان عند أبي حنيفة يجب على القارئ المحدث والمستمع القضاء بعد الطهارة وسلم ان الحائض إذا استمعت لا قضاء عليها وان المصلى إذا قرأ السجدة ولم يسجد حتى سلم لا يقضى وقوله لانه لا يتقرب الي الله تعالي بسجدة ابتداء لعلك تقول لم علل منع القضاء بانه لا يتقرب بها الي الله تعالى فاعلم أنه حكى عن صاحب التقريب أنه جعل ذلك ضابطا لما لا يقضى جزما ولما يجرى الخلاف في قضائه فقال ما لا يجوز التطوع به ابتداء لا يجوز فرض قضائه كصلاة الخسوف والاستسقاء وما يجوز التطوع به ابتداء كالنوافل الرواتب ففى قضائه خلاف ثم انه جوز التقرب إلى الله تعالى بسجدة ابتداء كما سبق فاجرى الخلاف في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 قضائها لذلك إذا عرفت هذا فالمصنف بين أن هذه السجدات لا يتقرب بها الي الله تعالى ابتداء ورتب عليه المنع من القضاء كصلاة الخسوف لانه لو قضي من غير تلاوة كان الماتى به علي صورة سجدة لا سبب لها والاشبة بايراده اثبات طريقة جازمة بان هذه السجدات لا تقضى كصلاة الخسوف والاستسقاء بخلاف الرواتب في قضائها قولان لانه يتقرب بها إلى الله تعالي ابتداء ولا يتقرب بهذه وعلي هذا قوله الاصح ان هذه السجدات أي من الطريقين وقوله وقيل يتقرب بها الي الله تعالى ابتداء اشارة إلى الطريق الثاني أي إذا كانت كذلك جرى فيها الخلاف كما في الرواتب * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 قال (السجدة الثالثة سجدة (ح) الشكر وهى سنة عند هجوم نعمة أو اندفاع نقمة لا عند استمرار نعمة ويستحب السجود بين يدى الفاسق شكرا على دفع المعصية وتنبها له وان سجد إذا رأى المبتلى فليكتمه كيلا يتاذى) * (سجدة الشكر سنة خلافا لمالك حيث قال هي مكروهة وبه قال أبو حنيفة في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 رواية وقال في رواية لا اعرفها: لنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " رأى نغاشيا فسجد شكرا لله تعالي " وعن عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " سجد فاطال فلما قيل في ذلك فقال أخبرني جبريل ان من صلي علي مرة صلي الله عليه عشرا فسجدت شكرا لله تعالي " الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 وليس تسن سجدة الشكر عند استمرار النعم وانما تسن عند مفاجأة نعمة أو اندفاع بلية من حيث لا يحتسب وكذا إذا رأى مبتلي ببلية أو بمعصية فيستحب له ان يسجد شكرا لله تعالى ثم إذا سجد لنعمة أصابته أو بلية اندفعت عنه ولا تعلق لها بالغير اظهر السجود وان كان لبلاء في غيره نظر ان لم يكن ذلك الغير معذورا فيه كالفاسق فيظهر السجود بين يديه تعييرا له فربما ينزجر ويتوب وان كان معذورا كمن به زمانة ونحوها فيخفى كيلا يتأذى وكيلا يتخاصما وسجود الشكر يفتقر إلى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 شرائط الصلاة كسجود التلاوة وكيفيته ككيفية سجود التلاوة خارج الصلاة ولا يجوز سجود الشكر في الصلاة بخلاف سجود التلاوة فانه يتبع التلاوة والتلاوة تتعلق بالصلاة * قال (وهل يؤدى سجود التلاوة والشكر علي الراحلة فيه وجهان) * سجود الشكر هل يقام علي الراحلة حكي في النهاية فيه وجهين وشبههما بالخلاف في أن صلاة الجنازة هل تقام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 علي الراحلة من حديث ان اقامة السجود علي الراحلة بالايماء يبطل ركنه الاظهر وهو تمكين الجبهة من موضع السجود كما ان اقامة صلاة الجنازة عليها يبطل ركنها الاظهر وهو القيام والخلاف فيهما كالخلاف في أن القادر على القيام والقعود هل يتنفل مضطجعا موميا ام لا وسجود التلاوة في النافلة المقامة علي الراحلة يجوز بلا خلاف تبعا للنافلة كسجود السهو فيها واما خارج الصلاة ففيه الوجهان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 المذكوران في سجود الشكر ولفظ الكتاب وان كان مطلقا لكن المراد ما إذ كان خارج الصلاة ثم الاظهر من الوجهين عند الائمة انه يجوز اداؤها علي الراحلة بالايماء وليس في التهذيب والعدة ذكر لغيره (فان قلت) ذكرتم في صلاة الجنازة ان الاظهر المنع من أدائها علي الراحلة فلم كان الاظهر الجواز ههنا ان كان الخلاف كالخلاف (قلنا) يجوز ان يفرق بينهما بان صلاة الجنازة تندر فلا يشق فيها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 تكليف النزول وأيضا فاحترام الميت يقتضى ذلك وسجدة التلاوة والشكر يكثران فلو كلفناه النزول لشق والخلاف فيما إذا كان يقتصر علي الايماء فلو كان في مرقد وأتم السجود جاز وأما الماشي فيسجد على الارض علي الظاهر كما سبق في السجود الذى هو من صلب الصلاة * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 قال * (الباب السابع في صلاة التطوع وفيه فصلان) * (الاول في الرواتب وهي احدى عشرة ركعة ركعتان قبل الصبح وركعتان قبل الظهر وركعتان بعده وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء والوتر ركعة وزاد بعضهم أربع ركعات قبل العصر وركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر فصار سبع عشرة) . (اختلف اصطلاح الاصحاب في تطوع الصلاة فمنهم من يفسره بما لم يرد فيه مخصوص نقل وينشئه الانسان باختياره وهؤلاء قالوا ما عدا الفرائض ثلاثة أقسام (سنن) وهى التى واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم (ومستحبات) وهي التى فعلها أحيانا ولم يواضعب عليها (وتطوعات) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 وهى التي ذكرنا ومنهم من يرادف بين لفظتي النافلة والتطوع ويطلقهما على جميع ما سوى الفرائض وبهذا الاصطلاح ترجم صاحب الكتاب الباب واختلف اصطلاحهم في الرواتب أيضا فمنهم من قال هي النوافل المؤقتة بوقت مخصوص وعد منها التراويح وصلاة العيدين وصلاة الضحى ومنهم من قال هي السنن التابعة للفرائض وبهذا الاصطلاح يتكلم صاحب الكتاب إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم ان ما سوى الفرائض من الصلوات قسمان ما تسن فيه الجماعة كصلاة العيدين والكسوفين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 والاستسقاء ولها أبواب مفردة مذكورة بعد هذا وما لا تسن فيه الجماعة وينقسم الي الرواتب وغيرها وغرض الفصل الاول من الباب الكلام في الرواتب وغرض الثاني الكلام في مراتب النوافل وبعض أحكامها: أما الاول فالرواتب ضربان الوتر وغير الوتر اما غير الوتر فقد اختلف الاصحاب في عدده قال الاكثرون عشر ركعات ركعتان قبل الصبح وركعتان قبل الظهر وركعتان بعده وركعتان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 بعد المغرب وركعتان بعد العشاء لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال " صليت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتان بعد العشاء في بيته وحدثتني حفصة انه صلي الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين خفيفتين حين يطلع الفجر " قال في العدة وهذا ظاهر المذهب ومنهم من نقص ركعتي العشاء يحكى هذا عن نصه في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 البويطي وبه قال الخضرى فيما حكاه صاحب النهاية وغيره ومنهم من زاد علي العشر ركعتين قبل الظهر مضمومتين إلى الركعتين اللتين سبق ذكرهما لما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت " ان النبي صلي الله عليه وسلم وسلم قال " من ثابر علي اثنتى عشرة ركعة من السنة بني الله له بيتا في الجنة " أربع ركعات قبل الظهر والباقى كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما ومنهم من زاد على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 هذا العدد أربع ركعات قبل العصر لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " رحم الله أمر صلي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 قبل العصر اربعا) وعن على رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يصلى قبل العصر أربعا يفصل بين كل ركعتين بالتسليم " ومنهم من زاد على هذا العدد ركعتين اخريين بعد الظهر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 لما روي عن أم حبيبة رضى الله عنها أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال " من حافظ علي أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار " فهذه خمسة اوجه للاصحاب وليس الخلاف في اصل الاستحباب وانما الخلاف في ان المؤكد الراتب ماذا وان شمل الاستحباب الكل ولهذا قال صاحب المهذب وجماعة ادنى الكمال عشر ركعات وهو الوجه الاول واتم الكمال ثمانى عشرة ركعة وهو الوجه الاخير * وعند ابى حنيفة السنة ركعتان قبل الصبح وأربع قبل الظهر وركعتان بعده واربع قبل العصر وفى رواية ركعتان: وركعتان بعد المغرب واربع قبل العشاء واربع بعده الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 وان شاء صلي ركعتين وكل أربع من ذلك فهي بتسليمة واحدة وفى استحباب ركعتين قبل المغرب وجهان لاصحابنا منهم من قال باستحبابهما وان لم يكونا من الرواتب المؤكدة لما روى عن انس رضى الله عنه قال " صليت الركعتين قبل المغرب علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم قيل له رأكم رسول الله صلي الله عليه وسلم قال نعم فلم يأمرنا ولم ينهنا " وروى عبد الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 المزني رضى الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " صلوا قبل المغرب ركعتين ثم قال صلوا قبل المغرب ركعتين ثم قال في الثالثة لمن شاء كراهية ان يتخذها الناس سنة " وبهذا الوجه قال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 ابو اسحق الطوسي وكذلك أبو زكريا السكرى قيل إنه ذكره في شرح الغنية لابن سريج ومنهم من فال لا يستحبان لما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه سئل عنهما فقال " ما رأيت أحدا علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما " وعن عمر رضي الله عنه " انه كان يضرب عليهما " وبهذ قال أبو حنيفة * واما لفظ الكتاب فقد ذكر من الاوجه الخمسة وجهين وهما الاول والرابع لكنه ضم إليها اقل الوتر وهو ركعة فصارت علي الوجه الاول احدى عشرة وعلى الوجه الثاني سبع عشرة وهى عدد الفرائض وهكذا عد ابن القاص الرواتب في المفتاح لكنه حسب الوتر ثلاث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 ركعات ولم يحسب قبل الظهر الا ركعتين وقوله وركعتين بعد العشاء معلم بالواو للوجه الذى اختاره الخضرى وقوله والوتر ركعة بالحاء والميم لما سيأتي والله اعلم * قال (اما الوتر فسنة (ح) وعدده من الواحد الي احدى عشرة بالاوتار وفى جواز الزيادة عليه تردد لانه لم ينقل وإذا زاد على الواحدة فتشهد تشهدين في الاخيرتين على وجه وتشهدا واحدا في الاخيرة علي الوجه الثاني وهما منقولان والكلام في الاولى والاظهر ان ثلاثة مفصولة افضل من ثلاثة موصولة وان ثلاثة موصولة افضل من ركعة فرده) * قد سبق من نظم الكتاب ما يعرف كون الوتر سنة وهو اداراجه في الرواتب وعد الرواتب باسرها من صلاة التطوع والغرض من التنصيص علي كونه سنة ههنا التدرج الي بيان احكامه والتعرض لمذهب ابي حنيفة حيث قال وهو واجب قال الكرخي وروى عنه انه فرض: لنا ما روى ان النبي صلي الله عليه واله وسلم قال " الوتر حق مسنون فمن أحب ان يوتر بثلاث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 فليفعل " وروى انه قال " حق وليس بواجب " ثم في الفصل ثلاث مسائل (احداها) يجوز أن يوتر بواحدة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 وثلاث وخمس وسبع وتسع واحدى عشرة اما الواحدة والثلاث والخمس فلما روى عن ابى أيوب رضى الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " من احب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب ان يوتر بثلاث فليفعل ومن احب ان يوتر بواحدة فليفعل " واما السبع فلما روى عن ابي امامة أن النبي صلى الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 عليه وسلم " كان يوتر بسبع ركعات " واما التسع والاحدي عشرة فلما روى عن ابى هريرة ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " اوتروا بخمس أو سبع أو تسع أو احدى عشرة " واما الايتار بثلاث عشرة فقد حكي في النهاية ترددا في ثبوت النقل فيه والمذكور في الكتاب ان غاية ما نقل احدى عشرة وهو الذى ذكره الشيخ أبو حامد والقاضي ابن كج ومن تابعهما قالوا اكثر الوتر احدى عشرة وذكر صاحب التهذيب واخرون ان الغاية ثلاث عشرة ركعة ورووا عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت " لم يكن يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم باكثر من ثلاث عشرة " وعن ام سلمة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 رضي الله عنها قالت " كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث عشرة فلما كبر وضعف اوتر بسبع " وهل يجوز الزيادة علي الغاية المنقولة اما الاحدي عشرة أو الثلاث عشرة فيه وجهان (أحدهما) نعم لان اختلاف فعل النبي صلي الله عليه وسلم في هذه السنة يشعر بتفويض الامر إلى خيرة المصلي وأن له أن يزيد ما أمكنه وأظهرهما أنه لا تجوز الزيادة ولو فعل لم يصح وتره اقتصارا علي ما ورد النقل به كما لا تجوز الزيادة في ركعتي الفجر وسائر الرواتب * وقال أبو حنيفة الوتر ثلاث ركعات بلا زيادة ولا نقصان * وقال مالك أقل الوتر ثلاث ركعات لكن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 ابا حنيفة يقول هي بتسليمة واحدة كالمغرب الا انه يجهر فيها جميعا: وقال مالك هي بتسليمتين لكن لا يتكلم بعد السلام ولا يحتاج الي تجديد النية للثالثة وسلم انه لو احدث في الثالثة لم تبطل الركعتان قال ولو كان مع امام أوتر بوتره ولا يخالفه وحكي في البيان عنه ان اقل الوتر ركعة واقل الشفع ركعتان وهذا في المعني كالاول ونقل عنه انه ليس للاكثر حد وذكر بعضهم ان الاكثر عنده ثلاث عشرة * إذا عرفت ذلك فاعلم قوله من الواحدة بالحاء والميم وقوله الي احدى عشرة بهما وبالواو ثم في قوله وعدده من الواحدة الي احدى عشرة استدراك لفظي من جهة الحساب وهو انه جعل الواحد من العدد والحساب يمتنعون عن ذلك ويجعلون الواحد أم العدد ويقولون العدد نصف حاشيته اللتين بعدهما منه سواء وليس للواحد حاشيتان (المسألة الثانية) إذا زاد على ركعة واحدة وأوتر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 بثلاث فصاعدا موصولة فظاهر المذهب أن له ان يتشهد في الركعة الاخيرة لا غير وله ان يتشهد في الركعتين الاخيرتين لان كلا منهما منقول روى عن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلي الله عليه وسلم " كان يوتر بخمس لا يجلس إلا في اخراهن " وروى عنها ايضا " أنه أوتر بتسع لم يجلس إلا في الثامنة والتاسعة وبسبع لم يجلس إلا في السادسة والسابعة وحكى في النهاية عن بعض التصانيف أن من أصحابنا من لم ير الاقتصار على التشهد الواحد مجزئا وحمل ما روى من التشهدين علي ما إذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 فصل بين الركعة الاخيرة وما قبلها بالسلام ونقل بعضهم عن طريقة القاضى الحسين ان الوتر بثلاث كصلات المغرب بتشهدين وتسليمة لا يجوز وربما يقول تبطل صلاته لما روى انه صلى الله عليه وسلم وسلم " كان يوتر بثلاث لا يجلس الا في اخراهن " وروى انه قال " لا توتروا بثلاث وتشبهوا بالمغرب والظاهر الاول وهو انهما سائغان وهو الذى ذكره في الكتاب ورد الخلاف الي الاولي ففى وجه الاقتصار علي تشهد واحد اولي فرقا بين صلاة المغرب والوتر إذا اوتر بثلاث وهذا ما اختاره القاضى الرويانى في الحليه وفى وجه الاتيان بتشهدين اولي كيلا يخرج عن وضع سائر الصلوات وقد اطلق كثيرون منهم صاحب التهذيب انه ان شاء فعل هكذا وان شاء هكذا ومطلق التخيير يقتضي التسوية بينهما وقوله في الكتاب وإذا زاد علي واحدة أي ووصل وقوله والكلام في الاولى ينبغى ان يعلم بالواو لما حكينا من الوجهين ولو زاد علي تشهدين فجلس في كل ركعتين ولم يتحلل وجلس في الاخيرة ايضا لم يكن له ذلك فانه خلاف المنقول وذكر في التهذيب وجها آخر ان له ذلك كما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 في النافلة الكثيرة الركعات (المسألة الثالثة) الايتار بثلاث مفصولة افضل ام بثلاث موصولة فيه وجوه (اظهرها) وهو الذى ذكره اصحابنا العراقيون والصيدلاني ان المفصولة افضل لما روى عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال " الوتر ركعة من آخر الليل " وعن ابن عمر رضى الله عنهما ان النبي صلي الله عليه وسلم كان يفصل بين الشفع والوتر وكان ابن عمر رضي الله عنهما يسلم ويأمر بينهما بحوائجه (والثانى) وبه قال أبو زيد ويحكى عن نصه في القديم ان الثلاث الموصولة افضل لان العلماء اتفقوا علي جوازها واختلفوا في افراد الواحدة فالاحتراز عن الخلاف أولى (والثالث) ونسبه الموفق ابن طاهر الي الخضرى والشريف ناصر العمرى رضى الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 عنه ان الثلاث الموصولة افضل لان العلماء اتفقوا على جوازها واختلفوا في إفراد الواحدة فكان الوصل اولى (والثالث) ويحكى عن الشافعي ونصه في القديم انه ان كان منفردا فالفصل افضل وان كان يصلي بقوم فالوصل افضل لان الجماعة تنظم اصحاب المذاهب المختلفة فالايتار بالمجمع عليه أولي وعكس القاضى الرويانى هذا فقال انا أصل إذا كنت منفردا وإذا كنت في الجماعة افصل كيلا يتوهم خلل فيما صار إليه الشافعي رضي الله عنه وهو صحيح ثابت بلا شك وهل الثلاث الموصولة افضل من ركعة فردة لا شئ قبلها أم هي افضل فيه وجوه ايضا (اصحها) وبه قال القفال ان الثلاث افضل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 لزيادة العبادة (والثانى) ان الركعة الفردة افضل لمواظبة الرسول صلى الله عليه وسلم علي الايتار بواحدة قال في النهاية وغلا هذا القائل فجعل الركعة الفردة افضل من احدى عشرة ركعة موصولة (والثالث) الفرق بين المنفرد والامام كما سبق * قال (ومن شرط الوتر أن يوتر ما قبله ولا يصح (ح) قبل الفرض وفى صحته بعد الفرض وقبل النفل وجهان والمستحب ان يكون الوتر آخر تهجده بالليل ويشبه ان يكون الوتر هو التهجد) * ما سبق من المسائل في كيفية الوتر وغرض هذا الفصل بيان وقنه وهو من حين يصلى العشاء إلى طلوع الفجر لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " ان الله قد امدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم الوتر جعله الله تعالي لكم فيها بين صلاة العشاء الي ان يطلع الفجر " فلو اوتر قبل صلاة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 العشاء لم يعتد به سواء كان عامدا أو ساهيا بان ظن انه صلي العشاء أو صلي العشاء علي ظن انه متطهر ثم احدث وتوضأ واوتر ثم بان له انه كان محدثا في فرض العشاء * وعند ابى حنيفة لو اوتر قبل العشاء سهوا اعتد به: لنا القياس علي ما لو ظن دخول وقت الفريضة فصلي ثم تبين انه لم يدخل وحكى في النهاية عن بعض اصحابنا انه يعتد بالوتر قبل العشاء سواء كان عامدا أو ساهيا وعند هذا القائل يدخل وقت الوتر بدخول وقت العشاء لا بفعل العشاء وظاهر المذهب ما تقدم ولو صلي العشاء واوتر يعدها بركعة فردة قبل ان يتنفل ففيه وجهان حكاهما الشيخ أبو محمد وغيره (احدهما) لا يعتد به لان صفة الوتر ان يوتر ما تقدم عليه من السنن الواقعة بعد العشاء فإذا لم يوجد غيره لم يكن موترا (واظهرهما) انه يعتد به لما تقدم من الخبر وما ادعاه الاول فلا نسلم ان صفة الوتر ذلك بل يكفى كونه وترا في نفسه وعلى التسليم فانه يوتر ما قبله من فريضة العشاء فإذا قلنا لا يعتد به وترا فقد ذكر امام الحرمين انه تطوع وان لم يكن الوتر المشروع وهذا ينبغي ان يكون علي الخلاف فيما إذا نوى الظهر قبل الزوال هل يكون تطوعا ام يبطل من اصله * واعلم ان المصنف قيد المسألتين في الوسيط اعني الايتار قبل فرض العشاء وبعده بما إذا اوتر بركعة وهذا القيد لا حاجة إليه في المسالة الاولي بل اطلق الائمة المنع وعليه يدل الخبر وأما في المسالة الثانية فهو محتاج إليه لان الناقلين للوجهين انما نقلوهما فيما إذا اوتر بركعة واحدة ليس بينها وبين فرض العشاء شئ وقوله في الكتاب وفى صحته بركعة بعد الفرض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 وقبل وجهان يحتاج الي التقييد والاضمار معناه وفى صحة الايتار بركعة بعد الفرض وقبل ان يتنفل بشئ سواء كان راتبة العشاء أو الشفع أو صلاة الليل والذى يسبق إلى الفهم من ظاهر اللفظ راتبه العشاء ويطلق الوتر دون الايتار بركعة وقوله من شروط الوتر ان يوتر ما قبله يبين أنه لا بد من تقدم صلاة عليه ثم هل يكفي تقدم الفرض فيه الخلاف وقوله فلا يصح قبل الفرض معلم بالحاء والواو لما روينا وأما قوله ويستحب أن يكون الوتر آخر تهجده بالليل ففى لفظ التهجد ما يغنى عن قوله بالليل لان صلاه النهار لا تسمي تهجدا بحال ثم فيه مباحثة وهى أن التهجد يقع على الصلاة بعد الهجود وهو النوم يقال تهجد إذا ترك الهجود اما الصلاة قبل النوم فلا تسمى تهجدا وإذا كان كذلك فاللفظ لا يتعرض الا لمن تهجد قمتي يوتر من لا تهجد له ثم لفظ الكتاب يقتضي تأخير المتهجد الوتر الي أن يقوم ويصلي فهل هو كذلك أم لا (ان قلتم) لا فكيف يفعل أيوتر مرة قبل النوم ومرة بعد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 ما قام وتهجد وهذا خلاف ما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " لا وتران في ليلة " أم يقتصر علي ما قبل النوم وحينئذ لا يكون الوتر اخر التهجد (وان قلتم) أنه يؤخر الوتر إلى أن يقوم ويصلى كما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 يقتضيه لفظ الكتاب فهذا خلاف ما نقله في الوسيط لانه نقل الخبر المشهور ان ابا بكر رضى الله عنه " كان يوتر ثم ينام ثم يقوم ويتهجد وان عمر رضي الله عنه كان ينام قبل أن يوتر ثم يقوم ويصلي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 ويوتر فقال النبي صلي الله عليه وسلم لابي بكر رضى الله عنه انه آخذ بالحزم وقال لعمر رضى الله عنه أنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 آخذ بالقوة " ثم ذكر ان الشافعي رضى الله عنه اختار فعل أبى بكر رضي الله عنه وكذلك نقل صاحب النهاية والجواب انه يستحب أن يكون الوتر آخر الصلاة بالليل روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا " فان كان الرجل ممن لا تهجد له فينبغي أن يوتر بعد فريضة العشاء وراتبتها ويكون وتره آخر صلاته بالليل واما من له تهجد فقد ذكر اصحابنا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 العراقيون ان الافضل له ان يؤخر الوتر كما نقل عن فعل عمر رضى الله عنه واحتجوا له بما روى عن جابر رضى الله عنه ان النبي صلي الله عليه واله وسلم قال " من خاف منكم ان لا يستيقظ آخر الليل فليوتر من أول الليل ومن طمع منكم أن يستيقظ فليوتر آخر الليل فان صلاة آخر الليل مشهودة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 وذلك افضل " وهذا هو الموافق للفظ الكتاب واما ما نقله في الوسيط فيجوز أن يجمع بينهما بحمله على من لا يعتاد قيام الليل فيقال أن الافضل له أن يقدم لانه من الانتباه علي خطر ظاهر ويجوز ان يقدر فيه اختلاف وجه أو قول وبالجملة فالامر فيه قريب وكل سائغ روى عن عائشة رضي الله عنها انها قالت " من كل الليل قد أوتر رسول الله صلي الله عليه وسلم من أول الليل وأوسطه وآخره وإذا أوتر قبل أن ينام تم قام وتهجد لم يعد الوتر " وكذلك روى عن فعل ابي بكر رضى الله عنه ومن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 اصحابنا من قال يصلي ركعة حتى يصير وتره شفعا ثم يتهجد ما شاء ثم يوتر ثانيا ويروى ذلك عن ابن عمر رضى الله عنهما ويسمى ذلك نقض الوتر واما قوله ويشبه ان يكون الوتر هو التهجد فهذا قريب من لفظ الشافعي رضى الله عنه في المختصر والام قال الشارحون معناه أن الله تعالي امر نبيه صلي الله عليه واله وسلم بالتهجد واوجبه عليه فقال (ومن الليل فتهجد به) وقوله (نافلة لك) أي زيادة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 وفضيلة لك ويشبه ان يكون المراد من هذا الامر الوتر لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يحي الليل بوتره وكان الوتر واجبا عليه روى انه صلى الله عليه وسلم قال " كتب على الوتر وهو لكم سنة وكتب علي ركعتا الضحى وهما لكم سنة " وهذا الذي ذكره يبين انه ليس (قوله) ويشبه أن يكون الوتر هو التهجد لحصر التهجد في الوتر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 حتى يكون كل تهجد وترا وانما الذى يلزم منه أن يكون كل وتر تهجدا مامورا به ويجوز ان يعلم ذلك بالواو لان القاضي الروياني حكي ان بعضهم قال الوتر غير التهجد وأولوا كلام الشافعي رضى الله عنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 (واعلم) أن حمل التهجد في الاية على الوتر مع ما سبق ان التهجد انما يقع علي الصلاة بعد النوم مقدمتان يلزم منهما اشتراط كون الوتر بعد النوم ومعلوم انه ليس كذلك فليترك عند الدعوتين في الاية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 قال (ويستحب القنوت في النصف الاخير من رمضان) يعنى في الوتر فان اوتر بركعة قنت فيها وان زاد قنت في الركعة الاخيرة وفى استحباب القنوت في الوتر فيما عدا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 النصف الاخير من رمضان وجهان (أحدهما) ان الاستحباب يعم جميع السنة وبه قال أبو عبد الله الزبيري رضي الله عنه وابو الفضل بن عبدان وابو منصور ابن مهران وابو الوليد النيسابوري من اصحابنا رحمهم الله لما روى انه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 صلي الله عليه واله وسلم كان إذا أوتر قنت في الركعة الاخيرة " وهذا مطلق وبهذا قال أبو حنيفة واحمد وأظهرهما وبه قال جمهور الاصحاب ان الاستحباب يختص بالنصف الاخير من رمضان " لان عمر رضى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 الله عنه جمع الناس علي ابي بن كعب في صلاة التراويح فلم يقنت الا في النصف الثاني " ولم يبد من احد انكار عليه فكان ذلك اجماعا " وعن عمر رضي الله عنه " انه قال السنة إذا انتصف شهر رمضان أن يعلن الكفرة في الوتر بعدما يقول سمع الله لمن حمده " فعلي الوجه الاول لو ترك القنوت سجد للسهو كما في الصبح وعلي الوجه الثاني المشهور لو تركه في النصف الاخير سجد للسهو ولو قنت في غير النصف الاخير سهوا سجد للسهو وذكر القاضى الرويانى أن كلام الشافعي رضى الله عنه يدل علي كراهية القنوت في غير النصف الاخير فضلا عن نفى الاستحباب ثم حكي عن بعض الاصحاب وجها متوسطا وهو أنه يجوز الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 أن يقنت في جميع السنة من غير كراهية لكن لو ترك لا يسجد للسهو بخلاف ما لو تركه في النصف الاخير يسجد قال وهذا اختيار مشايخ طبرستان واستحسنه واثبت ما روى عن مالك موافقة ظاهر مذهبنا وروى عنه أنه يقنت في جميع شهر رمضان وروى في جميع السنة وقد أعلم قوله في النصف الاخير بالحاء والميم والالف اشارة الي مذاهبها ثم لنا في موضع القنوت من الركعة وجهان (أصحهما) ويحكى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 عن نصه في حرمله انه بعد الركوع لما روينا من حديث عمر رضى الله عنه وكما في الصبح فان ما قبل الركوع محل القراءة والقنوت دعاء فهو في موضع الدعاء حيث يقول سمع الله لمن حمده اليق (الثاني) وبه قال ابن سريج انه يقنت قبل الركوع لما روى عن ابي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان يقنت قبل الركوع " وأيضا فان الفرق بين الفرض والنفل مقصود كما أن خطبة الجمعة قبل الصلاة وخطبة العيدين بعدها وبهذا الوجه قال مالك وأبو حنيفة وبالاول قال احمد وحكي في البيان عن بعض متأخرى الاصحاب انه يتخير بين التقديم والتأخير وانه إذا قدم كبر بعد القراءة ثم قنت وبه قال أبو حنيفة وقال في التتمة إذا قلنا يقنت قبل الركوع يبتدئ به بعد الفراغ من القراءة من غير تكبير وبه قال مالك والقنوت هو الدعاء الذى ذكرناه عن رواية الحسن ابن علي رضى الله عنهما في باب صفة الصلاة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 واستحب الائمة منهم صاحب التلخيص أن يضيف إليه ما روى عن عمر رضى الله عنه انه قنت به وهو " اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونستهديك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله نشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم اياك نعبد ولك نصلى ونسجد واليك نسعي ونحفد نرجوا رحمتك ونخشي عذابك ان عذابك الجد باالكفار " ملحق ثم يقول اللهم اهدنا الي آخره هكذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 ذكره القاضى الروياني وعليه العمل ونقل في البيان عن القاضي أبو الطيب أنه قال كان شيوخنا يدعون بقنوت عمر رضي الله عنه بعد الكلمات التى رواها الحسن رضى الله عنه فعكس الترتيب وزاد هو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 وغيره في المنفول عن عمر رضي الله عنه اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات واصلح ذات بينهم والف بين قلوبهم واجعل في قلوبهم الايمان والحكمة وثبتهم علي ملة رسولك واوزعهم أن يوفوا بعهدك الذى عاهدتهم عليه وانصرهم علي عدوك وعدوهم اله الحق واجعلنا منهم ونقل القاضى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 الرويانى عن ابن القاص انه يزيد في آخر القنوت ربنا لا تؤاخذنا الي اخر السورة واستحسنه ثم حكمه في الجهر ورفع اليدين وغيرهما علي ما سبق في الصبح ويستحب إذا أوتر بثلاث أن يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الاولي (سبح) وفى الثانية قل (يا أيها الكافرون) وفى الثالثة (قل هو الله أحد) والمعوذتين روى عن عائشة رضى الله عنها عن رسول الله صلي الله عليه وسلم: وبه قال مالك وعن ابى حنيفة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 واحمد انه يقتصر علي الاخلاص في الثالثة وقال الكرخي في مختصره ليس في الوتر قراءة سورة معلومة ولكن يقرأ في الاولى بقدر سبح وفى الثانية بقدر قل يا ايها الكافرون وفى الثالثة بقدر قل هو الله احد قال (الفصل الثاني في غير الراواتب وما شرعت الجماعة فيها كالعيدين والخسوفين والاستسقاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 فهي افضل من الرواتب ومن صلاة الضحي وركعتي التحية وركعتي الطواف ثم افضلها صلاة العيدين ثم الخسوفين وافضل الرواتب الوتر وركعتا الفجر وفيهما قولان) النوافل علي ما قدمنا قسمان نوافل تسن فيها الجماعة ونوافل لا تسن فيها الجماعة والتى تسن فيها الجماعة افضل لان استحباب الجماعة فيها وتشبيهها فيها بالفرائض يدل علي تأكد أمرها وصلاة العيدين والكسوفين والاستسقاء كلها من هذا القسم وأفضلها صلاة العيدين لان لها وقتا زمانيا كالفرائض وتليها صلاة الخسوفين لانه يخاف فوتهما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 كما يخاف فوت المؤقتات بالزمان ولان النبي صلي الله عليه وسلم " ربما استسقى وربما ترك ولم يترك الصلاة عند الخسوف بحال " ثم كلام الائمة يشعر بحصر ما تسن فيه الجماعة في هذه الصلوات الخمس وربما صرحوا بذلك ولفظ الكتاب وهو قوله كالعيدين والكسوفين لا يوجب الحصر وانما يفيد التمثيل وهذا أولى لان التراويح خارجة عن الخمس والجماعة مستحبة فيها علي الاصح كما سيأتي ولك ان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 تبحث ههنا فتقول لفظ الكتاب يقتضي ان تكون التراويح أفضل من الرواتب لان الجماعة مشروعة في التراويح وقد حكم بان ما شرع فيه الجماعة أفضل فهل هو كذلك أم لا (والجواب) أن امام الحرمين قال من أئمتنا من سبب تفضيلها علي الرواتب إذا قلنا باستحباب الجماعة فيها لان الجماعة أقوى معتبر في التفضيل قال والاصح ان الرواتب افضل منها وان شرعنا فيها الجماعة وهذا هو الذى ذكره في العدة ووجهه بان النبي صلى الله عليه وسلم " لم يداوم علي التراويح وداوم على السنن الراتبة " وعلى هذا فالقول بان ما شرع فيه الجماعة أفضل غير مجرى على اطلاقه بل صلاة التراويح مستثناة منه واما (القسم الثاني) وهو مالا تشرع فيه الجماعة فينقسم الي ما يتعلق بوقت أو فعل والى التطوع المطلق (والاول أنواع) منها الرواتب كما عددناها ومنها صلاة الضحى: عن ابى الدرداء قال " اوصاني خليلي صلي الله عليه وسلم بثلاث لا ادعهن بشئ اوصاني بصيام ثلاثة ايام من كل شهر ولا انام الا علي وتر وسبحة الضحى في الحضر والسفر " واقلها ركعتان والافضل ان يصلي ثمان ركعات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 واكثرها اثنتا عشرة ذكره القاضي الرويانى وورد في الاخبار ويسلم من كل ركعتين روى عن أم هانئ رضي الله عنها ان النبي صلي الله عليه وسلم " صلي يوم الفتح سبحة الضحي ثماني ركعات يسلم من كل ركعتين " ووقتها من حين ترتفع الشمس الي وقت الاستواء: ومنها تحية المسجد روى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 انه صلي الله عليه وسلم قال " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتي يصلى ركعتين " ولو صلي الداخل فريضة أو وردا أو سنة ونوى التحية ايضا حصلا كما لو كبر وقصد اعلام الناس ولو لم ينو التحية حصلت ايضا كذلك ذكره صاحب التهذيب وغيره ويجوز أن يطرد فيه الخلاف المذكور فيما إذا نوى غسل الجنابة هل يجزئه عن العيد والجمعة ولم ينوهما ولو صلي الداخل علي الجنازة أو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 سجد لتلاوة أو شكر لم تحصل تحية المسجد قاله في التهذيب ويدل عليه الخبر الذى سبق فانه لم يركع ركعتين وقضية الخبر ان لا تحصل التحية بركعة واحدة أيضا وفيها جميعا وجه آخر ومنها ركعتا الاحرام ومنها ركعتا الطواف إذا لم نوجبهما وسياتى ذكرهما في موضعهما إذا عرفت ذلك فاوكد مالا تسن له الجماعة السنن الرواتب لمداومة الرسول صلي الله عليه وسلم عليها وكثرة الترغيبات فيها وأفضل الرواتب الوتر وركعتا الفجر لان الاخبار فيهما أكثر وايهما أفضل فيه قولان (القديم) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 ان ركعتي الفجر أفضل وبه قال أحمد لما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت " لم يكن النبي صلي الله عليه وسلم على شئ من النوافل أكثر تعاهدا منه علي ركعتي الفجر " وروى أنه قال " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها " وعلي هذا فيليهما في الفضيلة الوتر (والجديد) الاصح ان الوتر آكد وبه قال مالك لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال " من لم يوتر فليس منا " ولان الوتر مختلف في وجوبه ولا خلاف في ان ركعتي الفجر سنة وعلى هذا فما الذى يلي الوتر في الفضيلة قال جمهور الاصحاب يليه ركعتا الفجر وعن ابى اسحق أن صلاة الليل تتقدم عليهما ونقل في البيان عن بعض الاصحاب ان الوتر وركعتي الفجر يستويان في الفضيلة ثم بعد السنن الرواتب الافضل من الصلوات المذكورة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 صلاة الضحى ثم ما يتعلق بفعل كركعتي الطواف وركعتي الاحرام وركعتي التحية (وقوله) في الكتاب وركعتي الطواف معلم بالقاف للقول الصائر إلى وجوبها فان شيئا من النوافل علي ذلك القول لا يكون افضل منها (وقوله) ثم أفضلها صلاة العيدين يجوز ان ترجع الكناية الي النوافل التي شرعت فبها الجماعة ويجوز ان ترجع إلى النوافل المذكورة كلها والقول في أن أفضل الرواتب ماذا وان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 ركعتي الفجر أفضل أم الوتر كالدخيل في هذا الفصل لانه ترجمه بغير الرواتب ولو ذكره في الفصل الاول لكان أحسن (ولعلك تقول) نظم الكتاب يقتضي ان لا تكون الجماعة مشروعة في الوتر أيضا لانه حكم بان ما شرع فيه الجماعة أفضل من الرواتب فيلزم ان لا تكون الجماعة مشروعة في الرواتب والوتر معدود من الرواتب فهل هو كذلك أم لا (فالجواب) انا إذا استحببنا الجماعة في التراويح نستحبها في الوتر أيضا وأما في غير رمضان فالمشهور أنه لا تستحب فيه الجماعة وبه قال أبو حنيفة وأطلق أبو الفضل بن عبدان حكاية وجهين في استحباب الجماعة في الوتر إذا عرفت ذلك فكلام الكتاب مبني على الاكثر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 وهو ما سوى رمضان والله اعلم * قال (وتستحب الجماعة في التراويح تأسيا بعمر رضى الله عنه وقيل الانفراد به أولي لبعده عن الرياء) * صلاة التراويح عشرون ركعة بعشر تسليمات وبه قال أبو حنيفة واحمد لما روى ان النبي صلي الله عليه وسلم " صلي بالناس عشرين ركعة ليليتين فلما كان في الليلة الثالثة اجتمع الناس فلم يخرج إليهم ثم قال من الغد خشيت ان تفرض عليكم فلا تطيقونها " وعن مالك انها ست وثلاثون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 ركعة لفعل أهل المدينة قال العلماء وسبب فعلهم ان الركعات العشرين خمس ترويحات كل ترويحة أربع ركعات وكان أهل مكة يطوفون بين كل ترويحتين سبعة أشواط ويصلون ركعتي الطواف افرادا وكانوا لا يفعلون ذلك بين الفريضة والتراويح ولا بين التراويح والوتر فاراد اهل المدينة ان يساووهم في الفضيلة فجعلوا مكان كل اسبوع من الطواف ترويحة فحصل اربع ترويحات وهى ست عشرة ركعة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 تنضم الي العشرين والوتر ثلاث ركعات تكون الجملة تسعا وثلاثين فلذلك قال الشافعي رضي الله عنه ورأيتهم بالمدينة يقولون بتسع وثلاثين قال اصحابنا وليس لغير أهل المدينة ذلك لشرفهم بمهاجرة رسول الله صلي الله عليه وسلم وقبره ثم الافضل في التراويح الجماعة: والانفراد فيه وجهان ومنهم من يقول قولان (أحدهما) ان الانفراد بها أفضل ويروى هذا عن مالك رضي الله عنه لان النبي صلي الله عليه وسلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 " خرج ليالي من رمضان وصلي في المسجد ثم لم يخرج باقى الشهر وقال صلوا في بيوتكم فان أفضل صلاة المرء في بيته الا المكتوبة " ولان الاستخلاء بالنوافل ابعد عن الرياء (واصحهما) ان الجماعة افضل لان عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمع الناس علي ابى بن كعب رضي الله عنه ووافقه الصحابة عليه وانما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الخروج خشية الافتراض وبهذا قال ابن سريج وابو اسحق والاكثرون ثم ذكر أصحابنا العراقيون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 والصيدلاني وغيرهم أن الخلاف فيما إذا كان الرجل يحفظ القرآن ولا يخاف النوم والكسل ولا تختل الجماعة في المسجد بتخلفه فاما إذا لم يحفظ أو خاف ذلك فالجماعة أولي محالة وأطلق آخرون ثلاثة أوجه في المسألة منهم القاضي بن كج وامام الحرمين (احدها) أن الانفراد أفضل علي الاطلاق (والثانى) أن الجماعة أفضل (والثالث) ان كان حافظا للقرآن آمنا من الكسل ولم تختل الجماعة بتخلفه فالافضل أن ينفرد والا فلا ويحكى هذا عن ابن أبى هريرة وانما يدخل وقت التراويح بالفراغ من صلاة العشاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 كما ذكرنا في الوتر * قال (ثم التطوعات لا حصر لها فان تحرم بركعة واحدة جاز له أن يتمها عشرا فصاعدا وان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 تحرم يعشرأ جاز له الاقتصار علي واحدة وله أن يتشهد بين كل ركعتين أو في كل ركعة ان شاء والاحب مثنى مثني) * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 التطوعات التى لا تتعلق بسبب ولا وقت لا حصر لاعدادها ولا لركعات الواحدة منها " والصلاة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 خير موضوع فمن شاء استقل ومن شاء استكثر هذا لفظ الخبر المشهور عن رسول الله صلي الله عليه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 وسلم ثم إذا شرع في تطوع فان لم ينو شيئا فله ان يسلم من ركعة وله أن يسلم من ركعتين فصاعدا روى أن عمر رضي الله عنه " مر بالمسجد فصلى ركعة فقيل له انما صليت واحدة فقال انما هي تطوع من شاء زاد ومن شاء نقص " وحكي الاصحاب عن نصه في الاملاء انه لو صلي من غير احصاء ثم سلم وهو لا يدرى كم صلي أجزأه قال بعض السلف الذى صليت له يعلم كم صليت وان نوى ركعة أو عددا قليلا أو كثيرا فله ذلك هذا هو المشهور وحكي في البيان عن المسعودي ان له ان يصلي ثلاث عشرة ركعة بتسليمه واحدة وهل له أن يزيد فيه وجهان ثم إذا نوى عددا فله أن يزيد وله أن ينقص حتى لو تحرم بركعة فله أن يجعلها عشرا فصاعدا أو بعشر فله أن يقتصر علي واحدة ولكن بشرط أن يغير النية قبل الزيادة والنقصان فلو زاد أو نقص قبل تغيير النية بطلت صلاته مثاله نوى أن يصلى ركعتين ثم قام الي الثالثة بعد ما نوى الزيادة جاز ولو قام قبلها عمدا بطلت صلاته ولو قام سهوا عاد وسجد للسهو وسلم فلو بدا له بعد القيام ان يزيد فهل يجب العود إلي القعود ثم القيام منه أم له المضي فيه وجهان (أصحهما) أولهما ثم يسجد للسهو في آخر صلاته فلو زاد ركعتين سهوا ثم نوى اكمال اربع صلى ركعتين أخريين وما سهى به لا يحسب ولو نوى أن يصلي أربعا غير نيته وسلم عن ركعتين جاز ولو سلم قبل تغيير النية بطلت صلاته ولو سلم ساهيا أتم أربعا وسجد للسهو فلو زاد اربعا وأراد بعد السلام ساهيا أن يقتصر سجد للسهو وسلم ثانيا فان سلامه الاول غير محسوب ثم ان تطوع بركعة فلا بد من التشهد فيها وان زاد فله أن يقتصر علي تشهد واحد في آخر الصلاة وهو تشهد الركن وله ان يتشهد في كل اثنتين كما في الفرائض الرباعية فلو كان العدد وترا فلا بد من التشهد في الاخيرة أيضا وهل له أن يتشهد في كل ركعة قال امام الحرمين فيه أحتمال لانا لا نجد في الفرائض صلاة علي هذه الصورة لكن الاظهر الجواز لان له أن يصلى ركعة فردة ويتحلل عنها وإذا جاز له ذلك جاز له القيام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 منها إلى أخرى وهذا ما ذكره المصنف وسوغ له الامور الثلاثة في الوسيط واقتصر ههنا على الامر الثاني والثالث * وأعلم أن تجويز التشهد في كل ركعة لم يرد له ذكر إلا في النهاية وفى كتب المصنف واما الاقتصار علي تشهد واحد في آخر الصلاة فلا يكون فيه خلاف لانه لو اقتصر في الفرائض عليه لجاز أيضا وأما التشهد في كل اثنتين فقد ذكره العراقيون من أصحابنا وغيرهم وقالوا انه الاولى وان جاز الاقتصار علي واحد وذكر في النهاية شيئا آخر وهو أنه لا تجوز الزيادة علي تشهدين بحال ثم ان كان العدد شفعا فلا يجوز ان يجعل بين التشهدين اكثر من ركعة وإن كان وترا فلا يجوز أن يجعل بينهما اكثر من ركعة تشبها في القسمين بالفرائض مثاله إذا صلي ستا يتشهد في الرابعة والسادسة وإذا صلي سبعا يتشهد في السادسة والسابعة وإلي هذا مال المستمدون من كلام المراوزة ومنهم صاجب التهذيب وظاهر المذهب تجويز الزيادة علي تشهدين ثم قال في التهذيب ان صلي بتشهد واحد قرأ السورة بعد الفاتحة في الركعات كلها وان صلى بتشهدين هل يقرأ علي القولين المذكورين في الفرائض والاحب أن يسلم المتطوع من كل ركعتين على مثال الرواتب سواء كان بالليل أو بالنهار لما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " صلاة الليل والنهار مثنى مثني " وبهذا قال مالك واحمد رحمهما الله ونعود بعد هذا إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب وبيان موضع العلامات (قوله) ثم التطوعات لا حصر لها أراد بالتطوع ههنا ما ينشئه الانسان باختياره ولا يتعلق بوقت ولا سبب لانه أراد بقوله لا حصر لها أنه لا حصر لركعاتها علي ما صرح به في الوسيط والظاهر أن هذا حكم منه علي كل واحد منها وفى أول الباب أراد بالتطوع مطلق النافلة كما سبق بيانه وينبغي أن يعلم قوله لا حصر لها بالحاء لان عند أبي حنيفة يكره في نوافل النهار أن تزاد علي اربع ركعات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 بتسليمة واحدة وفى نوافل الليل ان تزاد علي ثمان ركعات وذكر صاحب البيان انه يحكم بالبطلان لو زاد علي العددين والاحب عنده في نوافل النهار أن تكون أربعا أربعا حتى في الرواتب سوى ركعتي الفجر وفى نوافل الليل يصلي بتسليمة واحدة ثمان ركعات أو ستا أو أربعا أو ركعتين ولافضل لبعضها علي بعض ويجوز ان يعلم بالواو أيضا لما سبق حكايته عن المسعودي ويجوز أن يعلم قوله ان يتمها عشرا بالحاء أيضا إذ لا مزيد عنده علي ثمان ركعات وقوله جاز له الاقتصار على واحدة معلم بالميم لان عنده الشروع في التطوع ملزم إلا أن يكون هناك عذر وبالحاء لامرين (أحدهما) أن الشروع يلزم عليه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 ركعتين (والثانى) أن الركعة الفردة ليست بصلاة عنده وعندنا هي صلاة لما سبق ولو نوى صلاة تطوع ولم ينو واحدة ولا عددا فهل يجوز الاقتصار علي واحدة حكى في التتمة فيه وجهين مبنيين على ما لو ندر صلاة مطلقة هل يخرج عن العهدة بركعة أم لا بد من ركعتين وينبغي أن يقطع بجواز الاقتصار على واحدة لانه وان نوى ركعتين فصاعدا يجوز له الاقتصار علي واحدة فعند الاطلاق أولي ان يجوز (وقوله) وله أن يتشهد بين كل ركعتين ينبغي أن يعلم بالواو لامرين (أحدهما) أن صاحب البيان حكى وجها انه لا يجلس الا في الاخيرة والثانى أنا حكينا عن بعض الاصحاب انه لا يزيد علي تشهدين وان كثرت الركعات وذلك القائل لا يجوز التشهد بين كل ركعتين (وقوله) اأو في كل ركعة اعلم بالحاء لانه يقول بتشهد بين كل ركعتين وبالواو لان كثيرا من الاصحاب قالوا انه بالخيار بين أن يصلي بتشهد واحد وبين ان يتشهد بين كل ركعتين والتخيير بين الشيئين ينفى التمكن من شئ ثالث (وقوله) والاحب مثني مثنى معلم بالحاء لما سبق * قال (وأظهر الاقوال أن النوافل المؤقتة تقضي (ح م) كما تقضي الفرائض وركعتا الصبح بعد فرض الصبح أداء وليس بقضاء) * غرض الفصل يتضح برسم مسألتين (أحدهما) في وقت الرواتب وهى ضربان (أحدهما) الرواتب التى تسبق الفرائض ويبقى وقت جوازها ما بقى وقت الفريضة ووقت اختيارها ما قبل الفريضة مثاله ركعتا الفجر يدخل وقتهما بطلوع الفجر ويبقى إلى طلوع الشمس والاختيار تقديمها علي صلاة الفجر وحكى جماعة منهم صاحب البيان أن وقت ركعتي الفجر يبقي إلى الزوال ويكون اداء وان خرج وقت الفريضة (والضرب الثاني) الرواتب المتأخرة عن الفرائض فيدخل وقتها بفعل الفرائض لا بدخول وقتها كما ذكرنا في الوتر وآخر وقتها يخرج بخروج وقت الفرائض كما في الضرب الاول لانها تابعة للفرائض وحكي في التتمة في الوتر قولا آخر أن وقت الوتر يبقى إلى ان يصلى الصبح ولا يخرج بطلوع الفجر لظاهر ما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " صلوها ما بين العشاء إلي صلاة الصبح " وهذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 يشبه خلافا سيأتي ذكره في المسألة الاخرى (المسألة الثانية) النوافل تنقسم إلى مالا يتأقت وانما يفعل لسبب عارض وإلي ما يتأقت والاول لا مدخل للقضاء فيه وهو كصلاتي الخسوف والاستسقاء وتحية المسحد (والثانى) كصلاتي العيد وصلاة الضحي والرواتب التابعة للفرائض في قضائها إذا فاتت قولان مشهوران (أصحهما) وبه قال احمد انها تقضى لمطلق قوله صلي الله عليه وسلم " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " ولانها صلاة راتبة بوقت فتستدرك إذا فاتت كالفرائض (والثاني) وبه قال مالك انها لا تقضي كصلاة الخسوف ونحوها وهذا لان الاصل ان لا تقضى وظيفة مؤقتة أصلا لاقتضاء صيغة التأقيت اشتراط الوقت في الاعنداد بها لكن خالفنا في الفرائض لاوامر مجددة وردت فيها لتأكدها: وعن أبي حنيفة ان فاتت الرواتب مع الفرائض قضيت معها وان فاتت وحدها فلا تقضى ونقل بعض اصحابنا عن مذهبه انه لا يقضي منها الا ركعتا الفجر إذا فاتتها مع الفرض وحكي في النهاية قولا ثالثا وهو ان ما استقل منها ولم يتبع غيره كصلاة العيدين وصلاة الضحى يقضي لمشابهتهما الفرائض في الاستقلال وما كان تابعا لغيره كالرواتب لا يقضى فهذه هي الاقوال التى ذكرها في الكتاب وانما قيد بالمؤقتة ليخرج القسم الاول فانها لا تقضى بلا خلاف (التفريع) ان قلنا انها لا تقضي فلا كلام وان قلنا تقضى فهل تقضى أبدا فيه قولان (اصحهما) وهو اختيار المزني رحمه الله عليه نعم كالفرائض لما قضيت جاز قضاؤها ابدا (وقوله) في الكتاب كما تقضى الفرائض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 يمكن حمله علي التشبيه في كيفية القضاء أي كما تقضى الفرائض ابدا كذلك هذه لكنه ما أراد ذلك وإنما أراد قياس أصل القضاء على الفرائض وذلك بين في عبارة الوسيط (والقول الثاني) أنها لا تقضي ابدا وعلي هذا إلى متي تقضي: اما صلاة العيد ففيها تفصيل وخلاف مذكور في الكتاب في باب صلاة العيدين واما الرواتب ففيها قولان (أحدهما) انه لا تقضى كالوتر بعد صلاة الصبح ولا ركعتا الفجر بعد صلاة الظهر قال امام الحرمين وعلي هذا النسق سائر التوابع لانه إذا استفتح فريضة أخرى انقطع حكم التبعية عن الصلاة السابقة وحكى علي هذا القول أوجها أخر أن الاعتبار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 بدخول وقت الصلاة المستقبلة لا بفعلها فعلى هذا تقضي ركعتا الفجر ما لم تزل الشمس فان زالت فلا (والقول الثاني) وقد نقله المسعودي عن القديم ان ما كان من صلاة النهار يقضي ما لم تغرب الشمس وما كان من صلاة الليل يقضي ما لم يطلع الفجر فعلى هذا تقضى ركعتا الفجر مادام النهار باقيا (وقوله) في الكتاب وركعتا الصبح بعد فرض الصبح اداء وليس بقضاء قصد به بيان ان تأخير ركعتي الصبح الي ما بعد الفريضة لا يوجب فواتها فلا يجرى فيه الخلاف المذكور في القضاء وتقديمها مستحب لا مستحق وقد يؤمر بالتأخير بسبب يعرض كم دخل المسجد والامام يصلي الصبح فينبغي ان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 يقتدى به ثم بعد الفراغ يشتغل بركعتي السنة وعن ابى حنيفة انه لو علم انه يدرك ركعة من الفريضة بعد الفراغ من السنة يقدم السنة لنا ما روى انه صلي الله عليه وسلم " قال إذا اقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " ثم في معني ركعتي الصبح سائر التوابع المقدمة على الفرائض وذكرهما جرى على سبيل ضرب المثال وأراد بقوله بعد فرض الصبح ما لم تطلع الشمس وقد حكينا من قبل وجها أن وقتها يمتد إلي الزوال لكنه ما اراد ذلك فان المذهب الظاهر خلافه * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 قال * (كتاب الصلاة بالجماعة) * (وفيه فصول ثلاثة (الاول في فضلها) وهى مستحبة وليسب بواجبة الا في الجمعة ولا فرض كفاية على الاظهر وتستحب للنساء (ح) والفعل في الجمع الكثير أفضل إلا إذا تعطل في جواره مسجد فاحياؤه افضل) * أركان الصلاة وشروطها لا تختلف بين أن تؤدى علي سبيل الانفراد أو بالجماعة لكن الاداء بالجماعة أفضل وهي تختص باعتبار أمور تنقسم الي معتبرة في نفس الامام وإلي غيرها فادرج لذلك مسائل هذا الكتاب في ثلاثة فصول (احدها) فيما يتعلق بفضلها (وثانيها) في الامور المعتبرة في نفس الامام اما اعتبار اشتراط أو استحباب (وثالثها) في سائر المعتبرات فاما الفصل الاول فاعلم أن الاصل في فضلها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 الاجماع والاخبار نحو ما روى عن ابن عمر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة " والفرائض الخمس تنقسم إلي صلاة الجمعة وغيرها: فأما في صلاة الجمعة فالجماعة فرض عين كما سيأتي في بابها: واما في غيرها فليست بفرض عين خلافا لاحمد حيث قال بانها فرض عين وبه قال ابن المنذر ومحمد بن اسحق بن خزيمة من اصحابنا وفى بعض التعاليق ان أبا سليمان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 الخطابي ذكر أنه قول للشافعي رضى الله عنه: لنا حديث ابن عمر رضي الله عنهما وأيضا روى أنه صلي الله عليه وسلم قال " صلاة الرجل مع الواحد افضل من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أفضل من صلاته مع الواحد وحيثما كثرت الجماعة فهو أفضل " والاستدلال أنه لا يحسن أن يقال الاتيان بالواجب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 افضل من تركه وتفضيل أحد الفعلين علي الآخر يشعر بتجويزهما جميعا وهل هي فرض كفاية أم سنة فيه وجهان أظهرهما عند المصنف وصاحب التهذيب أنها سنة لان الجماعة خصلة مشروعة في الصلاة لا تبطل الصلاة بتركها فلا تكون مفروضة كسائر السنن المشروعة في الصلاة وفيما سبق من الاخبار ما يشعر بان سبيلها سبيل الفضائل وبهذا قال مالك وأبو حنيفة والثاني وبه قال ابن سريج وابو اسحق أنها فرض كفاية لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " ما من ثلاثة في قرية لا تقام فيهم الجماعة الا استحوذ عليهم الشيطان " وذكر المحاملى وجماعة أن هذا ظاهر المذهب (فان قلنا) انها فرض علي الكفاية فلو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 امتنع اهل بلدة أو قرية عن اقامتها قاتلهم الامام عليه ولا يسقط الحرج إلا إذا أقاموها بحيث يظهر هذا الشعار فيما بينهم ففى القرية الصغيرة يكفى اقامتها في موضع واحد وفى القرى الكبيرة والبلاد تقام في محلها ولو أطبقوا علي اقامة الجماعة في البيوت فعن ابي اسحق المروزى انه لا يسقط الفرض بذلك لان الشعار في البلد لا يظهر به ونازعه فيه بعضهم إذا ظهر ذلك في الاسواق واما إذا قلنا انها سنة فهل يقاتلون على تركها فيه وجهان كما ذكرناهما في الاذان (أصحهما) لا وكل ما ذكرناه في حق الرجال: أما النساء فلا تفرض عليهن الجماعة لا فرض عين ولا فرض كفاية وتستحب لهن ولكن فيه وجهان ذكرهما القاضى الروياني (أحدهما) أن استحبابها لهن كاستحبابها للرجال لعموم الاخبار (وأظهرهما) الذى ذكره المعظم أنه لا يتأكد تأكده في حق الرجال فلا يكره لهن تركها ويكره للرجال ذلك * وقال أبو حنيفة ومالك يكره لهن أن يصلين جماعة وبه قال احمد في رواية والاصح عنه مثل مذهبنا لنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " أمر أم ورقة أن تؤم أهل دارها " ثم إذا صلين جماعة فالمستحب أن تقف التى تؤمهن وسطهن كذلك فعلت عائشة رضي عنها وأم سلمة رضى الله عنهما لما أمتا وجماعتهن في البيوت أفضل فان أردن حضور المسجد في جماعة الرجال كره ذلك للشواب لخوف الفتنة ولم يكره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 للعجائز روى أنه صلى الله عليه وسلم " نهى النساء عن الخروج الي المساجد في جماعة الرجال الا عجوزا في منقلها " والمنقل الخف وامامة الرجال لهن أولي من امامة النساء لكن لا يجوز أن يخلو بهن من غير محرم ثم لو صلي الرجل في بيته برقيقه أو زوجته وولده نال أصل فضيلة الجماعة لكنها في المساجد أفضل لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " صلاة الرجل في بيته أفضل الا المكتوبة " وحيث كان الجمع اكثر من المساجد فالفضل اكثر لما سبق فلو كان بالقرب منه مسجد قليل الجمع وبالبعد مسجد كثير الجمع فالافضل أن يذهب الي المسجد البعيد ألا في حالتين (أحدهما) أن تتعطل الجماعة في المسجد القريب بعد وله عنه اما لكونه اماما أو لان الناس يحضرون بحضوره فاقامة الجماعة في المسجد القريب أفضل (الثانية) أن يكون امام المسجد البعيد متبدعا كالمعتزلي وغيره وامام المسجد القريب بريئا عن البدعة فالصلاة في المسجد القريب أولي قال المحاملى وغيره وكذا لو كان امام المسجد البعيد حنفيا لانه لا يعتقد وجوب بعض الاركان بل حكوا عن أبى اسحق المروزى أن الصلاة منفردا اولى من الصلاة خلف الحنفي وهذا مبني على جواز الصلاة خلفه وفيه خلاف يأتي من بعد وفى المسألة وجه آخر حكاه في النهاية أن رعاية حق الجوار أولى على الاطلاق لانا لو جوزنا العدول عن المسجد القريب لاوشك أن يعدل عنه واحد بعد واحد فيفضى إلى تعطيله: واما لفظ الكتاب فقوله وليست الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 بواجبة يعنى به الوجوب علي الاعيان وهو معلم بالالف والواو (وقوله) تستحب للنساء معلم بالحاء والميم وبالالف ايضا لاحدى الروايتين عن احمد والمراد أصل الاستحباب ثم في كيفية الاستحباب ما سبق من الخلاف (وقوله) الا إذا تعطل في جواره مسجد ليس فيه الا استثناء الحالة الاولي وقد استثنى كثير من الاصحاب الحالة الثانية أيضا كما ذكرنا ويجوز أن يعلم قوله في الجمع الكثير أفضل بالواو لانه يدخل فيه ما إذا كان في جواره مسجد ولم يتعطل إذ لم يستثن الا إذا تعطل وقد ذكرنا وجها ان الافضل رعاية حق الجوار وان لم يتعطل * قال (وفضيلة الجماعة لا تحصل الا بادراك ركعة مع الامام وفضيلة التكبيرة الاولى لا تحصل الا بشهود تحريمة الامام واتباعه على الاصح) * في الفصل مسألتان (احداهما) فيما يحصل للمأموم به فضيلة الجماعة: الذى ذكره في الكتاب انها لا تحصل الا بادراك ركعة مع الامام ووجهه في الوسيط بان ادراك ما دون الركعة ليس محسوبا من صلاته فلا ينال بها الفضيلة والذى ذكره اصحابنا العراقيون وغيرهم وتابعهم صاحبا المهذب والتهذيب أن من ادرك الامام في التشهد الاخير حصل له فضيلة الجماعة وقد يوجه ذلك بان هذه البقية إذا لم تكن محسوبة من صلاته فلو لم ينل بها الفضيلة لمنع من الاقتداء والحالة هذه لكونها زيادة في الصلاة لا فائدة فيها وبالجملة فظاهر المذهب الذى ذكره الجمهور خلاف ما في الكتاب (المسألة الثانية) وردت اخبار في ادراك التكبيرة الاولي مع الامام نحو ما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " من صلي اربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الاولي كتب له براءتان براءة من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 من النار وبراءة من النفاق " ولما في ادراكها من الفضل صار أبو اسحق المروزى الي ان الساعي الي الجماعة يسرع إذا خاف فوتها لكن الصحيح عند الاكثرين ان لا يسرع بحال لقوله صلى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 الله عليه واله وسلم " إذا اقيمت الصلاة فلا تأتوها وانتم تسعون واتوها وانتم تمشون وعليكم السكينة والوقار " ثم بماذا يكون مدركا للتكبيرة الاولي فيه وجوه (اظهرها) ان من شهد تكبيرة الامام واشتغل عقيبها بعقد الصلاة كان مدركا لفضيلة التكبيرة الاولي والا لم يكن مدركا لها لانه إذا جرى التكبير في غيبته لم يسم مدركا (والثانى) ان تلك الفضيلة تدرك بادراك الركوع الاول (والثالث) ان ادراك الركوع لا يكفى بل يشترط ادراك شئ من القيام ايضا (والرابع) ان شغله امر دنيوي لم يكن بادراك الركوع مدركا للفضيلة وان منعه عذر واشتغال باسباب الصلاة كالطهارة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 وغيرها كفاه ادراك الركوع * قال (ومهما أحس الامام بداخل ففى استحباب الانتظار ليدرك الداخل الركوع قولان ولا ينبغي ان يطول ولا أن يميز بين داخل وداخل) * مما يحتاج إلى معرفته في المسألة ان المستحب للامام تخفيف الصلاة من غير ترك الابعاض والهيئات لما روى عن انس رضي الله عنه قال " ما صليت وراء امام قط أخف صلاة ولا أتم من رسول الله صلي الله عليه وسلم " فان رضى القوم بالتطويل وكانوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 منحصرين لا يدخل عليهم غيرهم فلا باس حينئذ بالتطويل ثم قال الائمة انتظار الامام في الصلاة وتطويله بها يفرض على وجوه: منها ان يصلي في مسجد سوق أو محلة فيطول الصلاة ليلحق قوم أخر وتكثر الجماعة فهذا مكروه لما فيه من سقوط الخشوع وشغل القلب ومخالفة قوله صلي الله عليه وسلم وسلم " إذا أم احدكم فليخفف " ومنها ان يؤم في مسجد بحضرة رجل شريف فيطول الصلاة علي الحاضرين ليلحق ذلك الرجل فهذا مكروه ايضا لانه ينفر الحاضرين ويشوش عليهم ومنها أن يحس في صلاته بمجئ رجل يريد الاقتداء به فله احوال (احدها) ان يكون في الركوع وهي مسألة الكتاب فهل ينتظر ليدرك الركوع فيه قولان (اصحهما) عند امام الحرمين واخرين انه لا ينتظره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 لمطلق قوله صلي الله عليه وسلم (إذا أم احدكم بقوم فليخفف) ولان انتظاره يطول الصلاة علي الحاضرين والتطويل علي الحاضرين لمسبوق قد يكون مقصرا بتخلفه لا وجه له والثاني ينتظره لما روى انه صلى الله عليه وسلم " كان ينتظر في صلاته ما سمع وقع نعل " وهذا كما انه ينتظر في صلاة الخوف ذهاب قوم ومجئ قوم لينالوا فضيلة الجماعة ثم ذكر الائمة للقولين شرطين (احدهما) ان يكون الرجل الجائى حين ينتظر داخل المسجد اما لو كان بعد خارجة فلا ينتظر قولا واحد (والثانى) ان يقصد به الاحتساب والتقرب الي الله تعالى فاما لو قصد التودد إليه واستمالته فلا ينتظر قولا واحدا ثم اختلفوا في ان القولين فيماذا على طرق قال معظم الاصحاب ليس الخلاف في استحباب الانتظار ولا في انه لو انتظر هل تبطل صلاته ام لا وانما الخلاف في الكراهة فاحد القولين انه يكره وبه قال أبو حنيفة ومالك واختاره المزني (والثاني) لا يكره وبه قال احمد وهو اصح القولين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 عند القاضى الروياني وقال بعض الاصحاب القولان في انه هل يستحب الانتظار ويحكي هذا عن القاضي ابي الطيب وقال آخرون في المسألة قولان (احدهما) انه يكره والثانى انه يستحب وهذا ما اورده صاحب المهذب وقال الاصح الثاني وهذه الطريقة كالمركبة من الطريقتين الاخريين ثم إذا قلنا لا ينتظر فلو فعل هل تبطل صلاته منهم من قال فيه قولان كما لو زاد في صلاة الخوف علي انتظارين وقطع المعظم بانها لا تبطل وركب في الوسيط من القول بالبطلان ومما تقدم ثلاثة اقوال (احدها) انه يستحب الانتظار (والثاني) انه يكره (والثالث) انه لا يجوز وتبطل الصلاة إذا عرفت ذلك فانظر في لفظ الكتاب: واعلم ان في لفظ الداخل من قوله وإذا احس الامام بداخل ما ينبه على الشرط الاول وهو تقييد الخلاف بانتظار من دخل المسجد أو الموضع الذى تقام فيه الصلاة فاما من لم يدخل بعد فلا ينتظر واما الشرط الثاني وهو ان يكون قصده التقرب الي الله تعالي فليس في لفظ الكتاب تعرض له لكن الواقف علي مقاصد الكلام يفهمه من قوله ولا ان يميز بين داخل وداخل كما سيأتي (وقوله) ففى استحباب الانتظار لدرك الداخل الركوع قولان جواب على طريقة فرض الخلاف في الاستحباب ثم المقابل لقول الاستحباب انما هو عدم الاستحباب ويمكن ادراج الحاصل من باقي الاختلافات فيه بان يقال إذا قلنا لا يستحب فهل يكره فيه قولان ان قلنا يكره فهل يبطل الصلاة فيه قولان ويجوز انه يعلم قوله قولان بالواو لان القاضى ابن كج حكي طريقة عن بعض الاصحاب ان موضع القولين هو الانتظار في القيام اما في الركوع فلا ينتظر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 قولا واحدا وعلل بان القيام موضع تطويل والركوع ليس موضع تطويل واما قوله ولا ينبغى ان يطول فهذا اشارة الي ان الخلاف مفروض فيما إذا لم يطول الانتظار فاما التطويل فيجتنبه وهذا قد ذكره الصيدلاني وغيره وهو شرط ثالث مضموم الي الشرطين السابقين قال امام الحرمين وليس المراد اصل التطويل فان الانتظار لا يوجد صورة الا إذا طول وزاد علي القدر المعتاد ولكن ضبطه أن يقال ان طول تطويلا لو وزع علي جميع الصلاة لظهر له اثر محسوس في الكل فهذا ممنوع منه لافراطه وان كان بحيث يظهر في الركوع ولكن لا يظهر في كل الصلاة لو وزع فهذا موضع الاختلاف ويجوز أن يعلم قوله ولا ينبغى أن يطول بالواو لان ابا على قال في الافصاح ان كان الانتظار لا يضر بالمأمومين ولا يدخل عليهم مشقة جاز كانتظار النبي صلي الله عليه وسلم في حمل امامة ووضعها في الصلاة وان كان ذلك مما يطول ففيه الخلاف وقوله ولا أن يميز بين داخل وداخل المراد منه ان يعم انتظاره الداخلين فلا يخص به بعض القوم لصداقة أو سيادة وإذا عم فلا يقصد استمالة قلوب الناس والتودد إليهم بل التقرب إلى الله تعالي كما تقدم ويجوز الوسم بالواو ههنا أيضا لامرين (أحدهما) لان أبا سعيد المتولي حكي عن بعض الاصحاب انه ان عرف الداخل بعينه لم ينتظره إذ لا يخلو عن تقرب إليه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 وان لم يعرفه بعينه انتظره (والثاني) أن صاحب البيان حكي عن بعضهم انه ان كان الداخل ممن يلازم الجماعة وعرفه انتظره وان كان غريبا لم ينتظره وكلا الوجهين يوجب التمييز بين الداخل والداخل (الحالة الثانية) أن يكون الامام حين أحس بالداخل في التشهد الاخير فهل يؤخر انتظارا له بما سبق من الشرائط ذكر معظم الاصحاب أن الخلاف يطرد فيه لان هذا الانتظار يفيده أيضا من حيث أنه ينال فضيلة الجماعة وان لم يدرك باللحوق فيه شيئا من الركعات وقياس قوله من يقول انه لا يدرك فضيلة الجماعة الا بادراك ركعة مع الامام أن يكون حكم الانتظار ههنا حكمه في القيام ونحوه (الحالة الثالثة) أن يكون في سائر الاركان من القيام والسجود وغيرهما قطع الاكثرون بانه لا ينتظره لانه لا فائدة للداخل في انتظاره فانه بسبيل من ادراك الركعة أو فضيلة الجماعة وان لم ينتظره وذلك لانه ان كان قبل الركوع فهو بادراك الركوع يدرك الركعة وان كان بعد الركوع فبادراكه في التشهد ينال فضيلة الجماعة وحكي امام الحرمين عن بعضهم طرد الخلاف في سائر الاركان لافادة الداخل بركة الجماعة وروينا عن ابن كج أن بعضهم خصص الخلاف بحالة القيام وحيث قلنا لا ينتظر فلو انتظر ففى البطلان ما سبق من الطريقين * قال (ومن صلي منفردا فأدرك جماعة يستحب له اعادتها ثم يحتسب الله أيهما شاء) * من انفرد بصلاة من الصلوات الخمس ثم أدرك جماعة يصلونها فالمستحب له أن يعيدها معهم لينال فضيلة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 الجماعة وقد روى ان النبي صلي الله عليه وسلم " صلي الصبح فلما فرغ رأى رجلين في آخر القوم لم يصليا معه فقال علي بهما فجئ بهما فقال ما منعكما أن تصليا معنا فقالا كنا صلينا في رحالنا قال فلا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم اتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فانها لكما نافلة " وعند أبى حنيفة يعيد الظهر والعشاء ولا يعيد الصبح والعصر والمغرب وذكر في النهاية ان شيخه حكي مثل ذلك وجها لبعض اصحابنا ووجهه ان الصبح والعصر يستعقبان الوقت المكروه فلا يصلي بعدهما والمغرب وتر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 النهار فلو اعيدت لصارت شفعا ونقل العراقيون وجها انه يعيد ما سوى الصبح والعصر وظاهر المذهب الاول والوجهان ضعيفان وعند مالك يعيد كلها الا المغرب وبه قال احمد في رواية يعيد المغرب ايضا لكن إذا سلم الامام قام الي ركعة اخرى فجعلها شفعا وإذا وقفت علي ما ذكرناه علمت انه لم اعلم قوله يستحب له اعادتها بالحاء والميم والالف والواو ولو صلي احدى الخمس في جماعة ثم أدرك جماعة أخرى فهل يعيدها معهم فيه وجوه (أصحها) عند عامة الاصحاب أنه يعيد كما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 لو كان منفردا لاطلاق الخبر والثانى وهو الاصح عند الصيدلاني وبه قال المصنف في الوسيط أنه لا يستحب الاعادة لان فضيلة الجماعة قد حصلت فلا معنى للاعادة بخلاف المنفرد قال الصيدلاني وعلي هذا يكره اعادة الصبح والعصر دون غيرهما لانهما وقتا كراهة والصلاة المعادة تطوع محض علي هذا الوجه قال وعلى هذا فلو اعاد المغرب ينبغى أن يضم إليها ركعة اخرى لان ما أتى به تطوع محض فليكن شفعا واعلم ان المعادان كان تطوعا محضا فقياس المذهب أن تمتنع الاعادة بنية المغرب وسائر الوظائف الخمس ولو فعل يكون صحة التطوع علي الخلاف المذكور في المتطوع بنية الظهر قبل الزوال (والوجه الثالث) انه ان كان في الجماعة الثانية زيادة فضيلة لكون الامام أعلم أو أورع أو لكون الجمع أكثر أو لكون المكان افضل فيستحب الاعادة والا فلا (والرابع) أنه يستحب اعادة الظهر والمغرب والعشاء ولا يستحب اعادة الصبح والعصر وقد سبق المنفرد مثله ثم إذا استحببنا الاعادة في هذه المسألة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 وفيما إذا صلى منفردا فاعاد فالفرض منهما ماذا فيه قولان الجديد وبه قال أبو حنيفة واحمد أن الفريضة هي الاولي لما سبق من الحديث والقديم أن الفريضة احدهما لا بعينها والله تعالى يحتسب بما شاء منهما وربما قيل يحتسب باكملهما ويروى هذا القول عن الاملاء وبه قال مالك ووجه بانه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 لو كانت الثانية نفلا علي التعيين لما ندب إلى اقامتها بالجماعة والذى ذكره في الكتاب هذا القول القديم لكن الاكثرين قالوا بان المذهب الجديد وحكى في التتمة أن بعض الاصحاب صار إلي انهما جميعا يقعان عن الفرض وعن الشيخ أبى محمد أن بعضهم قال فيما إذا صلي منفردا أن الفريضة هي الثانية لكمالها بالجماعة فتبين بالاخرة أن الاولي نفل فحاصل ما في المسألة قولان ووجهان (التفريع) ان فرعنا على غير الجديد نوى الفرض في المرة الثانية ولو كانت الصلاة مغربا اعادها مثل المرة الاولى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 وان فرعنا علي الجديد فهل ينوى الفرض فيه وجهان قال الصيدلانى (الصحيح) أنه ينوى الفرض وبه قال الاكثرون واستبعده امام الحرمين وقال كيف ينوى الفرض مع القطع بان الثانية ليست بفريضة بل الوجه ان ينوى الظهر والعصر ولا يتعرض للفرضية ويكون ظهره نفلا كظهر الصبي وهذا ما ذكر في هـ الوسيط وفيه مباحثه قدمتها في أول صفة الصلاة وإذا كانت الصلاة مغربا ففيه وجهان (اظهرهما) انه يعيدها كما فعل في المرة الاولى (والثاني) ان المستحب ان يقوم إلى ركعة اخرى إذا سلم الامام حتى لا يصير وتره شفعا) * قال (ولا رخصة له في ترك الجماعة الا بعذر عام كالمطر والريح العاصفة بالليل أو عذر خاص مثل أن يكون مريضا أو ممرضا أو خائفا من السلطان أو من الغريم وهو معسر أو كان عليه قصاص ويرجو العفو عنه أو ان حاقنا أو جائعا أو عاريا) * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 لا رخصة للمتدين في ترك الجماعة سواء جعلناها سنة أو فرض كفاية الا إذا كان ثم عذر لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له الا من عذر " ثم الاعذار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 قسمان عامة وخاصة فمن الاعذار العامة المطر ليلا كان أو نهارا لما روى انه صلي الله عليه وسلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 وسلم قال " إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال " ومنها الريح العاصفة بالليل دون النهار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 روي انه صلي الله عليه وسلم " كان يامر مناديه في الليلة المطيرة والليلة ذات الريح الا صلوا في رحالكم " والمعنى فيه ان المشقة التى تلحق بها في الليل اكثر وبعض الاصحاب يقول الريح العاصفة في الليلة المظلمة وليس ذلك علي سبيل اشتراط الظلمة والله اعلم: ويتبين بما ذكرنا ان قوله بالليل في نظم الكتاب يرجع الي الريح وحدها ولا يرجع الي المطر المعطوف عليه ومن الاعذار الخاصة المرض " قيل يا رسول الله ما العذر في الخبر الذى سبق فقال خوف أو مرض " ولا يشترط ان يبلغ مبلغا يجوز العقود في الفريضة لكن المعتبر ان تلحقه مشقة مثل ما يلقاه الماشي في المطر قاله في النهاية: ومنها ان يكون ممرضا وللتمريض تفصيل يذكر في كتاب الجمعة: ومنها ان يخاف على نفسه أو ماله أو علي من يلزمه الذب عنه من سلطان أو غير سلطان يظلمه أو يخاف من غريم يلازمه أو يحبسه ان رآه وهو معسر لا يجد وفاء لدينه فله التخلف ولا عبرة بالخوف ممن يطالبه بحق هو ظالم في منعه بل عليه الحضور وتوفية ذلك الحق ويدخل في صور الخوف علي المال ما إذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 كان خبزه في التنور وقدره علي النار وليس ثم من يتعهدها لو سعى الي الجماعة ومنها ان يكون عليه قصاص ولو ظفر به المستحق لقتله وكان يرجو العفو مجانا أو علي مال لو غيب الوجه اياما وسكن الغليل فله التخلف بذلك وفى معناه حذ القذف دون حد الزنا ومالا يقبل العفو قال امام الحرمين وفى هذا العذر اشكال عندي لان موجب القصاص من الكبائر فكيف يستحق صاحبه التخفيف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 وكيف يجوز تغييب الوجه عن المستحق: ومنها ان يدافع اخبثيه أو يدافع الريح بل الصلاة مكروهة في تلك الحالة والمستحب ان يفرغ نفسه ثم يصلي وان فاتت الجماعة فلا باس روى انه صلى الله عليه وسلم قال " لا يصلين احدكم وهو يدافع الاخبثين " وروى ايضا " إذا اقيمت الصلاة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 فوجد احدكم الغائط فليبدأ بالغائط " وهذا إذا كانت في الوقت سنة فان كان يخرج الوقت لو قضى حاجته ففي التهذيب حكاية وجهين (اظهرهما) انه يبدأ بالصلاة (والثانى) انه يقضي حاجته وان فات الوقت ثم يقضى كما لو خاف فوت الوقت لو اشتغل بالوضوء يلزمه الوضو ويشبه ان يكون هذا الوجه ذهابا من صاحبه الي انه لا تصح الصلاة إذا ضاق الامر عليه لانسلاب الخشوع وقد حكي امام الحرمين الذهاب الي البطلان عن القاضي الحسين وصاحب البيان عن أبى زيد المروزى لكن أبا سعيد المتولي جعل الخلاف في أن الاولى ان يفرغ نفسه أو ان يصلي لا في بطلان الصلاة علي المدافعة وقوله في الكتاب أو كان حاقنا يجوز أن يقرأ بالباء ويجوز أن يقرأ بالنون فالحاقب هو الذى احتاج إلى الخلاء فلم يتبرز حتى حضر غائطه والحاقن في البول كالحاقب في الغائط قاله في العرينين ومنها أن يكون به جوع شديد أو عطش شديد وقد حضر الطعام والشراب ونفسه تتوق إليه فيبدأ بالاكل والشرب لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " إذا حضر العشاء واقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء " الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 قال الائمة وليس المراد منه أن يستوفى ما يشبع لكن ياكل لقما يكسر سورة جوعه ويؤخر الباقي الا ان يكون الطعام مما يؤتي عليه دفعه واحدة كالسويق واللبن استثناه المحاملى وغيره فان خاف فوت الوقت لو اشتغل بالاكل حكى في التتمة وجهين في أن الاول ماذا كما في مدافعة الاخبثين ومنها ان يكون عاريا لا لباس له فيعذر في التخلف سواء وجد قدر ما يستر به العورة أو لم يجد هذه هي الاعذار المذكورة في الكتاب ويلتحق بها اعذار أخر: فمن العامة الوحل وسيأتي في كتاب الجمعة: ومنها السموم وشدة الحر في وقت الظهر فان الابراد بها محبوب كما سبق فلو اقاموا الجماعة ولم يبردوا كان له ان يتخلف ومنها شدة البرد قال في التهذيب انها عذر ولم يفرق بين الليل والنهار وعلي هذا فشدة الحر في معناها وربما يبقى العذر وان ابردوا: ومن الاعذار الخاصة ان يريد السفر وترتحل الرفقة فله ان ان يتخلف عن الجماعة ولا يتخلف عنهم ومنها ان يكون منشد ضالة يرجو الظفر بها لو ترك الجماعة أو وجد من غصب ماله وأراد استرداده منه و: منها ان يكون قد اكل بصلا أو كراثا ونحوهما ولم يمكن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 ازالة الرائحة بغسل ومعالجة فهو عذر في التخلف عن الجماعة فان كان مطبوخا فلا وذلك القدر محتمل ومنها غلبة النوم عدها صاحب العدة وغيره من الاعذار قال (الفصل الثاني في صفات الائمة وكل من لا تصح صلاته صحة تغنيه عن القضاء فلا يصح الاقتداء به ومن صحت صلاته صح الا اقتدأ به الاقتداء القارئ بالامى على القول الجديد ومن لا يحسن حرفا من الفاتحة والمأموم يحسنه فهو أمي في حقه ويجوز اقتداء الامي بمثله ولا يصح اقتداء الرجل بالمرأة ولا بالخنثي ولا اقتداء الخنثى ويصح اقتداء المرأة بالخنثى وبالرجل) صفات الائمة ضربان مشروطة ومحبوبة وقد ضمن الفصل ما اراد ايراده: فاما المشروطة فنأتي منها بما ذكره في الكتاب وما أهمله في تقسيم نرسمه ونقول الانسان لا يخلو اما ان لا تكون صلاته صحيحة عنده وعند المأموم معا واما ان تكون صحيحة (القسم الاول) ان لا تكون صحيحة عندهما معا فينظران توافق اعتقاد الامام والمأموم على انه لا صحة ولا اعتبار كصلاة من به حدث أو جنابة وصلاة من بثوبه نجاسة ونحو ذلك فلا يجوز لمن علم حاله الاقتداء به لانه ليس من أهل الصلاة وكذلك الكافر لا يجوز الاقتداء به وإذا صلي الكافر لم يجعل بذلك مسلما خلافا لابي حنيفة حيث جعله مسلما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 بذلك في بعض الاحوال ولاحمد حيث جعله مسلما بكل حال وعن القاضي ابي الطيب انه إذا صلي الحربي في دار الحرب حكم باسلامه ويحكي ذلك عن نص الشافعي رضي الله عنه والمذهب المشهور هو الاول ثم ذلك إذا لم تسمع منه كلمتا الشهادة فان سمعتا منه في التشهد ففي الحكم باسلامه ما قدمناه فيما إذا اذن وان كانت صحيحة في اعتقاد الامام دون المأموم أو بالعكس فهذا يفرض علي وجهين (احدهما) ان يكون ذلك لاختلافهما في الفروع الاجتهادية كما إذا مس الحنفي فرجه وصلي ولم يتوضأ أو ترك الاعتدال في الركوع والسجود أو قرأ غير الفاتحة في صلاته ففى صحة اقتداء الشافعي به وجهان (احدهما) وبه قال القفال تصح لان صلاته صحيحة عنده وخطؤه غير مقطوع به فلعل الحق ما ذهب إليه (والثانى) وبه قال الشيخ أبو حامد لا تصح لان صلاة الامام فاسدة في اعتقاد المأموم فاشبه ما لو اختلف اجتهاد رجلين في القبلة يقتدى احدهما بالاخر وهذا أظهر عند الاكثرين ولم يذكر الرويانى في الحلية سواه وبه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 أجاب صاحب الكتاب في الفتاوى لكن بشرائط ليس من غرضنا ذكرها ولو ان الحنفي صلي علي وجه لا يعتقده صحيحا واقتدى الشافعي به وهو يعتقده صحيحا انعكس الوجهان فعلي ما ذكره القفال لا يصح الاقتداء اعتبارا بحال الامام وعلي ما ذكره أبو حامد يصح اعتبارا باعتقاد المأموم وحكى ابو الحسن العبادي ان الاودني والحليمي قالا إذا أم الوالى أو نائبه بالناس ولم يقرأ التسمية والمأموم يراها واجبة فصلاته خلفه صحيحة عالما كان أو عاميا وليس له المفارقة لما فيها من الفتنة وهذا حسن وقضيته الفرق بين الامام وخلفائه وبين غيرهم اما إذا حافظ الحنفي على واجبات الطهارة والصلاة عند الشافعي فاقتداؤه به صحيح عند الجمهور وعن الاستاذ ابي اسحق الاسفراينى انه لا تصح لانه لا ياتي بها علي اعتقاد الوجوب وعلى الاول لو شك في انه هل أتي بها أم لا فقد ذكر صاحب الكتاب في الفتاوى انه يجوز الاقتداء به كما لو علم انه حافظ عليها لان الظاهر اتيانه بها اقامة لما يعتقده سنة وتوقيا عن شبهة الخلاف وحكى أبو الفرج البزار عن الشيخ أبى علي أنه لا يصح كما لو عرف انه لم يات بها وحكي عن الشيخ ابي حامد الصحة كما قاله صاحب الكتاب في الفتاوى وإذا عرفت ذلك وسئلت عن قتداء الشافعي بالحنفي مطلقا فقيل فيه ثلاثة اوجه (ثالثها) وهو الاظهر الفرق بين أن يحافظ علي الواجبات وبين أن يتركها ولك أن تضم إليها وجها فارقا على ما قدمناه ولو اقتدى الحنفي بالشافعي وصلي الشافعي علي وجه لا يراه الحنفي كما لو افتصد وصلي ففيه الخلاف وإذا جوزنا اقتداء احدهما بالآخر فلو صلي الشافعي الصبح خلف حنفي ومكث الحنفي بعد الركوع قليلا وامكنه ان يقنت فيه فعل والا تابعه وهل يسجد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 للسهو ان اعتبرنا اعتقاد المأموم نعم فان اعتبرنا اعتقاد الامام فلا ولو صلى الحنفي الصبح خلف الشافعي وترك الامام القنوت ساهيا وسجد للسهو تابعه المأموم وان ترك الامام سجود السهو سجد المأموم ان اعتبرنا اعتقاد الامام والا فلا (والثانى) ان لا يكون ذلك لاختلافهما في الفروع فلا يجوز لمن اعتقد بطلان صلاة غيره ان يقتدى به وذلك كما إذا اجتهد اثنان فصاعدا في القبلة واختلف اجتهادهم لم يجز لبعضهم الاقتداء ببعض لان صلاة كل واحد منهم باطلة عند اصحابه وكذا لو اشتبه اناءان طاهر ونجسن واختلف فيهما اجتهاد رجلين ولو كثرت الاواني والمجتهدون واختلف اجتهادهم فحيث تعين عند المأموم بطلان صلاة الامام امتنع الاقتدا وحيث لا يتعين جاز الاقتداء وفيه وجه انه لا يجوز ايضا وهذا هو الكلام الجملي فيه ونوضحه بصورتين (احداهما) لو اشتبه ثلاثة اوان واجتهد فيها ثلاثة واستعمل كل واحدا منهم واحدا لاداء اجتهاده إلى طهارته فان كان الطاهر منها واحدا لم يجز اقتداء بعضهم ببعض وان كان النجس منها واحد وأراد احدهم ان يقتدى بآخر فان ظن طهارة اناء أحد صاحبيه كما ظن طهارة اناء نفسه فلا خلاف في جواز اقتدائه به وامتناع اقتدائه بالثالث وان لم يظن الا طهارة انائه ففى المسألة وجهان قال صاحب التلخيص لا يجوز لواحد منهم الاقتداء بواحد من صاحبيه لانه يتردد في ان المحدث المستعمل للنجاسة هذا ام ذاك وليس احد الاحتمالين باولي من الاخر فيمتنع الاقتداء كما يمتنع الاقتداء بالخنثى لتعارض احتمالي الذكورة والانوثة وقال ابن الحداد وهو الاصح يجوز لكل واحد منهم ان يقتدى بواحد من صاحبيه ولا يجوز ان يقتدى بهما جميعا في صلاتيه اما الاول فلانه لا يدرى نجاسة اناء من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 يقتدى به وبقاء حدثه وإذا لم يعلم المأموم من حال الامام ذلك سومح وجوز الاقتداء علي ما سيأتي واما الثاني فلانه إذا اقتدى باحدهما تعين اناء الثالث للنجاسة فامتنع الاقتداء به وبهذا قال أبو اسحق المروزى الا انه قال لو اقتدى بهما جميعا وجب اعادة الصلاتين لان احداهما باطلة لا بعينها فيلزمه قضاؤهما وعند أبن الحداد والاكثرين لا يجب الا قضاء الثانية فانه لو اقتصر على الاقتداء الاول لما كان عليه قضاء الثانية ولو كانت الاواني خمسة والنجس منها واحد وظن كل واحد بعد الاجتهاد طهارة احدهما ولم يظن شيئا من حال الاربعة الباقية وام كل واحد منهم اصحابه في واحدة من الصلوات الخمس وبدؤا بالصبح فعند صاحب التلخيص على كل واحد منهم اعادة الصلوات الاربع التى كان مأموما فيها وعند ابن الحداد والاكثرين يعيد كل واحد منهم آخر صلاة كان مأموما فيها ويلزم من ذلك ان يعيد كلهم العشاء الا امام العشاء فانه يعيد المغرب وانما اعادوا العشاء لان بزعمهم تتعين النجاسة في حق امام العشاء وأنما اعاد امام العشاء المغرب لانه صحت له الصبح والظهر والعصر عند أئمتها وهو متطهر عنده فيتعين بزعمه النجاسة في حق امام المغرب وعند أبى اسحق يعيد كل واحد منهم جميع الاربع التى كان مأموما فيها لانه أقتدى في واحدة منها بمن توضأ بماء نجس وهي غير متعينة فصار كما لو نسى واحدة من اربع وحكي عن بعض الاصحاب طريقة اخرى وهي ان هذه الوجوه فيما إذا سمع من بين خمسة نفر صوت حدث ونفاه كل واحد عن نفسه واموا علي ما ذكرنا فاما في مسألة الاواني فكل واحد يعيد آخر صلاة كان مأموما فيها بلا خلاف والفرق أن الاجتهاد في الاواني جائز فكان كل واحد اجتهد في انائه وأناء امامه ألي أن تعينت النجاسة في الاخر ولا مجال للاجتهاد في مسألة الصوت ولو كانت المسألة بحالها لكن النجس من الاواني الخمس اثنان صحت صلاة كل واحد منهم خلف اثنين وبطلت خلف أثنين ولو كان النجس ثلاثة صحت صلاة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 كل واحد منهم خلف واحد ولو كان أربعة امتنع الاقتداء بينهم على الاطلاق (القسم الثاني) ان تكون صلاته صحيحة عنده وعند المأموم معا فلا يخلو اما أن تصح صحة غير مغنية عن القضاء واما أن تصح صحة مغنية عن القضاء فان لم تكن مغنية عن القضاء كصلاة من لم يجد ماء ولا ترابا فلا يجوز الاقتداء به للمتوضئ وللمتيمم الذى لا يقضي لان تلك الصلاة انما يؤتي بها لحق الوقت وليست هي معتدا بها فاشبهت الفاسدة ولو اقتدى به من هو في مثل حاله ففيه وجهان للشيخ ابي محمد (احدهما) يجوز لان الصلاتين متماثلتان فيجزئ الاقتداء فيهما ثم يقضيان والثانى لا لان ربط الاقتداء بمالا يعتد به كربط الاقتداء بالصلاة الفاسدة وهذا أوفق لاطلاق الاكثرين حيث منعوا الاقتداء به ولم يفصلوا وفى معنى صلاة من لم يجد ماء ولا ترابا صلاة المقيم المتيمم لعدم الماء وصلاة من امكنه أن يتعلم الفاتحة فلم يتعلم ثم صلي لحق الوقت وصلاة العارى وصلاة المربوط علي الخشبة إذا الزمنا الاعادة على هؤلاء وقد سبق بيان الخلاف فيه اما إذا صحت الصلاة صحة مغنية عن القضاء فلا يخلو الحال اما أن يكون المصلي مأموما أو لا يكون فان كان مأموما لم يجز الاقتداء به لانه تابع لغيره ويلحقه سهو ذلك الغير ومنصب الامامة يقتضى الاستقلال وتحمل سهو الغير فلا يجتمعان ولو رأى رجلين واقفين احدهما بجنب الاخر يصليان جماعة وتردد في ان الامام هذا أم ذاك لم يجز الاقتداء بواحد منهما حتي يتبين له الامام ولو التبس علي الواقفين فاعتقد كل واحد منهما انه المأموم فصلاتهما باطلة لان كل واحد منهما مقتد بمن يقصد الائتمام وكذلك لو كان كل واحد منهما شاكا لا يدرى أنه أمام أو مأموم فصلاتهما باطلة وأن اعتقد كل واحد منهما أنه امام صحت صلاتهما وأن شك احدهما في حاله دون الاخر بطلت صلاة الشاك وغير الشاك أن ظن أنه امام صحت صلاته وان ظن انه مأموم فلا وأن لم يكن المصلي مأموما فلا يخلو اما ان يخل بالقراءة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 أو لا يخل فان أخل بان كان أميا ففي صحة اقتداء القارئ به قولان (الجديد) انه لا يصح وبه قال أبو حنيفة ومالك واحمد لان الامام يصدر لحمل القراءة عن المأموم بحق الامامة بدليل المسبوق فإذا لم يحسنها لم يصلح للتحمل (والقديم) انه أن كانت الصلاة سرية صح الاقتداء والا فلا بناء علي القول القديم في أن المأموم لا يقرأ في الجهرية بل يتحمل عنه الامام فإذا لم يحسن القراءة لم يصلح للتحمل وفى السرية يقرأ المأموم لنفسه فيجزئه ذلك هذا نقل جمهور الاصحاب منهم الشيخ أبو حامد والقاضي ابن كج والصيدلانى والمسعودي وذكر معظمهم ان ابا اسحق خرج قولا ثالثا على الجديد أن الاقتداء صحيح سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية لان المأموم تلزمه القراءة في الحالتين فيجزئه ذلك كما قال باجزائه في السرية في القديم ومنهم ممن لم يثبت هذا القول الثالث ومأخذ الطريقتين علي ما ذكره الصيدلانى ان اصحابنا اختلفوا في نصين للشافعي رضي الله عنه خالف الآخر الاول هل يكون الآخر رجوعا عن الاول ام لا منهم من قال نعم فعلى هذا لا ياتي في الجديد الا قول واحد انه لا يصح اقتداء القارئ بالامى ومنهم من قال لا يكون رجوعا لانه قد ينص في موضع واحد علي قولين فيجوز ان يذكرهما متعاقبين فعلى هذا يخرج قول آخر في الجديد كما سبق وإذا اثبتا القول الثالث فابو اسحق مسبوق به لانه قد ذهب إليه المزني وخرجه علي أصول الشافعي رضي الله عنه وعكس صاحب الكتاب في الوسيط ما ذكره الجمهور في القول الثاني والثالث فجعل الثاني قولا مخرجا والثالث منصوصه في القديم ثم الامي علي اصلنا هو الذي لا يحسن بعض الفاتحة أو كلها لخرس ونحوه ويدخل في هذا التفسير الارت وهو الذي يدغم حرفا في حرف في غير موضع الادغام وقال في التهذيب هو الذى يبدل الراء بالتاء والالثغ وهو الذى يبدل حرفا بحرف كالسين بالثاء فيقول المثتقيم أو الراء بالغين فيقول غيغ المغضوب ويدخل الذى في لسانه رخاوة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 تمنع أصل التشديدات والخلاف الذى ذكرناه في اقتداء القارئ بالامي فيما إذا لم يطاوعه لسانه أو طاوعه لكن لم يمض عليه من الزمان ما يمكنه التعلم فيه فإذا مضى وقصر بترك التعلم فلا يقتدى به بلا خلاف لان صلاته حينئذ مقضية يؤتى بها لحق الوقت كصلاة من لم يقدر علي الماء والتراب ويجوز اقتداء الامي بامي مثله لاستوائهما في النقصان كاقتداء المرأة بالمرأة ولو حضر رجلان كل واحد منهما يحسن بعض الفاتحة ان كان ما يحسنه هذا يحسنه ذاك جاز اقتداء كل واحد منهما بالاخر وان احسن أحدهما غير ما يحسنه الآخر فاقتداء أحدهما بالآخر كاقتداء القارئ بالامي ففيه الخلاف الذى سبق وعليه يخرج اقتداء الارت بالالثغ وبالعكس لان كل واحد منهما قارئ لما ليس صاحبه فيه بقارئ وتكره امامة التمتام والفأفاء ويجوز الاقتداء بهما لانهما لا ينقصان شيئا ويزيدان زيادة هما معذوران فيها وتكره امامة من يلحن في القراءة ثم ننظر ان كان لحنا لا يغير المعنى ولا يبطله كرفع الهاء من الحمد لله فتجوز صلاته وصلاة من اقتدى به وان كان يغير المعنى كقوله أنعمت عليهم أو يبطله كقوله المستقين فان كان يطاوعه لسانه ويمكنه التعلم فيلزمه ذلك فلو قصر وضاق الوقت صلي وقضي ولا يجوز الاقتداء به وان لم يطاوعه لسانه أو لم يمض ما يمكن التعلم فيه فان كان في الفاتحة فصلاة مثله خلفه صحيحة وصلاة صحيح اللسان خلفه كاقتداء القارئ بالامي وان كان في غير الفاتحة صحت صلاته وصلاة من خلفه قال امام الحرمين ولو قيل ليس لهذا الذى يلحن في غير الفاتحة أن يقرأ ما يلحن فيه لانه يتكلم في صلاته بما ليس من القرآن ولا ضرورة إليه لما كان بعيدا والله أعلم * هذا تمام قسم الاخلال وان لم يخل بالقراءة فلا يخلو اما ان يكون رجلا أو امرأة أو خنثى مشكل فاما الرجل فيصح اقتداء الرجال والنساء به واما المرأة فيصح اقتداء النساء بها ولا يصح اقتداء الرجل بها لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال ألا لا تؤمن امرأة رجلا ولا اعرابي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 مهاجرا " ولا يجوز اقتداء الخنثى بها أيضا لجواز ان يكون رجلا واما الخنثي فيجوز اقتداء المرأة به لانه اما رجل أو امرأة واقتداؤها بالصنفين جائز ولا يجوز اقتداء الرجل به لاحتمال انه امرأة ولا اقتداء مشكل آخر لجواز ان يكون الامام امرأة والمأموم رجلا وحيث حكمنا بصحة الاقتداء فلا باس بكون الامام متيمما أو ماسحا علي الخف وكون المأموم متوضئا أو غاسلا ويجوز ايضا اقتداء السليم بسلس البول والطاهرة بالمستحاضة التي ايست بمتحيرة في أصح الوجهين كما يجوز الاقتداء بمن استجمر وبمن على وبه أو بدنه نجاسة معفو عنها (والثاني) وبه قال أبو حنيفة لا يجوز لان صلاتهما صلاة ضرورة ولا باس بصلاة القائم خلف القاعد خلافا لمالك حيث قال لا يجوز ذلك ولاحمد حيث قال إذا قعد الامام قعد القوم خلفه لنا ما روى انه صلي الله عليه وسلم وسلم " صلى قاعدا وابو بكر رضي الله عنه والناس خلفه قيام " ويجوز اقتداء القائم والقاعد بالمضطجع خلافا لابي حنيفة: لنا القياس علي الصورة السابقة فانه سلمها: هذا آخر التقسيم وقد تبين به الاوصاف المشروطة في الامام ونعود الان الي ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله) وكل مالا تصح صلاته صحة تغنيه عن القضاء يدخل فيه من لا تصح صلاته أصلا ومن تصح صلاته صحة غير مغنية عن القضاء لان كل صلاة ليس لها الصحة ليس لها الصحة الخاصة وحكم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 الضربين ما ذكره (وقوله) فلا يصح الاقتداء به مطلق وظاهره يقتضي ان لا يصح اقتداء من لم يجد ماء ولا ترابا بمثله كما لا يصح اقتداء غيره وهو الوجه الذى ذكرنا انه الموافق لاطلاق الاكثرين (وقوله) ومن صحت صلاته صح الاقتداء به يعني صحت صلاته الصحة المبينة في القسم الاول وهي المغنية عن القضاء (وقوله) الا اقتداء القارئ معلم بالزاى لان عند المزني هذه الصورة غير مستثناة كما سبق ثم نظم الكتاب لا يصرح الا باستثناء اقتداء القارئ بالامي عن هذا الضابط لكن اقتداء الرجل بالمرأة مستثني عنه ايضا والمراد والا اقتداء الرجل بالمرأة وقد حصر امام الحرمين الاستثناء في هذين الموضعين وضم اليهما في الوسيط ثالثا وهو الاقتداء بالمقتدى ولك ان تقول قولنا من صحت صلاته صح الاقتداء به اما أن يريد به صحة اقتداء كل احد به أو يعنى صحة الاقتداء به في الجملة فان عندنا الاول فالاستثناء غير منحصر في الموضعين ولا في الثلاثة بل من صور الاستثناء الاقتداء بمن يتعين في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 زعم المأموم كونه محدثا وغير هذه الصورة علي ما تقدم وان عنينا الثاني فلا حاجة الي استثناء الامي إذ يصح اقتداء مثله به ولا استثناء المرأة إذ يصح اقتداء المرأة بها (وقوله) ومن لا يحسن حرفا من الفاتحة والمأموم يحسنه فهو أمي في حقه اي فيحصل فيه الخلاف المذكور في اقتداء القارى بالامي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 قال (فان اقتدي الرجل بخنثي فبان بعد الفراغ كونه رجلا وجب القضاء على اظهر القولين لوجود التردد في نفس الصلاة ولو بان بعد الفراغ كونه اميا أو محدثا أو جنبا فلا قضاء (ح) ولو بان كونه امرأة أو كافر اوجب القضاء لان لهما علامة ولو بان كونه زنديقا فوجهان) * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 جميع ما سبق فيما إذا عرف المأموم حال الامام في الصفات المشروطة وجودا وعدما وغرض هذا الفصل الكلام فيما إذا ظن شيئا وتبين خلافه فمن صوره ما لو اقتدى رجل بخنثي وبان بعد الصلاة كونه رجلا وقد قدمنا ان هذا الاقتداء غير صحيح وإذا لم يصح فلا يخفي وجوب القضاء فلو لم يقض حتى بان كونه الامام رجلا فهل يسقط القضاء فيه قولان (احدهما) نعم لانه قد تبين كون الامام رجلا (واظهرهما) لا يسقط لانه كان ممنوعا من الاقتداء به للتردد في حاله وهذا التردد يمنع من صحة الصلاة وإذا لم تصح فلا بد من القضاء وقوله في الكتاب وجب القضاء على اظهر القولين ليس المراد منه استفتاح الوجوب وانما المراد استمراره على ما بينا ويجرى القولان فيما لو اقتدى خنثي بامرأة ولم يقض الصلاة حتى بان كونه امرأة وفيما إذا اقتدى خنثي بخنثى ولم يقض المأموم حتى بانا رجلين أو أمرأتين أو بان كون الامام رجلا وكون المأموم أمرأة وذكر الائمة لهذه الصور نظائر: منها لو باع مال ابيه علي ظن أنه حى فبان أنه كان ميتا ففى صحة البيع قولان: ومنها لو وكل وكيلا بشرى شئ وباع ذلك الشئ من انسان علي ظن أنه ما اشتراه وكيله بعد وكان قد اشتراه في صحة البيع قولان ومن مسائل الفصل ما لو اقتدى برجل ظنه متطهرا ثم بان بعدما صلي أنه كان جنبا أو محدثا فلا قضاء عليه خلافا لابي حنيفة حيث قال يجب ولمالك واحمد حيث قالا إن كان الامام عالما بحدثه وام مع ذلك وجب علي المأموم القضاء وأن لم يكن عالما لم يجب وحكي صاحب التلخيص مثل ذلك قولا للشافعي رضى الله عنه منصوصا: لنا ما روى أنه صلي الله عليه وسلم " دخل في صلاته واحرم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 الناس خلفه ثم ذكر أنه جنب فاشار إليهم كما انتم ثم خرج واغتسل ورجع ورأسه يقطر ماء ولم يامرهم بالاعادة " وروى أنه صلي الله عليه وسلم قال " إذا صلي الامام بقوم وهو على غير وضوء اجزأتهم ويعيد هو " وايضا فانه غير مامور بالبحث عن حدث الامام وطهارته لانه لا علامة للمحدث والمتطهر يعرفان بهما فليس منه تقصير في الاقتداء به وكل مصل لنفسه ففساد صلاة الامام لا توجب فساد صلاة المأموم والمسألة فيما إذا لم يعرف المأموم حدثه أصلا فان علم حدثه ولم يتفرقا ولم يتطهر ثم اقتدى به ناسيا وجبت الاعادة وهي مفروضة في غير الجمعة فاما إذا اتفق ذلك في الجمعة فسياتي الكلام في بابها: ومنها لو اقتدى بمن ظنه قارئا فبان أنه أمي قال في التهذيب تجب الاعادة علي قولنا أن الصلاة خلف الامي لا تصح والذى ذكره في الكتاب أنه لا قضاء عليه كما لو بان جنبا ووجهه امام الحرمين بان البحث عن كون الامام قارئا لا يجب بل يجوز حمل الامر علي الغالب وهو أنه لا يؤم الا قارئ كما يجوز حمل الامر علي أنه متطهر فإذا بان خلاف الغالب فهو كما لو بانت الجنابة قال وإذا كانت الصلاة جهرية فيظهر فيها أنه قارئ أو أمي فان لم يجهر فيها فحينئذ اختلف الاصحاب في أنه هل يجب البحث وما حكاه صاحب التهذيب في المسالة أقرب إلى سياق الاكثرين ويجوز أن يفرق بينه وبين ما إذا بان جنبا بان الحدث ليس بنقص في الشخص وهذا نقص فصار كما لو بان الامام كافرا أو أمرأة وأيضا فان الوقوف علي كونه قارئا أسهل من الوقوف على كونه متطهرا لان عروض الحدث وأن عرف أنه تطهر قريب وصيرورتة اميا بعدما سمعه يقرأ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 في غاية البعد واما إذا أقتدى بمن لا يعرف حاله في صلاة جهرية ثم لم يجهر فحكاية العراقيين فيه عن نصه في الام أنه يلزمه الاعادة لان الظاهر أنه لو كان قارئا لجهر فلو سلم وقال أسررت ونسيت الجهر لم تجب الاعادة وتستحب وإذا وقفت علي ما ذكرنا أعلمت قوله فلا قضاء بالحاء والميم والالف وكذلك بالواو لامرين (احدهما) القول الذى حكاه صاحب التلخيص والثاني الخلاف الذى نقلناه في مسالة الامي (فان قلت) ولم قيد هذه الصور بما إذا بان الحال بعد الفراغ من الصلاة وكذلك قيد ما إذا اقتدى بخنثى وبان كونه رجلا بما بعد الفراغ وما الحكم لو بان ذلك قبل الفراغ من الصلاة (فالجواب) اما في صورة الخنثى فالقولان جاريان في الحالتين وحكى القاضي بن كج القولين فيما إذا اقتدى خنثي بامرأة ثم لم يخرج من الصلاة حتى بان للمأموم انه انثي وقد سبق أن هذه الصورة وصورة الكتاب يستويان في طرد القولين فاذن قوله بعد الفراغ في مسألة الخنثى ليس للتقييد واما إذا بان في الصلاة كونه جنبا أو محدثا فلا قضاء ايضا إذا اتم ويجب أن ينوى المفارقة كما علم الحال وكذلك الحكم فيما إذا بان في الصلاة كومه اميا علي ما ذكره في الكتاب وإذا اقتدى بمن ظنه رجلا فبان كونه أمرأة وجب القضاء لان المرأة تمتاز عن الرجل بالصوت والهيئة وسائر العلامات فالمقتدى منتسب الي التقصير بترك البحث وكذلك الحكم لو بان حنثى عند اكثر الاصحاب لان أمر الخنثى ينتشر في الغالب ولا يخفي إذ النفوس مجبولة علي التحدث بالاعاجيب واشاعتها وعن صاحب التلخيص انه لا تجب الاعادة إذا بان خنثى ولو اقتدى بمن ظنه مسلما فبان كافرا ينظر ان كان كافرا يتظاهر بكفره كاليهودي والنصراني وجب القضاء لمعنيين (احدهما) ذكره الشافعي رضي الله عنه وهو أن الكافر لا يجوز ان يكون اماما بحال لنقص فيه بخلاف الجنب فانه لا يجوز ان يكون اماما لحالة عارضة لا لصفة نقصان وايضا فالجنب إذا تيمم يجوز ان يؤم مع ان حدثه باق (والثانى) ذكره الاصحاب وهو الذى اورده في الكتاب أن للكافر أمارات يعرف بها من الغيار وغيره فالمقتدى مقصر بترك البحث وأن كان كافرا يظهر الاسلام ويسر الكفر كالزنديق والدهرى والمرتد الذى يخفي ردته خوفا من القتل ففي وجوب القضاء وجهان بناهما العراقيون علي المعنيين أن قلنا بالاول وجب القضاء لانه لا يجوز أن يكون اماما بحال لنقصان فيه وأن قلنا بالثاني لا يجب وهذا الثاني اصح عند صاحب التهذيب وجماعة ولو اقتدى برجل ثم بان أنه كان على بدنه أو ثوبه نجاسة فان كانت خفية فهو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 كما لو بان الحدث وأن كانت ظاهرة فقد قال امام الحرمين فيه احتمال عندي لانه من جنس ما يخفي وقوله في الكتاب ولو بان كونه أمرأة أو كافرا يعنى كافرا لا يستشر بكفره ومسألة الزنديق بعده توضحه وليكن قوله وجب القضاء معلما بالزاء لان عند المزني لا يجب القضاء لا فيما إذا بان أمرأة ولا فيما إذا بان كافرا * قال (ويصح الاقتداء بالصبى والعبد والاعمي وهو اولي (ح) من البصير لانه اخشع) في الفصل صور (احداها) الاقتداء بالصبى المميز صحيح خلافا لابي حنيفة ومالك واحمد رحمهم الله حيث قالوا الا يصح الاقتداء به في الفرض واختلفت الرواية عنهم في النفل لنا ما روى أن عمرو ابن سلمة " كان يؤم قومه علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع سنين " ولا خلاف في أن البالغ أولي منه (والثانية) الاقتداء بالعبد صحيح من غير كراهة لكن الحر اولي منه وعند ابي حنيفة أنه تكره امامته لنا ما روى أن عائشة رضي الله عنها كان يؤمها عبد لها لم يعتق يكنى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 ابا عمر وروى أنه صلي الله عليه وسلم قال " اسمعوا واطيعوا ولو أمر عليكم عبد اجدع ما اقام فيكم الصلاة " واعلم أن الصورتين فيما إذا اما في غير الجمعة فاما في الجمعة فسيأتي (الثالثة) امامة الاعمى صحيحة لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " استخلف ابن أم مكتوم رضى الله عنه في بعض غزواته يؤم الناس " وهل هو أولى من البصير أم كيف الحال فيه ثلاثة اوجه الذى ذكره في الكتاب ويحكي عن أبي اسحق المروزى أن الاعمي اولي لانه لا ينظر إلى ما يلهيه ويشغله فيكون ابعد عن تفرق القلب واخشع والثاني وبه قال أبو حنيفة أن البصير أولى لانه احفظ لبدنه وثيابه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 عن النجاسات ولانه مستقل بنفسه في الاستقبال وهذا اختيار الشيخ أبي اسحق الشيرازي (والثالث) وهو المنقول عن نصه في الام وغيره انهما سواء لتعارض المعنيين وهذا هو المذهب عند عامة الاصحاب ولم يورد الصيدلاني والامام وصاحب التهذيب سواه * قال (والافقه الصالح الذى يحسن الفاتحة أولي من الاقرأ والاورع والاسن والنسيب وفى الاسن والنسيب قولان لتقابل الفضيلة وإذا تساوت الصفات قدم بحسن الوجه ونظافة الثوب) ما ذكره في اول الفصل الثاني إلى هذا الموضع كلام فيمن يجوز الاقتداء به ومن لا يجوز ومن ههنا الي اخر الفصل كلام فيمن هو اولي بالامامة إذا اجتمع قوم يصلحون لها والاصل في التقديم بالفضائل ما روى أنه صلى الله عليه وسلم " قال يؤم القوم اقرأهم لكتاب الله تعالى فان كانوا في القراءة سواء فاعلمهم بالسنة وان كانوا في السنة سواء فاقدمهم في الهجرة فان كانوا في الهجرة سواء فاكبرهم سنا " وقد تعرض في الكتاب لخمس خصال من اصول خصال التقديم وهى الفقه والقراءة والورع والسن والنسب وابدل كثير من الاصحاب الورع بالهجرة وقالوا صفات التقديم خمس وجمع بينهما في التهذيب وضم اليهما الاربع البواقى فجعلها ستا اما الفقه والقراءة فالمراد منهما ظاهر واما الورع فليس المراد منه مجرد العدالة بل ما يزيد عليه من العفة وحسن السيرة وهو ايضا بين واما السن فقد قال الاصحاب المعتبر ان يمضي عليه في الاسلام فلا يقدم شيخ أسلم اليوم علي شاب نشأ في الاسلام ولا علي شاب أسلم أمس والظاهر أنه لا تعتبر الشيخوخة وانما النظر إلى تفاوت السن علي ما يشعر به قوله صلي الله عليه وسلم " فاكبرهم سنا " واشار بعضهم الي أن النظر الي الشيخوخة واما النسب فلا خلاف أن نسب قريش معتبر وهل يعتبر غيره قال في النهاية رأيت في كلام الائمة ترددا فيه والظاهر أنه لا يختص بالانتساب الي قريش بل نراعى كل نسب يعتبر في الكفاءة في باب النكاح كالانتساب الي العلماء والصلحاء وعلي هذا فالهاشمي والمطلبى يقدمان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 علي سائر قريش وسائر قريش يقدمون على غيرهم ثم يقدم العرب علي العجم واما الهجرة فمن هاجر الي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم علي من لم يهاجر ومن تقدمت هجرته يقدم علي من تأخرت هجرته وكذلك الهجرة بعد الرسول صلي الله عليه وسلم وسلم من دار الحرب الي دار الاسلام معتبرة واولاد من هاجر أو تقدمت هجرته يقدمون علي اولاد غيرهم وهذا التقديم في الاولاد يندرج تحت شرف النسب هذا مقدمة الفصل ويتلوها مسائل (احداها) لو اجتمع عدل وفاسق فالعدل أولي بالامامة وأن اختص الفاسق بزيادة الفقه والقراءة وسائر الفضائل لان الفاسق يخاف منه أن لا يحافظ علي الشرائط وفى لفظ الكتاب اشارة الي هذا حيث قال والافقه الصالح إلى اخره وشرط الصلاح في تقديم الافقه على غيره وبالغ مالك فمنع الاقتداء بالفاسق بغير تأويل كشارب الخمر والزاني وعنه روايتان في الفاسق بالتأويل كمن يسب السلف الصالح وعن احمد روايتان في جواز الاقتداء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 بالفاسق مطلقا (أصحهما) المنع ونحن اقتصرنا علي الكراهة وجوزناه لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " صلوا خلف كل بر وفاجر " ويمكنك أن تستدل بكراهة الاقتداء بالفاسق علي كراهة الاقتداء بالمبتدع بطريق الاولي لان فسق الفاسق يفارقه في الصلاة واعتقاد المبتدع لا يفارقه وهذا فيمن لا يكفر ببدعته اما من يكفر فلا يجوز الاقتداء به كما سبق وعد صاحب الافصاح من يقول بخلق القرآن أو بنفي شئ من صفات الله تعالي ممن يكفر وكذلك جعل الشيخ أبو حامد ومتابعوه المعتزلة ممن يكفر والخوارج ممن لا يكفر ويحكى تكفير القائل بخلق القرآن عن الشافعي رضى الله عنه واطلق كثير من الاصحاب منهم القفال القول بجواز الاقتداء باهل البدع وانهم لا يكفرون قال في العدة وهو ظاهر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 مذهب الشافعي رضى الله عنه لقوله صلى الله عليه وسلم " صلوا علي من قال لا اله الا الله وخلف من قال لا اله الا الله " (الثانية) قال صاحب التهذيب والتتمة الاورع اولي من الافقه والاقرأ لان الامامة سفارة بين الله تعالي وبين الخلق فأولاهم بها أكرمهم علي الله تعالى وروى مثله عن الشيخ ابى محمد وهذا خلاف ما ذكره في الكتاب فانه قدم الافقه على الاقرأ والاورع وهو أظهر وأوفق لاطلاق الاكثرين ووجهه ما سيأتي في تقديم الافقه على الاقرأ وينبغى ان يعلم لفظ الاورع بالواو لذلك (الثالثة) إذا اجتمع شخصان أحدهما لا يقرأ الا ما يكفى في الصلاة لكنه صاحب فقه كثير والآخر يحسن القرآن كله وهو قليل الفقه فظاهر المذهب وهو المذكور في الكتاب ان الافقه أولي خلافا لابي حنيفة واحمد حيث قالا الاقرأ اولى احتجاجا بالخبر الذى تقدم فانه قدم الاقرا علي الاعلم بالسنة وهو الافقه: لنا ان الواجب في الصلاة محصور والوقائع الحادثة في الصلاة غير محصورة فالحاجة إلى الفقه اهم واجاب الشافعي رضى الله عنه عن الاحتجاج بالخبر بان اهل العصر الاول كانوا يتفقهون قبل ان يقرؤا وما كان يوجد منهم قارئ الا وهو فقيه وإذا كان كذلك فالذي يقتضيه الخبر تقديم القارئ الفقيه على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 الفقيه الذى ليس بقارئ وذلك مما لا نزاع فيه وكذلك تقديم الجامع لهما علي القارئ الذي ليس بفقيه وحكي القاضي الرويانى وغيره وجها آخر ان الاقرأ والافقه يستويان لتقابل الفضيلتين فليكن قوله اولي من الاقرأ معلما بالواو مع الحاء والالف وانما قال الذى يحسن الفاتحة اشارة إلى ان الافقه لو لم يحسن الواجب من القراءة لا يكون أولي من الاقرأ وانما الاولوية بشرط ان يقرأ ما يجب (الرابعة) تقدم كل واحدة من خصلتي الفقه والقراءة علي السن والنسب والهجرة ونص في صلاة الجنازة علي تقديم الاسن علي الافقه كما سيأتي في موضعه فحكي صاحب النهاية ان العراقيين حكوا عن بعض الاصحاب جعل المسألتين على قولين نقلا وتخريجا فيجوز ان يعلم بالواو لذلك لفظ الاسن أيضا وإذا استويا فيهما فبماذا يقع التقديم اما المتعرضون للهجرة فقد اختلفت طرقهم قال الشيخ أبو حامد وجماعة لا خلاف في تقدم السن والنسب جميعا علي الهجرة وفى السن وفى النسب إذا تعارضا فاجتمع شاب قرشي وشيخ غير قرشي قولان (الجديد) ان الشيخ أولى لما روى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 انه صلي الله عليه وسلم قال " وليؤمكم أكبركم " ولان النسب فضيلة في الآباء والسن فضيلة في ذات الشخص واعتبار الفضيلة التى في ذاته أولي (والقديم) ان الشاب النسيب أولى لقوله صلي الله عليه وسلم " قدموا قريشا " ولان شرف النسب بفضيلة اكتسبها الاباء والسن مضي زمان لا اكتساب فيه واعتبار الفضيلة المكتسبة أولي وعكس صاحب التهذيب والتتمة الترتيب فقال الهجرة مقدمة علي السن والنسب وفيهما القولان وادرج آخرون منهم صاحب المهذب الهجرة في حكاية القولين فقالوا في الجديد يقدم بالسن ثم بالهجرة ثم في القديم يقدم بالنسب ثم بالهجرة ثم بالسن: واما صاحب الكتاب ومن لم يتعرض للهجرة اقتصروا على ذكر القولين في السن والنسب وطريقتهم توافق ما ذكره الشيخ أبو حامد فانهم يرجحون بالهجرة بعد السن والنسب لا محالة وان لم يعدوها من اصول الخصال ورجح جماعة من الاصحاب القول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 القديم في المسألة علي خلاف الغالب (الخامسة) إذا تساويا في جميع الصفات المذكورة قدم بنظافة الثوب والبدن عن الاوساخ وطيب الصنعة وحسن الصوت وما اشبهها من الفضائل لانها تفضى الي استمالة القلوب وكثرة الجمع وحكي الاصحاب عن بعض متقدمي العلماء انهم قالوا يقدم احسنهم واختلفوا في معناه منهم من قال احسنهم وجها وجعلوا له اعتبارا في التقديم ومنهم من قال المراد منه حسن الذكر بين الناس والاول هو المذكور في الكتاب ويجوز ان يعلم بالواو ثم ليس في لفظ الكتاب ما يوجب تقديم حسن الوجه علي نظافة الثوب ولا عكسه وفى التتمة انه تقدم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 النظافة ثم حسن الصوت ثم حسن الصورة * قال (واما باعتبار المكان فالوالي أولي من المالك والمالك أولي من غيره والمكترى أولي من المكري والمعير أولى من المستعير (ح م) والسيد أولى من العبد الساكن) ما ذكرنا من الاسباب المقدمة صفات في الشخص وقد يكون التقدم باعتبار اقتضاء المكان التقديم لا باعتبار صفة فيه فالوالى في محل ولايته أولي من غيره وان اختص ذلك الغير بالخصال التي سبقت روى انه صلى الله عليه وسلم قال " ولا يؤم الرجل الرجل في سلطانه " وكان ابن عمر رضى الله عنهما يصلى خلف الحجاج ويتقدم علي الامام الراتب في المسجد وكذلك يتقدم علي مالك الدار ونحوها إذا اجتمعوا في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 موضع مملوك ورضي المالك باقامة الجماعة فيه لان تقدم غيره بحضرته لا يليق ببذل الطاعة فان اذن فلا بأس ثم يراعى في الولاة تفاوت الدرجة فالامام الاعظم أولى من غيره ثم الاعلي فالاعلي من الولاة والحكام وحكى القاضي ابن كج وآخرون قولا آخر ان في المواضع المملوكة المالك أولي من الوالي فليكن قوله أولي من المالك معلما بالواو لذلك ولو اجتمع قوم في موضع مملوك وليس فيهم الوالي فساكن الموضع باستحقاق أولي بالتقديم والتقدم من الاجانب عن ذلك الموضع فان لم يكن اهلا للتقدم فهو أولي بالتقديم روى عن ابن مسعود رضى الله عنه انه قال " من السنة ان لا يؤمهم الا صاحب البيت " ولا فرق بين ان يكون الساكن عبدا أسكنه سيده فيه أو حرا مالكا كان أو مستعيرا أو مستأجرا ولو كانت الدار مشتركة بين شخصين وهما حاضران أو احدهما والمستعير من الآخر فلا يتقدم غيرهما الا باذنهما ولا احدهما الا باذن الآخر وان لم يحضر الا احدهما فهو الاحرى ولو اجتمع مالك الدار والمكتر فايهما أولي فيه وجهان نقلهما القاضي الرويانى وغيره (اصحهما) وهو المذكور في الكتاب أن المكتر أولي لان استحقاق المنافع له وهذا استيفاء للمنافع والثانى أن المكرى أولى لانه المالك للرقبة ولو اجتمع المعير والمستعير فقد نقل عن القفال اختلاف الجواب فيه قال مرة المعير أولي لانه يملك الرقبة ويملك الرجوع في المنفعة وقال مرة المستعير اولي لانه صاحب السكني الي أن يمنع وهذا ما ذكره آخرا ورجع إليه ولم يورد صاحب التهذيب سواه لكن الاظهر عند الائمة الاول وهو الذى ذكره في الكتاب واما إذا اجتمع السيد والعبد الساكن فالسيد أولي ولا يجئ فيه الخلاف المذكور في المعير والمستعير لان فائدة الكون ثم ترجع إلى المستعير فيجوز أن يدام له الحق ما لم يرجع المعير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 وفائدة سكون العبد في الدار ترجع إلى السيد ايضا لانه ملكه فإذا حضر وهو المالك والمنتفع بالسكون كان أولى ولا فرق بين المأذون في التجارة وغيره ولو حضر السيد والمكاتب في دار المكاتب فالمكاتب أولي ولو حضر قوم في مسجد له امام راتب فهو أولى من غيره فان لم يحضر بعد يستحب أن يبعث إليه ليحضر فان خيف فوات اول الوقت استحب أن يتقدم غيره * قال (الفصل الثالث في شرائط القدوة) (ويرجع ذلك الي شروط ستة (الاول) أن لا يتقدم في الموقف علي الامام فان فعل لم تنعقد (م و) صلاته والاحب أن يتخلف ولو ساواه فلا باس ثم ان ام باثنين اصطفا خلفه وأن ام بواحد وقف عن يمينه والخنثى يقف خلف الرجل والمرأة خلف الخنثي ويكره أن يقف المقتدى منفردا بل تستحب أن يدخل الصف أو يجر الي نفسه واحدا فان لم يفعل صحت صلاته مع الكراهية وإن تقابل الامام والمأموم داخل الكعبة فلا باس وان كان المأموم اقرب إلى الجدار في جهة من الامام ففيه وجه أنه لا يصح) * غرض الفصل الكلام في شروط الاقتداء ويتضمنها امور مستحبة ويعقبها فروع: فأما الشروط فقد عدها ستة (أحدها) ان لا يتقدم المأموم علي الامام في جهة القبلة فان تقدم ففيه قولان (الجديد) ان صلاته لا تنعقد كما لو كان متقدما عند التحرم وتبطل لو تقدم في خلالها وبهذا قال أبو حنيفة واحمد لان المخالفة في الافعال مبطلة على ما سيأتي وهذه المخالفة أفحش من المخالفة في الافعال وهذا هو الذى أورده في الكتاب (والقديم) وبه قال مالك انه لا يخل بالصلاة لانه خطأ في الموقف فاشبه الخطأ بالوقوف علي اليسار إذا عرفت حكم التقدم عرفت أن هذا الشرط مختلف فيه وادراجه في الشروط جواب علي الجديد والادب للمأموم انه يتخلف عن موقف الامام قليلا إذا كان واحدا فان أم به اثنان فصاعدا فيصطفون خلفه ويكون بينهم وبين الامام قدر من التخلف صالح كما سيأتي ولو ساوى الامام المأموم فلم يتخلف ولا تقدم صحت صلاته قال صاحب النهاية والتهذيب وغيرهما والاعتبار في المساواة والتقدم بالعقب فان المأموم قد يكون اطول فيتقدم رأسه عند السجود والقدم والاصابع قد تكون اطول ايضا فلذلك وقع الاعتبار بالعقب فان تحاذى عقب الامام وعقب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 المأموم أو تقدم عقب الامام جاز وإن كانت اصابع المأموم متقدمة ولو تقدم عقب المأموم فهو موضع القولين وإن كانت اصابعه متأخرة أو محاذية وذكر في التتمة وجها آخر أنه تصح صلاته نظرا إلى الاصابع وفى الوسيط ذكر الكعب بدل العقب والوجه الاول هذا فيمن بعد عن البيت اما إذا صلوا جماعة في المسجد الحرام فالمستحب أن يقف الامام خلف المقام ويقف الناس مستديرين بالكعبة فان كان بعضهم اقرب إليها نظر أن كان متوجها الي الجهة التي توجه إليها الامام ففيه القولان القديم والجديد وإن كان متوجها الي غيرها فطريقان عن أبى اسحق المروزى أنه علي القولين وقال اكثر الاصحاب يجوز قولا واحدا لان رعاية القرب والبعد في غير جهة الامام مما يشق وبهذا قال أبو حنيفة ولو وقف الامام والمأموم داخل الكعبة فهذه المسألة هي التى أوردها في آخر الفصل وحكمها أنه يجوز الاقتداء فيها مع اتحاد جهة الامام والمأموم ومع اختلاف الجهتين فان الكل قبلة ثم إن اتحدت الجهة وولى المأموم ظهره وجه الامام عاد القولان لانه اقرب إلى الجدار الذى توجها إليه وإن اختلفت الجهة وكان المأموم اقرب إلى الجدار الذى توجه إليه من الامام إلى ما توجه إليه وفرعنا على الجديد فوجهان (اظهرهما) أنه لا يجوز كما لو اتحدت الجهة وكان اقرب (واظهرهما) أنه يجوز لان اختلاف الجهة اعظم من تفاوت المسافة فإذا احتملنا ذلك فلا يبقى معه معنى النظر الي القرب والبعد (وقوله) فان كان المأموم اقرب إلى الجدار في جهته من الامام ففيه وجه انه يصح ما يشعر بترجيح الوجه الثاني لانه بين أنه لا باس بتقابل الامام والمأموم وهذا مطلق يتناول ما إذا كان المأموم أقرب الي الجدار وما إذا لم يكن ثم بين أن للاصحاب وجها آخر في الحالة الاولي ولك أن تقرأه علي وجه آخر فتقول وان كان المأموم أقرب وتعلقه بقوله فلا باس ثم تقول وفيه وجه أنه لا يصح ولو وقف الامام في الكعبة والمأموم خارجا يجوز وله التوجه الي أي جهة شاء ولو وقفا بالعكس جاز ايضا لكن لو توجه الي الجهة التي توجه إليها الامام عاد القولان لانه حينئذ يكون سابقا علي الامام ثم الفصل يشتمل علي مسألتين سوى ما ذكرنا (احداهما) لو لم يحضر مع الامام الا ذكر فان كان واحدا وقف علي يمين الامام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 بالغا كان أو صبيا ولو وقف علي يساره أو خلفه لم تبطل صلاته " وقف ابن عباس رضي الله عنهما علي يسار رسول الله صلي الله عليه وسلم فاداره إلى يمينه " فان جاء ماموم آخر وقف على يساره وأحرم ثم إن امكن تقدم الامام وتاخر المأمومين لسعة المكان من الجانبين تقدم أو تأخرا وأيهما اولى فيه وجهان (احدهما) وبه قال القفال أن تقدمه أولى لانه يبصر ما بين يديه فيعرف كيف يتقدم (واصحهما) ولم يذكر الاكثرون سواه أن تأخرهما أولي لما روى عن جابر رضى الله عنه قال " صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت عن يمنه ثم جاء آخر فقام عن يساره فدفعنا جميعا حتى اقامنا من خلفه " وإن لم يمكن الا التقدم أو التاخر لضيق المكان من أحد الجانبين حافظوا على الممكن وهذا في القيام أما إذا لحق الثاني في التشهد أو في السجود فلا تقدم ولا تأخر حتى يقوموا وإن حضر معه في الابتداء رجلان أو رجل وصبى قاما خلفه صفا واحدا وانه لم يحضر معه الا الاناث يصفهن خلفه سواء الواحدة والاثنتان والثلاث فصاعدا وإن حضر مع الامام رجل وامرأة قام الرجل عن يمينه وقامت المرأة خلف الرجل وان حضرت امرأة مع رجلين أو مع رجل وصبي قام الرجلان أو الرجل والصبى خلف الامام صفا وقامت المرأة خلفهما روى عن انس رضي الله عنه قال " صليت انا ويتيم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا وأم سليم خلفنا " وان كان معه رجل وامرأة وخنثى وقف الرجل عن يمنه والخنثى خلفهما لاحتمال أنه امرأة والمرأة خلف الخنثى لاحتمال انه رجل وإن حضر رجال وصبيان وقف الرجال خلف الامام في صف أو صفوف والصبيان خلفهم وعن بعض الاصحاب أنه يوقف بين كل رجلين صبيا ليتعلموا منهم افعال الصلاة ولو حضر معهم نساء اخر صف النساء عن صف الصبيان واما النساء الخلص إذا اقمن الجماعة فقد ذكرنا انهن كيف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 يقفن وكل هذا استحباب ومخالفته لا تؤثر في بطلان الصلاة بحال وقال أبو حنيفة إذا وقفت المرأة بجنب رجل وهما في صلاة واحدة بطلت صلاته إذا اجتمعا في الركوع وقبله لا يؤثر بل لو وقفت بجنبه وتقدم بخطوة قبل أن يركع لم بضر والمعنى بقوله في صلاة واحدة ان يكونا مقتديين بامام واحد أو تكون مقتدية به ثم ان كانا مقتديين بامام واحد بطلت صلاة من وقفت بجنبه دون صلاتها وان اقتدت به بطلت صلاته وصلاتها وصلاة جميع القوم قال فلو وقفت امرأة في خلال الصفوف بطلت صلاة رجل عن يمينها ورجل عن يسارها ورجل يحاذيها من خلفها ولو كان خلف صف النساء صف الرجال أو صفوف بطلت صلاتهم الا إذا كان صفهم اطول من صف النساء فيصح صلاة الخارجين عن محاذاة النساء وتصح صلاة الصفوف الاخر خلف ذلك الصف الطويل وساعدنا في صلاة الجنازة انه لا تبطل صلاة أحد ولا يخفى عليك بعد التفصيل الذى ذكرناه في آداب الموقف ان قوله في الكتاب ثم ان ام باثنيين اصطفا خلفه وان ام بواحد وقف علي يمينه يعني به من الذكور والا فقد يختلف الحكم واعلم ان التفصيل المذكور في أدب وقوف الرجال مفروض فيما إذا لم يكونوا عراة فاما العراة فيقفون صفا واحدا ويقف امامهم وسطهم وسببه ظاهر (المسالة الثانية) إذا دخل رجل والقوم في الصلاة فيكره ان يقف منفردا خلف الصف بل ان وجد فرجة أو سعة في الصف دخل الصف وله ان يخرق الصف الآخر ان لم يجد فرجة فيه ووجدها في صف قبله لانهم قصروا حيث لم يتموه ولو لم يجد فرجة أو سعة في الصف فما الذى يفعل حكى عن نصه في البويطى أنه يقف منفردا ولا يجذب الي نفسه احدا لانه لو جذب واحدا إلى نفسه لفوت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 عليه فضيلة الصف الاول ولاوقع الخلل في الصف وبهذا قال القاضي أبو الطيب ونقله في البيان عن مالك رضى الله عنه وقال أكثر الاصحاب أنه يجر الي نفسه واحدا لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل صلي خلف الصف " ايها المصلي هلا دخلت في الصف أو جررت رجلا من الصف فيصلى معك أعد صلاتك " قالوا وانما يجره بعد ان يتحرم بالصلاة ويستحب للمجرور ان يساعده وذلك مما يدل علي ان العمل القليل لا يبطل الصلاة والمذكور في الكتاب هذا الذى قاله الاكثرون فانه قال يدخل الصف أو يجر الي نفسه واحدا وليكن قوله أو يجر معلما بالميم والواو لما ذكرناه وعلي كل حال فلو وقف منفردا وصلي صحت صلاته خلافا لاحمد رضي الله عنه لظاهر الخبر الذى نقلناه ونحن حملناه على الاستحباب " لان ابا بكرة دخل والنبي صلي الله عليه وسلم راكع فركع قبل ان يصل الي الصف ثم دخل الصف فذكر ذلك للنبى صلي الله عليه وسلم فقال زادك الله حرصا ولا تعد " ولم يأمره بالاعادة مع انه اتى ببعض الصلاة منفردا خلف الصف ولفظ الكتاب في المسألة يشمل الداخل في اثناء الصلاة والحاضر في الابتداء واجراؤه على ظاهره جائز صحيح لكن الظاهر أنه اراد الداخل على ما ذكره في الوسيط الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 قال (الشرط الثاني الاجتماع في الموقف بين الامام والمأموم اما بمكان جامع كالمسجد فلا يضر فيه التباعد واختلاف البناء أو بالتقارب كقدر غلوة سهم يسمع فيها صوت الامام في الساحات المنبسطة ملكا كان أو وقفا أو مواتا مبنيا أو غير مبنى واما باتصال محسوس عند اختلاف البناء كما إذا وقف في بيت آخر علي يمين الامام فلا بد من اتصال الصف بتواصل المناكب ولو وقف في علو والامام في سفل فالاتصال بموازاة رأس احدهما ركبة الآخر وان وقف في بيت آخر خلف الامام فالاتصال بتلاحق الصفوف علي ثلاثة اذرع وذلك كاف على أصح الوجهين فان زاد علي ثلاثة أذرع لم تصح القدوة علي أظهر الوجهين) (فرع) لو كان الامام في المسجد والمأموم في موات فان لم يكن حائل صح علي غلوة سهم ولو كان بينهما حائل أو جدار لم يصح وان كان مشبك أو باب مردود غير مغلق فوجهان ولو كان بينهما شارع مطروق أو نهر لا يخوضه الا السابح فوجهان) * مما يجب معرفته في الفصل ان العلم بالافعال الظاهرة من صلاة الامام مما لا بد منه اتفق عليه الاصحاب وحكوه عن نص الشافعي رضي الله عنه ووجهوه بانه لو لم يعلمها لكانت صلاته موقوفة على صلاة من لا يتمكن من متابعته ثم العلم قد يكون بمشاهدة الامام أو بمشاهدة بعض الصفوف وقد يكون بسماع صوت الامام أو صوت المترجم في حق الاعمي والبصير الذى لا يشاهد لظلمة أو غيرها وقد يكون بهداية غيره ان كان اعمى أو كان أصم وهو في ظلمة وهذا في الحقيقة شرط من شروط القدوة زائد علي ما ذكره في الكتاب وحيث نحكم بجواز الاقتداء في الفصل عند بعد المسافة أو قربها مع الحائل أو دونه فذلك بعد حصول هذا الشرط إذا عرفت ذلك فنقول الامام والمأموم اما ان يكونا جميعا في المسجد أو لا يكون واحد منهما في المسجد أو يكون احدهما في المسجد والآخر خارجه فهذه ثلاثة اقسام ومتن الكتاب يشتمل عليها جميعا: اما الاول فمتي كان الامام والمأموم في مسجد واحد صح الاقتداء قربت المسافة بينها أو بعدت لكبر المسجد اتحد البناء الذى وقفا فيه أو اختلف كصفة المسجد وصحته وانما كان كذلك لان المسجد كله مبنى للصلاة واقامة الجماعة فيه فالمجتمعون فيه مجتمعون لاقامة الجماعة مؤدون لشعارها فلا يضرهم بعد المسافة واختلاف الابنية فلو كان احدهما على المنارة المبنية في المسجد والاخر في سرداب فيه صحت الصلاة وكذا لو كان الامام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 في المسجد والمأموم على السطح يجوز إذا تأخر موقف المأموم عن موقف الامام أو حازاه فان تقدم ففيه القولان السابقان في تقدم المأموم علي الامام وقد روى " أن ابا هريرة رضى الله عنه صلي على ظهر المسجد بصلاة الامام في المسجد " ثم لا يخفى أن المسألة مفروضة فيما إذا كان السطح من المسجد اما لو كان السقف مملوكا فليست المسألة من هذا القسم وانما هي بمثابة ملك متصل بالمسجد وقف احدهما فيه والبنا آن من المسجد الواحد لابد وان يكون باب احدهما نافذ الي الثاني والا فلا يعدان مسجدا واحدا وإذا كان كذلك فلا فرق بين ان يكون الباب بينهما مفتوحا أو مردودا مغلقا أو غير مغلق وحكي في النهاية وجها آخر انه لو كان الباب بينهما مغلقا لم يجز الاقتداء لان الامام والمأموم حينئذ لا يعدان مجتمعين ونقل القاضى ابن كج عن ابى الحسين بن القطان مثل ذلك فيما إذا كان أحدهما علي السطح وكان باب المرقى مغلقا وكل واحد منها زيف ما حكاه (وقوله) في الكتاب اما بمكان جامع الي ان قال واختلاف البناء هذا كلام القسم الاول وأراد بكونه جامعا انه لابد وان يكون الامام والمأموم مجتمعين في الموقف علي ما ترجم هذا الشرط به ومن اسباب الاجتماع ان يكون الموضع مبنيا للصلاة فيكون جامعا لهما وان اختلف البناء وبعدت المسافة ولعله لو قال وهو المسجد بدل قوله كالمسجد لكان أحسن لان الكاف للتشبيه والتمثيل ولا مكان سوى المسجد يكون جامعا ثم لك مباحثة في قوله كالمسجد وهى ان تقول اللفظ يشمل المسجد الواحد والمسجدين (فما قولكم فيما) إذا وقف هذا في مسجد وذاك في مسجد اخر متصل به أو غير متصل ايكون الحكم كالحكم فيما لو وقفا في مسجد واحد أو لا يكون كذلك وظاهر اللفظ متروك (والجواب) ان ابا سعيد المتولي رحمه الله ذكر فيما إذا كان بين مسجديين طريق فاصل أن ظاهر المذهب انه ليس حكمهما حكم المسجد الواحد وفى التهذيب انه لو كان بين الامام والمأموم الواقفين في المسجد نهر ان حفر بعد بناء المسجد فالنهر مسجد ايضا فلا يضر وان حفر قبله فهما مسجدان غير متصلين فلا بد من اتصال الصف من احدهما إلى الاخر فافاد ما ذكراه ان الطريق والنهر يوجبان تغاير حكم المسجد وتمايزهما وإذا كان كذلك فالجدار الحائل بين مسجدين لا ينفذ باب احدهما إلى الآخر اولى ان يكون موجبا لتغاير الحكم وفى كلام الشيخ ابي محمد انه لو كان في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 جوار المسجد مسجد آخر ينفرد بامام ومؤذن وجماعة فيكون حكم كل واحد منهما بالاضافة إلى الثاني كالملك المتصل بالمسجد وهذا كالضابط الفارق بين المسجد الواحد والمسجدين وظاهره يقتضي تغاير الحكم إذا انفرد بالامور المذكورة وان كان باب احدهما لافظا الي الثاني والله اعلم * واما رحبة المسجد فقد عدها الاكثرون منه ولم يذكروا فرقا بين ان يكون بينها وبين المسجد طريق أو لا يكون ونزلها القاضى ابن كج إذا كانت منفصلة منزلة مسجد آخر وقوله واختلاف البناء يجوز أن يعلم بالواو لانه يشمل ما إذا كان بينهما باب مغلق وقد حكينا فيه خلافا (القسم الثاني) ان لا يكون واحد منها في المسجد فلهما حالتان (احداهما) ان يكونا في فضاء واحد ويشتمل عليها قوله أو بالتقارب الي قوله غير مبني وحكمها ان يجوز الاقتداء بشرط القرب وهو أن لا يزيد بين الامام والمأموم الذي يليه علي ثلثمائة ذراع ومم اخذ هذا التقدير: اختلفوا فيه فعن ابن خيران وابن الوكيل وبه قال الاكثرون أنه اخذ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 عرف الناس وعادتهم لان المكان إذا اتسع ولا حائل يعده المتباعدان ضربا من البعد مجتمعين وعن ابن سريج وأبى " اسحق أنه اخذ من صلاة رسول الله صلي الله عليه وسلم بذات الرقاع فانه تنحي بطائفة إلى حيث لا تصيبهم سهام العدو وصلي بهم ركعة وانصرفت الطائفة إلى وجه العدو وهم في الصلاة علي حكم الاقتداء وسهام العرب لا تبلغ اكثر من القدر المذكور " واعلم أن هذه الكيفية في صلاة ذات الرقاع رواها ابن عمر رضي الله عنهما والذى ذكرها المصنف في صلاة الخوف غير هذه وسنذكرهما إن شاء الله تعالي: ثم القدر المذكور من أي شئ اخذ معتبر بالتقريب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 على اصح الوجهين لا بالتحديد ولو وقف شخصان أو صفان خلف الامام فالمسافة المذكورة تعتبر بين الصف الاخير وبين الصف الاول ويجوز أن تكثر الصفوف ويبلغ ما بين الامام والصف الاخير فرسخا وحكى وجه أنها تعتبر بين الامام والصف الاخير إذا لم تكن الصفوف القريبة من الامام متصلة على العادة ولا باس بان يكون بين الامام والمأموم أو بين الصفين نهر يمكن العبور من احد طرفيه الي الاخر من غير سباحة اما بالوثوب فوقه أو المشي فيه أو علي جسر ممدود علي متنه وان كان يحتاج فيه الي السباحة أو كان بينهما شارع مطروق فوجهان (اصحهما) أن ذلك لا يضر ايضا كما لو كانا في سفينتين علي ما سيأتي ولا فرق في الحكم الذى ذكرناه بين أن يكون الفضاء مواتا كله أو وقفا كله أو ملكا كله أو بعضه مواتا وبعضه وقفا أو ملكا قال في النهاية وذكر شيخي وغيره وجها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 آخر أن في الساحة المملوكة يشترط اتصال الصفوف كما سيأتي بخلاف الموات لانه يشبه المسجد من حيث إنه مشترك بين الناس وليس الملك كذلك وإذا قلنا بظاهر المذهب فلا فرق بين أن تكون الساحة ملكا لشخص واحد وبين أن تكون لشخصين ونقل الصيدلاني وغيره وجها آخر أنه لو وقف احدهما في ملك زيد والآخر في ملك عمرو يشترط اتصال الصف من احد الملكين بالثاني وقوله في الكتاب أو بالتقارب كقدر غلوة سهم يسمع فيها صوت الامام في الساحات المنبسطة فيه تقديم وتأخير: المعني أو بالتقارب في الساحات المنبسطة كقدر غلوة السهم ويجوز أنه يعلم قوله بالتقارب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 بالميم لان الغرض من اعتبار القرب في الساحات وأنه لا يكتفى بوقوف المأموم علي حركات الامام وانتقالاته وقد قال امام الحرمين بلغت عن مالك رضي الله عنه أنه ذهب في الباب الي مذهب عطاء واشتهر عن عطاء رحمه الله أنه يكتفى بالعلم بحركات الامام في جميع الاماكن ونقل عن مالك أنه يستثنى الجمعة فلا يكتفي فيها بذلك وقوله كقدر غلوة سهم ليس للتمثيل المحض وانما المراد تقديم القرب كما سبق وقوله يسمع فيها صوت الامام ليس لاشتراط ذلك في الغلوة وانما هو اشارة إلى أن القدر المذكور يبلغ فيه صوت الامام إذا جهر لتبليغ المأموم الجهر المعتاد في مثله وإذا كان كذلك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 كانا مجتمعين متواصلين فلذلك قدر القرب به (وقوله) ملكا معلم بالواو لما تقدم (وقوله) مبنيا أو غير مبنى أي محوطا أو غير محوط ويجوز أن يريد المسقف وغير المسقف فان الصفة الكبيرة والبيوت الواسعة داخلة في هذه (الحالة الثانية) أن لا يكون في فضاء واحد (وقوله) واما باتصال محسوس إلى رأس الفرع كلام في هذه الحالة فنقول: إذا وقف الامام في صحن الدار أو في صفتها والمأموم في بيت أو بالعكس فموقف المأموم قد يكون على يمين موقف الامام أو يساره وقد يكون خلفه وفيهما طريقان للاصحاب (احدهما) أن في الصورة الاولي يشترط في جواز الاقتداء أن يكون الصف متصلا من البناء الذى فيه الامام إلى البناء الذى فيه المأموم بحيث لا تبقى فرجة تسع واقفا لان اختلاف البناء يوجب كونهما مفترقين فلا بد من رابطة يحصل بها الاتصال فان بقيت فرجة لا تسع واقفا فوجهان (اصحهما) أنه لا يضر لانه معدود صفا واحدا فلو كان بينهما عتبة عريضة يمكن أن يقف عليها رجل وجب أن يقف عليها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 واحد واثنان من جانبيها وإن كانت بحيث لا يمكن الوقوف عليها فعلى الوجهين في الفرجة اليسيرة واما في الصورة الثانية ففي جواز الاقتداء وجهان (احدهما) المنع لما ذكرنا أن اختلاف البناء يوجب افتراقهما وانما جوزنا في اليمين واليسار لان الاتصال المحسوس بتواصل المناكب فيه ممكن (وأظهرهما) الجواز إذا اتصلت الصفوف وتلاحقت لان هذا هو القدر الممكن فيه وكما تمس الحاجة إلى الاقتداء في بناء آخر علي اليمين واليسار تمس إليه في بناء آخر خلفه فيكتفى فيه بالممكن ومعنى اتصال الصفوف أن يقف رجل أو صف في آخر البناء الذى فيه الامام ورجل أوصف في اول البناء الذى فيه المأموم بحيث لا يكون بينهما اكثر من ثلاثة اذرع وهذا القدر هو المشروع بين الصفين وإذا وجد هذا الشرط فلو كان في بناء المأموم بيت علي اليمين أو اليسار اعتبر الاتصال بتواصل المناكب فهذه طريقة وبها قال القفال واصحابه وكلام القاضي ابن كج يوافقهما وقد حكي اصلها أبو علي صاحب الافصاح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 عن بعض الاصحاب لكنه اختار (الثانية) التي نذكرها (والثالثة) أنه لا يشترط اتصال الصف الواحد ولا اتصال الصفوف في الصورة الثانية بل المعتبر القرب والبعد على الضبط المذكور في الصحراء وهذا إذا كان بين البنائين باب نافذ فوقف بحذائه صف أو رجل أو لم يكن جدار اصلا كا الصفة مع الصحن ولو كان بينهما حائل يمنع الاستطراق دون المشاهدة كالمشبكات فقذ ذكروا فيه وجهين وإن كان يمنع الاستطراق والمشاهدة جميعا لم يجز الاقتداء باتفاق الطريقين نعم إذا صح اقتداء الواقف في البناء الاخر اما بشرط الاتصال أو دونه فتصح صلاة الصفوف خلفه وإن كان بينهم وبين البناء الذى فيه الامام جدار تبعا له وهم معه كالمأمومين مع الامام حتي لا يجوز صلاة من بين يديه وإن كان متأخرا عن سمت موقف الامام إذا لم نجوز التقدم علي الامام وهو الصحيح وعن القاضي الحسين تفريعا علي هذا الاصل أنه لا يجوز أن يتقدم تكبيرهم علي تكبيره وهذه الطريقة الثانية حكاها الشيخ أبو محمد عن أصحاب ابي اسحق المروزى وهي التى يوافقها كلام معظم اصحابنا العراقيين لو وقف الامام في الدار والمأموم في مكان عال من سطح أو طرف صفة مرتفعة أو بالعكس منه فبماذا يحصل الاتصال ذكر الشيخ أبو محمد أنه إن كان رأس الواقف في السفل يحاذي ركبة الواقف في العلو جاز الاقتداء وان زاد عليه امتنع وقال الاكثرون إن حاذى رأس من في السفل قدم من علي العلو حصل الغرض وجاز الاقتداء قال امام الحرمين وهذا هو المقطوع به ولست ارى لذكر الركبة وجها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 أما اعتبار محاذاة شئ من بدن هذا شيئا من بدن ذاك فمعقول وإذا كان الانخفاض والارتفاع قدر مالا يمنع القدوة فلو كان بعض الذين يحصل بهم الاتصال عند اختلاف البنائين علي سرير أو متاع وبعضهم على الارض لم يضر ولو كانوا في البحر والمأموم في سفينة والامام في اخرى وهما مكشوفتان فظاهر المذهب أنه يصح الاقتداء إذا لم يزد ما بين الامام والمأموم على ثلثمائة ذراع كما في الصحراء والسفينتان كدكتين في الصحراء يقف الامام علي احداهما والمأموم علي الاخرى وقال الاصطخرى يشترط أن تكون سفينة المأموم مشدودة بسفينة الامام ليؤمن من تقدمها عليه وإن كانت السفينتان مسقفتين فهما كالدارين والسفينة التي فيها بيوت كالدار التى فيها بيوت وحكم المدارس والخانات والرباطات حكم الدور والسرداقات في الصحراء كالسفن المكشوفة والخيام كالبيوت إذا عرفت ذلك فاعلم أن قوله فيما إذا وقف في بيت على يمين الامام فلا بد من تواصل المناكب (جواب) علي الطريقة الاولي وينبغي أن يعلم بالواو لمكان الثانية وبالميم لما سبق حكايته عن مالك وبالحاء لانه عن ابى حنيفة فيما حكى الشيخ أبو محمد وغيره لا يشترط اتصال الصفوف (وقوله) فيما إذا وقف احدهما في علو والآخر في سفل الاتصال بموازاة رأس المتسفل ركبة العالي (جواب) علي ما سبق نقله عن الشيخ ابى محمد وقد عزاه الشيخ الي نص الشافعي رضي الله عنه ويجب اعلامه أو بالواو لما تقدم وزيد في بعض النسخ لو قدر لكل واحد منهما قامة معتدلة وهذا اشارة إلى أنه لو كان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 قصيرا أو قاعدا لكن لو قام فيه رجل معتدل القامة تحصل المحاذاة كفى ذلك واعتبار القامة المعتدلة لكل واحد منهما انما ينتظم علي الوجه الناظر الي الركبة فاما إذا نظرنا الي القدم فلا يعتبر ذلك في حق العالي (وقوله) فالاتصال بهذا ليس علي معني أن كل الاتصال المطلوب يحصل بهذا القدر وانما المراد أن هذا لا بد منه حتى لو وقف المأموم علي صفة مرتفعة والامام في الصحن فلا بد علي الطريقة المذكورة في الكتاب من وقوف رجل على طرف الصفة ووقوف آخر في الصحن متصلا به (وقوله) فالاتصال بتلاحق الصفوف يعنى أن القدر الممكن فيما إذا كان البيت خلف الامام هذا النوع من الاتصال وهل هو كاف ام لا ويمتنع الاقتداء رأسا فيه الوجهان والاذرع الثلاث معتبرة بالتقريب فلو زاد شئ لا يتبين في الحس ما لم يدرع فلا باس به (وقوله) وإن زاد علي ثلاثة اذرع لم تصح القدوة علي اظهر الوجهين (الوجه الثاني) هو الطريقة الثانية التي شرحناها وقد تعرض لها في هذه الصورة ولم يتعرض لها فيما إذا كان البيت على يمين الامام فاعرف ذلك (القسم الثالث) أن يكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 احدهما في المسجد والآخر خارجه والفرع الباقي من الفصل يشتمل على بعض صوره وهو ما لو وقف الامام في مسجد والمأموم في موات متصل به فينظر إن لم يكن بين الامام والمأموم حائل فلا يشترط اتصال الصف لصحة الاقتداء ولكن يجب أن يقف في حد القرب وهو ما دون ثلثمائة ذراع علي ما سبق في الصحراء ومن اين تعتبر المسافة فيه وجهان (احدهما) وبه قال صاحب التلخيص انها تعتبر من آخر صف في المسجد فان لم يكن فيه الا الامام فمن موقف الامام لان الاتصال مرعي بينه وبين الامام لا بينه وبين المسجد (واظهرهما) انها معتبرة من آخر المسجد لان المسجد مبنى للصلاة فلا يدخل في الحد الفاصل ولهذا لو بعد موقف المأموم فيه لم يضر وفيه وجه ثالث أنه لو كان للمسجد حريم والموات وراءه فالمسافة تعتبر من الحريم وحريم المسجد هو الموضع المتصل به المهيأ لمصلحته كانصباب الماء إليه وطرح الثلج والقمامات فيه (وقوله) فان لم يكن الحائل يدخل فيه ما إذا لم يكن بين المسجد والموات جدار اصلا وما إذا كان بينهما جدار لكن الباب النافذ بينهما مفتوح فوقف بحذائه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 والحكم في الحالتين واحد ثم لو اتصل الصف بمن وقف في المحاذاة وخرجوا عن المحاذاة جاز ولو يكن في الجدار باب نافذ أو كان ولم يقف بحذائه بل عدل عنه ففيه وجهان عن الشيخ ابى اسحق المروزي أنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 لا يمتنع الاقتداء فانه من جملة اجزاء المسجد وقال الجمهور يمنع لافتراقهما بسبب الحائل والوجهان في جدار المسجد فاما غيره فيمنع الاقتداء بلا خلاف (وقوله) وان كان بينهما جدار لم يصح يجوز أن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 يريد بين المسجد والموات ويجب تقييده بما إذا لم يكن بينهما باب نافذ ويجوز أن يريد بين الامام والمأموم وحينئذ يجب تقييده بما إذا لم يكن باب نافذ أو كان ولم يقف بحذائه احد والا فالاقتداء صحيح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 وعلى التقديرين فقوله لم يصح معلم بالواو لما نقل عن ابي اسحق وبالميم لما سبق عن مالك ولو كان بينهما باب مردود مغلق فهو كالجدار لانه يمنع الاستطراق والمشاهدة ولو كان غير مغلق فهو مانع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 من المشاهدة دون الاستطراق ولو كان بينهما مشبك فهو مانع من الاستطراق دون المشاهدة ففى الصورتين وجهان (احدهما) أنه لا يمنع الاقتداء لحصول الاتصال من وجه وهذا أصح عند امام الحرمين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 واظهرهما عند صاحب التهذيب والرويانى والاكثرين أنه يمنع لحصول الحائل من وجه وجانب المنع أولى بالتغليب هذا كله في الموات المتصل بالمسجد ولو وقف في شارع متصل بالمسجد فهو كالموات كذلك ذكره الشيخ أبو محمد وفيه وجه أنه يشترط اتصال الصف بين المسجد والطريق ولو وقف في حريم المسجد فقد ذكر في التهذيب أنه كالموات لانه ليس بمسجد وذكر أيضا أن الفضاء المتصل بالمسجد لو كان مملوكا فوقف المأموم فيه لم يجز الاقتداء به حتي يتصل الصف من المسجد بالفضاء وكذلك يشترط اتصال الصف من سطح المسجد بالسطح المملوك وكذلك لو وقف في دار مملوكة متصلة بجنب المسجد يشترط اتصال الصف بان يقف رجل في آخر المسجد متصلا بعتبة الدار واخر في الدار متصلا بالعتبة بحيث لا يكون بينهما موقف رجل وهذا الذى ذكره في الفضاء غير صاف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 عن الاشكال لان حكم الفضاء المملوك والموات واحد في ظاهر المذهب كما سبق فليكن الفضاء المملوك المتصل بالمسجد كالموات: واما في الدور فالذي ذكره مثل الطريقة المذكورة في الكتاب في البنائين المملوكين وحكى العراقيون عن أبي اسحق أنه إذا صلى الرجل في بيته وبينه وبين المسجد جدار المسجد صح كما سبق في الموات وقال أبو على الطبري في الافصاح لا يشترط اتصال الصفوف إذا لم يكن حائل ويجوز الاقتداء إذا وقف في حد القرب واما قوله في الكتاب ولو كان بينهما شارع الي آخره فهذه المسألة لا تختص بما إذا وقف الامام المسجد والمأموم في الموات بل يجرى فيه وفيما إذا كان في الصحراء وغيرها ما لم يكونا في المسجد على ما تقدم والمحكى عن مالك انهما لا يمنعان الاقتداء وعن ابي حنيفة واحمد انهما يمنعان وصورة الوجهين فيما إذا كان الامام في المسجد والمأموم في الموات أن يكون النهر في الموات: أما إذا كان في المسجد فقد سبق بيانه والله اعلم * قال (الثالث نية الاقتداء فلو تابع من غير نية بطلت صلاته ولا يجب تعيين الامام لكن لو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 عين واخطأ بطلت صلاته ولا يجب موافقة نية الامام والمأموم بل يقتدى (ح م و) في الفرض بالنفل وفى الاداء بالقضاء وعكسهما ولا تجب نية الامامة علي الامام وأن اقتدى (ح) به النساء فلو خطأ في تعيين المقتدى لم يضر لان اصل النية غير واجب عليه) في الفصل ثلاث مسائل (احداها) أن من شروط الاقتداء أن ينوى المأموم الجماعة أو الاقتداء والا فلا تكون صلاته صلاة جماعة إذ ليس للمرء من عمله الا ما نواه وينبغي أن تكون مقرونة بالتكبير كسائر ما ينويه من صفات الصلاة وإذا ترك نية الاقتداء انعقدت صلاته منفردا ثم لو تابع الامام في افعاله فهل تبطل صلاته فيه وجهان نقلهما صاحب التتمة وغيره (احدهما) لا لانه اتي بواجبات الصلاة وليس فيه الا أنه قارن فعله فعل غيره (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب نعم لانه وقف صلاته على صلاة غيره لا لاكتساب فضيلة الجماعة وفيه ما يشغل القلب ويسلب الخشوع فيمنع منه وإذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 فرعنا علي هذا الوجه فلو شك في نية الاقتداء في اثناء الصلاة نظر أن تذكر قبل أن أحدث فعلا على متابعة الامام لم يضر وأن تذكر بعد ما احدث فعلا علي متابعته بطلت صلاته لانه في حالة الشك في حكم المنفرد وليس للمنفرد أن يتابع غيره في الافعال حتى لو عرض هذا الشك في التشهد الاخير لا يجوز أن يقف سلامه علي سلام الامام هكذا نقل صاحب التهذيب وغيره وهو مقيس بما إذا شك في اصل النية وقياس ما ذكره في الكتاب في تلك المسألة أن يفرق بين أن يمضى مع هذا الشك ركن لا يزاد مثله في الصلاة وبين أن يمضى غيره ويمكنك ان تستفيد من لفظ الكتاب في المسألة فائدتين (احداهما) أن تبحث فتقول اللفظ مطلق يشمل صلاة الجمعة وغيرها فهل تجب فيها نية الجماعة ايضا جريا على اطلاق اللفظ ام لا والجواب انهم حكوا فيه وجهين (احدهما) لا لان صلاة الجمعة لا تصح الا بالجماعة فلا حاجة الي التعرض لها (واصحهما) نعم لتتعلق صلاته بصلاة الامام فعلى هذا الاصح اللفظ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 مجرى علي اطلاقه (الثانية) في قوله فلو تابع من غير نية ما ينبه علي أن الحكم بالبطلان فيما إذا انتظره ليركع عند ركوعه ويسجد عند سجوده فاما إذا اتفق انقضاء افعاله مع انقضاء افعال الامام ولم ينتظر فهذا الا يسمي متابعة وهو غير مبطل للصلاة ذكره في العدة وشيئا آخر وهو أن الوجهين في البطلان فيما إذا طال الانتظار فاما الانتظار اليسير فلا يؤثر ثم لا يجب علي المأموم أن يعين في نيته الامام بل يكفى نية الاقتداء بالامام الحاضر فان مقصود الجماعة لا يختلف ولو عين وأخطأ بان نوى الاقتداء بزيد فبان انه عمر وبطلت صلاته كما لو عين الميت في صلاة الجنازة واخطأ لا تصح صلاته ولو نوى الاقتداء بالحاضر واعتقده زيدا فكان غيره رأى امام الحرمين تخريجه علي الوجهين فيما إذا قال بعتك هذا الفرس واشار إلى الحمار (الثانية) اختلاف نية الامام والمأموم فيما يأتيان به من الصلاة لا يمنع صحة الاقتداء بل يجوز للمؤدى أن يقتدى بالقاضي وبالعكس وللمفترض أن يقتدى بالمتنفل وبالعكس خلافا لابي حنيفة حيث قال لا يجوز اقتداء المتنفل بالمفترض وبه قال احمد في اصح الروايتين وكذلك مالك ويروى عنه المنع مطلقا * واحتج الشافعي رضى الله عنه بما روى عن جابر رضى الله عنه قال " كان معاذ رضى الله عنه يصلى مع النبي صلي الله عليه وسلم العشاء ثم ينطلق الي قومه فيصليها بهم هي له تطوع ولهم مكتوبة العشاء " * واحتج المزني بأنه إذا جاز النفل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 خلف من يصلي الفرض جاز الفرض خلف من يصلي النفل قال الاصحاب والجامع انهما صلاتان متفقتان في الافعال الظاهرة (الثالثة) لا يشترط لصحة الاقتداء أن ينوى الامام الامامة سواء اقتدى به الرجال أو النساء خلافا لاحمد حيث اشترط ذلك ولابي حنيفة حيث قال أن ام نساء لا تصح صلاتهن ما لم ينو امامتهن وانما قصد حجة الاسلام بقوله وأن اقتدت به النساء التعرض لمذهبه لنا على احمد ما روى عن انس رضي الله عنه قال " اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فوقفت خلفه ثم جاء آخر حتى صرنا رهطا كثيرا فلما احس النبي صلي الله عليه وسلم بنا اوجز في صلاته ثم قال انما فعلت هذا لكم " ويروى أن عمر كان يدخل فيرى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 ابا بكر رضى الله عنه في الصلاة فيقتدى به وكان أبو بكر يفعل مثل ذلك إذا رآى عمر رضى الله عنه يصلي وعلى " ابى حنيفة القياس علي ما إذا أم رجلا وإذا لم ينو الامام صحت صلاته بخلاف المأموم فان صلاته انما تبطل بتوقيفه اياها على افعال من ليس اماما له وههنا افعال الامام غير مربوطة بغيره وهل تكون صلاته جماعة حتى ينال بها فضيلة الجماعة فيه وجهان (احدهما) نعم لتأدى شعار الجماعة بما جرى وأن لم يكن عن قصد منه (واصحهما) لا إذ ليس للمرء من عمله الا ما نوى ويقال ان القفال سئل عمن كان يصلي منفردا فاقتدى به قوم وهو لا يدرى هل ينال فضيلة الجماعة فقال الذى يجاب به على فضل الله تعالي أنه ينالها لانهم بسببه نالوها وهذا كالتوسط بين الوجهين ومن فوائد الوجهين أنه إذا لم ينو الامامة في صلاة الجمعه هل تصح جمعته (والاصح) انهما لا تصح وبه قال القاضى الحسين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 وعلى هذا فقوله في الكتاب ولا تجب نية الامامة علي الامام غير مجرى على اطلاقه بل الجمعة مستئناة عنه واعلم أن ابا الحسن العبادي حكى عن ابي حفص البابشامي وعن القفال أنه تجب نية الامامة علي الامام واشعر كلامه بانهما يشترطانها في صحة الاقتداء فان كان كذلك فليكن قوله ولا تجب نية الامامة علي الامام معلما بالواو مع الالف ولو نوى الامام الامامة وعين في نيته المقتدى فبان خلافه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 لم يضر لان غلطه في النية لا يزيد علي تركها اصلا ورأسا ولو تركها لم يقدح علي ما سبق بخلاف ما إذا اخطأ المأموم في تعيين الامام فان أصل النية واجب عليه * قال (الشرط الرابع توافق نظم الصلاتين فلا يقتدى في الظهر بصلاة الجنازة وصلاة الخسوف ويقتدى في الظهر بالصبح ثم يقوم عند سلام الامام كالمسبوق فان اقتدى في الصبح بالظهر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 صح علي احد الوجهين ثم يتخير عند قيام الامام الي الثالثة بين ان يسلم أو ينتظر الامام إلى الآخر) لو اختلف صلاتا الامام والمأموم في الافعال الظاهرة كما لو اقتدى في فريضة بمن يصلي الجنازة أو الخسوف هل يجوز: فيه وجهان (اصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه لا يجوز لتعذر المتابعة مع المخالفة في الافعال (والثاني) ويحكى عن القفال أنه يجوز لان المقصود من الاقتداء اكتساب الفضيلة وكل يراعى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 واجبات صلاته فعلي هذا إذا اقتدى بمن يصلي الجنازة لا يتابعه في التكبيرات والاذكار بينها بل إذا كبر الامام الثانية يخير بين أن يخرج نفسه عن المتابعة وبين أن ينتظر سلام الامام وإذا اقتدى بمن يصلي صلاة الخسوف يتابعه في الركوع الاول ثم إن شاء رفع رأسه معه وفارقه وإن شاء انتظره قال امام الحرمين وانما ينتظره في الركوع إلى أن يعود إليه الامام ثم يعتدل معه عن ركوعه الثاني ولا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 ينتظره بعد الرفع لما فيه من تطويل الركن القصير وان اتفقت الصلاتان في الافعال نظر إن توافقت عدد الركعات كالاقتداء في الظهر بالعصر أو بالعشاء جاز وإن كان عدد ركعات الامام أقل كما لو اقتدى في الظهر بالصبح جاز ايضا لان متابعة الامام فيما يأتي به متيسرة ثم إذا تمت صلاة الامام قام المأموم واتم صلاته كما يفعله المسبوق ويتابع الامام في القنوت كما لو ادرك الامام في الصبح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 في الركعة الثانية يتابعه في القنوت ولو ازاد أن يفارقه إذا اشتغل بالقنوت فله ذلك ولو اقتدى في الظهر بالمغرب فإذا انتهى الامام إلى الجلسة الاخيرة بخبر المأموم بين المتابعة والمفارقة كما في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 القنوت وإن كان عدد ركعات الامام اكثر كالاقتداء في الصبح بالظهر ففى المسألة طريقان احدهما وهو المذكور في الكتاب أن فيها قولين احدهما أنه لا يصح الاقتداء لانه يحتاج الي الخروج عن صلاة الامام قبل فراغه بخلاف ما إذا كانت صلاته اطول فانه لا يفارق الامام ما دام في صلاته واصحهما أنه يصح كما في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 الصورة السابقة والجامع انهما صلاتان متفقتان في النظم: والطريق الثاني القطع بهذا القول الثاني قال في التهذيب وهو الاصح وإذا فرعنا عليه فإذا قام الامام إلى الركعة (الثالثة) فهو بالخيار إن شاء فارقة وسلم وإن شاء انتظره حتى يسلم معه وإن امكنه أن يقنت في الركعة الثانية فان وقف الامام يسيرا فذاك والا تركه ولا شئ عليه وله أن يخرج عن متابعته ويقنت ولو اقتدى في المغرب بالظهر فإذا قام الامام الي الرابعة لم يتابعه المأموم بل يجلس للتشهد ويفارقه فإذا تشهد سلم وهل له أن ينتظره قال في النهاية ظاهر المذهب أنه ليس له ذلك لانه احدث تشهدا لم يفعله الامام بخلاف الصورة السابقة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 فانه وافق الامام في تشهده ثم استدامه ومنهم من أطلق وجوب الانتظار في الصورتين ولو صلي العشاء خلف من يصلى التراويح جاز كما في اقتداء الظهر بالصبح وقد نقله الشافعي رضي الله عنه عن فعل عطاء ابن ابي رباح رضي الله عنه ثم إذا سلم الامام قام الي باقي صلاته والاولي أن يتم منفردا فلو قام الامام إلى ركعتين أخريين من التراويح فاقتدى به مرة أخرى هل يجوز فيه القولان اللذان نذكرهما فيمن احرم منفردا بالصلاة ثم اقتدى في اثنائها وقوله في الكتاب توافق نظم الصلاتين اراد في الافعال والاركان لا في عدد الركعات علي ما تبين وصلاة العيدين والاستسقاء كصلاة الخسوف والجنازة ام لا: اختلف الاصحاب فيه وقوله يقتدى في الظهر بالصبح معلم بالحاء والميم والالف وكذا قوله صح في المسألة التى بعدها لانه لابد وأن يكون احدهما قضاء وهم يمنعون من الاقتداء في انقضاء بالاداء وبالعكس كما سبق وقوله علي احد القولين معلم بالواو للطريق الاخرى وفي نسخ الوسيط ذكر وجهين بدل القولين والاول اشهر ولا يخفي أن قوله ثم يتخير تفريع علي صحة الاقتداء * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 قال (الخامس الموافقة وهو أن لا يشتغل بما تركه الامام من سجود التلاوة أو التشهد الاول ولا بأس بانفراده بجلسة الاستراحة والقنوت ان لحق الامام في السجود) * إذا ترك الامام شيئا من أفعال الصلاة نظر ان كان فرضا كما إذا قام في موضع القعود أو بالعكس ولم يرجع بعدما سبح به المأموم فليس للمأموم أن يتابعه لانه اما عامد فصلاته باطلة أو ساه فذلك الفعل غير معدود من الصلاة وان لم يكن مبطلا وانما يتابعه في أفعال الصلاة لا في غيرها وان ترك سنة نظر ان كان في الاشتغال بها تخلف فاحش كسجود التلاوة والتشهد الاول فلا يأتي بهما المأموم قال صلي الله عليه وسلم " انما جعل الامام ليؤتم به " ولو اشتغل بهما بطلت صلاته لعدوله من فرض المتابعة الي السنة ويخرج عن هذا سجود السهو يأتي به وان تركه الامام لانه يفعله بعد خروج الامام من الصلاة فلا مخالفة وكذا يسلم التسليمة الثانية إذا تركها الامام وان لم يكن فيه إلا تخلف يسير كجلسة الاستراحة فلا بأس بانفراده بها كما لا بأس بزيادتها في غير موضعها وكذلك لا بأس بانفراده الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 بالقنوت إذا لحقه علي القرب وقوله ان لحق الامام في السجود يعنى في السجدة الاولي فاما إذا كان اللحوق في الثانية فيكثر المتخلف وسيأتى بيان التخلف المبطل في الفصل التالي لهذا * قال (السادس المتابعة فلا يتقدمه ولا بأس بالمساوقة إلا في التكبير فانه لابد فيه من التأخير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 والاحب التخلف في الكل مع سرعة اللحوق فان تخلف بركن لم تبطل وان تخلف بركنين من غير عذر بطل (ز) والاصح انه إذا ركع قبل أن يبتدئ الامام الهوى إلى السجود لم تبطل فان ابتدأ الهوى لم تبطل أيضا على وجه لان الاعتدال ليس ركنا مقصودا فان لابس الامام السجود قبل ركوعه بطل والتقدم كلتخلف وقيل يبطل وان كان بركن واحد) * يجب علي المأموم ان يتابع الامام ولا يتقدم عليه في الافعال لما روي أنه صلي الله عليه وسلم قال " لا تبادروا الامام إذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا سجد فاسجدوا " وروى أنه صلي الله عليه وسلم قال " اما يخشي الذى يرفع رأسه والامام ساجد أن يحول الله راسه رأس حمار " والمراد من المتابعة أن يجرى علي أثر الامام بحيث يكون ابتداؤه بكل واحد منها متأخرا عن ابتداء الامام ومتقدما على فراغه روى عن البراء بن عازب قال " كنا نصلى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 مع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا قال سمع الله لمن حمده لم يحن أحد منا ظهره حتى يضع النبي صلي الله عليه وسلم وسلم جبهته على الارض " فلو خالف وترك المتابعة علي التفسير المذكور لم يخل اما أن يساوق فعله فعل الامام واما أن يتخلف عنه أو يتقدم عليه (الحالة الاولى) أن يساوق فعله فعل الامام اما التكبير فالمساوقة فيه تمنع انعقاد صلاة المأموم خلافا لابي حنيفة: لنا ظاهر قوله فإذا كبر فكبروا ويخالف الركوع وسائر الاركان حيث تحتمل المساوقة فيها لان الامام حينئذ في الصلاة فينتظم الاقتداء به ولو شك في أن تكبيره هل وقع مساوقا لم تنعقد صلاته أيضا ولو ظن أنه لاحق فبان خلافه فلا صلاة له ويشترط تأخر جميع التكبير عن جميع تكبير الامام ويستحب للامام ان لا يكبر حتى تستوى الصفوف ويأمرهم بذلك ملتفتا يمينا وشمالا وإذا فرغ المؤذن من الاقامة قام الناس واشتغلوا بتسوية الصفوف وقال أبو حنيفة يشتغلون به عند قوله حي علي الصلاة واما ما عدا التكبير فغير السلام يجوز فيه المساوقة وفى السلام وجهان (أحدهما) أنه لا يجوز فيه المساوقة اعتبارا للتحلل بالتحرم (والثانى) يجور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 كسائر الاركان وذكر بعضهم أن الوجهين مبنيان على أن نية الخروج هل تشترط أن قلنا نعم فالسلام كالتكبير وأن قلنا لا فهو كسائر الاركان والاصح من الوجهين أن المساوقة لا تضر وهو المذكور في الكتاب (وقوله) ولا باس بالمساوقة الا في التكبير معلم بالواو للوجه الصائر إلى الحاق السلام بالتكبير وليس المراد من قوله لا باس التشريع المطلق فان صاحب التهذيب وغيره ذكروا انه يكره الاتيان بالافعال مع الامام وتفوت به فضيلة الجماعة وانما المراد انها لا تفسد الصلاة وقوله فانه لا بد فيه من التأخير معلم بالحاء وقوله والاحب التخلف في الكل مع سرعة اللحوق المراد منه ما ذكرنا في تفسير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 المتابعة (الحالة الثانية) أن يتخلف عن الامام وذلك اما أن يكون بغير عذر أو بعذر فان تخلف من غير عذر نظر أن تخلف بركن واحد فقد حكى صاحب النهاية فيه وجهين (احدهما) أنه مبطل للصلاة لما فيه من مخالفة الامام (واظهرهما) وهو المذكور في الكتاب أنه غير مبطل * واحتج له بعضهم بما روى انه صلى الله عليه واله وسلم قال " لا تبادروني بالركوع والسجود فمهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني إذا رفعت ومهما أسبقكم به حين سجدت تدركوني حين رفعت " وأن تخلف بركنين بطلت صلاته لكثرة المخالفة ومن صور التخلف بغير عذر أن يركع الامام وهو في قراءة السورة بعد الفاتحة فيشتغل باتمامها وكذا التخلف للاشتغال بتسبيحات الركوع والسجود ومن المهمات في هذا المقام البحث عن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 شيئين (احدهما) معنى التخلف بالركن والركنين (والثانى) أن الحكم هل يعم جميع الاركان ام يفرق بين ركن وركن (أعلم) أن في قوله والاصح إذا ركع إلى آخره تعرضا لهما جميعا فنشرحه ونقول: من أركان الصلاة ما هو قصير ومنها ما هو طويل اما القصير فالاعتدال عن الركوع وكذا الجلوس بين السجدتين علي الاظهر كما تقدم واما الطويل فما عداهما وما هو طويل فهو مقصود في نفسه والقصير هل هو مقصود في نفسه اشار في النهاية الي تردد فيه للاصحاب فمن قائل نعم كالطويل ومن قائل لا فان الغرض منه الفصل فهو إذا تابع لغيره وهذا ما ذكره في التهذيب ثم نقول بعد هذه المقدمة: إذا ركع الامام قبل المأموم ثم ركع المأموم وادركه في ركوعه فليس هذا تخلفا بركن ولا تبطل به الصلاة وفاقا لانه لحق الامام قبل تمام الركن الذى سبقه به ولو اعتدل الامام والمأموم بعد قائم فهل تبطل صلاته فيه وجهان واختلفوا في مأخذهما فقيل مأخذهما التردد في أن الاعتدال هل هو مقصود ام لا أن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 قلنا نعم فقد فارق الامام ركنا واشتغل بركن آخر مقصود فتبطل صلاة المتخلف وان قلنا أنه ليس بمقصود فهو كما لو لم يفرغ من الركوع لان الذى فبه تبع له فلا تبطل صلاته وقيل ان مأخذهما الوجهان اللذان سبقا في أن التخلف بركن واحد هل يبطل ام لا إن قلنا نعم فقد تخلف بركن الركوع تاما فتبطل صلاته وإن قلنا لا فما دام في الاعتدال لم يكن الركن الثاني تاما فلا تبطل صلاته وإذا هوى الي السجود ولم ينته إليه والمأموم بعد قائم فعلي المأخذ الاول لا تبطل صلاته لانه لم يشرع في ركن مقصود وعلي المأخذ الثاني تبطل لان ركن الاعتدال قد تم هكذا ذكره امام الحرمين والمصنف في الوسيط وقياسه أن يقال إذا ارتفع عن حد الركوع والمأموم بعد في القيام فقد حصل التخلف بركن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 واحد وأن لم يعتدل حتي تبطل الصلاة عند من يجعل التقدم بركن واحد مبطلا اما إذا انتهي الامام الي السجود والمأموم في قيامه بطلت صلاته وفاقا واعرف بعد هذا أمرين (احدهما) انا ان اكتفينا بابتداء الهوى من الاعتدال وابتداء الارتفاع عن حد الركوع فالتخلف بركنين هو أن يتم الامام ركنين والمأموم بعد فيما قبلهما وركن واحد هو أن يتم الامام الركن الذى سبق إليه والمأموم فيما قبله وإن لم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 يكتف بذلك فللتخلف شرط آخر وهو أن يلابس مع تمامهما أو تمامه ركنا آخر فحصل خلاف في تفسير التخلف كما ترى (والثانى) أن قوله وأن تخلف بركن لم تبطل ينبغي أن يعلم بالواو لما سبق نقله من الوجهين وايراد صاحب التهذيب يشعر بترجيح وجه البطلان فيما إذا تخلف بركن كامل مقصود ويصرح بترجيح عدم البطلان فيما إذا تخلف بركن غير مقصود كما إذا استمر في الركوع حتى اعتدل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 386 الامام وسجد (وقوله) وأن تخلف بركنين من غير عذر بطل يبين أن التخلف بالعذر بخلافه وأن لم يذكر حكمه في الكتاب (وقوله) فيما إذا ركع المأموم قبل أن يبتدئ الامام بالهوى إلى السجود أن الاصح عدم البطلان ليس بناء علي المأخذ الاول وهو أن الاعتدال غير مقصود لان الاكثرين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 سووا بينه وبين سائر الاركان والامام أستبعد التردد فيه ومال الي الجزم بكونه مقصودا والمصنف يساعده في الاكثر ويوضحه أنه اطلق البطلان في التخلف بركنين ولم يفرق بين ركن وركن فإذا هو بناء على المأخذ الثاني ويصير الي أن التخلف بالركنين انما يحصل إذا شرع في ركن ثالث فاعرف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 ذلك وقوله فان ابتدأ بالهوى لم تبطل ايضا علي وجه اشارة الي المأخذ الاول ولم يذكر ههنا أن الاصح عدم البطلان بل في سياق الكلام ما يشعر بانه لا يرتضيه هذا تمام الكلام فيما إذا تخلف بغير عذر واما العذر فانواع (منها) الخوف وسنذكره في صلاة الخوف (ومنها) أن يكون المأموم بطئ القراءة والامام سريعها فيركع قبل أن يتم المأموم الفاتحة ففيه وجهان (احدهما) أنه يتابعه ويسقط عنه الباقي فعلي هذا لو اشتغل باتمامها كان متخلفا بغير عذر (واصحهما) وهو الذى ذكره صاحب التهذيب وابراهيم المرودى أنه لا يسقط وعليه أن يتمها ويسعي خلف الامام على نظم صلاته ما لم يسبقه باكثر من ثلاثة اركان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 مقصودة فان زاد علي ثلاثة اركان فوجهان (احدهما) أنه يخرج عن متابعته لتعذر الموافقة (واظهرهما) أن له أن يدوم علي متابعته وعلي هذا فوجهان (احدهما) أنه يراعي نظم صلاته ويجرى على اثره وهو معذور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 وبهذا أفتى القفال (واظهرهما) أنه يوافقه فيما هو فيه ثم يقضي ما فاته بعد سلام الامام وهذان الوجهان كالقولين في مسألة الزحام (ومنها) اخذ التقدير بثلاثة اركان مقصودة فانه انما يحصل القولان في تلك المسألة إذا ركع الامام في الثانية وقبل ذلك لا يوافقه وانما يكون التخلف قبله بالسجدتين والقيام ولم يعتبر الجلوس بين السجدتين علي مذهب من يقول أنه غير مقصود ولا يجعل التخلف بغير المقصود مؤثرا واما من لا يفرق بين المقصود وغير المقصود أو يفرق ويجعل الجلوس مقصودا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 لانه ركن طويل وهو المرضى عند صاحب الكتاب والقياس علي اصله التقدير باربعة اركان أخذا من مسألة الزحام ولو اشتغل المأموم بدعاء الاستفتاح ولم يتم الفاتحة لذلك وركع الامام فيتم الفاتحة كما في بطئ القراءة وهو معذر في التخلف ذكره في التهذيب وكل هذا في المأموم الموافق فاما المسبوق إذا ادرك الامام في القيام وخاف ركوعه فينبغي أن لا يقرأ دعاء الاستفتاح بل يبادر الي قراءة الفاتحة فان الاهتمام بشأن الفرض أولي ثم أن ركع الامام في اثناء الفاتحة ففيه ثلاثة اوجه (احدها) أنه يسقط عنه ما بقى من الفاتحة ويركع معه (والثانى) أنه يتم الفاتحة لانه أدرك القيام الذى هو محلها (والثالث) وبه قال أبو زيد وهو الاصح عند القفال والمعتبرين أنه أن لم يقرأ شيئا من دعاء الاستفتاح يقطع القراءة ويركع معه ويكون مدركا للركعة لانه لم يدرك الا ما يقرأ فيه بعض الفاتحة فلا يلزمه فوق ذلك كما أنه إذا لم يدرك شيئا من القيام لا يلزمه شئ من الفاتحة وإن قرأ شيئا من دعاء الاستفتاح لزمه بقدره من الفاتحة لتقصيره بالعدول من الفريضة الي غيرها (فان قلنا) عليه اتمام الفاتحة (فتخلفه) ليقرأ تخلف بالعذر ولو لم يتم وركع مع الامام بطلت صلاته (وأن قلنا) أنه يركع فلو بقراءة اشتغل البقية كان هذا تخلفا بغير عذر فان سبقه الامام بالركوع وقرأ هذا المسبوق الفاتحة ثم لحقه في الاعتدال فلا يكون مدركا للركعة واصح الوجهين أنه لا تبطل صلاته إذا فرعنا علي ان التقدم بركن واحد لا يبطل كما في حق غير المسبوق (والثانى) تبطل لانه ترك متابعة الامام فيما فاتت به الركعة وكانت بمثابة السبق بركعة (ومنهاا) لزحام وسيأتي في الجمعة (ومنها) النسيان فلو ركع مع الامام ثم تذكر أنه نسي الفاتحة أو شك في قراءتها فلا يجو أن يعود لانه فات محل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 القراءة فإذا سلم الامام قام وتدارك ما فاته ولو تذكر أو شك بعدما ركع الامام وهو لم يركع بعد لم تسقط القراءة بالنسيان وماذا يفعل فيه وجهان منقولان في التهذيب (احدهما) أنه يركع معه فإذا سلم الامام قام وقضى ركعة (والثانى) أنه يتمها اولا وهذا اشبه وبه افتى القفال وعلى هذا فتخلفه ليقرأ تخلف معذور ام لا فيه وجهان حكاهما صاحب التتمة (اظهرهما) أنه تخلف معذور (والثانى) لا لتقصيره بالنسيان (الحالة الثالثة) أن يتقدم علي الامام اما في الركوع والسجود وغيرهما من الافعال الظاهرة فينظر أن كان لم يسبق بركن كامل لم تبطل صلاته لانه مخالفة يسيرة مثاله ما إذا ركع قبل الامام ولم يرفع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 حتي ركع الامام وعن بعض الاصحاب انها تبطل إذا تعمد وحكاه الامام عن الشيخ ابى محمد ووجهه أن التقدم يناقض الاقتداء بخلاف التخلف وعلي الصحيح لو فعل ذلك عمدا لم يجز أن يعود ولو عاد بطلت صلاته لانه زاد ركنا هكذا ذكره صاحب النهاية والتهذيب وحكى العراقيون عن النص أنه ويستحب ان يعود إلى موافقته ويركع معه وقد مر ذكر هذه المسألة ولو فعله سهوا فوجهان (احدهما) انه يجب العود ولو لم يعد بطلت صلاته (واظهرهما) انه لا يجب وانما هو بالخيار أن شاء عاد والا فلا وان سبق الامام بركنين فصاعدا بطلت صلاته أن كان عامدا عالما بانه لا يجوز لتفاحش المخالفة وأن كان ساهيا أو جاهلا لم تبطل لكن لا يعتد بتلك الركعة فيتداركها بعد سلام الامام والتقدم بركنين لا يخفى قياسه مما مر في التخلف ومثل ائمتنا العراقيون ذلك بما إذا ركع قبل الامام فلما اراد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 الامام أن يركع رفع فلما اراد أن يرفع سجد فلم يجتمع معه في الركوع ولا في الاعتدال وهذا يخالف ذلك القياس فيجوز ان يقدر مثله في التخلف ويجوز ان يخصص ذلك بالتقدم لان المخالفة فيه افحش وإن سبقه بركن واحد كما إذا ركع قبل الامام ورفع رأسه والامام في القيام ثم وقف حتي رفع الامام واجمتمعا في الاعتدال فالذي ذكره الصيدلانى وقوم أنه تبطل صلاته لتعمد المخالفة ويعد هذه المخالفة عما يناسب حال المقتدى قالوا وهذ في التقدم بالركن المقصود فاما إذا سبق بالاعتدال بان اعتدل وسجد والامام بعد في الركوع أو سبق بالجلوس بين السجدتين كما إذا رفع راسه عن السجدة الاولي وجلس وسجد الثانية والامام بعد في الاولي فوجهان كما ذكرناهما في حالة التخلف وقال اصحابنا العراقيون وآخرون ان التقدم بركن واحد لا يبطل الصلاة لانه مخالفة يسيرة فهى بمثابة التخلف وهذا أظهر واشهر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 ويحكي عن نص الشافعي رضى الله عنه هذا في الافعال الظاهرة واما التكبير فالسبق به غير محتمل علي ما قدمناه واما قراءة الفاتحة وفى معناها التشهد فالسبق بها علي الامام غير مبطل وأن قلنا ان السبق بتمام الركوع مبطل لانه لا يظهر به المخالفة وفى التتمة حكاية وجه ضعيف انه يبطل كالركوع وعلي المذهب هل تقع محسوبة أو يجب أعادتها مع قراءة الامام أو بعدها فيه وجهان (اظهرهما) انها تقع محسوبة إذا عرفت ما ذكرناه ونظرت في قوله والتقدم كالتخلف سبق إلى فهمك أنه جواب على ما ذكره العراقيون وحكوه عن النص وهو أن التقدم بركن واحد لم يبطل وهذا هو الذى اورده في التخلف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 وحمل قوله وقيل أنه يبطل وان كان بركن واحد على ما رواه الصيدلاني وغيره وهذا تنزيل صحيح لكنه نقل الوجه الثاني في الوسيط عن الشيخ ابى محمد وليس في النهاية تعرض لذلك والمشهور عنه ما قدمناه أن المبادرة الي الركن مبطلة وأن كان القول به قولا بالبطلان عند السبق بتمام الركن فان كان المراد ما اشتهر لم عن الشيخ فالتقدم في لفظ الكتاب وفى الوسيط محمول علي المبادرة الي الركن من غير أن يسبق بتمامه والله أعلم * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 قال (فروع المسبوق ينبغي أن يكبر للعقد ثم للهوى فان اقتصر على واحد جاز الا إذا قصد به الهوى فان اطلق ففيه تردد لتعارض القرينة) المسبوق إذا ادرك الامام في الركوع يكبر للافتتاح وليس له أن يشتغل بقراءة الفاتحة بل يهوى للركوع ويكبر له تكبيرة اخرى وكذلك الحكم لو ادركه قائما فكبر وركع الامام كما كبر ولو اقتصر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 على تكبيرة واحدة فلا يخلو من احدى احوال اربع أن ينوى بها تكبيرة الافتتاح فتصح صلاته لان تكبيرة الركوع سنة ويشترط وقوعها في حال القيام كما تقدم وأن ينوى بها تكبيرة الركوع فلا تصح وأن ينوى بهما جميعا فظاهر المذهب انها لا تصح ايضا لانه شرك بين الفرض وغيره الذى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 لو اقتصر علي قصد الفرض لم يحصل ذلك الغير فاشبه ما لو تحرم بفريضة ونافلة ويخالف ما إذا اغتسل للجنابة والجمعة ونظائره وفيه وجه أن صلاته تنعقد نفلا نقله القاضى ابن كج عن حكاية ابى حامد القاضي والرابعة أن لا ينوى هذا ولا ذاك بل يطلق التكبيرة قال بعض الاصحاب تنعقد صلاته لان قرينة الافتتاح تصرفها إليه والظاهر أنه لا يقصد الهوى ما لم يتحرم وحكى اصحابنا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 العراقيون عن نصه في الام انها لا تنعقد لان قرينة الهوى تصرفها إليه وإذا تعارضت القرينتان فلا بد من قصد صارف والا فهي بمثابة ما لو قصد التشريك بينهما وميل امام الحرمين الي الوجه الاول وظاهر المذهب عند الجمهور الثاني وقوله في الكتاب جاز الا إذا اقصد به الهوى ليس لحصر الاستثناء فيه بل قوله فان اطلق في معني المستثنى كانه قال والا إذا اطلق نعم هذا مختلف فيه وذاك متفق عليه ثم لابد من استثناء الحالة الثالثة ايضا وان لم يتعرض لها والمراد من التردد الذى اطلقه القول المنصوص والوجه المقابل له وقوله لتعارض القرينة يجوز أن يكون اشارة الي توجيه الخلاف ويجوز أن يكون علة لعدم الانعقاد أي إذا تعارضتا فلا بد من قصد مخصص * قال (ولو نوي قطع القدوة في اثناء الصلاة ففى بطلان صلاته ثلاث اقوال يفرق الثالث بين المعذور وغير المعذور وعلي كل قول إذا احدث الامام لم تبطل (ح) صلاة المأموم) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 إذا أخرج المأموم نفسه عن متابعة الامام ففي بطلان صلاته قولان (احدهما) انها تبطل لقوله صلي الله عليه وسلم " انما جعل الامام ليوتم به فلا تختلفوا عليه " وايضا فانه التزم الاقتداء وانعقدت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 صلاته علي حكم المتابعة فليف بها والثاني لا تبطل لما روى " أن معاذا رضي الله عنه ام قومه ليلة في في صلاة العشاء بعدما صلاها مع النبي صلى الله عليه وسلم فافتتح سورة البقرة فتنحي من خلفه رجل وصلي وحده فقيل له نافقت ثم ذكر ذلك لرسول الله صلي الله عليه وسلم وسلم فقال الرجل يا رسول الله انك اخرت العشاء وان معاذا صلى معك ثم أمنا وافتح سورة البقرة وانما نحن اصحاب نواضح نعمل بايدينا فلما رأيت ذلك تأخرت وصليت فقال النبي صلي الله عليه وسلم افتان انت يا معاذ اقرأ سورة كذا وكذا ولم يامر الرجل بالاعادة " وايضا فان الجماعة سنة والتطوعات لا تلزم بالشروع وهذا اصح القولين وعن الاصطخرى أنه قطع به ولم يثبت في المسألة قولين والاشهر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 اثباتهما ثم اختلفوا في محلها على طرق (اصحها) أن القولين فيمن خرج عن متابعة الامام بغير عذر فاما المعذور فيجوز له الخروج بلا خلاف " ولهذا فارقت الفرقة الاولى رسول الله صلي الله عليه وسلم وسلم في صلاة ذات الرقاع بعدما صلي بهم ركعة " قال امام الحرمين والاعذار كثيرة واقرب معتبر فيها أن يقال كل ما يجوز ترك الجماعة به ابتداء يجوز ترك الجماعة به بعد الشروع فيها والحقوا بها ما إذا ترك الامام سنة مقصودة كالتشهد الاول والقنوت وما إذا لم يصبر علي طول القراءة لضعف أو شغل وعن الشيخ أبي حامد ما ينازع في هذا الاخير لان حكى في البيان عنه أنه جعل انفراد الرجل عن معاذ انفرادا بغير عذر (والطريق الثاني) أن القولين فيما إذا خرج بغير عذر فاما غير المعذور لو خرج بطلت صلاته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 قولا واحدا (والثالث) أن القولين في الكل ويحكى أنه اختيار الحليمى ونظم الكتاب يوافق هذه الطريقة لانه جمع بين الحالتين واطلق ثلاثة اقوال وانما ينتظم ذلك عند من يثبت الخلاف في الحالتين وإذا كان كذلك فيجوز أن يعلم قوله ثلاثة اقوال بالواو للطريقة الاولي والثانية فان كل واحدة منهما لا يثبت الخلاف الا في حالة ولما نقل عن الاصطخرى فانه نفى الخلاف فيهما وعند ابي حنيفة تبطل صلاته بالمخالفة سواء كان بعذر أو بغير عذر وعند احمد يجوز بالعذر ولا يجوز بغير عذر في اصح الروايتين (وقوله) وعلي كل قول الي آخره الغرض منه بيان أن الخلاف فيما إذا قطع المأموم القدوة والامام في صلاته فاما إذا انقطعت القدوة لحدث الامام فليس هذا موضع الخلاف ولا تبطل صلاة المأموم بحال لانه لم يحدث شيئا (وقوله) لم تبطل صلاة المأموم معلم بالحاء لان عند ابي حنيفة لو تعمد الحدث بطلت صلاة المأمومين وكذا لو سبقه الحدث ولم يستخلف قال (والمنفرد إذا اقتدى في اثناء صلاته لم يجز في الجديد) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 405 لو اقيمت الجماعة وهو في الصلاة منفردا نظر أن كان في فريضة الوقت فقد قال الشافعي رضى الله عنه في المختصر احببت أن يكمل ركعتين ويسلم يكونان له نافلة ويبتدئ الصلاة مع الامام ومعناه أنه يقطع نية الفريضة ويقلبها نفلا وفيه وفى نظائره خلاف قدمناه في مسائل النية في باب صفة الصلاة ثم ما ذكره فيما إذا كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية ولم يكمل بعد ركعتين فاما إذا كانت ذات ركعتين أو اكثر وقد قام الي الثالثة فيتمها ثم يدخل في الجماعة وأن كان في فائتة فقد قال القاضي الحسين رحمه الله لا يستحب أن يقتصر على ركعتين ليصلي تلك الصلاة بالجماعة لان الفائتة لا تشرع لها الجماعة بخلاف ما لو شرع في الفائتة في يوم غيم فانكشف الغيم وخاف فوات الحاضرة يسلم عن ركعتين ويشتغل بالحاضرة لان مراعاة الوقت اولي من مراعاة الجماعة وأن كان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 406 في نافلة واقيمت الجماعة فان لم يخش فوتها اتمها وأن خشي قطعها ودخل في الجماعة ولو لم يسلم عن الصلاة التى احرم بها منفردا واقتدى في خلالها ففيه طريقان (اصحهما) أن فيه قولين (احدهما) لا يجوز وتبطل صلاته وبه قال مالك وابو حنيفة وكذلك احمد في اصح الروايتين لما روى أنه صلى الله عليه وسلم وسلم قال " لا تختلفوا علي امامكم " وهذا يفضى الي الاختلاف وايضا قال " فإذا كبر فكبروا " أمر المأموم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 407 بان يكبر إذا كبر الامام وهذا كبر قبله (واصحهما) أنه يجوز وبه قال المزني لما روى أنه صلي الله عليه وسلم " صلى اصحابه ثم تذكر في صلاته أنه جنب فاشار إليهم كما انتم وخرج واغتسل وعاد ورأسه يقطر وتحرم بهم " ومعلوم انهم انشأوا اقتداء جديدا إذ تبين أن الاول لم يكن صحيحا وايضا فانه يجوز أن يصلى بعض الصلاة منفردا ثم يقتدى به جماعة فيصير اماما فكذلك يجوز أن يصير مأموما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 408 بعدما كان منفردا (والطريق الثاني) القطع بالمنع حكى الطريقين الشيخان أبو محمد والصيدلاني وغيرهما والمشهور اثبات القولين ثم اختلفوا في محلهما علي طرق (احدها) وبه قال القاضي أبو حامد أن القولين فيما إذا لم يركع المنفرد بعد في صلاته فاما بعده فلا يجوز الاقتداء قولا واحدا لانه يخالف الامام في الترتيب وموضع القيام والقعود فلا تتأتى المتابعة (وثانيها) أن القولين فيما إذا اقتدى بعد الركوع فاما قبله فيجوز قولا واحدا وبه قال أبو إسحق واختاره القاضى أبو الطيب واصحهما ان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 409 القولين يطردان في الحالين وحكي في التهذيب طريقة الفرق بعبارة اخرى فقال منهم من قال القولان فيما إذا اتفقا في الركعة فان اختلفا وكان الامام في ركعة والمأموم في اخرى متقدما أو متأخرا لا يجوز وهذا هو الوفاء بالنظر إلى اختلاف الترتيب وإذا جوزنا الاقتداء علي الاطلاق واختلفا في الركعة قعد المأموم في موضع قعود الامام وقام في موضع قيامه وإذا تم صلاة المأموم اولا لم يوافق الامام في الزيادة بل إن شاء فارقه وإن شاء انتظره في التشهد وطول الدعاء ليتم صلاته فيسلم معه وان تم صلاة الامام أولا قام المأموم واتم صلاته كما يفعل المسبوق وإذا سها المأموم قبل الاقتداء لم يتحمل عنه الامام بل إذا سلم الامام سجد هو لسهوه وان سها بعد الاقتداء تحمل عنه الامام وإن سها الامام قبل الاقتداء أو بعده لحق المأموم ويسجد مع الامام ويعيد في آخر صلاته علي الاصح علي ما ذكرناه في المسبوق وقوله في الكتاب لم يجز على الجديد جواب على الطريقة المشهورة وهى اثبات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 410 الخلاف في المسألة وظاهره يوافق الطريقة المشهورة بعد اثبات الخلاف وهى طرده في الاحوال كلها واما تعبيره عن قول المنع بالجديد فهكذا ذكره الشيخ أبو محمد والمسعودي وغيرهما وقالوا قوله في المختصر كرهت أن يفتتحها صلاة انفراد ثم يجعلها صلاة جماعة اراد به أنى لا أجوزه وجعلوا الجواز قوله القديم وقال صاحب المهذب وشيخه أبو القاسم الكرخي وآخرون يجوز ذلك في القديم والجديد معا وحكوا قول المنع عن الاملاء وارادوا بالجديد الام ونقلوا الجواز عنه واعلم أن الاملاء محسوب من الكتب الجديدة فيحصل عما نقلوه عنه عن الام قولان في الجديد ويمكن تنزيل التعبيرين عليهما وبتقدير انحصار المنع في الجديد على ما يشعر به لفظ الكتاب فالمسألة مما يفتى فيها علي القديم لان الاصح عند جمهور الاصحاب جواز الاقتداء ويجوز أن يعلم قوله ما لم يجز بالزاى لما ذكرناه من مذهب المزني الجزء: 4 ¦ الصفحة: 411 وقوله علي الجديد بالواو لامرين احدهما (الطريق الثاني) للخلاف في بعض الاحوال (والثانى) الطريق الثاني للخلاف في المسألة اصلا ورأسا * قال (وإذا شك المسبوق أن الامام هل رفع رأسه قبل ركوعه ففي ادراكه قولان لان لاصل انه لم يدرك ويعارضه أن الاصل أنه لم يرفع رأسه) * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 412 الاصل الذى تتفرع عليه المسألة أن من ادرك الامام في الركوع كان مدركا للركعة لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال " من ادرك الركوع من الركعة الاخيرة يوم الجمعة فليضف إليها اخرى ومن لم يدرك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 413 الركوع من الركعة الاخيرة فليصل الظهر أربعا " وروى أن ابا بكرة دخل المسجد والنبي صلي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 414 الله عليه وسلم راكع فركع ثم دخل الصف واخبر النبي صلي الله عليه وسلم بذلك ووقعت ركعته معتدا بها وذكر في التتمة أن ابا عاصم العبادي حكى عن أحمد بن اسحق بن خزيمة من اصحابنا أنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 417 قال لا تدرك الركعة بادراك الركوع ويجب تداركها * واحتج بما روى عن ابى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " من ادرك الامام في الركوع فليركع معه وليعد الركعة " وروى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 418 الحاكم أبو عبد الله في تاريخ نيسابور مثله عن ابى بكر الضبعى والمذهب المشهور الاول وعليه جرى الناس في الاعصار ويعتبر فيه ان يكون ذلك الركوع محسوبا للامام فان لم يكن ففيه كلام قد تعرض له في كتاب الجمعة وسنشرحه ثم ان شاء الله تعالي إذا عرفت ذلك فاعلم ان معنى ادراكه في الركوع ان يكتفى هو وامامه في حد اقل الركوع حتي لو كان هو في الهوى والامام في الارتفاع وقد بلغ هو حد الاقل قبل أن يرتفع الامام عنه كان مدركا وان لم يلتقيا فيه فلا هذه عبارة الاصحاب على طبقاتهم وهل يشترط ان يطمئن قبل ارتفاع الامام عن الحد المعتبر الاكثرون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 419 لم يتعرضوا له ورأيت في البيان اشتراط ذلك صريحا وبه يشعر كلام كثير من النقلة وهو الوجه والله اعلم ولو كبر وانحني وشك في انه هل بلغ الحد المعتبر قبل ارتفاع الامام عنه ام لا فهذه مسألة الكتاب وقد نقل فيها قولين وحكاهما في النهاية وجهين (احدهما) انه غير مدرك للركعة لان الاصل عدم ادراك الركوع (والثانى) انه مدرك لها لان الاصل بقاء الامام في الركوع في زمان الشك والاول اظهر لان الحكم بادراك ما قبل الركوع بادراك الركوع علي خلاف الحقيقة لا يصار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 420 إليه لا عند تيقن الركوع وان ادركه فيما بعد الركوع من الاركان لا يكون مدركا للركعة وعليه ان ايتابعه في الركن الذى ادركه فيه وان لم يكن محسوبا لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " إذا اتي احدكم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 421 الصلاة والامام على حال فليصنع كما يصنع الامام " * (قال والمسبوق عن سلام الامام يقوم من غير تكبير علي النص) * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 422 المسبوق إذا ادرك الامام في الركوع فقد ذكرنا انه يكبر للهوى بعد تكبيرة الافتتاح ولو ادركه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 423 في السجدة الاولى أو الثانية أو في التشهد فهل يكبر للانتقال إليه فيه وجهان (احدهما) نعم كالركوع (واظهرهما) لا لان الركوع محسوب له فيكبر للانتقال إليه وههنا بخلافه ويخالف ايضا ما لو ادركه في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 424 الاعتدال فما بعده فانه ينتقل مع الامام من ركن الي ركن مكبرا وان لم تكن محسوبة له لان ذلك لموافقة الامام ولذلك نقول يوافقه في قراءة التشهد وفى التسبيحات علي اصح الوجهين فهذا حكم تكبيره إذا لحق الامام اما إذا سلم الامام فقام المسبوق ليتدارك فقد قال في الكتاب انه يقوم من غير تكبير واسنده إلى نصه وهكذا فعل في الوسيط وذكر أن الشيخ ابا محمد قال أنه يكبر للانتقال ولم يرسل جمهور الائمة الخلاف في المسألة هكذا وحيث أثبتوا الخلاف لم يسندوا نفى التكبير إلى النص ولكن قالوا ينظر أن كان الجلوس الذى سلم من الامام موضع جلوس المسبوق كما لو ادركه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 425 في الثالثة من الصلوات الرباعية أو في الثانية من المغرب فيقوم مكبرا فانه لو كان وحده لكان هكذا يفعل وأن لم يكن موضع جلوسه كما إذا ادركه في الثانية أو الرابعة من الرباعيات أو في الثالثة من المغرب ففيه وجهان (اظهرهما) وبه قال القفال أنه لا يكبر عند قيامه لانه ليس موضع تكبيره وليس فيه موافقة الامام (والثاني) ويحكي عن أبى حامد أنه يكبر كيلا يخلو الانتقال عن ذكر ومتي لم يكن الموضع موضع جلوسه لم يجز له المكث بعد سلام الامام ولو مكث بطلت صلاته. وأن كان موضع جلوسه لم يضر المكث وقوله والمسبوق عند سلام الامام لك أن تبحث فتقول الاعتبار بالتسليمة الاولى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 426 أو الثانية (فاعلم) أن السنة أن يقوم عقيب تسليمتى الامام فان (الثانية) من الصلاة وان لم تكن مفروضة ويجوز أن يقوم عقيب الاولي ولو قام قبل تمامها بطلت صلاته أن تعمد القيام وهذا يبين أنه ليست كلمة عند للحصر اعني في قوله عند سلام الامام ومن الاصول في المسبوق أن ما يدركه مع الامام اول صلاته وما يأتي به بعد سلام الامام آخر صلاته حتي لو ادرك ركعة من المغرب فإذا قام لاتمام الباقي يجهر في الثانية ويسر في الثالثة ولو ادرك ركعة من الصبح وقنت مع الامام يعيد القنوت في الركعة التى يتداركها بعد سلام الامام ونص أنه لو ادرك ركعتين من صلاة رباعية ثم قام للتدارك يقرأ السورة بعد الفاتحة في الركعتين وهذا يخالف قياس الاصل الذى ذكرناه فمن الاصحاب من قاله أنه جواب على قوله يستحب قراءة السورة في الركعات ومنهم من قال انما امره بقراءة السورة لان امامه لم يقرأ السورة في الركعتين اللتين ادركهما المسبوق وفاتته فضيلتها فيتداركها في الركعتين الباقيتين فصار كما إذا ترك سورة الجمعة في الركعة الاولي من صلاة الجمعة يقرؤها مع سورة المنافقين في الثانية وقال أبو حنيفة رحمه الله ما ادركه المسبوق مع الامام آخر صلاته الامام وما يتداركه بعد سلام الامام اول اصلاته ووافقنا علي أنه لو ادرك ركعة من المغرب وقام بعد سلام الامام للتدارك يقعد في الثانية ولو كان ما يتداركه أول صلاته لما قعد * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 427 قال * (كتاب صلاة المسافرين) * (وفيه بابان الاول في القصر وهو رخصة عند وجود السبب والمحل والشرط) لما يترجم العلماء هذا الباب بصلاة المسافرين لا علي معنى أن للمسافرين يختصون بها ولكن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 428 علي معنى أن لهم كيفية في اقامة الفرائض لا تعم كل مصل وانما شرعت تخفيفا عليهم لما يلحقهم من تعب السفر وهى نوعان (احدهما) تخفيف في نفس الصلاة وهو القصر (والثاني) تخفيف في رعاية وقتها وهو الجمع فرسما لهم بابين والتخفيف الثاني لا يختص بالسفر بل المطر يثبته ايضا لكن السفر أقوى سببيه علي ما تبين في التفاصيل فجعل الآخر تبعا له واورد في صلاة المسافرين: أما القصر فهو جائز بالاجماع وقد قال تعالي (وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة أن خفتم ان يفتنكم الذين كفروا) روى أن يعلي بن امية قال " قلت لعمر بن الخطاب رضى الله عنه انما قال الله أن خفتم وقد أمن الناس فقال عمر عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صدقه تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " وهل هو رخصة أو عزيمة عندنا هو رخصة ولو اراد الاتمام جاز وبه قال احمد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 429 لما روى عن عائشة رضى الله عنه انها قالت " سافرت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم فلما رجعت قال ما صنعت في سفرك فقالت اتممت الذى قصرت وصمت الذي افطرت فقال احسنت " وقال أبو حنيفة القصر عزيمة ولا تجوز الزيادة على الركعتين في الصلاة الرباعية ولو صلي اربعا فان قعد في الثانية مقدار التشهد اجزأت الركعتان عن فرضه والاخريان له نافلة وان لم يقعد مقدار التشهد بطلت صلاته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 430 وهذا في المنفرد اما إذا اقتدى بمقيم سلم أنه يتم وعن مالك روايتان (احداهما) كمذهبنا والاخرى كمذهبه وأعلموا في نسخ الكتاب قوله وهو رخصة بالحاء والميم اشارة إلى مذهبهما وظني أن هذا الاعلام فاسد لان وصف الشئ بانه رخصة قد يكون بالمعني المقابل للعزيمة وقد يكون بمعني أنه جائز - يقال ارخص لفلان في كذا أي جوز له ذلك - والاشبه أن المراد ههنا المعنى الثاني لانه قال عند وجود السبب والمحل والشرط ومعلوم أن الجواز يفتقر الي هذه الامور سواء كان رخصة أو عزيمة ولا يختص الافتقار إليها بالرخصة المقابلة للعزيمة وإذا كان المراد أنه جائز فلا خلاف فيه حتى يعلم * قال (الاول السبب وهو كان سفر طويل مباح (ح) والمراد بالسفر ربط القصد بمقصد معلوم فالهائم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 431 لا يترخص وانما يترخص المسافر عن مجاوزة السور أو عمران البلدان لم يكن له سور وأن لم يجاوز المزارع والبساتين ويشترط مجاوزتها علي سكان القرايا اعني المزارع المحوطة وعلي النازل في الوادي أن يخرج عن عرض الوادي أو يهبط أن كان علي ربوة أو يصعد ان كان في وهدة أو يجاوز الخيام أن كان في حلة) * السبب المجوز للقصر السفر الطويل المباح فهذه ثلاثة قيود (اولها) السفر وقد تكلم في معناة في ابتدائه وانتهائه. اما معناه فلا بد فيه من ربط القصد بمقصد معلوم فلا رخصة للهائم الذى لا يدرى الي أين يتوجه وأن طال سيره لان كون السفر طويلا لا بد منه وهذا لا يدري أن سفره طويل ام لا والهائم هو الذى سماه راكب التعاسيف في باب الاستقبال ويجوز أن يعلم قوله فالهائم لا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 432 يترخص بالواو لان صاحب البيان حكى عن بعضهم فيه وجهين بناء علي القولين فيما إذا سلك الطريق الطويل وترك القصير لا لغرض ولعل هذا بعد أن يسير مسافة القصر والله اعلم ولو استقبلته برية واضطر الي قطعها أو ربط قصده بمقصد معلوم بعد ما هام على وجهه اياما فهو منشئ للسفر من حينئذ وتنبه من لفظ الكتاب لامور (احدها) انما قال والمراد بالسفر ولم يذكر ان السفر عبارة عن المعنى الذى يخرج عنه الهائم لانه ينتظم أن يقال هو هائم في سفره (والثانى) أن في الكلام اضمارا معناه ربط قصد السير بمقصد معلوم لان مجرد النية لا يجعله مسافرا ولا تفيد الرخصة قال الله تعالى (وإذا ضربتم في الارض) الآية ربط القصر بالضرب في الارض لا بقصد الضرب وهذا بخلاف ما لو نوى المسافر الاقامة في موضع صالح لها حيث يصير مقيما لان الاصل الاقامة والسفر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 433 عارض فيجوز أن يعود الي الاصل بمجرد النية (والثالث) أن قوله ربط القصد بمقصد معلوم يخرج عنه ما لو خرج في طلب آبق لينصرف مهما لقيه لان المراد من المقصد المكان الذى يتوجه بسيره إليه وهو لا يقصد ثم مكانا معينا وهذه المسألة تذكر في الكتاب في قيد الطويل وسنذكرها ونظائرها من بعد: واما ابتداء السفر فيتبين بتفصيل كان الموضع الذى منه الارتحال فان ارتحل عن بلده نظر أن كان لها سور فلا بد من مجاوزته وأن كان داخل السور مزارع أو مواضع خربة لان جميع ما في داخل السور معدود من نفس البلدة محسوب من موضع الاقامة وإذا جاوز السور فلفظ الكتاب كالصريح في أنه ابتداء السفر ولا يتوقف الترخص على شئ آخر لانه قال وانما يترخص المسافر عند مجاوزة السور ونقل كثير من الائمة يوافقه لكن في بعض تعاليق المروروذيين أنه أن كان خارج الصور دور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 434 متلاصقة أو مقابر فلا بد من مفارقتها ويقرب من هذا ايراد الكلام في التهذيب فلك أن تقدر في المسألة وجهين وتوجه الاول بان تلك الابنية لا تعد من البلد ألا يرى أنه يقال مدرسة كذا خارج البلد ويوجه الثاني بانها من مواضع الاقامة المعدودة من توابع البلد ومضافاتها فلها حكمها ولك ان لا تثبت خلافا في المسألة وتؤول احد النقلين علي الآخر (والثاني) اوفق لكلام الشافعي فانه رضي الله عنه قال في المختصر وأن نوى السفر فلا يقصر حتى يفارق المنازل أن كان حضريا فلم يعتبر السور وانما اعتبر مفارقة المنازل والله اعلم وأن لم يكن للبلدة سور اما في صوب سفره أو مطلقا فابتداء السفر بمفارقة العمران حتي لا يبقى بيت متصل ولا منفصل والخراب الذى يتخلل العمارات معدود من البلد كالنهر الحائل بين جانبى البلد مثل ما في بغداد فلا يترخص بالعبور من احد الجانبين الي الاخر وفى هذا شئ سنذكره في كتاب الجمعة أن شاء الله تعالى وان كانت اطراف البلدة خربة ولا عمارة وراءها فلفظ الكتاب يقتضي الاستغناء عن مجاوزتها فانه قال أو عمران البلد أن لم يكن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 435 سور ووجهه أن الخراب ليس موضع اقامة وهذا هو الموافق للنص الذي قدمناه وهو الذى اورده صاحب التهذيب وقال اصحابنا العراقيون والشيخ أبو محمد لا بد من مجاوزتها لانها معدودة من البلدة ومجاوزة البلدة لا بد منها فليعلم قوله أو عمران البلد بالواو كذلك وهذا الخلاف فيما إذا كانت بقايا الحيطان قائمة ولم يتخذوا الخراب مزارع ولا هجروه بالتحويط علي العامر فان كان الامر بخلافه فلا خلاف في أنه لا حاجة الي مجاوزتها ولا يشترط مجاورة البساتين والمزارع المتصلة بالبلد وأن كانت محوطة لانها لا تتخذ للسكنى والاقامة الا إذا كانت فيها قصور أو دور يسكنها ملاكها في جميع السنة أو في بعض فصلوها فلا بد من مجاوزتها حينئذ وليعلم قوله وأن لم يجاوز المزارع والبساتين بالواو لان صاحب التتمة حكى عن بعض الاصحاب اشتراط مجاوزة البساتين والمزارع المضافة الي البلدة مطلقا هذا كله فيما إذا ارتحل عن بلدة: اما القرية فحكمها حكم البلدة في جميع ما ذكرناه الا أنه شرط في الكتاب مجاوزة البساتين والمزارع المحوطة في القرى (وقوله) في الكتاب اعني المزارع المحوطة ليس لتخصيص الحكم بالمزارع بل البساتين في معناها بطريق الاولى وقد صرح به في الوسيط ويمكن أن يقال الغالب في البساتين التحويط أو هو شرط في وقوع اسم البساتين فلم يحتج إلى اعادة ذكرها مقيدة بالتحويط وهذا الذى ذكره حجة الاسلام قدس الله روحه من اعتبار مجاوزة البساتين والمزارع المحوطة جميعا بخلاف ما نقله غيره اما امام الحرمين فانه اعتبر مجاوزة البساتين وقال هي معدودة من القرى ولم يعتبر مجاوزة المزارع لانها ليست موضع سكون ثم قال لو كانت بساتينها غير محوطة على هيئة المزارع أو مزارعها محوطة فلا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 436 يشترط عندي مجاوزتها فصرح ان مجاوزة المزارع وأن كات محوطة لا تشترط واما العراقيون من اصحابنا فانهم لم يشترطوا مجاوزة البساتين ولا مجاوزة المزارع لانهم ذكروا عدم الاشتراط في البلد ثم قالوا والحكم في القرى إذا اراد أن يسافر من القرية كالحكم في البلدى سواء هذا لفظ المحاملى وغيره فإذا يجب اعلام قوله ويشترط مجاوزتها جميعا علي سكان القرى بالواو ومعرفة ما فيه ولو فرضت قريتان ليس بينهما انفصال فارق فهما كمحلتين فيجب مجاوزتهما قال الامام وفيه احتمال ولو كان بينهما انفصال فإذا فارق قريته كفي وان كانتا في غاية التقارب وعن ابن سريج انهما إذا تقاربتا وجب مفارقتهما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 437 ولو جمع سور قرى متفاصلة فلا يشترط للسفر منها مجاوزة ذلك السور وكذلك لو قدر ذلك في بلدتين متقاربتين ويتبين بهذا أن قوله في الكتاب عند مجاوزة السور المراد منه السور المختص بالموضع الذي يرتحل منه واما المقيم في الصحارى فلا بد له من مفارقة البقعة التى اقام بها قدر ما يكون فيه رحله وامتعته وينتسب إليه فان سكن واديا وسافر في عرضه فلا بد من مجاوزة عرض الوادي نص عليه الشافعي رضى الله عنه قال الاصحاب وهذا علي الغالب في اتساع الوادي فان افرطت السعة لم يجب الا مجاوزة القدر الذى يعد موضع نزوله أو موضع الحلة التى هو منها كما لو سافر في طول الوادي وعن القاضى ابي الطيب أن كلام الشافعي رضي الله عنه مجرى علي اطلاقه وجانبا الوادي بمثابة سور البلد والنازل فيهما يتحصن بهما فلا بد من مجاوزتهما وإذا كان النازل على ربوة فلا بد من أن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 438 يهبط وأن كان في وهدة فلا بد من أن يصعد وهذا ايضا عند الاعتدال كما ذكرنا في الوادي وإذا كان في قوم أهل خيام كالاعراب والاكراد فانما يترخص إذا فارق الخيام مجتمعة أو متفرقة ما دامت تعد حله واحدة وهى بمثابة ابنية البلدة والقرية ولا يعتبر مفارقته لحلة اخرى بل الحلتان كالقريتين المتقاربتين وضبط الصيدلاني التفرق الذى لا يؤثر بان يكونوا بحيث يجتمعون للسمر في ناد واحد ويستعير بعضهم من بعض فإذا كانوا بهذه الحالة فهم حى واحد ويعتبر مع مجاوزة الخيام مجاوزة مرافقها كمطرح الرماد وملعب الصبيان والنادي ومعاطن الابل فانها معدوة من جملة مواضع اقامتهم (وقوله) وعلي النازل في الوادي أن يخرج عن عرض الوادي وفى بعض النسخ أن يخرج عرض الوادي وفى بعضها أن يجاوز والمعنى لا يختلف يقال جزع الوادي أي قطعه وجزعة منعطفة وفي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 439 الكلام اضمار معناه يشترط عليه الخروج عن عرض الوادي إن كان سفره في صوب العرض (وقوله) أو يهبط إن كان على ربوة لا يختص بالنازل في الوادي بل الربوة والوهدة في غير الوادي اغلب وقد يفرضان فيه ايضا والحكم لا يختلف وليست كلمة أو فيهما وفى مجاوزة الخيام للتخيير لكن المقصد التعرض لاحوال النازل في الصحراء وهو تارة يكون في واد وتارة علي ربوة وتارة في وهدة وتارة في مستو من الارض فلا يفرض في حقه خروج من العرض ولا هبوط ولا صعود ولكنه يجاوز الخيام إن كان في حلة ولا فرق في اعتبار مجاوزة عرض الوادي والصعود والهبوط بين المقيم والمنفرد في خيمة وبين أن يكون في جماعة اهل خيام علي التفصيل الذى بيناه ولك أن تعلم قوله أو يجاوز الخيام بالواو لان القاضي ابن كج حكى وجها أنه لا يعتبر مفارقة الخيام بل يكفي مفارقة خيمته خاصة * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 440 قال (فان رجع المسافر لاخذ شئ نسيه لم يقصر في رجوعه الي وطنه الا إذا رجع إلى بلد كان بها غريبا فاظهر الوجهين أنه يترخص وان كان قد أقام بها) إذا فارق المسافر بنيان البلدة ثم رجع إليها لحاجة كاخذ شئ نسيه وغسل الدم من رعاف اصابه وتجديد طهارة وما اشبه ذلك فلتلك البلدة أحوال ثلاث (أحداها) أن لا يكون له بها اقامة اصلا فلا يصير مقيما بالرجوع إليها والحصول فيها (والثانية) ان تكون وطنه فليس له القصر إذا عاد إليها لحصوله في مسكنه وموضع اقامته وانما يترخص إذا فارقها ثانيا (والثالثة) أن لا تكون وطنه لكنه قد اقام بها مدة فهل يترخص إذا عاد إليها فيه وجهان (أحدهما) لا كما لو كانت وطنا له وهذا هو الذى ذكره في التهذيب (والثانى) نعم لانه أبطل عزم الاقامة وليست وطنا له فكانت بالاضافة إليه كسائر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 441 المنازل وهذا هو المذكور في التتمة والاصح عند امام الحرمين وصاحب الكتاب وحيث حكمنا بانه لا يترخص إذا اعاد إليه فلو نوى ان يعود ولم يعد بعد لا يترخص أيضا ويصير بالنية مقيما ولا فرق بين حالة الرجوع وحالة الحصول في البلدة المرجوع إليها أن ترخص ترخص فيهما والا فلا وقد صرح بالتسوية بينهما في الوسيط وبينه بقوله ههنا لم يقصر في رجوعه إلى وطنه علي انه لا يقصر في الوطن بطريق الاولي ولا يخفي ان الكلام مفروض فيما إذا لم يكن من موضع الرجوع إلى الوطن قدر مسافة القصر والا فهو سفر منشأ ويجوز أن يعلم قوله لم يقصر في رجوعه بالواو لان القاضي ابا المكارم ذكر في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 442 العدة انه يجوز له القصر في طريق البلد ذاهبا وجائيا ما لم يدخل البلد فإذا دخل لا يقصر وقوله الا إذا رجع استثناء منفصل فان البلدة التى تكون وطنا له لا يكون الانسان غريبا بها * قال (ثم نهاية سفره بالعود الي عمران الوطن أو بالعزم على الاقامة مطلقا أو مدة تزيد علي ثلاثة ايام ليس فيها يوم الدخول والخروج فان كان له في البلد غرض يعلم أنه لا ينتجز في ثلاثة ايام فهو مقيم الا إذا كان الغرض قتالا فيترخص علي ظهر القولين لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ثمانية عشر يوما وهل يزيد علي تلك المدة فقولان وان كان يتوقع انتجاز غرضه كل ساعة وهو علي عزم الارتحال ترخص ان كان الغرض قتالا وان كان غيره فقولان) * غرض الفصل فيما ينتهى به السفر وقد عده في الوسيط ثلاثة امور (أحدها) لعود الي الي الوطن والضبط فيه ان يرجع الي الموضع الذى شرطنا مفارقته في انشاء السفر منه وفى معنى الوصول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 443 الي الوطن الوصول الي المقصد الذى عزم علي الاقامة فيه الحد المعتبر كما سيأتي ولو لم يعزم علي الاقامة به ذلك الحد لم ينته سفره بالوصول إليه علي أصح القولين بل له القصر بعد الوصول إليه وفى انصرافه ذكره في التهذيب وغيره ولو حصل في طريقه في قرية أو بلدة له بها أهل وعشيرة فهل ينتهى سفره بدخوله فيه قولان (أحدهما) نعم كدخول وطنه (واصحهما) لا " لان النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المهاجرين لما حجوا قصروا بمكة وكان لهم أهل وعشيرة " وطرد الصيدلاني هذين القولين فيما إذا مر في طريق سفره بوطنه لانه قال لو خرج مكى الي جدة أو إلى موضع آخر يقصر إليه الصلاة ونوى انه إذا رجع الي مكة خرج منها إلى بعض الآفاق من غير اقامة فهل يصير مقيما إذا دخلها راجعا فيه قولان وذلك ان الرجل إذا مر ببلدة له بها أهل ومال هل يصير بدخولها مقيما فيه قولان فعلى هذا العود الي الوطن لا يوجب انتهاء السفر الا إذا كان عازما علي الاقامة لكن المشهور انه يصير مقيما بنفس الدخول بلا خلاف ولذلك قطعوا فيما إذا رجع إلى وطنه لاخذ شئ نسيه بانه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 444 لا يقصر وقد نقل في البيان مثل ما ذكر الصيدلانى عن بعض الاصحاب واستبعده وقطع بانه لا يقصر إذا عاد إلى مكة ويصير مقيما (الثاني) نية الاقامة إذا نوى الاقامة في طريقه مطلقا انقطع سفره وصار مقيما لا يقصر فلو أنشأ السير بعده فهو سفر جديد فانما يقصر إذا توجه الي مرحلتين هذا إذا نوى الاقامة في موضع يصلح لها من بلدة أو قرية أو واد يمكن للبدوي النزول فيه للاقامة فاما المفازة ونحوها فهل ينقطع سفره بنية الاقامة فيها فيه قولان (احدهما) وبه قال أبو حنيفة لا لان المكان غير صالح للاقامة (واظهرهما) عند جمهور الاصحاب نعم لقصده قطع السفر وهذا أوفق لمطلق لفظ الكتاب والاول ارجح عنده في الوسيط ولو نوى الاقامة مدة نظر إن نواها ثلاثة ايام فما دونها لم يصر مقيما بذلك لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا " وكان يحرم على المهاجرين الاقامة بمكة ومساكنة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 445 الكفار فلما رخص لهم في المكث هذا القدر اشعر ذلك بانه لا يقطع حكم السفر ولا يوجب الاقامة " ومنع عمر رضى الله عنه أهل الذمة من الاقامة في أرض الحجاز وجوز للمجتازين بها المكث ثلاثة أيام " وان نوى الاقامة اكثر من ثلاثة أيام فعبارة الشافعي رضى الله عنه وجمهور الاصحاب انه إذا قصد اقامة أربعة أيام صار مقيما وذلك يقتضي ان لا يكون قصد اقامة ما دون الاربعة منهيا للسفر وان زاد علي ثلاثة أيام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 446 وقد صرح به كثيرون واختلفوا في ان الايام الاربعة كيف تحتسب على وجهين مذكورين في التهذيب وغيره (أحدهما) أنه يحتسب يوم الدخول والخروج كما يحسب يوم الحدث ويوم نزع الخف في مدة المسح (واصحهما) لا لان المسافر لا يستوعب النهار بالسير انما يسير في بعضه وهو في يومي الدخول والخروج سائر في بعض النهار ولانه في يوم الدخول في شغل الحط وتنضيد الامتعة ويوم الخروج في شغل الارتحال وهما من اشغال السفر فعلي الاول لو دخل يوم السبت وقت الزوال علي عزم الخروج يوم الاربعاء وقت الزوال فقد صار مقيما لبلوغ المكث في البلد أربعة أيام وعلي الثاني لا يصير مقيما وان دخل ضحوة يوم السبت علي عزم الخروج عشية يوم الاربعاء وقال صاحب الكتاب وشيخه متى نوى اقامة زيادة علي ثلاثة أيام فقد صار مقيما وهذا الذي ذكرناه يوهم انه على خلاف قول الجمهور لانهم احتملوا ما دون الاربعة وان زاد على الثلاثة وهما لم يحتملا زيادة وهو كذلك من حيث الصورة لكن لا خلاف في الحقيقة لانهم احتملوا زيادة لا تبلغ الاربعة غير يومي الدخول والخروج وهما لم يحتملا زيادة على الثلاثة غير يومي الدخول والخروج وقرض الزيادة علي الثلاثة بحيث لا تبلغ الاربعة ويكون غير يومى الدخول والخروج مما لا يمكن وقد روى " ان النبي صلي الله عليه وسلم دخل مكة عام حجة الوداع يوم الاحد وخرج يوم الخميس إلي منى كل ذلك يقصر " ثم الايام المحتملة معدودة مع الليالي لا محالة وإذا نوى اقامة القدر الذى لا يحتمل فيصير مقيما في الحال ولا يتوقف علي انقضاء المدة المحتملة ولو دخل ليلا لم يحتسب بقيه الليل ويحتسب الغد وجميع ما ذكرنا في غير المحارب فاما المحارب إذا نوى الاقامة قدرا لو نواه غيره لصار مقيما ففيه قولان حكاهما الشيخ أبو حامد وكثير من الائمة (احدهما) لا يصير مقيما وله القصر أبدا لانه قد يضطر الي الارتحال فلا يكون له قصد جازم (وأصحهما) انه يصير مقيما كغيره وهذا هو الموافق لاطلاق لفظ الكتاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 447 والخلاف كالخلاف فيما لو قصد الاقامة في موضع لا يصلح لها وقوله أو مدة تزيد على ثلاثة ايام معلم بالحاء والزاي لان عن أبى حنيفة لا يصير مقيما الا إذا نوى اقامة خمسة عشر يوما فصاعدا وهو اختيار المزني وحكى عن مالك واحمد مثل مذهبنا ويروى عن احمد انه أن نوى اثنين وعشرين صلاة اتم وأن نوى اقامة احدى وعشرين فما دونها قصر ويجوز أن يعلم بالالف ايضا (وقوله) ليس فيها يوم الدخول والخروج معلم بالواو لان على الاول من الوجهين المذكورين في كيفية الاحتساب لا يحتمل اليومان مع الثلاثة على الاطلاق الثالث صورة الاقامة إذا زادت علي ثلاثة ايام علي الوجه الذى بيناه فمهما عرض له شغل في بلدة أو قرية واحتاج الي الاقامة لذلك فلا يخلو إما أن يكون ذلك الشغل بحيث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 448 يتوقع تنجزه لحظة فلحظة وهو علي عزم الارتحال متى تنجز أو يكون بحيث يعلم أنه لا يتنجز في الايام الثلاثة كالتفقه والتجارة الكثيرة ونحوهما فاما في الحالة الاولي فله القصر الي أربعة أيام علي ما تقدم وصفها ثم لا يخلو إما أن يكون على القتال أو خائفا منه أو لا يكون كذلك فان كان علي القتال أو خائفا منه ففى المسألة طريقان (اظهرهما) أن فيها قولين (احدهما) أنه ليس له القصر لان نفس الاقامة ابلغ من نية الاقامة فإذا امتنع القصر بنية اقامة اربع فصاعدا فلان يمتنع باقامتها كان أولي (واصحهما) أن له القصر لانه قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " اقام عام الفتح علي قتال هوازن اكثر من اربعة ايام يقصروا " على هذا كم يقصر فيه قولان (اصحهما) أنه يقصر المدة التى قصر رسول الله صلي الله عليه وسلم وفيما عدا ذلك فالاصل وجوب الاتمام وقد اختلفت الرواية في مدة اقامته بمكة للحرب المذكور فروى أنه اقام سبعة عشر وروى أنه اقام تسعة عشر وروى أنه اقام عشرين وعن عمران بن الحصين رضي الله عنه أنه اقام ثمانية عشر " قال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 449 في التهذيب واعتمد الشافعي رضى الله عنه رواية عمران بن حصين رضي الله عنه لسلامتها عن الاختلاف (والقول) الثاني له القصر ابدا مادام علي هذه النية لما روى أنه صلي الله عليه وسلم وآله " اقام بتبوك عشرين يوما يقصر " وايضا فان الظاهر أنه لو زادت الحاجة لدام رسول الله صلى الله عليه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 450 وسلم علي القصر " وروى أن عمر رضي الله عنهما اقام باذربيجان ستة أشهر يقصر " (والطريق الثاني) انه لا خلاف في جواز القصر ثمانية عشر يوما وبعده قولان واما إذا لم يكن علي القتال ولا خائفا منه لكن اقام للتجارة ونحوها يتوقع تنجز الغرض لحظة فلحظة وهو علي عزم الارتحال فطريقان (احدهما) القطع بالمنع والفرق بين المحارب وغيره أن للحرب اثرا في تغيير صورة الصلاة الا يرى أنه يحتمل بسببه ترك الركوع والسجود والقبلة (واظهرهما) أن فيه قولين ثم إن جوزنا ففى كيفيته قولان كما ذكرنا في المحارب وقد نقل عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال " سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقام سبعة عشر يوما يقصر فيه الصلاة " اشعر هذا الاطلاق بان حكم الحرب وغيره سواء وإذا اختصرت قلت في جواز القصر في هذه الحالة الاولي طريقان (اظهرهما) أن فيه ثلاثة اقوال سواء المحارب وغيره (احدها) منع القصر علي الاطلاق (والثاني) جوازه على الاطلاق وبه قال أبو حنيفة ومالك واحمد والمزني رحمهم الله تعالى (والثالث) وهو الاصح جوازه إلى ثمانية عشر يوما والمنع بعده (والطريق الثاني) أن هذه الاقوال في المحارب وفى غيره يقطع بالمنع (الحالة الثانية) أن يكون الشغل بحيث يعلم أنه لا يتنجز في ثلاثة ايام ونتكلم ايضا في المحارب ثم في غيره فاما المحارب فقد اطلق في الوسيط ذكر قولين فيه (احدهما) أن له القصر لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات (والثاني) المنع لانه مقيم ومجرد القتال لا يرخص وفعل النبي صلي الله عليه وسلم محمول علي عزم الارتحال كل يوم والاحسن ما اشار إليه امام الحرمين وهو ترتيب هذه الحالة على الاولى إن قلنا المحارب ثم لا يقصر فههنا أولي وأن قلنا يقصر فههنا قولان والفرق أنه متردد ثم وههنا مطمئن ساكن بعيد عن هيئة المسافرين وإذا قلنا يترخص فهل يزيد علي ثمانية عشر يوما فيه قولان كما في الحالة الاولى واما غير المحارب كالمتفقه والتاجر تجارة كثيرة فظاهر المذهب أنه لا يترخص وهو مقيم لان ارتحاله موقوف في عزمه على تنجز شغله وذلك غير متنجز في المدة التى يحتمل اقامتها وقياس التسوية بين المحارب وغيره عود الخلاف ههنا وقد اشار إليه صاحب النهاية واستنكره وقال هو نتيجة التفريع على الاقوال الضعيفة إذا عرفت حكم الحالتين فارجع إلى لفظ الكتاب واعلم أن ثانيتهما في الشرح اولاهما في نظم الكتاب وأن قوله فهو مقيم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 451 الا إذا كان الغرض قتالا يجوز أن يعلم لفظ المقيم بالواو للوجه الذى ذكرناه الآن في غير المحارب وقوله الا إذا كان الغرض قتالا كلام في المحارب ولا فرق بين أن يكون مشغولا بالحرب أو مستعدا له أو خائفا منه وأن لم يتمحض ذلك غرضا له والحكم سواء في جميع هذه المسائل واعرف في قوله فيترخص علي اظهر القولين اشياء (احدها) أنه يجوز اعلام القولين اشياء (احدها) أنه يجوز اعلام قوله علي اظهر القولين بالواو اشارة إلى طريقة تحصل بما حكينا من ترتيب الحالة الثانية على الاولي ويحرم بالمنع (والثاني) أن الحكم بكون الترخص اظهر القولين ليس في هذه الحالة علي خلاف المشهور وانما جعلوا قول الترخص اظهر واصح فيما إذا كان يتوقع تنجز الغرض كل ساعة واما هذه الصورة فقد جعلوها بمثابة ما لو عزم علي الاقامة مدة طويلة وقد ذكرنا أنه أن كان محاربا ففي ترخصه قولان والاصح منهما أنه لا يترخص وهو مقيم (والثالث) أنه اراد بقوله فيترخص علي اظهر القولين أنه يترخص ثمانية عشر يوما علي ما يثبته سياق الكلام والمقابل له أنه لا يترخص هذه المدة وحينئذ ما لحكم أنقول لا يترخص اصلا أم يترخص دون هذه المدة (أن قلنا) الحكم في هذه الحالة كالحكم فيما إذا كان يتوقع نجاز غرضه كل ساعة (فيترخص) ثلاثة ايام كما سبق (وأن قلنا) أنه مطمئن ليس على هيئة المسافرين فلا يترخص اصلا كما إذا نوى الاقامة فوق الاربعة يصير مقيما في الحال (وقوله) وأن كان يتوقع انجاز غرض الي آخره هو الحالة الاولى وقوله فيترخص يجوز أن يكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 452 جوابا علي الطريقة القاطعة بالترخص الي ثمانية عشر يوما ويجوز أن يكون جوابا علي الاصح مع تسليم الخلاف وهو الذى ذكره في الوسيط علي التقديرين فهو معلم بالواو ثم لم يبين أنه كم يترخص وربما يفهم ظاهر اللفظ الترخيص علي الاطلاق لكن الاصح أنه لا يترخص بعد الثمانية عشر وقد بينا جميع ذلك * قال (اما الطويل فحده مسيرة يومين (ح) وهو ستة عشر فرسخا لا يحتسب فيه مدة الاياب ويشترط عزمه في اول السفر فلو خرج في طلب آبق لينصرف مهما لقيه لم يترخص وإن تمادى سفره الا إذا علم أنه لا يلقاه قبل مرحلتين ولو ترك الطريق القصير وعدل الي الطويل لغير عرض لم يترخص (ح وز) ومهما بدا له الرجوع في اثناء سفره انقطع سفره فليتم إلى أن ينفصل عن مكانه متوجها الي مرحلتين) * القيد الثاني كون السفر طويلا واختلفت عبارات الشافعي رضي الله عنه في حده فقال في المختصر وغيره ستة واربعون ميلا بالهاشمي وقال في موضع ثمانية وأربعون ميلا وقال في موضع أربعون ميلا وقال في موضع أربعة برد وقال في موضع مسيرة يومين واتفق الاصحاب على أنه ليس له في ذلك اختلاف قول وحيث قال ستة وأربعون اراد ما سوى الميل الاول والآخر وحيث قال ثمانية وأربعون ادخلهما في الحساب وحيث قال أربعون اراد باميال بني امية وهي ثمانية وأربعون ميلا وهي اميال هاشم جد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قد قدر اميال البادية فيكون ستة عشر فرسخا لان كل ثلاثة اميال فرسخ وهى أربعة برد لان كل بريد أربعة فراسخ ومسيرة يومين لان مسيرة كل يوم على الاعتدال ثمانية فراسخ وكل ميل أربعة آلاف خطوة واثنا عشر الف قدم لان كل خطوة ثلاثة اقدام وقال أبو حنيفة السفر الطويل مسيرة ثلاثة ايام ولم يقدر بالفراسخ والاميال وذكر القاضي الرويانى وغيره من اصحابنا أنه أربعة وعشرون فرسخا عنده وهو علي قياس مسيرة اليومين كما ذكرنا لنا ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 453 الله عليه وسلم قال " يا اهل مكة لا تقصروا في اقل من أربعة برد من مكة الي عسفان والي الطائف " وهو يقتضي الترخيص في هذا القدر وروى مثل مذهبنا عن ابن عمر وابن عباس وغيرهما من الصحابة رضوان الله عليهم اجمعين وبه قال مالك وأحمد واستحب الشافعي رضى الله عنه أن لا يقصر في اقل من مسيرة ثلاثة ايام للخروج من الخلاف وما ذكرناه من تفسير الطول معتبر بالتقريب أو بالتحديد حكي القاضى الروياني فيه وجهين وقال الصحيح أنه تحديد ونقل الحناطى وصاحب البيان قولا أن القصر يجوز في السفر القصير بشرط الخوف لعموم قوله تعالي (وإذا ضربتم في الارض) الآية فان ثبت ذلك اقتضي اعلام لفظ الطويل عند قوله قبل هذا وهو كل سفر طويل مباح بالواو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 454 ثم في الفصل مسائل (احداها) مسافة الاياب لا تحتسب في الحد المذكور حتى لو قصد موضعا على مرحلة علي عزم أن يرجع ولا يقيم فيه فليس له القصر لا ذاهبا ولا جائيا وأن نالته مشقة السير مرحلتين علي التوالي لانه لا يسمي سفرا طويلا والغالب في الرخص الاتباع وما رويناه من خبر ابن عباس رضي الله عنهما ظاهر في أن المعتبر المسافة التى يقطعها من منشأ سفره الي مقصده وحكي الحناطى وجها أنه إذا كان الذهاب والرجوع حد السفر الذى يقصر إليه الصلاة قصر فيجوز أن يعلم قوله لا يحتسب بالواو لذلك (الثانية) يشترط عزمه على قطع هذه المسافة في الابتداء فلو خرج لطلب غريم أو عبد آبق لينصرف مهما لقيه وهو لا يدرى موضعه لم يترخص وأن طال سيره كما ذكرناه في الهائم فإذا وجده وعزم علي الرجوع إلى بلده وبينهما مسافة القصر يترخص إذا ارتحل عن ذلك الموضع ولو كان يعرف موضعه في ابتداء السير أو يعرف أنه لا يلقاه قبل مرحلتين فله الترخص ولو قصد مسافة القصر ثم نوى أنه أن وجد عبده أو غريمه ينصرف نظر أن نوى ذلك قبل مفارقة عمران البلد لم يترخص لانه غير النية قبل انعقاد حكم السفر وان نواه بعد مفارقة العمران ففيه وجهان مذكوران في النهاية والتهذيب (اصحهما) أنه يترخص ما لم يجده فإذا وجده صار مقيما لان سبب الرخصة قد انعقد فيستمر حكمه الي أن يوجد ما غير النية إليه وكذلك لو نوى الخروج الي مسافة القصر ثم نوى الاقامة في بلد وسط الطريق أن كان من مخرجه الي المقصد الثاني مسافة القصر يترخص وأن كان اقل فوجهان (أصحهما) أنه يترخص ما لم يدخله كما في مسألة الغريم وإذا سافر العبد بسير المولي والمرأة بسير الزوج والجندى بسفر الامير وهم لا يعرفون مقصدهم فليس لهم القصر وأن نووا مسافة القصر فلا عبرة بنية العبد والمرأة وتعتبر نية الجندي فانه ليس تحت يد الامير وقهره وأن عرفوا مقصدهم ونووا فلهم القصر وقال أبو حنيفة العبد والمرأة يترخصان تبعا للسيد والزوج وأن لم يعرفا المقصد (الثالثة) لو كان له إلى مقصده طريقان يبلغ احدهما مسافة القصر والثانى لا يبلغها فسلك الطريق الطويل نظر ان كان لغرض كخوف أو حزونة في القصير أو قصد زيارة أو عبادة في الطويل فله القصر ولو قصد التنزه فكذلك وعن الشيخ ابى محمد رحمه الله تعالى تردد في اعتباره وان قصد الترخص ولم يكن له غرض سواه ففى المسألة طريقان (اظهرهما) أن في الترخص قولين (احدهما) انه يترخص وبه قال أبو حنيفة والمزنى وهو نصه في الاملاء لانه سفر مباح فأشبه سائر الاسفار (واصحهما) انه لا يترخص لانه طول الطريق علي نفسه من غير غرض فصار كما لو سلك الطريق القصير وكان يذهب يمينا وشمالا وطول على نفسه حتي بلغت المرحلة مرحلتين فانه لا يترخص (والطريق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 455 الثاني) القطع بهذا القول الثاني وحمل نصه في الاملاء علي ما إذا سلكه لغرض ولو كان يبلغ كل واحد من الطريقين مسافة القصر واحدهما أطول فسلك الاطول فله القصر بلا خلاف إذا عرفت ذلك فقوله في الكتاب لم يترخص يجوز ان يكون جوابا على الطريقة الجازمه بالمنع ويجوز ان يكون جوابا علي الاصح مع اثبات الخلاف وعلي التقديرين فهو معلم بالواو مع الحاء والزاى (الرابعة) إذا خرج الي بلدة والمسافة طويلة ثم بدا له في اثناء السفر أن يرجع فقد انقطع سفره بهذا القصد ولم يكن له ان يقصر ما دام في ذلك الموضع فإذا ارتحل عنه فهو سفر جديد فانما يقصر إذا توجه من ذلك المكان الي مرحلتين سواء رجع أو بطل عزمه وسار إلى مقصده الاول وتوجه إلى غيرهما ولو توجه الي بلد لا تقصر إليه الصلاة ثم نوى مجاوزته إلى بلد تقصر إليه الصلاة فابتداء سفره من حين غير النية وانما يترخص إذا كان من ذلك الموضع الي مقصده الثاني مرحلتان ولو خرج إلى سفر طويل على قصد الاقامة في كل مرحلة اربعة ايام لم يترخص لانقطاع كل سفرة عن الاخرى * قال (واما المباح فالعاصي بسفره (ح ز) لا يترخص كالآبق والعاق فان طرأت المعصية في اثناء السفر ترخص علي النص وكذا علي العكس وفي تناول الميتة ومسح يوم وليلة وجهان (اصحهما) الجواز لانها ليسا من خصائص السفر) * القيد الثالث كون السفر مباحا وليس المراد من المباح في هذا الموضع ما خير بين طرفيه واعتدلا فان الرخصة كما تثبت في سفر التجارة تثبت في سفر الطاعة كالحج والجهاد ونحوهما وانما المراد منه ما ليس بمعصية واما سفر المعصية فلا يفيد الرخصة خلافا لابي حنيفة والمزنى وذلك كهرب العبد من مولاه والمرأة من زوجها والغريم مع القدرة علي الاداء وكما إذا سافر ليقطع الطريق أو ليزني بامرأة أو ليقتل بريئا: لنا أن الرخصة اثبتت نخفيفا وإعانة على السفر ولا سبيل إلى اعانة العاصي فيما هو عاص به بخلاف ما لو كان السفر مباحا وهو يرتكب المعاصي في طريقه فانه لا يمنع ثم من السفر انما يمنع من المعصية ولو انشأ سفرا مباحا ثم نقله إلى معصية ففيه وجهان (احدهما) أنه يترخص لان هذا السفر انعقد مباحا مرخصا والشرط يراعي في الابتداء (والثاني) لا يترخص كما لو انشأ السفر بهذه النية هكذا أرسل الجمهور ذكر الوجهين في المسألة وكلامهم يميل إلى ترجيح الوجه الثاني وقد صرح به في العدة ونسب في النهاية القول بالترخص الي ظاهر النص والثانى إلى تخريج ابن سريج وتابعه في الكتاب فقال ترخص علي النص والاقتصار عليه يفهم ظهور القول بالترخص لكنه ذكر في الوسيط ان عدم الترخص اوضح كما حكيناه عن غيره ولو انشأ السفر علي قصد معصية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 456 ثم تاب وبدل قصده من غير تغيير صوب السفر فالذي قاله الاكثرون في هذه الصورة أن ابتداء سفره من ذلك الموضع أن كان منه إلى مقصده مسافة القصر ترخص والا فلا وحكى في النهاية عن شيخه أن عروض قصد الطاعة على سفر المعصية كعروض قصد المعصية علي سفر الطاعة فقياس ظاهر النص أنه لا يترخص لفقد الشرط في الابتداء وعند ابن سريج يترخص نظرا الي الحال (وقوله) في الكتاب وكذا علي العكس يوهم انه يترخص في العكس لانه معطوف علي قوله ترخص على النص وما اراد به ذلك وانما اراد العطف على معنى النص وهو النظر الي الابتداء فكأنه قال ترخص علي النص اعتبارا بالابتداء وكذا علي العكس ينظر إلى الابتداء فلا يترخص وعلي التخريج وهو الاظهر ينظر الي الحال في الصورتين إذا عرفت ذلك فنقول العاصي بسفره لا يقصر ولا يفطر ولا يتنفل على الراحلة ولا يجمع بين الصلاتين ولا يمسح ثلاثة أيام وهل يمسح يوما وليلة فيه وجهان (احدهما) لا لما فيه من التخفيف عليه وتسرعه بسبب ذلك إلى المعصية (واظهرهما) عند الجمهور نعم لان المسح يوما وليلة ليس من رخص المسافرين بل هو جائز للحاضر ايضا وغاية ما في باب الحاق هذا السفر بالعدم لكن حكى عن الشيخ ابى محمد ان المقيم إذا كان يدأب في معصية ولو مسح علي خفيه لكان ذلك عونا له عليها فيحتمل انه يمنعه من المسح واستحسن الامام ذلك فعلي هذا يتوجه ان يقال أنه ليس من خصائص السفر ولا الحضر لكنه من مرافق اللبس بشرط عدم المعصية وهل للعاصي بسفره ان يتناول الميتة عند الاضطرار فيه وجهان نقلهما صاحب النهاية وغيرهما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 457 احدهما به قال الاودني لا لما فيه من التخفيف علي العاصي وهو متمكن من دفع الهلاك عن نفسه بان يتوب ثم يأكل (والثاني) نعم احياء للنفس المشرفة علي الهلاك ولان المقيم متمكن من تناول الميتة عند الاضطرار فليس ذلك من رخص السفر فاشبه تناول الاطعمة المباحة لما لم يكن من خصائص السفر لم يمنع منه العاصى بسفره وبالوجه الاول قطع عامة الاصحاب من العراقيين وغيرهم ونفوا الخلاف في المسألة وقد قيل في المقيم العاصى ليس له تناول الميتة ايضا ما لم يتب والله اعلم * وهذا الشرح ينبهك من لفظ الكتاب في المسألتين علي امرين (احدهما) أنه يجوز أن يعلم قوله وجهان بالواو لانه اثبت في المسألتين وجهين وقد ذكرنا أن بعضهم يقطع بالمنع في تناول الميتة (والثانى) أنه جعل اصح الوجهين في المسألتين الجواز وهذا مسلم في المسح يوما وليلة ممنوع في تناول الميتة على رأي الجمهور ويجوز أن يعلم لفظ الجواز بالالف لان عند احمد لا يجوز له تناول الميتة كما هو احد وجهينا ومما الحق بسفر المعصية أن يتعب الانسان نفسه ويعذب دابته بالركض من غير غرض ذكر الصيدلانى أنه لا يحل له ذلك ولو كان الرجل ينتقل من بلدة الي بلدة من غير غرض صحيح فقد قال في النهاية أنه لا يترخص وأن خرج عن مضاهاة من يهيم وظهر له مقصد ونقل عن الشيخ ابى محمد أن السفر لمجرد رؤية البلاد والنظر إليها ليس من الاغراض الصحيحة * قال (: النظر الثاني: في محل القصر وهو كل صلاة رباعية مؤداة في السفر فلا قصر في الصبح والمغرب ولا في فوائت الحضر وفى فوائت السفر ثلاثة اقوال يفرق في الثالث بين أن يقضى في الحضر أو السفر) * محل القصر كل صلاة رباعية مؤداة في السفر وذكر في الوسيط قيدا آخر وهو أن يدرك وقتها في السفر للمسألة التى تأتى بعد هذا الفصل فيخرج عن الرباعية المغرب والصبح فلا قصر فيهما بالاجماع ويخرج عن المؤادة في السفر المقضية وينظر فيها أن كانت فائتة الحضر فلا يجوز للمسافر قصرها خلافا للمزني حيث قال يجوز اعتبارا بحال القضاء كما لو ترك صلاة في الصحة له قضاؤها في المرض قاعدا * لنا أنه لزمته الاربع فلا يجوز النقصان كما لو لم يسافر ويفارق صلاة المريض لان المرض حالة ضرورة فيحتمل له مالا يحتمل للسفر الا يرى أنه لو شرع في الصلاة قائما ثم طرأ المرض له ان يقعد ولو شرع فيها في الحضر وسارت به السفينة لم يكن له ان يقصر وان تردد انها فائتة السفر أو الحضر فكذلك لا يجوز له قصرها واما فائتة السفر فاما ان يقضيها في السفر أو في الحضر فان قضي في السفر فاما ان يقضى في تلك السفرة أو في سفرة اخرى فان قضى في تلك السفرة ففيه قولان (احدهما) انه لا يجوز له القصر لان شرط الرد الي ركعتين الوقت بدليل الجمعة (والثانى) يجوز لان اللازم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 458 عليه ركعتان فيجزئه في القضاء ركعتان وجعل صاحب التهذيب والتتمة المنع اصح القولين لكن ما عليه الاكثرون من العراقيين وغيرهم أن الاصح الجواز لبقاء العذر المرخص واما إذا قضى في سفرة اخرى ففيه طريقان (اظهرهما) طرد القولين (والثاني) القطع بالمنع والفرق أن الامر بالقضاء متوجه عليه في كل حالة فإذا لم يقض وقد تخللت حالة اقامة فكأنه تركها في تلك الحالة كما لو غصب شيئا وتلف عنده لزمه اقصى القيم لانه مخاطب في كل حالة بالرد فإذا لم يرد التزم قيمة اكمل الاحوال وأن قضاها في الحضر اطرد الطريقان والمنع ههنا أوضح وأصح ورتب في النهاية بعض الصور الثلاث علي بعض فحكي قولين فيما إذا قضي في ذلك السفر وفيما إذا قضي في الحضر قولين مرتبين عليهما وأولى بالمنع وجعل الصورة الثالثة متوسطة بينهما ان رتبت علي الاولي فهي أولي بالمنع وان رتبت على الثانية فهى اولى بالجواز وإذا اختصرت وتركت التفصيل قلت في المسألة أقوالا كما ذكر في الكتاب (أحدها) وهو القديم الجواز علي الاطلاق وبه قال أبو حنيفة ومالك (وثانيها) وهو الجديد المنع علي الاطلاق وبه قال احمد (واظهرها) ويحكي عن الاملاء الفرق بين ان يقضى في الحضر وفى السفر وهذا إذا طردنا القولين في القضاء في تلك السفرة وفى سفرة أخرى وان فرقنا صارت الاقوال أربعة واعلم قوله يفرق في الثالث بالحاء والميم لما ذكرنا من مذهبهما ونقل في الوسيط ان مذهب المزني الجواز على الاطلاق ايضا لكن روى الصيدلاني وغيره عنه المنع فيما إذا قضي في الحضر وهذا هو الصحيح وقياس مذهبه المشهور في عكسه وهو ما إذا فاتته في الحضر فيقضي في السفر كما تقدم وإذا قلنا فائتة السفر لا تقصر وان قضيت في تلك السفرة فلو شرع في الصلاة بنية القصر فخرج الوقت في اثنائها فهو مبنى علي أن الصلاة التى يقع بعضها في الوقت وبعضها خارجه قضاء ام اداء وقد قدمنا ذلك في باب المواقيت وتعرضنا لهذه الصور فيه وظاهر المذهب أنه ان وقع في الوقت ركعة فهى اداء فيقصر على هذا القول ايضا وإن وقع دون ركعة فلا يقصر علي هذا القول أنها قضاء وعن صاحب التلخيص أنه يجب الاتمام وإن وقع في الوقت ركعة كالجمعة إذا وقع بعضها خارج الوقت يتمها أربعا * قال (والمسافر في آخر الوقت يقصر والحائض إذا أدركت أول الوقت ثم حاضت تلزمها الصلاة لان هذا القدر كل وقت الامكان في حقها بخلاف المسافر هذا هو النص وقيل فيهما قولان بالنقل والتخريج) * إذا سافر في اثناء الوقت وقد مضى منه قدرا يتمكن من فعل الصلاة فيه فالنص أنه يجوز له القصر ونص فيما لو ادركت من أول الوقت قدر الامكان ثم حاضت يلزمها القضاء وكذلك سائر أصحاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 459 العذر واختلفوا في المسألتين علي طريقين (أحدهما) أن فيهما قولين (أحدهما) ان أدرك أول الوقت ملزم فالحائض تقضي تلك الصلاة والمسافر يتم لان الصلاة تجب باول الوقت وقد أدركا وقت الوجوب (والثانى) أنه لا يلزمها الصلاة ويجوز له القصر لان الاستقرار انما يكون بآخر الوقت ولهذا نقول لو أخر الصلاة عن أول الوقت ومات لا يلقى الله تعالى عاصيا علي الاصح (والثاني) تقرير النصين والفرق أن الحيض مانع من الصلاة فإذا طرأ انحصر وقت الامكان في حقها في ذلك القدر وكأنها أدركت جميع الوقت بخلاف المسافر فان السفر غير مانع وأيضا فان الحيض لو أثر انما أثر في اسقاط الصلاة بالكلية والقول بالسقوط مع ادراك وقت الوجوب بعيد والسفر انما يؤثر في كيفية الاداء لا في أصل الفعل فاشبه ما لو أدرك العبد من الوقت قدر ما يصلى فيه الظهر ثم عتق يلزمه الجمعة دون الظهر وظاهر المذهب الفرق بين المسألتين علي موجب النصين سواء أثبتنا طريقة القولين أم لا ونقل الاصحاب عن المزني وابن سريج في مسألة المسافر أنه لا يقصر وأعلم قوله في الكتاب يقصر بالزاى لذلك لكنه تخريج من المزني للشافعي رضي الله عنه خرجه من مسألة الحائض وليس مذهبا له لانا قدمنا عنه أنه لو ذهب جميع الوقت في الحضر وفاتته الصلاة كان له القصر إذا قضاها في السفر فههنا أولي فإذا لا يصح الاعلام بالزاى وأما ابن سريج فانه خرج من كل واحدة من المسألتين في الاخرى واختار عدم القصر وقد ذكرنا تخريجه في الحائض من هذه المسألة في باب المواقيت في الفصل الثاني ووافق أبو الطيب بن سلمة ابن سريج علي أنه لا يقصر لكن لا علي الاطلاق بل فيما إذا سافر ولم يبق من الوقت إلا قدر أربع ركعات لانه إذا ضاق الوقت تعين عليه صلاة الحضر فهذا مذهب ثالث وراء القولين وان سافر وقد بقى من الوقت أقل من قدر الصلاة فجواز القصر يبنى علي ان من أوقع بعض صلاته في الوقت وبعضها خارجه تكون جميع صلاته اداء أم لا ان قلنا نعم قصر وإلا فلا (وقوله) والمسافر في آخر الوقت ليس المراد منه الجزء الآخر بل المراد ما إذا سافر وقد مضي من أوله ما يسع الصلاة وكذا قوله والحائض إذا أدركت أول الوقت ثم حاضت يعني أدركت منه ما يسع للصلاة ولو قال ولو ادركت المرأة أول الوقت ثم حاضت بدل الحائض لكان أحسن ولو سافر والماضي من الوقت دون ما يسع للصلاة فقد قال في النهاية ينبغي أن يمتنع القصر ان قلنا أنه يمتنع لو كان الماضي قدر ما يسع للصلاة بخلاف ما لو حاضت بعد مضى القدر الناقص حيث لا يلزمها الصلاة على الصحيح لان عروض السفر لا ينافى اتمام الصلاة وعروض الحيض ينافيه * قال (النظر الثالث: في الشرط وهو اثنان (الاول) أن لا يقتدى بمقيم فلو اقتدى ولو في لحظة (م) لزمه الاتمام ولو شك في ان امامه مقيم ام لا لزمه الاتمام ولو شك في انه نوى الاتمام وهو مسافر لم يلزمه الاتمام لان نية الاتمام لا شعار لها بخلاف المسافر) * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 460 جعل شرط القصر شيئين (احدهما) ان لا يقتدى في صلاته بمقيم أو بمسافر متم فلو فعل ذلك ولو في لحظة لزمه الاتمام خلافا لمالك حيث قال ان ادرك معه ركعة لزمه الاتمام وان ادرك دون ركعة فله القصر لنا ما روى " انه سئل ابن عباس رضى الله عنهما ما بال المسافر يصلى ركعتين إذا انفرد واربعا إذا ائتم بمقيم فقال تلك السنة " والمفهوم منه سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم واعلم قوله ولو في لحظة بالميم لما حكيناه عن مالك والاقتداء في لحظة يفرض من وجوه كثيرة (منها) ان يدرك الاما في آخر صلاته (ومنها) ان يحدث الامام عقيب اقتدائه وينصرف وقوله ان لا يقتدى بمقيم في بعض النسخ بمتم وهو اعم فان كل مقيم متم وقد يكون المسافر متما ايضا والحكم لا يختلف وعند ابى حنيفة انه إذا صلى مسافر بمسافرين ونووا الاتمام جاز لهم القصر وسلم انه إذا اقتدى بمقيم لم يجز القصر فإذا كانت النسخة أن لا يقتدى بمقيم جاز اعلام الحكم بالحاء ولو اقتدى في الظهر بمن يقضى الصبح مسافرا كان أو مقيما فهل له القصر فيه وجهان (أحدهما) نعم لتوافق الصلاتين في العدد (وأصحهما) لا لان الصلاة تامة في نفسها ولو دخل في مروره بلدة وأهلها يقيمون الجمعة فاقتدى في الظهر بالجمعة قيل ان قلنا ان الجمعة ظهر مقصورة فله القصر وإلا فهي كالصبح وظاهر المذهب عند الاكثرين المنع بكل حال لانها صلاة إقامة وهو الموافق لظاهر لفظ الكتاب إذا عرف ذلك فنقول المسافر اما أن يعلم حال الذى يقتدى به في السفر والاقامة أو لا يعلم فان علم نظر ان عرفه مقيما فقد ذكرنا ان عليه الاتمام وكذا لو ظنه مقيما فلو اقتدى به ونوى القصر انعقدت صلاته ولغت نية القصر بخلاف المقيم ينوى القصر لا ينعقد ظهره لانه ليس من أهل القصر والمسافر من أهله فلا يضره نية القصر كما لو شرع في الصلاة بنية القصر ثم نوى الاتمام أو صار مقيما فانه يتم وإن عرفه أو ظنه مسافرا وعرف انه نوى القصر أو ظنه فله أن ينوى القصر وان لم يدر انه نوى القصر أم لا فكذلك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 461 ولا يلزمه الاتمام بهذا التردد لان الظاهر من حال المسافر القصر وليس للنية شعار يعرف به فهو غير مقصر في الاقتداء علي التردد ولو عرض هذا التردد في أثناء الصلاة فكذلك لا يلزمه الاتمام ومتى لم يعرف نيته فهل يجوز أن يعلق نيته فيقول ان قصر قصرت وإن أتم أتممت أو لابد من الجزم بالقصر فيه وجهان (أصحهما) جواز التعليق فان الحكم متعلق به وان جزم إن أتم الامام أتم وان قصر قصر ولو أفسد الامام صلاته أو فسدت ثم قال كنت نويت القصر فللمأموم القصر وإن قال كنت نويت الاتمام لزمه الاتمام وان انصرف ولم يظهر للمأموم ما نواه فوجهان حكاهما أصحابنا العراقيون (أظهرهما) وبه قال أبو اسحق يلزمه الاتمام لانه شاك في عدد ما يلزمه من الركعات فيأخذ باليقين (والثانى) وبه قال ابن سريج له القصر لانه افتتح الصلاة بنية القصر خلف من الظاهر من حاله القصر ويتبين بما ذكرنا ان قوله في الكتاب ولو شك في ان إمامه هل نوى الاتمام وهو مسافر لم يلزمه الاتمام ليس علي اطلاقه بل لو ظهر ان الامام نوى الاتمام يلزمه الاتمام وهل يشترط لعدم لزوم الاتمام ظهور نية القصر للامام أم لا ويكفى استمرار التردد فيه الوجهان المذكوران والموافق لاطلاق اللفظ هو المنسوب الي ابن سريج ولو قال حجة الاسلام ولو شك امامه هل نوى القصر بدلا عن قوله هل نوى الاتمام لكان احسن لانه لو لم ينو الاتمام ولا القصر كان بمثابة ما لو نوى الاتمام كما سيأتي في الشرط الثاني فانما ثبت الوجه إذا نوى القصر لا إذا لم ينو الاتمام وأما إذا لم يعرف انه مسافر أو مقيم ولا ظن بل كان شاكا فيه لزمه الاتمام وان بان مسافرا قاصرا لانه شرع على تردد فيما يسهل معرفته لظهور شعار المسافرين والمقيمين وسهولة البحث والاصل الاتمام فإذا قصر لزمه الاتمام ويخالف التردد في نية القصر مع العلم بأنه مسافر إذ لا تقصير ثم كما سبق وحكى في النهاية وجا آخر انه إذا بان مسافرا قاصرا كان له القصر كما لو تردد في النية والمشهور الاول وهو الذى ذكره في الكتاب * قال (ولو اقتدى بمتم ثم فسدت صلاته لزمه (ح) الاتمام وكذا لو ظن الامام مسافرا فكان مقيما لانه مقصر إذ شعار الاقامة ظاهر ولو بان ان الامام مقيم محدث لم يلزمه الاتمام علي الاصح لانه لا قدوة ظاهرا وباطنا) * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 462 في الفصل مسألتان (أحداهما) لو اقتدى بمقيم أو بمسافر متم ثم فسدت صلاة الامام أو بان محدثا لزمه الاتمام بالاقتداء به وكذلك لو فسدت صلاة المأموم لزمه الاتمام إذا استأنف خلافا لابي حنيفة لنا انها صلاة تعين عليه اتمامها فلم يجزه بعد قصرها كما لو فاتته في الحضر ثم سافر وقوله ثم فسدت صلاته أراد صلاة المأموم وان أمكن صرف الكناية الي الامام أيضا وذلك بين من لفظ الوسيط (الثانية) لو اقتدى بمن ظنه مسافرا فبان مقيما يلزمه الاتمام لتقصيره إذ شعار الاقامة ظاهر وهو كما ذكرنا فيما إذا لم يدر انه مقيم أو مسافر وإن بان انه مقيم محدث نظر ان بان كونه مقيما أو لا لزمه الاتمام كما لو اقتدى بمن علمه مقيما ثم بان انه محدث وان بان كونه محدثا أولا أو بانا معا فوجهان (أحدهما) وبه قال صاحب التلخيص لا يلزمه الاتمام لان اقتداءه لم يصح في الحقيقة وفى الظاهر ظنه مسافرا بخلاف ما لو اقتدى بمسافر في ظنه مسافرا ثم فسدت صلاته بحدث ثم بان انه كان مقيما عليه الاتمام لان اقتداءه كان صحيحا (والثاني) يلزمه الاتمام لان حدث الامام لا يمنع صحة اقتداء الجاهل به فإذا بان انه مقيم فقد بان انه اقتدي بمقيم وقد أطلق في الكتاب ذكر الخلاف فيما إذا أبان انه مقيم محدث لكن موضع الوجهين ما ذكرنا دون ما إذا بان كونه مقيما أو لا كذلك قاله صاحب النهاية والتهذيب وغيرهما ثم أطبق الائمة علي ترجيح الوجه الاول علي ما ذكره في الكتاب ومنهم من لا يورد سواه وقد تنازعه كلامهم في المسبوق إذا أدرك الامام في الركوع ثم بان كونه محدثا فانهم رجحوا الادراك ومأخذ المسألتين واحد وقوله لانه لا قدوة ظاهرا وباطنا أي لا قدوة بمقيم ظاهرا وباطنا أما ظاهرا فلانه ظنه مسافرا وأما باطنا فلانه محدث وصاحب الوجه الثاني يمنع هذا والله اعلم * ولا أثر لعدم الاتمام من غير خوض علي الصحة كما لو شرع في الصلاة مقيما ثم بان له انه محدث ثم سافر والوقت باق فله القصر بخلاف ما لو شرع فيها مقيما ثم عرض سبب مفسد لا يجوز له القصر ولزمه الاتمام بالشروع وكذا لو اقتدى بمقيم ثم تذكر المأموم حدت نفسه له القصر وكذا لو اقتدى بمن يعرفه محدثا ويظنه مقيما لانه لم يصح شروعه * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 463 قال (ولو رعف الامام المسافر وخلفه مسافرون فاستخلف مقيما أتم المقتدون وكذا الراعف إذا عاد واقتدى به) * المسألة مبنية علي أنه إذا أحدث الامام أو عرض سبب آخر يوجب فساد صلاته يجوز له ان يستخلف مأموما ليتم بالقوم الصلاة هذا هو الصحيح وسنذكره والخلاف فيه في باب الجمعة ان شاء الله تعالي إذا عرفت ذلك فصورة المسألة أن يؤم مسافر بمسافرين ومقيمين فيرعف الامام في صلاته أو يسبقه أو الحدث فيستخلف مقيما يجب علي المسافرين المقتدين الاتمام خلافا لابي حنيفة لنا أنهم مقتدون بمقيم فيلزمهم الاتمام كما لو اقتدوا بمقيم فاحدث واستخلف مسافرا والدليل علي أنهم مقتدون به ان سهوه يلحقهم * وأعلم أن أمتنا لم يذكروا خلافا في أن القوم يتمون لكن يأتي فيه وجه لانا سنحكى في مسائل الاستخلاف وجها انه يجب على القوم نية الاقتداء بالخليفة فعلى هذا انما يلزم المأمومين في هذه المسألة إذا نووا الاقتداء بالخليفة اما إذا لم يفعلوا فلا لانهم ما نووا الاتمام ولا اقتدوا بمقيم وكأن ما أطلقوه جواب علي الاصح وهو انه لا حاجة الي نية الاقتداء بالخليفة وما ذكرناه يجوز اعلام قوله أتم المقتدون بالواو مع الحاء وقوله في صورة المسالة وخلفه مسافرون أي ومقيم أو مقيمون ولو تمحض المأمومون مسافرين لكان استخلاف المقيم استخلاف غير المأمومين وفيه كلام سنذكره من بعد وأما الامام الذى سبقه الرعاف أو الحدث ماذا يفعل ظاهر نص الشافعي رضى الله عنه يقتضى وجوب الاتمام عليه فانه قال بعد تصوير المسألة كان على جميعهم والراعف أن يصلوا أربعا واعترض المزني فقال انما اتم الخليفة لانه مقيم والقوم خلفه لانهم مؤتمون بمقيم فأما الراعف فليس بمقيم ولا مؤتم فما باله يتم واختلف الاصحاب في الجواب علي طريقتين منهم من قرر ظاهر النص وقال يجب عليه الاتمام أيضا لان الخليفة فرع له ولا يجوز أن تكون صلاة الاصل انقص من صلاة الفرع حكاه ابن سريج عن بعض أصحابنا وضعفه وسلم الجمهور للمزني ما ذكره واختلفوا في تأويل النص على وجوه (أحدها) أن ما ذكره الشافعي رضى الله عنه جواب علي القول القديم وهو أن سبق الحدث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 464 الرعاف لا تبطل الصلاة لكنه يرفع المانع ويبنى فعلي هذا الراعف وان انصرف فهو في صلاة وهو كالمؤتم بخليفة وبتقدير أن لا يكون مؤتما فقد حصل في جماعة امامها مقيم في بعض الاحوال فيلزمه الاتمام لذلك وهذا التأويل يحكي عن ابن سريج وضعفه الشيخ أبو حامد وغيره من ائمتنا ومنعوا كونه مؤتما بالخليفة وانه إذا حصل في جماعة أمامها مقيم في بعض الاحوال يجب عليه الاتمام إذا لم ياتم هو به وايضا فان البناء علي الصلاة انما يجوز علي القديم دون الجديد والاستخلاف الذى عليه بناء المسألة انما يجوز على الجديد دون القديم فلا ينتظم التفريع (الثاني) قال أبو غانم ملقى ابن سريج صورة النص أن يحس الامام بالرعاف قبل ان يخرج الدم فيستخلف ثم يخرج الدم فيلزمه الاتمام لانه صار مؤتما بمقيم في جزء من صلاته قال المحاملي وغيره وهذا لا يصح لانه استخلاف قبل وجود العذر وأنه لا يجوز ذلك فسئل الشيخ أبو محمد عنه فجعل الاحساس به عذرا وقال متى حضر امام هو أفضل أو حاله اكمل يجوز استخلافه (الثالث) قال أبو اسحق صورة النص ان يعود بعد غسل الدم ويقتدى بالخليفة اما بناء علي القول القديم واما استئنافا علي الجديد فيلزمه الاتمام لانه اقتدى بمقيم في جزء من صلاته فاما إذا لم يقتد فلا يلزمه الاتمام وهذا اصح الاجوبة عند الاكثرين قالوا وقد اشار إليه الشافعي رضى الله عنه في التعليل حيث قال لانه لم يكمل واحد منهم الصلاة حتي كان فيها في صلاة مقيم (وقوله) في الكتاب وكذا الراعف إذا عاد واقتدى جرى علي هذا الجواب الصحيح فانه قيد لزوم الاتمام باقتدائه بالخليفة وقد نرى في بعض النسخ اعلام هذه الكلمة بالزاى وليس بصحيح فانه لا نزاع للمزني في لزوم الاتمام إذا اقتدى نعم يجوز أن يعلم قوله واقتدى بالواو اشارة الي الطريقة المقررة لظاهر النص فان الاقتداء ليس بشرط علي تلك الطريقة * قال (الشرط الثاني أن يستمر علي نية القصر جزما في جميع الصلاة فلو لم ينو القصر ولا الاتمام أو شك في نية القصر ولو لحظة لزمه (زح) الاتمام) * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 465 من شرط القصر نية القصر فلو نوى الاتمام لزمه ما لتزمه ولو لم ينو القصر ولا الاتمام لزمه الاتمام ايضا لان الاصل هو الاتمام فينعقد مطلق التحرم عليه ويجب أن تكون نيه القصر في ابتداء الصلاة كاصل النية ثم لا يجب تذكرها في دوام الصلاة ولكن يشترط الانفكاك عن الشك والتردد والجزم بالاتمام فلو نوى القصر اولا ثم نوى الاتمام أو تردد بين القصر والاتمام لزمه الاتمام ولو شك في أنه هل نوى القصر ام لا لزمه الاتمام وأن تذكر في الحال أنه نوى القصر نص عليه في الام بخلاف ما لو شك في اصل النية وتذكر على القرب حيث تصح صلاته ولا يكون ذلك قادحا والفرق أن الشك في النية بمثابة عدم النية فإذا كان الشك في اصل النية فالموجود في زمان الشك غير محسوب عن الصلاة لكنه جعل عفوا لقلته وحسب عن الركن ما قبله أو بعده وههنا الموجود حالة الشك محسوب عن الصلاة لوجود اصل النية فيتأدى ذلك الجزء علي التمام وإذا انعقد جزء من الصلاة على التمام لزم الاتمام وعند ابى حنيفة لا حاجة الي نية القصر بناء علي أنه عزيمة وقال المزني لا بد منها لكن لا تجب في الابتداء ويجوز ان ينوى القصر في الاثناء ولو نوى الاتمام ثم اراد القصر جاز وقوله أن يستمر على نية القصر جزما في جميع الصلاة يتضمن اعتبار نية القصر ثم ليس المراد أنه يشترط استحضارها في جميع الصلاة وانما المراد ما ذكرنا أنه يشترط الخلو عن الشك والتردد (وقوله) في جميع الصلاة يجوز أن يعلم بالزاى لان عنده لو كان جازما في البعض بالاتمام ثم نوى القصر جاز وقوله لزمه الاتمام معلم بالحاء والزاى لما حكيناه * قال (ولو قام الامام إلى الثالثة ساهيا فتوهم المقتدى أنه نوى الاتمام شاكا لزمه الاتمام ولو قام المسافر الي الثالثة والرابعة سهوا سجد لسهوه ولا يكون متما بل لو قصد أن يجعله إتماما فليصل ركعتين اخريين) * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 466 في الفصل مسألتان (احداهما) لو اقتدى بمسافر عرف أنه ينوى القصر أو ظنه وصلي ركعتين فقام الامام الي ركعة ثالثة نظر أن علم أنه نوى الاتمام لزمه الاتمام وأن علم أنه ساه بان كان حنفيا لا يرى الاتمام فلا يلزمه الاتمام ويتخير بين ان يخرج عن متابعته ويسجد للسهو ويسلم وبين أن ينتظر حتى يعود ولو اتفق له أنه يتم أتم لكن ليس له أن يقتدى بالامام في سهوه فانه غير محسوب له ولا يجوز الاقتداء بمن يعرف أن ما فيه غير محسوب له كالمسبوق إذا ادرك من آخر الصلاة ركعة فقام الامام سهوا الي ركعة زائدة لم يكن للمسبوق أن يقتدى به في تدارك ما عليه ذكره في النهاية ولو شك في انه قام ساهيا أو متما فهذه مسألة الكتاب وحكمها أن عليه الاتمام وإن بان كونه ساهيا لان احد المحتملين لزوم الاتمام فيلزم كما لو شك في نية نفسه وبخلاف ما لو شك في نية الامام المسافر ابتداء حيث لم يلزمه الاتمام بذلك كما قدمناه لان النية لا يطلع عليها ولم تظهر امارة مشعرة بالاتمام وههنا القيام فعل مشعر بالاتمام مخيل له وقوله شاكا في لفظ اكتاب لا ضرورة إليه والغرض حاصل بقوله فيتوهم (وقوله) لزمه الاتمام يجوز أن يعلم بالحاء لانا حكينا عن مذهب ابي حنيفة أن نية الامام المسافر لا تلزم المأمومين القصر فما ظنك بتوهمها (الثانية) لو نوى القصر وصلى ركعتين ثم قام إلى الثالثة نظر أن حدث امر موجب للاتمام كنية الاتمام أو نية الاقامة في ذلك الموضع أو حصوله في دار الاقامة بانتهاء السفينة إليها وقام لذلك فقد اتي بما ينبغي وأن لم يحدث شئ من ذلك فان قام عمدا بطلت صلاته كما لو قام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 467 المتم الي ركعة خامسة وكما لو قام المتنفل الي ركعة زائدة قبل تغير النية وأن قام سهوا ثم تذكر فعليه أن يعود ويسجد للسهو فلو بدا له بعد التذكر أن يتم عاد الي القعود ثم نهض متما وفى وجه له أن يمضي في قيامه ولو صلي ثالثة ورابعة سهوا وجلس للتشهد ثم تذكر سجد للسهو وهو قاصر وركعتا السهو غير محسوبتين فلو اراد أن يتم لم ينعكسا محسوبتين بل يلزمه أن يقوم ويصلي ركعتين اخريين ثم يسجد للسهو في آخر صلانه ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب فليقم وليصل ركعتين اخريين بالميم لان صاحب البيان حكى عن مالك أن المسافر إذا نوى القصر لم يكن له أن ينوى الاتمام ويزيد علي نيته الاولى (واعلم) أن لفظ الكتاب في أول النظر الثالث يوهم حصر شرط القصر في الاثنين المذكورين لكن له شروط أخر (منها) أن يكون مسافرا من اول الصلاة الي آخرها فلو نوى الاقامة في أثناء الصلاة أو كان يصلي في السفينة فانتهت الي دار اقامته لزمه الاتمام لان سبب الرخصة قد زال فتزول الرخصة كما لو كان يصلي قاعدا لمرض فزال المرض يجب عليه أن يقوم ولو شرع في الصلاة مقيما ثم سارت به السفينة فكذلك يلزمه الاتمام تغليبا للحضر في العبادة التى اشترك فيها الحضر والسفر ولو شك هل نوى الاقامة ام لا أو دخل بلدا بالليل وشك في انه مقصده ام لا يلزمه الاتمام لانه شك في سبب الرخصة والاصل الاتمام فصار كما لو شك في بقاء مدة المسح لا يمسح (ومنها) العلم بجواز القصر فلو جهل جوازه وقصر لم يجزه لانه عابث في اعتقاده غير مصلي يحكى ذلك عن نصه في الام * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 468 قال * (الباب الثاني في الجمع) (والجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في وقتيهما جائز بالسفر (زح) أو المطر وهل يختص بالسفر الطويل قولان) * يجوز الجمع بين الظهر والعصر تقديما في وقت الظهر وتأخيرا في وقت العصر بعذر السفر وكذلك الجمع بين المغرب والعشاء لما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال " كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا جدبه سير جمع بين المغرب والعشاء " وعن انس رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان يجمع بين الظهر والعصر في السفر " وهذا في السفر الطويل وفي جواز الجمع في القصير قولان (احدهما وهو القديم انه يجوز وبه قال مالك رضي الله عنه لاطلاق حديث انس رضي الله عنه واعتبارا بالتنفل على الراحلة واصحهما وبه قال احمد رحمه الله لا يجوز لانه اخراج عبادة عن وقتها فاختص بالسفر الطويل كالفطر والافضل للسائر في وقت الصلاة الاولي تأخيرها إلى الثانية وللنازل في وقت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 469 الاولي تقديم الثانية إليها ثبت ذلك من فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم والمعنى فيه بين وشرط جواز الجمع في السفر ان لا يكون سفر معصية كما ذكرنا في القصر ويجوز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بعذر المطر أيضا لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما " ان النبي صلي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 470 الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر للمطر " وعن ابن عباس رضى الله عنهما " ان النبي صلي الله عليه وسلم جمع بالمدينة من غير خوف ولا سفر " قال مالك ارى ذلك في لمطر وقوله لعذر السفر معلم بالحاء لان عند ابي حنيفة لا يجوز الجمع بعذر السفر ولا جمع الا للنسك بعرفة والمزدلفة كما سيأتي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 471 وقوله والمطر معلم بالحاء ايضا والزاى لان عندهما لا جمع بالمطر وبالميم لان عند مالك يجوز الجمع بين المغرب والعشاء بعذر المطر ولا يجوز الجمع بين الظهر والعصر به وبالالف لان احمد صار في احدي الروايتين الي مثل مالك رحمه الله وبالواو لان الامام ذكر أن صاحب التقريب حكي قولا ضعيفا مثل مذهب مالك رحمة الله عليه وقوله في وقتيهما جائز يقتضي جواز التقديم والتأخير جميعا بالعذرين السفر والمطر لكن في جواز التأخير بعذر المطر خلاف ذكره في آخر الباب على ما سيأتي والاظهر المنع " ولا يجوز الجمع بين صلاة الصبح وغيرها ولا بين العصر والمغرب لم يرد بذلك نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " * قال (والحجاج يجمعون بعلة السفر أو بعلة النسك فيه خلاف) * الحجاج الآفاقيون يجمعون بين الظهر والعصر بعرفة في وقت الظهر وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة في وقت العشاء " ثبت ذلك من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم " وعليه جرى الناس في الاعصار واختلف أصحابنا في سبب هذا الجمع منهم من قال إنما يجمعون بسبب السفر كسائر المسافرين ومنهم من قال إنما يجمعون بسبب النسك وذلك أن الحاج يحتاج إلي الدعاء بعد الظهر فلو لم تقدم العصر لشغلته عن الدعاء وإذا غربت الشمس فهو وقت الاشتغال بالدفع من عرفة فجوز له الجمعان تكميلا لشغل النسك فان قلنا بالمعنى الاول فهل يجمع المكى فيه قولان لان سفره قصى ولا يجمع العرفي بعرفة ولا المزدلفى بالمزدلفة فانه في وطنه وهل يجمع كل منهما بالبقعة الاخرى فيه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 472 القولان وان قلنا بالمعنى الثاني جاز لجميعهم الجمع فحصل للجمع سبب ثالث وهو النسك ذكره كله صاحب النهاية وغيره ومنهم من يقول في جواز الجمع للمكي قولان (الجديد) المنع (والقديم) الجواز ثم لم يجوز قيل للسفر وقيل للنسك فان فرعنا علي القديم فهل للعرفي والمزدلفي الجمع فيه وجهان بناء علي المعنيين وأصل الفرض في الايرادين واحد وان اختلفا في بعض الامور وقد عرفت بما ذكرنا أن قوله والحجيج يجمعون يعنى به الحجيج الآفاقيين فأما غيرهم فالخلاف في حقهم في أصل الجمع لا في العلة وظاهر المذهب عند الائمة أن العلة السفر وان المكي والعرفي لا يجمعان وعند أبي حنيفة العلة النسك وقال لا يجوز الجمع بعرفة إلا في الجماعة فأما المنفرد في رحله فلا يجمع وجوز له الجمع بين العشائين بالمزدلفة ولم يجوز ترك الجمع بالمزدلفة وفعل المغرب في وقتها ولا الجمع بينهما في وقت المغرب ولا الجمع بينهما في وقت العشاء في الطريق وأوجب أن يكون ذلك بالمزدلفة ولم يجوز أن يجمع بعرفة بين الظهر والعصر في وقت العصر لكن جوز ترك الجمع وفعل العصر في وقتها حكي الصيدلانى هذه المسائل مجموعة عن مذهبه وعندنا حكم الجمع في البقعتين حكمه في سائر الاسفار وهو فيه بالخيار وعند مالك العلة النسك ولهم جميعا الجمع بل للمكي والعرفي القصر أيضا بعلة النسك * قال (والرخص المختصة بالسفر الطويل أربعة القصر والفطر والمسح ثلاثة أيام والجمع على أصح القولين ثم الصوم أفضل من الفطر وفي القصر والاتمام قولان والذى لا يختص بالسفر الطويل أربعة التيمم وترك الجمعة وأكل الميتة والتنفل علي الراحلة على أصح القولين) * غرض الفصل شيئان (أحدهما) عد الرخص التى تختص بالسفر الطويل والتى لا تختص (والثاني) بيان أن القصر والفطر أم الاتمام والصوم ولا اختصاص لواحد منهما بباب الجمع (والثانى) بيان القصر اليق ثم انه أدخل الثاني بين قسمي المقصد الاول ولو أنه فرغ منهما ثم ذكره لكان أحسن وكذلك فعل في الوسيط أما المقصد الاول فالرخص المختصة بالسفر الطويل أربع (أحداها) القصر كما تقدم (والثانية) الافطار كما سيأتي (والثالثة) المسح ثلاثة أيام وقد ذكرنا في باب المسح اختصاصه بالسفر الطويل وان لم يصرح به في الكتاب ثم (والرابعة) الجمع بين الصلاتين وفيه قولان مذكوران في هذا الباب وكان قد أرسل ذكر القولين في المسألة فنص ههنا علي الاصح وأدرجه في هذا القسم تفريعا عليه والتى لا تختص بالسفر الطويل جعلها أربعا أيضا (أحداها) التيمم وهذا يجوز ان يراد به الترخص من فعل الصلاة به ويجوز ان يراد به اسقاط فرض الصلاة به وعلى هذا التقدير فهو جواب على الاصح من وجهين ذكرناهما في باب التيمم في أن التيمم في السفر القصير هل يغنى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 473 عن القضاء أم لا ثم علي التقديرين ينبغي أن يعلم أن التيمم كما لا يختص بالسفر الطويل لا يختص بنفس السفر لما بيناه في ذلك الباب (والثانية) أكل الميتة وهو أيضا مما لا يختص بالسفر نفسه (والثالثة) ترك الجمعة (والرابعة) التنفل علي الراحلة وفي جوازه في السفر القصير قولان أرسلهما في باب الاستقبال ونص على الاصح ههنا وأدرجه في هذا القسم تفريعا عليه (وأما المقصد الثاني) فاعلم أن الصوم في السفر أفضل من الفطر علي المذهب المشهور لما فيه من تبرئة الذمة والمحافظة على فضيلة الوقت وهذا إذا أطلق الصوم وفيه وجه آخر رواه القاضى الرويانى وغيره أن الفطر أفضل وبه قال احمد لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " ليس من البر الصيام في السفر " وفي الافضل من القصر والاتمام قولان (احدهما) وبه قال المزني ان الاتمام افضل لانه الاصل والقصر بدل معدول إليه فاشبه غسل الرجل مع المسح علي الخف (وأصحهما) وبه قال مالك واحمد ان القصر افضل لما روى انه صلى الله عليه وسلم " قال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 474 خيار عباد الله الذين إذا سافروا قصروا " ولانه متفق عليه والاتمام بخلافه وبخلاف الصوم مع الفطر حيث قلنا الصوم افضل وان صار اهل الظاهر الي انه لا يصح قال امام الحرمين لان المحققين من علماء الشريعة لا يقيمون لمذهبهم وزنا وذكر الصيدلانى أن القصر أفضل من الاتمام وفى الافطار والصوم وجهان وهذا يوهم القطع بافضلية القصر وكذلك حكاه الامام عن الصيدلاني واستبعده وأحاله علي خطأ النساخ فان ثبت ذلك فقوله قولان معلم بالواو والفرق بين الرخصتين حيث كان الصوم أفضل والقصر أفضل علي الظاهر فيهما أن الذمة تبقى مشغولة بالصوم إذا أفطر وقد يعرض عائق من القضاء وفى القصر بخلافه وأيضا فان فضيلة الوقت تفوت بالافطار ولا تفوت بالقصر ونقل أبو عبد الله الحناطى وغيره في القصر والاتمام وجها آخر انهما سواء ثم القولان في المسألة وان كانا مطلقين فلا بد من استثناء صور (أحداها) إذا كان سفره دون ثلاث مراحل فليس ذلك موضع القولين بل الاتمام فيه افضل للخروج عن الخلاف وقد حكيناه من قبل عن نصه (والثانية) إذا كان يجد من نفسه كراهة القصر وثقله فهذا يكاد يكون رغبة عن السنة فالافضل له القصر قولا واحدا بل يكره له الاتمام إلى أن تزول عنه تلك الكراهة وكذلك القول في جميع الرخص في هذه الحالة (الثالثة) الملاح الذى يسافر في البحر ومعه أهله وأولاده في سفينته الافضل الاتمام لانه في وطنه يحكى ذلك عن نصه في الام وفيه خروج عن الخلاف ايضا فان عند احمد لا يجوز له وللمكارى الذى معه أهله وماله القصر (وأعلم) ان مسافة القصر في البحر مثل المسافة في البر وان كانت تقطع فيه في لحظة ويجتهد فيها عند الشك * قال (ثم شرائط الجمع ثلاثة (الترتيب) وهو تقديم الظهر علي العصر (ونية الجمع) في أول الصلاة الاولي أو في وسطها ولا يجوز في أول الثانية (والموالاة) وهو ان لا يفرق بين الصلاتين باكثر من قدر اقامة وفى هذه الشرائط عند الجمع بالتأخير خلاف) * المسافر إذا جمع فأما ان يقدم الاخيرة من الصلاتين الي وقت الاولي أو يؤخر الاولي الي وقت الاخيرة فان قدم فيعتبر فيه ثلاثة ش؟ ائط (احداها) الترتيب وهو تقديم الظهر علي العصر والمغرب علي العشاء لان الوقت للاولى والثانية تبع له فيجب تقديم الاصل فلو قدم العصر علي الظهر لم يصح عصره ويعيدها بعد الظهر ولو قدم الظهر وبان فسادها بسبب فالعصر فاسدة ايضا (والثانية) نية الجمع تمييزا للتقديم المشروع على التقديم سهوا وعبثا ومتى ينوى الجمع نص في الجمع بالسفر أنه ينوى عند التحرم بالاولي أو في اثنائها ونص في الجمع بالمطر انه ينوى عند التحرم بالاولي واختلف الاصحاب على طريقتين احداهما تقرير النصين والفرق ان نية الجمع ينبغى أن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 475 تقارن سبب الجمع ودوام السفر في الصلاة الاولى شرط فجميعها وقت النية واما المطر فلا يشترط دوامه في الاولي كما سيأتي ويشترط في اولها فتعين وقتا للنية وأصحهما وبه قال المزني ان فيهما قولين نقلا وتخريجا أحدهما انها شرط في الفصلين عند التحرم كنية القصر وأصحهما انها لو وقعت في اثنائها جاز ايضا لان الجمع هو ضم الثانية إلى الاولي فإذا تقدمت النية علي حالة الضم حصل الغرض وتفارق نية القصر لانها لو تأخرت لتأدى بعض الصلاة علي التمام وحينئذ يمتنع القصر وعلي هذا فلو نوى مع التحلل قال الامام رأيت للائمة ترددا فيه كان شيخي يمنعه وذكر الصيدلاني وغيره انه يجوز لوجود النية في الطرفين الطرف الاخير من الظهر والطرف الاول من العصر وعلي هذا يدل نص الشافعي رضى الله عنه ثم قال المسعودي والصيدلانى وغيرهما وخرج المزني قولا ثالثا وهو انه لو نوى بعد السلام علي قرب وصلي الصلاة الاخيرة جاز كما لو سلم من اثنتين وقرب الوقت يبنى وان طال فلا وهذا تخريج منه للشافعي رضي الله عنه وحكوا عن مذهبه ان نية الجمع ليست مشروطة اصلا فان الجمع معني ينتظم الصلاتين ولا عهد بنية تجمع صلاتين وجعل الصيدلانى مذهبه وجها لاصحابنا فليكن قوله في الكتاب ونية الجمع معلما بالزاى والواو ويجوز ان يعلم قوله ولا يجوز في اول الثانية بهما ايضا وقوله أو في وسطها معلم بالقاف للقول الصائر إلى اشتراط النية في اولها واعتبار الوسط يقتضي المنع فيما إذا نوى مع التحلل إذ لا تكون النية حينئذ في الوسط وهذا ما سبق عن الشيخ ابى محمد والظاهر عند الاكثرين خلافه (الثالثة) الموالاة فهى شرط خلافا للاصطخري فيما حكى صاحب التتمة عنه حيث قال يجوز الجمع وإن طال الفصل بين الصلاتين ما لم يخرج وقت الاولى منهما ويروى مثله عن ابي علي الثقفى وقال الموفق بن طاهر سمعت الشيخ ابا عاصم العباي يحكي عن الامام انه لو صلي المغرب في بيته ونوى الجمع وجاء الي المسجد وصلي العشاء فيه جاز ووجه ظاهر المذهب ما روى ان النبي صلي الله عليه وسلم " لما جمع بين الصلاتين والى بينهما وترك الرواتب بينهما " ولولا اشترط الموالاة لما تركها والمراد من الموالاة ان لا يطول الفصل بينهما ولا بأس بالفصل اليسير لانه صح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم الاقامة بينهما وبماذا يفرق بين الطويل واليسير قال الصيدلاني حده اصحابنا بقدر اتيان المؤذن بالاقامة وهذا يوافق ما في الكتاب فانه قال وهى ان لا يفرق بين الصلاتين باكثر من قدر اقامة وقال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 476 اصحابنا العراقيون الرجوع في الفصل بينهما إلى العادة وقد تقتضي العادة احتمال الزائد علي قدر الاقامة وتدل عليه مسألة وهي ان المتيمم هل له الجمع عن ابى اسحق أنه ليس له الجمع لانه محتاج إلى طلب الماء وتجديد التيمم وذلك يطول الفصل بينهما فصار كما لو طول بشئ آخر وقال عامة الاصحاب له الجمع كالمتوضئ ويطلب للتيمم الثاني طلبا خفيفا ولا ينقطع به الجمع لانه من مصلحة الصلاة فاشبه الاقامة وذكر في التهذيب أنه المذهب ومعلوم أن الطلب والتيمم يزيدان علي قدر الاقامة المشروعة على الادراج فيجوز ان يعلم قوله باكثر من قدر اقامة بالواو لما ذكره ومتى طال الفصل بقدر ضم الثانية إليها فيؤخرها إلى وقتها ولا فرق بين أن يطول من غير عذر أو بعذر كالسهو والاغماء ولو جمع بينهما ثم تذكر بعد الفراغ منهما انه ترك سجدة أو ركنا آخر من الصلاة الاولي بطلت الصلاتان جميعا اما الاولي فلترك بعض اركانها وتعذر التدارك بطول الفصل واما الثانية فلان شرط صحتها تقدم الاولى وإذا بطلتا فله أن يعيدهما علي سبيل الجمع ولو تذكر تركها من الثانية فان كان الفصل قريبا تدارك ومضت الصلاتان علي الصحة وان طال الفصل فالثانية باطلة وليس له الجمع لوقوع الفصل الطويل بالصلاة الثانية فيعيدها في وقتها ولو لم يدر انه ترك من الاولي أو الثانية لزمه اعادة الصلاتين جميعا لاحتمال انه تركها من الاولى ولا يجوز له الجمع لاحتمال انه تركها من الثانية فيعيد كل واحدة في وقتها اخذا بالاسوأ من الطرفين وحكى في البيان عن الاصحاب أنه يجئ فيه قول آخر ان له الجمع كما لو اقيمت الجمعتان في بلدة ولم يعرف السابقة منهما يجوز اعادة الجمعة في قول هذا كله فيما إذا جمع بتقديم الثانية اما إذا جمع بتأخير الاولي فهل يجب الترتيب أم يجوز فعل الاخيرة قبل الاولي فيه وجهان (أحدهما) يجب كما لو جمع بالتقديم (وأصحهما) ولم يذكر كثيرون سواه انه لا يجب ويجوز تقديم الثانية لان الوقت لها والاولي تبع ولانه لو أخر الظهر من غير عذر حتى دخل وقت العصر كان له تقديم العصر فإذا أخر بعذر كان أولي وكذا في اشتراط الموالاة بينهما وجهان (أصحهما) انها لا تشترط لشبه الاولي بخروج وقتها بالفائتة وان لم تكن فائتة ولهذا قلنا لا يؤذن لها كالفائتة وان لم تكن فائتة (فان قلنا) باشتراط الترتيب فلو قدم الصلاة الثانية صحت لانها في وقتها لكن تصير الاولى قضاء وكذلك لو ترك الموالاة وشرطناها تصير الاولى قضاء حتي لا يجوز قصرها ان لم يجوز قصر القضاء واما نية الجمع عند التأخير فقد قال في النهاية ان شرطنا الموالاة فنوجب نية الجمع كما في الجمع بالتقديم وإلا فلا نوجب نية الجمع ويحكي هذا البناء عن القاضى الحسين رحمه الله وهذا الخلاف في انه هل ينوى الجمع عند الشروع في الصلاة واما في وقت الاولى فقد قال الائمة يجب ان يكون التأخير بنية الجمع ولو اخر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 477 من غير نية الجمع حتى خرج الوقت عصى وصارت قضاء وامتنع قصرها ان لم تجوز قصر القضاء وكذا لو أخر حتى ضاق الوقت فلم يبق إلا قدر لو شرع في الصلاة فيه لما كان اداء وقد سبق بيان ذلك * قال (ومهما نوى الاقامة في اثناء الصلاة الاولى عند التقديم بطل الجمع وإن كان في اثناء الثانية فوجهان وان كان بعد الثانية فوجهان مرتبان واولي بان لا يبطل هذا في السفر) * لو اراد الجمع بين الصلاتين بالتقديم فصار مقيما في اثناء الاولي اما بنية الاقامة أو بانتهاء السفينة إلي دار الاقامة فيبطل الجمع وكذا لو فرض ذلك بعد الفراغ منها وقبل الشروع في الثانية لزوال العذر قبل حصول صورة الجمع ومعني بطلان الجمع ههنا انه يتعين تأخير الثانية إلى وقتها أما الاولي فلا تتأثر بذلك ولو صار مقيما في أثناء الثانية فوجهان (احدهما) انه يبطل الجمع ايضا كما لو صار مقيما في اثناء صلاة القصر تبطل رخصة القصر ويلزمه الاتمام وعلي هذا فالثانية تبطل أصلا ورأسا أو تبقى نفلا يخرج علي القولين السابقين في نظائرها (والثاني) وهو الاظهر انه لا يبطل ويكفى اقتران العذر باول الثانية صيانة لها عن البطلان بعد الانعقاد علي وجه الرخصة بخلاف مسألة القصر فان وجب الاتمام لا يؤدى الي بطلان ما مضى من صلاته ولو صار مقيما بعد الفراغ من الثانية فقد اطلق في الكتاب فيه وجهين مرتبين علي الوجهين فيما إذا صار مقيما في خلالها ان قلنا لا تؤثر الاقامة ثم فههنا اولي وان قلنا تؤثر ثم فهنا وجهان (احدهما) انها تؤثر لان الصلاة الثانية مقدمة علي وقتها كالزكاة تعجل قبل الحول فإذا ازال العذر وادرك وقتها فليعد كما لو حال الحول وقد خرج الاخذ عن الشرط المعتبر لا يعتد بما عجل (واظهرهما) انها لا تؤثر لان رخصة الجمع قد تمت فاشبه ما لو قصر ثم طرأت الاقامة لا يلزمه الاتمام وخص صاحب التهذيب وآخرون الخلاف بما إذا طرأت الاقامة بعد الفراغ من الصلاتين اما في وقت الاولى أو في وقت الثانية ولكن قبل مضى امكان فعلها فاما لو طرأت بعد مضى امكان فعلها قالوا لا تجب اعادتها وجها واحدا لبقاء العذر في وقت الوجوب وتنزيل اطلاق الكتاب علي ما ذكروه بين لكن صاحب النهاية صرح باجزاء الوجهين ما دام يبقي من وقت الثانية شى والله أعلم * وأما إذا جمع بينهما بالتأخير ثم صار مقيما بعد الفراغ منهما لم يصر ولو كان قبل الفراغ صارت الاولي قضاء ذكره في التتمة وغيره وكأن المعنى فيه ان الصلاة الاولي تبع للثانية عند التأخير فاعتبر وجود سبب الجمع في جميعها * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 478 قال (واما المطر فيرخص (ح ز) في الجمع بالتقديم في حق من يصلى بالجماعة واما في المنفرد أو من يمشى إلى المسجد في كن ففيه وجهان وفى التأخير ايضا وجهان لانه لا يثق بدوام المطر ولا بد من وجود المطر في أول الصلاتين فان انقطع قبل الصلاة الثانية أو في أثنائها فهو كنية الاقامة) * المطر سبب للجمع لما سبق وللجمع طريقان التقديم والتأخير فاما التقديم فجائز بالشرائط المذكورة في التقديم بسبب السفر ولا فرق بين قوى المطر وضعيفه إذا كان بحيث يبل الثوب والشفان مطر وزيادة والثلج والبرد ان كانا يذوبان فهما كالمطر والا فلا يرخصان في الجمع وفيه وجه انه لا يرخصان فيه بحال اتباعا للفظ المطر ثم هذه الرخصة تثبت في حق من يصلى في الجماعة ويأتى مسجدا بعيدا يتأذى بالمطر في اتيانه فاما إذا كان يصلي في بيته منفردا أو في جماعة أو كان يمشي الي المسجد في كن أو كان المسجد علي باب داره أو النساء يصلين في بيوتهن هل نثبت هذه الرخصة فيه وجهان (احدهما) نعم لان النبي صلي الله عليه وسلم جمع بسبب المطر وبيوت ازواجه بجنب المسجد (واصحهما) لا لانه لا يتاذى بالمطر وبيوت ازواج رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت مختلفة منها ما هو بجنب المسجد ومنها ما هو بخلافه فلعله حين جمع لم يكن في البيت الملاصق ومن اصحابنا من ينقل بدل الوجهين قولين في هذه المسائل وينسب الجواز الي الاملاء والمنع الي الام واما التأخير فهل يجوز بسبب المطر روى في الكتاب فيه وجهين وقال جمهور الاصحاب فيه قولان (القديم) انه يجوز كما في السفر يجوز التقديم والتأخير جميعا (والجديد) انه لا يجوز لان استدامة السفر إليه متصورة واستدامة المطر متعذرة فربما تمسك السماء قبل ان يجمع فان جوزنا التأخير قال اصحابنا العراقيون صلاها مع الثانية سواء كان المطر متصلا أو لم يكن وذكر في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 479 التهذيب انه لو انقطع المطر قبل دخول وقت الثانية لم يجز الجمع وصلى الاولى في آخر وقتها كالمسافر إذا اخر بنية الجمع ثم اقام قبل دخول وقت الثانية وقضية هذا ان يقال لو انقطع في وقت الثانية قبل فعلها امتنع الجمع ايضا وصارت الاولي قضاء كما لو صار مقيما وإذا قدم فلا بد من وجود المطر في اول الصلاتين ليتحقق الجمع مع العذر وهل يجب مع ذلك وجوده في حال التحلل عن الصلاة الاولي نقل في النهاية عن المعظم انه لا يجب وعن ابي زيد انه لا بد منه ايضا ليتحقق اتصال آخر الاولي باول الثانية مقرونا بالعذر وهذا هو الذى ذكره اصحابنا العراقيون وصاحب التهذيب وغيرهم ولا يضر بعد وجوده في الاحوال الثلاث إنقطاعه في أثناء الصلاة الاولي أو في الثانية أو بعد الثانية حكى ذلك عن نص الشافعي رضي الله عنه وقطع به الاكثرون قال امام الحرمين وحكي بعض المصنفين في انقطاعه في اثناء الثانية أو بعدها مع بقاء الوقت الخلاف الذى ذكرناه في طرءان الاقامة إذا كان سبب الجمع السفر واستبعد ذلك وضعفه وقال إذا لم يشترط دوام المطر في الصلاة الاولي فاولي ان لا يشترط في الثانية وما بعدها ونعود إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله) فيرخص في التقديم يجوز ان يعلم بالحاء والميم والزاء لما سبق في اول الباب وذكر في الابانة ان المطر يرخص في التأخير وفى التقديم وجهان علي عكس ما نقله الجمهور فان ثبت ذلك احوج الي الاعلام بالواو ايضا وقوله في التقديم اراد به تقديم العصر الي الظهر والعشاء الي المغرب معا وفى النهاية قول ضعيف عن حكاية صاحب التقريب ان الجمع بعذر المطر يختص بالمغرب والعشاء في وقت المغرب (وقوله) في حق من يصلي بالجماعة يشمل ظاهره الجماعة في المسجد وفى البيت لكن لو صلوا جماعة في بيت اجتمعوا فيه ففى جواز الجمع لهم وجهان كما سبق (وقوله) فاما في المنفرد يشمل المنفرد في بيته وفى المسجد وهو مجرى علي اطلاقه فقد حكى الصيدلانى الوجهين في الذين حضروا المسجد وصلوا فرادى وجه المنع ان رخصة الجمع نقلت مرتبطة بالجماعة في المسجد وقوله ولا بد من وجود المطر في اول الصلاتين مشعر بالاكتفاء بذلك علي ما حكاه الامام عن المعظم لكن ظاهر المذهب انه لا بد منه عند التحلل ايضا كما سبق ثم ينبغي ان يعلم قوله في اول الصلاتين بالواو لان القاضي ابن كج حكى عن بعض الاصحاب انه لو افتتح الصلاة ولا مطر ثم مطرت السماء في اثناء صلاته الاولى فجواز الجمع علي القولين في انه إذا نوى الجمع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 480 في اثناء الاولي هل يجوز الجمع ام لا واختار ابن الصباغ هذه الطريقة (وقوله) فان انقطع قبل الصلاة أو في اثنائها عنى به ما إذا لم يعد اما إذا عاد في آخرها فالجمع ماض علي الصحة وقد صرح بهذا القيد في الوسيط ثم القول بانه كنية الاقامة جواب علي ما نقله في النهاية عن بعض المصنفين ويجب وسمه بالواو للطريقة الجازمة بان ذلك لا يقدح وهي التي قالها الاكثرون * (فروع) (احدها) قال ابن كج يجوز الجمع بين صلاة الجمعة والعصر بعذر المطر ثم إذا قدم فلا بد من وجود المطر في الحالات الثلاث كما بينا قال في البيان ولا يشترط وجوده في الخطبتين وقد تتازع فيه ذهابا إلى تنزيلهما منزلة الركعتين وأن اراد تأخير الجمعة قال في البيان يجوز ذلك على قولنا المطر يرخص في التأخير فيخطب في وقت العصر ويصلي لان وقت الثانية من صلاتي الجمع وقت الاولى (والثاني) المشهور أنه لا جمع بالمرض والخوف والوحل إذا لم ينقل ان رسول الله صلي الله عليه وسلم وسلم جمع بهذه الاسباب مع حدوثها في عصره وعن مالك واحمد أنه يجوز الجمع بالمرض والوحل وبه قال بعض اصحابنا منهم ابو سليمان الخطابي والقاضي الحسين واستحسنه الروياني في الحلية لما روى " أنه صلي الله عليه وسلم وسلم جمع بالمدينة من غير خوف ولا سفر ولا مطر فعلي هذا يراعى الرفق بنفسه فإذا كان يحم مثلا في وقت الثانية من الصلاتين قدمها الي الاولي بالشرائط التي سبقت وأن كان يحم في وقت الاولى اخرها إلى الثانية (الثالث) في جمع الظهر والعصر يصلي سنة الظهر ثم سنة العصر ثم يأتي بالفرضين وفى جمع العشائين يصلى بعد الفرضين سنة المغرب ثم سنة العشاء ثم الوتر * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 481 قال * (كتاب الجمعة) * (وفيه ثلاثة ابواب: الباب الاول في شرائطها وهي ستة: الاول الوقت: فلو وقع تسليمة الامام في وقت العصر فاتت الجمعة ولو وقع آخر صلاة المسبوق في وقت العصر جاز علي احد الوجهين لانه تابع في الوقت كما في القدوة) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 482 قال الله تعالي (يا ايها الذين امنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة) الآية وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله علي قلبه " الجمعة فرض على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 483 الاعيان إذا اجتمعت الشرائط التى نذكرها وحكي القاضي ابن كج عن بعض اصحابنا انها فرض علي الكفاية كصلاة العيدين وذكر القاضي الرويانى في البحر أن بعض اصحابنا زعم أنه قول للشافعي رضى الله عنه وغلط ذلك الزاعم وقال لا يجوز حكاية هذا عن الشافعي رضي الله عنه إذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 484 عرفت ذلك فاعلم أن الجمعة كسائر الفرائض الخمس في الاركان والشرائط لكنها تختص بثلاث خواص (احدها) اشتراط امور زائدة في صحتها (والثانية) اشتراط امور زائدة في لزومها (والثالثة) اداب ووظائف تشرع فيها فجعل الكتاب علي ثلاثة ابواب كل واحد في خاصية منها (الباب الاول) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 485 في شروط الصحة (احدها) الوقت فلا مدخل للقضاء في الجمعة علي صورتها بالاتفاق بخلاف سائر الصلوات فان الوقت ليس شرطا في نفسها وانما هو شرطه في ايقاعها اداء ووقتها وقت الظهر خلافا لاحمد حيث قال يجوز فعلها قبل الزوال واختلف اصحابه في ضبط وقته فمن قائل وقتها وقت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 486 صلاة العيدين ومن قائل يقول انما تقام في الساعة السادسة: لنا ما روى عن انس رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم " كان يصلي الجمعة بعد الزوال " وقد ثبت عنه أنه قال " صلوا كما رأيتموني أصلي " وإذا خرج الوقت أو شك في خروجه فلا سبيل الي الشروع فيها ولو اغفلوها إلى أن لم يبق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 487 من الوقت ما يسع الخطبتين وركعتين يقتصر فيهما على ما لا بد منه لم يشرعوا فيها وصلوا الظهر نص عليه في الام ولو شرعوا فيها في الوقت ووقع بعضها خارج الوقت فاتت الجمعة خلافا لمالك واحمد هكذا اطلق اكثر اصحابنا النقل عنهما وفصل الصيدلانى مذهب مالك فقال عنده إن صلوا ركعة ثم خرج الوقت اتموا الجمعة والا فقد فاتت: لنا انها عبادة لا يجوز الابتداء بها بعد خروج وقتها فتنقطع بخروج الوقت كالحج وايضا فان الوقت شرط في ابتداء الجمعة فيكون شرطا في دوامها كدار الاقامة ثم إذا فاتت الجمعة فهل يتمها ظهرا أم لا ظاهر المذهب أنه يجب عليه أن يتمها ظهرا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 488 ولا بأس ببنهائها عليه لانهما صلاتا وقت واحد فجاز بناء اطولهما علي اقصرهما كصلاة الحضر مع السفر وخرج فيه قول آخر أنه لا يجوز بناء الظهر علي الجمعة بل عليهم استئناف الظهر وبه قال أبو حنيفة وبنوا هذا الخلاف علي الخلاف في أن الجمعة ظهر مقصورة ام هي صلاة علي حيالها إن قلنا بالاول جاز البناء والا فلا وسيعود هذا الاصل في مواضع من الباب فان قلنا بظاهر المذهب فليسر بالقراءة من حينئذ ولا يحتاج الي تجديد نية الظهر على اصح الوجهين ذكره في العدة على انا حكينا وجها ضعيفا أن الظهر تصح بنية الجمعة ابتداء ههنا اولى (وأن قلنا) لا بد من استئناف الظهر فهل تبطل صلاته ام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 489 تنقلب نفلا فيه قولان مذكوران في نظائرها ولو شك في صلاته هل خرج الوقت ام لا فوجهان (احدهما) يتمها جمعة وبه قال الاكثرون لان الاصل بقاء الوقت وصار كما لو شك بعد الفراغ فيه (والثانى) انه يتمها ظهرا لانه شك في شرط الجمعة قبل تمامها ومضيها علي ظاهر الصحة فيعود إلي الاصل وهو الظهر وهذا كله في حق الامام والمأمومين الموافقين أما لمسبوق الذى ادرك معه ركعة لو قام الي تدارك الركعة الثانية فخرج الوقت قبل أن يسلم هل تفوت جمعته فيه وجهان (اصحهما) نعم كما في حق غيره (والثانى) لا لانه تابع للقوم وقد صحت جمعتهم فصار كالقدوة فانها من شرائط الجمعة ثم هي محطوطة عنه تبعا لهم وكذلك العدد ومن قال بالاول فرق بان اعتبار الشرع برعاية الوقت اكثر الا يرى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 490 أن اقوال الشافعي رضي الله عنه اختلفت في الانفضاض وأن اختلفت الجماعة ولم يختلف قوله في أنه إذا وقع شئ من صلاة الامام بعد خروج الوقت فاتت الجمعة وقوله فلو وقع تسليم الامام المراد التسليمة الاولي فان الثانية غير معدودة من نفس الصلاة بل من لو احقها ولهذا لو قارنها الحدث لم تبطل صلاته ولعلك تقول لم تقيد بتسليمة الامام وما الحكم لو وقعت تسليمة الامام في الوقت وتسليمة القوم أو بعضهم خارج الوقت فاعلم أن التعرض لتسليمة الامام قد جرى في كلام الشافعي رضي الله عنه في المختصر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 491 كما ذكره في الكتاب ولم ار فيما وجدته من الشروح بحثا عنه ويمكن أن يكون التعرض له باعتبار أن وقوع تسليمة الامام خارج الوقت موجب فوات الجمعة في البقعة مطلقا فانه إذا كان سلامه بعد الوقت فسلام غيره يكون بعد الوقت ايضا فاما إذا وقع سلامه في الوقت وسلام بعضهم بعده فالمسلمون خارج الوقت لا شك في أن ظاهر المذهب بطلان صلاتهم وأن فرض فيه خلاف واما الامام والمسلمون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 492 معه إن بلغوا العدد المعتبر في الجمعة فجمعتهم صحيحة والا فالصورة تشبه مسألة الانفضاض والله اعلم * واعلم أنه سلامه الواقع في وقت العصر إن كان عن علم منه بالحال فيتعذر بناء الظهر عليه لا محالة وتبطل صلاته الا أن يغير النية الي النفل ثم يسلم ففيه ما سبق في موضعه وإن كان عن جهل منه فلا تبطل صلاته وهل يبنى أو يستأنف فيه الخلاف الذى ذكرناه * قال (الثاني دار الاقامة فلا تقام الجمعة في الصحارى (ح) ولا في الخيام (و) بل تقام في خطة قرية (ح) أو بلدة الي حد يترخص المسافر إذا انتهي إليه) * يشترط اقامة الجمعة في دار الاقامة خلافا لابي حنيفة حيث قال يجوز اقامتها خارج البلد حيث تقام صلاة العيد وبه قال احمد * لنا القياس علي الموضع البعيد عن البلد فان كل واحد منهما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 493 خارج عن البلد وايضا فان الجمعة لم تقم في عصر رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا في عصر الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم إلا في مواضع الاقامة ولولا أنه شرط لا شبة أن يقيموها في غيرها كسائر الجماعات والمراد من دار الاقامة الابنية التى يستوطنها المقيمون للجمعة سواء في ذلك البلاد والقرى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 494 والاسراب التي تتخذ وطنا ولا فرق بين ان تكون الابنية من حجر أو طين أو خشب وأهل الخيام النازلون في الصحراء لا يقيمون الجمعة فانه إذا جاء الشتاء أحوجهم إلى الانتقال فليسوا بمقيمين في ذلك الموضع وان اتخذوه وطنا لا يبرحون عنه شتاء ولا صيفا ففيه قولان (أحدهما) أنه تلزمهم الجمعة ويقيمون في ذلك الموضع لانهم استوطنوه (وأصحهما) لا لان قبائل العرب كانوا مقيمين حول المدينة وما كانوا يصلون الجمعة ولا أمرهم النبي صلي الله عليه وسلم بذلك وهذا لانهم على هيئة المسافرين وليس لهم أبنية المستوطنين ولو انهدمت أبنية البلدة أو القرية فأقام أهلها علي العمارة لزمهم اقامة الجمعة فيها فانهم في دار اقامتهم سواء كانوا في مظال أو غيرها وكذا لو كانت الابنية باقية وليس من الشرط اقامتها في كن أو مسجد بل يجوز اقامتها في فضاء معدود من خطة البلدة غير خارج عنها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 495 لان الجماعة قد تكثر ويعسر اجتماعها في محوط أما الموضع الخارج الذى إذا انتهى إليه من ينشئ السفر من البلدة كان له القصر لا يجوز اقامة الجمعة فيه على ما سبق وهذا هو الذى أراد بقوله إلي حد يترخص المسافر إذا انتهى إليه واستعمال الي ههنا نحو استعمالها في قول الله تعالي جده (ثم اتموا الصيام الي الليل) فليس الحد المذكور داخلا في الخطة وقوله في الصحارى معلم بالحاء والالف لما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 496 قدمناه ويجوز وضعهما على قوله في خطة قرية أو بلدة أيضا وقوله ولا في الخيام معلم بالواو للقول الذى سبق حكايته * قال (الثالث أن لا تكون الجمعة مسبوقة بجمعة أخرى فلو عقدت جمعتان فالتى تقدم تكبيرها هي الصحيحة وقيل العبرة بتقدم السلام وقيل بتقدم أول الخطبة فان كان السلطان في الثانية فهي الصحيحة علي أحد الوجهين لكيلا تقدر كل شر ذمة على تفويت الجمعة علي الاكثرين وان وقعت الجمعتان معا تدافعتا فتستأنف واحدة وكذا ان أمكن التلاحق والتساوق فان تعينت السابقة ثم التبست فاتت (وز) الجمعة ووجب (ز) الظهر علي الجميع ولو عرف السبق ولم تتعين استؤنفت الجمعة (و) وما لم يتعين كانه لم يسبق وفيه قول آخر أن الجمعة فائتة) * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 497 قال الشافعي رضي الله عنه ولا يجمع في مصر وان عظم وكثرت مساجده لا في مسجد واحد وذلك لان النبي صلي الله عليه وسلم والخلفاء بعده لم يفعلوا إلا كذلك وإذا لم تجز اقامتها في مساجد البلد كسائر الجماعات واحتمل تعطل المساجد عرف أن المقصود اظهار شعار الاجتماع واتفاق كلمة المسلمين فليقتصر علي الواحد لانه أفضي الي هذا المقصود ولانه لا ضبط بعد مجاوزة الواحد وتكلم الاصحاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 498 في أمر بغداد فان أهلها لا يقتصرون علي جمعة واحدة وقد دخلها الشافعي رضى الله عنه وهم يقيمون الجمعة في موضعين وقيل في ثلاثة فلم ينكر عليهم وذكروا فيه وجوه (أحدها) أن الزيادة على الواحدة انما جازت في بغداد لان نهرها يحول بين شقيها فيجعلها كبلدين قاله أبو الطيب بن سلمة وعلى هذا لا يقام في كل جانب الا جمعة واحدة وكل بلدة حال بين جانبها نهر يحوج الي السباحة أو الزوارق فهى بمثابة بغداد واعترض الشيخ أبو حامد على هذا فقال لو كان الجانبان كالبلدين لجاز القصر لمن عبر عن أحد الجانبين إلى الآخر وان لم يجاوز ذلك الجانب وابن سلمة فيما حكي القاضي ابن كج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 499 الزم هذه المسألة فالتزمها وقال يجوز له القصر (والثاني) أن الزيادة علي الواحدة انما جازت لانها كانت قرى متفرقة ثم اتصلت الابنية فاجرى عليها حكمها القديم وعلي هذا يجوز التعديد في كل بلدة كانت كذلك واعترض الشيخ أبو حامد عليه بمثل ما اعترض به على الوجه الاول وربما يلتزم الصائر إليه جواز القصر أيضا فان الامام حكي عن صاحب التقريب أنه قال يجوز أن يقال علي هذا إذا جاوز الهام بالسفر قرية من تلك القرى ترخص (والثالث) أنها انما جازت لان بغداد بلدة كبيرة يشق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 500 على أهلها الاجتماع في موضع واحد وعلي هذا تجوز الزيادة علي الجمعة الواحدة في سائر البلاد إذا كثر الناس وعسر اجتماعهم وبهذا قال ابن سريج وأبو إسحق وهو مذهب احمد (والرابع) أن الزيادة لا تجوز بحال وانما لم ينكر الشافعي رضي الله عنه في بغداد لما دخلها لان المسألة مسألة اجتهادية وليس لبعض المجتهدين الانكار علي سائرهم وهذا الوجه الرابع يوافق إطلاق الكتاب حيث قال أن لا تكون الجمعة مسبوقة باخرى فانه لم يفصل بين بلدة وبلدة وهو ظاهر نص الشافعي رضى الله عنه الذى قدمناه ورأى الشيخ أبو حامد وطبقته الاقتصاد عليه مذهبا لكن الذى اختاره أكثر أصحابنا تعريضا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 501 وتصريحا إنما هو الوجه المنسوب إلي ابن سريج وأبي اسحق وهو تجويز التعديد عند كثرة الناس والازدحام وممن رجحه القاضي ابن كج والحناطي والقاضي الروياني وعليه يدل كلام حجة الاسلام في الوسيط مع تجويزه للنهر الحائل أيضا ولا يخفى مما ذكرناه أنه ينبغي أن يعلم قوله أن لا تكون الجمعة مسبوقة باخرى بالالف والواو لانه مطلق والوجوه المذكورة تنازع فيه سوى الوجه الاخير إذا عرف ذلك فمتي منعنا من الزيادة على جمعة واحدة فزادوا وعقدوا جمعتين فله صور (إحداها) أن تسبق إحداهما الاخرى فالسابقة صحيحة لاجتماع الشرائط فيها واللاحقة باطلة لما ذكرنا أنه لا مزيد على واحدة وبما يعتبر السبق فيه ثلاثة اوجه (اصحها) أن الاعتبار بالتحرم فالتى سبق عقدها علي الصحة هي الصحيحة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 502 وأن تقدمت الثانية في الخطبة أو السلام والثانى أن الاعتبار بالسلام فالتي سبق التحلل عنها هي الصحيحة لان الصلاة إذا وقع التحلل عنها أمن عروض الفساد لها بخلاف ما قبل التحلل فكان الاعتبار به اولى (والثالث) أن الاعتبار بالخوض في الخطبة فالتى تقدم أول خطبتها هي الصحيحة قال الامام وهذا ملتفت إلى أن الخطبتين بمثابة ركعتين ولم يحك اكثر اصحابنا العراقيين سوى الوجه الاول والثاني ونقلهما صاحب المهذب قولين وقوله في الكتاب فالتى تقدم تكبيرها هي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 503 الصحيحة يقع على تمام التكبير حتي لو سبقت احداهما بهمزة التكبير والاخرى بالراء منه فالصحيحة هي التي سبقت بالراء لانها التى تقدم تكبيرها وهذا هو اصح الوجهين وفيه وجه آخر أنه ينظر الي أول التكبير ثم على اختلاف الوجوه لو سبقت احداهما الاخرى لكن كان السلطان مع مع الاخرى فقد حكي صاحب الكتاب والامام فيه وجهين والجمهور نقلوهما قولين (اظهرهما) أن الصحيحة هي الاولى كما لو لم يحضر السلطان في واحدة منهما وكما لو كان ثم اميران وكان كل واحد منهما في واحدة (والثانى) أن الصحيحة هي الثانية منعا للاخرين من التقدم علي الامام ولو لم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 504 نقل بهذا لادى الي أن تفوت كل شر ذمة تنعقد بهم الجمعة فرض الجمعة علي اهل البلد ولو شرع الناس في صلاة الجمعة فاخبروا أن طائفة أخرى سبقتهم بها وفاتت الجمعة عليه فالمستحب لهم استئناف الظهر وهل لهم أن يتموها ظهرا فيه الخلاف الذى ذكرناه فيما إذا خرج الوقت في أثناء الجمعة (الصورة الثانية) أن تقع الجمعتان معا فيتدافعان وتستأنف واحدة أن وسع الوقت (الثالثة) أن يشكل الحال فلا يذرى اوقعتا معا أو سبقت احداها الاخرى فيعيدون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 505 الجمعة أيضا لجواز وقوعهما معا والاصل عدم الجمعة المجزئة قال امام الحرمين وقد حكمت الائمة بانهم إذا اعادوا الجمعة برئت ذمتهم وفيه اشكال لانه يجوز تقدم أحدى الجمعتين على الاخرى وعلى هذا التقدير لا يصح عقد جمعة اخرى ولا تبرأ ذمتهم بها فسبيل اليقين أن يقيموا جمعة ثم يصلوا الظهر (الرابعة) أن تسبق احدى الجمعتين على التعيين ثم يلتبس فلا تخرج واحدة من الطائفتين عن العهدة خلاف للمزني * لنا أنه ليس في الطائفتين من يتيقن صحة جمعته والاصل بقاء الفرض في ذمتهم ثم إذا لم يخرجوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 506 عن العهدة فماذا يفعلون فيه طريقان (اظهرهما) فيه وهو المذكور في الكتاب أنه ليس لهم اعادة الجمعة لان احدى الجمعتين في البلد قد صحت على اليقين فلا سبيل إلى الزيادة ولكن يصلون الظهر (والثانى) أنه علي الخلاف الذى نذكره في الصورة الخامسة وهذا هو الذي ذكره العراقيون وقوله فاتت الجمعة اراد به بطلانها على الطائفتين وافتقارهما الي فعل الظهر والا فالجمعة السابقة صحيحة وليكن معلما بالزاى والواو لما ذكرناه (الخامسة) أن تسبق احداها ولا يتعين كما إذا سمع مريضان أو مسافران تكبيرتين متلاحقتين وهما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 507 خارج المسجد فاخبراهم بالحال ولم يعرفا أن المتقدمة تكبيرة من فلا يخرجون عن العهدة أيضا لما ذكرنا في الرابعة وقد نقل خلاف المزني ههنا أيضا ثم ماذا يفعلون فيه قولان (اظهرهما) في الوسيط أنهم يستأنفون الجمعة أن بقي الوقت لان الجمعتين المفعولتين باطلتان غير مجزئتين وكانه لم يقم في البلدة جمعة اصلا (والثاني) وهو رواية الربيع انهم يصلون الظهر لان احدى الجمعتين صحيحة في علم الله تعالى وأنما لم يخرجوا عن العهدة للاشكال قال الاصحاب وهذا هو القياس * هذا تمام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 508 الصور وهي باسرها مذكورة في الكتاب ولهذه الصور الخمس نظائر في نكاحين عقدهما وليان علي أمرأة واحدة وستأتى في موضعها أن شاء الله تعالي * وأن أردت حصرها قلت إذا عقدت جمعتان فاما أن لا يعلم حالهما في التساوق والتلاحق أو يعلم وعلى هذا فاما أن يعلم تساوقهما أو سبق احداهما علي الاخرى. وعلي هذا فاما أن يعلم في واحدة لا علي التعيين أو في واحدة معينة. وعلى هذا فاما أن يستمر العلم أو يعرض التباس ثم قال اصحابنا العراقيون لو كان الامام في احدى الجمعتين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 509 في الصور الاربع الاخيرة ترتب على ما ذكرنا في الصورة الاولي أن قلنا الصحيحة هي التي فيها الامام مع تأخيرها فههنا أولى والا فلا اثر لحضوره والحكم كما لو لم يكن مع واحد منهما * قال (الرابع العدد فلا تنعقد الجمعة باقل من اربعين (ح م) ذكور مكلفين (ح) أحرار مقيمين (ح) لا يظعنون شتاء ولا صيفا الا لحاجة والامام هو الحادى والاربعون علي احد الوجيهن) * لا تنعقد الجمعة باقل من أربعين وبه قال أحمد خلافا لابي حنيفة حيث قال تنعقد باربعة احدهم الامام واختلفت رواية اصحابنا عن مالك فمنهم من روى عنه مثل مذهبنا ومنهم من روى أن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 510 الاعتبار بعدد يعد بهم الموضع قرية ويمكنهم الاقامة فيه ويكون بينهم البيع والشراء ونقل صاحب التلخيص قولا عن القديم أن الجمعة تنعقد بثلاثة امام ومامومين وعامة الاصحاب لم يثبتوه * لنا ما روى عن جابر رضي الله عنه انه قال " مضت السنة أن في كل أربعين فما فوقها جمعة " وعن أبى الدرداء رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " إذا اجتمع أربعون رجلا فعليهم الجمعة " اورده في التتمة وذكر القاضي أبن كج ان الحناطي روى عن أبي امامة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " لا جمعة الا باربعين " وليكن قوله ولا تنعقد الجمعة باقل من أربعين معلما لما حكيناه بالميم والحاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 511 والواو ثم نعتبر في الاربعين اربع صفات الذكورة والتكليف والحرية والاقامة والمعتبر الاقامة علي سبيل التوطن وصفته أن لا يظعنوا عن ذلك الموضع شتاء ولا صيفاء الا لحاجة فلو كانوا ينزلون الموضع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 512 صيفا ويرتحلون عنه شتاء أو بالعكس فليسوا بمتوطنين ولا تنعقد الجمعة بهم وحكي أبن الصباغ أن ابا حنيفة يقول بانعقادها باربعة من العبيد وباربعة من المسافرين واحتج عليه بان من لا تلزمه الجمعة لا تنعقد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 513 به الجمعة كالنساء واعلم لذلك كلمتي احرارا مقيمين بالحاء اشارة الي أن الحرية والاقامة لا يشترطان في العدد المعتبر عنده وفى الانعقاد بالمقيم الذى لم يجعل الموضع وطنا خلاف سنذكره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 514 في الباب الثالث وهل تنعقد الجمعة بالمرضى المشهور انها تنعقد لكمالهم وانما لم تجب عليهم تخفيفا وهذا هو المذكور في الكتاب في الباب الثاني ونقل ابن كج عن ابى الحسين أن الشافعي رضي الله عنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 515 قال في موضع لا تنعقد الجمعة باربعين مريضا كالمسافرين والعبيد فعلى هذا صفة الصحة تعتبر مع الصفات المذكورة في الكتاب ثم عدد الاربعين معتبر مع الامام أو هو زائد علي الاربعين فيه وجهان (اصحهما) أنه من جملة الاربعين لما ذكرنا من الاخبار فانها لا تفصل بين الامام وغيره (والثانى) أنه زائد علي الاربعين لما روى أنه صلي الله عليه وسلم " جمع بالمدينة ولم يجمع باقل من اربعين " وهذا يشعر بزيادته على الاربعين وقد حكى القاضي الرويانى الخلاف في المسألة قولين (القديم) أنه زائد على الاربعين * قال (فلو انفض القوم في الخطبة لم يجز (ح) لان اسماعها اربعين رجلا واجب فان سكت الخطيب ثم بنى عند عودهم مع طول الفصل فقد فاتت الموالاة وفي اشتراطها قولان وكذلك في اشتراطها بين الخطبة والصلاة) * العدد المعتبر في الصلاة وهو الاربعون معتبر في الكلمات الواجبة من الخطبة واستماع القوم إليها قال الله تعالى (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له) قال كثير من المفسرين أن المراد منه الخطبة وعن أبي حنيفة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 516 في رواية أنه لو خطب منفردا جاز واحتجوا عليه بان الخطبة ذكر واجب في الجمعة فيشترط حضور العدد فيه كتكبيرة الاحرام إذا عرفت ذلك فلو حضر أربعون فصاعدا لاقامة الجمعة ثم انفض كلهم أو بعضهم والباقون دون الاربعين لم يخل اما أن يكون الانفضاض في اثناء الصلاة وسيأتي في الفصل التالى لهذا الفصل أو قبلها وذلك اما أن يكون قبل افتتاح الخطبة أو في اثنائها أو بعدها فان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 517 كان الانفضاض قبل افتتاح الخطبة لم يبتدئ حتى يجتمع أربعون وأن كان في اثنائها وهو مسألة الكتاب فلا خلاف في ان الركن المأتى به في غيبتهم غير محسوب بخلاف ما إذا انفض العدد في الصلاة فان فيه خلافا سيأتي قال امام الحرمين والفرق أن كل مصل يصلي لنفسه فجاز أن يتسامح في نقصان العدد في الصلاة وفي الخطبة الخطيب لا يخطب لنفسه وانما الغرض اسماع الناس وتذكيرهم فما جرى ولا مستمع أو مع نقصان عدد المستمع فقد فات فيه مقصود الخطبة فلم يحتمل ثم ننظر أن عادوا قبل طول الفصل بنى علي الخطبة فان الفصل اليسير في مثل ذلك كعدم الفصل الا ترى أنه لو سلم ناسيا ثم تذكر ولم يطل الفصل جاز وكذلك يحتمل الفصل اليسير بين صلاتي الجمع وأن عادوا بعد طول الفصل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 518 فهل يبنى ام يستأنف فيه قولان يعبر عنهما بان الموالاة هل تجب في الخطبة ام لا (احدهما) لا لان الغرض الوعظ والتذكير وذلك حاصل مع تفرق الكلمات (واصحهما) نعم لان للولاء وقعا في استمالة القلوب وتنبيهها ولان الاولين خطبوا على الولاء فيجب اتباعهم فيه وذكر صاحب التهذيب وغيره أن هذا القول الثاني هو الجديد وبنى أبو سعيد المتولي وآخرون الخلاف في المسألة علي أن الخطبتين بدل من الركعتين ام لا إن قلنا نعم وجب الاستئناف والا فلا وقرب حجة الاسلام قدس الله روحه في الوسيط خلاف المسألة من الخلاف في الوضوء هل يجب فيه الموالاة لكن ظاهر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 519 المذهب ثم انها لا تجب وههنا انها تجب ويدل علي الفرق بين البنائين أن الفصل بالعذر ثم لا يقدح علي اظهر الطريقين وههنا لا فرق بين أن تفوت الموالاة بعذر أو بغير عذر قال في النهاية ولولا ذلك لما ضر الفصل الطويل ههنا لان سببه عذر الانفضاض ولو لم يعد الاولون واجتمع بدلهم أربعون فلا بد من استئناف الخطبة طال الفصل أو لم يطل كذلك ذكره صاحب التهذيب وغيره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 520 ولو انفضوا بعد الفراغ من الخطبة نظر ان عادوا قبل طول الفصل صلي الجمعة بتلك الخطبة وان عادوا بعد طول الفصل ففى اشتراط الموالاة بين الخطبة والصلاة قولان كاشتراطها في الخطبة والاصح الاشتراط وشبهوا الخطبة والصلاة بالصلاتين المجموعتين تجب الموالاة بينهما فعلى هذا لا تمكن الصلاة بتلك الخطبة وعلي الاول تمكن ثم ان المزني نقل في المختصر عن الشافعي رضى الله عنه انه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 521 قال في هذه الصورة احببت ان يبتدئ الخطبة ثم يصلى الجمعة فان لم يفعل صلي بهم الظهر واختلف الاصحاب فيه قال ابن سريج يجب ان يعيد الخطبة ويصلى بهم الجمعة لانه متمكن من اقامتها فلا سبيل الي تركها وهذا اختيار القفال والاكثرين قالوا ولفظ الشافعي رضي الله عنه اوجبت واما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 522 احببت فهو تصحيف من الناقل أو وهم وربما حملوا أحببت على اوجبت وقالوا كل واجب محبوب كما أن كل محرم مكروه ولذلك يطلق لفظ الكراهة ويراد به التحريم (وقوله) وصلى بهم الظهر حملوه علي ما إذا ضاق الوقت وقال أبو إسحق لا تجب اعادة الخطبة لكن يستحب وتجب الجمعة اما الاول فلانهم قد ينفضون ثانيا فيعذر في ترك اعادتها واما الثاني فللقدرة علي اقامتها وقال أبو علي صاحب الافصاح لا تجب اعادة الخطبة ولا الجمعة ويستحبان علي ما يدل عليه ظاهر النص لانه لا يأمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 523 انفضاضهم ثانيا لو اشتغل بالاعادة فيصير ذلك عذرا في ترك الجمعة واعلم إن إبن سريج وابا على متفقان علي وجوب الموالاة بين الخطبة والصلاة وامتناع بناء الجمعة على الخطبة التى مضت لكن هذا عذره في تركهما جميعا وذاك لم يعذره واوجب اعادة الخطبة ليصلي الجمعة بها واما أبو اسحق فانه احتمل الفصل الطويل وجوز البناء على الخطبة الماضية وتحصل مما ذكرناه خلاف في وجوب اقامة الجمعة علي ما اختصره في الوسيط فقال إذا شرطنا الموالاة ولم يعد الخطبة اثم المنفضون وهل يأثم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 524 الخطيب قولان (احدهما) لا لانه أدى ما عليه والذنب لهم والثانى نعم لتمكنه من الاعادة (وقوله) في الكتاب لم يجز معلم بالحاء لما تقدم (وقوله) فان سكت الخطيب الي آخره الحكم غير مخصوص بصورة السكوت بل لو مضى في الخطبة ثم لما عادوا أعاد ما جرى من واجباتها في حالة الانفضاض كان كما لو سكت * قال (وأن انفضوا في خلال الصلاة ولو في لحظة بطل علي قول وعلي قول ثان لا تبطل (م) مهما توفر العدد في لحظة إذا بقى مع الامام واحد علي رأى أو أثنان علي رأى وعلي قول ثالث لا تبطل بالانفضاض في الركعة الثانية الجماعة وعلي قول اربع لا تبطل مهما توفر العدد وأن بقي الامام وحده) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 525 لو تحرم بالعدد المعتبر ثم حضر أربعون اخرون وتحرموا ثم انفض الاولون لم تبطل الجمعة لان العدد لم يبطل في شئ من الصلاة ولا فرق بين أن يكون اللاحقون قد سمعوا الخطبة أو لم يسمعوها لانهم إذا لحقوا والعدد تام صار حكمهم واحدا فإذا ثبتوا استمرت الجمعة كما لو تحرم بثمانين سمعوا الخطبة ثم انفض منهم اربعون قال امام الحرمين ولا يمتنع عندي أن يقال يشترط بقاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 526 اربعين سمعوا الخطبة فلا تستمر الجمعة إذا كان اللاحقون لم يسمعوها وأن انفضوا ولحق أربعون علي الاتصال فقد قال في الوسيط تستمر الجمعة أيضا لكن يشترط ههنا أن يكون اللاحقون ممن سمعوا الخطبة وأن انفضوا ونقص العدد في باقي الصلاة أو في شئ منه فهذه مسألة الكتاب وفيها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 527 قولان ومنهم من اضاف إليها قولا ثالثا ونذكره بعده توجيه القولين وتفريعها (واصحهما) وبه قال أحمد أن الجمعة تبطل ويشترط العدد في جميع اجزاء الصلاة لانه شرط في الابتداء فيكون شرطا في سائر الاجزاء كالوقت ودار الاقامة ولان الانفضاض لا يحتمل في شئ من الخطبة التى هي مقدمة الصلاة فلان لا يحتمل في نفس الصلاة كان أولي (والثانى) لا تبطل ولا يشترط استمرار العدد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 528 في جميع الصلاة لما روى " انهم انفضوا عن النبي صلي الله عليه وسلم فلم يبق معه الا اثنا عشر رجلا وفيهم نزلت وإذا رأوا تجارة أو لهوا الآية " ثم أنه بني على الصلاة وايضا فان بقاء العدد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 529 عنده لا يتعلق باختيار الامام وفى الابتداء يمكن تكليفه بان لا يتحرم حتى يحضروا والشى قد يشترط في الابتداء ولا يشترط في الدوام كالنية في الصلاة وغيرها (التفريع) أن شرطنا دوام العدد فلو تحرم الامام وتباطأ المقتدون ثم تحرموا نظر إن تأخر تحرمهم عن ركوعه فلا جمعة وأن لم يتأخر عن الركوع فعن القفال أن الجمعة صحيحة وعن الشيخ أبي محمد أنه يشترط أن لا يطول الفصل بين تحرمهم وتحرمه وقال امام الحرمين الشرط ان يتمكنوا من اتمام قراءة الفاتحة وإذا حصل ذلك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 530 فلا يضر الفصل وهذا اصح عند حجة الاسلام وأن قلنا لا يشترط دوام العدد فهل يشترط دوام الجماعة ام له اتمام الجمعة وأن بقي وحده فيه قولان (أظهرهما) أنه يشترط لان الجمعة صلاة تجمع الجماعات والغرض منها اقامة الشعار واظهار اتفاق الكلمة كما سبق فان احتملنا اختلال العدد فلا ينبغي أن يحتمل اختلال اصل الجماعة وعلي هذا ففى العدد المشروط بقاؤه قولان (الجديد) انه يشترط بقاء اثنين ليكونوا معه ثلاثة فانها الجمع المطلق والقديم انه يكفى بقاء واحد معه لانه الاثنين فما فوقهما جماعة وهل يشترط ان يكون الواحد والاثنان علي اختلاف هذين القولين علي صفات الكمال قال في النهاية الظاهر انه يشترط ذلك كما يشترط كونهم على صفات الكمال في الابتداء وعن صاحب التقريب انه يحتمل خلافه فانا إذا اكتفينا باسم الجماعة فلا يبعد ان نعتبر صفات الكمال (والقول الثاني) انه لا يشترط بقاء الجماعة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 531 بل لو بقى وحده كان له أن يتم الجمعة لان الشروع وقع والشروط موفورة فلا يضر الانفراد بالعدد بعده يحكى هذا القول عن تخريج المزني وذكروا انه خرجه من القول القديم في منع الاستخلاف فانه إذا احدث الامام وقلنا لا استخلاف يتمونها جمعة ولم يذكروا في هذا الموضع فصلا بين ان يكون حدثه بعد ما صلوا ركعة أو قبله ثم قال القاضي ابن كج وكثير من اصحابنا اختلف ائمتنا في تخريجه فمنهم من؟ لمه ومنهم من ابى ولم يثبته قولا فهذا شرح القولين في اصل المسألة وخرج المزني قولا آخر وذهب إليه انه ان كان الانفضاض في الركعة الاولي بطلت الجمعة وان كان بعدها لم تبطل ويتم الامام الجمعة وكذا من معه ان بقى معه جمع ووجهه ظاهر قوله صلي الله عليه وسلم " من ادرك ركعة من الجمعة فليضف إليها اخرى " وايضا فان المسبوق إذا ادرك ركعة من الجمعة يتمها جمعة فكذلك الامام وبهذا القول قال مالك وابو حنيفة الا ان ابا حنيفة يكتفى بتقييد الركعة بسجدة ولا يعتبر تمامها واختلف اصحابنا في قبول هذا التخريج ايضا منهم من أباه وقال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 532 المسبوق تبع للقوم وقد صحت لهم جمعة تامه وههنا بخلافه ومنهم من سلمه وعده قولا اخر وعلى هذا إذا اختصرت وتركت الترتيب قلت في المسألة خمسة اقوال (اظهرها) بطلان الجمعه (والثانى) ان بقي معه اثنان لم تبطل (والثالث) ان بقي معه واحد لم تبطل وهذه الثلاثة منصوصة الاولان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 533 منها مذكور أن في الجديد (والثالث) في القديم (والرابع) انها لا تبطل وأن بقى وحده (والخامس) الفرق بين أن يكون الانفضاض بعد ركعة أو قبلها وقد ذكر في الكتاب كلها سوى الرابع منها وقوله بطل على قول معلم بالحاء والميم والزاى لما حكيناه وقوله علي قول ثان لا تبطل بالالف وكذا قوله وعلي قول ثالث لا تبطل (وقوله) مهما توفر العدد في لحظة غير مجرى علي اطلاقه فانه لا يجوز أن يكون التى توفر فيها العدد بعد الركوع الاول والضبط فيما قبله ما بيناه (وقوله) إذا بقي مع الامام واحد على رأى واثنان على رأى يجوز ان يعلم بالواو اشارة إلى القول الرابع والذى ذكره جواب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 534 علي قولنا ان الجماعة لا يشترط دوامها واراد بالرأيين القولين اللذين ذكرناهما ويجوز ان يعلم قوله وعلى قول ثالث بالواو اشارة الي الطريقة الممتنعة من اثباته قولا * قال (الخامسة الجماعة فلا يصح الانفراد بالجمعة ولا يشترط (ح) حضور السلطان في جماعتها ولا اذنه (ح)) * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 535 ليس لقائل ان يقول إذا شرطنا العدد فقد شرطنا الجماعة فلا حاجة الي افراد الجماعة وعدها شرطا برأسه وذلك لان العدد والجماعة امران ينفك كل واحد منهما عن الآخر اما الجماعة دون العدد فظاهر إذ ليست الجماعة الا الارتباط الحاصل بين صلاتي الامام والمأموم وذلك مما لا يستدعي العدد واما بالعكس فلان المراد من العدد حضور اربعين بصفة الكمال وأنه يوجد من غير جماعة ثم القول في شرائط الجماعة كما سبق في غير الجمعة ولا يشترط حضور السلطان ولا اذنه فيها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 536 خلافا لابي حنيفة حيث قال لا تصح الا خلف الامام أو مأذونه وبه قال أحمد وفى رواية والاصح عنه مثل مذهبنا * لنا " أن عليا اقام الجمعة وعثمان رضى الله عنهما محصور " ونقيس على سائر العبادات ويجوز الجزء: 4 ¦ الصفحة: 537 أن يعلم قوله في الكتاب ولا يشترط مع الحاء والالف بالواو لان صاحب البيان حكى عن بعض أصحابنا أن للشافعي قولا في القديم مثل مذهب ابى حنيفة * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 538 قال (وفيه ثلاث مسائل (الاولى) إذا كان الامام عبدا أو مسافرا صح لانهما في جمعة مفروضه وقيل لا يصح إذا عددناه من الاربعين وإن كان متنفلا أو صبيا فقولان مرتبان وأن كان قائما الي الي الركعة الثالثه سهوا فهو كالمحدث في حق من اقتدي به جاهلا ولو لم يدرك مع المحدث الا ركوع الثانية ففى اداركه وجهان) * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 539 ذكر ثلاث مسائل تتشعب عن شرط الجماعة (الاولى) في احوال الامام وفيها صور (احدها) لو كان امام الجمعة عبدا أو مسافرا نظر إن كان القوم معه اربعين فلا جمعة لما ذكرنا أنه يشترط كون الاربعين بصفات الكمال وأن كانوا اربعين دونه وهو المقصود من لفظ الكتاب فقد قال في التهذيب تصح الجمعة ولم يذكر غير ذلك وقال في النهاية تبنى علي أن الامام معدود من الاربعين ام لا فان قلنا لا فلا باس وأن قلنا نعم فوجهان (احدهما) لا تصح الجمعة لانه إذا عد من العدد المعتبر فيجب أن يكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 540 علي صفات الكمال كغيره أو هو اولي بذلك (واظهرهما) لصحة لان العدد قد تم بصفة الكمال وجمعة العبد والمسافر صحيحة وأن لم تلزمهما وقد اشار في الكتاب إلى هذا البناء حيث قال وقيل لا تصح إذا عددناه من الاربعين جعل هذا الوجه مفرعا على عده من الاربعين بعدما حكم بالصحة علي الاطلاق واعلم أنه لو كان ذلك الخلاف في أن الامام هل هو واحد من العدد المشروط ام لا لكان هذا البناء واضحا ولكن ذلك الخلاف في أنه هل يشترط أن يكون زائدا على الاربعين ام يكتفى باربعين احدهم الامام ولا يلزم من الاكتفاء بأربعين احدهم الامام أن يكون الامام واحدا من العدد المشروط إذا زادوا علي الاربعين وقوله صح معلم بالميم لانه روى عن مالك انها لا تصح خلف العبد وبالالف لان عند احمد لا تصح خلف المسافر ولا خلف العبد علي قوله لا تجب الجمعة على العبد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 541 وعنه اختلاف رواية فيه سيأتي (وقوله) لانهما في جمعة مفروضة معناه انهما إذا صليا الجمعة صحت منهما واجزأت عن فريضة الوقت بخلاف الصور بعد هذه وفيه اشارة إلى شئ وهو ان الكلام إذا لم يصل المسافر والعبد الظهر قبل أن أما في الجمعة فأما إذا صليا الظهر ثم أما فالاقتداء بهما كالاقتداء بالمتنفل وسنذكره (الثانية) لو كان امام الجمعة صبيان فهل تصح جمعة القوم فيه قولان (احدهما) نعم قاله في الاملاء ووجهه أنه يجوز الاقتداء به في سائر الفرائض فكذلك في الجمعة كالبالغ (والثاني) لا قاله في الام لانه ليس علي صفة الكمال والامام اولى باعتبار صفة الكمال من غيره ولانه لا جمعة عليه وإذا فعلها لا يسقط بها الفرض عن نفسه إذ لا فرض عليه بخلاف العبد والمسافر فانهما يسقطان بهما فرض الظهر وهذا القول يوافق مذهب ابى حنيفة ومالك واحمد رحمهم الله لانهم منعوا امامته في سائر الفرائض ففى الجمعة اولي ولو كان الامام متنفلا فهو على هذين القولين وجه المنع انه لا بد في العدد المشروط من ان يكونوا مصلين فرض الجمعة فكذلك الامام ويجوز ان يرتب المتنفل علي الصبى فيقال ان جاز الاقتداء بالصبى فبالمتنفل اولى والا فقولان والفرق انه من اهل فرض الجمعة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 542 ولا نقص فيه وما الاظهر من الخلاف في المسألتين رجح الشيخ أبو حامد وابو القاسم الكرخي وطائفة قول المنع والحناطي والقاضي الروياني قول الجواز وهو قضية كلام الاكثرين واطبقوا علي ان الجواز في المتنفل اظهر منه في الصبي وقالوا هو المنصوص للشافعي رضى الله عنه في صلاة الخوف قال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 543 لو صلي الامام الظهر في شدة الخوف ثم انكشف الخوف والوقت باق وقد بقي له اربعون لم يصلوا الظهر جاز له ان يصلي بهم الجمعة ثم قال الامام موضع الخلاف في المسألتين ما إذا تم العدد بصفة الكمال دون الامام فاما إذا تم بالصبي أو المتنفل فلا جمعة ولو صلوا الجمعة خلف من يصلي صبحا أو عصرا ففيه قولان كما لو صلي خلف متنفل وقيل يجوز لان الامام يصلى الفرض ولو صلوها خلف مسافر يقصر الظهر يجوز أن قلنا الجمعة ظهر مقصورة وأن قلنا صلاة علي حيالها فهو كما لو صلى خلف من يصلي الصبح ذكر المسألتين صاحب التهذيب (الصورة الثالثة) لو بان أن امام الجمعة كان جنبا أو محدثا فان لم يتم العدد دونه فلا جمعة لهم وأن تم ففيه قولان (احدهما) أنه لا يقدح في صحة جمعة القوم كما في سائر الصلوات (والثانى) يقدح لان الجماعة شرط في الجمعة والجماعة ترتبط بالامام والمأمومين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 544 فإذا بان أن الامام لم يكن مصليا بان انه لا جماعة وأن احد شروط الجمعة قد فات ويخالف سائر الصلوات لان الجماعة غير مشروطة فيها وغايته انه صلى منفردا ولا شك أن هذا القول اظهر منه في الاقتداء بالصبي والمتنفل ولذلك قال في الكتاب هما مرتبان على القولين ثم وهو أصح من مقابله عند الشيخين ابي علي وابى محمد وتابعهما صاحب التهذيب وجماعة وذهب العراقيون واكثر اصحابنا الي ترجيح القول الاول ونقلوه عن نصه في الام واضافوا حكاية الخلاف إلى ابن القاص الجزء: 4 ¦ الصفحة: 545 واستبعدوه واعترضوا على توجيه قول المنع بانا لا نسلم أن حدث الامام يمنع صحة الجماعة وثبوت حكمها في حق المأموم الجاهل بحاله وقالو انه لا يمنع نيل فضيلة الجماعة في سائر الصلوات ولا غيره من أحكام الجماعة وعلي هذا قال في البيان لو صلى الجمعة باربعين فبان أن القوم محدثون صحت صلاة الامام دونهم بخلاف ما لو بانوا عبيدا أو نساءا فان ذلك مما يسهل الاطلاع عليه وقياس من يذهب إلى المنع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 546 أنه لا تصح جمعة الامام لبطلان الجماعة (الصورة الرابعة) لو قام امام الجمعة إلى ركعة ثالثة سهوا فاقتدى به إنسان فيها فهذه المسألة من فروع ابن الحداد وشرحها الائمة فقالوا اولا لو فرض ذلك في سائر الفرائض فقام الي ركعة زائدة واقتدى به انسان فيها وادرك جميع الركعة ففيه وجهان (احدها) انها لا تحسب له لانها غير محسوبة للامام والزيادة يمكن الاطلاع عليها بالمشاهدة واخبار الغير فلا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 547 يجزئه كما لو اقتدى بالمرأة والكافر (واصحهما) انها تحسب له فإذا سلم الامام يتدارك باقي الصلاة كما لو صلي خلف جنب يجزئه وأن لم تكن تلك الصلاة محسوبة للامام بخلاف الكافر والمرأة فانه ليس لهما اهلية امامته بحال ولهذا لا يصح الاقتداء بهما اصلا وههنا يصح الاقتداء بهذا الساهي والكلام في انه هل يصير مدركا للركعة ام لا هكذا ذكره الشيخ أبو على رضي الله عنه واما في الجمعة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 548 فان قلنا إنه في غير الجمعة لا يدرك به الركعة فكذلك ههنا ولا تحسب بدلا عن الظهر ولا عن الجمعة وإن قلنا يدرك فهل تكون هذه الركعة محسوبة عن الجمعة حتى يضيف إليها اخرى بعد سلام الامام أو تكون محسوبة عن الظهر فيه وجهان بناهما الائمة على القولين فيما لو بان كون الامام محدثا لان تلك الركعة غير محسوبة من صلاته كركعات المحدث ولهذا قال في الكتاب فهو كالمحدث في حق من اقتدى به جاهلا واختار ابن الحداد انها لا تحسب عن الجمعة واعرف ههنا امورا (اولها) انما قال جاهلا لانه لو كان عالما بان الامام قائم الي الثالثة ساهيا ومع ذلك اقتدى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 549 به لم تنعقد صلاته بحال كما لو اقتدى بالجنب عالما بحاله (وثانيها) لم يذكروا في المحدث أن صلاة المقتدى منعقدة وأن المأتي به يحسب عن الظهر حتي لو تبين له الحال قبل سلام الامام أو بعده علي القرب يتمها ظهرا إذا جوزنا بناء الظهر علي الجمعة وقضية التسوية بين الفصلين الانعقاد والاحتساب عن الظهر في المحدث ايضا (وثالثها) من قال في مسألة المحدث الاصح من القولين ان الجمعة غير صحيحة قال بمثله ههنا والذين قالوا الاصح صحتها منهم من لم يورد هذه المسألة ومنهم من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 550 اوردها ونقل الجواب ابن الحداد من غير نزاع فيه فيجوز أن يقدر المساعدة علي ترجيح المنع ههنا ويفرق بان الحدث لا يمكن الاطلاع عليه بحال بخلاف الزيادة علي ما سبق ويمكن أن يعارض هذا بان المحدث لا صلاة له اصلا وهذا الساهي في الصلاة لكن ندرت منه زيادة هو معذور فيها وكان اولى بان يصح الاقتداء به والله اعلم (الخامسة) قال حجة الاسلام قدس الله روحه ولو لم يدرك مع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 551 المحدث الا ركوع الثانية ففي ادراكه وجهان وهذا الفرع يتعلق باصلين (اولهما) ان المسبوق في صلاة الجمعة إن ادرك الامام في ركوع الركعة الثانية كان مدركا للجمعة فإذا سلم الامام قام إلى ركعة أخرى وان ادركه بعد ركوع الثانية لم يكن مدركا للجمعة ويقوم بعد سلام الامام إلى اربع خلافا لابي حنيفة حيث قال يكون مدركا للجمعة وأن ادركه في التشهد في سجدتي السهو بعد السلام لنا ما روى عن ابي هريرة رضى الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال " من ادرك ركعة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 552 من الجمعة فقد ادركها ومن ادرك دون الركعة صلاها ظهرا اربعا " وإذا لحق بعد الركوع فما الذى ينوى فيه وجهان ذكرهما صاحب البيان وغيره (أحدهما) ينوى الظهر لانها التى يؤديها (واظهرهما) ينوى الجمعة موافقة للامام وهذا هو الذى ذكره القاضي الروياني ولو صلى مع الامام ركعة ثم قام وصلي اخرى وتذكر في التشهد انه نسي سجدة من احدى الركعتين نظر ان تركها من الثانية فهو مدرك للجمعة فيسجد سجدة ويعيد التشهد ويسجد للسهو ويسلم وإن تركها من الاولى أو شك لم يكن مدركا للجمعة وحصلت له ركعة من الظهر ولو أدركه في الثانية وشك في أنه سجد معه سجدة أو سجدتين فان لم يسلم الامام بعد سجد اخرى وكان مدركا للجمعة وإن سلم الامام سجد اخرى ولم يكن مدركا للركعة وذلك في ركعة محسوبة للامام اما إذا لم تكن محسوبة كما لو ادرك الركوع مع الامام المحدث أو ادرك الامام الساهي بركعة زائدة في ركوعها وقلنا إنه لو أدرك كلها لكانت محسوبة له ففيه وجهان (أحدهما) أنه يكون مدركا للركعة لانه لو ادرك كل الركعة لكانت محسوبة له فكذلك إذا ادرك ركوعها كالركعة المحسوبة للامام (واصحهما) أنه لا يكون مدركا لان الحكم بادراك ما قبل الركوع بادراك الركوع خلاف الحقيقة انما يصار إليه إذا كان الركوع محسوبا من صلاة الامام ليتحمل به فاما غير المحسوب لا يصلح للتحمل عن الغير ويخالف ما لو ادرك جميع الركعة فانه قد فعلها بنفسه فتصحح على وجه الانفراد إذ تعذر تصحيحها علي وجه الجماعة ولا يمكن التصحيح ههنا علي سبيل الانفراد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 553 فان الركوع لا يبتدأ به قال الشيخ أبو علي والوجهان عندي مبنيان علي القولين في جواز الجمعة خلف الجنب والمحدث ووجه الشبه أن المقتدى في القولين في جميع الركعة في الجمعة كالمقتدى في الركوع في سائر الصلوات لانه بالاقتداء يسقط فرضا عن نفسه لو كان منفردا للزمه وهو رد الاربع إلى ركعتين كما أن المقتدى في الركوع يسقط فرضا عن نفسه وهو القيام والقراءة في تلك الركعة فان قلنا يصح الاقتداء بالمحدث لاسقاط فرض الانفراد في الجمعة فكذلك ههنا والا فلا إذا عرف ذلك فنقول لو لم يدرك في الجمعة مع الامام الا ركوع الثانية ثم بان أن الامام كان محدثا فان قلنا إنه لو ادرك جميع الركعة معه لم يكن مدركا ركعة من الجمعة فههنا أولي وإن قلنا ثم يكون مدركا ركعة من الجمعة فههنا وجهان إن قلنا ان مدرك الركوع مع الامام المحدث مدرك للركعة فكذلك ههنا والا فلا ثم قوله ولو لم يدرك مع المحدث الا ركوع الثانية يعنى لم يدرك شيئا قبله فاما ما بعد الركوع من اركان الركعة لا بد من ادراكها مع الامام أو قبل سلامه أن فرض زحام أو نسيان وتخلف لذلك (وقوله) ففي ادراكه وجهان أي في ادراكه الجمعة ولو حمل على الخلاف في ادراك الركعة لم يكن للتخصيص بركوع الثانية معني * قال (الثانية إذا احدث الامام سهوا أو عمدا فاستخلف من كان قد اقتدى وسمع الخطبة صح استخلافه في الجديد وأن لم يسمع الخطبة فوجهان ولا يشترط استئناف نية القدوة بل هو خليفة الاول وإن لم يستخلف الامام فتقديم القوم كاستخلافه (ح) بل هو أولي من استخلافه وذلك واجب في الركعة الاولي وإن كان في الثانية فلهم الانفراد بها كالمسبوق) * إذا خرج الامام عن الصلاة بحدث أو غيره وأراد أن يستخلف فذلك إما أن يكون في غير الجمعة أو فيها والمذكور في الكتاب هو القسم الثاني فنذكر الاول علي الاختصار ثم نعود الي شرح الثاني فنقول إذا احدث الامام في سائر الصلوات ففى جواز الاستخلاف قولان قال في القديم لا يجوز الجزء: 4 ¦ الصفحة: 554 ذلك " لان النبي صلي الله عليه وسلم احرم بالناس " ثم ذكر أنه جنب فذهب واغتسل ولم يستخلف ولو كان الاستخلاف جائز الاشبه أن يستخلف ولانها صلاة واحدة فلا تجوز بامامين كما لو اقتدى بهما دفعة واحدة وقال في الجديد يجوز " وهو أصح الروايتين عن احمد وبه قال مالك وأبو حنيفة رحمهم الله لانها صلاة بامامين علي التعاقب " فيجوز كما أن ابا بكر رضي الله عنه كان يصلى بالناس فدخل النبي صلي الله عليه وسلم وجلس الي جنبه فاقتدى به أبو بكر والناس " وفى النهاية أن من الاصحاب من قطع بجواز الاستخلاف في سائر الصلوات وخص القولين بالجمعة والمشهور طرد القولين (التفريع) أن لم نجوز الاستخلاف أتم القوم الصلاة وحدانا وإن جوزناه فيشترط أن يكون المستخلف صالحا لامامة القوم فلو استخلف امرأة فهو لغو ولا تبطل صلاتهم الا أن يقتدوا بها خلافا لابي حنيفة حيث قال تبطل بنفس الاستخلاف صلاتهم وصلاته قال في النهاية ويشترط أن يجرى الاستخلاف علي قرب فلو قضوا علي الانفراد ركنا امتنع الاستخلاف بعده وهل يشترط ان يكون الخليفة ممن اقتدى بالامام قبل حدثه قال اكثر أصحابنا من العراقيين وغيرهم ان استخلف في الركعة الاولي أو الثالثة من الصلوات الرباعية من لم يقتد به جاز لانه لا يخالفهم في الترتيب وان استخلفه في الثانية أو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 555 الرابعة أو في الثالثة من المغرب لم يجز لانه يحتاج الي القيام وعليهم القعود فيختلف الترتيب بينهم وأطلق جماعة من الائمة اشتراط كون الخليفة ممن اقتدى به وهذا ما ذكره امام الحرمين رضى الله عنه مع زيادة فقال لو امره الامام فتقدم لم يكن هذا استخلافا ولا هو خليفة وانما هو عاقد لنفسه صلاة جار علي ترتيبه فيها فلو اقتدى القوم به فهو اقتداء منفردين في أثناء الصلاة وقد سبق الخلاف فيه في موضعه وهذا لان قدوتهم انقطعت بخروج الامام عن الصلاة ولم يخلفه أحد ولا يشترط ان يكون الخليفة ممن اقتدى به في الركعة الاولي بل يجوز استخلاف المسبوق ثم عليه أن يراعى نظم صلاة الامام فيقعد في موضع قعوده ويقوم في موضع قيامه كما كان يفعله لو لم يخرج الامام من الصلاة لانه بالاقتداء به التزم ترتيب صلاته حتى أنه لو لحق الامام في الثانية من الصبح ثم أحدث الامام فيها واستخلفه قنت وقعد فيها للتشهد وان كانت أولاه ثم يقنت في الثانية لنفسه ولو كان الامام قد سها قبل اقتدائه أو بعده في آخر صلاة الامام واعاد في آخر صلاة نفسه علي القول الاصح وإذا تمت صلاة الامام قام ليتدارك ما عليه وهم بالخيار ان شاءوا فارقوه وسلموا وان شاءوا صبروا جالسين ليسلموا معه هذا كله إذا عرف المسبوق نظم صلاة الامام فان لم يعرف فقد ذكروا فيه قولين علي حكاية صاحب التلخيص وعن الشيخ أبي محمد أنهما لابن سريج لا للشافعي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 556 رضي الله عنه فان جوزنا تراقب القوم إذا أتم الركعة إن هموا بالقيام قام وإلا قعد وسهو الخليفة قبل حدث الامام يحمله الامام وسهوه بعد حدثه يقتضي السجود عليه وعلي القوم وسهو القوم قبل حدث الامام وبعد الاستخلاف محمول وبينهما غير محمول بل يسجد الساهي عند سلام الخليفة (القسم الثاني) ان يقع ذلك في صلاة الجمعة ففى جواز الاستخلاف القولان ان لم نجوز فينظر إن أحدث في الركعة الاولى أتم القوم صلاتهم ظهرا وان احدث في الثانية اتمها جمعة من أدرك معه ركعة كالمسبوق هذا هو المشهور وعن الشيخ ابي محمد أنهم يتمونها جمعة وان كان الحدث في الركعة الاولى تخريجا من أحد الاقوال في مسألة الانفضاض وهو ان جمعة الامام تصح وان انفضوا في الركعة الاولي وبقي وحده وذكر ابن الصباغ وغيره ان المزني نقل هذا القول في جامعه الكبير وعن صاحب الافصاح انهم وان أدركوا ركعة يتمونها ظهرا لا جمعة بخلاف المسبوق لان الجمعة قد كملت بغيره فجعل تابعا لهم وهذا الوجه قضية القياس عند امام الحرمين تخريجا على أحد الاقوال في الانفضاض وهو أن الامام يتم الظهر وان انفضوا في الثانية وذلك لان الامام ركن الجماعة في حق القوم كما أنهم ركن الجماعة في حقه فخروجه عن الصلاة في حقهم كانفضاضهم في حقه واما إذا جوزنا الاستخلاف فلا فرق فيه بين أن يسبقه الحدث أو يحدث عمدا أو يخرج من الصلاة بلا سبب وكذلك في سائر الصلوات * وقال أبو حنيفة إنما يجوز له الاستخلاف إذا جاز له البناء علي صلاته كسبق الحدث فاما إذا تعمد بطلت صلاة القوم أيضا ثم إذا استخلف فلا يخلو اما ان يستخلف من اقتدى به قبل حدثه أو يستخلف غيره فان استخلف غيره لم يصح ولم يكن لذلك الغير أن يصلي الجمعة * واحتجوا عليه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 557 بانه لا يجوز ابتداء جمعة بعد انعقاد جمعة ولو صح منه الجمعة لكان مبتدئا بها بعد انعقاد جمعة الامام والقوم بخلاف المأموم يدخل في صلاة الجمعة فانه تابع للقوم لا مبتدئ ثم قال امام الحرمين في صحة ظهره خلاف مبنى علي أن الظهر هل تصح قبل فوات الجمعة ام لا ان قلنا لا تصح فهل تبقى نفلا فيه قولان فان لم نصحح صلاته واقتدى به القوم بطلت صلاتهم وان صححناها وكان ذلك في الركعة الاولي فلا جمعة لهم وفى صحة الظهر خلاف مبني علي ان الظهر هل تصح بنية الجمعة ام لا وان كان في الركعة الثانية واقتدوا به كان هذا اقتداء طارئا علي الانفراد وفيه الخلاف الجارى في سائر الصلوات وفيه شئ آخر وهو الاقتداء في الجمعة بمن يصلي الظهر أو النافلة وقد قدمنا الخلاف فيه وان استخلف من اقتدى به قبل الحدث فينظر ان لم يحضر الخطبة ففى جواز استخلافه وجهان (احدهما) لا يجوز كما لو استخلف بعد الخطبة من لم يحضرها ليصلي بهم لا يجوز (واصحهما) الجواز لانه بالاقتداء صار في حكم من سمع الخطبة الا ترى انه لو لم يحدث الامام صحت له الجمعة كما للسامعين والصيدلاني جعل هذا الخلاف قولين ونقل المنع عن البويطي والجواز عن اكثر الكتب وان كان قد حضر الخطبة أو لم يحضرها وفرعنا علي أنه يجوز استخلافه فينظر ان استخلف من ادركه في الركعة الاولي جاز ويتم لهم الجمعة سواء احدث الامام في الاولي أو الثانية وعن صاحب الافصاح وجه آخر انه يصلى الظهر والقوم يصلون الجمعة وان استخلف من ادركه في الركعة الثانية فقد قال امام الحرمين هذا يترتب علي انه هل يجوز استخلاف من لم يسمع الخطبة ان قلنا لا يجوز فلا يجوز استخلاف المسبوق وان قلنا يجوز ففيه قولان (احدهما) المنع بناء علي انه غير مدرك للجمعة على ما سيأتي (واظهرهما) الذى ذكره الاكثرون الجواز الجزء: 4 ¦ الصفحة: 558 فان الخليفة الذى كان مقتديا بالامام بمثابة الامام فعلى هذا القوم يصلون الجمعة وفى الحلية وجهان رواهما صاحب البيان (احدهما) انه يتمها جمعة ايضا لانه صلي ركعة من الجمعة في جماعة فيتم الجمعة كما لو صلى ركعة منها مأموما وكما لو ادرك الامام في ركوع الركعة الاولى واستخلفه الامام في تلك الركعة يتمها جمعة وان لم يدرك مع الامام ركعة (وأصحهما) وهو المنصوص واختيار ابن سريج انه لا يتم الجمعة لانه لم يدرك مع الامام ركعة كاملة بخلاف المأموم فانه إذا أدرك ركعة جعل تبعا للامام في ادراك لجمعة والخليفة امام لا يمكن جعله تبعا للمأمومين وبخلاف الصورة الاخرى لان هناك ادرك الامام في وقت كانت جمعة القوم موقوفة علي الامام وههنا ادركه في وقت لم تكن الجمعة موقوفة على الامام لجوز أن يتموها فرادى وكان ذلك الادراك آكد واقوى وعلي هذا فهل يجوز ظهره حكى الصيدلاني وغيره عن ابن سريج أنه قال يحتمل أن يكون في جواز ظهره قولان لان الجمعة لم تفت بعد وادى الظهر مع امكان الجمعة وأنه كان بسبيل من أن لا يتقدم حتى يتقدم من ادرك الركعة الاولي فتصح جمعته خلفه وايضا ففي صحة الظهر بنية الجمعة إذا تعذرت اختلاف ويحتمل أن يقال يجوز ظهره قولا واحدا وهو معذور في التقدم عند اشارة الامام وهذا اظهر عند الاكثرين فان قلنا لا يجوز ظهره فهل تنقلب صلاته نفلا أو تبطل فيه قولان ان قلنا تبطل فهذا مصير الي منع استخلاف المسبوق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 559 وهو القول الاول الذى نقلناه لان من تبطل صلاته يستحيل تقديره اماما وإذا جوزنا الاستخلاف فالخليفة المسبوق يراعي نظم صلاة الامام فيجلس إذا صلي ركعة ويتشهد فإذا بلغ موضع السلام اشار إلى القوم وقام الي ركعة أخرى ان قلنا هو مدرك للجمعة والي ثلاث ان قلنا ان صلاته ظهر والقوم بالخيار ان شاؤا فارقوه وسلموا وان شاؤا ثبتوا جالسين حتى يسلم بهم ولو دخل مسبوق واقتدى به في الركعة الثانية التي استخلف فيها صحت له الجمعة وأن لم تصح للخليفة حكي ذلك عن نص الشافعي رضى الله عنه لانه صلي ركعة خلف من يراعى نظم صلاة امام الجمعة بخلاف الخليفة لم يصل ركعة مع امام الجمعة ولا خلف من يراعي نظم صلاته قال الائمة وهذا تفريع على أن الجمعة خلف من يصلى الظهر صحيحة وتصح صلاة الذين ادركوا ركعة مع الامام الاول بكل حال لانهم وان انفردوا بالركعة الثانية كانوا مدركين للجمعة فلا يضر اقتداؤهم فيها لمن يصلي الظهر أو يتنفل وقوله في الكتاب سهوا أو عمدا لفظ العمد معلم بالحاء لما تقدم وقوله من كان قد اقتدى به في هذا التقييد اشارة الي أنه لا يجوز أن يستخلف غير المقتدى وقوله صح استخلافه يجوز أن يعلم بالالف لما حكينا من أحدى الروايتين عن احمد وقوله وسمع الخطبة وان لم يسمعها المراد منه الحضور ونفس السماع ليس بشرط بلا خلاف وصرح به الائمة * ثم في الفصل صور تتفرع علي جواز الاستخلاف (احداها) إذا استخلف الامام فهل يشترط استئنافه نية القدوة ذكر في التهذيب في اشتراطه وجهين في سائر الصلوات ولا شك في طردهما في الجمعة (احدهما) نعم لانهم بعد خروج الامام من الصلاة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 560 قد انفردوا الا ترى انهم يسجدون لسهوهم في تلك الحالة (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه لا يشترط لان الغرض من الاستخلاف ادامة الجماعة التى كانت وتنزيل الخليفة منزلة الاول ولهذا يراعي نظم صلاته ولو استمر الامام الاول لم يحتج القوم الي تجديد نية فكذلك الان (الثانية) لو لم يستخلف الامام قدم القوم بالاشارة واحدا ولو تقدم واحد بنفسه جاز أيضا بل تقديم القوم أولى من استخلاف الامام لانهم في الصلاة والامام قد خرج منها ولهذا قال امام الحرمين لو قدم القوم واحدا والامام آخر فاظهر الاحتمالين أن من قدمه القوم أولى وحكي المسعودي وغيره من اصحابنا عن أبى حنيفة أنه يشترط أن يكون تقدم الخليفة باذن الامام وأن القوم لا يستقلون بالتقديم وفى مختصر الكرخي خلاف ذلك والله اعلم (الثالثة) لو لم يستخلف الامام ولا قدم القوم ولا تقدم احد فالحكم على ما ذكرناه تفريعا على القديم قال الائمة ويجب على القوم تقديم واحد إن كان خروجه من الصلاة في الركعة الاولي ولم يستخلف وإن كان في الثانية لم يجب التقديم ولهم الانفراد بها كالمسبوق وقد حكينا في الطريقين خلافا تفريعا علي القديم فيتجه عليه الخلاف في الوجوب وعدمه هذا كله إذا احدث في أثناء الصلاة اما لو أحدث بين الخطبة والصلاة واراد أن يستخلف غيره ليصلي بالناس ان قلنا يجوز الاستخلاف في الصلاة فيجوز ذلك والا فلا يجوز ان يخطب واحد ويؤم آخر لان الخطبتين في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 561 في الجمعة بمثابة ركعتين من الصلاة فعلى هذا ان وسع الوقت خطب بهم آخر وصلى والا صلوا الظهر ورتب الخلاف في هذه الصورة علي الخلاف في الاستخلاف في الصلاة ثم اختلفوا فمنهم من جعل هذه الصورة أولي بالجواز لان الخطبة منفصلة عن الصلاة والصلاة عبادة واحدة فيكون احتمال التعدد فيها أبعد وعكس الشيخ أبو حامد فجعل هذه الصورة أولي بالمنع لان عقد الصلاة قد نظم الامام والخليفة وهى عبادة واحدة والخطبة والصلاة متميزتان ليس لهما عقد متحد ينظمهما ثم إذا جوزنا فالشرط أن يكون الخليفة ممن سمع الخطبة لان من لم يسمع ليس من أهل الجمعة ألا ترى أنه لو بادر قوم من السامعين بعد الخطبة إلى عقد الجمعة انعقدت لهم بخلاف غيرهم وإنما يصير غير السامع من أهل الجمعة إذا دخل في صلاة الامام هكذا قاله الجمهور وذكر صاحب التتمة فيه وجهين ولو أحدث في أثناء الخطبة وشرطنا الطهارة فيها فهل يجوز الاستخلاف ان قلنا لا يجوز في الصلاة فلا وان قلنا يجوز فوجهان حكاهما ابن الصباغ أصحهما الجواز كما في الصلاة * (فرع) لو صلي مع الامام ركعة من الجمعة ثم فارقه بعذر أو بغير عذر ولم تبطل صلاته جاز له أن يتمها جمعة كما لو أحدث الامام * (فرع) لو أتم الامام ولم يتم المأمومون فارادوا ان يستخلفوا من يتم بهم ان لم نجوز الاستخلاف للامام لم يجز لهم وان جوزنا فان كان في الجمعة بان كانوا مسبوقين لم يجز لان الجمعة لا تنشأ بعد الجمعة والخليفة منشئ وان كان في غيرها فان كانوا مسبوقين أو مقيمين وهو مسافر فوجهان (أظهرها) المنع لان الجماعة قد حصلت في كمال الصلاة وهم إذا أتموا فرادى نالوا فضلها * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 562 قال (الثانية إذا زوحم المقتدى عن سجود الركعة الاولي انتظر التمكن فان سجد قبل ركوع الامام وقرأ في الثانية كان معذورا في التخلف وان وجد الامام راكعا عند فراغه من السجود التحق بالمسبوق علي احد الوجهين حتى تسقط القراءة عن (الركعة الثانية) فان وجد الامام فارغا من الركوع وقلنا أنه كالمسبوق فهنا يتابع الامام في فعله لكن يقوم بعد سلام الامام إلى ركعة ثانية وإن قلنا ليس كالمسبوق فيشتغل بترتيب صلاة نفسه ويسعى خلف الامام وهو معذور في التخلف) * هذا ابتداء مسألة الزحام وهي موصوفة بالاشكال لانشعاب حالاتها وطول تفاريعها ونحن نلخصها ونوضح ما في الكتاب منها بحسب الامكان فنقول إذا منعته الزحمة في الجمعة عن ان يسجد علي الارض مع الامام في الركعة الاولي نظر ان امكنه ان يسجد علي ظهر انسان أو رجله لزمه ذلك لانه متمكن من ضرب من السجود يجزئه وقد روي عن عمر رضي الله عنه انه قال " إذا زوحم أحدكم في صلاته فليسجد علي ظهر أخيه " وبهذا قال أبو حنيفة واحمد وقال مالك يصبر ولا يسجد علي ظهر الغير ونقل المحاملى وغيره وجها أنه يتخير بين ان يسجد علي ظهر الغير متابعة للامام وبين أن يصبر ليحصل له فضيله السجود علي الارض والمذهب الاول ثم قال معظم الاصحاب انما يسجد على ظهر الغير إذا قدر علي رعاية هيئة الساجدين بأن كان على نشز من الارض والمسجود علي ظهره في موضع منخفض فان لم يكن كذلك لم يكن المأتى به سجودا وفى العدة أنه لا يضر ارتفاع الظهر والخروج عن هيئة الساجدين لمكان العذر وقد ذكر صاحب الافصاح ذلك وإذا تمكن من السجود علي ظهر الغير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 563 فلم يفعل ففيه وجهان حكاهما الشيخ أبو محمد (وأظهرهما) أنه تخلف بغير عذر (والثانى) أنه تخلف بالقدر وقد سبق حكم القسمين أما إذا لم يمكنه أن يسجد علي الارض ولا علي ظهر الغير فلو خرج عن المتابعة لهذا العذر وأراد أن يتمها ظهرا هل يصح فيه قولان لانه ظهر قبل فوات الجمعة وسيأتي الخلاف فيه قال الامام ويظهر عندي منعه من الانفراد لان إقامة الجمعة واجبة والخروج عنها قصدا مع توقع إدراكها لا وجه له فإذا دام علي المتابعة فما الذى يفعل ذكر في النهاية أن شيخه حكي فيه ثلاثة أوجه (أحدها) أن يومئ بالسجود أقصي ما يمكنه كالمريض لمكان العذر (واصحها) وهو المذكور في الكتاب انه ينتظر التمكن ولا يومئ لقدرته علي السجود وندور هذا العذر وعدم دوامه (والثالث) أن يتخير بينهما وهذه الوجوه كالوجوه في الغازى أنه يقعد ويومئ أو يقوم ويتم الاركان أو يتخير بينهما وإذا فرعنا علي الصحيح وهو أنه ينتظر فلا يخلو إما أن يتمكن من السجود قبل ركوع الامام في الثانية أو لا يتمكن إلي ركوعه فيها فاما في القسم الاول فيسجد كما تمكن ثم إذا فرغ فللامام أحوال أربع (أحداها) أن يكون بعد في القيام فيفتتح القراءة فان أتمها ركع معه وجرى على متابعته ولا بأس بما وقع من التخلف للعذر كما في صلاة عسفان يسجد الحارسون بعد قيام الامام إلي الثانية للعذر كما سيأتي في صلاة الخوف وان ركع الامام قبل أن يتمها فيبني حكمه على وجهين نذكرهما في أنه هل يلتحق بالمسبوق أم لا وقد بينا حكم المسبوق وغيره في ذلك في صلاة الجماعة (الثانية) أن يكون في الركوع ففيه وجهان (أصحهما) عند الجمهور أنه يدع القراءة ويركع معه لانه لم يدرك محلها فسقطت عنه كالمسبوق (والثانى) وهو اختيار القفال وجماعة أنه لا يدعها ولا تسقط عنه لانه مؤتم بالامام في حال قراءته فلزمته بخلاف المسبوق فعلى هذا يقرأ ويسعي خلف الامام وهو متخلف بالعذر (الثالثة) أن يكون فارغا من الركوع لكنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 564 يعد في الصلاة فان قلنا في الصورة السابقة أنه كالمسبوق فيتابع الامام فبما هو فيه ولا يكون محسوبا له بل يقوم عند سلام الامام إلى ركعة ثانية وإن قلنا ليس كالمسبوق فيشتغل بترتيب صلاة نفسه وحكى في النهاية طريقة أخرى أنه ليس له في هذه الصورة إلا متابعة الامام (الرابعة) لو وجد الامام متحللا من صلاته لا يكون مدركا للجمعة فان الامام قد خرج من الصلاة قبل أن تتم له ركعة بخلاف ما إذا رفع رأسه من السجود وسلم الامام في الحال قال إمام الحرمين وإذا جوزنا له التخلف وأمرناه بالجريان على ترتيب صلاة نفسه فالوجه ان يقتصر على الفرائض فعساه يدرك الامام ويحتمل أن يجوز له الاتيان بالسنن مع الاقتصار على الوسط منها وهذه الاحوال مذكورة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 565 في الكتاب سوى الرابعة منها وانما تكلم في الصورة التى يقع فيها هذه الاحوال وهى ان تمنعه الزحمة من مطلق السجود دون ان تمنعه من السجود علي الارض خاصة وقوله وقلنا انه كالمسبوق فههنا يتابع الامام يجوز اعلامه بالواو للطريقة التى حكاها الامام انه يتابع بلا خلاف * قال (اما إذا لم يتمكن من السجود حتى ركع الامام فقولان (أحدهما) يركع معه وقد حصلت له ركعة واحدة اما ملفقة من هذا السجود والركوع الاول علي احد الوجهين واما منظومة من هذا الركوع والسجود فان قلنا بالملفقة فهل تصلح لادراك الجمعة بها فعلي وجهين ولو خالف أمرنا ولم يركع مع الامام لكن سجد بطلت صلاته الا إذا كان جاهلا بالتحريم فيجعل كانه لم يسجد وينظر بعده فان راعي ترتيب صلاة نفسه فإذا سجد في ركعته الثانية حصلت له ركعة فيها نقصان التلفيق ونقصان القدوة الحكمية لوقوعها بعد الركوع الثاني للامام وهل تصلح الحكمية لادراك الجمعة فيه وجهان اما إذا تابع الامام بعد فراغه من سجوده الذى سها به فقد سجد مع الامام حسا أو حكما وتمت له ركعة ملفقة) * القسم الثاني أن لا يتمكن من السجود حتى يركع الامام في الثانية وفيما يفعل والحالة هذه قولان (أصحهما) وبه قال مالك واحمد واختاره القفال انه يتابعه فيركع معه لظاهر قوله " انما جعل الامام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 566 ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا " ولانه ادرك الامام في الركوع فيركع معه كالمسبوق (والثانى) وبه قال ابو حنيفة لا يركع معه بل يراعي ترتيب صلاة نفسه فيسجد لقوله صلي الله عليه وسلم " وإذا سجد فاسجدوا " وقد سجد الامام في الاولي فليسجد هو امتثالا للامر ولانه لو ركع لكان مواليا بين ركوعين في ركعة واحدة قال الرويانى وهذا أصح (التفريع) ان قلنا بالاول فاما ان يوافق ما امرناه به أو يخالف (الحالة الاولي) ان يوافق فاى الركوعين يحسب له فيه وجهان وقيل قولان (احدهما) الاول لانه انى به في وقت الاعتداد بالركوع وانما اتى بالثاني لعذر وهو موافقة الامام فاشبه ما لو والى بين ركوعين ناسيا (والثانى) المحسوب الثاني لان المدة قد طالت وافرط التخلف فكأنه مسبوق لحق الآن فيحسب له الركوع وما بعده ويلغى ما سبق وذكروا ان منشأ هذا الخلاف التردد في تغيير لفظ الشافعي رضى الله عنه فانه قال علي هذا القول فيركع معه في الثانية وتسقط الاخرى فمن قائل اراد بالاخرى الاخيرة ومن قائل اراد الاولى قالوا والاول اصح والثانى اشبه بكلامه وقوله في الكتاب اما ملفقة إلى آخره واما منظومة من هذا الركوع والسجود أي علي هذا الوجه الثاني فان قلنا بالوجه الثاني اجزأته الركعة الثانية من الجمعة فيضم إليها اخرى عند سلام الامام وان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 567 قلنا بالاول فالحاصل ركعة ملفقة من هذا السجود وذلك الركوع وفى ادراك الجمعة بها وجهان (احدهما) وبه قال ابن ابى هريرة لا يدرك لنقصانها بالتلفيق ومن شرط الجمعة وادراكها استجماع صفة الكمال (واصحهما) وبه قال أبو اسحق يدرك لقوله صلي الله عليه وسلم " من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى " والتلفيق ليس بنقص في حق المعذور وان كان نقصا فهو غير مانع الا ترى انا إذا احتسبنا بالركوع الثاني حكمنا بادراك الجمعة بلا خلاف مع حصول التلفيق بين هذا الركوع وذلك التحرم (الحالة الثانية) أن يخالف امرنا فلا يركع معه ويسجد جريا علي ترتيب صلاته فاما أن يفعل ذلك عالما بان واجبه المتابعة أو يفعله ناسيا أو معتقد أن الواجب عليه رعاية ترتيبه فان فعله عالما ولم ينو مفارقة الامام بطلت صلاته وعليه التحرم بالجمعه ان امكنه ادراك الامام في الركوع وان نوى مفارقته فقد اخرج نفسه عن صلاة الامام بغير عذر وفى بطلان الصلاة به قولان سبقا فان لم تبطل لم تصح جمعته وفى صحة الظهر خلاف مبنى علي أن الجمعة إذا تعذر اتمامها هل يجوز اتمامها ظهرا وعلي أن الظهر هل تصح قبل فوات الجمعة وسيأتي ذلك وقوله تبطل صلاته الا إذا كان جاهلا ينبغي أن يعلم فيه أن الاستثناء لا ينحصر في الجاهل بل الناس في معناه وقوله بطلت صلاته ان اراد ما إذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 568 لم ينو المفارقة واستدام نيته الاولى فذاك وإن اراد اطلاق الحكم نوى المفارقة ام لا فيحتاج الي الاعلام بالواو واما إذا فعله جاهلا أو ناسيا فما اتى به من السجود لا يعتد به ولا تبطل الصلاة ثم ان فرغ والامام راكع بعد بان خفف سجوده وطول الامام فعليه متابعته فان تابعه وركع معه فالتفريع كما سبق لو لم يسجد وان لم يركع معه أو كان الامام قد فرغ من الركوع فينظر ان راعى ترتيب صلاة نفسه بان قام بعد السجدتين وقرأ وركع وسجد فقد قال حجة الاسلام قدس الله روحه ههنا وفى الوسيط تتم له ركعة بهما لكن فيها نقصانان (احدهما) نقصان التلفيق فان ركوعها من الاولي وسجودها من الثانية وفيها الخلاف المذكور (والثاني) نقصان القدوة الحكمية وبين في النهاية معناه فقال ان المزحوم لم يسجد على متابعة الامام والاقتداء به حقيقة وحسا وانما سجد متخلفا عنه الا انه معذور فسحبوا حكم القدوة عليه وقالوا ان لم يفرط التخلف بان سجد قبل ركوع الامام الحق اقتدؤاه بالاقتداء الحقيقي وجعل مدركا للجمعة كما تقدم فاما إذا سجد بعد ركوعه فقد افرط التخلف وانتهى الامام الي آخر ما به يدرك المسبوق الجمعة فالمتم ركعته معرضا عن الاقتداء به حقيقة هل يكون مدركا للجمعة فيه وجهان (اصحهما) نعم ويقرب توجيههما مما ذكرنا في الملفقة وقد عرفت مما ذكرنا انه الي ماذا اشار بقوله لوقوعها بعد الركوع الثاني للامام وان الخلاف ليس في مطلق الحكمية فان السجود في حال قيام الامام ليس علي حقيقة المتابعة ولا خلاف في إدراك الجمعة به ثم اعرف شيئين (احدهما) انه اطلق الحكم باحتساب سجدتيه في الثانية وتمام الركعة بهما ثم نقل التردد في إدراك الجمعة بها ولا شك في ان هذا التردد مخصوص بما إذا وقعتا قبل سلام الامام فاما إذا وقعتا أو شئ منهما بعد سلام الامام فقد نصوا علي انه لا يكون مدركا للجمعة على أن في أصل الاحتساب إذا وقعتا قبل سلام الامام اشكالا لانا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 569 علي القول الذى عليه التفريع نأمره بالمتابعة بكل حال فكما لا يحسب له السجود والامام راكع لان فرضه المتابعة وجب أن لا يحسب له والامام في ركن بعد الركوع والمفهوم من كلام الاكثرين هذا وهو عدم الاحتساب بشئ مما يأتي به على غير سبيل المتابعة فإذا سلم الامام سجد سجدتين لتمام الركعة ولا يكون مدركا للجمعة نعم صرح الصيدلاني باحتساب السجدتين وبنقل الوجهين في إدراك الجمعة بها كما ذكره في الكتاب والله أعلم (الثاني) انه زيد في بعض النسخ بعد قوله فيجعل كأنه لم يسجد ثم ان أدرك الامام راكعا عاد التفريع كما مضي وإن فات الركوع بنظر بعده فان راعى وهكذا هو في الوسيط وليس في بعضها هذه الزيادة والامر فيها قريب وعلى الاول فليس التفصيل المرتب علي قوله وإن فات الركوع مخصوصا بما إذا فات الركوع عند فراغ المزحوم من السجود بل لو كان الامام في الركوع بعد لكنه جرى على ترتيب صلاته كان الحكم كما لو فات الا أن يطيل الامام ركوعه فيكون بعد فيها حين سجد المزحوم في الثانية فلا يعتد به هذا كله فيما إذا جرى علي ترتيب صلاته بعد فراغه من سجدتيه اللتين لم يعتد بهما فاما إذا فرغ منهما والامام ساجد فاتفق له متابعته في السجدتين فهذا هو الذى نأمره به والحالة هذه تفريعا علي هذا القول فيحسبان له ويكون الحاصل ركعة ملفقة (واما النقصان الاخر) فهو مفقود ههنا لانه سجد مع الامام حسا (وقوله) بعد سجوده الذى سها به أي جهل حكمه فانه بمثابة السهو وإن وجده جالسا للتشهد وافقه فإذا سلم سجد سجدتين لتتم له الركعة ولا جمعة له لانه لم يتم له ركعة والامام في الصلاة وكذلك يفعل لو وجده قد سلم حين فرغ من سجدتيه * قال (والقول الثاني انه لا يركع مع الامام بل يراعى ترتيب صلاة نفسه فان خالف مع العلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 570 وركع بطلت صلاته وان كان جاهلا لم تبطل وحصل له بسجوده مع الامام ركعة ملفقة وان وافق قولنا وسجد فسجوده واقع في قدوة حكمته ففي الادراك بها وجهان فعلي هذا للامام حالتان عند فراغه من السجود فان كان فارغا من الركوع فيجرى على ترتيب صلاة نفسه وان كان راكعا ركع معه ان قلنا انه كالمسبوق والاجرى علي ترتيب صلاة نفسه) * ذكرنا أصل هذا القول وتوجهه مع الاول وأما التفريع فانه لا يخلو إما ان يوافق ما أمرناه به وهو رعاية ترتيبه أو يخالف (احدى الحالتين) أن يخالف امرنا ويركع مع الامام فان كان عامدا بطلت صلاته وعليه أن يبتدئ بالجمعة ان امكنه ادراك الامام في الركوع وان كان ناسيا أو جاهلا يعتقد ان الواجب عليه الركوع مع الامام فلا يعتد بركوعه ولا تبطل صلاته فإذا سجد معه بعد الركوع فهل تحسب له السجدتان المشهور انهما يحسبان له لانا امرناه بالسجود علي هذا القول فقدم عليه شيئا غير معتد به ولا مفيد فإذا انتهي إليه وجب ان يقع عن المأمور وهذا هو الذى ذكره في الكتاب فقال وحصلت له بسجوده مع الامام ركعة ملفقة وحكي الشيخ أبو محمد رحمة الله عليه في السلسلة وجها آخر انه لا يعتد بهما لانه اتى بهما على قصد الثانية فلا يقع عن اولاه كما لو نسى سجدة من صلب الصلاة ثم سجد لتلاوة أو سهو لا يقوم مقامها فان قلنا بالاول فالحاصل ركعة ملفقة وفى الادراك بها ما سبق من الخلاف (الحالة الثانية) ان يوافق ما امرناه به فيسجد فهذه القدوة حكمية لوقوع السجود بعد الركوع الثاني للامام وفى إدراك الجمعة بها الوجهان السابقان وهما مشهوران في هذا الموضع في كلام الاصحاب ثم إذا فرغ من السجود فللامام حالتان (احداهما) ان يكون فارغا من الركوع إما في السجود أو في التشهد ففيه وجهان (احدهما) وهو المذكور في الكتاب انه يجرى علي ترتيب صلاة نفسه فيقوم ويقرأ ويركع لانا امرناه بذلك حالة ركوع الامام مع انه الركن الذى يتعلق به إدراك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 571 المسبوق فلان نأمره به بعد مجاوزتة كان أولي (والثانى) أنه يلزمه متابعة الامام فيما هو فيه فإذا سلم الامام اشتغل بتدارك ما عليه لانه إنما جعل الامام ليؤتم به فصار كالمسبوق يدرك الامام ساجدا أو متشهدا بخلاف الركعة الاولي فانه أدرك منها القيام والركوع فلزمه إتمامها ويشبه أن يكون هذا الوجه أظهر في المذهب لان كثيرا من اصحابنا لم يوردوا سواه منهم جماعة من العراقيين والشيخ أبو محمد ونقل ابن الصباغ وصاحب المهذب الوجهين وقالا الاصح هو الثاني وعلي هذا الثاني قال الشيخ أبو محمد لو كان الامام عند فراغه من السجود قد هوى للسجدتين فتابعه فقد والى بين اربع سجدات فالمحسوب لتمام الركعة الاولي الاوليان ام الاخريان فيه وجهان كما سبق في الركوعين (اقربهما) إلي الصواب احتساب الاوليين وعلي الوجه الثاني يعود الخلاف المذكور في الركعة الملفقة (والثانية) ان يكون الامام راكعا بعد فهل عليه متابعته وتسقط عنه القراءة كالمسبوق أو يشتغل بترتيب صلاة نفسه فيقرأ فيه وجهان كما ذكرنا تفريعا علي القول الاول فعلي الاول يسلم معهم ويتم جمعته وعلي الثاني يقرأ ويسعى ليلحقه وهو مدرك للجمعة ايضا وقوله في اول القول الثاني لا يركع معه معلم بالميم والالف وقوله في اول القول الاول يركع معه بالحاء لما قدمناه ويجوز ان يعلم كلاهما بالزاى لان الاصحاب اختلفوا في اختيار المزني ومذهبه من القولين فعن ابن سريج وابن خيران ان اختياره القول الثاني وعن ابي اسحق ان اختياره القول الاول ولهذا الاختلاف شرح ليس هذا موضعه ولعلك تقول قوله فعلي هذا للامام حالتان تفريع وترتيب فعلي ماذا رتبه والمذكور قبله وجهان مرسلان في ان القدوة الحكمية هل تفيد إدراك الجمعة (والجواب) انه أراد الترتيب علي قولنا ان القدوة الحكمية تصلح للادراك وقد بين ذلك في الوسيط لكن إيراد المعظم يدل علي ان كلام الحالتين لا يختص بالتفريع علي أحد الوجهين بل هو شامل لهما وإنما يختلفان في القدر الذى يتداركه هذا تمام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 572 الكلام فيما إذا لم يتمكن المزحوم في السجود حتي ركع الامام في الثانية ولو لم يتمكن منه حتى سجد لامام في الثانية فيتابعه في السجود قولا واحدا والحاصل ركعة ملفقة ان قلنا الواجب متابعة الامام وغير ملفقة إن قلنا الواجب عليه رعاية ترتيب صلاته ذكره في التهذيب ولو لم يتمكن منه حتى تشهد الامام قال في التتمة يسجد ثم إن ادرك الامام قبل السلام فقد ادرك الجمعة وإلا فلا ولو كان الزحام في سجود الركعة الثانية وقد صلي الاولي مع الامام فيسجد متي تمكن قبل سلام الامام أو بعده وجمعته صحيحة وإن كان مسبوقا لحقه في الثانية فان تمكن قبل سلام الامام سجد وقد ادرك ركعته وإن لم يتمكن حتى سلم الامام فلا جمعة له ولو زحم عن ركوع الركعة الاولى حتى ركع الامام في الثانية يركع ثم قال الاكثرون يعتد له بالركعة الثانية وتسقط الاولي ومنهم من قال الحاصل ركعة ملفقة * قال (ومهما حكمنا بانه لم يدرك الجمعة فهل تنقلب صلاته ظهرا فيه قولان يعبر عنهما بان الجمعة هي ظهر مقصورة أم هي صلاة علي حيالها فان قلنا لا تنقلب ظهرا فهل تبقى نفلا يبنى علي القولين في المتحرم بالظهر قبل الزوال) * إذا عرضت حالة في الصلاة تمنع من وقوعها جمعة في صورة الزحام وغيرهما فهل يتم صلاته ظهرا فيه قولان يتعلقان باصل وهو ان الجمعة ظهر مقصورة أو هي صلاة علي حيالها وقد اختلف قول الشافعي رضي الله عنه في فروع تقتضي اختلافه في هذا الاصل (أحدهما) أنها ظهر مقصورة لان وقتها وقت الظهر لكن وجب القصر فيها عند تمام شروطها (والثانى) انها صلاة علي حيالها ألا ترى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 573 انه لا يجوز فعلها في سائر الايام ولا يجوز فعل الظهر في هذا اليوم فان قلنا انها ظهر مقصورة فإذا فات بعض شرائط الجمعة أتمها ظهرا كالمسافر إذا فات شروط قصره وإن قلنا أنها فرض آخر فهل يتم فيه وجهان مذكوران في التهذيب وغيره (أحدهما) لا لانه شرع فيها بنية الجمعة (والثانى) نعم لانهما فرض وقت واحد (وقوله) في الكتاب فهل تنقلب صلاته ظهرا يشعر بان الخلاف في انقلابه بنفسه وفى النهاية حكاية وجهين في ذلك على قولنا أنه تتم صلاته ظهرا (أحدهما) انه تنقلب ظهرا من غير قصد منه لانا إذا جعلناها ظهرا مقصورة فمتي بطل القصر ثبت الاتمام (والثاني) ان الشرط ان يقلبهما ظهرا بقصده لان بين الجمعة والظهر تغايرا في الجملة ليس بين القصر والاتمام فلا بد من قصد البناء والظاهر من الخلاف في المسألة ان له ان يتمها ظهرا وإذا قلنا لا يتمها ظهرا فهل تبقى صلاته نفلا ام تبطل من أصلها فيه القولان السابقان فيما إذا تحرم بالظهر قبل الزوال ونظائرها ثم قال امام الحرمين قول البطلان لا ينتظم تفريعه إذا امرناه في صورة الزحام بشئ فوافق امرنا لان الامر بالشئ والحكم ببطلانه ورفعه آخرا محال فليكن ذلك مخصوصا بما إذا امرناه بشئ فخالف وحيث اطلق الائمة ترتيب الخلاف وتنزيله فهو محمول على هذا * قال (والنسيان هل يكون عذرا كالزحام فيه وجهان) * التخلف بالنسيان هل هو كالتخلف بالزحام فيه وجهان (اصحهما) نعم لمكان العذر (والثانى) لا لانه نادر ولانه مفرط إذ هو بسبيل من ادامة الذكر هكذا اطلق جماعة نقل الوجهين منهم المصنف والمفهوم من كلام الاكثرين ان في ذلك تفصيلا ان تأخر سجوده عن سجدتي الامام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 574 ثم سجد في حال قيام الامام فالحكم كما ذكرناه في الزحام وكذلك لو تأخر لمرض لشمول العذر وعدم افراط التخلف وان بقي ذاهلا عن السجود حتى ركع الامام في الثانية ثم تنبه فهنا خلاف منهم من قال فيه القولان في المزحوم (احدهما) يركع معه (والثانى) يجرى على ترتيب صلاة نفسه وبهذا قال القاضي ابو حامد ومنهم من قال يتبعه قولا واحدا لانه مقصر بالنسيان فلا يجوز له ترك المتابعة وهذا اظهر عند القاضي الروياني (خاتمة) الزحام كما يفرض في صلاة الجمعة يفرض في سائر الصلوات وانما يذكر في الجمعة خاصة لان الزحمة فيها أكثر ولانها يجتمع فيها وجوه من الاشكال لا تجرى في غيرها مثل التردد في ان الركعة الملفقة هل تدرك بها الجمعة وكذا التردد في القدوة الحكمية والتردد في أن المبنية على ان الجمعة ظهر مقصورة ولان الجماعة شرط فيها ولا سبيل الي المفارقة ما دام يتوقع ادراك الجمعة بخلاف سائر الصلوات إذا عرفت ذلك فلو فرضت الزحمة في سائر الصلوات وامتنع عليه السجود في الاولي حتى ركع الامام في الثانية اطرد فيه القولان وحكى القاضي بن كج طريقتين اخريين (احداهما) انه يركع معه بلا خلاف (والثانى) انه يراعي ترتيب صلاته بلا خلاف * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 575 قال (الشرط السادس الخطبة وأركانها خمسة (ح) الحمد لله ويتعين هذا اللفظ والصلاة علي رسول الله صلي الله عليه وسلم ويتعين لفظ الصلاة والوصية بالتقوى ولا يتعين لفظها إذ غرضه الوعظ وأقلها أطيعوا الله والدعاء للمؤمنيين وأقله رحمكم الله وقراءة القرآن وأقله آية والدعاء لا يجب الا في الثانية والقراءة تختص بالاولى علي أحد الوجهين والتحميد والصلاة والوصية واجبة في الخطبتين) * من شرائط الجمعة تقدم خطبتين " لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل الجمعة إلا بخطبتين " قال صلوا كما رأيتموني أصلي " وروى عن عمر رضي الله عنه وغيره " ان الصلاة انما قصرت للخطبة " والكلام في واجبات الخطبة وسننها أما الواجبات فقد جعلها قسمين الاركان والشرائط وعد الاركان خمسة (أحدها) حمد الله تعالي لما روى انه صلي الله عليه وسلم وسلم " خطب يوم الجمعة فحمد الله وأثنى عليه " ويتعين لفظ الحمد اتباعا لما درجوا عليه من عصر الرسول صلي الله عليه وسلم إلي عصرنا هذا (والثانى) الصلاة علي رسول الله صلي الله عليه وسلم فان كل عبادة افتقرت إلي ذكر الله تعالي افتقرت إلي ذكر رسوله كالاذان والصلاة ويتعين لفظ الصلاة كما ذكرنا في الحمد وحكي في النهاية عن كلام بعض الاصحاب ما يوهم انهما لا يتعينان ولم ينقله وجها مجزوما به (والثالث) الوصية بالتقوى لان النبي صلي الله عليه وسلم " واظب عليها في خطبه " ولان المقصود من الخطبة الوعظ والتحذير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 576 فلا يجوز الاخلال به وهل يتعين لفظ الوصية فيه وجهان (أحدهما) نعم كالحمد والصلاة (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب لا لان غرضها الوعظ فبأى لفظ وعظ حصل الغرض وقد روى هذا عن نصه في الاملاء قال الامام ولا يكفى الاقتصار علي التحذير من الاغترار بالدنيا وزخارفها فان ذلك قد يتواصى به المنكرون للمعاد أيضا بل لا بد من الحمل على طاعة الله تعالي وحده والمنع من المعاصي ولا يجب في الموعظة فصل وكلام طويل بل لو قال أطيعوا الله كفاه وأبدى الامام احتمالا فيه وقال الغرض استعطاف القلوب وتنبيه الغافلين ولا يحصل ذلك إلا بفصل يهز ويستحث وعلى ذلك جرى الاولون واللائق بمذهب الشافعي رضي الله عنه الاتباع ولا تردد في كلمتي الحمد والصلاة انهما كافيتان ثم هذه الاركان الثلاثة لا بد منها في الخطبتين جميعا وحكي الحناطى وجها غريبا انه لو صلي على النبي صلي الله عليه وسلم في أحداهما جاز فيجوز أن يعلم لذلك لفظ الصلاة في قوله والتحميد والصلاة والوصية واجبة في الخطبتين بالواو (والرابع) الدعاء للمؤمنين ركن في ظاهر المذهب اتباعا وفيه أوجه آخر انه لا يجب لانه لا يجب في غير الخطبة فكذلك في الخطبة كالتسبيح وكلام صاحب التلخيص يوافق هذا الوجه ويحكي عن نصه في الاملاء أيضا وإذا قلنا بالاول فهو مخصوص بالثانية فان الدعاء يليق بحالة الاختتام ولو دعا في الاول لم يحسب عن الثانية ويكفي ما يقع عليه الاسم قاله الامام وأرى انه يجب أن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 577 يكون متعلقا بامور الآخرة غير مقتصر علي أوطار الدنيا وانه لا بأس بتخصيصه بالسامعين بأن يقول رحمكم الله (الخامس) قراءة القرآن وهى من الاركان روى انه صلى الله عليه وسلم " كان يقرأ آيات ويذكر الله تعالي " ونقل قول عن الاملاء انها ليست من الاركان وإنما هي من المستحبات وقد يحكى المذهبان وجهين عن أبى اسحق المروزى فان قلنا بالمشهور وهو انها ركن فقد قال الاصحاب أقله آية ويحكى عن ذلك عن نص الشافعي رضي الله عنه ولا فرق بين أن يكون مضمونها وعدا أو وعيدا أو حكما أو قصة قال الامام ولا يبعد الاكتفاء بشطر آية طويلة ولا شك انه لو قال (ثم نظر) لم يكف وان عد آية بل يعتبر أن تكون مفهمة واختلفوا في محلها على ثلاثة أوجه (أظهرها) وينقل عن نصه في الام انها تجب في أحدهما لا بعينها لان المنقول انه كان يقرأ في الخطبة وهذا القدر لا يوجب كون القراءة فيهما ولا في واحدة على التعيين (والثاني) أنها تجب فيهما لانها ركن فأشبهت الثلاثة الاول (والثالث) انها تختص بالاولى في مقابلة الدعاء المختص بالثانية وهذا ظاهر لفظه في المختصر وقوله في الكتاب والقراءة تختص بالاولي على أحد الوجهين تعرض لهذا الوجه الثالث ويمكن ادراج الوجهين الآخرين في مقابله بأن يقال والثانى لا يختص وعلي هذا تجب فيهما أو تجب في واحدة لا علي التعيين فيه وجهان " ويستحب أن يقرأ في الخطبة سورة ق روى ذلك عن النبي صلي الله عليه وسلم وسلم " وان قرأ آية سجدة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 578 نزل وسجد فلو كان المنبر عاليا لو نزل لطال الفصل ففيه الخلاف المذكور في اشتراط الموالاة ولا تداخل في الاركان المذكورة حتي لو قرأ آية فيها موعظة وقصد ايقاعها عن الجهتين لم يجز ولا يجوز أن يأتي بآيات تشتمل على الاركان المطلوبة فان ذلك لا يسمى خطبة ولو أتى ببعضها في ضمن آية لم يمتنع (وقوله) في الكتاب وأركانها خمسة معلم بالواو للخلاف المذكور في القراءة والدعاء وبالحاء لان عنده يكفيه أن يقول الحمد لله أو لا إله الا الله ونحوهما وبالميم لانه روى عن مالك مثل مذهب أبى حنيفة وروى انه قال لا يجزئه إلا ما سمته العرب خطبة ويجوز ان يعلم كل واحد من الاركان بعلامتهما لما ذكرنا وكذا الحكم بتعين الحمد لله والصلاة ولك ان تبحث في شيئين من قوله ويتعين هذه اللفظة وقوله ويتعين لفظ الصلاة (احدهما) ان الحكم بتعين اللفظين يقتضي عدم اجزائهما بغير العربية فهل هو كذلك (والجواب) ان في اشتراط كون الخطبة كلها بالعربية وجهان (اصحهما) انه شرط اتباعا لما جرى عليه الناس (والثانى) ذكره في التتمة مع الاول انه لا يشترط اعتبارا بالمعني فعلي الصحيح لو لم يكن فيهم من يحسن العربية خطب بغيرها ويجب ان يتعلم واحد منهم الخطبة بالعربية كالعاجز عن التكبير بالعربية عليه التعلم فلو مضت مدة امكان التعلم ولم يتعلموا عصوا وليس لهم الجمعة (الثاني) لم قال في الحمد لله وتتعين هذه اللفظة ولم يقل مثل ذلك في الصلاة علي رسول الله ولكن خص التعين بالصلاة (والجواب) انما لم يقل في الصلاة وتتعين هذه اللفظة لانه لو قال والصلاة علي محمد أو علي النبي جاز ولا يشترط التعرض للفظ الرسول (وقوله) في الحمد وتتعين هذه لله اللفظة مقتضاه انه لو قال الحمد للرحمن أو للرحيم لا يجزئه وذلك مما لا يبعد كما في كلمة التكبير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 579 لكن لم اره مسطورا فاما ان قوله والصلاة علي النبي مجزئ فلا شك فيه وهو لفظ الشافعي رضى الله عنه في المختصر * قال (وشرائطها ستة الوقت وهو ما بعد الزوال وتقديمها علي الصلاة بخلاف صلاة العيدين والقيام فيهما والجلوس بين الخطبتين مع الطمأنينة وفى طهارة الخبث والحدث والموالاة خلاف) * لما فرغ من الاركان اشتغل بذكر الشرائط وعدها ستا وهذا الفصل يشتمل علي خمسة منها (احداها) الوقت وهو ما بعد الزوال فلا يجوز تقديم الخطبتين ولا شئ منهما عليه خلافا لاحمد حيث قال يجوز كما حكينا عنه في نفس الصلاة ولمالك حيث جوز تقديم الخطبة على الزوال وان لم يجز تقديم الصلاة * لنا ما روى انه صلي الله عليه وسلم " كان يخطب يوم الجمعة بعد الزوال " ولو جاز التقديم لقدمها تخفيفا على المبكرين وايقاعا للصلاة في اول الوقت (الثانية) تقديم الخطبتين على الصلاة بخلاف صلاة العيد تقدم على الخطبتين لان النقل هكذا ثبت في الطرفين ثم فرقوا من وجهين (احدهما) ان خطبة الجمعة واجبة فقدمت ليحتبس الناس في انتظار الصلاة فيستمعوها ولا ينتشروا وخطبة العيد غير واجبة ولو انتشروا عنها لم يقدح (والثاني) ان الجمعة لا تؤدى الا جماعة فقدمت الخطبة عليها ليمتد الوقت ويلتحق الناس وصلاة العيد تؤدى من غير جماعة (الثالثة) القيام فيها عند القدرة خلافا لابي حنيفة واحمد حيث قالا لا يشترط ذلك ويجوز القعود مع القدرة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 580 لنا أن النبي صلي الله عليه وسلم ومن بعده لم يخطبوا الا قياما " ولانه ذكر يختص بالصلاة ليس من شرطه القعود فكان من شرطه القيام كالقراءة والتكبير فان عجز عن القيام فالاولي أن ينيب غيره ولو لم يفعل وخطب قاعدا أو مضطجعا جاز كما في الصلاة ويجوز الاقتداء به سواء قال لا استطيع القيام أو سكت فان الظاهر أنه انما قعد لعجزه فان بان أنه كان قادرا فهو كما لو بان الامام جنبا (وقوله) القيام فيها معلم بالحاء والالف لما حكيناه من مذهبهما ويجوز اعلامه بالميم لان بعض اصحاب احمد حكي عن مالك مثل مذهبهما وبالواو لان القاضي ابن كج حكى عن بعض اصحابنا وجها أنه لو خطب قاعدا مع القدرة علي القيام يجزئه الرابعة) الجلوس بينهما خلافا لابي حنيفة ومالك واحمد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 581 حيث قالوا انه سنة ليس بشرط * لنا مائبت من مواظبة رسول الله صلي الله عليه وسلم ومن بعده عليهما " وتجب الطمانينته فيه كما في الجلسة بين السجدتين ولو خطب قاعد لعجزه عن القيام لم يضطجع بينهما للفصل ولكن يفصل بينهما بسكتة خفيفة وهذا يقتضي اعلام قوله والجلوس بين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 582 الخطبتين بالواو مع الحاء والميم والالف (فان قلت) لم عد القيام والقعود ههنا من الشرائط وهما معدودان في الصلاة من الاركان (فاعلم) أن امام الحرمين اجاب عنه بان قال الامر فيه قريب ولا حجر علي من يعدهما من الاركان كما في الصلاة ولا علي من لا يعدهما من الاركان في الصلاة ايضا ونقول المقصود لا يقع فيهما وهما محالان ويجوز الفرق بل الغرض من الخطبة الوعظ وهو امر معقول ولا يصح في الصلاة امر معقول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 583 فجعل القيام بمثابة ما فيه وههنا عد شرطا ومحلا لما هو المقصود (الخامسة) هل يشترط في الخطبة طهارة الحدث وطهارة البدن والثوب والمكان عن الخبث فيه قولان (القديم) لا وبه قال مالك وابو حنيفة واحمد لان الخطبة ذكر يتقدم الصلاة فاشبه الاذان (والجديد) نعم اتباعا لما جرت الائمة عليه في الاعصار كلها وهذا الخلاف مبني عند بعض الائمة على أن الخطبتين بدل عن الركعتين ام لا وقال امام الحرمين وهو مبني على أن الموالاة في الخطبة هل هي شرط ام لا إن قلنا نعم فلا بد من أن يكون متطهرا لانه يحتاج الي الطهارة بعد الخطبة فتختل الموالاة وإن قلنا لا تشترط الموالاة لا تشترط الطهارة ومنهم من جعل الخلاف في الطهارة وجهين والقولان أشهر وقد طرد الخلاف في ستر العورة اما من يبنى علي أن الخطبتين بدل من الركعتين ام لا فتوجيهه هين على اصله وأما من لم يبن عليه فقد قال الامام سبب الاشتراط بروز الخطيب وما فيه من هتكة الانكشاف لو لم يتستر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 584 (وقوله) في طهارة الحدث لفظ االحدث يشمل الحدث الاصغر والاكبر وقد صرح في التتمة بطرد الخلاف في اشتراط الطهارة عن الحدث والجنابة جميعا لكن قال في التهذيب لو خطب جنبا لم تحسب قولا واحدا لان القراءة شرط ولا تحسب قراءة الحنب وهذا اوضح والخلاف الذى ارسله المراد منه ما بيناه ونقله المصنف في الوسيط وجهين واما الخلاف في المولاة فهو قولان ومسألة الموالاة مكررة قد ذكرها مرة في الشرط الرابع للجمعة وانما جمع بينها وبين الطهارة للتناسب والبناء الذى ذكره الامام وإذا اشترطنا الطهارة فلو سبقه الحدث في الخطبة لم يعتد بما يأتي به في حال الحدث وفى بناء غيره عليه الخلاف الذى سبق ولو تطهر وعاد وجب الاستئناف إن طال الفصل وشرطنا الموالاة وإن لم يطل الفصل ولم نشترط الموالاة فوجهان (أظهرهما) الاستئناف أيضا لانها عبادة واحدة فلا تؤدى بطهارتين كالصلاة * قال (ويجب رفع الصوت بحيث يسمع اربعين من اهل الكمال وهل يحرم الكلام على من عدي الاربعين فيه قولان (الجديد) أنه لا يحرم كما لا يحرم الكلام علي الخطيب وقيل بطرد القولين في الخطيب فان قلنا يجب الانصات فلا يسلم الداخل فان سلم لم يجب وفى تشميت العاطس وجهان وفى وجوبه علي من لا يسمع الخطبة وجهان وتحية المسجد مستحبة في اثناء الخطبة (ح م وان قلنا لا يجب الانصات ففى تشميت العاطس وفى رد السلام وجهان) * الشريطة السادسة للخطبة رفع الصوت فان الوعظ الذى هو مقصود الخطبة لا يحصل الا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 585 بالابلاغ والاسماع وذلك لا يحصل الا برفع الصوت فلو خطب سرا بحيث لم يسمع غيره لم يحسب كالاذان وحكى صاحب البيان عن ابى حنيفة انها تجزى وقد حكاه القاضى الرويانى وغيره وجها لنا ثم الضبط علي ظاهر المذهب أن يسمع اربعين من اهل الكمال علي ما سبق وصفهم ولو رفع الصوت قدر ما يبلغ لكن كانوا أو بعضهم صما ففيه وجهان (اصحهما) انها لا تجزئ كما لو بعدوا عنه وكما أنه يشترط سماع شهود النكاح (والثانى) يجزئ كما لو حلف لا يكلم؟ لانا فكلمه بحيث يسمع لكنه لم يسمع لصممه يحنث وكما لو سمتعوا الخطبة ولم يفهموا معناها لا يضر وينبغى للقوم أن يقبلوا بوجوههم الي الامام وينصتوا ويسمعوا قال الله تعالي (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا) ذكر في التفسير أن الاية وردت في الخطبة سميت قرآنا لاشتمالها عليه والانصات هو السكوت والاستماع شغل السمع بالسماع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 586 وهل الانصات فرض والكلام حرام ام لا قال في القديم والام الانصات فرض والكلام حرام وبه قال أبو حنيفة ومالك وهو اظهر الروايتين عن أحمد ووجهه ظاهر الامر في الاية فانه للايجاب وما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " إذا قلت لصاحبك انصت والامام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت " واللغو الاثم قال الله تعالي (واللذين هم عن اللغو معرضون) وقال في الجديد الانصات سنة والكلام ليس بحرام لما روى " أن رجلا دخل والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقال متى الساعة فاومي الناس إليه بالسكوت فلم يقبل واعاد الكلام فقال له النبي صلي الله عليه وسلم وسلم بعد الثالثة ما إذا اعددت لها فقال حب الله ورسوله فقال انك مع من احببت " والاستدلال انه لم ينكر عليه ولم يبين له وجوب السكوت وذكر اصحابنا العراقيون أن ابا اسحق حكى في الشرح عن بعض اصحابنا طريقة اخرى جازمة بالوجوب وانه اول كلامه في الجديد والذى عليه الجمهور طريقة القولين وهل يحرم الكلام علي الخطيب فيه طريقان (اصحهما) القطع بانه لا يحرم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 587 وانما حرم علي المستمع في قول كيلا يمنعه عن الاستماع " وأيضا فقد كلم رسول الله صلي الله عليه وسلم قتلة ابن أبى الحقيق وسالهم عن كيفية قتله في الخطبة " وكلم أيضا سليكا الغطفانى في الخطبة كما سيأتي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 588 وعلي هذه الطريقة شبه في الكتاب المستمع بالخطيب فقال الجديد انه لا يحرم كما لا يحرم علي الخطيب وقد ذكر المزني هذا الاستدلال لترجيح الجديد (والطريقة الثانية) طرد القولين في الخطيب وهى تخرج علي أن الخطبتين بمثابة الركعتين أم لا ان قلنا نعم حرم الكلام عليه وبه قال مالك وأبو حنيفة ثم نتكلم في محل القولين وتفريعهما * أما المحل ففيه كلامان (أحدهما) ان الخلاف في الكلام الذى لا يتعلق به غرض مهم ناجز فأما إذا رأى أعمي يقع في بئر أو عقربا تدب علي انسان فأنذره أو علم انسانا شيئا من الخير أو نهاه عن منكر فهذا لا يحرم قولا واحدا وإن كان لفظ الكتاب مطلقا كذلك ذكره الاصحاب علي طبقاتهم وحكوه عن نص الشافعي رضي الله عنه نعم المستحب أن يقتصر على الاشارة ولا يتكلم ما وجد إليه سبيلا (والثانى) انه يجوز الكلام قبل أن يبتدئ الامام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 589 في الخطبة وكذلك بعد الفراغ منها إلى أن ينزل أو يتحرم بالصلاة وليس ذلك موضع الخلاف لانه ليس وقت الاستماع * وأما حالة الجلوس بين الخطبتين فمنهم من أخرجها عن حيز الخلاف أيضا وهو ما أورده صاحب المهذب وحجة الاسلام في الوسيط وأجرى المحاملى وابن الصباغ وآخرون الخلاف فيها ويجوز للداخل في أثناء الخطبة أن يتكلم ما لم يأخذ لنفسه مكانا والقولان بعدما قعد حكاه الامام وغيره * وأما تفريع القولين فان قلنا بالقديم فالداخل في أثناء الخطبة ينبغي أن لا يسلم فان سلم لم تجز اجابته باللسان ويستحب أن يجاب بالاشارة كما في الصلاة وهل يجوز تشميت العاطس فيه وجهان (أصحهما) وهو المنصوص لا كرد السلام (والثانى) يجوز لان العطاس لا يتعلق بالاختيار والتشميت من حقوق المسلم علي المسلم فيوفى بخلاف رد السلام فان المسلم والحالة هذه مضيع سلامه وعلي هذا فهل يستحب حكى إمام الحرمين فيه وجهين ووجه المنع بأن الانصات أهم فانه واجب على هذا القول والتشميت لا يجب قط وحكى في البيان عن بعض الاصحاب انه يرد السلام ولا يشمت العاطس لان تشميت العاطس سنة ورد السلام واجب والواجب لا يترك بالسنة وقد يترك بواجب آخر وهل يجب الانصات على من لا يسمع الخطبة فيه وجهان شبيهان بالوجهين في أن المأموم الذى لا يسمع قراءة الامام هل يقرأ السورة أم لا (أحدهما) انه لا يجب لان الانصات للاستماع فعلي هذا له أن يشتغل بذكر وتلاوة (والثاني) يجب كيلا يرتفع اللغط ولا يتداعي الي منع السامعين من السماع وهذا اظهر ولم يذكر كثيرون سواه وحكوه عن نص الشافعي رضى الله عنه وقالوا البعيد بالخيار بين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 590 الانصات وبين الذكر والتلاوة وأما في كلام الادميين فهو والقريب سواء وان فرعنا على الجديد فقد قال في الكتاب يشمت العاطس وفى رد السلام وجهان ولا بد من البحث عنه أهو كلام في الاستحباب أم في الوجوب أما جوازهما فلا شك فيه علي هذا القول وأما غيره فقد جعل صاحب التهذيب الوجهين في وجوب الرد (اصحهما) وجوبه كما في سائر الاحوال (والثاني) لا يجب لانه مقصر مضيع السلام كمن سلم علي من يقضي حاجته قال وفي استحباب التشميت الوجهان وذكر المصنف في الوسيط ان التشميت يجب وفى الرد وجهان والظاهر انه أراد نصب الوجهين في الاستحباب علي ما صرح به امام الحرمين فقال لا يجب الرد لتقصير المسلم ووضعه السلام في غير موضعه والوجهان في استحباب الرد (واعلم) ان القول بوجوب التشميت خلاف ما اطبق عليه الائمة فانهم قالوا التشميت محبوب غير واجب بحال فلا ينبغي أن يحمل قوله ويشمت العاطس عليه بل الوجه تأويل ما في الوسيط أيضا ولا يحسن حمله علي الجواز ايضا لانه عطف عليه قوله وفى رد السلام وجهان فإذا كان المراد من الاول الجواز كان قضية الايراد فرض الخلاف في الجواز ولا يمكن تصوير الخلاف فيه علي هذا القول فإذا قوله يشمت العاطس معناه انه يستحب ذلك وليكن معلما بالواو لما حكاه صاحب التهذيب (واعلم) انه لو تكلم لم تبطل جمعته علي القولين جميعا والخلاف في الاثم وعدمه (وأما) قوله وتحية المسجد مستحبة (فشرحه) ان الخطيب إذا صعد المنبر فينبغي لمن ليس في الصلاة من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 591 الحاضرين أن لا يفتتحها سواء صلى السنة أم لا ومن كان منهم في الصلاة خففها روى عن الزهري انه قال " خروج الامام يقطع الصلاة " وكلامه يقطع الكلام والفرق بين الكلام الذى لا بأس به وان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 592 صعد المنبر ما لم يبتدئ الخطبة وبين الصلاة ان قطع الكلام هين متى ابتدأ الخطيب الخطبة بخلاف الصلاة فانه قد يفوته سماع أول الخطبة الي ان يتمها وأما الداخل في اثناء الخطبة فيستحب له التحية خلافا لمالك وأبي حنيفة حيث قالا يكره له الصلاة كما للحاضرين * لنا ما روي " انه جاء سليك الغطفانى يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس فقال النبي صلى الله عليه وسلم قم يا سليك فاركع ركعتين تجوز فيهما " ثم قال " إذا جاء أحدكم والامام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما " ولو أن الداخل لم يصل السنة بعد صلاها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 593 وحصلت التحية بها أيضا وان دخل والامام في آخر الخطبة لم يصل حتى لا يفوته اول الجمعة مع الامام وحكم التحية لا يختلف بقولي الانصات وذكره في الكتاب متصلا بتفريع القديم ليس لاختصاص الاستحباب به بل استحباب التحية علي قولنا باستحباب الانصات أظهر منه علي قولنا بوجوب الانصات وقوله في اول الفصل ويجب رفع الصوت بحيث يسمع اربعين من اهل الكمال يجوز اعلامه بالحاء والميم لما تقدم نقله وقوله وهل يحرم الكلام على من عدا الاربعين يقتضي الجزم بتحريم الكلام علي الاربعين وهذا التقدير بعيد في نفسه ومخالف لما نقله الاصحاب * اما بعده في نفسه فلان الكلام في السامعين للخطبة ألا تراه يقول بعد ذلك وفى وجوبه علي من لا يسمع الخطبة وجهان وإذا حضر جمع زائدون علي الاربعين وهم بصفة الكمال فلا يمكن ان يقال بأن الجمعة تنعقد بأربعين منهم علي التعيين حتي يفرض تحريم الكلام عليهم قطعا والتردد في حق الآخرين بل الوجه الحكم بانعقاد الجمعة بهم أو بأربعين منهم لا على التعيين حتى يفرض تحريم الكلام عليهم قطعا والتردد في حق الآخرين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 594 بل الوجه الحكم بانعقاد الجمعة بهم أو بأربعين منهم لا علي التعيين * واما مخالفته لنقل الاصحاب فلانك لا تجد للجمهور الا اطلاق قولين في السامعين ووجهين في حق غيرهم كما سبق ويجوز أن يعلم قوله قولين بالواو إشارة الي الطريقة الجازمة بالوجوب المروية عن ابى اسحق (وقوله) كما لا يحرم الكلام علي الخطيب معلم بالحاء والميم هذا آخر ما ذكره في الكتاب من واجبات الخطبة ووراءها واجبات أخر (منها) أن تكون بالعربية كما سبق (ومنها) نية الخطبة وفرضيتها حكى عن القاضى الحسين اشتراط ذلك كما في الصلاة (ومنها) الترتيب ذكر صاحب التهذيب وغيره انه يجب الترتيب بين الكلمات الثلاث المشتركة بين الخطبتين يبتدئ بالتحميد ثم بالصلاة ثم بالوصية ولا ترتيب بين القراءة والدعاء ولا بينهما ولا بين غيرهما ونفى صاحب العدة وآخرون وجوب الترتيب في ألفاظها أصلا وقالوا الافضل رعايته * قال (وأما سنن الخطبة فان يسلم الخطيب على من عند المنبر ثم إذا صعد المنبر أقبل وسلم (م ح) وجلس إلى أن يفرغ المؤذن) * سنن الخطبة ثلاث جمل (إحداها) السنن السابقة علي نفس الخطبة منها أن يخطب على المنبر " كان النبي صلي الله عليه وسلم يخطب مستندا إلى جذع في المسجد ثم صنع له المنبر فكان يخطب عليه " الجزء: 4 ¦ الصفحة: 595 والسنة أن يوضع علي يمين المحراب هكذا وضع منبر رسول الله صلي الله عليه وسلم والمراد من يمين المحراب الموضع الذى يكون علي يمين الامام إذا استقبل ويكره وضع المنبر الكبير الذى يضيق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 596 المكان علي المصلين إذا لم يكن المسجد متسع الخطة فان لم يكن منبر خطب علي موضع مرتفع ليبلغ صوته الناس ومنها أن يسلم على من عند المنبر إذا انتهى إليه لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا دنا من منبره سلم على من عند المنبر ثم يصعد فإذا استقبل الناس بوجهه سلم عليهم ثم قعد " (ومنها) إذا بلغ في صعوده الدرجة التى تلي موضع القعود ويسمى ذلك الموضع المستراح أقبل على الناس بوجهه وسلم عليهم خلافا لمالك وأبى حنيفة حيث قالا يكره هذا السلام * لنا خبر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 597 ابن عمر رضي الله عنهما وروى انه صلي الله عليه وسلم " استوى على الدرجة التى تلى المستراح قائما ثم سلم " ومنها أن يجلس بعد السلام علي الموضع المسمي بالمستراح ليستريح من تعب الصعود روى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 598 انه صلي الله عليه وسلم " كان يخطب خطبتين ويجلس جلستين " والمراد هذه الجلسة والجلسة بين الخطبتين وكما جلس يشتغل المؤذن بالاذان قال الائمة ولم يكن علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عهد أبى بكر وعمر رضي الله عنهما للجمعة أذان قبل هذا الاذان فلما كان في عهد عثمان كثر الناس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 599 وعظمت البلدة أمر المؤذنين بالتأذين علي مكانهم " ثم كان يؤذن المؤذن بين يديه إذا استوى علي المنبر فثبت الامر علي ذلك " ويديم الامام الجلوس إلي فراغ المؤذن من الاذان (وقوله) إلى أن يفرغ المؤذن وحد لفظ المؤذن ويمكن حمله على ما روى في البيان عن صاحب الافصاح والمحاملي أن المستحب أن يكون المؤذن واحدا " لانه لم يكن يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة الا واحدا " وفى كلام بعض الاصحاب ما ينازع فيه ويشعر باستحباب التعديد والله أعلم * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 600 قال (ثم يخطب خطبتين بليغتين قريبتين من الافهام مائلتين إلى القصر يستدبر القبلة فيهما ويجلس بين الخطبتين بقدر سورة الاخلاص ويشغل احدى يديه في الخطبتين بحرف المنبر والثانية بقبض سيف أو عنزة) * الجملة الثانية السنن المتعلقة بنفس الخطبة منها أن تكون الخطبة بليغة غير مؤلفة من الكلمات المتبذلة لانها لا تؤثر في القلوب ولا من الكلمات الغريبة الوحشية فانه لا ينتفع بها أكثر الناس بل يجعلها قريبة من الافهام (ومنها) أن لا يطول روى انه صلي الله عليه وسلم وسلم " قال قصر الخطبة وطول الصلاة مئنة من فقه الرجل " وأنما قال مائلتين الي القصر ولم يقل قصيرتين لان المحبوب فيهما التوسط روي ان صلاة رسول الله صلي الله عليه وسلم " كانت قصدا وخطبته قصدا " ومنها أن يستدبر القبلة ويقبل علي الناس ولا يلتفت يمينا وشمالا روى انه صلى الله عليه وسلم " كان إذا خطب استقبل الناس بوجهه واستقبلوه وكان لا يلتفت " وإنما استدبر القبلة لانه لو استقبلها لم بخل اما أن يكون في صدر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 601 المسجد على ما هو المعتاد أو في آخره فان كان في صدر المسجد واستقبلها كان مستدبرا للقوم واستدبارهم وهم المخاطبون قبيح خارج عن غرف المخاطبات وان كان في آخره فاما أن يستقبله القوم فيكونوا مستدبرين للقبلة واستدبار واحد أهون من استدبار الجم الغفير واما أن يستدبروه فيلزم ما ذكرنا من الهيئة القبيحة ثم لو خطب مستدبرا للناس جاز وان خالف الناس وحكى في البيان وغيره وجها انه لا يجزئ (ومنها) أن يجلس بين الخطبتين بقدر قراءة سورة الاخلاص حكي عن نصه في الكبير قال الامام وهو قريب من القدر المستحب من الجلسة بين السجدتين (وقوله) ويجلس بين الخطبتين إلى آخره الغرض منه عد تقدير الجلوس بالقدر المذكور من جملة السنن وأما أصله فهو من الواجبات وهو كقوله ثم يخطب خطبتين بليغتين لا انه يخطب خطبتين ويجوز أن يعلم بالواو لان القاضي الرويانى ذكر في التجربة أنه يجب أن يكون جلوسه بقدر قراءة سورة الاخلاص ولا يجوز أقل منه ونسبه إلى النص (ومنها) أن يعتمد على سيف أو عنزة وهي شبه الحربة أو عصا أو نحوها روى انه صلي الله عليه وسلم " كان يعتمد على عنزته اعتمادا " وروى انه اعتمد علي قوس في خطبته " فان لم يجد شيئا سكن جسده ويديه اما بأن يجعل يده اليمنى علي اليسرى أو يقرهما مرسلتين والغرض أن يخشع ولا يعبث بهما وإذا شغل إحدى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 602 يديه بالسيف أو ما في معناه شغل الاخرى بحرف المنبر وبأيتهما يقبض السيف ونحوه لم يتعرض الاكثرون لذلك وذكر في التهذيب أنه يقبض باليسرى وقوله بسيف أو عنزة في بعض النسخ أو غيره ولا بأس به أيضا وينبغي للقوم أن يقبلوا علي الخطيب مستمعين لا يشتغلون بشئ آخر حتى يكره الشرب للتلذذ ولا بأس به للعطش لا للقوم ولا للخطيب * قال (ثم إذا فرغ ابتدر إلى النزول مع إقامة المؤذن بحيث يبلغ المحراب عند تمام الاقامة والله أعلم) * الجملة الثالثة ما يتأخر عن نفس الخطبة وهو أن يأخذ في النزول والمؤذن في الاقامة ويبتدر ليبلغ المحراب مع فراغ المؤذن من الاقامة والمعنى فيه المبالغة في تحقيق الموالاة * قال * (الباب الثاني فيمن تلزمه الجمعة) * (ولا تلزم الجمعة إلا على كل مكلف حر ذكر مقيم صحيح فالعاري عن هذه الصفات لا تلزمه وان حضر لم يتم العدد به سوى المريض ولكن تنعقد له سوى المجنون ولهم أداء الظهر مع الحضور سوى المريض فإذا حضر تلزمه لكماله) * مقصود الباب الكلام فيمن تلزمه الجمعة ومن لا تلزمه وللزومها خمسة شروط أحدها التكليف فلا جمعة علي صبي ولا مجنون لسائر الصلوات وقد روى عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال " الجمعة حق واجب على كل مسلم الا أربعة عبد أو امرأة أو صبي أو مريض " الثاني الحرية فلا تجب علي عبد خلافا لاحمد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 603 في رواية والاصح عنه أيضا مثل مذهبنا لما ذكرنا من الخير وأيضا فقد روى عن جابر رضى الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة إلا علي امرأة أو مسافر أو عبد أو مريض " ولا فرق في ذلك بين القن والمدبر والمكاتب (الثالث) الذكورة فلا جمعة على امرأة لما روينا من الخبرين والخنثى المشكل كالمرأة قاله صاحب التهذيب وغيره لانه يحتمل ان يكون أنثى فلا يلزم بالشك (الرابع) الاقامة فلا جمعة علي مسافر للخبر الثاني فلو كان وقت الجمعة في بلد علي طريقه استحب له حضورها وكذلك القول في الصبى والعبد (الخامس) الصحة فلا جمعة على مريض للخبرين ولا فرق بين ان تفوت الجمعة بتخلفه لنقصان العدد دونه وتمامه به وبين ان لا تفوت ثم في الفصل صور (احداها) من فقد شرطا من الشروط المذكورة كما لا تلزمه الجمعة لا يتم العدد به سوى المريض لانه متوطن ليس به نقيصة وغيره اما ناقص أو غير متوطن وفى معنى المرض اعذار نذكر في الفصل التالي لهذا الفصل فلا يجب علي صاحبها الجمعة وتنعقد به وقوله فالعاري عن هذه الصفات أي عن مجموعها وقد يوجد فيه بعضها وقد لا يوجد شئ منها وقوله لم يتم العدد به معلم بالحاء وقوله سوى المريض بالواو لما سبق في الشرط الرابع للجمعة (الثانية) من لا تلزمه الجمعة إذا حضر الجمعة وصلاها انعقدت له واجزأته لانها أكمل في المعني وإن كانت أقصر في الصورة فإذا أجزأت الكاملين الذين لا عذر بهم فلان تجزئ اصحاب العذر كان اولي ويستثني عن هذا المجنون فانه لا اعتداد لفعله (الثالثة) الذين لا تلزمهم الجمعة إذا حضروا الجامع هل لهم ان ينصرفوا ويصلوا الظهر اما الصبيان والنسوان والعبيد والمسافرون فلهم ذلك لان المانع من وجوب الجمعة عليهم الصفات القائمة بهم وهى لا ترتفع بحضورهم واما المرضي فقد أطلق كثيرون انه ليس لهم بعدما حضروا الانصراف وتلزمهم الجمعة لان المانع في حقهم المشقة اللاحقة في الحضور فإذا حضروا وتحملوا المشقة فقد ارتفع هذا المانع وتعب العود لا بد منه سواء صلي الجمعة أو الظهر وفصل امام الحرمين فقال ان حضر المريض قبل دخول الوقت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 604 فالوجه القطع بأن له ان ينصرف وان دخل الوقت وقامت الصلاة لزمه الجمعة وان كان يتخلل زمان بين دخول الوقت وبين الصلاة فان لم يلحقه مزيد مشقة في الانتظار حتى تقام الصلاة لزمه ذلك وان لحقه لم يلزمه وهذا تفصيل فقيه ولا يبعد ان يكون كلام المطلقين منزلا عليه وألحقوا بالمرضى اصحاب المعاذير الملحقة بالمرض وقالوا انهم إذا حضروا لزمهم الجمعة ولا يبعد ان يكون هذا علي التفصيل ايضا ان لم يزدد ضرر المعذور بالصبر الي اقامة الجمعة فالامر كذلك وان زاد فله الانصراف واقامة الظهر في منزله وذلك كما في الخائف على ماله ومهما كانت مدة غيبته اطول كان احتمال الضياع اقرب وكذلك الممرض يزداد ضرره بالانتظار والله اعلم * وهذا كله فيما قبل الشروع في الجمعة فاما إذا حرم الذين لا تلزمهم الجمعة بالجمعة ثم أرادوا الانصراف قال في البيان لا يجوز ذلك للمسافر والمريض وذكر في العبد والمرأة وجهين عن حكاية الصيمري وقوله في الكتاب ولهم أداء الظهر مع الحضور يجوز أن يعلم بالواو لانه لم يستثن عنه الا المريض وقد خرج صاحب التلخيص في العبد انه تلزمه الجمعة إذا حضر كالمريض قال في النهاية وهذا غلط باتفاق الاصحاب ولا يوجد في جميع نسخ كتابه فلعله هفوة من ناقل * قال (ويلتحق بعذر المرض المطر والوحل الشديد وكل ما ذكر من المرخصات في ترك الجماعة ويترك بعذر التمريض أيضا إذا كان المريض قريبا مشرفا علي الوفاة وفى معناه الزوجة والمملوك فان لم يكن مشرفا ولم يندفع بحضوره ضرر لم يجز الترك وان اندفع به ضرر جاز) * ما يمكن فرضه في صلاة الجمعة من الاعذار المرخصة في ترك الجماعة يرخص في ترك الجمعة أيضا وهذا القيد لا بد منه وإن أطلق قوله وكل ما ذكر من المرخصات في ترك الجماعة لان مما ذكر من المرخصات الريح العاصفة وهى مرخصة بشرط كونها في الليل وهذا الشرط لا يتصور ههنا وقد سبق شرح تلك الاعذار وكنا أخرنا منها الكلام في شيئين فنذكرهما (أحدهما) الوحل الشديد وفيه وجهان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب انه عذر لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال " والثاني ليس بعذر لان له عدة دافعة وهى الخفاف والصنادل وهذا يشكل بالمطر وذكر في العدة وجها فارقا وهو أن الوحل ليس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 605 بعذر في صلاة الجمعة وهو عذر في ترك الجماعة في سائر الصلوات لانها تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات قال وبهذا أفتى أئمة طبرستان (والثانى) التمريض والمريض لا يخلوا اما أن يكون له من يتعهده أو لا يكون (القسم الاول) أن يكون له من يتعهده ويقوم بأمره فينظر ان كان قريبا وهو مشرف على الوفاة فله أن يتخلف عن الجمعة ويحضر عنده روى أن ابن عمر رضى الله عنهما تطيب للجمعة فأخبر أن سعيد بن زيد رضي الله عنه منزول به وكان قريبا له فأتاه وترك الجمعة " والمعنى فيه شغل القلب السالب للخشوع لو حضر وان لم يكن مشرفا علي الوفاة لكن كان يستأنس به فله أن يتخلف أيضا ويمكث عنده ذكره في التهذيب وان لم يكن استئناس أيضا فليس له التخلف وحكي أصحابنا العراقيون عن ابن ابى هريرة وجها آخران ان له التخلف عند شدة المرض لشغل القلب بشأنه وإن كان المريض اجنبيا لم يجز التخلف للحضور عنده في هذا القسم بحال وفى معني القريب المملوك والزوجة وكل من بينه وبينه مصاهرة وذكر المحاملى وغيره ان الصديق ايضا كالقريب (القسم الثاني) أن لا يكون للمريض متعهد قال الامام ان كان يخاف عليه الهلاك لو غاب عنه فهو عذر في التخلف سواء كان قريبا أو أجنبيا فان انقاذ المسلم من الهلاك من فروض الكفايات وان كان يلحقه بغيبته ضرر ظاهر لا يبلغ دفعه مبلغ فروض الكفايات ففيه وجوه (أصحها) انه عذر ايضا فان دفع الضرر عن المسلم من المهمات (والثانى) انه ليس بعذر لان ذلك مما يكثر وتجويز التخلف له قد يتداعى الي تعطيل الجمعة (والثالث) الفرق بين القريب والاجنبى لزيادة الرقة والشفقة علي الغريب ولو كان له متعهد لكن لم يتفرغ لخدمته لاشتغاله بشرى الادوية أو بشرى الكفن وحفر القبر إذا كان منزولا به فهو كما لو لم يكن متعهد (وقوله في الكتاب) وإن لم يكن مشرفا المراد منه وان لم يكن المريض مشرفا ولو قدر ان المراد وان لم يكن القريب مشرفا لزم ان يكون لفظ الكتاب ساكتا عن حكم الاجنبي مع ان الحكم المرتب علي قوله وان لم يكن مشرفا يستوى فيه القريب والاجنبي وقوله ولم يندفع بحضوره ضرر يدخل فيه ما إذا كان مستغنيا في تلك الحالة عن خادم ومتعهد وما إذا كان له متعهد يراعيه وقوله وان اندفع به ضرر جاز جواب على الوجه الاصح وينبغي ان يكون معلما بالواو لما ذكرنا ويجب على الزمن ان يحضر الجمعة إذا وجد مركبا ملكا أو اجارة أو عارية ولم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 606 يشق عليه الركوب وكذا الشيخ الضعيف ويجب ايضا على الاعمى إذا وجد قائد متبرعا أو باجرة وله مال فان لم يجد قائدا لم يلزمه الحضور هكذا اطلق الاكثرون وعن القاضى الحسين انه ان كان يحسن المشي بالعصا من غير قائد لزمه ذلك وعن ابى حنيفة ان الجمعة لا تجب علي الاعمى بحال * قال (فروع في صفات النقصان: من نصفه حر ونصفه عبد كالرقيق وقيل تلزمه الجمعة الواقعة في نوبته عند المهايأة) * المسائل المذكورة من هذا الموضع الي آخر الباب متفرعة علي صفات النقصان ومتعلقة بها وقد عدها في الوسيط ستة فروع (احدها) ظاهر المذهب ان من بعضه حر وبعضه رقيق لا تلزمه الجمعة كما لو كان كله رقيقا لان رق البعض بمنع من الكمال والاستقلال وذلك معتبر في لزوم الجمعة ولهذا لا تجب على المكاتب وفيه وجه انه لو جرى بينه وبين السيد مهايأة تلزمه الجمعة الواقعة في نوبته لاستقلاله في ذلك اليوم وضعفه الامام بان قال مثل هذا الشخص مدفوع في نوبة نفسه إلى الجد في الكسب لنصفه الحر فهو في شغل شاغل لمكان الرق قال ولا شك في أن الجمعة لا تنعقد به والخلاف في الوجوب عليه * قال (والمسافر إذا عزم على الاقامة ببلدة مدة لزمته الجمعة ثم لم يتم العدد به) * الثاني الغرباء إذا أقاموا ببلدة نظر ان اتخذوها وطنا فحكمهم حكم أهلها تلزمهم الجمعة ويتم العدد بهم وإن لم يتخذوها وطنا بل عزمهم الرجوع إلى بلادهم بعد مدة قصيرة أو طويلة كالمتفقهة والتجار فهؤلاء تلزمهم الجمعة إذا استجمعوا صفات الكمال لانهم ليسوا بمسافرين فلا يترخصون بترك الجمعة كما لا يترخصون بالقصر والفطر وهل يتم عدد الجمعة بهم فيه وجهان (أحدهما) وبه قال ابن أبى هريرة نعم لان من وجبت عليه الجمعة انعقدت به كالمتوطن (وأصحهما) وبه قال أبو إسحق وهو المذكور في الكتاب * لا واحتجوا له بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع في حجة الوداع وقد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 607 وافق يوم عرفة يوم الجمعة وانما لم يجمع لانه ومن معه لم يكونوا متوطنين وإن عزموا علي الاقامة أياما ولا يخفى مما ذكرنا ان قوله في الكتاب وإن عزموا علي الاقامة مدة المراد منه مدة ينقطع بعزم إقامتها حكم السفر لا كاليوم واليومين وقوله لزمه الجمعة قريب من التكرار لانه معلوم من قوله في أول الباب ذكر حر صحيح مقيم فانه يبين لزومها علي المقيم عند اجتماع سائر الشرائط وهذا مقيم * قال (وأهل القرى لا تلزمهم الجمعة الا إذا بلغوا أربعين من أهل الكمال أو بلغهم نداء البلد من رجل رفيع الصوت واقف علي طرف البلد في وقت هدوء الاصوات وركود الرياح) * الثالث القرية إما أن يكون فيها اربعون من أهل الكمال أو لا يكون فان كان فيها أربعون من أهل الكمال لزمتهم الجمعة كأهل البلاد فان أقاموا الجمعة في موضعهم فذاك وان دخلوا المصر وصلوها سقط الفرض عنهم ولو كانوا مسيئين لتعطيلهم الجمعة في احدى البقعتين وحكى في البيان وجها انهم غير مسيئين لان أبا حنيفة رحمة الله عليه لا يجوز اقامة الجمعة في القرى ففيما فعلوه خروج عن الخلاف وان لم يكن فيها اربعون من اهل الكمال فاما ان يبلغهم النداء من حيث تقام الجمعة فيه من بلد أو قرية واما ان لا يبلغهم فان بلغهم فعليهم الجمعة لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال الجمعة " علي من سمع النداء " والمعتبر نداء مؤذن علي الصوت يقف علي طرف البلد من الجانب الذى يلي تلك القرية ويؤذن علي عادته والاصوات هادئة والرياح ساكنة فإذا سمع صوته بالقرية من اصغي إليه ولم يكن أصم ولا جاوز حدة سمعه العادة وجبت الجمعة علي اهلها وانما كان الاعتبار من الطرف الذى يلى تلك القرية لان البلدة قد تكون كبيرة لا يبلغ النداء من وسطها الي اطرافها فاعتبر آخر موضع يصلح لاقامة الجمعة فيه احتياطا للعبادة وفيه وجه آخر انه يعتبر من وسط البلد ووجه آخر انه يعتبر من الموضع الذى تقام فيه الجمعة فليكن قوله علي طرف البلد معلما بالواو لهذين الوجهين وهل يعتبر ان يكون المنادى علي موضع عال كمنارة وسور قال الاكثرون لا يعتبر ذلك لان حد الارتفاع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 608 لا ينضبط وعن القاضى أبي الطيب انه قال سمعت شيوخنا يقول لا يعتبر إلا بطبرستان فانها بين رياض وأشجار تمنع من بلوغ الصوت فينبغي أن يعلو عليها ولو كانت القرية علي قلة جبل سمع أهلها النداء لعلوها ولو كان علي استواء الارض لما سمعوا أو كانت في وهدة من الارض لم يسمع أهلها النداء لانخفاضها ولو كانت على استواء الارض لسمعوا ففيه وجهان (اظهرهما) وبه قال القاضى ابو الطيب لا تجب الجمعة في الصورة الاولى وتجب في الثانية اعتبارا للسماع بتقدير الاستواء واعراضا عما يعرض بسبب الانخفاض والارتفاع كما يعتبر ركود الرياح ولا ينظر إلى السماع العارض لشدتها (والثاني) وبه قال الشيخ أبو حامد ان الحكم على العكس نظرا الي نفس السماع وعدمه وان لم يبلغ النداء أهل القرية فلا جمعة عليهم لظاهر الخبر الذى سبق وأهل الخيام إذا لزموا موضعا ولم يبرحوا عنه وقلنا انهم لا يقيمون الجمعة في ذلك الموضع فهم كأهل القرى إذا لم يبلغوا أربعين من اهل الكمال وان سمعوا النداء لزمتهم الجمعة والا فلا وقوله الا إذا بلغوا معلم بالحاء لان عند ابي حنيفة لا استثناء اصلا ولا تلزم الجمعة أهل القرى بحال سواء بلغهم النداء أو لم يبلغهم بلغوا عدد الكمال أم لا وانما تلزم الجمعة أهل الامصار الجامعة والمصر الجامع عنده ان يكون فيه سلطان قاهر وطبيب حاذق ونهر جار وسوق قائمة وقوله أو بلغهم النداء يجوز ان يعلم بالميم والالف لان مالكا وأحمد لا يكتفيان بمجرد بلوغ النداء ويعتبران كونه على ثلاث اميال فما دونها وعن احمد رواية أخرى ان المسافة لا تتقدر كما هو مذهب الشافعي رضى الله عنه وقوله من البلد ليس لتخصيص الحكم بالبلد بل لو بلغهم من قرية تقام فيها الجمعة كان كذلك * قال (والعذر الطارئ بعد الزوال مرخص الا السفر فانه يحرم انشاؤه وفى جوازه قبل الزوال بعد الفجر قولان اقيسهما الجواز ثم المنع في سفر مباح أما الواجب والطاعة فلا منع منهما) * الرابع العذر المبيح لترك الجمعة يبيحه وان طرأ بعد الزوال لكن السفر يحرم انشاؤه بعد الزوال خلافا لابي حنيفة حيث قال يجوز الا أن يضيق الوقت بناء علي ان الصلاة تجب بآخر الوقت * لنا ان الجمعة قد وجبت عليه فلا يجوز الاشتعال بما يؤدى إلى تركها كالتجارة واللهو وهذا مبنى علي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 609 أن الوجوب باول الوقت وقد سبق في موضعه (فان قيل) الوجوب وإن ثبت في أول الوقت لكنه موسع فلم يمتنع السفر قبل التيضق (قلنا) الناس في هذه الصورة تبع الامام فلو عجلها تعينت متابعته وسقطت خيرة الناس فيه وإذا كان كذلك فلا يدرى متي يقيم الامام الصلاة فيتعين عليه انتظار ما يكون ذكر هذا الجواب إمام الحرمين رحمة الله عليه وأما قبل الزوال وبعد طلوع الفجر الثاني هل يجوز انشاء السفر فيه قولان (قال في القديم) وحرمله يجوز وبه قال مالك وأبو حنيفة رحمهما الله لانه لم يدخل وقت وجوب الجمعة فأشبه السفر قبل طلوع الفجر (وقال في الجديد) لا يجوز قال أصحابنا العراقيون وهو الاصح لان الجمعة وإن كان يدخل وقتها بالزوال فهي مضافة إلي اليوم ولذلك يعتد بغسل الجمعة قبل الزوال ويجب السعي إليها لمن بعد داره قبل الزوال وعن احمد روايتان كالقولين (أظهرهما) المنع وحكى في النهاية طريقة أخرى قاطعة بالجواز مؤولة قول المنع ولك أن تعلم قوله في الكتاب قولان بالواو اشارة إليها ويجوز أن يعلم لفظ الجواز من قوله اقيسهما الجواز بالالف إشارة إلى الظاهر من مذهب أحمد والحكم بان الجواز أقيس لا ينافى كون المنع أظهر لانه قد يكون أحد طرفي الخلاف أقرب إلي القياس وإن كان الثاني أظهر فإذا ليس ما في الكتاب مخالفا لما قاله العراقيون وذكر في العدة أن ظاهر مذهب الشافعي رضى الله عنه قوله الجديد والفتوى علي القديم وهو الجواز ثم للقولين شرط (أحدها) وقد ذكره في الكتاب أن يكون السفر مباحا كالزيارة والتجارة أما لو كان واجبا كالحج والجهاد في بعض الاحوال أو مندوبا فلا منع منهما وذلك ليس موضع القولين هكذا قاله كثير من أئمتنا * واحتجوا عليه بما روى أن النبي صلي الله عليه وسلم بعث عبد الله بن رواحة رضي الله عنه في سرية فوافق يوم الجمعة فغدا أصحابه وتخلف هو ليصلى ويلحقهم فلما صلي قال له رسول الله صلي الله عليه وسلم ما خلفك قال أردت أن أصلي معك ثم الحقهم فقال لو أنفقت ما في الارض جميعا ما أدركت فضل غزوتهم " وفى كلام العراقيين وإيرادهم ما يوجب طرد الخلاف في سفر الغزود والله أعلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 610 والمراد من الطاعة في لفظ الكتاب المندوب وإلا فالواجب طاعة أيضا وهل كون السفر طاعة عذر في انشائه بعد الزوال المفهوم من كلام الاصحاب أنه ليس بعذر ورووا عن أحمد أنه عذر (والثانى) ان لا ينقطع عن الرفقة ولا يناله ضرر لو تخلف الي ان يصلي الجمعة فاما إذا انقطع وفات سفره بذلك أو ناله ضرر فله الخروج بلا خلاف وكذلك الحكم لو كان الخروج بعد الزوال وقد عددنا ذلك من الاعذار في الصلاة بالجماعة ورأيت في كشف المختصر للشيخ أبى حاتم القزويني ذكر وجهين في جواز الخروج بعد الزوال بخوف الانقطاع عن الرفقة (والثالث) أن لا يمكنه حضور الجمعة في منزله وطريقه فاما إذا أمكن ذلك فلا منع بحال * قال (ويستحب لمن يرجو زوال عذر أن يؤخر الظهر إلي اليأس عن درك الجمعة ومن لا يرجو فليعجل الظهر كالزمن فان زال العذر بعد الفراغ فلا جمعة (ح) عليه وكذا الصبى إذا بلغ بعد الظهر وزوال العذر في أثناء الظهر كرؤية المتيمم الماء في أثناء الصلاة) * الخامس من الفروع المعذورن وهو ضربان معذور يرجوا زوال عذره كالعبد يتوقع العتق والمريض الذى يتوقع الخفة فالمستحب له تأخير الظهر الي اليأس عن درك الجمعة لان ربما يزول العذر ويتمكن من فرض اهل الكمال ومتى رفع الامام رأسه من الركوع الثاني فقد حصل اليأس عن درك الجمعة وعن بعض الاصحاب انه يراعي تصور الادراك في حق كل أحد فإذا كان منزله بعيدا وانتهي الوقت إلي حد لو اخذ في السعي لم يدرك الجمعة فقد حصل الفوات في حقه هذا احد الضربين (والثانى) معذور لا يرجو زوال عذره كالمرأة والزمن فالاولي له ان يصلي الظهر في اول الوقت لانه آيس من درك الجمعة فيحافظ علي فضيلة الاولية وإذا اجتمع معذورن فهل يستحب لهم الجماعة في الظهر فيه وجهان (احدهما) لا بل الجماعة في هذا اليوم شعار الجمعة وبهذا قال مالك وابو حنيفة (واصحهما) نعم لعموم الترغيبات الواردة في الجماعة وعلى هذا فقد نص الشافعي رضي الله عنه على ان المستحب لهم الاخفاء حتى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 611 لا يتهموا بالرغبة عن صلاة الامام وحمل الاصحاب ما ذكره علي ما إذا كان العذر خفيا اما إذا كان ظاهرا فلا تهمة ومنهم من لم يفصل واستحب الاخفاء مطلقا ولو صلي المعذور الظهر قبل فوات الجمعة صحت فانها فرضه ولو زال العذر وامكنه حضور الجمعة لم يلزمه ذلك لانه أدى فريضة وقته ومثال ذلك المريض يبرأ والمسافر يقيم والعبد يعتق ويستثنى عن هذا الاصل صورة ذكرها في البيان وهى أن يصلي الخنثى الظهر ثم يتبين انه رجل قبل فوات الجمعة تلزمه الجمعة لانه تبين كونه رجلا حين صلى الظهر ومثل هذا لا يفرض في سائر المعذورين وأما الصبى إذا صلي الظهر ثم بلغ لم تلزمه الجمعة على ظاهر المذهب كسائر المعذورين والمسألة مكررة في هذا الموضع فذكرها والخلاف فيها في باب المواقيت ثم هي داخلة في مطلق قوله فان زال العذر الي آخره فلو طرحها لما ضر من وجهين وإذا لم يفعل فيجوز أن يكون قوله وكذا الصبي مرقوما بالحاء والواو لما بيناه ثم وهؤلاء يستحب لهم حضور الجمعة وإن لم يلزم وإذا صلوا الجمعة فالفرض هو الظهر السابقة أو يحتسب الله تعالي جده بما شاء منهما فيه قولان أصحهما أولهما وقال أبو حنيفة إذا سعى إلى الجمعة بعد الظهر بطل ظهره ولو زال العذر في أثناء الظهر فقد قال امام الحرمين أجرى القفال ذلك مجرى ما لو رأى المتيمم الماء في الصلاة وهذا يقتضى اثبات الخلاف في البطلان لما ذكرناه في رؤية المتيمم الماء في الصلاة وقد صرح الشيخ أبو محمد فيما علق عنه حكاية وجهين في هذه المسألة وظاهر المذهب استمرار الصلاة علي الصحة قال الامام وهذا الخلاف مبنى على قولنا ان غير المعذور لا يصح ظهره قبل فوات الجمعة فان صححنا فلا نحكم بالبطلان بحال * قال (وغير المعذور إذا صلى الظهر قبل الجمعة ففى صحته قولان فان قلنا يصح ففى سقوط الخطاب بالجمعة قولان وإن قلنا لا تسقط فصلى الجمعة فالفرض هو الاول أو الثاني أو كلاهما أو احدهما لا بعينه اربعة اقوال) * السادس من لا عذر به إذا صلى الظهر قبل فوات الجمعة ففى صحة ظهره قولان (القديم) وبه قال ابو حنيفة انها تصح والجديد وبه قال مالك واحمد لا تصح وذكر الاصحاب ان القولين مبنيان على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 612 ان الفرض الاصلى يوم الجمعة ماذا فعلى القديم الفرض الاصلى الظهر لانه إذا فاتت الجمعة فعليه قضاء اربع ركعات ولو كان فرض اليوم الجمعة لما زادت ركعات القضاء وعلي الجديد الفرض الاصلي هو الجمعة للاخبار الواردة فيها ولانه لو كان الاصل الظهر لكانت الجمعة بدلا ولو كان كذلك لجاز له ترك البدل والاستقلال بالاصل كمن ترك الصوم في الكفارة واعتق ومعلوم انه ممنوع من ذلك وهل يجرى القولان فيما إذا ترك اهل البلدة كلهم الجمعة وصلوا الظهر ام يختص بما إذا صلى الآحاد الظهر مع اقامة الجمعة في البلدة حكى في المهذب عن ابي اسحق ان ظهر اهل البلدة مجزئة وان اثموا بترك الجمعة لان كل واحد منهم لا تنعقد به الجمعة قال والصحيح انه لا تجزئهم ظهرهم على الجديد لانهم صلوها وفريضة الجمعة متوجهة عليهم (التفريع) ان قلنا بالجديد فالامر بحضور الجمعة قائم كما كان ان حضرها فذاك وان فاتت قضاها الآن اربعا وما فعله اولا يبطل من اصله أو يكون نفلا فيه القولان المشهوران في امثاله وان قلنا بالقديم فهل يسقط الخطاب بالجمعة قال في الكتاب فيه قولان وكذلك ذكره امام الحرمين وجعل السقوط خارجا علي قولنا إذا صلى الجمعة بعد الظهر ان فرضه الاول أو احدهما وعدم السقوط خارجا علي قولنا ان الفرض الثاني أو ان كليها فرض والذى ذكره الاكثرون تفريعا على القديم انه لا يسقط عنه الخطاب بالجمعة ومعنى صحة الظهر الاعتداد بها في الجملة حتى لو فاتت الجمعة تجزئه الظهر السابقة ثم إذا قلنا يسقط عنه الخطاب بالجمعة فصلي الجمعة فقد قال الامام ان الشيخ ابا محمد ذكر فيه اربعة اقوال (احدها) ان المفروض هو الاول لانه لو اقتصر عليه لبرئت ذمته علي القول الذى يتفرع عليه (والثاني) ان المفروض هو الثاني لانه به خرج عن الحرج (والثالث) أنهما فرضان للمتعينين (والرابع) ان الفرض احدهما لا بعينه إذ المفروض في اليوم والليلة خمس صلوات ونظير هذه الاقوال قد سبق فيمن صلي منفردا ثم ادرك جماعة ويشبه ان يكون بعضها منصوصا عليه وبعضها غير منصوص والذى نقله ابن الصباغ وغيره في المسألة تفريعا علي القديم انما هو الرابع وقال يحتسب الله تعالى جده بما شاء منهما وإذا اثبتنا الاقوال فينبغي ان لا يختص بقولنا ان الخطاب بالجمعة لا يسقط عنه بل يضطرد علي قولنا بسقوط الخطاب بالجمعة ايضا كما إذا صلي منفردا وأعاد في جماعة فانه غير مخاطب بالثاني وهذا كله فيما إذا صلي الظهر قبل فوات الجمعة فان صلاها بعد الركوع الثاني للامام وقبل فراغه قال ابن الصباغ ظاهر كلام الشافعي رضي الله عنه يدل على المنع يعني في الجديد ومن أصحابنا من يقول بالجواز وفيما إذا امتنع اهل البلدة جميعا من الجمعة وصلوا الظهر الفوات يكون بخروج الوقت أو ضيقه بحيث لا يسع الركعتين * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 613 قال * (الباب الثالث في كيفية الجمعة) * وهي كسائر الصلوات وانما تتميز باربعة أمور (الاول) الغسل ويستحب ذلك بعد (ح) الفجر واقربه إلى الرواح أحب ولا يجزئ قبل الفجر بخلاف غسل العيد فان فيه وجهين ولا يستحب الا لمن حضر الصلاة بخلاف غسل العيدين فانه ذلك يوم الزينة علي العموم والاولي ان لا يتيمم بدلا عن الغسل عند فقد الماء وقيل يتيمم) (قوله) في كيفية الجمعة اراد به كيفية اقامتها بعد اجتماع شرائطها واما الاركان التى يتركب عنها ذاتها فلا فرق فيها بينها وبين سائر الصلوات والقصد بالباب التعرض لامور مندوبة تمتاز بها الجمعة عن سائر الفرائض وجعلها اربعة (احدها) الغسل قال صلي الله عليه وسلم " إذا اتى احدكم الجمعة فليغتسل " وروى انه صلي الله عليه وسلم " قال من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل افضل " وعن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 614 مالك غسل الجمعة واجب لكن تصح الصلاة بدونه والخبر الثاني حجة عليه ثم فيه مسائل (احداها) وقت هذا الغسل ما بعد الفجر لان الاخبار علقته باليوم نحو قوله صلي الله عليه وسلم " من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فكانما قرب بدنة " وفى النهاية حكاية وجه بعيد انه يجزئ قبل الفجر كما في غسل العيد وظاهر المذهب الاول والفرق بينه وبين غسل العيد إن جوزناه قبل طلوع الفجر من وجهين (احدهما) انه إذا اغتسل قبل طلوع الفجر يبقي اثره الي أن يؤدى صلاة العيد لقربها من اول النهار وصلاة الجمعة تؤدى بعد الزوال فلا يبقى أثره (والثانى) انه لو لم يجز غسل العيد قبل الفجر لشق لقرب صلاته من أول النهار بخلاف غسل الجمعة فان من طلوع الفجر الي وقت الصلاة سعة والاولى أن يقرب الغسل من الرواح إلى الجمعة لان الغرض التنزه وقطع الروائح الكريهة فما كان أفضي إليه فهو اولي وقوله ويستحب ذلك بعد الفجر ليس الغرض منه ان ايقاعه بعد الفجر مستحب فان ذلك شرط الاجزاء على ما بينه بقوله ولا يجزئ قبل الفجر وانما المراد بيان استحباب اصل الغسل وقوله بعد الفجر إشارة الي وقت هذا المستحب وإذا عرفت ذلك فاعلم قوله ويستحب ذلك بالميم وقوله ولا يجزئ قبل الفجر بالواو لما سبق وذلك ان تعلم قوله واقربه الي الرواح احب بالميم لان اصحابنا رووا عن مالك ان يشترط ايصال الرواح بالغسل وانه لا يجوز أن يشتغل بعده بشئ سوى الخروج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 615 ومن يقول بذلك ينازع في قولنا الاقرب الي الرواح احب وقال القفال رأيت في الموطأ عنه مثل مذهبنا والله اعلم * وقوله بخلاف غسل اليد فان فيه وجهين قد اعاد هذه المسألة وما فيها من الخلاف في صلاة العيدين وكأن الغرض ههنا بيان افتراق الغسلين في الوقت وان لم يبين المعنى الفارق (الثانية) هل يختص استحباب الغسل بمن يريد حضور الجمعة ام يستحب له ولغيره فيه وجهان حكي في البيان أنهما مبنيان علي وجهين في أن غسل الجمعة مسنون لليوم أو للصلاة (احدهما) انه لليوم لانه في الاخبار معلق باليوم فعلي هذا يستحب للكل (واصحهما) انه للصلاة فلا يستحب الا لمن حضرها وهذا هو المذكور في الكتاب ويدل عليه قوله صلي الله عليه وسلم " من جاء منكم الجمعة فليغتسل " ويخالف غسل العيد يستحب للكل لانه للزينة واظهار السرور وهذا الغسل للتنظيف وقطع الروايح الكريهة كيلا يتأذى من يقربه فاختص بمن يريد الحضور ولو نازع منازع في طرفي هذا الفرق لم يكن بعيدا ولا فرق في حق من يريد الحضور بين ان يكون من اهل العذر أو لا يكون وعن احمد انه لا يستحب الغسل للنساء ولا يقدح الحدث بعد الغسل فيه وبه قال مالك في الموطأ (الثالثة) قال الصيدلانى وغيره من الاصحاب ان لم يجد الماء لغسل الجمعة فتيمم حاز الفضيلة ويتصور ذلك في موضعين (أحدهما) الذى به قروح علي غير موضع الوضوء يتيمم بنية الغسل (والثانى) قوم في بلد توضأ واثم نفد ماؤهم فيتيمموا بدلا عن الغسل قال امام الحرمين والظاهر ما ذكره الصيدلانى وفيه احتمال من جهة ان هذا الغسل منوط بقطع الروائح الكريهة والتنظف والتيمم لا يفيد هذا الغرض ورجح حجة الاسلام هذا الاحتمال حيث قال والاولى ان لا يتيمم أي من الوجهين وقوله وقيل يتيمم هو الوجه الذى ذكره عامة الاصحاب * قال (ومن الاغسال المستحبة غسل العيدين والغسل من غسل الميت والاحرام والوقوف بعرفة وبمزدلفة ولدخول مكة وثلاثة اغسال ايام التشريق ولطواف الوداع علي القديم وللكافر إذا أسلم غير جنب بعد الاسلام على وجه وقبله علي وجه والغسل من الافاقة من زوال العقل واما الغسل عن الحجامة والخروج من الحمام ففيه تردد) * عد جملة من الاغسال المستحبة في هذا الموضع منها اغتسال الحاج في مواطن معروفة وقد اعاد ذكر ما سوى طواف الوداع منها في كتاب الحج وذلك الموضع أحق بها فنؤخر الشرح إليه (ومنها) غسل العيدين وهو مذكور في باب صلاة العيدين ومنها الغسل عن غسل الميت وفيه قولان نقل عن القديم أنه واجب وكذا الوضوء من مسه لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " من غسل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 616 ميتا فليغتسل ومن مسه فليتوضأ " والجديد انه مستحب وهو المذكور في الكتاب والخبر إن صح محمول علي الاستحباب لما روى انه صلي الله عليه وسلم " قال لا غسل عليكم من غسل ميتكم " وليكن قوله والغسل من غسل الميت معلما بالواو لانه علي القديم غير معدود من الاغسال المستحبة بل هو من الاغسال الواجبة وايضا بالحاء والزاى لان الصيدلاني وغيره حكوا أن أبا حنيفة والمزني لا يريان استحباب هذا الغسل فضلا عن الايجاب وإذا قلنا بالجديد الصحيح فهذا الغسل غسل الجمعة آكد الاغسال المسنونة وما الآكد منهما فيه قولان (الجديد) أن هذا الغسل آكد لانه متردد بين الوجوب والاستحباب وغسل الجمعة قد ثبت استحبابه (والقديم) ان غسل الجمعة آكد لان الاخبار فيه اصح وائبت وهذا ارجح عند صاحب التهذيب والروياني والاكثرين علي خلاف قياس القديم والجديد ورجح صاحب المهذب وآخرون الجديد علي القياس وحكي الحناطى وغيره وجها انهما سواء (واعلم) ان ما نقلناه يقتضى تردد قوله في وجوب هذا الغسل في القديم لانه لو جزم بوجوبه في القديم لما انتظم منه القول بان غسل الجمعة آكد منه (ومنها) غسل الكافر إذا اسلم ولا يخلو حاله اما ان يعرض له في الكفر ما يجب الغسل من حيض أو جنابة أو لا يعرض فان عرض ذلك فيلزمه الغسل بعد الاسلام ولا عبرة باغتساله في الكفر علي الاصح كما سبق في موضعه وان لم يعرض له ذلك فيستحب له الغسل ولا يجب خلافا لاحمد حيث أوجبه وبه قال ابن المنذر * لنا " انه اسلم خلق كثيرا ولم يامرهم النبي صلي الله عليه وسلم بالاغتسال وامر به ثمامة الحنفي وقيس بن عاصم لما اسلما " فدل انه مستحب لا واجب ثم يغتسل بعد الاسلام ام قبله فيه وجهان (احدهما) قبله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 617 تنظيفا للاسلام وتعظيما (واصحهما) بعده لان النبي صلى الله عليه وسلم امرهما بالغسل بعد الاسلام " ولا سبيل الي تأخير الاسلام بحال ومنها الغسل للافاقة من زوال العقل ظاهر المذهب انه مستحب لانه قد قيل ان من زال عقله انزل فإذا افاق اغتسل احتياطا ولا يجب لان الاصل استصحاب الطهارة السابقة والناقض غير معلوم ونقل القاضى ابن كج عن ابن ابي هريرة انه يجب الغسل علي من افاق من الجنون دون الاغماء وحكي الحناطي في وجوب الغسل علي من افاق منهما جميعا وجهين ووجه الوجوب التشبيه بالنوم من جهة ان النائم قد يخرج منه حدث وهو لا يدرى فجعل النوم حدثا كذلك من زال عقله قد ينزل ولا يدرى وليكن قوله والغسل من الافاقة من زوال العقل مرقوما بالواو لهذا الوجه فانه غير معدود علي هذا الوجه من الاغسال المستحبة (ومنها) الغسل عن الحجامة والخروج من الحمام ذكر صاحب التلخيص عن القديم انه مندوب إليه وذكر الصيمري في الكفاية ان الغسل عن الحجامة وحسن الاكثرون اهملوا ذكرهما فان قلنا بالقديم فقد قال في التهذيب قيل ان المراد من غسل الحمام ما إذا تنور قال وعندي ان المراد منه ان يدخل الحمام فيعرق فيستحب ان لا يخرج من غير غسل وذكر ان في غسل الحجامة اثرا والله اعلم * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 618 قال (الثاني البكور الي الجامع) * عن ابي هريرة رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكانما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكانما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكانما قرب كبشا ومن راح في الساعة الرابعة فكانما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكانما قرب بيضة فإذا خرج الامام حضرت الملائكة يستمعون الذكر " قال المفسرون للخبر قوله غسل الجنابة أي كغسلها وقيل أي جامع واغتسل ومن متي تعتبر الساعات المذكورة حكى اصحابنا العراقيون فيه وجهين (أحدهما) أنها تعتبر من أول طلوع الشمس لان أهل الحساب منه يحسبون اليوم ويعدون الساعات (واصحهما) من اول طلوع الفجر الثاني لانه اول اليوم شرعا وبه يتعلق جواز الغسل للجمعة ونقل صاحب التهذيب والرويانى وجها ثالثا وهو الاعتبار من وقت الزوال لان الامر بالحضور حينئذ يتوجه عليه ويبعد أن يكون الثواب في وقت لم يتوجه عليه الامر فيه أعظم وايضا فان الرواح اسم للخروج بعد الزوال ومن قال باحد الوجهين الاولين قال انما ذكر لفظ الرواح لانه خروج لامر يؤتى به بعد الزوال ثم ليس المراد من الساعات على اختلاف الوجوه الاربع والعشرين التى قسم اليوم واليلة عليها وانما المراد ترتيب الدرجات وفضل السابق علي الذى يليه * واحتج القفال عليه بوجهين (احدهما) انه لو كان المراد الساعات المذكورة لاستوى الجانبان في الفضيلة في ساعة واحدة مع تعاقبهما في المجئ (والثانى) انه لو كان كذلك لاختلف الامر باليوم الشاتى والصائف ولفاتت الجمعة في اليوم الشاتي لمن جاء في الساعة الخامسة * قال (الثالث لبس الثياب البيض واستعمال الطيب والترجل في المشى مع الهينة والتؤدة ولا بأس بحضور والعجائز من غير زينة وتطيب) روى انه صلي الله عليه وسلم قال " من اغتسل يوم الجمعة ولبس احسن ثيابه ومس من طيب ان كان عنده ثم اتى الجمعة فلم يتخط اعناق الناس ثم صلى ما كتب الله له ثم انصت إذا خرج امامه حتي يفرغ من صلاته كانت له كفارة لما بينها وجمعته التى قبلها " يستحب التزين للجمعة باخذ الشعر والظفر والسواك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 619 وقطع الروائح الكريهة ولبس احسن الثياب واولاها البياض لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " البسوا البياض فانه خير ثيابكم " وان لبس مصبوغا لبس ما صبغ غزله ثم نسج كالبرود ولا يلبس ما صبغ نوبة * قال اصحابنا العراقيون لان النبي صلى الله عليه واله وسلم لم يلبس ذلك " ويستحب ايضا ان يتطيب بأطيب ما عنده ويزيد الامام في حسن الهيئة ويتعمم ويرتدى " كان رسول الله صلي الله عليه وسلم كذلك يفعل " ويستحب ان يأتي الجمعة ماشيا ولا يركب الا لعذر وكذلك في اتيان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 620 العيد والجنازة وعيادة المريض روى " ان رسول الله صلي الله عليه وسلم ما ركب في عيد ولا جنازة " قال الائمة ولم يذكر الجمعة لان باب حجرته كان في المسجد وينبغى ان يمشى في سكون وتؤدة ما لم يضق الوقت ولا يسعى وليس هذا من خاصية الجمعة " قال صلي الله عليه وسلم إذا اقيمت الصلاة فأتوها تمشون ولا تأتوها تسعون وعليكم السكينة " ولو ركب لعذر فينبغي ان يسيرها علي هينة ايضا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 621 والهينة السكون ولا بأس للعجائز بحضور الجمعة إذا اذن ازواجهن ويحترزن عن التطيب والتزين فذلك استر لهن * قال (الرابع يستحب قراءة سورة الجمعة في الركعة الاولي وفى الثانية إذا جاءك المنافقون فلو نسي الجمعة في الاولي قرأها مع سورة المنافقين في الثانية) يستحب أن يقرأ في الركعة الاولى من صلاة الجمعة بعد الفاتحة سورة الجمعة وفى الثانية سورة المنافقين لانه روى عن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم " كان يقرأهما فيهما " وروى ذلك من فعل على رضي الله عنه وأبى هريرة وعلي هذا فلو نسي سورة الجمعة في الاولي قرأها في الثانية مع المنافقين ولو قرأ سورة المنافقين في الاولي قرأ الجمعة في الثانية كيلا تخلو صلاته عن هاتين الصورتين كذلك ذكره في البيان وينبغي أن يعلم قوله ويستحب سورة الجمعة بالحاء لان عنده يكره تعيين سورة في الصلاة وبالواو لان الصيدلانى نقل عن القديم أنه يقرأ في الاولى سبح وفى الثانية وهل أتاك حديث الغاشية وقال رواه النعمان بن بشير رضي الله عنه وقوله في الثانية إذا جاءك المنافقون معلم بهما وبالميم لان عند مالك يقرأ في الثانية هل اتاك وفى الاولي الجمعة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 622 ويتعلق بالجمعة مندوبات أخرى (منها) ان يحترز عن تخطي رقاب الناس إذا حضر المسجد ورد الخبر بذلك ويستثني عنه ما إذا كان إماما وما إذا كان بين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بان يتخطي الرقاب ولا يجوز أن يقيم أحدا من مجلسه ليجلس فيه ويجوز أن يبعث من يأخذ له موضعا فإذا جاء تنحى المبعوث وان فرش لرجل ثوبا فجاء آخر لم يجز له أن يجلس عليه وله أن ينحيه ويجلس مكانه قال في البيان ولا يرفعه حتى لا يدخل في ضمانه (ومنها) إذا حضر قبل الخطبة اشتغل بذكر الله تعالى وقراءة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 623 القرآن والصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم ويستحب الاكثار من الصلاة عليه يوم الجمعة وليلة الجمعة وقراءة سورة الكهف ويكثر من الدعاء يوم الجمعة رجاء ان يصادف ساعة الاجابة (ومنها) الاحتراز عن البيع قبل الصلاة وبعد الزوال فهو مكروه إن لم يظهر الامام على المنبر وحرام ان ظهر وأذن المؤذن بين يديه قال الله تعالى (إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة) الآية ولو تبايع اثنان أحدهما من أهل فرض الجمعة دون الآخر أثما جميعا ما الاول فظاهر وأما الثاني فلاعانته علي الحرام ولا يكره البيع قبل الزوال بحال وحيث حكمنا بحرمة البيع فلو خالف وباع صح خلافا لمالك واحمد (ومنها) ان لا يصل صلاة الجمعة بنافلة بعدها لا الراتبة ولا غيرها ويفصل بينها وبين الراتبة بالرجوع إلي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 624 منزله أو بالتحويل إلي موضع آخر أو بكلام ونحوه ذكره في التتمة وثبت في الخبر عن رسول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 625 الله صلي الله عليه وسلم " * قال (كتاب صلاة الخوف) (وهي أربعة أنواع الاول أن لا يكون العدو في جهة القبلة فيصدع الامام أصحابه صدعين ويصلى باحدهما ركعتين والطائفة الثانية تحرسه ويسلم ثم يصلى بالطائفة الاخرى ركعتين أخريين هما له سنة ولهم فريضة وذلك جائز من غير خوف ولكنه كذلك صلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم ببطن النخل) * ليس المراد من ترجمة الباب أن الخوف يقتضي صلاة علي حيالها كقولنا صلاة العيد ولا أنه يؤثر في تغيير فعل الصلاة أو وقتها كقولنا صلاة السفر وإنما المراد أنه يؤثر في كيفية اقامة الفرائض ويقتضى احتمال امور فيها كانت لا تحتمل لولا الخوف ثم هو في الاكثر لا يؤثر في مطلق اقامة الفرائض بل في اقامتها بالجماعة علي ما سنفصله إذا عرف ذلك فالاصل في الباب قوله تعالى وإذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة الآية والاخبار التي نذكرها في أثناء الباب واعلم قوله كتاب صلاة الخوف بالزاى لان المزني رحمه الله ذهب الي نسخ صلاة الخوف * واحتج عليه بان النبي صلي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 626 الله عليه وسلم لم يصلها في حرب الخندق وأجاب الاصحاب عنه بان حرب الخندق كان قبل نزول آية صلاة الخوف وكان المسلمون قبل نزولها يؤخرون الصلاة في الخوف عن وقتها ثم يقضونها كما فعلوا في حرب الخندق ثم علموا بالآية وشاع ذلك بين الصحابة وروى عن علي رضى الله عنه أنه صلي بأصحابه صلاة الخوف ليلة الهرير " 1 وعن أبي موسي وحذيفة وغيرهما رضى الله عنهم أنهم فعلوها " (وقوله) وهي أربعة أنواع سبيل ضبطها أن يقال للخوف حالتان (احداهما) أن يشتد الخوف بحيث لا يتمكن أحد من ترك القتال وفيها يقع النوع الرابع (والثانية) أن لا يبلغ الخوف هذا الحد فاما أن يكون العدو في وجه القبلة أو لا يكون فان كان فيصلي فيها النوع الثاني وهو صلاة عسفان وان لم يكن فيجوز أن يصلي فيها صلاة بطن النخل وهى النوع الاول ويجوز ان يصلي فيها صلاة ذات الرقاع وهى النوع الثالث وايتهما اولي (الاظهر) ان صلاة ذات الرقاع أولى لوجهين احدهما انها اعدل بين الطائفتين (والثانى) ان في صلاة بطن النخل تكون الفرقة الثانية مصلية الفريضة خلف النافلة وفى جواز ذلك اختلاف بين العلماء وحكي القاضي الروياني وجها عن ابى اسحق ان صلاة بطن النخل اولى ليحصل لكل واحدة من الطائفتين فضيلة الجماعة علي التمام فهذا ضبط الانواع * (النوع الاول) صلاة بطن النخل وهي ان يجعل الناس فرقتين فيصلى بفرقة جميعها وفرقة في وجه العد أو تحرس فإذا سلم بالفرقة التى خلفه ذهبت إلى وجه العدو وجاءت الطائفة الاخرى فيصلى بهم مرة ثانية تكون له سنة ولهم فريضة روى عن ابي بكرة وجابر رضي الله عنهما " ان النبي صلي الله عليه وسلم صلى ببطن النخل بالناس " هكذا قال اصحابنا العراقيون وانما يصلى الامام هذه الصلاة بثلاثة شروط (احدها) ان يكون العدو في غير جهة القبلة (والثاني) ان يكون في المسلمين كثرة وفي العدو قلة والثالث ان لا يأمنوا من انكباب العدو عليهم في الصلاة ولا شك ان اعتبار هذه الامور ليس علي معنى اشتراطها في الصحة فان الصلاة علي هذا الوجه جائزة وان لم يكن خوف اصلا إذ ليس فيه الاقتداء مفترض بمتنفل في المرة الثانية فإذا المعنى ان اقامة الصلاة هكذا انما يختار ويندب إليه عند اجتماع هذه الامور (وقوله) فيصدع الامام اصحابه صدعين أي يفرقهم فرقتين ويجوز فيصدع من الصدع وهو الشق (وقوله) ويصلي باحدهما ركعتين مفروض فيما إذا كانت الصلاة ركعتين مقصورة كانت أو غير مقصورة فان كانت اكثر من ذلك صلاها بتمامها مرتين ولا فرق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 627 قال (النوع الثاني: ان يكون العدو في جهة القبلة فيرتبهم الامام صفين فإذا سجد في الاولى حرسه الصف الاول فإذا اقام سجدوا ولحقوا به وكذلك يفعل الصف الثاني في الركعة الثانية هكذا صلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان " وليس فيه الا تخلف عن الامام بركنين وذلك جائر لحاجة الخوف ثم لا بأس لو اختص بالحراسة فرقتان من احد الصفين ولو تولي الحراسة في الركعتين طائفة واحدة لم يجز على احد القولين لتضاعف التخلف في حقهم عن الامام والحراسة بالصف الاول اليق فلو تقدم الصف الثاني في الركعة الثانية إلى الصف الاول وتاخر الصف الاول ولم تكثر افعالهم كان ذلك حسنا) * النوع الثاني صلاة عسفان: وهى ان يرتب الامام الناس صفين ويحرم بهم جميعا فيصلون معا إلى ان ينتهى الي الاعتدال عن ركوع الركعة الاولي فإذا سجد سجد معه الصف الثاني ولم يسجد الصف الاول بل حرسوهم قائمين فإذا قام الامام والساجدون سجد اهل الصف الاول ولحقوه وقرأ الكل معه وركعوا واعتدلوا فإذا سجد سجد معه الحارسون في الركعة الاولى وحرس الساجدون معه في الاولى فإذا جلس للتشهد سجدوا ولحقوه وتشهد الكل معه وسلم بهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 628 هذه الكيفية ذكرها الشافعي رضي الله عنه في المختصر واختلف الاصحاب فأخذ كثيرون بها منهم اصحاب القفال وقالوا انها منقولة عن فعل النبي صلي الله عليه وسلم ومن معه بعسفان وعلي ذلك جرى حجة الاسلام رضى الله عنه في الكتاب وقال الشيخ أبو حامد ومن تابعه ما ذكره الشافعي رضي الله عنه خلاف الترتيب الثابت في السنة فان الثابت في السنة ان اهل الصف الاول يسجدون معه في الركعة الاولي واهل الصف الثاني يسجدون معه في الثانية والشافعي رضي الله عنه عكس ذلك قالوا والمذهب ما ورد في الخبر لان الشافعي رضى الله عنه قال إذا رأيتم قولى مخالفا للسنة فاطرحوه (واعلم) ان مسلما وابا داود وابن ماجه وغيرهم من اصحاب المسانيد لم يوردوا الا الترتيب الذى ذكره أبو حامد نعم في بعض الروايات ان طائفة سجدت معه ثم في الركعة الثانية سجد معه الذين كانوا قياما وهذا يحتمل الترتيبين جميعا ولم يقل الشافعي رضى الله عنه أن الكيفية التى ذكرتها صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان ولكن قال هذا نحو صلاته يوم عسفان فاشبه تجويز كل واحد منهما إذ لا فرق في المعنى وقد صرح به الرويانى وصاحب التهذيب وغيرهما قالوا واختار الشافعي رضي الله عنه ما ذكره لامور (احدها) ان الصف الاول اقرب من العدو فهم امكن من الحراسة (والثانى) انهم إذا حرسوا كان جنة لمن ورائهم فان رماهم المشركون تلقوهم بسلاحهم (والثالث) انهم يمنعون ابصار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 629 المشركين عن الاطلاع علي عدد المسلمين وعدتهم إذا عرفت ذلك فيجوز أن يعلم قوله في الكتاب حرسه الصف الاول بالواو اشارة إلى قول من قال ان في الركعة الاولي يحرسه الصف الثاني وهو هالذى أورده في المهذب (وقوله) هكذا صلى رسول الله صلي الله عليه وسلم بعسفان فيه نزاع من جهة النقل فان الروايات المشهورة علي خلاف ما ذكره كما بينا ثم المشهوران الكل يركعون معه في الركعتين وانما التخلف في السجود وذكر في معناه أن الركوع لا يمنع من النظر والحراسة بخلاف السجود وحكى أبو الفضل بن عبدان أن من أصحابنا من قال يحرسون في الركوع أيضا وفى بعض الروايات ما يدل عليه فهذا هو الكلام في كيفية هذا النوع وأما موضعه فقد قال الائمة لهذه الصلاة ثلاثة شروط (أحدها) أن يكون العدو في جهة القبلة ليتمكن الحارسون من رؤيتهم (والثاني) أن يكونوا علي قلة جبل أو مستو من الارض لا يمنعهم شئ من أبصار المسلمين (والثالث) أن يكون في المسلمين كثرة لتمكن جعلهم فرقتين أحداهما يصلي معه والثانية يحرس ولم يتعرض في الكتاب الا للشرط الاول وقوله وليس فيه الا تخلف عن الامام بركنين الي آخره اشارة الي أنهم لو أرادوا الصلاة في حالة الامن هكذا لم يجز صلاة المتخلفين وانما احتمل ههنا لحاجة الخوف وظهور العذر وظاهر قوله الا بركنين حصر للتخلف فيهما وعنى بهما السجدتين لكن التخلف غير منحصر فيهما فانهم متخلفون بالجلسة بين السجدتين أيضا وهى ركن ثالث (فان قيل) الجلسة بين السجدتين ليس ركنا مقصودا علي ما سبق والتخلف المؤثر هو التخلف بالاركان المقصودة فلهذا اقتصر علي ذكر الركعتين (الجواب) أن هذا كلام حسن قد قدمناه في موضعه لكن الاظهر عند المصنف أن الجلسة بين السجدتين ركن طويل كسائر الاركان ويكون التخلف الحاصل ههنا حاصلا باركان وهكذا ذكر في الوسيط والامام في النهاية ثم ذكر في الفصل فروعا نذكرها وما يحتاج إليه (الاول) ليس من الشرط أن لا يزيد على صفين بل لو رتبهم صفوفا كثيرة جاز ثم يحرس صف كما سبق ولا يشترط ان يحرس كل من في الصف بل لو حرست فرقتان من صف واحد في الركعتين على المناوبة ودام من سواهم علي المتابعة جاز لحصول الغرض بحراستهم (الثاني) لو تولي الحراسة في الركعتين طائفة واحدة ثم سجدت ولحقت ففي صحة صلاتها وجهان (أحدهما) لا تصح لان ذلك يوجب تضاعف التخلف بالاضافة الي ما كان يوجد لو تناوبوا والنص ورد في ذلك القدر من التخلف فلا يحتمل الزيادة عليه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 630 (وأظهرهما) ولم يذكر جماعة سواه انه يصح لان هذا القدر من التخلف محتمل في ركعة لمكان العذر فمثله في ركعة أخري مضموما إليه لا يضر الا يرى ان القدر الذى يحتمل من التخلف بلا عذر لا يفترق الحالين أن يتفق في ركعة أو في ركعات كثيرة وفى بعض نسخ الكتاب ذكر قولين في المسألة بدل الوجهين وهو قريب لان الخلاف علي ما ذكره صاحب التهذيب وغيره مبنى علي القولين فيما إذا زاد الامام علي الانتظارين في النوع الثالث من صلاة الخوف وسيأتي ذلك (الثالث) لو تأخر الحارسون أولا إلى الصف الثاني في الركعة الثانية وتقدمت الطائفة الثانية ليحرسوا جاز إذا لم يكثر فعالهم وذلك بان يتقدم كل واحد من أهل الصف الثاني خطوتين ويتأخر كل واحد من أهل الصف الاول خطوتين وينفذ كل واحد منهم بين رجلين وهل هذا أولي ام الاولي ان يلازم كل منهم مكانه أشار في الكتاب إلي أن التقدم والتأخر أحسن وأولي لان الحراسة بالصف الاول اليق وقد سبق وجهه وهكذا ذكر الصيدلانى والمسعودي وآخرون وقال أصحابنا العراقيون الاولي ان يلازم كل منهم مكانه فلا يضطرب ولا ينتقل ولفظ الشافعي رضى الله عنه في المختصر علي هذا أدل وهذا كله مبنى علي ما ذكره الشافعي رضى الله عنه ان في الركعة الاولى يحرس الصف الاول فاما علي ما اختاره أبو حامد واشتهر في الخبر أن الصف الثاني يحرسون في الركعة الاولي ففى الركعة الثانية يتقدم أهل الصف الثاني ويتأخر أهل الصف الاول فتكون الحراسة في الركعتين ممن خلف الصف الاول لا من الصف الاول كذلك ورد في الخبر وقوله في الكتاب فإذا سجد في الاولي حرسه الصف الاول يجوز ان يعلم بالحاء وكذا قوله سجدوا ولحقوا به وكذا يفعل الصف الثاني في الركعة الثانية لان أصحابنا حكوا عن أبي حنيفة انه إذا كان العدو في جهة القبلة لم يصل بهم الا كما يصلى والعدو في غير جهة القبلة وتفصيله على ما سيأتي في النوع الثالث ورسموا هذه مسألة خلافية بيننا وبينه * قال (النوع الثالث ان يلتحم القتال ويحتمل الحال اشتغال بعضهم بالصلاة فيصدع الامام اصحابه صدعين وينحاز بطائفة الي حيث لا تبلغهم سهام العدو فيصلي بهم ركعة فإذا قام الي الثانية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 631 انفردوا بالثانية وسلموا واخذوا مكان اخوانهم في الصف وانحاز الفئة المقاتلة الي الامام وهو ينتظرهم واقتدوا به في الثانية فإذا جلس للتشهد قاموا وأتموا الثانية ولحقوا به قبل السلام وسلم بهم هكذا صلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع في رواية خوات بن جبير وليس فيها الا الانفراد عن الامام في الركعة الثانية وانتظار الامام بالطائفة الثانية مرتين وهذا أولي من رواية ابن عمر فان فيها كثرة الافعال مع الاستغناء عنها) * (النوع الثالث) صلاة ذات الرقاع في كيفيتها في الصبح والصلاة المقصورة في السفر ثم في الصلاة الثلاثية والرباعية اما في ذات الركعتين فيفرق الامام القوم فرقتين ووقف طائفة جهة العدو وينحاز بطائفة الي حيث لا تبلغهم سهام العدو فيفتتح بهم الصلاة ويصلى بهم ركعة هذا القدر اتفقت الرواية عليه ثم فيما يفعل بعد ذلك روايتان فصل في الكتاب أحداهما واجمل ذكر الاخرى اما المفصلة فهي انه إذا قام الي الثانية خرج المقتدون عن متابعته واتموا الثانية لانفسهم وتشهدوا وسلموا وذهبوا الي وجاه العدو وجاء أولئك واقتدوا به في الثانية وهو يطيل القيام الي لحوقهم فإذا لحقوه صلي بهم الثانية فإذا جلس للتشهد قاموا وأتموا الثانية وهو ينتظرهم فإذا لحقوه سلم بهم " هكذا روى مالك عن يزيد بن رومان عن صالح عن خوات بن جبير عمن صلى مع النبي صلي الله عليه وسلم صلاة يوم ذات الرقاع " ورواه ابو داود والنسائي عن صالح عن سهل ابن حثمة عن النبي صلي الله عليه وسلم وأما الرواية التى أجملها فهى أن الامام إذا قام الي الثانية لا يتم المقتدون به الصلاة بل يذهبون الي مكان اخوانهم وجاه العدو وهم في الصلاة فيقفوا سكوتا وتجئ تلك الطائفة فتصلي مع الامام الركعة الثانية فإذا سلم ذهبت الي وجاه العدو وجاء الاولون الي مكان الصلاة واتموا لانفسهم وذهبوا إلى وجاه العدو وجاءت الطائفة الثانية الي مكان الصلاة وأتمت ايضا وهذه رواية ابن عمر رضي الله عنهما * إذا عرفت ذلك فاعلم ان الشافعي رضى الله عنه اختار الرواية الاولى لانها أوفق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 632 للقرآن قال الله تعالي جده (ولتأت طائفة اخرى لم يصلوا) وذلك يشعر بان الطائفة الاولى قد صلت ولانها اليق بحال الصلاة لما في الرواية الاخرى من زيادة الذهاب والرجوع وكثرة الافعال والاستدبار ولا ضرورة الي احتمال جميع ذلك ولانها أحوط لامر الحرب فانها أخف علي الطائفتين جميعا إذ الحراسة خارج الصلاة أهون واختار مالك واحمد أيضا ما اختاره الشافعي رضى الله عنه لكن مالكا رحمة الله عليه قال في رواية إذا صلى الامام بالطائفة الثانية الركعة الئانية تشهد بهم وسلم ثم يقومون الي تمام صلاتهم كالمسبوق في غير صلاة الخوف ونقل الصيدلانى قولا عن القديم مثل ذلك وحكي صاحب الافصاح والعراقيون قولا قريبا من ذلك فقالوا يقومون في قول إذا بلغ الامام موضع السلام ولم يسلم بعد وذهب أبو حنيفة إلى اختيار رواية ابن عمر رضي الله عنهما وقال الطائفة الاولى يتمون الصلاة بعد سلام الامام بغير قراءة لانهم أدركوا التحريمة فسقط عنهم القراءة في جميع الصلاة والطائفة الثانية يتمونها بقراءة لانهم ما ادركوا التحريمة (واعلم) ان اقامة الصلاة علي الوجه المذكور ليس عزيمة لا بد منها بل لو صلي الامام بطائفة وأمر غيره فصلي بالآخرين وصلي بعضهم أو كلهم منفردين جاز لكن كان اصحاب النبي صلي الله عليه وسلم لا يسمحون بترك فضيلة الجماعة ويتنافسون في الاقتداء به فأمره الله تعالى جده بترتيبهم هكذا لتحوز احدي الطائفتين فضيلة التكبيرة معه والاخرى فضيلة التسليم معه " وهل تصح الصلاة علي الوجه الذى رواه ابن عمر رضى الله عنهما ذكروا فيه قولين (أحدهما) وتحتمل تلك الرواية علي النسخ لخبر سهل فانها مطلقة ورواية سهل مقيدة بذات الرقاع وهى آخر الغزوات (وأصحهما) نعم وبه قال أحمد لصحة الرواية وعدم العلم بالنسخ ولا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 633 سبيل إلى المصير إليه بمجرد الاحتمال وارجع بعد هذا إلى ما يتعلق بنظم الكتاب: فاقول قد سبق أن موضع هذا النوع ما إذا لم يكن العدو في جهة القبلة ثبت ذلك من جهة النقل ونص عليه الاصحاب وان لم يتعرض له لفظ الكتاب وفى معناه ما إذا كانوا في جهة القبلة لكن كان بينهم وبين المسلمين حائل يمنع من رؤيتهم لو هجموا وقوله ان يلتحم القتال ليس مذكورا علي سبيل الاشتراط بل لو كان العدو قارين في معسكرهم في غير جهة القبله ولم يلتحم القتال بعد وكان يخاف هجومهم فالحكم كما لو التحم فيجعلهم طائفتين واحدة تحرس وأخرى تقتدي به وإذا التحم القتال فانما تمكن هذه الصلاة إذا كثر القوم وامكن الانحياز بطائفة وحصل الكفاية بالباقين فان لم يكن كذلك فالحال حال شدة الخوف وسنذكرها فلهذا قال ويحتمل الحال اشتغال بعضهم بالصلاة (وقوله) فإذا قام الي الثانية انفردوا بالثانية مرقوم بالحاء لانه عنده لا ينفرد بالثانية إذا قام الامام إليها بل بعد سلامه ثم في هذا الفصل شيئان ينبغي ان يتنبه لهما (احدهما) ان قوله انفردوا بالثانية ليس المراد منه انفرادهم بالفعل فحسب بل ينوون مفارقته وينفردون بالفعل وفى حق الطائفة الثانية قال قاموا وأتموا الركعة الثانية ولم يقل وانفردوا بها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 634 لانهم لا يخرجون عن المتابعة كذا قاله الجمهور وفيه شئ آخر سيأتي (والثانى) أنه قال فإذا قام الامام إلى الثانية ولم يقل فإذا أتم الاولي لان الاولي أن ينووا مفارقته بعد الانتصاب لا عند رفع رأسه من السجود الثاني فانهم صائرون إلى القيام كالامام ولو فارقوه عند رفع الرأس من السجود جاز أيضا ذكره في التهذيب وغيره وقوله وانحاز الفئة المقاتلة انما سماها مقاتلة لانه فرض الكلام فيما إذا التحم القتال فاما إذا كان يخاف هجومهم ويتوقع القتال فليست هي بمقاتلة في الحال ويجوز أن يقرء الفئة المقابلة بالباء فيشمل الحالتين لانهما علي التقديرين مقابلة للعدو (وقوله) فإذا جلس للتشهد قاموا وأتموا معلم بالحاء لان عنده إنما يقومون إذا سلم الامام لا إذا جلس للتشهد وبالميم والواو لما سبق (وقوله) هكذا صلى رسول الله صلي الله عليه وسلم بذات الرقاع اختلفوا في اشتقاق هذه اللفظة قيل كان القتال في سفح جبل فيه جدد بيض وحمر وصفر كالرقاع وقيل كانت الصحابة رضوان الله عليهم حفاة لفوا علي أرجلهم الخرق والجلود لئلا تحترق وقوله في رواية خوات بن جبير أشتهر في كتب الفقه نسبة هذه الرواية الي خوات والمنقول في أصول الحديث رواية صالح عن سهل وعمن صلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فلعل هذا المبهم ذكر خوات أبو صالح والله أعلم وقوله وليس فيها الا الانفراد عن الامام في الركعة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 635 الثانية هذا الانفراد ظاهر في حق الطائفة الاولى فاما الطائفة الثانية فهم على متابعته بعد الركعة الثانية وفى الركعة الثانية كلام سيأتي ذكره من بعد والمقصود منه بيان رجحان هذه الرواية علي رواية ابن عمر رضي الله عنهما وفيه اشارة إلى مسألة لا بد من ذكرها وهى أنه لو أقام الصلاة بهم علي هذه الهيئة في حالة الامن هل يجوز ذلك أم لا أما صلاة الامام فمنهم من قال تصح قولا واحدا لانه تطويل صلاة بالقراءة أو التشهد وذلك مما لا منع فيه وقال الاكثرون فيه قولان لانه انتظر المأمومين بغير عذر وبنى القاضي أبو الطيب القولين على القولين فيما إذا فرقهم أربع فرق في الصلاة الرباعية لانه في الصورتين انتظر في غير محل الحاجة وأما الطائفة الاولي ففى صحة صلاتها قولان لانها فارقت الامام بغير عذر وأما الطائفة الثانية فان قلنا صلاة الامام تبطل امتنع عليهم الاقتداء والاصح اجزاؤهم ثم تبني صلاتهم إذا قاموا إلى الركعة الثانية علي خلاف يأتي في أنهم منفردون بها ام حكم الاقتداء باق عليهم (إن قلنا) بالاول ففي قولهم صلاتان مبنيان على أصلين (أحدهما) انهم انفردوا من غير عذر (والثانى) أنهم اقتدوا بعد الانفراد (وان قلنا) بالثاني بطلت صلاتهم لانفرادهم بركعة مع بقاء القدوة ولو فرضت الصلاة في حالة الامن علي الوجه الذى رواه ابن عمر رضي الله عنه فصلاة المأمومين باطلة قطعا وقوله وهذا أولي يجوز أن يريد أنه أولي بان يفعله الامام مما رواه ابن عمر رضى الله عنهما فيكون جوابا علي تجويز اقامة الصلاة على ذلك الوجه أيضا ويجوز أن يريد به ان الاخذ به والمصير إليه أولى فلا يلزم تجويز ذلك الوجه وعلي التقديرين هو معلم بالحاء * قال (ثم الصحيح أن الامام في الثانية يقرأ الفاتحة قبل لحوق الفرقة الثانية لكن يمد القراءة عند لحوقهم ونقل المزني رحمه الله أنه يؤخر الفاتحة الي وقت لحوقهم وكذا هذا الخلاف في انتظاره في التشهد قبل لحوقهم) * إذا قام الامام الي الثانية فهل يقرأ الفاتحة في انتظاره الفرقة الثانية أم يؤخر الي لحوقها نقل الربيع أنه يقرؤها ثم بعد لحوقهم يقرأ بقدر الفاتحة سورة قصيرة ونقل المزني أنه يقرأ بعد لحوقهم بام القرآن وسورة وهذا قول بتأخير القراءة إلى لحوقهم لان الفاتحة لا تكرر واختلف الاصحاب علي طريقتين (أصحهما) ان المسألة على قولين (أحدهما) أنه لا يقرأ إلى لحوقها لانه قرأ في الركعة الاولي بالطائفة الاولى فليقرأ في يا لثانية بالطائفة الثانية تسوية بينهما (وأصحهما) وبه قال احمد أنه يقرأ أولا ولا يؤخر * واحتجوا عليه بانه لو لم بقرأ فاما أن يسكت أو يقرأ غير الفاتحة من القرآن وكل واحد منهما خلاف السنة أو يشتغل بذكر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 636 وتسبيح وليس القيام محلا لذلك وهذا لا يسلمه من صار الي القول الاول على الاطلاق بل ذكروا تفريعا عليه انه يسبح ويذكر اسم الله تعالى جده بما شاء (والطريق الثاني) انها ليست علي القولين ثم اختلفوا فعن أبى اسحق أن النصين منزلان علي حالتين حيث قال يقرأ اراد إذا كان الامام يريد قراءة سورة قصيرة فتفوت القراءة علي الطائفة الثانية فهنا يستحب الانتظار ومنهم من قطع بما رواه الربيع وغلط المزني في النقل وقال لفظ الشافعي رضى الله عنه ويقرأ بعد اتيانهم بقدر ام الكتاب وسورة قصيرة لا بام القرآن وانما أمر بذلك لينالوا فضيلة القراءة فلو لم يفعل وأدركوه في الركوع كانوا مدركين للركعة وقوله في الكتاب لكنه يمد القراءة عند لحوقهم اشارة الي ما ذكرنا وهو أنه يمكث في قراءته بعد لحوقهم قدر قراءة أم القرآن وسورة وفى بعض النسخ لكنه يمد القراءة الي وقت لحوقهم وعلي هذا ففرض الكلام انه لا يؤخر القراءة إلى لحوقهم لا انه يقطع القراءة كما لحقوه واما قوله وكذا هذا علي الخلاف في انتظاره في التشهد قبل لحوقهم فاعلم انه مبني على أن الطائفة الثانية يقومون إلى الركعة الثانية إذا جلس الامام للتشهد وهو المذكور في الكتاب والمشهور وقد حكينا قولا آخر أنهم يقومون إليها بعد سلامه فعلي ذلك القول ليس له انتظار في التشهد وعلي المشهور هل يتشهد قبل لحوقهم اما القاطعون في الانتظار الاول بانه يقرأ الفاتحة فقد قطعوا ههنا بانه يتشهد بطريق الاولي واما المثبتون للخلاف ثم فقد اختلقوا ههنا منهم من طرد القولين ومنهم من قطع بانه يتشهد لان الامر بتأخير القراءة في قول انما كان ليقرأ بالطائفة الثانية كما قرأ بالطائفة الاولى وهذا المعنى لا يفرض في التشهد إذا عرفت ذلك فلا يخفي عليك ان قوله وكذا هذا الخلاف وجواب علي طريقة طرد القولين في التشهد ويجب ان يعلم بالواو للطريقة الاخرى على أنها اظهر عند الاكثرين * قال (ثم هذه الحاجة ان وقعت في صلاة المغرب فليصل الامام بالطائفة الاولي ركعتين وبالثانية ركعة لان في عكسه تكليف الطائفة الثانية تشهد غير محسوب ثم الامام ان انتظرهم في التشهد الاول فجائز وان انتظرهم في القيام الثالث فحسن) * ما سبق كلام في الصلاة الثنائية كيف تؤدى بالناس في الموضع الذى بيناه فاما إذا كانت الصلاة معربا وفرض الخوف كذلك فلا بد من تفصيل أحدى الطائفتين علي الاخرى فيجوز ان يصلي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 637 بالاولى ركعة وبالثانية ركعتين ويجوز ان يصلي بالاولى ركعتين وبالثانية ركعة وأيهما أولي فيه قولان (اصحهما) ان الافضل ان يصلي بالطائفة الاولي ركعتين وبالثانية ركعة لان الطائفة الاولي سابقون فهم اولى بالتفضيل ولانه لو عكس فصلى بالطائفة الاولي ركعة وبالثانية ركعتين لزاد في صلا الطائفة الثانية تشهدا غير محسوب لانهم حينئذ يحتاجون الي الجلوس مع الامام في الركعة الثانية وهو غير محسوب لهم فانها اولاهم والاليق بالحال التخفيف دون التطويل (والثانى) ان الافضل ان يصلي بالاولي ركعتين وبالثانية ركعتين لان عليا رضى الله عنه صلي ليلة الهرير بالناس هكذا ثم ان فعل هكذا فالطائفة الاولي تفارقه إذا قام إلى الثانية وتتم لنفسها علي ما ذكرنا في ذات الركعتين وان صلى بالاولى ركعتين فيجوز ان ينتظر الثانية في التشهد الاول ويجوز ان ينتظرهم في القيام الثالث وأيهما اولي فيه قولان (احدهما) ان انتظارهم في التشهد الاول اولي ليدركوا معه الركعة من اولها وينقل هذا عن الاملاء (واصحهما) ان انتظارهم في القيام الثالث اولي لان القيام مبنى علي التطويل والجلسة الاولي مبنية علي التخفيف ولان في ذات الركعتين ينتظر قائما فكذلك ههنا لانه إذا انتظرهم في الجلوس لا تدرى الطائفة الاولى متى يقومون ثم إذا انتظرهم في القيام فهل يقرأ الفاتحة ام يصير الي لحوق الفرقة الثانية فيه الخلاف المتقدم (وقوله) في الكتاب فليصل بالطائفة الاولي ركعتين وبالثانية ركعة جواب على القول الاول ويجوز ان يكون جزما بانه يفعل كذلك لان القاضي الروياني حكى طريقة جازمة به مع طريقة القولين وعلي التقديرين فلفظ الركعة والركعتين معلمان بالواو (وقوله) فليصل امر استحباب وفضيلة وليس ذلك بلازم (وقوله) وان انتظرهم في القيام الثالث فحسن هو لفظ الشافعي رضي الله عنه في المختصر وقد حملوه علي ان الافضل الانتظار فيه وإذا كان كذلك فيجوز ان يعلم بالواو اشارة إلى القول المنقول عن الاملاء * قال (وان كان في صلاة رباعية في الحضر فليصل بكل طائفة ركعتين فان فرقهم اربع فرق فالانتظار الثالث زائد على المنصوص وفى تحريمه قولان قال ابن سريج الانتظار في الركعة الثالثة هو الانتظار الثاني في حق الامام فلا منع منه) * إذا كان الخوف في السفر فسبيل الصلاة الرباعية ان تقصر وتؤدى كما سبق فلو ارادوا اتمامها وكانوا في الحضر وقد جاءهم العدو فينبغي ان يفرق الامام الناس فرقتين ويصلي بكل طائفة ركعتين ثم الافضل ان ينتظر الثانية في التشهد الاول أو في القيام الثالث فيه الخلاف المذكور في المغرب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 638 ويتشهد بكل واحدة من الطائفتين بلا خلاف لانه موضع تشهدهما ويتضح بما ذكرناه ان قوله وإن كان في صلاة رباعية في الحضر ليس الحضر مذكورا علي سبيل الاشتراط لجواز الاتمام في السفر لكن الغالب أن الاتمام لا يكون الا في الحضر لان القصر افضل مطلقا عند الامكان على الاصح واليق بحالة الخوف فلهذا قال في الحضر وقوله فليصل بكل طائفة ركعتين معلم بالميم لان في رواية عن مالك لا يجوز أن يصلي بهم الصلاة الرباعية كذلك * لنا قوله تعالى (وإذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة) الآية لا فرق فيها بين السفر والحضر ولو فرقهم أربع فرق وصلي بكل فرقة ركعة وذلك بان يصلى بفرقة ركعة وينتظر قائما في الثانية وينفردوا هم بثلاث ويسلموا ويذهبون ثم يصلى الركعة الثانية بفرقة ثانية وينتظر جالسا في التشهد الاول أو قائما في الثالثة ويتموا لانفسهم ثم يصلي الثالثة بفرقة ثالثة وينتظر في قيام الرابعة ويتموا صلاتهم ثم يصلي الرابعة بالفرقة الرابعة وينتظرهم في التشهد الاخير الي ان يتموا صلاتهم ويسلم بهم فهل يجوز ذلك فيه قولان (أحدهما) لا لان الاصل أن لا يحتمل الانتظار في الصلاة اصلا لما فيه من شغل القلب والاخلال بالخشوع وقد ورد عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظاران فلا يزاد عليهما (واصحهما) نعم لان جواز انتظارين انما كان للحاجة وقد تقتضي الحاجة اكثر من ذلك بأن لا يكون في وقوف نصف الجند في وجه العدو كفاية بل يحتاج إلى وقوف ثلاثة ارباعهم بكل حال (التفريع) ان جوزنا فقد قال امام الحرمين شرطه ان تمس الحاجة إليه فأنا إذا لم تكن حاجة فالحكم كما لو جرى ذلك في حالة الاختيار والطائفة الرابعة علي هذا القول كالطائفة الثانية في ذات الركعتين فيعود الخلاف في أنهم يفارقونه قبل التشهد أو يتشهدون معه ويقومون بعد سلام الامام إلى ما عليهم كالمسبوق وتتشهد الطائفة الثانية معه في أظهر الوجهين (والثانى) تفارقه قبل التشهد وعلى هذا القول تصح صلاة الامام وفى صلاة الطوائف قولان المنقول عن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 639 الام ان صلاتهم صحيحة وعن الاملاء ان صلاتهم باطلة سوى صلاة الطائفة الرابعة وبنوا ذلك على ان المأموم إذا أخرج نفسه عن صلاة الامام بغير عذر هل تبطل صلاته ام لا وقالوا الطوائف الثلاث خرجوا عن صلاة الامام بغير عذر لان وقت المفارقة ما نقل عن فعل المقتدين بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو نصف الصلاة وكل طائفة من الثلاث قد فارقته قبل تمام النصف وأما الطائفة الرابعة فانها لم تخرج عن صلاة الامام بل اتمت صلاة علي حكم المتابعة وليس هذا البناء والفرق صافيا عن الاشكال والله أعلم * وإن فرعنا على أن لا يجوز ذلك فصلاة الامام باطلة ومتي تبطل فيه وجهان قال ابن سريج تبطل بالانتظار الثالث وهو الواقع في الركعة الرابعة ولا تبطل بالانتظار الواقع في الركعة الثالثة لانه انتظر مرة للطائفة الثانية في الركعة الثانية وانتظاره في الركعة الثالثة هو انتظاره الثاني إذا لم يكن له في الاولى انتظار وقد ثبت من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظاران فلا بأس بهما ولا فرق في الفصلين سوى ان المنتظر ثم في المرتين الطائفة الثانية والمنتظر ههنا في المرة الثانية طائفة أخرى لكن هذا لا يضر إذا لم يزد عدد الانتظار كما لا يضر زيادة قدر الانتظار لو فرقهم فرقتين وصلي بكل واحدة ركعتين وقال جمهور الاصحاب تبطل صلاته بالانتظار الواقع في الركعة الثالثة لمخالفته الانتظار الثاني الذى ورد النقل به في المنتظر وفى القدر فاما المنتظر فقد وضح واما في القدر فلان النبي صلي الله عليه وسلم انتظر في الركعة الثانية فراغ الطائفة الثانية فقط والامام ههنا ينتظر فراغ الثانية وذهابها إلي وجه العدو ومجئ الثالثة والذى قاله الجمهور وهو ظاهر النص ولذلك قد يعبر عن هذا الخلاف بقولين منصوص ومخرج لابن سريج ثم حكى في البيان وجهين تفريعا على ظاهر النص (أحدهما) ان صلاته تبطل بمضي الطائفة الثانية لان النبي صلي الله عليه وسلم لم ينتظرهم في المرة الثانية إلا قدر ما أتمت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 640 صلاتها فإذا زاد بطل (والثاني) وبه قال الشيخ أبو حامد انها تبطل بمضي قدر ركعة من انتظاره الثاني لان النبي صلي الله عليه وسلم لم ينتظر الطائفتين جميعا إلا بقدر الصلاة التى هي فيها مع الذهاب والمجئ هذا وقد انتظر في المرة الاولي قدر ما صلت الطائفة الاولي ثلاث ركعات وذهبت وجاءت الثانية فإذا مضى قدر ركعة فقد تم قدر الانتظار المنقول فتبطل صلاته بالزيادة عليه هذا هو الكلام في صلاة الامام تفريعا علي قول المنع وأما صلاة الطوائف فتبنى علي صلاته فتصح صلاة الطائفة الاولي والثانية علي ظاهر النص وقول ابن سريج معا لانهم فارقوه قبل بطلان صلاته وصلاة الطائفة الرابعة باطلة إن علمت بطلان صلاة الامام وإن لم تعلم فلا وحكم الطائفة الثالثة حكم الرابعة ظاهر النص وحكم الطائفتين الاوليين علي قول ابن سريج ولو فرق القوم في صلاة المغرب ثلاث فرق وصلي بكل فرقة ركعة وقلنا لا يجوز ذلك فصلاة جميع الطوائف صحيحة عند ابن سريج وعلي على ظاهر النص صلاة الطائفة الثالثة باطلة إلا أن لا تعلم بطلان صلاة الامام وإذا عرفت ما ذكرناه ولخصت ما في المسألة من الخلاف قلت فيها أربعة أقوال (أصحها) صحة صلاة الامام والقوم جميعا (والثانى) صحة صلاة الامام والطائفة الرابعة لا غير (والثالث) بطلان صلاة الامام وصحة صلاة الطائفة الاولي والثانية والفرق في حق الثالثة والرابعة بين أن تعلم بطلان صلاة الامام أو لا تعلم (والرابع) صحة صلاة الثالثة لا محالة (والثانى) كما ذكرنا في القول الثالث وهو قول ابن سريج وقوله في الكتاب فالانتظار الثالث زائد على المنصوص أي علي نص الشارع وما ثبت من فعله واراد بالانتظار الثالث الانتظار الواقع في الركعة الرابعة بطريق الاولي وهو الثالث في الحقيقة ولو أراد الانتظار الثالث حقيقة لكان ذلك عين قول ابن سريج ولما انتظم منه أن يقول بعد ذلك وقال ابن سريج ورتب في الوسيط الخلاف في بطلان الصلاة بالانتظار الثالث علي الخلاف في تحريمه فقال في تحريمه قولان إن قلنا يحرم ففى بطلان الصلاة به قولان ولم يذكر المعظم هذا الترتيب وإنما تكلموا في الصحة والبطلان وذكر الشافعي رضى الله عنه مع القول بصحة صلاة الجميع انهم مسيئون بذلك وهذا يشعر بالجزم بالتحريم والله أعلم * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 641 قال (وفى اقامة الجمعة علي هذه الهيئة وجهان (م) ووجه المنع أن العدد فيها شرط فيؤدى إلى الانفضاض في الركعة الثانية) * إذا كان الخوف في بلد ووافق ذلك يوم الجمعة وأرادوا إقامة صلاة الجمعة علي هيئة صلاة ذات الرقاع فقد نقل المصنف فيه وجهين (أحدهما) الجواز كسائر الصلوات الثنائية (والثاني) المنع لان العدد شرط فيها وتجويز ذلك يفضي إلي انفراد الامام في الركعة الثانية والاول هو الذى حكاه أصحابنا العراقيون عن نصه في الام ثم ذكروا فيه طريقتين (أحداهما) أن ذلك جواب علي أحد الاقوال في مسألة الانفضاض وهو أنه إذا نفض القوم عنه وبقي وحده يصلى الجمعة فانا إذا لم نقل بذلك امتنع اقامة الجمعة علي هذا الوجه (والثانية) القطع بالجواز بخلاف صورة الانفضاض لانه معذور ههنا بسبب الخوف ولانه يترقب مجئ الطائفة الثانية ويجوز ان يرتب فيقال ان جوزنا الانفضاض فتجويز اقامة الجمعة علي هذه الهيئة اولي والا فوجهان والفرق العذر وايراد الكتاب إلى هذا الترتيب اقرب وكيف ما كان فالاظهر عند الاكثرين الجواز ثم له شرطان (أحدهما) ان يخطب بهم جميعا ثم يفرقهم فرقتين أو يخطب بطائفة ويجعل فيها مع كل واحدة من الفرقتين اربعين فصاعدا فاما لو خطب بفرقة وصلى باخرى فلا يجوز (والثاني) ان تكون الفرقة الاولى اربعين فصاعدا فلو نقص عددهم عن الاربعين لم تنعقد الجمعة ولو نقصت الفرقة الثانية عن اربعين فقد حكى ابن الصباغ عن الشيخ ابى حامد انه لا يضر ذلك بعد انعقداها بالاولي وعن غيره انه علي الخلاف في الانفضاض ولو خطب الامام بالناس واراد أن يقيم الجمعة بهم علي هيئة صلاة عسفان فهي اولي بالجواز ان جوزناها علي هيئة صلاة ذات الرقاع ولا يجوز اقامتها علي هيئة صلاة بطن النخل إذ لا تقام جمعة بعد جمعة * قال (ثم يجب حمل السلاح في هذه الصلاة وصلاة عسفان ان كان في وضعه خطر وان كان الظاهر السلامة واحتمل الخطر فيستحب الاخذ في الوجوب قولان) * قال الشافعي رضى الله عنه في المختصر وغيره واحب للمصلى أي في الخوف أن يأخذ سلاحه وقال في موضع ولا اجيز وضعه واختلف الاصحاب على طرق (اظهرها) وبه قال ابو اسحاق ن في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 642 المسألة قولين (احدهما) انه يجب لظاهر قوله (وليأخذوا اسلحتهم) وقال تعالي جده (ولا جناح عليكم ان كان بكم اذى من مطر أو كنتم مرضى ان تضعوا اسلحتكم) اشعر ذلك بقيام الجناح إذا وضع من غير عذر (واصحهما) وبه قال أبو حنيفة واحمد انه لا يجب والآية محمولة علي الاستحباب * واحتجوا لهذا القول بانه لا خلاف ان وصفه لا يفسد الصلاة فوجب ان لا يجب حمله كسائر ما لا يفسد تركه الصلاة ولا يجب فعله (والطريق الثاني) القطع بالاستحباب (والثالث) القطع بالايجاب (والرابع) ما يدفع به عن نفسه كالسيف والسكين يجب حمله وما يدفع به عن نفسه وغيره كالرمح والقوس لا يجب حمله لان الدفع عن النفس اولى بالوجوب وهؤلاء حملوا النصين علي هذين النوعين والخلاف في المسألة مشروط بشروط (أحدها) أن يكون طاهرا فاما السلاح النجس فلا يجوز حمله بحال ومنه السيف الذى سقى السم النجس والنبل المريش بريش طائر لا يؤكل أو طائر ميت لانه نجس على الصحيح (والثانى) ان لا يكون مما يمنع من بعض أركان الصلاة كالحديد المانع من الركوع والبيضة المانعة من مباشرة المصلى بالجبهة فان كان كذلك لم يحمل بلا خلاف (والثالث) ان لا يتأذى به الغير كالرمح فان حمله في وسط الصف يؤذى القوم فيكره الا ان يكون في حاشية الصف فلا يتأذى بحمله أحد (والرابع) قال الامام موضع الخلاف أن يخاف من وضع السلاح وتنحيته خطر علي سبيل الاحتمال فاما اكان يتعرض للهلاك ظاهرا لو لم يأخذ السلاح فيجب القطع بوجوب الاخذ والا فهو استسلام للكفار وهذا الشرط قد ذكره في الكتاب فأوجب الحمل إذا كان في الموضع خطر وخص الخلاف بما إذا ظهرت السلامة واحتمل الخطر * واعلم أن ترجمة المسألة هي حمل السلاح قال امام الحرمين وليس الحمل معينا لعينه بل لوضع السيف بين يديه وكان مد اليد إليه في اليسر والسهولة كمدها إليه وهو محمول متقلد كان ذلك بمثابة الحمل قطعا وأما لفظ السلاح فقد قال القاضى ابن كج انه يقع على السيف والسكين والرمح والنشاب ونحوها اما الترس فليس بسلاح وكذا لو لبس درعا لم يكن حاملا سلاح والله اعلم * ثم في لفظ الكتاب شيئان (احدهما) انه خص الكلام بصلاة ذات الرقاع وصلاة عسفان واشعر ذلك بنفى الوجوب في صلاة بطن النخل لكن معني الخوف يشملها جميعا والجمهور اطلقوا القول في صلاة الخوف اطلاقا (والثاني) انه قال في آخر الفصل فيستحب الاخذ وفى الوجوب قولان وقضية هذا الكلام الجزم بالاستحباب وقصر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 643 الخلاف على الوجوب وانما يكون كذلك ان لو اشتمل الوجوب على الاستحباب اشتمال العام علي الخاص وفيه كلام لاهل الاصول فان لم يحكم باشتماله عليه فالصائر الي الوجوب ناف للاستحباب فلا يكون الاستحباب إذا مجزوما به * قال (فرع: سهو الطائفتين محمول في وقت موافقتهم الامام وسهو الطائفة الاولي غير محمول في ركعتهم الثانية وذلك لانقطاعهم عن الامام ومبدأ الانقطاع الاعتدال في قيام الثانية أو رفع الامام رأسه في سجود الاولي فيه وجهان واما سهو الطائفة الثانية في الركعة الثانية ففى حمله وجهان لانهم سيلتحقون بالامام قبل السلام وهو جار في المزحوم إذا سها وقت التخلف وفيمن انفرد بركعة وسها ثم اقتدى في الثانية) * اصل الفرع ان سهو المأموم يحمله الامام وهذه قاعدة شرحناها في باب سجود السهو إذا تذكرت ذلك فنقول إذا سها بعض المأمومين في صلاة ذات الرقاع علي الرواية المختارة فينظر ان سهت الطائفة الاولي فسهوها في الركعة الاولي محمول لانها مقتدية بالامام وسهوها في الثانية غير محمول لانقطاعها عن الامام وما مبدأ الانقطاع فيه وجهان حكاهما الامام عن شيخه (احدهما) ان مبدأ الانقطاع الاعتدال في الركعة الثانية لان القوم والامام جميعا صائرون إلى القيام فلا تنقطع القدوة ما لم يعتدلوا قائمين (والثاني) ان مبدأ الانقطاع رفع الامام رأسه من السجود الثاني لان الركعة تنتهى بذلك فعلي هذا لو رفع الامام رأسه وهم بعد في السجود وفرض منهم سهو لم يكن محمولا ولك ان تقول قد نصوا على انهم ينوون المفارقة عن الامام وانه يجوز عند رفع الرأس وعند الاعتدال كما سبق وإذا كان كذلك فلا معني لفرض الخلاف في ان الانقطاع يحصل بهذا أو بذاك فانه ليس شيئا يحصل بنفسه بل هو منوط بنية المفارقة فوجب قصر النظر علي وقتها * واما الطائفة الثانية فسهوها في ركعتها الاولي محمول ايضا لانها علي حقيقة المتابعة وفى سهوها في الركعة الثانية وجهان (احدهما) وينسب إلى ابن خيران وابن سريج انه غير محمول لانهم منفردون بها في الحقيقة (واصحهما) انه محمول لان حكم القدوة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 644 باق بدليل انهم مقتدون به إذا حصلوا معه في التشهد والا لما كان لانتتظاره أياهم معني وإذا كان كذلك فلولا استمرار حكم القدوة لاحتاجوا إلى اعادة نية القدوة إذا جلسوا للتشهد ولا يحتاجون إليه والوجهان جاريان في المزحوم في الجمعة إذا سها في وقت تخلفه وأجروهما أيضا فيما كان يصلى منفردا فسها في صلاته ثم اقتدى بامام وجوزنا ذلك علي أحد القولين واستبعد الامام اجراء الخلاف في هذه الصورة وقال الوجه القطع بان حكم السهو لا يرتفع بالقدوة اللاحقة فان السهو كان وهو منفرد لا يخطر له أمر القدوة فلا ينعطف حكمها علي ما تقدم من الانفراد وقوله لانهم سيلحقون بالامام يجوز ان يريد به التحاقهم في الصورة مصيرا الي أن حكم القدوة مستمر في الحال ويجوز أن يريد به أنهم سيصيرون مقتدين وان كانوا منفردين في الحال فيؤخذ بآخر الامر والضمير في قوله وهو جار عائد الي الخلاف وان لم يكن مذكورا (وقوله) فيمن انفرد بركعة وسها ثم اقتدى في الثانية لانه ليس للتقييد وانه لا فرق بين أن يقتدى في الاولي أو الثانية بعد السهو منفردا (واعلم) أن جميع ذلك مبنى على أن الطائفة الثانية يقومون الي الركعة الثانية إذا جلس الامام للتشهد فاما إذا قلنا أنهم يقومون إليها إذا سلم الامام علي ما نقل عن القديم فسهوهم في الثانية غير محمول لا محالة كالمسبوق هذا حكم سهو المأمومين أما لو سها الامام نظر ان سها في الركعة الاولي لحق سهوه الطائفتين فالطائفة الاولي يسجدون إذا أتموا صلاتهم ولو سها بعضهم في الركعة الثانية فهل يقتصر علي سجدتين أم يسجد أربعا فيه خلاف تقدم نظائره والاصح الاول والطائفة الثانية يسجدون مع الامام في آخر صلاته وإن سها في الركعة الثانية لم يلحق سهوه الطائفة الاولي لانهم فارقوه قبل السهو وتسجد الثانية معه في آخر الصلاة ولو سها في انتظاره اياهم فهل يلحقهم ذلك السهو فيه الخلاف المذكور في أنه هل يتحمل سهوهم والحالة هذه * قال (النوع الرابع صلاة شدة الخوف وذلك إذا التحم الفريقان ولم يمكن ترك القتال لاحد فيصلون رجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ايماء بالركوع والسجود محترزين عن الصيحة وعن موالات الضربات من غير حاجة فان كثرت مع الحاجة في اشخاص فيحتمل وفى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 645 شخص واحد لا يحتمل لندوره وقيل يحتمل في الموضعين وقيل لا يحتمل فيها فان تلطخ سلاحه بالدم فليلقه وان كان محتاجا إلى امساكه فالاقيس انه لا يجب عليه القضاء والاشهر وجوبه لندور العذر) * إذا التحم القتال ولم يتمكنوا من تركه بحال لقتلهم وكثرة العدو أو اشتداد الخوف وان لم يلتحم القتال فلم يأمنوا أن يركبوا اكتافهم لو ولوا عنهم أو انقسموا فيصلون بحسب الامكان وليس لهم التأخير عن الوقت وعن أبى حنيفة أن لهم ذلك ثم في كيفية هذه الصلاة مسائل (أحداها) لهم أن يصلوا ركبانا علي الدواب أو مشاة علي الاقدام قال الله تعالي جده (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) ويجوز أن يعلم لفظ الرجال في قوله فيصلون رجالا بالحاء لان أصحابنا حكوا عن أبى حنيفة رضي الله عنه انه ليس للراجل أن يصلي بل يؤخر (الثانية) لهم أن يتركوا الاستقبال إذا لم يجدوا بدا عنه قال ابن عمر رضى الله عنهما في تفسير الآية " مستقبلي القبلة وغير مستقبليها " قال نافع لا اراه ذكر ذلك الا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجوز أن يأتم بعضهم ببعض مع اختلاف الجهة كالمصلي حول الكعبة وفيها وانما يعفى عن الانحراف عن القبلة إذا كان بسبب العدو فاما إذا انحرف لجماح الدابة وطال الزمان بطلت صلاته كما في غير حالة الخوف ويجوز أن يعلم قوله غير مستقبليها بالحاء لانهم حكوا عن ابى حنيفة انه لا يجوز ترك الاستقبال (الثالثة) إذا لم يتمكنوا من اتمام الركوع والسجود اقتصروا على الايماء بهما وجعلوا السجود أحفض من الركوع ولا يجب علي الماشي استقبال القبلة في الركوع والسجود ولا عند التحرم ولا وضع الجبهة علي الارض فانه تعرض للهلاك بخلاف ما ذكرنا في المتنفل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 646 ماشيا في السفر (الرابع) يجب عليهم الاحتراز عن الصياح فانه لا حاجة إليه قال الامام بل الكمى المقنع السكوت اهيب في نفوس الاقران ولا بأس بالاعمال القليلة فانها محتملة من غير خوف فعند الخوف أولى وأما الاعمال الكثيرة كالطعنات والضربات المتوالية فهي مبطلة ان لم يكن محتاجا إليها وان كان محتاجا إليها فوجهان (احدهما) انها مبطلة وقد حكاه العراقيون وغيرهم عن ظاهر نصه في الام لان الآية وردت في المشى والركوب وانضم ترك الاستقبال إليه فيما ورد من التفسير فما جاوز ذلك يبقى علي المنع (والثاني) وبه قال ابن سريج انها غير مبطلة لمكان الحاجة كالمشى وترك الاستقبال وتوسط بعض الاصحاب بين الوجهين فقال يحتمل في اشخاص لان الضربة الواحدة لا تدفع عن المضروب فيحتاج الي التوالي لكثرتهم ولا تحتمل في الشخص الواحد لندرة الحاجة الي توالي الضربات فيه وايراد الكتاب يشعر بترجيح هذا الوجه المتوسط لكن الاكثرين رجحوا الوجه المنسوب إلي ابن سريج وقطع به القفال فيما حكاه الروياني ومنهم من عبر عن الوجوه بالاقوال وكذلك فعل في الوسيط (وقوله) من غير حاجة تقييد لموالاة الضرب دون الصيحة ولاحتراز عنها واجب بكل حال وليست هي من ضروريات القتال هكذا ذكر الائمة (وقوله) فيحتمل وكذا قوله وقيل لا يحتمل يجوز ان يعلما بالحاء لان الصيدلاني حكي عن أبي حنيفة أنه يجوز فيها العمل الكثير (الخامسة) لو تلطخ سلاحه بالدم فينبغي ان يلقيه أو يجعله في قرابه تحت ركابه ان احتمل الحال ذلك وان احتاج إلي امساكه فله الامساك ثم هل يقضي حكى امام الحرمين عن الاصحاب أنه يقضى لندور العذر ثم منعه وقال تلطخ السلاح بالدم من الاعذار العامة في حق المقاتل ولا سبيل الي تكليفه تنحية السلاح فتلك النجاسة ضرورية في حقه كنجاسة المستحاضة في حقها ثم جعل المسألة على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 647 قولين مرتبين على القولين فيما إذا صلي في حصن أو موضع آخر نجس وهذه الصورة أولي بنفي القضاء لالحاق الشرع القتال بسائر مسقطات القضاء في سائر المحتملات كالاستدبار والايماء بالركوع والسجود فليكن أمر النجاسة كذلك ويتبين بما ذكرنا انه لم جعل الاقيس نفى القضاء والاشهر وجوبه ويجوز اقامة الصلاة عند شدة الخوف بالجماعة خلافا لابي حنيفة ومقام صلاة العيدين والخسوفين في شدة الخوف الانهما بعرض الفوات ولا تقام صلاة الاستسقاء * قال (ثم هذه الصلاة تقام في كل قتال مباح ولو في الذب عن المال وكذا في الهزيمة المباحة عن الكفار ولا تقام في اتباع اقفية الكفار عند انهزامهم ويقيمها الهارب من الحرق والغرق والسبع والمطالب بالدين إذا أعسر وعجز عن البينة والمحرم إذا خاف فوات الوقوف قبل يصلى مسرعا في مشيه وقيل لا يجوز ذلك) * مقصود الفصل الكلام فيما يرخص في هذه الصلاة إذ لا شك في انها غير جائزة عند الامن والسلامة وفيه صور (أحداها) تجوز هذه الصلاة في كل ما ليس بمعصية من أنواع القتال دون ما هو معصية لان الرخص لا تناط بالمعاصى فيجوز في قتال الكفار ولاهل العدل في قتال اهل البغي وللرفقة في مال قطاع الطريق ولا يجوز لاهل البغي والقطاع ولو قصد نفس رجل أو حريمه أو نفس غيره أو حرمه فاشتغل بالدفع كان له ان يصلي هذه الصلاة في الدفع ولو قصد اتلاف ماله نظر ان كان حيوانا فكذلك الحكم والا فقولان (أحدهما) لا يجوز لان الاصل المحافظة علي أركان الصلاة وشرائطها خالفناه فيما عدا المال لانه أعظم حرمة (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يجوز لان الذب بالقتال عن المال جائز كالذب عن النفس قال صلي الله عليه وسلم " من قتل دون ماله فهو شهيد " (الثانية) لو ولوا ظهورهم عن الكفار منهزمين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 648 نظر ان كان يحل لهم ذلك بان يكون في مقاتلة كل مسلم اكثر من كافرين فلهم أن يصلوا صلاة شدة الخوف لتعرضهم للهلاك لو أتوا بالصلاة علي الكمال وان لم يحل كما إذا كان في مقابلة كل مسلم كافران فليس لهم ذلك لانهم عاصون بالانهزام والرخص لا تناط بالمعاصى فان كان فيهم متحرف لقتال أو متحيز إلى فئة فله الترخص لجواز الانهزام له ولو انهزم الكفار واتبع المسلمون اقفيتهم ولو اكملوا الصلاة وثبتوا لفاتهم العدو فليس لهم صلاة شدة الخوف لانهم لا يخافون محذورا بل غاية الامر فوات مطلوب والرخص لا يتعدى بها مواضعها فلو خافوا كمينا أو كرة كان لهم ان يصلوها (الثالثة) الرخصة في الباب لا تتعلق بخصوص القتال بل تتعلق بعموم الخوف فلو هرب من حريق يغشاه أو من سيل منحدر إلي موضعه ولم يجد في عرض الوادي ما يقدر علي اللبث فيه والصعود فغدا في طوله أو هرب من سبع قصده فله أن يصليها لانه خائف من الهلاك والمديون المعسر إذا عجز عن بينة الاعسار ولم يصدقه المستحق ولو ظفر به لحبسه كان له أن يصليها هاربا دفعا لضرر الحبس ويجوز ان يعلم قوله والمطالب بالدين بالواو لان الحناطى حكي عن الامام انه لو طلب رجل لا ليقتل لكن ليحبس أو يؤخذ منه شئ لا يصلي صلاة الخوف وغاية المحذور ههنا هو الحبس ولو كان عليه قصاص يرجو العفو عنه إذا سكن الغليل وانطفأ الغضب فقد جوز الاصحاب ان له ان يهرب وقالوا له أن يصلي صلاة شدة الخوف في هربه واستبعد الامام جواز الهرب من المستحق بهذا التوقع (الرابعة) المحرم إذا ضاق وقت وقوفه بعرفة وخاف فوت الحج لو صلى متمكنا ما الذى يفعل حكي الشيخ أبو محمد عن القفال فيه وجهان (أحدهما) أنه يؤخر الصلاة فان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 649 قضاءها هين وأمر الحج خطير وقضاؤه عسير (والثانى) أنه يقيمها كما تقدم في شدة الخوف ويحتمل فيها العذر لان الحج في حق المحرم كالشئ الحاصل والفوات طارئ عليه فاشبه ما لو خاف هلاك مال حاصل لو لم يهرب ولان الضرر الذى يلحقه بفوات الحج لا ينقص عن ضرر الحبس أياما في حق المديون (والثالث) أنه تلزمه الصلاة على سبيل التمكن والاستقرار لان الصلاة تلو الايمان ولا سبيل إلى اخلاء الوقت عنها لعظم حرمتها ولا سبيل الي اقامتها كما تقام في شدة الخوف لانه لا يخاف فوت حاصل ههنا فاشبه فوت العدو عند انهزامهم ويشبه أن يكون هذا الوجه أوفق لكلام الائمة والله أعلم وقوله قيل يصلى مسرعا في مشيه هو الوجه الثاني وقوله وقيل لا يجوز ذلك يمكن ادراج الاول والثالث فيه * قال (ولو رأى سوادا فظنه عدوا ففي وجوب القضاء قولان ومهما فاجأه في أثناء صلاته خوف فبادر الي الركوب وكان يقدر علي اتمام الصلاة راجلا فأخذ بالحزم لم يصح بناء الصلاة ولو انقطع الخوف فنزل واتم الصلاة صح وإذا أرهقه الخوف فركب وقل فعله جاز البناء ولو كثر الفعل مع الحاجة فوجهان كما في الضربات المتوالية) * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 650 في الفصل مسألتان (احداهما) لو رأوا سوادا أو ابلا أو اشجارا فظنوها عدوا فصلوا صلاة شدة الخوف ثم تبين الحال ففي وجوب القضاء قولان (اصحهما) وهو قوله في الام وبه قال أبو حنيفة أنه يجب لانه ترك في صلاته فروضا بسبب هو مخطي فيه فيقضى كما لو اخطأ في الطهارة (والثاني) نقله المزني عن الاملاء انه لا يجب لقيام الخوف عند الصلاة وهو أصح عند صاحب المهذب والجمهور علي ترجيح الاول ثم اختلفوا في محل القولين فمنهم من قال القولان فيما إذا كانوا في دار الحرب لغلبة الخوف والعدو فيها فاما إذا كانوا في دار الاسلام وجب القضاء لا محالة وحكى هذا الفرق صاحب التهذيب عن نصه في القديم وأصحاب هاتين الطريقتين نسبوا المزني إلي السهو فيما أطلقه عن الاملاء وادعت كل فرقة أنه إنما نفى الاعادة في الاملاء بالشرط المذكور ومن الاصحاب من عمم القولين في الاحوال وهذا أظهر وهو الموافق لمطلق لفظ الكتاب ويجوز أن يعلم قوله قولان بالواو إشارة الي الطريقتين الاولتين ولو تحققوا العدو فصلوا صلاة شدة الخوف ثم بان أنه كان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 651 دونهم حائل من خندق أو نار أو ماء أو بان أنه كان بقربهم حصن يمكنهم التحصن به أو ظنوا أن بازاء كل مسلم اكثر من مشركين فصلوها منهزمين ثم بان خلافه فحيث أجرينا القولين في الصورة السابقة نجريهما أيضا في هذه الصورة ونظائرها ومنهم من قطع بوجوب القضاء ههنا لانهم قصروا بترك البحث عما بين أيديهم قال في التهذيب ولو صلوا في هذه الاحوال صلاة عسفان اطرد القولان ولو صلوا صلاة ذات الرقاع فان جوزناها في حال الامن فههنا أولي والاجرى القولان (الثانية) لو كان يصلي متمكنا علي الارض متوجها الي القبلة فحدث خوف في أثناء صلاته فركب نص الشافعي رضي الله عنه علي انه تبطل صلاته وعليه أن يستأنف ونقل عن نصه في موضع آخر انه يبنى على صلاته واختلفوا فيهما علي طريقتين حكاهما أصحابنا العراقيون (احدهما) ان المسألة على قولين (احدهما) ان الركوب يبطل الصلاة لانه عمل كثير (والثاني) لا يبطلها لان العمل الكثير بعذر شدة الخوف لا يقدح (واظهرهما) وبه قال ابن سريج وابو اسحق ان النصين محمولان علي حالين حيث قال يستأنف الصلاة أراد ما لم يكن مضطرا إلى الركوب وكان يقدر على القتال واتمام الصلاة راجلا فركب احتياطا وأخذا بالحزم وحيث قال يبنى اراد ما إذا صار مضطرا الي الركوب ثم قال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 652 هؤلاء إذا قل فعله في الركوب لحذقه بنى بلا خلاف وان كثر فعله ففيه الوجهان المذكوران في العمل الكثير للحاجة والمذكور في الكتاب هو الطريق الثاني فقوله ومهما فاجأه في أثناء الصلاة خوف عبارة عن الحالة الاولي وقوله وان ارهقه الخوف فركب عبارة عن الحالة الثانية وحينئذ لا يخفي ان قوله لم يصح بناء الصلاة وقوله جاز البناء ينبغى ان يعلما بالواو اشارة إلى الطريقة الاولى وقد أدخل بين الكلامين صورة وهى عكس هذه المسألة وهى أنه لو كان يصلي راكبا في شدة الخوف فانقطع الخوف نص الشافعي رضى الله عنه علي أنه ينزل ويبني علي صلاته وفرق بينه وبين الركوب على قوله بانه إذا ركب استأنف بان قال النزول اخف وأقل عملا من الركوب واعترض المزني عليه بأن هذا لا ينضبط وقد يكون الفارس أخف ركوبا وأقل شغلا لفروسيته من نزول ثقيل غير فارس واختلف الاصحاب في الجواز بحسب اختلافهم في الركوب فمن أثبت الخلاف في الركوب علي الاطلاق فرق بين الركوب علي أحد القولين وبين النزول بان قال نزول كل فارس اخف من ركوبه وإن امكن أن يكون أثقل من ركوب فارس آخر ومن نزل النصين في الركوب علي الحالين المذكورين قال لا فرق بين الركوب والنزول ان حصلا بفعل قليل بني وان كثر الفعل فوجهان وتبين من هذا الحاجة إلى أعلام قوله فنزول واتم الصلاة صح بالواو لانه مطلق وفى الصحة عند كثرة الفعل اختلاف وذكر صاحب الشامل وغيره أنه يشترط في بناء النازل أن لا يستدبر القبلة في نزوله فان استدبر بطلت صلاته والله اعلم * قال (ويجوز لبس الحرير وجلد الكلب والخنزير عند مفاجأة القتال ولا يجوز في حالة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 653 الاختيار بخلاف الثياب النجسة ويجوز تسميد الارض بالزبل لعموم الحاجة وفى لبس جلد الشاة الميتة وتجليل الخيل بجل من جلد الكلب وجهان وفى الاستصباح بالزيت النجس قولان) * ختم الشافعي رضي الله عنه صلاة الخوف بباب فيما له لبسه وفيما ليس له فاقتدى الاكثرون من الاصحاب به وأوردوا احكام الملابس في هذا الموضع ومنهم من أوردها في صلاة العيد لانا نستحب التزين يوم العيد فتكلموا في التزين الجائز والذى لا يجوز وصاحب الكتاب أورد بعضها ههنا في صلاة العيد والمذكور ههنا يشتمل علي مسألتين (أحداهما) سنذكر أن لبس الحرير حرام علي الرجال لكن يجوز لبسه في حالة مفاجأة القتال إذا لم يجد غيره وذلك في حكم الضرورة وكذلك يجوز ان يلبس منه ما هو جنة القتال كالديباج الصفيق الذى لا يقوم غيره مقامه وجوز القاضي ابن كج اتخاذ القباء ونحوه مما يصلح في الحرب من الحرير ولبسه فيها علي الاطلاق لما فيه من حسن الهيئة وزينة الاسلام لينكسر قلب الكفار منه كتحلية السيف ونحوه والمشهور الاول وقوله ولا يجوز في حالة الاختيار مطلق لكن احوالا يجوز فيهما لبس الحرير في حال الاختيار مستثناة عنه على ما سيأتي في صلاة العيد الثانية للشافعي رضى الله عنه نصوص مختلفة في جواز استعمال الاعيان النجسة وحكى صاحب التهذيب وغيره فيها طريقتين منهم من طرد قولين في وجوه الاستعمال كلها (أحدها) المنع لقوله تعالي (والرجز فاهجر) (والثانى) يجوز كما يجوز لبس ثوب أصابه نجاسة ومنهم من فصل وقال لا يجوز استعمال النجاسات في البدن والثوب الا لضرورة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 654 وفى غيرها يجوز ان كانت النجاسة مخففة وان كانت مغلظة وهى نجاسة الكلب والخنزير فلا ونزلوا النصوص علي هذا التفصيل وهذا أظهر وبه قال أبو بكر الفارسى والقفال واصحابه والفرق بين استعمالها في البدن والثوب وغيرهما ما ذكره الشافعي رضى الله عنه وهو أن علي الانسان تعبدا في اجتناب النجاسات لاقامة الصلوات وسائر العبادات ولا تعبد علي الفرس والاداة وغيرهما فلا يمنع من استعمالها فيها والفرق بين نجاسة الكلب والخنزير وسائر النجاسات غلظ حكمها ولذلك لا يجوز الانتفاع بالخنزير في حياته أصلا وبالكلب أيضا إلا في اغراض مخصوصة فاولي أن لا يجوز الانتفاع بهما بعد الموت إذا تقرر ذلك فنقول: لا يجوز له لبس جلد الكلب والخنزير في حالة الاختيار بخلاف الثياب النجسة يجوز لبسها والانتفاع بها في غير الصلاة ونحوها لان نجاستها عارضة سهلة الازالة فان فاجأه قتال ولم يجد سواه أو خاف علي نفسه من حر أو برد كان له أن يلبس جلد الكلب والخنزير كما له أكل الميتة عند الاضطرار ولا بأس لو أعلم قوله ولا يجوز في حالة الاختيار بالواو إشارة إلي الطريقة الطاردة للقولين في وجوه الاستعمال في جميع النجاسات وهل يجوز لبس جلد الشاة الميتة وسائر الميتات في حالة الاختيار فيه وجهان بنوهما علي ان حكمنا بتحريم لبس جلد الكلب والخنزير لنجاسة العين أم لما خصا به من التغليظ (واظهر) الوجهين المنع ويجوز أن يلبس هذه الجلود فرسه واداته والمنع في البدن وجلد الكلب والخنزير كما لا يستعمل في البدن لا يستعمل في غيره نعم لو جلل كلبا أو خنزيرا بجلد كلب أو خنزير فهل يجوز ذلك فيه وجهان (أحدهما) لا فانه المستعمل ولا ضرورة (واظهرهما) الجواز لاستوائهما في تغلظ النجاسات وأما تسميد الارض بالزبل فهو جائز قال الامام ولم يمنع منه للحاجة الحاقه القريبة من الضرورة وقد نقله الاثبات عن اصحاب النبي صلي الله عليه وسلم وفى كلام الصيدلاني ما يقتضي من استعمالها فيها والفرق بين نجاسة الكلب والخنزير وسائر النجاسات غلظ حكمها ولذلك لا يجوز الانتفاع بالخنزير في حياته أصلا وبالكلب أيضا إلا في اغراض مخصوصة فاولي أن لا يجوز الانتفاع بهما بعد الموت إذا تقرر ذلك فنقول: لا يجوز له لبس جلد الكلب والخنزير في حالة الاختيار بخلاف الثياب النجسة يجوز لبسها والانتفاع بها في غير الصلاة ونحوها لان نجاستها عارضة سهلة الازالة فان فاجأه قتال ولم يجد سواه أو خاف علي نفسه من حر أو برد كان له أن يلبس جلد الكلب والخنزير كما له أكل الميتة عند الاضطرار ولا بأس لو أعلم قوله ولا يجوز في حالة الاختيار بالواو إشارة إلي الطريقة الطاردة للقولين في وجوه الاستعمال في جميع النجاسات وهل يجوز لبس جلد الشاة الميتة وسائر الميتات في حالة الاختيار فيه وجهان بنوهما علي ان حكمنا بتحريم لبس جلد الكلب والخنزير لنجاسة العين أم لما خصا به من التغليظ (واظهر) الوجهين المنع ويجوز أن يلبس هذه الجلود فرسه واداته والمنع في البدن وجلد الكلب والخنزير كما لا يستعمل في البدن لا يستعمل في غيره نعم لو جلل كلبا أو خنزيرا بجلد كلب أو خنزير فهل يجوز ذلك فيه وجهان (أحدهما) لا فانه المستعمل ولا ضرورة (واظهرهما) الجواز لاستوائهما في تغلظ النجاسات وأما تسميد الارض بالزبل فهو جائز قال الامام ولم يمنع منه للحاجة الحاقه القريبة من الضرورة وقد نقله الاثبات عن اصحاب النبي صلي الله عليه وسلم وفى كلام الصيدلاني ما يقتضي اثبات خلاف فيه والله اعلم وهل يجوز الاستصباح بالزيت النجس فيه قولان (احدهما) لا لان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 655 السراج قد يقرب من الانسان ويصيب الدخان بدنه وثيابه (وأظهرهما) نعم لما روى أنه صلي الله عليه وسلم " سئل عن الفأرة تقع في السمن والودك فقال استصبحوا به ولا تأكلوه " وأما الدخان فقد لا يصيب وبتقدير أن يصيب فللاصحاب وجهان في نجاسته فان لم نحكم بنجاسته فلا بأس به الجزء: 4 ¦ الصفحة: 656 كبخار المعدة لا ينجس الفم وان حكمنا بنجاسته وهو الاظهر كالرماد فقليله معفو عنه والذى يصيب في الاستصباح قليل لا ينجس غالبا (واعلم) انه لا فرق للاستصباح بين ان ينجس بعارض وبين أن يكون نجس العين كودك الميتة ويطرد القولان في الحالتين قاله صاحب النهاية وغيره * الجزء: 4 ¦ الصفحة: 657 فتح العزيز - عبد الكريم الرافعي ج 5 فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 5 الجزء: 5 فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ..الجزء الخامس دار الفكر بسم الله الرحمن الرحيم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1 قال * (كتاب صلاة العيدين) * (وهى سنة وليست بفرض كفاية وأقلها ركعتان كسائر الصلوات ووقتها ما بين طلوع الشمس إلى روالها ولا يشترط فيها شروط الجمعة في الجديد) قال الله تعالي (فصل لربك وانحر) قيل اراد به صلاة الاضحى ويروى ان اول عيد صلى فيه رسول الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2 الله صلي الله عليه وسلم عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة ثم لم يزل يواظب علي صلاة العيدين حتى فارق الدنيا) وفي الفصل صور هي مقدمات الباب (أحداها) صلاة العيد سنة أم فرض كفاية اختلفوا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3 فيه علي وجهين قال الاكثرون هي سنة وقد نص عليه في باب صلاة التطوع حيث عدها من جملة التطوعات الني شرعت الجماعة فيها واحتجوا عليه بانها صلاة ذات ركوع وسجود لم يسن لها الآذان فلا تكون واجبة كصلاة الاستسقاء وهذا الوجه هو الذى ذكره في الكتاب وقال الاصطخرى هي فرض كفاية وبه قال احمد لانها من شعار الاسلام وفي تركها تهاون بالدين فعلي هذا لو اتفق أهل بلدة علي تركها قوتلوا وعلي الوجه الاول هل يقاتلون فيه وجهان (احدهما) وبه قال أبو اسحاق نعم (واظهرهما) لا وقد ذكرنا وجههما في الآذان وقوله هي سنة معلم بالواو والالف وكذا قوله وليست بفرض كفاية ولو اقتصر على احدى الفظتين لحصل الغرض ويجوز ان يعلم قوله وهي سنة بالحاء ايضا لان عند ابى حنيفة رحمه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4 الله هي واجبة وان لم تكن مفروضة وما نقل المزني عن الشافعي رضى الله عنه أن من وجب عليه حضور الجمعة وجب عليه حضور العيدين فهذه اللفظة مأولة باتفاق الاصحاب اما الجمهور فقالوا معناه من وجب عليه حضور الجمعة فرضا وجب عليه حضور العيدين سنة وقد يعبر عن الاستحباب المؤكد بالوجوب واما الا صطخرى فانه قال معناه من وجب عليه حضور الجمعة عينا وجب عليه حضور العيدين كفاية (الثانية) القول في كيفية هذه الصلاة تعلق بالاكمل والاقل * فاما الاكمل فتبين ببيان سننها وهى مذكورة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 من بعد * واما الاقل فقد قال وأقلها ركعتان كسائر الصلوات وليس المراد منه ان الاكمل فوق الركعتين وانما المراد منه ان الركعتين بصفة كونها كسائر الصلوات هو الاقل والاكمل ركعتان لا بهذه الصفة بل مع خواص شرعت فيهما ثم قوله كسائر الصلوات غير مجرى على اطلاقه فانها تختص بنية صلاة العيد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 وبالوقت الذى نذكره وانما المراد أنها كهي في الافعال والاركان ويخرج عنه التكبيرات الزائدة فليست هي من اركان الصلاة ولا يجبر تركها بالسجود كالتعوذ وقراءة السورة (الثالثة) لفظ الكتاب يقتضي دخول وقت هذه الصلاة بطلوع الشمس فانه قال ووقتها ما بين طلوع الشمس الي زوالها وصرح بذلك كثير من الاصحاب منهم صاحب الشامل والمهذب والقاضى الروياني قالوا ان وقتها إذا طلعت الشمس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 ويستحب تأخيرها إلى ان ترتفع قيد رمح وايراد جماعة يقتضى دخول الوقف بالا رتفاع قيد رمح منهم الصيد لانى وصاحب التهذيب والله اعلم * ولا خلاف في انه إذا زالت الشمس خرج وقتها * واحتجوا عليه بان سنى المواقيت علي انه إذا دخل وقت صلاة خرج وقت التى قبلها وبالزوال يدخل وقت الظهر فيخرج وقت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 صلاة العيد (الرابعة) قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر وسائر الكتب الجديدة يجوز للمنفرد في بيته وللمسافر والمرأة والعبد صلاة العيد وقال في القديم لا يصلي العيد الا في الموضع الذى يصلى فيه الجمعة فظاهره يقتضي أن لا يصلي هؤلاء العيد كما لا يصلون الجمعة الا تبعا للقوم واختلف الا صحاب على طريقين (أحدهما) وهو المذكور في الكتاب أن المسألة على قولين (الجديد) أنه لا يشترط فيها بشروط الجمعة لانها نافلة فاشبهت صلاة الاستسقاء والخسوف (والقديم) يشترط وبه قال أبو حنيفة وكذلك احمد في رواية واستشهدوا بان النبي صلي الله عليه وسلم (لم يصل العيد بمنى لانه كان مسافرا كما لم يصل الجمعة) فعلى هذا تشترط الجماعة والعدد بصفات الكمال وغيرهما الا انه يستثنى اقامتها في خطة البلدة والقرية فلا يشترط ذلك علي هذا القول ايضا لتطابق الناس علي اقامتها بارزين كذلك ذكره الشيخ أبو حامد وكثيرون وعن الشيخ ابى محمد انه لا يستثنى ولا يجوز اقامتها علي هذا القول الا حيث تجوز الجمعة وهذا هو الموافق لظاهر لفظ الكتاب واستثنى بعضهم عدد الاربعين ايضا ويفترقان ايضا في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 ان خطبتي الجمعة مشروطتان قبل الصلاة وخطبتا العيد بعد الصلاة قال امام الحرمين ولو فرض اخلال بالخطبة فيبعد جدا في التفريع على هذا القول انعطاف البطلان على الصلاة هذا احد الطريقين (والثاني) وبه قال أبو اسحاق القطع بما ذكر في الجديد وحمل كلامه في القديم علي ان صلاة العيد لا تقام في مساجد المحال كصلاة الجمعة فيجوز أن يعلم لهذه الطريقة قوله على الجديد بالواو لانه اثبات للخلاف ومن قال بالطريقة الثانية نفى ذلك وقوله ولا يشترط معلم بالحاء والالف لما تقدم وإذا فرعنا علي الصحيح فإذا صلاها المنفرد لم يخطب وحكي الفاضى ابن كج وجها آخر انه يخطب وهو قريب من الخلاف في ان المنفرد هل يؤذن وان صلي مسافرون صلي بهم واحد وخطب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 قال (وإذا غربت الشمس ليلة العيد ين استحب التكبيرات المرسلة ثلاثا نسقا حيث كان في الطريق وغيرها إلى ان يتحرم الامام بالصلاة وفي استحبابها عقيب الصلوات الثلاث وجهان) * التكبير الذى يذكر في هذا الباب ضربان (احدهما) ما يشرع في الصلاة والخطبة وسيأتي في موضعه (والثاني) غيره والمسنون في صيغته أن يكبر ثلاثا نسقا وبه قال مالك خلافا لابي حنيفة واحمد حيث قالا يكبر مرتين وحكى صاحب التتمة قولا عن القديم مثل مذهبهما * لنا الرواية عن جابر وابن عباس رضى الله عنهم وأيضا فانه تكبير شرع شعارا للعيد فكان وترا كتكبير الصلاة ثم قال الشافعي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 رضى الله عنه وما زاد من ذكر الله محسن واستحسن في الام ان تكون زيادته ما نقل عن رسول الله صلي الله عليه وسلم انه قاله علي الصفا وهو (الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة واصيلا لا اله الا الله ولا نعبد الا اياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون لا اله الا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده لا اله الا الله والله اكبر) وحكي الصيدلانى وغيره عن القديم أنه يقول بعد الثلاث الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا الله اكبر على ما هدانا والحمد لله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 علي ما أبلانا وأولانا قال في الشامل والذى يقوله الناس لا بأس به أيضا وهو (الله اكبر الله اكبر) الله اكبر لا اله الا الله والله اكبر الله اكبر ولله الحمد ثم هدا الضرب (نوعان) مرسل ومقيد (فالمرسل) هو الذى لا يتقيد ببعض الاحوال بل يؤتي به في المنازل والمساجد والطرق ليلا ونهارا (والمقيد) هو الذى يؤتى به في أدبار الصلوات خاصة (فاما) التكبير المرسل فهو مشروع في العيدين خلافا لا بى حنيفة رحمه الله حيث قال في رواية لا يسن في عيد الفطر لنا ما روى (أن النبي صلي الله عليه وسلم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 وسلم كان يخرج يوم الفطر والاضحى رافعا صوته بالتهليل والتكبير حيث يأتي المصلي وأول وقته في العيدين جميعا غروب الشمس ليلة العيد وعن مالك واحمد انه لا يكبر ليلة العيد وانما يكبر في يومه * لنا قوله تعالى (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم) قال الشافعي سمعت من أرضى به من أهل العلم بالقرآن يقول (لتكملوا العدة) أي عدة صوم رمضان (ولتكبروا الله علي ما هداكم) أي عند اكمالها واكمالها بغروب الشمس آخر يوم من رمضان وفي آخر وقته طريقان (أظهرها) وبه قال ابن سريج وابو إسحاق أن المسألة علي ثلاثة أقوال (أصحها) وهو رواية البويطي واختيار المزني أنهم يكبرون الي أن يتحرم الامام بصلاة العيد لان الكلام يباح الي تلك الغاية والتكبير أولي ما يقع به الاشتغال به فانه ذكر الله تعالي وشعار اليوم (والثانى) إلى أن يخرج الامام الي الصلاة لانه إذا برز احتاج الناس إلى أن يأخذوا اهبة الصلاة ويشتغلوا بالقيام إليها ويحكي هذا عن الام (والثالث) الي أن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 يفرغ الامام من الصلاة لما روى (أنه صلى الله عليه وسلم كان يكبر في العيد حتى يأتي المصلي ويقضى الصلاة) وهذا القول منقول عن القديم وانما يحبئ في حق من الا يصلى مع الامام ونقله آخرون علي وجه آخر فقالوا إلى أن يقرغ من الصلاة والخطبتين جميعا وروى مثل ذلك عن مالك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 واحمد (والطريق الثاني) القطع بالقول الاول وتأويل غيره بحمل الخروج في القول الثاني على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 التحرم لما بينهما من التواصل والتقارب وحمل الكبير في الثالث علي جنس التكبير الذى يؤتى به في الصلاة وقبلها ولا فرق في التكبير المرسل بين عيد الفطر والاضحى برفع الناس أصواتهم به في الليلتين في المنازل والمساجد والطرق والاسواق سفرا كانوا أو حاضرين وفي اليومين في طريق المصلي وبالمصلي إلى الغاية المذكورة ويستثنى عن ذلك الحاج فلا يكبر ليلة الاضحى وانما ذكره التلبية وحكى القاضي الروياني وغيره قولين في أن التكبير ليلة الفطر آكد أم ليلة الاضحى وقالوا الجديد الاول والقديم الثاني وأما النوع الثاني وهو التكبير المقيد بادبار الصلاة فحكمه في عيد الاضحى مذكور بعد هذا الفصل في الكتاب (وأما) في عيد الفطر فوجهان (أظهر هما) عند الاكثرين ولم يذكر في التهذيب سواه انه لا يستحب لانه لم ينقل ذلك عن فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا اصحابه (والثاني) يستحب لانه عيد استحب فيه الكببر المطلق فيسن فيه التكببر المقيد كلاضحى فعلى هذا يكبر عقيب ثلاث صلوات وهى المغرب والعشاء ليلة الفطر والصبح يوم الفطر وحكم الفوائت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 17 والنوافل في هذه المدة علي هذا الوجه تقاس بما سنذكره في عيد الاضحى وصاحب التتمة نقل هذا الخلاف قولين وجعل الجديد الاول والقديم الثاني هذا فقه الفصل ولا بأس بالتنصيص علي المواضع المستحقة للعلامات من لفظ الكتاب (فقوله) إذا غربت الشمس معلم بالميم والالف اشارة الي أنه لا تكبير عندهما إذا غربت الشمس وانما التكبير بالنهار (وقوله) ليلة العيد بالحاء لانه مطلق وقد حكينا خلافه في التكبير في عيد الفطر (وقوله) ثلاثا نسقا بالحاء والالف والواو وقوله الي ان يتحرم الامام بالصلاة بالميم والالف والواو ثم يجوز أن يكون هو جوابا علي أصح الاقوال علي الطريقة الاولي ويجوز أن يكون ذهابا الي الطريقة الثانية وكلامه في الوسيط إليها أميل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 قال (ويستحب أحياء ليلي العيد لقوله صلي الله عليه وسلم (من أحى ليلتي العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 أحياء ليلتى العيد بالعبادة محثوث عليه للحديث الذى رواه قال الصيدلانى وقد قيل لم يرد فيه شئ من الفضائل مثل هذا لان موت القلب اما للكفر في الدنيا واما للفزع في القيامة وما اضيف الي القلب فهو أعظم لقوله تعالى جده (فانه آثم قلبه) والله اعلم * قال (ويستحب الغسل بعد طلوع الفجر وفي اجزائه ليلة العيد لحاجة أهل السواد وجهان) * روى عن النبي صلي الله عليه وسلم انه (كان يغتسل للعيدين) وأيضا فهما يومان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 يجتمع فيها الكافة للصلاة فسن لهما الغسل كالجمعة ولا خلاف في أجزائه بعد الفجر وأما قبله فقد حكي الجمهور فيه قولين (أحدهما) لا يجزئ كغسل الجمعة وبه قال احمد (وأصحهما) وهو نصه في البويطي أنه يجزئ لان أهل السواد يبتكرون إليها من قراهم فلو لم يجز الغسل قبل الفجر لعسر الامر عليهم والفرق بينه وبين غسل الجمعة قد ذكرناه في باب الجمعة والصيد لانى في آخرين حكوا الخلاف في المسألة وجهين وتابعهم صاحب الكتاب وقد أورد هذه المسألة في كتاب الجمعة مرة وزاد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 ههنا التنبيه علي وجه الجواز وإذا جوزنا فهل يختص بالنصف الثاني من الليل كاذان الصبح أم يجوز في جميع الليل كنية الصوم عن القاضى أبى الطيب أنه يختص بالنصف الثاني وهذا ما ذكره في المهذب وقال الامام المحفوظ أن جميع ليلة العيد وقت له وهذا أبداه صاحب الشامل علي سبيل الاحتمال وهو الموافق للفط الكتاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 قال (ثم التطيب والتزين بثياب بيض مستحب للقاعد والخارج من الرجال والنساء وأما العجائز فيخرجن في بذلة الثياب) * يستحب التطيب يوم العيد لما روى عن الحسن بن علي كرم الله وجههما قال (أمرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن نتطيب بأجود ما نجده في العيد) وكذلك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 يستحب التنظف بحلق الشعر وقلم الاظفار وقطع الروائح الكريهة وأن يلبس أحسن ما يجده من الثياب ويتعمم والبيض في الثياب أحب من غيرها وان لم يجد الا ثوبا واحدا فيستحب أن يغسله للجمعة وللعيدين ويستوى في استحباب جميع ذلك القاعد في بيته والخارج إلى الصلاة العيد كما ذكرناه في الغسل هذا في حق الرجال * وأما النساء فيكره لذوات الهيئة والجمال الحضور الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 لخوف الفتنة بهن ويستحب للعجائز الحضور ويتنظفن بالماء ولا يتطيبن روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (لا تمنعوا اماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات) أي غير متطيبات وكذلك إذا خرجن فلا يلبسن من الثياب ما يشهرهن بل يخرجن في بذلتهن وعن ابى حنيفة رحمه الله أن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 النساء لا يشهدن العيدين ولا المكتوبات الا الصبح والعشاء فليكن قوله فيخرجن معلما بالحاء وذكر الصيدلانى أن الرخصة في خروجهن وردت في ذلك الوقت فاما اليوم فيكره لهن الخروج إلى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 مجمع المسلمين لان الناس قد تغيروا وروي هذا المعنى عن عاشة رضى الله عنها وهذا يقتضى اعلام قوله فيخرجن بالواو أيضا * قال (ويحرم علي الرجال التزين بالحرير والمركب من الابريسم وغيره حرام ان كان الابريسم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 ظاهرا وغالبا في الوزن فان وجد احد المعنين دون الثاني فوجهان ولا بأس بالمطرف بالديباج وبالمطرز وبالمحشو بالابريسم فان كانت البطانة من حرير لم يجز وفي جواز افتراش الحرير للنساء خلاف وفي جواز لبس الديباج للصبيان خلاف ويجوز للغازي لبس الحرير وكذا للمسافر لخوف القمل والحكة وهل يجوز بمجرد الحكة فيه في الحضر وجهان) * والتزين بالديباج والحرير حرام على الرجال دون النساء لما روى عن علي رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم وآله و (خرج يوما وفى يمينه قطعة حرير وفي شماله قطعة ذهب فقال هذان حرامان علي ذكور أمتى حل لاناثها) ويحرم علي الخنثي أيضا لاحتمال كونه رجلا حكاه في البيان ويجوز ان ينازع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 فيه وعد الائمة القز من الحرير وحرموه على الرجال وان كان كمد اللون وادعي صاحب النهاية وفاق الاصحاب فيه لكن في بحر المذهب والتتمة حكاية وجه انه لا يحرم لانه ليس من ثياب الزينة ثم في الفصل مسائل (احداها) لو لم يتمحض الثوب حريرا بل كان مركبا من الابريسم وغيره ففيه طريقان قال جمهور الاصحاب ان كان ذلك الغير أكثير في الوزن لم يحرم لبسه وذلك كالخز سداه الابريسم ولحمته صوف فان اللحمة اكثر من السدى وان كان الابريسم اكثر يحرم وان كانا نصفين فهل يحرم وجهان (أصحهما) لا يحرم لانه لا يسمى ثوب حرير والاصل الحل (والثاني) وبه قال صاحب الحاوى يحرم تغليبا للتحريم (والطريق الثاني) وبه قال القفال وطائفة من أصحابه لا ننظر الي الكثرة والقلة ولكن ننظر الي الظهور فان لم يظهر الابريسم حل كالخز الذى سداه ابريسم وهو لا يظهر وان ظهر الا بريسم لم يحل وان كان قدره في الوزن اقل فيخرج من هاتين الطريقتين القطع بالتحريم ان كان الابريسم ظاهرا وغالبا في الوزن كما ذكر في الكتاب لاجتماع المعنيين المنظور اليهما وان وجد الظهور دون غلبة الوزن حرم عند القفال ولم يحرم عند الجمهور وان وجد غلبة الوزن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 29 دون الظهور انعكس المذهبان (الثانية) يجوز لبس الثياب المطرفة بالديباج والمطرزة به لما روى انه صلي الله عليه وسلم (كان له جبة مكفوفة الجيب والكمين والفرجين بالديباج) قال الشيخ أبو محمد وغيره الشرط فيه الاقتصار على عادة التطريف فان جوز العادة فيه كان سرفا محرما والترقيع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 بالديباج كالتطريز به وشرط في التهذيب ان يكون الطراز بقدر اربع اصابع فما دونها فان زاد لم يجز ويدل عليه ما روى عن علي رضى الله عنه قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحرير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 إلا في موضع اصبع أو اصبعين أو ثلاث أو اربع) ولو خاط ثوبا بابريسم جاز لبسه ويفارق الذهب يحرم كثيره وقليله في الدرع المنسوجة بالذهب والقباء بازرار الذهب لان الخيلاء فيه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 اكثر وكل احد يعرفه ولا يخرج على التفصيل في الاناء المضبب فان امر الحرير اهون من امر الاواني الا ترى انه يحرم علي النساء الا واني ولا يحرم عليهن لبس الحرير والقباء المحشو بالابريسم أو القز لا يحرم حكي ذلك عن نصه في الام لان الحشو ليس ثوبا منسوجا ولا يعد صاحبه لا بس حرير واثبت في التهذيب خلافا فيه فقال ولو لبس جبة محشوة بالقز أو الابريسم جاز على الاصح فليكن قوله وبالمحشو بالابريسم معلما بالواو لذلك ولو كانت بطانة الجبة من حرير لم يجز لبسها لانه لا بس حرير وقد روى انه صلي الله عليه وسلم قال (احرم لباس الحرير والذهب على ذكور امتى) قال امام الحرمين وكأن معنى الفخر والخيلاء وان كان مرعيا في الحرير ولكن فيه شئ آخر وهو انه ثوب رفاهية وزينة وابداء زى يليق بالنساء دون شهامة الرجال وهذا حسن الا أن هذا القدر لا يقتضى التحريم عند الشافعي رضى الله عنه لانه قال في الام ولا اكره لبس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 اللؤلؤ الا للادب فانه من زى النساء لا للتحريم (الثالثة) تحريم الحرير على الرجال لا يختص باللبس بل اقتراشه والتدثر به واتخاذه سترا وسائر وجوه الاستعمال في معنى اللبس خلافا لابي حنيفة حيت قال لا يحرم الا للبس ولا بي الفضل العراقي من اصحابنا حيث قال فيما حكاه أبو العاصم العبادي انه يجوز لهم الجلوس عليه لناما روى عن حذيقة رضي الله عنه (نهانا رسول الله صلي الله عليه وسلم وسلم عن لبس الحرير والديباج وان نجلس عليه) ولان السرف والخيلاء في سائر وجوه الاستعمال اظهر منه في اللبس فيكون بالتحريم اولى وهل يحرم افتراش الحرير على النساء فيه وجهان (احدهما) لا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 كاللبس و (اظهرها) ولم يورد في التهذيب سواه نعم كاستعمال الا وانى للسرف والخيلاء بخلاف اللبس فانه للزينة فصار كالتحلي (الرابعة) هل للقوم الباس الصبيان الحرير ام لا فيه وجهان (احد هما) لا لتغليظ ورد فيه عن عمر رضى الله عنه بل عليهم ان يمنعوهم من لبسه (والثاني) نعم لان ثوب الحرير لائق بحال الصبيان إذ ليس لهم شهامة تناقضها وحكى في البيان وجها ثالثا وهو الفرق بين أن يكون دون سبع سنين فلا يمنع منه وبين ان يكون له سبع سنين فصاعدا فيمنع منه كيلا يعتاده وهذا الوجه اظهر ولم يذكر في التهذيب سواه (الخامسة) حيث قلنا بتحريم لبس الحرير فذلك عند عدم الضرورة والحاجة فاما عند الضرورة فلا بأس بلبسه كما إذا فاجأه القتال ولم يجد غيره وهذا قد سبق ذكره في صلاة الخوف وقوله ويجوز للغازي لبس الحيرير محمول علي هذه الحالة وليس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 الغزو عذرا على الاطلاق فهو اذن مكرر ومن الضرورة لبسه لحر أو برد مهلك واما الحاجة فهو أن يكون به جرب أو حكة فله لبس الحرير لذلك لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضى الله عنهما في لبس الحرير لحكة كانت بهما) وفي التنبيه حكاية وجه أنه لا يجوز والمشهور الاول وكذلك يجوز لبسه لدفع القمل لان في بعض الروايات أن ابن الزبير وعبد الرحمن رضي الله عنهما شكيا القمل في بعض الاسفار فرخص رسول الله صلى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 الله عليه وسلم لهما في لبس الحرير) وهل يشترط السفر في ذلك أم يجوز لمجرد الحكة في الحضر فيه وجهان أصحهما لا يشترط لاطلاق الخبر (والثانى) نعم لان السفر شاغل عن التفقد والمعالجة وفي الرواية الثانية ما يقتضي اعتباره في دفع القمل والله أعلم * قال (ثم إذا تزين فليقصد الصحراء ماشيا والصحراء أولا من المسجد الا بمكة وليكن الخروج في عيد الاضحى أسرع قليلا) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 لما تكلم في استحباب التزين لصلاة العيد اعترض النظر في التزين المباح والممنوع منه فعاد بعد الفراغ منه الي ترتيب السنن وقال ثم إذا تزين فليقصد الصحراء والفصل يتضمن أمورا (احدها) أن الخروج لصلاة العيد إلى الصحراء أولي أم اقامتها في المسجد الجامع فيه * أما بمكة فاقامتها في المسجد اولي لان الائمة كانوا يصلون صلاة العيد فيه والمعني فيه فضيلة البقعة ومشاهدة الكعبة وغيرهما وألحق الصيد لاني بيت المقدس به * واما سائر البلاد فينظر ان كان هناك عذر من مطر أو ثلج فاقامتها في المسجد أولي لما روى عن ابى هريرة رضي الله عنه قال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 (أصابنا مطر في يوم عيد فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السمجد) وان لم يكن عذر نظر ان كان المسجد ضيقا فالخروج إلى الصحراء أولي بل يكره اقامتها في المسجد لو قوع الناس في الزحام وعسر الامر عليهم وان كان المسجد واسعها ففيه وجهان حكهما الامام عن صاحب التقريب (أحدهما) وهو الموافق لمطلق لفظ الكتاب أن اقامتها في الصحراء أولى لان ذلك ارفق بالناس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 فان صلاة العيد يحضرها الداني والقاصى والفرسان والرجالة وكذلك يحضرها النساء الحيض ولا يتأتي لهن دخول المسجد (وأظهرهما) وهو الذى ذكره العراقيون وتابعهم صاحب التهذيب وغيره أن المسجد اولى لشرف المسجد وتسهيل الامر علي الناس عند سعته والحيض ان حضرن وقفن على باب المسجد وفي كلام الائمة ما يفهم بناء هذا التردد علي ان اقامتهم الصلاة بمكة كان لخصوص فضيلة المسجد الحرام أو لسعة الخطة فان قلنا بالثاني فالمسجد أولى في سائر البلاد أيضا وان قلنا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 بالاول فلا * ومهما خرج الامام إلى الصحراء فينبغي أن يستخلف في البلد من يصلى بضعفة الناس كالشيوخ والزمني والمرضي وهذا على الصحيح في أن صلاة العيد لا يشترط فيها شروط الجمعة فان شرطناها ولم نستثن؟ اقامتها خارج البلدة فلا معنى لهذا التفصيل والاختلاف ولا تقام في الصحراء أصلا وان استثنينا هذا الشرط عن الاعتبار امتنع استخلاف من يصلي بالضعفة ولم تقم الا في موضع واحد كالجمعة (والثانى) أن المستحب للساعي إلى صلاة العيد المشى دون الركوب لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (ما ركب في عيد ولا جنازة قط) فان عجز أو ضعف لكبر أو مرض فله أن يركب وأما في الرجوع فان شاء مشى وان شاء ركب والله أعلم (والثالث) أنه يستحب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 للامام أن يؤخر الخروج في عيد الفطر قليلا ويعجل في عيد الاضحى لما روى أنه صلي الله عليه وسلم (كتب الي عمرو بن حزم حين ولاه البحرين ان عجل الاضحي وآخر الفظر وذكر الناس) والمعنى فيه أن شغل الناس وهو امر الاضاحي يكون بععد الصلاة فالتعجيل أولى ليشتغلوا به وشغلهم يوم الفطر قبل الصلاة وهو تفريق صدقة الفطر فالتأخير أولي ليفرغوا عنه ويستحب للقوم أن يبتكروا إذا صلوا الصبح ليأخذوا مجالسهم وينتظروا الصلاة إذا عرفت ذلك ونظرت في قوله في الكتاب وليكن الخروج في عيد الاضحي أسرع قليلا وجدت نظم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 الكتاب يقتضي كون هذا الكلام في خروج القوم لانه عقبه بقوله ثم ليخرج الامام لكن الذى قاله الجمهور ودل عليه سياق النص في المختصر أن سنة القوم الابتكار بلا فرق بين العيدين وتعجيل الخروج وتأخيره محبوبان في حق الامام خاصة * قال (ثم ليخرج الامام وليتحرم بالصلاة في الحال والينادى (الصلاة جامعة) * السنة للامام أن لا يخرج الا بعد خروج القوم لثلا يحتاج الي انتظارهم فان انتظارهم اياه أليق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 من انتظاره اياهم وكما يحضر يشتغل بالصلاة لما روى أنه صلي لما روى أنه صلي الله عليه وسلم (كان يخرج في العيد الي المصلي ولا يبتدئ الا بالصلاة) ويكره للامام ان يتنفل قبلها أو بعدها * روي أن النبي صلي الله عليه وسلم (صلي ركعتي العيد ولم يتنفل قبلها ولا بعدها) ولا يكره للمأموم التنفل لا قبلها ولا بعدها) خلافالا حمد في الحالتين ولمالك كذلك في المصلي وعنه في المسجد روايتان ولا بى حينفة فيما بعدها لنا قياس التنفل في هذا الوقت علي التنفل في سائر الايام ويستحب في عيد الفطر أن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 يطعم شيئا قبل الخروج الي الصثلاة ولا يطعم في عيد الاضحى حتى يرجع رواه أنس وبريدة وغيرهما رضي الله عنهما عن فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم * وأما قوله وليناد الصلاة جامعة فقد سبق مرة في باب الاذان وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 وسلم (صلي اخطيب بغير أذان ولا اقامة) وذكر في العدة أنه لو نودى لصلاة العيد حي علي الصلاة فلا بأس بل هو مستحب * قال (وليقرأ أولا دعاء الاستفتاح ويكبر سبع (ح) تكبيرات زائدة (م) في الاولى وخمسا (ح) في الثانية ويقول بين كل تكبيرتين سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر ثم يقرأ الفاتحة بعد التكبير والتعوذ ويقرأ سورة ق في الاولي وأقتربت في الثانية ويرفع اليدين (ح) في هذه التكبيرات) ذكر في هذا الفصل الكيفية المخصوصة بصلاة العيد ولا فرق فيها بين الامام وغيره وان كان كلام الكتاب يختص بالامام فنقول: المتحرم بصلاة العيد يستفتح عقيب التحرم كما في سائر الصلوات ويجوز أن يعلم قوله وليقرأ أولا دعاء الاستفتاح بالواو لان صاحب البيان روى عن بعضهم حكاية قول أنه يأتي به بعد التكبيرات الزوائد ثم يكبر في الركعة الاولي سبع تكبيرات سوى تكبيرة الافتتاح والهوى إلى الركوع وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة القيام من السجود والهوى الي الركوع خلافا لا بى حنيفة حيث قال التكبيرات الزائدة في كل ركعة ثلاث ولمالك واحمد رحمهما الله حيث قالا التكبيرات الزوائد في الركعة الاولى ست وبه قال المزني وساعدونا في الركعة الثانية وعن احمد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 رواية أخرى مثل مذهبنا مطلقا * لنا ما روى أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان يكبر في الفطر أو لاضحي في الاولي سبعا وفى الثانية خمسا (ويروى أنه (كان يكبر اثنى عشرة تكبيرة سوى تكبيرة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 الافتتاح وتكبيرة الركوع (وإذا عرفت ما نقلناه من المذاهب أعلمت قوله سبع تكبيرات بالحاء وقوله زائدة بالميم والالف والزاى لان عندهم الزائدة ست لا سبع (وقوله) وخمسا بالحاء وحده ويقف بين كل تكبيرتين بقدر قراءة آية لا طويلة ولا قصيرة يهلل الله ويكبره ويمجده هذا لفظ الشافعي رضي الله عنه وقد روى نحو ذلك عن ابن مسعود قولا وفعلا) وأيضا فان سائر التكبيرات المشروعة في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 الصلاة يتعقبها ذكر مسنون فكذلك هذه التكبيرات ثم الذى ذكره الاكثرون وأورده في الكتاب أنه يقول (سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر) ولو زاد جاز قال الصيدلاني وعن بعض الاصحاب أنه يقول (لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شئ قدير) قل ابن الصباغ ولو قال ما اعتاده الناس وهو (الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلي الله علي محمد وسلم تسليما كثيرا كان حسنا أيضا (وقوله) بين كل تكبيرتين مر قوم بالحاء لان عنده يوالى بين التكبيرات ولا يقف وبالميم لان أصحابنا حكوا عن مالك أنه يقف بينهما ولا يذكر شيئا ثم ينبغى أن يعرف أن قوله بين كل تكبيرتين راجع الي التكبيرات الزوائد فلا يأتي بهذا الذكر بين تكبيرة الافتتاح والاولى من الزوائد نص عليه في الام بل يكفى بينهما دعاء الاستفتاح وكذلك لا يأتي به بعد التكبيرة السابعة والخامسة بل يتعوذ بعد السابعة وكذا بعد الخامسة ان قلنا يستحب التعوذ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 في كل ركعة وعن أبى يوسف أنه يتعوذ قبل التكبيرات وذكر الروياني أنه قال قيل أنه مذهب ابى حنيفة رحمه الله لنا أن التعوذ لافتتاح القراءة فليكن عقيبها وأشار الصيد لاني إلى تردد في المسألة فقال الاشبه بالمذهب ان التعوذ بعد التكبيرات وقبل القراءة ثم يقرأ الفاتحة كما في سائر الصلوات وعند أبي حنيفة أن القراءة في الركعة الاولى بعد التكبيرات الزوائد وفي الثانية قبل التكبيرات ويوالى بين القرائتين لنا ما روى أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان يكبر في الفطر والاضحى في الاولي سبع تكبيرات قبل القراءة وفي الثانية خمس تكبيرات قبل القراءة) فليعلم قوله بعد التكبير بالحاء لما حكينا من مذهبه وبالالف لان عند احمد رواية مثل مذهبه (والصحيح) عنه مثل مذهبنا ثم يقرأ في الاولى بعد الفاتحة سورة ق وفي الثانية اقتربت الساعة خلافا لا بي حنيفة رحمه الله حيث قال ليس بعض السور أولي من بعض ولما لك واحمد رحمهما الله حيث قالا يقرأ في الاولي (سبح اسم ربك) وفي الثانية (هل أتاك حديث الغاشية) لنا ما روي عن أبي واقد الليثى رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان يقرأ يوم الفطر والاضحي بق والقرآن المجيد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 واقتربت الساعة ويستحب رفع اليدين في التكبيرات وبه قال أبو حنيفة ويروى ذلك عن فعل عمر رضى الله عنه وقال مالك لا يرفع وإذا شك في عدد التكبيرات أخذ بالاقل ولو كبر ثمان تكبيرات وشك في أنه هل نوى التحرم بواحدة منها فعليه استئناف الصلاة ولو شك في التكبيرة التى نوى التحرم بها أخذ بأنه تحرم بالا خيرة فيعيد التكبيرات ولو صلى خلف من يكبر ثلاثا أو ستا تابعه في فعله ولا يزيد عليه في أصح القولين وعند أبي حنيفة رحمه الله لو صلى خلف من يكبر سبعا تابعه وينبغي أن يضع اليمنى علي اليسرى بين كل تكبيرتين وحكى عن العمدة ما يشعر بخلاف في المسألة * قال (ثم يخطب بعد الصلاة كخطبة الجمعة لكن يكبر تسعا قبل الخطبة الاولي وسبعا قبل الثانية علي مثال الركعتين) * إذا فرغ الامام من صلاة العيد صعد المنبر واقبل بوجهه على الناس وسلم وهل يجلس قبل الخطبة فيه وجهان قال أبو اسحق لا بخلاف ما في خطبة الجمعة يجلس قبلها ليؤذن المؤذن ولا اذان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 في هذه والاصح المنصوص انه يجلس ليستريح من تعب الصعود ويتأهب الناس للاستماع ثم يخطب خطبتين اركانهما كار كأنهما في الجمعة يقوم فيهما ويجلس بينهما كما في الجمعة لكن لا يجب القيام ههنا بل يجوز القعود مع القدرة على القيام كما في نفس الصلاة وقد روى (أن النبي صلى الله عليه وسلم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 52 خطب علي راحلته يوم العيد) ويستحب ان يعلمهم في عيد الفطر احكام صدقة الفطر وفي عيد الاضحى احكام الاضحية ويستحب ان يفتتح الخطبة الاولي بتسع تكبيرات تترى والثانية بسبع تترى روى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود رضي الله عنهم انها من السنة ولو ادخل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 53 بينهما الحمد والتهليل ولا ثناء جاز وذكر بعضم ان كيفيتها ما سبق في التكبيرات المرسلة والمقيدة ويستحب للناس استماع الخطبة ومن حضر والامام يخطب فان كان في المصلى جلس واستمع الخطبة ولم يصل التحية ثم ان شاء صلى صلاة العيد في الصحراء وان شاء صلاها إذا انصرف الي بيته وان كان في المسجد يستحب له التحية ثم قال أبو اسحق ولو صلي صلاة العيد والحالة هذه كان اولى وحصلت التحية كما لو دخل المسجد وعليه مكتوبة يفعلها ويحصل بها لتحية وقال ابن ابى هريرة ويصلى التحية ويؤخر صلاة العيد إلى ما بعد الخطبة فانها تطول فيفوت عليه الاستماع والاول اصح عند الاكثرين * واما ما يتعلق بلفظ الكتاب فقوله ثم يخطب بعد الصلاة كخطبة الجمعة لو حذف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 بعد الصلاة لكان الباقي دالا على الغرض لان كلمة ثم تفيد التراخي وانما اخذ كون هذه الخطبة بعد الصلاة من فعل النبي صلي الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين رضوان الله عليهم اجمعين فلو قدمها خطيب اساء وهل يعتد بخطبته فيه احتمال عند امام الحرمين (وقوله) كخطبة الجمعة لكن يكبر تسعا غير مجرى على اطلاقه لانه لم يستدرك الا افتراق الخطبتين في التكبير وهما يفترقان في امور أخر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 (منها) انه لا يجب القيام في خطبة العيد (ومنها) استحباب التعرض لصدقة الفطر والاضحية فيها وقوله علي مثال لركعتين؟ أي إذا حسبنا تكبيرة التحرم والهوى الي الركوع مع الزوائد في الاولى وحسبنا تكبيرة الانتهاض والهوى إلى الركوع مع الزوائد في الثانية ويجوز ان يريد بقوله على مثال الركعتين انه يجعل التفاوت بين عدد التكبيرات في الخطبة الاولي وعددها في الثانية كالتفاوت بينهما في الركعتين فان فضل التسعة على السبعة كفضل السبعة علي الخمسة * قال (ثم إذا خطب رجع إلى بيته من طريق آخر) روى ان النبي صلي الله عليه وسلم (كان يغدو يوم الفطر والاضحي في طريق ويرجع في طريق) واختلفوا في سببه قيل ليتبرك به أهل الطريقين وقيل ليستفتى فيهما وقيل ليتصدق على فقرائهما وقيل ليزور قبور أقار به فيهما وقيل ليشهد له الطريقان وقيل ليزداد غيظ المنافقين وقيل لئلا تكثر الزحمة وقيل كان يتوخي اطول الطريقين في الذهاب وأقصرهما في الرجوع وهو اظهر المعاني ثم من شاركه من الائمة في المعني استحب له ذلك وفيمن لا يشارك وجهان (قال) أبو اسحق لا يستحب له ذلك (وقال) ابن ابي هريرة يستحب كالرمل والاضطباع يؤمر بهما مع زوال المعنى والي هذا ميل الاكثرين وهو الموافق لاطلاق لفظ الكتاب ويستوى في هذه السنة الامام والقوم نص عليه في المختصر ولم يتعرض في الكتاب الا للامام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 قال (ويستحب في عيد النحر رفع الصوت بالتكبير عقيب خمس عشرة مكتوبة اولها الظهر من يوم العيد وآخرها الصبح آخر ايام التشريق ثم قيل يستحب عقيب كل صلاة تؤدى في هذه الايام وإن كاهن نفلا أو قضاء وقيل لا يستحب الا عقيب الفرض وقيل لا يستحب الا عقيب فرض من فرائض هذه الايام صليت في هذه الايام قضاء وأداء) * سبق الوعد بالكلام في التكبير المقيد في عيد النحر وهو غرض هذا الفصل فنقول أولا لا فرق في هذا التكبير بين المنفرد ومن يصلي جماعة ولا ببن الرجال وبين انساء والمقيم والمسافر وعند أبى حنيفة لا يكبر المنفرد ولا المرأة ولا المسافر ثم الناس ينقسمون إلى الحجيج وغيرهم (اما) الحجيج فيبتدئون التكببر عقيب الظهر يوم النحر ويختمونه عقيب الصبح آخر ايام التشريق قاله العراقيون وغيرهم ووجهوا الابتداء بان ذكر الحجيج التلبية وإنما يبدلونها بالتكبير مع أول حصاة يرمونها يوم النحر فالظهر أول صلاة ينتهون إليها من وقت قطع التلبية قالوا والختم لان صبح اليوم الثالث آخر صلاة يصلونها بمنى قال الامام ولا شك فيما ذكروه في الابتداء وفي الانتهاء تردد (واما غير الحاج فخلف كم صلاة يكبرون فيه طريقان (أظهرهما) أن المسألة علي أقوال (أصحها) وهو منقول الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 عن المزني والبويطى والزعفراني رحمهم الله أنهم يكبرون عقيب خمس عشرة مكتوبة أولها ظهر يوم النحر وآخرها صبح اليوم الثالث من أيام التشريق كالحجاج وسائر الناس تبع لهم في ذلك ويروى هذا عن عثمان وابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت رضى الله عنهم (والقول الثاني) أنهم يبتدئون التكببر عقيب المغرب ليلة النحر كما أن في عيد الفطر يبتدئ التكبير عقيب المغرب ولم يبين الانتهاء في هذا النص وحمله الاصحاب على ما ذكر في القول الاول وعلى هذا يكون مكبرا عقيب ثمان عشرة صلاة (والثالث) أنهم يبتدئون عقيب الصبح يوم عرفة ويختمونه عقيب العصر آخر ايام التشريق خلف ثلاث وعشرين صلاة لما روى أنه صلي الله عليه وسلم وسلم (كبر بعد صلاة الصبح يوم عرفة ومد التكبير إلي العصر آخر أيام التشريق) وبهذا قال احمد واختاره المزني وابن سريج قال الصيد لانى وغيره وعليه العمل في الامصار ولم ينسب ابن الصباغ هذا القول إلى اختيار المزني ولكن قال عنده يكبر من الظهر يوم النحر إلي الظهر من اليوم الثالث (والطريق الثاني) القطع بالقول الاول وحمل ما عداه على حكاية مذهب الغير وقال أبو حنيفة يكبر من الصبح يوم عرفة إلى العصر من يوم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 النحر وهى ثمان صلوات وروى بعض أصحابنا عن مالك مثل القول الاول وروى بعضهم عنه مثل القول الثالث وقوله في الكتاب عقيب خمس عشرة معلم بالحاء والميم والالف والزاى والواو لما حكينا من الاختلافات وجميع ما ذكرناه في وظائف الوقت ولو فاتته فريضة من فرائض صلاة الايام فقضاها في غير هذه الايام لم يكبر عقيها لان التكبير شعار هذه الايام ولو قاتته في غير هذه الايام أو في هذه الايام وقضاها في هذه الايام ففيه قولان (أحدهما) لا يكبر خلفهما لانها غير مؤداة في وقتها (وأصحهما) أنه يكبر لانه شعار الوقت وعلي هذين القولين السنن الرواتب (ومنها) صلاة العيد وكذلك النوافل المطلقة ومنهم من قطع بانه لا يكبر بعدها لانها ابعد عن مشابهة الفرائض ومنهم من فرق بين المشروع في هذه الايام كالسنن الرواتب وصلاة العيدين وبين مالا يختص بها كالنوافل المطلقة وبنى طائفة من الائمة الاختلاف في هذه الصور كلها على أن المعني في التكبير عقيب وظائف الوقت ماذا وذكروا فيه ثلاثة معان (أحدها) أنها فرائض موادة في وقتها من أيام التكبير (والثاني) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 59 أنها صلوات مشروعة في أيام التكبير (والثالث) أنها صلوات مفعولة في أيام التكبير ولا يخفى تخريج الاختلافات عليها وإذا سئلت عن مطلق ما يكبر خلفه من الصلوات فقل فيه وجوه (أظهرها) أنه يكبر عقيب كل صلاة مفعولة في هذه الايام (والثاني) لا يكبر إلا عقيب الفرائض منها سواء كانت مؤداة هذه الايام أو فائتتها أو فائتة غيرها (والثالث) لا يكبر إلا عقيب فرائض هذه الايام قضاء كانت أو أداء وهذه الوجوه هي المذكورة في الكتاب وتخرج مما سبق وجه رابع وهو أنه لا يكبر إلا عقيب الفرائض أو السنن الرواتب (وقوله) في العبارة عن الوجه الاول عقيب كل صلاة يشمل صلاة الجنازة أيضا لكن قال في التتمة لا يكبر خلفها لانها بنيت علي التخفيف (وقوله) وان كانت نفلا معلم بالميم والحاء والالف لان عند هم لا يكبر خلف النوافل قال امام الحرمين وجميع ما ذكرناه في التكبير الذى يرفع به الصوت ويجعله شعارا أما لو استغرق عمره بالتكبير في نفسه فلا منع منه ولو نسى التكبير خلف الصلاة ثم تذكر والفصل قريب كبر وإن فارق مصلاه وإن طال الفصل فكذلك في اصح الوجهين والمسبوق لا يكبر مع الامام وإنما يكبر إذا أتم صلاة نفسه والله أعلم * قال (ولو نسى التكبيرات في ركعة فلا يتداركها على الجديد إذا تذكرها بعد القراءة لفوات وقتها) * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 لو نسي التكبيرات الزوائد في احدى ركعتين ثم تذكر نظر إن تذكرها في الركوع أو بعده مضى في صلاته ولم يكبر ولم يسجد للسهو كما لو ترك القعود أو السورة ولو عاد إلى القيام ليكبر بطلت صلاته ولو تذكرها قبل الركوع وبعد القراءة وهذه مسألة الكتاب ففيه قولان (الجديد) أنه لا يكبر لفوات وقته كما لو نسي دعاء الاستفتاح فتذكر بعد القراءة لا يعيد (والقديم) أنه يكبر وبه قال أبو حنيفة فيما حكاه صاحب البيان لان محله باق وهو القيام وعلى هذا القول لو تذكرها في أثناء الفاتحة قطع القراءة وكبر ثم يستأنف وإذا كبر بعدها يستحب الاستئناف ولا يجب وحكى وجه آخر انه يجب ولو أدرك الامام بعد ما كبر بعض التكبيرات أو في حال قراءته فعلي الجديد لا يكبر ما فاته وعلى القديم يكبر وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وإذا أدركه وهو راكع يركع معه ولا يكبر قولا واحدا وقال أبو حنيفة رحمه الله يكبر تكبيرات العيد في حال الركوع ولو أدركه في الركعة الثانية كبر معه خمسا على الجديد فإذا قام للثانية كبر خمسا أيضا لان سنة الركعة الثانية خمس بلا زيادة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 قال (وإذا فاتت صلاة العيد بزوال الشمس فقد قيل لا تقضي وقيل تقضى (ح م) أبدا وقيل لا تقضى الا في الحادى والثلاثين وقيل تقضي في شهر العيد كله واذ شهد الشهود علي الهلال قبل الزوال أفطرنا وصلينا وان شهدوا بعد الغروب يوم الثلاثين لم نصغ إليهم إذ لا فائدة الا ترك صلاة العيد وان شهدوا بين الزوال والغروب أفطرنا وبان فوات صلاة العيد على الاصح ثم قضاؤها في بقية اليوم أولي أو في الحادى والثلاثين فيه خلاف وان شهدوا نهارا وعدلوا ليلا فالعبرة بوقت التعديل أو الشهادة فيه خلاف) مما يجب معرفته في هذا الفصل أصل قدمناه وهو أن في قضاء النوافل المؤقتة قولين ومن جملتها صلاة العيد وأصل آخر وهو أن صلاة العيد هل تنزل منزلة صلاة الجمعة ويعتبر فيها شرائطها أم لا إذا تذكرت ذلك فنقول: لو شهد شاهدان يوم الثلاثين من رمضان انا رأينا الهلال البارحة وكان ذلك قبل الزوال وقد بقي من الوقت ما يمكن جمع الناس فيه واقامة الصلاة أفطروا وصلوا وكانت الصلاة اداء وان شهدوا بعد غروب الشمس يوم الثلاثين لم تقبل شهادتهم كما لو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 شهدوا في اليوم الحادى والثلاثين لان شوالا قد دخل يقينا وصوم التلاثين قد تم فلا فائدة في قبول شهادتهم الا المنع من صلاة العيد فلا يصغى إليها ويصلون من الغد وتكون صلاتهم اداء هكذا نقله الائمة وأطبقوا عليه وفي قوله لا فائدة الا ترك صلاة العيد اشكال فان لا ستهلال الهلال فوائد أخر كوقوع الطلاق والعتق المعلقين علي استهلال شوال واحتساب العدة من انقضاء التاسع والعشرين ونحو ذلك فوجب أن تقبل الشهادة لمثل هذه الفوائد ولعل مراد هم عدم الاصغاء فيما يرجع إلى صلاة العيد وجعلها فائتة لا عدم القبول علي الاطلاق وان أطلقوا ذلك في عباراتهم والله أعلم وان شهدوا بعد الزوال وقبل الغروب أو قبل الزوال بزمان يسير لا يمكن الصلاة فيه فالشهادة مقبولة لتعلق فائدة الافطار بها وهل تفوت الصلاة حكي في النهاية قولا انها لا تفوت ويصلونها غدا اداء لان التردد في الهلال مما يكثر وصلاة العيد من شعائر الاسلام فيقبح ان لا تقام على النعت المعهود في كل سنة فاشبه هذا غلط الحجيج في الوقوف فانه يقام وقوفهم يوم العاشر مقام الوقوف يوم التاسع وظاهر المذهب ولم يذكر الجمهور سواه ان صلاة العيد فائتة لخروج وقتها ثم قضاؤها مبنى على أن النوافل المؤقتة هل تقضى ام لا إن قلنا لا تقضي فلا كلام وان قلنا تقضي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 فيبنى على أنها هل هي بمثابة الجمعة أم لا إن قلنا هي بمثابتها في الشرائط والاحكام لم تقض والا فلهم قضاؤها من الغد وهو الصحيح وقد روى (ان ركبا جاؤا إلى النبي صلي الله عليه وسلم يشهدون انهم رأوا الهلال بالامس فأمرهم ان يفطروا وإذا اصبحوا ان يغدوا الي مصلاهم) وهل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 لهم ان يصلوها في بقية اليوم وجهان مبنيان على ان اقامتها في الحادى والثلاثين اداء ام قضاء ان قلنا اداء فلا وان قلنا قضاء وهو الصحيح فيجوز ثم هو اولى ام التأخير إلى ضحوة الغد فيه وجهان (أحدهما) ان التأخير اولي لان اجتماع الناس فيها امكن والضحوة بالضحوة اشبه (واصحهما) ان التقديم اولي مبادرة الي القضاء وتقريبا له من وقته وهذا إذا سهل جمع الناس بان كانوا في قرية أو بلدة صغيرة اما إذا عسر ذلك فالاولي التأخير إلى الغد كيلا يفوت الحضور علي الناس وإذا قلنا انهم يقيمونها في الحادى والثلاثين قضاء فهل يجوز تأخيرها عنه فيه قولان ومنهم من يقول وجهان (اصحهما) نعم كالفرائض إذا فاتت لا يتعين وقت قضائها (والثانى) لا لان الحادى والثلاثين يجوز ان يكون عيدا بان يخرج الشهر كملا بخلاف ما بعده من البان ثم حكي امام الحرمين عن بعض الاصحاب انا إذا قلنا تقضي بعد الحادى والثلاثين فيمتد إلى شهر فان وقع بعد شهر فعلي وجهين قال ولعله في شهر شوال نقص أو كمل وفي بقية ذى الحجة ولا اعتد به من المذهب وجميع ما ذكرناه فيما إذا شهد عدلان مقبولان أو مستوران وعدلا في الاوقات المذكورة فاما إذا شهدا قبل الغروب وعدلا بعد الغروب فقولان ويقال وجهان (احدهما) ان العبرة بوقت الشهادة لان التعديل وان بان اخيرا فهو مستند إلى الشهادة (واصحهما) ان العبرة بوقت التعديل لانه وقت جواز الحكم بالشهادة فعلي هذا يصلون من الغد بلا خلاف وتكون اداء وعلي الاول تعود الاختلافات المذكورة فهذا هو الذى اورده معظم الاصحاب وايضاحه ولنعد إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (اما قوله) وإذا فاتت صلاة العيدين بزوال الشمس الي آخره فاعلم ان الاختلافات المذكورة عبر عنها في الوسيط الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 بالاقوال وايراده في الكتابين يقتضي طردها في فوات صلاة العيد للناس كلهم وفواتها في حق الافراد وفيما إذا كان الفوات لاشتباه الهلال وغيره لكن المفهوم من كلام الاصحاب تخصيص الاختلاف المذكور بصورة اشتباه الهلال وفوات العيد علي جميع الناس فاما إذا اختص الفوات بالافراد فلا يجري الا قولان منع القضاء وجوازه على التأبيد ولا يتجه التخصيص بالحادي والثلاثين لما ذكره امام الحرمين فقال هذا اليوم يجوز أن يفرض عيدا فاقامة شعار الصلاة فيه لا يبعد وفيما بعده من الايام اقامة الشعار المعهود مما يستنكره الناس الا خواصهم وتعطيل الشعار أهون من ذلك ومعلوم أن هذا لا امتناع له في قضاء الافراد واما المصير الي القضاء في شهر العيد كله فلم أر نقله للامام ولم ينقله الي في اشتباه الهلال فاعرف ذلك ثم قوله لا تقضى معلم بالالف لان عند احمد هي مقضية وقوله تقضى ابدا بالميم والحاء فان عندهما لا تتقضي وبالزاى لان اختيار المزني مثله (فان قيل) حيث قلنا بتخصيص القضاء بالحادي والثلاثين فلا شك أن ذلك في عيد الفطر فهل يختص بالحادي عشر إذا فرض ذلك في عيد الاضحي قلنا نعم لانه يجوز أن يفرض يوم عيد الا ان يقال ان الشهادة بعد دخول ذى الحجة غير مسموعة على قياس ما ذكروه في الحادى والثلاثين والله اعلم (وقوله) وإذا شهد الشهود علي الهلال قبل الزوال افطرنا وصلينا المراد منه ما إذا سبقت الشهادة الزوال بقدر ما يسع الصلاة فان لم يسع فالحكم كما لو شهدوا بين الزوال والغروب (وقوله) ثم قضاؤها في بقية اليوم أولي أو في الحادى والثلاثين فرض الخلاف في الاولوية جواب منه على الاصح وهو أن قضاؤها قى بقية اليوم جائز وفيه خلاف تقدم والله اعلم * قال (وإذا كان العيد يوم الجمعة فلاهل السواد الرجوع قبل الجمعة وان كان النداء يبلغهم علي الصحيح للخبر) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 إذا وافق العيد يوم الجمعة وحضر اهل القرى الذين يبلغهم النداء لصلاة العيد وعلموا أنهم لو انصرفوا لفاتتهم الجمعة فهل عليهم ان يصبروا الجمعة ام لهم أن ينصرفوا ويتركوها فيه وجهان (احد هما) عليهم الصبر كأهل المصر وكسائر الايام (واصحهما) ان لهم أن ينصرفوا ويتركوها ويحكى هذا عن نصه قديما وجديدا لما روى (انه اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم في يوم واحد فصلي العيد في أول النهار وقال أيها الناس ان هذا يوم اجتمع لكم فيه عيدان فمن أحب منكم أن يشهد معنا الجمعة فليفعل ومن أحب أن ينصرف فليفعل) وأراد به أهل السواد وهذا هو الخبر الذى أبهم ذكره في الكتاب * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 قال * (كتاب صلاة الخسوف) * (وهى سنة مؤكدة ولا تكره الا في اوقات الكراهية واقلها ركعتان في كل ركعة ركوعان (ح) وقيامان فان تمادى الكسوف فهل يجوز ركوع ثالث فيه وجهان وان اسرع الاهجلاء فهل يقصر علي واحدة فيه وجهان) * قال الله سبحانه وتعالي (فلا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذى خلقهن) قال بعض المفسرين أراد به صلاة الخوف والكسوف وقال أبو بكرة (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 68 فانكسفت الشمس فقام النبي صلي الله عليه وسلم يجر ردائه حتى دخل المسجد فدخلنا فصلي بنا ركعتين حتي انجلت الشمس فقال ان الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد فإذا رأيتموهما فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم) صلاة الكسوف والخسوف سنة مؤكدة ولا فرق في استحبابها بين أوقات الكراهة وغيرها لان لها سببا خلافا لمالك وأبي حنيفة وتفصيل مذهبهما ما قدمناه في فصل الاوقات المكروهة ثم الكلام في أقل هذه الصلاة وأكملها (أما) أقلها فهو أن يتحرم بنية صلاة الكسوف ويقرأ الفاتحة ويركع ثم يرفع فيقرأ الفاتحة ثم يركع مرة أخرى ثم يرفع ويطمئن ثم يسجد وكذلك يفعل في الركعة الثانية فهي إذا ركعتان في كل ركعة قيامان وركوعان كما ذكر في الكتاب وقراءة الفاتحة في كل ركعة مرتين من حد الاقل أيضا (وقوله) ركوعان وقيامان معلم بالحاء والالف (اما) الحاء فلان أبا حنيفة يقول ركعتان كسائر الصلوات لكن يطول فيها القراءة (وأما) الالف فلان في رواية عن احمد يركع في كل ركعة ثلاث مرات والاظهر عنه مثل مذهبنا * لنا ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (ركع أربع ركعات في ركعتين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 69 وأربع سجدات) وقد اشتهرت الرواية عن فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم وسلم ولو تمادى الكسوف فهل يزيد ركوعا ثالثا فيه وجهان (أحدهما) نعم ويحكى عن ابن خزيمة وابى سليمان الخطابي وأبى بكر الضبعي من أصحابنا وعلى هذا الوجه لا يختص الجواز بالثالث بل له أن يزيد ركعة أربع ركوعات) ويروى (خمس ركوعات ولا محمل له الا حالة التمادي) (وأظهرها) أنه لا تجوز الزيادة كسائر الصلوات لا يزاد على أركانها وروايات الركوعين أشهر وأصح فيؤخذ بها كذلك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 ذكره الائمة ولو كان في القيام الاول فانجلي الكسوف لم تبطل الصلاة ولكن هل يجوز أن يقتصر على قومة واحدة وركوع واحد في كل ركعة فيه (وجهان) بنوهما على جواز الزيادة عند التمادي إن جوزنا الزيادة جوزنا النقصان بحسب مدة الخسوف وإلا فلا ولو تحلل من صلاته والخسوف باق فهل له أن يستفتح صلاة الخسوف مرة أخرى فيه وجهان خرجوهما على جواز الزيادة في عدد الركوع والمذهب المنع (وقوله) فهل تجوز الزيادة بثالث أي بركوع ثالث وقيام ثالث وكذا قوله فهل يقتصر على واحد وفى بعض النسخ ثالثة وواحدة علي تأويل الركعة والقومة والله أعلم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 قال (وأكملها أن يقرأ في القيام الاول بعد الفاتحة سورة البقرة وفي الثانية آل عمران وفي الثالثة النساء وفي الرابعة المائدة أو مقدارها وكل ذلك بعد الفاتحة ويسبح في الركوع الاول بقدر مائة آية وفي الثاني بقدر ثمانين وفي الثالث بقدر سبعين وفي الرابع بقدر خمسين ولا يطول السجدات ولا القعدة بينهما) * لو اقتصر في كل قومة علي قراة الفاتحة وفي كل ركوع علي قدر الطمأنينة جاز كما في سائر الصلوات ليكن المستحب أن يقرأ في القيام الاول بعد الفاتحة وسوابقها سورة البقرة أو مقدارها ان لم يحسنها وفى الثاني آل عمران أو مقدارها وفى الثالثة النساء أو مقدارها وفى الرابعة المائدة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 72 أو مقدارها وكل ذلك بعد الفاتحة هذا ما ذكره في الكتاب وعزاه الاصحاب إلى رواية البوبطي قال المزني في المختصر يقرأ في القيام الاول البقرة أو مقدارها إن لم يحفظها وفي الثانية قدر مائتي آية من سورة البقرة وفي الثالثة قدر مائة وخمسين آية منها وفي الرابع قدر مائة آية منها وكل ذلك بعد الفاتخة وهذه الرواية هي التى أوردها الاكثرون وليستا على الاختلاف المحقق بل الامر فيه علي التقريب وهما متقاربتان وقد روى الشافعي عن ابن عباس رضى الله عنهما باسناده قال (خسفت الشمس علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم فصلي والناس معه فقام قياما طويلا فقرأ نحوا من سورة البقرة ثم ركع ركوعا طويلا ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الاول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الاول ثم سجد ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الاول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الاول ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الاول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الاول ثم سجد ثم انصرف) وأما قدر مكثه في الركوع فينبغي أن يسبح في الركوع الاول بقدر مائة آية من البقرة وفي الثاني بقدر ثمانين منها وفي الثالث بقدر سبعين وفي الرابع بقدر خمسين والامر فيه على التقريب ولذلك قال كثير من الاصحاب يسبح في الركوع الثاني بقدر ثمانين آية الي تسعين وقال صاحب الافصاح يسبح في الثالث بقدر خمسين وسبعين آية ويقول في الاعتدال عن كل ركوع سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد وهل يطول الجود في هذه الصلاة فيه قولان وبقال وجهان (أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب لا كما لا يزيد في التشهد ولا يطول القعدة بين السجدتين (والثانى) وبه قال ابن سريج نعم لانه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 منقول في بعض الروايات مع تطويل الركوع أورده مسلم في الصحيح ويحكي هذا القول عن رواية البويطى ونقله أبو عيسى الترمذي في جامعه عن الشافعي رضى الله عنه أيضا قال (ويستحب أن تؤدى بالجماعة وأن يخطب الامام بعدها خطبتين كما في العيد ولا يجهر (م) في صلاة الكسوف ويجهر في الخسوف) * في الفصل ثلاث مسائل (أحداها) انه يستحب الجماعة في صلاة الخسوفين (أما) في خسوف الشمس فقد اشتهر اقامتها بالجماعة عن فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم وكان ينادى لها الصلاة جامعة (واما) في خسوف القمر فلما روى عن الحسن البصري قال (خسف القمر وابن عباس رضى الله عنهما بالبصرة فصلي بنا ركعتين في كل ركعة ركوعان فلما فرغ ركب وخطبنا وقال صليت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 74 بكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا وانما تقام الجماعة لهما في المسجد دون الصحراء لما قدمنا من حديث أبي بكرة رضى الله عنه ولان هذه الصلاة بعرض الفوات بالانجلاء واعلم قوله ويستحب ان تؤدى بالجماعة بالحاء والميم لان عند ابى حنيفة لا تؤدى صلاة خسوف القمر بالجماعة بل يؤدونها منفردين وعند مالك رحمه الله لا يصلون له اصلا واللفظ يشمل الصلاتين جميعا ويجوز ان يعلم بالوار ايضا لان امام الحرمين قال ذكر شيخنا الصيد لاني من ائمتنا من خرج في صلاة الخسوفين وجها ان الجماعة تشترط فيها كالجمعة ولم أجده في كتابه هكذا لكن قال خرج اصحابنا وجهين في أنها هل تصلي في كل مسجد أو لا تكون الا في جماعة واحدة كالقولين في العيد (الثانية) يستحب للامام ان يخطب بعد الصلاة خطبتين باركانهما وشرائطهما المذكورة في صلاة الجمعة ولا فرق بين أن يقيموا الجماعة في مصر أو يقيمها المسافرون في الصحراء وقال مالك وأبو حنيفة واحمد رحمهم الله لا خطبة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 في هذا الباب أصلا * لنا ما روى عن عائشة رضى الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم (لما خسفت الشمس صلي فوصفت صلاته ثم قالت فاما انجلت انصرف وخطب الناس وذكر الله تعالي جده واثنى عليه) وينبغى للامام ان يحث الناس في هذه الخطبة على الخير والوبة عن المعاصي ومن صلي منفردا لم يخطب فان الغرض من الخطبة تذكير الغير (فان قلت) قضية التشبيه في قوله كما في العيد أن يكبر في أول الخطبتين كما يفعل في خطبتى العيد فهل هو كذلك أم لا (فالجواب) أن كتب الاصحاب ساكتة عن التصريح بذك مع تعرضهم لاذكارها المفروضة والمندوبة على التفصيل وأعادها ههنا ولو كان التكبير مشروعا ههنا لا عادوا ذكره سيما في المطولات فإذا المراد تشبيهها بخطبتى العيد في تأخيرها عن الصلاة لا على الاطلاق والله اعلم (الثالثة) يستحب الجهر بالقراءة في صلاة خسوف القمر والاسرار في خسوف الشمس وبه قال مالك وابو حنيفة خلافا لاحمد رحمهم الله حيث قال يجهر فيها ايضا وبه قال أبو يوسف وفيما ذكره الصيدلانى أن مثله يروى عن أبي حنيفة لنا ما روى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 76 ابن عباس رضي الله عنهما أنه حكى صلاة النبي صلي الله ععليه وسلم في خسوف الشمس فقال (قرأ نحوا من سورة البقرة) ولو جهر لكان لا يقدره وروى عنه انه قال (كنت الي جنب النبي صلى الله عليه وسلم فما سمعت منه حرفا) وقوله في الكتاب ولا يجهر في صلاة الكسوف ويجهر في صلاة الخسوف تخصيص للفظ الكسوف بالشمس والخسوف بالقمر وقد قيل بذلك لكن استعمال كل واحد من اللفظين فيهما صحيح سائغ في اللغة ويجوز أن يعلم قوله ولا يجهر بالواو مع الالف لان ابا سليمان الخطابي ذكر أن الذى يحبئ علي مذهب الشافعي رضي الله عنه الجهر فيهما * واحتج له الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77 بما روى عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلي الله عليه وسلم صلي بهم في كسوف الشمس وجهر بالقراءة) والله أعلم * قال (فروع المسبوق إذا ادرك الركوع الثاني لم يدرك الركعة لان الاصل هو الاول) * عد في الوسيط المسائل من هذا الموضع الي قريب من آخر الباب ثلاثة فروع وهذا الفصل يشتمل علي أولها وغرض الكلام في المسبوق في هذه الصلاة فنقول ان ادرك الامام في الركوع الاول من الركعة الاولي فقد أدرك الصلاه ولو أدركه في الركوع الاول من الركعة الثانية كان مدركا للركعة فإذا سلم الامام قام وصلي ركعة بر كوعين ولو ادركه في الركوع الثاني من احدى الركعتين فالمنقول عن نصه في البويطى انه لا يكون مدركا لشئ من الركعة أصلا وعن صاحب التقريب حكاية قول آخر أنه بادراك الركوع الثاني يصير مدركا للقومة التى قبلها فعلي هذا لو أدرك الركوع الثاني من الركعة الاولي قام عند سلام الامام وقرأ وركع واعتدل وجلس وتشهد وتحلل ولا يسجد لان ادراك الركوع إذا أثر في ادراك القيام الذى قبله كان السجود بعده محسوبا لا محالة واتفق الاصحاب على أن الصحيح هو الاول ووجهوه بان الركوع الاول هو الاصل والثانى في حكم التابع له الا ترى أنه لا يصير بادراكه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 مدركا لجميع الركعة ولو صار مدركا بادراكه لصار مدركا لجميع الركعة كما لو أدرك جزءا من الركوع في سائر الصلوات وأيضا فان الامر بقيام وركوع من غير سجود مخالف لنظم الصلوات كلها وعلى القول الصحيح لو ادرك القيام الثاني لا يكون مدركا لشئ من الركعة أيضا إذا عرفت ذلك فقوله في الكتاب لم بدرك الركعة ان أراد به انه غير مدرك لشئ من الركعة فينبغي أن يعلم بالواو وان أراد به أنه غير مدرك بجملتها فلا يجوز أعلامه لان القولين متفقان عليه * قال (وتفوت صلاة الكسوف بالانجلاء وبغروب الشمس كاسفة ويفوت الخسوف بالانجلاء وبطلوع قرص الشمس ولا يفوت بغروب القمر خاسفا لان الليل كله سلطان القمر ولا يفوت بطلوع الصبح علي الجديد لبقاء الظلمة) * الفرع الثاني فيما يفوت به هذه الصلاة (اما) صلاة خسوف الشمس فتفوت بطريقين (أحد هما) الانجلاء فإذا لم يصل حتى انجلت لم يصل * واحتج له بما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (إذا رأيتم ذلك فصلوا حتى تنجلي) دل أنه لا يصلي بعده ثم الاعتبار بانجلاء الكل اما انجلاء البعض فلا أثر له وله ان يشرع في الصلاة للباقى كما لو لم ينكسف الا ذلك القدر ولو حال سحاب ولم يدرها انجلت ام لافله ان يصلي لان الاصل بقاء الكسوف وعلي عكسه لو كانت تحت الغمام فظن الكسوف لم يصل حتى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 يستيقن (والثانى) ان تغرب كاسفة فلا يصلي لان سلطان الشمس النهار وقد ذهب وبطل الانتفاع بضوءها نيرة كانت أو منكسفة (واما) صلاة خسوف القمر فتفوت بطريقين أيضا (أحد هما) الانجلاء كما سبق (والثاني) طلوع الشمس فإذا طلعت والقمر بعد خاسف لم يصل لان سلطان القمر الليل وقد ذهب وبطلت منفعته بطلوع الشمس ولو غاب القمر خاسفا لم يؤثر وجازت الصلاة لان سلطان القمر باق وهو الليل فغروبه كغيبوبته تحت سحاب خاسفا ولو طلع الفجر وهو خاسف أو خسف بعد طلوع الفجر فقولان (القديم) انه ليس له أن يصلي الذهاب الليل بطلوع الفجر (والجديد) ان له ذلك لبقأء ظلمة الليل والانتفاع بضوء القمر في هذا الوقت وعلي هذا لو شرع في الصلاة بعد طلوع الفجر وطلعت الشمس في اثنائها لم تبطل صلاته كما لو شرع قبل طلوع الفجر وكما لو اتفق الانجلاء في اثناء الصلاة وذكر القاضى ابن كج ان هذا الانجلاء مخصوص بما إذا غاب القمر خاسفا بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس فاما إذا لم يغب وبقي خاسفا فلا خلاف في ان الشروع في الصلاة جائز * قال (ولو اجتمع عيد وكسوف قدم العيد ان خيف فواته وإلا فقولان في التقديم والتأخير ولو اجتمع كسوف وجمعة قدمت الجمعة عند خوف الفوات وإلا فقولان ولو اجتمع جنازة مع هذه الصلوات فهي مقدمة الا الجمعة فانها تقدم عند ضيق وقتها ويكفيه للكسوف والجمعة خطبة واحدة وكذا للعيد والكسوف ولا يبعد اجتماع العيد والكسوف فان الله علي كل شئ قدير) * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 (الفرع الثالث) فيما إذا اجتمعت صلاتان في وقت واحد والاصل فيه تقديم ما يخاف فواته ويتعلق أيضا بالنظر إلى الاوكد فالاوكد من الصلاة وفيه صور (أحدها) إذا اجتمع عيد وكسوف نظر ان خيف فوات صلاة العيد لضيق وقتها قدمت صلاة العيد وان لم يخف فقولان (أحدهما) وهو رواية البويطي يبدأ بصلاة العيد لانها أوكد لمشابهتها الفرائض بانضباط وقتها (وأصحهما) انه يبدأ بصلاة الكسوف لانه يعرض الفوات بالانجلاء (الثانية) لو اجتمع كسوف وجمعة نظر ان خيف فوات الجمعة فهي مقدمة وان لم يخف فواتها فقولان (أحدهما) تقدم الجمعة لا فتراضها (وأصحهما) يقدم الكسوف لخطر الفوات ولو اجتمع الكسوف مع فريضة أخرى فالحكم كما لو اجتمع مع الجمعة ولو وجد الخسوف في وقت الوتر والتروايح قدم صلاة الخسوف وان خيف فوات الوتر لان صلاة الخسوف آوكد؟ ولانها إذا فاتت لا تقضي (الثالثة) لو اجتمع عيد وجنازة أو كسوف وجنازة قدمت صلاة الجنازة لما يخشى من حدوث التغير في الميت ثم لا يتبعها الامام إذا قدمها بل يشتغل بعدها بغيرها من الصلوات ولو لم تحضر الجنازة بعد أو حضرت ولم يحضر الولى افرد الامام جماعة ينتظرونها واشتغل بغيرها ثم بعد الجنازة يقدم العيد أو الكسوف فيه الكلام الذى سبق ولو حضر وقت الجمعة جنازة ولم يضف وقت الجمعة قدمت الجنازة وان ضاق قدمت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 الجمعة فتراضها وقال في النهاية قطع شيخي بتقديم صلاة الجنازة لان للجمعة خلفا وهو الظهر والذى يحذر وقوعه من الميت لو فرض لم يجبره شئ وليكن قوله في الكتاب الا الجمعة فانها تقدم معلما بالواو لهذا الوجه وتختم هذه الصورة بفصلين (احد هما) في الخطبة المأتى بها للصلاتين المجتمعتين اما إذا اجتمع العيد والكسوف فيخطب لهما بعد الصلاتين خطبتين ويذكر فيهما شأن العيد والكسوف واما إذا اجتمع الجمعة والكسوف فان اقتضي الحال تقديم الجمعة خطب لها ثم صلي الجمعة ثم صلي الكسوف ثم خطب لها وان اقتضي الحال تقديم صلاة الكسوف بدأ بها ثم خطب للجمعة وذكر فيها شأن السكوف كما أن النبي صلي الله عيه وسلم (استسقى في خطبته للجمعة ثم صلي الجمعة) واعرف في قوله ويكفيه للجمعة والكسوف خطبة واحدة شيئين (أحدهما) ان المراد من هذا الكلام انه يكفيه من الخطبة ما كان يكفيه لو لم يصل الا واحدة من الصلاتين وهو خطبتان ولا يحتاج الي اربع خطب وليس المراد أنه تكفى خطبة فردة (وثانيهما) ان كلام الاصحاب ينازع في اللفظ الذي ذكره فانهم قالوا لا يخطب للجمعة والكسوف لان الخطبة فرض في الجمعة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 ولا يجوز التشريك بين الفرض والنفل ولكن يخطب للجمعة ثم يذكر فيها امر الحسوف بخلاف العيد والخسوف يجوز ان يقصد بخطبته كلتيهما لانهما سببان قالوا ولهذا قال الشافعي رضى الله عنه في المختصر في مسألة اجتماع العيد والخسوف ثم يخطب للعيد والخسوف وقال في مسألة اجتماع الجمعة والخسوف ثم يخطب للجمعة ويذكر فيها الخسوف فإذا اللفظ مؤول والمعنى انه لا يحتاج الي خطبتين لكل صلاة (والفصل الثاني) ان طائفة اعترضت علي تصوير الشافعي رضي الله عنه اجتماع العيد والخسوف وقالت هذا محال لان العيد اما الاول من الشهر واما العاشر والكسوف لا يقع الا في الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين وأجاب الاصحاب عنه بوجوه (أحدها) ان هذا قول اهل التنجيم وأما نحن فنجوز وقوع الكسوف في غير اليومين المذكورين فان الله تعالي علي كل شئ قدير وقد نقل وقوع مثل ذلك إذا صح أن الشمس خسفت يوم مات ابراهيم بن رسول الله صلي عليه وسلم وروى الزبير ابن بكار رضي الله عنه في كتاب الانساب انه توفى في العاشر من ربيع اول وروى البيهقى مثله عن الواقدي باسناده وكذلك اشتهر أن قتل الحسين ابن علي رضي الله عنهما كان يوم عاشوراء وروى البيهقى عن أبى قبيل أنه لما قتل الحسين رضى الله عنه كسفت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها هي و (الثاني) هب أن الكسوف لا يقع الا في الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين لكن يجوز أن يوافق العيد اليوم الثامن والعشرين بان يشهد شاهدان علي نقصان رجب ويفرض مثل ذلك في شعبان ورمضان وكانت في الحقيقة كاملة فان اليوم الاول المحسوب من شعبان بناء على شهادتهما يكون من رجب ويومان من أول رمضان يكونان من شعبان فيبقي سبعة وعشرون ويوافق العيد اليوم الثامن والعشرين (والثالث) هب أن ذلك لا يقع أصلا لكن الققيه قد يصور ما لا يتوقع وقوعه لتشحيذا الخاطر وتحصيل الدربة في مجارى النظر واستخراج التفاريع الدقيقة والله أعلم * قال (ولا يصلي صلاة الكسوف للزلازل وغيرها من الآيات) * ما سوى كسوف النيرين من الآيات كالزلازل والصواعق والرياح الشديدة لا يصلي له بالجماعة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 إذ لم يثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن يستحب له الدعاء والتضرع روى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال (ما هبت ريح قط الاجثا النبي صلي الله عليه وسلم على ركبتيه وقال اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا) وكذلك يستحب لكل أحد أن يصلى منفردا لئلا يكون على غفلة ان حدثت حادثة فلذلك قال في الكتاب ولا يصلى صلاة الكسوف أي كما يصلي للكسوف ولم يقل ولا يصلى مطالقا وليكن قوله ولا يصلى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 معلما بالالف لان عند احمد يصلي جماعة في كل آية وبالواو لانه ذكر أن الشافعي رضى الله عنه روى أن عليا رضي الله عنه صلي في زلزلة جماعة ثم قال ان صح قلت به فمن الاصحاب من قال هذا قول آخر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 له في الزلزلة وحدها ومنهم من عممه في جميع الآيات) * * (كتاب صلاة الاستسقاء) * قال (وهى سنة عند انقطاع المياه ولو انقطع عن طائفة من المسلمين استحب لغيرهم أيضا هذه الصلاة ولا باس بتكريرها إذا تأخرت الاجابة وان سقينا قبل الصلاة خرجنا للشكر والدعاء والوعظ وهل تصلي للشكر فيه خلاف) * المراد من الاستسقاء في الباب مسألة الله تعالي سقيا عباده عند حاجتهم إليه وله أنواع (أدناها) الدعاء المجرد من غير صلاة ولا خلف صلاة اما فرادى أو مجتمعين لذلك (وأوسطها) الدعاء خلف الصلوات وفي خطبة الجمعة وهن (حو ذلك (وأفضلها) الاستسقاء بركعتين وخطبتين كما سنصفه والاخبار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 87 وردت يجميع ذلك وأنكر أبو حنيفة رحمه الله استحباب النوع الثالث وقال المسنون في الاستسقاء هو الدعاء والخطبة والصلاة لهما بدعة * لنا ما روي عن عباد بن تميم عن عمه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم (خرج بالناس يستسقي فصلى بهم ركعتين جهر بالقراءة فيهما وحول رداءه ورفع يديه ودعا واستقبل القبلة) وعن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلي الله عليه وسلم (خرج الي المصلي متبذلا متواضعا فصلي ركعتين كما يصلى العيد) ولا فرق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 في استحباب الاستسقاء بين أهل القرى والبوادى والامصار ولا بين المقيمين والمسافرين ويسن لهم جميعا الصلاة والخطبة له لاستواء الكل في الحاجة (وقوله) في الكتاب وهى سنة أعلم بالحاء لرجوعه إلي ترجمة الباب وهى صلاة الاستسقاء وقد حكينا عن أبي حنيفة ان الصلاة غير مسنونة وقوله عند انقطاع المياه بيان للسبب الداعي الي الاستسقاء وعمم به ما إذا انقطع المطر وما إذا غارت العيون في ناحية أو انبثقت الانهار ونحوها لحصول الضرار بجميع ذلك ولا بد من قيد في قوله عند انقطاع المياه وهو أن تمس الحاجه البها في ذلك الوقت والا فلا يستسقون ثم في الفصل مسائل (أحدها) إذا انقطع المياه عن طائفة من المسلمين استحب لغيرهم أن يصلوا ويستسقوا لهم ويسألوا الزيادة لا نفسهم روى انه صلي الله عليه وسلم قال (أرجى الدعاء دعا الاخ للاخ بظهر الغيب) وقد أثنى الله تعالي جده علي الداعين لاخوانهم بقوله (ربنا اغفر لنا ولاخواننا) (الثانية) إذا استسقوا فسقوا فذاك وان تأخرت الاجابة استسقوا وصلوا ثانيا وثالثا حتى يسقيهم الله تعالى جده فان الله يجب الملحين في الدعاء وحكى القاضي بن كج وجها آخر انهم لا يفعلون ذلك الا مرة إذ لم ينقل زيادة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 عليها ثم علي الاول الصحيح هل يعودون من الغدام يصومون ثلاثة ايام فبل يوم الخروج كما سيأتي استحباب ذلك للخروج الاول قال في المختصر يعود ون من الغد وحكى عن القديم أنهم يقدمون صوم ثلاثة أيام واختلفوا فيهما علي طريقين منهم من قال هم (قولان) وبه قال ابن القطان وزعم انه ليس في الاستسقاء مسألة فيها قولان سوى هذه (والاول) منهما أظهر وقال الشيخ أبو حامد وغيره هما منزلان علي حالين ان لم يشق علي الناس ولم ينقطعوا عن مصالحم عادوا غدا وبعد غد وإن اقتضي الحال التأخير اياما استأنفوا للخروج صوم ثلاثة أيام (وقوله) في الكتاب ولا بأس بتكريرها هذه الكلمة لا توجب الا نفي الخروج والكراهة لكن الذى قاله الجمهور ان التكرير مستحب نعم الاستحباب في المرة الاولي اكد (الثالثة) لو تأهبوا للخروج لصلاة الاستسقاء فسقوا قبل موعد الخروج خرجوا للوعظ والدعاء والشكر على اعطاء ما عزموا على سؤاله وهل يصلون شكرا حكي المصنف وامام الحرمين فيه وجهين (أحدهما) لا لان النبي صلي الله عليه وسلم (ما صلي هذه الصلاة إلا عند الحاجة) (وأصحهما) وهو الذى ذكره الاكثرون وحكاه المحاملي عن نصه في الام أنهم يصلون للشكر كما يجتمعون ويدعون وأجرى الوجهان فيما إذا لم تنقطع المياه وأرادوا أن يصلوا للاستزادة (وقوله) خرجنا للشكر تبين أن صلاة الاستسقاء تقام في الصحراء بخلاف صلاة الخسوف لان النبي صلى الله عليه وسلم (كان يخرج للاستسقاء الي الصحراء) أو لان الناس يكثرون فيه فلا يسعهم المسجد غالبا * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 قال (والاحب أن يأمر الامام الناس قبل يوم الميعاد بصوم ثلاثة أيام وبالخروج من المظالم ثم يخرج بهم في ثياب بذلة وتخشع مع الصبيان والبهائم وأهل الذمة) * الفصل يشتمل علي آداب لهذا الصلاة (منها) أن يأمر الامام الناس بصوم ثلاثة أيام قبل اليوم الذى هو ميعاد الخروج وبالخروج عن المظالم في الدم والعرض والمال وبا لتقرب الي الله تعالي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 جده بما يستطيعون من الخير ثم يخرجون في اليوم الرابع صياما ولكل واحدة من هذه الامور أثرفى اجابة الدعاء علي ما ورد في الاخبار ومنها يخرج بهم في ثياب بذلة وتخشع ولا يتزينون ولا يتطيبون لما قدمناه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما لكن يتنظفون بالماء والسواك وما يقطع الروائح الكريهة ويخالف العيد لان ذلك يوم زينة وهذا وقت مسألة واستكانة فاللائق به التواضع ولبس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 بذلة الثياب دون جديدها (ومنها) يستحب اخراج الصبيان والمشايخ لان دعاء هم إلى الاجابة أقرب وكذلك اخراج من لا هيئة له من النساء وفي اخراج البهائم قصدا وجهان ذكرهما صاحب النهاية وغيره (أحدهما) لا يستحب إذ ليس لها سؤال وأهلية طلب لكن لو أخرجت فلا بأس (وأصحهما) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 93 أنه يستحب اخراجها لما روى أنها تستسقى وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال (لولا رجال ركع وصبيان رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا) وقوله في الكتاب والبهائم جواب علي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 هذا الوجه وادراج له في حد الاحب وليكن معلما بالواو للوجه الاول (واما) خروج أهل الذمة فقد نص الشافعي رضى الله عنه علي كراهته والمنع منه ان حضروا مستسقي المسلمين لانهم ربما كانوا سبب القحط واحتباس القطر وان تميزوا ولم يختلطوا بالمسلمين لم يمنعوا لانهم مسترزقة وقد تعجل اجابة دعاء الكافر استدراجا له وحكي القاضى الروياتي وجها آخر أنهم يمنعون وان امتازوا الا ان يخرجوا في غير يوم المسلمين وهذا يقتضى أعلام قوله وأهل الذمة بلواو على أن ايراد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 الكتاب يقتضى ادراج الخروج بهم في حد الاحب لكن الجمهور ساكتون عنه والتفصيل في أنهم يمنعون ام لا ومن الآداب أن يذكر كل واحد من القوم في نفسه ما فعل من خير فيجعله شافعا ومن الآداب أن يستسقي بالاكابر واهل الصلاح سيما من اقارب رسول الله صلي الله عليه وسلم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 (استسقي عمر بالعباس ومعاوية بيزيد بن الاسود رضي الله عنهم * قال (ويصلي بهم ركعتين كصلاه العيد ويقرأ في احدى الركعتين انا أرسلنا نوحا) * قد روينا عن ابن عباس رضي عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم (صلي ركعتين كما يصلي العيد) وفي رواية صنع في الاستسقاء ما صنع في الفطر والاضحى) فينبغي أن ينادى لها الصلاة جامعة ويكبر في الاولى سبع تكبيرات زائدة وفي الثانية خمسا ويجهر فيهما بالقراءة ويقرأ في الاولي سورة ق وفي الثانية اقتربت وعن بعض الاصحاب أنه يقرأ في احدى الركعتين (انا أرسلنا) حكاه الصيد لانى وغيره وهو المذكور في الكتاب ولتكن تلك الركعة هي الثانية ويقرأ في الاولي ق رعاية لنظم السور وهكذا حكاه في التهذيب ثم روى المحاملى عن لفظ الشافعي رضي الله عنه أنه يقرأ فيها ما يقرأ في العيدين وان قرأ (انا أرسلنا) كان حسنا وهذا يشعر بانه لا خلاف في المسألة وان كلا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 سائغ ومنهم من اثبت خلافا في أن الاحب ماذا وقال (الاصح) أنه يقرأ فيها ما يقرأ في العيد وعلى هذه الطريقة اعلم قوله (انا ارسلنا) بالواو وسبب تعيين هذه السورة انا لائقة بالحال لما فيها من ذكر الاستسقاء قال الله تعالي جده (فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا) (واما) وقت اقامة هذه الصلاة فمنهم من قال هي كصلاة العيد في الوقت لان النبي صلي الله عليه وسلم (صلاها في هذا الوقت) وهذا ما ذكره صاحب التهذيب وحكاه الامام عن الشيخ ابى علي واستغر به وذكر الروياني وآخرون ان وقتها يبقي بعد الزوال ما لم يصل العصر ولك ان تقول قدمنا وجهين ذكر هما الائمة في أن صلاة الاستسقاء هل تكره في أوقات الكراهية أم لا ومعلوم أن الاوقات المكروهة غير داخلة في وقت صلاة العيد ولا فيه مع انضمام ما بين الزوال والعصر إليه فيلزم أن لا يكون وقت الاستسقاء منحصرا في ذلك وليس لحامل أن يحمل الوجهين في أوقات الكراهية على قضائها فان صلاة الاستسقاء لا تقضي وقد صرح صاحب التتمة بان صلاة الاستسقاء لا تختص بوقت دون وقت بل أي وقت صلاها من ليل أو نهار جاز وقوله ويصلى ركعتين معلم بالحاء لما سبق انه لا تستحب الصلاة وقوله كصلاة العيد بالميم والالف لان عند مالك ليس في هذه الصلاة تكبير. زائد وبه قال أحمد في رواية * قال (ثم يخطب كخطبة العيد ولكن يبدل التكبيرات بالاستغفار ثم يبالغ في الدعاء في الخطبة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 الثانية ويستقبل القبلة فيهما ويحول رداءه تفاؤلا بتحويل الحال فيقلب الاعلي الي الاسفل واليمين إلي اليسار والظاهر إلى الباطن ويتركه كذلك إلى ان ينزع ثيابه) * قوله ثم يخطب مرقوم بالالف لان عنده لا خطبة لصلاة الاستسقاء ولكن يدعوا لامام ويكثر في دعائه من الاستغفار وهو مخير بين أن يدعو قبل الصلاة أو بعدها وعند يخطب له لما روى ابن عباس رضى اللله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم (صنع في الاستسقاء كما صنع في العيد) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم (خرج إلى الاستسقاء فصلى ركعتين وخطب) إذا ثبت ذلك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 فينبغي أن يخطب خطبتين وهما في الاركان والشرائط كما تقدم ويبدل التكبيرات المشروعة في أول خطبتى العيد بالاستغفار فيقول (استغفر الله الذى لا إله إلا هو الحى القيوم واتوب إليه) ويختم كلامه بالاستغفار أيضا ويكثر منه في الخطبة ومن قول (استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل المساء عليكم مدرارا) ويجوز أن يعلم قوله يبدل التكبيرات بالاستغفار بالواو لان صاحب البيان حكى عن المحاملى انه يكبر في أول الخطبتين كما يكبر في أول خطبتى العيد وقوله لكن يبدل استدراك واستثناء عن تشبيه هذه الخطبة بخطبة العيد لكن افتراقهما غير منحصر فيه بل يفترقان في أمور أخر (منها) أنه يستقبل القبلة في الخطبة الثانية كما سنذكر (ومنها) أن يدعوا في الاول بما روي عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان إذا استسقى قال اللهم اسقنا غيثا معيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا مجللا سحا طبقا دائما اللهم استقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم ان بالعباد والبلاد من اللاواء والجهد والضنك ما لا نشكوا الا اليك اللهم انبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء وانبت لنا من بركات الارض اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعرى واكشف عنا من البلاء ما لا يشفه غيرك اللهم انا نستغفرك انك كنت غفارا فارسل السماء علينا مدرارا) ويكون في الخطبة الاولى وصدر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 الثانية مستقبلا للناس مستدبرا للقبلة كما في الجمعة والعيد ثم يستقبل القبلة ويبالغ في الدعاء سرا وجهرا قال لله تعالي جده (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) وإذا أسر دعا الناس سرا ورفعوا أيديهم في الدعاء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 وقد روى عن أنس رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم (استسقي فاشار بظهر كفيه الي السماء) قال العلماء وهكذا السنة من دعا لدفع البرء جعل ظهر كفيه الي السماء وإذا سأل الله تعالى شيئا جعل بطن كفه إلى السماء قال الشافعي رضي الله عنه وليكن من دعائم في هذه الحالة اللهم انت امرتنا بدعائك ووعدتنا اجابتك وقد دعوناك كما امرتنا فاجبنا كما وعدتنا اللهم فامنن ععلينا بمغفرة ما قارفنا وإجابتك في سقيانا وسعة رزقنا وقوله في الكتاب ويستقبل القبلة فيها ربما أوهم استحباب الاستقبال في جميعها وليس كذلك بل المراد أنه يستقبل القبلة في أثنائها ثم إذا فرغ من الدعاء مستقبلا أقبل بوجهه علي الناس وحضهم على طاعة ربهم ويصلوا علي النبي صلي الله عليه وسلم وسلم ويدعو المؤمنين والمؤمنات ويقرأ آية أو آيتين ويقول استغفر الله لي ولكن ثم ينزل هذا لفظ الشافعي رحمه الله ويستحب عند تحوله إلى القياسم أن يحول رداءه وهل ينكسه مع التحويل فيه قولان (الجديد) نعم (والقديم) لا وبه قال مالك واحمد وعند أبى حنيفة رحمهم الله لا يفعل واحدا منهما والتحويل أن يجعل ما علي عاتقه الايمن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 102 على عاتقه الايسر وبالعكس والتنكيس أن يجعل أعلاه أسفله وبالعكس اما التحول فهو منقول عن فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم واما التنكيس فقد نقل انه هم به لكن كان على خميصة فثقلت عليه فقلبها من الاعلى الي الاسفل فرأى الشاقعي رضي الله عنه في الجديد اتباعه فيما هم به لظهور السبب الداعي الي الترك ومتي جعل الطرف الاسفل الذى علي شقه الايسر على عاتقه الايمن والطرف الاسفل الذي علي شقه الايمن علي عاتقه الايسر فقد حصل التحويل والتنكيس جميعا وهذا كله في الرداء المربع فاما المقور والمثلث فليس فيه الا التحويل والناس يفعلون بارديتهم مثل ما فعل الامام والسبب في ذلك التفاؤل بتحويل الحال من الجدوبة إلي الخصب وكان النبي صلي الله عليه وسلم يحب التفاؤل وإذا حولوا الاردية تركوهها كذلك الي ان ينزعوا الثياب (وقوله) ويحول رداءه مرقوم بالحاء لما ذكرنا وقوله فيقلب مرقوم به أيضا وبالميم والالف والواو للقول القديم الصائر الي انه لا يقلب الا على إلى الاسفل وهذا الكلام تفسير منه للتحويل والتنكيس مندرج فيه فقد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 أخذ في التفسير قلب الظاهر إلي الباطن وإنما قلد فيه امام الحرمين رحمه الله فانه حكي عن الجديد أنه يقلب اسفل الرداء الي الاعلى ويقلب ما كان من جانب اليمين إلى اليسار ويقلب ما كان باطنا يلى الثياب منه إلى الظاهر فتحصل ثلاثة أوجه من التقليب (وأعلم) أن هذا الوجه الثالث لم يذكره الجهور وليس في لفظ الشافعي رضي الله عنه تعرض له والوجه حذفه لان الامور الثلاثة لا يمكن اجتماعها الا بوضع ما كان منسد لا علي الرأس أو لفه عليه ومعلوم أن هذه الهيئة غير مأمور بها وليست هي من الارتداء في شئ وفيما عدا ذلك لا يجتمع من الامور الثلاثة الا اثنان أما قلب اليمين إلى اليسار مع قلب الظاهر الي الباطن أو قلب اليمين إلي اليسار مع قلب الاعلي الي الاسفل أو قلب الظاهر إلى الباطن مع قلب الاعلى إلى الاسفل فان شككت فيه فجربه يزل شكك * قال * (كتاب الجنائز) * (المحتضر يستقبل به القبلة فيلقى علي قفاه (ح م) واخمصاه الي القبلة ويلقن كلمة الشهادة ويتلي عليه سورة يسن وليكن هو في نفسه حسن الظن بربه تعالى جده) * يستحب لكل أحد ذكر الموت قال صلي الله عليه وسلم (اكثر واذكرها ذم اللذات) يعنى الموت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 وينبغي أن يكون مستعدا له بالتوبة ورد المظالم فربما ياتيه فجاة وكل ذلك للمريض آكد ويستحب له الصبر على المرض والتداوى وترك الانين ما أطاق ويستحب لغيره عيادته ان كان مسلمال وان كان ذميا جازت عيادته ولا يستحب الا لقرابة أو جوار ونحو هما ثم العائد ان رأى امارة البرء دعا للمريض وانصرف وان رأى خلاف ذلك رغبه في التوبة والوصية إذا عرفت ذلك فغرض الفصل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 الكلام في آداب المحتضر وقد ذكر منهما اربعة (أحدها) أن يستقبل به القبلة وفي كيفيته وجهان (أحدهما) انه يلقي علي قفاه واخمضاه إلى القبلة كالموضوع علي المغتسل (والثانى) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله انه يضجع علي جنبه الايمن مستقبل القبلة كالموضوع في اللحد لانه أبلغ في الاستقبال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 والوجه الاول هو المذكور في الكتاب لكن الثاني اظهر عند الكثيرين ولم يذكر اصحابنا العراقيون سواه وحكي عن نص الشافعي رضى الله عنه واحتجوا له بما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (إذا نام أحدكم فليتوسد يمينه) واستثنوا ما إذا ضاق المكان فلم يمكن وضعه علي جنب أو كان به علة تمنع من ذلك فحينئذ يلقى علي قفاه ويجعل مستقبلا بوجهه ورجليه (والثاني) تلقين كلمة الشهادة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 قال صلى الله عليه وسلم (لقنوا موتا كم قول لا إله إلا الله) وقال من كان آخر كلامه لا اله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 الا الله دخل الجنة) والاحب أن لايح الملقن عليه ولا يواجهه بان يقول قل لا اله الا الله ولكن يذكر الكلمة بين يديه ليتذكرها فيذكرها أو يقول ذكر الله تعالي مبارك فنذكر الله جميعا ويقول سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر وإذا قال مرة لا تعاد عليه الا أن يكلم بعدها بكلام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 والاحب أن يلقن غير الورثة فان لم يحضر غيرهم لقن اشفقهم عليه (والثالث) تتلي عليه سورة يسن لما روى انه صلي الله عليه وسلم: قال (اقرؤ اين علي موتاكم) واستحب بعض التابعين المتأخرين قراءة سورة الرعد عنه ايضا (والرابع) ينبغى ان يكون حسن الظن بالله عزوجل لما روى جابر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 110 رضى الله عنه قال (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث لا يموتن احدكم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 الا وهو يحسن الظن بالله عزوجل) ويستحب لمن عنده تحسين ظنه وتطميعه في رحمة الله تعالى جده قال (ثم إذا مات تغمض عيناه ويشد لحياه بعصابة وتلين مفاصله ويستر بثوب خفيف ويوضع علي بطنه سيف أو مرآة) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 هذا الفصل في الآداب المشروعة بعد الموت وقبل الغسل (اولها) ان يغمض عيناه لما روى ان النبي صلي الله عليه وسلم (اغمض أبا سلمة) لما مات ولانه لو لم يغمض لبقيت عيناه مفتوحتين وقبح منظره (وثانيها) أن تشد لحياه بعصابة عريضة تأخذ جميع لحييه ويربطها فوق رأسه لئلا يبقى فمه منفتحا فتدخله الهوام (وثالثها) ان تلين مفاصله بان يرد المتعهد ساعده إلى عضده ثم يمدها ويرد ساقيه الي فخذيه وفخذيه الي بطنه ثم يردها ويلين اصابعه ايضا ليكون الغسل اسهل فان في البدن بعد مفارقة الروح بقية حرارة ن الينت المفاصل في تلك الحالة لانت والا لم يمكن تليينها بعد ذلك (ورابعها) يستر جميع بدنه بثوب خفيف لما روى انه صلي الله عليه وسلم (لما تو في سجي ببرد حبرة) ولا يجمع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 عليه اطباق الثياب حتى لا يتسارع إليه الفساد ويجعل اطراف الثوب الساتر تحت رأسه ورجليه لئلا ينكشف (وخامسها) يوضع علي بطنه شئ ثقيل من سيف أو مرآة أو نحوهما فان لم يكن حديد فقطعة طين رطب لئلا ينتفخ ويصان المصحف عنه فهذه الخسمة هي المذكورة في الكتاب ويتولي هذه الامور ارفق محارمه به باسهل ما يقدر عليه (ومنها) ان يوضع علي شئ مرتفع من سرير ونحوه لئلا تصيبه نداوة الارض فيتغير (ومنها) ان يستقبل به القبلة كما في المحتضر (ومنها) ان ينزع عنه ثيابه التى مات فيها فانه علي ما حكى يسرع إليه الفساد (ومنها) أن يبادر إلي قضاء دينه وتنفيذ وصيته ان تيسر ذلك في الحال (ومنها) أن يستقبل به القبلة كما في المحتضر (ومنها) أن ينزع عنه ثيابه التي مات فيها فانها علي ما حكي تسرع إليه الفساد قال (ثم يشتغل بغسله واقله امرار الماء علي جميع اعضائه وفي وجوب النية علي الغاسل وجهان فان أوجبنا لم تصح من الكافر وأعيد غسل الغريق) يستحب المبادرة إلي الغسل والتجهيز عند تحقق الموت وذلك بان يكون به علة وتظهر امارات الموت مثل أن تسترخي قد ماه فلا ينتصبا أو يميل أنفه أو ينخسف صدغلاه أو تمتد جلدة وجهه أو ينخلع كفه من ذراعه أو تتقلص خصيتاه إلى فوق مع تدلى الجلدة وعند الشك يتأني الي حصول اليقين وموضعه أن لا يكون به علة ويجوز ان يكون ما أصابه سكتة أو ظهرت امارة فزع واحتمل أنه عرض ما عرض لذلك فيتوقف الي حصول اليقين بتغير الرائحة وغيره إذا عرفت ذلك فنقول غسل الميت من فروض الكفايات وكذلك التكفين والصلاة عليه والدفن بالاجماع والنظر في لا غسل في شيئين (أحدهما) في كيفيته (والثاثى) فيمن يغسل النظر الاول في كيفيته والكلام في الاقل والاكمل (اما) الاقل فلا بد من استيعاب البدن بالغسل مرة بعد أن يزال ما عليه من النجاسة ان كانت عليه نجاسة وهل تشترط النية على الغاسل فيه وجهان (أحدهما) نعم لانه غسل واجب فافتقر الي النية كغسل الجنابة (والثانى) لا لان المقصود من هذا الغسل النظافة وهي حاصلة نوى أو لم ينو وانما تشترط في سائر الاغسال على المغتسل والميت ليس من اهل النية وهذا أصح فيما ذكره القاضى الرويانى وغيره ويترتب علي الخلاف صورتان (أحداهما) لو غسل الكافر مسلما هل يجزئ ان فرعنا علي الوجه الاول فلا والا فنعم (والثانية) لو غرق انسان ثم لفظه الماء وظفر نابه ان قلنا بالاول لم يكف ما سبق ووجب غسله وانقلنا بالثاني كفى ذلك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 واعرف ههنا ثلاثة أمور (احدها) ان المحكي عن نص الشافعي رضى الله عنه في الصورة الاخيرة انه يجب الغسل ولا يكفى اصابة الماء اياه ونص فيما إذا غسلت الذمية زوجها المسلم انه يكره ويجوز وهو احد امثلة الصورة الاولي وكأن الوجهين مستنبطان من هذين النصين والظاهر في الصورتين هو الذى نص عليه (اما) في صورة غسل الكافر فهو مستمر علي ما حكينا ان الاصح عدم اشتراط النية (واما) في صورة الغريق فسبب الامر بالغسل انا مأمورون بغسل الميت فلا يسقط الغرض عنا الا بفعلنا (والثانى) ان في قولنا الكافر ليس اهلا للنية اشكالا أشرنا إليه في باب صفة الوضوء (والثالث) ان قوله واعيد غسل الغريق ان كان بضم الغين يقتضى ان يكون اصابة الماء اياه بمجردها غسلا ليكون هذا اعادة له لكن الاليق بتوجه وجوب النية أن لا يوقع اسم الغسل الا علي غسل الاعضاء مع انية والله اعلم قال (واما الاكمل فان يحمل الي موضع خال ويوضع على سرير ولا ينزع قميصه (م ح) ويحتاط في غض البصر عن جميع بدنه الا لحاجة ويحضر ماء بارد (ح) طهور ويبعد الاناء عن المغتسل حذرا من الرشاش ثم يبتدئ بغسل سوأتيه بعد لف خرقة علي اليد وبعد ان يجلس فيمسح على بطنه ليخرج الفضلات ثم يتعهد مواضع النجاسة من بدنه ثم يتعهد اسنانه ومنخريه بخرقه مبلولة ثم يوضأ ثلاثا مع امضمضة (ح) والاستنشاق) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 الفصل لذكر امور محبوبة مقدمة على نفس الغسل (أحدها) أن يحمل الميت الي موضع خال؟ مستور لا يدخله أحد الا الغاسل ومن لابد من معونته لانه في حياته كان يستتر عند الاغتسال فكذلك يستر بعد موته ولانه قد يكون ببعض بدنه ما يكره ظهوره وذكر القاضى الرويانى وغيره ان للولي أن يدخل ذلك الموضع ان شاء وان لم يغسل ولا اعان ويروى (ان غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم تولاه علي والفضل بن عباس رضى الله عنه واسامة بن زيد يتناول الماء والعباس واقف) ثم يوضع علي لوح أو سرير هئ لذلك وليكن موضع رأسه أعلي لينحدر الماء عنه ولا يقف تحته ويغسل في قميص خلافا لابي حنيفة حيث قال الاولى ان يجرد ويروى مثله عن مالك وحكاه القاضي بن كج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 وجها عن بعض الاصحاب لنا أنه استر له ولان النبي صلي الله عليه وسلم (غسل قميص) دل انه افضل وليكن القميص باليا أو سخيفا ثم ان كان القميص واسعا ادخل يديه في كميه وغسله من تحته وعلى يده خرقة وان كان ضيقا فتق رؤس الدخاريص وادخل اليد في موضع الفتق فلو لم يحسد قميصا أو لم يتأت غسله فيه ستر منه ما بين السره والركبة وحرم النظر إليه لما روى عن على كرم الله وجهه ان النبي صلى الله عليه وسلم (قال لا تبرز فخندك ولا تنظر إلى فخذ حى ولا ميت) وعند أبى حنيفه يلقى خرقة علي فرجه وفخذه مكشوفة ويكره للغاسل ان ينظر الي شئ من بدنه الا لحاجة بان يريد معرفة المغسول من غيرر المغسول والمعين لا ينظر الا لضرورة (وقوله له) في الكتاب ولا ينزع قميصه غير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 هذه العبارة اولي منها لانها توهم كونه في قميص قبل حالة الغسل والمحبوب نزع الثياب المخيطة عنه من حين مات إلي وقت الغسل والقميص الذى يغسل فيه يلبس عند غسله ذكره المسعودي وغيره (الثاني) يحضر ماء بارد في اناء كبير كالحب ونحوه ليغسل به وهو أولي من المسخن الا أن يحتاج الي المسخن لشدة البرد أو لوسخ وغيره وعند أبي حنيفة المسخن اولي بكل حال * لنا أن البارد يشد بدنه والمسخن يرخيه فكان البارد أولي وينبغى أن يبعد الاناء الذى فيه الماء عن المغتسل بحيث لا يصيبه رشاش الماء عند الغسل اما من صار إلي قول نجاسة الآدمى بالموت قال لئلا ينجس بالرشاش الذى يصيبه وربما احتج بهذه المسألة على النجاسة (وأما) من نصر القول الصحيح وهو طهارته قال انما يبعد عنه لتكون النفس أطيب في أن لا يتقاطر الماء إليه وأيضا فالماء المستعمل إذا كثر تقاطره فقد يثبت لما يتقاطر إليه حكم الاستعمال فيخرج عن كونه طهورا وأما وصفه الماء المحضر بكونه طهورا ففيه فائدة على طهوره وهى انا نستحب استعمال السدر في بعض الغسلات على ما سيأتي لكن الظاهر ان الفرض لا يسقط به فلا يجوز أن يكون المماء المحضر مغيرا باسدر (والثالث) يعد الغاسل قبل الغسل خرقتين نظيفتين وأول ما يبدأ به بعد وضعه على المغتسل أن يجلسه اجلاسا رفيقا بحيث لا يعتدل ويكون مائلا إلي ورائه ويضع يده اليميني على كيفيه وابهامه في نقرة قفاه حتي لا يتمايل راسه ويسند ظهره إلى ركبته اليميني ويمر يده اليسرى علي بطنه امرارا بليغا ليخرج ما فيه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 من الفضلات وينبغى أن تكون المجمرة والحالة هذه متقد مة فائحة بالطيبت والمعين يصب عليه ماء كثيرا لئلا تظهر رائحة ما يخرج ثم يرده علي هيئة الاستلقاء ويغسل بيساره وهى ملفوقة باحدى الخرقتين دبره ومذاكريه وعانته كما يستنجي الحى ثم يلقى تلك الخرقة ويغسل يده بماء واشنان ان تلوث (وقوله) في الكتاب ثم يبتدى بغسل سواتية بعد لف خرقة اليد يشعر بانه يغسل السوأتين معا بخرقة واحدة وكذلك ذكر الجمهور وسيحكى ما يفعله بالخرقة الثانية من الخرقتين المعدتين وفي النهاية والوسيط انه يغسل كل سوأة بخرقة ولا شك انه ابلغ في التنظيف (وقوله) ثم يتعهد مواضع النجاسة من بدنه فيه اشكال لانه ان كانت عليه نجاسة فازالتها قبل الغسل واجبة علي ما تقدم في غسل الاحياء فلا ينبغى ان يدرج في حد الاكمل ولم يذكر صاحب النهاية لفظ النجاسة في هذا الموضع لكن قال ان كان ببدنه قذر اعتنى به ولف خرقة على يده وغسله (الرابع) إذا فرغ من غسل سوأتيه لف الخرقة الاخرى علي اليد وادخل اصبعه في فيه وامرها على اسنانه بشئ من الماء ولا يقعر فاه وكذا يدخل طرف اصبعه في منخريه بشئ من الماء ليزيل ما فيها من الاذي ثم يوضئه كما يتوضأ الحي ثلاثا ثلاثا ويراعي المضمضة والاستنشاق خلافا لابي حنيفة * لنا ان النبي صلى الله عليه وسلم (قال للواتي غسلن ابنته ابدأن بمواضع الوضوء منها) وموضع المضمضة والاستنشاق من مواضع الوضوء (ثم لفظ) الكتات وكلام الاكثرين يقتضي ان يكون ادخال الاصبع في الفم والمنخرين غير المضمضة والاستنشاق وانه في الفم بمنزلة السواك وغرضه التنظيف وفي الشامل وغيره ما يدل على ان المضمضة والاستنشاق ليسا وراء ذلك والظاهر الاول ثم يميل رأسه في المضمضة والاستنشاق حتي لا يصل الماء الي باطنه وهل يكتفى بوصول الماء الي مقاديم الشعر والمنخرين ام يوصل الماء الي الداخل حكي امام الحرمين فيه ترددا الخوف وصول الماء إلى جوفه وتأثيره في تسارع الفساد إليه وقطع بانه لو كانت اسنانه متراصة لم يكلف فتحها * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 119 قال (ثم يتعهد شعره بمشط واسع الاسنان ثم يضجع علي جنبه الايسر ويصب الماء علي شقه الايمن ثم يضجع علي شقه الايمن ويصب الماء علي الشق الايسر وذلك غسله واحده ثم يفعل ذلك ثلاثا فان حصل الانقاء والا فخمس أو سبع ثم يبالغ في تنشيفه صيانة للكفن ويستعمل قدرا من الكافور لدفع الهوام ويستعمل السدر في بعض الغسلات ولا يسقط (ح) الفرض به) * (إذا فرغ من توضيئه غسل رأسه ثم لحيته بالسدر والخطمي وسرحهما بمشط واسع الاسنان ان تلبد شعرهما ويرفق حتى لا ينتف شئ وان انتف رده إليه وليكن قوله بمشط معلما بالحاء والالف لان عندهما لا يتعهده بالمشط لكن يغسل ويزيل الوسخ * لنا ما روى أنه صلي الله عليه وسلم (قال افعلوا بميتكم ما تفعلون بعروسكم) ومعلوم أن العروس يسرح شعرها ثم يضجع علي جنبه الايسر فيصب الماء علي شقه الايمن ثم يضجع على جنبه الايمن فيصب الماء على شقه الايسر هكذا ذكره صاحب الكتاب والامام في آخرين والاكثرون زادوا في هذه الكيفية ونقصوا فقالوا يغسل شقه الايمن المقبل من عنقه وصدره وفخذه وساقه وقدمه ثم يغسل شقه الايسر كذلك ثم يحرفه إلى حنبه الايسر فيغسل شقه الايمن مما بلى القضا والظهر من الكتف إلى القدم ثم يحرفه الي جنبه الايمن فيغسل شقه الايسر كذلك وهذا ما ذكره الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 الشافعي رضي الله عنه في المختصر وحكى أصحابنا العراقيون وغيرهم قولا آخر أنه يغسل جنبه الايمن من مقدمه ويحوله فيغسل جانب ظهره الايمن ثم يلقيه على ظهره فيغسل جانبه الايسر من مقدمه ثم يحوله ويغسل جانب ظهره الايسر قالوا وكل واحد من الطريقين سائغ والاول أولي وليس في هذين الطريقين اضجاع على الجانب الايسر في أول الامر بل هو مستلق فيهما الي أن يغسل بعضه ثم يجرى الاضجاع فلا فلا بأس لو أعلمت قوله ثم يضجع علي جنبه الايسر بالواو وانما أمرناه بالابتداء بالميامن لان النبي صلى الله عليه وسلم (أمر غاسلات ابنته بان يبدأن بميامنها) ويجب الاحتراز عن كبه غلى الوجه وإذا عرفت ذلك فاعلم ان جميع ما ذكرناه غسلة واحدة وهذه الغسلة تكون باماء والسدر والخطمي تنظيفا وانقاء له ثم يصب عليه الماء القراح من فرقه الي قدمه ويستحب أن يغسله ثلاثا فان لم يحصل النقاء والتنظيف زاد حتى يحصل فان حصل بشفع فالمستحب ان يزيد واحدة ويختم بالوتر روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لغاسلات ابنته رضى الله عنها أغسلنها ثلاثا خمسا سبعا) وهل يسقط الفرض بالغسلة التى فيها السدر والخطمى ذكر في الكتاب فيه وجهين (أحدهما) نعم ونسبه في النهايه إلى أبى اسحق المروزى لان المقصود من غسل الميت التنظيف فالاستعانة بما يزيد في التنظيف مما لا يقدح (وأظهرهما) لا لان التغير به فاحش سالب للطهورية فاشبه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 ما لو استعمله الحى في وضوءه وغسله وعلي هذا فتلك الغسلة غير من الغسلات الثلاث وهل تحسب الغسلة الواقعة بعدها فيه وجهان (أحدهما) نعم لانها غسلة بماء طهور لم يخالطه شئ وهذا اصح عند القاضى الروياني وأظهرهما عند الاكثرين ولم يذكر في التهذيب سواه انها لا تحسب لان الماء إذا أصاب المحل اختلط بما عليه من السدر وتغير به فعلي هذا المحسوب ما يصب عليه من الماء القراح بعد زوال السدر ويستحب أن يجعل في كل ماء قراح كافورا وهو في الغسلة الاخيرة آكد لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال لام عطية وهى من غاسلات بنته رضى الله عنها (واجعلي في الاخيرة كافورا) والسبب فيه ان رائحته مطردة للهوام وليكن قليلا لا يتفاحش التغير به ولا يسلب الطهورية وقد يكون صلبا لا يقدح التغير به وان كان فاحشا على الصحيح لانه مجاور وبعيد تليين مفاصله بعد الغسل لانها لانت بالماء فيتوخي بالتليين بقاء لينها كما ذكرنا في التليين عقيب الموت ونقل المزني اعادة التليين في أول وضعه على المغتسل وانكره اكثر الاصحاب ثم ينشفه ويبالغ فيه كيلا تبتل اكفانه فيسرع إليه الفساد هذا تمام مسائل الفصل * ثم أعرف أمورا (منها) أن صاحب الكتاب في الوسيط والامام في النهاية أشارا إلى أن تعهد الشعر بالغسل والتسريح ليس من نفس الغسل بل هو من مقدماته كالوضوء وغيره ولذلك قالا يصب الماء على شقه الايمن مبتدئا من رأسه إلى قدمه والاكثرون لم يذكروا صب الماء على الرأس ولكن قالوا يصبه على صفحة العنق والصدر والفخذ والساق وهذا مصير منهم الي أن غسل الرأس وتعهد الشعر من جملة الغسل وكلام الشافعي رضى الله عنه في المختصر يوافق قول الاكثرين (ومنها) أن قوله وذلك غسله واحده ثم يفعل ذلك ثلاثا يقتضى استحباب ثلاث غسلات بعد تلك الغسله وهو صحيح بناء علي أن تلك الغسله بالماء المتغير بالسدر والخطمي وأن المحسوب الغسل بالماء القراح فانه حينئذ يراعي ثلاث غسلات بعدها بالماء القراح (وقوله) بعدها أو يستعمل السدر في بعض الغسلات ذلك البعض هو الغسله الاولى نصوا عليه كاقدمناه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 122 وانما أبهم ذكره المصنف وشيخه وربما أوهم ايراده عد الغسلة التى فيها السدر من الثلاث وتخصيص الخلاف بان الفرض هل يسقط بها فيجب الاحتراز عن الوهم ومعرفة انا إذا لم نسقط الفرض بها لا نحسبها من الثلاث أيضا يجوز ان يرقم لفظ الثلاث والخمس والسبع بالميم لانه روى عن مالك أنه لا اعتبار بالعدد وانما المعتبر الابقاء (وقوله) يستعمل قدرا من الكافور مرقوم بالحاء لان أبا حنيفه قل لا أعرف الكافور وذكر في السدر انه يغسل انه يغسل مرة بالماء القراح وأخرى بالسدر وثالثة بالماء القراح * (قال فان خرجت نجاسة بعد الغسل أزيلت النجاسة ولم يعد الغسل على الصحيح وفي اعادة الوضوء وجهان) * يتعهد الغاسل مسح بطن الميت في كل مرة بارفق مما قبلها فلو خرجت منه نجاسة في آخر الغسلات أو بعدها ففيه ثلاثة أوجه (احدها) وبه قال ابن أبى هريرة يجب اعادة غسله ليكون خاتمة أمره علي كمال الطهارة (وأصحهما) وبه قال مالك وأبو حنيفة والمزني رحمهم الله انه لا يجب شئ سوى ازالة النجاسة لسقوط الفرض بما وجد وحصول غرض التنظيف وربما نبى الخلاف في وجوب الغسل وعدمه علي اختلاف قراءة لفظ الشافعي رضي الله عنه فانه قال في المسألة انقاءها بالخرقة وأعاد غسله فمنهم من قرأ بضم الغين وأوجب اعادة الغسل ومنهم من قرأ بفتحها وحمله علي ازالة النجاسة وربما سلموا ان لفظه الغسل وحملوه علي الاستحباب وإذا قلنا بالوجه الصحيح فلا فرق بين النجاسة الخارجة من السبيلين وغيرها وان قلنا بوجوب الوضوء فذلك في النجاسة الخارجة من السبيلين دون غير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 وان قلنا بوجوب الغسل ففى اعادة الغسل لسائر النجاسات احتمال عند امام الحرمين قدس الله روحه ولو لمس رجل امرأة ميتة بعد غسلها فان قلنا يجب اعادة الغسل أو الوضوء بخروج الخارج فكذلك ههنا هكذا اطلق صاحب التهذيب وذكر غيره أن هذا الجواب مبني على أن الملموس ينتقض طهره وان قلنا لا يجب الا غسل المحل فلا يجب ههنا شي ولو وطئت فعلى الوجه الاول والثانى في خروج النجاسة يجب ههنا اعادة الغسل وعلى الثالث لا يجب شئ * وأعلم أن نفى وجوب الغسل أظهر من نفى وجوب الوضوء ولذلك أرسل صاحب الكتاب ذكر الخلاف في الوضوء وبين الصحيح في الغسل والنجاسة واجبة الازالة بكل حال فلذلك جزم به وقوله ولم يعد الغسل معلم بالالف لان عند احمد يعاد غسله سبع مرات ولم يتعرض الجمهور للفرق بين أن تخرج النجاسة قبل الادراج في الكفن أو بعده وأشار صاحب العدة الي تخصيص الخلاف في وجوب الوضوء والغسل بما إذا خرجت قبل الادراج والله اعلم * قال (وأما الغاسل فلا يغسل رجل امرأة الا بزوجية (ح) أو محرمية أو محرمية أو ملك يمين فيغسل السيد مستولدته وأمه (ح) وتغسل الزوجة زوجها ولا تغسل المستولدة والامة سيدهما على أحد الوجهين لان الموت ينقل ملك اليمين ويقرر ملك النكاح) * النظر الثاني فيمن يتولي الغسل والاصل أن يغسل الرجال الرجال والنساء النساء وأولى الرجل بغسل الرجل أولاهم بالصلاة عليه وسيأتي ترتيبهم فيها والنساء أولي بغسل المرأة بكل حال لان عورتها بالاضافة إليهم أخف وليس للرجل غسل المرأة الا باحد أسباب ثلاثة (أولها) الزوجية فللزوج غسل زوجته خلافا لابي حنيفة وذكر صاحب الشامل أن عند احمد رواية مثل فول أبى حنيفة والاصح عنه مثل قولنا * لنا ما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال لعائشة (لو مت قبلى لغسلتك وكفنتك) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 (وغسل علي فاطمة رضى الله عنهما) وله ذلك وإن تزوج باختها أو باربع سواها في أصح الوجهين ولو كانت الزوجه ذمية فله أن يغسلها إن شاء (والثانى) المحرمية وسياق الكلام في الكتاب يقتضى تجويز الغسل للرجال المحارم مع وجود النساء لان قوله لا يغسل رجل امرأة إلا بكذا وكذا مفروض في حال الاختيار والا فعند الضرورة قد يجوز للاجانب غسلها أيضا كما سيأتي لكن لم أر لعامة الاصحاب تصريحا بذلك وإنما يتكلمون في الترتيب ويقولون أن المحارم بعد النساء اولي (والثالث) ملك اليمين فيجوز للسيد غسل أمته ومدبرته وأم ولده خلافا لابي حنيفة فيما رواه في الشامل * واحتج لنا بانه يلزمه الاتفاق عليهما بحكم الملك فكان له أن يغسلها كالحية ويجوز له غسل المكاتبة أيضا لان الكتابة ترتفع بموتها وهذا كله إذا لم يكن مزوجات ولا معتدات فان كن مزوجات أو معتدات لم يكن له غسلهن وكما يغسل الزوج زوجته تغسل الزوجة زوجها خلافا لاحمد في رواية والاصح عنه موافقة الجمهور بان طلقها طلقة رجعية ومات احدهما في مدة العدة فليس للآخر غسله لحرمة النظر والمس في الحياة والي متي تغسل المرأة زوجها فيه ثلاثة أوجه (احدها) ما لم تنقض عدتها فان انقضت بوضع الحمل عقيب الموت لم تغسله وبه قال أبو حنيفة (والثاني) تغسله ما لم تنكح (والثالث) وهو الاصح ابدا وهو الذى ذكره في الكتاب في باب العدة وإذا غسل إحدى الزوجين لف خرقة علي يده ولم يمسه فان خالف فقد قال القاضى يصح الغسل ولا يبنى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 علي الخلاف في انتقاض طهر الملموس والله اعلم * وهل يجوز لام الولد والمدبرة والامة غسل السيد فيه وجهان (احدهما) وبه قال احمد نعم لانهن محللات له فاشبهن الزوجة (واظهرهما) وبه قال أبو حنيفة لا لان الموت ينقل ملك اليمين أما في حق الامة فالي الورثة وأما في المدبرة وام الولد فلانهما يعتقان بموته فكان الملك في رقبتهما ينتقل اليهما بخلاف ملك النكاح لا تنقطع حقوقه بالموت ألا ترى انهما يتوارثان وليس للمكاتبة غسل السيد فانها محرمة عليه قبل الموت * قال (فان ماتت المرأة ولم يحضر الا احنبى غسلها (م ح) وغض البصر وقيل تيمم وكذا الخنثى يغسله رجل أو امرأة استصحابا بحكمه في الصغر) * في الفصل مسألتان (احداهما) لو ماتت امرأة وليس هناك الارجل اجنبي ففيه وجهان (احدهما) انها لا تغسل ولكن تيمم وتدفن ويجعل فقد الغاسل كفقد الماء وبهذا قال مالك وأبو حنيفة (والثاني) أنه يغسلها في ثيابها ويلف خرقة علي يده ويغض الطرف ما امكنه فان اضطر إلى النظر عذر للضرورة وعن احمد روايتان كالوجهين فيجوز أن يعلم قوله غسلها بالحاء والميم ثم إيراد الكتاب يقتضي ترجيح الوجه الثاني وهكذا ذكره الامام وحكاه عن القفال لكن الاظهر عند اصحابنا العراقيين والقاضي الرويانى والاكثرين هو الاول والوجهان جاريان فيما لو مات رجل وليس هناك إلا امرأة اجنبية (الثانية) الخنثى المشكل إذا مات وليس هناك محرم له من الرجال والنساء ينظر إن كان صغيرا بعد جاز للرجال والنساء غسله وكذا واضح الحال من الاطفال يجوز للفريقين جميعا غسله كما يجوز مسه والنظر إليه وان كان كبيرا فهل يغسل فيه وجهان كالوجهين في المسألة السابقة لانه بجوز أن يكون رجلا فيمتنع مسه على النساء أو امرأة فيمتنع مسها علي الرجال (أحدهما) انه ييمم ويدفن وبه قال أبو حنيفة رحمه الله (والثانى) أنه يجوز غسله ومن الذى يغسله فيه وجوه (احدها) أنه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 يشترى من تركته جارية لتغسله فان لم يكن له تركة فيشترى من بيت المال قال الائمة وهذا ضعيف لان اثبات الملك ابتداء للشخص بعد موته مستبعد وبتقدير ثبوته فقد ذكرنا ان الصحيح ان الامة لا تتغسل سيدها والوجه الثاني انه في حق الرجال كالمرأة وفي حق النساء كالرجل أخذا بالاسوأ في كل واحد من الطرفين (والثالث) وبه قال أبو زيد وهو الاظهر انه يجوز للرجال والنساء غسله جميعا لانه مست الحاجة الي الغسل وكان يجوز في الصغر غسله للطائفتين فيستصحب ذلك الاصل (واعلم) انه ليس المراد من الكبير في هذا الفصل البلوغ ومن الصغر عدمه لكن المعنى بالصغير الذى لم يبلغ حدا يشتهي مثله وبالكبير الذى بلغه * قال (فان ازدحم جمع كثير يصلحون للغسل علي امرأة فالبداءة بنسساء المحارم ثم بالاجنبيات ثم بالزوج ثم بالرجال المحارم ثم ترتيب المارم كترتيبهم في الصلاة وقيل يقدم الزوج علي النساء لانه ينظر ما لا ينظرن إليه وقيل يقدم رجال المحارم علي الزوج لان النكاح انتهى بالموت) * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 الصالحون لغسلل الميت إذا ازدحموا لم يخل أما ان يكون الميت رجلا أو امراة فان كان رجلا فيغلسه قراباته على الترتيب الذى نذكره في الصلاة عليه وهل تقدم الزوجة عليهم فيه وجهان سيظهر توجيههما وان كان الميت امرأة فالنساء يقدمن في غسلها وأولاهن نساء القرابة منهن كل ذات رحم محرم فان استوت اثنتان في المحرمية فالتى هي في محل العصوبة أولى كالعمة مع الخالة واللواتي لا محرمية لهن يقدم منهن الا قرب فالاقرب وبعد نساء القرابة تقدم النساء الاجنبيات ثم رجال القرابة وترتيبهم كما سيأتي في الصلاة وهل يتقدم الزوج على نساء القرابة فيه وجهان (أظهرهما) تقديم نساء القرابة ويحكى عن نص الشافعي رضي الله عنه فان الانثي بالاناث اليق (والثاني) أنهن لا يقدمن بل الزوج يقدم عليهن لانه ينظر إلى ما لا ينظرن إليه وفي تقديم الزوج علي الرجال الاقارب أيضا وجهان (أحدهما) أنهم يقدمون عليه لان النكاح ينتهى بالموت وسبب المحرميه يدوم ويبقى (وأظهرهما) وهو اختيار القفال ان الزوج يقدم لانهم جميعا ذكور وهو ينظر الي ما لا ينظرون إليه فيقدم وأحكام النكاح تبقي بعد الموت ولولاه لما جاز له غسل الزوجة وجميع ما ذكرناه من التقديم فهو بشرط ان يكون المحكوم بتقديمه مسلما فلو كان كافرا فهو كالمعدوم ويقدم من بعده حتى يقدم المسلم الأجنبي علي القريب المشرك ويشترط أيضا ان لا يكون فاتلا نعم لو كان قاتلا بحق فيبنى علي الخلاف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 في أنه هل يرث عنه ولو أن المقدم في أمر الغسل سلمه لمن بعده جاز له تعاطيه ولكن بشرط اتحاد الجنس فليس للرجال كلهم التفويض إلى النساء وبالعكس ذكره الشيخ أبو محمد وغيره وقد حكاه المصنف في الوسيط بععد اطلاق الغسل المتأخر واشعر كلامه بوجهين في اعتبار الشرط المذكور * قال (فرع: المحرم لا يقرب طيبا ولا يستر رأسه بل يبقى (م ح) اثر الاحرام وهل تصان المعتدة عن الطيب فيه وجهان وغير المحرم هل يقلم ظفره ويحلق شعره الذى يستحب في الحياة حلقه فيه قولان) ذكرنا انه يطرح قدر من الكافور في الماء الذى يغسل به الميت وذلك في غير المحرم فاما المحرم فلا يقرب منه طيبا ابقاء لحكم الاحرام وكذلك لا يستر راسه ان كان رجلا ووجهه ان كان امراة ولا يلبس المخيط ولا يؤخذ شعره وظفره وبه قال احمد خلافا لابي حنيفة حيث قال حكمه حكم سائر الموتى وروى مثله عن مالك * لنا ما روى (ان رجلا كان مع النبي صلي الله عليه وسلم فوقصته ناقته وهو محرم فمات فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا راسه فانه يبعث يوم القيامة ملبيا) ولا بأس بالتجمير عند غسله كما لا بأس بجلوس المحرم عند العطار وإذا ماتت المعتدة التي تحد هل يجوز تطيبها فيه وجهان (احدهما) لا صيانة لها عما كان حراما عليها في حياتها كالمحرم وبهذا قال أبو اسحق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 واظهرهما) نعم لان التحريم كان احترازا عن الرجال وتفجعا لفراق الزوج وقد زال المعنيان بالموت بخلاف المحرم فان التحريم في حقه لحق الله تعالي جده فلا يزول بالموت وهل تقلم اظفار غير المحرم من الموتي ويؤخذ شاربه وشعر إبطه وعانته فيه قولان (القديم) لا وبه قال مالك وأبو حنيفة والمومنى رحمهم الله لان مصيره الي البلي وصار كلاقلف لا يختن بعد موته (والجديد) وبه قال احمد نعم كما يتنظف الحي بهذه الاشياء وقد روى انه صلى الله عليه وسلم قال (اصنعوا بموتاكم ما تفعلون بعروسكم) والقولان في الكراهية ولا خلاف في ان هذه الامور لا تستحب كذلك ذكره القاضي الرواياني ونقل تفريعا على الجديد انه يتخير الغاسل في شعر الابط بين النتف والازالة بالنورة ويأخذ شعر العانة بالجلم أو الموسي أو النورة وحكى عن بعض الاصحاب انه لا يزال الا بالنورة احتراز عن النظر إلى الفرج وقوله في الكتاب الذى يستحب في الحاية حلقه فية اشارة؟ الي انه لا يحلق شعر الرأس بحال فان ازالته غير مأمور بها الا في المناسك ومنهم من طرد الخلاف في شعر الرأس إذا كان من عادة الميت الحلق في حالة الحياة (واعلم) ان جميع ما ذكرناه في وظيفة الغسل مفروض في حق غير الشهيد فأما الشهيد فسيأتي حكمه في فصل الصلاة على الميت ولو احترق مسلم ولو غسل لهرى لا يغسل بل ييمم محافظة علي جثته لتدفن بحالها ولو كان عليه قروح وخيف من غسله تسارع البلى إليه بعد الدفن غسل ولا مبالاة بما يكون بعده فالكل صائرون إلى البلى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 130 قال (القول في التكفين والمستحب في لونه البياض وفي جنسه القطن والكتان دون الحرير فانه يحررم للرجال ويكره للناس وأما عدده فاقله ثوب واحد ساتر لجميع البدن والثاني والثالث حق الميت في التركة تنفذ وصية باسقاطهما وليس للورثة المضايقة فيهما وهل للغرماء المنع منهما فيه وجهان ومن لا مال له يكفن من بيت المال ويقتصر علي ثوب واحد في أظهر الوجهين وفي وجوب الكفن علي الزوج وجهان) * يتضح الفصل برسم مسائل (أحداها) أن المستحب في لون الكفن البياض لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (خير ثيابكم البيض فاكسوها أحياءكم وكفنوا فيها موتاكم) وجنسه في حق كل ميت ما يجوز لبسه في حال الحياة فيجوز تكفين المرأة بالحرير لكنه يكره لانه سرف غير لائق بالحال ويحرم تكفين الرجال به كلبسه في الحياة ولك ان تقول قوله ومن جنسه القطن والكتان اما ان يريد استحباب هذين النوعين علي الخصوص أو يشير بهما إلى جميع الانواع المباحة ويكون التقدير القطن والكتان وما في معناهما أما الاول فقضيته تقديم النوعين علي سائر الانواع المباحة كالصوف وغيره وهذا شئ لم نره في كلام الاصحاب وان أرد الثاني فظاهر اللفظ معمول به في حق النساء دون الرجال اما أنه معمول به في حق النساء فلان تكفيهن بغير هذه الانواع وهو الحرير جائز وان كره فينتظم أن نقول تكفيهن بهذه الانواع مستحب واما انه غير معمول به في حق الرجال فلان استحباب شئ من هذه الانواع انا يكون إذا جاز تكفينهم بغير هذه الانواع وانه ممتنع (الثانية) أقل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 131 الكفن ثوب واحد وأحبه للرجال ثلاثة أثواب روى ان النبي صلي الله عليه وسلم (كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة) شرط صاحب الكتاب في الثوب الواحد الاقل أن يكون ساترا لجميع البدن وهكذا ذكر الامام وكثير من الاصحاب وحكى آخرون من العراقيين وغيرهم أن الواجب قدر ما يستر العورة لان الميت لى آكد حالا من الحى والواجب في الحى ستر العورة لا غير وعلي هذا يختلف الحال باختلاف حال الميت في الذكورة والانوثة لاختلاف مقدار العورة بالحالتين وجمع القاضى الروايتى وآخرون بين النقلين وجعلوا المسالة علي وجهين (أحدهما) ان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 الواجب القدر الساتر للعورة (والثانى) ان الواجب ثوب سابغ وقد حكى عن نصه في الام انه ان كان له ثوب واحد لا يغطي جميع البدن ستر به العورة لانه واجب وستر غيرها ليس بواجب وان كان يبدو رأسه أو رجلاه غطي به راسه لما روى ان مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم يخلف الا نمرة فكان إذا غطى بها رأسه بدت رجلاه وإذا غطي بها رجلاه بدا رأسه فقال صلي الله عليه وسلم (غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه من الاذخر) واعرف في قوله في الكتاب وأما عدده فأقله ثوب واحد إلي آخره شيئين (أحد هما) ان هذا اللفظ يقتضي كون الواحد عددا لكن الحساب لا يجعلون الواحد عددا ويقولون العدد ما يتركب عن الواحد (والثاني) انا وان أوجبنا ثوبا ساترا لجميع البدن فذلك في حق غير المحرم أما المحرم فلا يتر رأسه ان كان رجلا ووجهه ان كان امرأة علي ما سبق (الثالثة) الثوب الواحد على ما وصفناه حق الله تعالي جده لا تنفذ وصية الميت باسقاطه والثانى والثالث حق الميت وهى بمثابة ثياب التجمل للحي فلو أوصي باسقاطها نفذ (كما اوصي أبو بكر رضي الله عنه عنه بأن يكفن في ثوبه الخلق فنفذت وصيته (ولو لم يوص وتنازع الورثة في اكفائه واراد بعضهم الاقتصار علي ثوب واحد فقد حكي في النهاية فيه طريقين (احد هما) ان فيه وجهين كما سنذكرهما في مضايقه الغرماء فيه (والثاني) القطع بالمنع تقديما لحاجة المالك وظاهر المذهب وهو المذكور في الكتاب انه ليس لهم المضايقة سواء اثبتنا الخلاف ام لا ولو اتفق الورثة جميعا علي تكفينه في ثوب واحد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 فقد قال في التهذيب يجوز وطرد صاحب التتمة الخلاف فيه ولو كان عليه دين مستغرق فقال الغرماء لا نكفنه الا في ثوب واحد فهل يجابون إليه فيه وجهان (احدهما) لا كالمفلس الحي تترك عليه ثياب تجمله (واظهرهما) نعم فان الستر قد حصل وهو الي ابراء ذمته احوج منه الي زيادة الستر بخلاف الحي يحتاج الي التجمل ويتقلب بين الناس (الرابعة) محل الكفن رأس مال التركة ان ترك الميت ما لا يقدم علي الديون والوصايا والميراث نعم لا يباع المرهون في الكفن ولا العبد الجاني ولا المال الذى فيه الزكاة فانه كالمرهون بها وان لم يترك مالا فكفنه على من هو في نفقته فيجب علي القريب كفن القريب وعلي السيد كفن العبد وام الولد وكذلك يجب كفن المكاتب عليه لان الكتابة تنفسخ بالموت ولا فرق في الا ولاد بين الصغار والكبار لان نفقتهم واجبة إذا كانوا عاجزين زمنى والميت عاجز ذكره في التتمة وهل يجب علي الزوج تكفين الزوجة ومؤنتها فيه وجهان (أحدهما) وبه قال ابن أبي هريرة لا لان مؤنة الزوجة انما تجب علي الزوج في مقابلة التمكين من الاستمتاع فإذا ماتت فقد زال هذا المعني وبهذا الوجه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله (واصحهما) أنه يجبب ذلك علي الزوج لانها في نفقته في الحياة فيلزمه مؤنتها بعد الموت كالاب مع الابن والسيد مع العبد فعلي هذا لو لم يكن للزوج مال فحينئذ يجب في مالها (اما) إذا لم يترك الميت مالا ولا كان له من ينفق عليه فتكفينه ومؤنة دفنه من بيت المال كنفقته في الحاية وأهل يقتصر علي ثوب واحد أم يكمل الثلاث فيه وجهان (أظهرهما) يقتصر عليه ليتأدى الواجب به (والثاني) يكمل الثلاث ولا يقتصر عليه كما لا يقتصر في كسوة الحى علي ساتر العورة فعلي الاول لو ترك ثوبا واحدا فلا شئ من بيت المال وعلى الثاني هل يكتفى بما خلفه أم يكمل الثلاث من بيت المال ذكر الامام أن صاحب التقريب حكي فيه وجهين (أظهرهما) الثاني وإذا لم يكن في بيت المال مال فعلي عامة المسلمين الكفن ومؤنة الدفن (قال والزيادة على الثلاث إلى الخمس مستحب للنساء جائز للرجال غير مستحب والزيادة علي الخمس سرف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 علي الاطلاق ثم ان كفن في خمس فعمامة وقميص وثلاث لفائف سوابغ وإن كفن في ثلاث فثلاث لفائف من غير قميص ولا عمامة وإن كفنت المرأة في خمس فازار وخمار وثلاث لفائف سوابغ وفى قول تبدل لفافة بقميص وإن كفنت في ثلاث فثلاث لفائف) * قد ذكرنا أن العدد المستحب في كفن الرجال ثلاث اثواب فلو زيد عليه الي خمسة أثواب فهو جائز وإن لم يكن محبوبا وأما المرأة فيستحب أن تكفن في خمسة أثواب رعاية لزيادة الستر في حقها وحكم الخنثى في ذلك حكم المرأة والزيادة علي الخمسة مكروهة علي الاطلاق لما فيها من السرف وقد روى ان النبي صلي الله عليه وسلم قال (لا تغالوا في الكفن فانه يسلب سلبا سريعا) فإذا كانت المغالاة مكروهة فزيادة العدد أولى أن تكون مكروهة ثم إن كفن الرجل أو المرأة في ثلاث فالمحبوب ثلاث لفائف من غير عمامة للرجل ولا قميص وعن أبى حنيفة ان الرجل يكفن في إزار ورداء وقميص لنا (ما روى أن النبي صلى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 135 الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة) وان كفن الرجل في خمسة أثواب فليكفن في عمامة وقميص وثلاث لفائف وتجعل العمامة والقميص تحتها ويستثني المحرم عن ذلك فلا يلبس المخيط على ما تقدم وإن كفنت المرأة في خمسة أثواب فقولان (أحدهما) ازار وخمار وثلاث لفائف والازار والخمار كالعمامة والرداء للرجل واللفائف كاللفائف (والثاني) ازار وخمار ولفافتان وقميص لما روى (ان أم عطية لما غسلت أم كلثوم رضي الله عنهما بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان النبي صلي الله عليه وسلم جالسا علي الباب فناولها ازار أو درعا وخمارا وثوبين) وينسب القول الاول الي الجديد (والثاني) الي القديم وذكر المزني أن الشافعي رضى الله عنه ذكر القميص مرة ثم خط عليه ونقل عنه القول الاول وايراد الكتاب يقتضى ترجيحه لكن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 الاكثرين علي ترجيح القول الثاني ويجوز ان تعد المسألة من المسائل التى يجاب فيها على (القديم) ثم قال الشافعي رضي الله عنه يشد علي صدرها ثوب لئلا يضطرب ثديها عند الحمل فتنشر الا كفان واختلفوا في ذلك الثوب فقال أبو اسحق هو ثوب سادس ليس من جملة الاكفان ويحل عنها إذا وضعت في القبر وقال ابن سريج يشد عليها ثوب من الخسمة ويترك (والاول) اظهر عند اللائمة وكيف ترتيب الاثواب الخمسة قال المحاملى وغيره علي قول ابي اسحق ان قلنا تقمص فيشد عليها المئزر أو لاثم الخمار ثم تلف في ثوبين ثم يشد عليها الثالث وان قلنا لا تقمص يشد علهيا المئزر ثم الخمار ثم تلف في ثلاثة أثواب ثم يشد عليها خرقة وعلى قول ابن سريج ان قلنا تقمص يشد عليها المئزر ثم الدرع ثم الخمار ثم تشد عليها الخرقة ثم تلف في ثوب وان قلنا لا تقمص يشد عليها المئرز ثم الخمار ثم تلف في ثوب ثم يشد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 عليها آخر ثم تلف في الخامس وإذا وقع التكفين في اللفائف الثلاث فكيف تكون هي فيه وجهان (أحدهما) ان تكون متفاوتة فالاسفل يأخذ ما بين سرته وركبته والثاني ياخذ من عنقه إلى كعبه والثالث يستر جميع بدنه (واظهرها) انه ينبغي ان تكون مستوية في الطول والعرض ياخذ كل واحد منها جميع بدنه واعلم انه لا فرق في التكفين في الثلاث بين الرجل والمرأة وانما الفرق بينهما في الخمس فهى في حق الرجل وعمامة قميص وثلاث لفائف وفي المرأة القولان المذكوران وإذا كان كذلك فايراد الفرض في اقصر من لفظ الكتاب ههين والله اعلم * قال (ثم يذر على كل لفافة حنوط ويوضع الميت عليه ويأخذ قدرا من القطن الحليج ويدسه في الاليتين وتشد الاليتان وتستوثق وتلصق بجميع منافذ البدن من المنخرين والاذنين والعينين قطنة عليها كافور ثم يلف الفن عليه بعد أن يبخر بالعود ويشد عليه بشداد وينزع الشداد عند الدفن) * غرض الفصل الكلام في ادراج الميت في الكفن وتوابعه فنقول تبخير الكفن بالعود مستحب إذا لم يكن الميت محرما وذلك بان ينصب مشجب وتوضع الاكفان عليها ويجمر تحتها ليصيبها دخان العود ثم تبسط أحسن اللفائف واوسعها ويذر عليها حنوط وتبسط الثانية فوقها ويذر عليها حنوط وتبسط الثالثة التي تلى الميت فوقها ويذر عليها حنوط وكافور ثم يوضع الميت فوقها مستلقيا ويؤخذ قدر من القطن الحليج ويجعل عليه حنوط وكافور ويدس في اليتيه حتي تتصل بالحلقة ليرد شيئا عساه عند التحريك ينفصل منه ولا يدخله في باطنه وفيه وجه انه لا بأس به ثم تشد اليتيه وتستوثق وذلك بان يأخذ خرقة ويشد رأسها ويجعل وسطها عند اليتيه وعانته ويشدها عليه فوق السرة بان يرد ما يلي ظهره الي سرته ويعطف الشقين الآخرين عليه ولو شد شقا من كل رأس علي هذا الفخذ ومثل ذلك علي الفخذ الثاني جاز أيضا وقيل يشدها بالخيط ولا يشق طرفيها ثم يأخذ شيئا من القطن ويضع عليه قدرا من الكافور والحنوط ويجعله علي منافذ البدن من المنخرين والاذنين والجراحات النافذة ان كانت عليه دفعا للهوام ويجعل الطيب علي مساجده الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 وهى الجبهة والانف وباطن الكفين والركبتان والقدمان اكراما لها وذلك بان يجعل الطيب علي قطع قطن وتوضع علي هذه المواضع وقيل يجعل عليها بلا قطن ثم يلف الكفن عليه بان يثني من الثوب الذى يليه صنعته التي تلي شقه الايسر علي شقه الايمن والتي تلي شقه الايمن علي شقه الايسر كما يشتمل الحى بالقباء ثم يلف الثاني والثالث كذلك وفيه قول آخر أنه يبدأ بالشقة التي تلي شقه الايمن فيثنيها على شقه الايسر ويجعل التي تلي الايسر علي الايمن ليكون ما علي الايمن غالبا ولعل هذا اسبق الي الفهم مما رواه المزني في المختصر لكن الاول أصح عند الجمهور ومنهم من قطع به وإذا لف الكفن عليه جمع المفاصل عند رأسه جمع العمامة ورد علي وجهه وصدره الي حيث يبلغ وما فضل عند رجله يجعل على القدمين والساقين وينبغى أن يوضع الميت على الاكفان اولا بحيث إذا القيت عليه كان الفاضل عند رأسه اكثر كما ان الحى يجمع فضل ثيابه علي رأسه وهو العمامة ثم تشتد الاكفان عليه بشداد خيفة انتشارها عند الحمل فإذا وضع في القبر نزع وفي كون التحنيط واجبا أو مستحبا وجهان (أظهرهما) عند المصنف وامام الحرمين الثاني * قال (ثم يحمل الجنازة ثلاثة رجال رجل سابق بين العمودين ورجلان في مؤخر الجنازة فان عجز السابق أعانه رجلان خارج العمودين فتكون الجنازة محمولة بين خمسة أو بين ثلاثة والمشى قدام الجنازة أفضل (ح) والاسراع بها أولى) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 ليس في حمل الجنازة دناءة وسقوط مروءة بل هو بروا كرام الميت وقد نقل ذلك عن فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم والصحابة والتابعين رضوان الله عليهم اجميعن ولا يتولاه الا الرجال ذكرا كان الميت أو أنثي ولا يجوز الحمل علي الهيات المزرية ولا على الهيئة التي يخاف منها السقوط إذا عرفت ذلك ففى الفصل ثلاث مسائل (أحداها) في كيفية الحمل وقد نقل طريقان (أحد هما) الحمل بين العمودين يروى ان النبي صلي الله عليه وسلم (حمل جنازة سعد بن معاذ رضى الله عنه بين العمودين) ومعناه أن يتقدم رجل فيضع الخشبتين الشاخصتين وهما العمود ان على عاتقيه والخشبة المعترضة بينهما علي كتفيه ويحمل مؤخر الجنازة رجلان أحدهما من الجانب الايمن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 والثانى من الايسر ولا يمكن أن يتوسط الخشبتين واحد من مؤخرهما فانه لا يرى موضع قدميه والطريق بين يديه حينئذ فان لم يستتقل المتقدم بالحمل اعانه رجلان خارج العمودين يضع كل واحد منهما واحدا منهما علي عاتقه فتكون الجنازة محمولة علي خمسة (والثانى) التربيع روى عن ابن مسعود رضي الله عنه انه قال (إذا تبع أحد كم جنازة فليأخذ بجوانب السرير الاربعة ثم ليتطوع بعد أو ليذر فانه السنة) والتربيع أن يتقدم رجلان فيضع احدهما العمود الايمن على عاتقه الا يسر والاخر العمود الايسر علي عاتقه الايمن ولذلك يحمل العمودين من مؤخرها اثنان فتكون الجنازة على هذه الهيئة محمولة على اربعة وقد نقل عن نص الشافعي رضى الله عنه ان من أراد التبرك يحمل الجنازة من جوانبها الاربعة بدأ بالعمود الايسر من مؤخرها فحمله علي عاتقه الايمن ثم يسلم الي غيره ويأخذ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 العمود الايسر من مؤخرها فيحمله علي العاتق الايمن أبضا ثم يتقدم فيعترض بين يديها لئلا يكون ماشيا خلفها فيأخد العمود الايمن من مقدمها ويحمله على عاتقه الايسر ثم يأخذ العمود الايمن من مؤخرها ولا شك أن ذلك انما يتاتى والجنازة محموله علي هيئة التربيع فهذا شأن الطريقين وكل واحد منهما جائز وحكى القاضى الروايانى عن بعض الاصحاب ان الافضل الجمع بان يحمل تارة هكذا وتارة هكذا وإذا أراد الا قتصار على احدهما فايتهما أفضل (المشهور) في المذهب ان الحمل بين العمودين أفضل وعن احمد ان التربيع أفضل وبه قال بعض اصحابنا وعن مالك انهما سواء وأشار صاحب التقرى إلى وجه يوافقه وقال أبو حنيفة الحمل بين العمودين بدعة (الثانية) المشي امام الجنازة أفضل وبه قال مالك وروى مثله عن احمد ويروى عنه ان كان راكبا سار خلفها وان كان راجلا فقدامها وقال أبو حنيفة المشي خلفها افضل لنا ما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال رأيت النبي صلي الله عليه وسلم وسلم وأبا بكر وعمر رضى الله عنهما يمشون امام الجنازة والافضل أن يكون قدامها قريبا منها بحيث لو التفت لرآها ولا يتقدمها الي المقبرة ولو تقدم لم يكره ثم هو بالخيار ان شاء قام منتظرا لها وان شاء قعد لما روى عن علي رضي الله عنه قال (قام رصول الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 صلي الله علهى وسلم مع الجنازة حتي وضع وقام الناس معه ثم قعد بعد ذلك وأمر هم بالقعود) وقال أبو حنيفة واحمد يكره الجلوس حتي توضع الجنازة (الثالثة) سنة المشى بالجنازة الا سراع الا ان يخاف من الاسراع تغيرا في الميت فيتأني بها والاسراع فوق المشى المعتاد دون الخبب؟ روى أن النبي صلي الله عليه وسلم (سئل عن المشي بالجنازة فقال دون الخبب فان يك خيرا عجلتموه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 إليه وان يك شرا فبعدا لاهل النار) وان خيف عليه تغير وانفجار زيد في الاسراع * قال (القول في الصلاة والنظر في أربعة أطراف (الاول) فيمن يصلي عليه وهو كل ميت مسلم ليس بشهيد احترزنا بالميت عن عضو آدمى فانه لا يصلي عليه إلا إذا علم موت صاحبه فيصلي على صاحبه وان كان غائبا ويغسل العضو ويوارى بخرقة ويدفن) * حصر حجة الاسلام رحمة الله عليه بقة الكلام في صلاة الميت في أربعة أطراف للحاجة إلى النظر فيمن يصلى عليه ومن يصلي وفي أركان هذه الصلاة وشرائطها (الاول) فيمن يصلي عليه ويعتبر فيه ثلاثة قيود أن يكون ميتا مسلما غير شهيد (فاما) قيد المسلم فيتعلق به مسألتان يشتمل الفصل علي أحداهما وهى ما إذا وجدنا بعض مسلم دون باقيه مثل ان اكله السبع فلا يخلو أما أن يكون قد علم موت صاحبه أولا يعلم فان لم يعلم فلا يصلى عليه وان علم موته صلي عليه قل الموجود أم كثر وبه قال احمد خلا فلابي حنيفة حيث قال لا يصلي عليه الا ان يكون اكثر من النصف ويروى عن مالك مثله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 144 لنا أن الصحابة رضي الله عنهم صلوا على يد عبد الرحمن بن عتاب بن اسيد رضى اللله عنه القاها طائر بمكة في وقعة الجمل وعرفوا أنها يده بخاتمه وهذا في غير الشعر والظفر ونحوها وفي هذه الاجزاء وجهان (اقربهما) إلى اطلاق الاكثرين أنها كغيرها نعم قال في العدة أن لم يوجد الاشعرة واحدة فلا يصلى عليها في ظاهر المذهب إذ لا حرمة لها ومتى شرعت الصلاة فلا بد من الغسل والمواراة بخرقة (وأما) الدفن فلا يختص بموت صاحب العضو بل ما ينفصل من الحى من ظفر وشعر وغيرهما يستحب له دفنها وكذلك يوارى دم الفصد والحجامة والعلقة والمضغة تلقيهما المرأة وإذا وجد بعض ميت أو كله ولم يعلم أنه مسلم فان كان في دار الاسلام صلي عليه لان الغالب في دار الاسلام المسلمون (وقوله) الا إذا علم موت صاحبه يبين انه لا صلاة فيما إذا علم حياة صاحبه وفيما إذا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 لم يعلم موته ولا حياته فان كل واحدة من الحالتين تبقي في المستثني منه (وقوله) فيصلي علي صاحبه معلم بالحاء والميم وفيه اشارة إلى أن الصلاة ليست علي نفس العضو وانما هي علي الميت ولا ينوى الا الصلاة علي جملته وقد صرح بهذا القاضي الرويانى وغيره وكلام من قال يصلي علي العضو محمول عليه (فان قلت) هذا حسن لكنه استثنى الحالة التي حكم فيها بانه يصلي على صاحبه من قوله فانه لا يصلي عليه وفي هذه الحالة لا يصلي علي العضو ايضا فكيف ينتظم الاستثناء (فالجواب) ان قوله لا يصلي عليه أي على صاحبه كما ان قول من قال يصلي علي العضو محمول عليه وحينئذ ينتظم الاستثناء (وقوله) وان كان غائبا يشير إلى أن غيبة باقى لاشخص لا تضر فانا نجوز الصلاة علي الغائب كله فعلي الغائب بعضه أولي ولذلك قال امام الحرمين حقيقة الخلاف بيننا وبين أبي حنيفة رحمه الله في العضو يستند الي أن الصلاة علي الغائب صحيحة وهو لا يراها ويربط الصلاة بما شهد وحضر قال (وكذا السقط الذى لم يظهر فيه التخطيط لا يغسل ولا يصلي عليه فان ظهر الخطيط ففى الغسل قولان فان غسل ففى الصلاة قولان منشأهما التردد في الحياة وعلي كل حال يوارى بخرقة ويدفن فان اختلج بعد الانفصال فالصلاة عليه أولي (ح م) فان صرخ واستهل فهو كالكبير) المسألة الثانية في السقط وله حالتان (احداهما) ان يستهل أو يبكي فهو والكبير سواء لانا تيقنا حياته وموته بعد الحياة وقد روى انه صلي الله عليه وسلم قال (إذا استهل السقط صلي عليه) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 (والثانية) أن لا يتيقن حياته باستهلال وغيره فاما أن يعرى عن أمارات الحياة كالاختلاج ونحوه أو يوجد شئ من ذلك فان عرى فينظر هل بلغ حدا يمكن نفخ الروح فيه وهو أربعة أشهر فصاعدا أم لا فان لم يبلغه فلا يصلي علهى وهل يغسل فيه طريقان (أصحهما) لا كما لا يصلى عليه فان حكم كل واحد منهما حكم من عرض له الموت وعروض الموت يستدى سبق الحياة (والثاني) فيه قولان وسنذكر الفرق بين الغسل والصلاة وان بلغ أربعة أشهر فصاعدا فهل يصلي عليه فيه قولان (أحدهما) وينسب الي القديم نعم إذ ورد في الخبر أن الولد إذا بقى في بطن أمه أربعة أشهر ينفح فيه الروح ويحكي عن الام والبويطي أنه لا يصلى عليه ويوجه بالخبر الذى سبق فان ظاهر يقتضى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 اشتراط الاستهلال وأيضا بأنه لا يرث ولا يورث فلا تجب الصلاة عليه كما لو سقط لدون أربعة أشهر وفي الغسل طريقان (اظهرهما) القطع بانه يغسل (والثاني) فيه قولان والفرق أن الغسل أوسع بابا من الصلاة الا ترى ان الذمي لا يصلي عليه ويغسل واما إذا اختلج بعد الانفصال وتحرك ففى الصلاة عليه قولان (احدهما) لا يصلي عليه وبه قال مالك لعدم تيقن الحياة بخلاف الاستهلال (واظهرهما) أنه يصلي عليه لظهور احتمال الحياة بسبب الامارة الدالة عليها ومنهم من قطع بانه يصلي عليه وفي الغسل هذان الطريقان لكن القطع في الغسل أظهر منه في الصلاة ثم نعود إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب هذان الطريقان لكن القطع في الغسل أظهر منه في الصلاة ثم نعود إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (أما) قوله السقط الذى لم يظهر فيه التخطيط (وقوله) ظهر فيه التخطيط فاعلم أن المراد منه ظهور خلفة الآدمى وهذه العبارة حكاها امام الحرمين عن الشيخ أبي علي وعبارة الجمهور التى قدمناها وهى أن ينظر هل بلغ حد نفخ الروح ام لا قال الامام ويمكن ان يقال الاختلاف في محض العبارة ومهما بدأ التخليق فقد دخل أوان نفخ الروح وان لم يبد لم يدخل وقد يظن تخلل زمان بين أوائل التخليق وبين جريان الروح فان كان هكذا اختلف الطريقان والله أعلم (وقوله) وان ظهر التخطيط اي ولم يختلج ولا تحرك (اما) إذا اختلج فقد ذكره من بعد (وقوله) وان غسل ففى الصلاة قولان ترتيب للصلاة على الغسل ان قلنا لا يغسل فلا يصلي عليه وان قلنا يغسل ففى الصلاة قولان وإذا جمعنا بينهما قلنا فيه ثلاثة اقوال ثلثها الفرق بين الغسل والصلاة وقوله منشأهما التردد في الحياة أي في منشأ القولين فيهما جميعا لا في الصلاة وحدها وإن كان مذكورا بعد ذكر قولي الصلاة (وقوله) وعلي كل حال يوارى بخرقة ويدفه. الموارة قد تكون علي هيئة التكفين على ما سبق بيانها وقد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 تكون علي غير تلك الهيئة فما لم يظهر فيه خلقة الآدمى يكفى فيه المواراة كيف كانت وبعد ظهور خلقة الآدمى حكم التكفين حكم الغسل (وقوله) عند الاختلاج فالصلاة عليه اولى أي من من الصلاة عند عدم الاختلاج وهو جواب علي طريقة طرد القولين والحالة هذه وقد حكينا فيها قطع قاطعين بانه يصلي عليه فيجوز ان يعلم قوله فالصلاة عليه اولي بالواو اشارة إليه (قوله) فان صرخ واستهل هو الحالة الاولى في ترتيب الشرح * قال (واحترزنا بالمسلم عن الكافر فانه لا يصلى عليه ذميا كان أو حربيا لكن تكفين الذمي ودفنه من فروض الكفايات وفاء بذمته وقيل لا ذمة بعد الموت فهو كالحربي ولو اختلط موتي المسلمين بالمشركين غسلنا جميعهم كفناهم تقصيا عن الواجب ثم عند الصلاة يميز المسلمون بالنية) * القيد الثاني كونه مسلما فلا تجوز الصلاة على الكافر حربيا كان أو ذميا قال الله تعالي (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا) ولا يجب على المسلمين غسله أيضا ذميا كان أو حربيا لكن يجوز خلافا لمالك رحمه الله * لنا ان النبي صلى الله عليه وسلم (أمر عليا رضى الله عنه بغسل أبيه أبي طالب) وأقاربه الكفار أولى بغسله من المسلمين (وأما) التكفين والدفن فينظر ان كان الكافر ذميا ففى وجوبهما علي المسلمين وجهان (أظهرهما) يجب وفاء بذمته كما يجب أن يطعم ويكسى في حياته (والثاني) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 لا يجب فانا لم نلتزم الا الذب عنه في حياته والذمة قد انتهت بالموت وان كان حربيا ففى الكتاب إشعار بأنه لا يجب تكفينه ولا دفنه بلا خلاف لانه ألحق الذمي به في الوجه الثاني لكن صاحب التهذيب فرق بين الامرين فقال لا يجب تكفينه لان النبي صلي الله عليه وسلم (أمر بالقاء قتلي بدر في القليب علي هيئاتهم) وفي وجوب مواراته وجهان أحدهما يجب لان النبي صلي الله عليه وسلم (أمر بها في قتلى بدر) (والثاني) لا يجب بل يجوز اغراء الكلاب عليه فان فعل فذاك لئلا يتأذى الناس برائحته وكذلك حكم المرتد إذا عرفت ذلك فلو اختلط موتى المسلمين بموت المشركين ولم يتميزوا بأن انهدم عليهم سقف مثلا وجب غسل جميعهم والصلاة عليهم وبه قال مالك وأحمد ثم ان صلى عليهم دفعة جاز ويقصد المسلمين منهم بنيته وان صلي عليهم واحدا واحدا جاز ايضا وينوى الصلاة عليه ان كان مسلما ويقول اللهم اغفر له ان كان مسلما وعند أبي حنيفة رحمه الله يصلي عليهم الا أن يكون المسلمون أكثر * لنا ان الصلاة علي المسلمين واجبة بالنصوص ولا سبيل الي إقامة الواجب ههنا الا بهذا الطريق * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 قال (وأما الشهيد فلا يغسل (ح) ولا يصلي عليه والشهيد من مات بسبب القتال مع الكفار في وقت قيام القتال فان كان في قتال أهل البغي أو مات حتف انفه في قتال الكفار أو قبله حربى اغتيالا من غير قتال أو جرح في القتال ومات بعد انفصال القتال وكان بحيث يقطع بموته ففى الكل قولان منشأهما التردد في ان هذه الاوصاف؟ هل هي مؤثرة أم لا (أما) القتيل ظلما من مسلم أو ذمى أو باغ أو المبطون أو الغريب يغسلون ويصلي عليهم) * القيد الثالث لمن يصلي عليه أن لا يكون شهيدا فالشهيد لا يصلي عليه ولا يغسل ايضا وبه قال مالك خلافا لابي حنيفة في الصلاة وبه قال أحمد في رواية واختاره المزني * لنا ان جابرا وأنسا رضى الله عنهما رويا ان النبي صلي الله عليه وسلم لم (يصل علي قتلى احد ولم يغسلهم) ولا فرق بين الرجل والمرأة والحر والعبد والبالغ والصبى وعند ابي حنيفة كسائر الموتى يغسل ثم ما المعنى بقولنا لا يغسل ولا يصلي عليه يغنى به انهما لا يجبان أو يحرمان (واما) لصلاة ففي النهاية والتهذيب ذكر وجهين في جوازها (اظهرهما) انها غير جائزة ولو جازت لوجبت كالصلاة علي سائر الموتي (والثانى) انها جائزة وانما تترك رخصة لمكان الاشتغال بالحرب وهذا ما صححه الشيخ أبو محمد فيما علق عليه وأما الغسل فقدا طلق في التهذيب المنع منه وذكر الامام انه لا سبيل إليه وان جوزنا الصلاة إذا ادى غسله إلى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 إزالة دم الشهادة فان لم يكن عليه دم ففى غسله تردد كما في الصلاة إذا تقرر ذلك فلابد من معرفة الشهيد (واعلم) ان اسم الشهيد قد يخص في الفقه بمن لا يغسل ولا يصلي عليه وعلي هذا فقوله والشهيد من مات بسبب القتال الي آخره مجرى علي ظاهره وقد يسمي كل مقتول ظلما شهيدا وهو اظهر الا ترى أن الشافعي رضي الله عنه يقول في المختصر والشهداء الذين عاشوا وأكلوا الطعام إلى ان قال كغيرهم من الموتى اثبت اسم الشهادة مع الحكم بأنهم كسائر الموتى وعلي هذا فقوله في الكتاب والشهيد من مات أي والشهيد الذى ذكرنا انه لا يغسل ولا يصلي عليه وعلى هذا الاصطلاح نقول الشهداء نوعان (احدهما) الذين لا يغسلون ولا يصلي عليهم وضبط في الكتاب فقال والشهيد من مات بسبب القتال مع الكفار في وقت قيام القتال وقد اشتمل علي ثلاثة معان (الموت) بسبب القتال (وكونه) قتال الكفار (وكون) الموت في وقت قيام القتال ويدخل فيه ما إذا قتله مشرك وما إذا اصابه سلاح مسلم خطأ أو عاد إليه سهمه أو تردى في حملته في وهدة أو سقط عن فرسه أو رفته دابة فمات وما إذا انكشف الحرب عن قتيل من المسلمين سواء كان عليه اثر ام لا لان الظاهر موته بسبب من اسباب القتال ويحتمل انه مات لسقطة وغيرها فلم يظهر عليه اثر وعند ابى حنيفة وأحمد ان لم يكن عليه اثر غسل وصلى عليه ومهما فقد احد المعاني التي يتركب عنها الضابط ففى ثبوت حكم الشهادة خلاف ويتبين ذلك بمسائل (احداها) المقتول من اهل العدل في معترك اهل العدل في معترك اهل البغى هل يغسل ويصلي عليه فيه قولان (احدهما) لا وبه قال أبو حنيفة في الغسل كالمقتول في معترك الكفار ويروى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 ان عليا رضى الله عنه (لم يغسل من قتل معه وأوصي عما رضى الله عنه أن لا يغسل) (والثانى) وبه قال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 مالك نعم لانه قتيل مسلم فاشبه ما لو قتله في غير القتال * واحتج لهذا القول بان أسماء (غسلت ابنها ابن الزبير رضي الله عنهم ولم ينكر عليها منكر) وعن احمد روايتان كالقولين ودكر قوم منهم صاحب العدة أن القول الاول اصح لكن الجمهور علي ترجيح الثاني والقولان منصوصان في المختصر في كتاب قتال أهل البغي ولا خلاف عند نافي أن الباغي إذا قتله العادل يغسل ويصلي عليه وقال أبو حنيفة لا يصلي عليه عقوبة له ومن قتله القطاع من الرفقة فيه طريقان (أحدهما) أن حكمه على القولين في العادل إذا قتله أهل البغي (والثاني) أنه ليس بشهيد جزما والفرق ان قتالهم مع أهل العدل علي تأويل الدين بخلاف القطاع (الثانية) لو مات في معترك الكفار لا بسبب من أسباب القتال ولكن مفاجأة أو لمرض فقد حكى الامام عن شيخه فيه وجهين (أصحهما) أنه ليس بشهيد ولم يذكر في التهذيب سواه ووجهه أن الاصل وجوب الغسل والصلاة وخالفناه فيما إذا مات بسبب من أسباب القتال تعظيما لا مره وحثا للناس عليه (الثالثة) لو دخل الحربي بلاد الاسلام فقتل مسلما اغتيالا من غير قتال فقد ذكر الامام أن الشيخ أبا علي حكي فيه وجهين والاصح المشهور انه لا يثبت له حكم الشهادة (الرابعة) لو جرح في القتال ومات بعد انقضائه ففى ثبوت حكم الشهادة قولان (أحدهما) يثبت لانه مات بجرح وجد فيه فاشبه ما لو مات قبل انقضائه (وأظهرهما) وبه قال احمد فيما رواه صاحب الشامل وغيره انه لا يثبت لانه عاش بعد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 انقضاء الحرب كما لو مات بسبب آخر ولا فرق على القولين بين ان يطعم أو يتكلم أو يصلي وبين ان لا يفعل شيئا من ذلك ولا بين أن يمتد الزمان أو لا يمتد وقال مالك ان امتد الوقت أو اكل غسل وصلي عليه والا فلا وقال أبو حنيفة ان طعم أو تكلم أو صلي فهو كسائر الموتى وللقولين شرطان (أحدهما) قد تعرض له في الكتاب ان يقطع بموته من تلك الجراحة فاما إذا توقع بقاؤه فمات بعد انقضاء التقال فليس بشهيد بلا خلاف (والثانى) أن تبقى فيه حياة مستقرة ثم يموت بعد انقضاء القتال فأما إذا انقضى القتال وليس به الا حركة المذبوح فهو شهيد بلا خلاف وهذه المسائل الاربع باسرها مذكورة في الكتاب وقد تبين بما ذكرناه ان الاظهر فيها جميعا انتفاء الشهادة واعتبار المعاني الثلاثة في الضابط؟ وأعلم قوله في وقت قيام القتال بالحاء والميم لانهما لا يعتبران قيام القتال وانما مذهبهما ما قدمناه وقوله ففى الكل قولان فيه اثبات قولين في الصور الاربع وهما مشهوران في الاولي والرابعة فام الثانية والثالثة فلم نر للمعظم فيهما حكاية القولين وانما ذكر من الخلاف وجهين ويجوز ان يغلم قوله قولان بالواو لان في النهاية حكاية طريقة في الصورة الرابعة مفصلة وهى انه ان مات قريبا ففيه قولان وان بقى اياما ثم مات فليس بشهبد قطعا والذى في الكتاب اثبات قولين على الاطلاق (وقوله) منشأهما التردد في أن في أن هذه الاوصاف مؤثرة أم لا يعنى الاوصاف الثلاثه المذكورة في الضابط هل هي مؤثرة في موضع الاثبات ام لا وليس في هذا القدر من التوجيه كثير فائدة فان الفقيه لا يشك في انا إذا نطنا حكما بامور واختلفنا في بقاء ذلك الحكم مع فوات بعض الامور فقد اختلفنا في تأثيره وإنما المهم النظر في أنه لم يعتبر أو يلغى (النوع الثاني) من الشهداء العارون عن الاوصاف للمذكورة جميعا فهم كسائر الموتى يغسلون ويصلى عليهم وان ورد لفظ الشهادة فيهم كالمبطون والغريب والغريق والميت عشقا والميتة طلقا وكذا الذى قتله ظلما مسلم أو آدمى أو باغ في غير القتال حكمه حكم سائر الموتي وبه قال مالك وهو رواية عن احمد خلافا لابي حنيفة حيث قال كل من قتل ظلما قتلا يوجب القصاص فهو شهيد وان وجب به المال فلا فيخرج من ذلك ان المقتول بالمثقل ليس بشهيد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 فيما نحن فيه ولم يعتبر في القتال ذلك بل اثبت حكم الشهادة سواء قتل بالمثقل أو بالمحدد وقال احمد في رواية كل مقتول ظلما فهو شهيد * لنا ان عمر ابن الخطاب رضى الله عنه غسل وصلي عليه وكذلك عثمان رضى الله عنه وقد قتلا ظلما بالمحدد) * قال (وكذا القتيل بالحق قصاصا اوحدا ليس بشهيد وتارك الصلاة يصلي عليه (و) وقاطع الطريق يفتل أولا ويصلى عليه ويغسل ويكفن ثم يصلب مكفنا علي قول وعلى قول يقتل مصلوبا ثم ينزل ويغسل ويصلى عليه ويدفن ومن رأى انه يقتل مصلوبا ويبقى فقد قال لا يصلى عليه) * إذا تبين ان المقتول ظلما ليس بشهيد إذا لم يكن بالصفات المقدمة فالقتيل حقا أولى ان لا يكون شهيدا وقد روى ان النبي صلي الله عليه وسلم (رجم الغامدية وصلى عليها) وذكر في الكتاب مما يتفرع علي هذا الاصل صورتين وذكرهما في غير هذا الموضع (أحداهما) ان تارك الصلاة يصلى عليه ويغسل لانه مسلم مقتول حقا وعن صاحب التلخيص انه لا يصلى عليه لانه ترك الصلاة في حياته فترك الصلاة عليه وقال ايضا لا يغسل ولا يكفن ويطمس قبره تغليظا عليه (الثانية) غسل قاطع الطريق والصلاة عليه تبنى علي كيفية اقامة الحد عليه وفي قتله وصلبه إذا اقتضى الحال الجمع بينهما خلاف على ما سيأتي شرحه وتفصيله في موضعه ان شاء الله تعالي (وأظهر) القولين أنه يقدم القتل علي الصلب فيقتل ثم يغسل ويصلي عليه ثم يصلب مكفنا (والقول الثاني) أنه يقدم الصلب ثم يقتل وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وعلي القولين إذا صلب فهو ينزل بعد ثلاثة أيام أو يبقى حتى يتهرى فيه وجهان (فان قلنا) بالوجه الاول تفريعا علي القول الثاني فيغسل بعد ما ينزل ويصلي عليه (وان قلنا) بالوجه الثاني تفريعا عليه فلا يغسل ويصلي عليه وهذا ما اشار إليه بقوله ومن رأى أنه يقتل ويبقى فقد قال لا يصلي عليه قال امام الحرمين وكان لا يمتنع ان يقتل مصلوبا وينزل فيغسل ويصلي عليه ثم يرد ولكن لم يذهب إليه أحد (وقوله) ويصلى عليه مرقوم بالحاء لانه يقول لا يصلي علي قاطع الطريق عقوبة له كما ذكر في الباغى وحكي في النهاية طريقة أخرى غير مبنية علي كيفية عقوبة قاطع الطريق فقال قال بعض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 الاصحاب يغسل ولا يصلي عليه استهانة به تحقيرا لشانه فيجوز ان يعلم قوله في الكتاب في موضعين من الفصل ويغسل ويصلى عليه وبالواو اشارة إلى هذه الطريقة وليست هي بالوجه المذكور في قوله ومن رأى انه يقتل مصلوبا إلى آخره لانه مبنى علي كيفية عقوبته * قال (ثم الشهيد لا يغسل وان كان جنبا وهل يزال أثر النجاسة التى ليست من أثر الشهادة فيه خلاف وثيابه الملطخة بالدم تترك عليه مع كفنه الا ان ينزعها الوارث وينزع منه الدرع وثياب القتال) * الفصل يشتمل علي ثلاث صور (أحداها) استشهد جنب هل يغسل فيه وجهان (اصحهما) لا وهو المذكور في الكتاب وبه قال مالك لان حنظلة بن الراهب رضى الله عنه (قتل يوم أحد وهو جنب فلم يغسله النبي صلي الله عليه وسلم وقال رأيت الملائكة تغسله) (والثانى) وبه قال احمد وابن سريج وابن ابى هريرة يغسل لان الشهادة انما تؤثر في غسل وجب بالموت وهذا الغسل كان واجبا قبله والوجهان متفقان على انه لا يصلى عليه وعند أبى حنيفة يغسل ويصلى عليه (الثانية) لو أصابته نجاسة لا بسبب الشهادة فهل تغسل تلك النجاسة عنه قال امام الحرمين حاصل القول فيه اوجه استخرجتها من كلام الاصحاب (أحدها) وهو الظاهر انها تزال لان الذى نبقيه أثر العبادة وليست هذه النجاسة من اثر العبادة (والثاني) لا لانا نهينا عن غسل الشهيد مطلقا (والثالث) انه ان ادى ازالتها الي ازالة اثر الشهادة فلا تزال والا فتزال (الثالثة) الاولى ان يكفن في ثيابه الملطخة بالدم فان لم يكن ما عليه سابغا اتم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 157 وان اراد الورثة نزع ما عليه من الثياب وتكفينه في غيرها لم يمنعوا وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يجوز ابدالها بغيرها من الثياب واما الدرع والجلود والفراء والخفاف فتزع منه خلافا لمالك حيث قال لا ينزع منه فرو ولا خف * لنا علي أبى حنيفة القياس علي سائر الموتى ويفارق الغسل والصلاة (اما) الغسل فلان في تركه ابقاء لاثر الشهادة علي بدنه وأما الصلاة فلان في تركها تعظيما له واشعارا باستغنائه عن دعاء القوم وعلي مالك لما روى أن النبي صلي الله عليه وسلم (أمر بقتلى أحد ان ينزع عنهم الحديد والجلود وان يدفنوا بدمائهم وثيابهم) وقوله في الكتاب وثيابهم الملطخة بالدم تترك عليه مع كفنه ظاهره يقتضي كونها غير الكفن لكن الذى قاله الجمهور انه يكفن بها فان لم تكف أتمت والله اعلم * قال (الطرف الثاني: فيمن يصلى والاولي بها ولا يقدم علي القرابة الا الذكور ولا يقدم الوالى (و) عليه ثم يبدأ بالاب ثم الجد ثم الابن ثم بالعصبات علي ترتيبهم في الولاية ثم الاخ من الاب والام مقدم علي الاخ من الاب في أصح الطريقين ثم ان لم يكن وارث فذووا الارحام ويقدم عليهم المعتق) * غرض الفصل الكلام فيمن هو أولي بالصلاة علي الميت وقد اختلف قول الشافعي رضى الله عنه في أن الولي أولي بها أم الوالي (قال) في القديم الوالي أولي ثم أمام المسجد ثم الولي وبه قال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله كما في سائر الصلوات وقد روى (أن حسينا رضى الله عنه قدم سعيد بن العاص أمير المدينة فصلى علي الحسن رضى الله عنه) (وقال) في الجديد وهو المذكور في الكتاب الولى أولى أولى لانها من قضاء حق الميت فاشبهت الدفن والتكفين ولانها من الامور الخاصة بالقريب فالولى أولى بها من الوالي كولاية التزويج وتفارق سائر الصلوات لان معظم الغرض ههنا الدعاء للميت فمن يختص بزيادة الشفقة دعاؤه أقرب الي الاجابة ونعني بالولي القريب فلا يقدم غيره عليه الا ان يكون القريب انثي وثم أجنبي ذكر فهو أولي حتي يقدم الصبي المراهق علي علي المرأة القريبة وهكذا الحكم في سائر الصلوات الرجل أولي من المرأة لان اقتداء النساء بالرجال جائز وبالعكس لا يجوز ثم في انفراد النسوة بهذه الصلاة كلام سيأتي من بعد ثم الاولى من الاقارب الاب ثم الجد أبو الأب وإن علا ثم الابن ثم ابن الابن وان سفل وهما مؤخران عن الاب والجدوان كانا مقدمين عليها في عصوبة الميراث ومقدمان على سائر العصبات وان لم يثبت لهما ولاية التزويج اما تأخيرهما عن الاب والجد فلان المقصود الدعاء والاب اشفق فيكون دعاؤه اقرب الي الاجالة واما تقديمهما علي سائر العصبات فلمثل هذا المعنى أيضا بخلاف امر النكاح فان اعتناءهم بحفظ النسب أشد ثم بعد الابن يقدم الاخ وفي تقديم الاخ من الابوين علي الاخ من الاب طريقان (أحدهما) أن فيه قولين كما سيأتي ذكر هما في ولاية النكاح وبه قال القاضى أبو حامد وابو علي الطيرى (واصحهما) القطع بتقديمه لان لقرابة النساء تأثيرا في الباب علي ما سيأتي فيصلح للترجيح وليس لها تأثير في ولاية التزويج بحال وعلي هذا فالمقدم بعدهما ابن الاخ للاب والام ثم ابن الاخ للاب ثم العم للاب والام ثم العم للاب ثم ابن العم للاب الام ثم ابن العم للاب ثم عم الاب ثم عم الجد على ترتيب العصبات في الميراث والولاية وان لم يكن أحد من عصبات النسب اصلا قدم المعتق قال في النهاية ولعل الظاهر تقديمه علي ذوى الارحام ولهم استحقاق في هذا الباب للمعني الذى تقدم بخلاف ما في الميراث (وأما) ما يتعلق بلفظ الكتاب فقوله ولا يقدم الوالي عليه مرقوم بالميم والحاء والالف والواو لما قدمناه ولك أن تعلم قوله الاولي بها القريب بهذه العلامات ايضا وقد يبحث عن قوله ولا يقدم على القرابة إلا الذكورة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 فتقول قضية هذا الكلام تقديم القريب علي الاجنبي الذى أوصى الانسان بأن يصلي عليه فهل هو كذلك ام يتبع وصيه (والجواب) ان الشيخ ابا محمد خرج المسألة علي وجهين كالوجهين فيما إذا اوصى في أمر أطفاله الي اجنبي وأبوه الذى يلى أمرهم شرعا حي (أصحهما) ولم يذكر الاكثرون سواه تقديم القريب لان الصلاة حقه فلا تنفذ وصية فيه (والثانى) انه تتبع وصيته وهو مذهب أحمد رحمه الله وبه أفتى الامام محمد بن يحيى قدس الله روجه في جواب مسائل سأله عنها والدى رحمة الله عليهما (وقوله) ثم يبدأ بالاب ثم الجد معلم بالميم لان مالكا يقدم الابن علي الاب وقوله ثم العصبات معلم بالميم أيضا لانه يوجب تأخير الاخ عن الجد وعنده يقدم الاخ عليه و (وقوله) ثم إن لم يكن وارث فذووا الارحام يقتضى تقديم الاخ للام علي ذوى الارحام كلهم قال صاحب التهذيب ان لم يكن أحد من العصبات فان الام أولي ثم الاخ للام ثم الخال ثم العم للام فيقدم أبو الأم وهو من ذوى الارحام علي الاخ للام فالوجه ان يحمل قوله ان لم يكن وارث أي من العصبات وهم الذين سبق ذكرهم هذا الكلام (وقوله) ويقدم عليهم المعتق كأنه مذكور ايضاحا وإلا فقد تقدم في موضعين من من لفظ الكتاب ما يفيده (أحدهما) حيث قال ثم العصبات علي ترتيبهم في الولاية وذلك يقتضي ان أن يلى درجة المعتق درجة عصبات النسب كما في الولاية وذلك يقتضى ان لا يتخللها ذوو الارحام (والثانى) حيث قال ثم ان لم يكن وارث فذووا الارحام والمعتق من الوارثين ثم لا بأس باعلام قوله ويقدم عليهم المعتق بالواو لان في لفظ صاحب النهاية ما يقتضي إثبات خلاف فيه كما قدمناه وكذلك لفظ المصنف في الوسيط * قال (وإذا تعارض السن والفقه فالفقيه اولي علي اظهر المذهبين ولو كان فيهم عبد فقيه وحر غير فقيه أو اخ رقيق وعم حر ففى المسألتين تردد وعند تساوى الخصال لا مرجع إلا القرعة أو التراضي) * إذا اجتمع اثنان في درجة واحدة كابنين واخوين ونحوهما وتنازعا فقد قال في المختصر يقدم الاسن وذكر في سائر الصلوات ان الافقه أولى واختلف الاصحاب علي طريقتين (اصحهما) وهي التى ذكرها الجمهور ان المسألتين علي ما نص عليهما والفرق بين سائر الصلوات وصلاة الجنازة ان الغرض من صلاة الجنازة الدعا والاستغفار للميت والاسن اشفق عليه ودعاؤه اقرب الي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 الاجابة لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (ان الله لا يرد دعوة ذى الشيبة المسلم) (والثانية) حكاها الامام عن رواية العراقيين التصرف في النصين بالنقل والتخريج وليس المعتبر في تقديم السن الشيبة وبلوغ سن المشايخ ولكن يقدم الاكبر وان كانا شابين وانما يقدم الاسن بشرط أن يكون محمود الحال فأما الفاسق والمبتدع فلا ويشترط مضي السن في الاسلام كما سبق في سائر الصلوات (وقوله) علي اظهر المذهبين جواب علي طريقة اثبات الخلاف في المسألة إذ لا يمكن حمل المذهبين على الطريقتين فانه يقتضي اثبات طريق جازم بتقديم الفقيه وذلك مما لا صائر إليه في صلاة الجنازة وإذا عرفت ذلك فكلام المصنف يخالف ما ذكره المعظم من وجهين (احدهما) انهم رجحوا الطريقة القاطعة بتقديم السن وهو اجاب باثبات الخلاف (والثانى) انهم جعلوا الاظهر تقديم السن وان قدر اثبات الخلاف هذه احدى مسائل الفصل (والثانية) لو استوى اثنان في الدرجة وأحدهما رقيق فالحر أولي وان كان احدهما رقيقا فقيها والآخر حرا غير فقيه فقد حكي امام الحرمين فيه وجهين للشيخ ابي محمد لتعارض المعنيين قال في الوسيط ولعل التسوية اولي (الثالثة) لو كان الاقرب رقيقا والا بعد حرا كالاخ الرقيق مع العم الحر فايهما اولى فيه وجهان (أحدهما) الاخ أولى لان هذه الصلاة مبناها علي الرقة والشفقة والاقرب اشفق ولهذا يقدم القريب المملوك على الاجنبي الحر (وأظهر هما) عند الاكثرين ان العم أولي لاختصاصه بأهلية الولاية كما في ولاية النكاح وكما لو استويا في الدرجة قال في النهاية وأوثر في مثل هذه المسألة مصير بعض الاصحاب الي التسوية لتقابل الامرين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 (الرابعة) إذا اجتمع قوم في درجة واحدة واستوت خصالهم فان رضوا بتقديم واحد فذاك والا أقرع بينهم قطعا للنزاع * قال (ثم ليقف الامام وراء الجنازة عند صدر الميت ان كان ذكرا وعند (ح) عجيزة المرأة كأنه يسترها عن القوم فلو تقدم على الجنازة لم يجز علي الاصح لان ذلك يحتمل في حق الغائب بسبب الحاجة) غرض الفصل الكلام في موقف المصلي على الجنازة وفيه مسألتان (أحداهما) السنة للامام أن يقف عند عجيزة المرأة لما روى عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم وسلم (صلى على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها) والمعنى فيه محاولة سترها عن أعين الناس وأما الرجل فاين يقف منه ذكر في الكتاب انه يقف عند صدره وكذلك قاله في النهاية والذى ذكره معظم الاصحاب منهم العراقيون والصيدلانى انه يقف عند رأسه ونسبوا الاول الي ابى علي الطبري واحتجوا بما روى أن أنسا رضي الله عنه (صلى على جنازة رجل فقام عند رأسه ثم أتى بجنازة امرأة فصلي عليها وقام عند عجيزتها فقيل له أهكذا كان يصلي رسول الله صلي الله عليه وسلم يقوم عند رأس الرجل وعند عجيزة المرأة فقال نعم) ورأيت أبا علي قد حكى عن فعل أنس رضى الله عنه مثل قوله وهو الوقوف عند الصدر والله اعلم * ولك أن تعلم قوله عند صدر الميت بالواو لما ذكرناه وان تعلمه وقوله عند عجيزة المرأة كليهما بالميم لان عند مالك يقف عند وسط الرجل ومنكبي المرأة وأن تعلم الكلمة الثانية بالحاء ايضأ لان عند ابى حنيفة رحمه الله يقف عند صدر الميت رجلا كان أو امرأة وعند الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 احمد يقف عند صدر الرجل وعجيزة المرأة كما هو المذكور في الكتاب (الثانيه) أن تقدم علي الجنازة الحاضرة وجعلها خلف ظهره قال في النهاية خرجه الاصحاب علي القولين في تقديم المأموم علي الامام ونزلوا الجنازة منزلة الامام قال ولا يبعد أن يقال تجويز التقدم علي الجنازة أولي فانها ليست إماما متبوعا حتى يتعين تقدمه وانما الجنازة والمصلون على صورة مجرم يحضر باب الملك ومعه شفعاء ولولا الاتباع لما كان يتجه قول تقديم الجنازة وجوبا وهذا الذى ذكره أشارة إلى ترتيب الخلاف والا فقد اتفقوا على أن الاصح المنع (وقوله) في الكتاب لان ذلك يحتمل في حق الغائب بسبب الحاجة جواب عن كلام يحتج به لجواز التقدم علي الجنازة وهو أن الغائب يصلي عليه كما سيأتي مع أنه قد يكون خلف ظهر المصلي فكذلك إذا كان حاضرا ففرق بينهما بذلك * قال (وإذا اجتمعت الجنائز فيجوز أن يصلى علي كل جنازة وان يصلى علي جميعهم صلاة واحدة ثم يوضع (و) بين يدى الامام بعضهم وراء بعض والكل في جهة القبلة وليقرب من الامام الرجل ثم الصبى ثم الخنثى ثم المرأة ولا يقدم بالحرية وانما يقدم بخصال دينية ترغب في الصلاة عليه وعند التساوى لا يستحق القرب الا بالقرعة أو بالتراضى) * إذا حضرت جنائز جاز أن يصلى علي كل واحدة صلاة وهو الاولى وجائز أن يصلى علي الجميع صلاة واحدة لان معظم الفرض من هذه الصلاة الدعاء للميت ويمكن الجمع بين عدد من الموتي في الدعاء وقد يقتضي الحال الجمع ويتعذر افراد كل جنازة بصلاة ولا فرق في ذلك بين أن يتمحض الموتى ذكورا أو أناثا أو يجتمع النوعان ان اتحد النوع ففى كيفية وضع الجنائز وجهان وصاحب التتمة حكاهما قولين (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب انها توضع بين يدى الامام في جهة القبلة بعضها خلف بعض ليكون الامام في محاذاة الكل (والثانى) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله يوضع الكل صفا واحدا رأس كل ميت عند رجل الآخر ويجعل الامام جميعها علي يمينة ويقف في محاذاة الاخيرة وان اختلف النوع فهيئة وضعها ما ذكرنا في الوجه الاول ولا يجئ الوجه الثاني فان الرجل والمرأة لا يقفان صفا واحدا في الجماعات فكذلك لا يوضعان صفا وواحدا ويجوز أن يعلم قوله بعضهم وراء بعض بالواو لان اللفظ يشمل حالتى اتحاد النوع واختلافه وقد ذكرنا في الحالة الاولى وجها آخر وهو كذلك معلم بالحاء ثم إذا كان هيئة وضعها ما بينا في الوجه الاول فمن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 الذى بلي الامام من الموتي لا يخلو الحال أما أن تحضر الجنازة دفعة واحدة أو مرتبة فاما الحالة الاولى وهى التى تكلم فيها في الكتاب فينظر ان اختلف النوع فليلي الامام الرجل ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة لما روى أن سعيد بن العاص (صلي على زيد بن عمر الخطاب وامه ام كلثوم بنت على رضي الله عنهم فوضع الغلام بين يديه والمرأة خلفه وفي القوم نحو من ثمانين نفسا من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فصوبوه وقالوا هذه السنة) وروى ان بن عمر رضى الله عنهما (صلى علي تسع جنائز فجعل الرجال يلونه والنساء يلين القبلة ولو حضر جنائز جماعة من الخناثى وضعت صفا واحدا لئلا تتقدم امرأة علي رجل فان اتحد النوع فيقرب من الامام افضلهم المعتبر فيه الورع والخصال التى ترغب في الصلاة عليه ويغلب علي الظن كونه اقرب من رحمة الله تعالي جدة ولا يتقدم بالحرية بخلاف استحقاق الامامة يقدم فيه الحر علي العبد قال في النهاية لان الامامة في الصلاة تصرف فيها والحر مقدم علي العبد في التصرفات وإذا ماتا استويا في انقطاع التصرف فاقرب معتبر فيه ما ذكرنا فان استووا في جميع الخصال وتنازع الاولياء في القرب دفع نزاعهم بالقرعة وان رضوا بتقريب واحد فذاك (الحالة الثانية) ان تحضر الجنائز مرتبة فلا سبق تأثير في الباب فلا تنحى الجنازة السابقة للحوق اخرى وان كان صاحبها افضل هذا عند اتحاد النوع ولو وضعت جنازة امرأة ثم حضرت جنازة رجل أو صبي فتنحي جنازتها وتوضع جنازة الرجل أو الصبي بين يدى الامام ولو وضعت جنازة صبى ثم حضرت جنازة رجل لم تنح جنازة الصبى بل يقال لوليه أما ان تجعل جنازتك خلف الصبي أو تنقله إلى موضع آخر والفرق ان الصبى قد يقف مع الرجل في الصف والمرأة تتأخر بكل حال فكذلك بعد الموت وعن صاحب التقريب وجه انه تنحى جنازة الصبى كجنازة المرأة (فان قلت) ولي كل ميت اولي بالصلاة عليه فمن الذى يصلى على الجنازة الحاضرة إذا اقتصروا علي صلاة واحدة (قلنا) كل من لم يرض بصلاة غيره صلي علي ميته وان رضوا جميعا بصلاة واحدة فان حضرت الجنائز مرتبة فولى السابقة اولي رجلا كان ميتها أو امرأة وان حضرت معا أفرع بينهم والله أعلم * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 164 قال (الطرف الثالث في كيفية الصلاة وأقلها تسعة أركان النية والتكبيرات الاربع والسلام والفاتحة (م ح) بعد الاولى والصلاة على رسول الله عليه وسلم بعد الثانية وفي الصلاة على الآل خلاف والدعاء للميت بعد الثالثة وقيل يكفى الدعاء للمؤمنين والمؤمنات ولو زاد تكبيرة خامسة لم تبطل الصلاة على الاظهر) * الكلام في كيفية هذه الصلاة في الاقل والاكمل (اما) الاقل فمن أركانها النية ووقتها ما سبق في سائر الصبوات وكذا في اشتراط التعرض للفرضيية الخلاف المقدم وهل يحتاج الي التعرض لكونها فرض كفاية أم تكفى نية مطلق الفرض حكى القاضى الرويانى فيه وجهين (أصحهما) الثاني ثم إن كان الميت واحدا نوى الصلاة عليه وإن حضر موتى نوى الصلاة عليهم ولا حاجة إلي تعيين الميت ومعرفته بل لو نوى الصلاة علي من يصلى عليه الامام جاز ولو عين الميت فأخطأ لم تصح صلاته ويجب علي المقتدى نية الاقتداء كما في سائر الصلوات (ومنها) التكبيرات الاربع روى عن جابر رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم (كبر علي الميت اربعا وقرأ بام القرآن بعد التكبيرة الاولي) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 165 فلو كبر خمسا لم يخل اما أن يكون ساهيا أو عامدا فان كان ساهيا لم تبطل صلاته ولا مدخل للسجود في هذه الصلاة وإن كان عامدا فهل تبطل صلاته فيه وجهان (أحدهما) نعم كما لو زاد ركعة أو ركنا عمدا في سائر الصلوات وهذا الوجه هو المذكور في التتمة والوسيط (واصحهما) على ما ذكره ههنا وبه قال الاكثرون أنها لا تبطل لثبوت الزيادة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 أن الاربع أولى لاستقرار الامر عليها) ؟ واتفاق الاصحاب وقد حكي عن ابن سريح رضى الله عنه إن الاختلافات المنقولة في تكبيرات صلاة الجنازة من جملة الاختلاف المباح وإن كل ذلك سائغ ولو كان مأموما فزاد إمامه على الاربع فان قلنا الزيادة تبطل الصلاة فارقه وإن قلنا لا تبطل لم يفارقه ولا يتابعه في الزيادة علي الاصح من القولين وهل يسلم في الحال أو ينتظر ليسلم معه فيه وجهان (أظهرهما) ثانيهما (واعلم) أن اركان هذه الصلاة قد عدها في الكتاب تسعة والنية والتكبيرات الاربع خمسة منها والسادس السلام وفي وجوب نية الخروج معه ما سبق في سائر الصلوات ويجوز أن يعلم بالحاء لما ذكرنا ثم وهل يكفى أن يقول السلام عليك حكى الامام تردد الجواب فيه عن الشيخ أبى علي والظاهر المنع والسابع قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الاولي وقال أبو حنيفة ومالك لا يقرأ فيها شيئا من القرآن * لنا ما روى عن جابر رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قرأ فيها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 167 بأم القرآن وقد قال (صلوا كما رأيتموني أصلى) والسابق إلى الفهم من قوله في الكتاب والفاتحة يعد الاولي انه ينبغى أن يكون عقيبهما متقدمة علي الثانية لكن القاضى الرواياتي وغيره حكوا عن نصه انه لو أخر قراءتها الي التكبيرة الثانية جاز والثامن الصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثانية خلافا لابي حنفة ومالك فان عندهما لا يجب ذلك كما ذكر في سائر الصلوات * لنا ما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 168 روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا صلاة لمن لم يصل علي) وهل نجب الصلاة علي الآل فيه قولان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 أو وجهان ذكرنا هما في غير هذه الصلاة وهذه الصلاة أولى بأن لا يجب فيها لانها مبنية على الاختصار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 170 والتاسع الدعاء بعد التكبيرة الثالثة الميت وعن أبى حنيفة أنه لا يحب لنا ما روى أن النبي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 صلى الله عليه وسلم (قال إذا صليتم علي الميت فاخلصوا الدعاء له) وفيه وجه انه لا يجب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 تخصيص الميت بالدعاء ويكفى إرساله المؤمنين والمؤمنات والميت يندرج فيهم وهذا الوجه معزى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 173 في النهاية إلى الشيخ أبي محمد رحمه الله وقدر الواجب من الدعاء ما ينطلق عليه الاسم اما الا حب فسيأتي والله اعلم * (واعلم) أن القيام وواجب في هذه الصلاة عند القدرة علي الا صح كاسبق فيتوجه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 الحاقه بالاركان كما أنه معدود من الاركان في الوظائف الخمس والله أعلم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 175 قال (واما الا كمل فان يرفع (م ح) اليدين في التكبيرات وفي دعاء الاستفتاح والتعوذ خلاف والاصح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 176 أن الاستفتاح لا يستحب ثم لا يجهر بالقراءة ليلا كان أو نهارا ويستحب الدعاء للمؤمنين والمؤمنات عند الدعاء للميت ولم يتعرض الشافعي رضي الله عنه في الادعية للذكر بين التكبيرة الرابعة والسلام) * لصلاة الجنازة وظائف مندوبة هي توابع للاركان (فمنها) رفع اليدين في التكبيرات الاربع خلافا لابي حنيفة ومالك حيث فالا لا يرفع الا في التكبيرة الاولى * لنا ان عمرو أنسا رضى الله عنهما كانا يرفعان في جميع التكبيرات وعن عروة وابن المسسيب رضى الله عنهما مثله ويجمع يديه بينها ويضعهما تحت صدره كما في سائر الصلوات (ومنها) في قراءة دعاء الاستفتاح عقيب التكبيرة الاولى وجهان (احدهما) انه يقرأ كما في سائر الصلوات وهذا اختيار القاضى ابى الطيب والقفال فيما حكاه القاضي الرواياني (وأصحهما) أنه لا يقرأ لان هذه الصلاة مبنية علي التخفيف ولهذا لم يشرع فيها الركوع والسجود وشبهما ذلك بقراءة السورة لكن صاحب التهذيب حكى في قراءة السورة بعد الفاتحة الوجهين أيضا وهل يتعوذ فيه وجهان أيضا لكن الا صح أنه يتعوذ بخلاف دعاء الاستفتاح لان التعوذ من سنن القراءة كالتأمين عند تمام الفاتحة ولانه لا يفضى إلي مثل تطويل دعاء الاستفتاح وإذا جمعت بينهما قلت هل يستفتح ويتعوذ فيه ثلاثة أوجه (أصحها) أنه لا يستفتح ويتعوذ وقوله في الكتاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 177 والاصح أن الاستفتاح لا يستحب بعد ذكر الخلاف فيهما مشعر بأن الاصح في التعوذ الا ستحباب ولك أن تعلم قوله والتعوذ بالواو لانه اثبت الخلاف فيهما جميعا وفي كلام الشيخ أبى محمد طريقة أخرى قاطعة باستحباب التعوذ (ومنها) ان السنة فيها الاسرار بالقراءة نهارا وبالليل وجهان (أصحهما) وهو ظاهر المنصوص انه يسر أيضا لانها قومة شرعت فيها الفاتحة دون السورة فاشبهت الثالثة من المغرب والثالثة والرابعة من العشاء والثانى وبه قال الداركي أنه يجهر بها لانها صلاة تفعل ليلا ونهارا فيجهر بها ليلا كصلاة الخسوف وهذا هو الذى حكاه الامام عن الصيد لاني والقاضي الرويانى عن أبي حامد وقوله في الكتاب ليلا معلم بالواو لهذا (ومنها) نقل المزني في المختصر أن عقيب التكبيرة الثانية يحمد الله تعالي ويصلي على النبي صلي الله عليه وسلم ويدعو للمؤمنين والمؤمنات فهذه ثلاثة أشياء أوسطها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهى من الاركان علي ما سبق ذكرها واولها الحمد ولا خلاف في أنه لا يجب وهل تستحب نقل المزني فيه وجهين (أحدهما) وهو قضية كلام الاكثرين وقالوا ليس في كتب الشافعي رضي اله عنه ما نقله المزني (والثاني) نعم وهو الذى أورده صاحب التهذيب ولا تتمة قال هؤلاء ولعل المزني سمعه لفظا (وثالثها) الدعاء للمؤمنين والمؤمنات الجزء: 5 ¦ الصفحة: 178 وعامة الاصحاب على استحبابه عقيب الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم ليكون أقرب الي الاجابة وفيه كلام آخرنذ كره من بعد (ومنها) إذا كبر الثالثة فيستحب أن يكون في دعاؤه للميت (اللهم هذا عبدك وابن عبدك خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبه وأحباؤه فيها الي ظلمة القبر وما هو لاقيه كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدأ عبدك ورسولك وأنت أعلم به اللهم انه نزل بك وأنت خير منزول به واصبح فقيرا إلى رحمتك وأنت غنى عن عذابه وقد جئناك راغبين اليك شفعاء له اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه ولقه برحتمك رضاك وقه فتنة القبر وعذابه وافسح له في قبره وجاف الارض عن جنبيه ولقه برحتمك الامن من عذابك حتى تبعثه الي جنتك يا أرحم الراحمين) هذا ما نقله المزني في المختصر وورد في الباب عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال (صلي رسول الله صلي الله عليه وسلم علي جنازة فحفظت من دعائه اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزوله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقله من الخطايا كما نقبت الثوب الابيض من الدنس وابدله دارا خيرا من داره واهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وقه فتنة القبر وعذاب النار حتى تمنيت أن اكون ذلك الميت) وعن ابن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 179 القاص رضي الله عنه دعاء آخر قال في الشامل وعليه اكثر أهل خراسان وهو ما روى عن ابي هريرة رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا صلي علي الجنازة قال اللهم اغفر لحينا وميتنا؟ وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وانثانا اللهم من أحييته منا فاحيه علي الاسلام ومن توفيته منا فتوفه علي الايمان فان كان الميت امراة قال اللهم هذه امتك وبنت عبدك ويؤنث الكنايات وان كان الميت طفلا اقتصر علي المروى عن ابى هريرة رضى الله عنه ويضيف إليه (اللهم اجعله فرطا لابويه وسلفا وذخرا وعظة واعتبارا وشفيعا وثقل به موازينهما وافرغ الصبر على قلوبهما ولا تفتنهما بعده ولا تحرمهما أجره (وقوله) في الكتاب ويستحب الدعاء للمؤمنين والمؤمنات عند الدعاء للميت اعلم بالواو لانه حكي في الوسيط ترددا في ذلك ثم قال والا صح الاستحباب ولعلك تقول قوله عند الدعاء للميت يقتضي استحباب الدعاء للمؤمنين والمؤمنات بعد التكبيرة الثالثة مع الدعاء للميت والجمهور قالوا باستحبابه في الثانية كما سبق وذكروا انه يخلص في الثالثة الدعاء لميت فكيف سبيل الجمع والتردد الذى رواه في الوسيط ليس له ذكر في كلام الاصحاب فعلى ماذا ينزل (والجواب) ان امام الحرمين حكى في استحبابه ترددا للائمة في الكبيرة الثانية ووجه استحبابه بان صلاة * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 180 علي النبي صلي الله عليه وسلم في التشهد الا خير يستعقب الدعاء للمؤمنين والمؤمنات فكذلك في هذه الصلاة فان أراد حجة الاسلام قدس الله روحه هذا التردد فالوجه ان يؤول كلمة عند ويقال أراد النظر في أنه هل يدعو للمؤمنين والمؤمنات في هذه الصلاة مع الدعاء للميت ويجوز أن يحمل ما ذكره علي الدعاء الذى ذكره ابن القاص فانه دعاء للمؤمنين والمؤمنات وما قبله يختص بالميت ولا يبعد أن يقدر فيه تردد فان قول من قال يخلص الدعاء للميت في الثالثة ينافى استحباب هذا الدعاء والله أعلم * (وقوله) ولم يتعرض الشافعي رضي الله عنه لذكر بين التكبيرة الرابعة والسلام أراد في المختصر وعامة كتبه لا علي الاطلاق فان البويطى روى عنه أن يقول بينهما (اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده) هكذا نقل الجمهور ونقل الصيدلانى عن روايته أن يقول (اللهم اغفر لحينا وميتنا) وحكى قوم منهم صاحب التهذيب الذكر المشهور عن البويطى نفسه فان كان كذلك امكن اجراء قوله ولم يتعرض الشافعي رضي اله عنه على اطلاقه وكيف ما كان فالذكر بينهما لى بواجب والظاهر استحبابه وفي الكافي للرواياني وجه آخرانه لا استحباب وانما هو بالخيار بين أن يذكره أو يدعه ويسلم عقيب التكبيرة وهكذا كان يفعله الامام محمد بن يحيى قدس الله روحه فيما حكاه والدي رحمه الله وفي كيفية السلام من صلاة الجنازة قولان (أصحهما) أن الاولي أن يسلم تسليمتين (أحداهما) عن يمينه (والاخرى) عن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 181 شماله علي ما ذكرنا في سائر الصلوات (والثانى) قاله في الاملاء يقتصر علي تسليمة واحدة. لان مبني هذه الصلاة على التخفيف خوفا من التغيرات التي عساها تحدث في الميت وعلي هذا فالمنصوص أنه يبدأ بها ملتفتا الي يمينه ويختمها ملتفتا الي يساره فيدير وجهه وهو فيها ومنهم من قال يأتي بها تلقاء وجهه من غير التفات قال امام الحرمين ولا شك ان هذا التردد يجرى في جميع الصلوات إذا رأينا الاقتصار علي تسليمة واحدة واختلفوا في أن القولين في أن الاولى تسليمة أو تسليمتان هما القولان المذكوران من قبل في سائر الصلوات أم لا (فقال) قوم هما هما (وقال) آخرون لا بل هما مرتبان علي القولين في سائر الصلوات إن قلنا يقتصر فيها على تسليمة واحدة فههنا أولي وإن قلنا يسلم تسليمتين فههنا قولان وهذا أصح لان قول الاقتصار في سائر الصلوات لم ينقل إلا عن القديم وهو منقول ههنا عن الاملاء وأنه محسوب من الجديد ولانهم وجهوه ببناء هذه الصلاة علي التخفيف وهذا لا يجئ في سائر الصلوات ويقتضي الترتيب. وقد صرح لفظ المختصر بتكرير السلام في سائر الصلوات وقال ههنا ثم يسلم عن يمينه وعن شماله. وهذا القدر يحتمل القولين جميعا وعلي قول الاقتصار علي تسليمة واحدة هل يزيد ورحمة الله أم يقتصر على قوله السلام عليكم ذكر في النهاية أن الشيخ أبا علي حكى ترددا فيه من طريق الاولى رعاية للاختصار * قال * (فرع) المسبوق يكبر (ح و) كما أدرك وإن كان الامام في أثناء القراءة ثم إن لم يتمكن من التكبيرة الثانية مع الامام صبر إلي التكبيرة الثالثة فيكبر التكبيرة الثانية عندها ثم إذا سلم الامام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 182 تدارك ما بقى عليه ولو لم يكبر الثانية قصدا حتي كبر الامام الثالثة بطلت صلاته إذ لا قدوة الا في التكبيرات) * الفرع يشتمل علي مسئلتين (احداهما) لو لحق مسبوق في خلال صلاة الجنازة كبر شارعا ولم ينتظر تكبيرة الامام المستقبلة خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال يصبر حتي يكبر معه فلو لحق بعد التكبيرة الرابعة تعذر الادراك عنده. وعن مالك روايتان كالمذهبين كما في سائر الصلوات * لنا ما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا) ولانه أدرك الامام في بعض صلاته فلا ينتظر ما بعده كما في سائر الصلوات ثم في المسألة فروع (أحدها) إذا كبر المسبوق اشتغل بقراءة الفاتحة وإن كان بعد التكبيرة الثانية والامام يصلي علي النبي صلي الله عليه وسلم أو بعد الثالثة والامام يدعو بناء علي أن ما يدركه المسبوق أول صلاته فيراعى ترتيب صلاة نفسه كذا ذكره وهو غير صاف عن الاشكال (الثاني) إذا لحق قبل التكبيرة الثانية وكبر نظر إن كبر الامام كلما فرغ من تكبيره كبر معه الثانية وسقطت عنه القراءة كما إذا ركع الامام عقيب تكبيره في سائر الصلوات وإن قرأ الفاتحة ثم كبر الامام الثانية كبر معه وقد أدرك جميع الصلاة وإن كبر الامام قبل فراغه من القراءة فهل يقطع الفاتحة ويوافقه أو يتم قراءته فيه وجهان كما لو قرأ المسبوق بعض الفاتحة ثم ركع الامام (أصحهما) عند الاكثرين منهم ابن الصباغ والقاضى الرويانى أنه يقطع القراءة ويتابعه وعلي هذا هل يقرأ بعد الثانية لانه محل القراءة بخلاف الركوع أم يقال لما أدرك قراءة الامام صار محل قراءته منحصرا فيما قبل الثانية وذكر في الشامل فيه احتمالين ولعل الثاني أظهر. وصاحب الكتاب أجاب بالوجه الثاني وهو أنه يتم القراءة ولا يوافقه في التكبيرة الثانية حيث قال: ثم ان لم يتمكن من التكبيرة الثانية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 183 مع الامام أي لعدم إتمام الفاتحة صبر إلى التكبيرة الثالثة يعني يتمها ويؤخر تكبيرته الثانية الي أن يكبر الامام الثالثة وإلى هذا الوجه صغو إمام الحرمين. إذا عرفت ذلك فاعلم قوله صبر بالواو واعرف أن ذلك الوجه المشار إليه أظهر (الثالث) إذا فاته بعض التكبيرات تدارك بعد سلام الامام وهل يقتصر علي التكبيرات نسقا أم يأنى بالدعاء والذكر بينها فيه قولان (أحدهما) يقتصر علي التكبيرات فان الجنازة ترفع بعد سلام الامام فليس الوقت وقت التطويل (وأصحهما) أنه يدعي لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (وما فاتكم فاقضوا) وكما فاته التكبيرات فاته الدعاء والمستحب ألا ترفع الجنازة حتي يتم المسبوقون ما عليهم وان رفعت لم تبطل صلاتهم وإن حولت عن قبالة القبلة بخلاف ابتداء عقد الصلاة لا يحتمل فيه ذلك والجنازة حاضرة (المسالة الثانية) لو تخلف المقتدى فلم يكبر مع الامام الثانية أو الثالثة حتي كبر الامام التكبيرة المستقبلة من غير عذر بطلت صلاته لان القدوة في هذه الصلاة لا تظهر الا في التكبيرات وهذا التخلف متفاحش شبيه بالتخلف بركعة في سائر الصلوات حكى الامام المسألة وجوابها عن شيخه وقطع بما ذكره وتابعهما المصنف رحمه الله * قال (الطرف الرابع في شرائط الصلاة وهى كسائر الصلاة ولا يشترط الجماعة فيها ولكن قيل لا يسقط الفرض الا بأربعة يصلون جمعا أو آحادا وقيل يسقط بثلاث وقيل يسقط بواحد وفي الاكتفاء بجنس النساء خلاف) * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 184 الشرائط المرعية في سائر الصلوات كالطهارة وستر العورة والاستقبال وغيرها مرعية في هذه الصلاة أيضا واراد بقوله وهى كسائر الصلوات التسوية فيها دون الاركان والسنن ويجوز أن يعلم بالحاء لان عند أبى حنيفة رحمه الله هذه الصلاة تفارق غيرها في أمر الطهارة فيجوز التيمم لها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 185 عند خوف الفوات مع وجود الماء ومعظم غرض هذا الطرف الكلام فيما وقع الخلاف في اشتراطه في هذه الصلاة إما بين اصحابنا أو ببننا وبين غيرنا وفيه مسائل (منها) أن السنة أن تقام جماعة كذلك (كان النبي صلي الله عليه وسلم يفعل) وعليه استمر الناس ولا يشترط فيها الجماعة كسائر الصلوات الجزء: 5 ¦ الصفحة: 186 وقد صلي الصحابة علي الرسول صلي الله عليه وسلم افرادا وفيمن يسقط به فرض هذه الصلاة وجوه (احدها) أنه لابد من اربعة يصلون جماعة وافرادا كما لا بد من اربعة يجملونه كذا ذكره الجزء: 5 ¦ الصفحة: 187 الشيخ أبو علي وغيره قال الامام هذا التشبيه هفوة فان الحمل بين العمودين أفصل للحاملين وأنه يحصل بثلاثة كما تقدم (والثانى) أنه يكفى ثلاثة * واحتج له بقوله صلي الله عليه وسلم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 188 (صلوا على من قال لا اله الا الله) خاطب به الجمع وأقله ثلاثة وهذا أصح الوجوه عند الشيخ ابى الفرج البزار (والثالث) أنه يسقط الفرض بواحد لانه لا يشترط فيه الجماعة فكذلك العدد كسائر الصلوات (والرابع) أورده في التهذيب أنه لا بد من اثنين ويكتفى بهما بناء علي أن أقل الجمع اثنان وهذا الوجه لم يبلغ الامام نقلا لكن قال هو محتمل جدا لان الاجتماع يحصل بذلك وهو كقولنا في مسالة الانفضاض علي رأى يكتفى ببقاء واحد مع الامام. ونقل جماعة من أئمتنا الوجه الثاني والثالث قولين منصوصين منهم صاحب الشامل ومنهم القاضي الرويانى وقال هو وغيره الظاهر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 189 الاكتفاء بواحد والله اعلم. ويتفرع على هذه الوجوه ما لو تبين حدث الامام أو بعض المقتدين ان بقي العدد المكتفى به فالفرض ساقط به والا فلا. وهل الصبيان المميزون بمثابة الباغين علي اختلاف الوجوه فيه وجهان (أظهرهما) نعم. وفي النساء وجهان (أحدهما) أنهن كالرجال لصحة صلاتهن وجماعتهن (واصحهما) ولم يذكر صاحب التهذيب وكثيرون سواه انه لا يكتفى بهن وان كثرن نظرا للميت فان دعاء الرجال اقرب الي الاجابة وأهليتهم الي العبادات ولان فيه استهانة بالميت وموضع الوجهين ما إذا كان هناك رجال فان لم يكن رجل صلين للضرورة منفردات وسقط الفرض قال في العدة: وظاهر المذهب أنه لا يستحب لهن أن يصلين جماعة في جنازة الرجل والمرأة (وقيل) يستتحب ذلك في جنازة المرأة * قال (ولا يشترط حضور الجنازة بل يصلي (م ح) على الغائب الا (و) إذا كان في البلد) * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 190 تجوز الصلاة علي الغائب بالنية سواء كان في جهة القبلة أو في غير جهها والمصلى مستقبل بكل حال وبه قال احمد خلافا لمالك وأبى حنيفة رحمهم الله * لنا ما روى (أن النبي صلي الله عليه وسلم أخبر بموت النجاشي في اليوم الذي مات فيه فخرج الي المصلي وصفهم وكبر أربع تكبيرات) وهذا إذا كانت الجنازة في بلدة أو قرية ولا فرق بين أن يكون بين الموضعين مسافة القصر أو لا يكون فان كانت في تلك البلدة فهل يجوز أن يصلي عليها وهي غير موضوعة بين يديه فيه وجهان (أحدهما) نعم كالغائبة عن البلد (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب لا لتيسر الحضور وشبه هذا الخلاف بالخلاف في نفوذ القضاء على من في البلد مع امكان الاحضار وإذا شرطنا حضور الجنازة فينبغي ان لا يكون بين الامام وبينها اكثر من مائتي ذراع أو ثلثمائة علي التقريب حكاه المعلق عن الشيخ ابي محمد ولا يشترط (م ح) ظهور الميت بل تجوز الصلاة علي المدفون ولكن تقديم الصلاة واجب فان لم تقدم فلا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 191 تفوت بالدفن ثم قبل انه يصلي بعد الدفن إلى ثلاثة ايام وقيل إلى شهر وقيل الي انمحاق الاجزاء وقيل من كان مميزا عند موته يصلي عليه ومن لا فلا وقيل ويصلي عليه أبدا ومع هذا فلا يصلي على قبر رسول الله صلي الله عليه وسلم) * إذا أقيمت جماعة صلاة الجنازة ثم حضر آخرون فلهم أن يصلوا عليها افرادا أو في جماعة اخرى وتكون صلاتهم فرضا في حقهم كما أنها فرض في حق الاولين بخلاف من صلاها مرة لا تستحب له إعادتها فان المعادة تكون تطوعا وهذه الصلاة لا يتطوع بها فان كان قد صلي مرة وأراد إعادتها في جماعة لم يستحب ايضا في اظهر الوجهين. ولا فرق بين ان يكون حضور الآخرين قبل الدفن أو بعده ولا يشترط ظهور الميت وخالف أبو حنيفة في الحالتين (اما) قبل الدفن فلان عنده لا يصلي علي الجنازة مرتين واما بعده فلان عنده لا يصلى علي القبر إلا إذ دفن ولم يصل عليه الولي فله ان يصلي على القبر وكذا له ان يصلي عليه قبل الدفن إذا كان غائبا وصلى عليه غيره وساعد ابا حنيفة مالك في الفصلين والخلاف جاء فيما إذا دفن ميت قبل ان يصلى عليه فعندنا يصلي على قبره ولا ينبش للصلاة ولكن يأثم الدافنون بما فعلوا فان تقديم الصلاة على الدفن واجب وعند هما لا يصلى على القبر * لنا ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر دفن ليلا فقال متي دفن هذا قالوا البارحة قال افلا آذنتموني قألوا دفناه في ظلمة الليل فكرهنا أن نوقظك فقام وصفنا خلفه قال ابن عباس رضى الله عنهما وانا فيهم فصلي عليه) ولك ان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 192 تعلم قوله في الكتاب فلا تفوت بالدفن بالوا ولان أبا عبد الله الحناطى حكى عن أبى إسحاق المروزى أن فرض الصلاة لا يسقط بالصلاة علي القبرو انما يصلي على القبر من لم يدرك الصلاة وإلى متى تجوز الصلاة علي القبر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 193 * فيه خمسة أوجه (احدهما) إلى ثلاثة ايام ولا تزاد لانها اول جد الكثرة وآخر حد القلة ويروى هذا عن اصحاب ابي حنيفة رحمه الله حيث جوزوا للولي الصلاة على القبر (والثانى) وبه قال احمد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 194 رحمه الله أنه يصلى عليه إلي شهر ولا يزاد وهذا ما ذكره ابن القاص في المفتاح قال القفال يحتمل أنه خرج ذلك من صلاة النبي صلي الله عليه وسلم علي النجاشي فانه كان بينهما مسيرة شهر ومعلوم أنه لولا الوحي لما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 195 علموا بموته الا بعد شهر ومنهم من وجهه بما روى (صلى الله عليه وسلم انه صلي علي البراء بن معرور بعد شهر) ولم تنقل الزيادة عليه (الثالث) انه يصلى عليه ما دام يبقى منه شئ في القبر فان انمحقت الاجزاء كلها فلا إذ لم يبق ما يصلى عليه وعلي هذا فلو تردد في انمحاق الاجزاء فلامام الحرمين رحمه الله فيه احتمالان (أحدهما) ان يقال الصلاة تستدعي تيقن البقاء في القبر (والثاني) أن يقال الاصل بقاءه فيجوز وهذا الثاني أوفق لرواية الصيدلاني، آخرين وأصل الوجه فانهم نقلوا انه يصلي عليه ما لم يعلم بلاه (والوجه الرابع) أنه يصلي عليه من كان من أهل فرض الصلاة يوم الموت ولا يصلى عليه غيره هكذا روى الشيخ أبو محمد والصيدلانى وغيرهما عن الشيخ ابى زيد وأشار إليه صاحب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 الافصاح ووجهه بان من كان من أهل الفرض يومئذ كان الخطاب متوجها عليه فمتي أدى كان مؤديا لفرضه وغيره لو صلي كان متطوعا وهذا الصلاة لا يتطوع بها وروى المحاملي وطائفة هذا الوجه بعبارة أخرى فقالوا من كان من أهل الصلاة يصلي عليه يوم موته ومن لا فلا فعلي العبارتين معا من لم يولد عند الموت أو لم يكن مميزا لم يكن له أن يصلي علي القبرو من كان مميزا حينئذ هل يصلى اما العبارة الاولي فلا لانه لم يكن من أهل فرضية الصلاة وأما علي الثانية فنعم لانه كان من أهل الصلاة والعبارة الاولي أشهر والثانية أصح عند القاضى الرويانى وهى التي يوافقها لفظ الكتاب فانه قال وقيل من كان مميزا عند موته يصلي فلا يعتبر إلا التمييز الذى يعطي أهلية الصلاة دون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 197 أهلية الافتراض (والوجه الخامس) انه يصلى عليه ابدا لان القصد بهذه الصلاة الدعاء وهو جائز في الاوقات كلها وأظهر الوجوه هو الرابع ثم هذا كله في قبر غير النبي صلي الله عليه وسلم (فأما) الصلاة علي قبره فتبني علي الوجوه المذكورة في حق غيره فعلى الوجوه الاربعة الاولي لا يصلي عليه اليوم أما على غير الثالث فظاهر وأما الثالث فليس الامتناع لانه يبلى إذ الارض لا تأكل أجساد الانبياء ولكن لانه روى في الخبر أنه صلي الله عليه وسلم قال (أنا أكرم علي ربي من أن يتركني في قبري بعد ثلاث) وعلي الوجه الخامس هل يصلى عليه فيه وجهان (أظهر هما) لا لما روى أنه صلي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 198 الله عليه وسلم قال (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) (والثاني) نعم كما في حق غيره ولكن فرادى لا جماعة كما فعل أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ويحكى هذا عن أبي الوليد النسابورى. إذا عرفت ذلك أعلمت قوله فلا يصلي علي قبر رسول لله صلي الله عليه وسلم بالواو ويجوز أن يعلم ما سوى الثاني من الوجوه بالالف لان مذهبه الثاني كما قدمناه (فائدة) قوله في أول هذا الطلاف: وهى كسائل الصلوات اراد به في الشرائط كما قدمناه ثم الغرض بيان ان شرائط سائر الصلوات مرعية فيها لان شرائط هذه الصلاة منحصر فيها لانه يشترط فيها تقدم غسل الميت حتي لو مات في بئر أو معدن انهدما عليه وتعذر إخراجه وغسله لم يصل عليه ذكره صاحب التتمة ويشترط فيها أيضا عدم التقدم علي الجنازة الحاضرة بين يديه وعلي القبر إن كان يصلي عليه علي الصحيح * قال (القول في الدفن * واقله حفرة تحرس الميت عن السباع وتكتم رائحته واكمله قبر على قامة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 199 الرجل واللحد افضل من الشق وليكن اللحد في جانب القبلة ثم توضع الجنازة علي راس القبر بحيث يكون راس الميت عند مؤخر القبلة من جهة رأسه ولا يضع الميت في قبره إلا الرجل فان كانت امراة فيتولي ذلك زوجها ومحارمها فان لم يكن فعبيدها فان لم يكن فخصيان فان لم يكن فار حام فان لم يكن فالا جانب لانهن يضعفن عن مباشرة هذا الا مر ثم إن لم يستقل واحد بوضعه فليكن عدد الواضعين وترا) دفن الميت من فروض الكقايات كغسله والصلاة عليه والدفن في المقبرة اولى لينال الميت دعاء المارين والزائرين (وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدفن اصحابه في المقابر) ويجوز الدفن في غير المقابر لانهم (دفنوا النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة رضي الله عنها فلو تنازع الورثة فقال بعضهم ندفنه في ملكه وقال آخرون بل في المقبرة المسبلة دفن في المقبرة المسبلة لان ملكه قد انتقل إلي الورثة وبعض الشركاء غير راض بدفنه فيه فلو بادر بعضهم ودفنه فيه كان للباقين نقله إلى المقبرة والاولي ان لا يفعلوا لما فيه من الهتك ولو اراد بعضهم دفنه في خالص ملكه لم يلزم الباقين قبوله ولو بادر إليه قال ابن الصباغ لم يذكره الاصحاب وعندي انه لا ينقل فانه هتك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 200 وليس في ابقائه ابطال حق الغير ولو توافقوا علي دفن الميت في ملكه ثم باعوه لم يكن للمبتاع نقله وله الخيار إن كان جاهلا به ثم لو اتفق نقله أو بلي كان الموضع للبائعين أو المشترى فيه وجهان سيأتي في البيع نظائرها. إذا عرفت ذلك ففى الفصل مسائل (احداها) لا يجوز الاقتصار في الدفن علي ادنى احتفار بل اقل ما في البأب حفرة تكتم رائحة الميت وتحرسه عن السباع لعسر نبش مثها عليها غالبا وهذان المعنيان كتمان الرائحة والحراسة عن السباع قد ذكرهما إمام الحرمين في حد واجب الدفن وتابعه المصنف فان كانا متلازمين فمي وجدت احدى الصفتين في الحفرة توجد الاخرى والغرض من ذكرهما بيان الفائدة المطلوبة بالدفن وان لم يكونا متلازمين فبان أنه يجب رعايتهما ولا يكتفى بأحدهما مقصود أيضا (واما الاكمل) فيستحب توسيع القبر وتعميقه روى انه صلى الله عليه وسلم قال: (احفروا ووسعوا وعمقو) والمنقول عن لفظ الشافعي رضي الله عنه أنه يعمق قدر بسطة قال المحاملي وغيره وانما أراد بسطة بعد القيام علي ما روى عن عمر رضى الله عنه أنه قال (عمقوا إلى قدر قامة وبسطة) وقدره بثلارثة أذرع ونصف وهو قدر ما يقوم الرجل ويبسط الجزء: 5 ¦ الصفحة: 201 يده مرفوعة غالبا والاعتبار بالاربعة من الرجال وفيما علق عن الشيخ أبى محمد أن السنة من التعميق بقدر قامة وهو ثلاثة أذرع وذكر في النهاية ما يواقفه فنقل لفظ البسطة وفسرها بقامة رجل وسط فيشبه أن يكون وجها آخر وهو الذى يوافقه لفظ الكتاب والمشهور في المذهب هو الاول (وقوله) في الكتاب: وأقله واكمله. الكناية فيهما يجوز أن ترجع إلى غير مذكور المعنى واقل المدفون فيه ويجوز أن ترجع إلى المذكور وهو الدفن وحينئذ يحتاج الكلام إلى إضمار معناه وأقل الدفن في حفرة والاول أولى لان واجب الدفن لا ينحصر في الدفن في حفرة صفتها ما ذكر بل يجب مع ذلك وضع الميت مستقبل القبلة علي ما سيأتي واعلم قوله قدر قامة الرجل بالميم لان المحكي عن مالك أنه لا حد في تعميق القبر (المسالة الثانية) اللحد والشق كل واحد منهما جائز واللحد أن يحفر حائط القبر مائلا عن استوائه من الاسفل قبل ما يوضع الميت فيه وليجعل ذلك من جهة القبلة والشق أن يحفر حفرة كالنهر أو يبنى جانباه باللبن أو غيره ويجعل بينهما شق يوضع الميت فيه ويسقف وأيهما اولي ان كانت الارض صلبة فاللحد وان كانت رخوة فالشق وعند أبى حنيفة الشق اولي بكل حال هكذا روى جماعة من اصحابنا وفي مختصر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 202 الكرخي وغيره من كتب أصحابه انه يلحد ولا يشق كمذهبنا ووجه تقديم اللحد ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما (ان النبي صلي الله عليه وسلم قال اللحد لنا والشق لغيرنا) وروى انه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 كان بالمدينة رجلان أحدهما يلحد والآخر يشق فبعث الصحابة رضي الله عنهم في طلبهما وقالوا أيهما جاء أولا عمل عمله لرسول الله صلي الله عليه وسلم جاء الذى يلحد فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم (الثالثة) توضع الجنازة علي شفير القبر بحيث يكون رأس الميت عند رجل القبر ثم يسل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 204 في القبر من قبل رأسه سلا رفيقا وبه قال احمد وقال أبو حنيفة توضع الجنازة بين القبر والقبلة ويدخل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 205 لقبر عرضا * لنا ما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما (ان النبي صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه سلا) وقوله في الكتاب ثم توضع الجنازة علي رأس القبر لم يعن برأس القبر ضد رجله ومؤخره وإنما أراد طرفه الا تراه يقول عقيبه بحيث يكون رأس الميت عند مؤخر القبر (الرابعة) لا يدخل الجنازة في القبر الا الرجال ما وجدوا سواء كان الميت رجلا أو امرأة لانه يحتاج الي بطش وقوة والنساء يضعفن عن مثل ذلك غالبا ويخشي من مباشرتهن لذلك انهتاك الميتة وانكشافهن ثم أولي الرجال بالدفن أولاهم بالصلاة نعم الزوج أحق بدفن الزوجة من غيره ثم بعده المحارم ويقدم منهم الاب ثم الجد ثم الابن ثم ابن الابن ثم الاخ ثم ابن الاخ ثم العم فان لم يكن منهم أحد فعبيدها وهم أولي من بنى العم لانهم كالمحارم في جواز النظر ونحوه علي الصحيح وفيه خلاف سيأتي في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 206 موضعه فان ألحقناهم بالاجانب فلا يتوجه تقديمهم وأبدى امام الحرمين فيهم الاحتمال من جهة أخرى وهى ان ملكها ينقطع عنهم بالموت وشبهه بالتردد؟ في غسل الامة مولاها فان لم يكن لها عبيد فالخصيان أولى لضعف شهوتهم قال الامام وفيه احتمال بين سنذكره في أحكام النظر فان لم يكونوا فذووا الارحام الذين لا محرمية لهم فان لم يكونوا فأهل الصلاح من الاجانب قال الامام وما أرى تقديم ذوى الارحام محتوما بخلاف تقديم المحارم لان الذين لا محرمية لهم من ذوى الارحام كالا جانب في وجوب الاجتناب عنهم في الحياة وقدم في العدة صاحبها نساء القرابة على الرجال الاجانب وهو خلاف النص والمذهب المشهور إذا عرفت ما ذكرنا فلا يخفى عليك ان قوله في الكتاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 207 زوجها ومحارمها ليس للجمع ولا للتخيير وإنما الامر فيه علي الترتيب وان قوله فعبيدها يجوز أن يعلم بالواو وكذا قوله فخصيان (وقوله) فأرحام أي ذووا أرحام (وقوله) لانهن يضعفن عن مباشرة هذا الامر تعليل لاول الكلام وهو قوله: ولا يضع الميت في قبره الا الرجال ويجوز أن يعلم قوله فان لم يكن فالاجانب بالواو أيضا لما ذكرنا في العدة (الخامسة) ان استقل واحد بوضع الميت في القبر فان كان طفلا فذاك وإلا فالمستحب أن يكون عدد الدافنين وترا ثلاثة أو خمسة علي قدر الحاجة وكذلك عدد الغاسلين ويروى أن النبي صلي الله عليه وسلم دفنه علي والعباس وأسامة رضي الله عنهم) ويستحب أن يستر القبر عند الدفن بثوب رجلا كان الميت أو امرأة لكن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 208 ستر المرأة آكد وعند أبي حنيفة رحمه الله يختص الاستحباب بالمرأة وروى مثله عن أحمد واختاره أبو الفضل بن عبد ان من أصحابنا * لنا ما روى (ان النبي صلي الله عليه وسلم لما دفن سعد بن معاذ رضي الله عنه ستر قبره بثوب) والمعنى فيه انه ربما ينكشف عند الاضجاع وحل الشداد ويستحب لمن يدخله القبر أن يقول بسم الله وعلي ملة رسول الله روى ذلك عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبي صلي الله عليه وسلم ثم يقول اللهم أسلمه اليك الاشخاص من ولده وأهله وقرابته واخوانه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 209 وفارقه من كان يحب قربه وخرج من سعة الدنيا والحياة إلى ظلمة القبر وضيقه ونزل بك وأنت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 210 خير منزول به ان عاقبته فبذنبه وان عفوت فأهل العفو أنت. أنت غني عن عذابه وهو فقير الي رحمتك اللهم اشكر حسنته واغفر سيئته وأعذه من عذاب القبر واجمع له برحتمك إلا من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 211 من عذابك واكفه كل هول دون الجنة اللهم فاخلفه في تركته في الغابرين وارفعه في عليين وعد عليه بفضل رحمتك يا أرحم الراحمين هذا لدعاء منقول عن لفظ الشافعي رضي الله عنه في المختصر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 212 قال (ثم يضجع الميت على جنبه الا يمن في اللحد بحيث لا ينكب ولا يستلقي ويفضي بوجهه الي تراب أو لبنة ثم ينضد اللبن علي فتح اللحد وتسد الفرج بما يمنع التراب ثم يحثى عليه كل من دنا ثلاث الجزء: 5 ¦ الصفحة: 213 حثيات ثم يهال عليه التراب بالمساحي) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 214 إذا دخل اليت القبر أضجع في اللحد علي جنبه الايمن مستقبل القبله كذلك فعل برسول الله صلي الله عليه وسلم وكذلك كان يفعله وليكن الاضجاع بحيث لا ينكب ولا يستلقى وذلك بأن يدنى من جدار اللحد فيسند إليه وجهه ورجلاه ويجعل في باقى بدنه بعض التجافي فتكون هيئته قريبة من هيئة الراكعين ويسند ظهره إلي لبنة ونحوها فهذا يمنعه من الاستلقاء وذلك من الانكباب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 215 واعلم بأن وضعه مستقبل القبلة واجب علي ما حكاه الجمهور حتى لو دفن مستدبرا أو مستلقيا فانه ينبش ويوجه الي القبلة ما لم يتغير فان تغير فقد قال في التهذيب وغيره لا ينبش بعد ذلك وحكي عن القاضى أبى الطيب انه قال في المجرد والتوجيه إلى القبلة سنة فإذا ترك فيستحب أن ينبش ويوجه ولا يجب ولو ماتت ذمية في بطنها جنين مسلم ميت فيجعل ظهرها إلى القبلة توجيها للجنين المسلم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 216 الي القبلة فان وجه الجنين فيما ذكر الي ظهر الام وأين تدفن هذه قيل بين مقابر المسلمين والكفار وقيل في مقابر المسلمين وتنزل هي منزلة صندوق للولد ويروى أن عمر رضى الله عنه أمر بذلك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 217 وحكي في العدة وجها آخر أنها تدفن في مقابر المشركين (وأما) الاضجاع علي اليمين فليس بواجب بل لو وضع على الجنب الايسر مستقبلا كره ولم ينبش كذلك ذكر في التتمة ويجعل تحت رأس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 218 الميت لبنة أو حجرا ويفضى بخده الايمن إليه أو الي التراب فذلك أبلغ في الاستكانة ولا يوضع تحت رأسه مخدة ولا يفرش تحته فراش حكى العراقيون كراهة ذلك عن نص الشافعي رضى الله عنه لانه لم ينقل عن احد من السلف وفيه تضييع المال وقال في التهذيب لا بأس به إذ روى عن ابن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 219 عباس رضي الله عنهما (انه جعل في قبر النبي صلى الله عليه وسلم قطفة حمراء) ويكره ان يجعل في تابوت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 220 إلا إذا كانت الارض رخوة أو ندية ولا تنفذ الوصية به الا في مثل هذه الحالة ثم يكون التابوت من رأس المال ثم إذا وقع الفراغ من وضع الميت نصب اللبن علي فتح اللحد روى عن سعد بن ابي وقاص رضى الله عنه انه قال (اصنعوا بى كما صنعتم برسول الله صلي الله عليه وسلم انصبوا علي اللبن واهليوا على التراب) وتسد فرج اللبن بكسر اللبن مع الطين أو بالاذخر ونحوه ثم يحثى كل من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 221 دنا ثلاث حثيات من التاب بيديه ثم يهال بالمساحي روي ان النبي صلي الله عليه وسلم (حتى على الميت ثلاث حثيات بيديه جميعا) قال في التتمة ويستحب ان يقول مع الاولي (منها خلقنا كم) ومع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 222 الثانية (وفيها نعيدكم) ومع الثالثة (ومنها تخرجكم تارة أخرى) وقوله في الكتاب ثم ينضد اللبن من التنضيد وهكذا ذكر امام الحرمين ولفظ الشافعي رضي الله عنه وعامة الاصحاب رحمة الله عليهم ينصب وهما جميعا مؤديان الغرض * قال (ولا يرفع نعش القبر الا بقدر شبر ولا يجصص ولا يطين ولا بأس بالحصى ووضع الحجر علي رأس القبر للعلامة ثم التسنيم افضل من التسطيح مخالفة لشعار الروافض) * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 223 المستحب أن لا يزاد في القبر على ترابه الذى خرج منه حتى لا يعظم شخوصه عن الارض ولا يرفع نعشه إلا قدر شبر ما روى عن جابر رضي الله عنه (أنه لحد لرسول الله صلي الله عليه وسلم ونصب عليه اللبن نصبا ورفع قبره عن الارض قدر شبر) وعن القاسم بن محمد قال (دخلت علي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 224 عائشة رضى الله عنها فقلت يا أماه اكتشفي لي عن قبر النبي صلي الله عليه وسلم وصاحبه فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مرفة ولا لاطئة مبطوحة بطحاء العرصة الحمراء) وإنما يرفع نعش القبر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 225 ليعرف فيزاد ويحترم واستثنى في التتمة ما إذا مات مسلم في بلاد الكفر قال لا يرفع قبره ويخفى كيلا يتعرض له الكفار إذا خرج المسلمون منها ويكره تجصيص القبر والكتابة والبناء عليه لما روى عن النبي صلي الله عليه وسلم (أنه نهي عن تجصيص القبر وأن يبنى عليه وأن يكتب وأن يوطأ) ولو بني عليه هدم إن كانت المقبرة مسبلة وإن كان القبر في ملكه فلا (وأما قوله) فلا يطين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 226 فليس له ذكر في أكثر كتب الاصحاب وإنما ذكره المصنف وامام الحرمين كأنهما ألحقا التطيين بالتجصيص لكن لا يبعد الفرق بيهما فان التجصيص زينة دون التطيين أو الزينة في التجصيص اكثر وذلك لا يناسب حال الميت وقد روى أبو عيسى الترمذي في جامعه عن الشافعي رضي الله عنه أنه لا باس بالتطيين وروى مثله عن أحمد فلك أن تعلم قوله ولا يطين بالواو والالف ويستحب أن يرش الماء علي القبر ويوضع عليه الحصي روى ذلك (عن فعل النبي صلي الله عليه وسلم بقبر ابنه ابراهيم) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 227 (ورش بلال رضى الله عنه علي قبر النبي صلي الله عليه وسلم) ويستحب أن يوضع عند رأسه صخرة أو خشبة ونحوها (وضع النبي صلي الله عليه وسلم صخرة علي رأس قبر عثمان بن مظعون وقال أعلم بها قب رأخي وادفن إليه من مات من أهلي) (وقوله) في الكتاب ولا بأس بالحصي ووضع حجر لا يقتضي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 228 الا نفى الحرمة والكراهة وهما مع ذلك مستحبان نص عليه الائمة كما بيناه فاعرف ذلك ثم الافضل في شكل القبر التسطيح أو التسنيم ظاهر المذهب أن التسطيح أفضل وقال مالك وابو حنيفة رحمهم الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 229 التسنيم أفضل * لنا أن النبي صلي الله عليه وسلم (سطح قبرا بنه ابراهيم) وعن القاسم بن محمد قال رأيت قبر النبي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 230 صلي الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر رضي الله عنهما مسطحة) وقال ابن أبي هريرة إن الافضل الآن العدول من التسطيح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 231 إلى التسنيم لان التسطيح صار شعارا للروافض فالاولي مخالفتهم وصيانة الميت وأهله عن الاتهام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 232 بالبدعة ومثله ما حكى عنه أن الجهر بالتسمية إذا صار في موضع شعارا لهم فالمستحب الاسرار بها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 233 مخالفة لهم واحتج له بما روى أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان يقوم إذا بدت جنازة فأخبر أن اليهود تفعل ذلك فترك القيام بعد ذلك مخالفة لهم) وهذا الوجه هو الذى أجاب به في الكتاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 234 ومال إليه الشيخ أبو محمد رحمه الله وتابعه القاضي الرواياني. لكن الجمهور علي أن المذهب الاول قالوا ولو تركنا ما ثبت في السنة لاطباق بعض المبتدعة عليه لجر نا ذلك الي ترك سنن كثيرة وإذا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 235 اطرد جرينا علي الشىء خرج عن أن يعد شعارا للمبتدعة * قال (ثم الافضل لمشيع الجنازة أن يمكت الي مواراة الميت) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 236 عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال (من صلي علي الجنازة ورجع فله قيراط ومن صلي عليها ولم يرجع حتي دفن فله قيراطان أصغرهما وروى احد هما مثل أحد) قال الاصحاب وللانصراف من الجنازة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 237 أربع درجات (احداها) أن ينصرف عقيب الصلاة فله من الاجر قيراط (والثانية) ان يتبعها حتى توارى ويرجع قبل اهالة التراب (والثالثة) ان يقف الي الفراغ من القبر وينصرف من غير دعاء (والرابعة) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 238 ان يقف علي القبر ويستغفر الله تعالي جده للميت وهذه اقصى الدرجات في الفضيلة روى ان النبي صلى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 239 الله عليه وسلم (كان إذا فرغ من قبر الرجل وقف عليه وقال استغفر والله له واسألوا الله تعالي له التثبيت فانه الآن يسأل) وحيازة القيراط الثاني تحصل لصاحب الدرجة الثالثة وهل تحصل لصاحب الثانية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 240 حكي الامام فيه ترددا واختار الحصول وإذا وقفت على ما ذكرنا عرفت انه ليس الغرض من قوله في الكتاب ثم الافضل لمشيع الجنازة الخ انه الافضل علي الاطلاق بل فوقه ما هو افضل منه وانما المراد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 241 أنه أفضل من الانصراف عقيب الصلاة ويستحب أن يلقن الميت بعد الدفن فيقال يا عبد الله ابن أمة الله اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن البعث حق وأن الساعة آتية لاريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وانك رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن اماما وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين اخوانا ورد الخبر به عن النبي صلي الله عليه وسلم * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 242 قال (فرعان (الاول) لا يدفن في قبر واحد ميتان الالحاجة ثم يقدم الافضل إلى جدار اللد؟ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 243 ولا يجمع بين الرجال والنساء الالشدة الحاجة ثم يجعل بينهما حاجز من التراب) * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 244 المستحب في حال الاختيار أن يدفن كل ميت في قبر كذلك (فعل النبي صلي الله عليه وسلم وأمر به) فان كثر الموتي بقتل وغيره وعسر افراد كل ميت بقبر دفن الاثنان والثلاثة في قبر واحد لما روى (أنه صلي الله عليه وسلم قال للانصار يوم أحد احفروا واوسعوا وعمقوا واجعلوا الا ثنين والثلاثة في القبر الواحد وقدموا اكثرهم قرآنا) وليقدم الافضل الي جدار للحد مما يلي القبلة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 245 ويقدم الاب علي الابن وان كان الابن افضل لحرمة الابوة وكذلك تقدم الام على البنت ولا يجمع بين الرجال والنساء إلا عند شدة الحاجة وانتهائها الي الضرورة ويجعل بينهما حاجز من التراب ويقدم الرجل وان كان ابنا والمرأة امه فان اجتمع رجل وأمراة وخنثى وصبى قدم الرجل ثم الصبى ثم الخنثي ثم المرأة والسابق الي الفهم من لفظ الكتاب واشارة جمع من الاصحاب أنه لا حاجة الي الحاجز بين الرجلين وبين المرأتين وانما الحاجز عند اختلاف النوع وذكر العراقيون أنه يجعل بين الرجلين حاجز أيضا وكذا بين المرأتين والله أعلم * قال (الثاني) القبر يحترم فيصان عن الجلوس والمشى والاتكاء عليه بل يقرب الانسان منه كما يقرب في زيارته لو كان حيا ولا ينبش القبر الا إذا انمحق اثر الميت بطول الزمان أو دفن من غير غسل أو في ارض مغصوبة أو في كفن مغصوب ولو دفن قبل التكفين لم ينبش علي أظهر الوجهين والكتفى بالتراب ساترا) * أصل الفرع أن القبر محترم توقيرا للميت ويبنى عليه مسائل (احداها) انه يكره) الجلوس عليه والاتكاء وكذلك وطؤه الا لحاجة بان لا يصل إلى قبر ميته الا بوطئه وعن مالك أنه لا يكره شئ من ذلك * لنا ما روي ان النبي صلي الله عليه وسلم قال (لان يجلس أحد كم علي جمرة فتحرق ثيابه فتخلص الي جلده خير له من أن يجلس علي قبر) (الثانية) يستحب زيارة القبور للرجال لما روى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 246 أنه صلي الله عليه وسلم قال (كنت انهيكم عن زيارة القبور فزوروها فانها تذكر الآخرة) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 247 واما النساء فهل يكره لهن الزيارة فيه وجهان (احدهما) ولم يذكر الاكثرون سواه نعم لقلة صبرهن وكثرة جز عهن وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم (لعن زوارات القبور) (والثانى) لا قال الرويانى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 248 في البحر وهذا اصح عندي إذا امن الافتتان والسنة ان يقول الزائر سلام عليكم دار قوم مؤمنين وانا ان شاء الله عن قريب بكم لاحقون اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم وينبغي أن يدنو الزائر من القبر المزور بقدر ما يدنو من صاحبه لو كان حيا وزاره وسئل القاضى أبو الطيب عن ختم القرآن في المقابر فقال الثواب للقارئ ويكون الميت كالحاضرين يرجى له الرحمة والبركة فيستحب قراءة القرآن في المقابر لهذا المعني وأيضا فالدعاء عقيب القراءة أقرب الي الاجابة والدعاء ينفع الميت (الثالثة) لا يجوز نبش القبلا الا في مواضع (منها) ان يبلي الميت ويصير ترابا فيجوز نبشه ودفن غيره فيه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 249 ويرجع في ذلك الي اهل الخبرة ويختلف بالختلاف اهوية البلاد وأرضها وإذا بلي الميت لم يجز عمارة القبر وتسوية التراب عليه في المقابر المسبلة لئلا يتصور بصور القبور الجديدة فيدفن فيه من شاء ميته (ومنها) أن يدفن الي غير القبلة وقد سبق (ومنها) أن يدفن من يجب غسله من غير غسل فظاهر المذهب وهو المذكور في الكتاب انه يجب النبش تداركا لواجب الغسل وعن صاحب التقريب حكاية قول أنه لا يجب ذلك بل يكره لما فيه من هتك الميت وعلي الاول متى يخرج للغسل فيه وجهان مذكوران في العدة (أظهرهما) وهو المذكور في النهاية والتهذيب ما لم يتغير الميت (والثانى) ما دام يبقى جزء منه من عظم وغيره وعند ابى حنيفة لو أهيل عليه التراب لم ينبش والا نبش ليغسل فلذلك اعلم قوله أو دفن من غير غسل بالحاء مع الواو (ومنها) لو دفن في ارض مغصوبة فالاولى لصحابها أن يتركه فان ابى وطلب اخراجه كان له ذلك قال في النهاية وأشار الائمة إلى انه يخرج وان تغير وكان في اخراجه هتك حرمته لان حرمة الحى الولي بالمراعاة ويجوز ان يظن ظان تركه فانه سيبلي عن قريب وقد تنزل حرمة الميت منزلة الحي فيما هذا سبيله (ومنها) لو كفن في ثوب مغصوب أو مسروق ودفن فهل ينبش أورد فيه ثلاثة اوجه (اظهرها) وهو المذكور في الكتاب نعم كما ينبش لرد الارض المغصوبة (والثاني) وهو الذى ذكره صاحب الشامل لا يجوز نبشه لانه مشرف علي الهلاك بالتكفين بخلاف الارض فيعطى حق إلها لك وينقل حكم المالك الي القيمة ولان هتك الحرمة في نزع الكفن اكثر (والثالث) إن تغير الميت وكان في النبش ورد الثوب هتكه لم ينبش والا نبش ورد (ومنها) لو دفن في ثوب حرير هل ينبش فيه هذا الحلاف ولو دفن من غير كفن فهل ينبش ليكفن فيه وجهان (احدهما) نعم كما لو دفن من غير غسل فان كل واحد منهما واجب (وأظهرهما) لا فان المقصود من التكفين ستره واحترامه وقد ستره التراب فالاكتفاء به أولي من هتك حرمته بالنبش (ومنها) لو وقع في القبر خاتم أو متاع آخر ينبش ويرد ولو ابتلع في حياته مالا ثم مات وطلب صاحبه الرد شق جوفه ورد قال في العدة الا ان يضمن الورثة مثل أو قيمته فلا يخرج ولا يرد في أصح الوجهين وفيه وجه آخرو هو اختيار القاضى أبى الطيب انه لا يخرج أصلا ويجب الغرم من تركته علي الورثة ولو ابتلع شيئا من مال نفسه ومات فهل يخرج فيه وجهان لانه كالمستهلك لمال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 250 نفسه بالابتلاع قال أبو العباس الجرجاني في الشافي: والاصح الاخراج ايضا إذا عرفت ذلك فحيث قلنا يشق جوفه ويخرج فلو دفن قبل الشق ينبش لذلك ايضا وإذا تأملت ما ذكرناه عرفت ان قوله لا ينبش القبر الا إذا انمحق إلى آخره وان كان ظاهره يقتضى حصر الاستثناء في الصورة المذكورة لكنه ليس كذلك * (فرع) لو مات انسان في السفينة فان كان أهلها بقرب الساحل أو بقرب جزيرة انتظروا به ليدفنوه في البر والا شدوه بين لوحين لئلا ينتفخ والقوه في البحر ليلقيه البحر ليلقيه البحر بالساحل فلعله يقع الي قوم يدفنونه فان كان أهل الساحل كفارا ثقل بشئ ليرسب * * (القول في التعزية والبكاء علي الميت) * قال (التعزية سنة الي ثلاثة أيام وهو الحمل على الصبر بوعد الاجر والدعاء للميت والمصاب ويعزى المسلم بقريبه الكافر والدعاء للحي ويعزى الكافر بقريبه المسلم والدعاء للميت ويستحب تهيئة طعام لاهل الميت والبكاء جائز من غير ندب ولا نياحة ومن غير جزع وضرب خد وشق ثوب وكل ذلك حرام ولا يعذب الميت بنياحة أهله الا إذا اوصي به فلا تزر وازرة وزر اخرى) * في الفصل ثلاث مسائل (احداها) التعزية سنة روى أنه صلي الله عليه وسلم قال ((من عزى مصابا فله مثل اجره) وينبغي ان يعزى جميع اهل الميت الكبير والصغير والرجل والمراة نعم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 251 الشابة لا يعزيها الا محارمها ويكره الجلوس لها ولا فرق فيها بين ما قبل الصلاة وبعدها وما قبل الدفن وبعده فيما يرجع إلى اصل الشريعة لكن تأخيرها إلى ما بعد الدفن حسن لاشتغال اهل الميت قبله بتجهيزه ولاشتداد حزنهم حينئذ بسبب المفارقة وعن ابي حنيفة ان التعزية قبل الدفن فاما بعده فلا والى متى تشرع التعزية فيه وجهان (اظهرهما) وهو المذكور في الكتاب إلي ثلاثة أيام فلا يعزيه بعد ذلك إلا ان يكون المعزى أو المعزي غائبا وهذا لان الغرض من التعزية تسكين قلب المصاب والغالب سكون قلبه في هذه المدة فلا يجدد عليه الحزن قال الشيخ أبو محمد فيما علق عنه: وهذا المدة على التقريب دون التحديد (والثاني) حكاه في النهاية مع الاول انه لا امد تقطع عندها التعزية فان الغرض الاعظم منها الدعاء ومعنى التعزية الامر بالصبر والحمل عليه بوعد الاجر والتحذير عن الوزر بالجزع والدعاء للميت بالغفرة وللمصاب بجبر المصيبة فيقول في تعزية المسلم بالمسلم اعظم الله اجرك واحسن عزاك وغفر لميتك وفي تعزية المسلم بالكافر: اعظم الله أجرك واخلف عليك أو جبر الله مصيبتك والهمك الصبر وما اشبه ذلك وفي تعزية الكافر بالمسلم: غفر الله لميتك واحسن عزاك. ويجوز للمسلم ان يعزى الذمي بقريبه الذمي فيقول: اخلف الله عليك ولا نقص عددك وهذا لتكثر الجزية للمسلمين (الثانية) يستحب لجيران الميت والا بعدين من قرابته تهيئة طعام لاهل الميت يشبعهم في يومهم وليلتهم فانهم لا يفرغون له ولو اشتغلوا به لعيروا روى (انه لما جاء نعي جعفر رضى الله عنه قال النبي صلي الله عليه وسلم اجعلو الآل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 252 جعفر طعاما فقد جاءهم امر يشغلهم) ويستحب الحاحهم على الاكل ولو اجتمع نساء ينحن لم يجز ان يتخذ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 253 لهن طعام فانه إيمانة علي المعصية (الثالثة) البكاء علي الميت جائر قبل زهوق الروح وبعده وقبل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 254 الزهوق أولي روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (فإذا وجب فلا تبكين باكية) وجعل رسول الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 255 صلي الله عليه وسلم ابنه ابراهيم في حجره وهو يجود بنفسه فذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 256 فقبل في ذلك فقال انها رحمة وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ثم قال العين تدمع والقلب يحزن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 257 ولا نقول الا ما يرض ربنا) والندب حرام وهو ان يعد شمائل الميت فيقال واكهفاه واجبلاه ونحو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 258 ذلك وكذا النياحة والجزع بضرب الخد وشق الثوب ونشر الشعر كل ذلك حرام لما روى ان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 259 النبي صلي الله عليه وسلم قال (لعن الله النائحة والمستمعة) وروى انه قال (ليس منا من ضرب الخدود الجزء: 5 ¦ الصفحة: 260 وشق الجيوب) ولو فعل اهل الميت شيئا من ذلك لم يعذب الميت به قال الله تعالي (ولا تزر وازرة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 261 وزر اخرى) وما روى من أن النبي صلي الله عليه وسلم قال (إن الميت ليعذب وببكاء أهله عليه) وفي رواية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 262 (إن الله تعالى يزيد الكافر عذابا على عذابه ببكاء أهله عليه) فقد أولوه من وجوه (منها) قال المزني الجزء: 5 ¦ الصفحة: 263 بلغني أنهم كانوا يوصون بالندب والنياحة وذلك حمل منهم علي المعصية وهو ذنب فزيدوا عذابا بذلك إذا عمل أهلهم بوصيتهم ولك ان تقول ذنب الميت الحمل على الحرام والامر به فوجب ان لا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 264 يختلف عذابه بالامتثال وعدمه فان كان لا متثالهم أثر فالاشكال بحاله (ومنها) قال بعضهم المراد منه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 265 أن يقال للميت إذا ندبوه اكنت كما يقولونه ولك ان تقول لا شك ان هذا الكلام توبيخ له الجزء: 5 ¦ الصفحة: 266 وتخويف وهو ضرب من التعذيب فليس في هذا الكلام سوى بيان نوع التعذيب فلم يعذب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 267 بما يفعلون (ومنها) قيل انهم كانوا ينوحون علي الميت ويعدون جرائمه وهم يظنونها خصال محمودة كالفتك والتصعلك وشن الغارات فاراد انه يعذب بما يبكونه عليه (ومنها) أن قوله ببكاء أهله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 268 أي عند بكاء أهله وانما يعذب بذنبه قال القاضى الحسين يجوز أن يكون الله تعالي قدر العفو عنه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 269 ان لم يبكو عليه وانقادوا لقضائه فإذا جزعوا عوقب بذنبه وقد روى عن عائشة رضي الله عنها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 270 انها قلت (رحم الله عمرو الله ما كذب ولكنه أخطأ أو نسى انما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 271 علي يهودية وهم يبكون علهيا فقال انهم يبكون وانها لتعذب في قبرها) فهذه الرواية مجراة على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 272 ظاهرها ومبينة أن المراد من قوله ببكاء أهله ما سبق وكأنه قال: هي معذبة فما ينفعها بكاؤهم عليها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 273 والله اعلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 274 (باب تارك الصلاة) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 277 قال (من ترك صلاة واحدة عمدا وامتنع عن قضائها حتى خرج وقت الرفاهية والضرورة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 278 قتل (ح) بالسيف ودفن كما يدفن سائر المسلمين ويصلى عليه ولا يطمس قبره وقيل لا يقتل الا إذا صار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 279 الترك عادة له وقيل إذا ترك ثلاث صلوات والله أعلم) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 280 اخر حجة الاسلام رحمه الله هذا الباب إلى هذا الموضع وهو في ترتيب المزني وجمهور الاصحاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 281 مقدم علي كتاب الجنائز ولعله اليق ومقصوده الكلام في عقوبة تارك الصلاة فنقول تارك الصلاة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 282 ضربان (أحدهما) أن يتركها جاحدا لوجوبها فهذا مرتد تجرى عليه أحكام المرتدين إلا ان يكون قريب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 283 عهد بالاسلام يجوز ان يخفى عليه ذلك وهذا لا يختص بالصلاة بل يجرى في جحود كل حكم مجمع عليه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 284 (والثاني) ان يتركها غير جاحد وهو ضربان (احدهما) أن يترك بعذر من نوم؟ أو نسيان فعليه القضاء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 285 لا غير. ووقت القضاء موسع (والثانى) أن يترك من غير عذر بل كسلا أو تهاونا بفعلها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 286 فلا يحكم بكفره خلافا لاحمد وبه قال شرذمة من اصحابنا حكاه الجناطى وصاحب المهذب وغيرهما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 287 لنا ما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (خمس صلوات كتبهن الله عليكم في اليوم والليلة فمن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 288 جاء بهن لم يضيع منهن شيئا كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد ان شاء عذبه وان شاء أدخله الجنة) ويشرع القتل في هذا القسم حدا وبه قال مالك خلافا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 289 لابي حنيفة حيث قال في رواية لا يتعرض لتارك الصلاة فهي أمانة بينه وبين الله تعالي وحده الجزء: 5 ¦ الصفحة: 290 والامر فيها موكول الي الله تعالى وقال في رواية إنه ليس ويؤدب حتي يصلي وبه قال المزني. لنا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 291 ما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (من ترك الصلاة فقد برئت منه الذمة) ولانها ركن من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 292 الخمسة لا يدخلها النيابة بيدن ولا مال فيقتل تاركه كالشهادتين. إذ عرف ذلك نفرع عليه مسائل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 293 (احداها) في عدد الصلاة المستحق بتركه القتل وظاهر المذهب استحقاق القتل بترك صلاة واحدة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 294 فإذا تضيق وقتها طالبناه بفعلها وقلنا له إن أخرتها عن وقتها قتلناك فإذا أخرها فقدا ستوجب القتل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 295 ولا يعتبر بضيق وقت الثانية وبهذا قال مالك. واحتج له بقوله صلي الله عليه وسلم (من ترك صلاة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 296 متعمدا فقد كفر أي استوجب ما يستوجبه الكافر) وهذا قد ترك صلاة ويحكى عن أبى اسحق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 297 أنه أنما يستوجب القتل إذا ضاق وقت الثانية وامتنع من أدائها وعن الاصطخرى أنه لا يقتل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 298 حتى يترك ثلاث صلوات ويضيق وقت الرابعة ويمنع من أدئها هذه هي الرواية المشهورة عنه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 299 وفى النهاية روايتان أخريان عن الاصطخرى (احداهما) أنه إنما يستوجب القتل إذا ترك أربع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 300 صلوات وامتنع عن القضاء (والثانية) أنه لا تخصيص بعدد ولكن إذا ترك من الصلوات قدر ما يظهر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301 لنا به اعتياده الترك وتهاونه بأمر الصلاة فحينئذ يقتل وقد نقل صاحب الافصاح هذا وجها لبعض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 302 الاصحاب وإن لم ينص على قائله والمذهب الاول والاعتبار باخراج الصلاة عن وقت العذر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 303 والضرورة فإذا ترك الظهر لم يقتل حتي تغرب الشمس وإذا ترك المغرب لم يقتل حتى يطلع الفجر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 304 حكاه الصيد لاني وتابعه الائمة عليه (الثانية) علي اختلاف الوجوه لابد من الاستتابة قبل القتل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 305 فانه ليس بأشد حالا من المرتد والمرتد يستتاب وهل تكفى الاستتابة في الحال أم بمهل ثلاثا فيه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 306 قولان كما سيأتي ذكر هما في استتابة المرتدو اختار المزني للشافعي رضى الله عنه أنه لا يمهل وذكر في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 307 العدة أنه المذهب والقولان في الوجوب أو في الاستحباب حكي المعلق عن الشيخ أبى محمد فيه طريقين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 308 (أصحهما) أنهما في الاستحباب (الثالثة) الظاهر أنه يقتل صبرا بالسيف كالمرتد وهو الذى ذكره الجزء: 5 ¦ الصفحة: 309 في الكتاب وعن صاحب التلخيص أنه ينخسن فيه حديدة ويقال قم فصل فان قام ترك وإلا زيد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 310 في النخسن حتي يصلى أو يموت لان المقصود حمله علي الصلاة فان فعل فذاك وإلا عوقب كما يعاقب الممتنع من سائر الحقوق ويقاتل ويروى مثل هذا عن ابن سريج ويروى عنه أن يضرب بالخشب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 311 حتى يصلي أو يموت (الرابعة) إذا قتل غسل وصلى عليه ودفن في مقابر المسلمين ولا يطمس قبره الجزء: 5 ¦ الصفحة: 312 كسائر أصحاب الكبائر إذا حدوا وقد حكينا من قبل عن صاحب التلخيص أنه لا يصلي عليه ولا يغسل وإذا دفن في مقابر المسلمين طمس قبره حتي ينسى ولا يذكر وإن أراد الامام المعاقبة على ترك الصلاة فقال صليت في بيتى صدق وإذا عرفت ما ذكرنا أعلمت قوله في الكتاب قتل بالحاء والزاى (وقوله) بالسيف بالواو (وقوله) كما يدفن سائر المسلمين بالواو وكذا قوله ويصلى عليه ولا يطمس ولك أن تعلم (قوله) كما يدفن (وقوله) ويصلي عليه بالالف لما حكينا عن أحمد رحمه الله وأنه يكفر بترك الصلاة (فرعان) (أحدهما) قال حجة الاسلام في الفتاى لو امتنع عن صلاة الجمعة من غير عذر وقال أصليها ظهرا لم يقتل لان الصوم لم يلحق بالصلاة في هذا الحكم فالجمعة مع أن لها بدلا واعذارها أكثر أولى ألا تلحق (الثاني) حكي القاضي الرواياتي في تارك الوضوء وجهين (اصحهما) أنه يقتل لان الامتناع منه امتناع من الصلاة والله أعلم * * (كتاب الزكاة) * (وفيه سنة أنواع) قال ((النوع الاول) زكاة النعم والنظر في وجوبها وأدائها أما الوجوب فله ثلاثة أركان (الاول) قدر الواجب وسيأتى بيانه (الثاني) ما يجب فيه وهو المال وله ستة شرائط أن يكون نعما. نصابا. مملوكا. متهيئا لكمال التصرف. سائمة. باقية حول (الشرط الاول) أن يكون نعما فلا زكاة إلا في الابل والبقر والغنم ولا تجب في غيرها ولا في الخيل (ح) ولا في المتولد بين الظباء والغنم وإن كانت الامهات (ح) من الغنم) . قال الله تعالي: (وآتوا الزكاة) وقال تعالى: (وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة) وقال صلى الله عليه وسلم (مانع الزكاة في النار) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 313 * الزكاة أحد أركان الاسلام فمن منعها جاحدا كفر الا أن يكون حديث عهد بالاسلام لا يعرف وجوبها فيعرف ومن منعها وهو معتقد لوجوبها أخذت منه قهرا فان لم يكن في قبضة الامام وامتنع القوم قاتلهم الامام على منعها كما فعل الصديق رضى الله عنه قال الاصحاب: الزكاة نوعان (زكاة الابدان) وهى الفطرة ولا تعلق لها بمال إنما يراعى فيها إمكان الا داء (وزكاة الاموال) وهى ضربان (زكاة تتعلق بالقيمة والمالية) وهى زكاة التجارة (وزكاة تتعلق بالعين) والاعيان التى تتعلق بها الزكاة ثلاث. حيوان. وجوهر. ونبات. وتختص من الحيوان بالنعم ومن الجواهر بالنقدين ومن النبات بما يقتات علي ما سفنصل جميعه وصاحب الكتاب ترك الترتيب والتقسيم واقتصر علي المقاصد فقال: الزكاة ستة انواع وهي زكاة النعم والمعشرات والنقدين والتجارة والمعادن وزكاة الفطر ثم تكلم في زكاة النعم في طرفين الوجوب والاداء ولك أن تقول كان الاحسن في الترتيب أن يقول أولا النظر في طرفين الوجوب والاداء ونتكلم في الانواع النسة في طرف الوجوب ثم نعود إلى طرف الاداء لان الكلام في الاداء لا اختصاص له بزكاة النعم بل يعم سائر الانواع ثم جعل للوجوب ثلاثة أركان (قدر الواجب) و (ما تجب فيه) و (من تجب عليه) ولك أن تقول من تجب عليه زكاة النعم هو الذى تجب عليه زكاة المعشرات وغيرها فلا تفصيل فيه بين الانواع وانما التفصيل في الركنين الباقيين فكان الاولى أن يقول: النظر في الزكاة في الوجوب والاداء وللوجوب أركان (أحدها) من تجب عليه ونفرغ منه ثم نذكر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 314 الركينين الآخرين وندرج فيهما تفصيل الانواع وما يختلف فيه ثم قدر الواجب من الاركان الثلاثة يتبين في خلال بيان النصب فلذلك أحاله على ما بعده وأما ما تجب فيه وهو المال فقد قال له ستة شروط (أحدها) كونه نعما (والثانى) كونه نصابا (والثالث) الحول (والرابع) دوام الملك فيه مدة الحول (والخامس) السوم (والسادس) كمال الملك وههنا كلامان (أحدهما) أن من هذه الشروط ما لا يختص بزكاة النعم كالحول وكمال الملك وما يعتبر في هذا النوع وغيره لا يحسن تخصيص هذا النوع بذكره بل الاحسن ايراد يستوى نسبتها إليه (والثانى) أن قوله ما تجب فيه وهو المال لا شك أن المراد منه ما تجب فيه زكاة النعم فان الكلام فيها ولا معنى لزكاة النعم سوى الزكاة الواجبة في النعم فكأنه قال شرط الزكاة الواجبة في النعم أن يكون الواجب فيه نعما وهذا ركيك من الكلام وان لم يكن ركيكا فهو أوضح من أن يحتاج الي ذكره وفقه الفصل أنه لا تجب الزكاة في غير الابل والبقر والغنم من الحيوانات كالخيل والرقيق إلا أن يكون للتجارة وقال أبو حنيفة رحمه الله إذا كانت الخيل ذكورا وإناثا أو إناثا فصاحبها بالخيار إن شاء أعطي من كل فرس دينارا وان شاء قومها وأعطي من كل مائتي درهم خمسة دراهم وان كانت ذكورا منفردة فلا شئ فيها * لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (ليس علي المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) ولا تجب الزكاة فيما يتولد من الظباء والغنم سواء كانت الغنم فحولا أو أمهات خلافا لاحمد رحمه الله حيث قال: تجب في الحالتين. ولا بى حنيفة ومالك حيث قالا تجب ان كانت الامهات من الغنم * لنا أنه لم يتولد من اصلين تجب الزكاة في جنسهما فلا تجب فيه الزكاة كما إذا كانت الفحول والامهات ظباء وأيد الشافعي رضي الله عنه المسألة بأن البغل لم يسهم له سهم الفرس وإن كان أحد أصليه فرسا وموضع العلامة في الصورتين من لفظ الكتاب واضح وإنما ذكرهما ليشير إلي الخلاف فيهما وإلا ففى قوله فلا زكاة إلا في الابل والبقر والغنم ما يفيد نفى الوجوب في الصورتين بل في قولنا يشترط كونه نعما ما يفيد نفى الوجوب في غير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 315 الابل والبقر والغنم لان اسم النعم لهذه الحيوانات الثلاثة عند العرب ولذلك قال الله تعالي (والانعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون) ثم قال (والخيل والبغال والحمير) ففصل الخيل عن الانعام وإنما صرح بقوله فلا زكاة الا في الابل والبقر والغنم إيضاحا وفيه إشارة إلى اختصاص اسم النعم بالانواع الثلاثة وأما قوله بعد ذلك ولا تجب في غيرها فلا فائدة فيه: * قال (الشرط الثاني أن تكون النعم نصابا أما الا بل ففى أربع وعشرين من الابل فماد ونها الغنم في كل خمس شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين الي خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثي فان لم يكن في ماله بنت مخاض فابن لبون ذكر فإذا بلغت ستا وثلاثين الي خمس واربعين ففيها بنت لبون فإذا بلغت ستا وأربعين إلي ستين ففيها حقة فإذا بلغت احدى وستين الي خمس وسبعين ففيها جذعة فإذا بلغت ستا وسعين الي تسعين ففيها بنتا لبون فإذ بلغت إحدى وتسعين إلي عشر ومائة ففيها حقتان فإذا صارت إحدى وعشرين مائة ففيها ثلاث بنات لبون فإذا صارت مائة وثلاثين فقد استقر الحساب ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون (ح) كل ذلك لفظ أبى بكر رضى الله عنه في كتاب الصدقة وبنت المخاض لها سنة وبنت اللبون لها سنتان وللحقى؟ ثلاث وللجذعة أربع) * الاصل المرجوع إليه في نصااب الابل ما روى الشافعي رضى الله عنه باسناده عن أنس بن مالك رضى الله عنه أنه قال هذه الصدقة بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلي الله عليه وسلم علي المسلمين التي أمر الله بها فمن سئلها على وجهه فليعطها ومن سئلها فوق حقه فلا يعطه في أربع وعشرين من الابل فما دونها الغنم وذكر مثل ما أورده في الكتاب لفظا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 316 بلفظ إلى قوله ففى كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة إلا أنه قال في ست وأربعين ففيها حقة طروقة الجمل وفي إحدى وتسعين حقتان طروقتا الجمل (قوله) هذه الصدقة ترجمع الكتاب وعنوانه كما يقال هذا مختصر كذا وكتاب كذا ثم افتتح الكتاب وقوله هذه فريضة الصدقة أي بيان الصدقة التي أمر الله بها وأجمل ذكرها بقوله (خذ من أموالهم صدقة تظهر هم) وقوله التى فرضها رسول الله صلي الله عليه ولم قال الصيدلاني يعني قدرها وقال المسعودي يعنى أوجبها وصاحب الشامل أوردهما معا علي سبيل الاحتمال وقوله من سئلها فوق حقه فلا يعطه فيه وجهان لاصحابنا (منهم) من قال لا يعطه شيئا (ومهم) من قال لا يعطه الزيادة وهو الاصح باتفاق الشارحين: إذا تقرر ذلك فنقول لا زكاة في الابل حتى تبلغ خسما فإذا بلغت خمسا ففيها شاة ولا يزيد بزيادتها شئ حتي تبلغ عشرا فحينئذ فيها شاتان ولا يزيد بزيادتها شئ حتى تبلغ خمس عشرة فحينئذ فيها ثلاث شياه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 317 ولا يزيد بزيادتها شئ حتى تبلغ عشرين فحينئذ فيها أربع شياه ثم لا يزيد شئ حتى تبلغ خمسا وعشرين فحينئذ فيها بنت مخاض ثم لا شئ حتي تبلغ ستا وثلاثين ففيها بنت لبون ثم لا شئ حتى تبلغ ستا وأربعين ففيها حقة ثم لا شئ حتي تبلغ احدى وستين ففيها جذعة ثم لا شئ حتى تبلغ ستا وسبعين ففيها بنتا لبون ثم لا شئ حتى تبلغ احدى وتسعين فيها حقتان ثم لا يزيد شئ بزيادتها حتي تجاوز مائة وعشرين فان زادت واحدة وجبت ثلاث بنات لبون وإن زاد شقص من واحدة فهل هو كزيادة الواحدة حتي تجب ثلاث بنات لبون أم لا فيه وجهان (أحدهما) وبه قال الا صطخري نعم لظاهر قوله صلي الله عليه وسلم (فان زادت علي عشرين ومائة) وزيادتها علي هذا المبلغ كما تحصل بواحدة تحصل بما دونها (وأصحهما) لا والا يجب إلا حقتان لان الزيادة مفسرة بالواحدة وفي رواية ابن عمر رضى الله عنهما ولان الزكاة مبنية علي تغيير واجبها بالاشخاص دون الاشقاص وإذا زادت واحدة وأوجبنا ثلاث بنات لبون فهل للواحدة قسط من الواجب أم لا فيه وجهان قال الاصطخرى لا لانه صلي الله عليه وسلم قال (ففى كل أربعين بنت لبون) ولو قدرنا أن لها قسط من الواجب لكانت كل بنت لبون في أربعين وثلث وقال الا كثرون (نعم) لان تغير الواجب بالواحدة فيتعلق الواجب بها كالعاشرة والخامسة والعشرين وغيرهما وما ذكر من الظاهر يعارضه ما روي في بعض الرويات أنه صلى الله عليه وسلم قال (فإذا زادت واحدة علي المائة والعشرين فيها ثلاث بنات لبون) فعلي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 318 هذا لو بلغت الواحدة بعد الحول وقبل التمكن سقط من الواجب جزء من مائة واحدى وعشرين جزءا وعلي قول الاصطخرى لا يسقط شئ ثم الامر يستقر بعد بلوغ الابل مائة واحدى وعشرين فيجب في كل اربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة وإنما يتغير الواجب بزيادة عشر عشر وإذا وجب عدد من بنات اللبون ثم زادت عشر فصيرت ثلاثين أربعين أبدلت بنت لبون بحقة فان زادت عشرة أخرى أبدلت بأخرى وهكذا حتى يصير الكل حقاقا فإذا زادت عشر بعد ذلك أبدلت الحقاق كلها ببنات اللبون وزيدت واحدة (مثاله) في مائة واحدى وعشرين ثلاث بنات لبون كما عرفت فإذا صارت مائة وثلاثين ففيها بنتا لبون وحقة فإذا صارت مائة وأربعين ففيها بنت لبون وحقتان فإذا صارت مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق فإذا صارت مائة وستين ففيها أربع بنات لبون ثم في مائة وسبعين ثلاث بنات لبن وحقة وفي مائة وثمانين بنتا لبون وحقتان وعلي هذا القياس هذا مذهبنا والحجة عليه الخبر الذى تقدم وساعدنا أبو حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله علي ما ذكرنا إلى مائة وعشرين ففيها حقتان بالاتفاق ثم عند أبى حنيفة يستانف الحساب ففى كل خمس تزيد شاة مع الحقتين فإذا بلغت مائة وخمسا واربعين ففيها بنت فيها بنت مخاض مع الحقتين فإذا بلغت مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق ثم يستأنف الحساب فيجب في كل خمس تزيد شاة مع الحقاق الثلاث الي أن تبلغ مائة وخمسا وسبعين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 319 فحينئذ فيها بنت مخاض وثلاث حقاق وفي مائة وست وثمانين بنت لبون وثلاث حقاق وفي مائة وست وتسسعين أربع حقاق وربما قيل وفي مائتين أربع حقاق لان الاربع عفو لا يختلف الواجب بوجودها وعدمها ثم بعد المائتين يستأنف الحساب وعلى رأس كل خمسين يجعل أربع عفوا علي ما ذكرنا وعند مالك إذا زاد علي عشرين ومائة أقل من عشر لم يتغير الواجب فإذا بلغت مائة وثلاثين فحينئذ فيها بنتا لبون وحقة وقد استقر الحساب في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة وعنه رواية أخرى مثل مذهبنا ورواية ثالثة أنه إذا زادت واحدة علي المائة والعشرين تغير الفرض ويتخير الساعي بين الحقتين وبين ثلاث بنات لبون وعن احمد روايتان كالروايتين الاولتين عن مالك والاصح عنه مثل مذهبنا. إذا عرفت هذه المذاهب رقمت قوله في الكتاب فإذا زادت علي عشرين ومائة ففى كل أربعين بنت لبون (بالحاء والميم والالف) وقد أعلم بالواو أيضا لان امام الحرمين قال حكي العراقيون أن ابن خيران من شيوخنا كان يخير وراء المائة والعشرين بين مذهب الشافعي رضي الله عنه ومذهب أبى حنيفة رحمه الله فجعل ذلك وجها لكن لم أجد في الكتب المشهورة للعراقيين وتعليقا تهم نسبة هذا المذهب الي ابن خيران وانما حكوه عن ابن جرير الطبري وربما وقع تغيير في بعض النسخ لتقارب الاسمين وتفرد ابن جرير لا يعد وجها في المذهب وان كان معدود امن طبقة أصحاب الشافعي رضى الله عنه ثم في الفصل أمور لا بد من معرفتها (أحدها) أن قوله في الكتاب فان لم يكن في ماله بنت مخاض فابن لبون ذكر إنما ذكره جريا علي لفظ الخبر ونظامه وأما فقهه وتعريفه فهو مذكور من بعد ولماذا قيد ابن اللبون بالذكر وبنت المخاض قبل ذلك بالانثي ذكروا فيه قولين (أصحهما) أنه وقع تأكيدا في الكلام كما يقال رأيت بعينى وسمعت باذني وكما قال صلي الله عليه وسلم (ما أبقت الفرائض فلا ولي رجل ذكر) (والثانى) أن الغرض منه ان لا يؤخذ الخنثى فان في خلقته تشويها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 320 وعيبا والصحيح اجزاء الخنثى علي ما سيأتي ثم في لفظ الابن والبنت ما يغنى عنه (الثاني) ربما نجد في بعض النسخ عند قوله فإذا زادت علي عشرين ومائة ففى كل اربعين بنت لبون وفي كل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 321 خمسين حقة زيادة وهى فإذا زادت على عشرين ومائة واحدة ففيها ثلاث بنات لبون ثم في كل اربعين بنت لبون وهذه الزيادة صحيحة لكن الكلام مستقيم دونها والظاهر انها ملحقة غير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 322 مذكورة من جهة المصنف لامرين (احدهما) انه لم يذكر ها في الوسيط (والثاني) انه قال آخرا كل ذلك لفظ ابي بكر رضى الله عنه في كتاب الصدقة وليس فيما نقل من لفظ ابى بكر رضى الله عنه هذه الزيادة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 323 وانما نسبه الي ابى بكر لانه رضى الله عنه هو الذى كتب لانس ومالك رضى الله عنه كتاب الصدقة لما وجهه الي البحرين (الثالث) بيان الاسنان التى جرى ذكرها في الفصل اعلم ان الناقة اول ما ولدت يسمي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 324 ولدها الذكر ربعا والانثى ربعة ثم يقال لله تبيع وتبيعة ثم فصيل الي تمام سنة فإذا تمت له السنة وطعن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 325 في الثانية سمى ابن مخاض ان كان ذكرا وبنت مخاض ان كانت انثي وذلك لان الناقة بعد تمام سنة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 326 من ولادتها تحبل مرة اخرى فتصير من المخاض وهى الحوامل فيكون الولد ولد ناقة هي المخاض وتسمي بذلك وان لم تحبل بعد نظرا الي الوقت ثم إذا تمت للولد سنتان وطعن في الثالثة سمى الذكر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 327 ابن لبون والانثي بنت لبون لان الام قد ولدت وصرت لبو نا ثم إذا استوفى الولد ثلاث سنين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 328 وطعن في الرابعة سمى الذكر حقا والانثي حقة ولم سمى بذلك اختلفوا فيه منهم من قال لا ستحقاقه الحمل عليه وركوبه ومهم من قال لان الذكر استحق أن ينزو والانثى استحققت ان ينزى عليها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 329 وبحسب هذين القولين اختلفوا في قوله طروقة الجمل علي ما سبق في الخبر فمن قال بالاول قرأ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 330 طروقه الحمل بالحاء أي استحقت الحمل عليه ومن قال بالثاني قرأ طروقه الجمل بالجيم لانها استحقت أن يطرقها الجمل ذكر ذلك كله المسعودي والمشهور الصحيح هو الجمل ويدل عليه ما روى في بعض الروايات طروقه الفحل ثم إذا استوفى الولد اربع سنين وطعن في الخامسة سمى الذكر جذعا والانثى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 331 جذعة لانه يجدع مقدم اسنانه أي يسقطه وهذه غاية اسنان الزكاة * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 332 قال (وأما البقر ففى ثلاثين منه تبيع هو الذى له سنة وفي أربعين مسنة وهى التى لها سنتان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 333 ثم في الستين تبيعان ثم استقر الحساب ففى كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة) * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 334 عن النبي صلي الله عليه وسلم انه أمر معاذا حين بعثه إلي اليمن أن ياخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا ومن أربعين مسنة * لا شئ في البقر حتى تبلغ ثلاثين فإذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع ثم لا شئ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 335 في زيادتها حتى تبلغ أربعين ففيها مسنة ثم لا شئ حتى تبلغ ستين ففيها تبيعان وقد استقر الحساب في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة ويتغير الواجب بزيادة عشر عشر ففى سبعين تبيع ومسنة وفي ثمانين مسنتان وفي تسعين ثلاث اتبعة وفي مائة مسنة وتبيعان وعلى هذا القياس وبقولنا قال احمد ومالك وعن أبى حنيفة ثلاث روايات (احداها) مثل قولنا (وأظهرها) ان فيما زاد علي الاربعين يجب بحساب ذلك في كل بقرة ربع عشر مسنة الي أن يبلغ ستين (والثالثة) انه لا شئ في الزيادة على الاربعين حتي تبلغ خمسين فيجب فيها مسنة وربع مسنة وإذا بلغت ستين وجب تبيعان عى الروايات كلها واستقر الحسا كما ذكرنا والتبيع هو الذى له سنة وطعن في الثانية سمي بذلك لانه يتبع الام وقيل لان قرنه يتبع اذنه ويكاد يساويها والانثى تبيعة والمسنة هي التى تمت لها سنتان ودخلت في الثالثة والذكر مسن هذا هو المشهور في تفسيرهما ويجوز أن يعلم قوله وهو الذى له سنة وقوله وهى التى لها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 336 سنتان بالواو لان صاح العدة وغيره حكوا وجها ان المسنة ما تم لها سنة والتبيع ماله ستة اشهر وقد أشار في النهاية الي هذا الوجه قال ورد في بعض اخبار الجذع مكان التبيع والجذع من البقر كالجذع من الضأن وفي سن الجذعة من الضأن تردد سيأتي وهو يجري في التبيع قال والمسنة في البقر بمثابة الثنية في الغنم * قال (وأما الغنم ففى أربعين شاة شاة وفي مائة واحدى وعشرين شاتان وفي مائتين وواحد ثلاث شياه وفي أربعمائة أربع شياه وما بينهما أوقاص لا يعتد بها ثم استقر الحساب ففى كل مائة شاة والشاة الواجبة في الغنم إما الجذعة من الضأن وهى التى لها سنه أو الثنية من المعز وهي التى لها سنتان) * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 337 عن أنس ان أبا بكر رضى الله عنه كتب له (فريضة الصدقة التى أمر الله تعالى ورسوله صلي الله عليه وسلم وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين الي عشرين ومائة شاة فإذا زادت علي عشرين ومائة واحدة الي مائتين ففيها شاتان فإذا زادت علي مائتين واحدة الي ثلثمائة ففيها شاة ثم لا يزيد بزيادتها شئ حتى تبلغ مائة واحدى وعشرين ففيها شاتان ثم لا يزاد شئ حتى تبلغ مائتين وواحدة ففيها ثلاث شياه ثم لا يزاد شئ حتي تبلغ أربعمائة ففيها اربع شياه اربع شياه وقد استقر الحساب في كل مائة شاة وبهذا قال مالك وابو حنيفة واحمد والشاة الواجبة فيها الجذعة من الضأن أو الثنية من المعزوبه قال احمد خلافا لمالك حيث قنع فيهما بالجذعة ولابي حنيفة حيث اوجب فيهما الثنية وروى عنه مثل مذهبنا أيضا لنا ما روى سويد بن غفلة قال سمعت مصدق النبي صلى الله عليه وسلم يقول (أمرنا النبي صلي الله عليه وسلم بالجذعة من الضأن والثنية من المعز) ولانهما ساعدانا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 338 في الاضحية على * واحتج الاصحاب على مالك في الجذعة من المعز بان هذا سن لا يجوز اضحية فلا يجوز في صدقة الغنم قياسا على ما دونها وعلى أبي حنيفة في الجذعة من الضأن بانها سن يجوز أضحية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 339 فيجوز في صدقة الغنم كالثنية واختلفوا في تفسير هما علي أوجه (أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب أن الجذعة ما استوفت سنة ودخلت في الثانية والثنية ما استوفت سنتين سميت الجذعة جذعة لانها تجدع السن كما ذكر في الابل (والثانى) ان الجذعة ما لها ستة أشهر والثنية ما لها سنة وهو الذى ذكره في الثنية (والثالث) أن الجذعة هي التي لها ثمانية أشهر والثنية هي التي لها سنة وهو اختيار القاضي الروياني في الحلية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 340 ويقال إذا بلغ الضأن سبعة أشهر وكان من بين شاتين فهو جذع لان له نزوا وضرابا وان كان من بين هرمين فلا تسمى جذعة حتى تستكمل ثمانية أشهر (وقوله) في أثناء الكلام وما بينها أو قاص هي جمع وقص وهو ما بين الفريضتين ثم منهم من يقول القاف من الوقص محركة وهو الذى ذكره في الصحاح قالوا ولو كانت ساكنة لجاء الجمع علي افعل كفلس وأفلس وكلب وأكلب ومنهم من يسكن القاف ويقول الجزء: 5 ¦ الصفحة: 341 هو مثل هول وأهوال وحول وأحوال والشنق بمعنى الوقص ومنهم من قال الوقص في البقرو الغنم خاصة والشنق في الابل خاصة (وقوله) لا يعتد بها يجوز انه يريد به أنا لا تؤثر في زيادة الواجب ويجوز أن يريد به أن الواجب لا ينبسط عليها بل هي عفو وهو الصحيح وفيه خلاف مذكور في الكتاب من بعد (وقوله) أما الجذعة من الضأن وهى التى لها سنة ليس المفسر الجذعة من الضأن بخصوصها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 342 بل الجذعة من الغنم هي التي لها سنة علي اوجه الاظهر سواء كانت من الضأن أو المعز وكذلك الثنية من الغنم هي التى لها سنتان سواء كانت من الضأن أو من المعز ثم الواجبة من هذه الجذعة ومن تلك الثنية والله أعلم * قال (ثم يتصدى النظر في زكاة الابل في خسمة مواضع (الاول) في اخراج شاة عن الابل وهي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 343 جذعة من الضأن أو ثنية من المعز والعبرة في تعبين الضان أو المعز بغالب غنم البلد وقيل أنه يخرج ما شاء ويؤخذ منه لان الاسم ينطلق عليه ولو أخرج ذكرا فعلى هذين الوجهين ولو أخرج بعيرا عن خمس أو عن عشرا اخذ وان نقصت قيمته عن قيمة شاة) * لك ان تقول النظر الثالث والخامس لا اختصاص لهما بزكاة الابل علي ما سنبينه من بعدوانما كان يحسن قوله في زكاة الابل في خمسة مواضع إذا كانت المواضع كلها مختصة بالابل إذا تقرر ذلك فالنظر الاول في كيفية اخراج الشاة من الابل وقد ذكرنا أن الواجب في الابل قبل بلوغها خسما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 344 وعشرين الشياه وانما تجب الجذعة من الضأن والثنية من المعز كما ذكرنا في الشاة الواجبة في الغنم لما روى أن مصدق النبي صلي الله عليه وسلم قال (انما حقنا في الجذعة من الضأن والثنية من المعز) وروى أنه قال (أمرنا باخذهما) وخلاف ابي حنيفة في أن الواجب منها الثنية ومالك: في ان الجذعة منهما تجزئ عائد ههنا أيضا ثم في الفصل مسائل (إحداها) هل يتعين أحد النوعين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 345 من الضأن والمعز حكي في الكتاب فيه وجهين (أحدهما) أنه يتعين غالب غانم البلد إن كان الغالب الضأن وجب الضأن وإن كان الغالب المعز وجب المعز لانه مال وجب في الذمة بالشرع فاعتبر فيه عرف البد كالكفارة هذا ما ذكره صاحب المهذب وقال إن استويا يخير بينهما (والثانى) أنه يخرج ما شاء من النوعين ولا يتعين الغالب في البلد لانه صلي الله عليه وسلم قال (في خمسن من الابل شاة) واسم الشاة يقع عليهما جميعا فصار كما في الاضحية لا يتعين فيها غنم البلد وفي النهاية والوسيط حكاية وجه آخر وهو أنه يتعين نوع غنمه إن كان يملك غنما كما إذا كان يزكى عن الغنم وكما في ابل العاقلة على رأى ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب فغالب غنم البلد وكذا قوله يخرج ما شاء بالواو لمكان هذا الوجه الثالث والثاني معلم بالميم ايضا لان الحاكية عن مالك أنه يجب من غالب غنم البلد وقوله يخرج ما شاء ويؤخذ منه لا ضرورة الي الجمع بين هذين اللفظين والمقصود حاصل بأحدهما ثم أعلم أن إيراد الكتاب يقتضي ترجيح الوجه الاول وحكاه إمام الحرمين عن العراقيين وذكر أن صاحب التقريب نقله عن نص الشافعي رضي الله عنه ونقل نصوصا أخر تقتضي التخيير ورجحها وساعده الامام عليه واليه صار الا كثرون وربما لم يذكروا سواه فإذا الوجه الثاني أصح في المذهب والشبهة داخلة في حكاية الامام عن العراقيين من وجهين (أحدهما) أن الشيخ ابا حامد وشيعته نصوا على أنه لا يعتبر غالب غنم البلد وإنا يعتبر غنم البلد فحسب (والثانى) أنه يشبه أنهم أرادوا بما ذكروا تعيين ضأن البلد ومعزه وذلك لا ينا في التخيير بين الضان والمعز يدل عليه أن صاحب الشامل خير بين الضأن والمعز ومع ذلك قال يخرج من غنم البلد وكذلك خير في التتمة بين النوعين ثم حكى وجهين في أن الضأن المخرج أيضا مثلا هل يجب أن تكون من نوع ضان البلد أم لا ومن قال يتعيين غنم البلد قال لو أخرج غيرها وهى خير من غنم البلد باقيمة اجزأته وكذلك لو كانت مثلها إنما الممتنع أن يخرجها وهى دونها (الثانية) لو أخرج جذعا من الضأن أو ثنيا من المعز هل يجزئه فيه وجهان (أحدهما) لا كالشاة المخرجة من الاربعين من الغنم وكاسنان الابل المؤداة فيها (واظهرهما) وبه قال أبو اسحاق نعم: لشمول الاسم كما في الاضحية. ثم ذكر في التتمة طريقين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 346 (اشهرهما) ان الوجهين مطردان فيما إذا كانت الابل ذكورا كلها وفيما إذا كانت اناثا أو مختلطة وهذا هو الموافق لا طلاق الكتاب والمذكور في التهذيب (والثاني) انها إذا كانت اناثا أو كان بعضها اناثا لم يجز اخراج الذكر والوجهان مخصوصان بما إذا كانت ذكورا كلها والوجهان مبنيان علي اصل سنذكره وهو ان الشاة المخرجة عن الابل اصل بنفسها ام بدل عن الابل ان قلنا بدل جاز اخراج الذكر كما لو اخرج عنها بعيرا ذكرا يجزله وان قلنا اصل لم يجز جريا علي الاصل المعتبر في الزكوات وهو كون المخرج انثى وقوله في الكتاب فعلى هذين الوجهين اشار به إلى تقارب مأخذ الخلاف في هذه المسألة والتي قبلها (الثالثة) لو ملك خمسا من الابل ولزمته شاة فاخرج بعيرا فظاهر المذهب أنه يجزئه وان كانت قيمته أقل من قيمة شاة خلافا لمالك وأحمد حيث قالا لا يجزئ الا الشاة * لنا ان البعير يجزئ عن خمس وعشرين والخمس داخلة فيها فأولى أن يجزى عنها منفردة وفي المسألة وجهان آخران (أحدهما) أن البعير انما يجزئ إذا بلغت قيمته قيمة شاة اما إذا انقصت فلا لما فيه من الاجحاف بالفقراء حكى هذا عن القفال والشيخ أبى محمد (والثاني) أنه ان كانت الابل مراضا أو قليلة القيمة لعيب بها فأخرج بعيرا منها جاز وان كانت قيمته أقل من قيمة الشاة اما إذا كانت صحاحا سليمة لم يجز أن يخرج عنها بعيرا قليل القيمة والفرق أنه في المرض لا يعتقد باداء البعير تطوعا وفى الصحاح يعتقد التطوع واقل ما في التطوع ان لا ينقص عن الواجب وهذا الوجه هو الذى اورده الصيدلاني وحكي المنع فيما إذا كانت الابل صحاحا هو وغيره عن نص الشافعي رضي الله عنه وفي كلام الشيخ ابى محمد حمل ذلك النص علي الاستحباب وإذا قلنا بظاهر المذهب فاخرج بعيرا عن خمس من الابل فهل يكون كله فرضا أو يكون خمسه فرضا والباقى تطوعا فيه وجهان شبههما الائمة بالوجهين في المتمتع إذا ذبح بدنة بدل الشاة هل تكون كلها فرضا أو الفرض سبعها وفيمن مسح جميع الرأس هل يقع الكل فرضا ام لا وجعلوا المصير إلى أن الكل ليس بفض وفي مسألتي الاستشهاد أو جه لان الاقتصار علي سبع بدنة في الهدايا وعلي بعض الرأس في المسح جائز ولا يجزئ ههنا اخراج خمس بعير بالاتفاق ولذلك قال الامام من يقول الفرض مقدار الخمس يعنى به علي شرط التبرع بالباقي ليتزول عيب التشقيص وذكر قوم منهم صاحب التهذيب ان الوجهين مبنيان علي صل وهو ان الشياه الواجبة في الابل اصل بنفسها ام هي بدل عن الابل فيه وجهان (احدهما) انها اصل جريا علي ظاهر النص (والثاني) بدل لان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 347 الاصل وجوب جنس المال الا ان ايجاب بغير قبل كثرة الابل بجحف برب المال وايجاب شقص بعير مما يشق لم فيه من نقصان القيمة وعسر الانتفاع فعدل الشارع إلى الشاة ترفيها وارفاقا فان قلنا الاصل هو الشاة فإذا أخرج البعير كان كله فرضا كالشاة وان قلنا الاصل هو الابل فإذا أخرج بعير كان الواجب خمسه لانه يجزى عن خمس وعشرين وحصة كل خمس حينئذ خمسه ولو أخرج بعيرا عن عشر من الابل أو عن خمس عشرة أو عشرين هل يجزئه فيه وجهان بنوهما علي الخلاف الذى تقدم ان قلنا إذا أخرجه عن الخمس وقع الكل فرضا وقام مقام شاة فلا يكفى في العشر بعير واحد بل لابد من بعيرين أو بعير وشاة وفي الخمس عشرة من ثلاثة ابعرة أو بعيرين وشاة أو شاتين وبعير أو ثلاث شياه وفي العشرين من اربعة وان قلنا الفرض قدر خمسه فيجزئ ويكون متبرعا في العشر بثلاثة أخماسه وفي الخمس عشرة بخمسه وفي العشرين بخمسه ولم يرتض الامام هذا البناء ومن وجوه الاشكال فيه الخمس عشرة بخمسه وفي العشرين بخمسه ولم يرتض الامام هذا البناء ومن وجوه الاشكال فيه انه يقال لم يلزم من كون كله فرضا إذا اخرجه عن خمس الا يكتفى به عن العشر بل يجوز أن يكون كاله فرضا إذا اخرج عن هذا وفرضا إذا اخرج عن ذاك الا ترى انه يقع فرضا فيكتفى به عن الخمس والشعرين مع الحكم بان كله فرض إذا اخرج عن الخمس وكذ البدنة ضحية واحدة إذا ضحى بها وهي بعينها ضحية سبع إذا اشتركوا فيها وسواء كان البناء المذكور مريضا ام لا فظاهر المذهب اجزاؤها عما دون الخمس والعشرين كاجزائها عن الخمس والعشرين وهو المكور في الكتاب والوجهان المذكوران ههنا مبنيان علي الصحيح؟ في إجزاء البعير عن الخمس مطلقا والوجهان الآخران ثم يعودان ههنا أيضا ونعتبر تفريعا عليهما أن لا تنقص قيمته في العشر عن قيمة شاتين وفى الخمس عشرة عن قيمة ثلاث شياه وفي العشرين عن قيمة أربع وإذا عرفت جميع ما ذكرنا رقمت قوله في الكتاب أخذ بالميم والالف والواو وقوله وإن نقصت قيمته (بالواو) ايضا للوجه المنسوب إلي القفال وابي محمد رحمهما الله (واعلم) أن الشاة الواجبة في الابل يجب أن تكون صحيحة وإن كانت الابل مراضا لانها في الذمة ثم فيها وجهان (أحدهما) وهو الذى أورده كثيرون أنه يؤخذ من المراض صحيحة تليق بها (مثاله) خمس من الابل مراض قيمتها خمسون ولو كنت صحاحا لكانت قيمتها مائة وقيمة الشاة المجزئة عنها ستة دراهم يؤمر باخراج شاة صحيحة تساوى ثلاثة دراهم فان لم توجد بهذه القيمة شاة صحيحة قال في الشامل فرق الدراهم (والثانى) أنه يجب فيها ما يجب في الابل الصحاح بلا فرق قال في المهذب وهذا ظاهر المذهب ونسب الاول الي أبي علي إبن خيران * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 348 قال (النظر الاني في العدول الي ابن اللبون فمن وجب عليه بنت مخاض ولم تكن في ماله أخذ ابن اللبون وإن لم يكونا في ماله جاز له شراء ابن اللبون ولو كان في ماله بنت مخاض معيبة فهى كالمعدومة ولو كانت كريمة لزمه علي الاقيس شراء بنت مخاض لانها موجودة في ماله وإنما تترك نظرا له وتؤخذ الخنثي من بنات اللبون بدلا عن بنت مخاض عند فقدها ويؤخذ الحق بدلا عن بنت لبون عند فقدها كما يؤخذ ابن لبون بدلا عن بنت مخاض) * إذا ملك خمسا وعشرين من الابل وجبت عليه بنت مخاض فان وجدها لم يعدل إلى إبن اللبون وإن لم يجدها وكان عنده ابن لبون جاز أخذه منه سواء قدر علي تحصيل بنت المخاض أم لا وسواء كانت قيمته أقل من قيمة بنت المخاض أو لم يكن لما رويناه في الخبر ولا جبران بل فضل السن يجير فضل الانوثة ثم فيه مسائل (إحداها) لو لم يكن في ماله بنت المخاض ولا ابن اللبون ففيه وجهان (أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يشترى ما شاء منهما ويخرجه أما بنت المخاض فلا نها الاصل وأما ابن اللبون فلان شرط اجزأئة شرط اجزائه موجود وهو فقد بنت المخاض عنده ولانه لا منع من شراء ابن اللبون وإذا اشتراه كان في ماله ابن لبون وهو فاقد لبنت المخاض (والثانى) وبه قال مالك واحمد وصاحب التقريب يتعين عليه شراء بنت المخاض لانهما لو استويا في الوجود لم يخرج ابن اللبون فكذلك إذا استويا في الفقد وقدر علي تحصيلهما (الثانية) لو كانت عنده بنت مخاض معيبة فهي كالمعدومة لانها غير مجزئة ولو كانت كريمة وابله مهازيل فلا يكلف اخراجها لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (اياك وكرائم أموالهم) فان تطوع بها فقد أحسن وان أراد اخراج ابن لبون ففيه وجهان (أظهرهما) عند صاحب الكتاب وشيخه أنه لا يجوز لان شرط العدول الي ابن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 349 اللبون أن لا يكون في ماله بنت مخاض وهى موجودة هنا بصفة الاجزاء الا أنها تركت نظرا له ورعاية لجانبه وهذا ما أجاب به الشيخ أبو حامد واكثر شيعته ورجحه الاكثرون (والثانى) يجوز لانها لما لم تكن موجودة في ماله كانت كالمعدومة ويحكى هذا عن نصه والي ترجيحه يميل كلام صاحبي المهذب والتهذيب قوله في الكتاب لزمه علي الاقيس شراء بنت مخاض لا يخفى أنه ليس الغرض منه عين الشراء بل المقضود تحصيله بأى طريق كان واخراجه عن الزكاة وكذا حيث قلنا في هذه المسائل يجوز الشراء أولا يجوز وقوله في أول الفصل أخذ منه ابن لبون ليس علي معنى أنه يلزم بذلك إذ لو حصل بنت مخاض واخرجها جاز ولكن المعنى أنه يقنع به (الثالثة) لو لم يكن في ماله بنت مخاض فاخرج خنثى من أولاد اللبون هل يجزئه فيه وجهان (احدهما) لا لنشوه الخلقة بنقصان الخنوثة فأشبه سائر العيوب (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب نعم فانه اما ذكر وابن اللبون مأخوذ بدلا عن بنت المخاض أو أنثى وهى أولي بالجواز لزيادة السن مع بقاء الانوثة ثم لا جبران للمالك لجواز ان يكون المخرج ذكرا بخلاف ما إذا لم يكن في ماله بنت مخاض وكانت عنده بنت لبون فاخرجها له الجبران ولو وجد ابن اللبون وبنت اللبون فاراد اخراج بنت اللبون وأخذ الجبران لم يكن له ذلك في أصح الوجهين قاله في العدة ولو لزمته بنت مخاض وهى موجودة في ماله فاراد أن يخرج خنثى من أولاد اللبون بدلا لم يجز لجواز أن يكون ذكرا وابن اللبون مأخوذ بدلا عن بنت المخاض مع وجودها بخلاف ما لو اخرج بنت لبون وقوله في الكتاب وتؤخذ الخنثى من بنات اللبون لو قال من اولاد اللبون لكان أحسن فان الخنوثة تمنع من معرفة كونه ابنا أو بنتا وكذلك هو في بعض النسخ (الرابعة) لو اخرج حقا بدلا عن بنت مخاض عند فقدها فلا شك في جوازه لان اخراج ابن اللبون جائز فالحق اجوز واولي ولو اخرجه بدلا عن بنت لبون لزمته فوجهان (احد هما) يجوز لاختيار فضيلة الانوثة بزيادة السن كما يجوز اخراج ابن اللبون بدلا عن بنت المخاض (والثانى) لا يجوز لان النص ورد ثم وهذا ليس في معناه لان تفاوت السن في بنت المخاض وابن اللبون تفاوت يوجب اختصاصه بقوة ورود الماء والشجر والامتناع من صغار السباع والتفاوت بين بنت اللبون والحق لا يوجب اختاص الحق بهذه القوة بل هي موجودة فيهما جميعا فلا يلزم من كون تلك الزيادة حائزة لفضيلة الا نوثه كون هذه الزيادة جابرة لها والمذكور في الكتاب من هذين الوجهين هو الاول لكن المذهب الثاني بل الجمهور لم يذكروا سواء ولم يتعرض للخلاف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 350 الا الاقلون منهم الحناطى * قال (النظر الثالث إذا ملك مائتين من الابل فان كان في ماله احد السنين اخذ منه الموجود وان لم يكونا في ماله اشترى (و) ما شاء من الحقاق أو ببنات اللبون وان وجدا جميعا وجب اخراج الاغبط للمساكين وقيل الخيرة إليه وقيل يتعين الحقاق فلو اخذ الساعي غير الاغبط قصدا علي قولنا يجب الاغبط لم يقع الموقع وان اخذ باجتهأده فقيل لا يقع الموقع وقيل يقع الموقع وليس عليه جبر التفاوت وقيل عليه جبر التفاوت ببذل الدراهم وقيل يجب جبره بأن يشترى بقدر التفاوت شقصا ان وجده اما من جنس الاغبط على رأى أو من جنس المخرج على رأى) * مقصود هذا النظر الكلام فيما إذا بلغت ماشيته حدا يخرج فرضه بحاسبين كما إذا ملك مائتين من الابل فهي اربع خمسينات وخمس اربعينات وقد روينا في الخبر أنه صلي الله عليه وسلم قال (في كل اربعين بنت لبون وفى كل خمسين حقة) فما الواجب فيها نص في الجديد على ان الواجب أربع حقاق أو خمس بنات لبون وفي القديم علي انه يجب اربع حقاق واختلفوا على طريقين (أحدهما) ان المسألة علي قولين (اصحهما) ان الواجب أحد الصنفين لما ذكرنا ان المائتين اربع خمسينات وخمس اربعينات فيتعلق بها احد الفرضين (والثاني) ان الواجب الحقاق لان الاعتبار في زكاة الا بل بزيادة السن ما وجد إليها سبيل الا ترى ان الشرع رقى في نصيبها إلى منتهي الكمال في الاسنان ثم عدل بعد ذلك إلي زيادة العدد فاشعر ذلك بزيادة الرغبة في السن (والطريق الثاني) القطع بما ذكره في الجديد وحمل القديم على ما إذا لم يوجد الا الحقاق فان اثبتنا القديم وفرعنا عليه نظر إن وجدت الحقاق بصفة الاجزاء لم يجز غيرها والا نزل منها الي بنات اللبون أو صعد الي الجذاع مع الجيران وان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 351 فرعنا علي الجديد الصحيح فللمسألة أحوال ذكرنا ثلاثا منها في الكتاب فنشرحها ثم نذكر غيرها علي الاختصار (احدى الاحوال الثلاث) أن يوجد في المال القدر الواجب من احد الصنفين بكماله دون الآخر فيؤخذ ولا يكلف تحصيل الصنف الثاني وان كان أنفع للمساكين ولا يجوز النزول والصعود عنه مع الجبران ولا فرق بين ان لا يوجد الصنف الآخر اصلا وبين ان يوجد بعضه والناقص كالمعدوم ولا يجوز ان يؤخذ الموجود من الناقص ويعدل بالباقي الي الصعود والنزول مع الجبران إذ لا ضرورة إليه ولو وجد الصنفان لكن أحدهما معيب فهو كالمعدوم (والحالة الثانية) ان لا يوجد في ماله شئ من الصنفين وفي معناه ان يوجد اوهما معيبان فان اراد تحصيل أحدهما بشراء وغيره فوجهان (احدهما) يجب تحصيل الاغبط كما يجب علي الظاهر اخراج الاغبط إذا وجد على ما سيأتي (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب يحصل ما شاء من الحقاق أو بنات اللبون فانه إذا اشترى أحد الصنفين صار واجدا له دون الآخر فيجزئه والوجهان كالوجهين فيما إذا ملك خمسا وعشرين وليس فيها بنت مخاض ولا ابن لبون هل يجب تحصيل بنت المخاض ام لا ويجوز في هذه المسألة ان لا يحصل الحقاق ولا بنات اللبون ولكن ينزل أو يصعد مع الجبران وحينئذ ان شاء جعل بنات اللبون اصلا ونزل منها الي خمس بنات مخاض فاخرجها مع خمس جبرانات وان شاء جعل الحقاق اصلا وصعد منها الي اربع جذاع فاخرجها وأخذ اربع جبرانات ولا يجوز ان يجعل الحقاق اصلا وينزل منها إلى اربع بنات مخاض مع ثمان جبرانات ولا ان يجعل بنات اللبون أصلا ويصعد منها إلى خمس جذاع ويأخذ عشر جبرانات لامكان تقليل الجبران يجعل الجذاع بدل الحقاق وبنات المخاض بدل بنات اللبون وحكى الشيخ أبو محمد في الفرق وجها اخر وهو انه يجوز النزول والصعود فيهما كما لو لزمته حقة فلم يجدها ولا بنت لبون في ماله فنزل الي بنت المخاض فاخرجها مع جبرانين أو لزمته بنت لبون فلم يجدها ولاحقة في ماله فيصعد الي الجذعة فيخرجها ويأخذ جبرانين يجوز والظاهر الاول والفرق ان في صورتي الاستشهاد لا يتخطى واجب ماله وفيها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 352 نحن فيه يتخطى في الصعود والنزول أحد واجبى ماله (والحالة الثالثة) أن يوجد الصنفان معا بصفة الاجزاء فقد قال الشافعي رضى الله عنه نصا يأخذ الساعي ما هو الاغبط منهما لاهل السهمين لان كل واحد من الصنفين فرض نصابه لو انفرد فإذا اجتمعا روعي الاصلح للمحتاجين * واحتج له بظاهر قوله تعالى (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) وعن ابن سريج أن المالك بالخيار يعطي ما شاء منهما كما أنه بالخيار في الصعود والنزول عند فقد الفرض وأجاب الاصحاب ان المالك ثم بسبيل من ترك الصعود والنزول معا بأن يحصل الفرض وانما شرع ذلك تخفيفا للامر عليه ففوض إليه وههنا خلافه (التفريع) إن خيرنا المعطى علي رأى ابن سريج فيستحب له مع ذلك أن يعطي الاغبط إلا أن يكون ولي يتيم فيراعي حظه وان فرعنا علي النص وهو ظاهر المذهب فلو أخذ الساعي غير الاغبط نظر إن وجد تقصير منه بأن أخذه مع العلم بحاله أو أخذه من غير اجتهاد ونظر في أن الاغبط ماذا أو وجد تقصير من المالك بأن دلس وأخفى الاغبط لم يقع المأخوذ عن جهة الزكاة وإن لم يوجد تقصير من واحد منهما وقع عن جهة الزكاة هذا ما اعتمده الاكثرون منهم صاحب المهذب وهو الظاهر وزاد في التهذيب شيئا آخر وهو أن لا يكون باقيا بعينه في يد الساعي فان كان باقيا لم يقع عن الزكاة وإن لم يقصر واحد منهما وهذا قد حكاه الشيخ أبو الفضل ابن عبدان عن ابن جيران ووراء ما نقلنا من الظاهر وجوه أخر (أحدها) أنه يقع عن الزكاة بكل حال وان أخذ من غير اجتهاد حكاه ابن كج وغيره لانه يجزئ عند الانفراد فكذا عند الاجتماع وهذا رجوع إلى رأى ابن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 353 سريج (والثانى) لا يقع عن الزكاة بحال لانه ظهر أن المأخوذ غير المأمور به (والثالث) إن فرقه علي المستحقين ثم ظهر الحال حسب عن الزكاة بكل حال والا لم يحسب والفرق عسر الاسترجاع (والرابع) عن أبي الحسن ابن القطان عن بعض الاصحاب أنه إن دفع المالك مع العلم بانه الادنى لم يجزه وإن كان الساعي هو الذى أخذ جاز ويقرب من هذا عد صاحب التهذيب مجرد علم المالك بحاله تقصيرا مانعا من الاجزاء وإن لم يوجد اخفاء وتدليس وفي كلام الصيد لانى وغيره ما ينازع فيه إذا أخذه الساعي بالاجتهاد فهذا بيان الاختلافات في هذا الموضع (التفريع) حيث قلنا لا يقع المأخوذ عن الزكاة فعليه اخراج الزكاة وعلي الساعي رد ما أخذه ان كان باقيا وقيمته ان كان تالفا وحيث قلنا يقع فهل يجب اخراج قدر التفاوت فيه وجهان (أحدهما) أنه يستحب ولا يجب لان المخرج محسوب عن الزكاة فيغى عن غيره كما إذا ادى اجتهاد الامام الي أخذ القيمة وأخذها لا يجب شئ آخر (وأصحهما) أنه يجب لنقصان حق أهل السهمين قال الائمة وانما يعرف قدر التفاوت بالنظر الي القيمة فإذا كانت قيمة الحقاق أربعمائة وقيمة بنات اللبون أربعمائة وخمسون وقد أخذ الحقاق فقدر التفاوت خمسون (التفريع) ان كان قدر التفاوت يسيرا لا يؤخذ به شقص من ناقة دفع الدراهم للضرورة وحكي امام الحرمين رحمه الله عن صاحب التقريب اشارة الي أنه يتوقف الي أن يجد شقصا واسبعدها وان كان قدرا يؤخذ به شقص فهل يجب شراؤه أم يجوز دفع الدراهم فيه وجهان (أحدهما) يجب لان الواجب الابل والعدول إلى غير جنس الواجب في الزكاة ممتنع علي أصلنا (واصحهما) أنه يجوز دفع الدراهم لما في اخراج الشقص من ضرر المشاركة وقد يعدل إلى غير جنس الواجب لضرورة تعرض ألا ترى أنه لو وجب شاة عليه في خمس من الابل ولم يوجد جنس الشاة يخرج قيمتها ولو لزمته بنت مخاض فلم يجدها ولا ابن لبون لا في ماله ولا بالثمن يعدل إلى القيمة علي أن الغرض ههنا جبران الواجب فاشبه دراهم الجبران (التفريع) ان قلنا يجوز دفع الدراهم فلو اخرج بها شقصا فالظاهر جوازه قال في النهاية وفيه أدني نظر لما فيه من العسر علي المساكين وإن قلنا يجب اخراج شقص فينبغي أن يكون ذلك الشقص من الاغبط أو من المخرج فيه وجهان (احدهما) من المخرج كيلا تتفرق الصدقة (واظهرهما) عند الصيدلانى وغيره من الاغبط فانه الواجب في الاصل ففى المال الذى سبق ذكره يخرج على الوجه الاول نصف حقة لان قيمة كل حقة مائة وقدر التفاوت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 354 خمسون وعلي الوجه الثاني يخرج خمسة اتساع بنت لبون لان قيمة كل بنت لبون تسعون فإذا أخرج الشقص لزم صرفه الي الساعي علي قولنا يجب الصرف الي الامام في الاموال الظاهرة وإذا أخرج الدراهم فوجهان (احدهما) لا يجب الصرف إليه لانها من الاموال الباطنة (والثاني) يجب لانها جبران المال الظاهر هذا تمام الكلام في الاحوال المذكورة في الكتاب. ومن أحوال المسألة أن يوجد بعض كل واحد من الصنفين كما إذا وجد ثلاث حقاق واربع بنات لبون فهو بالخيار بين أن يجعل الحقاق أصلا فيعطيها مع بنت لبون وجبران وبين ان يجعل بنات اللبون اصلا فيعطيها مع حقة ويأخذ جبرانا وهل يجوز ان يعطى حقة مع ثلاث بنات لبون وثلاث جبرانات فيه وجهان لبقاء بعض الفرض عنده وكثرة الجبران مع الاستغناء عنه ويجرى الوجهان فيما إذا لم يجد الا اربع بنات لبون وحقة فاعطي الحقة مع ثلاث بنات لبون وثلاث جيرانات ونظائره قال صاحب التهذيب ويجوز في الصورة الاولى أن يعطي الحقاق مع الجذعة ويأخذ جيرانا وأن يعطي بنات اللبون وبنت مخاض مع جبران (ومن أحوال المسألة) أن يوجد بعض أحد المصنفين ولا يوجد من الآخر شئ كما إذا لم يجد إلا حقتين فله أن يجعلها أصلا ويخرجها مع جذعتين ويأخذ جيرانين وله أن يجعل بنات اللبون أصلا فيخرج بدلها خمس بنات مخاض مع خمس جيرانات ولو لم يجد إلا ثلاث بنات لبون فله أن يخرجها مع بنتي مخاض وجيرانين وله أن يجعل الحقاق أصلا فيخرج أربع جذاع بدلها ويأخذ أربع جيرانات هكذا ذكر الصورتين وله أن يجعل الحقاق صلا فيخرج أربع جذاع بدلها ويأخذ أربع جيرانات هكذا ذكر الصورتين في التهذيب ولم يحك خلافا صلا وقياس الوجهين المذكورين في الحالة السابقة علي هذه يقتضي طرد الخلاف في جعل بنات اللبون أصلا في الصورة الاولي وجعل الحقاق أصلا في الصورة الثانية لقاء بعض الفروض عنده وكثرة الجبران فان كان هذا جوابا على الظاهر فالظاهر ثم أيضا الجواز (واعلم) أنه إذا بلغت البقر مائة وعشرين كان حكمها حكم بلوغ الابل مائتين فانها ثلاث أربعينات وأربع ثلاثينات والواجب فيها ثلاث مسنات أو أربع اتبعة ويعود فيها الخلاف والتفاريع التى ذكرناها ولهذا قلنا إن الكلام في النظر الثالث لا يختص بزكاة الابل وأعود بعد هذا إلي ما يتعلق بلفظ الكتاب ونظمه (أما قوله) إذا ملك مائتين من الابل فان كان في ماله أحد السنين ففيه شئ مدرج تقديره إذا ملك مائين من الابل فعليه اربع حقاق أو خمس بنات لبون فان كان في ماله هذا أو ما أشبهه (وقوله) وجب إخراج الاغبط للمساكين لفظ المساكين في هذا الموضع وامثاله لا يعنى به الذين هم أحد الاصناف الثمانية خاصة بل اهل السهمان كلهم لكن المساكين والفقراء اشهر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 355 الاصناف فيسبق اللسان إلي ذكرهم (وقوله) وقيل الخيرة إليه هو الوجه المنسوب الي ابن سريج (وقوله) وقيل تتعين الحقاق هو القول المنقول عن القديم لكن ايراده في الموضع المذكور في الكتاب يقتضى اختصاصه بما إذا وجد الصنفان جميعا في ماله وهكذا زعم القاضى بن كج لكن الشيخ أبو حامد وعامة من نقل ذلك القول اثبته عند بلوغ الابل مائتين علي الاطلاق وتفريعه ما قدمناه (وقوله) فيما إذا اخذ غير الاغبط قصدا لم يقع الموقع معلم بالواو لانه لم يحك الخلاف إلا فيما أخذه بالاجتهاد وقد حكينا وجها أنه يقع الموقع وإن أخذه من غير الاجتهاد (وقوله) قيل لا يقع الموقع وقيل يقع الموقع ليس المراد منه الكلام في كونه مجزئا اذلو كان كذلك لما انتظم التفريع علي وجه وقوع الموقع بانه هل يلزم جبر التفاوت ام لا وإنما المراد من وقوعه الموقع كونه محسوبا عن الزكاة (وقوله) وقيل عليه جبر التفاوت ببذل الدراهم يشبه أن لا تكون الدراهم في كلام الاصحاب معينة في هذا الفصل بعينها بل المعتبر نقد البلد وهذه العبارة هي التى اوردها الشيخ ابراهيم المروذى فيما علق عنه (وقوله) أما من جنس الاغبط علي رأى أو من جنس المخرج على راى يجوز أن يعلم بالواو لان إمام الحرمين حكي عن إشارة بعض المصنفين وجها ثالثا ومال إليه وهو أنه يتخير بين الصنفين بعد حصول الجيران ولا يتعين هذا ولا ذاك * قال (فرع) لو أخرج حقتين وبنتى لبون ونصفا لم يجز للتشقيص ولو ملك اربعمائة فاخرج أربع حقاق وخمس بنات لبون جاز على الاصح) * مالك المائتين من الابل لو أخرج حقتين وبنتى لبون ونصفا لم يجز لان التشقيص نقصان وعيب ولو ملك اربعمائة من الابل فعليه ثمان حقاق أو عشر بنات لبون لانها ثمان خمسينات وعشر اربعينات ويعود فيها جميع ما في المأتين من الخلاف والتفريع ولو أخرج عنها اربع حقاق وخمس بنات لبون ففى جوازه وجهان قال الاصطخرى لا يجوز لانه تفريق الفريضة كما في المائتين وتمسك بنصه في المختصر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 356 ولا يفرق الفريضة (والاصح) وبه قال الجمهور يجوز فان كل مائتين أصل علي الانفراد فيجوز إخراج فرض من إحداهما وفرض من الاخرى كما يجوز في إحدى الكفارتين إلا طعام وفي الاخرى الكسوة وكما يجوز في أحد الجبرانين الشياه وفي الآخر الدراهم بخلاف ما إذا لم يملك الامائتين فان التفريقق فيها كالتفريق في الجبران الواحد والكفارة الواحدة علي أنه ليس المانع من المائتين مجرد التفريق الا ترى أنه لو أخرج حقتين وثلاث بنات لبون يجز قاله صاحب التهذيب وكذا لو أخرج اربع بنات لبون وحقة بدل بنت لبون يجوز وإنما المانع من المائتين التشقيص ولا تشقيص ههنا (وقوله) ولا يفرق الفريضة منهم من لم يثبته لما بينا من جواز التفريق وقال الثابت رواية الربيع وهى ولا تفارق الفريضة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 357 إذا وجد الساعي في المال أحد الصنفين دون الآخر لم يجز ان يفارق الموجود ويكلفه تحصيل المفقود ومن اثبته حمل علي تفريق التشقيص في صورة المائتين أو التفريق مع الجبران من غير ضرورة مثل أن يأخذ اربع بنات لبون وحقة ويعطى الجبران وهى واجد لخمس بنات لبون وتجرى الوجهان متى بلغ المال اربعينات وخمسينات بحيث يخرج منها بنات اللبون والحقاق بلا تشقيص ولعلك تقول ذكر تمأن الساعي يأخذ الاغبط ويلزم من ذلك ان يكون أغبط الصنفين هو المخرج فكيف يخرج البعض من هذ والبعض من ذاك فاعلم ان ابن الصباغ اجاب عن هذا فقال اما ابن سريج فلا يلزمه هذا إذ الخيار هذا عنده لرب المال أما على قول الشافعي رضى الله عنه فيجوز أن يكون لهم حظ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 358 ومصلحة في اجتماع النوعين وهذا يفيد معرفة شئ آخر وهو أن جهة الغبطة غير منحصرة في زيادة القيمة لكن إذا كان التفاوت لا من جهة القيمة يتعذر اخراج الفضل وقدر التفاوت * قال: (النظر الرابع في الجبران وجبران كل مرتبة في السن عند فقد السن الواجب بشاتين أو بعشرين در هما فان رقى الي الاكبر أخذ الجبران وان نزل اعطى والخيرة في تعيين الدراهم والشاة (و) إلى المعطى والخيرة في الانخفاض والارتفاع الي المالك الا إذا كانابله مراضا فارتقى وطلب الجبران لم يجز لانه ربما يكون خيرا مما أخرجه) * في حديث أنس رضي الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال: (ومن بلغت صدقته الجزء: 5 ¦ الصفحة: 359 جذعة وليست عنده وعنده حقة فانها تقبل منه ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما) وروى مثل ذلك في بنت المخاض وبنت اللبون من وجبت عليه بنت مخاض وليست عنده جاز ان يخرج بنت لبون ويأخذ من الساعي شاتين أو عشرين درهما وان وجبت عليه بنت لبون وليست عنده جاز أن يخرج حقة ويأخذ ما ذكرنا وان وجبت عليه حقة وليست عنده جاز أن يخرج جذعة ويأخذ ما ذكرنا وهذه صور الارتقاء عن الواجب ولو وجبت عليه جذعة وليست عنده جاز ان يخرج حقة مع شاتين أو عشرين درهما ولو وجبت عليه حقة وليست عنده جاز ان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 360 يخرج بنت لبون مع ما ذكرنا ولو وجبت عليه بنت لبون وليست عنده جاز ان يخرج بنت مخاض مع ما ذكرنا وهذه صور النزول وجملة ذلك تفصيل قوله في الكتاب وجبران كل مرتبة في السن إلى قوله اعطى وصفة شاه الجبران ما ذكرنا في الشاة المخرجة عما دون خمس من الابل في اشتراط الانوثة إذا كان المعطى هو المالك الوجهان المذكوران في تلك الشاة والدراهم التى يخرجها هي البقرة قال في النهاية وكذلك دراهم الشرعية حيث وردت فإذا احتاج الامام والي اعطاء الجبران ولم يكن في بيت المال دراهم باع شيئا من مال المساكين وصرفه إلى الجبران والي من تكون الخيرة في تعيين الشاة أو الدراهم نص في المختصر علي ان الخيرة إلى المعطى سواء كان هو الساعي أو المالك وعن الاملاء قول آخر ان الخيرة للساعي يأخذ الاغبط منها للمساكين وللاصحاب فيه طريقان مذكوران في النهاية (أحداهما) ان المسألة علي قولين (أصحهما) ان الخيرة للمعطى لقوله صلي الله عليه سلم (وأخرج معها شاتين أو عشرين درهما) وهذا تخيير للمخرج فان كان الساعي هو المعطي راعى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 361 مصلحة المساكين (والثاني) أن الخيار الي الساعي كالخيار في المأتين بين الحقاق وبنات اللبون علي الظاهر (والطريقة الثانية) وبها قال الاكثرون إن الخيرة الي المعطي بلا خلاف وما ذكرناه في الكتاب يجوز ان يكون جوابا علي هذه الطريقة ويجوز ان يكون جوابا علي الصحيح مع تسليم الخلاف وهو الذى ذكره في الوسيط وإذا فقد السن الواجبة وأمكن الصعود والنزول فالي من الخيار فيهما فيه وجهان (احدهما) إلى الساعي كما في تخيبره بين الحقاق وبين بنات اللبون في المائتين من الابل (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب الي المالك لان الصعود والنزول شرعا تخفيفا عليه فيفوض الا مر إلى خيرته وموضع لا وجهين ما إذا طلب المالك خلاف الاغبط للمساكين فان كان الاغبط ما يطلبه فلا خلاف وعلي الساعي مساعدته وهذا عند الصحة والسلامة فاما إذا كان الواجب مريضا أو معيبا لكون ابله مراضا أو معيبة فاراد الصعود وطلب الجبران مثل ان يجب بنت مخاض معيبة فارتقى الي بنت لبون معيبة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 362 وطلب الجبران فيبنى ذلك علي الوجهين ان قلنا الخيار الي الساعي فلو رأى الساعي الغبطة فيه جاز وان فرعنا علي الصحيح وهو تفويض الخيار إلى المالك فينبغي في هذه الحالة ان لا يفوض الخيار إليه علله جماعة منهم صاحب الكتاب بان الجبران المأخوذ قد يزيد علي المعيب المدفوع ومقصود الزكاة افادة المساكين لا الاستفادة منهم واحسن منه ما أشار إليه العراقيون فقالوا لو صرف إليه الجبران اما ان يصرف إليه الجبران المشروع بين الصحيحين أو غيره (والاول) ممتنع لان قدر التفاوت بين الصحيحين فوق قدر التفاوت بين المريضين فما يدفع إليه لا علي التفاوتين كيف يدفع لادناهما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 363 (والثاني) ممتنع لانه لا نظر الي القيمة في الزكوات عندنا ولم يرد نص فنتبعه ولو اراد أن ينزل من السن المريضة أو المعيبة الي سن ناقصة دونها ويبذل الجبران فهذا لا منع منه لانه تبرع بزيادة لان ما يعطيه من الجبران هو الجبران المشروع بين الصحيحين * قال: (ولو اخرج بدل الجذعة ثنية لم يكن له جبران علي أظهر الوجهين لانه جاوز اسنان الزكاة ولو كان عليه بنت لبون فلم بحدوا في ماله حقة وجذعة فرقى الي الجذعة لم يجز علي اظهر الوجهين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 364 لانه كثر الجبران مع الاستغناء عنه ولو أخرج عن جبران واحد شاة وعشرة دراهم لم يجزو لو أخرج عن جبرانين شاتين وعشرين در هما جاز) * في الفصل مسائل (احداها) لو وجب عليه جذعة فاخرج مكانها ثنية ولم يطلب جبرانا جاز وقد زاد خيرا ولو طلب الجبران فوجهان (أحدهما) يجوز لزيادتها في السن كما في سائر المراتب والي هذا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 365 يميل كلام العراقيين وهو ظاهر النص (وأظهرهما) عند المنف وصاحب التهذيب المنع لان المؤدى ليس من أسنان الزكاة فاشبه ما لو أخرج فصيلا لم يبلغ أسنان الزكاة مع الجبران لا يجوز (الثانية) كما يجوز الصعود والنزول بدرجة واحدة يجوز بدرجتين مثل أن يعطى مكان بنت اللبون جذعة عند الجزء: 5 ¦ الصفحة: 366 فقدها وفقد الحقة ويأخذ جبرانين أو يعطى بدل الحقة بنت مخاض عند فقدها مع جبرانين وكذلك بثلاث جبرانات أو يعطى مكان الجذعة عند فقدها وفقد الحقة وبنت اللبون بنت مخاض مع ثث جبرانات أو يعطى مكان بنت المخاض عند فقدها وفقد بنت اللبون والحقة جذعة ويأخذ ثلاث جبرانات وهل يجوز الصعود والنزول بدرجتين مع القدرة على الدرجة القربي كما إذا لزمته بنت لبون فلم يجدها في ماله ووجد حقة وجذعة فرقى الي الجذعة فيه وجهان (أحدهما) يجوز كما لو لم يجد الحقة فانها ليست واجب ماله فوجودها وعدمها بمثابة واحدة وهذا ما ذكره القاضي ابن كج ونسبه الامام الي القفال رحمه الله (وأصحهما) عند الاكثرين المنع للاستغناء عن أخذ الجبرانين ببذل الحقة وموضع الوجهين ما إذا رقى إلى الجذعة وطلب جبرانين اما لو رضى جبران واحد فلا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 367 خلاف في الجواز ويجرى الخلاف في النزول من الحقة الي بنت المخاض مع وجود بنت اللبون ولو لزمته بنت اللبون فلم يجدها في ماله ولا حقة ووجد جذعة وبنت مخاض فهل يجوز أن يترك النزول الي بنت المخاض ويرقى الي الجذعة فيه وجهان مرتبان وأولي بالجواز وبه أجاب الصيدلانى لان بنت المخاض وان كانت أقرب إلا أنها ليست في الجهة المعدول إليها (الثالثة) لو أخرج المالك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 368 عن جبرانين شاتين وعشرين درهما جاز كما يجوز اطعام عشرة مساكين في كفارة يمين وكسوة عشرة في أخرى ولو أخرج عن جبران واحد شاة وعشرة دراهم لم يجز لان الجبر يقتضي التخيير بين شاتين وعشرين درهما فلا تثبت خيرة ثالثة كما أن في الكفارة الواحدة لا يجوز أن يطعم خمسة ويكسو خمسة ولو كان المالك هو الآخذ ورضي بالتفريق جاز فانه حقه وله اسقاطه اصلا ورأسا * (فرع) لو لزمته بنت لبون فلم يجدها في ماله ووجد ابن لبون وحقة فاراد أن يعطي ابن اللبون مع الجبران هل يجوز فيه وجهان نقلهما القاضي ابن كج وغيره وجه الجواز أن الشرع نزله منزلة بنت المخاض حيث أقامه مقامها في خمس وعشرين قال في العدة: والاصح المنع (وأعلم) أن الجبران لا مدخل له في زكاة البقر والغنم لان السنة لم ترد به الا في الابل وليس هو بموضع القياس والله أعلم * قال (النظر الخامس في صفة المخرج في الكمال والنقصان والنقصان خمسة (الاول) المرض فان كان كل المال مراضا أخذ (م) منه مريضة وان كان فيها صحيح لم يؤخذ إلا صحيحة نقرب قيمتها من ربع عشر ماله إذا كان ماله أربعين شاة) * هذا النظر لا يختص بزكاة الابل ومقصوده الكلام في صفة المخرج في الكمال والنقصان ومن الصفات ما يعد في هذا الباب نقصانا وهو كمال في غيره كالذكور لان الاناث في مظنة الدر والنسل فهي أرفق بالفقراء ثم جعل أسباب النقصان خمسة (أحدها) المرض فان كانت ماشيته كلها مراضا لم يكلفه الساعي إخراج صحيحة وعن مالك انه يكلفه ذلك * لنا ان ماله ردئ فلا يلزمه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 369 إخراج الجيد كما في الحبوب ثم المأخوذ من المراض الوسط جمعا بين الحقين ولو انقسمت الماشية الي صحاح ومراض فاما أن يكون الصحيح منها قدر الواجب فصاعدا أو كان دونه فان كان قدر الواجب فصاعدا لم يجز اخراج المريضة لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال: (لا تؤخذ في الزكاة هرمة ولا ذات عوار) فان كانت المريضة ذات عوار فالنص مانع منها والا فهى مبنية عليها وقضية ذلك ان لا تؤخذ المريضة أصلا. خالفنا فيما إذا كانت ماشيته كلها مراضا فيبقى الباقي علي قضية الدليل هذا إذا وجب حيوان واحد فان وجب اثنان ونصف ماشيته مراض كبنتي لبون في ست وسبعين وشاتين في مائتين من الشياه فهل يجوز أن يخرج صحيحة ومريضة فيه وجهان حكاهما في التهذيب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 370 (أظهرهما) عنده نعم (وأقربهما) إلي كلام الاكثرين لا وان كان الصحيح منها دون قدر الواجب كما إذا وجب شاتان في مائتي شاة وليس فيها إلا صحيحة فوجهان (أحدهما) ويحكي عن الشيخ أبى محمد أنه يجب عليه صحيحتان ولا يجزئه صحيحة ومريضة لان المخرجتين كما يزكيان ماله يزكي كل واحد منهما الاخرى فيلزم ان تزكي المريضة الصحيحة وهو ممتنع (وأصحهما) ولم يذكر العراقيون والصيدلانى غيره أنه يجزئه صحيحة ومريضة لان امتناع اخراج المراض مقدر بقدر وجود الصحاح الا ترى ان ماشيته لو كانت مراضا باسرها جاز له اخراج محض المراد فالمطلوب أن لا يخرج مريضة ويستبقي صحيحة كيلا يكون متيمما بخبيث ماله لينفق منه وإذا أخرج صحيحة من المال المنقسم الي الصحاح والمراض فلا يجب أن تكون من صحاح ماله ولا مما يساويها في القيمة ولكن يؤخذ صحيحة لائقة بماله (مثاله) اربعون شاة نصفها صحاح وقيمة كل صحيحة ديناران وقيمة كل مريضة دينار يخرج صحيحة بقيمة نصف صحيحة ونصف مريضة وذلك دينار ونصف ولو كان الصحاح منها ثلاثين والقيمة ما ذكرناه أخرج صحيحة بقيمة ثلاثة أرباع صحيحة وربع مريضة وهو دينار ونصف وربع ولو لم يكن فهيا الاصحيحة اخرج صحيحة بقيمة تسعة وثلاثين جزءا من أربعين من مريضة وجزء من أربعين من صحيحة وذلك دينار وربع عشر دينار وجميع ذلك ربع عشر المال على ما قال في الكتاب تقرب قيمتها من ربع عشر مالله إذا كان ماله أربعين شاة واعرف في هذا اللفظ شيئين (أحدهما) ان قوله تقرب قيمتها يشعر بان الامر في ذلك علي التقريب وهذا لم أره في كلام غيره ولا ينبغى أن يسامح بالنقصان والبخس (والثانى) الذى ذكرناه من طريق التقسيط هوما أورده الجزء: 5 ¦ الصفحة: 371 أكثر الاصحاب وهو يتضمن النظر الي آحاد الماشية ولا يستمر الا فيما إذا استوت قيم الصحاح وقيم المراض وقد تكون مختلفة القيمة ولفظ الكتاب يعنى عن النظر إلى الآحاد ورأيت القاضى ابن كج رواه عن أبي اسحق فمتى قوم جملة النصاب وكانت الصحيحة المخرجة ربع عشر القيمة كفي ثم لا يخفى أن هذا في الشاة مع الاربعين فان ملك مائة واحدى وعشرين شاة فينبغي أن تكون قيمة الشاتين قدر جزء من مائة وإحدى وعشرين من قيمة الجملة وان ملك خمسا وعشرين من الابل فينبغي أن تكون الناقة المأخوذة بالقيمة جزءا من خمسة وعشرين جزءا من قيمة الكل وقس على هذا سائر النصب وواجباتها (ومن الامثلة) في الباب لو ملك ثلاثين من الابل نصفها صحاح ونصفها مراض وقيمة كل صحيحة اربعة دنانير وقيمة كل مريضة ديناران يجب عليه صحيحة بقيمة نص صحيحة ونصف مريضة وهو ثلاثة دنانير أورده صاحب التهذيب وغيره ولك أن تقول هلا كان هذا ملتفتا علي أن الزكاة هل تنبسط على الوقص ام لا فان انبسطت فذاك والا قسط المأخوذ على الخمس والعشرين * قال (الثاني العيب فان كان كل المال معيبا أخذ منه معيبة وان كان فيها سليمة طلبنا سليمة تقرب قيمتها من ربع عشر ماله وان كان الكل معيبا وبعضه اردا أخذ الوسط مما عنده) * الكلام في العيب كالكلام في المرض سواء تمحضت الماشية معيبة أو انقسمت إلى سليمة ومعيبة (وأعلم) قوله أخرج الوسط مما عنده بالواو وليس هذا الاعلام للخلاف الذى يو همه نظم الوسيط ولكنه يصح لغيره (اما) أنه ليس لما يوهمه نظم الوسيط (فلانه) لا خلاف في ذلك الوجه ولا عبرة بايهامه بيانه أنه قال في الوسيط قال الشافعي رضى الله عنه يخرج أجود ما عنده وقال الاصحاب يأخذ الوسط بين الدرجتين وهو الاصح فاوهم أن في المسالة خلافا وأراد بما نقله عن الشافعي رضى الله عنه ما رواه المزني في المختصر حيث قال ويأخذ خير المعيب لكن الاصحاب متفقون على أنه مأول منهم من قال أراد بالخير الوسط ومنهم من قال غير ذلك ولم يثبتوا خلافا بحال (وأما) أنه يصح لغير ذلك (فلان) امام الحرمين حكي وجها فيما إذا ملك خمسا وعشرين من الابل معيبة وفيها بنتا مخاض احدا هما من أجود المال مع العيب والاخرى دونها (احدهما) أنه يأخذ التى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 372 هي أجود (وأصحهما) أنه يأخذ الوسط وذكر ان من قال بالاول شبه المسألة باخذ الاغبط من الحقاق وبنات اللبون إذا اجتمع الصنفان في المالين ثم العيب المرعي في الباب ماذا فيه وجهان (أصحهما) ما ثبت الرد به في البيع (والثاني) هذا مع ما يمنع الاجزاء في الضحايا * قال (الثلث الذكورة فان كان في ماله انثى أو كان الكل أناثا لم يؤخذ الا الانثى لو رود النص بالاناث وان كان الكل ذكورا لم يؤخذ الذكر أيضا على أظهر الوجهين لظاهر النص) * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 373 غرض الفصل يتصح بتفصيل أجناس النعم اما الابل فان تمحضت اناثا أو انقسمت الي انااث وذكور فلا يجوز فيها اخراج الذكر الا في خمس وعشرين فانه يجزئ فيها ابن لبون عند عدم بنت المخاض وان كانت كلها اناثا وذلك في المستثني والمستثنى منه مأخوذ من النص علي ما تقدم وإن تمحضت ذكورا فهل يحوز أخذ الذكر فيه وجهان (أحدهما) وبه قال ابن سلمة وأبو إسحق لا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 374 ويروى هذا عن مالك لان النص ورد بالاناث من بنت المخاض وبنت اللبون وغيرهما فلا عدول عنها وعلى هذا فلا يؤخذ منها أنثى كانت تؤخذ لو تمحضت ابله اناثا بل تقوم ماشيته لو كانت اناثا وتقوم الانثى المأخوذة مننها ويعرف نسبتها من الجملة ثم تقوم ماشيته الذكور ويؤخذ منها أنثى قيمتها ما تقتضيه النسبة وكذلك الانثي المأخوذة من الاناث والذكور تكون دون الانثى المأخوذة من محض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 375 الاناث وطريق التقسيط ما ذكرناه في المراض (وأظهر هما) وبه قال اببن خيران ويروى عن نصه في الام أنه يجوز أخذ الذكور منها كما يجوز أخذ المريضة من المراض والمعنى فيه أن في تكليفه الشراء حرجا وتشديدا وأمر الزكاة مبنى علي الرفق ولهذا شرع الجبران ومنهم من فصل فقال إن أدى أخذ الذكور الي التسوية بين نصابين لم يؤخذ وإلا فيؤخذ (بيانه) يؤخذ ابن مخاض من خمس وعشرين وحق من ست وأربعين وجذع من إحدى وستين وكذا يؤخذ الذكر إذا زادت الابل واختلف الفرض بزيادة العدد ولا يؤخذ ابن لبون من ست وثلاثين لان ابن اللبون مأخذ من خمس وعشرين عند فقد بنت المخاض فيلزم التسوية بينهما ومن قال بالوجه الثاني قال لا تسوية لا في كيفية الاخذ ولا في المأخوذ (أما) في كيفية الاخذ (فلان) أخذ ابن اللبون من ست وثلاثين مشروط بعدم بنت اللبون لا بعدم بنت المخاض وأخذه من خمس وعشرين مشروط بعدم بنت المخاض لا بعدم بنت اللبون (وأما) في المأخوذ (فلان) عندي يؤخذ من ست وثلاثين ابن لبون فوق ابن اللبون المأخوذ من خمس وعشرين ويعرف ذلك بالتقويم والنسبة (وأما) البقر فالتبيع مأخوذ منها في مواضع وجوبه وجب واحد منه أو عدد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 376 للنص الذى رويناه ولا فرق بين أن تتمحض اناثا أو ذكورا أو تنقسم إلى النوعين وحيث تجب المسنة فهل يؤخذ السن منها ان تمحضت اناثا أو انقسمت الي ذكور واناث فلا وان تمحضت ذكورا فوجهان كما في الابل وأما الغنم فان تمحضت اناثا أو كانت ذكورا واناثا لم يجز فيها الذكر خلافا لا بي حنيفة حيث قال يؤخذ الذكر منها مكان الانثى وسلم في الابل أنه لا يؤخذ الا على طريق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 377 اعتبار القيمة علي اصله في دفع القيم لنا قياس الغنم علي الابل وايضا فقد روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (لا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس) وان تمحضت ذكورا فطريقان (أحدهما) القطع بانه يؤخذ الذكر منها (والثاني) طرد الوجهين المذكورين في الابل والاول هو ما اورده الاكثرون وفرقوا بان أخذ الذكر منها لا يؤدى إلى التسوية بين نصابين فان الفرض فيها يتغير بالعدد وفي الابل يؤدى الي التسوية بين القليل والكثير لان الفرض فيها يتغير بالسن أولا كما سبق وعد بعد هذا إلي لفظ الكتاب واعلم قوله لم يؤخذ الا الانثى بالحاء فان عند ابي حنيفة رحمه الله يؤخذ الذكر علي ما بيناه ولفظ الكتاب وان كان مطلقا ولكن لابد من استثناء أخذ التبيع في مواضع وجوبه عنه وكذلك أخذ ابن اللبون بدلا عن بنت مخاض وذكروا وجهين فيما إذا اخرج عن اربعين من البقر أو خمسين (اظهرهما) عند الاكثرين الجواز لان اخراجهما عن ستين جائز فعما دونها اجوز فعلى هذا تستثنى هذه الصورة ايضا (وقوله) لم يأخذ الذكر أيضا يجوز أن يعلم بالالف لان ظاهر كلام احمد فيما رواه اصحابه انه يجوز أخذه وقوله على احد الوجهين بالواو لان اللفظ يشمل الغنم وغيرها وفي الغنم طريقة اخرى قاطعة بالجواز * قال (الرابع الصغر فان كان في المال كبيرة لم يأخذ الصغيرة فان كان الكل صغارا كالسخال والفصلان اخذنا الصغيرة وقيل لا تؤخذ في الابل لانه في الابل يؤدى الي التسوية بين القليل ولا كثير وقيل يؤخذ في غير الابل وفى الابل فبما جاوز احدى وستين ولا يؤخذ فيما دونه كيلا يؤدى إلى التسوية) * الماشية اما ان تكون كلها أو بعضها في سن الفرض أولا يكون شئ منها في تلك السن وحينئذ اما أن تكون في سن فوقها أودنها فهذه ثلاث أحوال (الحالة الاولي) أن تكون كلها أو بعضها في سن الفرض فيؤخذ لواجبها ما في سن الفرض ولا يؤخذ ما دونه ولا يكف بما فوقه (اما) الاول فللنصوص المقتضية لوجوب الاسنان المقدرة (واما) الثاني (فلما) فيه من الاجحاف والاضرار بالمالك وقد روى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 378 أن عمر رضى الله عنه قال لساعيه سفيان بن عبد الله الثقفى رحمه الله (اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي علي يده ولا تأخذها ولا تأخذ الاكول والربئ والماخض ولا فحل الغنم وخذ الجذعة والثنية فذلك عدل بين غذاء المال وخياره) الاكولة هي المسمنة للاكل في قول ابى عبيدة وقال شم اكولة غنم الرجل الخصى والهرمة والعاقر والربئ هي الشاة الحديثة العهد بالنتاج ويقال هي في ربائها كما يقال المرأة في نفاسها والجمع رباب بالضم والماخض الحامل وفحل الغنم الذكر المعد للضراب والغذاء السخال الصغار جمع غذى وهذه التى فسرناها لو تبرع بها المالك اخذت الا فحل الغنم ففيه ما ذكرنا في أخذ الزكاة (الحالة الثانية) أن تكون كلها في سن فوق سن الفرض فلا يكلف باخراج شئ منها بل يحصل السن الواجبة ويخرجها وله الصعود والنزول في الابل كما سبق (والحالة الثالثة) أن يكون الكل في سن دونها وقد يستبعد تصوير هذه الحالة ببادى الرأى فيقال لا شك ان المراد من الصغر هو الانحطاط عن السن المجزئة ومعلوم ان احد شروط الزكاة الحول واذ حال الحول فقد بلغت الماشية حد الاجزاء والاصحاب صورها فيما إذا حدثت من الماشية في أثناء الحول فصلان أو عجول أو سخال ثم ماتت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 379 الامهات كلها وتم حولها وهى صغار بعد وهذا مبني علي ظاهر المذهب في ان الحول لا ينقطع بموت الامهات بل تجب الزكاة في النتاج إذا كان نصابا عند تمام حول الاصل وبه قال مالك وذهب أبو القاسم الانماطى من أصحابنا إلي أن الامهات مهما نقصت عن النصاب انقطع حول النتاج فضلا من ان لا يبقى منها شئ فعلي قوله لا تتصور هذه الحالة الثالثة من هذا الطريق وكذلك لا يتصور عند أبى حنيفة رحمه الله لانه شرط بقاء شئ من الامهات ولو واحدة وان لم يشترط بقاء النصاص وعن احمد رحمه الله روايتان (أصحهما) كمذهبنا (والاخرى) كمذهب ابى حنيفة رحمه الله وسيأتي هذا الاصل بشرحه في شرط الحول ان شاء الله تعالي ويمكن ان تصور هذه الحالة في صورة أخرى وهى ان يملك نصابا من صغار المعزو يمضى عليها حول فتجب فيها الزكاة وان لم تبلغ سن الاجزاء فان الثنية من المعز على أظهر الاوجه التى سبقت هي التى لها سنتان وهذه الصورة لا تستمر على مذهب أبى حنيفة رحمه الله أيضا لان عنده لا ينعقد الحول علي الصغار من المواشي وانما يبتدئ الحول من وقت زوال الصغر إذا عرف التصوير ففيما يؤخذ وجهان وقال صاحب التهذيب وغيره قولان (القديم) أنه لا يؤخذ الا كبيرة لان الاخبار الواردة في الباب تقتضي ايجاب الاسنان المقدرة من غير فرق بين ان تكون الماشية صغارا أو كبارا وعلي هذا تؤخذ كبيرة هي دون الكبيرة المأخوذة من الكبار في القيمة وكذا إذا انقسم ماله إلى صغار وكبار يأخذ الكبيرة بالقسط علي ما سبق في نظائره فان لم توجد كبيرة بما يقتضيه التقسيط يؤخذ منه القيمة للضرورة ذكره المسعودي في الافصاح (والجديد) أنه لا يشترط كونها كبيرة بل يجوز أخذ الصغيرة من الصغار كما يجوز أخذ المريضة من المراض وعلي هذا فتؤخذ مطلقا أم كيف الحال قطع الجمهور بأخذ الصغيرة من الصغار في الغنم وذكروا في البقر والابل ثلاثة أوجه (أحدها) وبه قال أبو العباس وأبو إسحق انه لا يؤخذ منها الصغار لانا لو أحذنا لسوينا بين ثلاثين من البقر واربعين في أخذ عجل وبين خمس وعشرين من الابل واحدى وستين وما بينهما من النصابين في اخذ فصيل ولا سبيل الي التسوية بين القليل والكثير بخلاف ما في الغنم فان الاعتبار فيها بالعدد فلا يؤدى أخذ الصغار إلى التسوية وعلي هذا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 380 فتؤخذ كبيرة بالقسط على ما سبق في نظائره ولا يكلف كبيرة تؤخذ من الكبار (والوجه الثاني) انه لا يؤخذ الفصيل من احدى وستين فما دونها لان الواجب فيها واحد واختلافه بالسن فلو أخذنا فصيلا لسوينا بين القليل والكثير اما إذا جاوز ذلك فالاعتبار بالعدد فاشبه الغنم وكذلك البقر (والثالث) انه يؤخذ الصغار منهما مطلقا اعتبارا بجنس المال كما يؤخذ من الغنم لكن يجتهد الساعي ويحترز عن التسوية فيأخذ من ست وثلاثين فصيلا فوق الفصيل المأخوذ من خمس وعشرين ومن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 381 ست وأربعين فصيلا فوق المأخوذ من ست وثلاثين وعلى هذا القياس والله أعلم * ولنبين ما في الكتاب من هذه الاختلافات والاظهر منها (قوله) أخذنا الصغيرة هو الوجه الاخير المجوز لاخذ الصغار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 382 من الغنم وغير الغنم وايراد يشعر بترجيحه ذكر صاحب التهذيب وآخرون أنه الاصح وليكن قوله أخذنا معلم بالميم والحاء (اما) بالميم (فلان) عنده لا تؤخذ الا الكبيرة (واما) بالحاء (فلان) عنده لا تؤخذ الصغيرة ولا الكبيرة ولا زكاة في الصغار كمل سبق بيانه (وقوله) وقيل لا يؤخذ هو المحكي عن القديم الصائر الي المنع مطلقا وأراد بقوله لانه في الابل يؤدى الي التسوية أنا لو أخذنا الصغيرة لاخذناها من الابل ايضا كالمريضة والمعيبة حيث؟ تؤخذ تؤخد في غير الابل من جميع النعم ولو أخذنا من الابل لزم التسوية بين القليل والكثير فامتنع الاخذا أصلا ورأسا وقوله وقيل يؤخذ في غير الابل إلى آخره هو الوجه الثاني من الوجوه التى بيناها علي الجديد وزيفه الائمة من وجهين (أحدهما) أن التسوية التى تلزم في إحدى وستين فما دونها تلزم في ست وسبعين واحدى وتسعين أيضا فان الواجب في ست وسبعين بنتا لبون وفي احدى وتسعين حقتان فإذا أخذنا فصيلين من هذا ومن ذاك فقد سوينا بينهما لا فرق إلا ان المأخوذ قبل مجاوزة إحدى وستين وحدا وبعد مجاوزتها اثنان فان وجب الاحتراز عن تلك التسوية فكذلك عن هذه (والثانى) أن هذه التسوية تلزم في البقر بين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 383 الثلاثين والاربعين وعبر قوم من الاصحاب عن هذا الوجه بعبارة أخرى تدفع هذين الالتزامين وهى ان الصغيرة تؤخذ حيث لا يؤدى أخذها الي التسوية بين القيل والكثير ولا تؤخذ حيث يؤدى أخذها إلى التسوية وهكذا ذكر المصنف في الوسيط والامام في النهاية (وقوله) ولا يؤخذ فيما دونه يجوز ان يعلم بالواو لان صاحب التهذيب خص وجه المنع بالست والثلاثين والست والاربعين فما فوقهما وجوز اخراج فصيل من خمس وعشرين إذ ليس في تجويزه وحده تسوية وفي كلام الصيدلانى مثل ذلك * قال (الخامس راداءة النوع فان كان الكل معزا أخذ المعز وإن اختلف فقولان (أحدهما) أنه ينظر إلى الاغلب وعند التساوي يراعى الاغبط للمساكين (والثاني) أنه يأخذ من كل جنس بقسطه) * نوع الجنس الذى يملكه من الماشية ان اتحد أخذ الفرض منها كما إذا كانت إبله ارحبية كلها أخذ الفرض منها وان كانت مهرية أخذ الفرض منها وان كانت غنمه ضأنا أخذ الضأن وان كانت معزا أخذ المعز وذكر في التهذيب في ذلك وجهين في أنه هل يجوز أن يؤخذ ثنية من المعز باعتبار القيمة عن اربعين ضأنا أو جذعة من الضأن عن اربعين معزا (احدهما) لا كما لا يجوز البقر عن الغنم (واصحهما) نعم لاتفاق الجنس كالمهرية مع الارحبية * وحكي عن القاضى حسن أنه يحتمل ان لا يؤخذ المعز من الضأن ويؤخذ الضأن من المعز لان المعز دون الضان كما تؤخذ المهرية عن المجيدية ولا تؤخط المجيدية عن المهرية وكلام امام الحرمين رحمه الله يقرب من هذا التفصيل فانه قال الضأن اشرف من المعز فلو ملك اربعين من الضأن الوسط فاخرج ثنية من المعز الشريفة وهى تساوى جذعة من الضأن الذى يملكه فهذا محتمل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 384 والظاهر اجزاؤها وان اختلف نوع الجنس الذى يمكله من الماشية كالمهرية والارحبية من الابل والعراب والجواميس من البقر والضأن والمعز من الغنم فيضم البعض إلي البعض لاتحاد الجنس وفي كيفية أخذ الزكاة منها قولان مشهوران (احدهما) انها تؤخذ من الاغلب لان النظر إلى كل نوع مما يشق فيتبع الاقل الاكثر ولو استوى النوعان أو الانواع في المقدار فقد قال في النهاية تفريعا علي هذا القول انه عند الائمة بمثابة ما لو اجتمع في المائتين من الابل الحقاق وبنات اللبون فظاهر المذهب ان الساعي يأخذ الاغبط للمساكين وهو المشهور والمذكور في الكتاب ومن قال ثم الخيرة إلى المالك فكذلك يقول ههنا فيجوز ان يرقم لهذا قوله وعند التساوي يراعي الاغبط بالواو والقول (الثاني) وهو الاظهر انه يؤخذ من كل نوع بالقسط رعاية للجانبين وليس معناه ان يؤخذ شقص من هذا وشقص من ذاك فانه لا يجزئ بالاتفاق ولكن المراد النظر الي الاصناف باعتبار القيمة علي ما سنبينه في الامثلة وإذا اعتبرت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 385 القيمة والتقسيط فمن أي نوع كان المأخوذ جاز هكذا قال الجمهور وقال ابن الصباغ ينبغى ان يكون المأخوذ من أعلي الانواع كما لو انقسمت ماشيته الي صحاح ومراض يأخذ بالحصة من الصحاح ولك أن تقول ورد النهى عن المريضة والمعيبة فلذلك لا نأخذها ما قدرنا على صحيحة وما نحن فيه بخلافه وفي المسألة قول ثالث محكى عن الام وهو أنه إذا اختلفت الانواع يؤخذ الفرض من الوسط كما في الثمار ولا يجئ هذا القول فيما إذا لم يكن الا نوعين ولا فيما إذا كانت أنواعا متساوية في الجودة والردءة وحكى القاضي ابن كج وجها وهو أنه يؤخذ من الاجود أخذا من نصه في اجتماع الحقاق وبنات اللبون ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب فقولان بالوا ولان القاضى أبا القاسم بن كج حكى عن أبى اسحق ان موضع القولين ما إذا لم يحتمل الابل أخذ واجب كل نوع لو كان وحده منه فان احتمل أخذ كذلك بلا خلاف مثل ان يملك مائتين من إلا بل مائة مهرية ومائة أرحبية فيؤخذ حقتان من هذه وحقتان من هذه المشهور طرد الخلاف علي ما يقتضيه لفظ الكتاب ونوضح القولين بمثالين (احدهما) له خمس وعشرون من الابل عشرة مهرية وعشرة ارحبية وخمسة مجيدية فعلى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 386 القول الاول تؤخذ بنت مخاض أرحبية أو مهرية بقيمة نصف أرحبيه ومهرية لان هذين النوعين اغلب ولا نظر الي المجيدية وعلي الثاني يؤخذ بنت مخاض من أي الانواع أعطى بقيمة خمس مهرية وخمس ارحبية وخمس مجيدية فإذا كانت قيمة بنت مخاض مهرية عشرة وقيمة بنت مخاض مجيدية ديناران ونصف فيأخذ بنت مخاض من أحد أنواعها قيمتها ستة ونصف وهى خمسا عشرة وخمسا خمسة وخمس دينارين ونصف وصور بعضهم قيمة المجيدية أكثر وذلك فرض في ابل الشخص على الخصوص والا فالمجيدية ارادأ الانواع الثلاثة وغرض التمثيل لا يختلف (والثانى) له ثلاثون ماعزة وعشر من الضأن فعلي القول الاول يؤخذ ثنية من المعز قال في النهاية ويكتفى بماعزة كما يأخذها لو كانت غنمه كلها معزا وعلي عكسه لو كانت ثلاثون منها ضأنا أحذنا جذعة من الضأن كنا نأخذها لو تمحضت غنمه ضأنا وعلي القول الثاني يخرج ضأنه أو ما عزه بقيمة ثلاثة ارباع ما عزه وربع ضانه في الصورة الاولى وبقيمة ثلاثة أرباع ضأنه وربع ما عزه في الصورة الثانية ولا يجئ قول اعتبار الوسط ههنا وعلي الوجه الذى رواه ابن كج يؤخذ من الاشرف فلا يخفى قياسها في المثال الاول * قال (هذا بيان النصاب ولا زكاة فيما دونه الا إذا تم بخلطة نصابا) * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 387 (باب صدقة الخلطاء) * وفيه خمسة فصول (الاول) في حكم الخلطة وشرطها وحكم الخلطة تنزيل المالين منزلة مال واحد فلو خلط اربعين باربعين لغيره ففى الكل شاة واحدة (ح) ولو خلط عشرين بعشرين لغيره ففى كل واحد نصف (م ح) شاة) * النظر في المواضع الخمسة كان معترضا في شرط النصاب فلما فرغ منها عاد الي القول في النصاب ولما كانت الزكاة قد تجب علي من لا يملك نصابا بسبب الخلطة وجب استثناؤها علي اشتراط النصاب فاستثنى ووصل به باب صدقة الخلطاء وهو من اصول أبواب الزكاة ودرج مقصوده في خمسة فصول (اولها) في حكم الخلطة وشرطها. أعلم أن الخطة نوعان حلطة اشتراك وخلطة جوار وقد يعبر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 388 عن الاولي بخلطة الاعيان والثانى بخلطة الاوصاف والمراد من النوع الاول ان لا يتميز نصيب احد الرجلين أو الرجل عن نصيب غيره كماشية ورثها اثنان أو قوم أو ابتاعوها معا فهى شائعة بينهم ومن النوع الثاني ان يكون مال كل واحد معينا متميزا عن مال غيره ولكن تجاورا تجاور المال الواحد علي ما سنصفه ولكلتى الخطتين اثر في الزكاة ويجعلان مال الشخصين أو الاشخاص الجزء: 5 ¦ الصفحة: 389 منزلة مال الشخص الواحد في الزكاة ثم تكثر الزكاة كما لو كان جملة المال أربعين من الغنم يجب فيها شاة ولو انفرد كل بنصيبه لما وجب شئ وقد تقل كما لو كان بينهما ثمانون مختلطة يجب فيها شاة ولو انفرد كل واحد باربعين لوجب على هذا شاة وعلى هذا شاة وحكى الحناطي وجها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 390 غريبا ان خلطة الجوار لا اثر لها وانما تؤثر خلطة لشيوع وعند أبي حنيفة رحمه الله لا حكم للخلطة أصلا وكل واحد يزكي زكاة الانفراد إذا بلغ نصبه نصابا وعند مالك لا حكم للخلطة الا إذا كان نصيب كل واحد منهما نصابا فلذلك اعلم قوله في الكتاب الا إذا تم بلخلطة نصابا بالحاء والميم وكذلك قوله في كل واحد نصف شاة وقوله في الكل شاة واحدة بالحاء وحده ومذهب احمد رحمه الله كمذهبنا والدليل عليه ما روى في حديث انس وابن عمر رضي الله عنهم ان النبي صلي الله عليه وسلم قال (ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين فانهما يتراجعان بينهما بالسوية) قال العلماء هذا نهى للساعي والملاك عن الجمع والتفريق اللذين يقصد بهما الساعي تكثير الصدقة والملاك تقليلها فجمع الساعي ان يكون لزيد عشرون من الغنم ولعمرو عشرون وهى متفرقة متميزة فاراد الساعي الجمع بينهما ليأخذ مها شاة وتفريقه أن يكون بينهما ثمانون مختلطة فاراد أن يفرق ليأخذ شاتين (وأما) جمع الملاك مثل أن يكون لزيد اربعون من الغنم ولعمرو اربعون متفرقة فأراد الجمع لئلا يأخذ الساعي منها الا واحدة وتفريقهم مثل ان يكون لهما اربعون مختلطة فاراد التفريق لئلا يأخذ منهما شيئا ولولا ان الخلطة مؤثرة لما كان لهذا الجمع والتفريق معني الجزء: 5 ¦ الصفحة: 391 قال (وشرط الخلطة اتحاد المسرح والمرعى والمراح والمشرع وكون الخليط اهلا للزكاة لا كالذمي والمكاتب وفي اشتراك الراعى والفحل والمحلب ووجود الاختلاط في اول السنة وجريان الاختلاط بالقصد واتفاق اوائل الاحوال خلاف) * نوعا الخلطة يشتركان في اعتبار شروط وتختص خلطة المجاورة بشروط زائدة فمن الشروط المشتركة أن يكون المجموع نصابا وفى لفظ الكتاب ما يدل علي اعتباره حيث قال الا إذا تم بخلطه نصابا فلو مالك زيد عشرين شاة وعمرو مثلها فخلطا تسع عشرة بتسع عشرة وتركا شاتين منفردتين فلا أثر لخلطتهما ولا زكاة أصلا (ومنها) أن يكون الخليطان من أهل وجوب الزكاة فلو كان أحد هما ذميا أو مكاتبا فلا أثر للخلطة بل ان كان نصيب الحر المسلم نصابا زكى زكاة الانفراد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 392 ولا فلا شئ عليه لان من ليس أهلا لوجوب الزكاة عليه لا يجوز ان يصير ماله سببا لتغيير زكاة المسلم (ومنها) دوام الخلطة في جميع السنة علي ما سيأتي شرحه (وأما) الشروط التي تختص خلطة الجوار باعتبارها (فمنها) اتحاد المرعي والمسرح والمراح والمشرع هذا لفظ الكتاب والمراد من اتحاد المشرع ان تسقى غنمهما من ماء واحد من نهر أو عين أو بئر أو حوض أو مياه متعددة ولا تخص غنم أحد هما بالسقى من موضع وغنم الآخر بالسقى من غيره والمراد بالمراح مأواها ليلا فلو كان يختص غنم أحد هما بمراح وغنم الآخر بمراح آخر لم تثبت الخلطة وإن كانا يخلطانها نهارا (واما) المرعى والمسرح (فلفظ) الكتاب يقتضي تغايرهما وكلام كثير من الائمة يوافقه ومنهم من يقتصر علي ذكر المسرح ويفسره بالمرعي ولفظ المختصر قريب منه وليس في الجقيقة اختلاف لكن الماشية إذا سرحت عن اماكنها تجئ قطعة قطعة وتقف في موضع فإذا اجتمعت امتدت الي المرعى وكان بعضهم اطلق اسم المسرح على ذلك الموضع وعلي المرتع نفسه لان الابل مسرحة الهيا ومنهم من خص اسم المسرح بذلك الموضع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 393 وانما شرط اتحاد المالين في هذه الامور ليجتمع اجتماع ملك المالك الواحد على الاعتياد وقد روى عن سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه انه سمع النبي صلي الله عليه وسلم يقول (لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجمتع خشية الصدقة والخليطان ما إذا اجتمعا في الحوض والفحل والراعي) فنص علي اعتبار الاجتماع في الحوض والرعي من الامور الاربعة وقيس عليها الباقي ومنها اشتراك المالين في الراعى حكي المصنف وشيخه وجهين (أظهرهما) أنه يشترط كالاشتراك في المراح والمسرح وأيضا فقد روى في بعض الروايات عن سعد بدل الرعي الراعي (والثاني) أنه ليس بشرط لان الافتراق فيه لا يرجع الي نفس المال فلا يضر بعد الاجتماع في المراح وسائر ما ذكرنا ولا شك في أنه لا بأس بتعدد الرعاة والخلاف في أنه هل يشترط أن لا تختص غنم أحدهما براع أم لا ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب في اشتراك الراعى بالواو لان كثيرا من الاصحاب نفوا الخلاف في اشتراطه (ومنها) الاشتراك في الفحل فيه وجهان كما في الراعي (أحدهما) أنه لا يعتبر ولا يقدح في الخلطة اختصاص كل واحد منهما بانزاء فحل علي ماشيته وهذا اصح عند المسعودي لكن يشترط كون الانزاء علي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 394 موضع واحد على ما سنذكره في الخلاف (وأظهرهما) ولم يذكر الجمهور سواه انه يعتبر لما ذكرنا في خبر سعد وعلي هذا فالمراد أن تكون الفحولة مرسلة بين ماشيتهما ولا يخص واحد منهما ماشيته بفحل سواء كانت الفحولة مشتركة بينهما أو مملوكة لا حدهما أو مستعارة وحكي الشيخ أبو محمد وغيره الجزء: 5 ¦ الصفحة: 395 وجها آخر انه يجب ان تكون مشتركة بينهما وضعفوه ولك أن تعلم لفظ الفحل بالواو لمثل ما ذكرنا في الراعى (ومنها) حكى في الكتاب في الاشتراك في المحلب خلافا وشرحه أن المزني روى في المختصر في شرائط الخلطة أنه يعتبر أن يحلبا معا وحكي مثله عن حرملة ورواية الزعفراني وليسن له ذكر في الام فاختلفوا منهم من أثبت قولين (احدهما) اعتباره كما في السقى والرعي (والثانى) المنع فانه ارتفاق وانتفاع فلا يعتبر الاجتماع فيه كما في الركوب ومنهم من قطع بنفى الاعتبار حكى الطريقتين القاضي ابن كج والظاهر الذي أورده الاكثرون وفرعوا عليه إنما هو الاعتبار ثم ههنا أشياء موضع يحلب فيه واناء يتقاطر فيه اللبن وهو المحلب وشخص يحلب ففيما ذا يعتبر الاشتراك أما الموضع فلابد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 396 من الاشتراك فيه كالمراح والمرعي فلو حلب هذا ماشيته في أهله وذك ماشيته في أهله لم يثبت حكم الخلطة وأما الحالب ففيه وجهان (أحدهما) أنه يعتبر الاشتراك فيه أيضا علي معني أنه لا يجوز أن ينفرد أحدهما بحالب يمنع عن حلب ماشية لآخر وهذا ما ذكره الصيدلانى (وأظهرهما) وبه قال أبو اسحق لا يعتبر ذلك كما في الجاز وفي الاشتراك في المحلب وجهان أيضا (أظهرهما) لا يعتبر الاشتراك فيه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 397 كما لا يعتبر الاشتراك في آلات الجز فان كل واحد منهما نوع انتفاع (والثانى) يعتبرو به قال أبو اسحق ههنا ومعناه أنه لا يجوز أن ينفرد أحد هما بمحلب أو محالب ممنوعة عن الثاني وعلي هذا فهل يشترط خلط اللبن أو يجوز أن يحلب احدهما في الاناء ويفرغه ثم يحلب الآخر فيه وجهان (أظهرهما) أنه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 398 لا يشترط ذلك فان لبن أحدهما قد يكون أكثر فإذا اختلطت امتنعت القسمة (والثانى) يشترط ثم يتسامحون في القسمة كما يخلط المسافرون ازوادهم ثم يأكلون وفيهم الزهيد والرغيب ومنهانية الخلطة وفي اشتراطها وجهان (أحدهما) انها تشترط لانها تغير امر الزكاة إما بالتكثير وإما بالتقليل ولا ينبغى أن يكثر من غير قصده ورضاه ولا أن يقل إذا لم يقصد محافظة علي حق الفقراء (وأظهرهما) أنها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 399 لا تشترط فان الخلطة إنما تؤثر من جهة خفة المؤنة باتحاد المرافق وذلك لا يختلف بلقصد وعدمه وهذان الوجهان كوجهين يأتيان في قصد الاسامة والعلف ويجريان غالبا فيما لو افترقت الماشية في شئ مما يعتبر الاجتماع فيه بنفسها أو فرقها الراعى ولم يشعر المالكان إلا بعد طول الزمان هل تنقطع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 400 الخلطة ام لا ولو فرقاها أو أحدهما قصدا في شئ من ذلك انقطع حكم الخلطة وإن كان يسيرا والتفرق اليسير من غير قصد لا يؤثر لكن لو اطلعا عليه فاقراها علي تفرقهما ارتفعت الخلطة ومهما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 401 ارتفعت الخلطة فعلى من كان نصيبه نصابا زكاة الانفراد إذا تم الحول من يوم الملك لا من يوم ارتفاعها وأما قوله ووجود الاختلاط في أول السنة وقوله واتفقاق أوائل الاحوال فهما المسألتان اللتان يشتمل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 402 عليهما الفصل الثالث ونشرحهما إذا انتهينا إليه والخلاف الذى ابهم ذكره في جميع الصور وجهان إلا في وجود الاختلاط في اول السنة فهو في هذه المسألة قولان ستعرفهما ولك ان تعلم قوله وشرط الجزء: 5 ¦ الصفحة: 403 الخلطة اتحاد المرعى والمسرح إلي آخره بالميم لان ابن الصباغ حكي عن أصحاب مالك اختلافا في الامور التي شرطناها في الخلطة فمنهم من شرط اجتماع المالين في امرين منها ومنهم من اعتبر الرعى والراعي ومنهم من اعتبر الرعي وامرا آخر ايما كان * قال (وفي تأثير الخلطة في الثمار الزرع ثلاثه أقوال فعلي الثلث تؤثر خلطة الشيوع دون الجوار ولا تؤثر خلطة الجوار في مال التجارة وفي الشيوع قولان) * لا خلاف عندنا في تأثير الخطة في المواشي وهل تؤثر في غير المواشى من الثمار والزروع والنقدين وأموال التجارة أما خلطة المشاركة ففيها قولان (القديم) وبه قال مالك وكذلك احمد في أصح الروايتين أنها لا تثبت بخلاف المواشى فان فيها أو قاصا فالخلطة تنفع المالك تارة والمسكين أخرى ولا وقص في المعشرات فلو أثبتنا الخلطة فيها لتمحضت ضررا في حق المالكين لانها تضر فيما إذا كان ملك كل واحد منهما دون النصاب ولا يثبت نفع بأزائه (واحتج له أيضا بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والرعي) فانه يقتضى حصر الخليطين في المجتمعين في هذه الامور وذلك لا يفرض الا في المواشي (والجديد) أنها تثبت لانهما كما يرتفقان بالخلطة في المواشى لخفة المؤنة باتحاد المرافق كذلك يرتفقان في غيرهما باتحاد الجرين والناطور والدكان والحارس والمتعهد وكراء البيت وغيرها * واحتج له باطلاق قوله صلي الله عليه وسلم ((لا يجمع بين متفرق ولا يفرق ببن مجتمع خشية الصدقة ((واما) خلطة المجاورة فان لم تثبت خلطة المشاركة فهذه اولي وإن أثبتنا تلك ففى هذه قولان ومنهم من يقول وجهان وذلك بأن يكون لكل واحد صف نخيل أو زرع في حائط واحد أو كيس دراهم في صندوق واحدأ وامتعة تجارة في خزانة واحدة (أصحهما) عند العراقيين وصاحب التهذيب والاكثرين أنها تثبت أيضا كما في المواشى وهذا الحصول حصول الارتفاق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 404 باتحاد الناطور والعامل والنهر الذى منه تسقى وباتحاد الحارث ومكان الحفظ وغيرها (والثانى) أنها لا تثبت لان كل نخلة متميزة بمكانها الذى تشرب منه فاشبه افتراق الماشية في الشرب ونسب القاضي ابن كج هذا إلى اختيار ابى اسحق والاول الي اختيار ابن ابى هريرة ولا فرق في جميع ما ذكرنا بين الثمار أو الزروع وبين النقدين واموال التجارة على المشهور وعن القفال طريقة أخرى وهي ان الخلاف في الثمار والزروع في الخلطتين جميعا وفي النقدين وأموال التجارة في خلطة المشاركة وحدها وفي خلطة الجوار نقطع بانها لا تثبت فيها وهذه الطريقة هي التي أوردها الشيخان الصيدلانى وأبو محمد وذكرها صاحب الكتاب فقال ولا تؤثر خلطة الجوار في مال التجارة وفي الشيوع قولان فاعلم قوله ولا تؤثر بالواو وقوله تؤثر خلطة الشيوع بالميم والالف لما قدمناه واعرف أنا حيث اثبتنا الخلاف وتركنا الترتيب حصلت ثلاثة أقوال كما ذكر في الكتاب (أحدها) تأثير الخلطتين (والثاني) المنع (والثالث) تأثير خلطة الشيوع دون الاخرى وفرعوا علي الصحيح وهو تأثير الخلطتين فروعا (منها) نخيل موقوفة على جماعة معينين في حائط واحد أثمرت خمسة أو سق لزمهم الزكاة وساعدنا مالك في هذه الصورة ويمثله لو وقف أربعين شاة علي جماعة معينين هل تحب عليهم الزكاة يبنى ذلك علي أن الملك في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 405 الوقف هل ينتقل إليهم (إن قلنا) لا فلا زكاة عليهم (وإن قلنا) نعم فوجهان (أصحهما) لا زكاة لنقصان ملكهم كما في ملك المكاتب (ومنها) لو استأجر اجيرا ليتعهد نخيله علي ثمرة نخلة بعينها بعد خروج ثمارها وقبل بدو الصلاح وشرط القطع لكن لم يتفق القطع حتي بدا الصلاح وكان مبلغ ما في الحائط نصابا وجب علي الاجير نصف عشر ثمرة تلك النخلة وإن قلت * قال ((الفصل الثاني في التراجع) وللساعي ان يأخذ من عرض المال ما يتفق ثم يرجع المأخوذ منه يقيمة حصة خليطه فلو خلط اربعين من البقر بثلاثين لغيره لم يجب علي الساعي اخذ المسنة من الاربعين والتبيع من الثلاثين بل يأخذ كيف اتفق فان اخذ كذلك فيرجع باذل المسنة بثلاثة اسباعها علي خليطه وباذل التبيع باربعة اسباعه على خليطه لان كل واحد من السنين واجب في الجميع علي الشيوع كأن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 406 المال ملك واحد) * روينا عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال (وما كانا من حليطين فانهما يتراجعان بينهما بالسوية) اخذ الزكاة من مال الخليطين يقتضى رجوع احدهما على صاحبه دون رجوع الآخر عليه وقد يقتضى التراجع بينهما وهو الذى تعرض له الخبر وقوله بالسوية حمله الائمة علي الحصة فإذا ملكا ما دون خمس وعشرين من الابل بينهما نصفين وأخذ الساعي واجبا من احدهما رجع بنصف قيمة المأخوذ علي صاحبه ولو كانت بينهما اثلاثا أو ارباعا فالرجوع بالسحاب ثم الرجوع والتزاجع يكثران في خلطة الجوار وإنما رسم الفصل في الكتاب للتراجع في هذه الخلطة وقد يتفقان قليلا في خلطة المشاركة أيضا على ما سنذكره آخرا وحكي المحاملي فيما يحمل عليه الخبر من الخلطتين قولين (الجديد) ان مطلق الخلطة ينصرف الي خلطة المشاركة (والقديم) أنه ينصرف إلى خلطة المجاورة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 407 وعليها حمل المعظم الخبر إذا عرفت هذه المقدمة فنتكلم في مقصود الفصل أولا ونقول: إذا اختلط المالان خلطة جوار بشرائطها ووجبت الزكاة نظر هل يمكن أخذ ما يخص مال كل واحد منهما لو انفرد من ماله ام لا فن لم يمن فللساعي أن يأخذ الفرض من أيهما شاء فان لم يجد سن الفرض بصفة الاجزاء إلا في مال أحدهما أخذه منه (مثاله) بينهما أربعون من الغنم بالسوية لا يمكن التشقيص فيأخذ شاة من ايهما اتفق ولو وجبت بنت لبون في إبلهما ولم يجدها إلا في مال أحدهما أخذها نه ولو كانت ماشية أحدهما مراضا أو معيبة أخذ الفرض من الآخر وان امكن أخذ ما يخص مال كل واحد منهما لو انفرد منه فوجهان (أحدهما) وبه قال أبو اسحق ياخذ كل واحد ما يخص ماله ولا يجوز غير ذلك اغناء لهما عن التراجع (وأصحهما) وبه قال ابن أبى هريرة والمعظم وهو المذكور في الكتاب ان له ان يأخذ من عرض المال ما يتفق ولا حجر عليه بل وإن أخذ كما ذكر صاحب الوجه الاول يبقي التراجع بينهما وذلك لان المالين عند الخلطة يتزلان منزلة المال لواحد ألا ترى ان الواجب يقل تارة ويكثر أخرى كما لو كان الكل لواحد وإذا كان كذلك فكل المأخوذ شائع في جميع المال وليس شئ منه بعينه عن شئ من المال بعينه والباقى عن الباقي (مثال) هذه الحالة التى فيها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 408 الوجهان ان تجب شاتان في الغنم المخلوطة وأمكن أخذ أحداهما من هذا والثانية من ذاك وكذلك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 409 لو كان بينهما سبعون من البقر أربعون لاحدهما وثلاثون للآخر وأمكن أخذ المسنة من الاربعين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 410 والتبيع من الثلاثين وكذلك لو كان بينهما مائة وثمانون من الابل مائة لاحدهما وثمانون للآخر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 411 وأمكن أخذ حقتين من الماثة وبني لبون من الثمانين ولا يخفى نظائره إذا تقرر ذلك فلنبين كيفية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 412 الرجوع والتراجع عند أخذ لزكاة علي الوجه المحوج لي أحدهما علي حسب الخلاف الذى حكيناه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 413 فنقول: إذا أخذ شة من أحد الخليطين عن أربعين من الغنم عشرون منها لهذا وعشرون للآخر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 414 رجع المأخوذ منه بنصف قيمة الشاة المأخوذة على الآخر ولا يرجع بنصف شاة لان الشاة ليست بمثلية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 415 ولو كانت ثلاثون لاحدهما وعشرة للآخر فان أخذ الشاة من صاحب الثلاثين رجع بربعها على الآخر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 416 ولا يرجع بنصف شاة وإن أخذها من الآخر ورجع بثلاثة ارباعها علي صاحب الثلاثين ولو كان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 417 بينهما مائة وخمسون شاة لا حدهما مائة وللآخر خمسون فأخذ الساعي الشاتين الواجبتين فيها من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 418 صاحب المأنة رجع علي الآخر بقيمة ثلث كل شاة ولا نقول بقيمة ثلثى شاة لان قيمة الشاتين تختلف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 419 وإن اخذها من صاحب الخمسين رجع علي الآخر بقيمة ثلثى شاة ولو اخذ من كل واحد شاة رجع صاحب المائة علي صاحب الخمسين بقيمة ثلث شاته وصاحب الخمسين علي صاحب المائة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 420 بقيمة ثلثى شاته ولو كان نصف الشياه لهذا ونصفها للآخر فكل واحد منهما يرجع علي الآخر بقيمة نصف شاته فان تساوت القيمتان خرج علي أقوال التقاص عند تساوى الدينين قدر أو جنسا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 421 ولو كان بينهما سبعون من البقر أربعون لاحدهما وثلاثون الآخر فالتبيع والمسنة واجبان عليهما علي صاحب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 422 الاربعين أربعة اسباعهما وعلى صاحب الثلاثين ثلاثة أسباعهما فلو أخذهما الساعي من صاحب الاربعين رجع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 423 بقيمة ثلاثة اسباعهما على الآخر ولو أخذهما من الآخر رجع بقيمة أربعة اسباعهما علي صاحب الاربعين ولو أخذ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 424 التبيع من صاحب الاربعين والمسنة من صاحب الثلاثين رجع صاحب الاربعين بقيمة ثلاثة أسباع التبيع على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 425 الآخر ورجع الآخر عليه بقيمة أربعة أسباع المسنة ولو أخذ المسنة من صاحب الاربعين والتبيع من الآخر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 426 رجع صاحب الاربعين بقيمة ثلاثة أسباع المسنة على الآخر ورجع الآخر عليه بقيمة أربعة اسباع التبيع وهذه الحالة الرابعة المذكورة في الكتاب ولك أن تعلم قوله من عرض المال ما يتفق بالواو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 427 وكذا قوله لم يجب علي الساعي اخذ المسنة وقوله بل يأخذ كيف اتفق وقوله فيرجع باذل المسنة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 428 للوجه المنسوب إلي ابى اسحق فان كان ذلك مشروط على ذلك الوجه بان لا يمكن اخذ ما يخص الجزء: 5 ¦ الصفحة: 429 كل واحد منهما لو انفرد منه علي ما سبق وقوله بثلاثة اسباعهما أي بقيمتها وكذا قوله بأربعة اسباعه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 430 ولو ظلم الساعي فأخذ من احد الخليطين والواجب شاة حبلي ربى أو ما خضا رجع المأخوذ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 431 منه على الآخر بنصف قيمة الواجب لا قيمة المأخوذ في الساعي ظلمه بالزيادة والمظلوم يرجع علي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 432 الظالم دون غيره فان كان المأخوذ باقيا في يد الساعي استرده وإلا استرد الفضل والفرض ساقط ولو أخذ القيمة في الزكاة أو اخذ من السخال كبيرة فهل يرجع علي خليطه فيه وجهان (أحدهما) وبه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 433 قال أبو اسحق في أخذ القيمة أنه لا يرجع (واصحهما) وبه قال ابن أبى هريرة يرجع لانهما من مسائل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 434 الاجتهاد فالقيمة مأخوذة عند أبى حنيفة ومالك والواجب في السخال كبيرة عند مالك ومنهم من خص الوجهين بمسألة القيمة وقطع في اخذ الكبيرة بالرجوع هذا تمام ما نذكره من خلطة الجوار (اما) خلطة الشيوع فان كان الواجب من جنس المال واخذه الساعي منه فلا يراجع فان المأخوذ مشاع بينهما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 435 وإن كان الواجب من غير جنس المال كالشاة فيما دون خمس وعشرين من الابل فإذا أخذ الساعي شاة من احد الخليطين عن خمس من الابل بينهما رجع المأخوذ منه علي الآخر بنصف قيمتها ولو كان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 436 بينهما عشر فاخذ من كل واحد منهما شاة ثبت التراجع فان تساوت القيمتان خرج على اقوال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 437 التقاص ومتي ثبت الرجوع وتنازعا في قيمة المأخوذ قول المأخوذ منه لانه غارم * قال ((الفضل الثالث في اجتماع الخلطة والانفراد في حول واحد فإذا ملك رجلان كل واحد اربعين غرة المحرم وخلطا غرة صفر فعلي الجديد يجب علي كل واحد في آخر الحول الاول شاة وفيما بعده من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 438 الاحوال نصف شاة تغليبا للانفراد وعلي القديم يجب ابدا نصف شاة فان ملك غرة صفر وخلطا غرة ربيع الاول فالقولان جاريان وخرج ابن سريج قولا أن الخلطة لا تثبت أبدا لتقاطع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 439 أواخر الاحوال) * اجتماع الخلطة والانفراد في حول واحد إما أن يكون بطرو الخلطة على الانفراد أو بطرو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 440 الانفراد علي الخلطة وهذا الفصل الثالث مرسوم للقسم الاول فنبينة وتقول لا خلاف في أنه لو لم تكن لهما حالة انفراد بان ورثا ماشية أو ابتاعاها دفعة واحدة شائعة أو غير شائعة لكن مخلوطة وأداما الخلطة أنهما يزكيان زكاة الخلطة وكذا لو كان ملك كل واحد منهما دون النصاب وبلغ بالخلطة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 441 نصابا زكاة زكاة الخلطة لان الحول لم ينعقد علي ما ملكاه عند الانفراد فاما إذا انعقد الحول علي الانفراد ثم طرأت الخلطة فلا يخلو إما يتفق ذلك في حق الخليطين جميعا أو في حق أحدهما (الحالة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 442 الاولى) أن ينعقد الحلول علي الانفراد في حقهما جميعا ثم تطرأ الخلطة فاما أن يفق حولاهما أو يختلف فان انفق كما لو ملك كل واحد أربعين شاة غرة المحرم ثم خلطا غرة صفر ففيه قولان (الجديد) وبه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 443 قال احمد ان حكم الخلطة لا يثبت في السنة الاولى لان الاصل الانفراد والخلط عارض فيغلب حكم الحول المنعقد علي الانفراد فعلى هذا إذا جاء المحرم وجب علي كل واحد منهما شاة (والقديم) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 444 وبه قال مالك أنه يثبت حكم الخلطة نظرا إلي آخر الحول والعبرة في قدر الزكاة بآخر الحول ألا ترى أنه لو ملك مائة وإحدى وعشرين شاة فتلف منها شاة أو شاتان في آخر الحول لا يجب عليه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 445 إلا شاة فعلي هذا إذا جاء المحرم فعلي كل واد منهما نصف شاة وعلي القولين جميعا في الحول الثاني وما بعده يزكيان زكاة الخلطة لوجودها في جميع السنة (فإذا قلنا) بالجديد فوجود الحلطة في جميع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 446 السنة شرط في ثبوت حكم الخلطة فلذلك أدرج حجة الاسلام قدس الله روحه هذه المسألة في جملة الشرائط التى حكى الخلاف فيها علي ما سبق وإن اختلف حولاهما كما لو ملك هذا غرة المحرم وهذا غرة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 447 صفر وخلطا غرة شهر ربيع الاول فينبني علي القولين عند اتفاق الحول (فعلي الجديد) إذا جاء المحرم فعلى الاول شاة وإذا جاء صفر فعلي الثاني شاة (وعلي القديم) إذا جاء المحرم فعلى الاول نصف شاة وإذا جاء صفر فعلى الثاني نصف شاة ثم في سائر الاحوال بتفق القولان علي ثبوت حكم الخلطة فيكون على الاول عند غرة كل محرم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 448 نصف شاة وعلي الثاني عند غرة كل صفر نصف شاة وذهب بعض الاصحاب إلي أن حكم الخلطة لا يثبت في سائر الاحوال أيضا ويزكيان أبدا زكاة الانفراد واتفق حملة المذهب علي ضعف هذا الوجه وقالوا بان الخلطة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 449 * في سائر الاحوال حاصلة في جميع الحول فيثبت حكمها كما لو اتفق الحول ولا شك في بعد هذا الوجه لو سلم صاحبه ثبوت القول القديم في الحول الاول وامتنع من طرده في سائر الاحوال لكنه لو طرد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 450 القولين في سئر الاحوال وكان ما ذكر من عدم ثبوت الخلطة تفريعا علي الجديد لم يكن بعيدا ويجوز أن يوجه بن حول الثاني غير تام عند تمام حول الاول وحكم الانفراد مستمر عليه فيلزم انعقاد الحول الثاني للاول علي حكم الانفراد وإذا انعقد الحول علي الانفراد يستمر حكمه كما في الحول الاول ثم إذا تم حول الثاني فلصاحبه حكم الانفراد فينعقد حوله الثاني على الانفراد أيضا وهكذا ابدا وسواء قوى هذا أو ضعف فمن صار إليه جعل اتفاق اوائل الاحوال من شرائط ثبوت الخلطة ولذلك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 451 ادرج حجة الاسلام هذه المسألة في الشرائط المختلف فيها ونسب المعظم هذا الوجه إلي تخريج ابن سريج وعلي ذلك جرى في الكتاب فقال وخرج ابن سريج أن الخلطة لا تثبت أبدا ولم يصحح ذلك علي ابن سريح المحاملي وذكر ان أبا اسحق حكى في الشرح عن ابن سريج مثل هذا المذهب وأضاف الوجه المذكور إلي غيره من الاصحاب فان كان المراد أنه غير ثابت عنه فيجوز أن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 452 يعلم قوله وخرج ابن سريج بالواو ويجوز أن يقال خرجه ولم يذهب إليه جمعا بين الروايتين ويجوز اعلام قوله لا تثبت بدا بالميم والالف لان عند هما تثبت الخلطة في سائر الاحوال وإنما يختلفان في الحول الاول إختلاف القديم والجديد ولا يخفى موضع رقمهما في الصورة الاولي (والحالة الثانية) أن ينعقد الحول علي الانفراد في حق أحد هما دون الآخر كما لو ملك احدهما أربعين غرة المحرم وملك الثاني أربعين غرة صفر وكما ملك خلطا أو خلط الاول اربعينه غرة صفر باربعين لغيره ثم باع الثاني اربعينه من ثالث فان الاول يثبت له حكم الانفراد شهرا والثانى لم يثبت له حكم الانفراد أصلا فيبنى الحكم ههنا علي الحكم في الحالة الاولي فإذا جاء المحرم فعلي الاول شاة في القديم ونصف شاة في الجديد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 453 شاة في القديم (وأما) الثاني فإذا جاء صفر فعليه نصف شاة في القديم وفي الجديد وجهان (احدهما) شاة لان الاول لم يرتفق بخلطته فلا يرتفق هو بخلطة الاول ايضا (واظهرهما) نصف شاة لانه كان خليطا في جميع الحول واما في سائر الاحوال فيثبت حكم الخلطة على الظاهر وعلي الوجه المنسوب إلي ابن سريج لا يثبت وفرعوا على هذه الاختلافات صورا (منها) لو ملك الرجل اربعين غرة المحرم ثم اربعين غرة صفر فإذا جاء المحرم فعلى الجديد يلزمه للاربعين الاولي شاة وإذا جاء صفر يلزمه للاربعين الثانية نصف شاة أو شاة فيه وجهان (أصحهما) أولها (وعلي القديم) إذا جاء المحرم لزمه للاربعين الاولي نصف شاة لانه كان خليطا لملكه في آخر الحول فإذا جاء صفر لزمه للاربعين الثانية نصف شاة في سائر الاحوال يتفق القولان وعلي الوجه المنسوب إلى ابن سريج يجب في الاربعين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 454 الاولي شاة عند تمام حولها وفي الثانية شاة عند تمام حولها وهكذا ابدا ما لم ينقص النصاب وكما يمتنع حكم الخلطة في ملك الشخصين عند اختلاف التاريخ كذلك يمتنع في ملكي الواحد (ومنها) لو ملك الرجل اربعين غرة المحرم ثم أربعين غرة صفر ثم اربعين غرة شهر ربيع الاول (فعلى القديم) يجبب في كل اربعين عند تمام حولها ثلث شاة (وعلي الجديد) يجب في الاولي عند تمام حولها شاة وفيما يجب في الثانية عند الجزء: 5 ¦ الصفحة: 455 تمام حولها وجهان (احدهما) شاة لان الاربعين الاولي لم يلحقها تخفيف بالثانية فلا يلحق الثانية تخفيف بها (واصحهما) نصف شاة لانها كانت خليطة اربعين في جميع حولها وفي الاربعين الثالثة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 456 عند تمام حولها وجهان ايضا (اصحهما) ثلث شاة لكونها خليطة ثمانين (والثاني) شاة وفي سائر الاحوال يتفق القولان وعلى الوجه المنسوب إلى ابن سريج يجب في كل اربعين عند راس حولها شاة ابدا (ومنها) لو ملك رجل اربعين غرة المحرم وملك آخر عشرين غرة صفر وكما ملك خلطا فإذا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 457 جاء المحرم وجب علي الاول شاة في الجديد وثلثا شاة في القديم تغليبا للخلطة وإذا جاء صفر وجب علي الثاني ثلث شاة على القولين جميعا لانه كان مخالطا في جميع حوله وعلى الوجه المنسوب إلي بن سريج يجب على صاحب الاربعين شاة أبدا ولا شئ علي صاحب العشرين ولا تثبت الخلطة لاختلاف التاريخ (واعلم) أن الاختلاط مع من لا زكاة عليه كالانفراد حتى لو كان بين مسلم وذمى ثمانون شاة ملكاها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 458 أول المحرم ثم أسلم الذمي غرة صفر كان المسلم بمثابة ما إذا انفرد بماله شهرا ثم طرأت الخلطة وجميع ما ذكرنا في الحالتين مفروض فيما إذا طرأت خلطة الجوار أما إذا طرأت خلطة الشيوع كما إذا ملك أربعين شاة وأقامت في يده ستة أشهر ثم باع نصفها مشاعا فهل ينقطع حول البائع في الباقي جعله ابن خيران علي قولين مبنيين على القولين فيما إذا انعقد حولهما علي الانفراد ثم خلطا إن قلنا يزكيان زكاة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 459 الخلطة ينقطع الحول ههنا وإن قلنا يزكيان ثم زكاة الانفراد ولا يبني حول الخلطة على حول الانفراد إذا نقطع الحول لنقصان النصاب والذى قطع به الجمهور ورواه المزني والربيع عن نصه أن الحول لا ينقطع لاستمرار النصاب اما بصفة الانفراد أو بصفة الاشتراك فعلى هذا إذا مضت ستة أشهر من يوم الشراء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 460 فعلي البائع نصف شاة لتمام حوله وأما المشترى فينظر إن أخرج البائع واجبه وهو نصف شاة من المال المشترك فلا شئ عليه لنقصان المجموع عن النصاب قبل تمام حوله وإن أخرج من غيره فيبنى علي أن الزكاة تتعلق بالعين أو بالذمة (إن قلنا) تعلق بالذمة فعليه أيضا نصف شاة تمام حوله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 461 (وإن قلنا) تتعلق بالعين ففى انقطاع حول المشترى قولان (أصحهما) عند العراقيين الانقطاع ومأخذ القولين أن اخراج الواجب من موضع آخر يمنع زوال الملك عن قدر الزكاة أو يفيد عوده بعد الزوال ولو ملك ثمانين شاة فباع نصفها مشاعا في أثناء الحول لم ينطقع حول البائع عن النصف الباقي قطعا وفيما يجب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 462 عليه عند تمام حوله وجهان (أحدهما) شاة لانه كان منفردا بنصاب في بعض الحول فغلب حكم الانفراد (وأصحهما) عند صاحب التهذيب نصف شاة لان الحول انعقد علي ثمانين والنصف الذى بقى آخرا كان مختلطا بأربعين في جميع الحول ولو ملك أربعين وباع نصفها معينا نظر ان ميزها قبل البيع أو بعده وأقبضها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 463 فقد زالت الخلطة ان كثر زمان التفريق فإذا خلطا يستأنف الحول وان كان زمان التفريق يسيرا ففى انقطاع الحول وجهان (أوفقهما) لكلام الاكثرين الانقطاع ولو لم يميز لكن أقبض البائع المشترى جميع الاربعين لتصير العشرون مقبوضة فالحكم كما لو باع النصف مشاعا فلا ينقطع حول الباقي علي الصحيح وفيه وجه أنه ينقطع الانفراد بالبيع والطارئ في صورة بيع النصف على التعيين خلطة الجواز وان اوردناه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 464 في هذا الموضع ولو أن رجلين لهذا أربعون ولهذا أربعون فباع أحدهما جميعها بجميع ما لصاحبه في خلال الحول انقطع حولاهما واستأنفا من يوم المبايعة ولو باع أحدهما النصف الشائع من أغنامه بالنصف الشائع من أغنام صاحبه والاربعينان متميزان فحكم الحول فيما بقى لكل واحد منهما من أربعينة كالحكم فيما إذا كان للرجل أربعون فباع نصفها شائعا والصحيح أنه لا ينقطع فإذا تم حول ما بقى لكل واحد منهما فهذا مال ثبت له الانفراد أولا والخلطة في آخر الحول ففيه القولان السابقان (القديم) أنه يجب علي كل واحد ربع شاة لانه خليط ثمانيه حال الوجوب وحصة العشرين ربع (والجديد) أنه يجب علي كل واحد منهما نصف شاة لانه كان منفردا باربعينه وحصة العشرين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 465 منها النصف وإذا مضي حول من وقت التبايع فعلي كل واحد منهما للقدر الذي ابتاعه ربع شاة علي القديم وفى الجديد وجهان (أصحهما) ربع شاة أيضا لانه كان مختلطا من حين ملك الي آخر الحول (والثانى) نصف شاة لانه لما لم يرتفق الباقي لكل واحد منهما بالحادث لم يرتفق الحادث بالباقي أيضا (القسم الثاني) أن يطرأ الانفراد علي الخلطة فيزيكى من بلغ ماله نصابا زكاة الانفراد من وقت الملك كما سبق ولو كان بينهما أربعون مختلطة فخالطهما رجل بعشرين في أثناء حولهما ثم ميز أحد الاولين ماله قبل تمام الحول فلا شئ عليه عند تمامه ويجب علي الآخر نصف شاة وكذا علي الثالث عند تمام حوله نصف والوجه المنسوب الي ابن سريج ينازع فيه ولو كان بينهما ثمانون مشتركة فاقتسما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 466 بعد ستة أشهر فان قلنا القسمة إفراز فعلي كل واحد عند تمام الحول شاة كما لو ميزا في خلطة الجوار وان قلنا بيع فيجب على واحد عند تمام باقي نصف شاة ثم إذا مضي حول من وقت القسمة فعلى كل واحد منهما نصف شاة لما تجدد ملكه عليه وهكذا في كل ستة أشهر كما لو كان بينهما أربعون شاة فاشترى أحدهما نصف الآخر بعد مضي ستة أشهر يجب عليه عند مضي كل ستة أشهر نصف شاة والله تعالي أعلم * قال (الفصل الرابع في اجتماع المختلط والمنفرد في ملك واحد فلو خلط عشرين بعشرين لغيره وهو يملك أربعين ببلده أخرى فقولان (أحدهما) ان الخلطة خلطة ملك فكأنه خلط الستين بالعشرين (والثانى) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 467 أنه خلطة عين فلا يتعدى حكمها الي غير المخلوط فان قلنا بخلطة العين فعلى صاحب العشرين نصف شاة وان قلنا بخلطة الملك فعليه ربع شاة وكأنه خلط الستين وأما صاحب الستين فقد قيل يلزمه شاة تغليبا للانفراد وقيل ثلاثة أرباع شاة تغليبا للخطة وقيل خمسة أسداس ونصف سدس جمعا بين الاعتبارين فيقدر في الاربعين كانه منفرد بجميع الستين فيخص الاربعين ثلثا شاة ويقدر في العشرين كانه مخالط بالجميع فيخص العشرين ربع شاة والمجموع ما ذكرناه ولو خلط عشرين بعشرين لغيره ولكل واحد أربعون ينفرد بها فالاوجه الثلاثة جارية في حق كل واحد) * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 468 هذا الفصل والذى بعده ذو اغور لالتفاف ما فيهما من الاختلافات فتشمر للفهم * واعلم أنه إذا اجتمع في ملك الواحد ماشية مختلطة وماشية منفردة من جنسها كما لو خلط عشرين شاة بعشرين لغيره خلطة جوار أو خلطة شركة وله أربعون منفرد بها فكيف يؤديان الزكاة فيه قولان أصلهما أن الخلطة خلطة ملك أو خلطة عين وفيه قولان (أصحهما) وعليه فرع المختصر وهو اختيار ابن سريج وأبي اسحق والاكثرين أن الخلطة خلطة ملك أي كل ما في ملكه يثبت فيه حكم الخلطة ووجهه ان الخلطة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 469 تجعل مال الاثنين كمال الواحد ومال الواحد يضم بعضه إلى بعض وإن كان في مواضع متفرقة فعلى هذا في الصورة المذكور يجعل كأن صاحب الستين خلط جميع ستينه بعشرين لصاحبه فيلزمهما شاة ثلاثة أرباعها علي صاحب الستين وربعها علي صاحب العشرين (والثاني) أن الخلطة خلطة عين أي يقتصر حكمها علي قدر المخلوط ووجهه ان علة ثبوت الخلطة خفة المؤنة في المرافق لا جتماع الماشية في المكان الواحد وهذا المعني لا يوجد إلا في القدر المختلط واستفيد هذا القول من نصه في رواية الربيع أن الرجل إذا كان له ثمانون من الغنم ببلدين أربعون بكل واحد منهما فباع نصف أحد هما شائعا من رجل فإذا تم حول البائع فعليه شاة وإذا تم حول المشترى فعليه نصف شاة قال أبو بكر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 470 الفارسي: ولولا أنه لم يحكم بالخلطة إلا في القدر المختلط لكان علي صاحب الستين ثلاثة أرباع شاة وعلي صاحب العشرين ربعها عند تمام حولها وهكذا يكون الجواب إذا فرعنا على أن الخلطة خلطة ملك وإذا قلنا بالقول الثاني ففى الصورة المذكورة اولا يجب على صاحب العشرين نصف شاة بلا خلاف لان جميع ماله خليط عشرين وفي أربعين شاة فحصة العشرين نصفها * وما الذى يجب علي صاحب الستين فيه خمسة أوجه ذكر الثلاثة الاولى منها في الكتاب (أصحها) وهو اختيار الاودنى والقفال أنه يلزمه شاة لانه اجتمع في ماله الاختلاط والانفراد فيغلب حكم الانفراد كما لو انفرد بالمال في بعض الحول ثم خلط وإذا غلبنا حكم الانفراد صار كأنه منفرد بجميع الستين وفيها شاة وهذا الوجه هو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 471 الذى نص عليه في المسألة التي حكيناها عن رواية الربيع (والثانى) ذكره ابن أبى هريرة وأبو علي الطبري فيما حكاه صاحب الشامل أنه يلزمه ثلاثة أرباع شاة لان جميع ماله ستون وبعضه مختلط حقيقة فلا بد من اثبت حكم الخلطة فيه وإذا اثبتنا حكم الخلطة فيه وجب اثباته في الباقي لان ملك الواحد لا يتبعض حكمه فيجعل كأنه خلط جميع الستين بالعشرين وواجبها شاة حصة الستين منها ثلاثة ارباع وهذا معنى قوله في الكتاب تغليبا للخلطة وهذا الوجه يشبه القول القديم في تغليب الخلطة إذا انفرد في بعض الحول ثم خلط وهو والاول متفقان علي انه لا يمكن ان يحكم لمالى صاحب الستين بحكمين مختلفين الخلطة والانفراد ثم صاحب الوجه الاول يقول تغليب الانفراد اولي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 472 وصاحب الثاني يقول الخلطة أولي وأما أصحاب الوجوه الآتية فيجوزون الحكم في مالى المالك الواحد بحكمين مختلفين ويحتجون عليه بما لو مالك زرعين سقي أحدهما بالنضح وسقي الثاني بماء السماء فانه يجب في هذا العشر وفي ذاك نصف الشعر ويضم البعض الي البعض في استكمال النصاب (والوجه الثالت) وهو اختيار أبي زيد والخضرى أن عليه خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعا ببن اعتبار الخلطة والانفرد وذلك لان جميع ماله ستون بعضه مختلط وبعضه منفرد ولابد من ضم أحدهما إلي الآخر وإن حكمنا لهما بحكمين مختلفين فنوجب في الاربعين المنفردة حصتها من الواجب لو انفرد بالكل وذلك شاة حصة الاربعين منها ثلثا شاة ونوجب في العشرين المختلطة حصتها من الواجب لو خلط الكل وهي ربع شاة لان الكل ثمانون وواجب ثمانين شاة فحصة عشرين منها ربع والثلثان والربع خمسة أسداس ونصف سدس (والوجه الرابع) ويحكى عن ابن سريج واختيار صاحب التقريب ان عليه شاة وسدس شاة من ذلك نصف شاة في العشرين المختلطة كما انها واجب خليطه في عشرينه المختلطة فلا يتعدى حكم الخلطة عن الاربعين وثلثا شاة في الاربعين المنفردة فانه حصة الاربعين لو انفرد بجميع ماله (والوجه الخامس) أن عليه شاة ونصف شاة في الاربعين المنفردة ونصف شاة في العشرين المختلطة كما لو كان المالان لمالكين وهذا أضعف الوجوه لان فيه افراد ملك الواحد بعضه عن بعض مع اتحاد الجنس وإيجاب شاة ونصف شاة في الستين ولو خلط عشرين بعشرين لغيره ولكل واحد منهما أربعون منفرد ببها فقد اجتمع في ملك كل واحد منهما المختلط والمنفرد ففيما يجب عليهما القولان إن قلنا الخلطه خلطة ملك فعليهما شاة على كل واحد نصفها لان جميع المال مائة وعشرون وفيها شاة وإن قلنا الخلطة خلطة عين ففيما علي كل واحد منهما الاوجه الخمسة لكن قد يختلف المقدار في بعض الوجوه (أصحها) أن علي كل واحد منهما شاة تغليبا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 473 للانفراد (وثانيها) أن علي كل واحد ثلاثة أرباع شاة لان كل واحد منهما يملك ستين منها ما هو خليط عشرين فيغلب حكم الخلطة في الكل فيكون لكل ثمانون حصة ستين منها ثلاثة أرباع هكذا ذكر في التهذيب ولفظ الكتاب يوافقه حيث قال فالاوجه الثلاثة جارية في حق كل واحد لكن الشيخ ابا علي وإمام الحرمين قالا إذا غلبنا حكم الخلطة يجب على كل واحد منهما في هذه الصورة نصف شاة بخلاف الصورة الاولي وجب فيها على صاحب الستين ثلاثة أرباع لان ثم إذا قدرنا الاختلاط في جميع المالين يكون المبلغ ثمانين والستون ثلاثة أرباعها وههنا إذا غلبنا الخلطة وأثبتناها في الكل يكون المبلغ مائة وعشرين فواجبها شاة حصة كل واحد نصفها ولمن قال بالاول أن يقول انما ثبت حكم المختلط في المنفرد برابطة اتحاد المالك وذلك يقتضى أن يدخل في الحساب علي كل واحد منهما ما ينفد به كل واحد واحد ثم علي ما ذكره الشيخ يكون الواجب عليهما جميعا شاة واحدة وجملة المال مائة وعشرون والواجب عليهما في الصورة الاولى شاة وربع مع ان جملة المال ثمانون فكيف يزداد المال وينقص الواجب مع وجود الخلطة في الحالتين (وثالثها) أن علي كل واحد منهما خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعا بين اعتبار الخلطة والانفراد فيقدر كل واحد منهما منفردا بالستين ولو كان كذلك لكان فيها شاة فحصة الاربعين فيها ثلثا شاة ثم يقدر أنه خلط جميع الستين بالعشرين وذلك ثمانون وفيها شاة فحصة العشرين منها ربع شاة فالجموع خمسة أسداس ونصف سدس هكذا ذكر الشيخ أبو علي والامام وهو الموافق للفظ الكتاب وأورد في التهذيب أن على كل واحد منهما علي هذا الوجه خمسة أسداس شاة بلا زيادة توجب في العشرين بحساب ما لو كان جميع المالين مختلطا وذلك مائة وعشرون وواجبها شاة فحصة العشرين سدس شاة ويجب في الاربعين ثلثا شاة كما سبق فالمبلغ خمسة أسداس (وأعلم) ان هذا التوجيه مثل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 474 ما ذكره الشيخ والامام في الوجه الثاني وما ذكرناه في هذا الوجه مثل ما ذكره في التهذيب في الوجه الثاني ولم يستمر واحد من الكلامين علي طريقة متحدة والله أعلم (ورابعها) أن على كل واحد منهما شاة وسدس شاة نصف شاة في العشرين المختلطة قصرا لحكم الخلطة علي الاربعين وثلثا شاة في الاربعين المنفردة علي ما سبق (وخامسها) أن علي كل واحد منهما شاة ونصف شاة شاة للاربعين المنفردة ونصف شاة للعشرين المختلطة هذا شرح المسألتين المذكورين في الكتاب ثم نعود الي ما يتعلق بلفظ الكتاب (أما قوله) فلو خلط عشرين بعشرين لغيره وهو يملك أربعين ببلدة أخرى فقد يخطر ببالك في هذا الموضع يحثان (أحدهما) أنه لم قال ببلدة أخرى وما الحكم لو كان بتلك البلدة فاعلم أن ابا نصر صاحب الشامل رحمه الله صرح بنفى الفرق بين أن يكون الاربعون المنفردة في بلد المال المختلطة أو في بلد أخرى ولا شبهة في أن الامر علي ما ذكره وكأن تعرض الاصحاب لكون الاربعين في بلدة اخرى اتباع للفظة الشافعي رضى الله عنه فانه هكذا صور المسألة في المختصر لكن من يورد القولين لا يحسن منه ذكره في صورة المسألة حسنه في المختصر لانه أجاب فيه علي ان الخلطة خلطة ملك فالفرض فيما إذا كان ماله المنفرد في بلدة اخرى يفيد غرض المبالغة لانه إذا اتحد الحكم وبعض المال في بلدة أخرى فلان يتحد والكل في بلدة واحدة كان اولى (والثانى) ان التصوير فيما إذا اتفق حول صاحب الستين وصاحب العشرين ام فيما إذا اختلف حولاهما أم لا فرق (والجواب) انه لا فرق في اثبات القولين ثم ان اختلف الحولان زاد النظر في التفصيل المذكورة في الفصل قبل هذا وذكر القاضى ابن كج ان الخلاف فيما إذا اختلف حولاهما فاما إذا اتفقا فلا خلاف في ان عليهما شاة ربعها علي صاحب العشرين والباقى علي صاحب الستين وهذا يرخص في اعلام قوله في الكتاب فقولان بالواو والمشهور الاول (وقوله) فان قلنا بخلطة العين الي آخره في نظم الكتاب خلط في تفريع أحد القولين بالآخر ولم ينص علي ما يجب علي صاحب الستين علي قولنا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 475 الخلطة خلطة ملك (وقوله) عقيب التفريع على أهذا القول وأما صاحب الستين يرجع الي اول الكلام وهو التفريع علي خلطة العين فاعرف ذلك وكان الاحسن به ان يقول فان قلنا بخلطة الملك فعلي صاحب العشرين ربع شاة وان قلنا بخلطة العين فعليه نصف شاة وأما صاحب الستين إلى آخره حتي لا يدخل الكلام من قول في قول ويجوز ان يعلم قوله يلزمه شاة بالواو وكذا الحكم المذكور في الوجهين بعده اشعارا بأن في المسالة وراء هذه الوجوه خلافا آخر (وقوله) في الصورة الثانية فالاوجه الثلاثة جارية أي علي قول خلطة العين وأما علي قول خلطة الملك فالحكم ما قدمناه ولك أن تعلم قوله جارية بالواو لما حكينا من الاضطراب في الوجه الثاني والثالث والله أعلم * قال (الفصل الخامس في تعدد الخليط فإذا ملك أربعين فخلط عشرين بعشرين لرجل وعشرين بعشرين لآخر فان قلنا بخلطة الملك فعلي صاحب الاربعين نصف شاة فان الكل ثمانون وصاحب العشرين يضم ماله إلى خليطه وهل يضم إلي خليط خليطه وجهان فان ضم فواجبه ربع شاة وإلا فواجبه ثلث شاة لان المجموع ستون وإن قلنا بخلطة العين فعلى صاحب العشرين نصف شاة وفي صاحب الاربعين الاوجه الثلات وهو شاة بتغليب الانفراد أو نصفها بتغليب الاختلاط أو ثلثا شاة للجمع بين الاعتبارين) * كلام هذا الفصل مبنى على قولي خلطة الملك والعين أيضا وخاصيته ان الواحد خالط ببعض ماله واحد وببعضه آخر ولم يخالط أحد خليطه الآخر وما ترجم الفصل به لا يفصح عن هذه الخاصية لكنها هي المقصودة إذا عرفت ذلك فلقول إذا كان للرجل أربعون من الغنم مخلط عشرين منها بعشرين لرجل لا يملك سواها والعشرين الباقية بعشرين لآخر لا يملك سواها فان قلنا الخلطة خلطة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 476 الملك فعلي صاحب الاربعين نصف شاة لانه خليط لهما ومبلغ الاموال ثمانون وواجبها شاة فحصة الاربعين نصفها وأما كل واحد من صاحبي العشرين فما له مضموم إلي جميع مال صاحب الاربعين وهل يضم الي مال الآخر أيضا فيه وجهان (أحدهما) نعم لينضم الكل في حقهما كما انضم في حق صاحب الاربعين (والثاني) لالان كل واحد منهما لم يخالط بماله الآخر أصلا بخلاف صاحب الاربعين فانه خالط كل واحد منهما ببعض ماله فلذلك ضم الكل في حقه وهذا أصح عند الشيخ أبى علي والاول اختيار صاحب التقريب وبه أجاب أصحابنا العراقيون * وان قلنا بالوجه لثاني فعلي كل واحد منهما ثلث شاة لان مبلغ ماله ومال خليطه ستون وواجبها شاة حصة العشرين منها ثلث وإن قلنا بالاول فعلي كل واحد منهما ربع شاة لان المجموع ثمانون حصة العشرين منها ربع وان قلنا الخلطة خلطة عين فعلى كل واحد من صاحبي العشرين نصف شاة لان مبلغ ماله وما خالط ماله اربعون وله نصفها وأما صاحب الاربعين فيجئ فيه الوجوه المذكورة في الفصل الاول في حق صاحب الستين (أحدها) ان عليه شاة تغليبا للانفراد هذا لفظ صاحب الكتاب والائمة ولم يريدوا به حقيقة الانفراد فانه غير منفرد بشئ من ماله لكن قالوا ما لم يخالط به زيدا فهو منفرد عنه ولا فرق بالاضافة إليه بين أن يكون مخلوطا بمال غيره وبين ان لا يكون مخلوطا أصلا وإذا كان كذلك فيعطي لله حكم الانفراد ويغلب حتى يصير كالمنفرد بالبافي أيضا وكذا بالاضافة الي الخليط الثاني وكأنه لم يخالط أحدا وعلي الوجه الثاني يلزمه نصف شاة تغليبا للخلطة فانه لابد من اثبات حكمها فيما وجدت ولابد من ضم ملكية احد هما الي الآخر للاجتماع في الملك وكل المال ثمانون وكأنه خلط أربعين بأربعين قال في النهاية وهذا الوجه أصح ههنا وعلي الوجه الثالث يلزمه ثلثا شاة جمعا بين اعتبار الخلطة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 477 والانفراد وذلك بأن نقول لو كان جميع ماله مضموما الي ملك زيد لكان المبلغ ستين وواجبها شاة حصة العشرين منها الثلث وهكذا نفرض في حق الثاني فيجتمع عليه ثلثان وعلي الوجه الرابع وهو أن ثمة يجب شاة وسدس ههنا يجب شاة مثل ما ذكرنا في الوجه الاول لانا نوجب في العشرين المختلطة بمال زيد نصف شاة وكذا في العشرين المختلطة بمال عمرو فيجتمع عليه شاة وهكذا يكون قياس الوجه الخامس ههنا فالحاصل في المسألة ثلاثة أوجه على ماذ كر في الكتاب لا غير * ونختم الباب بذكر صور أخرى مما يتفرع علي القولين (احداها) ملك ستين من الغنم وخالط بكل عشرين منها عشرين لرجل فان قلنا بخلطة الملك فعلي صاحب الستين نصف شاة وفي أصحاب العشرينات وجهان ان ضممنا مال بعضهم الي بعض كما نضم مال صاحب الستين إلى مال كل واحد منهم فعلي كل واحد منهم سدس شاة والا فعليه ربع شاة وان قلنا بخلطة العين فعلى كل واحد من أصحاب العشرينات نصف شاة وفي صاحب الستين الوجوه: علي الاول يلزمه شاة وعلى (الثاني) نصف شاة وعلى (الثالث) ثلاثة أرباع شاة لان كل ماله لو كان مع زيد كان المبلغ ثمانين حصة العشرين المخلطة منها ربع وهكذا يقدر بالاضافة الي عمرو وبكر فيجتمع ثلاثة أرباع وعلي (الرابع) شاة ونصف في كل عشرين نصف شاة كما يجب ذلك علي كل خليط (الثانية) ملك خمسا وعشرين من الابل فخالط بكل خمس منها خمسا لرجل إن قنلا بخلطة الملك فعلي صاحب الخمس والعشرين نصف حقة لان الكل خمسون وفيما علي كل واحد من خلطائه وجهان (أحدهما) عشر حقة (والثانى) سدس بنت مخاض كأنه خلط خمسا بخمس وعشرين لا غير: وإن قلنا بخلطة العين فعلي كل واحد من خلطائه شاة وفي صاحب الخمس والعشرين الوجوه المتقدم: على الاول عليه بنت مخاض وعلى الثاني الجزء: 5 ¦ الصفحة: 478 نصف حقة وعلي الثالث خمسة أسداس بنت مخاض لان جميع ماله لو كان مختلطا بالخمس التى هي لزيد مثلا كان المبلغ ثلاثين وفيها بنت مخاض حصة الخمس سدسها وهكذا نقدر في حق سائر الخلطاء فيجتمع ما ذكرنا وعلي الرابع خمس شياه في كل خمس شاة كما في حق خلطائه (الثالثة) له عشر من الابل خلط خمسا منها بخمس عشرة لرجل وخمسا بخمس عشرة لآخر إن قلنا بخلطة الملك فعلى صاحب العشر ربع بنتت لبون لان الكل أربعون وفيما علي صاحبيه وجهان إن ضممنا مال (أحدهما) مع مال صاحب العشر إلي الآخر فعلي كل واحد ثلاثة اثمان بنت لبون لان خمسة عشر ثلاثة أثمان أربعين وان لم نضمه الا الي مال صاحب العشرة فعلي كل واحد ثلاثة اخماس بنت مخاض لان الكل خمس وعشرون وان قلنا بخلطة العين فعلي كل واحد من الخليطين ثلاث شياه لانه خالط خمس عشرة بخمس وحكم الخلطة لا يتعدى المخلوط علي هذا القول: وفيما يلزم صاحب الشعر الوجوه: علي الاول يلزمه شاتان كأنه منفرد بالعشر وعلي الثاني ربع بنت لبون كأنه خلط عشرا بثرثين وعلى الثلث خمسا بنت مخاض إذ لو خلط كل العشر بمال زيد لكان فيها بنت مخاض وخصة الخمس خمس بنت مخاض وهكذا نقدر في حق الآخر فيجتمع ما ذكرنا وعلى الرابع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 479 يلزمه شاتان كما ذكرنا في الوجه الاول كما لو كانت الخمستان لشخصين فتعود الاوجه الي ثلاثة في هذه الصورة وهذه الصورة من مولدات ابن الحداد وجوابه فيها أن علي صاحب العشر ربع بنت لبون وعلى كل واحد من خليطيه ثلث شياه وغلطه أبو زيد والخضرى وغير هما فقالوا ايجاب ربع بنت اللبون علي صاحب الشعر جواب علي قول خلطة الملك وايجاب الشياه عليهما جواب علي قول خلطة العين ولا يصح أن يفرع الجواب في حق البعض علي قول وفي حق البعض علي قول آخر وصوبه القفال وقال كلاهما صحيح تفريعا على قول خلطة العين أما ايجاب الشاة علهيا فظاهر وأما ايجاب ربع بنت اللبون فهو جرى منه علي الوجه الثاني من الوجوه المذكورة على هذا القول وعليه بنى مسائل في المولدات ولعل تغليط الشيخين أبي زيد والخضرى مبنى على أنهما يذهبان إلى الوجه الثالث كما سبق وتابع الشيخ أبو علي القفال في التصويب (الرابعة) ان أردت أن تفرع صورة على هذه الاختلافات من عند نفسك فقدر أن لك عشرين من الابل خلطت كل خمس منها بخمس وأربعين لرجل واعرف أنا ان قلنا بخلطة الملك فعليك الاغبط من نصف بنت لبون أو خمسى حقة على الصحيح وذلك لانها قد قدمنا أن الابل إذا بلغت مائتين فالصحيح أن واجبها الاغبط من خمس بنات لبون أو أربع حقاق وجملة أموال خلطائك مع مالك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 480 مائتبن فان كان الاغبط خمس بنات لبون فحصة عشرين منها نصف بنت لبون وان كان الاغبط أربع حقاق فحصة العشرين مها خمسا حقة وفيما يجب على خلطائك وجهان ان ضممنا مالك الي مال كل واحد منهم مع ضم مال بعضهم الي بعض فعلي كل واحد منهم تسعة اثمان بنت لبون وهى بنت لبون وثمن أو تسعة اعشار حقة وان لم يضم مال كل واحد منهم الا مالك فعلى كل واحد منهم تسعة أجزاء من ثلاثة عشر جزءا من جذعة لان جملة المال خمس وستون وواجبها جذعة فحصة خمس وأربعين منها ما ذكرنا: وان قلنا بخلطة العين فعلي كل واحد من خلطاءك تسعة أعشار حقة لان المبلغ خمسون وفيما يلزمك الوجوه: على الاول يلزمك أربع شياه كأنك منفرد بالعشرين وعلي الثاني يلزمك الاغبط من نصف بنت لبون أو خمس حقة كأنك خلطت العشرين بمائة وثمانين وعلى الثالث يلزمك أربعة اجزاء من ثلاثة عشر جزءا من جذعة إذ لو خلطت جميع مالك إلى مال زيد من خلطائك لبلغ المجموع خمسا وستين وفيها جذعة حصة خمس منها جزء من ثلاثة عشر جزءا من جذعة وهكذا نقدر في حق الثلاثة الباقين فيجتمع ما ذكرنا وعلي الرابع يلزمك أربع شياه كما في الوجه الاول كما لو كانت كل خمس لرجل وهذه المسائل كلها مفروضة فيما إذا اتفقت اوائل الاحوال فان اختلفت انضم الي هذه الاختلافات ما سبق من الخلاف عند اختلاف الحول (مثاله) في الصورة الاخيرة لو اختلف حول خلطائك وحولك فتزكى وهم في السنة الاولي زكاة الانفراد وهى الشياه كل عند تمام حوله وفي سائر السنين كل يؤدى زكاة الخلطة هذا هو الصحيح وفي القديم الواجب في السنة الاولى أيضا زكاة الخلطة وعلي الوجه المنسوب إلى ابن سريج لا تثبت الخلطة أصلا * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 481 (فرع) لو خلط خمس عشرة من الغنم بخمس عشرة لغيره ولاحدهما خمسون ينفرد بها فان قلنا الخلطة خلطة عين فلا شئ علي صاحب الخمس عشرة لان المبلغ ناقص عن النصاب وعلي الآخر زكاة خمس وستين وهى شاة وهو كمن خالط ذميا أو مكاتبا حكمه حكم المنفرد وإن قلنا الخلطة خلطة ملك ففيه وجهان (أحدهما) أنه لاحكم لهذه الخلطة أيضا لان المختلط يجب أن يكون نصابا ليثبت حكم الخلطة فيه ثم يستتبع غيره (والثاني) وهو الاصح يثبت حكم الخلطة ويجعل كأن الخمسين مضمومة الي الثلاثين المختلطة والمجموع ثمانون وواجبها شاة فيجب على صاحب الخمس والستين ستة أثمان شاة ونصف ثمن وعلي الآخر ثمن ونصف ولا يخفى نظائره علي الموفق * قال (الشرط الثالث في الحول فلا زكاة في النعم حتي يحول عليها الحول الا السخال الحاصلة في وسط الحول من نفس النصاب الذى انعقد الحول عليه فان الزكاة تجب فيها بحول الامهات مهما أسيمت في بقية السنة فلو ماتت الامهات وهي نصاب لم تقطع التبعية (ح و) ولو ملك مائة وعشرين فنتجت في آخر الحول سخلة وجبت شاتان لحدوثها في وسط الحول) * ذكر في أول كتاب الزكاة للمال لواجب فيه ستة شروط (أحدها) كونه نعما (والثاني) كونه نصابا وقد تم الكلام فيهما (والثالث الحول) فيشترط في وجوب الزكاة في النعم حولان الحول عملا باطلاق ما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (لا زكاة في مال حتي يحول عليه الحول) ويستثنى عنه النتاج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 482 فيضم الي الامهات في الحول لما روينا من قبل عن عمر رضى الله عنه ان قال لساعيه: اعتد عليهم بالسخلة وعن علي رضى الله عنه أنه قال اعتد عليهم بالكبار والصغار وإنما يضم بثلاثة شروط (أحدها) أن يحدث قبل تمام الحول سواء كثر الباقي من الحول أو قل فاما إذا حدث بعد تمام الحول فينظر ان حدث بعد امكان الاداء فلا تضم إلى الامهات في الحول الاول لاستقرار واجبه ولكن يضم إليها في الحول الثاني إن كان قبل إمكان الاداء فطريقان (أحدهما) وبه قال القاضي أبو حامد أنه يبني علي القولين وسنذكرهما في أن الامكان شرط الوجوب أو شرط الضمان ان قلنا شرط الوجوب فتضم الي الامهات كالنتاج قبل الحول وإن قلنا شرط الضمان فلا (واحتج) للاول بان عمر رضى الله عنه قال: اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي علي يديه ومعلوم أنه لا يروح بها إلا وقد ولدت في ذلك اليوم ولا تعد المواشي إلا بعد الحول وذكر في البيان أن من الاصحاب من يجعل المسألة على قولين غير مبنيين علي شرط (وأظهرهما) وهو المذكور في الوسيط أنه لا يضم أصلا لان الحول الثاني ناجز فالضم إليه أولى من الضم إلى المنقضى (والشرط الثاني) أن يحدث من نفس ماله اما المستفاد بالشراء أو الارث أو الهبة فلا يضم إلى ما عنده في الحول وبه قال أحمد خلافا لابي حنيفة ولمالك أيضا فيما رواه القاضي ابن كج وغيره لنا ما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (ليس في مال المستفيد زكاة حتي يحول عليه الحول) وأيضا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 483 فانه مستفاد هو أصل بنفسه تجب الزكاة في عينه فينفرد بالحول كالمستفاد من غير الجنس وأيضا فان أبا حنيفة رحمه الله سلم أنه لو كان له دراهم فاخرج زكاتها ثم اشتري بها ماشية لا تضم إلي ما عنده في الحول فنقيس غيره عليه ثم عندنا المستفادات وإن لم تضم ألي ما عنده في الحول تضم إليه في النصاب علي ظاهر المذهب وبيانه بصور (احداها) ملك ثلاثين من البقر ستة أشهر ثم اشترى عشرة أخرى فعليه عند تمام حول الاصل تبيع ثم إذا تم حول العشرة فعليه ربع مسنة فإذا حال حول ثان علي الاصل فعليه ثلاثة أرباع مسنة فإذا حال حول ثان علي العشرة فعليه ربع مسنة وهكذا أبدا وهذا كما ذكرنا في طرو الخلطة على الانفراد يجب في السنة الاولى زكاة الانفراد وبعدها زكاة الخلطة: وعن ابن سريج أن المستفاد لا يضم إلى الاصل في النصاب كما لا يضم إليه في الحول فعلى هذا لا ينعقد الحول علي العشرة حتى يتم حول الثلاثين ثم يستأنف الحول على الكل (الثانية) ملك عشرين من الابل ستة أشهر ثم اشترى عشرا فعليه عند تمام حول العشرين أربع شياه وعند تمام حول العشرة ثلث بنت مخاض لانها خالطت العشرين في جميع حولها وواجب الثلاثين بنت مخاض حصة العشرة ثلثها فإذا حال حول ثان علي العشرين فعليه ثلثا بنت مخاض وإذا حال حول ثان علي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 484 العشرة فعليه ثلث بنت مخاض وهكذا يزكي أبدا: وعلي ما حكى عن ابن سريج عليه أربع شياه عند تمام الحول علي العشرين وشاتان عند تمام الحول على العشرة ولا نقول ههنا بعدم انعقاد الحول على العشرة حتى يستفتح حول العشرين لان العشرة من الابل نصاب بخلاف العشرة من البقر في الصورة الاولي ولو كانت المسألة بحالها واشترى خمسا فإذا تم حول العشرين فعليه أربع شياه وإذا تم حول الخمس فعليه خمس بنت مخاض وإذا تم الحول الثاني علي الاصل فعليه أربعة أخماس بنت مخاض وعلى هذا القياس وعلي ما حكي عن ابن سريج في العشرين أربع شياه أبدا عند تمام حولها وفي الخمس شاة أبدا ورأيت في بعض الشروح حكاية وجه آخر أن الخمسة لا تجرى في الحول حتى يتم حول الاصل ثم ينعقد الحول علي جميع المال وهذا يطرد في العشرة في الصورة السابقة بلا شك (الثالثة) ملك أربعين من الغنم غرة المحرم ثم اشترى أربعين غرة صفر ثم أربعين غرة شهر ربيع الاول فقد ذكرناها وما يناظرها في الفصل الثالث من الخلطة قال الصيدلانى وغيره وجميع ذلك إذا قلنا الزكاة في الذمة وأداها من غير المال فان قلنا انها تتعلق بالعين أو قلنا هي في الذمة أداها من المال فينقص الواجب من المستفاد بالقسط وكذلك في الاصل عند تمام الحول الثاني (والشرط الثالث) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 485 أن يكون حدوث الفروع بعد بلوغ الامهات نصابا فلو ملك عددا من الماشية ثم توالدت فبلغ النتاج مع الاصل نصابا فالحول يبتدئ من وقت كمال النصاب خلافا لمالك حيث اعتبر الحول من حين ملك الاصول وبه قال احمد في إحدى الروايتين والاصح عنه مثل مذهبنا * لنا مطلق الخبر (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) ولانها زيادة بها تم النصاب فيبتدئ الحول من وقت التمام كالمستفاد بالشراء وإذا اجتمعت الشرائط الثلاث ثم ماتت الامهات جميعها أو بعضها والفروع نصاب لم ينقطع حول الامهات بل تجب الزكاة فيها عند تمام حول الامهات لان الولد إذا اتبع الام في الحكم لم ينقطع الحكم بموت الام كالاضحية وغيرها هذا ظاهر المذهب وفيه وجهان آخران (أحدهما) ويشهر بالانماطى أنه يشترط بقاء نصاب من الامهات فلو نقصت عن النصاب انقطعت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 486 التبعية وكان حول الفروع من يوم حصلت لانها خرجت عن أن تجب فيها الزكاة ولو انفردث فلا تستتبع غيرها (والثانى) نقله القاضي ابن كج عن رواية أبى حامد أنه لا يشترط بقاء نصاب منها ولكن لابد من بقاء شئ منها ولو واحدة وبه قال أبو حنيفة وقد سبق ذلك في فصل صفات النقصان وقد ذكرنا مذهب مالك واحمد ايضا ثم * وأما ما يتعلق بلفظ الكتاب (فقوله) إلا في السخالي ليس الحكم مقصورا علي السخالى بل العجول والفصلان في معناها (وقوله) في وسط الحول إشارة إلى شرط الاول ويجوز أن يعلم بالميم لان القاضى ابن كج حكي عن مالك أنها تضم الي الامهات وان توالدت بعد الحول ولو حصلت بعد الحول وقبل المكان وجعلناها مضمومة إلى الامهات كما سبق فلا يكون الحصول في وسط الحول شرطا فيجوز اعلامه بالواو أيضا لذلك (وقوله) من نفس النصاب فيه اشارة الي الشرطين الآخرين (وقوله) الذى انعقد عليه الحول جار مجرى التأكيد والايضاح (وقوله) مهما أسيمت في بقية السنة كالمستغنى عنه في هذا المقام لانه ليس فيه الا تعرض لشرط السوم ونحن إذا تكلمنا في شرط لا نحتاج الي التعرض لسائر الشروط في أثنائه (وقوله) لم تنقطع التبعية معلم بالحاء والالف والواو لما قدمناه (وقوله) في آخر الفصل لحدوثها في وسط الحول كذا هو في بعض النسخ باللام وفي بعضها كحدوثها بالكاف (والاول) أقرب الي سياق كلامه في الوسيط فانه ذكر هذه المسألة بعد ذكر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 487 ما لو ملك تسعا وثلاثين فحدثت سخلة يستفتح الحول من حينئذ وبين تغايرهما بان هناك لم يكن الاصل نصابا ولم ينعقد الحول عليه وههنا ما سبق جار في الحول هذا لفظه: وهو معنى قوله ههنا لحدوثها في وسط الحول أي في أثناء الحول المنعقد علي الاصل وان قرب من الانقضاء ومن قرأ كحدوثها في وسط الحول لا يمكنه حمل وسط الحول علي ما هو المراد منه عند قوله الا في السخال الحاصلة في وسطه فان المراد ثم ما قبل التمام ولا شك أن المراد من آخر الحول ههنا حالة القرب من التمام وهى قبل التمام فلا يغاير حتى يشبه أحدهما بالآخر فلعله يحمل الوسط على حقيقة المشهورة وليس ذلك بالجيد واعلم أن فائدة الضم انما تظهر إذا بلغت الماشية بالنتاج نصابا ثانيا كما لو ملك مائة شاة فحدثت احدى وعشرون سخلة فاما إذا لم يحدث الا عشرون فلا تظهر فائدته والاعتبار بالانفصال فلو خرج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 488 بعض السخلة وتم الحول قبل انفصالها فلا حكم لها ولفظ الحصول في قوله الحاصلة في وسط الحول قد يوهم خلافه فلا يغلط وإذا اختلف الساعي والمالك فقال المالك حصل هذا النتاج بعد الحول وقال الساعي بل قبله أو قال المالك حصل بسبب مستقل وقال الساعي بل من نفس النصاب فالقول قول المالك فان اتهمه الساعي حلفه * قال (الشرط الرابع أن لا يزول الملك عن عين النصاب في الزكاة العينية فان زال بالابدال بمثله ولو في آخر السنة انقطع الحول فلو عاد بفسخ أو برد بعيب استؤنف الحول ولم يبن وكذلك إذا انقطع ملكه بالردة ثم أسلم وكذا لا يبني إذا مات حول وارثه علي حوله ومن قصد ببيع ماله في آخر الحول دفع الزكاة صح بيعه (م) واثم) * قد سبق أن الزكاة ضربان زكاة تتعلق بالقيمة وهي زكاة التجارة فلا يقدح فيها ابدال عين بعين وزكاة تتعلق بالعين والاعيان التى تجب فيها الزكاة ويشترط في وجوبها الحول لو زال الملك عنها في خلاله انقطع الحول سواء بادل بجنسه كالابل بالابل أو بغير جنسه كالابل بالبقر وإذا تباد لا بكل واحد منهما يستأنف الحول وكذا الحول الحكم في النقدين إذا بادل الذهب بالذهب أو بالورق ولم يكن صيرفيا يقصد به التجارة وان كان صيرفيا اتخذ التصرف في النقدين منجرا ففيه وجهان في رواية ابن كج والحناطي وصاحب المهذب وغيرهم وقولان في رواية الشيخ أبى محمد وصاحب التهذيب وآخرين (أحدهما) لا ينقطع الحول كما في العروض لو بادل بعضها ببعض علي قصد التجارة (وأصحهما) وهو الجديد علي رواية القولين أنه ينقطع لان التجارة فيها ضعيفة نادرة والزكاة الواجبة فيها زكاة عين والي هذا ذهب ابن سريج ويحكي عنه أنه قال: بشروا الصيارفة بأن لا زكاة عليهم وبنى الصيدلانى وطائفة المسألة علي أصل وهو أن زكاة التجارة وزكاة العين إذا اجتمعتا في مال أيتهما تقدم وفيه خلاف مذكور في الكتاب في موضعه أو غلبنا زكاة التجارة لم ينقطع الحول وان غلبنا زكاة العين فحينئذ فيه وجهان وجه عدم الانقطاع ان دوام الملك حولا شرط في زكاة العين وقد فقد فيصار الي زكاة التجارة كما لو لم يبلغ ماله نصاب زكاة العين وبلغت قيمته نصاب زكاة التجارة تجب زكاة التجارة وازالة الملك عن بعض المال وو الباقي دون النصاب كازالته عن جميع النصاب هذا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 489 تفصيل مذهبنا وساعدنا أبو حنيفة في المواشى وقال في مبادلة النقد بالنقد ان الحول لا ينقطع سواء بادل الجنس بالجنس أو بغير الجنس وقال في مبادلة بعض النصاب بالجنس لا ينقطع الحول سواء فيه المواشي وغيرها بناء علي أصلين احدهما أن نقصان النصاب في أثناء الحول لا يقطع الحول عنده والثاني أن المستفاد بالشراء ونحوه يضم الي الاصل في الحول فقال مالك إذا بادل نصابا بجنسه بنى علي الحول سواء فيه المواشي وغيرها وفي مبادلة الحيوان بالنقد وعكسه ينقطع وفي مبادلة جنس من الحيوان بجنس آخر عنه روايتان وقال احمد في مبادلة النقد بالنقد بقول أبى حنيفة رحمه الله وفي مبادلة الجنس بالجنس من المواشي بقول مالك وفي مبادلة الجنس بغير الجنس من المواشي قال ينقطع * لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا زكاة في مال حتي يحول عليه الحول) ولانه أصل تجب الزكاة في عينه فلا ينبني حوله على حول غيره كالجنسين وكل ما ذكرنا في المبادلة الصحيحة اما الفاسدة فلا تقطع الحول لانها لا تزيل الملك خلافا لابي حنيفة فيما إذا اتصل القبض بها * ثم لو كانت سائمة وعلفها المشترى فقد قال في التهذيب هو كعلف الغاصب لقطع الحول وفيه وجهان وقال القاضى ابن كج عندي تسقط الزكاة وينقطع الحول لانه مأذون من جهة المالك في التصرف فاشبه علفه علف الوكيل بخلاف الغاصب. ولو باع معلوفة بيعا فاسدا فأسامها المشترى فهو كما لو أسامها الغاصب وسيأتى ذلك * إذا عرفت هذا الاصل فيتعلق به مسائل (احداها) لو باع المال الزكوى أو بادله قبل تمام الحول ثم وجد المشترى به عيبا قديما نظر ان لم يمض عليه حول من يوم الشراء فله الرد بالعيب والمردود عليه يستأنف الحول سواء رده بعد القبض أو قبله وقال أبو حنيفة رحمه الله: ان رده قبل القبض أو بعده لكن بقضاء القاضى يبني علي الحول الاول وان رده بعد القبض بالرضا يستأنف. وان مضي عليه حول من يوم الشراء ووجب عليه الزكاة فينظر ان لم يخرج الزكاة بعد فليس له الرد سواء قلنا الزكاة تتعلق بالعين أو بالذمة لان للساعي أخذ الزكاة من عينها لو تعذر أخذها من المشترى فلا يتقاعد وجوب الزكاة فيه عن عيب حادث ولا يبطل حق الرد بالتأخير إلي أن يؤدى الزكاة لانه غير متمكن من الرد قبله وإنما يبطل الحق بالتأخير مع التمكن ولا فرق في ذلك بين عروض التجارة وبين الماشية التى تجب زكاتها من جنسها وبين الابل التي تجب فيها الغنم وبين سائر الاموال. وفي كلام ابن الحداد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 490 تجويز الرد قبل إخراج الزكاة ولم يثبتوه وجها وان أخرج الزكاة نظر إن أخرجها من مال آخر فينبني جواز الرد علي أن الزكاة تتعلق بالعين أو تجب في الذمة وفيه خلاف يأتي من بعد إن قلنا تجب في الذمة والمال مرهون به فله الرد كما لو رهن ما اشترى ثم انفك ووجد به عيبا وان قلنا يتعلق بالعين تعلق الارش بالعبد الجاني فكذلك الجواب وان قلنا المسكين شريك فهل له الرد حكي الشيخ أبو على فيه طريقين (أحدهما) ان فيه وجهين كما لو اشترى شيئا وباعه وهو غير عالم بعيبه ثم اشتراه أو ورثه هل يرد فيه خلاف وهذا ما ذكره العراقيون والصيدلاني وغيرهم (والثانى) القطع بأن له الرد إذ ليس للمسكين شركة محققة في هذا المال ألا ترى أن له أن يودى الزكاة من مال آخر بخلاف ما لو باعه فانه زال الملك لا محالة ولانه بالبيع قد استدرك الظلامة التي لحقته بالشراء من حيث انه روج كما روج عليه وباخراج الزكاة لم يستدرك الظلامة قال الشيخ هذا الطريق علي الصحيح وبه أجاب كثير من أئمتنا ولم يذكروا سواه ورأيت للقاضي ابن كج رواية وجه غريب انه ليس له الرد على غير قول الشركة أيضا لان ما أداه عن الزكاة قد يخرج مستحقا فيتبع الساعي عين النصاب وامام الحرمين أشار إلى هذا الوجه لكن خصه بقدر الزكاة وقال فيما وراءه قولا تفريق الصفقة وان أخرج الزكاة من عين المال فان كان الواجب من جنس المال أو كان من غير جنسه فباع منه بقدر الزكاة فهل له رد الباقي فيه قولان (أحدهما) وهو المنصوص عليه في الزكاة انه ليس له ذلك وهذا إذا لم نجوز تفريق الصفقة وعلي هذا هل يرجع بالارش منهم من قال لا يرجع ان كان المخرج باقيا في يد المساكين فانه ربما يعود إلي ملكه فيتمكن من أداء الجميع فان كان تالفا رجع ومنهم من قال يرجع مطلقا وهو ظاهر نصه لان نقصانه عنده كعيب حادث ولو حدث عيب وامتنع الرد يرجع بالارش ولا ينتظر زوال العيب الحادث (والقول الثاني) انه يرد الباقي بحصته من الثمن وهذا إذا جوزنا تفريق الصفقة وسيأتي القولان في موضعهما إن شاء الله تعالي وفيه قول ثالث أنه يرد الباقي وقيمة المخرج في الزكاة ويسترد جميع الثمن ليحصل غرض الرد ولا تتبعض الصفقة ولو اختلفا في قيمة المخرج علي هذا القول فقال البائع ديناران وقال المشترى بل دينار فالقول قول من: فيه قولان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 491 (أحدهما) قول البائع لان الاصل استمرار ملكه في الثمن فلا يسترد منه الا بما يقر به (والثاني) قول المشترى لانه غارم لما أخرجه (المسألة الثانية) حكم الاقالة حكم الرد بالعيب في جميع ما ذكرنا ولو باع المال الزكوى في خلال الحول بشرط الخيار وفسخ البيع فان قلنا الملك في زمان الخيار للبائع أو هو موقوف بنى علي حوله ولم يستأنف وان قلنا انه للمشترى فالبائع يستأنف بعد الفسخ (الثالثة) لو ارتد في خلال الحول هل ينقطع الحول يبني علي الخلاف في ملك المرتد ان قلنا يزول بالردة ينقطع فان عاد الي الاسلام استأنف وإن قلنا لا يزول فالحول مستمر وعليه الزكاة عند تمامه وان قلنا انه موقوف فان هلك علي الردة تبين الانقطاع من وقت الردة وان عاد الي الاسلام تبين استمرار الملك ووجوب الزكاة علي المرتد في الاحوال الماضية في الرد ينبنى على هذا الخلاف أيضا وسنذكره في الركن الثالث ان شاء الله تعالي (الرابعة) لو مات في أثناء الحول وانتقل مال الزكاة الي الوارث هل يبنى علي حول المورث فيه قولان (القديم) نعم لانه خليفته في حقوق الملك ألا ترى انه يقوم مقامه في حق الخيار والرد بالعيب (والجديد) وهو المذكور في الكتاب انه لا يبني بل يبتدئ الحول من يوم ملكه كما لو ملك بالشراء وغيره وبهذا قال أبو حنيفة وذكر القاضي ابن كج أن أبا اسحق قطع به وامتنع من اثبات قول آخر فحصل في المسألة طريقان وحيث قلنا لا يبنى فلو كان مال تجارة لا ينعقد الحول عليه حتى يتصرف الوارث بنية التجارة ولو كانت سائمة ولم يعلم الوارث الحال حتي تم الحول فهل تجب الزكاة أم يبتدئ الحول من يوم علم: فيه خلاف مبنى علي أن قصد السوم هل يعتبر وسيأتى ذلك (الخامسة) لا فرق في انقطاع الحول بالمبادلة والبيع في خلاله بين أن يكون محتاجا إليه وبين أن لا يكون بل قصد الفرار من الزكاة الا انه يكره الفرار وعن مالك وأحمد إذا قصد الفرار من الزكاة أخذت منه الزكاة وهل ذلك لامتناع صحة البيع أم كيف الحال قال في الوسيط عند الجزء: 5 ¦ الصفحة: 492 مالك لا يصح البيع وأشار المسعودي الي انه إذا عاد الي ملكه يبنى ولا يستأنف ونقل الماضي ابن كج انه إذا باع وقد قرب الحول فرارا من الزكاة أخذت منه الزكاة وهذا يوهم الاكتفاء بما مضى من الحول والله أعلم * ونرجع الآن إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب ونظمه (أما قوله) أن لا يزول الملك عن عين النصاب في الزكوات العينية فلا شك ان المراد منه عدم الزوال مدة هذا الحول لا على الاطلاق واحترز بالزكاة العينية عن زكاة التجارة فان التبادل فيها لا يقدح علي ما قدمنا ولمستدرك أن يقول الكلام الآن في زكاة النعم والشروط المذكورة تنصرف من حيث النظم والترتيب إليها فلا حاجة إلي الاحتراز عن زكاة التجارة وهو غير متناول بالكلام. واعلم أن السابق إلي الفهم من حولان الحول هو مضي المدة المعلومة في ملكه بصفة التوالي لكن لا يمكن أن يكون مراد صاحب الكتاب من شرط الحول هذا لانه لو أراده لارتفع الفرق بين الشرط الثالث والرابع وعاد إلى شئ واحد بل المراد من شرط الحول في إيراده مجرد مضي المدة في ملكه من غير اعتبار صفة التوالى (وقوله) فان زال بالابدال بمثله لا فرق عندنا بين أن يبدله بالمثل أو بغير المثل وإنما خص الكلام بالابدال بالمثل لانه محل النظر والخلاف على ما تقدم واعلم لذلك قوله انقطع الحول بالحاء والميم والالف (وقوله) ولو عاد بفسخ أورد بعيب الرد بالعيب هو: ضرب من الفسخ أيضا لكن كأنه أراد بالفسخ ما ثبت لا بسبب العيب كالفسخ بشرط الخيار وخيار الروية إن اثبتناه والمقابلة إذا جعلناها فسخا وهو الصحيح (وقوله) وكذا إذا انقطع ملكه بالردة أي إذا قلنا إن الردة نزيل الملك فإذا أسلم استأنف الحول علي ما بينا وقد وسم قوله وكذا إذا انقطع بالواو لا للخلاف في أن الردة هل تزيل الملك أم لا فان في نفس اللفظ أشعارا به لكن لانه ذكر في الوسيط أن القول القديم في أن الوارث يبني علي حول المورث طرد في أن المرتد بعد الاسلام يبني وان حكمنا بانقطاع ملكه بالردة وحكى الحناطي أيضا وجها علي هذا القول أنه لا يستأنف (وقوله) من قصد بيع ماله فيه إضمار أي قصد فرارا من الزكاة واعلم قوله صح بيعه بالميم لما ذكرنا عن مالك في بعض الروايات (وقوله) وأثم حكم بالتحريم وقد حكاه امام الحرمين عن بعض المصنفين وتردد فيه من جهة أنه تصرف مسوغ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 493 ولو أثمناه لكان ذلك بمجرد القصد والموجود في لفظ الشافعي رضي الله عنه وجمهور الاصحاب انما هو الكراهية والله أعلم * قال (الشرط الخامس السوم فلا زكاة فيما علف في معظم السنة وفيما دونه أربعة أوجه (أفقهها) أن المسقط قدر يعد مؤنة بالاضافة الي رفق السائمة وقيل لا يسقط الا العلف في معظم السنة وقيل القدر الذى كانت الشاة تموت لولاه يسقط حتي لو أسامها نهارا وعلفها ليلا لم يسقط وقيل ما يتمول من العلف يسقط) * لا تجب الزكاة في النعم الا بشرط السوم خلافا لمالك واحتج الشافعي رضى الله عنه بمفهوم ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (في سائمة الغنم زكاة) وعن أنس (أن أبا بكر رضي الله عنهما كتب له فريضة الصدقة التى أمر الله تعالى رسوله بها وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة إذا عرف ذلك فالسائمة في جميع الحول تجب فيها الزكاة والمعلوفة في جميع الحول أو اكثره لا زكاة فيها وان اسيمت في بعض الحول وعلفت في بعضه وهو دون المعظم فقد حكي في الكتاب فيه أربعة أوجه (أفقهها) عنده أنه أن علفت قدرا يعد مؤنة بالاضافة الي رفق السائمة فلا زكاة وان استحقر بالاضافة إليه وجبت الزكاة كما لو اسيمت في جميع الحول وفسر رفق السائمة بدرها ونسلها وأصوافها وأوبارها ويجوز أن يقال: المراد منه رفق اسامتها فان في الرعى تخفيفا عظيما فان كان قدر العلف حقيرا بالاضافة لايه فلا عبرة به والي هذا الوجه يميل كلام القاضي ابن كج وفيما علق عن الشيخ ابي محمد أن أبا اسحاق رجع إليه بعد ما كان يعتبر الاغلب (والثانى) أن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 494 ذلك لا أثر له وانما ينقطع الحول وتسقط الزكاة بالعلف في اكثر السنة وبه قال أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله لانه إذا كانت الاسامة اكثر تخف المؤنة ويحكي هذا عن ابن ابي هريرة تخريجا من احد القولين في السقى بماء السماء والنضح أنه يعتبر الاغلب منهما وعلي هذا الوجه لو استويا قال في النهاية فيه تردد والاظهر السقوط (والوجه الثالث) أنه ان علف قدرا كانت الماشية تعيش لولاه لم يؤثر وان علف قدرا كانت تموت لو لم نزع ولا علفت في تلك المدة انقطع الحول وسقطت الزكاة لظهور المؤنة وهذا هو الذى ذكره الصيدلاني وصاحب المهذب وكثير من الائمة وقد قيل ان الماشية تصبر عن العلف اليوم واليومين ولا تصبر ثلاثة فصاعدا قال في النهاية ولا يبعد أن يلحق الضرر البين بالهلاك على هذه الطريقة (والوجه الرابع) أن ما يتمول من العلف وان قل يبطل حكم السوم فلو أسيمت بعد ذلك استؤنف الحول لان رفق السوم لم يتكامل * فان قلت هذه الوجوه مخصوصة بما إذا لم يقصد بالعلف قطع السوم وان قصده ينقطع الحول لا محالة أو هي مخصوصة بما إذا قصده وإن لم يقصد لم يؤثر لا محالة أو هي شاملة للحالتين: فاعلم أن في كلام الناقلين لبسا في ذلك ولعل الاقرب تخصيص الخلاف بما إذا لم يقصد شيئا أما إذا علف علي قصد قطع السوم ينقطع الحول لا محالة كذا أورد صاحب العدة وغيره ولا أثر لمجرد نية العلف ولو علفها قدرا يسيرا لا يتمول فلا أثر له أيضا واليه أشار بقوله في الكتاب في الوجه الرابع وقيل كل ما يتمول من العلف يسقط ويجوز أن يعلم من لفظ الكتاب ما سوى الوجه الثاني بالالف والحاء لما ذكرنا أن مذهبهما الثاني ولا يخفى أن المراد من قوله ولا زكاة فيما علف في معظم السنة ما إذا تمحض العلف إذ لو كانت تسام نهارا وتعلف ليلا في جميع السنة كان موضع الخلاف علي ما سبق * (فرع) لو كانت ماشيته سائمة لكنها تعمل كالنواضح ونحوها فهل تجب الزكاة فيها فيه وجهان حكاهما أبو القاسم الكرخي وآخرون (أصحهما) لا وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وهو ما أورده معظم العراقيين لانها لا تقتنى للنماء وإنما تقتنى للاستعمال فلا تجب الزكاة فيها كثياب البدن ومتاع الدار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 495 وروى أنه صلي لله عليه وسلم قال (ليس في البقر العوامل صدقة) (والثاني) نعم لحصول الرفق بالاسامة وزيادة فائدة الاستعمال وفي لفظ المختصر ما يمكن الاحتجاج به لهذا الوجه وهو الذى ذكره الشيخ أبو محمد في مختصر المختصر وغيره * قال (ولو اعتلفت الشاة بنفسها أو علفها المالك لامتناع السوم بالبلح علي أن يردها الي الاسامة أو علفها الغاصب ففى سقوط الزكاة وجهان يعبر عنهما بأن القصد هل يعتبر وكذا الخلاف في قصد السوم فان أوجبنا الزكاة في معلوفة اسامها الغاصب ففى رجوعه بالزكاة علي المغصوب منه الوجهان) * الاصل في هذه المسائل انه اختلف الوجه في أن القصد في العلف والسوم هل يعتبر فمن الاصحاب من قال لا يعتبر اما في العلف فلانه يفوت شرط السوم سواء كان عن قصد أو لم يكن (واما) في السوم (فلانه) يحصل به الرفق وتخف المؤنة وان لم يكن عن قصد ومنهم من قال يعتبر (اما) في العلف (فلانه) إذا لم يقصده يدام حكم السوم رعاية لجانب المحتاجين (واما) في السوم) فلانه) إذا لم يلتزم وجوب الزكاة في هذا المال وجب ان لا يلزم ويتفرع علي هذا الاصل صور منها لو اعتلفت سائمة بنفسها القدر المؤثر من العلف هل ينقطع الحول فيه وجهان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 496 والموافق لاختيار الاكثرين في نظائرها انه ينقطع لفوات شرط السوم فصار كفوات سائر شروط الزكاة لا فرق فيه بين ان يكون عن قصد أو اتفاقا ولو رتعت الماشية بنفسها ففي وجوب الزكاة وجهان ايضا وفي كلام اصحابنا العراقيين طريقة أخرى قاطعة بعدم الوجوب ههنا (ومنها) لو علف المالك ماشيته لامتناع السوم بالبلح وهو علي عزم ردها إلى الاسامة عند الامكان ففيه الوجهان (أظهرهما) انقطاع الحول لفوات الشرط (والثاني) لا كما لو لبس ثوب تجارة لا بنية القنية لا تسقط الزكاة. وأعلم أن العلف في هذه الصور جرى بقصد المالك واختياره لكن لما كانت الضرورة داعية إليه وكان ملجأ إليه الحقت الصورة بما إذا جرى العلف من غير قصده وطرد الخلاف فيها (ومنها) لو غصب سائمة وعلفها فيخرج اولا على انه لو لم يعلفها هل كان تجب الزكاة فيها أم لا تجب لكونها مغصوبة وفيه خلاف يأتي في الفصل التالي لهذا الفصل فان قلنا لا زكاة في المغصوب فلا شئ فيها وان قنلا تجب الزكاة في المغصوب فههنا وجهان (أحدهما) تجب لان فعل الغاصب عديم الاثر في تغيير حكم الزكاة الا يرى أنه لو غصب ذهبا وصاغه حليا لا تسقط الزكاة (والثانى) لا تجب لفوات شرط السوم كما لو ذبح الغاصب بعض الماشية وانتقص النصاب وهذا أصح عند الاكثرين وفصل الشيخ أبو محمد فقال ان علفها بعلف من عنده فالاظهر أن حكم السوم لا ينقطع لانه لا يلحق مؤنه بالمالك ولو كان الامر بالعكس فغصب معلوفة وأسامها ان قلنا لا زكاة في المغصوب فذاك وان قلنا تجب فوجهان (احدهما) تجب لخصول الرفق وخفة المؤنة وصار كما لو غصب حنطة وبذرها يجب العشر فيما ينبت منها (وأظهرهما) لا تجب لان المالك لم يقصد الاسامة وشبهوا ذلك بما إذا رتعت الماشية بنفسها لكن الخلاف يجرى فيه على أحد الطريقين كما سبق وإذا أوجبنا الزكباة فقد حكي في التهذيب وجهين في انها تجب علي الغاصب لانها مؤنة لزمت بفعله أو علي المالك لان نفع خفة المؤنة عائد إليه ثم حكي علي هذا وجهين آخرين في انه إذا أخرج المالك بزكاة هل يرجع بها علي الغاصب وقوله في الكتاب فان أوجبنا الزكاة في معلوفة اسامها الغاصب ففى رجوعه بالزكاة علي الغاصب على الغاصب وجهان أراد به ان اوجبناها علي المالك وجه عدم الرجوع أن سبب الزكاة ملك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 497 المال ووجه الرجوع وهو الاظهر أنه لولا فعل الغاصب لما وجبت الزكاة وقطع صاحب التتمة بالرجوع ورد الخلاف الي أنه هل يؤمر الغاصب بالاخراج أم يخرج المالك ثم يغرم له الغاصب وذكر في النهاية وجهين في أنا إذا أثبتنا الرجوع للمالك هل يرجع قبل إخراج الزكاة أم يخرج ثم يرجع. واعلم أن الجارى على قياس المذهب لمن أوجب الزكاة ههنا أن يوجبها علي المالك ثم يغرم له الغاصب (أما) ايجاب الزكاة علي غير المالك فبعيد وان كنا نوجب عليه ابتداء فيجب أن نوجب أيضا وإن قلنا لا تجب الزكاة في المغصوب * قال (الشرط السادس كمال الملك وأسباب الضعف ثلاثة (الاول) امتناع التصرف فإذا تم الحول على مبيع قبل القبض أو مرهون أو مغصوب أو ضال أو مجحود ولا بينة عليه أو دين علي معسر ففى جميع ذلك خلاف لحصول الملك وامتناع التصرف وفي المغصوب قول ثالث أنه إن عاد بجميع فوائده زكاه لاحواله الماضية وإن لم تعد الفوائد فلا والتعجيل قبل عود المال غير واجب قطعا والدين المؤجل قيل انه يلحق بالمغصوب وقيل كالغائب الذى يسهل احضاره فان اوجبنا لم يجب التعجيل في أصح الوجهين لان الخمسة نقدا تساوى ستة نسيئه فيودى إلى الاجحاف به) * انما جعل أسباب الضعف ثلاثة لان المالك اما أن لا يكون مستقرا هو السبب الثالث أو يكون مستقرا فاما ان يتسلط الغير علي إزالته وهو السبب الثاني اولا يتسلط فاما تمتنع فيه التصرفات بكمالها وهو السبب الاول أو لا تمتنع فلا ضعف ومما يجب معرفته أن اعتبار هذا الشرط مختلف فيه فان في مسائله كلها اختلاف قول أو وجه على ما سيأتي * إذا تقرر ذلك ففى الفصل مسائل (احداها) ما لو ضل ماله أو غصب أو سرق وتعذر انتزاعه أو اودعه عند انسان فجحده أو وقع في بحر فهل تجب فيه الزكاة قال في باب صدقة الغنم: ولو ضلت عنمه أو غصبها أحوالا ثم وجدها زكاها لاحوالها وقال في باب الدين مع الصدة: ولو جحد ماله أو غصبه أو غرق فاقام زمانا ثم قدر عليه فلا يجوز فيه الا واحد من قولين أن لا يكون عليه زكاة حتى يحول الحول عليه من يوم قبضه لانه مغلوب عليه أو يكون عليه الزكاة لان ملكه لم يزل عنه واختلف الاصحاب على ثلاث طرق (أصحهما) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 498 أن المسألة علي قولين (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا زكاة في هذه الاموال لتعطل نماءها وفائدتها عليه بسبب خروجها من يده وامتناع التصرف فيها فاشبهت مال المكاتب لا تجب الزكاة فيها على السيد (وأصحهما) الوجوب لملك النصاب وحولان الحول وعبر أصحابنا العراقيون وغيرهم عن هذا القول بالجديد وعن الاول بالقديم وعن احمد روايتان كالقولين (أصحهما) الوجوب * وقال مالك: تجب فيها زكاة الحول الاول دون سائر الاحوال (والطريق الثاني) أنه تجب الزكاة فيها قولا واحدا ومن قال بهذا يحمل ما ذكره من الترديد علي الرد على مالك فقال: أراد الشافعي رضي الله عنه أن لا يتوجه الا وجوب زكاة جميع الاحوال كما قلت لاستمرار الملك أو نفيها علي الاطلاق كما قال أبو حنيفة (أما) الفصل بين السنة الاولي وغيرها فلا سبيل إليه والثالث حكي القاضى ابن كج عن ابن خيران أن المسألة علي حالين حيث قال: يزكيها لاحوالها أراد إذا عادت إليه بنماءها وحيث قال لا تجب أراد إذا عادت إليه من غير نماءها فان قلنا بالطريقة الاولى فهل القولان مطلقان أم لا فيه طريقان احدهما وبه قال ابن سريج وأبو إسحق لا بل موضع القولين ما إذا عادت إليه من غير نماءها فان عادت إليه بنماءها وجبت الزكاة قطعا لان الموثر علي قول إنما هو فوات النماء عليه وذكر امام الحرمين شيئين على هذه الطريقة ينبغي أن يحاط بهما (أحدهما) أنه إن عاد المال إليه مع بعض الفوائد دون بعض كان كما لو لم يعد شئ من الفوائد إليه (والثانى) أن المعنى بفوات الفوائد أن يهلكها الغاصب أو تضيع لزوال نظر المالك ويتعذر تغريم الغاصب (فأما) إذا فات شئ في يد الغاصب كان يفوت في يد المالك أيضا (فلا) مبالاة ولو غرم الغاصب كان كما لو عادت الفوائد بأعيانها ويتخرج علي هذه الطريقة قول من قال: ان كان المال المغصوب الدراهم والدنانير ففى وجوب الزكاة قولان وان كان المواشي فتجب الزكاة بلا خلاف لان الدراهم لا تعود بربحها فان ما حصل من الربح يكون للغاصب والمواشى تعود بفوائدها اما بعينها أو بقيمتها حتى لو غصبها أهل الحرب وأتلفوا الدر والنسل جرى فبها القولان هذا أحد الطريقين (وأصحهما) وبه قال أبو على بن ابي هريرة والطبري طرد القولين في الحالتين لان المؤثر علي أحد القولين فوات الجزء: 5 ¦ الصفحة: 499 اليد والتصرف دون فوات النماء ألا ترى ان الذكور التى لا تنمو تجب فيها الزكاة وجميع ما ذكرناه فيما إذا عاد المال إليه إليه ولا شك في أنه لا يجب اخراج الزكاة قبل عود المال الي يده. ولو تلف بعد مضي أحوال في الحيلولة سقطت الزكاة علي قول الوجوب لانه لم يتمكن من المال وتلف المال بعد الوجوب وقبل التمكن يسقط الزكاة ثم اعرف في المسألة أمرين آخرين (احد هما) ان موضع الخلاف في الماشية المغصوبة ما إذا كانت سائمة في يد المالك والغاصب جميعا فان كانت معلوفة في يد احدهما عاد النظر في أن علف الغاصب واسامته هل يؤثر ان (والثاني) ان زكاة الاحوال الماضية انما تجب علي أحد القولين إذا لم تنقص الماشية عن النصاب باخراج زكاة بعض الاحوال أما إذا كانت نصابا بلا مزيد ومضي عليه أحوال فالحكم علي هذا القول كما لو كانت في يده ومضى أحوال ولم يخرج الزكاة وسنذكره ان شاء الله تعالي جده ولو كانت له اربعون من الغنم فضلت منها واحدة ثم وجدها ان قلنا لا زكاة في الضالة استأنف الحول سواء وجدها قبل تمام الحول أو بعده وان قلنا تجب الزكاة فيها فان وجدها قبل تمام الحول بنى وان وجدها بعده اخرج الزكاة عن الا ربعين ولو دفن ماله في موضع ونسيه ثم تذكره فهذا ضرب من الضلال وفيه ما ذكرنا من الخلاف ولا فرق بين ان يكون الدفن في داره أو في غيرها وقطع بعض المثبتين للقولين في سائر صور الضلال بالوجوب ههنا لانه غير معذور بالنسيان وعند ابي حنيفة رحمه الله ان دفنه في حرزه ففيه الزكاة والا فلا ولو أسر المالك وحيل بينه وبين ماله ففيه طريقان منهم من طرد الخلاف ومنهم من قطع بالوجوب وهو الاصح لان تصرفه نافذ فيه بالبيع وغيره بخلاف ما لو غصب ماله أو ضل. واعلم ان الائمة ذكروا ان مذهب مالك في الفصل بين الحول الاول وما بعده علي ما سبق مبني علي اصل له وهو ان الامكان من شرائط وجوب الزكاة ولا يبتدئ الحول الثاني الا من يوم الامكان ويوم الامكان ههنا هو يوم الوجدان فمنه يفتتح الحول الثاني ولا يخرج لما مضي الا زكاة حول وهذا الذى ذكروا يقتضى أن يكون للشافعي رضي الله عنه قول مثل مذهبه لان له قولا كمذهبه في أن لامكان من شرائط الوجوب والله أعلم (المسألة الثانية) لو اشترى من الاموال الزكوية نصابا ولم يقبضه حتي مضى حول الجزء: 5 ¦ الصفحة: 500 في يد البائع هل تجب الزكاة على المشترى فيه طرق (أحدها) حكي في النهاية عن بعض المصنفين عن القفال أنها لا تجب قولا واحدا بخلاف المغصوب لان ملك المشترى ضعيف فيه الا ترى أنه لا ينفذ تصرفه وإن رضي البائع ولو تلف تلف علي ملك البائع (وثانيها) أنه على القولين في المغصوب (وأصحهما) وبه قطع الجمهور وجوب الزكاة فيها قولا واحدا بخلاف المغصوب فانه يتعذر الوصول إليه وانتزاعه وههنا يمكنه تسليم الثمن وتسلم المبيع (الثالثة) لو رهن ما شيته أو غيرها من اموال الزكاة فقد حكى الامام والمصنف في الوسيط في وجوب الزكاة فيها عند تمام الحول وجهين لامتناع التصرف وعلي ذلك جرى ههنا فا ثبت الخلاف في المرهون كما في المغصوب والمجحود ونحوهما وقطع الجمهور بوجوب الزكاة فيه وقالوا لا اعتبار بامتناع التصرف فيه كما في الصبى والمجنون ولهم أن يفرقوا بين الحيلولة وامتناع التصرف الواقعين في المرهون وبين الحيلولة وامتناع التصرف الواقعين في المغصوب بأن ما حصل في ما حصل في المرهون حصل برهنه واقباضه وهو بما فعل منتفع بملكه ضربا من الانتفاع بخلاف المغصوب والمجحود نعم يجئ في وجوب الزكاة في المرهون الخلاف بجهة أخرى وهى أن الرهن لابد وان يكون بدين فيأتى فيه الخلاف الذى سنذكره في ان الدين هل يمنع وجوب الزكاة ام لا والذى قاله الجمهور جواب علي القول المشهور وهو انه لا يمنع ثم إذا حكمنا بوجوب الزكاة فيبقى الكلام في انها تؤخذ من عين المرهون أو غيره وقد ذكر في الكتاب قبيل النوع الثاني من الزكاة فنشرحه إذا انتهينا إليه (الرابعة) الدين الثابت علي الغير إما ان لا يكون لا زما كمال الكتابة فلا زكاة فيه لان الملك غير تام فيه وللعبد اسقاطه متى شاء وان كان لازما فينظر ان كان ماشية فلا زكاة فيها ايضا وذكروا له معنيين (احد هما) ان السوم شرط لزكاة المواشى وما في الذمة لا يتصف بالسوم وذلك ان تقول لم لا يجوز ان تكون الماشية الثابتة في الذمة موصوفة بوصف كونها سائمة الا ترى انا نقول ذا اسلم في اللحم يتعرض لكونه لحم راعية أو معلوفة فإذا جاز ان يثبت في الذمة لحم راعية جاز ان يثبت في الذمة راعية (واصحهما) ان الزكاة انما تجب في المال النامى والماشية في الذمة لا تنموا بخلاف الدراهم إذا ثبتت في الذمة فان سبب الزكاة فيها رواجها وكونها معدة للتصرف ولا فرق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 501 فيه بين ان يكون نقدا أو على مليئ وان كان الدين عروض تجارة أو دراهم أو دنانير ففيه قولان قال في القديم فيما رواه الزعفراني لا زكاة في الدين بحال لانه لا ملك فيه حقيقة فأشبه دين المكاتب (والجديد) الصحيح انها تجب في الدين في الجملة وتفصيله انه ان كان يتعذر الاستيفاء لكون من عليه معسرا أو لكونه جاحدا ولا بينة عليه أو ماطله فهو كالمغصوب ففى وجوب الزكاة فيه القولان ولا يجب الاخراج قبل حصوله قطعا وفرق في العدة بين الجحود والاعسار فجعل وجوب الزكاة في الصورتين علي القولين وبين المطل فقطع بوجوب الزكاة فيه وكذا فيما إذا كان دينه علي مليئ غائب وإن لم يتعذر استيفاؤه بأن كان علي مليئ مقر باذل فينظر ان كان حالا وجبت الزكاة فيه ويلزم إخراجها في الحال خلافا لا بى حنيفة وأحمد رحمهما الله حيث قالا لا يؤمر باخراجها الا بعد القبض لنا انه مال مقدور عليه فأشبه ما لو كان مودعا عند انسان وان كان مؤجلا ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) انها تجب فيه الزكاة قولا واحدا كالمال الغائب الذى يسهل احضاره (والثانى) انه لا زكاة فيه قولا واحدا ويحكى هذا عن ابن أبي هريرة لان من له دين مؤجل لا يملك شيئا قبل حلول الاجل (والثالث) وبه قال أبو إسحق أنه علي القولين في المغصوب والمجحود لانه لا يتوصل إلى التصرف فيه قبل الحلول وهذا أظهر عند الائمة وإذا قلنا تجب فيه الزكاة فهل يلزم اخراجها في الحال فيه وجهان (أحدهما) نعم كالغائب الذى يسهل احضاره (وأصحهما) لا حتى يقبضه لانه لو أخرج خمسة نقدا مثلا وماله مؤجل كان بمثابة اخراج ستة وهو اجحاف به فان الخمسة نقدا تساوى ستة نسيئة ولا سبيل الي القناعة بما دون الخمسة (الخامسة) المال الغائب إذا لم يكن مقدورا عليه لا نقطاع الطريق أو انقطاع خبره فهو كالغصوب والمجحود وذكر في التهذيب وجها آخر انه يجب الزكاة فيه لا محالة نعم لا يخرج في الحال حتى يصل إليه وان كان مقدورا عليه معلوم السلامة وجب اخراج زكاته في الحال وينبغي أن يخرج في بلد المال فان أخرج في غير ذلك البلد ففيه خلاف نقل الصدقة وهذا إذا كان المال مستقرا في بلد فان كان سائرا فقد قال في العدة لا يخرج زكاته حتي يصل إليه فإذا وصل زكاه لما مضي بلا خلاف ثم أعود بعد هذا الي ما يتعلق بألفاظ الكتاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 502 (قوله) أو مجحود لا بينه عليه يتناول العين بجحدها من أودع عنده والدين جميعا وانما قل لا بينة عليه لانه لو كان له بينة عاد له فالحكم كما لو لم يكن جاحدا لانه يقدر على الاثبات والاستيفاء ولو كان القاضي عالما بالحال وقلنا انه يقضى بعلمه فهو كما لو كانت له بينة (وقوله) ففى جميع ذلك خلاف أراد بالخلاف الذى أبهمه وجهين في الرهون على ما صرح به في الوسيط وقولين في سائر المسائل جوابا علي طريقة اثبات القولين فيهما ألا تراه يقول بعد ذلك وفي المغصوب قول ثالث ولك ان تعلم قوله ففى جميع ذلك خلاف بالواو اشاره الي الطرق القاطعة بالنفى أو الاثبات (وقوله) وفي المغصوب قول ثالث اشارة الي طريق من خص القولين بما إذا عاد المال إليه بفوائده وإذا ضم ذلك الي قول من طرد القولين خرجت ثلاثة اقوال كما ذكره وربما اوهم قوله وفي المغصوب قول ثلث تخصيص هذا القول بالمغصوب من بين سائر الصور وليس كذلك بل هو جار في الضال والمجحود ايضا (وقوله) ايضا قبل ذلك لحصول؟ الملك وامتناع التصرف اشارة الي توجيه القولين فحصول الملك وجه الوجوب وامتناع التصرف وجه المنع (وقوله) وان لم تعد الفوائد فلا غير مجرى على ظاهره بل المعنى لا بأعيانها ولا بابدالها على ما سبق بيانه (وقوله) والتعجيل قبل عود المال وقوله بعده لم يجب التعجيل ليس المراد من التعجيل ههنا معناه المشهور في الزكاة وهو التقديم على الحول وانما المراد التقديم علي اخذ المال وقد جرى ذلك في لفظ الشافعي رضى الله عنه (وقوله) والدين المؤجل أي علي الموسر المقر (وقوله) قيل انه كالمغصوب ليس للتسوية على الاطلاق فان القول الثلث في المغصوب لا يأتي ههنا وانما الغرض منه التسوية في القولين الا ولين وكذا (قوله) وقيل كالغائب الذي يسهل احضاره ليس مجريا علي اطلاقه لان الغائب الذى يسهل احضاره يجب اخراج زكاته في الحال وفي الدين لا يجب في اظهر الوجهين بل المراد التسوية في وجوب الزكاة قولا واحدا ثم يجوز أعلام كلاميهما بالواو وللوجه المعزى الي ابن أبى هريرة * قال (السبب الثاني تسلط الغير على ملكه كالملك في زمن الخيار والمالك في اللقطة في السنة الثانية إذا لم يتملكها الملتقط هل تجب الزكاة فيها فيه خلاف) * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 503 في الفصل مسألتان (أحدهما) إذا باع مالا زكويا قبل تمام الحول بشرط الخيار فتم الحول في مدة الخيار أو اصطحبابه مدة فتم الحول في خيار المجلس فوجوب الزكاة ينبنى علي الخلاف في أن الملك في زمان الخيار لمن يكون: إن قلنا أنه للبائع فعليه الزكاة وبهذا القول أجاب الشافعي رضى الله عنه في هذه المسألة التى نحن فيها وإن قلنا انه للمشترى فلا زكاة علي البائع لانقطاع حوله بزوال ملكه والمشترى يبتدئ الحول من يوم الشراء فإذا تم الحول من يومئذ وجبت الزكاة عليه وان قلنا انه موقوف فان تم العقد تبين الملك للمشترى وان فسخ تبينا انه كان للبائع وحكم الحالتين ما ذكرنا هذا ما ذكره الجمهور من أئمتنا رضي الله عنهم ولم يتعرضوا لخلاف بعد البناء على الاصل المذكور قال امام الحرمين: الا صاحب التقريب فانه قال وجوب الزكاة علي المشترى مخرج علي القولين في المغصوب وبل أولى لعدم استقرار الملك مع ضعف التصرف وعلي هذا جري المصنف فاثبت الخلاف في الملك في زمان الخيار قال امام الحرمين وانما خرجه صاحب التقريب علي القولين إذا كان الخيار للبائع أو لهما فأما إذا كان الخيار للمشترى وحده والتفريع علي أن الملك له مملكه ملك الزكاة بلا خلاف لان الملك ثابت والتصرف نافذ وتمكنه من رد الملك لا يوجب توهينا وعلي قياس هذه الطريقة يجرى الخلاف في جانب البائع أيضا إذا فرعنا علي أن الملك له وكان الخيار للمشترى فانه لو أجاز لزال ملك البائع فهو ملك بتسلط الغير علي ازالته (الثانية) اللقطة في السنة الاولى باقية على ملك المالك فلا زكاة فيها على الملتقط وفي وجوبها علي المالك الخلاف المذكور في المغصوب والضال ثم ان لم يعرفها حولا فهكذا الحكم في سائر السنين وان عرفها فيبنى حكم الزكاة على أن الملك في اللقطة يحصل بنفس مضى سنة التعريف أو باختيار التملك أو بالتصرف وفيه اختلاف يأتي في موضعه ان شاء الله تعالى جده فان قلنا يملك بانقضائها فلا زكاة على المالك وفي وجوبها على الملتقط وجهان حكاهما الشيخ أبو محمد وبناهما على ان المالك لو علم بالحال والعين باقية هل يتمكن من الاسترداد ولا ان قلنا نعم فهو ملك يتسلط الغير علي ازالته وان قلنا يملك باختيار التملك وعليه بنى المسالة في الكتاب حيث قال: إذا لم يتملكها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 504 الملتقط وهو المذهب فينظر ان لم يتملكها فهى باقية على ملك المالك وفي وجوب الزكاة عليه طريقان (احدهما) ان فيه قولين كما في السنة الاولى قال في الشامل وغيره وهو الاصح (والثاني) القطع بنفى الزكاة فيها وينقل ذلك عن حكاية ابى اسحاق والفرق ان ملك المالك في المغصوب ونظائره مستقر غير معرض للزوال وملكه في اللقطة بعد سنة التعريف تعرض للازالة وان تملكها الملتقط فليس علي صاحبها زكاتها وهو يستحق القيمة على التملك لكنها في حقه ملك ضال في وجوب زكاتها الخلاف من وجهين (احدهما) انه دين (والثاني) انه غير مقدور عليه فهو كالاعيان التى لا يقدر عليها ثم الملتقط مديون بالقيمة فان لم يملك غيرها ففي وجوب الزكاة عليه الخلاف الذي نذكره في ان الدين هل يمنع وجوب الزكاة وان ملك ما بقى بالقيمة ففي الوجوب وجهان مبنيان على ما سبق (اظهرهما) واشهرهما الوجوب وان قلنا ان الملك فيها يحصل بالتصرف ولم يتصرف فالحكم كما إذا لم يتملك وقلنا لا بد منه (واعلم) ان الملتقط لورد اللقطة بعد ظهور المالك تعين عليه القبول وفي تمكن المالك من استردادها قهرا وجهان وهذا يوجب ان تكون القيمة الواجبة بعرض السقوط و (حينئذ) لا يبعد التردد في امتناع الزكاة فان قلنا الدين لا يمنع الزكاة كالتردد في وجوب الزكاة على الملتقط مع الحكم بثبوت الملك له لكونه يعرض للزوال وذا عرفت المسالتين لم يخف عليك أن المراد من الخلاف الذى أبهم ذكره طريقان (أظهرهما) في كلام الاصحاب في المسالة الاولي القطع بالوجوب (والثانى) اثبات القولين (واظهرهما) في الثانية اثبات القولين (والثاني) القطع بالمنع (وقوله) إذا لم يتملكها الملتقط أي بعد التعريف سنة فان التسلط حينئذ يثبت قال (وإذا استقرض المفلس مائتي درهم ففى زكاته قولان وجه المنع ضعف الملك لتسلط مستحق الدين عليه وقد يعلل بادئه الي تثنية الزكاة إذ يجب على المستحق باعتبار يساره بهذا المال وعلي هذا إن كان المستحق بحيث لا تلزمه الزكاة لكونه مكاتبا أو ذميا أو لكون الدين حيوانا أو ناقصا عن النصاب وجبت الزكاة علي المستقرض فان كان المستقرض غنيا بالعقار وغيره لم يمتنع (ز ح م) وجوب الزكاة بالدين وقيل أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة إلا في الاحوال الباطنة (ح)) * الدين هل يمنع الزكاة اختلف فيه قول الشافعي رضي الله عنه قال في أكثر الكتب الجديدة لا يمنع وهو المذهب لاطلاق النصوص الواردة في باب الزكاة وأيضا فانه مالك النصاب وتصرفه نافذ فيه وايضا فان الزكاة إما أن تتعلق بالذمة أو بعين المال ان كان الاول فالذمة لا تضيق عن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 505 ثبوت الحقوق وإن كان الثاني فالدين المتعلق بالذمة لا يمنع الحق المتعلق بالعين الا ترى أن عبد المديون لو جني تعلق ارش الجناية برقبته وقال في القديم وفي اختلاف العراقيين من الجديد أنه يمنع لان الزكاة حق يجب في الذمة بوجود مال فمنع الدين وجوبه كالحج وأيضا فلما سيأتي في التفريع ومن الاصحاب من حكى قولا ثالثا وهو أن الدين يمنع الزكاة في الاموال الباطنة وهى الذهب والفضة وعروض التجارة ولا يمنعها في الاموال الظاهرة وهي المواشي والزروع والثمار والمعادن والفرق أن الاموال الظاهرة تنمو بنفسها أو هي نماء في نفسها والاموال الباطنة ليست كذلك وانما الحقت بالناميات للاستغناء عنها واستعدادها للاسترباح بالتصرف والاخراج والدين يمنع من ذلك ويحوج ألي صرفها إلى قضائه وبهذا القول الثالث قال مالك رضي الله عنه وبالقول الثاني قال أبو حنيفة رضي الله عنه إلا أنه لا يمنع العسر عنده وعندنا لا فرق وعند احمد رحمه الله يمنع الزكاة في الاموال الباطنة وفي الظاهرة روايتان * (التفريع) إن قلنا الدين لا يمنع الزكاة فلو أحاطت بالرجل ديون وحجر عليه القاضي فله ثلاث أحوال (إحداها) أن يحجر ويفرق ماله بين الغرماء فههنا قد زال ملكه ولا زكاة عليه (والثانية) أن يعين لكل واحدد منهم شيئا من ماله علي ما يقتضيه التقسيط ومكنهم من أخذه فحال الحول ولم يأخذوه وقال معظم الاصحاب لا زكاة عليه أيضا لانه ضعف ملكه وصاروا هم أحق به ولم يحكوا فيه خلافا وحكى الشيخ أبو محمد في هذه الصورة عن بعض الاصحاب أن وجوب الزكاة يرج على الخلاف في المجحود والمغصوب لانه حيل بينه وبين ماله وعن القفال انه يخرج علي الخلاف في اللقطة في السنة الثانية لانهم تسلطوا علي إزالة ملكه تسلط الملتقط بخلاف المجحود والمغصوب ولك أن تقول ميل الاكثرين في صورة اللقطة إلى وجوب الزكاة وههنا نفوا الوجوب والصورتان يشتر كان في المعنى فهل من فارق (والجواب) انه يجوز أن يقال تسلط الغرماء أقوى من تسلط الملتقط لانهم اصحاب حق على المالك ولان تسلطهم يستند إلي تسليط الحاكم بخلاف تسلط الملتقط وأيضا فالملك الذى يتسلطون علي ازالة ملك المالك باثباته أقوى الا ترى أن للمالك استرداد اللقطة بعد تملك المتلتقط على أحد الوجهين وههنا بخلافه (واعلم) أن الشافعي رضى الله عنه قال في المختصر ولو قضى عليه بالدين وجعل لهم ماله حيث وجدوه قبل الحول ثم حال الحول قبل أن يقضيه الغرماء لم يكن عليه زكاة لانه صار لهم دونه قبل الحول فمن الاصحاب من حمله على الحالة الاولي ومنهم من حمله على الثانية (والثالثة) أن لا يفرق ماله ولا يعنى لكل واحد من الغرماء شيئا ويحول الجزء: 5 ¦ الصفحة: 506 الحول في دوام الحجر ففى وجوب الزكاة ثلاثة طرق (أصحها) تخريجه علي الخلاف في المغصوب والمجحود لان الحجر مانع من التصرف (والثانى) القطع بالوجوب وبه قال صاحب الافصاح لان الملك حاصل والحجر لا يؤثر كحجر السفيه (والثالث) ويحكى عن أبى اسحق القطع بالوجوب في الموضي لان الحجر لا يؤثر في نمائها وتخريج الذهب والفضة علي الخلاف في المغصوب لامتناع التصرف وتوقف النماء فيها علي التصرف وان قلنا الدين يمنع الزكاة فقد ذكر الائمة في توجيهه أولا شيئين واختلفوا في ان العلة منها ماذا (أحدهما) أن ملك المديون ضعيف لان مستحق الدين بسبيل من أخذه إذا لم يوفر دينه (والثاني) أن مستحق الدين يلزمه الزكاة علي ما سبق فلو ألزمنا المديون الزكاة ايضا لصار المال الواحد سببا الزكاتين علي شخصين وهو ممتنع ويتفرع علي هذا الاختلاف صور (أحداها) لو كان مستحق الدين لا تلزمه الزكاة لكونه ذميا أو مكاتبا فان قلنا بالمعنى الثاني وجب علي المديون لانه لا يلزمه التثنية ههنا وان قنلا بالمعنى الاول لم يجب لان ضعف الملك لا يختلف (الثانية) لو كان الدين حيوانا كماذا ملك أربعين من سائمة الغنم وعليه اربعون من الغنم دينا عن سلم فان قلنا بالمعنى الاول لم تجب الزكاة وان قلنا بالثاني تجب إذ لا تثنية فانه لا زكاة في الحيوان في الذمة كما مر في الفصل قبل هذا وعلى هذا يخرج ايضا ما لو أنبتت أرضه نصبا من الحنطة وعليه مثله عن سلم (والثالثة) لو ملك نصابا والدين الذى عليه ناقص عن النصاب كما لو ملك مائتي درهم وعليه مائة دينار ان قلنا بالمعني الاول فلا زكاة لتطرق النقصان إلى بعض المال ونقصان النصاب بسببه وان قلنا بالمعنى الثاني تجب لانه لا زكاة علي المستحق باعتبار هذا المال كذا أطلقوه والمراد ما إذا لم يملك سواه من دين أو عين والا فلو ملك ما يتم به النصاب فعليه زكاة باعتبار هذا المال ولو ملك بقدر الدين ما لا زكاة فيه من العقار وغيره وجبت الزكاة في النصاب الزكوى علي هذا القول ايضا خلافا لا بي حنيفة رحمه الله وحكى الشيخ أبو حامد وجها مثل مذهبه مبنيا علي لزوم التثنية ووجه الوجوب مراعاة الحظ والنفع للمساكين ولو زاد ماله الزكوى علي الدين نظر ان كان الفاضل نصابا وجبت الزكاة فيه وفي قدر الدين القولان وان كان دون النصاب لم يجب علي هذا القول لا في القدر المقابل للدين ولا في الفاضل * (فرع) منقول عن الام. ملك أربعين من الغنم فاستأجر راعيا يرعاها بشاة وحال الحول علهيا نظر إن استأجر بشاة معينة من الاربعين فكانت مختلطة بباقى الشياه فعليها شاة علي الراعي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 507 جزء من أربعين منها والباقى علي المستأجر وإن كانت منفردة فلا زكاة علي واحد منهما وان استاجره بشاة موصوفة في الذمة فان كان للمستأجر مال آخر يفى بها وجبت الزكاة في الاربعين وإلا فعلي القولين في أن الدين هل يمنع الزكاة (وأما) ما يتعلق بلفظ الكتاب من الفوائد (فقوله) وإذا استقرض المفلس مائتي درهم أشار بلفظ المفلس إلي أنه لا يملك شيئا سوى ما استقرضه ففى هذه الصورة يظهر القولان وفى معناها ما إذا كان الدين ينقص النصاب وإن لم يستغرقه فاما إذا ملك ما يفى به مما لا زكاة فيهمع النصاب أو ملك فوق قدر الدين فقد ذكرناه ثم ان أجدت النظر في لفظ الكتاب بحثت عن شيئين (أحد هما) أنه صور في الاستقراض ولا مدخل للاجل فيه فهل له اثر أم لا فرق بين الدين الحال والمؤجل (والثاني) أنه صور فيما إذا كان من جنس ما على فهل يختص القولان به أم لا وان لم يخص فما الحكم عند اختلاف الجنس (والجواب) أما الاول فلا فرق بين الدين الحال والمؤجل هكذا اورد صاحب التهذيب وغيره (واما الثاني) فان قنلا الدين لا يمنع الزكاة عند اتحاد الجنس فعند الاختلاف اولي وان قلنا يمنع فقد اشار امام الحرمين إلى تردد عند اختلاف الجنس وقال الاصح المنع في هذه الصورة والاشبه بسياق كلامه انه اراد منع التأثير لكن الاصح في التهذيب انه يمنع الزكاة تفريعا علي هذا القول كا لو اتحد الجنس ويجوز ان يخرج هذا التردد علي ما سبق من التعليلين ان عللنا بالضعف فهو موجود وان عللنا بالتثنية فههنا لا تلزم التثنية في مال واحد (وقوله) وجه المنع ضعف الملك الي ان قال وقد يعلل اداءه الي تثنية الزكاة. فيه اشارة الي ترجيح العلة الاولي حيث وجه المنع بها ثم حكي العلة الثانية حكاية والامر علي ما شار إليه نقلا ومعنى اما النقل فلان الاكثرين اجابوا في الصور المفرعة على التعليلين بما يقتضيه الاول وأما المعنى فمن وجهين (احدهما) انا لا نسلم لزوم التثنية في المال الواحد وهذا لان المستحق للمقترض هذا المال والمستحق للمقترض مطلق المال لا هذا المال فليس وجوب الزكاة عليه باعتبار هذا المال حتي تلزم التثنية (والثاني) هب انه تلزم التثنية في المال الواحد لكن التثنية كما تندفع بأن لا تجب الزكاة علي المديون تندفع بأن لا تجب على الدائن فلم يتعين الاول فان رجح جانب المديون بضعف ملكه عاد الكلام الي العلة الاولي وان رجح بأن ماله مستغرق بحاجة مهمة وهى قضاء الدين فهذا كاف في التوجيه ولا حاجة إلى توسط واسطة التثينة (وقلوه) أو يكون الدين حيوانا فيه استدراك لفظي من جهة أنه لم يذكر في أصل المسألة عبارة تشمل الحيوان وغيره حتى يخرج على التعليلين ما إذا كان الدين حيوانا وإنما تكلم في استقراض مائتي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 508 درهم والمديون بالدراهم لا يكون دينه حيوانا إلا ان اعتمد فهم المعنى والمقصود (وقوله) وان كان المستقرض غنيا بالعقار وغيره ولم يمتنع معلم بالحاء والواو لما قدمنا وأشار بلفظ العقار إلي أنه ملك ما لا غير زكوى ولك ان تبحث عن قوله وغيره فتقول المراد مطلق غير العقار أم غير العقار الذى ليس بزكوى فان كان الثاني فما الحكم لو كان عليه دين وله مالان زكويان (والجواب) أن المراد الغير الذى ليس بزكوى (أما) إذا ملك ما لين زكويين كنصاب من الغنم ونصاب من النقد وعليه دين نظر ان لم يكن الدين من جنس ما يملكه فقد قال في التهذيب يقض عليهما فان خص كل واحد منهما ما ينقص به النصاب فلا زكاة على القول الذى عليه تفرع وذكر أبو القاسم الكرخي وصاحب الشامل أنه يراعى الاحظ للمساكين كما أنه لو ملك مالا آخر غير زكوى صرفنا لا ادين إليه رعاية لحقهم. ويحكي عن ابن سريح ما يوافق هذ وإن كان الدين من جنس أحد المالين فان قلنا الدين يمنع الزكاة فيما هو من غير جنسه فالحكم كما لو لم يكن من جنس أحد هما وإن قلنا لا يؤثر من غير الجنس اختص بالجنس (وقوله) وقيل الدين لا يمنع الزكاة اشارة إلي القول الثالث في أصل المسالة على ما صرح به في الوسيط ويأتى فيه مثل استدراكه الذى على القولين الاولين والله أعلم * قال (ولو قال لله علي أن أتصدق بهذا النصاب فهذا أولي بأن يمنع الزكاة لتعلقه بعين المال ولو قال جعلت هذه الاغنام ضحايا فلا يبقى لايجاب الزكاة وجه متجه وإن تم الحول عليه. ولو قال لله علي التصدق بأريعين من الغنم فهذا دين لله فهو مرتب على دين الآدميين وأولي بأن لا يدفع الزكاة ودين الحج كدين النذر) * إذا قلنا الدين يمنع الزكاة فلا فرق عندنا بين دين الآدميين ودين الله تعالي وعند أبى حنيفة رحمه الله دين الآدميين يمنع وكذا الزكاة تمنع الزكاة والكفارات لا تمنع. إذا عرفت ذلك ففى الفصل صور (إحداها) لو ملك نصابا من المواشي أو غيرها فقال لله علي أن أتصدق بهذا المال أو بكذا من هذا المال فمضى الحول قبل التصدق هل تجب زكاته إن قلنا الدين يمنع وجوب الزكاة فههنا أولي بن لا تجب الزكاة لتعلق النذر بعين المال وصيرورته واجب التصرف الي ما نذر قبل وقت وجوب الزكاة وإن قلنا الدين لا يمنع وجوب الزكاة فههنا وجهان (أحدهما) أنه كالدين لانه في ملكه الي أن يتصدق (والثاني) يمنع لتعلقه بعين المال وامتناع التصرف فيه ويخرج مما حكيناه طريقان في هذه الصورة (أحدهما) القطع بالمنع (والثانى) التخريج علي الخلاف السابق والي هذا الترتيب أشار في الكتاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 509 بقوله فهذا أولى بأن يمنع الزكاة (الثانية) لو قال جعلت هذا المال صدقة أو هذه الاغنام ضحايا فقد طرد في النهاية أصل التردد فيها وقال الظاهر أنه لا زكاة لان ما جعل صدقة لا يبقي فيه حقيقة ملك بخلاف الصورة الاولى فانه لم يتصدق وانما التزم أن يتصدق ولفظ الكتاب يشعر أيضا ببقاء الخلاف ههنا فانه لم يجزم بامتناع الوجوب ولا نفى الخلاف وانما نفى أن يكون للوجوب وجه بصفة الاتجاه ولو قال لله على أن أضحي بهذه الشاة فهو كقوله جعلتها ضحية ان قلنا ان قوله لله علي التضحية بهذه يفيد التعيين وفيه خلاف مذكور في موضعه وإن تم الحول عليه لو لم يذكره لم يضر كما لم يتعرض له في اخوات هذه الصورة وذلك لانه لا يخفى ان الخلاف في وجوب الزكاة حينئذ يفرض (الثالثة) لو أرسل النذر فقال لله علي أن أتصدق بأربعين من الغنم أو بمائة درهم ولم يضف إلى ماشيته وورقه فهذا دين نذر لله تعالي فيرتب علي دين الآدميين فان قلنا أنه لا يمنع فهذا اولي وان قلنا انه يمنع ففى هذا وجهان (أحدهما) يمنع لانه أيضا دين لازم في الذمة (واصحهما) عند الامام أنه لا يمنع وفرق بين الدينين من وجهين (أحدهما) ان هذا الدين لا يطالب به في الحال فكان اضعف حالا (والثانى) ان النذر يشبه التبرعات إذا الناذر بالخيار في نذره فالوجوب بالنذر اضعف وهذه الصورة والاولى حكاهما أبو القاسم الكرخي وغيره عن تفريع ابن سريج علي كلام لحمد رضي الله عنهما وينبغى أن يفهم هنا أن المال يتعين بتعيين الناذر اياه للصدقة ولو لم يتعين لما انتظم قوله في الصورة الاولي لتعلقه بعين المال ولما كان فرق بين أن ينذر التصدق بهذه الاربعين وبين أن ينذر التصدق باربعين وهذا المفهوم هو ظاهر المذهب وفيه شئ نذكره ان شاء الله تعالى في شرح قوله في كتاب لا ضحايا ولو عين الدراهم للصدقة لم تتعين وبالجملة فمن أجاب بعدم التعيين لا يستقيم منه الفرق في هذه الصورة وقوله في هذه الصورة وفي الاولي لو قال لله علي لو ابدله بأن يقول لو نذر التصدق بكذا لكان أولي لان الصيغة التي لا خلاف فيها في النذر ان يقول ان شفى الله مريضي فلله علي كذا اما إذا اقتصر علي قو لله علي كذا ففيه قولان مذكوران في كتاب النذر فان قلنا أنها غير ملتزمة احتجنا الي اضمار في لفظ الكتاب ههنا (الرابعة) لو وجب عليه الحج وتم الحول علي نصاب في ملكه هل يكون وجوب الحج دينا مانعا من الزكاة إن قلنا الدين لا يمنع الزكاة فلا أثر له وان قلنا يمنع فقد ذكر الامام وتابعه المصنف ان فيه وجهين كالوجهين في دين النذر في الصورة التي قبل هذه لان دين الحج وان وجب من غير اختيار لكن المال غير مقصود فيه ودين النذر وان كانت المالية مقصودة لكن الناذر التزمه متبرعا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 510 فيعتدلان وايضا فدين الجح لا يطالب به في الحال كدين النذر * قال (وأذا اجتمع الزكاة ونذر في تركة ففى التقديم ثلاثة اقوال وفي الثالث يسوى بينهما ووجه تقديم الزكاة تعلقها بالعين) * إذا قلنا الدين لا يمنع الزكاة فمات قبل الاداء واجتمع الدين والزكاة في تركته ففيه ثلاثة أقوال (أظهرها) أن الزكاة تقدم لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (فدين الله أحق بالقضاء) ولان الزكاة متعلقة بالعين والدين مسترسل في الذمة ولهذا تقدم الزكاة في حال الحياة ثم يصرف الباقي إلى الغرماء (والثانى) يقدم دين الآدمى لافتقار دين الآدمى واحتياجه ولهذا إذا اجتمع القصاص وحد السرقة يقدم القصاص (والثالث) أنهما يستويان فيوزع المال عليهما لان الحق المالى المضاف الي الله تعالي تعود فائدته الي الآدميين أيضا وهم المنتفعون بها وعلي هذه الاقوال تجرى مسائل نذ كرها في موضعها ان شاء الله تعالي جده ولك أن تعلم قوله ثلاثة أقوال بالواو لان عن بعض الاصحاب طريقة أخرى قاطعة بتقديم الزكاة المتعلقة بالعين والاموال في اجتماع الكفارات وغيرها مما يسترسل في الذمة مع حقوق الآدميين وقد تعرض الزكاة من هذا القبيل بأن يتلف ماله بعد الوجوب والامكان ثم يموت وله مال فان الزكاة ههنا متعلقة بالذمة لا تعلق لها بعين ماله والله اعلم * قال (السبب الثالث عدم قرار الملك ففى الزكاة في الغنيمة قبل السمة ثلاثة أوجه وجه الاسقاط ضعف الملك فانه يسقط بالاسقاط وفي الثالث إن كان الكل زكويا وجب وإلا فلا لاحتمال أن الزكاة تقع في سهم الخمس ولو أكرى دارا أربع سنين بمائة دينار نقدا وجب عليه في السنة الاولى زكاة ربع المائة وفي الثانية زكاة نصفها لسنتين الا ما أدى وفي الثالثة زكاة ثلاثة أرباعها لثلاث سنين لا ما أدى وفي الرابعة زكاة الجميع لاربع سنين ويحط عنه ما أدى لان الاجرة هكذا تستقر بخلاف الصداق فان تشطره بالطلاق ليس مقتضي العقد وسقوط الاجرة بالانهدام مقتضى الاجارة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 511 وفى المسألة قول ثان انه يجب في كل سنة اخراج زكاة جميع المائة) * مقصود الفصل مسألتان (إحداهما) إذا أحرز الغازون الغنيمة فينبغي للامام أن يعجل قسمتها ويكره له التأخير من غير عذر فإذا قسم فكل من اصابه مال زكوى وهو نصاب أو بلغ نصابا مع الذى كان يملكه ابتدأ الحول من حينئذ وإن تأخرت القمسة بعذر أو بغير عذر حتي مضي حول فهل تجب الزكاة ينظر إن لم يختاروا التملك فلا زكاة لانها غير مملوكة للغانمين أو هي مملوكة لهم ملكا في غاية الضعف والوهن ألا ترى أنه يسقط بمجرد الاعراض وللامام ان يقسمها بينهم قسمة تحكم فيخص بعضهم ببعض الانواع وبعض الاعيان إن اتحد النوع ولا يجوز هذا الضرب من القسمة في سائر الا ملاك المشتركة الا بالتراضى وان اختاروا التملك ومضي حول من وقت الاختيار نظر ان كانت الغنيمة أصنافا فلا زكاة سواء كانت مما تجب الزكاة في جميعها أو كان بعضها مما لا يجب فيه زكاة لان كل واحد منهم لا يدرى ماذا يصيبه وكم يصيبه وان لم تكن الا صنفا واحدا زكويا وبلغ نصيب كل واحد من الغانمين نصابا فعليهم الزكاة وان بلغ مجموع انصبائهم نصابا وكانت الغنيمة ماشية فكذلك وهم خلطاء فيها وكذا لو كانت غير ماشية وأثبتنا الخلطة فيه ولو كان يتم انصباء هم بالخمس نصابا فلا زكاة عليهم إذ الخلطة مع اهل الخمس لا تثبت لانه لا زكاة في الخمس بحال من حيث انه لغير معينين كمال بيت المال من الفيئ وغيره ومال المساجد والرباطات ففهذا حكم زكاة الغنيمة علي ما ذكره جمهور ائمتنا رحمهم الله من العراقيين والمراوزة وهو ظاهر المذهب وزاد في التهذيب شيئين (احد هما) ان لا زكاة قبل افراز الخمس بحال فن افرز فحينئذ نفصل الامرين أن يختار والتملك أو لا يختاروه وهذا لم يتعرض له الاكثرون ولم يفصلوا بين ان يفرز الخمس أو لا يفرز وصرح في العدة بأنه لا فرق بين الحالين (والثانى) حكي في حالة عدم الاختيار وجها آخر انه تجب الزكاة وهذا يتعرض له ما في الكتاب فانه جعل وجوب الزكاة قبل القسمة علي ثلاثة اوجه وهكذا حكى امام الحمين قدس الله روحه على اصل مذكور في السير وهو ان الغنيمة هل تملك قبل القسمة ام لا ان قلنا لا فلا زكاة فيها بحال وان قلنا نعم ففى وجوب الزكاة هذه الاوجه (احدها) لا لضعف الملك (والثانى) نعم اكتفاء بأصل الملك (والثالث) ان كان في الغنيمة ما ليس بزكوى فلا تجب لجواز أن يجعل الامام الزكوى سهم الخمس وان كان الكل زكويل تجب وكان الاحسن لصاحب هذا الوجه أن يقول ان كان الزكوى بقدر خمس المال لا تجب الزكاة فان زاد تجب زكاة القدر الزائد ويخرج مما تقدم وجه رابع وهو الظاهر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 512 انهم ان اختاروا التملك وكانت الغنيمة صنفا واحدا زكويا وجبت الزكاة وإلا فلا وتمام توجيهه ينكشف عند معرفة الاصل المحال علي كتاب السير (المسألة الثانية) في زكاة الاجرة وقد أدرج في خلالها مسألة أخرى يقتضى الشرح أن نقدمها فتقول إذا أصدق امرأته أربعين شاة سائمة بأعيانها فعليها الزكاة إذا تم حول من يوم الاصداق سواء دخل بها أو لم يدخل قبضتها أو لم تقبض لانها ملكت الصداق بالعقد وبه قال أحمد رحمه الله وعند أبي حنيفة رحمه الله إذا لم تقبضها فليس عليها ولا على الزوج زكاتها ويأتى لنا وجه مثله تفريعا علي أن الصداق مضمون ضمان العقد فانه يكون على الخلاف الذى سبق في المبيع قبل القبض وظاهر المذهب هو القطع بالوجوب وعلي هذا فلو طلقها قبل الدخول نظر ان طلق قبل الحول عاد نصفها إلي الزوج فان لم يميزا فهما خليطان فعليها عند تمام الحول من يوم الاصداق نصف شاة وعليه عند تمام الحول من يوم الطلاق نصف شاة وإن طلقها بعد الحول فلا يخلو اما ان حكانت قد أخرجت الزكاة من عينها أو من موضع آخر أو لم تخرج اصلا فهذه ثلاث أحوال (إحداها) إذا كانت قد أخرجت الزكاة من عينها فالي ماذا ترجع فيه ثلاثة أقوال (إحدها) أنه يأخذ نصف الصداق من الموجود ويجعل المخرج من نصيبها فان تساوت قيم الشياه أخذ عشرين منها وإن تفاوتت أخذ النصف بالقيمة قال المسعودي وهذا رواية الربيع (والثانى) يأخذ نصف الاغنام الباقية ونصف قيمة الشاة المخرجة (والثالث) انه بالخيار بين ما ذكرنا في القول الثاني وبين أن يترك الكل ويأخذ نصف القيمة وهذا مخرج مما لو أصدقها إناءين فانكسر أحدهما وطلقها قبل الدخول نص فيه علي القول الثاني والثالث قال الائمة ولفظ المختصر في المسألة التي نحن فيها صالح للقول الاول والثانى وهو الي الاول أقرب (الحالة الثانية) إذا كانت قد أخرجت من موضع آخر فان قلنا تتعلق الزكاة بالذمة أو قلنا تتعلق بالعين لا علي سبيل الشركة عاد نصف الاربعين الي الزوج وإن قلنا تتعلق بالعين على سبيل الشركة فقد قال الصيد لاني وجماعة من الائمة يبني هذا على الوجهين فيما إذا زال ملكها عن الصداق وعاد إليها ثم طالقها قبل الدخول (أحدهما) يرجع بنصف القيمة كما لو طلقها ولم يعد (والثاني) بنصف العين كما لو طلقها ولم يزل لكن الشاة التى زال ملكها عنها وعاد باداء الزكاة من موضع آخر غير متعينة فعلي الوجه الاول لا ياخذ شيئا من الاربعين بل يدع الي نصف القيمة وعلي الثاني يأخذ نصف الاربعين وهذا ما ذكره أصحابنا العراقيون وغيرهم من غير تفصيل (والثالثة) إذا لم تخرج الزكاة أصلا حتى طلقها ففيه اختلاف وتفريع طويل مبنى على كيفية تعلق الزكاة والجواب الخارج علي ظاهر المذهب ما ذكره في التهذيب إن شاء الله تعالي وهو ان نصف الاربعين يعود الي الزوج شائعا فان جاء الساعي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 513 وأخذ من عينها شاة رجع الزوج عليها بنصف قيمتها * جئنا إلى مسألة الاجرة إذا أكرى دارا أربع سنين بمائة دينار معجلة وقبضها كيف يخرج زكاتها فيه قولان (أحد هما) ذكره في الام ونقله المزني في المختصر أنه لا يلزمه أن يخرج عند تمام كل سنة الا زكاة القدر الذى استقر ملكه عليه لانها قبل الاستقرار يعرض السقوط بانهدام الدار فأورث ضعف الملك (والثاني) قاله في البويطي واختاره المزني أنه يلزمه عند تمام السنة الاولى زكاة جميع المائة لانه ملكها ملكا تاما ألا ترى أنه لو كانت الاجرة جارية يحل وطؤها وطؤها ولو كان الملك ضعيفا لم حل غايته أنه يتوهم سقوط بعض الاجرة بالانهدام لكنه لا يقدح في وجوب الزكاة كما أن المرأة يلزمها زكاة الصداق قبل الدخول وإن كان يتوهم عود جميعه بارتداد أحدهما أو عود نصفه بالطلاق وهذا القول أصح عند صاحب المهذب ومال إليه في الشامل لكن الجمهور علي ترجيح القول الاول وهو الذى يقتضيه ايراد الكتاب والقول بثبوت الملك التام في الاجرة ممنوع علي رأى بعض الاصحاب فان صاحب النهاية حكى طريقة أن الملك يحصل في الاجرة شيئا فشيئا فمن قال بذلك لا يسلم بثبوت الملك في الاجرة فضلا عن ثبوت الملك التام وعلي التسليم فوجه الضعف والنقصان ما ذكرنا واما حل الوطئ فلا نسلم أنه يتوقف علي ارتفاع الضعف من كل جهة وأما الصداق فقد روي الحناطى عن ابن سريج تخريج قول من الاجرة في الاصداق فعلى هذا لا افرق وعلي التسليم فالفرق أن الاجرة تستحق في مقابلة المنافع فإذا لم تسلم المنافع للمستأجر ينفسخ العقد من أصله والصداق ليس في مقابلة المنافع ألا ترى أنها لو ماتت يستقر الصداق وان لم تسلم المنافع للزوج والتشطر ثبت بتصرف من جهة الزوج يفيد ملك النصف عليها ولا ينقص ملكها من الاصل (التفريع) إن قلنا بالقول الاول أخرج عن تمام السنة الاولى زكاة ربع المائة وهو خمسة وعشرون دينارا وزكاتها خمسة أثمان دينار لان ملكه استقر على هذا القدر فإذا مضت السنة الثانية فقد استقر ملكه علي خمسين دينارا وكانت في ملكه سنتين زكاها زكاة خمسين لسسنتين وهى ديناران ونصف لكنه قد أدى زكاة خمسة وعشرين لسنة فيحط ذلك ويخرج الباقي وهو دينار وسبعة أثمان دينار فإذا مضت السنة الثالثة فقد استقر ملكه على خمسة وسبعين دينار أو كانت في ملكه ثلاث سنين وزكاتها لثلاث سنين خمسة دنانير وخمسة أثمان دينار أخرج منها للسنتين الماضيتين دينارين ونصفا يبقي ثلاثة دنانير وثمن يخرجها الآن فإذا مضت السنة الرابعة فقد استقر ملكه علي جميع المائة وكانت في ملكه أربع سنين وزكاة المائة لاربع سنين عشرة دنانير أخرج من ذلك خمسة دنانير وخمسة أثمان دينار فيخرج الباقي وهو أربعة دنانير وثلاثة أثمان دينار وقد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 514 يعبر عن هذا المعنى بعبارة أخرى فيقال يخرج عند تمام السنة الاولى زكاة خمسة وعشرين لسنة وعند تمام الثانية زكاة خمسة وعشرين لسنتين وزكاة الخمسة والعشرين الاولى لسنة وعند تمام الثالثة زكاة الخمسين لسنة وزكاة خمسة وعشرين أخرى لثلاث سنين عند تمام الرابعة زكاة الخمسة والسبعين لسنة وزكاة خمسة وعشرين لاربع سنين هذا إذا كان يخرج واجب كل سنة من غير المائة وأما إذا أخرج من عينها واجب السنة الاولي فعند تمام الثانية أخرج زكاة الخمسة والعشرين الاولى سوى ما أخرج في السنة الاولي لسنة وزكاة خمسة وعشرين أخرى لسنتين وعند تمام الثالثة يخرج زكاة الخمسين سوى ما أخرج في السنتين الاوليين وزكاة خمسة وعشرين أخرى لثلاث سنين وعلي هذا قياس السنة الرابعة. وإن قلنا بالقول الثاني وهو أنه يخرج زكاة جميع المائة عند تمام السنة الاولي فعليه مثل ذلك عند تمام كل سنة إن كان يخرج الواجب من موضع آخر وإن كان يخرج منها فعند تمام السنة الثانية يخرج زكاة سبعة وتسعين دينارا ونصفا وقس على هذا السنتين الاخرين. وزاد أصحابنا العراقيون في التفريع علي القول الاول كلاما آخر وهو مبنى علي أن القولين في المسألة في كيفية الاخراج وزكاة جميع الملة واجبة عند تمام الحول الاول بلا خلاف أو هما في نفس الوجوب فعن القاضي أبي الطيب أنهما في نفس الوجوب وبه يشعر كلام طائفة وقال الشيخ أبو حامد وشيعته: القولان في كيفية الاخراج والوجوب ثابت قطعا واحتجوا له له بأنه لو امتنع الوجوب على أحد القولين لعدم استقرار الملك لكان يستأنف الحول ولا يزكيه لما مضى كمال الكتابة فلما نص في هذا القول علي انه يزكي لما مضي دانه ل؟ لم يجعل هذا الاختلال مانعا من الوجوب وهذا قضية كلام الاكثرين صريحا أو إشارة ثم هؤلاء القاطعون بالوجوب غاصوا فقالوا في التفريع على القول الاول يخرج في السنة الاولى زكاة خمسة وعشرين كما سبق ثم يبني الحكم بعدها علي الخلاف في أن الزكاة استحقاق جزء من العين أم لا وإن قلنا ليست استحقاق جزء من العين فهل الدين يمنع الزكاة أم لا فإذا مضت السنة الثانية فقد استقر ملكه علي خمسين أما الخمسة والعشرون الاولي فقد زكاها للسنة الاولى فان كان قد أخرج زكاتها من غيرها زكاها للسنة الثانية أيضا وإن كان قد أخرج من عينها زكى ما بقى منها (وأما) الخمسة والعشرون الثانية فقد وجب الزكاة في السنة الاولي في جميعها وعليه إخراجها الآن وأما زكاة السنة الثانية فان قلنا ليست استحقاق جزء وقلنا الدين لا يمنع الزكاة فكذلك يخرج الزكاة عن جميعها وإن قلنا أنها استحقاق جزء وقلنا ليست كذلك لكن الدين يمنع الزكاة ولم يملك شيئا آخر فلا يزكي للسنة الثانية عن جميعها بل عما سوى القدر الواجب في السنة الاولي لان ذلك القدر قد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 515 استحقه المساكين أو هو دين يمنع وجوب الزكاة في قدره ثم إذا مضت السنة الثالثة فقد استقر ملكه علي خمسة وعشرين أخرى أما الاولي والثانية فقد اخرج زكاتهما لما مضى على التفصيل المذكور فان اخرج من موضع آخر زكي جميعها للسنة الثالثة أيضا وإن أخرج منها زكي الباقي وأما هذه الثالثة فقد مضي عليها ثلاث سنين فان قلنا الزكاة ليست استحقاق جزء والدين لا يمنع الزكاة أخرج زكاة جميعها لثلاث سنين وإن قلنا انها استحقاق جزء وقلنا الدين يمنع الزكاة ولم يملك شيئا آخر فيخرج زكاة جميعها للسنة الاولى وزكاة جميعها سوى قدر الواجب في السنة الاولي للثانية وزكاة جميعها سوى قدر الواجب في السنتين الاوليين للثالثة وقس الرابعة علي هذا * ثم ههنا كلامان (أحدهما) للمسألة شريطة ذكرها إمام الحرمين وهى ان تكون أجرة السنتين متساوية ولابد منها لانها لو تفاوتت لزاد القدر المستقر في بعض السنين علي ربع المائة ونقص في بعضها لان الاجارة إذا انفسخت توزع الاجرة المسماة علي أجرة المثل في المدتين الماضية والمستقبلة (والثانى) لعلك تبحث فتقول: كلام المسألة فيما إذا كانت المائة في الذمة ثم نقدا أم فيما إذا كانت الاجارة بمائة معينة أم لا فرق (أما) كلام النقلة (فانه) يشمل الحالتين جميعا (وأما) التفصيل والنص عليهما فلم أر له تعرضا الا في فتاوى القاضى حسين قال في الحالة الاولى: الظاهر أنه يجب زكاة كل المائة إذا حال الحول لان ملكه مستقر على ما أخذ حتي لو انهدمت الدار لا يلزمه رد المقبوض بل له رد مثله وفي الحالة الثانية قال: حكم الزكاة حكمها في المبيع قبل القبض لانه بفرض ان يعود الي المستأجر بانفساخ الاجارة وبالجملة فالصورة الثانية احق بالخلاف من الاولي وما ذكره القاضى اختيار للوجوب في الحالتين جميعا فاعلم ذلك. وعد بعده الي لفظ الكتاب (اما قوله) نقدا (فهو) اشارة الي كونها حالة مقبوضة والاجرة عندنا تملك بنفس العقد معجلة ان اطلقا أو شرطا التعجيل ومؤجلة ان شرطا التأجيل فإذا كانت دينا حالا أو مؤجلا زاد ما سبق من الكلام في زكاة الدين (وقوله) وجبت عليه في السنة الاولي (فيه) المباحث التي تقدمت في ان الكلام في نفس الوجوب أو في وجوب الاخراج واللفظ الي الاحتمال الاول اقرب (وقوله) زكاة ربع المائة وكذا زكاة نصفها وزكاة نصفها وزكاة ثلاثة ارباعها (يجوز) ان يعلم بالميم لان الشيخ ابا محمد حكى فيما علق عنه عن مالك انه يجب في كل سنة زكاة جميع المائة كالقول الثاني (وقوله) في القول الثاني تجب في كل سنة (معلم) بالحاء لان مذهب أبي حنيفه رحمه الله كالقول الاول وعبارة الكتاب في القولين جميعا محمولة علي ما إذا أخرج الواجب من غير المائة وهى الحالة التى ينزل عليها كلام الشافعي رضى الله عنه في المختصر فان كان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 516 يخرج من عينها فقد ذكرنا حكمه * ثم نختم الفصل بفرعين (أحدهما) باع شيئا بنصاب من النقد مثلا وقبضه ولم يقبض المشترى المبيع حتي حال الحول هل يجب على البائع اخراج الزكاة يخرج علي القولين لان الثمن قبل قبض المبيع غير مستقر وخرجوا على القولين أيضا ما إذا أسلم نصابا في ثمرة أو غيرها وحال الحول قبل قبض المسلم فيه وقلنا إن تعذر المسلم فيه يوجب انفساخ العقد وان قلنا انه يوجب الخيار فعليه اخراج الزكاة (الثاني) أو ضي لانسان بنصاب ومات الموصى ومضى حول من يوم موته قبل القبول. ان قلنا الملك في الوصية يحصل بالموت فعلى الموصى له الزكاة وان كان يرتد برده وان قلنا يحصل بالقبول فلا زكاة عليه ثم ان ابقيناه على ملك الميت فلا زكاة على أحد وان قلنا انه للوارث فهل عليه الزكاة فيه وجهان (أصحهما) لا وان قلنا أنه موقوف فإذا قبل بان أنه ملك بالموت فهل عليه الزكاة روى في التهذيب فيه وجهين (أصحهما) لا لان ملكه لم يكن مستقرا عليه * قال (الركن الثالث فيمن تجب عليه وهو كل مسلم حر فتجب في مال الصبى (ح) والمجنون (ح) وفي مال الجنين تردد وتجب علي المرتد (م ح) ان قلنا ببقاء ملكه مؤاخذة له بالاسلام ولا زكاة على مكاتب ورقيق ولا على سيديهما في مالهما ومن ملك بنصفه الحر شيئا لزمته (م ح) لزكاة) * فقه الفصل صور (احداها) تجب الزكاة في مال الصبى والمجنون وبه قال مالك وأحمد خلافا لابي حنيفة رحمهم الله وسلم وجوب العشر وصدقة الفطر لنا ما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (من ولي يتيما فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة) وروى أنه صلي الله عليه وسلم قال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 517 (ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة) إذا تقرر ذلك فيجب علي الولي اخراجها من مالها فان لم يفعل أخرج الصبي بعد البلوغ والمجنون بعد الافاقة زكاة ما مضى وهل تجب في المال المنسوب إلي الجنين حكي إمام الحرمين فيه ترددا لوالده رحمهما الله قال والذى ذهب إليه الائمة أن الزكاة لا تجب فيه لان حياة الحمل غير موثوق بها وكذلك وجوده ونحن وإن قضينا بأن الحمل يعرف فالحكم يتعلق به عند انفصاله (والثانى) أنه تجب الزكاة إذا انفصل كما في مال الصبي والمجنون (الثانية) الكافر الاصلي غير ملزم باخراج الزكاة لا في الحال ولا بعد الاسلام وأما المرتد فلا يسقط عنه ما وجب في الاسلام فإذا حال الحول علي ماله في الردة فهل تجب فيه الزكاة يبني علي الخلاف في ملكه إن قلنا يزول ملكه بالردة (فلا) (وان قلنا) لا يزول (فنعم) مؤاخذة له بحكم الاسلام (وان قلنا) انه موقوف إلى أن يعود إلي الاسلام أو يهلك علي الردة فالزكاة أيضا على الوقف فان قلنا لا يزول ملكه وأوجبنا الزكاة فقد ذكر في التهذيب انه لو أخرج في حال الردة جاز كما لو أطعم عن الكفارة بخلاف الصوم لا يصح منه لانه عمل البدن فلا يصح إلا ممن يكتب له وروى في النهاية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 518 عن صاحب التقريب أنه لا يبعد أن يقال لا يخرجها ما دام مرتدا وكذا الزكاة الواجبة قبل الردة لان الزكاة قربة مفتقرة إلى النية فعلي هذا ان عاد الي الاسلام أخرج الزكاة الواجبة في الردة وقبلها وان هلك علي الردة حصل اليأس عن الاداء وبقيت العقوبة في الآخرة قال الامام هذا خلاف ما قطع به الاصحاب لكن يحتمل أن يقال إذا أخرج في الردة ثم أسلم هل يعيد الزكاة فيه وجهان كالوجهين في الممتنع إذا ظفر الامام بماله وأخذ الزكاة منه هل يجزئه أم لا ولك ان تعلم قوله في الكتاب ان قلنا يبقي ملكه بالواو لان الحناطي ذكر انه يحكي عن ابن سريج أنه تجب الزكاة على الاقاويل كلها كالنفقات والغرامات (الثالثة) لا تجب الزكاة علي المكاتب لا العشر ولا غيره وبه قال مالك واحمد وقال أبو حنيفة يجب العشر في زرعه لنا ما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (لا زكاة في مال المكاتب) وأيضا فان ملكه ضعيف ألا ترى انه لا يرث ولا يورث عنه ولا يعتق عليه قريبه ثم إذا عتق وبقي المال في يده ابتدأ الحول من يوم العتق وان عجز وصار ما في يده للسيد ابتدأ الحول حينئذ (الرابعة) العبد القن لا يملك بغير تمليك السيد لا محالة وهل يملك بتمليك السيد فيه قولان مذكوران في الكتاب في موضعهما فان قلنا لا وهو المذهب فزكاة ما ملكه من الاموال الزكوية على السيد ولا حكم لذلك التمليك وان قلنا نعم فلا زكاة علي العبد كما لا زكاة علي المكاتب وبل اولي لان للسيد ان يسترده وينتزعه متى شاء وهل يجب علي السيد فيه وجهان (أصحهما) لا لان ملكه زائل (والثاني) نعم لان ثمرة الملك باقية فان للسيد أن يتصرف فيه كييف شاء وإذا اعتق العبد ارتد الملك إليه بخلاف ملك المكاتب إذا عتق حكي هذا الوجه أبو عبد الله الحناطي ونقله الامام عن شرح التلخيص وقد عرفت بما ذكرنا ان قوله ولا على سيديهما في مالهما تفريع علي أن العبد يملك بتمليك السيد إياه والا فليس للعبد مال وهو معلم بالواو لما روينا من الوجه الثاني والمدبر وأم الولد كالعبد القن (الخامسة) من بعضه حر وبعضه رقيق لو ملك بنصفه الحر نصابا فهل عليه زكاته فيه وجهان (أحدهما) لا لنقصانه بالرق كالعبد والمكاتب وهذا هو الذى ذكره في الشامل (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه تجب لان ملكه تام علي ما ملكه بالجزء الحر منه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 519 ولهذا قال الشافعي رضى الله عنه أنه يكفر كفارة الحر الموسر وقال انه يلزمه زكاة الفطر بقدر ما هو حر هذا تمام الصور وقد تبين بها أن المعتبر فيمن تجب عليه الحرية والاسلام علي ما ذكر أول الفصل لكن قوله وهو كل حر مسلم يقتضي أن لا تجب الزكاة علي من ملك بنصفه الحر لانه يقع علي من جميعه حر فأما من بعضه حر وبعضه رقيق يصدق عليه القول بأنه ليس بحر فلما وجبت الزكاة عليه علي ظاهر المذهب وهو الذى ذكره في الكتاب وجب تأويل اللفظ * قال (النظر الثاني للزكاة طرف الاداء وله ثلاثة أحوال (الاولي) الاداء في الوقت وهو واجب علي الفور (ح) عندنا ويتخير بين الصرف الي الامام أو إلي المساكين في الاموال الباطنة وأيهما اولى فيه وجهان والصرف الي الامام اولى في الاموال الظاهرة وهى يجب فيه قولان) * ذكر في اول الزكاة أن النظر في الوجوب والاداء وقد فرغ الآن من النظر الاول (وأما) الاداء (فله) ثلاث حالات لانه إما يتفق في الوقت أو قبله أو بعده (الحالة الاولى) الاداء في الوقت وهو واجب علي الفور بعد التمكن وقوله عندنا قصد به التعرض لمذهب أبى حنيفة رحمه الله فيما رواه امام الحرمين وغيره انها واجبة علي التراخي ونقل صاحب الشامل وغيره اختلافا لاصحابه فيه فعن الكرخي انها علي الفور وعن أبي بكر الرازي انها علي التراخي * لنا أن الامر بايتاء الزكاة وارد وحاجة المستحقين ناجزة فيتحقق الوجوب في الحال * ثم أداء الزكاة يفتقر الي وظيفتين فعل الاداء يفرض على ثلاثة اوجه (احدهما) أن يباشره بنفسه وهو جائز في الاموال الباطنة لما روى عن عثمان رضي الله عنه انه قال في المحرم (هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليقض دينه ثم ليزك بقية ماله) والاموال الباطنة هي الذهب والفضة وعرض التجارة والركاز وزكاة الفطر ملحقة بهذا النوع وأما الاموال الظاهرة وهي المواشى والمعشرات والمعادن فهل يجوز أن يفرق زكاتها بنفسه فيه قولان (أصحهما) وهو الجديد نعم كزكاة الاموال الباطنة (والثاني) وهو القديم ومذهب أبي حنيفة رحمه الله ويروى عن مالك أيضا انه لا يجوز بل يجب صرفها الي الامام لقوله تعالي (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) ولانه مال للامام المطالبة به فيجب دفعه إليه كالخراج هذا إذا كان الامام عادلا فان كان جائرا فوجهان (أحدهما) يجوز ولا يجب خوفا من أن لا يوصله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 520 إلي المستحقين (وأصحهما) انه يجب لنفاذ حكمه وعدم انعزاله بالجور وعلي هذا القول لو فرق بنفسه لم يحسب وعليه أن يؤخر ما دام يرجو مجئ الساعي فإذا أيس فرق بنفسه (والثانى) أن يصرف إلى الامام وهو جائز فان نائب المستحقين (وكان النبي صلي الله عليه وسلم والخلفاء بعده يبعثون السعاة لاخذ الزكاة) (والثالث) أن يوكل بالصرل إلى الامام أو بالتفرقة علي المستحقين حيث يجوز له التفرقة بنفسه وهو جائز أيضا لانه حق مالي فيجوز التوكيل في أدائه كديون الآدميين (وأما) الافضل من هذه الطرق فلا خلاف في أن تفرقة الزكاة بنفسه أفضل من التوكيل بها لانه على يقين من من فعل نفسه وفي شك من فعل الوكيل وبتقدير أن يجوز لا يسقط الفرض عن الموكل وله على الوكيل غرم ما أتلف وفي الافضل من الطريقين الاولين في الاموال الباطنة وجهان (أحدهما) وبه قال ابن سريج وأبو إسحق ان الصرف الي الامام أولى لانه أعرف بأهل السهمان واقدر علي التفرقة بينهم ولانه إذا فرق الامام كان علي يقين من سقوط الفرض بخلاف ما لو فرق بنفسه لجواز ان أن يسلم الي من ليس بصفة الاستحقاق وهو يظنه بصفة الاستحقاق (والثانى) أن الاولي أن يفرقها   في بعض النسخ وبعث الوليدين عقبة إلى بني المصطلق ساعيا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 521 بنفسه لانه بفعل نفسه اوثق ولينال اجر التفريق وليخص به اقاربه وجيرانه وهذا الوجه هو المذكور في التهذيب والعدة ومن قال به تعلق بقوله في المختصر وأحب أن يتولى الرجل قسمتها بنفسه ليكون علي يقين من أداءها عنه والاول هو الاظهر عند أكثر الائمة من العراقيين وغيرهم ولم يذكر الصيدلانى غيره وحملوا قول الشافعي رضى الله عنه على انه أولى من التوكيل ومنهم من قال أراد به في الاموال الغير الظاهرة وأما في الاموال الظاهرة فالاولى الصرف الي الامام ليخرج عن شبهة الخلاف ومنهم من أطلق الخلاف من غير فرق بين الاموال الباطنة والظاهرة وهكذا فعل صاحب الكتاب في قسم الصدقات وعبر عن هذا الخلاف بالقولين علي خلاف المشهور ورأيت المحاملي صرح في القولين والوجهين بطرد الخلاف فليكن قوله والصرف الي الامام في الاموال الظاهرة أولي معلما بالواو وحيث قلنا الصرف إلي الامام أولى فذلك إذا كان الامام عادلا فان كان جائرا فوجهان (أحدهما) انه كالعادل ويحكى ذلك عن صاحب الافصاح لما روى ان سعد ابن ابي وقاص وأبا هريرة وأبا سعيد رضى الله عنهم سئلوا عن الصرف الي الولاة الجائرين فأمروا به واصحهما وهو الذى ذكره في الكتاب في قسم الصدقات ان التفريق بنفسه اولي من الصرف إليه لظهور جوره وخيانته بل حكى الحناطي وجها انه لا يجوز الصرف إلي الجائر فضلا عن الافضلية * قال (وتجب نية الزكاة بالقلب (ح) فينوي الزكاة المفروضة فان لم يتعرض للفرض فوجهان ولا يلزم تعيين المال فان قال عن مالي الغائب وكان تالفا لم ينصرف الي الحاضر ولو قال عن الغائب فان كان تالفا فعن الحاضر أو هو صدقة جاز لانه مقتضي الاطلاق) * الوظيفة الثانية النية ولابد منها في الجملة لقوله صلي الله عليه وسلم (إنما الاعمال بالنيات) وهل المعتبر قصد القلب أم يكفى القول باللسان قال الشافعي رضى عنه في المختصر وإذا ولى الرجل زكاة ماله لم يجزه إلا بنية أنه فرض والنية هي القصد فقضية هذا اعتبار قصد القلب ونقل عن الام أنه سواء نوى أو تكلم بلسانه انه فرض يجزئه قال الاصحاب في المسألة وجهان وقال القفال وغيره قولان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب انه لابد من قصد القلب وهذا ما خرجه ابن القاص واليه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 522 ذهب صاحب التقريب (والثاني) انه يكفى القول باللسان وهو اختيار القفال فيما حكى الصيدلانى واحتج بأن اخراج الزكاة في حال الردة جائز ومعلوم أن المرتد ليس من أهل نية هي قربة فدل أن لفظه كاف وأيضا فان الزكاة تجرى فيها النيابة وان لم يكن النائب من أهلها فإذا جاز ان ينوب فيها شخص عن شخص جاز ان ينوب اللسان عن القلب ولا يلزم الحج فان النائب فيه لابد وأن يكون من أهل الحج ومن قال بالاول حمل كلامه في الام على انه لا فرق بين أن يقتصر علي قصد القلب وبين ان يجمع بين قصد القلب والتلفظ (وأما) فصل المرتد ففى أداءه الزكاة في حال الردة كلام تقدم وعلي التسليم فلا نسلم ان القصد غير معتبر في حق المرتد نعم لا يتصور منه قصد هو قربة لكن كما لا يتصور منه ذلك لا يتصور ايضا لفظ هو قربة وقد قيل للقفال لا يسقط الفرض حتى يقول المرتد هذا عطاء فرض فقال كذا ينبغى ان يكون فإذا جاز اعتبار اللفظ وإن لم يكن قربة لم لا يجوز اعتبار القصد وان لم يكن قربة (وأما الوجه الثاني) فهو باطل بالوضوء فانه يجوز فيه إنابة الاهل وغير الاهل ومع ذلك يعتبر فيه قصد القلب وروى الشيخ ابو على طريقة أخرى عن بعضهم قاطعة باعتبار قصد القلب * وكيفية النية ان ينوى هذا فرض زكاة مالي أو فرض صدقة مالى أو زكاة مالي المفروضة أو الصدقة المفروضة ولا يكفي التعرض لفرض المال فان ذلك قد يكون كفارة ونذرا ولا يكفى التعرض للصدقة في اصح الوجهين فانها قد تكون نافلة ولو تعرض للزكاة دون صفة الفرضية فهل يجزئه فيه وجهان الذى ذكره الاكثرون انه يجئه لان الزكاة لا تكون الا مفروضة قال في النهاية وهما كالوجهين فيما إذا نوى صلاة الظهر ولم يتعرض للفرضية لكن صلاة الظهر قد تكون نافلة من الصبي وممن صلي منفردا ثم اعاد في جماعة ولا انقسام في الزكاة ولا يجب تعيين المال المزكي عنه فان غرض تنقيص المال ودفع حاجة المستحقين لا يختلف بل يزكي عن مواشيه ونقوده حتى يخرج تمام الواجب فلو ملك اربعمائة درهم مثلا مائتان حاضرتان ومائتان غائبتان فأخرج خمسين من غير تعيين جاز وكذا لو ملك اربعين من الغنم وخمسا من الابل فأخرج شاتين ولو أخرج خمسة مطلقا ثم بان له تلف احد المالين أو تلف أحدهما بعد الاخراج فله ان يحسب المخرج عن الزكاة الاخرى ولو عين مالا لم ينصرف إلي غير حتى لو اخرج الخمسة عن المال الغائب فبان تالفا لم يكن له صرفه إلي الحاضر ولو قال هذه عن مالي الغائب إن كان سالما فبان تالفا هل له الصرف إلى الحاضر حكى في العدة فيه وجهين قال والاصح انه لا يجوز ولو قال هذه عن مالى الغائب فان كان تالفا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 523 فهي صدقة أو قال ان كان مالى الغائب سالما فهذه زكاته والا فهى صدقة جاز لان اخراج الزكاة عن الغائب هكذا يكون وان اقتصر علي قوله عن مالى الغائب حتى لو بان تالفا لا يجوز له الاسترداد الا إذا صرح فقال هذا عن مالي الغائب فان بان تالفا استرددته وليست هذه الصورة كما إذا اخرج خمسة وقال ان كان مورثي قد مات وورثت ماله فهذه زكاته فبان موته لا يحسب المخرج عن الزكاة لان الاصل بقاء المورث وعدم الارث وههنا الاصل سلامة المال فالتردد معتضد بهذا الاصل ونظير هذه المسألة أن يقول في آخر شهر رمضان أصوم غدا عن رمضان ان كان من الشهر يصح ونظير مسألة الميراث أن يقول في أوله أنا صائم غدا عن رمضان ان كان من الشهر لا يصح ولو قال هذه عن مالي الغائب فان كان تالفا فعن الحاضر فالذي قاله معظم الائمة أن الغائب ان كان سالما يقع عنه والا فلا يقع بل يقع عن الحاضر لانه قد جزم بكونها زكاة ماله والتردد في انها عن أي المالين بحسب بقاء الغائب وتلفه لا يضر كالتردد بين الفرض والنفل في الصورة السابقة علي اختلاف التقديرين وهذا لان تعيين المال ليس بشرط فلا يقدح التردد فيه حتي لو قال هذه عن مالى الغائب أو الحاضر أجزأته وعليه خمسة أخرى ويخالف ما لو نوى الصلاة عن فرض الوقت ان دخل الوقت والا فعن الفائتة لا يجزئه لان التعيين شرط في العبادات البدنية وحكى في النهاية ترددا عن صاحب التقريب في وقوع المخرج عن الحاضر لان النية مترددة بالاضافة إليه ترددا غير معتضد بالاصل فانه إنما جعلها عن الحاضر بشرط تلف الغائب والاصل في الغائب البقاء والاستمرار وكان الوقوع عن الغائب علي خلاف الاصل ويخالف ما لو قال والا فهى نافلة لانه يحتاط في الفرض بمالا يحتاط به للنفل (وقوله) في الكتاب فان كان تالفا فعن الحاضر أو هو صدقة ليس المراد منه ان الناوى ردد هكذا لكنهما صورتان عطف احداهما علي الاخرى والمعني أو قال هو صدقة ولو ردد فقال عن الحاضر أو هو صدقة وكان الغائب تالفا لم يقع عن الحاضر كما قال الشافعي رضي الله عنه لو قال ان كان مالي الغائب سالما فهذه زكاته أو نافلة وكان ماله سالما لم يجزه لانه لم يقصد بالنية قصد فرض خالص ونظيره أن يقول أصلي فرض الظهر أو نافلة وأصوم غدا عن رمضان أو نافلة فلا ينعقد (وقوله) جاز معلم بالواو لانه حكم بالجواز في الصورتين معا وفيما إذا قال فان كان تالفا فمن الحاضر الوجه المنقول عن صاحب التقريب (وقوله) لانه مقتضى الاطلاق يرجع الي الصورة الاخيرة وهى أن يقول فان كان تالفا فهو صدقة لان المفهوم من الاطلاق ههنا أن يقتصر علي قوله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 524 هذا المال عن الغائب ولو اقتصر عليه وكان الغائب تالفا يكون المخرج صدقة علي ما سبق ولا يقع عن الحاضر فظهر أن الاجزاء عن الحاضر ليس مقتضى الاطلاق (فان قلت) في جواز نقل الصدقة خلاف يأتي في موضعه فتجويز الاخراج عن المال الغائب في مسائل الفصل جواب علي قول الجواز أم كيف الحال (فالجواب) أن أبا القاسم الكرخي جعلها جوابا علي قول الجواز ويجوز أن تفرض الغيبة عن منزله وعدم وقوفه على بقاء المال وهلاكه فيصح تصوير هذه المسائل من غير النظر الي ذلك الخلاف وقد أشار إلي هذا في الشامل * قال (وينوى ولى الصبي والمجنون وهل ينوى السلطان إذا أخذ الزكاة من الممتنع إن قلنا لا تبرأ ذمة الممتنع فلا وإن قلنا تبرأ فوجهان) * كما أن صاحب المال قد يفرق الزكاة بنفسه فغيره قد ينوب عنه فيه فان فرق بنفسه فلابد من النية كما بيناه وإن ناب عنه غيره فذلك يفرض علي وجوه (منها) نيابة الولي عن الصبى والمجنون ويجب عليه أن ينوى لان المؤدى عنه ليس أهلا للنية كما ليس أهلا للقسم والتفريق فينوب عنه في النية كما ينوب عنه في القسم قال القاضي ابن كج: فلو دفع من غير نية لم يقع الموقع وعليه الضمان (ومنها) أن يتولى السلطان قسم زكاته وذلك إما أن يكون بدفعه الي السلطان طوعا أو يأخذ السلطان منه كرها فان دفع طوعا ونوى عند الدفع كفى وإن لم ينو السلطان لانه نائب المستحقين فالدفع إليه كالدفع إليهم وإن لم ينو صاحب المال ونوى السلطان أو لم ينوهوا ايضا ففيه وجهان (احدهما) وهو ظاهر كلامه في المختصر ولم يذكر كثير من العراقيين سواه انه يجزئ ووجهوه بانه لا يدفع إلى السلطان الا الفرض وهو لا يفرق علي اهل السهمان الا الفرض فأغنت هذه القرينة عن النية (والثانى) لا يجزى لان الامام نائب الفقراء ولو دفع إليهم بغير نية لم يجز فكذلك إذا دفع إلى نائبهم قال صاحب المهذب والتهذيب وجمهور المتأخرين: هذا اصح وهو اختيار القاضى ابى الطيب وحملوا كلام الشافعي رضي الله عنه علي الممتنع يجزئه المأخوذ وان لم ينو لكن نقل عن نصه في الام انه قال يجزئه وان لم ينو طائعا كان أو كارها واما إذا امتنع عن اداء الزكاة فللسلطان اخذها منه كرها خلافا لابي حنيفة * لنا قوله تعالي جده (خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) ولا يأخذ الا قد الزكاة على الجديد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 525 لقوله صلي الله عليه وسلم (ليس في المال حق سوى الزكاة) وقال في القديم يأخذ مع الزكاة شطر ماله لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (في كل اربعين من الابل السائمة بنت لبون من اعطاها مؤتجرا بها فله أجرها ومن منعها فانا آخذوها وشطر ماله عزمة من عز مات ربنا ليس لآل محمد فيها شئ) إذا عرفت ذلك فان نوى الممتنع حالة الاخذ برئت ذمته ظاهرا وباطنا ولا حاجة الي نية الامام وان لم ينو فهل تبرأ ذمته نظر ان نوى الامام سقط عنه الفرض ظاهرا ولا يطالب به ثانيا وهل يسقط باطنا فيه وجهان (أحدهما) لا لانه لم ينو وهو متعبد بأن يتقرب بالزكاة وأظهرهما) أنه يسقط إقامة لنية الامام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 526 مقام نيته كما ان قسمه قام مقام قسمه وكما أن نية الولى تقوم مقام نية الصبى وان لم ينو الامام أيضا لم يسقط الفرض في الباطن وكذا في الظاهر على أظهر الوجهين هذا الترتيب والتفصيل ذكره في التهذيب وإذا اقتصر خرج منه الوجهان المشهوران في أن الممتنع إذا أخذت منه الزكاة ولم ينو هل يسقط الفرض عنه باطنا: وبنى امام الحرمين وصاحبا الكتاب وجوب النية علي الامام علي هذين الوجهين ان قلنا لا تبرأ ذمة الممتنع باطنا فلا يجب وان قلنا تبرأ فوجهان (أحدهما) لا كيلا يتهاون المالك فيما هو متعبد به (والثانى) نعم لان الامام فيما يليه من أمر الزكاة كولي الطفل والممتنع مقهور كالطفل وظاهر المذهب أنه يجب عليه أن ينوي ولو لم ينو عصي وأن نيته تقام مقام نية المالك وهذا لفظ القفال في شرح التلخيص (ومنها) أن يوكل وكيلا بتفريق الزكاة وان نوى الموكل عند الدفع الي الوكيل ونوى الوكيل عند الدفع الي المساكين فهو أولي وان لم ينو واحد منهما أو لم ينو الموكل لم يجز كما لو دفع الي المساكين بنفسه ولم ينو ان نوى الموكل عند الدفع ولم ينو الوكيل فيه طريقان (أحدهما) القطع بالجواز كما لو دفع الي الامام ونوى (وأظهرهما) أنه يبني علي أنه لو فرق بنفسه هل يجزئه تقديم النية علي التفرقة فيه وجهان (أحدهما) لا كما في الصلاة (وأظهرهما) وبه قال أصحاب أبي حنيفة رحمه الله نعم كما في الصوم للعسر ولان المقصود الاظهر من الزكاة اخراجها وسد خلات المستحقين بها ولذلك جازت النيابة فيه مع القدرة علي المباشرة وعلي هذا تكفي نية الموكل عند الدفع الي الوكيل وعلى الاول لابد من نية الوكيل عند الدفع الي المساكين أيضا ولو وكل وكيلا وفوض النية إليه أيضا جاز كذا ذكره في النهاية والوسيط * (فرع) لو تصدق بجميع ماله ولم ينو الزكاة لم تسقط عنه الزكاة وعن أصحاب أبي حنيفة رحمه الله أنها تسقط * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 527 قال (ويستحب للساعي ان يعلم في السنة شهر الاخذ الزكاة وأن يرد المواشي الي مضيق قريب من المرعي ليسهل عليه الاخذ والعد) * كان النبي صلي الله عيه وسلم والخلفاء بعده يبعثون السعاة لاخذ الزكاة والمعني فيه ان كثيرا من الناس لا يعرفون الواجب والواجب فيه ومن يصرف إليه فبعثوا ليأخذوا من حيث تجب ويضعوا حيث يجب والاموال نوعان (أحدهما) ما لا يعتبر فيه الحول كالثمار والزروع فتبعث السعاة لوقت وجوبها وهو ادراك الثمار واشتداد الحبوب وذلك لا يختلف في الناحية الواحدة كثير اختلاف (والثاني) ما يعتبر فيه الحول وهو موضع كلام الكتاب فأحوال الناس تختلف ولا يمكن بعث ساع الي كل واحد عند تمام حوله فيعين شهرا يأتيهم الساعي فيه واستحب الشافعي رضي الله عنه ان يكون ذلك الشهر المحرم صيفا كان أو شتاء فانه أول السنة الشرعية وليخرج قبل المحرم ليوافيهم أول المحرم ثم إذا جاءهم فمن تم حوله أخذ زكاته ومن لم يتم حوله فيستحب له أن يعجل فان لم يفعل استخلف عليه من يأخذ زكاته وإن شاء أخر إلى مجيئه من قابل وان وثق به فوض التفريق إليه وأن ياخذ زكاة المواشي إن كانت ترد الماء أخذها على مياههم ولا يكلفهم ردها الي البلد ولا يلزمه أن يتبع المراعى وبهذا فسر قوله صلى الله عليه وسلم (لا جلب لا جنب) أي لا يكلفون أن يجلبوها الي البلد وليس لهم أن يجنبوها الساعي فيشقوا عليه فان كان لرب المال ماء ان أمره بجمعها عند أحدهما وان اجتزأت الماشية بالكلا في وقت الربيع ولم ترد الماء أخذ الزكاة في بيوت أهلها وأفنيتهم هذا لفظ الشافعي رضي الله عنه وقضيته تجويز تكليفهم الرد إلى الافنية وقد صرح به المحاملي وغيره وأذا أراد معرفة عددها فان أخبره المالك وكان ثقة قبل قوله وإلا أحصاها والاولى أن تجمع في حظيرة ونحوها وينصب علي ألباب خشبة معترضة وتساق لتخرج واحدة بعد واحدة ويثبت كل شاة إذا بلغت المضيق ويقف رب المال أو نائبه من جانب والساعى أو نائبه من جانب وبيد كل واحد منهما قضيب يشيران به إلى كل شاة أو يصيبان ظهرها به فذلك أبعد عن الغلط وإن اختلفا بعد الاحصاء وكان الواجب يختلف أعاد العد (وقوله) قريب من المرعي فيه إشارة إلي انه لا يكلفهم الرد من المرعي إلي البلدة والقرية بل يأمر بجمعها في مضيق قريب من المرعى فان عسر الحضور ثم فقد ذكرنا أنه يأمر بالرد إلى الافنية * (والثاني) ما يعتبر فيه الحول وهو موضع كلام الكتاب فأحوال الناس تختلف ولا يمكن بعث ساع الي كل واحد عند تمام حوله فيعين شهرا يأتيهم الساعي فيه واستحب الشافعي رضي الله عنه ان يكون ذلك الشهر المحرم صيفا كان أو شتاء فانه أول السنة الشرعية وليخرج قبل المحرم ليوافيهم أول المحرم ثم إذا جاءهم فمن تم حوله أخذ زكاته ومن لم يتم حوله فيستحب له أن يعجل فان لم يفعل استخلف عليه من يأخذ زكاته وإن شاء أخر إلى مجيئه من قابل وان وثق به فوض التفريق إليه وأن ياخذ زكاة المواشي إن كانت ترد الماء أخذها على مياههم ولا يكلفهم ردها الي البلد ولا يلزمه أن يتبع المراعى وبهذا فسر قوله صلى الله عليه وسلم (لا جلب لا جنب) أي لا يكلفون أن يجلبوها الي البلد وليس لهم أن يجنبوها الساعي فيشقوا عليه فان كان لرب المال ماء ان أمره بجمعها عند أحدهما وان اجتزأت الماشية بالكلا في وقت الربيع ولم ترد الماء أخذ الزكاة في بيوت أهلها وأفنيتهم هذا لفظ الشافعي رضي الله عنه وقضيته تجويز تكليفهم الرد إلى الافنية وقد صرح به المحاملي وغيره وأذا أراد معرفة عددها فان أخبره المالك وكان ثقة قبل قوله وإلا أحصاها والاولى أن تجمع في حظيرة ونحوها وينصب علي ألباب خشبة معترضة وتساق لتخرج واحدة بعد واحدة ويثبت كل شاة إذا بلغت المضيق ويقف رب المال أو نائبه من جانب والساعى أو نائبه من جانب وبيد كل واحد منهما قضيب يشيران به إلى كل شاة أو يصيبان ظهرها به فذلك أبعد عن الغلط وإن اختلفا بعد الاحصاء وكان الواجب يختلف أعاد العد (وقوله) قريب من المرعي فيه إشارة إلي انه لا يكلفهم الرد من المرعي إلي البلدة والقرية بل يأمر بجمعها في مضيق قريب من المرعى فان عسر الحضور ثم فقد ذكرنا أنه يأمر بالرد إلى الافنية * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 528 قال (ويستحب أن يقول للمؤدى آجرك الله فيما أعطيت وجعله لك طهورا وبارك لك فيما أبقيت ولا يقول صلي الله عليك وإن قاله عليه السلام لآل أبي أو في لانه مخصوص به فله أن ينعم به على غيره وكما لا يقال محمد عزوجل وإن ان عزيزا جليلا فلا يحسن أن يقال أبو بكر صلى الله عليه وسلم وإن كان يدخل تحت آله تبعا) * قال الله تعالى (وصل عليهم) أي ادع لهم فيستحب للساعي أن يدعو لرب المال ترغيبا له في الخير وتطييا لقلبه ولا يتعين شئ من الادعية واستحب الشافعي رضي الله عنه أن يقول: آجرك الله فيما أعطيت وجعله لك طهورا وبارك لك فيما أبقيت وهو لائق بالحال. وحكي الحناطي وجها أنه يجب عليه الدعاء وله تمسك من لفظ الشافعي رضى الله عنه فانه محق على الوالى أن يدعو له وكما يستحب للساعي يستحب للمساكين أيضا إذا فرق رب المال عليهم وقد روى عن عبد الله بن أبي أو في رضي الله عنه قال كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال (اللهم صلى علي آل فلان فأتاه أبي بصدقته فقال اللهم صلى علي آل أبى أوفى) قال الائمة: هذا وإن ذكره النبي صلي الله عليه وسلم لا يقوله غيره لان الصلاة قد صارت مخصوصة في لسان السلف بالا نبياء عليهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 529 الصلاة والسلام كما أن قولنا عزوجل صار مخصوصا بالله تعلى جده وكما لا يقال محد عزوجل وإن كان عزيزا جليلا لا يقال أبو بكر وعلي صلوات الله عليهما وإن صح المعنى وهل يكره ذلك أم هو مجرد ترك أدبب أطلق القاضي حسين لفظ الكراهة وكذا فعل المصنف في الوسيط ووجهه إمام الحرمين بان قال المكروه يتميز عن ترك الاولى بن يفرض فيه نهي مقصود فقد ثبت نهى مقصود عن التشبه باهل البدع وإظهار شعارهم والصلاة علي غير الانبياء مما اشتهر بالفئة الملقبة بالرفض وظاهركم الصيدلاني أنه في حكم ترك الادب والاولي وبه يشعر قوله في الكتاب فلا يحسن أن يقال أبو بكر صلوات الله عليه وصرح بنفي الكراهة في العدة وقال أيضا الصلاة بمعنى الدعاء تجوز ععلى كل أحد أما بمعني التعظيم والتكريم يختص به الانبياء عليهم السلام والمشهور ما سبق ويجوز أن يجعل غير الانبياء تبعا لهم في الصلاة فيقال اللهم صلي علي محمد وعلي آله واصحابه وأزواجه وأتباعه لان ذلك لم يمتنع منه السلف وقد أمرنا به في التشهد وغيره ققال الشيخ أبو محمد والسلام في معني الصلاة وقد قرن الله تعالي بينهما فقال (صلوا عليه وسلموا تسليما) فلا يفرد به غائب غير الانبياء ولا بأس به في معرض المخاطبة فيقال للاحياء والاموات من المؤمنين السلام عليكم. إذا تقرر ذلك فالصلاة لما كانت حقا للنبى صلى الله عليه وسلم كان له أن ينعم بها علي غيره وغيره لا يتصرف فيما هو حقه كما أن صاحب المنزل يجلس غيره علي تكرمته وغيره لا يفعل ذلك (وقوله) وان كان يدخل تحت آله تبعا انما يستمر علي قولنا ان كل مسلم من آل النبي صلي الله عليه وسلم لكن الظاهر المنقول عن نص الشافعي رضى الله عنه أن آله بنو هاشم وبنو المطلب فعلي هذا لا يدخل ابو بكر رضى الله عنه تحت الآل وانما يدخل تحت الاصحاب وقد ذكرنا هذا الخلاف في موضعه * قال (القسم الثاني في التعجيل والنظر في أمور ثلاثة الاول في وقته ويجوز تعجيل الزكاة (ح م) قبل تمام الحول ولا يجوز قبل تمام النصاب ولا قبل السوم وفي تعجيل صدقة عامين وجهان ولو ملك مائة وعشرين شاة فعجل شاتين ثم حدثث سخلة ففى أجزاء الثانية وجهان (أحدهما) وهو الاصح اجزاءه) * التعجيل جائز في الجملة وبه قال أبو حنيفة وأحمد لما روى عن علي رضي الله عنه أن العباس رضى الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له. إذا عرفت ذلك فالحجة تمس الي معرفة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 530 أن التعجيل بأية مدة يجوز وانه إذا عجل في الوقت يجزئه علي الاطلاق أوله شرائط وانه إذا لم يقع مجزئا هل للمعجل أن يرجع فيما دفع فلذلك قال: والنظر في ثلاثة أمور (أحدها) في التعجيل والاموال الزكوية ضربان (أحدهما) مال تجب فيه الزكاة بالحول والنصاب فيجوز تعجيل زكاته قبل الحول خلافا لمالك حيث قال لا يجوز قال المسعودي: الا أن يقرب وقت الوجوب بأن لم يبق من الحول الا يوم أو يومان * لنا ما سبق من الخبر وأيضا فان الزكاة حق مالي أجل رفقا فجاز تعجيله قبل محله كالدين المؤجل وككفارة اليمين قبل الحنث فان مالكا سلم جواز التعجيل في الكفارة ولا يجوز التعجيل قبل تمام النصاب كماذا ملك مائة درهم فعجل منها خمسة دراهم أو ملك تسعا وثلاثين شاة فعجل شاة ليكون المعجل عن زكاته إذ اتم النصاب وحال الحول عليه وذلك لان الحق المالي إذا تعلق بشيئين ووجد أحداهما يجوز تقديمه علي الآخر لكن لا يجوز تقديمه عليهما جميعا ألا ترى أنه يجوز تقديم الكفارة علي الحنث إذا كان قد حلف ولا يجوز تقديمها علي الحنث واليمين جميعا وهذا في الزكاة العينية أما إذا اشترى عرضا للتجارة يساوى مائة درهم فعجل زكاة مائتين وحال الحول وهو يساوى مائتين جاز المعجل عن الزكاة على ظاهر المذهب وان لم يكن يوم التعجيل نصابا لان الحول منعقد والاعتبار في زكاة التجارة بآخر الحول ولو ملك أربعين من الغنم المعلوفة وعجل شاة علي عزم أن يسيمها حولا لم يقع عن الزكاة إذا أسامها لان المعلوفة ليست مال الزكاة كالناقص عن النصاب وانما تعجل الزكاة بعد انعقاد الحول ولو عجل صدقة عامين فصاعدا فهل يجزئ المخرج عما عدا السنة الاولى فيه وجهان (أحدهما) نعم لما روى أنه صلي لله عليه وسلم قال (تسلفت من العباس صدقة عامين) وبهذا قال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 531 أبو إسحق (والثانى) لا لان زكاة السنة الثانية لم ينعقد حولها والتعجيل قبل انعقاد الحول لا يجوز كالتعجيل قبل كمال النصاب. والوجه الاول أصح عند صاحب الكتاب ذكره في الوسيط وكذا قاله الشيخ أبو حامد وصاحب الشامل: والا كثرون على ترجيح الوجه الثاني ومنهم معظم العراقيين وصاحب التهذيب وحملوا الحديث على أنه تسلفها بدفعتين فان جوزنا فذلك ان بقى عنده بعد التعجيل نصاب كامل كما إذا ملك ثنتين وأربعين شاة فعجل منها شاتين فاما إذا لم يبق عنده بعد التعجيل نصاب كامل كما إذا ملك أربعين أو احدي وأربعين فعجل شاتين فوجهان (أحدهما) الجواز كما لو عجل عن أربعين صدقة عام فانه يجوز (وأصحهما) المنع لان التعجيل على النصاب لا يجوز وفي تعجيل شاتين ما يوجب نقصان النصاب في جميع السنة الثانية وذكر أبو الفضل بن عبد ان تفريعا علي جواز تعجيل صدقة عامين أنه هل يجوز أن ينوى تقديم زكاة السنة الثانية علي الاولي فيه وجهان كالوجهين في تقديم الصلاة الثانية علي الاولي في الجمع ولو ملك نصابا فعجل زكاة نصابين نظر ان كان ذلك في زكاة التجارة كما لو اشترى عرضا بنية التجارة بمائتي درهم وأخرج زكاة اربعمائة فحال الحول والعرض يساوى اربعمائة اجزأه ما اخرج لان الاعتبار في زكاة التجارة بآخر الحول وإن كان في زكاة العين فان اخرج علي توقع حصول نصاب آخر بسبب مستقبل كما لو ملك مائتي درهم فأخرج زكاة اربعمائة علي توقع الكتساب مائتين واكتسب مائتين لم يجزئه ما اخرجه عن المائتين الحادثتين وبه قال احمد خلافا لا بي حنيفة بناء علي ان المستفاد في اثناء الحول مضموم إلي ما عنده في الحول فكأنه موجود وقت الاخراج وإن اخرج علي رجاء حصول نصاب آخر أو كمال نصاب آخر من عين ما عنده فصدق رجاؤه كما إذا ملك مائة وعشرين شاة فعجل شاتين ثم حدثت سخلة أو ملك خمسا من الابل فعجل شاتين تم بلغت بالتوالد عشرا فهل يجزئه ما اخرج عن النصاب الذى كمل الآن فيه وجهان (أصحهما) عند حجة الاسلام وصاحب التتمة الاجزاء لان النتاج الحاصل في اثناء الحول بمثابة الموجود في اوله وهذا قياس المحكى عن ابى حنيفة رحمه الله في الصورة السابقة (والثاني) وهو الاصح عند العراقيين وصاحب التهذيب المنع لانه تقديم زكاة العين علي النصاب فأشبه ما لو اخرج زكاة اربعمائة درهم وهو لا يملك إلا مائتين ورتب امام الحرمين هذين الوجهين علي الوجهين في جواز تقديم صدقة عامين إن جوزنا ذاك فالتقديم للنصاب الثاني اولي وان منعنا ذاك فههنا وجهان والفرق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 532 ان النتاج الحاصل في وسط الحول لا يحتاج الي حول جديد وكان حول المال الذى واجبه شاة منعقد علي ما واجبه شاتان ولا كذلك زكاة السنة الثانية فان حولها لم يدخل بحال وطرد ابن عبدان الوجهين المذكورين في هذه الصورة في الصورة الاولى أيضا وهي ما إذا اشترى عرضا بمائتين واخرج زكاة اربعمائة فحال الحول وقيمته اربعمائة ولو عجل شاة عن اربعين فولدت اربعين وهلكت الامهات هل يجزئه ما اخرج عن السخال نقل في التهذيب فيه وجهين ولك ان تعلم قوله في الكتاب ويجوز تعجيل الزكاة قبل تمام الحول بالواو مع الميم المشيرة الي مذهب مالك لان الموفق بن طاهر حكى عن ابي عبيد بن خرنومه من اصحابنا منع التعجيل كما يحكي عن مالك * قال (واما زكاة الفطر فتعجل في اول رمضان وزكاة الرطب والعنب لا تعجل قبل الجفاف وقيل تعجل بعد بدو الصلاح وقيل تعجل بعد بدو الطلع واما الزرع فوجوب زكاته بالفرك والتنقية ويجوز عند الادراك وبعد الادراك وان لم يفرك وقيل يجوز بعد ظهور الحب وان لم يشتد) * الضرب الثاني ما لا يتعلق وجوب الزكاة فيه بالحول كالثمار والزروع ولنتكلم في زكاة الفطر أولا (اما) انها تجب فسيأتي في موضعه واما تعجيلها فيجوز بعد دخول شهر رمضان لان ابن عمر رضى الله عنهما كان يبعث صدقة الفطر الي الذى يجمع عنده قبل الفطر بيومين واحتج له أيضا بان وجوبها بشيئين برمضان والفطر منه وقد وجد أحدهما وهو حصول رمضان هذا ما قاله جمهور الاصحاب وذكر ابو سعيد المتولي ان زمان جواز تعجيلها من أول اليوم الاول من رمضان لا من أول رمضان لان زكاة الفطر وجبت بالفطر عن رمضان والصوم هو سبب الفطر فلا تعجل زكاة الفطر قبل سبب الفطر (وقوله) في الكتاب فتعجل من أول رمضان يجوز أن يعلم بالواو لما حكينا عن التتمة ولانه لابتداء الغاية وفي جواز تعجيلها علي دخول رمضان وجهان كالوجهين في تعجيل صدقة عامين والاصح المنع كما هو قضية لفظه ويجوز ان يعلم بالحاء أيضا لان عن أبي حنيفة أنه يجوز تقديمها علي رمضان من غير ضبط وبالالف لان عن احمد أنه لا تعجل من أول رمضان انما تعجل قبل الفطر بيوم أو يومين (واما) الثمار والزروع (فاعلم) أن زكاة الثمار تجب ببدو الصلاح وزكاة الزروع تجب باشتداد الحب على ما سيأتي وليس المراد منه وجوب الاداء بل المراد ان حق المساكين يثبت في هاتين الحالتين ثم الاخراج يلزم بعد الجفاف وتنقية الحبوب. إذا عرفت ذلك فالاخراج بعد ما صار الرطب تمرا والعنب زبيبا ليس بتعجيل بل هو لازم حينئذ ولا خلاف انه لا يجوز التقديم علي بد والصلاح وخروج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 533 الثمرة كما لا يجوز التعجيل في الضرب الاول على كمال النصاب ووراء ذلك للثمار حالتان (احداهما) ما بعد الطلع وخروج الثمرة وقبل بدو الصلاح فيه وجهان (اظهرهما) عند اكثر العراقيين وتابعهم في التهذيب انه لا يجوز الاخراج ووجهوه بشيئين (أحدهما) أنه لا يظهر ما يمكن معرفة مقداره تحقيقا ولا خرصا وتخمينا فصار كما لو قدم الزكاة علي الصناب (والثاني) ان هذه الزكاة تجب بسبب واحد وهو ادراك الثمار فيمتنع التقديم عليه (والوجه الثاني) أنه يحوز كزكاة المواشى قبل الحول وحكي الحناطى هذا الوجه عن ابن سريج ويشهر بابن أبي هريرة والاول بابى اسحق وذكر القاضي ابن كج ان أبا اسحق أجاب بالوجهين في دفعتين ولمن قال بالثاني ان يقول: أما التوجيه الاول فالكلام فيما إذا عرف حصول قدر النصاب وان لم يعرف جملة الحاصل فبعد ذلك ان خرج زائدا على ما ظنه فيزكى الزيادة وإن خرج ناقصا فبعض المخرج تطوع فلم يمتنع الاخراج (وأما) الثاني (فلا) نسلم ان لهذه الزكاة سببا واحدا بل لها سببان ايضا ظهور الثمرة وادراكها والادراك بمثابة حولان الحول (الحالة الثانية) ما بعد بدو الصلاح وقبل الجفاف وقد حكي امام الحرمين في هذه ايضا وجهين (أحدهما) المنع لعدم العلم بالقدر (واصحهما) ولم يذكر الجمهور سواه الجواز كما يجوز إخراج الزكاة في الضرب الاول بعد النصاب وقبل الحول بل اولي إذ لا وجوب ثم بعد وههنا يبدو الصلاح قد ثبت الوجوب وان لم يلزم الاخراج وإذا تركت هذا التفصيل واختصرت؟ فالحاصل ثلاثة أوجه كما ذكر في الكتاب (أحدها) أن زكاة الثمار لا تعجل قبل الجفاف (والثانى) أنها تعجل بعد بدو الصلاح (والثالث) أنها تعجل بعد بدو الطلع وبه قال أحمد وإيراد الكتاب يقتضي ترجيح الوجه الاول وقد صرح به في الوسيط لكن الظاهر عند المعظم هو الثاني بل نفى أبو الحسين بن القطان أن يكون فيه خلاف وكذا نقل صاحب العدة فهذا هو الكلام في زكاة الثمار ويقاس بها زكاة الزروع فالاخراج بعد الفرك والتنقية لازم وليس بتعجيل ولا يجوز الاخراج قبل نبات الزرع ورأيت في بعض كتب اصحاب أحمد أن أبا حنيفة يجوزه بعد طرح البذر في الارض ثم وراء ذلك حالتان (إحداهما) ما بعد التسنبل وانعقاد الحبوب وقبل اشتدادها ففيه وجهان علي ما سبق والمنع ههنا أولي لان الحبوب غير موجودة والزرع بقل والثمار موجودة وإن لم يبد فيها الصلاح (والثانية) ما بعد الاشتداد والادراك وقبل الفرك والتنقية فالصحيح جواز الا خراج وعن الشيخ أبى محمد أنه لا يجوز الاخراج ما لم ينق لان قدر المال إنما يعرف بالتنقية (وقوله) في الكتاب لا يعجل ينبغى أن يعلم بالالف لما ذكرنا (وقوله) وأما الزرع فوجوب زكاته بالفرك (أي) وجوب الاخراج والا فالحق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 534 يثبت عند الاشتداد (وقوله) ويجوز عند الادراك وكذا قوله يجوز بعد ظهور الحب لا بأس باعلامهما بالواو للوجه الصائر إلى أنه لا يجوز الاخراج قبل التنقية. ثم عد الائمة في هذا الباب ما يقدم علي وقت الوجوب من الحقوق المالية وما لا يقدم (فمنها) كفارة اليمين والظهار والقتل وجزاء الصيد وسيأتي ذكرها في موضها إن شاء الله تعالي (ومنها) لا يجوز للشيخ الهرم والحامل والمرضع تقديم الفدية علي رمضان (ومنها) لا يجوز تقديم الاضحية علي يوم النحر (ومنها) كفارة الوقاع في رمضان حكى الحناطي في جواز تقديمها علي الوقاع وجهين (والاصح) المنع (ومنها) إذا قال إذا شفى الله مريضي فلله على أن أعتق رقبة فأعتق قبل الشفاء قال ابن عبدان لا يجزئ في أصح الوجهين ومما ذكره وهو من شرط الباب زكاة المعدن والركاز قال لا يجوز تقديمهما علي الحصول * قال (الثاني ففى الطورئ المانعة من الاجزاء وهو فوات شرط الوجوب وذلك في القابض أن يرتد أو يموت أو يستغنى بحال آخر فان عرضت بعض هذه الحالات وزالت قبل الحول فوجهان أو في المالك بان يرتد أو يموت أو يتلف ماله فيتبين بجميع ذلك ان المعجل لم يقع عن الزكاة أما المال لو تلف في يد المسكين أو في يد الامام وقد قبض بسؤال المسكين فلا بأس وان قبض بسؤال المالك فهو من ضمان المالك وان اجتمع سؤال المالك والمسكين فأى الجانبين يرجح فيه وجهان وحاجة أطفال المساكين كسؤالهم وحاجة البالغين هل تنزل منزلة سؤالهم فيه وجهان. ) * يشترط في كون المعجل مجزئا أن يبقى القابض بصفة الاستحقاق إلى آخر الحول فلو ارتد قبل الحول أو مات لم يحسب المعجل عن الزكاة وان استغني نظر ان استغنى بالمدفوع إليه أو به وبمال آخر لم يضر فان الزكاة انما تصرف إليه ليستغني فلا يصير ما هو المقصود مانعا من الاجزاء وان استغني بمال خر لم يحسب المعجل عن الزكاة لخروجه عن أهلية أخذ الزكاة عند الوجوب وان عرض شئ من الحالات المانعة ثم زال وكان بصفة الاستحقاق عند تمام الحول ففيه وجهان (أحدهما) انه يجزئ المعجل كما لو لم يكن عد الاخذ من أهل ثم صار عند تمام الحول من أهله (وأصحهما) انه يجزئ اكتفاء بالاهلية في طرفي الاداء والوجوب. هذا ما يشترط في القابض ويشترط في المالك بقاءه بصفة وجوب الزكاة عليه إلي آخر الحول فلو ارتد وقلنا الردة تمنع وجوب الزكاة أو مات أو تلف جميع ماله أو باعه ونقص عن انصاب لم يكن المعجل زكاة وهل يحسب في صورة الموت عن زكاة الوارث. نقل عن نصه في الام ان المعجل يقع عن الوارث وقد سبق ذكر قولين في ان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 535 الوارث هل يبني علي حول المورث ام لا فقال الاصحاب هذا الذى ذكره في الام يستمر جوابا علي القول القديم وهو انه يبنى لان الوارث علي هذا القول يبني علي حكم ذلك النصاب والحول فيجزئه ما عجله المورث كما كان يجزئ المورث لو بقى. وعلى هذا لو تعدد الورثة ثبت حكم الخلطة بينهم ان كان المال ماشية أو غير ماشية وقلنا بثبوت الخلطة في غير الماشية وان قلنا لا تثبت ونقص نصيب كل واحد عن النصاب أو اقتسموا المال ماشية كانت أو غيرها ونقص نصيب كل واحد عن النصاب فينقطع الحول ولا تجب الزكاة علي المشهور وعن صاحب التقريب وجه آخر انهم يجعلون كالشخص الواحد وكأنهم عين المتوفى فيستدام حكمه في حقهم (فأما) إذا فرعنا علي الجديد الصحيح وهو ان الوارث لا يبنى علي حول المورث (فلا) يجزئ المعجل عن الوارث لانه مالك جديد وذلك المعجل مقدم علي النصاب والحول في حقه هذا هو الاظهر ومنهم من قال يجزئه المعجل كما ذكر في الام وهو جواب علي احد الوجهين في تعجيل صدقة عامين فتعجل السنة المستأنفة في حق الوارث كالسنة الثانية في حق المعجل إذا عرفت ذلك فنقول: الامام إذا اخذ من المالك قبل ان يتم حوله مالا للسماكين فلا يخلو إما ان يأخذه بحكم القرض أو ليحسبه عن زكاته عند تمام الحول (الحالة الاولي) ان يأخذ بحكم القرض فينظر ان استقرض بسؤال المساكين فضمانه عليهم سواء تلف في يده أو سلمه إليهم كما لو استقرض الرجل مالا لغيره باذنه وهل يكون الامام طريقا في الضمان حتي يؤخذ منه ويرجع علي المساكين ام لا ان علم المأخوذ منه انه يستقرض للمساكين باذنهم فلا يكون طريقا علي اظهر الوجهين بل يرجع عليهم (والثاني) انه يكون طريقا كالوكيل بالشراء يكون مطالبا علي ظاهر المذهب وإن ظن المأخوذ منه ان يستقرض لنفسه أو للمساكين من غير سؤالهم فله ان يرجع علي الامام والامام يقضيه من مال الصدقة أو يجعله محسوبا عن زكاة المقرض. ولو أقرضه المالك للمساكين ابتداء من غير سؤالهم فتلف في يد الامام فلا ضمان علي احد (اما) علي المساكين فظاهر (واما) على الامام فلانه وكيل المالك كما لو دفع الرجل مالا إلى غيره ليقرضه من ثالث فهلك عنده لا ضمان عليه. (ولو استقرض الامام بسؤال المقرض والمساكين جميعا فهلك عنده فهو من ضمان المالك أو المساكين فيه وجهان علي ما سنذكر في الحالة الثانية ولو استقرض لا بسؤال المالك ولا بسؤال المساكين فينظر ان استقرض ولا حاجة بهم الي القرض فالقرض يقع للامام وعليه ضمانه من خالص ماله سواء اتلف في يده أو دفعه الي المساكين ثم إن دفع إليهم متبرعا فلا رجوع وان اقرضهم فقد اقرضهم من مال نفسه وان استقرض لهم وبهم حاجة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 536 فان هلك في يده فوجهان (احدهما) وبه قال أبو حنيفة واحمد رحمهما الله انه من ضمان المساكين يقضيه الامام من مال الصدقة كولي اليتيم إذا استقرض لحاجته فهلك في يده يكون الضمان في مال الصبى (واصحهما) ان عليه الضمان من خالص ماله لان المساكين غير معينين وفيهم أو اكثرهم اهل رشد لا ولاية عليهم لاحد الا ترى انه لا يجوز منع الصدقة عنهم من غير عذر ولا التصرف في مالهم بالتجارة وانما يجوز الاستقراض لهم بشرط سلامة العاقبة بخلاف اليتيم وان دفع المستقرض إليهم فالضمان عليهم والامام طريق فيه فإذا أخذ الزكاة والمدفوع إليه بصفة الاستحقاق فله أن يقضيه من الزكاة وله أن يحسبه عن صدقة المقرض وان لم يكن المدفوع إليه بصفة الاستحقاق عند تمام حول الزكاة المأخوذة لم يجز قضاءه منها بل يقضي من مال نفسه ثم يرجع علي المدفوع إليه الا إن وجد له مالا. (الحالة الثانية) أن يأخذ المال ليحسبه عن زكاة المأخوذ مه عند تمام حوله وفيها أربع مسائل كما في القرض (الاولي) أن يستلف بسؤال المساكين فان دفع إليهم قبل الحول وتم الحول وهم بصفة الاستحقاق والمالك بصفة الوجوب وقع الموقع وان خرجوا عن الاستحقاق فعليهم الضمان وعلي رب المال اخراج الزكاة ثانيا. وان تلف في يده قبل تمام الحول من غير تفريط فينظر ان خرج المالك عن أن تجب عليه الزكاة فله الضمان على المساكين وهل يكون الامام طريقا فيه وجهان علي ما ذكرناه في الاستقراض وان لم يخرج عن أن تجب عليه الزكاة فهل يقع المخرج عن زكاته فيه وجهان (أظهرهما) نعم وهو المذكور في الشامل والتتمة لان الامام نائب المساكين فصار كما لو أخذوه وتلف في يدهم (والثاني) لا لا لانه لم يصل إلى المستحقين وعلي هذا له أخذ الضمان من المساكين وفي أخذه من الامام الوجهان فان لم يكن للمساكين مال صرف الامام إذا اجتمعت الزكاة عنده ذلك القدر إلى قوم آخرين عن جهة الذى تسلف منه (الثانية) أن يتسلف بسؤال المالك فان دفع الي المساكين فتم الحول وهو بصفة الاستحقاق وقع الموقع والا رجع المالك علي المساكين دون الامام وان تلف في يد الامام لم يجزئ المالك سواء كان التلف بتفريط من الامام أو بغير تفريط كما لو دفعه إلى وكيله فتلف عنده ثم ان تلف بتفريط منه فعليه الضمان للمالك وان تلف بغير تفريط فلا ضمان عليه ولا علي المساكين (الثالثة) أن يتسلف بسؤال المالك والمساكين جميعا فمن ضمان من يكون: فيه وجهان (أحدهما) أنه من ضمان المالك كما لو تسلف بمحض سؤاله لان جانبه أقوى إذ الخيار في الدفع والمنع إليه (والثاني) انه من ضمان المساكين لان المنفعة تعود إليهم فيكون المال من ضمانهم الا ترى أن ضمان العارية علي المستعبر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 537 لعود المنفعة عليه وهذا الوجه أصح عند صاحب الشامل واليه يميل كلام الاكثرين وفي التتمة والعدة أن الاول أصح (الرابعة) أن يتسلف لا بسؤال المالك ولا بسؤال المساكين لما رأى بهم من الخلة والحاجة فهل تنزل حاجتهم منزلة سؤالهم فيه وجهان حكاهما امام الحرمين وغيره (أحدهما) نعم لان الزكاة مصروفة إلى جهة الحاجة لا إلى قوم معينين والامام ناظر لها فإذا رأى المصلحة في الاخذ كان له ذلك وكان كما لو أخذ بسؤالهم وصار كولى الطفل (واظهرهما) انها لا تنزل منزلة سوألهم لانهم اهل رشد ونظر ولو عرفوا صلاحهم في التسلف لا التمسوه من الامام فعلي هذا ان دفعه إليهم وخرجوا عن الاستحقاق عند تمام الحول استرده منهم ودفعه إلى غير هم وان خرج الدافع عن اهلية الوجوب استرده ورده إليه فان لم يجد للمدفوع إليه مالا ضمنه من مال نفسه فرط أو لم يفرط وعلي المالك اخراج الزكاة ثانيا وفيه وجه آخر أنه لا ضمان علي الامام ويحكى مثله عن أبى حنيفة واحمد ثم الوجهان في ان الحاجة هل تنزل منزلة السؤال في حق البالغين (فأما) إذا كانوا اطفالا فهذا يبني أولا علي ان الصغير هل يدفع إليه من سهم الفقراء والمساكين ام لا (اما) إذا كان مكتفيا بنفقة ابيه أو غيره من الاقارب ففيه وجهان مذكوران في قسم الصدقات في الكتاب وسنشرحها ثم ان شاء الله تعالي جده (واما) إذ لم يكن من ينفق عليه من اب وجد وغيرهما فقد حكي القاضي ابن كج عن ابي اسحق انه لا يجوز صرف الزكاة إليه لاستغنائه عن الزكاة بالسهم المصروف إلي اليتامى من الغنيمة. وعن ابن ابي هريرة انه يجوز صرف الزكاة إلى قيمه قال: وهذا هو المذهب إذا عرفت ذلك فان قلنا بجواز الصرف فحاجة اطفال المساكين كسؤال البالغين إذ ليس لهم اهلية النظر والتماس التسلف فتسلف الامام الزكاة واستقراضه لهم كاستقراض قيم اليتيم له. هذا إذا كان الذى يلي امرهم الامام فاما إذا كان يلى امرهم من هو مقدم علي الامام فحاجتهم كحاجة البالغين لان لهم من يسأل التسلف لو كان صلاحهم فيه اما إذا قلنا لا يجوز الصرف إلى الصغير فلا تجئ هذه المسألة في سهم الفقراء والمساكين ويجوز ان تجئ في سهم الغارمين ونحوه لان الخلاف في المكفى بنفقة أبيه لا يتجه في سهم الغارمين إذ ليس علي القريب قضاء دين القريب وفي المسائل كلها لو تلف المعجل في يد الساعي أو الامام بعد تمام الحول سقطت الزكاة عن المالك لان الحصول في يدهما بعد الحول كالوصول الي المساكين كما لو اخذ بعد الحول ثم ان فرط في الدفع إليهم ضمن من مال نفسه لهم والا فلا ضمان علي احد وليس من التفريط ان ينتظر انضمام غيره إليه لقلته فانه لا يجب تفريق كل قليل يحصل عنده. وعد بعد هذا الي لفظ الكتاب واعلم ان قوله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 538 وهي فوات شرط الوجوب يفتقر إلى التأويل إذ ليس الطوارئ المانعة من الاجزاء منحصرة في فوات شرط الوجوب بل فوات شرط الاستحقاق في القابض مانع من الاجزاء أيضا. وأيضا فانه قال وذلك في القابض بان يرتد إلي آخره وصفات القابض ليست من شروط الوجوب في شئ وجواز الصرف إليه (وقوله) بان يرتد أو يموت أو يستغنى معلم بالحاء لان عند أبي حنيفة تغير حال القابض لا يؤثر إذا كان عند الاخذ بصفة الاستحقاق (وقوله) أو في المالك بان يرتد يجوز ان يرقم قوله يرتد بالواو لانا ان ابقينا ملك المرتد وجوزنا إخراج الزكاة في حال الردة أجزأ المعجل (وقوله) أما المال لو تلف إلي آخر الفصل يمكن حمله على الاستقراض وعلى التسلف للزكاة ومراده الثاني على ما صرح به في الوسيط (وقوله) لو تلف في يد المساكين مطلقا سواء قبض الامام بسؤال المالك أو بسؤال المساكين وسلمه إليهم والتفصيل فيما إذا كان التلف في يد الامام (وقوله) فلا ضمان أي إذا اجتمع شرائط الوجوب والاستحقاق جميعا أجزأ المعجل عن الزكاة ولا ضمان على أحد وقد نجد في بعض النسخ فلا بأس بدل قوله فلا ضمان ولا بأس به معناه لا يضر ذلك وتقع الزكاة موقعها وأيهما كان فهو عند اجتماع الشرائط كما سبق (وقوله) وحاجة أطفال المساكين كسؤالهم أي كسؤال البالغين لا كسؤال الاطفال ثم ليس من ضرورة أطفال المساكين ان يكونوا مساكين فاللفظ الناص علي الفرض أن يقال وحاجة الاطفال ثم ليس من ضرورة أطفال المساكين ان يكونوا مساكين فاللفظ الناص علي الفرض أنن يقال وحاجة الاطفال المساكين ولا يخفى أن لفظ المساكين في هذه المسائل كناية عن أهل السهمان جميعا وأنه ليس المراد جميع آحاد الصنف بل سؤال طائفة منهم وحاجتهم * قال (الثالث في الرجوع عند طريان هذه الاحوال فان قال هذه زكاتي المعجلة فله الرجوع وقيل شرطه أن يصرح بالرجوع وعلي هذا لو نازعه المساكين في الشرط فالمالك هو المصدق في احدى الوجهين لانه المؤدى (أما) إذا لم يتعرض للتعجيل ولا علمه المساكين ففى الرجوع وجهان. فان قلنا يرجع فيصدق مع يمينه إذا قال قصدت التعجيل) * إذا دفع الزكاة المعجلة إلي الفقراء وقال انها معجلة فان عرض مانع استردت فله الاسترداد ان عرض مانع وعن أبي حنيفة انه لا استرداد إلا إذا كان المال في يد الامام بعد أو الساعي * لنا أنه مال دفعه لما يستحقه القابض في المستقبل فإذا عرض ما يمنع الاستحقاق استرده كما إذا عجل الاجرة ثم انهدمت الدار قبل انقضاء المدة. وان اقتصر علي قوله هذه زكاة معجلة وعلم القابض ذلك ولم يذكر الرجوع فهل له الاسترداد عند عروض مانع فيه وجهان حكاهما الشيخ أبو محمد وغيره (أحدهما) لا لان العادة جارية بأن المدفوع الي الفقير لا يسترد فكأنه ملكه بالجهة المعينة ان وجد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 539 شرطها والا فهو صدقة وصار كما لو صرح وقال هذه زكاتي المعجلة فان وقعت الموقع فذاك والا فهي نافلة (وأصحهما) ولم يذكر المعظم غيره ان له الرجوع لانه عين الجهة فان بطلت رجع كما قلنا في تعجيل الاجرة قال صاحب الوجه الاول: هذا يشكل بما إذا قال هذه الدراهم عن مالي الغائب وكان تالفا فانه يقع صدقة ولا يتمكن من الرجوع الا إذا شرط الرجوع بتقدير تلف الغائب. أجاب الصيد لاني بانه قد تعرض لكونها معجلة وإذا تعرض لذلك فقد شرط الرجوع ان عرض مانع وهذا غير واضح كما ينبغي وقرب امام الحرمين في المسالة من القولين فيما إذا نوى الظهر قبل الزوال هل تنعقد صلاته نفلا وهذان الوجهان فيما إذا دفع المالك بنفسه وفيه تكلم صاحب الكتاب ألا تراه يقول فلو قال هذه زكاتي المعجلة والامام لا يقول ذلك (اما) إذا دفع الامام فلا يمكن حعله نافلة فلا حاجة الي شرط الرجوع لكن لو لم يعلم القابض أنه زكاة غيره فيجوز أن يقال علي الوجه الاول لا يسترد وعلي الامام الضمان للمالك لتقصيره بترك شرط الرجوع ولو جرى الدفع من غير تعرض للتعجيل ولا علم القابض به فهل يثبت الاسترداد ظاهر نصه في المختصر انه ان كان المعطي الامام يثبت وان اعطى المالك بنفسه فلا يثبت وللاصحاب فيه طريقان (أحد هما) تقرير النصين والفرق ان المالك يعطي من ماله الفرض التطوع فإذا لم يقع عن الفرض وقع تطوعا والامام يقسم مال الغير فلا يعطى الا الفرض فكان مطلق دفعه كالمقيد بالفرض وهذا هو الذي ذكره القاضى ابن كج وعامة أصحابنا العراقيين (والثاني) أنه لا فرق بين الامام والمالك لان الامام قد يتصدق بمال نفسه كما يفرق مال الغير وبتقدير أن لا يقسم الا الفرض لكنه قد يكون معجلا وقد يكون في وقته واختلف هؤلاء علي طريقين (أحدهما) تنزيل النصين علي حالين حيث قال يثبت الرجوع فذلك عند وقوع التعرض للتعجيل وحيث قال لا يثبت فذلك عند اهماله والامام والمالك يستويان في الحالتين وذكر في الشامل ان الشيخ أبا حامد حكى هذا الطريق ايضا وهو الذى أورده الجامعون لطريقة القفال واختياراته (والثانى) ان فيهما قولين نقلا وتخريجا (احدهما) أنه يثبت الرجوع كما لو دفع مالا الي غيره على ظن ان له عليه دينا فلم يكن له الا سترداد (والثاني) لا يثبت لان الصدقة تنقسم إلى فرض وتطوع وإذا لم تقع فرضا تقع تطوعا كما لو أخرج زكاة ماله الغائب وهو يظن سلامته فبان تالفا يقع تطوعا وهاذ الطريق أو فق لما ذكره في الكتاب إلا أنه حكي بدل القولين وجهين وكذا فعل امام الحرمين وهو قريب في موضع النقل والتخريج ولم يحك الخلاف في الامام والمالك جميعا فان المسألة مسوقة علي ما سبق في أول الفصل وهو كلام في المالك على ما بينته والاظهر أنه لا يثبت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 540 الرجوع سواء أثبتنا الخلاف أم لا وهو فيما إذا دفع المالك بنفسه أولي وأظهر في ظاهر النصين المنقولين عن المختصر وكشف المراد منهما كلام كثير لا يحتمله هذا الموضع. فان قلنا يثبت الاسترداد وان لم يتعرض للتعجيل ولا علمه القابض فمهما قال المالك قصدت التعجيل ونازعه القابض فالقول قوله المالك مع اليمين فانه أعرف بنيته ولا سبيل الي معرفتها الا من جهته ولو ادعى المالك علم القابض بأنها كانت معجلة فالقول قول القابض لان الاصل عدم العلم والغالب هو الاداء في الوقت. وان قلنا لا يثبت الاسترداد عند عدم التعرض للتعجيل وعلم القابض فلو تنازعا في أنه هل شرط التعجيل على الوجه الاصح أو في أنه هل شرط مع ذلك الرجوع علي الوجه الثاني فالقول قول من: فيه وجهان (أحدهما) أن القول قول المالك مع يمينه لانه المؤدى وهو أعرف بقصده ولهذا لو دفع ثوبا الي غيره واختلفا فقال الدافع هو عارية وقال الآخر هبة كان القول قول الدافع (وأظهرهما) ولم يذكر في العدة غيره أن القول قول المسكين مع يمينه لان الاصل عدم الاشتراط والغالب كون الاداء في الوقت ولانهما اتفقا علي انتقال اليد والملك والاصل استمرارها (وقوله) في الكتاب وعلي هذا لو نازعه المساكين في الشرط قد يتوهم تخصيص المسألة والوجهين فيها بالوجه المذكور قبله وهو قوله وقيل شرطه أن يصرح بالرجوع وليس كذلك بل سواء اكتفينا بشرط التعجيل أو شرطنا التصريح بالرجوع وفرض النزاع جرى الوجهان ولو أنه أخر المسالة إلى أن يفرغ من الكلام فيما إذا لم يتعرض للتعجيل ولا علمه المساكين لكان أولى لان هذا النزاع انا يجرى إذا قلنا لا يثبت الاسترداد ثم إذا اثبتناه فلا فائدة للنزاع في جريان الاشتراط فان المالك وان سلمه وادعي أنه قصد التعجيل والرجوع نصدقه كما سبق والوجهان في تنازع المالك والقابض يجريان في تنازع الامام والقابض إذا قلنا انه يحتاج الي الاشتراط ولفظ التهذيب يشمل الصورتين جميعا (وقوله) ففى الرجوع وجهان يجوز أن يعلم بالواو لما قدمنا من الطريقة القاطعة بامتناع الرجوع ولك أن تبحث في قوله أما إذا لم يتعرض لتعجيل ولا علمه المسكين فتقول هذا يشمل ما إذا سكت فلم يذكر شيئا أصلا وما إذا قال هذه زكاتي أو صدقتي المفروضة ولم يتعرض للتعجيل ولا علمه المسكين فهل يجوز لمخرج الزكاة أن لا يتلفظ بشئ أصلا وبتقدير أن يجوز فهل الحكم واحد في الحالتين أم بينهما فرق. والجواب أما الاول فقد ذكر صاحب النهاية وغيره أن مخرج الزكاة لا يحتاج إلى لفظ لانه في حكم توفية حق علي مستحق قال وفي صدقة التطوع تردد والظاهر الذى به عمل الكافة أنه لا حاجة إلى لفظ أصلا (واما الثاني) ففيه طريقان (احدهما) انه إذا قال هذه زكاتي أو صدقتي المفروضة كان بمثابة ما لو ذكر التعجيل ولم يصرح بالرجوع (واظهرهما) انه كما لو لم يذكر شيئا اصلا فان ذكر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 541 التعجيل يعرف انها في الحال غير واجبة وقوله هذه زكاتي لا يفيد ذلك والغالب انما هو الاداء في الوقت. والذى اجاب به العراقيون انه لا يسترد المالك بخلاف الامام فن الامام قد يستعجل الزكاة في العادة والملاك لا يؤدون قبل دخول وقت الوجوب غالبا وهذا جرى منهم على طريقتهم التي سبقت وحكوا في التفريع عليها وجهين في انه لو كان الطارئ موت المسكين هل للمالك ان يستحلف ورثته علي نفى العلم بأنها معجلة. عن ابي يحيي البلخي انهم يحلفون لا مكان صدقه وعن غيره انهم لا يحلفون لان الظاهر من قوله هذه زكاتي انها واجبة في الحال فليس له دعوى خلافه وشبهوا هذا بالوجهين فيما إذا رهن واقر بأنه اقبض ثم ادعى بأنه لم يقبض واراد التحليف عليه وقوله في اول الفصل الثالث في الرجوع عند طريان هذه الا حوال اشارة الي انه لابد للرجوع من عروض شئ من هذا الخلاف وليس له ان يسترد المعجل من غير سبب لانه تبرع بالتعجيل فأشبه ما لو عجل دينا مؤجلا لا استرداد له * قال (ولو تلف النصاب بنفسه لم يمتنع الرجوع علي اصح الوجهين) * من الطوارئ المانعة من وقوع المعجل زكاة تلف النصاب فحيث يثبت الاسترداد بهدا السبب هل يثبت لو اتلفه المالك بنفسه فيه وجهان (احدهما) لا لتقصيره بالاتلاف (واصحهما) نعم لحصول التلف وخروج المعجل عن ان يكون زكاة وقضية التعليل الاول ان لا يجرى الخلاف فيما إذا اتلفه بالانفاق وغيره من وجوه الحاجات ولو اتلف بعض ماله حتى انتقض النصاب كان كاتلاف جميع المال مثل ان يعجل خمسة دراهم عن مائتي درهم ثم يتلف منها درهما وتنقل هذه الصورة والوجهان فيها عن الاصطخرى * قال (وان كان المال تالفا في يد المسكين فعليه ضمانه وان كان ناقصا ففى الارش وجهان وان كان باقيا يرد بزوائده المنفصلة والمتصلة وينقض تصرفه وكأنه بان انه لم يملك وقيل انا نقدره مقرضا ان لم يقع عن جهة الزكاة فتلتفت هذه الاحكام على ان القرض يملك بالقبض أو التصرف) * متى اثبتنا حق الاسترداد فلا يخلو المعجل اما ان يكون تالفا أو باقيا في يد القابض فان كان تالفا فعليه ضمانه بالمثل ان كان مثليا والقيمة ان كان متقوما وفي القيمة المعتبرة وجهان (احدهما) انه يعتبر قيمة يوم التلف لان الحق انتقل إلى القيمة يوم التلف فاعتبرت قيمة ذلك اليوم كما في العارية (والثانى) ويحكي عن احمد انه يعتبر قيمة يوم القبض لان ما زاد عليها زاد في ملك القابض فلم يضمنه كما لو تلف الصداق في يد المرأة ثم ارتدت قبل الدخول أو طلقها فان الزوج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 542 يرجع بقيمة يوم القبض قال المحاملى وهذا اشبه. وينقدح عند امام الحرمين وجه ثالث وهو ايجاب اقصي القيم بناء على ان الملك غير حاصل للقابض واليديد ضمان وقد ذكر مثل هذا في المستعير والمستام فان كان القابض قد مات فالضمان في تركته. وان كان المعجل باقيا نظر ان لم يحصل فيه زيادة ولا نقصان استرده ودفعه ومثله إلي المستحق ان بقى بصفة الوجوب وان كان الدافع الامام أخذه وهل يصرفه الي المستحقين بدون اذن جديد من المالك: حكي في التتمة فيه وجهين (أظهرهما) وهو المذكور في التهذيب له ذلك وإذا أخذ القيمة فهل يجوز صرفها الي المستحقين فيه وجهان لان دفع القيم لا يجزئ فان جوزناه وهو الاظهر فهل يحتاج الي اذن جديد فيه وجهان. وان حصلت فيه زيادة فن كانت متصلة كالسمن والكبر أخذه مع الزيادة كما ولو زاد الموهوب في يد الابن زيادة متصلة ورجع الاب فيه وكما إذا أفلس المشترى بالثمن وقد زاد المبيع زيادة متصلة وان كانت منفصلة كالولد واللبن فهل يأخذها مع الاصل فيه وجهان احدهما نعم لانا بينا بما طرأ اخيرا انه لم يملك المقبوض واصحهما ولم يذكر الجمهور غيره لا كما ان الاب لا يرجع في الزيادة المنفصلة من الموهوب وكما أنها للمشترى إذا رد الاصل بالعيب أو رد عليه العوض ويحكي هذا الثاني عن نص الشافعي رضى الله عنه وان حدث فيه نقصان فهل يجب فيه أرشه فيه وجهان (أحدهما) نعم كما يجب الضمان عند التلف فيعتبر الجزء بالجملة (وأصحهما) عند العراقيين وغيرهم لا وحكوه عن ظاهر نصه في الام ووجه بأنه نقصان حدث في ملكه فلا يضمنه كالاب إذا رجع في الموهوب وقد نقص فلا يأخذ معه الارش كالبائع إذا استرد المبيع وقد نقص عند افلاس المشترى ليس له الارش وهذا الوجه هو اختيار القفال فيما حكي الصيدلانى قال واستشهد عليه بما إذا رد المبيع بعيب والثمن باق لكنه حدث فيه عيب ليس له الا المعيب وان كان يأخذ مثله أو قيمته لو كان تالفا قال امام الحرمين وهذا مشكل والزامه الرضا بالثمن المعيب بعيد وانما الذى قاله الاصحاب أنه لو وجد بالمبيع عيبا وتمكن من الرد فرضى لا أرش له والكلام فيه يتضح في موضعه ان شاء الله تعالي جده. ثم أشار حجة الاسلام رحمه الله في هذه المسائل إلى أصل ذكره الامام وهو أن المعجل هل يصير ملكا للقابض أم لا وان صار ملكا له فيأتى فيه وجه يكون ماكا له قال حيث لا يثبت الرجوع فالمعجل مردد بين أن يكون فرضا أو تطوعا والملك حاصل للقابض على التقديرين وحيث يثبت فله تقديران لم يصرح بهما الاصحاب وجزم عليهما صاحب التقريب (أحد هما) أن الملك موقوف إلى أن يكشف الامر في المال فان حدث مانع تبين استمرار ملك المالك والا تبين أنه صار ملكا للقابض من يومئذ (والثانى) أن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 543 الملك ثابت للقابص لكن ان استمرت السلامة تبين أنه ملك عن جهة زكاة مستحقة والا تبين وقوعه فرضا ثم الفرض يملك بالقبض أو بالتصرف وان ملك بالتصرف فبأى تصرف يملك: فيه خلاف مذكور في بابه وعلي هذا الاصل يجرى الوجهان في الزوائد المنفصلة وان قلنا بالتوقف وجب ردها لتبين حدوثها علي ملك المالك وان قلنا بتقدير الفرض فان قلنا إنه يملك بالقبض سلمت الزوائد للقابض وان قلنا يملك بالتصرف وحدثت الزوائد قبل التصرف وهذا كما لو استقرض أغناما ونتجت في يده ثم باعها واستبقى النتاج قال الامام ينقدح فيه أمران (أحدهما) أن يقدر انتقال الملك في الاغنام الي المستقرض قبيل البيع ويجعل النتاج للمستقرض (والثاني) ان يستند الملك إلى حالة القبض ويجعل النتاج للمستقرص ومما يخرج على هذا الاصل تصرفه في المال المعجل بأن باع ما قبضه ثم طرأ بعض الاحوال المانعة فان توقفنا في الملك تبين انتقاض بيعه وان قلنا بالفرض فلا ومما يخرج عليه أنه هل يجوز للقابض عند بقاء العين الابدال أم يلزمه رد عين المأخوذ فان قلنا بالتوقف لزم رد عينه وان قلنا بالفرض فان قلنا يملك بالقبض فله الابدال وان قلنا يملك بالتصرف ولم يوجد فللمالك استرداده بعينه: واعلم أن ايراد الكتاب يقتضى ترجيح التقدير الاول لكن كلام المعظم يقتضي ترجيح الجزم بثبوت الملك ولذلك قالوا لا يجب رد الزوائد المنفصلة ولا أرش النقصان علي ما قدمناه * قال (ولو لم يملك الا أربعين فعجل واحدة فاستغني القابض أو مات فان جعلنا المخرج للزكاة قرضا لم يلزمه تجديد الزكاة لان الحول انقضى علي تسع وثلاثين بخلاف ماذا وقع المخرج عن الزكاة لان المخرج عن الزكاة لان الحول انقضى علي ستع وثلاثين بخلاف ماذا وقع المخرج عن الزكاة لان المخرج عن الزكاة كالباقي وان قلنا تبين أن الملك لم يزل التفت علي المجحود والمغصوب لوقوع الحيلولة) * الذى يحتاج الي معرفته أولا وقد أشار إليه في اثناء الفصل ان المعجل للزكاة مضموم الي ما عنده ونازل منزلة ما لو كان في يده (بيانه) لو اخرج شاة من اربعين ثم حال الحول الحول ولم يطرأ مانع أجزأه ما عجل وكانت تلك الشاة بمثابة الباقيات عنده ولو عجل شاة عن مائة وعشرين ثم نتجت واحدة أو عن مائة وحدثت عشرون وبلغت غنمه مع الواحدة المعجة مائة وإحدى وعشرين لزمه شاة أخرى وان انفق القابض تلك المعجلة ولو عجل شاتين عن مائتين ثم حدثت سخلة قبل الحول فقد بلغت غنمه مع المعجلتين مائتين وواحدة فيلزمه عند تمام الحول شاة ثالثة فلو كانت المعجلة في هاتين الصورتين معلوفة أو اشتراها وأخرجها لم يجب شئ زائد لان المعلوفة والمشتراة لا يتم بهما النصاب وإن جاز إخراجهما عن الزكاة. وخالف أبو حنيفة هذا الاصل فلم يحوز التعجيل الا بشرط الجزء: 5 ¦ الصفحة: 544 ان يكون الباقي عنده نصابا ولم يجعل المعجل مضموما الي ما عنده فيخرج من ذلك امتناع التعجيل في الصورة الاولي وأن لا تجب شاة ثانية في الثانية ولا ثالثة في الثالثة وساعدنا احمد علي ما ذكرنا واحتج الاصحاب علي جواز التعجيل عن الاربعين فحسب بأن قالوا هذا نصاب يجب الزكاة فيه بحولان الحول فجاز تعجيلها منه كما لو كان اكثر من أربعين واحتج الشافعي رضي الله عنه علي تكميل النصاب الثاني والثالث بالمعجل بأن التعجيل انما جوز ارفاقا بالفقراء فلا يجوز أن يصير سببا لاسقاط حقوقهم ومعلوم أنه لولا التعجيل لو جبت زيادة علي ما أخرجه. إذا عرفت ذلك فلا يخلوا لحال بعد تعجيل الزكاة اما أن يتم الحول علي السلامة أو يعرض مانع فان تم الحول علي السلامة أجزأه ما اخرج ثم كيف التقدير إذا كان الباقي عنده ناقصا عن النصاب كما لو لم يملك الا اربعين فعجل منها واحدة: أيزول الملك عن المعجل ومع ذلك يحتسب عن الزكاة أم لا يزول: عن صاحب التقريب أنه يقدر كأن الملك لم يزل لينقضي الحول وفي ملكه نصاب واستبعد امام الحرمين ذلك وقال تصرف القابض فيه نافذ بالبيع والهبة وغير هما فكيف فقول ببقاء ملك المعطى وهذا الاستبعاد حق ان أراد صاحب التقريب بقاء ملكه حقيقة إلي آخر الحول وإن أراد أنه نازل منزلة الباقي حتي يكون مجزئا عن زكاته ويكمل بالنصاب الآخر فلا استبعاد والاصحاب مطبقون عليه وكأنه اكتفى عن التعجيل بمضي ما سبق من الحول علي كمال النصاب رفقا بالفقراء فهذا إذا تم الحول على السلامة وإن عرض مانع من وقوع المعجل زكاة نظر ان كان المخرج أهلا للوجوب وبقى في يده نصاب لزمه الاخراج ثانيا وان كان الباقي دون النصاب فحيث لا يثبت الاسترداد فلا زكاة عليه وكأنه تطوع بشاة قبل تمام الحول وحيث يثبت الاسترداد فاسترد فقد ذكر شيوخنا العراقيون فيه ثلاثة أوجه (أحدها) انه يستأنف الحول ولا زكاة لما مضى لنقصان ملكه عن النصاب قبل تمام الحول (والثانى) أنه تجب الزكاة للحول الماضي لان المخرج للزكاة كالباقي واحتجوا عليه بما إذا وقع عن الزكاة (والثالث) أنه يفرق بين النقد فيزكيه لما مضى وبين الماشية فلا يزكيها لما مضى لان السوم شرط في زكاة المشاية وذلك ممتنع في الحيوان في الذمة. قالوا وأظهر الوجوه هو الثاني وهو الذى ذكره في التهذيب بل لفظه يقتضي وجوب الاخراج ثانيا وإن لم يسترد بعد إذا كان المخرج بعينه باقيا في يد القابض وعن صاحب التقريب بناء المسألة على الاصل السابق وهو أنه إذا ثبت الاسترداد فتبين ان الملك لم يزل عن المعجل أو يقال بالزوال ويجعل قرضا إن قلنا بالزوال فإذا استرجع استفتح الحول من يومئذ ولا زكاة لما مضى. وان قلنا يتبين أن الملك لم يزل لزمه الزكاة لما مضى لتبين أطراد الحول علي نصاب كامل وزاد الامام شيئا آخر على هذا القدير الثاني فقال: الشافة التى تسلط الجزء: 5 ¦ الصفحة: 545 القابض على التصرف فيها قد حصلت الحيولة بينها وبين المالك فيجئ فيها خلاف المغصوب والمجحود وهذا الطريق هو الذى أورده في الكتاب وكلام العراقيين يعر بتخريج الوجوء كلها بعد تسليم زوال الملك عن المعجل وكيف ما كان فالظاهر عند المعظم أنه يجب تجديد الزكاة. ولو كان المخرج تالفا في يد القابض فقد صار الضمان دينا عليه فان أو جبنا تجديد الزكاة إذا كان باقيا فيجئ ههنا قولا وجوب الزكاة في الدين هذا في الدين وفي المواشي لا تجب الزكاة بحال لان الواجب علي القابض القيمة فلا يكمل بها نصاب المشاية. وروى القاضي ابن كج عن ابن اسحق اقامة القيمة مقام العين ههنا مراعاة لجانب المساكين وقوله في اول الفصل ولو لم يملك الا اربعين فعجل واحدة فاستغنى القابض أي بغير الزكاة وذكر الاستغناء مثالا والحكم لا يختص به بل الموت وسائر الطوارئ في معناه (وقوله) بخلاف ما إذا وقع المخرج عن الزكاة لان المخرج كالباقي للزكاة أي المخرج للزكوة إذا وقع عن الزكاة كالباقي. فاما إذا طرأ مانع فلا يجعل كالباقي وهكذا ذكر صاحب التهذيب في فرع سنذكره على الاثر لكن ما حكينا عن العراقيين في توجيه الوجه الثاني ينازع فيه ويصرح بكونه كالباقي وان لم يقع عن الزكاة * (فرع) لو عجل بنت مخاض عن خمس وعشرين من الابل فبلغت بالتوالد ستا وثلاثين قبل الحول فلا يجزئه بنت المخاض المعجلة وان صارت بنت لبون في يد القابض بل يستردها ويخرجها ثانيا أو بنت لبون أخرى. قال صاحب التهذيب من عنده: فان كان المخرج هالكا والنتاج لم يزد علي أحد عشر ولم تكن ابله ستا وثلاثين الا مع المخرج وجب ان لا تجب بنت لبون لانا انما نجعل المخرج كالقائم إذا وقع محسوبا عن الزكاة أما إذا لم يقع محسوبا فلا بل هو كهلاك بعض المال قبل الحول * قال (القسم الثالث في تأخير الزكاة وهو سبب الضمان (ح) والعصيان (ح) عند التمكن وان تلف النصاب بعد الحول وقبل التمكن فلا زكاة) * إذا تم الحول على المال الذى يشترط في زكاته الحول وتمكن من الاداء فأخر عصى لما تقدم أن الزكاة علي الفور ويدخل في ضمانه حتي لو تلف المال بعد ذلك لزمه الضمان سواء تلف بعد مطالبة الساعي أو الفقراء أو قبل ذلك وعند ابي حنيفة رحمه الله تسقط الزكاة ولا ضمان * إن كان التلف قبل المطالبة. وان كان بعدها فلا صحابه فيه اختلاف * لنا انه قصر بحبس الحق عن المستحق فلزمه ضمانه ولو تلف ماله بعد الحول وقبل التمكن فلا شئ كما لو دخل وقت الصلاة فعرض له جنون أو نحوه قبل التمكن من فعلها أو ملك الزاد والراحلة ولم يتمكن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 546 من فعل الحج. وان اتلفه بنفسه بعد الحول وقبل التمكن لم تسقط عنه الزكاة لتقصيره باتلافه وعن مالك انه ان لم يقصد بالاتلاف الفرار عن الزكاة تسقط وان اتلفه غيره فينبنى علي اصل سيأتي وهو ان الامكان من شرائط الوجوب أو من شرائط الضمان ان قلنا بالاول فلا زكاة كما لو اتلف قبل الحول وان قلنا بالثاني وقلنا مع ذلك الزكاة تتعلق بالذمة فلا زكاة ايضا لانه تلف قبل حصول شرط الاستقرار وان قلنا تتعلق بالعين انتقل حق المستحقين الي القيمة كما إذا قتل العبد الجاني أو المرهون ينتقل الحق الي القيمة (وقوله) في الكتاب هو سبب الضمان والعصيان معلم بالحاء لما ذكرنا ويجوز ان يعلم قوله فلا زكاة بالالف لان صاحب الشامل حكى عن احمد انه لا تسقط الزكاة كما لو اتلفه * قال (وإن ملك خمسا من الابل فتلف قبل التمكن واحد فأحد القولين أنه يسقط كل الزكاة كما لو تلف قبل الحول لان الامكان شرط للوجوب (والاصح) أنه لا يسقط إلا خمس شاة لان الامكان شرط الضمان وعلي هذا لو ملك تسعا فتلف أربع قبل التمكن فالجديد أن الزكاة لا تسقط عن الوقص فلا يسقط بسببه شئ من الزكاة. وعلي القديم يسقط أربعة أتساع شاة) * مسألتا الفصل مبنيتان علي أصلين (أحدهما) أن امكان الاداء من شرائط الضمان وهل هو مع ذلك من شرائط الوجوب فيه قولان (احدهما) ويحكى عن القديم وبه قال مالك أنه من شرائط الوجوب كما في الصوم والصلاة والحج لانه لو تلف قبل الامكان سقطت الزكاة ولو وجبت لما سقطت وبهذا أجاب في المختصر في مواضع (وأصحهما) عند ابن سريج وجمهور الاصحاب وهو قوله في الاملاء ومذهب أبى حنيفة رحمه الله أنه ليس الا من شرائط الضمان لانه لو تلف المال بعد الحول لا تسقط عنه الزكاة ولولا الوجوب لسقطت كما لو تلف قبل الحول. واحتج كثيرون لهذا القول بأنه لو تأخر الامكان مدة فابتداء الحول الثاني يحسب من تمام الحول الاول لامن حصول الامكان وبأنه لو حدث نتاج بعد الحول وقبل الامكان يضم الي الاصل في الحول الثاني دون الاول وهذا جرى منهم في المسألة الثانية علي أظهر الطريقين وقد قدمنا في فصل النتاج أن من الاصحاب من بنى المسألة علي القولين في الامكان. وعند مالك ابتداء الحول الثاني من وقت حصول الامكان والنتاج الحادث من وقت حصول الامكان مضموم إلى الاصل في الحول الاول وعبر صاحب التتمة عن تحقيق هذا الخلاف بأنا إذا قلنا الامكان من شرائط الوجوب فهو علي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 547 سبيل التبيين معناه أنا نتبين بالامكان حصول الوجوب عند تمام الحول ونسميه شرط الوجوب توسعا. ومالك يجعله شرط الوجوب حقيقة ولا يقول بالتبيين. وبعض أصحابنا يعبر عن القول الاول بالقديم وعن الثاني بالجديد وهو اقتصار من الجديد علي ما يقابل القديم والا فقضية ما ذكرنا حصول قولين في الجديد (أحدهما) كالقديم (والثانى) خلافه (الاصل الثاني) أن الاوقاص وهى ما بين النصابين كما بين الخمس والعشر من الابل يتعلق الواجب بها مع النصب أم هي عفو والزكاة تتعلق بالنصب فيه قولان (أصحهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله والمزنى أنها عفو لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (في خمس من الابل شاة ولا شئ في زيادتها حتى تبلغ عشرا) ولا نالو بسطنا الواجب علي الوقص والنصاب لسقط قسط من الواجب بتلف الوقص بعد الحول كما سيأتي ومالا تزيد الزكاة بزيادته لا ينبغي أن تنقص بنقصانه (والثاني) وهو اختيار ابن سريج أن الواجب ينبسط علي الكل لقوله صلي الله عليه وسلم في حديث أنس (في أربع وعشرين فما دونها الغنم في كل خمس شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض) علق الفرض بالنصاب والوقص ولانه حق لله تعالى يتعلق بنصاب من المال فيتعلق به وبما زاد كما لو سرق اكثر من نصاب يتعلق القطع بالكل فإذا ملك تسعا من الابل فعلي القول الاول عليه في خمس منها لا بعينها شاة والباقى عفو (وعلى الثاني) الشاة واجبة في الكل وقال امام الحرمين: الوجه عندي أن تكون الشاة متعلقة بجميع التسع لا محالة والمراد من القولين أن الوقص هل يجعل وقاية للنصاب كما يجعل الربح في القراض وقاية لرأس المال عند الخشران ففى قول يجعل وقاية له وهو الصحيح لان الزكاة لا تزيد به ولا تنقص بتلفه وفي قول تجعل وقاية حتي لو تلف البعض سقطت حصته وهذا أحسن والمشهور الاول إذا عرفت ذلك فاحدى مسألتي الفصل أن تملك خمسا ويحول عليها الحول ثم تتلف منها واحدة قبل التمكن فلا زكاة عليه للتالف وهل يجب للباقى. يبنى علي الاصل الاول: ان قلنا الامكان شرط للوجوب فلا شئ عليه كما لو تلف قبل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 548 تمام الحول وان قلنا انه شرط الضمان دون الوجوب فعليه أربعة أخماس شاة لان هذا القدر هو المستقر بالامكان ولو تلف أربع فعلى الاول لا شئ عليه وعلي الثاني عليه خمس شاة ولو ملك ثلاثين من البقر وتلف خمس منها قبل الامكان وبعد الحول فان قلنا بالاول فلا شئ عليه وان قلنا بالثاني فعليه خمسة أسداس تبيع (والمسألة الثانية) ملك تسعا من الابل وحال عليها الحول تم تلف قبل التمكن اربع فحكمها يقتبس من الاصلين. ان قلنا الامكان شرط الوجوب فعليه شاة كما لو تلف قبل الحول وان قلنا انه شرط للضمان فان قلنا الوقص عفو فعليه شاة أيضا لبقاء متعلق الواجب وان قلنا الواجب ينبسط علي الجميع ففيه وجهان (أصحهما) ولم يذكر الجمهور سواه أن عليه خمسة أتساع شاة لانها متعلقة بجميع التسع فحصة كل بعير منها تسع يسقط بتلف الاربع اربعة اتساع ويبقي الباقي والثانى عن القاضي ابى الطيب أن أبا اسحق قال عليه شاة ايضا ووجهه ابن الصباغ بان الزيادة ليست شرطا في الوجوب فلا يؤثر تلفها وان تعلق بها الواجب كما لو شهد خمسة على محصن بالزنا فرجمناه ثم رجع واحد منهم وزعم انه غلط فلا ضمان على واحد منهم وان رجع اثنان حينئذ يجب الضمان ولو كانت المسألة بحالها وتلف خمس فان قلنا الامكان من شرائط الوجوب فلا شئ عليه لانتقاص النصاب قبل الوجوب كما لو تلف قبل الحول وان قلنا من شرائط الضمان فان قلنا الوقص عفو فعليه اربعة اخماس شاة لان الواجب لم يتعلق إلا بخمس منها ولم يتلف من الخمس الا واحدة وان بسطنا الواجب علي الكل فعليه اربعة اتساع شاة لان الشاة تعلقت بالتسع وقد بقى منها اربع فلا يجئ ههنا وجه ابي اسحق ولو ملك ثمانين من الغنم فتلف منها اربعون بعد الحول وقبل التمكن فان قلنا الامكان شرط الوجوب أو قلنا انه شرط الضمان والوقص عفو فعليه شاة وان قلنا انه شرط الضمان وبسطنا الواجب علي الكل فعليه نصف شاة وعلي الوجه المروى عن أبى اسحق تجب شاة أيضا وعلي هذه الصورة يقاس نظائرها (واما) لفظ الكتاب (فقوله) فتلف قبل التمكن واحد أي وبعد الحول (وقوله) لان الامكان شرط الوجوب (معلم) بالحاء (وقوله) شرط الضمان بالميم لما قدمناه وقد استدرك من جهة اللفظ على قوله يسقط كل الزكاة لان السقوط يفتقر الي سبق الثبوت ونحن علي هذا القول نقول بعدم الوجوب أصلا الا أن لفظ السقوط قد يستعمل حيث يكون الشئ بعرضية الثبوت فتبطل عرضيته (وقوله) في أول الصورة الثانية وعلي هذا أي علي قولنا الامكان شرط الضمان فانا حينئذ نبني المسألة على الخلاف في الوقص (وقوله) يسقط أربعة أتساع شاة (أي) لان الزكاة تنبسط علي الوقص ويجوز أن يعلم بالحاء والزاى والواو أيضا لوجه أبي اسحق (وقوله) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 549 فالجديد أن الزكاة لا تنبسط علي الوقص وتسمية ما يقابله قديما اتباع لما ذكره الصيدلانى والامام وليس ذلك علي سبيل جزم الجديد بعدم الانبساط لان الشيخ أبا حامد وغيره من الشيوخ نقلوا عدم الانبساط عن القديم وأكثر الكتب الجديدة والانبساط عن البويطي والاملاء فاقتضي ذلك قولين في الجديد وكلامهم يشعر بجزم القديم بعدم الانبساط فان كان كذلك لم يجز نسبة الانبساط إلى القديم وإلا فهو غير جازم بالانبساط كما أن الجديد غير جازم بعدم الانبساط * قال (وإمكان الاداء يفوت بغيبة المال أو بغيبة المستحق وهو المسكين أو السلطان فان حضر مستحق فأخر لانتظار القريب أو الجار لم يعص علي أحد الوجهين ولكن جواز التأخير بشرط الضمان علي أصح الوجهين) * مقصود الفصل بيان المراد من إمكان الاداء فاعلم أنه ليس المراد من الامكان مجرد كونه بسبيل من إخراج الزكاة ولكن يعتبر معه شئ آخر وهو وجوب الاخراج وذلك بأن تجتمع شرائطه (فمنها) أن يكون المال حاضرا عنده فأما إذا كان غائبا فلا يوجب إخراج زكاته من موضع آخر وإن جوزنا نقل الصدقات (ومنها) أن يجد المصروف إليه والاموال علي ما قدمنا ظاهرة وباطنة والباطنة يجوز صرف زكاتها إلى السلطان ونائبه ويجوز أن يفرقها بنفسه فيكون واجد المصروف إليه سواء وجد أهل السهمان أو الامام أو نائبه وأما في الاموال الظاهرة فكذلك ان جوزنا له ان يفرق زكاتها بنفسه وإلا فلا امكان حتي يجد الامام أو نائبه ثم إذا وجد من يجوز الصرف إليه لكن أخر لطلب الافضل ففى جوازه وجهان وذلك كما إذا وجد الامام أو نائبه وأخر ليفرق بنفسه حيث قلنا انه أولي أو وجد أهل السهمان فأخر ليدفع الي الامام أو نائبه حيث قلنا انه أولي أو أخر لانتظار قريب أو جار أو من هو احوج إليه (احد الوجهين) انه لا يجوز التأخير لذلك لان المستحق حاضر والزكاة واجبة علي الفور فلا يؤخر (وأظهرهما) الجواز لانه تأخير لغرض ظاهر وهو اقتناص الفضيلة به فيسامح فعلي هذا لو أخر وتلف هل يضمن فيه وجهان (أحدهما) لا كالتأخير لسائر الاسباب الجائزة (وأصحهما) نعم لان الامكان حاصل وإنما يؤخر لغرض نفسه فيتقيد جوازه بشرط سلامة العاقبة وذكر إمام الحرمين للوجهين شرطين (أحدهما) أن يظهر اتصاف الحاضرين بصفة الاستحقاق فان تردد في بقائهم وأخر ليتروى وينظر فلا خلاف (والثانى) أن لا تشتد حاجة الحاضرين وفاقتهم أما لو كانوا يتضررون جاعا فأخر لانتظار قريب أو جار لم يجز بلا خلاف ولك ان تقول اشباع الجائعين وإن وجب لكنه غير متعين علي هذا الشخص ولا من هذا المال ولا من مطلق مال الزكاة وإذا كان كذلك فلم يلزم من وجوب الاشباع أن لا يجوز تأخير الزكاة لاقتناص فضيلة في الاداء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 550 وقوله في الكتاب أو بغيبة المستحق أراد به مستحق الزكاة لا مستحق المال المأخوذ وقوله وهو المسكين أو السلطان اشارة إلى الخلاف في وجوب صرف زكاة الاموال الظاهرة معناها وهو المسكين في المال الباطن والسلطان في المال الظاهر علي أحد القولين وهذا لفظه في الوسيط لكن قوله وهو المسكين غير مجرى علي ظاهره فان المسكين غير متعين الاستحقاق في المال الباطن بل يجوز الصرف إلى السلطان ايضا ثم قضية قوله وامكان الاداء يفوت بغيبة المال أو بغيبة المستحق انحصار فوات الامكان في الامرين وبتقدير ان يكون كذلك يكون الامكان لازم الحصول عند اجتماع الامرين لكن صاحب التهذيب وغيره يشترط في امكان الاداء ان لا يكون مشتغلا بشئ يهمه من امر دينه ودنياه فإذا اللفظ محتاج الي ضرب من التأويل * قال (فان قيل فما وجه تعلق الزكاة بالعين قلنا فيه اربعة اقوال * قيل لا تتعلق به وقيل المسكين شريكه فيه وقيل هو كاستيثاق المرتهن وقيل ان له تعلقا كتعلق أرش الجناية وهو الاصح) * سقوط الزكاة بتلف النصاب بعد الحول وقبل التمكن يشعر بان الزكاة متعلقة بالنصاب غير مسترسلة في الذمة فلما جرى ذكر هذه المسألة حسن البحث عن وجه ذلك التعلق والوجه أن نشرح ما أورده في الكتاب ثم نذكر ما ينبغى أن يعرف (فأما) ترتيب ما في الكتاب (فهو) أن للشافعي رضي الله عنه قولين في كيفية تعلق الزكاة (أحدهما) أنها في الذمة ولا تعلق لها بالعين لانها عبادة وجبت ابتداء من جهة الشرع فتتعلق بالذمة كالحج وصدقة الفطر وكذلك الكفارات (والثاني) أتها تتعلق بالعين لقوله صلي الله عليه وسلم (في أربعين شاة شاة) وعلي هذا ففى كيفية التعلق قولان (أحدهما) أن أهل السهمان يصيرون شركاء لرب المال في قدر الزكاة لان الواجب يتبع المال في الصفة حتى يؤخذ من المراض مريضة ومن الصحاح صحيحة ولانه لو امتنع من اخراج الزكاة أخذها الامام من عين النصاب قهرا كما يقسم المال المشترك قهرا إذا امتنع بعض الشركاء من القسمة (والثاني) انه يتعلق بالمال تعلق استيثاق لانه لو صار مشتركا لما جاز لرب المال الاخراج من موضع آخر كما لا يجوز للشريك اداء حق الشريك من غير مال الشركة وعلى هذا ففى كيفية الاستيثاق قولان (أحدهما) أنه يتعلق به تعلق الدين بالرهن بدليل أنه لو امتنع من اداء الزكاة أو لم يوجد السن الواجبة في ماله كان للامام بيع بعض النصاب وشراء السن الواجبة كما يباع المرهون لقضاء الدين (والثانى) أنه يتعلق به تعلق الارش برقبة العبد الجاني لانه يسقط الواجب بهلاك النصاب ولو كان تعلقها كتعلق الدين بالموهون لما سقطت ويخرج من ذلك عند الاختصار أربعة أقوال كما ذكر في الكتاب ويجوز أن يعلم قوله في أربعة أقوال بالواو لان امام الحرمين ثم صاحب البيان حكيا عن ابن سريج أنه لا خلاف في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 551 تعلقها بالعين وإنما الخلاف في كيفية التعلق فتعود الاقوال علي هذه الطريقة إلي ثلاثة. وعند مالك رحمه الله تتعلق الزكاة بالعين تعلق استحقاق وشركة فلك أن تعلم ما عدا هذا القول بالميم. وعند أبي حنيفة رحمه الله فيما رواه الصيدلانى وصاحب الشامل تتعلق تعلق الارش برقبة الجاني وهو احدي الروايتين عن احمد رحمه الله تعالي فيجوز أن يعلم ما عدا هذا القول بالحاء والالف. واعرف بعد هذا أمورا (أحدها) أن عامة مشايخنا رحمهم الله لم يردوا الا قول الذمة وقول الشركة وقالوا الاول قديم والثانى هو الجديد الصحيح واعتذروا عن جواز الابدال استقلالا بأن أمر الزكاة مبين علي المساهلة والارفاق فيحتمل فيه مالا يحتمل في سائر الاموال المشتركة وصاحب الكتاب رجح القول الرابع وهو أن تعلق الزكاة كتعلق الارش فيجوز أن يقال الكلامان مختلفان فيما هو الاصح في المسألة ويجوز أن يقال انهم حكموا بأن الشركة أصح من قول الذمة ولا يلزم منه أن يكون أصح علي وجه الاطلاق والاول أظهر (والثانى) أن ايراد الكتاب يقتضى كون الوجوب في الذمة قولا برأسه وتعلق الرهن قولا برأسه وكذا نقل الامام لكن العراقيين والصيدلانى والقاضي الروياني والجمهور جعلوا الامرين قولان واحدا فقالوا انها تتعلق بالذمة والمال مرتهن بها. وجمع صاحب التتمة بين الطريقين فحكى وجهين في انا إذا قلنا بتعلقها بالذمة هل تجعل المال خلوا أو نقول هو رهن بها (والثالث) أنا إذا قلنا بثبوت استيثاق المرتهن اما قولا برأسه أو جزءا من قول الذمة فهل يجعل جميع المال مرهونا به أو يخص قدر الزكاة بالرهن بها. فيه وجهان سنفرع عليهما وكذا الخلاف إذا قلنا بثبوت تعلق كتعلق الارش في أنه يتعلق بجميع النصاب أم بقدر الزكاة. جميع ما ذكرناه فيما إذا كان الواجب من جنس المال وأما إذا كان من غير جنسه كالشاة الواجبة في الابل ففيه طريقان مذكوران في التتمة وغيرها (أحدهما) القطع بتعلقها بالذمة لتغاير الجنس (وأظهرهما) أنه على لخلاف السابق اما الاستيثاق فلا يختلف وأما الشركة فسبيلها تقدير الاستحقاق بمقدار قيمة الشاة وهذا الطريق هو الموافق لاطلاق الكتاب * قال (وعليه نفرع فنقول أيصح بيعه قبل أداء الزكاة ولكن الساعي يتبع المال ان لم يؤد المالك فان أخذ الساعي من المشترى انتقض البيع فيه وفي الباقي قولا تفريق الصفقة وللمشترى الخيار قبل أخذ الساعي إذا عرف ذلك علي أحد الوجهين لتزلزل ملكه وإن أدى المالك سقط خياره على الاصح ولا يلتفت إلي رجوع الساعي بخروج ما أخذه مستحقا) * القول في بيع مال الزكاة يتفرع علي أصلين (أحدهما) ما ذكرنا أن الزكاة تتعلق بالعين أو بالذمة (والثانى) تفريق الصفقة وسيأتى في بابه ان شاء الله تعالى جده وتفصيله أنه إذا باع مال الزكاة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 552 بعد الحول وقبل إخراج الزكاة لم يخل اما أن يبيع جميع النصاب أو بعضه فان باع جميعه فهل يصح في قدر الزكاة يتفرع علي الافوال. إن قلنا أن الزكاة في الذمة والمال خلو عنها فيصح وإن قلنا المال مرهون بها فقولان (أحدهما) وهو الذى ذكره امام الحرمين أنه لا يصح لان بيع المرهون بدون إذن المرتهن باطل (وأصحهما) عند العراقيين وغيرهم أنه صحيح لان هذه علقة تثبت من غير اختيار المالك وليس ثبوتها لشخص معين فيتسامح فيها بما لا يتسامح في سائر الرهون وهذا كما إذا قلنا على قول الشركة بنينا الامر على المسامحة وإن قلنا بالشركة فقد حكي القاضى ابن كج طريقين (عن ابن القطان) القطع بالبطلان (وعن أبى اسحق وغيره) أن المسألة على قولين وهذا ما أورده أكثر العراقيين (أحدهما) الصحة لان ملك المساكين غير مستقر فيه فان له اسقاطه بالاخراج من موضع آخر فإذا باعه فقد اختار الاخراج من موضع آخر (والثاني) البطلان لانه باع ما لا يملكه وهذا ما أجاب به صاحب التهذيب وعامة المتأخرين فيمكن أن يكون ذلك اختيارا منهم للقول الثاني علي هذه الطريقة ويمكن ان يكون ذهابا منهم إلي الطريقة الاولى. وان قلنا ان تعلق الزكاة كتعلق الارش ففي صحة البيع قولان كما في بيع العبد الجاني فان صححنا فيكون بالبيع ملتزما للفداء كما سيأتي ببانه في موضعه ثم إذا حكمنا بالصحة في قدر الزكاة ففيما عداه أولى وإذا حكمنا بالبطلان فهل يبطل فيما عداه: أما علي قول الشركة ففيما عداه قولا تفريق الصفقة: وأما علي قول الاستيثاق فان قلنا حق الاستيثاق متعلق بجميع المال فالبيع باطل في الباقي أيضا ولا فرق وان قصرنا الاستيثاق علي قدر الزكاة ففى الباقي قولا التفريق: قال في النهاية والقصر هو الحق الذى قاله الجمهور وما عداه هفوة وهل تفترق الفتوى فيما عدا قدر الزكاة بين أن يكون لقدر الزكاة جزئية معلومة كالعشر في المعشرات وربع العشر في النقدين وبين أن لا يكون كذلك كالشاة من الاربعين هذا قد ذكره صاحب الكتاب في باب تفريق الصفقة وسنشرحه إن شاء الله تعالي جده وحيث منعنا البيع في الثمار فذلك قبل الخرص فأما بعده فلا منع إذا قلنا أن الخرص تضمين علي ما سنبينه (التفريع) اعلم أن مجموع ما يحصل من الاختلافات التي ذكرنا ثلاثة أقوال بطلان البيع في الكل وصحته في الكل وبطلانه في قدر الزكاة وصحته في الباقي (أما الاول) فلا يخفى حكمه (وأما الثاني) فقد تعرض في الكتاب لتفريعه وإن قصر الكلام علي القول الرابع (وأما الثالث) فلم يتعرض له ونحن نذكرها جميعا أما إذا صححنا البيع في الجميع فان أدي البائع الزكاة من موضع آخر فذاك والا فللساعي أن يبيع المال الحاصل في يد المشترى فيأخذ الزكاة من عينه وفاقا وهذا يضعف قول التعلق بمحض الذمة إذ لو كان كذلك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 553 لما كان له أن يتتبعه كمن باع مالا وفي ذمته دين مرسل ليس لصاحب الدين أن يبيعه فان أخذ الساعي الواجب من عين المال انفسخ البيع في قدر الزكاة وهل ينفسخ في الباقي فيه الخلاف في تفريق الصفقة في الدوام ان قلنا ينفسخ استرد الثمن والا فله الخيار ان كان جاهلا لتبعض ما اشتراه ان فسخ فذاك وان أجاز في الباقي فيجيز بقسطه من الثمن أم بالجميع فيه قولان (أصحهما) أو لهما ولو لم يأخذ الساعي الواجب منه ولم يؤد البائع الزكاة من غيره فهل للمشترى الخيار ان اطلع علي حقيقة الحال فيه وجهان (أصحهما) نعم لتزلزل ملكه وتعرضه لاخذ الساعي (والثاني) لا لان ملكه في الحال حاصل والظاهر استمراه وأداء البائع الواجب من موضع آخر فان قلنا بالاول فإذا أخرج البائع الواجب من موضع آخر هل يسقط خياره فيه وجهان (اصحهما) نعم وهو المذكور في التهذيب لحصول استقرار الملك كما إذا اشترى معيبا ولم يرده حتى زال العيب لا يبقي له الرد (والثاني لا يسقط لانه لا يحتمل ان يخرج ما دفعه الي الساعي مستحقا فيرجع الساعي الي عين المال والوجهان جاريان فيما إذا باع العبد الجاني ثم فداه السيد هل يبقي للمشترى الخيار. اما إذا افسدنا البيع في قدر الزكاة وصححناه في الباقي فللمشترى الخيار بين فسخ البيع في الباقي وأجازته ولا يسقط الخيار بأداء البائع الزكاة من موضع آخر لانه ان فعل ذلك فالقصد لا ينقلب صحيحا في قدر الزكاة وإذا اجاز فيجيز بقسط الباقي من الثمن أو بالجميع فيه قولان كما ذكرنا وفي النهاية ان بعض الاصحاب قطع بأنه يخير بجميع الثمن في المواشى لان الشاة ليست معينة ولا جزءأ معلوما فاستحقاقها كعيب شائع في الجميع والمشترى إذا اطلع على عيب قديم واراد الاجازة فانما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 554 يجيز بجميع الثمن والصحيح الاول. هذا كله فيما إذا باع جميع النصاب (أما) إذا باع بعضه (نظر) إن لم يستبق قدر الزكاة فالحكم كما لو باع الكل. وان استبقى قدر الزكاة اما علي قصد صرفه إلى الزكاة أولا علي هذا القصد فان فرعنا علي قول الشركة ففى صحة البيع وجهان (أحدهما) أنه يصح لان ما باعه حقه (وأقيسهما) عند ابن الصباغ المنع لان حق أهل السمهان شائع في الكل فأى قدر باعه كان حقه وحقهم وهذا الخلاف مبنى على كيفية ثبوت الشركة وفيه وجهان حكاهما صاحب التتمة وغيره (أحدهما) ان الزكاة شائعة في الكل متعلقة بكل واحدة من الشياة بالقسط (والثاني) ان محل الاستحقاق قدر الواجب ثم يتعين بالاخراج. (وأما) علي قول الرهن (فيبنى) على ما قدمنا ان جميع المال مرهون أو المرهون قدر الزكاة فعلي الاول لا يصح البيع وعلي الثاني يصح (وأما) على قولنا إن تعلق الزكاة كتعلق الارش (فان) صححنا بيع العبد الجاني صح البيع والا فالتفريع كالتفريع علي قول الرهن والله أعلم. * (أما) لفظ الكتاب (فيجوز) إعلام قوله يصح بيعه قبل اداء الزكاة بالواو لانه وان تكلم علي القول الرابع ففى صحة البيع علي ذلك القول قولان كما في بيع العبد الجاني (وقوله) ولكن للساعي أن يتبع المال لا يختص بهذا القول بل الحكم كذلك متى صححنا البيع على جميع الاقوال (وقوله) إذا عرف ذلك علي الوجهين تنبيه على أنه لو عرف الحال من الابتداء لم يكن له الخيار وقوله. ولا يلتفت إلي رجوع الساعي الي آخره. إشارة إلي توجيه الوجه المقابل وبيان انه لا مبالاة به على الاصح وهو كما لو أدى الزكاة ثم باع النصاب. واعلم ان كلام الفصل أصلا وشرحا في بيع الغصب التى يجب فيها زكاة الاعيان فأما بيع مال التجارة بعد وجوب الزكاة فيه فستأتي في بابها * قال (وإذا ملك أربعين من الغنم فتكرر الحول قبل اخراج الزكاة فزكاة الحول الثاني واجبة إن قنلا إن الدين لا يمنع وجوب الزكاة) * هذه المسأله تنبنى علي أصلين سبقا (أحدهما) أن الزكاة تتعلق بالعين أو الذمة (والآخر) ان الدين هل يمنع الزكاة أم لا. وصورتها أن رجلا ملك أربعين من الغنم فحال الحول عليها ولم يخرج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 555 زكاتها حتى حال عليها حول آخر ولا يخلوا إما أن يحدث منها في كل حول يخلة فصاعدا أولا يحدث منها شئ. فان حدثت سخلة فصاعدا فعليه لكل حول شاة بلا خلاف لانه مضي علي نصاب كامل وإن لم يحدث شئ وهذه الحالة هي المقصودة في الكتاب فلا خلاف في لزوم الشاة للحول الاول وهل تجب شاة للحول الثاني. فان قلنا الزكاة تجب في الذمة وكان يملك غير النصاب ما يفى بشاة فنعم. وإن لم يملك سوى النصاب شيئا فينبنى ذلك علي أن الدين هل يمنع الزكاة أم لا إن قلنا يمنع لم يجب للحول الثاني شئ لان واجب الحول الاول دين في ذمته وإن قلنا الزكاة تتعلق بالعين علي سبيل الشركة لم يجب للحول الثاني شئ لان أهل السهمان ملكوا واحدة منها للحول الاول فانتقص النصاب. قال القاضى ابن كج وإمام الحرمين: وانما لم تجب زكاة الخلطة لان الزكاة غير واجبة علي أهل السهمان فيما استحقوه فالاختلاط معهم كهو مع المكاتب والذمى. وان فرعنا علي أن تعلق الزكاة كتعلق الرهن أو كتعلق الارش فقد قال الامام كالتفريع على قول الذمة وكلام الكتاب ينزل علي التفريع علي القول الآخر فانه وعد في الفصل السابق بأنه عليه يفرع التفريع ورأيت كلام الصيدلاني في التفريع على القول الآخر بخلاف ما ذكراه فانه قال: إذا قلنا إنها متعلقة بالعين فيجب في العام الاول شاة وبعد ذلك لا يجب لان النصاب ناقص سواء جعلنا تعلقه بالعين للاستيفاء كالجناية أو على معنى الشركة وقياس المذهب ما ذكراه نعم يجوز أن يفرض خلاف في وجوب الزكاة من جهة تسلط الغير عليه وان قلنا الدين لا يمنع الزكاة علي ما قدمنا نظائره وبتقدير أن يكون كذلك فلا يختص بالقول الاخير بل يجرى على قول الرهن والذمة أيضا ولو ملك خمسا وعشرين من الابل ومضي عليها حولان ولا نتاج فان قلنا الزكاة تتعلق بالذمة وقلنا الدين لا يمنع الزكاة أو كان له ما بفى بالواجب فعليه بنتا مخاض وان قلنا بالشركة فعليه للحول الاول بنت مخاض وللثاني أربع شياه وتفريع القولين الآخرين على قياس ما سبق ولو ملك خمسا من الابل ومضى عليه حولان بلا نتاج فالحكم كما في الصورتين السابقتين نعم قد ذكرنا أن من الاصحاب من لا يثبت قول الشركة فيما إذا كان الواجب من غير جنس الاصل فعلي هذا يكون الحكم في هذه الصورة مطلقا كما في الاوليين تفريعا على قول الذمة (والظاهر) وهو اختيار المزني أنه لا فرق بين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 556 أن يكون الواجب من جنس المال أولا من جنسه ولهذا يجوز للساعي أن يبيع جزءأ من الابل في الشاة فدل ذلك علي تعلق الحق بعينها وإذا تعلق بعينها فكما يجوز أن يملك أهل السهمان قدر الزكاة إذا كان من جنس المال يجوز أن يملكوه إذا كان من غير الجنس * قال (ولو رهن مال الزكاة صح فان كان قبل الحول وقلنا ان الدين مع الرهن لا يمنع الزكاة أخرجت الزكاة من عين المرهون علي الاصح تقديما لحق الزكاة على الرهن كما يقدم حق المجني عليه. ثم لو أيسر المالك فهل يلزمه أن يجبر للمرتهن قدر الزكاة ببذل قيمته لكون رهنا عنده فيه وجهان) * رهن مال الزكاة إما أن يكون بعد تمام الحول أو قبله وقد ذكر الحالتين في الكتاب (فالاولي) في قوله ولو رهن مال الزكاة صح. وأعلم أن القول في صحة الرهن في قدر الزكاة كالقول في صحة بيعه فيعود فيه جميع ما قدمناه ويحتاج إلى اعلام قوله صح بالواو لمثل ما ذكرنا في البيع ثم إذا صححناه في قدر الزكاة ففيما عداه أولي وإن أبطلناه في قدر الزكاة فالحكم فيما عداه يترتب علي البيع إن صححنا البيع فالرهن أولي وإن أبطلناه ففى الرهن قولان مبنيان علي العلتين المشهورتين لقول فساد التفريق. إن منعنا التفريق لاتحاد الصيغة وفسادها في بعض مواردها بطل الرهن أيضا وإن عللنا باتحاد العوض لم يبطل ويخرج مما ذكرناه طريقة جازمة بصحة الرهن فيما عدا قدر الزكاة وبها قال ابن خيران. ثم ان صححنا الرهن في الجميع ولم يؤد الزكاة من موضع آخر كان للساعي أخذها منه فإذا أخذ انفسخ الرهن فيه وفي الباقي الخلاف كما تقدم في البيع وان ابطلناه في الجميع أو في قدر الزكاة خاصة وكان الرهن مشروطا في بيع ففى فساد البيع قولان. وإن لم يفسد فللمشترى الخيار ولا يسقط خياره باداء الزكاة من موضع آخر (الحالة الثانية) أن يرهن قبل تمام الحول ثم يتم الحول فقد ذكر في وجوب الزكاة فيه خلافا في الكتاب قبل هذها وشرحناه والرهن لابد أن يكون بدين وفي كون الدين مانعا من الزكاة الخلاف المشهور. (فان قلنا) الرهن لا يمنع الزكاة قلنا الدين أيضا لا يمنع أو قلنا انه يمنع لكن كان له مال آخر يفى بالدين وجبت الزكاة وإلا لم تجب. إذا عرف ذلك فلا يخلو إما أن لا يملك هذا الراهن مالا آخر أو يملك فان لم يملك فهل تؤخذ الزكاة من عين المرهون ينبى ذلك علي كيفية تعلق الزكاة. ان قلنا تتعلق بالذمة فعن أبى علي الطبري وغيره الجزء: 5 ¦ الصفحة: 557 أنه قد اجتمع ههنا حق الله تعالي وحق الآدمى فيخرج على الاقوال الثلاثة في اجتماعهما فان سوينا بينهما وزعنا وعن أكثر الاصحاب أنه يقدم الرهن لانه أسبق ثبوتا والمرهون لا يرهن وهذا الوجه الثاني حكاه الامام رضي الله عنه عن شيخه تفريعا علي قول الرهن ثم أنه خالفه واختار تقديم الزكاة وأعلم ان الذين حكوا الوجهين تفريعا علي قول الذمة هم العراقيون القائلون بان المال مرتهن بالزكاة على قول الذمة (فأما) من محض تعلقها بالذمة فينبغي أن ينقطع بامتناع الاخذ من المرهون كسائر الديون المرسلة وان قلنا بالشركة فتوخذ الزكاة من عين المرهون وكذا ان قلنا ان تعلق الزكاة كتعلق الارش كما تقدم حق المجني عليه على حق المرتهن ويحصل عند الاختصار مما حكينا وجهان كما ذكر في الكتاب (أصحهما) الاخذ من عين المرهون وعلى هذا لو كانت الزكاة من غير جنس المال كالشاة في الابل يباع جزء من المال في الزكاة وهذا هو الطريق المشهور وهو المحكى عن أبي اسحاق وعن ابن أبى هريرة وأبى حامد القاضى أنه إذا لم يكن له مال آخر تؤخذ الزكاة من عين المرهون بلا خلاف إن كان الواجب من جنس المال وإنما يكون الخلاف فيما إذا كان من غير جنسه والفرق أنه إذا كان الواجب من غير جنس الاصل لم يكن متعلقا بعينه حكى ذلك عنهما القاضى ابن كج في أثناء طريقتين بينهما بعض الاختلاف ثم إذا أخذت الزكاة من غير المرهون وأيسر المالك الراهن بعد ذلك فهل يغرم قدر الزكاة ليكون رهنا عند المرتهن ان قلنا الزكاة تتعلق بالذمة فنعم وإن قلنا تتعلق بالعين فوجهان (أحدهما) نعم لانصرافه الي مصلحة براءة ذمته (وأظهرهما) لا لتعلقه بالمال بغير اختياره وهذان الوجهان بناهما الشيخان أبو محمد والصيدلاني علي أن الزكاة المخرجة من مال القراض علي قولنا العامل لا يملك الربح الا بالقسمة معدودة من المؤن أو هي كطائفة من المال يستردها المال إن قلنا بالاول لم يجب علي الراهن الجبر وان وان قلنا بالثاني فيجب وليس هذا البناء على التقدير الاول بواضح فان مؤنات المرهون علي الراهن لا من نفس المرهون بخلاف مؤنة مال القراض فانها من الربح هذا كله فيما إذا لم يملك مالا آخر فاما إذا مالك مالا آخر فالذي قاله الجمهور ان الزكاة تؤخذ من سائر أمواله ولا تؤخذ من عين المرهون لانها من مؤنة المال فاشبهت النفقة وعن أبي علي الطبري وآخرين انا إذا أوجبنا الزكاة في عين المال أخذناها من المرهون وان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 558 ملك مالا آخر وهذا هو القياس كما لا يجب علي السيد فداء العبد المرهون إذا جنى وأبدى الامام من عند نفسه ترددا في المسألة مبنيا على وجوب الجبران في صورة الاعسار ان قلنا ان المعسر إذا أيسر لزمه الجبر وجب علي الموسر ابتداء أداء الزكاة من مال آخر وان قلنا لا يلزمه الجبر لم يجب وقوله في الكتاب أخرجت الزكاة من عين المرهون علي الاصح أراد به ما إذا لم يملك الراهن مالا آخر دون ما إذا ملك وان كان اللفظ مطلقا والخلاف في الحالتين ثابت بدليل قوله من بعد ثم لو أيسر المالك ويجوز أن يعلم قوله علي الاصح بالواو لان فيه اثبات الخلاف علي الاطلاق وعلى ما قدمنا رواية عن ابن أبى هريرة وأبي حامد تخرج الزكاة من عين المرهون بلا خلاف في بعض الاحوال وأعلم ان هذه المسألة ليست تفريعا من حجة الاسلام علي القول الرابع فحسب بخلاف المسائل التي قبل هذه لانه ذكر الخلاف فيها ولا يجئ الخلاف إذا أفرد القول الرابع بالنظر وهو ان تعلق الزكاة كتعلق الارش وانما يجئ إذا نظرنا الي غير هذا القول أيضا علي ما سبق وقوله يبذل قيمته أراد في المواشي فانها غير مثلية فاما إذا كان النصاب من جنس المثليات كان الجبر بذل المثل علي ما هو قاعدة الغرامات وقد صرح بذلك صاحب التهذيب وغيره * قال (النوع الثاني زكاة المعشرات والنظر في الموجب والواجب ووقت الوجوب (الطرف الاول) الموجب وهو مقدار خمسة أو سق من كل مقتات (ح م) في حالة الاختيار (م) انبتته ارض مملوكة أو مستأجرة (ح) خراجية (ح) أو غير خراجية إذا كان المالك معينا (ح) حرا (ح) مسلما (ح) ولا زكاة علي الجديد في الزيتون والورس والعسل (ح) والزعفران والعصفر كما لا زكاة في الفواكه (ح) والخضروات ولكن يجب في الارز والماش والباقلا وغيرها من الاقوات والنصاب معتبر وهو ثمانمائة من فان الوسق ستون صاعا وكل صاع أربعة امداد وكل مد رطل وثلث بالبغدادي وكل رطل مائة وثلاثون درهما والمن مائتان وستون درهما والرطل نصف من وهو اثنتا عشرة أو قية والاوقية عشرة دراهم وأربعة دوانيق والدرهم أربعة عشر قيراطا كل ذلك بالوزن البغدادي فان جعلنا ذلك تقريبا لا تحديدا فلا تسقط الزكاة الا بمقدار ما لو وزع علي الاوسق الخمسة لظهر النقصان) * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 559 حصر كلام هذا النوع في ثلاثة أطراف في أنه بم يجب وكم يجب ومتى يجب فأما أنه علي من يجب فعلى ما سبق في النوع الاول وقد أدرجه في ضبط الموجب ههنا أيضا أما الطرف الاول فيحتاج فيه إلى معرفة جنس الموجب وقدره وامور أخر نذكر جميعها في مسائل (المسألة الاولى) تجب الزكاة في الاقوات وهى من الثمار ثمر النخل والكرم ومن الحبوب الحنطة والشعير والارز والعدس والحمص والباقلاء والدخن والذرة واللوبيا وتسمى الدخن أيضا والماش والهرطمان قال أبو القاسم الكرخي وهو الجلبان والجلبان والخلر واحد فيما ذكر صاحب الشافي وروى الازهرى عن ابن الاعرابي أن الخلر هو الماش فان ثبتت المقدمتان فالهرطمان والماش والخلر والجلبان عبارات عن معبر واحد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 560 ووجه وجوب الزكاة في هذه الاجناس أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الزكاة في كثير منها وألحق الباقي به لشمول معني الاقتيات لجميعها وصلاحها للاقتناء والادخار وعظم المنافع فيها وأما ما سوى الاقوات فلم يختلف قول الشافعي رضي الله عنه في معظمها أنه لا زكاة فيه سواء كان من الثمار أو الحبوب أو الخضروات وذلك كالتين والسفرجل والخوخ والتفاح والرمان وغيرهما وكالقطن والكتان والسمسم والاسبيوش وهو المعروف ببزر قطونا والثفاء وهو حب الرشاد والكمون والكزبرة والبطيخ والقثاء والسلق والجرز والقنبيط وحبوبها وبذورها واختلف قوله قديما وجديدا في أشياء منها الزيتون فالجديد الصحيح أنه لا زكاة فيه كالجوز واللوز وسائر الثمار وأيضا فقد روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (الصدقة في أربعة في التمر والزبيب والشعير والحنطة وليس فيما سواها صدقة) هذا الخبر ينفى الزكاة في غير الاربعة لكن ثبت أخذ الصدقة من الذرة وغيرها بأمر رسول الله صلي الله عليه وسلم في الاوقوات وتمسكنا به فيما عداها قال في القديم تجب الزكاة في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 561 الزيتون لما روى عن عمر رضي الله عنه وغيره أن (في الزيتون العشر) وبه قال مالك رحمه الله فعلي هذا وقت الوجوب بدو الصلاح فيه وهو نضجه واسوداده ويعتبر النصاب كما في الرطب والعنب هكذا قاله الجمهور وحكى القاضي ابن كج أن ابن القطان خرج اعتبار النصاب فيه وفي جميع ما يختص القديم بايجاب الزكاة فيه علي قولين ثم إن كان الزيتون مما لا يجئ منه الزيت كالبغدادي أخرج عشره زيتونا وإن كان مما يجئ منه الزيت كالشامي فعن ابن المرزبان حكاية وجهين في جواز اخراج الزيتون (وجه المنع) ان نهاية أمره الزيت فيتعين الاخراج كالثمرة مع الرطب (والصحيح) عند المعظم وهو نصه في القديم جواز اخراج الزيتون لامكان إدخاره ولو أخرج الزيت فهو أولى وروى إمام الحرمين وجها آخر أنه يتعين اخراج الزيتون وعلل بأن النصاب يعتبر فيه دون الزيت بالاتفاق ومنها الورس والزعفران والورس شجر يخرج شيئا كالزعفران فلا زكاة فيهما على الجديد لما سبق ونقل عن القديم أنه يجب في الزكاة إن صح حديث أبي بكر رضى الله عنه وهو ما روى أنه كتب إلي بنى خفاش (أن أدوا زكاة الذرة والورس) ثم قال في القديم من قال في الورس العشر يحتمل أن يقول يمثله في الزعفران لاشتراكهما في المنفعة والفائدة ويحتمل أن لا يوجب فيه شيئا لان الورس ثمرة شجرة لها ساق والزعفران نبات كالخضروات فقال الصيدلانى وغيره له في الورس قولان في القديم لانه مثل وعلق بثبوت حديث أبى بكر رضي الله عنه والزعفران باتفاق الاصحاب مرتب على الورس إن لم تجب فيه ففي الزعفران أولي وإن وجب ففى الزعفران قلان وإن أوجبنا فيهما الزكاة ففى اعتبار النصاب ما سبق من الخلاف والاكثرون علي عدم الاعتبار ههنا لان الاثر الوارد مطلق والغالب أنه لا يحصل الواحد منهما قدر النصاب فدل أنه كان يؤخذ من القليل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 562 والكثير ومنها العسل فالجديد انه كما سبق وبه قال مالك لما روى أن معاذا لم يأخذ زكاة العسل وقال (لم يأمرني النبي صلي الله عليه وسلم فيه بشئ) وعن علي وابن عمر رضي الله عنهم (أنه لا زكاة فيه) وعن أبى اسحق أن الشافعي رضى الله عنه علق القول فيه في القديم لما روي أن أبا بكر رضى الله عنه (كان يأخذ الزكاة منه) وروى فيه الخبر عن النبي صلي الله عليه وسلم أيضا فان قلنا بالوجوب فاعتبار النصاب كما سبق ومذهب أحمد وجوب الزكاة فيه وبه قال أبو حنيفة رحمه الله إذا أخذه من غير أرض الخراج وذهب الشيخ أبو حامد وغيره إلي أنه قطع القول بنفى الزكاة فيه قديما وجديدا فيحصل فيه طريقان (ومنها) حب العصفر وهو القرطم فالجديد كما سبق والقديم وجوب الزكاة فيه لما روى أن أبا بكر رضى الله عنه (كان يأخذ منه) فعلي هذا الظاهر اعتبار النصاب فيه كما في سائر الحبوب والعصفر نفسه هل يجرى فيه الخلاف قال أبو القاسم الكرخي لا والخلاف في الحب واجري القاضي ابن كج الخلاف فيه وفى الحب ويمكن تشبيهه بالورس والزعفران ومنها الترمس وهو فيما ذكره الصيدلاني وصاحب التهذيب شبيه بالباقلا لكنه أصغر منه وقيل هو شبيه باللوبيا ولا زكاة فيه علي الجديد لانه لا يقتات انما يؤكل تداويا ويقال انه يهيج الباءة وحكى العراقيون عن القديم أنه يجب فيه الزكاة لشبهه بالباقلا واللوبيا (ومنها) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 563 حب الفول حكى القاضي إبن كج وجوب الزكاة فيه على القديم ولم أر هذا النقل لغيره وليس في الفرق بينه وبين حبوب سائر البقول معني معقول (المسألة الثانية) لا يكفى في وجوب الزكاة كون الشئ مقتاتا علي الاطلاق بل المعتبر ان يقتات في حالة الاختيار وقد يقتات الشئ للضرورة فلا زكاة فيه ومثله الشافعي رضي الله عنه بالغث وحب الحنظل وسائر البذور البرية وشبهها بالظباء وبقر الوحش لا زكاة فيهما لان الآدميين لا يستبيحونها ولا يتعهدونها كذلك هذه الحبوب واختلف في تفسير الغث فعن المزني وطائفة انه حب الغاسول وهو الاشنان ولانه إذا ادرك وتناهي نضجه حصلت فيه مرارة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 564 وحموضة وربما اقتاتها المضطرون وقال آخرون انه حب اسود يابس يدفن حتى تلين قشرته ثم يزال قشره ويطحن ويخبز ويقتاته اعراب طئ: واعلم أن الائمة ضبطوا ما يجب العشر فيه بوصفين (أحدهما) أن يكون قوتا (والثانى) أن يستنبته الآدميون أي يكون من ذلك الجنس وقالوا ان فقد الاول كما في الاسبيوش أو الثاني كما في الغث أو كلاهما كما في الثفاء فلا زكاة وانما يحتاج الي الوصف الثاني من لم يتعرض لكونه مقتاتا في حال الاختيار بل اطلق الاقتيات: فاما من تعرض لذلك فهو غنى عن ذكر الوصف الثاني إذ ليس فيما لا يستنبت شئ يقتات اختيارا واعتبر العراقيون مع هذين الوصفين وصفين آخرين (أحدهما) أن يدخر (والثانى) أن ييبس ولا حاجة اليهما فانهما لا زمان لكل مقتات مستنبت (المسألة الثالثة) : النصاب معتبر في المعشرات وهو قدر خمسة أو سق وبه قال مالك واحمد وقال أبو حنيفة رحمهما الله يجب العشر في القليل والكثير لكن له أن يفرق بنفسه فيما دون خمسة أو سق فإذا بلغها دفع الي الامام لنا ما روى ابو سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال (ليس فيما دونه خمسه أو سق من التمر صدقة) وفي رواية جابر وغيره الوسق ستون صاعا والصاع خمسة أرطال وثلث رطل وهى منوان وثلثا من ويكون الوسق الواحد مائة ستين منا وجملة الاوسق الخمسة ثلثمائة صاع وهى ثمانمائة من وهذا بالمن الصغير وبالكبير اعني الذى وزنه ستمائة درهم يكون ثلثمائة من وستة وأربعين منا وثلثي من هل يعتبر القدر المذكور تقريبا أم تحديدا فيه وجهان (أحدهما) وهو الذى ذكره الصيدلانى تقريبا لان الوسق عبارة عن حمل بعير وذلك قد يزيد وينقص وانما قدر بستين صاعا تقريبا وأخدا بالوسط (وأصحهما) عند المحاملي والاكثرين انه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 565 تحديد لما روى عن عائشة رضي الله عنها انها قالت (جرت السنة انه ليس فيما دون خمسة أو سق من التمر صدقة) ولان نصاب المواشى وغيرها معتبر علي التحديد فكذلك هههنا فان قلنا بالاول احتمل نقصان القدر القليل كالرطل والرطلين وحاول امام الحرمين ضبطه فقال الاوساق هي الا وقار والوقر المقتصد مائة وستون منا فكل نقصان لو وزع على الاوسق الخمسة لم تعد منحطة عن حد الاعتدال فلا يضر وان عدت منحطة عن حد الاعتدال لم يحتمل وان اشكل الامر فيجوز أن يقال لا زكاة الي أن تتحقق الكثرة ويجوز أن يقال يجب لبقاء الاوسق وتعليق الزكاة بها في الخبر الذى رويناه قال وهذا اظهر ثم جرى في أثناء كلامه أن الاعتبار فيما علقه الشارع بالصاع والمد بمقدار موزون يضاف إلى الصاع والمد لا بما يحوى البر ونحوه وذكر القاضي الروياني وغيره ان الاعتبار بالكيل لا بالوزن قال ابو العباس الجرجاني الا العسل إذا اوجبنا الزكاة فيه فالاعتبار فيه بالارطال قال فانه لا يكال وهذا هو الصحيح وسيأتي شواهده ومنه قوله في المختصر مكيلة زكاة الفطر هذه الترجمة تشعر بأن المعتبر الكيل وعلى هذا توسط في العدة بين وجهى التقريب والتحديد فقال هو على التحديد في الكيل وعلي التقريب في الوزن وانما قدره العلماء بالوزن استطهارا (المسألة الرابعة) لا فرق بين ما تنبته الارض المملوكة وما تملكه الارض المكتراة في وجوب العشر ويجتمع علي المكترى العشر والاجرة كما لو اكترى حانوتا للتجارة يجب عليه الاجرة وزكاة التجارة جميعا وعند أبي حنيفة رحمه الله العشر علي المكرى لان العشر عنده حق الارض وعلي هذا الاصل يبنى الخلاف في اجتماع العشر والخراج فعندنا هما يجتمعان وعنده لا عشر فيما تنبته الارض الخراجية لنا انهما حقان وجبا بسببين مختلفين فلا يمنع أحدهما الاخر كالقيمة والجزاء في الصيد المملوك ثم قال الاصحاب وانما تكون الارض خراجية في صورتين (احداهما) أن يفتح الامام بلدة قهر أو يقسمها بين الغانمين ثم يبدلهم عنهما ويقفها علي المسلمين ويضرب عليها خراجا كما فعل عمر رضي الله عنه بسواد العراق علي الصحيح وفيه لابن سريج خلاف مذكور في موضعه (والاخرى) أن يفتح بلدة صلحا علي أن تكون الاراضي للمسلمين ويسكنها الكفار بخراج معلوم فالاراضي فئ المسلمين والخراج عليها أجرة لا يسقط بالسلامهم وكذا لو انجلي الكفار عن بلدة وقلنا ان الاراضي تصير وقفا علي مصابح المسلمين فيضرب عليها خراج يؤديه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 566 من يسكنها مسلما كان أو ذميا فاما إذا فتحت بلدة صلحا ولم يشترط كون الاراضي للمسلمين ولكن مكثوا فيها بخراج فهذا يسقط بالاسلام فانه جزية وعند أبى حنيفة لا يسقط البلاد التي فتحت قهرا وقسمت بين الغانمين واستبقيت في أيديهم وكذا التى اسلم أهلها عليها والاراضي التي أحياها المسلمون عشرية محضة وأخذ الخراج منها ظلم (فرع) النواحى التى يؤخذ الخراج منها ولا يعرف كيف كان حالها في الاصل حكى الشيخ أبو حامد عن نص الشافعي رضي الله عنه انه يستدام الاخذ منها فانه يجوز ان يكون الذى افتتحها صنع بها ما صنع عمر رضى الله عنه بسواد العراق والظاهر أن ما جرى طول الدهر جرى رحق فان قيل فهل يثبت فيها حكم أراضي السواد من امتناع البيع والرهن قيل يجوز أن يقال الظاهر في الاخذ كونه حقا وفي الايدى الملك فلا نترك واحدا من الظاهرين الا بيقين ولهذا نظائر (فرع) الخراج المأخوذ ظلما لا يقوم مقام العشر فان أخذ السلطان علي أن يكون بدلا عن العشر فهذا كاخذ القيمة في الزكاة بالاجتهاد وقد حكوا في سقوط الفرض به وجهين الذى ذكره في التتمة انه يسقط فان لم يبلغ ذلك قد العشر اخرج الباقي وفي النهاية ان بعض المصنفين حكى قريبا من هذا عن أبى زيد المروزى والستبعده: ونعود بعد هذا إلي ما يتعلق بلفظ الكتاب اما قوله وهو مقدار خمسة أو سق معلم بالحاء لان عنده لا حاجة إلي التقييد بهذا المقدار وقوله من كل مقتات بالحاء والميم والالف لان عندهم لا يتقيد الوجوب بالاقوات بل عند أبى حنيفة يجب في جميع الثمار والخضروات والحبوب التى تنبتها الادميون الا الحشيش والقصب والحطب وعند مالك يجب في كل ما تعظم منفعته ويدخر كالسمسم وبدر الكتان والقطن وعند احمد يجب في جميع الثمار والحبوب التى تكال وتدخر سواء النابت بنفسه والمستنبت وقوله في حال الاختيار يحصل به الاحتراز عن الغث وغيره مما يقتات عند الضرورة وذكر في الوسيط أنه احترز به عن الثفاء والترمس فان العرب تقتاته في حالة الاضطرار وأورده الامام نحوا من ذلك والذى قاله الجمهور في الثفاء والترمس ما قدمنا ولم يجعلوهما مما يقتات وعد الازهرى كليهما مما لا يقتات والله أعلم. وقوله أو مستأجرة وكذا قوله خراجية مرقومان بالحاء لان عنده لا يجب العشر على مالك الاوسق الخمسة المرفوعة منهما وقوله إذا كان مالكه معينا احترز به عن ثمار البستان وغلد الضيعة الموقوفين علي المساجد والرباطات والقناطر والفقراء والمساكين فلا زكاة فيها إذ ليس لها مالك معين ويجوز ان يعلم بالواو ولان صاحب البيان حكي ان ابن المنذر روى عن الشافعي رضي الله عنه وجوب الزكاة فيها واليه ذهب ابو حنيفة بناء على ما سبق ان العشر حق الارض وأوجبه على المكاتب والذمى ايضا فليكن قوله معينا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 567 حرا مسلما معلما جميعها بالحاء فاما إذا كان الوقف علي جماعة معينين فقد كتبناه في باب الخلطة وقوله فلا زكاة على الجديد في الزيتون إلى قوله والعصفر لتكن جميعها معلما بالحاء وكذا قوله كما زكاة في الفواكه لما قدمنا والزيتون بالميم أيضا والعسل بالالف ايضا لما مضي ولك تعلم قوله على الجديد بالواو لانه يقتضي اثبات القولين في الاشياء المذكور من الزيتون الي العصفر وقد ذكرنا في العسل طريقة نافية للخلاف بل حكى القاضي ابن كج فيما سوى الزيتون طريقة نافية للخلاف قاطعة بالوجوب وفي جريان الخلاف في العصفر أيضا كلام قد تقدم (وقوله) النصاب معتبر وتعاد العلامة عليه بالحاء وقد وقع التعرض له في أول الكلام حيث قال وهو مقدر خمسة أو سق لكن القصد بذكر هذا الموضع وانما اعترض ذكره ثم لانه حاول استيعاب الامور التى عندها يثبت الوجوب (وقوله) فان جعلنا هذا تقريبا لا تحديدا يتضمن بيان الخلاف كما يصرح بتفريع التقريب * قال (ثم هذه الاوسق تعتبر زبيبا أو تمرا وفي الحبوب منقى عن القشر الا فيما يطحن مع قشره كالذرة ومالا يتتمر بوسق رطبا) * غرض الفصل بيان الحالة التى يعتبر فيها بلوغ المعشر خمسة أوسق فاما في ثمر النخيل والكرم فيعتبر بلوغه هذا المقدار تمرا وزبيبا لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة) اعتبر الاوسق من التمر وعن احمد رواية انه يعتبر الاوسق رطبا ويؤخذا عشره يابسا والاصح عنه مثل مذهبنا فان كان له رطب لا يتخذ منه تمر ففى كيفية اعتبار النصاب فيه وجهان (أظهرهما) أنه يوسق رطبا لانه ليس له حالة جفاف ورطوبته اكمل احواله فلا ينظر الا إليها (والثاني) انه يعتبر حالة الجفاف كما في سائر الانواع وعلي هذا فالاعتبار بنفسه أم بغيره فيه وجهان (أحدهما) بنفسه فيعتبر بلوغ يابسه نصابا وان كان حشفا قليل الخير (والثاني) انه يعتبر بأقرب الارطاب إليه فيقال لو كان بدله ذلك النوع الذى تجفف هل كان يبلغ ثمره نصابا لانه لما لم يمكن اعتباره بنفسه اعتبر بغيره كالجناية على الحر إذا لم يكن لها أرش مقدر وهذا إذا كان يجئ منه تمر وان كان حشفا رديئا فاما إذا كان يفسد بالكلية لم يجئ فيه الوجه الثاني ولفظ الكتاب الي هذا أقرب فانه قال ومالا يتتمر ولم يقل ومالا يتمر وكيف ما كان فقوله بوسق رطبا معلم بالواو والعنب الذى لا يزبب كالرطب الذى لا يتمر ولا خلاف في ضم مالا يجفف منهما إلى ما يجفف في اكمال النصاب قاله في التهذيب ثم في أخذ الواجب من الذى لا يجفف اشكال ستعرفه ووجه الخلاص فيه في مسألة اصابة النخيل العطش ان شاء الله تعالي جده وأما الحبوب فيعتبر بلوغها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 568 نصابا بعد التصفية من التبن والاخراج من السنابل ثم قشورها على ثلاثة اضرب (أحدها) قشر لا يدخر الحب فيه ولا يؤكل معه فهو كالتبن المحض ولا يدخل في النصاب (والثاني) قشر يدخر الحب فيه ويؤكل معه كالذرة تطحن وتؤكل مع قشرها غالبا فيؤخذ ذلك القشر في الحساب فانه طعام وان كان قد يزال تنعما كما تقشر الحنطة فتجعل حوارى وهل يدخل في الحساب القشرة السفلى من الباقلاء حكوا فيه وجهين قال في العدة المذهب انه لا تدخل لانها غليظة غير مقصودة (والثالث) قشر يدخر الحب فيه ولا يؤكل معه فلا يدخل في حساب النصاب ولكن يؤخذ الواجب فيه وهذا كما في العلس والارز أما العلس فقد قال الشافعي رضى الله عنه في الام أنه بعد الدياسة يبقى علي كل حبتين منه كمام لا يزول الا بالرحى الخفيفة أو بالمهراس ادخاره علي ما ذكره أهله في ذلك الكمام أصلح له وإذا أزيل كان الصافى نصف المبلغ فلا يكلف صاحبه ازالة دلك الكمام عنه ويعتبر بلوغه بعد الدياس عشرة اوسق ليكون الصافى منه خمسة أوسق وأما الارز فيدخر أيضا ممع قشره فانه ابقى له فيعتبر بلوغه مع القشر عشرة اوسق وعن الشيخ ابي حامد انه قد يخرج منه الثلث فيعتبر بلوغه قدرا يكون الخارج منه نصابا قال (ولا يكمل نصاب جنس بجنس آخر (م) ويكمل العلس بالحنطة فانه حنطة حبتان منه في كمام واحد والسلت قيل انه يضم إلى الشعير لصورته * وقيل يضم إلى الحنطة * لانه علي طبعها * وقيل هو اصل بنفسه) * لا يضم التمر إلى الزبيب في تكميل النصاب ويضم أنواع التمر بعضها إلي بعض وكذلك أنواع الزبيب ولا تضم أيضا الحنطة إلى الشعير ولا سائر أجناس الحبوب بعضها إلي بعض خلافا لمالك حيث قال تضم الحنطة الي الشعير وتضم القطنية بعضها إلى بعض ولا يضمان إلى القطنية ولاحمد حيث قال يضم أحدهما إلى الآخر ويضمان إلى القطنية أيضا والقطنية هي العدس والحمص ونحوها سميت بذلك لقطونها البيوت: لنا أن كل واحد من أصناف الحبوب منفرد باسم خاص وطبع خاص ولا يضم بعضها إلى بعض كما لا يضم الزبيب الي التمر ويضم العلس الي الحنطة فانه نوع من الحنطة وإذا نحيت الاكمة التى يحوى الواحد منها حبتين خرجت الحنطة الصافية وقبل التنحية لو كان له وسقا علس وأربعة أو سق من الحنطة فقد تم النصاب ولو كان له ثلاثة أو سق من الحنطة فانما يتم النصاب باربعة اوسق من العلس وعلي هذا القياس: وأما السلت فقد اختلفوا في وصفه اولا فذكر العراقيون انه حب يشبه الحنطة في اللون والنعومة والشعير في برودة الطبع وتابعهم في التهذيب علي ما ذكروا وعكس الصيدلانى وآخرون فقالوا انه في صورة الشعير وطبعه حاركا لحنطة وهذا ما ذكره في الكتاب وكيف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 569 ما كان فله شبه من الحنطة وشبه من الشعير وفيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه يضم الي الشعير لما له من شبهه ويحكي هذا عن صاحب الافصاح وصاحب التقريب وبه أجاب أقضى القضاة الماوردى في الاحكام السلطانية (وثانيها) أنه يضم إلى الحنطة لما له من شبهها (وأظهرها) وهو اختيار القفال فيما حكي الصيدلاني أنه أصل بنفسه لا يضم الي واحد منهما لانه اكتسب من تركب الشبهين طبعا ينفرد به وصار أصلا برأسه وهذا ما حكاه القاضي أبو الطيب عن نصه في البويطى ولك أن تعلم قوله وقيل الي الحنطة لانه علي طبعها بالواو لان أبا سعيد المتولي قال لا خلاف في أنه لا يضم الي الحنطة والخلاف في أنه اصل بنفسه أو يضم إلى الشعير وقد وصف واصفون السلت بان فيه حموضة يسيرة لكنه ليس بالذى يسمي بالفارسية ترش جو فانه شعير علي التحقيق ذكره الامام قال وما عندي ان السلت المذكور في الكتب موجود في هذه الديار * قال (ولا يكمل ملك رجل بمالك غيره الا الشريك والجار إذا جعلنا للخلطة فيه أثرا) * ذكرنا في باب الخلطة الخلاف في أن الخلطة هل تثبت في الثمار والزروع ام لا وان ثبتت فهل تثبت الخلطتان أو لا تثبت الا خلطة الشيوع والظاهر ثبوتهما جميعا فان قلنا لا تثبتان فلا يكمل ملك رجل بملك غيره في حق النصاب وان قلنا تثبتان فيكمل ملك رجل بملك غيره في حق النصاب وان قنلا تثبتان فيكمل ملك الرجل بملك الشريك والجار: ومما يتفرع على هذا الاختلاف ما لو مات أنسان وخلف ورثة ونخيلا مثمرة أو غير مثمرة وبدا الصلاح في الحالتين في ملك الورثة ان قلنا لا تثبت الخلطة في الثمار فحكم كل واحد منهم منقطع من غيره فمن بلغ نصيبه نصابا فعليه الزكاة ومن لم يبلغ نصيبه نصابا فلا شئ عليه ولا فرق بين أن يقتسموا أولا يقتسموا وان قلنا تثبت الخلطة فقد قال الشافعي رضي الله عنه ان اقتسموا قبل بدوا الصلاح سقط حكم الخلطة وزكوا زكاة الانفراد فمن لم يبلغ نصيبه نصابا فلا شئ عليه وهذا إذا لم تثبت خلطة الجوار أو أثبتناها وكانت متباعدة فاما إذا كانت متجاورة وأثبتنا خلطة الجوار فيزكون زكاة الخلطة كما قبل القسمة وان اقتسموا بعد بدو الصلاح زكوا زكاة الخلطة لانهم كانوا شركاء حالة الوجوب وهى بدو الصلاح وبدو الصلاح في الثمار كمضي الحول كله في المواشي وههنا كلامان (احدهما) اعترض المزني فقال القسم بيع وبيع الربويات بعضها ببعض جزافا لا يجوز وبيع الرطب بالرطب على رؤس النخل بيع جزاف وايضا فبيع الرطب بالرطب لا يجوز عند الشافعي رضي الله عنه بحال ولا يندفع هذا الاشكال بان يقال الرطب لم يتمحض عوضا في واحد من الجانبين بل الجذع بل الجذع يدخل في القسمة لان عند الشافعي رضى الله عنه لا يجوز بيع الربوي وشئ آخر بذلك الربوي وشئ آخر وأجاب الاصحاب بوجهين (احدهما) قالوا الامر علي ما ذكرت ان فرعنا على ان القسمة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 570 بيع لكن له قول آخر وهو ان القسمة افراز حق وعلي ذلك القول اجاب ههنا (والثاني) انا وان قلنا ان القسمة بيع فيتصور فرض القسمة ههنا من وجوه (منها) ان تكون بعض النخيل مثمرة وبعضها غير مثمرة فيجعل هذا سهما وذلك سهما ويقسم قسمة تعديل فيكون بيع النخل والرطب بمحض النخل وأنه جائز (ومنها) ان تكون التركة نخلتين والوارث شخصان فيشترى احدهما نصيب صاحبه من احدى النخلتين جذعا ورطبا بعشرة ويبيع نصيب نفسه من صاحبه من النخلة الاخرى جذعا ورطبا بعشرة ويتقاضان الدراهم قال الائمة ولا تحتاج إلى شرط القطع وان كانت الصفقتان قبل بدو الصلاح لان المبيع جزء شائع من الثمرة والشجرة معا فصار كما لو باع كلها صفقة واحدة وانما تحتاج الي شرط القطع حينئذ عند افراد الثمرة بالبيع ومنا أن يبيع كل واحد منهما نصيبه من ثمرة أحدى النخلتين نصيب صاحبه من جذعها فيجوز بعد بدو الصلاح ولا يلزم الربوا وقبل بدو الصلاح لا يجوز إلا بشرط القطع لانه بيع ثمرة تكون للمشترى على جذع البائع ذكره صاحب الشامل وغيره وقد حكي القاضى بن كج عن بعض الاصحاب أن قسمة الثمار بالخرص جائزة علي أحد القولين والذى ذكره ها هنا جواب علي ذلك القول ولك أن تقول هذا لو دفع انما يدفع اشكال البيع جزافا فلا يدفع اشكال منع بيع الرطب (الكلام الثاني) قال أصحابنا العراقيون تجوز القسمة قبل اخراج الزكاة بناء على أن الزكاة في الذمة أما إذا قلنا إنها تتعلق بالعين فلا تصح القسمة واعلم أنه يمكن تصحيح القسمة مع التفريع علي قول العين بأن يخرص الثمار عليهم ويضمنوا حق المساكين فلهم التصرف بعد ذلك وأيضا فانا حكينا في البيع قولين تفريعا علي التعلق فكذلك القسمة إذا جعلناها بيعا وان جعلناها افرازا فلا منع وجميع ما ذكرنا من المسألة فيما إذا لم يكن علي الميت دين فأما إذا مات وعليه دين وخلف علي ورثته نخيلا مثمرة فبدا الصلاح فيها بعد موته وقبل ان تباع في الدين ففى وجوب الزكاة علي الورثة قولان حكاهما الشيخ أبو على (أحدهما) لا يجب لان ملكهم فيها غير مستقر في الحال إنما يستقر بعد قضاء الدين من غيره فأشبه ملك المكاتب لما لم يستقر إلا بتقدير أداء النجوم لم تجب الزكوة فيه قبل ذلك (وأصحهما) وهو الذى أورده الجمهور يجب لانها ملكهم ما لم تبع في الدين ألا ترى أن لهم أن يمسكوها ويقضوا الدين من موضع آخر فإذا ملكوا وهم من أهل الزكوة لزمهم الزكوة فعلي هذا القول في أنهم يزكون زكاة الخلطة والانفراد علي ما سبق فيها إذ لم يكن علي الميت دين قال الشيخ ويمكن بناء القولين على الخلاف في أن الدين هل يمنع الميراث فيه قولان وغيره يحكيه وجهين (أحدهما) ويروى عن الاصطخرى نعم لان الله تعالي أثبت الارث بعد الدين حيث قال (من بعد وصية يوصي بها أو دين) (وأصحهما) لا لان الدين لا يستحق الا التعلق به وطلب الحق منه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 571 فتكون الرقبة لهم كالمال المرهون والعبد الجاني رقبتهما للمالك فإذا فرعنا علي الاصح وهو وجوب الزكوة عليهم فان كانوا موسرين أخذت الزكوة منهم وصرفت النخيل والثمار إلى دين الغرماء وإن كانوا معسرين فهل تؤخذ الزكوة منهم فيه طريقان (أحدهما) انه على الخلاف في أن الزكوة تتعلق بالذمة أو بالعين ان قلنا بالذمة والمال مرهون بها فيخرج عل الاقوال الثلاثة في اجتماع حق الله تعالى وحق الآدميين فان سوينا وزعنا المال على الزكاة وحق الغرماء وإن قلنا تتعلق بالعين أخذت الزكوة سواء قلنا بتعلق الشركة أو بمثل تعلق الارش (والطريق الثاني) وهو الاصح ان الزكاة تؤخذ بكل حال لان حق الزكوة أقوى تعلقا بالمال من حق الرهن ألا ترى أن الزكاة تسقط بتلف المال بعد الوجوب وقبل امكان الاداء والدين لا يسقط بهلاك الرهن ثم حق المرتهن مقدم علي حق غيره فحق الزكاة أولي أن يكون مقدما ثم إذا أخذت الزكاة من العين ولم يف الباقي بالدين غرم الورثة قدر الزكاة لغرماء الميت إذا أيسروا لان وجوب الزكاة عليهم وبسببه تلف ذلك القدر على الغرماء قال صاحب التهذيب هذا إذا قلنا الزكوة تتعلق بالذمة فان علقناها بالعين لم يغرموا كما ذكرنا في الرهن ولو أن اطلاع النخيل كان بعد موته فالثمار محض حق الورثة ولا تصرف الي دين الغرماء إلا إذا قلنا الدين يمنع الميراث فحكمها حكم ما لو حدثت قبل موته * قال (ولا يضم حمل نخلة الي حملها الثاني ولا حمل نخلة الي حمل أخرى إذا تأخر اطلاع الاخير عن جذاذ الاولى وان تأخر عن زهوها فوجهان ووقت الجذاذ كالجذاذ على رأى) * لا خلاف في أن ثمرة العام الثاني لا تضم الي ثمرة العام الاول في تكميل النصاب وان فرض اطلاع ثمرة العام الثاني قبل جذاذ ثمرة العام الاول ولو كانت له نخيل تثمر في العام الواحد مرتين فلا يضم الحمل الثاني الي الاول لان كل حمل كثمرة عام وفي هذه المسألة كلامان (أحدهما) قال الاصحاب هذا لا يكاد يقع لان النخل والكرم اللذين يختصان بايجاب الزكاة في ثمارهما لا يحملان حملين وانما نفرض ذلك في التين وما لا زكاة فيه وانما ذكر الشافعي رضي الله عنه المسألة بيانا للحكم بتقدير التصور (والثاني) أن القاضى ابن كج فصل فقال ان اطلعت النخل للحمل الثاني بعد جذاذ الاول فلا ضم وان اطلعت قبل جذاذه وبعد بدو الصلاح فيه خلاف كما سنذكره في حمل نخلتين وهذا لا يخالف اطلاق الجمهور عدم الضم فان السابق إلى الفهم من الحمل الثاني هو الحادث بعد جذاذ الاول والله أعلم * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 572 ولو كانت له نخيل أو كروم يختلف ادراك ثمارها في العام الواحد إما بحسب اختلاف النوع أو بحسب اختلاف البلاد حرارة وبرودة فهل يضم بعض ثمارها الي بعض نظر ان اطلع ما تبطؤ ثمارها قبل زهو الاول وبدو الصلاح فيه وجب الضم لوجود حمل الثاني يوم وجوب الزكاة في الاول والاشجار تطلع وتدرك ثمارها علي تدريج وتفاوت وان اطلع الثاني بعد جذاذ الاول ففيه وجهان (احدهما) وهو الذى أورده القاضى بن كج واصحاب القفال أنه لا يضم لان الثاني حدث بعد انصرام الاول فاشبه ثمرة عامين وهذا هو المذكور في الكتاب (والثاني) وهو الذى قاله أصحاب الشيخ ابى حامد انه يضم لانهما ثمرة عام واحد ولهؤلاء أن يحتجوا على ما ذكروه بقول الشافعي رضي الله عنه وثمرة النخيل تختلف فثمر النخل يجذ بتهامة وهو بنجد بسر وبلح فيضم بعض ذلك الي بعض لانها ثمرة عام وان كان بينهما الشهر والشهران فان قلنا بالوجه الثاني فلو كان اطلاع الثاني قبل الجذاذ وبعد بدو الصلاح فهو أولي بالضم وان قلنا بالاول فههنا وجهان (أحدهما) ويحكى عن أبي اسحق انه لا يضم لحدوث الثاني بعد وجوب الزكاة في الاول فصار كثمرة عامين وذكر في التهذيب ان هذا اصح (والثانى) يضم لاجتماعهما على رأس النخيل كما لو اطلع قبل زهو الاول ثم اختلف الصائرون الي الوجه المذكور في الكتاب وهو اعتبار الجذاذ في ان وقت الجذاذ هل يقام مقام الجذاذ علي وجهين (أحدهما) لا يقام لاجتماع الثمرتين قبل الجذاذ على رأس النخيل (وافقههما) وهو الذى ذكره الصيدلاني انها تقام مقام الجذاذ فان الثمار بعد دخول الوقت كالمجذوذة الاثري انه لو اطلعت النخلة للعام الثاني وقد تركت بعض ثمرة العام الاول عليها لا يثبت الضم فعلي هذا قال امام الحرمين للجذاذ أول وقت ونهاية ترك الثمار إليها اولي وتلك النهاية أحق بالاعتبار قال (ولو ضممنا نخلة إلى أخرى فجدت التى أطلعت أولا ثم اطلعت ثانيا قبل جذاذ الثانية لم نضمها الي الثانية لان فيها ضما الي الاولي وقد أطلعت بعد جذاذها وذلك يتسلسل فلا تضم الي الثانية) * اذكر المسألة في قالب المثال الذي ذكره الشافعي رضي الله عنه وتابعه الاصحاب فيه ثم اعود الي عبارة الكتاب فان فيها لبسا اعلم ان من المواضع التى يختلف ادراك الثمار فيها بحسب اختلاف الاهوية تهامة ونجد فتهامة بلاد حارة ونجد بلاد باردة وثمر النخيل بتهامة اسرع ادراكا منها بنجد فإذا كانت للرجل نخيل تهامية واخرى نجدية فاطلعت التهامية ثم أطلعت النجدية لذلك العام واقتضي الحال ضم ثمرة النجدية إلى ثمرة التهامية علي ما فصلناه في الفصل السابق فضممناها إليها ثم اطلعت التهامية مرة أخرى فلا تضم ثمرة هذه المرة إلى ثمرة النجدية وان طلعت قبل بدو الصلاح فيها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 573 لان في ضمها الي النجدية ضما الي ثمرتها المرة الاولي ولا سبيل إليه لان ثمرتها المرة الثانية اما حمل ثان علي تصوير ان تكون تلك التهاميات مما تحمل في كل سنة مرتين وإما حمل سنة ثانية وعلي التقديرين فلا ضم علي ما سبق وهذا ما ذكره الاصحاب ثم قال الصيدلانى وامام الحرمين ولو لم تكن ثمرة النجدية مضمومة إلى حمل التهامية أولا بان اطلعت بعد جذاذ ذلك الحمل لكنا نضم حملها الثاني المطلع قبل جذاذ النجدية إليها إذ لا يلزم ههنا المحذور الذى ذكرناه وهذا قد لا يسلمه سائر الاصحاب لانهم حكموا بضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض وبان ثمرة عام لا تضم إلى ثمرة عام آخر ومعلوم ان ادراك ثمار التهامية في كل عام اسرع من ادراك ثمار النجدية فيكون اطلاع التهامية ثانيا للعام القابل وما على النجدية من العام الاول. وأما كلام الكتاب فأما ان اراد به الصورة التي نقلناها عن جمهور الاصحاب وأما ان أراد به ما يشعر به ظاهره فان أراد تلك الصورة وهى التي أوردها في الوسيط فاللفظ هههنا يحال عن وجهه تصويرا وتعليلا اما التصوير فلان للجمهور صورا في اطلاع النخلة الاولى مرة أخرى: وهو صور في ثلاث نخلات متغايرة اطلعت الثالثة بعد جذاذ الاولي وقبل جذاذ الثانية وأما التعليل فلان قوله لان فيها ضما الي قوله وذلك يتسلسل يشعر بان امتناع الضم الي حمل الثانية لتضمنه الضم الي حمل الاولي وقد أطلع هذا بعد جذاذه ولا سبيل الي ضم ما اطلع بعد المجذوذ إليه ولو جوزنا ذلك للزم ضم نخلة إلى نخلة بلا نهاية وهذا التعليل غير التعليل اللذى سبق وان أراد ما يشعر به ظاهر الكلام فعدم الضم مما تنازع فيه كلام الاصحاب اللذين قالوا بانضمام ثمار العام الواحد بعضها الي بعض ولم يبالوا باطلاع الآخر بعد جذاذ الاول علي ما أسلفناه وفي ضبطهم بالعام الواحد ما يقطع التسلسل الذى ادعاه ولا يخفى ان قوله ولو ضممنا نخلة إلى آخرى معناه حمل نخلة الي حمل نخلة اخرى بحذف المضاف قل (وأما الذرة لو زرعت بعد حصاد الاولي فعلي قول هما كحملي شجرة فلا يضم وعلي قول يضم مهما وقع الزرعان والحصادان في سنة وعلي قول يكتفى في الضم بوقوع الزرعين في سنة لانه الداخل تحت الاختيار وعلي قول ينظر الي اجتماع الحصادين فانه المقصود وعلي قول إن وقع الزرعان أو الحصادان معا أو زرع الثاني وحصاد الاول اكتفى به: والزرع بعد اشتداد الحب كهو بعد الحصاد على أحد الرأيين والزرع بتناثر الحبات للاول أو بنقر العصافير كهو بالاختيار وقيل انه يضم لانه تابع ولو أدرك أحد الزرعين والاخر بقل فالظاهر الضم وقيل يخرج علي الاقوال) * الاصل الذى لابد من معرفته أولا أن زرع عام لا يضم الي زرع عام آخر في تكميل النصاب واختلاف أوقات الزراعة لضرورة التدريج فيها كالذى يبتدئ الزراعة ولا يزال يزرع الي شهر أو شهرين لا يقدح بل هي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 574 معدودة زرعا واحدا يضم بعضها الي بعض عند اتحاد الجنس إذا عرفت ذلك ففى الفصل مسألتان (أحدهما) ان الشئ قد يزرع في سنة واحدة مرارا كالذرة تزرع في فصول مختلفة في الخريف والربيع والصيف ففى ضم البعض إلى البعض أقوال (احدها) ان المزروع بعد حصد الاولي لا يضم إليه كما لا يضم أحد حملي الشجر إلى الآخر (والثانى) يضم ان وقع الزرعان والحصادان في سنة لانهما حينئذ يعدان زرع سنة واحدة وهو اجتماعهما في سنة واحدة بان يكون بين الزرع الاول وحصد الثاني اقل من اثنى عشر شهرا عربية كذا قال صاحب النهاية والتهذيب فان كان بينهما سنة فصاعدا فلا يضم (والثالث) ان الاعتبار بوقوع الزرعين في سنة ولا نظر الي الحصاد لان الزرع هو المتعلق بالاختيار والحصاد لا اختيار في وقته ويختلف باختلاف حال الارض والهواء وأيضا فان الزرع هو الاصل والحصاد فرعه وثمرته فيعتبر ما هو الاصل فعلي هذا يضم وان كان حصاد الثاني خارجا عن السنة (والرابع) ان المعتبر اجتماع الحصادين في سنة فإذا حصل وجب الضم وان كان زرع الاول خارجا عن السنة لان الحصاد هو المقصود وعنده يستقر الوجوب فاعتباره أولى وهذه الاقوال الاربعة مدونة في المختصر (والخامس) ويحكى عن رواية الربيع انه ان وقع الزرعان والحصادان أو زرع الثاني وحصد الاول في سنة ضم احداهما إلى الثاني وهذا بعيد عند الاصحاب لانه يوجب ضم زرع السنة الي زرع السنة الاخرى فان العادة ابتداء الزرع الثاني بعد مضى شهر من حصد الاول هذا بيان الاقوال علي الوجه المذكور في الكتاب واختلفوا في الاظهر منها وكلام الاكثرين مائل الي ترجيح القول الرابع ونقل المسعود في الافصاح القول الخامس علي وجه أخص مما ذكرنا فقال الاعتبار بجميع السنة بأحد الطرفين: إما الزرعين أو الحصادين ولم يلجق بهما زرع الثاني وحصد الاول والشيخ أبو حامد في طائقة جعلوا الفصل بدلا عن السنة في حكاية القول الثاني والثالث والرابع واعتبروا علي القول الثاني ان يكون الزرعان في فصل واحد والحصادان في فصل واحد وما المعنى بالفصل: ذكر القاضي الروياني ان المعني بالفصل هههنا أربعة أشهر والطريقة التى تقدمت أوفق للفظ المختصر وهى التى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 575 اعتمدها القاضى بن كج ونقلها أصحاب القفال وغيرهم وعن أبي اسحق انه خرج قولان أن ما يعد زرع سنة يضم بعضه إلى بعض ولا أثر لاختلاف الزرع والحصاد قال وأعنى ههنا بالسنة اثني عشر شهرا فان الزرع لا يبقى هذه المدة وانما أعنى بها ستة اشهر إلى ثمانية وإذا جمع جامع بين ما نقلناه من الروايات انتظمت في المسألة عشرة أقوال فتأملها وهذا كله فيما إذا كان زرع الثاني بعد حصول الاول ووراء ذلك حالتان (احداهما) أن يكون زرع الثاني بعد اشتداد حب الاول فالخلاف فيه مرتب علي الخلاف فيما إذا كان زرع الثاني بعد حصد الاول وههنا أولي بالضم لاجتماعها في النبات في الارض والحصول فيها وقوله في الكتاب علي أحد الروايتين المراد منه طريقان يتولدان من هذا الترتيب (أحدهما) القطع بالضم (والثاني) باثبات الخلاف وهو أظهر والثانية أن يكون الزرعان معا أو علي التواصل المعتبر ثم يدرك أحدهما والثانى بعد بقل لم يشتد حبه أصلا ففيه طريقان (أصحهما) القطع بالضم لان ذلك يعد زرعا واحدا والثانى وحكاه الامام عن أبي اسحق انه على الاقوال لاختلافهما في وقت الوجوب بخلاف ما لو تأخر بدو الصلاح في بعض الثمار فانه يضم إلى ما بدأ فيه الصلاح لا محالة لان الثمرة الحاصلة هي متعلق الزكاة بعينها والمنتظر فيها صفة الثمرة وههنا متعلق الواجب الحب ولم يخلق بعد والموجود حشيش محض (المسألة الثانية) قال الشافعي رضي الله عنه الذرة تزرع مرة فتخرج فتحصد ثم يستخلف في بعض المواضع فتحصد أخرى فهو زرع واحد وان تأخرت حصدته الاخرى اختلف المفسرون لكلامه في المراد بهذه الصورة على ثلاثة أوجه (أحدها) أن المراد بها ما إذا تسنبلت الذرة واشتدت فانتثر بعض حباتها بنفسها أو بنقل العصافير أو بهبوب الرياح فسقى الارض فنبتت تلك الحبات المنثورة في تلك السنة مرة أخرى وأدركت ومنهم من قال المراد بها ما إذا نبتت فالتفت وعلا بعض طاقاتها فغطي البعض وبقي ذلك المغطي مخضرا تحث ما علا فإذا حصد العالي أثرت الشمس في المخضر فأدرك (ومنهم) من قال المراد بها الذرة الهندية تحصد سنابلها ويبقى ساقها فيخرج سنابل أخرى ويحكى هذا الوجه الثاني عن ابن سريج ثم اختلفوا في الصور الثلاث بحسب اختلافهم في المراد من النص واتفاق الجمهور علي أن ما ذكره قطع بالضم وليس جوابا علي بعض الاقوال التي سبقت فذكروا في الصورة الاولي طريقين (احدهما) أنها علي الاقوال في الزرعين المختلفى الوقت فانه زرع مفتتح بعد زرع (والثانى) القطع بالضم لانه تابع للاول غير حاصل بالقصد والاختيار وايراد الكتاب يشعر بترجيح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 576 الاول وهو قضية ما في التهذيب وذكروا في الصورة الثانية طريقين أيضا (أظهرهما) القطع بالضم لانها حصلت دفعة واحدة وانما تفاوت الادراك (والثاني) ويحكي عن ابى اسحق انها مخرجة علي الاقوال وذكروا في الثالثة ثلاثة طرق (احدها) انها علي الخلاف فيما لو حصد زرع ثم زرع آخر (والثانى) لا يضم قولا واحدا كالنخلة تحمل في السنة حملين (والثالث) يضم قولا واحدا بخلاف الزرع بعد الزرع فان أحدهما مفصول عن الآخر وههنا الزرع واحد وانما تفرق ريعه وبخلاف حملي النخلة فانها شجرة لها ثمر بعد ثمر فحملاها في سنة كحملها في سنتين والذرة زرع لا يبقى فالخارج من ساقها ملحق بالاول كزرع تعجل ادراك بعضه وتأخر ادراك بعضه وهذا أصح عند صاحب التهذيب * قال (الطرف الثاني في الواجب وهو العشر فيما سقت السماء ونصف العشر فيما سقى بنضح أو دالية والقنوات كالسماء والناعور الذى يدبر الماء بنفسه كالدواليب) * الاصل في قدر الواجب في هذا النوع ما روى ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (فيما سقت السماء أو العيون أو كان عثريا العشر وفيما سقى بالنضح نصف العشر) ويروى (وما سقى بنضح أو غرب ففيه نصف العشر) قال في الصحاح العثرى بالتحريك الزرع الذى لا يسقيه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 577 الاماء المطر وقال الازهرى وسقيه بالنضح أن يستقى له من ماء النهر أو البئر بساتينه وغيرها وتسمي السوانى نواضح الواحدة سانية والغرب الدلو الكبير: إذا عرف ذلك فيجب فيما سقى بماء السماء من الثمار والزروع العشر وكذا البعل وهو الذى يشرب بعروقه لقربه من الماء وكذا ما يشرب من ماء ينصب إليه من جبل أو نهر أو عين كبيرة كل ذلك فيه العشر وما سقى بالنضح أو بالدلاء أو بالدواليب ففيه نصف العشر وكذا ما سقى بالدالية قال في الصحاح وهى المنجنون تديرها البقرة وما سقي بالناعور وهو الذى يديره الماء بنفسه لانه تسبب الي النزح كالاستقاء بالدلاء والنواضح والمعني الكلي الذى يقتضيه التفاوت ان أمر الزكاة مبني علي الرفق بالمالك والمساكين فإذا كثرت المؤنة خف الواجب أو سقط كما في المعلوفة وإذا خفت المؤنة كثر الواجب كما في الركاز وأما القنوات وفي معناها السواقى المحفورة من النهر العظيم إلى حيث يسوق الماء إليه فالذي ذكره في الكتاب ان السقى منها كالسقى بماء السماء وهذا هو الذى أورده طوائف الاصحاب من العراقيين وغيرهم وعللوا بان مؤنة القنوات انما تتحمل لاصلاح الضيعة والانهار تشق لاحياء الارض فإذا تهيأت وصل الماء الي الزرع بطبعه مرة بعد أخرى بخلاف السقى بالنواضح ونحوها فان المونة ثم تتحمل لنفس الزرع: وادعي امام الحرمين اتفاق الائمة على هذا لكن ابا عاصم العبادي ذكر في الطبقات ان ابا سهل الصعلوكى افتى بأن المسقي من ماء القناة فيه نصف العشر لكثرة المونة وفصل صاحب التهذيب فقالى ان كانت القناة أو العين كثيرة المونة بان كانت لا تزال تنهار وتحتاج الي استحداث حفر فالمسقى بها كالمسقي بالسواقي وان لم يكن لها مؤنة اكثر من مؤنة الحفر الاول وكسحها في بعض الاوقات ففى السقى بها العشر والمشهور الاول * (فرع) اشار القاضى ابن كج الي أنه لو احتاح الي شراء الماء كان الواجب نصف العشر ونقله عنه صريحا صاحب الرقم ولو سقاه بماء مغصوب فكذلك لان عليه الضمان وهذا حسن جار على كل مأخذ فانه لا يتعلق به صلاح الضيعة بخلاف القناة ثم حكي القاضى عن أبى الحسين وجهين فيما لو وهب منه الماء ورجح الحاقه بما لو غصب لما في قبول الهبة من المنة العظيمة فصاركا لو علف ماشيته بعلف موهوب والله أعلم * قال (ولو اجتمع السقيان على التساوى وجب ثلاثة أرباع العشر في كل نصف بحسابه وان كان أحدهما أغلب اعتبر الاغلب في قول ووزع في الثاني عليهما: والاغلب يعرف بالعدد في وجه وبزيادة النمو والنفع في وجه: وإذا أشكل الاغلب فهو كالاستواء) * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 578 إذا اجتمع السقيان في زرع وكان يسقى بماء السماء مدة وبالنضح مدة فلا يخلو اما أن يكون الزرع منشأ على هذا القصد أو بنى أمره علي أحد الشقين ثم اعترض الآخر واجتمعا (الحالة الاولي) وهى المقصودة في الكتاب أن ينشأ الزرع على قصد السقى بهما جميعا ففيه قولان كالقولين فيما إذا تنوعت ابله أو غنمه (أظهرهما) أنه يقسط الواجب عليهما لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم فيما إذا تنوعت (فيما سقت السماء العشر وفيما سقى بنضح نصف العشر) فعلي هذا لو كان ثلثا السقى بماء السماء والثلث بالنضح وجب خمسة أسداس العشر ثلثا العشر للثلثين وثلث نصف العشر للثلث ولو سقى علي التساوى وجب نصف العشر ونصف نصف العشر وذلك ثلاثة أرباع العشر (والقول الثاني) وحكاه في الشامل عن أبى حنيفة واحمد ان الاعتبار بالاغلب فان كان السقى بماء السماء أغلب ففيه العشر وان كان السقى بالنضح أغلب ففيه نصف العشر لان النظر الي اعداد السقى وازمنته مما يشق ويعسر فيدار الحكم علي الغالب تخفيفا وعلي هذا لو استويا ففيه وجهان حكاهما الامام (أحدهما) انه يجب العشر نظرا للمساكين وهذا هو الذى حكاه المسعودي تفريعا على القول الثاني (وأصحهما) وهو الذى أورده في الكتاب انا نقسط الواجب عليهما كما ذكرنا علي القول الاول لانتفاء الغلبة من الجانبين وعلى هذا فالحكم حالة الاستواء واحد علي القولين فينتظم ان يقال ان استويا وجب ثلاثة أرباع العشر فان كان أحدهما أغلب فقولان وهكذا أورد صاحب الكتاب والاكثرون ثم سواء قلنا بالتقسط أو اعتبرنا الاغلب فالنظر إلى ماذا في معرفة المقادير: فيه وجهان (احدهما) أن النظر إلى عدد السقيات لان المؤونة بحسبها تقل وتكثر ولا شك أن الاعتبار بالسقيات المفيدة دون ما لا تفيد أو تضر (وأوفقهما) لظاهر نصه أن الاعتبار بعيش الزرع ونمائه أهو بأحدهما أكثر أم لا وكذا عيش التمر فانه المقصود وقال في النهاية وعبر بعضهم عن هذا بعبارة أخرى فقال النظر الي النفع وقد تكون السقية الواحدة أنفع من سقيات كثيرة قال وهما متقاربان الا أن صاحب العبارة الثانية لا ينظر الي المدة وانما ينظر الي النفع الذى يحكم به أهل الخبرة وصاحب العبارة الاولى يعتبر المدة: واعلم أن اعتبار المدة هو الذى ذكره الاكثرون على الوجه الثاني وذكروا في المثال انه لو كانت المدة من يوم الزرع إلى الادراك ثمانية أشهر واحتاج في ستة أشهر زماني الشتاء والربيع الي سقيتين فسقى بماء السماء وفي شهرين وهو زمان الصيف الي ثلاث سقيات فسقي بالنضح فان اعتبرنا عدد السقيات فعلي قول التوزيع يجب خمسا العشر وثلاثة اخماس نصف العشر وذلك ثلاثة اخماس العشر ونصف خمسه وعلي قول اعتبار الاغلب يجب نصف العشر لان عدد السقيات بالنضح أكثر وان اعتبرنا المدة فعلى قول التوزيع يجب ثلاثة أرباع العشر وربع نصف العشر وعلي قول اعتبار الاغلب يجب العشر لان مدة السقى بماء السماء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 579 أطول ولو سقى الزرع بماء السماء والنضح جميعا لكن اشكل مقدار كل واحد منهما فعن ابن سريج وتابعه الجمهور أنه يجب ثلاثة أرباع العشر أخذا بالاستواء وذكر القاضي ابن كج وجها آخر ان الواجب نصف العشر لانه اليقين والاصل براءة ذمته عن الزيادة وإذا عرفت ما ذكرنا يتبين لك ان الوجهين في قوله (والاغلب يعرف بزيادة العدد الي آخره) لا يختصان بالاغلب بل يجريان فيما يعتبر به الاستواء أيضا (وقوله) إذا اشكل الاغلب فهو كالاستواء انما صور الاشكال في الاغلب لانه قصد التفريع علي قول اعتبار الاغلب والا فلو لم يعرف هل أحدهما أغلب من الآخر كما لو عرف أن أحدهما اغلب وشك في انه هذا ام ذاك والحالة (الثانية) ان يبنى الامر على أحد السقيين ثم يعرض الاخر فهل يستصحب حكم قصده أولا ويعتبر الحكم فيه وجهان (اصحهما) الثاني ثم في كيفية اعتبارهما الخلاف الذى ذكرنا * (فرع) لو اختلف الساعي والمالك في انه بماذا سقى فالقول قول المالك لان الاصل عدم وجوب الزيادة (آخر) لو كان له زرع مسقى بماء السماء وآخر مسقى بالنضح ولم يبلغ واحد منهما نصا باضم احدهما الي الثاني في حق النصاب وان اختلف مقدار الواجب * قال (ويجب ان يخرج العشر من جنس المعشر ونوعه فان اختلف النوع فمن كل بقسطه فان عسر فالوسط) * (قوله) ويجب ان يخرج العشر من جنس المعشر ولا يجوز ان يعلم بالحاء لان ابا حنيفة رحمه الله يجوز اخراج القيم في الزكاة فلا يجب عنده اخراج الجنس * لنا قوله صلي الله عليه وسلم (خذ من الابل الابل) الخبر (وقوله) ونوعه ليس مجرى علي اطلاقه فانه لو اخرج الاجود عن الارد أجاز انما الواجب ألا يخرج أردأ مما عنده وغرض الفصل انه لو كان الجنس الذى يملكه من الثمار والحبوب نوعا واحدا فيؤخذ منه الزكاة وان اختلف انواعه كما إذا ملك من التمر البردى والكبيس وهما نوعان جيدان والجعرور ومصران الفارة وعذق الجبيق وهي انواع رديئة ومنهم من يجعل الجعرور وسطا فان لم يعسر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 580 أخذ الواجب من كل نوع بالحصة أخذ بالحصة بخلاف نظيره في المواشي حيث ذكرنا فيه خلافا من قبل والفرق ان التشقيص في الحيوان محذور بخلاف ما في الثمار الا ترى ان في المواشي وان قلنا بالتقسيط فاننا نعتبر قيم الانواع ونأخذ ما يقتضيه التوزيع ونأمره بدفع نوع منها على ما يقتضيه التوزيع ولا يأخذ البعض من هذا والبعض من ذاك وههنا بخلافه وطرد القاضى ابن كج القولين ههنا والمشهور الفرق وان عسر اخذ الواجب من كل نوع بأن كثرت الانواع وقل مقدار كل نوع فما الذي يؤخذ. حكى عن صاحب الافصاح فيه ثلاثة اوجه (اصحها) وهو المذكور في الكتاب انه لا يكلف بالاخراج من كل نوع لما فيه من العسر ولا يكلف بالاخراج من الاجود ولا نرضي بالردئ بل يؤخذ من الوسط رعاية للجانبين (والثانى) انه يؤخذ من كل نوع بالقسط كما إذا قلت الانواع (والثالث) انه يؤخذ من الغالب ويجعل غيره تبعا له وروى القاضى ابن كج في المسأله طريقين (احدهما) القطع بأخذ الوسط والثانى ان فيها قولين (احدهما) اخذ الوسط (والثاني) اخذ الغالب * إذا عرفت ذلك فاعلم قوله فان عسر فالوسط بالواو واعلم انه ليس المراد وجوب اخراج الوسط حتى لا يجوز اخذ غيره بل لو تحمل العسر واخرج من كل نوع بالقسط جاز ووجب على الساعي قبوله فإذا أراد الساعي أخذ العشر كيل لرب المال تسعة وأخذ الساعي العاشر وانما يبدأ بجانب المالك لان حقه أكثر ولان حق المساكين انما يتبين به ولو بدأ بجانبهم فربما لا يفى الباقي بحقه فيحتاج الي رد ما كيل لهم وان كان الواجب نصف العشر كيل لرب المال تسعة عشر وأخذ الساعي العشرين وان كان الواجب ثلاثة أرباع العشر كيل لرب المال سبعة وثلاثون وللمساكين ثلاثة ولا يهز المكيال ولا يزلزل ولا توضع البد فوقه ولا يمسح لان ذلك مما يختلف فيه بل يصب فيه ما يحتمله ثم يفرغ * قال (الطرف الثالث في وقت الوجوب وهو الزهو في الثمار والاشتداد في الحبوب فينعقد سبب وجوب اخراج التمر والحب عند الجفاف والتنقية فلو أخرج الرطب في الحال كان بدلا) * وقت وجوب الصدقة في النخل والكرم الزهو وهو بدو الصلاح لان النبي صلى الله عليه وسلم (كان حينئذ ببعث الخارص) للخرص ولو تقدم الوجوب عليه لبعثه قبل ذلك ولو تأخر عنه لما بعثه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 581 إلي ذلك الوقت ووقت الوجوب في الحبوب اشتدادها لانها حينئذ تصير طعاما كما أن حمل النخل والكرم عند بدو الصلاح يصير ثمرة كاملة وهو قبل ذلك بلح وحصرم هذا هو المشهور وفي النهاية أن صاحب التقريب حكي قولا غريبا أن وقت الوجوب هو الجفاف والاشتداد ولا يتقدم الوجوب علي الامر بالاداء: وفي الشامل أن الشيخ أبا حامد حكى عن القديم أنه أومأ الي أن الزكاة تجب عند فعل الحصاد فيجوز أن يعلم قوله في الكتاب (وهو الزهو في الثمار والاشتداد في الحبوب لهذين والكلام في معني بدو الصلاح وأن بدو الصلاح في البعض كبدوه في الكل على ما هو مذكور في كتاب البيع ولا يشترط تمام اشتداد الحب كما لا يشترط تمام الصلاح في الثمار ويتفرع على المذهب المشهور أنه لو اشترى نخيلا مثمرة أو ورثها قبل بدو الصلاح ثم بدا الصلاح بعد ذلك فعليه الزكاة ولو اشترى بشرط الخيار فبدا الصلاح في زمان الخيار فان قلنا الملك للبائع فالزكاة عليه وان امضي البيع وان قلنا للمشترى الزكاة عليه وان فسخ البيع وان قلنا بالوقف فأمر الزكاة موقوف أيضا: وفرع ابن الحداد علي هذا الاصل أنه لو باع المسلم نخيله المثمرة قبل بدو الصلاح من ذمي فبدا الصلاح في ملكه فلا زكاة علي واحد منهما: أما الذمي فظاهر: وأما المسلم فلان الثمرة لم تكن في ملكه وقت الوجوب ولو عاد إلى ملكه بعد بدو الصلاح ببيع مستأنف أو بهبة أو تقابل أورد بعيب فلا زكاة عليه أيضا لانه لم تكن في ملكه حين الوجوب والبيع من المكاتب كالبيع من الذمي فيما ذكرنا ولو باع النخل من مسلم قبل بدو الصلاح فبدا الصلاح في ملك المشترى ثم وجد بها عيبا فليس له الرد الا برضا البائع لانها تعلق بها حق الزكاة فكان كعيب حدث في يده فان أخرج المشترى الواجب: اما من تلك الثمرة أو من غيرها فالحكم علي ما ذكرنا في زكاة النعم في الشرط الرابع: اما إذا باع الثمرة وحدها قبل بدو الصلاح فهذا البيع لا يصح الا بشرط القطع فان شرطه ولم يتفق القطع حتى بدا فيها الصلاح فقد وجب العشر وينظر فان رضيا بابقائها الي اوان الجذاذ جاز والعشر على المشترى وعن الشيخ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 582 ابى حامد ان ابا اسحاق حكي قولا اخر انه ينفسخ البيع لانه لو اتفقا عليه عند البيع لبطل البيع فإذا وجد هذا الشرط المبطل بعده ينفسخ والصحيح الاول وان لم يرضيا بالابقاء لم تنقطع الثمرة لان فيه اضرارا بالمساكين ثم فيه قولان (احدهما) ينفسخ البيع لتعذر امضائه فان البائع يبتغى القطع لشرطه وهو ممتنع لما ذكرنا (واصحهما) انه لا ينفسخ فانه عيب حدث بعد البيع لكن ان لم يرض البائع بالابقاء ينفسخ البيع وان رضى البائع بالابقاء وابي المشترى الا القطع فوجهان (احدهما) يفسخ أيضا (وأصحهما) أنه لا يفسخ لان البائع قد زاده خيرا والقطع انما كان لحقه حتى لا تمتص الثمرة ماء الشجرة فإذا رضي تركت الثمرة بحالها ولو رضى البائع ثم رجع كان له ذلك لان رضاه اعارة وحيث قلنا يفسخ البيع ففسخ فعلي من تجب الصدقة: فيه قولان (أحدهما) علي البائع لان الفسخ كان لشرط القطع فأسند الي أصل العقد (واصحها) انها علي المشترى لان بدو الصلاح كان في ملكه فاشبه ما لو فسخ بعيب فعلي هذا لو أخذ الساعي من غير الثمار رجع البائع علي المشترى (وقوله) فينعقد سبب وجوب اخراج الثمرة والحب عند الجفاف معناه انا وان قلنا ان بدو الصلاح واشتداد الحب وقت الوجب فلا نكلفه بالاخراج في الحال لكن ينعقد حينئذ سبب وجوب اخراج الثمرة والزبيب والحب المصفى ويصير ذلك مستحقا للمساكين يدفع إليهم بالاجرة ولو اخرج الرطب في الحال لم يجز لما روى عن غياث بن أسيد ان النبي صلي الله عليه وسلم قال (في زكاة الكرم انها تخرص كما تخرص النخل ثم تؤدى زكاته زبيبا كما تؤدي زكاة الرطب تمرا) لان المقاسمة بيع علي الصحيح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 583 وبيع الرطب بالرطب لا يجوز فلو أخذ الساعي الرطب لم يقع الموقع ووجب الرد ان كان باقيا وان كان تالفا فوجهان (الذى) نص عليه وقاله الاكثرون انه ترد القيمة (والثانى) انه يرد المثل والخلاف يبنى علي ان الرطب والعنب مثليان أم لا: (وقد ذكر الخلاف فيه في الكتاب) في باب الغصب وجعل الاظهر انهما مثليان فمن قال به حمل النص على ما إذ لم يوجد المثل ولو جف عند الساعي نظر ان كان قدر الزكاة اجزأ والارد التفاوت أو أخذ هكذا قال العراقيون والاولى وجه آخر ذكره القاضي ابن كج وهو انه لا يجزى بحال لفساد القبض من أصله وقوله في الكتاب فلو أخذ الرطب في الحال كان بدلا أراد به انه لا يقع الموقع لان البدل لا يجزئ في الزكاة إذا فرضت ضرورة واعلم ان ما ذكرناه أصلا وشرحا في أخذ الرطب مما يجئ منه التمر والزبيب فان لم يكن كذلك فسيأتي * (قال ويستحب (ح) ان يخرص عليه فيعرف قدر ما يرجع إليه تمرا ويدخل في الخرص جميع النخيل ولا يترك بعضه ولمالك النخيل وهل يكفى خارص واحد كالحاكم أو لابد من اثنين كالشاهد فيه قولان) * الاصل في الخرص ما روينا من حديث غياث بن اسيد وروى ايضا أن النبي صلي الله عليه وسلم (خرص حديقة امرأة بنفسه) وإنما يكون ذلك في الثمار دون الزروع لانه لا يمكن الوقوف عليها لاستتارها وايضا فان الزروع لا تؤكل في حال الرطوبة والثمار توكل فيحتاج المالك إلى ان يخرص عليه ويمكن من التصرف فيها ووقته بدو الصلاح لما روى عن عائشة رضى الله عنها قالت (كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة خارصا أول ما تطيب الثمرة) وكيفيته أن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 584 يطوف بالنخلة ويرى جميع عناقيدها ويقول خرصها كذا رطبا ويجئ منها التمر كذا ثم يأتي نخلة أخرى فيفعل بها مثل ذلك الي أن يأتي علي جميع ما في الحديقة ولا يقتصر على رؤية البعض وقياس الباقي عليه لانها تتفاوت وانما يخرص كل نخلة رطبا ثم تمرا لان الارطاب تتفاوت (فمنها) ما يكون اكثر نماء وأقل تمرا (ومنها) ما يكون بخلاف ذل فان اتحد النوع جاز ان يخرص الجميع رطبا ثم تمرا وفي الفصل بعد هذا مسألتان (احداهما) هل تدخل النخيل كلها في الخرص: الصحيح المشهور ادخال الكل لاطلاق النصوص المقتضية لوجوب العشر: وعن صاحب التقريب ان للشافعي رضي الله عنه قولا في القديم انه يترك للمالك نخلة أو نخلات يأكل منها أهله ويختلف ذلك باختلاف حال الرجل في قلة عياله وكثرتهم (فال؟) وذلك في مقابلة قيامه بتربية الثمار إلى الجذاذ وتعبه في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 585 التجفيف (وقد يحتج له) بما روى ان النبي صلي الله عليه وسلم قال إذا (خرصتم فاتركوا لهم الثلث فان لم تتركوا الثلث فاتركوا لهم الربع) ومن قال بالصحيح قال اما مؤونة الجذاذ والتجفيف فهى من خالص مال المالك وكذا مؤونة التنقية في الحبوب لما سبق أن المستحق لهم هو اليابس وأما الخبر فهو محمول علي ترك البعض لرب المال عند اخذ الزكاة ليفرقه بنفسه علي اقاربه وجيرانه أي لا يؤاخذ بدفع جميع ما خرص عليه اولا (الثانية) هل يكفى خارص واحد ام لابد من اثنين فيه طريقان (اظهرهما) ان المسألة علي قولين (احدهما) انه لابد من اثنين لان الخرص تقدير للمال فاشبه التقويم (واصحهما) وبه قال احمد أنه يكفى واحد لانه يجتهد ويعمل على حسب اجتهاده فهو كالحاكم وقد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 586 روى ان النبي صلى الله عليه وسلم (بعث عبد الله بن رواحة خارصا) وروى (انه بعث معه غيره) فيجوز ان يكون ذلك في دفعتين ويجوز ان يكون المبعوث معه معينا أو كاتبا وحكى القاضي ابن كج وغيره قولا ثالثا هو انه ان كان الخرص علي صبي أو مجنون أو غائب فلابد من اثين والا كفى واحدا (والطريق الثاني) وبه قال ابن سريج والاصطخري القطع بانه يكفى خارص واحد وسواء اكتفينا بواحد واعتبرنا اثنين فلابد من أن يكون الخارص مسلما عدلا عالما بالخرص: وهل تعتبر الذكورة والحرية (قال) في العدة ان اكتفينا بواحد فيعتبر ان وان قلنا لابد من اثنين جاز أن يكون أحدهما عبدا أو امرأة وعن الشاشي حكاية وجهين في اعتبار الذكورة مطلقا ولك أن تقول ان اكتفينا بواحد فسبيله سبيل الحكم فينبغي ان تعتبر الحرية والذكورة وإن اعتبرنا اثنين فسبيله سبيل الشهادان فينبغي أن تعتبر الحرية أيضا وأن تعتبر الذكورة في أحدهما وتقام امرأتان مقام الثاني وأما لفظ الكتاب (فقوله) ويستحب أن يخرص عليه يجوز أن يعلم بالحاء لان أبى حنيفة رحمه الله في الخرص روايتين (احداهما) أنه لا يجوز اصلا (والثانية) أنه لا يتعلق به التضمين كما هو أحد قولينا ويجوز اعلامه بالواو أيضا لان صاحب البيان حكي وجها أن الخرص واجب (وقوله) فيعرف ما يرجع إليه تمرا تمثيل لا تخصيص فان الكرم أيضا يخرص فيعرف ما يرجع إليه زبيبا (وقوله) ولا يترك بعضه لمالك النخيل معلم بالواو لما رواه صاحب التقريب وبالالف لان عند أحمد لا يحسب عليه ما يأكله بالمعروف ولا يطعم جاره وصديقه و (وقوله) قبله ويدخل في الخرص جميع النخل لو اقتصر عليه ولم يذكر ولا يترك بعضه لمالك النخل لكان بسبيل منه (وقوله) أو لا بد من اثنين يجوز اعلامه بالالف لما سبق (وقوله) قولان بالواو للطريقة القاطعة بالاكتفاء بواحد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 587 قال (ومهما تلف بآفة سماوية فلا ضمان علي المالك لفوات الامكان ولو كان باتلافه غرم قيمة عشر الرطب علي قولنا ان الخرص عبرة أو قيمة عشر التمر علي قولنا أنه تضمين ثم إذا ضمناه التمر نفذ تصرفه في الجميع وان لم نضمنه نفذ في الاعشار التسعة ولم ينفذ في الشعر إلا إذا قلنا الزكاة لا تتعلق بالعين) * حكى الائمة قولين فيأن الخرص عبرة أو تضمين (أحدهما) انه عبرة أي هو لاعتبار المقدار ولا يصير حق المساكين بجريانه في ذمة رب المنال بل يبقى علي ما كان لانه ظن وتخمين فلا يؤثر في نقل الحق إلي الذمة (وأصحهما) أنه تضمين أي حق المساكين ينقطع به عن عين الثمرة وينتقل إلى ذمة رب المال لان الخرص يسلطه على التصرف في الجميع على ما سيأتي وذلك يدل علي انقطاع حقهم عنها ولم أر نقل الخلاف في هذا الاصل هكذا إلا لاصحاب القفال ومن تابعهم وان تعرضوا لآثاره وجعله القاضى ابن كج علي وجهين لابن سريج وذكر أن أبا الحسين قال بالثاني وإن قلنا الخرص عبرة فلو ضمن الخارص المالك حق المساكين صريحا وقبله المالك كان لغوا ويبقي حقهم علي ما كان وقد فسر الامام قولنا انه عبرة بانه يفيد الاطلاع علي المقدار ظناو حسبانا ولا يغير حكما وذكر صاحب الكتاب مثله في الوسيط وليس الامر فيه علي هذا الاطلاق لانه يفيد جواز التصرف علي ما سيأتي ولو أتلف رب المال الثمار أخذت الزكاة منه بحساب ما خرص عليه ولولا الخرص لكان القول قوله في ذلك وان قلنا انه تضمين فهل يقول نفس الخرص تضمين أو لابد من تصريح الخارص بذلك نقل الامام فيه وجهين (وقال) والذى اراه انه يكفى تضمين الخارص ان اعتبرناه ولا حاجة الي قبول المخروص عليه وما عليه الاعتماد واورده المعظم أنه لا بد من التصريح بالتضمين وقبول المخروص عليه فان لم يضمنه الخارص أو لم يقبله المخروص عليه بقى حق المساكين علي ما كان: وهل يقوم وقت الخرص مقام الخرص ذكروا فيه وجهين أيضا وجه (قولنا) نعم أن العشر لا يجب الا تمرا والخرص يظهر المقدار لا أنه يلزم بنفسه شيئا وينبغى أن يرتب هذا علي المسألة الاولي ان قلنا لا بد من التصريح بالتضمين لم يقم على وقت الخرص مقامه بحال وأن أغنينا عنه فحينئذ فيه الخلاف (وقوله) في الكتاب علي قولنا أنه تضمين يجوز أن يعلم بالحاء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 588 لما ذكرنا من الرواية الثانية عن أبى حنيفة رحمه الله في الفصل قبل هذا: إذا تقرر هذا الاصل ففيه ثلاث مسائل (أحداها) لو اصابت الثمار آفة سماوية أو سرقة إما من الشجرة أو من الجرين قبل الجفاف نظر إن أصابت الكل فلا شئ عليه لفوات الامكان وهذه الحالة هي المرادة في الكتاب ولا يخفى ان الفرض فما إذا لم يكن منه تقصير (فأما إذا أمكن الدفع فاخرأ وضعها في غير الحرز ضمن (قال) الامام وكان يجوز أن يقال تفريعا علي ان الخرص تضمين ان الضمان يلزم بكل حال ويلزم بالخرص ذمته التمر الزام قرار لكن قطع الاصحاب بخلافه وان تلف بعض الثمار دون بعض فان كان الباقي نصابا زكاه وان كان أقل من نصاب فيبني علي ان الامكان شرط الوجوب أو الضمان ان قلنا بالاول فلا شئ عليه وان قلنا بالثاني فعليه حصة الباقي. (الثانية) لو اتلف المالك الثمرة أو اكلها نظر ان كان قبل بدو الصلاح فلا زكاة عليه لكنه مكروهان قصد الفرار من الزكاة وان قصد الاكل أو التخفيف عن الشجرة أو غرضا آخر فلا كراهة وان كان بعد بدو الصلاح ضمن للمساكين ثم له حالتان (احداهما) وهى المقصودة في الكتاب ان يكون ذلك بعد الخرص فان قلنا الخرص عبرة فيضمن لهم قيمة عشر الرطب أو عشر الطرب فيه (وجهان) مبنيان علي ان الطرب مثلى أو متقوم والذى اجاب به الاكثرون ايجاب القيمة وهو المذكور في الكتاب لكن الثاني هو المطابق لقوله في الغصب والاظهر ان الرطب والعنب مثلي وبه اجاب في الوسيط وان قلنا الخرص تضمين غرم للمساكين عشر الثمر فان ذلك قد ثبت في ذمة بالخرص على التفصيل الذى سبق إذا عرفت ذلك فسم قوله غرم قيمة عشر الرطب بالواو واعلم ان الصواب في عبارة الكتاب علي القول الثاني أو عشر التمر علي قولنا انه تضمين وفي اكثر النسخ أو قيمة عشر التمر وهو غلط (والحالة الثانية) وان يكون الاكل والاتلاف قبل الخرص فيتقرر عليه الواجب عليه ضمان الرطب ان قلنا لو جرى الخرص كان عبرة وان قلنا لو جرى لكان تضمينا فوجهان حكاهما الصيدلاني (اصحهما) ان الواجب عليه ضمان الرطب ايضا لان قبل الخرص لا يصير التمر في ذمته (والثانى) عليه عشر التمر لان الزكاة قد وجبت ببدو الصلاح وإذا أتلف فهو الذى منع الخرص فصار كما لو أتلفه بعد الخرص (وحكى) القاضى بن كج وجها آخر عن أبى اسحاق وابن أبي هريرة في هذه الحالة أنه تضمن اكثر الامرين من عشر التمر أو قيمة عشر الرطب: واعلم ان الحالتين جميعا مفروضتان في الرطب الذى يجئ منه التمر والعنب الذى يجئ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 589 منه الزبيب فأن لم يكن كذلك فالواجب في الحالتين ضمان الرطب بلا خلاف: ولك ان تقول ينبغي أن يكون الواجب في الرطب الذى يجئ منه التمر ضمان التمر مطلقا وان فرعنا على قول العبرة لان الواجب عليه ببدو الصلاح التمر الا تراه قال في الكتاب (عند بدو الصلاح ينعقد سبب وجوب اخراج التمر) فإذا وجب لهم التمر فلم يصرف إليهم الرطب أو قيمته غايته أن الواجب متعلق به لكن الاتف متعلق الحق لا يقتضي انقطاع الحق وانتقاله إلى غرامة المتعلق الا ترى انه لو ملك خمسا من الابل واتلفها بعد الحول يلزمه للمساكين شاة دون قيمة الابل نعم لو قيل يضمن الرطب ليكون مرهونا بالتمر الواجب الي أن يخرجه كان ذلك مناسبا لقولنا ان الزكاة تتعلق بالمال تعلق الدين بالرهن (المسألة الثالثة) في تصرف المالك فيما خرص عليه بالبيع والاكل وغيرهما وهو مبنى علي قولي التضمين والعبرة فان قلنا بالتضمين فله التصرف في الكل بيعا وأكلا وقد روى أن النبي صلي الله عليه وسلم قال في آخر خبر عتاب (ثم يخلي بينه وبين أهله) وكان من مقاصد الخرص وفوائده التمكين من التصرف شرع ذلك لما في الحجر علي اصحاب الثمار إلى وقت الجفاف من الحرج العظيم وان قلنا بالعبرة فقد ذكر الائمة ان تصرفه في قدر الزكاة مبنى علي الخلاف في تعلق الزكاة بالعين أو بالذمة كما سبق واما فيما عدا قدر الزكاة فينفذ: حكى الامام قطع الاصحاب به ووجهه بان ارباب الثمار يتحملون مؤنة تربيتها إلى الجفاف فجعل تمكينهم من التصرف في الاعشار التسعة في مقابلة ذلك بخلاف المواشى حيث ذكرنا في التصرف فيما وراء قدر الزكاة منها خلافا وان بقى قدر الزكاة وحجة الاسلام تابعه علي دعوى القطع في الوسيط لكنك إذا راجعت كتب اصحابنا العراقيين الفيتهم يقولون لا يجوز البيع ولا سائر التصرفات في شئ من الثمار في ذمته بالخرص فان ارادوا بذلك نفي الاباحة ولم يحكموا بالفساد فذلك والا فدعوى القطع غير مسلمة والله اعلم: وكيف ما كان فظاهر المذهب نفوذ التصرف في الاعشار التسع سواء أفردت بالتصرف أو وردت بالتصرف علي الكل لانا وان حكمنا بالفساد في قدر العشر فلا نعديه الي الباقي علي ما سيأتي في باب تفريق الصفقة فهذا حكم التصرف بعد الخرص وأما قبله فقد قال في التهذيب لا يجوز ان يأكل شيئا ولا ان يتصرف في شئ فان لم يبعث الحاكم خارصا أو لم يكن حاكم تحاكم إلى عدلين يخرصان عليه: واعلم ان من اجاد النظر في قولى العبرة وتأمل ما قيل فيهما تفسيرا وتوجيها ظهر له انهما مبنيان على تعلق الزكاة بالعين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 590 فأما إذا علقناها بالذمة فكيف نقول بالخرص ينقطع حقهم عن العين ويتعلق بالذمة وكان قبله كذلك (وقوله) في الكتاب ولم ينفذ في العشر يجوز اعلامه بالواو لانا وان علقنا الزكاة بالعين فقد ينفذ التصرف على بعضن الاقوال علي ما بيناه من قبل قال (ومهما ادعى المالك جائحة ممكنة صدق بيمينه ولو ادعي غلط الخارص صدق أيضا الا إذا ادعي قدرا لا يمكن الغلط فيه أو ادعي كذبه قصدا) * إذا ادعى المالك هلاك الثمار المخروصة عليه أو هلاك بعضها نظر إن أسنده إلي سبب يكذبه الحسن فيه كما لو قال هلك بحريق وقع في الجرين ونحن نعلم انه لم يقع في الجرين حريق أصلا قال فلا يبالى بكلامه وان لم يكن كذلك نظر ان اسنده الي سبب خفى كالسرقة فلا يكلف بالبين عليه ويقبل قوله مع اليمين: وهل هي واجبة أو مستحبة فيه وجهان قال في العدة وغيره (اصحهما الثاني) وان اسند الي سبب ظاهر كالنهب والبرد والجراد ونزول العسكر فان عرف وقوع هذا السبب وعموم أثره صدق ولا حاجة الي اليمين فان اتهم في هلاك ثماره بذلك السبب حلف وان لم يعرف وقوعه فوجهان (أظهرهما) الذى ذكره المعظم أنه يطالب بالبينة عليه لامكانها ثم القول في حصول الهلاك بذلك السبب قوله مع اليمين (والثاني) عن الشيخ أبي محمد ان القول قوله مع اليمين ولا يكلف البينة لانه مؤتمن شرعا فيصدق في الممكن الذى يدعيه كالمودع إذا ادعي الرد ورأيت في كلام الشيخ ان هذا إذا لم يكن ثقة فإذا كان ثقة فيغنى عن اليمين أيضا وما في الكتاب جواب علي الوجه الثاني فانه جعل القول قوله مع اليمين ولم يشرط الا الامكان فيجب اعلامه بالواو. وحيث قلنا يحلف ففى كون اليمين واجبة أو مستحبة ما سبق من الوجهين هذا كله إذا اسند الهلاك الي سبب بان اقتصر علي دعوى الهلاك فالمفهوم من كلام الاصحاب قبوله مع اليمين حملا علي وجه يغنى عن البينة: وان ادعي المالك اجحافا في الخرص فان زعم ان الخارص تعمد ذلك لم يلتفت إلى قوله كما لو ادعى الميل على الحكم والكذب علي الشاهد لا يقبل الا ببينة وان ادعي انه غلط فان لم يبين المقدار لم يسمع أيضا ذكره في التهذيب وان بين فان كان قدرا يحتمل في مثله الغلط كخمسة أوسق في مائة قبل: فان اتهم حلف وحط وهذا إذا كان المدعين فوق ما يقع أما لو ادعي بعد الكيل غلطا يسيرا في الخرص قدر ما يقع بين الكيلين فهل يحظ: فيه وجهان (احدهما) لا لاحتمال أن النقصان وقع في الكيل ولعله يفى إذا كيل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 591 ثانيا وصار كما لو اشترى حنطة مكايلة وباعها مكايلة فانتقض بقدر ما يقع بين الكيلين لا يرجع على الاول لانه كما يجوز أن يكون ذلك لنقصان في الكيل الاول يجوز أن يكون لزيادة في الثاني (وأصحهما) نعم لان الكيل يقين والخرص تخمين وظن فالا حالة عليه اولي وان ادعى نقصانا فاحشا لا يجوز أهل النظر الغلط بمثله فلا يقبل قوله في حط ذلك القدر وهل يحط القدر المحتمل فيه وجهان (احدهما) لا لانه ادعى محالا في للعادة فالظاهر كذبه (واصحهما) نعم وبه قال القفال استنباطا مما إذا ادعت ذات الاقراء انقضاء عدتها قبل زمان الامكان وكذبناها فأصرت علي دعواها حتي جاء زمان الامكان فانا نحكم بانقضاء عدتها عند أول زمان الامكان (وقوله) في الكتاب أو ادعى كذبه قصدا معطوف علي قوله الا إذا ادعى قدرا لا يمكن الغلط فيه وهو مستثنى من دعوى الغلط لكن استثناء الكذب قصدا من الغلط لا يكاد ينتظم فليؤول والله أعلم قال (ومهما اصاب النخيل عطش يضر بابقاء الثمار جاز للمالك قطعه لان في ابقاء النخيل منفعة للمساكين ثم يسلم الي المساكين عشر الرطب إذا قلنا ان القسمة افراز حق أو ثمنه إذا منعناه القسمة وقيل يتخير إذ لا يبعد جواز القسمة بالحاجة كما لا يبعد اخذ البدل للحاجة فليس احدهما اولي من الآخر) * إذا أصاب النخيل عطش ولو تركت الثمار عليها إلى وقت الجذاذ لا ضرت بها لامتصاصها ماءها جاز قطع ما يندفع به الضرر من كلها أو بعضها لان ابقاء النخيل انفع للمالك والمساكين من ابقاء ثمرة العام الواحد وهل يستقل المالك بقطعها أو يحتاج إلى استئذان الامان والساعى ذكر الصيد لانى وصاحب التهذيب وطائفة أنه يستحب الاستئذان وقضيته جواز الاستقلال وذكر آخرون أنه ليس له الاستقلال ولو قطع من غير استئذان عزر ان كان عالما ويجوز أن يكون هذا الخلاف مبنيا علي الخلاف في وجه تعلق الزكاة: إذا عرف ذلك فلو اعلم الساعي به قبل القطع وأراد المقاسمة بان يخرص الثمار ويعين حق المساكين في نخلة أو نخلات باعيانها فقد حكوا في جوازه قولين منصوصين وقالوا هما مبنيان علي أن القسمة إفراز حق أو بيع فان قلنا افراز فيجوز ثم للساعي أن يبيع نصيب المساكين من المالك أو غيره وأن يفرق بينهم يفعل ما فيه الحظ لهم وان قلنا انها بيع فلا يجوز وعلي هذا الخلاف يخرج القسمة بعد قطعها فان جعلناها افرازا فيجوز وان جعلناها بيعا فقد ذكر الامام أن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 592 قسمتها تخرج علي بيع الطرب الذي لا يتتمر بمثله وفيه خلاف يذكر في البيع فان جاز جازت القسمة بالكيل وان لم يجز ففيه وجهان (أحدهما) ان مقاسمته للساعي جائزة أيضا لانها ليست بمعاوضة وانما هي استيفاء حق فلا يراعى فيه تعبدات الربا وايضا فانها وان كانت بيعا فان الحاجة ماسة الي تجويزها فتستثني عن البياعات الصريحة ويحكى هذا الوجه عن أبي اسحاق وابن أبى هريرة (وأصحهما) عند القاضي أبى الطيب وابن الصباغ والاكثرين انه غير جائزة لانا نفرع علي أن القسمة بيع وبيع الرطب بالرطب لا يجوز وعلي هذا فالمفروض طريقان (أحدهما) أخذ قيمة العشر من الثمار المقطوعة وهى وان كانت بدلا لكن جوز بعضهم أخذها للحاجة علي ما سبق نظيره فيما إذا وجب شقص من حيوان (والثاني) أن يسلم عشرها مشاعا الي الساعي لتعيين حق المساكين فيه وطريق تسليم المشاع تسليم الكل فإذا جرى ذلك فللساعي أن يبيع نصيب المساكين من رب المال أو غيره أو يبيع مع رب المال الجميع ويقتسما لثمن ولا خلاف في ان هذا الطريق جاء وهو متعين عند من لم يجوز القسمة واخذ القيمة وخير بعض الاصحاب الساعي بين القسمة واخذ القيمة وقال كل منهما على خلاف القاعدة الممهدة ولا بد من مخالفتها في أحدهما سبب الحاجة فيفعل ما فيه الحظ للمساكين: هذا بيان الخلاف في المسألة وقد اختلفوا بحسبه في تفسير نصه في المختصر ويؤخذ منه ثمن عشرها أو عشرها مقطوعة فمن جوز القسم وأخذ القيمة جميعا حمل اللفظ على ظاهر التخيير وقال أراد بالثمن القيمة ومن لم يجوزهما فال هذا تعليق قول بناء علي أن القسمة افراز أو بيع فان قلنا بالاول أخذ عشرها وان قلنا بالثاني بيع الكل علي ما قدمنا واقتسما الثمن أو باع نصيب المساكين من رقب المال بعد القبض أبى الطيب وابن الصباغ والاكثرين انه غير جائزة لانا نفرع علي أن القسمة بيع وبيع الرطب بالرطب لا يجوز وعلي هذا فالمفروض طريقان (أحدهما) أخذ قيمة العشر من الثمار المقطوعة وهى وان كانت بدلا لكن جوز بعضهم أخذها للحاجة علي ما سبق نظيره فيما إذا وجب شقص من حيوان (والثاني) أن يسلم عشرها مشاعا الي الساعي لتعيين حق المساكين فيه وطريق تسليم المشاع تسليم الكل فإذا جرى ذلك فللساعي أن يبيع نصيب المساكين من رب المال أو غيره أو يبيع مع رب المال الجميع ويقتسما لثمن ولا خلاف في ان هذا الطريق جاء وهو متعين عند من لم يجوز القسمة واخذ القيمة وخير بعض الاصحاب الساعي بين القسمة واخذ القيمة وقال كل منهما على خلاف القاعدة الممهدة ولا بد من مخالفتها في أحدهما سبب الحاجة فيفعل ما فيه الحظ للمساكين: هذا بيان الخلاف في المسألة وقد اختلفوا بحسبه في تفسير نصه في المختصر ويؤخذ منه ثمن عشرها أو عشرها مقطوعة فمن جوز القسم وأخذ القيمة جميعا حمل اللفظ على ظاهر التخيير وقال أراد بالثمن القيمة ومن لم يجوزهما فال هذا تعليق قول بناء علي أن القسمة افراز أو بيع فان قلنا بالاول أخذ عشرها وان قلنا بالثاني بيع الكل علي ما قدمنا واقتسما الثمن أو باع نصيب المساكين من رقب المال بعد القبض وأخذ الثمن (وقوله) في الكتاب أو ثمنه إذا منعنا القسمة أي إذا جعلناها بيعا فانها حينئذ تمتنع في الرطب وهو جواب علي جواز أخذ القيمة فيجوز أن يعلم بالواو للوجه الذاهب إلي امتناعه وايراد التهذيب يقتضي ترجيح ذلك الوجه وكان يجوز تأويل قوله أو ثمنه على تقدير البيع كما ذكروا في نص الشافعي رضى الله عنه إلا أنه صرح بما ذكرنا في الوسيط: وأعلم أن ما ذكرنا من الخلاف والتفصيل في إخراج الواجب يجرى بعينه في إخراج الواجب عن الرطب الذى لا يتتمر والعنب الذى لا يتزبب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 593 وفى المسألتين مستدرك حسن لامام الحرمين رحمه الله قال إنما يثور الاشكال علي قولنا إن المسكين شريك في النصاب بقدر الزكاة وحينئذ ينتظم التخريج علي القولين في القسم فاما إذا لم نجعله شريكا فليس تسليم جزء الي الساعي قسمة حتى يأتي فيه قول القسمة بل هو توفية حق علي مستحق * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 594 فتح العزيز - عبد الكريم الرافعي ج 6 فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 6 الجزء: 6 فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ..الجزء السادس دار الفكر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 1 بسم الله الرحمن الرحيم قال (النوع الثالث زكاة النقدين والنظر في قدره وجنسه: اما القدر فنصاب الورق مائتا درهم ونصاب الذهب عشرون دينارا وفيهما ربع العشر وما زاد فبحسابه ولا وقص (ح) فيه) * الكلام في هذا النوع في قدر الواجب والواجب فيه ثم في جنسه أما الاول فنصاب الورق مائتا درهم ونصاب الذهب عشرون دينارا وفيهما ربع العشر وهو خمسة دراهم ونصف دينار ولا شئ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2 فيما دون ذلك روى عن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة) والاوقية أربعون درهما لما روى انه صلي الله عليه وسلم (قال إذا بلغ مال أحدكم خمس اواق مائتي درهم ففيه خمسة دراهم) ويجب فيما زاد علي المأتين والعشرين بالحساب قل أو كثر ولا وقص فيه خلافا لابي حنيفة حيث قال لا يجب فيما زاد علي المأتين شئ حتى يبلغ اربعين درهما ولا فيما زاد علي عشرين دينارا حتى يبلغ اربعة دنانير ففيها ربع العشر ثم كذلك في كل اربعين درهما اربعة دنانير * لنا ماروى عن علي كرم الله وجهه ان النبي صلي الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 3 عليه وسلم قال (هاتوا ربع العشر من الورق ولا شئ فيه حتي يبلغ مائة درهم وما زاد فبحسابه) وروى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 4 مثله في الذهب وفى النقدين جميعا لافرق بين التبر والمضروب والاعتبار بالوزن الذى كان بمكة لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (الميزان ميزان اهل مكة والمكيال مكيال اهل المدينة) وذلك ظاهر في الدنانير وقد ذكر الشيخ ابو حامد وغيره ان المثقال لم يختلف في جاهلية ولا اسلام واما الدراهم فانها كانت مختلفة الاوزان والذى استقر الامر عليه في الاسلام أن وزن الدرهم الواحد ستة دوانيق كل عشرة منها سبعة مثاقيل من ذهب وذكروا في سبب تقديرها بهذا الوزن أمورا (أشهرها) ان غالب ما كانوا يتعاملون به من أنواع الدراهم في عصر رسول الله صلي الله عليه وسلم والصدر الاول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 5 بعده نوعان (البغلية والطبرية) والدرهم الواحد من البغلية ثمانية دوانيق ومن الطبرية أربعة دوانيق فاخذوا واحدا من هذه وواحدا من هذه وقسموهما نصفين وجعلوا كل واحد درهما يقال فعل ذلك في زمان بني أمية وأجمع أهل ذلك العصر علي تقدير الدراهم الاسلامية بها ونسب أقضى القضاة الماوردى ذلك الي فعل عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال ومتي زدت على الدرهم الواحد ثلاثة أسباعه كان مثقالا ومتى نقصت من المثقال ثلاثة أعشاره كان درهما وكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل وكل عشرة مثاقيل أربعة عشر درهما وسبعان وحكي المسعودي أنه انما جعل كل عشرة دراهم بوزن سبعة مثاقيل من الذهب لان الذهب اوزن من الفضة وكانهم جربوا قدرا من الفضة ومثله من الذهب فوزنوهما وكان وزن الذهب زائدا علي وزن الفضة بمثل ثلاثة أسباعها وروى الشيخ ابو محمد قريبا من هذا عن كلام القفال رحمه الله وأما المواضع المستحقة للعلامات من الفصل فقوله (وما زاد فبحسابه) وقوله (ولا وقص فيه) معلمان بالحاء لما حكيناه ويجوز أن يعلم قوله (عشرون مثقالا) وقوله (مائتا درهم) بالميم والالف لانهما يحتملان النقصان اليسير * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 6 قال (وان نقص من النصاب حبة فلا زكاة فيه وان كان يروج (ح) رواج التام ويعتبر (ح) النصاب في جميع الحول ولا يكمل (ح) نصاب أحد النقدين بالآخر ولكن يكمل جيد النقرة برديئها ثم يخرج من كل بقدره ولا زكاة في الدراهم المغشوشة ما لم يكن قدر نقرتها نصابا وتصح المعاملة مع الجهل بقدر النقرة على أحد الوجهين كالغالية والمعجونات) * في الفصل صور (احداهما) لو نقص عن النصاب شئ فلا زكاة وان قل كالحبة والحبتين ولا فرق بين أن يروج رواج التام أو يفضل عليه وبين ألا يكون كذلك وفضله علي التام انما يكون لجودة النوع ورواجه رواج التام قد يكون للجودة وقد يكون لنزارة القدر الناقص ووقوعه في محل المسامحة * وعن مالك انه إذا كان الناقص قدر ما يسامح به ويؤخذ بالتام وجبت الزكاة ويروى عنه أنه إذا نقص حبة أو حبات في جميع الموازين فلا زكاة وإن نقص في ميزان دون ميزان وجبت * وعن أحمد انه لو نقص دانق أو دانقان تجب الزكاة * لنا قوله صلى الله عليه وسلم (ليس فيما دون خمس أواق صدقة) وسائر الاخبار وحكي في العدة وجهين فيما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 7 لو نقص في بعض الموازين وتم في بعض (أصحهما) أنه لا يجب وهذا هو الذي أورده المحاملي وقطع به إمام الحرمين بعد ما حكي عن الصيدلانى الوجوب (الثانية) يشترط ملك النصاب بتمامه في جميع الحول خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال يشترط في أول الحول وآخره ولا يضر نقصانه في خلال الحول وطرد ذلك في المواشي وغيرها ولم يشترط الابقاء شئ من النصاب (لنا) الخبر المشهور (لا زكاة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 8 في مال حتي يحول عليه الحول والحادث بعد نقصان النصاب لم يحل عليه الحول (الثالثة) لا يكمل نصاب أحد النقدين بالاخر لانهما جنسان مختلفان كما لا يكمل التمر بالزبيب وقال مالك وأبو حنيفة يكمل نصاب احدهما بالاخر وبه قال احمد في أصح الروايتين ثم عنده وعند مالك الضم بالاجزاء فيحسب كم الذهب من نصابه وكم الفضة من نصابها فإذا بلغا نصابا وجبت الزكاة وعند ابي حنيفة الضم بالقيمة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 9 وبأيهما كمل وجبت الزكاة ويكمل الجيد بالردئ من الجنس الواحد كانواع الماشية وأما الذى يخرج قال في الكتاب يخرج من كل واحد بقدره وهذا إذا لم تكثر الانواع وهو الغالب في الذهب والفضة فان كثرت والردئ الخالص والمغشوش وانما الكلام في محض النقرة وجودته ترجع الي النعومة والصبر علي الضرب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 10 ونحوهما والرداءة إلى الخشونة والتفتت عند الضرب ولو أخرج الجيد عن الردئ فهو افضل وان أخرج الردئ عن الجيد فالمشهور المنع وروى الامام عن الصيدلانى الاجزاء وخطأه فيه ويجوز اخراج الصحيح عن المكسر ولايجوز عكسه بل يجمع المستحقين ويصرف إليهم الدينار الصحيح أو يسلمه الي واحد باذن الباقين هذا هو المذهب المشهور في المذهب وحكى ابو العباس الرويانى في المسائل الجرجانيات عن بعض الاصحاب انه يجوز أن يصرف الي كل واحد منهم ما يخصه مكسرا وعن بعضهم انه يجوز ذلك ولكن مع الصرف بين المكسر والصحيح وعن بعضهم انه ان لم يكن في المعاملة فرق بين الصحيح والمكسر جاز اداء المكسر عن الصحيح (الرابعة) إذا كانت له دراهم أو دنانير مغشوشة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 11 فلا زكاة فيهما ما لم يبلغ قدر قيمتهما نصابا خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال ان كان الغش أقل وجبت فيها الزكاة (لنا) قوله صلي الله عليه وسلم (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة) فإذا بلغت نقرتها نصابا أخرج قدر الواجب نقرة خالصة أو أخرج من المغشوش ما يعلم انه مشتمل علي قدر الواجب ولو أخرج عن ألف درهم مغشوشة خمسة وعشرين خالصة فقد تطوع بالفضل ولو أخرج عن مائة درهم خالصة خمسة مغشوشة لم يجز خلافا لابي حنيفة (لنا) . القياس على مالو اخرج مريضة عن الصحاح وبل أولي لان الغش ليس بورق والمريضة ابل وإذا لم يجزه فهل له الاسترجاع حكوا عن ابن سريج فيما فرع علي الجامع الكبير لمحمد فيه قولين (أحدهما) لا كما لو اعتق رقبة معيبة يكون متطوعا بها (وأصحهما) نعم كما لو عجل بالزكاة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 12 فتلف ماله قال بن الصباغ وهذا إذا كان قد بين عند الدفع أنه يخرج عن هذا المال ثم ذكر الشافعي رضي الله عنه في هذا الموضع كراهة الدرهم المغشوش فقال الاصحاب في شروحهم يكره للامام ضرب الدراهم المغشوشة لئلا يغش بها بعض الناس بعضا ويكره للرعية ضرب الدراهم وان كانت خالصة فانه من شأن الامام ثم الدراهم المغشوشة إن كانت مضبوطة العيار صحت المعاملة بها إشارة إلي عينها الحاضرة والتزاما لمقدار منها في الذمة وإن كان مقدار النقرة منها مجهولا ففى جواز المعاملة باعيانها وجهان (أصحهما) الجواز لان المقصود رواجها وهى رائجة بمكان السكة ولان بيع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 13 الغالية والمعجونات جائز وان كانت مختلفة المقدار فكذلك ههنا (والثاني) المنع وبه أجاب القفال لانها مقصودة باعتبار ما فيها من النقرة وهى مجهولة القدر والاشارة إليها لا تفيد الاحاطة بقدر النقرة فاشبه بيع تراب المعدن وتراب الصاغة فان قلنا بالاول فلو باع بدراهم مطلقا ونقد البلد مغشوش صح العقد ووجب من ذلك النقد وإن قلنا بالثاني لم يصح العقد ومواضع العلامات من الفصل بينة قال (ولو كان له ذهب مخلوط بالفضة قدر أحدهما ستمائة درهم وقدر الآخر أربعمائة واشكل عليه وعسر التمييز فعليه زكاة ستمائة ذهبا وستمائة نقرة ليخرج عما عليه بيقين) * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 14 لو كان له ذهب مخلوط بفضة فان عرف قدر كل واحد منهما أخرج زكاته وإن لم يعرف كما لو كان وزن المجموع الفا واحداهما ستمائة والآخر أربعمائة وأشكل عليه أن الاكثر الذهب أو الفضة فان أخذ بالاحتياط فاخرج زكاة ستمائة من الذهب وستمائة من الفضة فقد خرج عن العهدة بيقين ولا يكفيه في الاحتياط أن يقدر الاكثر ذهبا فان الذهب لا يجزئ عن الفضة وان كان خيرا منها وان لم يطب نفسا بالاحتياط فليميز بينهما بالنار (قال الائمة) ويقوم مقامه الامتحان بالماء بان يوضع قدر المخلوط من الذهب الخالص في ماء ويعلم علي الموضع الذى يرتفع إليه الماء ثم يخرج ويوضع مثله من الفضة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 15 الخالصة ويعلم على موضع الارتفاع أيضا وتكون هذه العلامة فوق الاولى لان اجزاء الذهب أشد اكتنازا ثم يوضع فيه المخلوط وينظر الي ارتفاع الماء به اهو الي علامة الذهب أقرب أو إلى علامة الفضة ولو غلب علي ظنه أن الاكثر الذهب أو الفضه فهل له العمل بمقتضاه (قال) الشيخ أبو حامد ومن تابعه ان كان يخرج الزكاة بنفسه فله ذلك وان كان يسلم إلى الساعي فالساعي لا يعمل بظنه بل يأخذ بالاحتياط أو يأمر بالتمييز (وقال) الامام الذى قطع به أئمتنا أنه لا يجوز اعتماد الظن فيه ويحتمل أن يجوز له الاخذ بما شاء من التقديرين واخراج الواجب على ذلك التقدير لان اشتغال ذمته بغير ذلك غير معلوم: وصاحب الكتاب حكى هذا الاحتمال وجها في الوسيط: إذا عرفت ذلك اعلمت قوله في الكتاب (فعليه زكاة ستمائة ذهبا وستمائة نقرة بالواو) لهذا الوجه ولان علي ما ذكره العراقيون قد يجوز الاخذ بالظن فلا يلزم اخراج ستمائة من هذا أو ستمائة من ذلك ثم قوله (وعسر التمييز فعليه كذا) ليس هذا على الاطلاق إذا قد يعسر التمييز ويمكن الامتحان بالماء ومعرفة المقدارين فلا يجب ستمائة من هذا وستمائة من ذاك وعسر التمييز بان يفقد آلات السبك أو يحتاج فيه إلى زمان صالح فان الزكاة واجبة على الفور ولا يجوز تأخيرها مع وجود المستحقين ذكر ذلك في النهاية ولا يبعد أن يجعل السبك أو ما في معناه من شروط الامكان * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 16 قال (ولو ملك مائة نقدا ومائة مؤجلا علي ملئ ولم نوجب عليه تعجيل زكاة المؤجل وجب اخراج حصة المال النقد علي أصح الوجهين لان الميسور لا يتأخر بالمعسور) * لو ملك مائة درهم نقدا في يده ومائة مؤجلة علي ملئ فكيف يزكي: يبنى ذلك علي أن الدين المؤجل هل تجب فيه الزكاة أم لا والصحيح الوجوب وعلي هذا فهل يجب الاخراج في الحال أولا يجب الا بعد الاستيفاء فيه وجهان (والصحيح الثاني) وقد شرحنا الخلافين من قبل فان قلنا لا زكاة في الدين المؤجل فلا شئ عليه في المسألة وان أوجبنا إخراج زكاته في الحال فهو كما لو كان في يده جميع المأتين وان أوجبنا فيه الزكاة ولم نوجب اخراجها في الحال وهو المراد من قوله في الكتاب ولم نوجب تعجيل الزكاة عن المؤجل فهل يلزمه الاخراج عما في يده بالقسط فيه وجهان (احدهما) لا لان ما في يده ناقص عن النصاب فإذا لم يجب اخراج زكاة جميع النصاب لا يجب اخراج شئ (واصحهما) نعم لان الميسور لا يتأخر بالمعسور وبنوا الوجهين علي ان الامكان شرط الوجوب أو شرط الضمان: ان قلنا بالاول فلا يلزمه اخراج شئ في الحال لانه ربما لا يصل إليه الباقي وبهذا القول اجاب في المختصر في هذا الفرع وان قلنا بالثاني اخرج عن الحاضر بالقسط لان هلاك الباقي لا يسقط زكاة الحاصل في يده ومتى كان في يده بعض النصاب وما يتم به النصاب مغصوب أو دين علي غيره ولم نوجب فيهما الزكة فانما يبتدئ الحول من يوم قبض ما يتم به النصاب * قال (النظر الثاني في جنسه ولا زكاة في شئ من نفائس الاموال الا في النقدين وهو منوط بجوهرهما علي احد القولين وفى الثاني منوط بالاستغناء عن الانتفاع بهما حتى لو اتخذ منه حلي علي قصد استعمال مباح سقطت الزكاة وان كان علي قصد استعمال محظور كما لو قصد الرجل بالسوار أو الخلخال أن يلبسه أو قصدت المرأة ذلك في المنطقة والسيف لم تسقط الزكاة لان المحظور شرعا كالمعدوم حسا بل لا يسقط إذا قصد ان يكنزهما حليا لان الاستعمال المحتاج إليه لم يقصده) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 17 لا زكاة فيما سوى النقدين من الجواهر النفيسة كاللؤلؤ والياقوت ونحوهما ولا في المسك والعنبر: روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال (لا شئ في العنبر) وعن عائشة رضى الله عنهم انه (لا زكاة في اللؤلؤ) وبما تناط زكاة النقدين: أتناط بجوهرهما أم بالاستغناء عن الانتفاع بهما فيه قولان في قول يناط بجوهرهما كاربا وفى قول بالاستغناء عن الانتفاع بهما إذ لا يتعلق بذاتهما غرض وبقاؤهما في يده يدل على أنه غنى عن التوسل بهما ويبنى علي العبارتين وجوب الزكاة في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 18 الحلى المباح: فعلى الاولي تجب وبه قال (عمر وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم) وهو مذهب أبي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 19 حنيفة رحمه الله لما روى (أن امرأتين اتتا رسول الله صل الله عليه وسلم وفى أيديهما سواران من ذهب فقال اتؤديان زكاته قالتا لا فقال صلى الله عليه وسلم اتحبان أن يسوركما الله بسوارين من نار قلتا لا قال فأديا زكاته) وعلي العبارة الثانية لا تجب الزكاة فيه وبه قال ابن عمر وجابر وعائشة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 20 رضي الله عنهم وهو مذهب مالك واحمد لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (لا زكاة في الحلي) ولانه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 21 معد لاستعمال مباح كالعوامل من البقر والابل وهذا اظهر القولين: ولك أن تعلم لما ذكرنا قوله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 22 منوط بجوهرهما بالالف والميم وقوله منوط بالاستغناء عن الانتفاع بهما بالحاء والقولان في الحلي المباح أما المحظور فتجب فيه الزكاة بالاجماع وهو علي نوعين محظور لعينه كالأواني والقصاع والملاعق والمجامر الذهبية والفضية ومحظور باعتبار القصد كما لو قصد الرجل بحلي النساء الذى اتخذه أو ورثه أو اشتراه كالسوار والخلخال أن يلبسه أو يلبسه غلمانه أو قصدت المرأة بحلي الرجال كالسيف والمنطقة ان تلبسه أو تلبسه جواريها أو غيرهن من النساء وكذا لو أعد الرجل حلي الرجال لنسائه وجواريه أو أعدت المرأة حلي النساء لزوجها وغلمانها فكل ذلك محظور وعلل في الكتاب وجوب الزكاة في الحلى المحظور بأن المحظور شرعا كالمعدوم حسا ولم يرد به الحاق المحظور بالمعدوم علي الاطلاق لكن المراد ان الحكم المخصوص بضرب من التخفيف واطلاق التصرف إذا شرطت فيه منفعة فيشترط كونها مباحة والا فهي كالمعدومة وهذا كما انه يشترط في البيع كون المبيع منتفعا به فلو كانت فيه منفعة محظورة كما في آلات الملاهي كان كما لو لم يكن فيه منفعة ثم التعليل المذكور في المحظور لعينه أظهر منه في المحظور باعتبار القصد لان الصنعة في المحظور لعينه لا حرمة لها إذا منعنا اتخاذه فاما المحظور باعتبار القصد فالتحريم فيه يرجع الي الفعل والاستعمال لا الي نفس الحلي والصنعة محترمة غير مكسرة وان فسد القصد فهلا كان ذلك بمثابة مالو قصد بالعروض التى عنده استعمالها في وجوه محترمة لا تجب الزكاة (قال الامام) قدس الله روحه في دفع هذا الاشكال الزكاة تجب في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 23 عين النقد: وعينه لا تنقلب باتخاذ الحلى منه فلا يلتحق بالعروض الا بقصد ينضم إليه وهذا كما أن العروض لما لم تكن مال الزكاة في أعيانها لا تصير مال الزكاة الا بقصد ينضم إلى الشرى وهو قصد التجارة وإذا لم تسقط الزكاة بمحض الصنعة واحتيج إلى قصد الاستعمال فمتي قصد محرما لغى ولم يؤثر في الاسقاط وان اتخذ حليا ولم يقصد به استعمالا مباحا ولا محذورا ولكن قصد جعله كنزا فالذي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 24 ذكره في الكتاب وأورده الجمهور انه لا تسقط الزكاة قولا واحدا لانه لم يصر محتاجا إليه بالاستعمال بل المكنوز مستغني عنه كالدراهم المضروبة وحكى الامام فيه خلافا لقصد الامساك وابطال هيئة الاخراج وهل يجوز اتخاذ حلي الذهب للذكور من الاطفال فيه وجهان ويجئ فيه الوجه الثالث الذى ذكرناه في الباسهم الحرير * قال (ولو لم يخطر بباله قصد أصلا ففى السقوط وجهان ينظر في أحدهما إلى حصول الصياغة وفى الثاني إلى عدم قصد الاستعمال فان قصد أجارتهما ففيه وجهان والقصد الطارئ بعد الصياغة في هذه الامور كالمقارن) * في الفصل ثلاث صور تتفرع على أن الزكاة لا تجب في الحلي (احداها) لو اتخذ حليا مباحا في عينه ولم يقصد أن يكنزه ولا قصد به استعمالا مباحا ولا محظور افهل تسقط عنه الزكاة فيه وجهان (أحدهما) لا لان وجوب الزكاة منوط باسم الذهب والفضة ولا ينصرف الا بقصد الاستعمال ولم يوجد: والثاني نعم لان الزكاة تجب في مال نام والنقد غير نام في نفسه انما يلتحق بالناميات لكونه متهيئا للاخراج وبالصياغة بطل التهيؤ (قال) في العدة وهذا الثاني ظاهر المذهب (وقوله) في الكتاب ينظر في أحدهما إلى حصول الصياغة يقتضى اثبات الخلاف فيما إذا قصد أن يكنزه وإن لم يذكره لانه جعل علة السقوط حصول الصياغة وهي موجودة في تلك الصورة ويجوز أن يكون افتراق الصورتين في الاظهر باعتبار أن نية الكنز صارفة لهيأة الصياغة عن استعماله ولم يوجد ههنا نية صارفة والظاهر كون الصياغة للاستعمال وافضاؤها إليه (الثانية) لو اتخذ الحلي ليؤاجره ممن له استعماله ففيه وجهان (أحدهما) لا تسقط عنه الزكاة لانه معد للنماء فاشبه مالو اشترى حليا ليتجر فيه (وأصحهما) أنه تسقط كما لو اتخذه ليعيره ولا اعتبار بالاجرة كاجرة العوامل من الماشية وذكر في الشامل ان الوجه الاول قول احمد والثانى قول مالك (الثالثة) حكم القصد الطارئ في جميع ما ذكرنا بعد الصياغة حكم المقارن بيانه لو اتخذه علي قصد استعمال محظور ثم غير قصده الي مباح بطل الحول فلو عاد إلى القصد الفاسد ابتدأ حول الزكاة ولو اتخذه على قصد الاستعمال ثم قصد أن يكنزه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 25 جرى في الحول وعلي هذا قس نظائره * قال (ولو انكسر الحلي واحتاج إلى الاصلاح لم يجر في الحول لانه حلى بعد وقيل يجرى لتعذر الاستعمال وقيل ينظر إلى قصد المالك للاصلاح أو عدمه) * مما يتفرع علي نفى الزكاة في الحلى القول في انكساره وله ثلاث أحوال (احداها) أن ينكسر بحيث لا يمنع الاستعمال وهذا لا تأثير له (والثانية) أن ينكسر بحيث يمنع الاستعمال ويحوج الي سبك وصوغ جديد فتجب فيه الزكاة لخروجه عن صلاحية الاستعمال ويبتدئ الحول من يوم الانكسار (والثالثة) وهى المذكورة في الكتاب أن ينكسر بحيث يمنع الاستعمال لكن لا يحوج الي صوغ جديد بل يقبل الاصلاح باللحام فان قصد جعله تبرا أو دراهم أو قصد ان يكنزه انعقد الحول عليه من يوم لانكسار وان قصد اصلاحه فوجهان (اظهرهما) انه لا زكاة وان تمادت عليه احوال لدوام صورة الحلي وقصد الاصلاح (والثانى) يجب لتعذر الاستعمال وان لم يقصد لا هذا ولا ذاك ففيه خلاف منهم من يجعله وجهين ويقول بترتيبهما علي الوجهين فيما إذا قصد الاصلاح وهذه الصورة اولى بأن تجرى في الحول ومنهم من يجعله قولين احدهما انه تجب الزكاة لانه غير مستعمل في الحال ولا معدله (واظهرهما) المنع لان الظاهر استمراره على ما سبق من قصد الاستعمال وذكر في البيان ان هذا هو الجديد والاول القديم فإذا جمعت بين الصورتين قلت في المسألة ثلاثة اوجه كما ذكر في الكتاب (ثالثها) وهو الاظهر الفرق بين ان يقصد الاصلاح وبين ألا يقصد شيئا وموضع الخلاف عند الجمهور ما إذا لم يقصد جعله تبرا أو دراهم وان كان لفظ الكتاب مطلقا * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 26 قال (فان قيل ما الانتفاع المحرم في عين الذهب والفضة قلنا أما الذهب فاصله على التحريم في حق الرجال وعلى التحليل في حق النساء ولا يحل للرجال الاتموية لا يحصل منه الذهب أو اتخاذ أنف لمن جدع أنفه) * جرت عادة الاصحاب بالبحث عن ما يحل ويحرم من التحلى بالتبرين ليعلم موضع القطع بوجوب الزكاة وموضع القولين فاما الذهب فأصله علي التحريم في حق الرجال وعلي التحليل في حق النساء لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال في الذهب والحرير (هذان حرام على ذكور امتى حل لاناثها) واستثنى في الكتاب عن التحريم نوعين (أحدهما) التمويه الذى لا يحصل منه شئ وفى جوازه في الخاتم والسيف وغيرهما (وجهان) سبق في الاواني ذكرهما وبالتحريم أجاب العراقيون ههنا وقد عرفت بما ذكرنا أن قوله الا تمويه ينبغي أن يعلم بالواو (والثاني) يجوز لمن جدع أنفه اتخاذ أنف من ذهب وإن أمكن اتخاذه من الفضة لان الذهب لا يصدأ وقد روى أن رجلا قطع أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفا من فضة فانتن عليه فأمره النبي صلي الله عليه وسلم (أن يتخذ أنفا من ذهب) وفى معنى الانف السن والانملة فيجوز اتخاذهما من الذهب وكل ما جاز من الذهب ولا يجوز لمن قطعت يده أو أصبعه أن يتخذهما من ذهب أو فضة لانها لاتعمل بخلاف الانملة يمكن تحريكها وهل يجوز أن يتخذ لخاتمه سنا أو اسنانا من الذهب قال الاكثرون لا وهو الذى أورده في التهذيب ونظم الكتاب يوافقه فانه لم يستثن من التحريم الا التمويه واتخاذ الانف وقال الامام لا يبعد تشبيه القليل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 27 منه بالضبة الصغيرة في الاواني وبتطريف الثوب بالحرير: وللاكثرين أن يقولوا الخاتم الزم للشخص من الاناء واستعماله أدوم فجاز الفرق بين أسنانه وبين الضبة وأما التطريف بالحرير فأمر الحرير أهون لان الخيلاء فيه أدني: واعلم أن كل حلي يحرم لبسه علي الرجال يحرم لبسه على الخنثى لجواز كونه رجلا وهل عليه زكاته الاظهر أنها تجب لكونه حراما وبه أجاب أبو العباس الروياني في المسائل الجرجانيات وقيل هو علي القولين في الحلي المباح وأشار في التتمة الي أن له لبس حلى الرجال والنساء جميعا لانه كان له لبسهما في الصغر فيستصحب إلي زوال الاشكال * قال (وأما الفضة فحلال للنساء ولا يحل للرجل إلا التختم بها وتحلية آلات الحرب كالسيف والمنطقة وفى السروج واللجم وجهان وتحرم علي المرأة آلات الحرب لما فيه من التشبه بالرجال) * يجوز للرجل التختم بالفضة لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (اتخذ خاتما من فضة) وهل له لبس ما سوى الخاتم من حلي الفضة كالسوار والدملج والطوق لفظ الكتاب يقتضي المنع حيث قال ولا يحل للرجال إلا التختم به وبه قال الجمهور وقال ابو سعيد المتولي إذا جاز التختم بالفضة فلا فرق بين الاصابع وسائر الاعضاء كحلي الذهب في حق النساء فيجوز له لبس الدملج في العضد والطوق في العنق والسوار في اليد وغيرها وبهذا أجاب المصنف في الفتاوى وقال لم يثبت في الفضة إلا تحريم الاواني وتحريم التحلي علي وجه يتضمن التشبه بالنساء فاعلم لهذا قوله ولا يحل للرجل إلا التختم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 28 به ويجوز للرجل تحلية آلات الحرب بالفضة كالسيف والرمح وأطراف السهام والدرع والمنطقة والرأنين والخف وغيرها لانه يغيظ الكفار وقد ثبت ان قبيعة سيف رسول الله عليه وسلم (كانت من فضة) وفى تحلية السرج واللجام والثغر وجهان (احدهما) وبه قال ابن سلمة يجوز كالسيف والمنطقة (وأصحهما) المنع كالاواني بخلاف آلات الحرب الملبوسة ويروى هذا عن نصه في رواية البويطي والربيع وموسى بن أبى الجارود وأجرى هذا الخلاف في الركاب وفي برة الناقة من الفضة ورأيت كثيرا من الائمة قطعوا في تصانيفهم بتحريم القلادة للدابة ولا يجوز تحلية شئ مما ذكرنا بالذهب لعموم المنع فيه ويحرم علي النساء تحلية آلات الحرب بالذهب والفضة جميعا لان في استعمالهن لها تشبها بالرجال وليس لهن التشبه بالرجال هكذا ذكره الجمهور واعترض عليه صاحب المعتمد بأن آلات الحرب من غير ان تكون محلاة إما ان يجوز للنساء لبسها واستعمالها أو لا يجوز (والثانى) باطل لان كونه من ملابس الرجال لا يقتضى التحريم إنما يقتضي الكراهة: ألا ترى انه قال في الام ولا اكره للرجل لبس اللؤلؤ إلا للادب وانه من زى النساء لا للتحريم فلم يحرم زى النساء علي الرجال وإنما كرهه فكذلك حكم العكس وقد ذكرت نحوا من هذا في صلاة العيد وايضا الحراب جائز للنساء في الجملة كان في تجويز الحراب تجويز استعمال آلات الحروب وإذا فان ثبت جواز استعمالها وهي غير محلاة فيجوز استعمالها وهى محلاة لان التحلي لهن اجوز منه للرجال وهذا هو الحق إن شاء الله تعالي وبتقدير الا يجوز لهن استعمالها وهي غير محلاة فلا يكون التحريم ناشئا من التحلية فلا يحسن تعليقه بها ويجوز للنساء لبس انواع الحلي من الذهب والفضه كالقرط والطوق والخاتم والخلخال والسوار والتعاويذ وفى اتخاذ النعال من الذهب والفضة وجهان احدهما ويحكى عن الماوردى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 29 انه لا يجوز لما فيه من الاسراف وأصحهما ويحكي عن القاضي الحسين أنه يجوز كسائر الملبوسات وأما التاج فقد ذكروا أنه إن جرت عادة النساء بلبسه كان مباحا والا فهو مما يلبسه عظماء الفرس فيحرم وكأن هذا إشارة الي اختلاف الحكم بحسب اختلاف النواحي: فحيث جرت عادة النساء بلبسه جاز لبسه وحيث لم تجر لا يجوز تحرزا عن التشبه بالرجال وفى الدراهم والدنانير التي تثقب وتجعل في القلادة وجهان حكاهما القاضي الروياني (أظهرهما) المنع لانها لم تخرج بالصوغ عن النقدية وفى لبس الثياب المنسوجة بالذهب والفضة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 30 وجهان (أصحهما) الجواز وذكر ابن عبدان انه ليس لهن اتخاذ زر القميص والجبة والفرجية منهما ولعل هذا جواب علي الوجه الثاني وكل حلي أبيح للنساء فذلك إذا لم يكن فيه سرف فان كان كخلخال وزنه مائتا دينار ففيه وجهان الذى ذكره معظم العراقيين المنع وأوجبوا فيه الزكاة قولا واحدا وفى معناه اسراف الرجل في تحلية آلات الحراب ولو اتخذ الرجل خواتيم كثيرة أو المرأة خلاخل كثيرة لتلبس الواحد منها بعد الواحد فلا يمتنع وليس كالواحد الثقيل وطرد ابن عبدان فيه الوجهين وهذا كله فيما يتحلي به لبسا * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 31 قال (فأما في غير التحلي فقد حرم الشرع اتخاذ الاواني من الذهب والفضة على الرجال والنساء وفى المكحلة لصغيرة تردد وفى تحلية لسكين للمهنة بالفضة الحاقا لها بالآت الحرب فيه خلاف) * في الفصل مسألتان (أحداهما) استعمال أواني الذهب والفضة حرام علي الرجال والنساء كما بينا في كتاب الطهارة وفى اتخاذها خلاف وجواب الكتاب ههنا وفى الطهارة التحريم ويجوز اعلام قوله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 32 (اتخاذ الاواني) بالواو للخلاف الذى شرحناه في الطهارة ومثله المكحلة قد ذكرها مرة هناك ونقل الامام التردد فيها عن صاحب التقريب وقيد بما إذا كانت من فضة وفيه كلام ذكرناه في شرحها ثم (الثانية) في تحلية سكاكين المهنة وسكاكين المقلمة بالفضة وجهان احدها الجواز ألحاقا لها بالات الحرب (وأصحها) المنع لانها لا تراد للحرب قال الامام وهذا الخلاف في استعمالها للرجال ويثور منه اختلاف في حق النساء ان الحقناها بالات الحرب فليس للنسوة استعمالها والا ففيه احتمال * قال (وفي تحلية المصحف بالفضة وجهان للحمل على الاكرام وفى تحليته بالذهب ثلاثة أوجه يفرق في الثالث بين الرجال والنساء وتحلية غير المصحف من الكتب لا تجوز اصلا كتحلية الدواة والسهم والسرير والمقلمة وقيل يجوز تحلية الدواة بالفضة ويلزم علي قياسه المقلمة والكتب وتحلية الكعبة والمساجد بالقناديل من الذهب والفضه قيل انه ممنوع ولا يبعد تجويزه اكراما كما في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 33 المصحف) * هل يجوز تحلية المصحف بالفضة فيه وجهان (احدهما) لا كالأواني (وأظهرهما) نعم وبه قال أبو حنيفة رحمه الله اكراما للمصحف وجعل أبو القاسم الكرخي في هذا الخلاف قولين وقال في سير الواقدي ما يدل علي حظرها وفى القديم والجديد وحرملة ما يدل علي الجواز وفى تحليته بالذهب ثلاثه أوجه (احدها) وبه أجاب الشيخ ابو محمد في مختصر المختصر الجواز اكراما وبه قال ابو حنيفة رحمه الله (والثاني) المنع إذ ورد في الخبر ذمها) (والثالث) الفرق بين ان يكون للمرأة فيجوز وبين ان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 34 يكون للرجال فلا يجوز طردا للمنع من الذهب في حق الرجال وكلام الصيدلاني والاكثرين الي هذا أميل وذكر بعضهم انه يجوز تحلية نفس المصحف دون غلافه المنفصل عنه والاظهر التسوية واما سائر الكتب فقال في الكتاب ان تحليتها لم تجز اصلا وذلك ان الائمة لم يحكوا فيها خلافا بل قاسوا وجه المنع في المصحف علي سائر الكتب اشعارا بالاتفاق فيها وذكروا وجهين في تحلية الدواة والمرآة والمقلمة والمقراض بالفضة (اصحهما) المنع كالأواني والثانى الجواز كالسيف والسكين وبه اجاب في مختصر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 35 المختصر واراد صاحب الكتاب بقوله (وقيل يجوز تحلية الدواة بالفضة) حكاية وجه وقاس عليه المقلمة وسائر الكتب وفي تحلية الكعبة وسائر المساجد بالذهب والفضة وتعليق قناديلها فيها وجهان مرويان في الحاوى وغيره (احدهما) الجواز تعظيما كما في المصحف وكما يجوز ستر الكعبة بالديباج (واظهرهما) المنع ويحكى ذلك عن ابي اسحق إذ لم ينقل ذلك عن فعل السلف وحكم الزكاة مبنى علي الوجهين نعم لو جعل المتخذ وقفا فلا زكاة فيه بحال وقد تعرض في الكتاب للوجهين معا حيث قال (قيل انه ممنوع) ولا يبعد تجويزه اكراما لكن حكى المنع نقلا والتجويز احتمالا تأسيا بالامام رحمه الله فانه هكذا فعل (خاتمة) إذا اوجبنا الزكاة في الحلى المباح فلو اختلف وزن الحلي وقيمته كما لو كانت لها خلاخل وزنها مائتا درهم وقيمتها ثلثمائة أو فرض مثله في المناطق المحلاة للرجال فالاعتبار في الزكاة بوزنها أو قيمتها فيه وجهان (أحدهما) وبه قال الماوردى ان الاعتبار بالوزن لا القيمة لانها زكاة عين فلا ينظر فيها الي القيمة كما في المواشى ولهذا لو كان وزن الحلي مائة درهم وقيمتة بسبب الصنعة مائتان لا تجب فيها الزكاة (وأصحهما) عند ابن سريج وعامة العراقيين انه تعتبر الصنعة لانها صفة في العين فيلزمه إخراج زكاة العين علي تلك الصفة كما يلزم اخراج المضروب عن المضروب فعلي هذا يتخير بين ان يخرج ربع عشر الحلي مشاعا ثم يبيعه الساعي ويفرق الثمن علي المساكين وبين ان يخرج خمسة دراهم مصنوعة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 36 قيمتها سبعة ونصف ولا يجوز ان يكسره ويخرج خمسة مكسورة لان فيه ضررا عليه وعلى المساكين ولو أخرج من الذهب ما قيمته سبعة دراهم ونصف فهو جائز عند ابن سريج للحاجة ممتنع عند الاكثرين لامكان تسليم ربع العشر مشاعا وبيعه بالذهب بعد ذلك ولو كانت له آنية وزنها مائتان ويرغب فيها بثلثمائة فيبنى حكم زكاتها علي الخلاف في جواز الاتخاذ ان جوزناه فالحكم علي ما ذكرناه في الحلي وان لم نجوز فلا قيمة للصنعة شرعا فله اخراج خمسة من غيره وله كسره واخراج خمسة منه وله اخراج ربع عشره مشاعا ولا سبيل الي اخراج الذهب بدلا وكل حلي لا يحل لاحد من الناس فحكم صنعته حكم صنعة الاناء ففى ضمانها علي كاسره وجهان وما يحل لبعض الناس فعلي كاسره ضمانها وما يكره من التحلي ولا يحرم كالضبة الصغيرة على الاناء للزينة الحقوه بالمحظور في وجوب الزكاة وقال صاحب التهذيب من عند نفسه الاولي ان يكون كالمباح * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 37 قال (النوع الرابع زكاة التجارة ومال التجارة كل ما قصد الاتجار فيه عند اكتساب الملك بالمعارضة المحضة ولا يكفي مجرد النية دون الشرى ولا عند الاتهاب أو الرجوع بالعيب وهل يكفى عند الخلع أو النكاح فيه وجهان ولو اشترى عبدا علي نية التجارة بثوب قنية فرد عليه بالعيب انقطع حوله وكذا لو باع ثوب تجارة بعبد للقنية ثم رد) * زكاة التجارة واجبة عند جمهور العلماء وفيهم الشافعي رضي الله عنه قطع به قوله في الجديد وحكى عنه في القديم ترديد قول: فمنهم من قال له في القديم قولان ومنهم من لم يثبت خلاف الجديد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 38 شيئا وذكر في النهاية أن نفى وجوبها يعزى الي مالك ولا يكاد يثبت ذلك عنه إنما المشهور عنه أنها لا تجب بعد النضوض حتى لو نض بعد ما اتجر سنين كثيرة لا تجب إلا زكاة سنة واحدة والاصل في الباب ماروى عن أبى ذر ان النبي صلي الله عليه وسلم قال (في الابل صدقتها وفى البقر صدقتها وفى الغنم صدقتها وفى البز صدقته) ومعلوم أنه ليس في البز زكاة العين فيكون الواجب زكاة التجارة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 39 وعن سمرة بن جندب قال (كان النبي صلي الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع) واعتمد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 40 الشافعي رضي الله عنه فيما روى عن أبى عمرو بن حماس أن أباه حماسا قال (مررت علي عمر بن الخطاب رضى الله عنه وعلي عنقي أدم أحملها فقال ألا تؤدى زكاتك يا حماس فقلت مالى غير هذه وأهب في القرظ قال ذلك مال فضع قال فوضعتها بين يديه فحسبها فوجدت قد وجب فيها الزكاة فاخذ منها الزكاة) إذا تقرر ذلك فاول ما بدا به في الكتاب بيان أن مال التجارة ماذا فقال ومال التجارة كل ما قصد الاتجار فيه عند اكتساب الملك بالمعاوضة المحضة وفي هذا الضابط أمور قد فصلها بصور (فمنها) أن مجرد نية التجارة لا تجعل المال مال التجارة حتى لو كان له عرض للقنية ملكه بشراء وغيره ثم جعله للتجارة لم يصر للتجارة ولم ينعقد الحول عليه خلافا للكرابيسي من أصحابنا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 41 حديث قال يصير مال تجارة بمجرد النية وبه قال أحمد في إحدى الروايتين لما روينا من خبر سمرة وكما لو كان عنده عرض التجارة فنوى أنه للقنية يصير للقنية وينقطع حول للتجارة: لنا أن ما لا يثبت له حكم الحول بدخوله في ملكه لا يثبت بمجرد النية كما لو نوى بالمعلوفة السوم ويخالف عرض التجارة تصير للقنية بمجرد النية من وجهين (أحدهما) انه ليس للاقتناء معني إلا الحبس والامساك للانتفاع فإذا أمسك ونوى الاقتناء فقد قرن النية بصورة الاقتناء لانه جردها (والثانى) أن الاصل في العروض الاقتناء والتجارة عارضة فبمجرد النية يعود حكم الاصل وإذا ثبت حكم الاصل فبمجرد النية يزول وهذا كما أن المسافر يصير مقيما بمجرد النية والمقيم لا يصير مسافرا بمجرد النية ومنها لو اقترنت نية التجارة بالشراء كان الشراء مال تجارة ودخل في الحول لانضمام قصد التجارة إلى فعلها كما لو نوي المشترى وسار يصير مسافرا ولا فرق بين أن يكون الشراء بعرض أو نقد أو دين ولا بين أن يكون حالا أو مؤجلا وإذا ثبت حكم التجارة لا يحتاج لكل معاملة الي نية جديدة وفى معني الشرى ما لو صالح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 42 عن دين له في ذمة إنسان علي عرض بنية التجارة فيصير للتجارة سواء كان الدين قرضا أو ثمن مبيع أو ضمان متلف وكذلك الاتهاب بشرط الثواب إذا نوى به التجارة وأما الهبة المحضة والاحتشاش والاحتطاب والاصطياد والارث فليست معدودة من أسباب التجارة فلا أثر لاقتران النية بها وكذا الرد بالعيب والاسترداد حتى لو باع عرضا للقنية بعرض للقنية ثم وجد بما أخذ عيبا فرده واسترد الاول علي قصد التجارة أو وجد صاحبه بما أخذ عيبا فرده وقصد المردود عليه بأخذه التجاره لم يصر مال تجارة ولو كان عنده ثوب للقنية فاشترى به عبدا للتجارة تم رد عليه الثوب بعيب انقطع حول التجارة ولم يكن الثوب المردود مال تجارة لان الثوب لم يكن عنده علي حكم التجارة حتي يقال ينقطع البيع ويعود الي ما كان قبله بخلاف ما لو كان الثوب للتجارة أيضا فانه يبقى حكم التجارة فيه بعد البيع وكذا لو تبايع التاجران ثم تقابلا يستمر حكم التجارة في المالين ولو كان عنده ثوب تجارة فباعه بعبد للقنية فرد عليه الثوب بالعيب لم يعد علي حكم التجارة لان قصد القنية قطع حول التجارة والرد والاسترداد بعد ذلك ليسا من التجارة في شئ فصار كما لو قصد القنية بمال التجارة الذى عنده ثم نوى جعله للتجارة ثانيا لا يؤثر حتى يقرن النية بتجارة جديدة ولو خالع الرجل امرأته وقصد التجارة في عوض الخلع أو زوج السيد أمته أو نكحت الحرة أو نويا التجارة في الصداق ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يكون مال تجارة لان الخلع والنكاح ليسا من عقود التجارات والمعاوضات المحضة ولانه ليس المملوك بهما مملوكا بعين مال (واظهرهما) ولم يذكر اكثر العراقيين سواه أنه يكون مال تجارة لانه مال ملكه بمعارضة ولهذا ثبتت الشفعة فيما ملك بهما وأجرى الوجهان في المال المصالح عليه عن الدم والذى آجر به نفسه أو ماله إذا نوى بهما التجارة وفيما إذا كان تصرفه في المنافع بأن كان يستأجر المستعملات ويؤاجرها علي قصد التجارة * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 43 قال (والنصاب معتبر في أول الحول وآخره دون الوسط علي قول وفى جميع الحول على قول وفى آخر الحول فقط على قول لان انخفاض السعر لا ينضبط ولو كان النقصان محسوسا بالتنضيض ففى انقطاع الحول علي هذاا لقول وجهان) * لا خلاف في اعتبار الحول في زكاة التجارة ويدل عليه مطلق قوله صلي الله عليه وسلم (لا زكاة في مال حتي يحول عليه الحول) والنصاب معتبر أيضا لكن في وقت اعتباره ثلاثة أقوال على ما ذكر صاحب الكتاب والامام (أحدها) أنه يعتبر في أول الحول وآخره اما في الاول فليجر في الحول وأما في الآخر فلانه وقت الوجوب ولا يعتبر فيما بينهما لعسر مراعاة النصاب بالقيمة فان الاسعار الجزء: 6 ¦ الصفحة: 44 تضطرب انخفاضا وارتفاعا (وثانيها) أنها تعتبر في جميع الحول كما في المواشي فعلي هذا لو نقصت القيمة عن النصاب في لحظة انقطع القول فان كمل بعد ذلك استأنف الحول (وأصحها) أنه لا يعتبر إلا في آخر الحول اما انه لا يعتبر في أثنائه فلما سبق وأما أنه لا يعتبر في أوله فكالزيادة علي النصاب لما لم يشترط وجودها في أثناء الحول لوجوب زكاتها لم يشترط وجودها في أول الحول فعلي هذا لو اشترى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 45 عرضا للتجارة بشئ يسير انعقد الحول عليه ووجبت الزكاة فيه إذا بلغت قيمته نصابا في آخر الحول واحتج لهذا القول بحديث حماس فانه لم ينظر إلي القيمة إلا في الحال ولم يبحث عما تقدم وليس هذا الاحتجاج كما ينبغي وعبر الاكثرون عن الخلاف في المسألة بالوجوب دون الاقوال وسبب اختلاف العبارة أنها جميعا ليست منصوصة وإنما المنصوص منها الثالث والاولان خرجهما شيوخ الاصحاب هكذا حكي الشيخ أبو علي والمذاهب المخرجة يعبر عنها بالوجوه تارة وبالاقوال أخرى وبالقول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 46 الثاني قال ابن سريج ونسب ابن حمدان إليه الاول والله أعلم. ويجوز أن يعلم الاول بالميم والالف (والثانى) بالميم والحاء (والثالث) بالحاء والالف لان مذهب أبي حنيفة رحمه الله مثل القول الاول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 47 ومذهب أحمد مثل (الثاني) ومذهب مالك مثل (الثالث) ثم إذا احتملنا نقصان النصاب في غير الآخر فذلك في حق من تربص لسلعته حتى تم الحول وهي نصاب بالقيمة فاما لو باعها بسلعة أخرى في أثناء الحول فقد حكي الامام وجهين فيه (أحدهما) أن الحول ينقطع ويبتدئ حول السلعة الاخرى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 48 من يوم ملكها (وأصحهما) أن الحكم كما لو تربص بسلعته ولا أثر للمبادلة في أحوال التجارة ولو باعها في أثناء الحول بالنقد وهو ناقص عن النصاب ثم اشترى به سلعة فتم الحول وهى تبلغ نصابا بالقيمة ففيه وجهان لتحقق النقصان حسا قال الامام رحمه الله والخلاف في هذه الصورة امثل منه في الاولى ورأيت المتأخرين يميلون إلى انقطاع الحول والله أعلم وهذه الصورة الاخيرة هي المذكورة في الكتاب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 49 وأعرف من اللفظ شيئين (أحدهما) أن قوله فلو صار النقصان محسوسا بالتنضضن ليس المراد منه مطلق التنضيض فانه لو باع بالدراهم والحال تقتضي التقويم بالدنانير علي ما سيأتي فهو كبيع السلعة بالسلعة (والثاني) أن قوله على هذا القول يوهم تخصيص الوجهين بالقول الثالث وهما جاريان علي القول الاول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 50 أيضا ولا فرق * (فرع) لو تم الحول وقيمة سلعته دون النصاب فهل يبتدئ حول ثان فيه وجهان قال أبو إسحق نعم ويسقط حكم الحول الاول وقال ابن أبى هريرة لابل متى بلغت القيمة نصابا تجب الزكاة ثم يبدأ حول ثان والاول أصح عند صاحب التهذيب وغيره * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 51 قال (وابتداء حول التجاره من وقت الشراء بنية التجارة ان كان المشترى به عرضا ماشية كانت أو لم تكن: وإن كان المشترى به نقدا فمن وقت النقد نصابا كان أو لو يكن إن قلنا إن النصاب لا يعتبر في ابتداء الحول وفى الجملة زكاة التجارة والنقدين يبني حول كل واحد منهما علي حول صاحبه لاتحاد المتعلق ومقدار الواجب) * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 52 غرض الفصل الكلام في بيان ابتداء الحول وجملته أن مال التجارة لا يخلو اما أن يملكه بأحد النقدين أو بغيرهما فان ملكه بأحد النقدين نظر ان كان نصابا كما لو اشترى بعشرين دينارا أو بمائتي درهم فابتداء الحول من يوم ملك ذلك النقد ويبنى حول التجارة علي حوله ووجهوا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 53 ذلك بشيئين (احدهما) ان قدر الواجب فيهما واحد وكذلك متعلقه فان الزكاة واجبه في عين النقد وفى قيمة السلعة وهى من جنس النقد الذى كان رأس المال بل هي نفس تلك الدراهم الا أنها صارت مبهمة بعد ما كانت معينة فصار كما لو ملك مائتي درهم ستة اشهر ثم اقرضها مليئا تلزمه الزكاة بعد ستة اشهر من يوم القرض (والثانى) ان النقد اصل وغرض التجارة تبع له وفرع عليه الا ترى ان التقويم به يقع فبنى حوله عليه وخرجوا علي التوجيهين ما إذا بادل الدراهم بالدراهم حيث ينقطع الحول ولا يبنى اما علي الاول فلان زكاة النقد في العين ولكل واحد من عين الدراهم الاولى وعين الثانية حكم نفسها واما علي الثاني فلان الثانية لا تقوم بالاولى وليست احداهما اصلا والاخرى فرعا لها وهذا فيما إذا كان الشراء بعين النصاب اما إذا اشترى بنصاب من احد النقدين في الذمة وله مائتا درهم وعشرون دينارا فنقدها في ثمنه ينقطع حول النقد ويبتدئ حول التجارة من يوم الشري هذا لفظ صاحب التهذيب وعلل بأن هذه الدراهم والدنانير لم تتعين للتصرف فيه والله اعلم: وان كان النقد الذى هو رأس المال دون النصاب فليس له حول حتى يبنى عليه فيكون ابتداء الحول من يوم ملك عرض التجارة: هذا إذا ملك بأحد النقدين ولو ملك بغيرهما فله حالتان (احداهما) ان يكون ذلك الغير مما لا تجب الزكاة فيه كالثياب والعبيد فابتداء الحول من يوم الملك لان ما ملكه قبله لم يكن مال زكاة (والثانية) ان يكون مما تجب فيه الزكاة كما لو ملكه بنصاب من السائمة فظاهر المذهب ان حول السائمة ينقطع ويبتدئ حول التجارة من يوم الملك ولا يبنى لاختلاف الزكاة قدرا ومتعلقا (قال) الاصطخرى يبني حوله علي حول السائمة كما لو ملك بنصاب من النقد واحتج بقوله في المختصر ولو اشترى عرضا للتجارة بدراهم أو بدنانير أو بشئ تجب فيه. الصدقة من الماشية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 54 وكان افاد ما اشترى به ذلك العرض من يومه لم يقوم العرض حتى يحول الحول من يوم افاد الثمن وحمل المزني هذا النص علي ما رأه الاصطخرى ثم اعترض عليه وصار إلى عدم البناء وعامة الاصحاب نفوا ذهاب الشافعي رضي الله عنه إلى البناء فتكلموا علي هذا النص من وجوه (أحدها) قال ابن سريج وأبو إسحق وغيرهما إن مسألة المختصر مفروضة فيما إذا استفاد ثمن العرض يوم الشراء وحينئذ لا فرق بين أن يقال يعتبر الحول من يوم الشراء وبين أن يقال يعتبر من ذلك الثمن (والثانى) أن الشافعي رضى الله عنه جمع بين ثلاث صور الشراء بالدراهم والشراء بالدنانير والشراء بالماشية ثم أجاب في الصورتين الاوليين دون الآخرة وقد يقع مثل ذلك في كلامه واحتجوا لهذا بأنه قال من يوم افاد الثمن ولفظ الثمن يقع علي النقدين دون الماشية (واعلم) أن في حقيقة الثمن خلافا سنذكره في كتاب البيع إن شاء الله تعالي جده وهذا الوجه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 55 يتفرع علي أن الثمن هو الذهب والفضة لا غير ومن قال بالتأويل الاول أطلق لفظ الثمن علي الماشية أيضا (والثالث) تغليط المزني في النقل وإلى هذا مال امام الحرمين ورأى التأويل تكلفا: ولنتكلم في ما يتعلق بلفظ الكتاب خاصة (قوله) من وقت الشراء بنية التجارة ليس لتخصيص الحكم بالشراء بل هو مذكور تمثيلا وسائر الاكتسابات الملحقة في معناه ويجوز إعلامه بالواو لان اللفظ مطلق لا يفرق بين أن يكون قيمة ما اشتراه للتجارة نصابا أو لا يكون وهو مجرى على اطلاقه إذا فرعنا علي أن النصاب لا يعتبر إلا في آخر الحول وهو الصحيح فإذا اعتبرناه في جميع الحول أو في طرفيه ولم يبلغ قيمة المشترى نصابا فليس ابتداء الحول من يوم الشراء بل هو وقت بلوغ قيمته نصابا (وقوله) ماشية كانت معلم بالواو لما حكينا عن الاصطخرى (وقوله) وإن كان المشترى به نقدا فمن وقت القد أي من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 56 وقت ملك النقد ثم قوله نصابا كان أو لم يكن ان قلنا النصاب لا يعتبر في ابتداء الحول هو موضع نظر وتأمل لانه إما أن يريد به نصابا كان المال المشترى أو لم يكن أو يريد به نصابا كان النقد أو لم يكن وهو الاسبق الي الفهم فان أراد الثاني فقد صرح باحتساب الحول من وقت ملك النقد مع نقصانه عن النصاب وان أراد به الاول فقد حكم بالاحتساب من وقت ملك النقد مطلقا وليس كذلك بل يشترط فيه كون ذلك النقد نصابا نص عليه الشافعي رضى الله عنه وقطع به الاصحاب من غير فرق بين أن يعتبر النصاب في جميع الحول أولا يعتبر لان النقد الناقص ليس مال زكاة حتى يفرض جريانه في الحول (وقوله) زكاة التجارة والنقدين ينبني حول كل واحد منهما علي صاحبه ويبين أنه لو باع مال تجارة بنقد بنية القنية يبني حول النقد علي حول مال التجارة كما يبنى حول مال التجارة علي حول النقد (وقوله) لاتحاد المتعلق ومقدار الواجب اشارة إلى التوجيه الاول وقد بيناه * قال (وكل زيادة حصلت بارتفاع القيمة وجبت الزكاة فيها بحول رأس المال كالنتاج فان رد إلى اصل النضوض فقدر الربح من الناض لا يضم الي حول الاصل علي أحد القولين لانه مستفاد من كيس المشترى لا من عين المال) * ربح مال التجارة ينقسم إلى حاصل من غير نضوض المال والي حاصل مع نضوضه وأما القسم الاول فهو مضموم الي الاصل في الحول كالنتاج لان المحافظة علي حول كل زيادة مع اضطراب الاسواق وتدرجها انخفاضا وارتفاعا في غاية العسر قال في النهاية وقد حكى الائمة القطع بذلك لكن من يعتبر النصاب في جميع الحول كما في زكاة الاعيان قد لا يسلم وجوب الزكاة في الربح في آخر الحول وقضية قياسه أن نقول ظهور الربح في أثناء الحول بمثأبة نضوضة وسيأتى الخلاف فيه في القسم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 57 الثاني قال وهذا لا بد منه والائمة قد يذكرون القول الضعيف مع الصحيح ثم إذا توسطوا التفريع تركوا الضعيف جانبا وهذا الكلام يقتضى أعلام قوله في الكتاب بحول رأس المال بالواو فعلى المشهور الصحيح لو اشترى عرضا للتجارة بمائتي درهم فصارت قيمته في خلال الحول ثلاثمائة زكي الثلثمائة عند تمام الحول وان كان ارتفاع القيمة قبيل الحول بلحظة ولو ارتفعت بعد الحول فالربح مضموم الي الاصل في الحول الثاني كما في النتاج وأما القسم الثاني وهو الحاصل مع النضوض فينظر فيه ان صار ناضا من غير جنس رأس المال فهو كما لو بدل عرضا بعرض لان التقويم لا يقع به وحكي الشيخ ابو على عن بعض الاصحاب انه علي الخلاف الذى نذكره فيما إذا صار ناضا من جنس رأس المال وان صار ناضا من جنسه فأما أن يفرض في خلال الحول أو بعده وعلي التقدير الاول فأما أن يمسك الناض إلي أن يتم الحول أو يشترى به سلعة (الحالة الاولي) أن يمسك الناض الي تمام الحول كما إذا اشترى عرضا بمائتي درهم وباعه في خلال الحول بثلاثمائة ويتم الحول وهو في يده فقد قال الشافعي رضي الله عنه في باب زكاة التجارة أنه يزكى المائتين ويفرد مائة الربح بحول وقال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 58 في باب زكاة مال القراض إذا دفع الف درهم الي رجل قراضا علي النصف فاشترى بها سلعة وحال الحول عليها وهى تساوى الفين ففيها قولان (احدهما) أنه يزكي الكل (والثانى) أن رب المال يزكى الفا وخمسمائة فأوجب زكاة جميع الربح أو نصفه عند تمام الحول ولم يفرده بحول واختلف الاصحاب علي طريقين (أظهرهما) وبه قال أبو إسحق والاكثرون أن المسألة علي قولين (احدهما) وهو اختيار المزني أنه يزكى الربح بحول الاصل لانه فائدته ونماؤه فأشبه ما إذا لم يرد الي النضوض ونتاج الماشية (واصحهما) أنه يفرد الربح بحول لظاهر قوله صلي الله عليه وسلم (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) ويخالف ما إذا لم ينض لان الربح ثمة كامن وغير متميز عن الاصل ومتعلق الزكاة واحد وهو القيمة ويخالف النتاج فانه يتولد من أصل المال والربح هاهنا غير متولد من غير المال بل هو مستفاد بالتصرف من كيس المشترى ولهذا لو غصب ماشية فتوالدت وجب رد النتاج مع الاصل ولو غصب دراهم فتصرف فيها وربح كان الربح له في اظهر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 59 القولين (والطريق الثاني) وبه قال ابن سريج القطع بافراد الربح بحول وحمل كلامه في القراض علي ما إذا اشترى السلعة بالف وهى تساوى الفين فليس فيها زيادة بعد الشراء فلذلك أوجب الزكاة في الربح مع الاصل قال هؤلاء وهكذا صور المسألة في الام لكن المزني لم ينقلها علي وجهها ومنهم من قال قصده بما ذكر في مال القراض بيان أن زكاة جميع الربح قبل المقاسمة على رب المال ام يتقسط عليه وعلي العامل فاما ان حول الربح هل هو حول الاصل أم لا فهذا مما لم يقع مقصدا ثم ولا يوجه الكلام نحوه فلا احتجاج فيه علي أنه ليس في اللفظ تصوير للرد إلي النضوض فيجوز حمله علي ارتفاع القيمة من غير نضوض وإذا فرعنا علي أن الربح يفرد بحول فابتداؤه من يوم الظهور ام من يوم نض وباع فيه وجهان (أحدهما) وبه قال ابن سريج أنه من يوم الظهور لان الربح لم يحصل بالبيع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 60 وانما حصل بارتفاع قيمة السلعة (والثاني) أنه من يوم البيع والنضوض لان الزيادة به تستقر وقبله قد يتوهم زيادة فيتبين خلافه لاضطراب السوق قال القاضى الرويانى وغيره وهذا ظاهر المذهب (الحالة الثانية) أن يشترى بها سلعة قبل تمام الحول فطريقان (أحدهما) القطع بانه يزكى عن الجميع لان ما في يده في آخر الحول عرض (وأصحهما) ان الحكم كما لو أمسك الناض الي تمام الحول لان الربح بالنضوض بمثابة فائدة استفادها فلا يختلف حكمها بين ان يشترى بها سلعة أو لا يشترى وهذا كله فيما إذا باع ونص في خلال الحول فاما إذا باع ونض بعد تمامه فقد قال الشيخ أبو على ينظر إن ظهرت الزيادة قبل تمام الحول فلا خلاف في انه يزكى الكل بحول الاصل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 61 وإن ظهرت بعد تمامه فوجهان (أحدهما) هكذا (وأظهرهما) أنه يستأنف للربح حولا وجميع ما ذكرناه فيما إذا اشترى العرض بنصاب من أحد النقدين أو اشتراه بغيرهما وهو يساوى نصابا: أما لو اشترى بمائة درهم مثلا وباعه بعد ستة أشهر بمائتي درهم وبقيت عنده إلي آخر الحول من يوم الشراء فان قلنا بظاهر المذهب وهو أن النصاب لا يشترط إلا في آخر الحول تفرعت المسالة علي قولين في أن الربح من الناض هل يضم إلي الاصل في الحول: إن قلنا نعم فعليه زكاة المائتين وإن قلنا لا: لم يزك مائة الربح إلا بعد ستة أشهر أخرى وإن قلنا إن النصاب يشترط في جميع الحول أو في طرفيه فابتداء حوله من يوم باع ونض فإذا تم زكى عن المائتين: واعلم أن مسألة الكتاب فيما إذا رد إلي النضوض في خلال الحول ثم اللفظ من جهة اطلاقه يشمل ما إذا أمسك الناض حتى تم الحول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 62 وما إذا اشترى به سلعة أخرى ويشمل ايضا ما إذا كان نصابا في اول الحول أو ناقصا عنه واجراؤه على اطلاقه فيهما صحيح مستمر (وقوله) لا يضم معلم بالزاى لما قدمناه (وقوله) علي أحد القولين بالواو للطريقة القاطعة بعدم الضم ثم نوضح الفصل بفرعين (أحدهما) من مولدات ابن الحداد وهو مالو ملك الرجل عشرين دينارا فاشترى بها عرضا للتجارة ثم باعه بعد ستة أشهر من ابتداء الحول باربعين دينار أو اشترى بها سلعة اخرى ثم باعها بعد تمام الحول بمائة كيف يزكي أما إذا قلنا إن الربح من الناض لا يفرد بحول فعليه زكاة جميع المائة وأما إذا قلنا يفرد فعليه زكاة خمسين دينارا لانه اشترى السلعة الثانية باربعين عشرون منها رأس ماله الذى مضى عليه ستة أشهر وعشرون ربح استفاده يوم باع الاول واشترى الثاني فإذا مضى ستة أشهر فقد تم الحول علي نصف السلعة فيزكيه بزيادته وزيادته ثلاثون دينارا لانه ربح علي العشرينين ستين وكان ذلك كامنا وقت تمام الحول ثم إذا مضت ستة أشهر أخرى فعليه زكاة العشرين الثانية فان حولها حينئذ يتم ولا يضم إليها ربحها لانه صار ناضا قبل تمام حولها فإذا مضت ستة اشهر أخرى فعليه زكاة ربحها وهو الثلاثون الباقية فان كانت الخمسون التى أخرج زكاتها في الحول الاول باقية عنده فعليه اخراج زكاتها ثانيا مع الثلاثين هذا جواب ابن الحداد تفريعا على أن الربح الناض لا يفرد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 63 بحول وحكى الشيخ أبو علي فيه وجهين آخرين ضعيفين (احدهما) انه عند البيع الثاني يخرج زكاة عشرين فإذا مضت ستة اشهر اخرج زكاة عشرين اخرى وهى التي كانت ربحا في الحول الاول فإذا مضت ستة اشهر اخرى اخرج زكاة الستين الباقية لانها إنما استقرت عند البيع الثاني فمنه يبتدئ حولها (والثانى) أنه عند البيع الثاني يخرج زكاة عشرين ثم إذا مضت ستة أشهر زكى عن الثمانين الباقية لان الستين التي هي الربح حصلت في حول العشرين التى هي الربح الاول فيضم إليها في الحول ولو كان الفرع بحاله لكنه لم يبع السلعة الباقية فيزكى وعند تمام الحول الاول خمسين كما ذكرنا عند تمام الحول الثاني الخمسين الثانية لان الربح الآخر ما صار ناضا الفرع الثاني اشترى بمائتي درهم عرضا للتجارة فباعه بعد ستة اشهر بثلثمائة واشترى بها عرضا وباعه بعد تمام الحول بستمائة فان لم يفرد الربح بحول اخرج زكاة الستمائة وان أفردناه أخرج زكاة اربعمائة فإذا مضت ستة أشهر أخرج زكاة مائة فإذا مضت ستة اشهر اخرى اخرج زكاة المائة الباقية هذا على جواب ابن الحداد واما علي الوجهين الاخرين فيخرج عند البيع الثاني زكاة مائتين ثم على الوجه الاول إذا مضت ستة اشهر اخرج زكاة مائة وإذا مضت ستة اشهر اخرى اخرج زكاة ثلثمائة وعلى الوجه الثاني إذا مضت ستة اشهر من يوم البيع الثاني اخرج زكاة الاربعمائة الباقية ولو لم يبع العرض الثاني اخرج زكاة اربعمائة عند تمام الحول وزكاة الباقي بعد ستة اشهر هذا هو الحكم فان اردت التوجية فخرجه علي ما سبق * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 64 قال (فان نتج مال التجارة كان النتاج مال تجارة أيضا علي أحد الوجهين ويجبر به نقصان الولادة في نصاب مال التجارة وجها واحدا ثم حوله حول الاصل على الاصح) * مال التجارة إذا كان حيوانا فلا يخلو اما أن تجب فيه زكاة العين كنصاب السائمة من الغنم فالكلام فيه وفى نتاجه سيأتي من بعد أو لا تجب كالخيل والجواري والمعلوفة من النعم فهل يكون نتاجها مال تجارة فيه وجهان (أحدهما) لا لان النماء الذى تفيده العين لا يناسب الاستنماء بطريق التجارة فلا يجعل مال تجارة ويروى عن ابن سريج (وأصحهما) نعم لان الولد جزء من الام فله حكمها وزوائد مال التجارة من فوائد التجارة عند أهلها والوجهان فيما إذا لم تنقص قيمة الام بالولادة فان نقصت كما إذا كانت قيمة الجارية الفا فعادت بالولادة إلى ثمانمائة وقيمة الولد مائتان فيجبر نقصان الام بقيمته وعليه زكاة الالف ولو عادت قيمتها إلي تسع مائة جبرنا نقصان المائة من الولد لان سبب النقصان انفصال الولد وهو عتيد حاضر فيجعل كأنه لا نقصان كذا حكى عن ابن سريج الجزء: 6 ¦ الصفحة: 65 وغيره قال الامام وفيه احتمال ظاهر وقضية قولنا انه ليس مال تجارة أن لا يجبر به نقصان الجارية كالمستفاد لسبب آخر (وقوله) في الكتاب في نصاب مال التجارة لفظ النصاب حشو في هذا الموضع (وقوله) وجها واحدا أي من جهة النقد وما ذكره الامام انما أبداه علي سبيل الاحتمال وثمار اشجار التجارة بمثابة أولاد حيوان التجارة ففى كونها مال تجارة ما ذكرنا من الوجهين ثم ان لم نجعل الاولاد والثمار مال تجارة فكيف القول في زكاتها في السنة الثانية وما بعدها انخرجها من حساب التجارة كما لو ورث عبدا ام كيف الوجه قال امام الحرمين الظاهر انا لا نوجب الزكاة فانه فيما نختاره الآن منفصلا عن تبعية الام وليس أصلا في التجارة وان فرعنا على انها مال تجارة وضممناها إلى الاصل ففى حولها وجهان (أحدهما) انها على القولين في ربح الناض لانها زيادة مستقرة من مال التجارة فعلى أحد القولين ابتداء الحول من انفصال الولد وظهور الثمار (وأصحهما) ان حولها حول الاصل كالزيادات المنفصلة كالنتاج في الزكاة العينية * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 66 قال (وأما المخرج فهو ربع عشر القيمة من النقد الذى كان رأس المال نصابا كان أو لم يكن فان كان اشتراه بعرض قنية قوم بالنقد الغالب فان غلب نقدان فلم يبلغ نصابا الا بأحدهما قوم به وان بلغ بهما نصابا يخير المالك على وجه وروعي غبطة المساكين علي وجه وتتعين الدراهم على وجه لانه أرفق ويعتبر بالنقد الغالب في أقرب البلاد إليه علي وجه) * لا خلاف في ان قدر زكاة التجارة ربع العشر كما في النقدين ومم تخرج قطع (في الجديد) بانها تخرج من القيمة ولا يجوز أن تخرج من عين ما في يده وبه قال مالك لان متعلق الزكاة هو القيمة وحكى عن القديم قولان (أحدهما) مثل هذا (والثاني) أنه يخرج ربع عشر ما في يده لانه الذي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 67 يملكه والقيمة تقدير واختلفوا في هذا القول منهم من قال انه ترخيص وتجويز لاخراج العين باعتبار القيمة ولو أخرج ربع عشر القيمة جاز ومن قال بهذا قال في المسألة قولان (تعيين) القيمة (والتخيير) بين العين والقيمة وبه قال ابو اسحق ومنهم من قال ما ذكره (في القديم) أراد تعيين العين للاخراج ومن قال بهذا قال في المسألة قولان (تعيين) العين (وتعيين) القيمة وحكى ابن عبدان هذا عن ابن ابى هريرة ومن الاصحاب من استوعب وجعل المسألة على ثلاثة أقوال (أصحها) تعيين العين (والثاني) تعيين القيمة (والثالث) التخيير بينهما وتحكي هذه الطريقة عن ابن سريج وعليها جرى صاحب التقريب ثم الفتوى والتفريع علي الجديد وهو الذى ذكره في الكتاب لكنا نورد صورة لايضاح هذا الخلاف فنقول إذا ملك مائة درهم فاشترى بها مائتي قفيز من الحنطة فحال الحول وهى تساوى مائتين فتجب عليه الزكاة تفريعا على أن النصاب لا يعتبر الا في آخر الحول فعلي الاصح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 68 يخرج خمسة دراهم وعلي الثاني خمسة اقفزة وعلي الثالث يتخير بينهما ولو أخر إخراج الزكاة حتى تراجع السوق ونقصت القيمة نظر ان كان ذلك قبل إمكان الاداء (فان قلنا) الامكان شرط الوجوب سقطت الزكاة (وان قلنا) شرط الضمان وعادت القيمة الي مائة فعلي الاصح يخرج درهمين ونصفا وعلي الثاني يخرج خمسة اقفزة وعلي الثالث يتخير بينهما وان كان بعد الامكان فعلي الاصح يخرج خمسة دراهم لان النقصان من ضمانه وعلي الثاني يخرج خمسة أقفزة ولا يضمن نقصان القيمة مع بقاء العين كالغاصب وعلي الثالث يتخير بينهما وان أخر فزادت القيمة وبلغت أربعمائة فان كان ذلك قبل الامكان وقلنا أنه شرط الوجوب فعلي الاصح يخرج عشرة دراهم وعلى الثاني خمسة أقفزة قيمتها عشرة دراهم لان هذه الزيادة في ماله ومال المساكين وعن ابن ابي هريرة أنه يكفى علي هذا القول خمسة اقفزة قيمتها خمسة دراهم لان هذه الزيادة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 69 وهى محتسبة في الحول الثاني وعلى الثالث يتخير بين الامرين ولو أتلف الحنطة بعد وجوب الزكاة قيمتها ومائتا درهم ثم ارتفعت قيمتها فصارت اربعمائه فعلى الاصح يخرج خمسة دراهم فانها القيمة يوم الاتلاف وعلي الثاني يخرج خمسة أقفزة قيمتها عشرة دراهم وعلي الثالث يتخير بينهما إذا عرفت ذلك: فالكلام بعده في ما يقوم به العرض ولا يخلو الحال أول ما ملك مال التجارة: إما أن يملكه بالنقد أو بغير النقد أو بهما (القسم الاول) أن يملكه بالنقد (فأما) أن يملكه بأحد النقدين أو بهما فان ملكه بأحد النقدين (فأما) أن يكون نصاب أو لا يكون فان كان نصابا كما لو اشتراه بمائتي درهم أو عشرين دينارا فيقوم في آخر الحول بذلك النقدين لان الحول مبني على حوله والزكاة واجبة فيه فان بلغ نصابا بذاك النقد أخرج زكاته والا فلا: وان كان الباقي غالب نقد البلد ولو قوم به لبلغ نصابا بل لو اشترى بمائتي درهم عرضا وباعه بعشرين دينارا وقصد التجارة مستمرا فتم الحول والدنانير في يده ولا تبلغ قيمتها مائتي درهم فلا زكاة فيها هذا ظاهر المذهب وعن صاحب التقريب حكاية قول أن التقويم أبدا يقع بغالب نقد البلد ومنه يخرج الواجب سواء كان رأس المال نقدا أو غيره لانه أرفق بالمستحقين لسهولة التعامل به وحكى القاضي الروياني هذا عن ابن الحداد وقال أبو حنيفة واحمد يعتبر الاحظ للمساكين فنقوم به ولا غيره بما ملك به وان كان دون النصاب ففيه وجهان (احدهما) وبه قال أبو إسحق أنه يقوم بغالب نقد البلد كما لو اشترى بعرض لانه لا زكاة فيه كما لا زكاة في العرض (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب وبه قال ابن أبى هريرة أنه يقوم بذلك النقد ايضا لانه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 70 أصل ما في يده واقرب إليه من نقد البلد وموضع الوجهين ما إذا لم يملك من جنس النقد الذى ملك به ما يتم به النصاب فان ملك كما لو اشترى بمائة درهم عرضا للتجارة وهو يملك مائة اخرى فلا خلاف في ان التقويم بجنس ماملك به لانه اشترى ببعض ما انعقد عليه الحول وابتداء الحول من يوم ملك دراهم وان ملك بالنقدين جميعا فله ثلاثة احوال لانه اما ان يكون كل واحد منهما نصابا اولا يكون واحد منهما نضا يكون احدهما أو نصابا دون الآخر * واما في الحالة الاولي فيقوم بهما علي نسبة التقسيط يوم الملك وطريقه تقويم احد النقدين بالآخر يومئذ بانه اشترى بمائتي درهم وعشرين دينارا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 71 عروضا للتجارة فينظران كانت قيمة مائتي درهم عشرين دينارا فقد علمنا ان نصف العروض مشترى بالدراهم ونصفها بالدنانير وان كانت قيمتها عشرة دنانير فثلثها مشترى بالدراهم وثلثاها بالدنانير فهكذا تقوم في آخر الحول ولا يضم احدهما الي الآخر حتي لا تجب الزكاة إذا لم يبلغ واحد منهما نصابا وان كان بحيث لو قوم الجميع بأحد النقدين لبلغ نصابا وحول كل واحد من المبلغين من يوم ملك ذلك النقد * واما في الحالة الثانية (فان قلنا) ما دون النصاب كالعروض قوم الجميع بنقد البلد (وان قلنا) انه كالنصاب قوم ما ملكه بالدراهم وما ملكه بالدنانير * واما في الحالة الثالثة فيقوم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 72 ما ملكه بالنقد الذى هو نصاب بذلك النقد وما ملكه بالنقد الثاني فعلى الوجهين وكل واحد من المبلغين يقوم به في آخر حوله وحول المملوك بقدر النصاب من يوم ملك ذلك النقد وحول المملوك بالآخر من يوم ملك العروض وإذا اختلف جنس المقوم به فلا ضم كما سبق (القسم الثاني) ان يملكه بغير النقد كما لو ملك بعرض للقنية فيقوم في آخر الحول بآخر نقد البلد من الدراهم أو الدنانير ان بلغ به نصابا اخرج زكاته والا فلا شئ عليه وان كان يبلغ بغيره نصابا فان كان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 73 يجرى في البلد النقدان واحدهما اغلب فالتقويم به وان استويا نظر ان بلغ باحدهما نصابا دون الآخر قوم به وان بلغ بهما ففيه وجوه اربعة (احدها) ان المالك يتميز فيقوم بأيهما شاء ويخرج الزكاة ويحكي هذا عن ابى اسحق (والثانى) انه يراعي الاغبط للمساكين (والثالث) انه يتعين التقويم بالدراهم لانها ارفق واصلح لشراء المحقرات قال الرويانى وهذا اختيار ابن ابي هريرة (والرابع) انه يعتبر بالنقد الغالب في اقرب البلاد إليه لاستوائهما في ذلك البلد فصار كما لو لم يكن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 74 فيه نقد فهذا هو الترتيب المذكور في الكتاب وكذا أورده العراقيون والقاضي الرويانى وحكموا بأن الوجه الاول اصح وايراد الامام وصاحب التهذيب يقتضى ترجيح الثاني لانهما قالا إذا استويا ولم يغلب احدهما يقوم بالانفع للمساكين فان استويا فيه فحينئذ فيه الوجوه الثلاثة الباقية وما ذكراه يعتضد بان الاظهر في اجتماع الحقاق وبنات البون رعاية الاغبط وما ذكره غيرهما يعتضد لان الاظهر في الجبران ان الخيار في تعيين الشاتين والدراهم الي المعطى ويدخل في هذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 75 القسم المملوك بالخلع والنكاح علي قصد التجارة إذا قلنا انه مال تجارة (القسم الثالث) انه يملك بالنقد وغيره معا كما لو اشترى بمائتي درهم وعرض قنية فما يقابل الدراهم يقوم بالدراهم وما يقابل العرض بنقد البلد فان كان النقد دون النصاب عاد الوجهان وكما يجزئ التقسيط عند اختلاف الجنس يجزئ عند اختلاف الصفة كما لو اشترى بنصاب من الدنانير بعضها صحيح وبعضها مكسر وبينهما تفاوت يقوم ما يخص الصحاح بالصحاح وما يخص المكسرة بالمكسرة ولا يخفى عليك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 76 بعد هذا الشرح ان لفظ القيمة من قوله في الكتاب فهو ربع عشر القيمة فينبغي ان يكون معلما بالواو وقوله من النقد الذى كان رأس المال بالحاء والالف وقوله أو لم يكن بالواو وقوله فان غلب نقدان أي علي التساوى * قال (ولا يمتنع علي التاجر التجارة لعدم اخراج الزكاة وأما الاعتاق والهبة فهو كبيع المواشي بعد وجوب الزكاة فيها) * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 77 هل ينفذ بيع التاجر مال التجارة بعد تمام الحول ووجوب الزكاة فيها ذكر بعض الاصحاب أنه علي الخلاف في بيع سائر الاموال بعد وجوب الزكاة فيها وروى في النهاية عن بعضهم انا ان قلنا ان زكاة التجارة تؤدى من عين العروض فهو على ذلك الخلاف (وان قلنا) تؤدى من القيمة فالحكم فيه كالحكم في مالو وجبت شاة في خمس من الابل فباعها لان القيمة ليست من جنس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 78 العرض كالشاة ليست من جنس الابل والذى قطع به الجمهور وأورده في الكتاب أنه يجوز البيع ولا يخرج على ذلك الخلاف لان متعلق هذه الزكاة المالية والقيمة وهى لا تفوت بالبيع ولا فرق بين أن يبيع على قصد التجارة وهو الذي يتناوله لفظ الكتاب أو علي قصد اقتناء العرض فان متعلق الزكاة الواجبة لا يبطل وان صار مال قنية فهو كما لو نوى الاقتناء من غير بيع ولو أعتق عبد التجارة أو وهب مال التجارة فحكمه حكم مالو باع المواشى بعد وجوب الزكاة فيها لان الاعتاق والهبة يبطلان متعلق زكاة التجارة كما أن البيع يبطل متعلق زكاة العين ولو باع مال التجارة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 79 بمحاباة فقدر المحاباة كالموهوب فان لم نصحح الهبة وجب أن تبطل في ذلك القدر ويخرج في الباقي علي تفريق الصفقة والله أعلم * قال (قاعدة يجب اخراح الفطرة (ح) عن عبد التجارة مع زكاة التجارة وان كان مال التجارة نصابا من السائمة غلب زكاة العين في قول لانه مقطوع به وغلب زكاة التجارة في قول لانه أرفق بالمساكين لعمومه فان غلبنا الزكاة ولم يكن المال نصابا باعتباره عدلنا الي الزكاة الاخرى في اظهر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 80 في أظهر الوجهين ولو اشترى معلوفة للتجارة ثم أسامها وقلنا المغلب زكاة العين فالاظهر أنه يجب في السنة الاولي زكاة التجارة كيلا يحبط بعض حول التجارة) * غرض القاعدة الكلام فيما لو كان مال التجارة مما يجب في عينه الزكاة وافنتحها باجتماع الفطرة وزكاة التجارة فعندنا تجب فطرة عبيد التجارة مع اخراج الزكاة عن قيمتهم وبه قال مالك خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال لا تجب الفطرة به * لنا انهما حقان يجبان لسببين مختلفين فلا يتداخلان كالجزاء مع القيمة في الصيد المملوك ولو كان مال التجارة نصابا من السائمة فلا تجب فيه زكاة العين والتجارة جميعا وفيما تقدم منهما قولان (الجديد) وبه قال مالك انه تقدم زكاة العين لانها أقوى من جهة انها متفق عليها وفى زكاة التجارة نزاع لبعض أهل الظاهر وقد حكينا فيها عن القديم شيئا ضعيفا أيضا (والقديم) وبه قال أبو حنيفة واحمد رحمهما الله أنه تقدم زكاة التجارة لانها أنفع للمساكين من حيث أنها تعم وتشمل أصناف الاموال وتزيد بزيادة القيمة وذكر القفال في شرح التلخيص أن له في القديم قولين (أحدهما) كالجديد (والثاني) تغليب زكاة التجارة ورأيت لابن الصباغ من العراقيين رواية مثل ذلك (فان قلنا) بالاصح وهو تقديم زكاة العين أخرج السن الواجبة من السائمة والسخال تضم إلى الامهات وان قدمنا زكاة التجارة فقد قال في التهذيب تقوم مع درها ونسلها وصوفها وما اتخد من لبنها وهذا جواب في النتاج علي انه مال تجارة وقد أسلفنا فيه خلافا ولا عبرة بنقصان النصاب في أثناء الحول تفريعا على الصحيح في وقت اعتبار نصاب التجارة ولو اشترى نصابا من السائمة للتجارة ثم اشترى بها عرضا بعد ستة أشهر مثلا فعلي القول الثاني لا ينقطع الحول وعلي الاول ينقطع ويبتدئ حول زكاة التجارة من يوم شراء العرض ثم القولان فيما إذا كمل نصاب الزكاتين واتفق الحولان أما إذا لم يكمل نصاب أحداهما كما إذا كان مال تجارته أربعين من الغنم السائمة ولم تبلغ قيمتها نصابا عند تمام الحول أو تسعا وثلاثين فما دونها وبلغت قيمتها نصابا فعليه زكاة التى كمل نصابها دون الاخرى قولا واحدا هكذا ذكر العراقيون والقفال والجمهور وما في الكتاب يقتضى اثبات الخلاف فيه فانه قال فان غلبنا زكاة ولم يكن المال نصابا باعتباره عدلنا الي الزكاة الاخرى في أظهر الوجهين وكلام الامام يوافق ما ذكره فانه روى وجهين في وجوب زكاة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 81 العين إذا رأينا تقديم زكاة التجارة وكان مال تجارته أربعين من الغنم ولم يبلغ قيمتها نصابا في آخر الحول وعلي عكسه كما لو رأينا تقديم زكاة العين وقد اشترى أربعين فنقص العدد وقيمة الباقي نصاب من النقد روى وجهين في وجوب زكاة التجارة وساعدهما صاحب التهذيب في حكاية الخلاف في الصورة الاولي دون الثانية سواء ثبت الخلاف أم لا فالجواب في المسألة العدول الي الزكاة الاخرى لانقطاع زحمة الاولي وإذا غلبنا زكاة العين في نصاب السائمة وانتقصت في خلال السنة عن النصاب ونقلتاه الي زكاة التجارة فهل يبنى حول زكاة التجارة علي حول زكاة العين أم يستأنف لها حولا فيه وجهان حكاهما القفال في الشرح قال وهما كالوجهين فيما لو ملك نصابا من السائمة لا للتجارة واشترى به سلعة للتجارة هل يبني حول السلعة علي حول الماشية وإذا أوجبنا زكاة التجارة لنقصان الماشية المشتراة للتجارة عن قدر النصاب ثم بلغت بالنتاج في أثناء الحول نصابا ولم تبلغ بالقيمة نصابا في آخر الحول فقد حكي صاحب التهذيب عن بعض الاصحاب أنه لا زكاة عليه لان الحول انعقد علي زكاة التجارة فلا يتبدل وعن بعضهم انه ينتقل الي زكاة العين فعلي هذا يعتبر الحول من تمام النصاب بالنتاج أو من وقت نقصان القيمة عن النصاب فيه وجهان وأما إذا كمل نصاب الزكاتين ولم يتفق الحولان وهذا في السوائم انما يكون بسبق حول زكاة التجارة بأن يشترى بمتاع تجارته بعد ستة أشهر نصابا من السائمة أو يشترى معلوفة للتجارة ثم يسيمها بعد ستة أشهر ولا يتصور سبق حول زكاة العين فيها لان حولها ينقطع بالمبادلة فإذا تصور ذلك ففيه طريقان (اظهرهما) وبه قال القاضى أبو حامد أنه علي القولين في أنه يقدم هذه الزكاة أم هذه الزكاة (والثانى) وبه قال أبو إسحق واختاره القاضي أبو الطيب ان القولين مخصوصان بما إذا اتفق الحولان وذلك بأن يشترى بعروض القنية نصابا من السائمة للتجارة فاما إذا لم يتفقا فلا جريان للقولين وعلي هذا فما الحكم نقل الامام رضي الله عنه في طريقين (احدهما) ان المتأخر يرفع المتقدم ويتجرد قولا واحدا (والثانى) ان المتقدم يرفع المتأخر وعليه زكاة التجارة في الصورة المفروضة قولا واحدا لان التي تم حولها خالية عن زحمة الغير فتجب وهذا هو الاشهر الذى نقله فقول المعظم تفريعا على طريقة ابي اسحق وإذا طردنا القولين فيما إذا تقدم حول التجارة فان غلبنا زكاة التجارة فلا كلام وان غلبنا زكاة العين فوجهان (أحدهما) انها تجب عند تمام حولها وما سبق من حول التجارة علي حول زكاة العين يتعطل (واظهرهما) أنه يجب عليه زكاة التجارة عند تمام حولها كيلا يحبط بعض حولها ثم يستفتح حول زكاة العين من منقرض الجزء: 6 ¦ الصفحة: 82 حولها وتجب هي في سائر الاحوال وقوله وقلنا المغلب زكاة العين جواب علي طريقة طرد القولين مع اختلاف الحولين ولك ان تعلمة بالواو وتشير به الي الطريقة الثانية للخلاف هذا تمام القول فيما إذا كان مال التجارة نصابا من السائمة * قال (ولو اشترى حديقة للتجارة فاثمرت وقلنا الثمرة مال التجارة أو اشترى الثمار قبل الصلاح فبدا الصلاح في يده وغلبنا زكاة العين فالعشر المخرج لا يمنع من انعقاد حول التجارة على الثمار بعد القطاف وهل تسقط زكاة التجارة عن الاشجار والاراضي فيه ثلاثة أوجه منشؤها التردد في التبعية (وفى الثالث) يتبع الشجرة دون الارض ولو اشترى أرضا للتجارة وزرعها ببذر القنية فحق الزرع العشر ولا تسقط زكاة التجارة عن الارض لان التجارة لم توجد في متعلق العشر حتى يستتبع غيره) * الفصل ينظم صورتين (أحداها) لو اشترى حديقة أو نخيلا للتجارة فأثمرت أو أرضا مزروعة للتجارة فأدرك الزرع وبلغ الحاصل نصابا فالقولان في أن الواجب زكاة العين أو زكاة التجارة مطردان فان لم يكمل أحد النصابين أو كملا ولم يتفق الحولان استمر التفصيل الذى سبق وههنا كما يتصور سبق حول التجارة يتصور سبق زكاة العين بان يبدو الصلاح في الثمار قبل تمام حول التجارة ثم هذا الذى ذكرناه فيما إذا كانت الثمرة حاصلة عند الشراء وبدو الصلاح في يده اما إذا طلعت بعد الشراء فيزداد هذا النظر الي شئ آخر وهو ان الثمرة الحادثة من أشجار التجارة هل تكون مال التجارة وفيه وجهان اسلفنا ذكرهما (فان قلنا) نعم فهي كما لو كانت حاصلة عند الشرى وتنزل منزلة زيادة متصلة أو ارباح متجددة في قيمة العروض ولا ينزل منزلة ربح ينض حتي يكون حولها على الخلاف الذى سبق فيه (وان قلنا) انها ليست مال تجارة فقضيته وجوب زكاة العين فيها بلا خلاف وتخصيص زكاة التجارة بالارض والاشجار (التفريع) ان غلبنا زكاة العين اخرج العشر أو نصف العشر من الثمار أو الزروع وهل تسقط به زكاة التجارة عن قيمة جذع النخيل وتبن الزرع فيه وجهان (احدهما) نعم الان المقصود الثمار والزروع وقد اخذنا زكاتها (واظهرهما) لا لانه ليس فيها زكاة العين فلا تسقط عنها زكاة التجارة ويحكى الوجه الثاني عن ابن سريج وابي اسحق وفى ارض الحديقة وارض الزرع طريقان (احدهما) ان في زكاة التجارة في قيمتها وجهين كما في الجذع والتبن (والثانى القطع بالوجوب والفرق بعد الاراضي عن التبعية فان الثمار والحبوب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 83 خارجة عن عين الشجرة والتبن وهما خارجتان مما اودع في الارض لا من نفس الارض قال الامام وينبغي ان يعتبر ذلك بما يدخل من الاراضي المتخللة بين النخيل في المساقاة وما لا يدخل فما لا يدخل تجب فيه زكاة التجارة قطعا وما يدخل فهو علي الخلاف والله اعلم فان اوجبنا زكاة التجارة في هذه الاشياء فلم تبلغ قيمتها نصابا فهل تضم قيمة الثمرة والحب إليها لتكميل النصاب نقلوا فيه وجهين وعلي هذا القول لا يسقط اعتبار التجارة في المستقبل بالكلية بل تجب زكاة التجارة في الاحول الاتية ويكون افتتاح حول التجارة من وقت اخراج العشر لا من وقت بدو الصلاح وان كان ذلك وقت الوجوب لان عليه بعد بدو الصلاح تربية الثمار للمساكين فلا يجوز ان يكون زمان التربية محسوبا عليه ذكره في النهاية وان غلبنا زكاة التجارة قومت الثمرة والجذع وفى الزرع الحب والتبن وتقوم الارض ايضا في صورة الحديقة وفيما إذا اشترى الارض مزروعة للتجارة ولا فرق بين ان يشتريها مزروعة للتجارة وبين ان يشترى ارضا للتجارة وبذارا للتجارة ويزرعها به في جميع ما ذكرنا ولو اشترى الثمار وحدها وبدا الصلاح في يده جرى القولان في انه يخرج العشر ام زكاة التجارة (والثانية) لو اشترى أرضا للتجارة وزرعها ببذر للقنية فعليه العشر في الزرع وزكاة التجارة في الارض بلا خلاف ولا تسقط زكاة التجارة عن الارض باداء العشر قولا واحدا لان التجارة لم توجد في متعلق العشر حتي يستتبع غيره (وأما) لفظ الكتاب (فقوله) في صورة شرى الحديقة وقلنا الثمرة مال تجارة أشار به الي الوجهين في أن ثمار أشجار التجارة هل تكون مال تجارة وانما يقطع النظر اليهما إذا حدثت الثمار بعد الشرى علي ما بيناه (وقوله) أو اشترى الثمار هو صورة شرى الثمار وحدها وانما يعتبر بدو الصلاح في يده لانه وقت وجوب العشر وبتقدير تقدمه على الشرى فالواجب زكاة التجارة قولا واحدا (وقوله) فالعشر المخرج لا يمنع من انعقاد حول التجارة علي الثمار بعد القطاف معناه ما ذكرناه انه لا يسقط علي قول تقديم زكاة العين اعتبار التجارة في الاحوال المستقبلة وقوله وهل تسقط زكاة التجارة عن الاشجار والارض يرجع الي صورة الحديقة دون الصورة وهو شرى مجرد الثمار (وقوله) فيه ثلاثة أوجه يجوز أن يعلم بالواو لان اثبات الوجوه الثلاثة انما ينتظم علي قول من اثبت الخلاف في الاراضي وقد نقلنا طريقة قاطعة بأنها لا تتبع * قال (فصل إذا قلنا ان العامل لا يملك الربح بالظهور وجب زكاة الجميع (و) علي المالك وان قلنا يملك وجب علي العامل في حصته بحول الاصل علي وجه لانه ربح وبحول مستفتح من وقت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 84 الظهور علي وجه لانه في حقه أصل وفيه وجه انه لا زكاة عليه لانه لا يستقل بالتصرف فاشبه المغصوب ثم ان قلنا يجب فهل تستبد باخراجه فيه خلاف يلتفت علي أن الزكاة كالمؤن أو كاسترداد طائفة من المال وعليه ينبني أن ما يخرجه المالك من الزكاة يحتسب من الربح أو من رأس المال) * بناء الفصل علي أن عامل القراض هل يملك القدر المشروط له من الربح بمجرد الظهور أولا يملك الا بالقسمة وفيه قولان (أصحهما) الثاني وسيأتي شرحهما في كتاب القراض إذا عرفت ذلك فالرجل إذا دفع الي غيره نقدا قراضا وحال الحول وفيه ربح فلا يخلوا ما أن لا يكون واحد منهما من أهل وجوب الزكاة كالذمي والمكاتب أو يكونا جميعا من أهله أو يكون أحدهما من أهله دون الثاني (اما) الحالة الاولي فلا يخفى حكمها (وأما) الثانية فكلام الكتاب مقصور عليها (فان قلنا) العامل لا يملك الربح بالظهور فزكاة رأس المال والربح كله على المالك لان الكل ملكه هكذا قاله الجمهور ورأى الامام تخريج الوجوب في نصيب العامل علي الخلاف في المغصوب والمجحود والاملاك الضعيفة لتأكد حق العامل في حصته وتعذر ابطاله علي المالك وحول الربح مبنى علي حول الاصل الا إذا رد الي النصوص ففيه الخلاف الذى تقدم ثم أن أخرج الزكاة من مال آخر فذاك وان اخرج من هذا المال ففى حكم المخرج وجهان (أحدهما) أنه محسوب من الربح كالمؤن التي تلزم المال من أجرة الدلال والكيال وكما ان فطرة عبيد التجارة تحسب من الربح وكذا ارش جنايتهم وهذا أظهر عند الكثيرين ويحكى عن نصه في الام (والثانى) أنه كطائفة من المال يستردها المالك لانه مصروف الي حق لزمه فعلى هذا يكون المخرج من رأس المال والربح جميعا علي قضية التقسط (مثاله) رأس المال مائة والربح خمسون يكون ثلثا المخرج من رأس المال وثلثه من الربح قال في التهذيب والوجهان مبنيان على أن الزكاة تتعلق بالعين أو بالذمة ان قلنا بالاول فهو كالمؤن والا فكاسترداد طائفة من المال وروى الامام هذا البناء عن بعضهم لكن مع ترتيب ان قلنا بتعلقها بالعين فهو كالمؤن بلا خلاف والا ففيه الخلاف ثم انه لم يرتض هذا البناء ولم يستبعد طرد الوجهين تعلقت الزكاة بالعين أو بالذمة وفى المسألة وجه ثالث أن المخرج من رأس المال خاصة لان الواجب لزمه خاصه وهذا اظهر عند القاضي الروياني وقوم رحمهم الله وان قلنا العامل يملك الربح بالظهور فعلى المالك زكاة رأس المال ونصيبه من الربح وهل علي العامل زكاة نصيبه فيه طرق (احدها) ويحكى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 85 عن صاحب التقريب انه على القولين في المغصوب ونظائره لانه لا يتمكن من التصرف على حسب مشيئته (والثاني) القطع بالوجوب لانه متمكن من التوصل إليه متى شاء بالاستقسام فاشبه الدين الحال علي الملئ (والثالث) ويحكى عن القفال القطع بالمنع لان ملكه غير مستقر من حيث انه وقاية لرأس المال عن الخسران فصار كملك المكاتب فان اوجبنا وهو الظاهر سواء اثبتنا الخلاف ام لا فالكلام في امور (أحدها) حول حصته من الربح هل هو حول رأس المال فيه وجهان (احدهما) نعم كحصة المالك منه لانهما جميعا مستفيدان للربح من رأس مال (واصحهما) لا لانه في حقه اصل واقع في مقابلة عمله ولا عهد بضم ملك الغير الي الغير في الحول وعلى هذا فمن متي يبتدأ الحول فيه ثلاثة اوجه (اصحها) وهو نصه في المختصر انه من يوم الظهور لثبوت ملكه من يومثذ (والثانى) من يوم يقوم المال علي المالك لاخذ الزكاة (والثالث) من يوم القسمة لان ملكه حينئذ يستقر (الثاني) إذا تم حوله ونصيبه لا يبلغ نصابا ومجموع المال نصاب فان اثبتنا الخلطة في النقدين فعليه الزكاة والا فلا الا أن يكون له من جنسه ما يتم به النصاب وهذا إذا لم نجعل ابتداء الحول من يوم المقاسمة فان حسبناه من المقاسمة سقط النظر الي قولي الخلطة (الثالث) لا يلزمه اخراج الزكاة قبل القسمة لانه لا يعلم سلامة نصيبه له الا إذا تقاسمها وحينئذ يزكيه لما مضي كالدين إذا استوفاه هذا هو الاظهر ونفى ابن عبدان الخلاف فيه وفيه وجه آخر انه يجب الاخراج في الحال لتمكنه من الاستقسام فاشبه الوديعة عند الغير ويحكى هذا عن صاحب التقريب (والرابع) ان اخرج الزكاة من موضع آخر فذاك وان أراد اخراجها من مال القراض فهل يستبد به أم للمالك منعه فيه وجهان (أظهرهما) أنه يستبد وذكر الرويانى أنه المنصوص (والثانى) ولم يرد الصيد لانى غيره انه لا يستبد وللمالك منعه لان الربح وقاية لرأس المال عن الخسران فله أن يمنعه من التصرف فيه حتى يسلم إليه رأس المال قال الامام ويمكن تخريجها على ما ذكرنا من أن الزكاة مؤنة أو استرداد طائفة (ان قلنا) بالاول فله اخراجها منه استبداد (وان قلنا) بالثاني فلا ولك تقول انما أن يحسن أخذ الوجهين من هذا المأخذ إذا اثبتنا الخلاف في كون الزكاة مؤنة أو استرداد طائفة على الاطلاق لكن أومأ الصيدلاني الي تخصيص ذلك الخلاف بزكاة مؤنة أو استرداد طائفة على الاطلاق لكن أومأ الصيدلاني الي تخصيص ذلك الخلاف بزكاة جميع المال إذا أخرجها المالك تفريعا علي القول الاول فاما ما يخرجه من المال لزكاة رأس المال من نصيبه من الربح فهو كاسترداد طائفة ولا يتجه فيه الوجهان لان العامل قد اختص بالتزام ما يخصه فكيف يحسب من الربح ما يخص المالك وقد صرح الامام بهذا الذى أومأ إليه الشيخ الصيدلانى فكان من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 86 حقه أن يقول باخذ الوجهين من المأخذ المذكور أولا يقول بتخصيص الوجهين بالقول الاول والله أعلم (الحالة الثالثة) أن يكون أحدهما من أهل وجوب الزكاة دون الاخر فان كان الذى هو من أهل الوجوب منهما المالك وفرعنا على أن الكل له ما لم يقسم فعليه زكاة الكل وان فرعنا علي القول الآخر فعليه زكاة رأس المال ونصيبه من الربح ولا شئ علي العامل ولا يكمل بمال المالك ان لم يبلغ نصابا بنصيب العامل وان كان العامل من أهل الوجوب دون المالك (فان قلنا) كل المال للمالك قبل القسمة فلا زكاة وان قلنا للعامل حصته من الربح ففى الزكاة عليه الخلاف الذى سبق في الحالة الاولى فان أوجبنا الزكاة فذلك أذا بلغت حصته نصابا أو كان له ما يتم به النصاب وتثبت الخلطة ههنا بلا خلاف ولا تجئ في اعتبار ابتداء الحول ههنا الا الوجه الاول والثالث ويسقط الثاني لانه لا تقويم على من لا زكاة عليه وليس له اخراج الزكاة من عين المال ههنا بلا خلاف لان المالك لم يدخل في العقد علي أن يخرج من المال الزكاة هكذا ذكروه ولمانع أن يمنع ذلك لانه عامل من عليه الزكاة وعد بعد هذا الي لفظ الكتاب واعلم قوله لا يملك الربح بالظهور بالحاء لان مذهب أبي حنيفة رحمه الله مثل القول الثاني وقوله وجب زكاة الجميع على المالك بالواو لما حكيناه عن الامام قدس الله روحه وقوله بعد ذلك يملك بالزاى لان مذهب المزني رحمه الله مثل القول الاول ولا يخفى عليك ان قوله لا يملك الربح بالظهور أراد به حصته من الربح ففيه الخلاف ولك أن تعلم قوله من وقت الظهور بالواو اشارة الي وجهين ذكرناهما في ابتداء الحول فانهما لا يعتبران وقت الظهور وان ساعد هذا الوجه علي اعتبار حول مستفتح وقوله وفيه وجه أنه لا زكاة عليه هو مقابل لقوله أولا وجب علي العامل في حصته ثم الحكم المذكور في هذا الوجه ليس له تعرض للخلاف لكن التعليل والتشبيه بالمغصوب يبين انه قصد به حكاية طريقة القولين فكأنه قال وفيه وجه أنه لا زكاة عليه علي أحد القولين وقد تسمي طرق الاصحاب وجوها (وقوله) يلتفت إلى أن الزكاة كالمؤن إلى آخره اتباع منه للمأخذ الذى ذكره الامام وقوله وعليه ينبنى انما يخرجه المالك من الزكاة الي آخره يقتضى اطلاقه اثبات الخلاف فيما يخرجه المالك علي القولين لكن ما نقلنا عن الصيدلاني والامام ينازع فيه وتخصيص الخلاف بالقول الاول وقوله أو من رأس المال لم يعن به الاحتساب من رأس المال فحسب وان نقلها من قبل وجها أنه كذلك يحتسب وانما أراد من رأس المال والربح جميعا لانه بني هذا الخلاف في أنها كالمؤن أو كاسترداد طائفة من المال واسترداد طائفة من المال يتوزع علي رأس المال والربح ولا يختص برأس المال * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 87 قال (النوع الخامس زكاة المعادن والركاز وفيه فصلان (الاول) في المعادن فكل حر مسلم نال نصابا من النقدين (ح و) من المعادن فعليه ربع العشر في قول والخمس في قول تشبيها بالركاز وفى قول ثالث يلزمه الخمس ان كان ما ناله كثيرا بالاضافة الي عمله وان لم يكثر فربع العشر وفيه قول ان النصاب لا يعتبر (م) والصحيح ان الحول لا يعتبر) * من أنواع الزكاة ما يخرج من الاموال الكامنة في الارض إذا نالها الانسان وعده في أنواع الزكاة يتفرع علي المذهب في أن مصرفه مصرف سائر الزكوات وفيه وجه يأتي في موضعه ان مصرفه مصرف الفئ فعلي ذلك الوجه لا يتضح عده من الزكوات ثم الاموال الكامنة في الارض اما مخلوقة فيها وهى المعدن والفصل الاول معقود له واما مدفونة فيها وهي الركاز والفصل الثاني معقود له والاصل في زكاة المعدن بعد الاجماع قوله تعالى (وانفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الارض) ومما أخرج لنا من الارض المعادن وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم (أقطع بلال ابن الحرث المزني المعادن القبلية وأخذ منها الزكاة) وفقه الفصل الذى أخذنا في شرحه مسائل (أحداها) لا زكاة في المستخرج من المعادن الا في الذهب والفضة خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث أوجب في كل جوهر ينطبع ويصبر علي المطرقة كالحديد والنحاس دون ما لا ينطبع كالكحل والفيروزج والياقوت ولاحمد حيث قال يجب في كل مستفاد من المعدن منطبعا كان أو غير منطبع وحكي الشيخ ابو علي في شرح التلخيص وجها مثله عن بعض الاصحاب * لنا مع أبى حنيفة القياس علي غير المنطبعات ومع احمد على الطين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 88 الاحمر وأيضا فقد روى انه صلى الله عليه وسلم قال (لا زكاة في حجر) (الثانية) في واجب النقدين المستخرجين من المعدن ثلاثة أقوال (أصحها) ان الواجب فيها ربع العشر وبه قال احمد لمطلق قوله صلي الله عليه وسلم (في الرقة ربع العشر) وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال (في الركاز الخمس وفي المعدن الصدقة) (والثاني) وبه قال أبو حنيفة ويحكى عن المزني أيضا أن الواجب الخمس لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (وفى الركاز الخمس قيل يا رسول الله وما الركاز قال هو الذهب والفضة المخلوقان في الارض يوم خلق الله السموات والارض) (والثالث) أن ما ناله من غير تعب ومؤنة فيه الخمس وما ناله بالتعب والمؤنة ففيه ربع العشر جمعا بين الاخبار وأيضا فان الواجب يزداد بقلة المؤنة وينقص بكثرتها ألا ترى أن الامر كذلك في المسقى بماء السماء والمسقى بالنضح وعن مالك روايتان (أحداهما) كالقول الاول (وأشهرهما) كالثالث ثم الذي اعتمده الاكثرون في ضبط   كذا بالاصل فحرر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 89 الفرق علي هذا القول النظر إلى الحاجة إلي الطحن والمعالجة بالنار والاستغناء عنهما فما يحتاج إلي الطحن والمعالجة ففيه ربع العشر وما يستغني عنهما ويؤخذ مجموعا خالصا ففيه الخمس ولم ينظروا إلي قلة الموجود وكثرته وحكى الامام مع هذا طريقه أخرى وهى عد الاحتفار من جملة العمل المعتبر والنظر إلي نسبة النيل إلى العمل أي عمل كان من الحفر والطحن وغيرهما فان عد كثيرا بالاضافة الي العمل أو مقتصدا ففيه ربع العشر وان عد كثيرا ففيه الخمس وأوضحهما بالتصوير فقال: لو استفاد الي قريب من آخر النهار دينارا وبعمل قليل في بقية النهار دينارا ففى الاول ربع العشر وفى الثاني الخمس ولو عمل طول اليوم ولم يجد شيئا ثم وجد في آخر النهار دينارين وكان المعتاد المقتصد في اليوم دينارا فينبغي ان يحط دينارا فنوجب فيه ربع العشر وفى الزيادة الخمس ويحتمل أن يقال فيهما الخمس والزمان الاول قد حبط والاحتمال الاول هو الذى أورده المصنف في الوسيط واستحسن القفال الا يطلق في المسألة ثلاثة أقوال بل يرتب فيقال ما استخرج بتعب ومؤنة فواجبه الخمس أو ربع العشر فيه قولان (ان قلنا) بالثاني ففيما وجد من غير تعب أولي (وان قلنا) بالاول ففيه قولان والفرق ما قد تبين (الثالثة) يتفرع علي الخلاف في قدر الواجب اعتبار الجزء: 6 ¦ الصفحة: 90 النصاب والحول فان أوجبنا ربع العشر فلابد من النصاب كالنقدين من غير المعادن وفى الحول قولان (أصحهما) أنه لا يشترط بل تجب الزكاة في الحال كالثمار والزروع وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله وهو المنصوص عليه في أكثر كتب الشافعي رضي الله عنه قديمها وحديثها (والثانى) أنه يشترط ولا يجب شئ حتي يتم عليه الحول كما في النقدين من غير المعادن وهذا القول ينقل عن مختصر البويطي ايماء ورواه المزني في المختصر عمن يثق به عن الشافعي رضى الله عنه واختاره وذكر بعض الجزء: 6 ¦ الصفحة: 91 الشارحين أن أخته روت له ذلك عن الشافعي رضي الله عنه فلم يحب تسميتها وان أوجبنا الخمس فلا يعتبر الحول وفى النصاب قولان (أحدهما) لا يعتبر وبه قال أبو حنيفة رحمه الله لانه مال يجب تخميسه فلا يعتبر فيه نصاب كالفئ والغنيمة (والثاني) يعتبر لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (ليس عليكم في الذهب شئ حتى يبلغ عشرين مثقالا) وكيفما كان فالظاهر من المذهب اعتبار النصاب وعدم اعتبار الحول والمعنى فيه ان النصاب انما اعتبر ليبلغ المال مبلغا يحتمل المواساة والحول انما اعتبر ليتمكن من تنمية المال وتثميره والمستخرج من المعدن نماء في نفسه ولهذا اعتبرنا النصاب في الثمار والزروع ولم نعتبر الحول والله اعلم (وقوله) في الكتاب كل حر مسلم التعرض للحرية والاسلام كالمفروغ عنه ههنا لانا عرفنا اعتبار الصفتين في المالك في جميع الزكوات والاكتفاء بهما للوجوب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 92 بما ذكره في أركان الوجوب وان كان في ترتيب الكتاب اضطراب على ما بينه في أول كتاب الزكاة ويجئ مثل هذا الكلام في قوله في أول زكاة المعشرات إذا كان مالكه حرا مسلما ومن قوله النقدين قصد به الاحتراز عن المستخرج من المعادن مما سوى النقدين فليكن معلما بالحاء والالف والواو لما سبق (وقوله) ربع العشر معلم بالحاء والزاى (وقوله) الخمس بالالف والميم لما سبق (وقوله) وفيه قول أن النصاب لا يعتبر ينبغى أن يعلم كلمة لا يعتبر بالميم والالف لانهما يعتبران النصاب كما هو الاصح عندنا (وقوله) والصحيح أن الحول لا يعتبر يجوز أن يعلم بالواو لانه إثبات للخلاف فيه كما نقلناه لكن ابن عبدان حكى طريقة قاطعة بعدم الاعتبار ولم يثبت ما رواه المزني لارساله ولو اعلمت قوله لا يعتبر بالزاى لما ذكرنا من اختيار المزني جاز * قال (ثم علي اعتبار النصاب ما يجد شيئا فشيئا يضم بعضه الي بعض كما يتلاحق من الثمار ولكن الجامع ههنا اتصال العمل فان أعرض لاصلاح آلة لم ينقطع وان كان للانتقال إلي حرفة أخرى انقطع وإن كان لمرض أو سفر فوجهان وكذلك يكمل النيل (و) بما يملكه من النقدين لا من جهة المعادن وبما يملكه من أموال التجارة حتي تجب الزكاة في قدر النيل بحسابه وان لم تجب فيما كمل به لعدم الحول فيه فان زكاة المعدن والنقدين والتجارة متشابهة في اتحاد المتعلق فيكمل بعضها بالبعض) * مضمون الفصل مسألتان مفرعتان علي اشتراط النصاب (إحداهما) ليس من الشرط أن ينال في الدفعة الواحدة نصابا بل ما ناله بدفعات يضم بعضها إلي بعض في الجملة لان المستخرج من المعدن هكذا ينال غالبا فأشبه تلاحق الثمار لكن الضابط في ضم الثمار بعضها إلى بعض كونها ثمار سنة واحدة وههنا ينظر الي العمل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 93 والنيل وان تتابع العمل وتواصل النيل ثبت الضم قال في التهذيب ولا يشترط بقاء ما استخرج في ملكه وان تتابع العمل ولكن لم يتواصل النيل بل حفد المعدن زمانا ثم عاد النيل فان كان زمان الانقطاع يسيرا لم يقدح في الضم وان طال فقد قال في النهاية في الضم وجهان وقال الجمهور فيه قولان (الجديد) الضم لان المعدن كثيرا ما يعرض له ذلك فلو لم يضم بطل زكاة المعدن في كثير من الاحوال (والقديم) وبه قال مالك انه لا يضم كما لو قطع العمل وكحملي سنتين وأن قطع العمل مع تواصل النيل ثم عاد إليه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 94 نظر إن كان القطع بغير عذر عارض فلا ضم طال الزمن أو قصر لانه أعرض عن هذا النوع من الاكتساب واشتغل بحرفة أخرى فما يناله بعد العود شئ جديد وان قطع لعذر فالضم ثابت ان قصر الزمان وان طال فكذلك عند الاكثرين لانه عاكف علي العمل متي ارتفع العذر وحكي الصيدلاني وغيره وجها أنه لا ضم عند طول الزمان وفى حد الطول وجهان نقلهما القاضى الروياني (احدهما) انه ثلاثة أيام (والثاني) يوم كامل لان العادة العمل كل يوم وترك نوبة كاملة فصل طويل والاصح فيه وفى نظائره تحكيم العرف ثم اصلاح الآلات وهرب العبيد والاجراء من الاعذار بلا خلاف وفى المرض والسفر وجهان مرويان في النهاية (أحدهما) انهما يمنعان الضم بحصول صورة الانقطاع مع أنهما قديمتدان (واصحهما) انهما لا يمنعان كسائر الاعذار وهذا ما نص عليه في المرض ولم يذكر الاكثرون غيره وينبغي أن يكون السفر مرتبا علي المرض ومتى حكمنا بعدم الضم فذلك علي معنى أن الاول لا يضم إلى الثاني في وجوب حق المعدن فاما الثاني فيكمل بالاول كما يكمل بما يملكه لا من جهة المعادن علي ما سيأتي بيانه (وقوله) في الكتاب ولكن الجامع ههنا اتصال العمل قصر للنظر علي العمل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 95 واعراض عن تواصل النيل وانما يستمر ذلك جوابا علي الجديد وهو ان انقطاع النيل لا أثر له مع اتصال العمل فيجوز أن يعلم بالميم والواو اشارة إلى القديم ومذهب مالك (المسألة الثانية) إذا نال من المعدن ما دون النصاب وهو يملك من جنسه نصابا أو زائدا عليه فاما أن يناله في آخر جزء من حول ما عنده أو بعد تمام حوله أو قبله فاما في الحالتين الاوليين فيصير النيل مضموما الي ما عنده وعليه في ذلك النقد حقه وفيما ناله حقه علي اختلاف الاحوال فيه لانهما من جنس واحد والوجوب ثابت فيهما جميعا وأما إذا ناله قبل تمام الحول فلا شئ فيما عنده حتي يتم حوله وفى وجوب حق المعدن فيما ناله وجهان (أصحهما) وبه أجاب ابن الحداد واختاره القاضي ابو الطيب وهو ظاهر نصه في الام انه يجب لان زكاة النقدين لا من جهة المعادن مع زكاتهما من جهة المعادن متشابهتان في اتحاد المتعلق على ما سبق ذكر نظيره في زكاة التجارة (والثاني) وبه قال الشيخ ابو حامد أنه لا يجب لانه لا زكاة فيما عنده حتى يصلح لاستتباع غيره فعلي هذا فيما عنده ربع العشر عند تمام حوله وفيما ناله ربع العشر عند تمام حوله وان كان يملك من جنسه دون النصاب كما لو كان يملك مائة درهم فنال من المعدن مائة نظر إن نال بعد تمام حول علي ما عنده ففي وجوب حق المعدن فيما ناله الوجهان لانه لا زكاة فيما عنده الجزء: 6 ¦ الصفحة: 96 لنقصانه عن النصاب فعلى الاول يجب فيما عنده ربع العشر إذا مضي حول من يوم كمل النصاب بالنيل وعلي الثاني لا يجب شئ حتي يمضي حول من يوم النيل فيجب في الجميع ربع العشر وعن صاحب الافصاح وجه أنه يجب فيما ناله حقه وفيما كان عنده ربع العشر في الحال لانه كمل بالنيل والحول قد مضى عليه والنيل بمثابة ما حال عليه الحول من الاموال وان ناله قبل ان يمضى حول علي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 97 المائة فلا مساغ لوجه صاحب الافصاح ويجرى الوجهان الاولان وهذا التفصيل مذكور في بعض طرق العراقيين وقد نقل معظمه الشيخ ابو على ورأيت الامام نسبه إلى السهو فيه وقال إذا كان ما ملكه دون النصاب فلا ينعقد عليه حول حتى يفرض له وسط آخر أو يحكم بوجوب الزكاة فيه يوم النيل ولا شك في بعد القول بوجوب الزكاة فيه يوم النيل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 98 لان الشيخ لم يتفرد بهذا النقل ولا صار إليه حتي يعترض عليه وانما نقله متعجبا منه منكرا ولو كان ما عنده مال تجارة انتظمت فيه الاحوال الثلاث وان كان دون النصاب فلا اشكال لان الحول ينعقد عليه ولا يعتبر النصاب الا في آخر الحول على الصحيح فان نال من المعدن في آخر حول التجارة ففيه حق المعدن وفى مال التجارة زكاة التجارة ان كان قدر النصاب وكذلك ان كان دونه واكتفينا بالنصاب في آخر الحول وان نال قبل تمام الحول ففى وجوب حق المعدن الوجهان السابقان وإن نال بعد تمام الحول نظر ان كان مال التجارة نصابا في آخر الحول ففى النيل حق المعدن لا نضمامه الي ما وجب فيه الزكاة وان لم يكن نصابا ونال بعد ما مضى شهر من الحول الثاني مثلا يبنى ذلك على الخلاف في ان سلعة التجارة إذا قومت في آخر الحول ولم تبلغ نصابا ثم ارتفعت القيمة بعد شهر هل يجب فيها الزكاة أم ترتقب آخر الحول الثاني (ان قلنا) بالاول فتجب زكاة التجارة في مال التجارة وحينئذ يجب حق المعدن في النيل بلا خلاف (وإن قلنا) بالثاني ففى وجوب حق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 99 المعدن الوجهان (واعلم) أن جميع ما ذكرناه مفرع علي الصحيح في أن الحول ليس بشرط في زكاة المعدن فان شرطناه انعقد الحول عليه من يوم وجده وقوله في الكتاب حتى تجب الزكاة في قدر النيل معلم بالواو للوجه المنسوب إلى الشيخ أبى حامد وشهره الامام برواية الشيخ أبي على (وقوله) لعدم الحول فيه تمثيل وفى معناه ما إذا كان الذى عنده دون النصاب فانه لا تجب فيه الزكاة الا علي ما حكى عن صاحب الافصاح (وقوله) قبل ذلك بما يملكه من النقدين لا من جهة المعادن ثم الحكم غير مخصوص بما إذا كان يملكه لا من جهة المعادن بل لو نال من المعدن ما دون النصاب وحدث ما يمنع الضم ثم نال قدرا آخر يبلغ مع الاول نصابا كان حكمه حكم مالو كان الاول لا من جهة المعادن فيجب في الآخر حق المعدن علي الاصح ولا يجب في الاول لكن ينعقد الحول عليه من يوم تم النصاب للمستقبل إلا أن ينقص المبلغ عن النصاب باخراج حق المعدن والله أعلم * قال (وللمسلم أن يزعج الذمي من معادن دار الاسلام ولكن ما ناله قبل الازعاج يملكه ولا زكاة عليه الا إذا قلنا على وجه بعيدان مصرفه الفئ علي قولنا واجبه الخمس فإذ ذاك يؤخذ من الذمي) * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 100 الذمي لا يمكن من احتفار معادن دار الاسلام والاخذ منها كما لا يمكن من الاحياء في دار الاسلام لان الدار للمسلمين وهو دخيل فيها لكن ما أخذه قبل الازعاج يملكه كما لو استولى علي الحطب والحشيش وهل عليه حق المعدن ينبي علي ان مصرف حق المعدن ماذا ولاشك أن مصرفه مصرف الزكاة ان اوجبنا فيه ربع العشر وان اوجبنا فيه الخمس فطريقان حكاهما الشيخ ابو علي وغيره (احدهما) ان في مصرفه قولين (احدهما) مصرفه مصرف خمس الفئ والغنيمة لانه مال مخمس مثلهما وبهذا قال ابو حنيفة (واصحهما) ان مصرفه مصرف الزكوات لانه حق وجب في مستفاد من الارض فاشبه حق الثمار والزروع (والثانى) وبه قال الاكثرون ان مصرفه مصرف الزكوات قولا واحدا بخلاف الركاز لانه مال جاهلي والظاهر انه كان للكفار وكان شبيها بالفئ والمعادن بخلافه وصاحب التلخيص قد ذكر الطريق الاول في باب زكاة المعدن في التلخيص والطريق الثاني في باب بعده (فان قلنا) مصرفه مصرف الزكوات لم يؤخذ من الذمي شئ وان قلنا مصرف الفئ أخذ الخمس وعلي هذا لا يشترط فيه النية وعلي الاول يشترط ولو كان المستخرج من المعدن المكاتب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 101 فلا زكاة عليه فيما استخرجه كالذمي لكنه غير ممنوع عن الاخذ بخلاف الذمي ولو نال العبد من المعدن شيئا فهو لسيده وعليه واجبه فان امره السيد بذلك ليكون النيل له فقد بناه صاحب الشامل علي القولين في ان العبد هل يملك ما ملكه السيد أم لا وحظ الزكاة من القولين وقد قدمناه ولو استخرج اثنان من المعدن نصابا فوجوب الزكاة يبي على القولين في أن الخلطة هل تثبت في غير المواشى (وقوله) في الكتاب وللمسلم ازعاج الذمي لك أن تبحث عنه وتقول اثبت الازعاج لكل مسلم أم هو من اعمال الحاكم (والجواب) ان كلام الائمة بالثاني أظهر اشعارا والاول منقدح ايضا فان كل واحد منهم صاحب حق فيه فكان له ان يمنعه (وقوله) ولا زكاة عليه الا إذا قلنا الخ فيه استئناء الخمس علي قولنا ان مصرفه الفئ عن ففى الزكاة وذلك يستدعي كون الخمس زكاة لكن من اوجب الخمس فلا يكاد يسميه زكاة ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر وذهب بعض اهل ناحيتنا يعنى مالكا الي ان في المعادن الزكاة وذهب غيرهم يعنى ابا حنيفة إلى ان فيها الخمس فلم يعد الخمس زكاة (وقوله) على وجه بعيد عبر عن ذلك المذهب بالوجه والاكثرون سموه قولا وكأنه مستخرج من مثله في الركاز فيجوز كل واحد من الاطلاقين (واعلم) أنا إذا فرعنا علي ظاهر المذهب وهو أن الحول لا يعتبر فوقت وجوب حق المعدن حصول النيل في يده ووقت الاخراج التخليص الجزء: 6 ¦ الصفحة: 102 والتنقية كما أن وجوب الزكاة في الزروع اشتداد الحب ووقت الاخراج التنقية فلو أخرج قبل التمييز والتنقية عن التراب والحجر لم يجزه ويكون مضمونا علي الساعي يلزمه رده فلو اختلفا في قدره بعد التلف أو قبله فالقول قول الساعي مع يمينه ومؤنة التخليص والتنقية علي المالك كمؤنة الحصاد والدياس فلو تلف بعضه قبل التمييز فهو كتلف بعض المال قبل الامكان والله أعلم * قال (الفصل الثاني في الركاز وفيه الخمس مصر وفاإلي مصارف الصدقات (ح ز و) ولا يشترط الحول ويشترط النصاب (م ح) وكونه من جوهر النقدين علي الجديد) * في الفصل مسائل (إحداها) قدر الواجب في الركاز الخمس لما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه صلي الله عليه وسلم قال (في الركاز الخمس) (الثانية) في مصرفه قولان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب أن مصرفه مصرف الزكوات لانه حق واجب في المستفاد من الارض فاشبه الواجب في الزروع والثمار (والثاني) وبه قال المزني والوكيل البابشامى وأبو جعفر الترمذي رحمهم الله أنه يصرف إلى اهل الخمس المذكورين في آية الفئ لانه مال جاهلي حصل الظفر به من غير ايجاف خيل ولا ركاب فكان كالفئ ومنهم من لا يطلق قولين بل يقطع للشافعي رضي الله عنه بالاول وينقل الثاني وجها ضعيفا (الثالثة) لا يشترط الحول فيه لان الحول للاستنماء وهو نماء كله ولا يجئ فيه الخلاف المذكور في المعدن لانه يلحق مشقة في تحصيل التبر بل ثم يحتاج إلي الطبخ والمعالجة والركاز بخلافه (الرابعة) هل يشترط فيه النصاب وهل يختص الوجوب بالذهب والفضة نص الشافعي رضى الله عنه في مواضع على الاشتراط والاختصاص وقال في موضع: لو كنت انا الواجد لخمست القليل والكثير والذهب والفضه وغيرهما واختلف الاصحاب رضي الله عنهم علي طريقين (أظهرهما) أن المسألتين علي قولين (أظهرهما) وينسب إلي الجديد أنه يشترط النصاب ويختص بالنقدين (أما) الاول فلظاهر قوله صلي الله عليه وسلم (لا شئ في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالا) (وأما) الثاني فكما لو اكتسب لا من جهة الركاز (والثانى) وينسب الي القديم أنه لا يشترط ولا اختصاص الجزء: 6 ¦ الصفحة: 103 لمطلق قوله صلي الله عليه وسلم (في الركاز الخمس) ولانه مال مخمس فاشبه الغنيمة (والطريق الثاني) القطع بالقول الاول وحمل النص الثاني علي الاحتياط للخروج من الخلاف كقوله في باب صلاة المسافر أما أنا فلا أقصر في أقل من ثلاثة أيام وليس ذلك قولا آخر له في مسافة القصر (وقوله) في الكتاب مصروفا إلى مصارف الصدقات معلم مع الواو بالزاى وبالحاء لان عنده أيضا يصرف إلى مصارف الفئ وبالالف لان احدى الروايتين عن احمد مثله (وقوله) ويشترط النصاب معلم بالحاء والالف والميم لان عند أبي حنيفة واحمد لا يشترط النصاب وهو أصح الروايتين عن مالك وكذلك قوله وكونه من جوهر النقدين معلم بهذه العلامات لان قولهم فيه كقولهم في النصاب ويجوز أن يعلم قوله علي الجديد بالواو اشارة الي الطريقة النافية للخلاف (وقوله) ويشترط النصاب منقطع عما قبله لا مجال للخلاف المذكور في الحول وإنما قال من جوهر النقدين ليشمل الحلى والاوانى * (قال ويشترط كونه من ضرب الجاهلية فان كان على ضرب الاسلام فلقطة وقيل مال ضائع يحفظه الامام وان لم يكن عليه أثر كالاواني والحلي فهو ركاز علي وجه ولقطة علي وجه) * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 104 فقه الفصل مسألتان (الاولي) لو كان الركاز الموجود علي ضرب الاسلام بان كان عليه شئ من القرآن أو اسم ملك من ملوك الاسلام لم يملكه الواجد بالواجدان لان مال المسلم بالاستيلاء عليه بل يجب رده إلى مالكه ان علم مالكه وان لم يعلم ففيه وجهان (قال) الجمهور هو لقطة كما لو وجده علي وجه الارض وقضيه ما ذكروه صريحا ودلالة أنه يعرف سنة ثم للواجد أن يملكه ان لم يظهر مالكه علي ما هو سبيل كل لقطة (وقال) الشيخ أبو علي هو مال ضائع يمسكه الآخذ للمالك ابدا أو يحفظه الامام له في بيت المال ولا يملك بحال كما لو القت الربح ثوبا في حجره أو مات مورثه عن ودائع وهو لا يعرف مالكها وانما يملك بالتعريف ما ضاع عن المارة دون ما حصنه المالك بالدفن واتفق العثور عليه بالاحتفار ونقل صاحب التهذيب قريبا من هذا الكلام عن القفال والمذهب الاول قال الامام رحمه الله ولو انكشفت الارض عن كنز بسيل جارف ونحوه فلا ادرى ما قول الشيخ فيه والمال البارز ضائع قال واللائق بقياسه الا يثبت حق التملك اعتبارا باصل الوضع (الثانية) لو لم يعرف أن الموجود من ضرب الجاهلية أو الاسلام بان كان مما يضرب مثله في الجاهلية والاسلام أو كان مما لا أثر عليه كالتبر والحلى والاوانى فالمنقول عن نصه أنه ليس بركاز لانه يحتمل أن يكون مال مسلم فيغلب حكم الاسلام وفيه وجه أنه ركاز لان الموضع المدفون فيه يشهد له (فان قلنا) بالاول فقضية كلام الجمهور في الصورة السابقة لا يخفي وأما الشيخ أبو علي فرأيت له في شرح التلخيص مساعدة الجمهور في هذه الصورة فانه قال يعرف سنة فان لم يظهر مالكها فعل بها ما يفعل بسائر اللقطات وذكر الامام أن الشيخ حكى في التملك في هذه الصورة وجهين لضعف أثر الاسلام (وأعلم) أنا إذا قلنا أن الموجود في صورة التردد ركاز فلا يشترط كون الموجود علي ضرب الجاهلية بل الشرط الا يعلم كونه على ضرب الاسلام فاذن قوله في الكتاب ويشترط كونه على ضرب الجاهلية انما يكون مجرى على ظاهره إذا قلنا الموجود في صورة التردد ليس بركاز (وقوله في المسألة الاولى وقيل مال ضائع يحفظه الامام يشعر بانه لا يبقى في يد الواجد بل يأخذه الامام ويحفظه وكلام الشيخ أبى على ما حكيته من قبل ينازع فيه ويقتضي تمكن الواجد من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 105 الامساك له واطلاقه الوجهين في المسألة الثانية اتباع لما حكاه الامام فيها والاكثرون لم يطلقوا الوجهين وانما حكوا النص ووجها لبعض الاصحاب كما قدمناه وحكي صاحب الشامل عن نصه أنه يخمس وهذا حكم بانه ركاز فعلى هذا في المسألة قولان (وأعلم) انه يلزم من كون الركاز على ضرب الاسلام كونه مدفونا في الاسلام ولا يلزم من كونه علي ضرب الجاهلية كونه مدفونا في الجاهلية لجواز أن يظفر بعض المسلمين بكنز جاهلي ويكنزه ثانيا على هيأته فيظفر به اليوم أحد فالحكم مدار على كونه من دفن الجاهلية لا علي كونه من ضرب الجاهلية * قال (ويشترط ان يوجد في موضع مشترك كموات أو شارع وما يوجد في دار الحرب فغنيمة أو فئ وما يجده في ملك نفسه الذى أحياه يملكه وعليه الخمس وهل يدخل في ملكه بمجرد الاحياء فيه وجهان ولو اشتراه ثم وجد فيه ركازا يجب طلب المحيي فانه اولى به) * روى ان رجلا وجد كنزا فقال له النبي صلي الله عليه وسلم (ان وجدته في قرية مسكونة أو طريق ميتاء فعرفه وان وجدته في خربة جاهلية أو قرية غير مسكونة ففيه وفى الركاز الخمس) الكنز بالصفة التي تقدم ذكرها اما أن يوجد في دار الاسلام أو في دار الحرب فان وجد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 106 في دار الاسلام نظر ان وجد في موضع لم يعمره مسلم ولا ذو عهد فهو ركاز سواء كان مواتا أو كان من القلاع العادية التي عمرت في الجاهلية لقوله في الحديث أو خربة جاهلية وان وجد في طريق شارع فقد ذكر صاحب الكتاب أنه ركاز ولم يجزم الامام به هكذا ولكن أشار الي خلاف فيه والذى ذكره القفال والعراقيون أن ما يوجد فيه ليس بركاز وانما هو لقطة والحديث الذى رويناة صريح فيه وما يوجد في المسجد ذكر في التهذيب أنه لقطة كالموجود في الطريق وقياس المذكور في الكتاب ان يكون ركازا وما عدا هذه المواضع ينقسم الي مملوك وموقوف. والمملوك اما أن يكون له أو لغيره فان كان لغيره ووجد فيه كنز لم يملكه الواجد بل ان ادعاه مالكه فهو له بلا يمين كالامتعة في الدار والا فهو لمن تلقى صاحب الارض منه وهكذا الي ان ينتهي الي الذى أحيا الارض فيكون له وان لم يدعه لانه بالاحياء ملك ما في الارض وبالبيع لم يزل ملكه عنه فانه مدفون منقول فان كان المحيى أو من تلقى الملك عنه هالكا فورثته قائمون مقامه فان قال بعض ورثة من تلقى الملك عنه هو لمورثنا وأباه بعضهم سلم نصيب المدعي ما إليه وسلك بالباقي ما ذكرنا هذا كله كلام الائمة رحمهم الله صريحا واشارة ومن المصرحين بملك الركاز القفال ذكره في شرح التلخيص ورأى الامام تخريج ملك الكنز باحياء الارض علي ما لو دخلت ظبية دارا بالاحياء فاغلق صاحبها الباب وفاقا لا علي قصد ضبطها قال وفيه وجهان (أظهرهما) أنه لا يملكها لعدم القصد ولكن يصير أولي بها كذلك المحيى يصير اولى بالكنز ثم قال انه يملك الكنز بالاحياء وزالت رقبة الارض عن ملكه فلا بد من طلبه ورده إليه (وان قلنا) انه لا يملكه ولكن يصير اولي به فلا يبعد ان يقال إذا زال ملكه عن رقبة الارض بطل اختصاصه كما أن في مسألة الظبية إذا قلنا أنه لا يملكها فلو فتح الباب وأفلتت يملكها من اصطادها إذا عرفت ذلك وأردت التفريع فلك ان تقول (ان قلنا) لمحيى لا يملكه بالاحياء فإذا دخل في ملكه أخرج الخمس (وان قلنا) يملكه بالاحياء فإذا احتوت يده علي الكنز نفسه وقد مضى سنون فلا بد من اخراج الخمس الذى لزمه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 107 يوم ملكه وفيما مضي من السنين يبى وجوب ربع العشر في الاخماس الاربعة على الخلاف في الضال والمغصوب وفى الخمس كذلك ان قلنا لا تتعلق الزكاة بالعين (وان قلنا) تتعلق فعلي ما ذكرنا فيما إذا لم يملك الا نصابا وتكرر الحول عليه والله أعلم * وأن كان الموضع للواجد نظران كان قد أحياه فالذي وجده ركاز وعليه خمسه وفي وقت دخوله في ملكه ما سبق وقد حكي في الكتاب في هذه الحالة فيه وجهين جريا علي ما ذكره الامام وان انتقل إليه من غيره لم يحل له اخذه بل عليه عرضه علي من يملكه وهكذا حتي ينتهي الملك الي المحي كما سبق وان كان الموضع موقوفا فالكنز لمن في يده الارض قاله في التهذيب هذا إذا وجد في دار الاسلام وان وجد في دار الحرب فاما أن يوجد في موات أو غيره فان وجد في موات نظر ان كانوا لا يذبون عنه فهو كموات دار الاسلام والموجود فيه ركاز وان كانوا يذبون عنه ذبهم عن العمران ففيه وجهان قال الشيخ أبو علي هو كما لو وجد في عمرانهم وقال الاكثرون حكمه حكم مواتهم الذى لا يذبون عنه وعن أبى حنيفة أن ما يوجد في موات دار الحرب فهو غنيمة لا ركاز حكاه في الشامل وان وجد في موضع مملوك لهم فينظران أخذ بقهر وقتال فهو غنيمة كأخذ متاعهم من بيتهم ونقودهم من خزائنهم فيكون خمسه لاهل الخمس وأربعة أخماسه لمن وجده وان أخذ من غير قهر وقتال فهو فئ ومستحقه اهل الفئ هكذا قاله في النهاية وهو محمول علي ما إذا دخل دار الحرب من غير امان لانه ان دخل بامان لم يكن له أخذ كنزهم لا بقتال ولا بغير قتال كما ليس له أن يخونهم في أمتعة بيوتهم وعليه الرد ان أخذه وقد نص علي هذا الشيخ أبو علي ثم في كونه فيئا اشكال لان لك أن تقول من دخل بغير امان وأخذ مالهم من غير قتال فاما أن يأخذه في خفية فيكون سارقا أو جهارا فيكون مختلسا وقد ذكر في الكتاب في السير أن ما يختلس ويسرق منهم فهو خالص ملك المختلس والسارق ويشبه أن يكون الفئ هو أموالهم التي تحصل في قبضة الامام من غير قتال كالجزية ونحوها دون ما يأخذه الآحاد وربما ايدت هذا الاشكال بان كثيرا من الائمة اطلقوا القول بكونه غنيمة منهم ابن الصباغ والصيدلاني وأعود بعد هذا الي نظم الكتاب فالقول (قوله) ويشترط ان يوجد في موضع مشترك كموات وشارع فيه كلامان (أحدهما) انه قد يعنى بكون الموات مشتركا كونه بسبيل يتمكن كل واحد من احيائه وتملكه وبكون الشارع مشتركا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 108 انه لكل أحد فيه حق الطروق ولا يحسن حمل الاشتراك في لفظ الكتاب عليهما لان كل واحد من المعنيين يختص باحد الموضعين وقد وصفهما جميعا بالاشتراك بلفظ واحد فالاحسن تفسيره بمعني شامل كالانفكاك عن الملك ونحوه (والثاني) ان لمنازع ان ينازع في اشتراط الوجود في موضع مشترك لانه إذا احيا ارضا وتملكها ثم وجد فيها كنزا كان ذلك ركازا وان لم يوجد في موضع مشترك الا ان يقال المراد بالوجدان الدخول تحت اليد والتسلط عليه ثم قوله كموات يجوز ان يكون معلما بالواو لانه مطلق وقد حكينا وجها في موات دار الحرب الذى يذبون عنه وبالحاء ايضا لما سبق (وقوله) وشارع بالواو لما ذكرنا من مصير الاكثرين الي انه لقطة (وقوله) وما يوجد في دار الحرب فغنيمة أو فئ أي علي اختلاف الحال في القهر وعدمه ثم هو محتاج الي التأويل من وجهين (أحدهما) ان الموجود في موات دار الحرب ليس كذلك فهو محمول علي عمران دار الحرب (والثانى) انه لو دخل بامان فليس حكم المأخوذ ما ذكره فإذا هو محمول علي ما إذا دخل بغير امان (وقوله) ملكه وعليه الخمس الاحسن ان يقرأ ملكه وعليه الخمس لا ملكه لان قولنا ملك يشعر بابتداء ثبوت الملك فيقتضى ان يكون ابتداؤه عند الوجدان لكنه غير مجزوم به بل فيه الوجهان المذكور ان عقيب هذا الكلام (اما) الحكم بانه ملكه فهو مستمر علي الوجهين جميعا (وقوله) يجب طلب المحيى معلم بالواو لما سبق (وقوله) فانه اولى به يجوز ان يكون جوابا علي قولنا أنه لا يملكه بالاحياء المجرد ويجوز ان يحمل علي غير ذلك والله اعلم * قال (ولا خمس علي الذمي لانه ليس من أهل الزكاة) * حكم الذمي في الركاز حكمه في المعدن فلا يمكن من اخذه في دار الاسلام وان وجده ملكه قال الامام رحمه الله وفيه احتمال عندي في الركاز لانه كالحاصل في قبضة المسلمين وهو في حكم مال ضل عنهم وإذا حكمنا بالمشهور وهو انه يملكه ففى أخذ حق الركاز منه الخلاف السابق في المعدن وقد تعرض له صاحب الكتاب هناك وقد اقتصر ههنا على ظاهر المذهب فاعلم قوله ولا خمس بالواو (واعلم) انه لو قدم هذه المسألة علي الفصل السابق علي هذا أو أخرها عن الفصل التالى له لكان اليق لتنتظم المسائل المتعلقة بمكان الركاز في سلك واحد ولا يدخل فيها ما ليس منها * قال (وان تنازع البائع والمشترى والمعير والمستعير وقال كل واحد منهما أنا دفنت الركاز فالقول قول صاحب اليد فلو قال المكرى بعد رجوع الدار إليه كنت دفنته قبل الاجارة فالقول قول المستأجر علي أحد الوجهين لانهما توافقا على انه كان في يده) * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 109 إذا تنازع بائع الدار ومشتريها في الركاز الذى وجد فيها فقال المشترى هو لي وأنا دفنته وقال البائع مثل ذلك أو قال ملكته بالاحياء أو تنازع المعير والمستعير أو المكترى والمكري هكذا فالقول قول المشترى والمستعير والمكترى مع ايمانهم لان اليد لهم فصار كما لو وقع النزاع في متاع الدار وهذا إذا احتمل ان يكون صاحب اليد صادقا فيما يقوله ولو علي بعد فاما إذا انتفى الاحتمال لان مثله لا يمكن دفنه في مدة يده فلا يصدق صاحب اليد ولو فرض النزاع بين المكرى والمكترى أو المعير والمستعير بعد رجوع الدار إلى يد المالك فان قال المكرى أو المعير أنا دفنته بعد ما رجعت الدار إلى يدي فالقول قوله بشرط الامكان ولو قال دفنته قبل خروج الدار عن يدى ففيه وجهان للشيخ أبي محمد (احدهما) ان القول قوله أيضا لانه صاحب الدار الآن (وأظهرهما) عند الامام أن القول قول المكترى والمستعير لان المالك قد سلم له اليد وحصول الكنز في يده ويده تنسخ اليد السابقة ولهذا لو تنازعا قبل الرجوع كان القول قوله (وقوله) في الكتاب فالقول قول صاحب اليد معلم بالزاى لان الشيخ أبا علي وآخرين نقلوا عن المزني أن القول قول المالك اتباعا لما في الارض (وقوله) فالقول قول المستأجر معلم به أيضا * قال ((فرع) إذا وجد مائة درهم وفى ملكه نصاب من النقد تم عليه الحول وجب خمس الركاز إذا كمل بغيره وإن كان ما في ملكه دون النصاب أو قبل تمام الحول ففى التكميل خلاف) * هذا مفرع على اعتبار النصاب في الركاز والفرض انا وان اعتبرناه فلا نشترط أن يكون الموجود نصابا بل يكمل ذلك بما يملكه من جنس النقد الموجود وفيه من التفصيل والخلاف ما سبق في المعدن فلا حاجة الي الاعادة وقد نص حجة الاسلام رحمه الله على حكاية الخلاف ههنا وجمع بين ما إذا لم تجب الزكاة فيما عنده لعدم تمام الحول وما إذا لم تجب لعدم بلوغه نصابا وهناك اقتصر علي ظاهر المذهب والصورة الاولي * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 110 قال (النوع السادس زكاة الفطر وتجب بغروب الشمس ليلة العيد في قول وبطلوع الفجر يوم العيد في قول وبمجموع الوقتين في قول ثالث وعلي الثالث لو زال الملك في وسط الليل وعاد في الليل ففى الفطرة وجهان وعلي الاول إذا ملك عبدا أو ولد له ولد بعد الغروب بلحظة أو مات قبل الغروب بلحظة فلا زكاة) * عن ابن عمر رضي الله عنهما قال (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان علي الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير علي كل حر وعبد ذكر وانثي من المسلمين) وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم (فرض زكاه الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين) (واعلم) أن زكاة الفطر واجبه وقال بعض الناس انها غير واجبة وبه قال أبو الحسين بن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 111 اللبان الفرضي من أصحابنا فيما رواه صاحب الشامل ولا فرق عندنا بين الواجب والفريضة * وقال أبو حنيفة رحمه الله هي واجبة وليست بفريضة وفى وقت وجوبها ثلاثة أقوال (أصحها) وهو الجديد وبه قال احمد أن وقته غروب الشمس ليلة العيده واحتجوا له بأنها مضافة إلى الفطر وقد قال ابن عمر رضي الله عنهما زكاة الفطر من رمضان وحينئذ يكون الفطر من رمضان (والثانى) وهو القديم وبه قال أبو حنيفة رحمه الله أن وقته طلوع الفجر يوم العيد لانها قربة متعلقة بالعيد فلا يتقدم وقتها علي العيد كالاضحية وعن مالك روايتان كالقولين (والثالث) أنها تجب بمجموع الوقتين لتعلقها بالفطر والعيد جميعا قال الصيدلاني وهذا القول خرجه صاحب التلخيص واستنكره الاصحاب (التفريع) لو نكح امرأة أو ملك عبدا أو اسلم عبده الكافر أو ولد له ولد في ليلة العيد لم تجب فطرتهم علي الجديد ولا على القول الثالث وتجب علي القديم ولو مات عبده أو ولده أو زوجته ليلة العيد أو بت طلاقها أو ارتد عبده لم تجب فطرتهم علي القديم ولا علي القول الثالث وتجب علي الجديد وكذا الحكم لو أسلم كافر قبل الغروب ومات بعده ولو طرأت الاحوال المذكورة بعد الغروب وزالت قبل طلوع الفجر فلا فطرة علي الاقوال كلها ولو زال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 112 الملك عن العبد بعد الغروب وعاد قبل طلوع الفجر وجبت الفطرة علي الجديد والقديم (وأما) على القول الثالث ففيه وجهان حكاهما في النهاية وقال هما ملتفتان علي أن الواهب هل يرجع فيما إذا زال ملك المتهب عنه ثم عاد وله نظائر نذكرها في مواضعها ونشرح فيها الوجهان ولو باع بعد الغروب عبده واستمر ملك المشترى فيه فالفطرة علي الجديد علي البائع وعلي القديم علي المشترى وعلي الثالث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 113 لا تجب علي واحد منهما ولو مات مالك العبد ليلة العيد فالفطرة واجبة في تركتة علي الجديد وهي علي الوارث في القديم وعلي الثالث لا تجب أصلا وذكر في النهاية ان الشيخ أبا علي حكي وجها في وجوبها علي الوارث تفريعا علي القول الثالث بناء علي القديم في ان حول الوارث يبي علي حول المورث (وقوله) في الكتاب وعلي الاول إذا ملك إلى آخره ينبغى أن يعلم فيه أن نفى الزكاة في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 114 صورة الموت ليس تفريعا علي هذا القول خاصة بل هو لازم علي الاقوال كلها ومواضع العلامات عند ذكر الاقوال لا تخفى * قال (والنظر في ثلاثة اطراف الطرف الاول في المؤدى عنه وكل من وجبت نفقتة تجب علي المنفق فطرته من الزوجة (ح) والمملوك والقريب) * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 115 الكلام في زكاة الفطر في أنها متى تؤدى وعمن تؤدى ومن الذى يؤدى وما المؤدي وإلي من تؤدى (أما) الاخير من هذه الامور فموضعه كتاب قسم الصدقات (وأما الاول) فيحتاج فيه الي معرفة وقت الوجوب وقد فرغنا منه الآن ويجوز التقديم عليه علي الضبط المذكور في مسائل التعجيل وأما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 116 إذا لم يعجل فالمستحب الا يؤخر أداها عن صلاة العيد لما روى أنه صلي الله عليه وسلم (فرض زكاة الفطر وأمر بها ان تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (اغنوهم عن الطلب في هذا اليوم) فلو اخر عصى وقضى بقى ههنا النظر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 117 في الاطراف الثلاثة الباقية (الاول) في المؤدى عنه (اعلم) أن الفطرة قد يؤديها الانسان عن نفسه وقد يؤديها عنه غيره والاصل فيه قوله صلي الله عليه وسلم (ادوا صدقه الفطر عمن تمونون) والجهات التى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 118 يصير بها الشخص في نفقة الغير ومؤنته ثلاث النكاح والملك والقرابة وكلها تقتضي لزوم الفطرة أيضا في الجملة ثم القول في شرائط الوجوب ومواضع الاستثناء عن هذا الاصل سيظهر من بعد وليكن قوله يجب علي المنفق فطرته وكذا قوله من الزوجة معلمين بالحاء (اما) الثاني (فلان) عنده لا تجب فطرة الزوجة علي الزوج وانما هي عليها وحكي ذلك عن اختيار ابن المنذر من اصحابنا (واما) (الاول) فلامور (منها) مسألة الزوجة (ومنها) ان عنده لا يجب على الولد فطرة الاب وان وجبت نفقته (ومنها) ان عنده لا تجب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 119 على الجد فطرة ولد الولد * لنا ماروى عن ابن عمر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم امر (بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون) * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 120 قال (ولا تفارق الفطرة النفقة الا في سبع مسائل (احداها) الابن تلزمه نفقة زوجة ابيه وفى فطرتها وجهان (اصحهما) الوجوب (ح) * يستثني عن قولنا من وجبت نفقته علي المنفق فطرته مسائل (منها) ماهى مستثناة بلا خلاف (ومنها) ما في استثنائها اختلاف قول أو وجه (فمنها) ان الابن تلزمه نفقة زوجة ابيه تفريعا على الجزء: 6 ¦ الصفحة: 121 الصحيح في وجوب الاعفاف وسيأتي شرح ذلك الخلاف وموصع الاعفاف في بابه إن شاء الله تعالي وهل يلزمه فطرتها فيه وجهان (أصحهما) عند المصنف في طائفة أنها تلزم لانها ممن يمونه الابن وصار كالاب لما لزمته تفقته لزمه فطرته وعلي هذا فهذه الصورة غير مستثناة عن الاصل الممهد (والثانى) وهو الاصح عند صاحبي التهذيب والعدة وغيرهما أنها لا تلزم لان الاصل في القيام بامرها هو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 122 الاب والابن متحمل عنه والفطرة غير لازمة على الاب بسبب الاعسار فلا يتحملها الابن بخلاف النفقة فانها لازمة مع الاعسار فيتحملها وأيضا فلان فقد النفقة يمكنها من الفسخ وإذا فسخت احتاج الابن الي تزويجه وفقد الفطرة بخلافه ويجرى الوجهان في فطرة مستولدته ولك أن تعلم قوله يلزمه نفقة زوجه أبيه بالواو إذا قد عرفت أنه مبنى على وجوب الاعفاف وفيه خلاف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 123 وبالحاء والزاى لان عندهما لا يجب الاعفاف ويجوز اعلام لفظ الوجوب من قوله الاصح الوجوب بالحاء لان عنده لا تجب علي الابن فطرة الوالد فما ظنك بفطرة زوجته * قال (الثانية الابن الكبير الذى هو في نفقة أبيه إذا وجد قدر قوته ليلة العيد فلا فطرة علي أبيه لسقوط النفقة عنه ولا عليه لعجزه ولو كان صغيرا والمسألة بحالها ففيه خلاف (و) لان حق الصغير آكد) * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 124 غير الاصول والفروع من الاقارب كالاخوة والاعمام لا تجب فطرتهم كما لا تجب نفقتهم (وأما) الاصول والفروع فان كانوا موسرين فلا تجب نفقتهم وإن كانوا معسرين فكل من جمع منهم إلي الاعسار الصغر أو الجنون أو الزمانة وجبت نفقته ومن تجرد في حقه الاعسار ففى نفقته قولان ومنهم من قطع بالوجوب في حق الاصول وحكم الفطرة حكم النفقة وفاقا وخلافا إذا عرفت ذلك فلو أن الولد الكبير كان في نفقة أبيه أما بمجرد الاعسار إن اكتفينا به أو مع الزمانة ان لم نكتف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 125 به فوجد قدر قوته ليلة العيد ويومه فقد سقطت فطرته عن الاب لسقوط نفقته وكونها تابعة له ولا تجب عليه لعجزه واعساره وإن كان الولد صغيرا والمسألة بحالها ففى سقوط الفطرة وجهان (قال) الصيدلاني لا تسقط والفرق أن نفقة الكبير لا تثبت في الذمة بحال وإنما هي لكفاية الوقت ونفقة الصغير قد ثبتت الا ترى أن للام أن تستقرض علي الاب الغائب لنفقة الصغير فكانت نفقته آكد فأشبهت نفقة الاب نفسه وفطرته فطرته (وقال) الشيخ أبو محمد تسقط كما تسقط النفقة وتردد فيما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 126 ذكره من جواز الاستقراض وقال الاظهر منعه إلا إذا أذن السلطان ومثله يفرض في حق الكبير أيضا وما ذكره الشيخ أظهر عند الامام وغيره (واعلم) أن مسألة الكبير جارية على الاصل الممهد وكذلك مسألة الصغير علي قول الشيخ أبى محمد وإنما الاستثناء على قول الصيدلاني * قال (الثالثة الزوج ان كان معسرا لا تستقر فطرتها في ذمته وان استقرت النفقة ولا تجب عليها فطرة نفسها وان كانت موسرة نص عليه ونص في الامة المزوجة من المعسر ان الفطرة تجب على سيدها فقيل قولان بالنقل والتخريج وقيل الفرق أن سلطنة السيد آكد من سلطنة الحرة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 127 ولو أخرجت الزوجة فطرة نفسها مع يسار الزوج دون إذنه لم يصح علي أحد الوجهين لان الزوج أصل لا متحمل) * من أصول الباب الذى يحتاج إلي معرفته في هذه المسألة وغيرها أن الفطرة الواجبة علي الغير تلاقى المؤدى عنه ثم تتحمل عنه أم تجب على المؤدى ابتداء وفيه خلاف يعبر عنه تارة بقولين مخرجين من معاني كلام الشافعي رضي الله عنه وتارة بوجهين (أحدهما) أن الوجوب يلاقى المؤدى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 128 عنه ثم يتحمل عنه المؤدى لقوله صلي الله عليه وسلم في الحديث الذى سبق (علي كل حر وعبد ذكر وأنثى من المسلمين) (والثانى) أنها تجب علي المؤدى ابتداء لقوله صلي الله عليه وسلم (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة إلا صدقة الفطر عنه) قال القاضى الروياني وغيره ظاهر المذهب هو الاول ثم الاكثرون منهم الشيخ أبو علي طردوا الخلاف في كل من يؤدى صدقة الفطر عن غيره من الزوج والسيد والقريب قال الامام وذكر طوائف من المحققين أن هذا الخلاف في فطرة الزوج فأما فطرة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 129 المملوك والقريب فتجب علي المؤدى ابتداء بلا خلاف لان المملوك لا يقدر علي شئ والقريب المعسر لو لم يجد من يقوم بالانفاق عليه لا يلزمه شئ فكيف يقال بان الوجوب يلاقيه ثم حيث فرض الخلاف وقلنا بالتحمل فهو كالضمان أو كالحوالة حكي أبو العباس الرويانى في المسائل الجرجانيات فيه قولين إذا تقرر ذلك ففى المسألة صورتان (إحداهما) الزوج المعسر لا تستقر الفطرة في ذمته وان استقرت النفقة لان النفقة عوض والفطرة عبادة مشروطة باليسار ثم ان كانت موسرة فهل عليها فطرة نفسها قال في المختصر لا أرخص له في تركها ولا يتبين لي أن أوجب عليها ونص فيه أيضا علي أنه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 130 لو زوج أمته من معسر تجب الفطرة علي سيدها واختلف الاصحاب علي طريقين (أصحهما) عند الشيخ أبي علي وغيره أن المسألتين علي قولين مبنيين علي الاصل المذكور (ان قلنا) الوجوب يلاقى المؤدى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 131 عنه أولا وجبت الفطرة علي المرأة الحرة في الصورة الاولي وعلى سيد الامة في الثانية (وان قلنا) الوجوب علي المؤدى ابتداء فلا يجب (والثاني) تقرير النصين وبه قال أبو إسحق والفرق أن الحرة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 132 بعقد النكاح تصير مسلمة الي الزوج حتي لا يجوز لها المسافرة والامتناع من الزوج بعد أخذ المهر والنفقة بحال والامة بالتزويج غير مسلمة بالكلية بل هي في قبضة السيد الا ترى أن له أن يستخدمها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 133 وأن يسافر بها وهذا معنى قوله في الكتاب سلطنة السيد آكد من سلطنة الحرة أي علي نفسها ثم التقريب من وجهين (أحدهما) أن الحرة لما كانت مسلمة بالكلية كانت كالامة المسلمة الي المشترى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 134 بعقد الشراء فتنتقل الفطرة إليه والامة لما كانت في قبضة السيد لم تكن الفطرة متحولة عنه وإنما الزوج كالضامن لها فإذا لم يقدر علي الاداء بقى الوجوب علي السيد كما كان (والثانى) أن الامة إذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 135 لم تكن واجبة التسليم كان السيد متبرعا بتسليمها فلا يسقط عنه بتبرعه ما كان يلزمه لولا التبرع ولو نشزت المرأة وسقطت فطرتها عن الزوج لسقوط النفقة فقد قال الامام الوجه عندي القطع بايجاب الفطرة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 136 عليها وان حكمنا بان الوجوب لا يلاقيها لانها بالنشوز أخرجت نفسها عن امكان التحمل (فرعان) (أحدهما) زوج الامة ان كان موسرا فحكم فطرتها حكم نفقتها وسيظهر ذلك في موضعه ان شاء الله تعالي (والثانى) ان خادمة الزوجة ان كانت مستأجرة لم يجب علي الزوج فطرتها وان كانت من امائه وجبت لانها مملوكته وان كانت من اماء الزوجة والزوج ينفق عليها ففطرتها واجبة عليه نظرا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 137 الي انه يمونها نص عليه في المختصر وقال الامام الاصح عندي انها لا تجب لان نفقة الخادمة غير مستقلة إذ يمكنه تحصيل الغرض بمتبرعة أو مستأجرة (الصورة الثانية) لو اخرجت الزوجة زكاة نفسها مع يسار الزوج دون اذنه ففى اجزائه وجهان (ان قلنا) الزوج متحمل اجزأ والا فلا ويجرى الوجهان فيما لو تكلف من فطرته علي قريبه باستقراض وغيره وأخرج من غير اذنه والوجه الاول هو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 138 المنصوص عليه في المختصر ولو أخرجت الزوجة أو القريب باذن من عليه جاز بلا خلاف بل لو قال الرجل لغيره اد عنى فطرتي ففعل جاز كما لو قال أقض ديني ذكره في التهذيب (وقوله) في الكتاب لان الزوج اصل لا متحمل ليس تعليلا لوجه المنع بشئ يساعد عليه بل الغرض منه التنبيه على مبني الوجهين (واعلم) أن الصورة الثانية ليس لها كثير تعلق بالاصل المستثنى منه وانما المتعلق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 139 به الاولى فان الفطرة فارقت النفقة حيث لم تلزم الزوج المعسر والنفقة لازمة مستقرة * قال (الرابعة البائنة الحامل تستحق الفطرة وقيل إذا قلنا ان النفقة للحمل فلا تستحق) * تجب فطرة الرجعية كنفقتها (وأما) البائنة فان كانت حائلا فلا نفقة ولا فطرة وان كانت حاملا ففى فطرتها طريقان (أحدهما) أنها تجب اتباعا للفطرة النفقة (الثاني) ان وجوبها مبنى على الخلاف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 140 في أن النفقة للحمل أو للحامل (ان قلنا) بالثاني فيجب (وان قلنا) بالاول فلا لان فطرة الجنين لا تجب وهذا الطريق الثاني هو الذى اورده الاكثرون وكلام صاحب الكتاب يشعر بترجيح الاول وبه قال الامام والشيخ ابو علي قال الشيخ لانها المستحقة سواء قلنا النفقة للحمل أو للحامل ولها ان تأخذها وتنفقها على نفسها بلا خلاف وقولنا أنها للحمل علي قول نعنى به انه سبب الوجوب وذلك لا ينافى كونها المستحقة هذا إذا كانت الزوجة حرة فان كانت أمة ففطرتها بالاتفاق ناظرة إلى ذلك الخلاف (فان قلنا) النفقة للحمل فلا نفقة ولا فطرة لان الحمل لو كان ظاهرا لم يكن عليه ان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 141 يمون ملك الغير (وان قلنا) للحامل وجبتا وسواء رجحنا الطريقة الاولي أو الثانية فالاصح استحقاق الفطرة لان الاصح ان النفقة للحامل وعلي هذا فالمسألة غير مستثناة عن الاصل السابق (اما) إذا قلنا النفقة واجبة للحمل فلا فطرة فالحمل شخص تجب نفقته ولا تجب فطرته فينتظم استثناؤه والله اعلم قال (الخامسة لا فطرة علي المسلم في عبده الكافر وتجب عليه في نصف العبد المشترك أو في العبد الذى نصفه حر ولو جرت مهايأة فوقع الهلال في نوبة احدهما ففي اختصاصه بالفطرة وجهان لانه خرج نادرا) * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 142 في المسألة صورتان (احداهما) لا يجب على المسلم فطرة عبده الكافر وبه قال مالك واحمد خلافا لابي حنيفة * لنا لتقييد في حديث ابن عمر رضى الله عنهما حيث قال (من المسلمين) وايضا فان الفطرة شرعت تطهير أو الكافر ليس أهلا للتطهير وحكم الزوجة الذمية والقريب الكافر حكم العبد الكافر فلا تجب فطرتهم وان وجبت نفقتهم (الثانية) تجب فطرة لعبد المشترك علي الشريكين وفطرة لعبد الذى بعضه حر عليه وعلي السيد خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال لا تجب ولمالك حيث قال في الصورة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 143 الثانية في احدى الروايتين تجب علي السيد حصته ولا شئ علي العبد والرواية الثانية مثل مذهبنا * لنا ما سبق ان الفطرة تتبع النفقة وهى مشتركة فكذلك الفطرة ثم الوجوب عليهما إذا لم تكن مهايأة فان جرت مهايأة بين الشريكين أو بين المالك والعبد فهل تختص الفطرة بمن وقع زمان الوجوب في نوبته أم هي على الشركة يبنى ذلك علي أن الفطرة من المؤن النادرة أو من المؤن الدائرة وبتقدير أن تكون من النادرة فهل تدخل في المهايأة أم لا (أما) المقام الاول فقد حكى الامام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 144 فيه وجهين (أحدهما) أنها من المؤن الدائرة لانها معلومة القدر والوقت معدودة من وظائف السنة (واصحهما) ولم يذكر الجمهور غيره انها من المؤن النادرة لان يوم العيد لا يتعين في السنة لاختلاف الاهلة وبتقدير التعين فالشئ الذى لا يتفق في السنة الا مرة نادر وأما الثاني ففيه وجهان مشهوران (أظهرهما) أنها تدخل في المهايأة لان مقصود المهايأة التفاضل والتمايز فليختص كل واحد منهما بما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 145 يتفق في نوبته من الغنم والغرم (والثانى) لا تدخل لان النوادر مجهولة ربما لا تخطر بالبال عند التهايؤ فلا ضرورة الي ادخالها فيه والوجهان جاريان في الاكساب النادرة كصيد يصطاده العبد الذى ليس بصياد وكقبول هبة ووصية ونحوها (فان قلنا) بالاول فجميع الفطرة على من وقع الهلال في نوبته (وان قلنا) بالثاني فهي مشتركة بحسب الملك أبدا ثم المعتبر في يساره أن يفضل الواجب سواء كان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 146 تمام الصاع أو بعضه عن قوت يومه وليلته ان لم يكن بينهما مهايأة وان كان بينهما مهايأة فعن القدر الذى يلزمه من قوت نفسه لا من الكل * وليكن قوله في الكتاب وتجب عليه في نصف العبد المشترك معلما بالحاء والميم لما ذكرناه ولو قال وتجب فطرة العبد المشترك بدل ما ذكرة لكان أحسن ولا يستغنى عن التعرض للنصف (وقوله) فوقع الهلال جواب على أصح الاقوال وهو أن وقت الوجوب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 147 الاستهلال (وقوله) لانه خرج نادرا جواب على الاصح في عدها من النوادر وليكن معلما بالواو للوجه السابق ولا يخفى حاجة الصورة الاولي الي الاستثناء وأما الثانية فانما يصح استثناؤها علي قولنا ان الفطرة لا تدخل في المهايأة لانهما حينئذ يشتركان في الفطرة دون النفقة فتفارق الفطرة النفقة * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 148 قال (السادسة العبد المرهون تجب فطرته علي في المغضوب والضال والآبق طريقان (قيل) تجب (وقيل) قولان كسائر الزكوات ولو انقطع خبر العبد الغائب نص على وجوب فطرته وعلي أن عتقه لا يجزئ عن الكفارة وقيل قولان وقيل قولان في المسألتين لتقابل الاصلين وقيل بتقرير النصين ميلا الي الاحتياط فيهما) * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 149 المدبر والمعلق عتقه بصفة وأم الولد كالقن في وجوب الفطرة وتجب فطرة العبد المرهون والجانى والمستأجر لوجود الملك ووجوب النفقة قال الامام والمصنف في الوسيط هكذا أطلقوا القول في المرهون ويحتمل أن يجرى فيه الخلاف المذكور في زكاة المال المرهون (واعلم) ان الخلاف في زكاة المال المرهون لم نلفه الا في حكاية هذين الامامين والجمهور أطلقوا الوجوب ثم أيضا وأما المغصوب والضال ففى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 150 فطرته طريقان (أحدهما) أنه على القولين في زكاة المال المغصوب وطرد ابن عبد ان علي هذه الطريقة الخلاف فيما إذا حيل بينه وبين زوجته عند الاستهلال (وأصحهما) القطع بالوجوب اتباعا للفطرة النفقة ويخالف زكاة المال فان المالية معتبرة فيها وهي غير معتبرة ههنا ألا ترى انه تجب فطرة الزوجة والقريب مع انتفاء المالية فلا تجب عند ضعفها كان أولى ولهذا وجبت في المستولدة (وأما) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 151 العبد الغائب فان علم حياته وكان في طاعته وجبت فطرته وان كان آبقا ففيه الطريقان في المغصوب وللخلاف مأخذ آخر حكاه الامام وهو ان اباق العبد هل يسقط نفقته كنشوز الزوجة أم لا وفيه خلاف فان اسقطها اسقط الفطرة أيضا وان لم يعلم حياته وانقطع خبره مع تواصل الرفاق ففى فطرته طريقان (أحدهما) أنها تجب بلا خلاف وبه قال ابو اسحق (والثانى) أنه علي القولين وفى كيفيتهما طريقان (أحدهما) أنهما قولان منصوصان وذلك ان المزني روى في المختصر أنه قال ويزكي عن عبيده الجزء: 6 ¦ الصفحة: 152 الحضور والغيب وان لم يرج رجعتهم إذا علم حياتهم قال وقال في موضع آخر وان لم يعلم حياتهم فشرط العلم بالحياة في قول واطلق الوجوب في قول علم أو لم يعلم (والثانى) وهو المذكور في الكتاب ان سبب خروج القولين انه نص ههنا على لزوم الفطرة وفى الكفارة علي أن اعتاق مثل هذا العبد لا يجزئ فنقل الجواب من كل مسألة الي الاخرى وجعلتا علي قولين بالنقل والتخريج وجه وجوب الفطرة والاجزاء عن الكفارة ان الاصل بقاؤه ووجه عدم وجوبها وعدم الاجزاء ان الاصل براءة ذمته عن واجب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 153 الفطرة واستمرار شغلها بواجب الكفارة الي يقين الاعتاق قال القاطعون بالوجوب (أما) منقول المزني فلا اختلاف فيه الا انه اجاب في النص الاول في إحدى المسألتين دون الاخرى والاحتجاج بالمفهوم ضعيف (وأما) فصل الكفارة فالنصان مقرران والفرق الاخذ بالاحتياط في الطرفين بتقديره حيا بالاضافة الي الفطرة وميتا بالاضافة الي الكفارة ليأتي بيقين الاعتاق وكيفما قدر فالاظهر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 154 وجوب الفطرة وعدم الاجزاء في الكفارة وإذا أوجبنا لفطرة في هذه الصورة فهل نوجب اخراجها في الحال أم يجوز التأخير الي عود العبد كما في زكاة المال في نظائرها المذهب الاول لان المهلة شرعت ثم لمعني النماء وهو غير معتبر ههنا وروى ابن الصباغ عن الشيخ أبي حامد ان الشافعي رضي الله عنه نص في الاملاء على قولين في ذلك قال وهذا بعيد لان امكان الاداء شرط الضمان في زكاة المال والمال الغائب يتعذر الاداء منه وليس كذلك الفطرة هكذا ذكره لكن قال صاحب التهذيب لو دخل الوقت ومات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 155 المودى عنه قبل امكان الاداء ففى سقوط الفطرة وجهان فألحقهما في أحد الوجهين بزكاة المال في اعتبار الامكان وحكي الامام هذا الخلاف أيضا * قال (السابعه نفقة زوجة العبد في كسبه وليس عليه فطرتها لانه ليس أهلا لزكاة نفسه فلا يتحمل عن غيره) * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 156 العبد ينفق علي زوجته من كسبه ولا يخرج الفطرة عنها حرة كانت أو أمة لانه ليس أهلا لزكاة نفسه فكيف يتحمل عن غيره (أما) النفقة فلابد منها وأقرب موضع يؤدى منه كسبه ثم إذا كانت الزوجة حرة موسرة فهل عليها فطرة نفسها (منهم) من قال هو علي القولين المذكورين فيما إذا كانت تحت زوج معسر و (منهم) من قال عليها فطرتها بلا خلاف لان العبد ليس أهل للخطاب بالفطرة وإن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 157 كانت أمة فهل علي سيدها فطرتها فيه هذان الطريقان (والثاني) أظهر في الصورتين ولو ملك السيد عبده شيئا وقلنا انه بملكه لم يكن له إخراج فطرة زوجته عنه استقلالا لانه ملك ضعيف ولو صرح بالاذن في الصرف إلي هذه الجهة ففيه وجهان للشيخ ابى محمد (ان قلنا) له ذلك فليس للسيد الرجوع عن الاذن بعد استهلال الهلال لان الاستحقاق إذا ثبت فلا مدفع له (خاتمة) قوله في أول المسائل السبع ولا تفارق الفطرة النفقة الا في كذا لا شك أنه لم يعن به مطلق المفارقة لان مفارقتهما لا تنحصر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 158 فيما استثناه بل هما مفترقان في القدر والوقت وأمور أخر لا تحصى كثرة وإنما عنى المفارقة في ثبوت النفقة وانتفاء الفطرة لكن هذه المفارقة غير منحصرة أيضا فيما استثناه لمسائل (منها) إذا كان للكافر عبد مسلم ففى فطرته وجهان سنذكرهما والنفقة واجبة (ومنها) إذا أوصى برقبة عبد لرجل وبمنفعته لآخر قال ابن عبد ان فطرته على الموصى له بالرقبة بلا خلاف ونفقته عليه أو على الموصى له بالمنفعة أو في بيت المال فيه ثلاثة أوجه فعلي غير الوجه الاول المسألة من مسائل المفارقة (ومنها) عبد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 159 بيت المال والعبد الموفق غلي المسجد في فطرتهما وجهان حكيها عن البحر (الاظهر) وبه أجاب في التهذيب أنها لا تجب والعبد الموقوف علي رجل معين ذكر في العدة ان فطرته تبنى علي الملك فيه (ان قلنا) ان الملك للموقوف عليه فعليه فطرته (وان قلنا) لله تعالي فوجهان ونفى صاحب التهذيب في باب الوقف وجوب فطرته علي الاقوال كلها لانه ليس فيه ملك محقق والاول أشهر ونفقة هؤلاء واجبة لا محالة * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 160 قال (الطرف الثاني في صفات المؤدى وهى الاسلام والحرية واليسار فلا زكاة على كافر الا في عبده (ح) المسلم علي قولنا ان المؤدى عنه اصل والمؤدى متحمل عنه ولا زكاة علي رقيق ولا مكاتب (و) في نفسه وزوجته ولا يجب علي السيد زكاة المكاتب لسقوط نفقته وقيل تجب عليه وقيل تجب في مال المكاتب ومن نصفه حر وجب عليه نصف صاع) * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 161 اعتبر في مؤدى الفطرة ثلاثة أمور (الاول) الاسلام فلا فطرة على كافر عن نفسه لانه ليس له أهلية التطهير ولا أهلية اقامة العبادات ولا عن غيره إلا إذا ملك الكافر عبدا مسلما أو كان له قريب مسلم ففيه وجهان مبنيان علي أن من يؤدى عنه الفطرة أصيل يتحمل عنه أو الوجوب علي المؤدى ابتداء (أحدهما) وبه قال ابو حنيفة رحمه الله أنها لا تجب (والثانى) وبه قال احمد تجب ويتصور الجزء: 6 ¦ الصفحة: 162 ملك الكافر العبد المسلم بان يسلم العبد في يده أو يرثه أو يشتريه على قول صحة الشرى ويهل هلال شوال قبل أن نزيل الملك عنه ومستولدته التي أسلمت فيها الوجهان (فان قلنا) بالوجوب فقد قال الامام لاصائر الي أن المتحمل عنه ينوى والكافر لا تصح منه النية وذلك يدل علي استقلال الزكاة بمعنى المواساة ولو أسلمت ذمية تحت ذمى واستهل الهلال في تخلف الزوج ثم أسلم قبل انقضاء العدة ففى وجوب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 163 نفقتها مدة التخلف خلاف يأتي في موضعه فان لم نوجبها لم نوجب الفطرة وان أوجبناها فالفطرة علي الخلاف المذكور في وجوب فطرة عبده المسلم (وقوله) في الكتاب الا في عبده المسلم ليكن معلما بالحاء لما نقلناه عن مذهب ابى حنيفة ثم ظاهره يقتضي الجزم بنفي الوجوب في القريب المسلم وفى مسألة اسلام الذمية لانه حصر الاستثناء في العبد وكل ذلك علي الخلاف نص عليه الشيخ أبو علي وغيره الجزء: 6 ¦ الصفحة: 164 (الثاني) الحرية وفيه صور (منها) لا يجب علي الرقيق فطرة نفسه ولا فطرة زوجته لانه لا يملك شيئا فان ملكه السيد مالا فقد ذكرناه وان ملكه عبدا وقلنا أنه يملك سقطت فطرته عن السيد لزوال ملكه عنه ولم تجب علي المملك لضعف ملكه (ومنها) هل تجب علي المكاتب فطرة نفسه (المشهور) أنها لا تجب كمالا تجب عليه زكاة ماله لضعف ملكه (وقيل) إنها تجب عليه في كسبه كنفقته وبه قال احمد وهذا الاختلاف علي ما ذكره الامام قولان (الاول) منهما منصوص (والثانى) مخرج ذكره ابن سريج الجزء: 6 ¦ الصفحة: 165 وعلي ما رواه في التهذيب وجهان واطلقهما الصيدلانى قولين من غير التعرض للنص والتخريج والامر فيه سهل وإذا قلنا بالمشهور وهو أنه لا فطرة عليه فهل هي علي سيده (الظاهر) أنها ليست عليه لسقوط نفقته عنه ونزوله مع السيد منزلة الأجنبي الا ترى انه يبيع منه ويشترى (وروى) ابو ثور عن القديم انها تجب على السيد لانه عبد ما بقى عليه درهم وانكر الشيخ ابو على ان يكون هذا قولا للشافعي رضي الله عنه وقال انه مذهب ابى ثور نفسه والخلاف في أن المكاتب هل عليه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 166 فطرة نفسه يجرى في انه هل عليه فطرة زوجته وعبيده بلا فرق (واعلم) ان قوله في الكتاب ولا زكاة علي رقيق ولا مكاتب في نفسه وزوجته الكلام في الرقيق قد صار مذكورا مرة في المسألة السابقة وانما كرره لانه احتاج إلى ادراجه في صور الاستثناء اولا والي التعرض له في صفات المؤدى ثانيا (وقوله) وقيل تجب عليه أي على السيد وهو القول الذى حكاه ابو ثور (ومنها) حكم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 167 المستولدة والمدبر حكم القن علي ما سبق والكلام فيمن نصفه حر ذكره مرة وانما اعاده ههنا ليتبين ان الحرية التى اعتبرها ليست حرية الكل وانما هي الحرية بحسب القدر المؤدى من الفطرة * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 168 قال (والمعسر لا زكاة عليه وهو الذى لا يفضل عن مسكنه وعبده الذى يحتاج الي خدمته ودست ثوب يلبسه صاع من الطعام فلو أيسر بعد الهلال لم يتجدد الوجوب بخلاف الكفارات) * الامر الثالث اليسار فالمعسر لا زكاة عليه وكل من لم يفضل عن قوته وقوت من في نفقته ليلة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 169 العيد ويومه ما يخرجه في الفطرة فهو معسر ومن فضل عنه ما يخرجه في الفطرة من أي جنس كان من المال فهو موسر ولم يصرح الشافعي رضي الله عنه واكثر الاصحاب في ضبط اليسار والاعسار الا بهذا القدر وزاد الامام فاعتبر في اليسار أن يكون قدر الصاع فاضلا عن مسكنه وعبده الذى يحتاج إليه في خدمته وقال لا يحسب عليه في هذا الباب مالا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 170 يحسب في الكفارة وتابعه المصنف فيما ذكره وانت إذا فحصت عن كتب الاصحاب وجدت اكثرهم ساكتين عن ذلك وقد يغلب على ظنك انه لا خلاف في المسألة والذى ذكره كالبيان والاستدراك لما اهمله الاولون وربما استشهد عليه بانهم لم يتعرضوا ايضا لدست ثوب يلبسه ولا شك في أنه مبقى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 171 عليه فان الفطرة ليست باشد من الدين وأنه مبقى عليه في الديون لكن الخلاف ثابت فان الشيخ ابا على حكى وجها أن عبد الخدمة لا يباع في الفطرة كما لا يباع في الكفارة ثم انكر عليه وقال لا يشترط في صدقة الفطر أن يكون فاضلا عن كفايته بل المعتبر قوت يومه ويفارق الكفارة لان لها بدلا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 172 ينتقل إليه فخفف الامر فيها ولا بدل للفطرة فمتي قدر عليه بوجه ما لزمه القضاء كقضاء الدين وذكر في التهذيب ايضا ما يوجب اثبات وجهين في المسألة والاصح عنده الاول كما في الكتاب وقد احتج له بقول الشافعي رضى الله عنه ان الابن الصغير إذا كان له عبد يحتاج الي خدمته فعلى الاب ان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 173 يخرج فطرته كما يخرج فطرة الابن ولولا ان العبد غير محسوب لسقط بسببه نفقة الابن ايضا ثم ذكر الامام رحمه الله شيئين (أحدهما) ان كون المخرح فاضلا عن العبد والمسكن وان شرطناه في ابتداء الثبوت فلا نشترطه في الدوام بل إذا ثبتت الفطرة في ذمة انسان بعنا عبده ومسكنه فيها لانها بعد الثبوت التحقت بالديون (والثاني) ان ديون الآدميين تمنع وجوب الفطرة وفاقا كما ان الحاجة الي صرفه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 174 الي نفقة الاقارب تمنعه قال ولو ظن ظان ان دين الآدمى لا يمنعه علي قول كما لا يمنع وجوب الزكاة كان مبعدا هذا لفظه وفيه شئ آخر نذكره في اواخر صدقة الفطر ان شاء الله تعالي جده فعلي هذا يشترط مع كون المخرج فاضلا عما سبق كونه فاضلا عن قدر ما عليه من الدين ولم يتعرض الجزء: 6 ¦ الصفحة: 175 له في الكتاب بل لم يتعرض لما اتفقت الكلمة على اعتباره وهو كونه فاضلا عن قوته وقوت من يمونه إلا ان يقال انه تعرض له على سبيل الاشارة فانه إذا اعتبر كونه فاضلا عن العبد والمسكن فاولى ان يكون فاضلا عنه (وقوله) صاع من الطعام لا يخفى انه غير معين وانما المراد قدر صاع من أي جنس كان من المال * وقال ابو حنيفة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 176 رحمه الله اليسار المعتبر في الباب ان يكون مالكا لنصاب زكوى ومالك واحمد وافقانا علي عدم اعتباره لان الحق المالي الذى لا يزيد بزيادة المال لا يعتبر فيه وجود النصاب كالكفارات ثم اليسار انما يعتبر وقت الوجوب فلو كان معسرا عنده ثم ايسر فلا شئ عليه لان وجود الشرط الجزء: 6 ¦ الصفحة: 177 بعد فوات الوقت لا يغنى ولو وجد بعض أسباب الكفارات من الشخص وهو عاجز عن جميع خصالها ثم قدر فعليه أن يكفر لان الوجوب قد ثبت ثم والاداء موقوف على القدرة وفيه خلاف يذكر في موضعه (وقوله) فلو أيسر بعد الهلال هذا التصوير مفرع علي قولنا ان وقت الوجوب الاستهلال وقد سبق له نظير (وقوله) لم يتجدد الوجوب فيه ضرب من التوسع إذ لم يكن في الابتداء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 178 وجوب حتي يفرض تجدده أو عدم تجدده والمراد منه لم يثبت الوجوب وليكن معلما بالميم لان القاضى الرويانى وصاحب البيان رويا عن مالك انه إن أيسر يوم الفطر وجب عليه الفطرة (وقوله) بخلاف الكفارات أي علي ظاهر المذهب وهو ان الوجوب ثابت إذا قدر بعد العجز عن جميع الخصال وإلا فهما متفقان في الحكم * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 179 قال (ولو كان الفاضل نصف صاع وجب اخراجه على أحد الوجهين ولو كان الفاضل صاعا ومعه زوجته وأقاربه أخرج عن نفسه علي الاصح وقيل عن زوجته لان فطرتها دين والدين يمنع وجوب الزكاة وقيل يتخير ان شاء أخرج عن واحد وان شاء وزع وقيل لا يجوز التوزيع ولكن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 180 يخرج عمن شاء ولو كان الفاضل صاعا وله عبد اخرج عن نفسه وهل يلزمه بيع جزء من العبد في زكاة نفس العبد فيه خلاف ولو فضل صاع عن زكاته ونفقته وله اقارب قدم من تقدم نفقته فان استووا فيتخير أو يقسط فيه وجهان) * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 181 في الفصل فروع (احدها) لو فضل عمالا يحتسب عليه بعض صاع من نصف وثلث وغيرهما فهل يلزمه اخراجه فيه وجهان مرويان عن أبي اسحق (أحدهما) لا كما إذا لم يجد الا نصف رقبة لا يجب اعتاقه في الكفارة وكذا لو لم يقدر الا علي إطعام خمسة مساكين أو كسوتهم (وأصحهما) نعم محافظة على الجزء: 6 ¦ الصفحة: 182 الواجب بقدر الامكان ويخالف الكفارة من وجهين (أحدهما) ان الكفارة لا تتبعض والفطرة تتبعض في الجملة ألا ترى انه لو ملك نصف عبد يلزمه نصف صاع (والثاني) ان الكفارة لها بدل والفطرة لا بدل لها فصار كما لو جد ما يستر به بعض العورة يلزمه لتستر به حتى لو انتهي في الكفارة إلي المرتبة الاخيرة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 183 وهى الاطعام ولم يجد الاطعام ثلاثين قال الامام يتعين عندي اطعامهم قطعا (الثاني) لو فضل صاع وهو يحتاج إلي إخراج فطرة نفسه وله زوجة وأقارب ففيه وجوه (أصحها) انه يلزمه تقديم نفسه لقوله صلى الله عليه وسلم " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " (والثاني) انه يلزمه تقديم زوجته لتأكد حقها وثبوته بالعوض ولهذا تستقر نفقتها في الذمة بخلاف نفقة غيرها * واحتج في الكتاب لهذا الوجه بأن فطرتها دين والدين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 184 يمنع وجوب هذا الزكاة (أما) كون الدين مانع لهذه الزكاة (فوجهه) ما سبق في الفصل الذى قبل هذا (وأما) المقدمة الاولى فلصاحب الوجه الاول أن يقول ان ادعيت ان فطرتها دين والحالة هذه فهو ممنوع بل عندي لا يلزم فطرتها إلا إذا فضل عن فطرة نفسه شئ وإن لم يتعرض لهذه الحالة فكما ان فطرتها دين في الجملة ففطرة نفسه وأقاربه دين في الجملة فلم يمنع فطرتها وجوب فطرة غيرها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 185 ولا ينعكس (والثالث) انه يتخير ان شاء اخرج عن نفسه وان شاء أخرج عن غيره لاستواء الكل في الوجوب ويحتج لهذا الوجه بقوله في المختصر فان لم يكن عنده بعد القوت لليوم إلا ما يؤدى عن بعضهم أدى عن بعضهم أطلق الاداء عن البعض اطلاقا وهذا الوجه أرجح عند القاضى الرويانى إذا قلنا به فلو أراد أن يوزع الصاع هل له ذلك نقل في النهاية فيه وجهين (وجه) الجواز صيانة البعض عن الحرمان ووجه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 186 المنع وهو الاصح نقصان المخرج عن قدر الواجب في حق الكل مع انه لا ضرورة إليه والوجهان على قولنا ان من لا يجد إلا بعض صاع يلزمه إخراجه فان لم يلزمه لم يجز التوزيع جزما وأورد المسعودي وجه التوزيع إيرادا يشعر بأنه يتعين ذلك محافظة علي الجوانب والله أعلم (الثالث) لو فضل صاع وله عبد صرفه الي نفسه وينظر في العبد ان كان محتاجا إلي خدمته فهل عليه أن يبيع جزءا منه في فطرته الجزء: 6 ¦ الصفحة: 187 فيه وجهان موجهان بطريقين (أحدهما) توجيه الزام البيع بأنه مبيع في الدين فكذلك ههنا بخلاف الكفارة فان لها بدلا وتوجيه الآخر بأن تكليفه إزالة الملك عته مع انه محتاج إليه إضرار به وهذا ما أورده في التهذيب (والثاني) توجيه الالزام بالقياس علي سائر الاموال المبيعة في الفطرة وتوجيه الآخر بأن الفاضل ينبغي أن يكون غير ما عنه يخرج وهذا ما أشار إليه الامام ويحسن أن يرتب فيقال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 188 (ان قلنا) الفطرة يجب أن تفضل عن عبد الخدمة فلا يباع شئ منه (وإن قلنا) لا يجب ذلك فوجهان للمأخذ الثاني وإن كان العبد مستغنى عنه جرى الخلاف بالنظر إلى المأخذ الثاني وإذا وقع السؤال عن مطلق العبد حصل في الجواب ثلاثة أوجه وهكذا أورد الامام رحمه الله (ثالثها) الفرق بين عبد الخدمة والعبد المستغي عنه وهو الاظهر وصور صاحب الكتاب المسألة في الوسيط فيما إذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 189 كان العبد مستغني عنه وربما أوهم ذلك تقييد الخلاف به ولا شك في انه لا يتقيد انما الكلام في انه هل يجزئ فيه الرابع لو فضل صاعان عن قدر الحاجة وفى نفقته جماعة فهل يقدم نفسه بواحد أم يتخير فيه وجهان لا يخفى خروجهما مما سبق الاصح انه يقدم نفسه ثم في الصاع الثاني ينظر ان كان من نفقته أقارب فيقدم منهم من يقدم في النفقة والقول في مراتبهم خلافا ووفاقا موضعه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 190 كتاب النفقات فان استووا فيتخير أم يقسط فيه وجهان وتوجيههما ما سبق ويتأيد وجه التقسيط بالنفقة فانها توزع في مثل هذه الحالة ولم يتعرضوا للاقراع ههنا وله مجال في نظائره (وقوله) في الكتاب ولو فضل صاع عن زكاته ونفقته أي ونفقة من في نفقته وأراد به ما إذا فضل صاعان علي ما أوضحناه لكن فرع في التصوير علي الاصح وهو انه يقدم نفسه بصاع فان اجتمعت الزوجة مع الاقارب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 191 ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) تقديم القريب لان علقته لا تنقطع وعلقة الزوجية؟ بعرض لها الانقطاع ويحكى هذا عن ابن أبى هريرة رحمه الله (وأصحهما) تقديم الزوجة لان نفقتها آكد ألا ترى انها لا تسقط بمضي الزمان (وثالثها) التخير وعلى الاصح فلو فضل صاع ثالث فاخراجه عن أقاربه على ما سبق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 192 فيما إذا تمحضوا وظاهر المذهب من الخلاف الذى ذكرناه ومما أخرناه إلى النفقات انه يقدم نفسه ثم زوجته ثم ولده الصغير ثم الاب ثم الام ثم ولده الكبير والله أعلم * قال (الطرف الثالث في الواجب وهو صاع مما يقتات والصاع أربعة امداد والمد رطل وثلث بالبغدادي) * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 193 الواجب في الفطرة من كل جنس يخرجه صاع وبه قال مالك وأحمد خلافا لابي حنيفة رحمهم الله إذ قال يكفى من الحنطة نصف صاع وعنه في الزبيب روايتان * لنا ما روى عن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه قال " كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلي الله عليه وسلم صاعا من طعام أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه ما عشت " 1 والصاع أربعة امداد والمد رطل وثلث فيكون الصاع بالارطال خمسة وثلثا * وقال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 194 أبو حنيفة رحمه الله الصاع ثمانية أرطال أربعة أمناء * لنا نقل أهل المدينة خلفا عن سلف ولمالك مع أبى يوسف رحمهما الله فيه قصة مشهورة 1 وجملة الصاع بالوزن ستمائة درهم وثلاثة وتسعون درهما وثلث درهم قال ابن الصباغ وغيره والاصل فيه الكيل وإنما قدره العلماء بالوزن استظهارا وقوله في الكتاب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 195 مما يقتات غير مجرى علي ظاهره لا في شمول الحكم لكل مقتات ولا في قصره عليه أما الاول فلان الاقوات النادرة كالفث وحب الحنظل وغيرهما لا يجرى نص عليه وقد بين في الكتاب ذلك بقوله من بعد والقوت ما يجب فيه العشر أي يعنى بالقوت ههنا ذلك وأما الثاني فلما سيأتي في الاقط ويجوز اعلام قوله مما يقتات بالواو لما سيأتي * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 196 قال (والقوت كل ما يجب فيه العشر وفى الاقط قولان للتردد في صحة حديث ورد فيه فان صح فاللبن والجبن في معناه المخيض والسمن ثم لا يجزئ المسوس والمعيب ولا الدقيق فانه بدل وقيل انه أصل) * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 197 غرض الفصل الكلام في جنس المخرج والذي سبق كان في قدره وكل ما يجب فيه العشر فهو صالح لاخراج الفطرة منه فمن أنواعه ما هو منصوص عليه في الخبر ومنها ما هو مقيس عليه وذكر الموفق ابن طاهر ان صاحب الافصاح حكى عن القديم قولا انه لا يجزئ إخراج العدس والحمص في الفطرة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 198 لانهما ادامان والمذهب الاول وفى الاقط طريقان (أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب انه علي قولين (أحدهما) انه لا يجوز اخراجه لانه اما غير مقتات أو مقتات لا عشر فيه فأشبه الفث وما إذا اقتاتوا ثمرة لا عشر فيها وبهذا قال أبو حنيفة إلا أن يخرجه بدلا بالقيمة (والثاني) وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله يجوز لحديث أبي سعيد وكلام الامام يقتضى ترجيح القول الاول وصغو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 199 الاكثرين إلى ترجيح الثاني ويحكى ذلك عن القاضى أبى حامد وبه أجاب منصور التميمي في المستعمل (والطريق الثاني) وبه قال أبو إسحق القطع بالجواز وانما علق القول فيه حين لم يصح الخبر عنده فلما صح جزم به فان جوزنا فقد ذكر في الكتاب ان الجبن واللبن في معناه وهذا أظهر الوجهين وفيه وجه ان الاخراج مهما لا يجزئ لان الخبر لم يرد بهما ويشبه أن يكون هذا الخلاف جاريا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 200 في إخراج من قوته الاقط واللبن والجبن لما بينهما من التقارب كأنهما جنس واحد وفى اخراج من قوته اللبن اللبن (أما) الاول فلان أصحابنا العراقيين حكوا عن القاضي أبى الطيب جواز اخراج اللبن مع وجود الاقط لانه يصلح للاقط وغيره وعن الشيخ أبى حامد انه لا يجزئ اللبن مع وجود الاقط الجزء: 6 ¦ الصفحة: 201 لانه يصلح للادخار واللبن لا يصلح له ففرض الخلاف في حالة وجود الاقط يدل علي ما ذكرناه: وأما الثاني فلان صاحب التهذيب حكي في الذين قوتهم اللبن ان في اخراجهم اللبن وجهين علي قولنا يجوز اخراج الاقط واتفقوا علي أن اخراج المخيض والمصل والسمن لا يجزئ لان الاقتيات انما يحصل عند اجتماع جزئي اللبن وهذه الاشياء لا تصلح للاقتيات حتى لو كان الجبن منزوع الزبد لم يكن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 202 مجزئا أيضا ثم في الفصل مسألتان (إحداهما) لا يجزئ المسوس والمعيب من هذه الاجناس كما لا يجزئ المعيب في سائر الزكوات وإذا جوزنا الاقط لم يجز إخراج المملح الذى أفسد كثرة الملح جوهره لانه معيب وإن لم يفسد جوهره لكن كان الملح ظاهرا عليه فالملح غير محسوب والشرط أن يخرج قدر ما يكون محض الاقط منه صاعا ويجزئ الحب القديم وان قلت قيمته بسبب القدم إذا لم يتغير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 203 طعمه ولونه (الثانية) لا يجزئ الدقيق ولا السويق ولا الخبز لان النص ورد بالحب وانه يصلح لما لا تصلح له هذه الاشياء فوجب اتباع مورد النص ولهذا منعنا إخراج القيمة وقال الانماطى يجزئ الدقيق قال ابن عبدان ويقتضي قوله إجزاء السويق وقياسه تجويز الخبز أيضا قال وهذا هو الصحيح لان المقصود اشباع المساكين في هذا اليوم ولنتكلم فيما يتعلق بلفظ الكتاب خاصة (قوله) والقوت كل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 204 ما يجب فيه العشر ليس المراد منه ان القوت هذا علي الاطلاق فان لفظ القوت يقع علي غيره ألا ترى أن الشافعي رضى الله عنه سمي الفث قوتا وإن لم يجب فيه العشر وانما المراد منه ان لفظ القوت إذا استعملناه في هذا الباب عنينا به ما يجب فيه العشر ثم نظم الكتاب يقتضى حصر الاجزاء فيما يجب فيه العشر لانه قال الواجب صاع مما يقتات ثم قال والقوت ما يجب فيه العشر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 205 وإنما يثبت الحصر إذا لم يحكم باجزاء الاقط وهو الاظهر عند الامام فلعل حجة الاسلام رحمه الله نحى نحوه لكن صغو الاكثرين الي أجزائه كما بيناه (وقوله) وفى الاقط قولان معلم بالواو للطريقة المعزية إلي أبي اسحق (وقوله) للتردد في صحة حديث ورد فيه أراد به ما ذكره الامام انه روى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 206 في بعض الروايات " أو صاعا من اقط " وليست هذه الرواية على الحد المرتضى عند الشافعي رضى الله عنه وليست علي حد التزييف عنده فتردد لذلك قوله (وقوله) فان صح فاللبن والجبن في معناه أي في ثبوت حكم الاجزاء وإلا فمطلق كونه في معناه غير مشروطه بالصحة بل ان صح فيشتركان في الاجزاء وان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 207 لم يصح ففي عدم الاجزاء ثم هو معلم بالواو لما سبق (وقوله) ولا الدقيق بالحاء والالف وكذا قوله بانه بدل فان عندهما هو مجزئ وهو أصل وأشار بقوله فانه بدل الي ان الابدال غير مجزئة في الزكاة علي أصلنا وهذا من جملتها لانه غير المنصوص عليه (وقوله) وقيل انه أصل هو الذى حكيناه عن الانماطي ونقل الامام الخلاف في الدقيق قولين عن رواية العراقيين وذكر انه مأخوذ من الاقط المضاف إلى اللبن * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 208 قال (ثم يتعين من الاقوات القوت الغالب يوم الفطر في قول وجنس قوته علي الخصوص في قول وقيل يتخير في الاقوات وإذا تعين فلو أبدل بالاشرف جاز كابدال الشعير بالبر ولو كان اللائق بحاله الشعير فأكل البر أو بالعكس جاز أخذ ما يليق بحاله ولو اختلف قوت مالكي عبد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 209 واحد لم يكن باختلاف النوعين باس وقيل يجب علي صاحب الاردإ موافقة صاحب الاشرف حذرا من التنويع) * هل يتخير مخرج الفطرة بين الاجناس المجزئة قال العراقيون والشيخ أبو علي فيه وجهان وقال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 210 المسعودي وطائفة قولان (أحدهما) انه يتخير لظاهر قوله في الخبر " صاعا من تمر أو صاعا من شعير " وبهذا قال أبو حنيفة رحمه الله وهو الاصح عند القاضي الطبري فيما حكى القاضي الروياني (وأصحهما) عند الجمهور انه لا يتخير وكلمة أو محمولة علي بيان الانواع كما في قوله تعالي (ان يقتلوا أو يصلبوا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 211 أو تقطع) فانه ليس للتخير وإنما هو لبيان انواع العقوبة المختلفة بحسب اختلاف الجريمة وعلي هذا فوجهان (أصحهما) وبه قال ابن سريج وأبو إسحق ان المعتبر غالب قوت البلد فان كان بالحجاز أخرج التمر وان كان ببلاد العراق أو خراسان فالحنطة وإن كان بطبرستان أو جيلان فالارز الجزء: 6 ¦ الصفحة: 212 ووجهه قوله صلي الله عليه وسلم " اغنوهم عن الطلب في هذا اليوم " ولو صرف إليه غير القوت الغالب لما كان مغنى عن الطلب فان الظاهر انه يطلب القوت الغالب في البلد وبهذا قال مالك (والوجه الثاني) وبه قال أبو عبيد بن حربويه ان المعتبر قوته علي الخصوص كما ان في الزكاة يعتبر نوع ماله لا الغالب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 213 قال ابن عبدان وهذا هو الصحيح عندي ويتعلق بهذا الاختلاف فروع (أحدها) إذا تعين جنس أما لكونه غالب قوت البلد أو لكونه غالب قوته فليس المراد منه انه لا يجوز العدول عنه بحال بل المراد انه لا يجوز العدول إلى ما هو أدني منه اما لو عدل إلى الاعلي فهو جائز بالاتفاق فان قيل إذا عينا جنسا فهلا امتنع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 214 العدول إلى غيره وان كان أعلا كما أن الفضة لما تعينت في الفضة امتنع العدول الي الذهب وكذلك يمتنع العدول من الغنم إلي الابل فيجوز أن يقال في الجواب الزكوات المالية متعلقة بالمال فأمر بأن يواسى الفقير مما واساه الله تعالي والفطرة زكاة البدن فوقع النظر فيها إلي ما هو غذاء البدن وبه قوامه والاقوات متشاركة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 215 في هذا الغرض وتعيين شئ منها رفق وترفيه فإذا عدل الي الاعلى كان في غرض هذه الزكاة كما لو أخرج كرائم ماشيته وفيما يعتبر به الادنى والاعلي وجهان (أحدهما) ان النظر إلي القيمة لانه ما كان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 216 أكثر قيمة كان أرفق بالمساكين وأشق علي المالك وبهذا قال احمد فيما حكاه القاضى الروياني (وأظهرهما) ان النظر الي زيادة صلاحية الاقتيات فعلي الاول يختلف الحال باختلف البلاد والاوقات إلا أن يعتبر زيادة القيمة في الاكثر وعلي الثاني البر خير من التمر والارز ورجح في التهذيب الشعير أيضا علي التمر وعن الشيخ أبي محمد رحمه الله أن التمر خير منه وله في الزبيب والشعير وفى التمر والزبيب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 217 تردد قال الامام والاشبه تقديم التمر علي الزبيب (الثاني) إذا قلنا المعتبر قوت كل شخص بنفسه وكان يليق بحاله البر وهو يقتات الشعير بخلا لزمه البر ولو كان يليق بحاله الشعير لكنه كان يتنعم باقيات البر فهل يجزئه الشعير فيه وجهان (أحدها) لا نظرا إلي اعادته (واصحهما) نعم نظرا الي اللائق بامثاله ويشبه أن يرجع هذا الخلاف الي اختلاف عبارتين للاصحاب في حكاية وجه ابن حربوبه فحكي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 218 بعضهم أن المعتبر قوت الشخص في نفسه وحكى آخرون أن المعتبر القوت اللائق بامثاله فعلي الثانية يجزئ الشعير وعلي الاول لا يجزئ (والثانية) هي التى أوردها الصيدلاني وجمع صاحب التهذيب بينهما ورجح الثانية (الثالث) قد يخرج الواحد الفطرة عن شخصين من جنسين فيجزئه كما إذا اخرج عن احد عبديه أو قريبيه من غالب قوت البلد إن اعتبرناه أو من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 219 غالب قوته ان اعتبرناه وعن الآخر من جنس أعلا منه وكذا لو ملك نصفين من عبدين فأخرج نصف صاع عن احد النصفين من الواجب ونصفا عن الثاني من جنس اعلا منه وإذا خيرنا بين الاجناس فله اخراجها من جنس بكل حال ولا يجوز أن يخرج الواحد عن الواحد الفطرة من جنسين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 220 وان كان احدهما اعلا من الواجب كما إذا وجب الشعير فأخرج نصف صاع منه ونصفا من الحنطة ورأيت لبعض المتأخرين تجويزه وبه قال ابو حنيفة * لنا ظاهر الحديث " فرض النبي صلي الله عليه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 221 وسلم صاعا من شعير أو صاعا من تمر " وإذا بعض لم يخرج صاعا من تمر ولا صاعا من شعير وايضا فانها واجب واحد فلا يجوز تبعيضه كمالا يجوز في كفارة اليمين ان يطعم خمسة ويكسو خمسة ولو ملك رجلان عبدا فان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 222 خيرنا بين الاجناس أخرجا ما شاء بشرط اتحاد الجنس وان أوجبنا غالب قوت البلد وكانا في بلد واحد أخرجا بحسب الملك صاعا منه هكذا أطلقوه وهو محمول علي ما إذا كان العبد عندهما أيضا لانه إذا كان غائبا وجب النظر في ان الفطرة تجب علي السيد ابتداء أم هو متحمل لما سنرويه عن الشيخ أبى على ولان صاحب التهذيب حكي انه لو كان له عبد غائب وقوت بلده يخالف قوت بلد العبد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 223 فالواجب قوت بلده أو قوت بلد العبد يخرج علي الاصل المذكور وان كان السيدان في بلدين مختلفى القوت واعتبرنا قوت الشخص بنفسه وختلف قوتهما ففيه وجهان (أظهرهما) وبه قال أبو إسحاق وابن الحداد انه يجوز أن يخرج كل واحد منهما قدر ما يلزمه من قوته أو قوت بلده لانهما إذا أخرجا هكذا أخرج كل واحد منهما جميع ما لزمه من جنس واحد وشبه ذلك بما إذا قتل ثلاثة من المحرمين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 224 ظبية فذبح أحدهم ثلاث شياه واطعم الثاني بقيمة ثلاث شياه وصام الثالث عدل ذلك يجزئهم (والثاني) وبه قال ابن سريج لا يجوز ذلك لان المخرج عنه واحد فلا يتبعض واجبه وعلي هذا فوجهان (أحدهما) وهو الذى أورده الامام والمصنف ان علي صاحب الاردإ موافقة صاحب الاشرف احترازا من التفريق ومحافظة على جانب المساكين (والثاني) ان صاحب الاشرف ينزل ويوافق صاحب الاردإ دفعا للضرر عنه وهذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 225 حكاه القاضي الروياني وغيره عن ابن سريج قال الشيخ ابو على الوجهان عندي في الاصل مخرجان علي أن فطرة العبد تجب على السيد ابتداء أو هو متحمل (ان قلنا) بالاول جاز التبعيض (وان قلنا) بالثاني فلا لان العبد واحد لا يلزمه الفطرة من جنسين والشئ لا يتحمل ضمانا الا كما وجب * ذكر الشيخ هذا فيما إذا اعتبرنا قوت الشخص في نفسه واختلف قوتهما ولقائس أن يخرج الوجهين إذا اعتبرنا قوت البلد وكانا مختلفى القوت علي هذا الاصل أيضا ثم ان كان العبد في بلد أحدهما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 226 فعلي التقدير الثاني يلزمهما صاع من قوت ذلك البلد وان كانا في بلد ثالث يلزمهما صاع من قوت ذلك البلد الثالث وهذا وجه قد رواه صاحب الشامل وآخرون مرسلا قالوا يخرجان صاعا من قوت بلد العبد ولو كان الاب في نفقة ولدين فالقول في إخراجهما الفطرة نه كالقول في السيدين وكذا من نصفه حر ونصفه رقيق إذا أوجبنا عليه نصف الفطرة على التفصيل الذى سبق فيه فعند ابن الحداد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 227 يجوز أن يخرجا من جنسين وعند ابن سريج لا يجوز (الرابع) ان أوجبنا غالب قوت البلد وكانوا يقتاتون أصنافا مختلفة وليس بعضها أغلب من بعض فله أن يخرج ما شاء والافضل أن يخرج من الاشرف * ونعود بعد هذا إلى ما يتعلق بلفط الكتاب (أما) قوله ثم يتعين من الاقوات القوت الغالب معلم بالحاء (وقوله) وجنس قوته بالحاء والميم (وقوله) يتخير بالميم لما رويناه ويجوز اعلامها جميعا بالالف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 228 وكذا اعلام قوله قبل هذا الفصل مما يقتات لان ابن الصباغ روى عن احمد انه لا يجوز أن يخرج الا من الاجناس الخمسة المنصوص عليها أي في حديث أبى سعيد (وقوله) القوت الغالب يوم الفطر التقييد بيوم الفطر لم أظفر به في كلام غيره وبين لفظه ههنا ولفظه في الوسيط بعض المباينة لانه قال فيه المعتبر غالب قوت البلد في وقت وجوب الفطرة لا في جميع السنة (وقوله) وجنس قوته علي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 229 الخصوص ظاهره يشعر بالعبارة الاولي من العبارتين الحاكيتين لوجود ابن حربويه وتسمية الاول والثانى قولين لا تكاد يوجد لغيره وانما حكاهما الجمهور وجهين (وأما) قوله وقيل يتخير فمنهم من حكاه قولا علي ما سبق (وقوله) ولو كان اللائق بحالة الشعير يتفرع علي اعتبار قوت الشخص دون اعتبار القوت الغالب وإن كان معطوفا علي ما يتفرع عليهما جميعا (وقوله) أخذ مما يليق يحاله يجوز إعلامه بالواو لاحد الوجهين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 230 في الصورة الاولي انه يتعين إخراج البر (وقوله) ولو اختلف قوت مالكى عبد تفريع للمسألة علي اعتبار قوت الشخص وهو صحيح لكنها لا تختص بل تتفرع على أن المعتبر غالب قوت البلد أيضا على الوجه الذى تقدم واطلاق النوع في المسألة توسع والمراد الجنس * {خاتمة} في باب الفطرة مسائل ذات وقع منصوص عليها في المختصر أهملها المصنف ونحن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 231 لم نؤثر الاعراض عنها (احداها) إذا باع عبدا بشرط الخيار فوقع وقت الوجوب في زمان الخيار (إن قلنا) الملك في زمان الخيار للبائع فعليه فطرته وان أمضى البيع (وان قلنا) للمشترى فعليه فطرته وان فسخ البيع وان توقفنا فان تم البيع فعلي المشترى والا فعلي البائع وان تبايعا ووقع وقت الوجوب في مجلس الخيار كان كما لو وقع في زمان الخيار المشروط الجزء: 6 ¦ الصفحة: 232 (الثانية) لو مات عن رقيق ثم أهل شوال فان لم يكن عليه دين أخرج ورثته الفطرة عن الرقيق كل بقدر حصته وان كان عليه دين يستغرق التركة فالذي نقله المزني ان عليهم الفطرة من غير فرق بين أن يباع في الدين أو لا يباع وعن الربيع عن الشافعي رضي الله عنه ان عليهم اخراج الفطرة ان بقى الرقيق لهم فجعلوا المسألة علي قولين إذا بيع في الدين * وجه الوجوب انه ملكهم الا انه غير مستقر وذلك لا يمنع وجوب الفطرة فانها تجب مع انتفاء الملك أصلا ورأسا فأولى أن تجب مع ضعف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 233 الملك ووجه المنع ان ايجاب الفطرة مع نقصان الملك وكونه بعرض الزوال اجحاف بهم وبنى الاكثرون المسألة أولا علي اصل وهو أن الدين هل يمنع انتفاء الملك في التركة الي الورثة فظاهر المذهب. وهو نصه ههنا انه لا يمنع لانه ليس فيه أكثر من تعلق الدين به وذلك لا يمنع الملك كما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 234 في المرهون والعبد الجاني وقال الاصطخرى يمنع وربما جعل هذا قولا ضعيفا للشافعي رضى الله عنه ووجهه ان لله تعالى جده قدم الدين علي الميراث حيث قال (من بعد وصية يوصي بها أو دين) فان قلنا بالاول فعليهم فطرته بيع في الدين أو لم يبع وفهمت من كلام الامام أنه يجئ فيه الخلاف المذكور في المرهون والمغصوب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 235 (وان قلنا) بالثاني فان بيع في الدين فلا شئ عليهم وإلا فعليهم الفطرة وفى الشامل حكاية وجه مطلق انه لا شئ عليهم ويشبه أن يكون مأخذهما ما حكاه الامام ان أكثر المفرعين علي المذهب المنسوب الي الاصطخرى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 236 يقولون بالتوقف أن صرف العبد إلى الدين بان انهم لم يملكوها وان أبرأ أصحاب الديون أو قضاها الورثة من غير التركة بان انهم ملكوها وان بعضهم قال بثبوت الملك للورثة عند زوال الديون ابتداء من غير اسناد وتبين وعن القاضى أبى الطيب ان فطرته تجب في تركة السيد علي أحد القولين كالعبد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 237 الموصي بخدمته هذا إذا مات السيد قبل استهلال الهلال وإن مات بعده ففطرة العبد واجبة عليه كفطرة نفسه وتقدم علي الوصايا والميراث وفى تقديمها علي الديون طريقان (أظهرهما) انه علي ثلاثة أقوال علي ما قدمناها في زكاة المال (والثانى) القطع بتقديم الفطرة لانها متعلقة بالعبد واجبة بسببه فصار كارش جنايته (وأما) فطرة نفسه فهى علي الاقوال وحكى القاضى الروياني طريقة أخرى قاطعة بتقديم فطرة نفسه أيضا لقلتها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 238 في الغالب وسواء أثبتنا الخلاف أم لا فالمنصوص عليه في المختصر تقديم الفطرة على الدين وذلك انه قال ولو مات بعد ما أهل شوال وله رقيق فزكاة الفطر عنه وعنهم في ماله مبداة علي الديون ولك أن تحتج بهذا النص علي خلاف ماقاله الامام وتابعه المصنف لان سياقه يفهم أن المراد مااذا طرأت الفطرة علي الدين الواجب وإذا كان كذلك لم يكن الدين مانعا منها وبتقدير الا يكون هو المراد لكن اللفظ مطلق يشمل ما إذا طرأت الفطرة علي الدين وبالعكس فاقتضى ذلك ألا يكون الدين مانعا (الثالثة) أوصى لانسان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 239 بعبد ومات الموصي بعد مضى وقت الوجوب فالفطرة في تركته وان مات قبله وقبل الموصى له الوصية قبل الهلال فالفطرة عليه وان لم يقبل حتى دخل وقت الوجوب فعلي من الفطرة يبني علي أن الموصى له متى يملك الوصية (ان قلنا) يملكها بموت الوصي فان قبل فعليه الفطرة بلا شك وان رد ففيه وجهان حكاهما الشيخ أبو علي (أصحهما) الوجوب لانه كان مالكا للعبد إلى أن رد (والثاني) لا لعدم استقرار ملكه (وان قلنا) انها تملك بالقبول فيبنى علي أن الملك قبل القبول لمن يكون الجزء: 6 ¦ الصفحة: 240 وفيه وجهان (أصحهما) انه للورثة فعلى هذا ففي الفطرة وجهان (أصحهما) انها عليهم (والثاني) لا لانا تبينا بالقبول ان ملكهم لم يستقر عليه (والوجه الثاني) انه باق على ملك الميت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 241 فعلى هذا لا تجب فطرته علي أحد لان إيجابها على الميت ابتداء بعيد وغيره غير مالك وفى التهذيب حكاية وجه آخر انها تجب في تركته (وان قلنا) بالتوقف فان قبل فعليه الفطرة والا فعلى الورثة هذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 242 كله إذا قبل الموصى له ولو مات قبل القبول وبعد وقت الوجوب فقبول وارثه يقوم مقام قبوله والملك يقع له فحيث أوجبنا عليه الفطرة لو قبلها بنفسه فهي في تركته إذا قبل وارثه فان لم يكن له الجزء: 6 ¦ الصفحة: 243 سوى العبد تركة ففى بيع جزء منه للفطرة ما سبق ولو مات قبل وقت الوجوب أو معه فالصدقة علي الورثة إذا قبلوا لان وقت الوجوب كان في ملك الورثة والله اعلم (واعلم) أن حجة الاسلام رحمه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 244 الله وان أهمل هذه المسألة الثالثة في هذا الموضع الا انه أشار إليها اشارة خفيفة في آخر الباب الاول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 245 من كتاب الوصايا وفقهها على الاختصار ما أتيت به * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 246 [كتاب الصيام] قال {والنظر في الصوم والفطر (أما) الصوم فالنظر في سببه وركنه وشرطه وسننه (أما سببه) فرؤية الهلال ويثبت بشهادة عدلين وان كانت السماء مصحية ويثبت بشهادة واحد على قول احتياطا للعبادة بخلاف هلال شوال ويثبت لمن تقبل روايته على قول سلوكا به مسلك الاخبار فان صمنا بقول واحد ولم نر هلال شوال بعد ثلاثين لم نفطر بقوله السابق وقيل نفطر لان الاخير يثبت ضمنا لثبوت الاول لا قصدا بالشهادة عليه} الجزء: 6 ¦ الصفحة: 247 قال الله تعالى (كتب عليكم الصيام) الآيات وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بني الاسلام على خمس " الحديث وذكر للاعرابي الذى سأله عن الاسلام " صوم شهر رمضان فقال هل علي غيره فقال لا إلا أن تتطوع " (وقوله) في صدر الكتاب والنظر في الصوم والفطر لم يعن به مطلق الصوم والفطر وإنما عنى به صوم رمضان والفطر الواقع فيه ألا ترى أنه قال في آخر الكناب اما صوم التطوع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 248 فكذا أشار إلي أن ما سبق كلام في الصوم المفروض وأيضا فانه قال والنظر في سببه ومعلوم أن المذكور سبب صوم رمضان لا سبب مطلق صوم الفرض وما هو اعم منه وهو الصوم وأيضا فان القسم الثاني معقود في مبيحات الافطار وموجباته وهى مخصوصة بصوم رمضان إلا أن معظم الكلام المذكور في نظرى الركن والشرط لا اختصاص له بصوم رمضان وكان الاحسن في الترتيب ان يبين صفة الصوم مطلقا بذكر ركنيه وشروطه ثم يتكلم فيما يخص كل واحد من نوعي الفرض والنفل * وفقه الفصل أن صوم رمضان يجب بأحد أمرين (إما) استكمال شعبان ثلاثين (أو) رؤية الهلال لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال " لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فان غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " أما استكمال شعبان فظاهر (وأما) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 249 رؤية الهلال فالناس ضربان (من) رأى الهلال فيلزمه الصوم قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " صوموا لرؤيته " ومن لم يره فبم تثبت الرؤية في حقه إن شهد عدلان تثبت وإن شهد واحد فقولان (احدهما) وبه قال مالك وهو رواية البويطي أنها لا تثبت لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " صوموا لرؤبته وافطروا لرؤيته فان غم عليكم فاكملوا شعبان ثلاثين يوما ألا ان يشهد شاهدان " ولانه لا يحكم في هلال شوال الا بقول عدلين فكذلك في هلال رمضان (واصحهما) وهو الذى نص عليه في أكثر كتبه وبه قال احمد في الرواية الصحيحة عنه انها تثبت لما روى عن ابن عباس رضى الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 250 عنهما " ان اعرابيا جاء إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال انى رأيت الهلال فقال اتشهد ان لا اله إلا الله فقال نعم فقال اتشهد ان محمدا رسول الله قال نعم قال فأذن في الناس يا بلال فليصوموا غدا " وعن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 251 ابن عمر رضى الله عنهما قال " تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلي الله عليه وسلم انى رأيته فصام وامر الناس بالصيام " والمعنى فيه الاحتياط لامر الصوم قال علي رضى الله لان اصوم يوما من شعبان احب من ان افطر يوما من رمضان ونقل الشيخ ابو محمد عن ابى اسحق طريقة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 252 قاطعة بقبول قول الواحد والمشهور طريقة القولين (التفريع) ان قلنا لا بد من اثنين فلا مدخل لشهادة النساء فيه ولا اعتبار بقول العبيد ولا بد من لفظ الشهادة وتختص بمجلس القضاء لكنها شهادة حسبة لا ارتباط لها بالدعاوي كذلك حكاه الامام وان قبلنا قول واحد فهل هو على طريق الشهادة أم علي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 253 طريق الرواية فيه وجهان (اصحهما) انه شهادة الا ان العدد سومح به والبينات مختلفة المراتب (والثاني) وبه قال ابو اسحق انه رواية لان الشهادة ما يكون الشاهد فيها بريئا وهذا خبر عما يستوى فيه المخبر وغير المخبر فأشبه رواية الخبر عن النبي صلي الله عليه وسلم فعلي الاول لا يقبل فيه قول المرأة والعبد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 254 ويحكي ذلك عن نصه في الام وعلي الثاني يقيل وهل يشترط لفظ الشهادة قال الشيخ أبو على وغيره هو علي الوجهين ومنهم من قدر اشتراطه متفقا عليه * واحتج به للوجه الاول وهل يقبل قول الصبى المميز الموثوق به على الوجه الثاني قال الامام فيه وجهان مبنيان علي قبول رواية الصبيان وجزم في التهذيب بعدم القبول مع حكاية الخلاف في روايته وهو المشهور وذكر الامام وابن الصباغ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 255 تفريعا علي الوجه الثاني أنه إذا أخبره موثوق به عن رؤية الهلال لزم اتباع قوله وان لم يذكر بين يدى القاضى وقالت طائفة يجب الصوم بذلك إذا اعتقد المخبر صادقا ولم يفرعوه علي شئ ومن هؤلاء ابن عبدان وصاحب التهذيب وكذلك ذكر المصنف في الاحياء والله أعلم * وعلي القولين جميعا لا يقبل قول الفاسق لكن ان اعتبرنا العدد اعتبرنا العدالة الباطنة وهى التى يرجع فيها إلى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 256 أقوال المزكيين وان لم نعتبر العدد ففي اعتبار العدالة الباطنة وجهان جاريان في قبول رواية المستور قال الامام واطلق بعض المصنفين الاكتفاء بالعدالة الظاهرة وهو بعيد نعم قد نقول يأمر القاضي بالصوم بظاهر العدالة كى لا يفوت الصوم ثم نبحث بعد ذلك ولا فرق علي القولين بين ان تكون الجزء: 6 ¦ الصفحة: 257 السماء مصحية أو متغيمة * وعند ابى حنيفة يثبت هلال رمضان في الغيم بواحد وفى الصحو يعتبر الاستفاضة والاشتهار ويختلف ذلك باختلاف صغر البلدة وكبرها قال الرويانى وربما قالوا يعتبر عدد القسامة خمسون رجلا وإذا صمنا بقول واحد تفريعا على أصح القولين ولم نر الهلال بعد ثلاثين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 258 فهل نفطر فيه وجهان (أحدهما) لا لانا لو أفطرنا لكنا مفطرين بقول واحد والافطار بقول واحد لا يجوز ألا ترى أنه لو شهد علي هلال شوال ابتداء لم نفطر بقوله (والثاني) نفطر لان الشهر يتم بمضي ثلاثين وقد ثبت أوله بقول الواحد ويجوز أن يثبت الشئ ضمنا بما لا يثبت به اصلا ومقصودا الا ترى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 259 ان النسب والميراث لا يثبتان بشهادة النساء ويثبتان ضمنا للولادة إذا شهدن عليها واعترض الامام عليه بان النسب لا يثبت بقولهن لكن إذا ئبتت الولادة ثبت النسب بحكم الفراش القائم وههنا بخلافه وللمحتج أن يقول لا معنى للثبوت الضمني الا هذا وخذ منى مثله ههنا عندي لا نفطر بقوله لكن إذا ثبت أول الشهر انتهي بمضي ثلاثين يوما وجاء العيد ولا صوم يوم العيد وما موضع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 260 الوجهين نقل في التهذيب فيه طريقين (أحدهما) أن الوجهين فيما إذا كانت السماء مصحية أما إذا كانت متغيمة فنفطر بلا خلاف وهذا ما اورده صاحب العدة واوفقهما لكلام صاحب الكتاب والاكثرين ان الوجهين شاملان للحالتين ثم إيراد الكتاب يقتضي ترجيح الوجه الاول لكن المعظم رجحوا الثاني وحكوه عن نصه في الام وبه قال ابو حنيفة رحمه الله ولو صمنا بقول عدلين ولم نر الهلال بعد ثلاثين فان كانت السماء متغيمة أفطرنا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 261 وعيدنا وان كانت مصحية فكذلك عند عامة الاصحاب وحكاه في الشامل عن نصه في الام وحرمله لان العدلين لو شهدا ابتداء على هلال شوال لقبلنا شهادتهما وافطرنا فلان نفطر بناء علي ما أثبتناه بقولهما أولا أولى وقال ابن الحداد لا نفطر وينسب إلى ابن سريج أيضا وبه قال مالك لانا انما نتبع قولهما بناء علي الظن وقد تبقنا خلافه وقد عرفت بما ذكرنا أن في الصورتين وجهين الا أن الافطار الجزء: 6 ¦ الصفحة: 262 في الثانية أظهر منه في الاولى وفرع بعضهم على قول ابن الحداد فقال لو شهد اثنان على هلال شوال ثم لم ير الهلال والسماء مصحية بعد ثلاثين قضينا صوم أول يوم أفطرنا فيه لانه بان كونه من رمضان لكن لا كفارة على من جامع لان الكفارة تسقط بالشبهة وعلي ظاهر المذهب لا قضاء ولا كفارة ويتعلق بالقولين في اعتبار العدد مسألة اخرى وهي ان الهلال هل يثبت بالشهادة علي الشهادة وقد حكى الشيخ أبو على فيه طريقين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 263 (أحدهما) أنه علي القولين في أن حدود الله تعالي هل تثبت بالشهادة علي الشهادة (واصحهما) القطع بثبوته كالزكاة واتلاف بوارى المسجد والخلاف في الحدود المبنية على الدفع والدرء وعلى هذا فعدد الفروع مبنى علي القول في الاصول ان اعتبرنا العدد في الاصول فحكم الفروع ههنا حكمهم في سائر الشهادات ولا مدخل فيه لشهادة النساء والعبيد وان نعتبر العدد (فان قلنا) ان طريقه طريق الرواية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 264 فوجهان (احدهما) انه يكفى واحد كرواية الاخبار (والثانى) لابد من اثنين قال في التهذيب وهو الاصح لانه ليس بخبر من كل وجه بدليل انه لا يكفى ان يقول اخبرني فلان عن فلان انه رأى الهلال وعلي هذا فهل يشترط اخبار حرين ذكرين ام يكفى امراتان وعبدان فيه وجهان (اظهرهما) الاول ونازع الامام في انه لا يكفى قوله اخبرني فلان عن فلان علي قولنا أنه رواية (وان قلنا) ان طريقه طريق الشهادة فهل يكفى واحد ام لابد من اثنين فيه وجهان المذكور في التهذيب منهما الثاني ولنعد الي مافى لفظ الكتاب (قوله) أما السبب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 265 فرؤية الهلال يشعر ظاهره بالحصر لكن الحصر غير مراد منه بل استكمال شعبان في معنى رؤية الهلال علي ما بيناه والتحقيق أن السبب شهود الشهر لا هذا ولا ذاك ولكنهما طريقان لمعرفة شهود الشهر ولا يلحق بهما ما يقتضيه حساب المنجم فلا يلزم به شئ لا عليه وعلي غيره قال القاضي الرويانى وكذا من عرف منازل القمر لا يلزمه الصوم به في أصح الوجهين (وأما) الجواز فقد قال في التهذيب لا يجوز تقليد المنجم في حسابه لا في الصوم ولا في الافطار وهل يجوز له أن يعمل بحساب نفسه فيه وجهان وفرض الرويانى الوجهين فيما إذا عرف منازل القمر وعلم به أن الهلال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 266 قد أهل وذكر أن الجواز اختيار ابن سريج والقفال والقاضى الطبري قال ولو عرفه بالنجوم لم يجز ان يصوم به قولا واحدا ورأيت في بعض المسودات تعدية الخلاف في جواز العمل به الي غير المنجم والله أعلم * وسنذكر فائدة الجواز حيث حكمنا به من بعد (وقوله) وإن كانت السماء مصحية معلم بالحاء (وقوله) يثبت بشهادة واحد بالميم وكذا قوله ويثبت بمن تقبل روايته لما سبق والاغلب علي الظن أنه قصد أن يورد الخلاف في المسألة كما اورده في الوسيط وهو حكاية ثلاثة أقوال في قبول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 267 قول الواحد (أحدها) انه لا يقبل (والثاني) يقبل بشرط ان يكون من اهل الشهادة (والثالث) يقبل إذا كان من اهل الرواية ثم أنه اغفل الاول واورد الآخيرين وهما مفرعان على قبول قول الواحد ولو اعلما بالواو لمكان الاول جاز ثم الجمهور اوردوهما وجهين لا قولين نعم ذكر الصيدلانى انهما قولان من تخريج ابن سريج فيجوز تنزيلهما عليه (وقوله) بخلاف هلال شوال يجوز ان يعلم بالواو لا لان ابا ثور قال بثبوته بقول واحد فان له مذهبا تفرد به ولكن لانه حكى عن صاحب التقريب أنه ميل القول فيه وقال بعد رواية مذهب أبي ثور وهذا لو قلت به لواكن مبعدا ووجهه انه اخبار الجزء: 6 ¦ الصفحة: 268 عن خروج وقت العبادة فيقبل فيه قول الواحد كالاخبار عن دخول وقتها (وقوله) لم نفطر معلم بالحاء لما سبق ويجوز ان يعلم قوله يفطر في الوجه الثاني بالميم لان مالكا منع من الافطار إذا إذا صمنا بقول عدلين ولم نر الهلال فاولي ان نمنع إذا صمنا بقول واحد ولم نره (واعلم) ان صاحب التهذيب رحمه الله ذكر تفريعا على الحكم بقبول الواحد انا لا نوقع به العتق والطلاق المعلقين بهلال رمضان ولا نحكم بحلول الدين المؤجل به ولو قال قائل هلا ثبت ذلك ضمنا كما سبق نظيره لاحوج إلى الفرق والله اعلم * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 269 قال {فإذا رؤى الهلال في موضع لم يلزم الصوم في موضع آخر بينهما مسافة القصر إذا لم ير فيه وقيل يعم حكمه سائر البلاد فعلي الاول لو سافر الصائم إلي بلد آخر لم ير فيه الهلال بعد ثلاثين صام معهم بحكم الحال ولو كان أصبح معيدا وسارت به السفينة الي حيث لم ير الهلال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 270 كان الاولى أن يمسك بقية النهار ويبعد ايجابه فان فيه تجزئة اليوم وإذا رأى هلال شوال قبل الزوال لم يجز (ح) الافطار إلا بعد الغروب} في الفصل مسألتان (إحداهما) إذا رؤى الهلال في بلدة ولم ير في أخرى نظر إن تقاربت البلدتان فحكمهما حكم البلده الواحدة وإن تباعدتا فوجهان (أظهرهما) وبه قال ابو حنيفة رحمه الله وهو اختيار الجزء: 6 ¦ الصفحة: 271 الشيخ أبي حامد انه لا يجب الصوم على اهل البلدة الاخرى لما روى عن كريب قال " رأينا الهلال بالشام ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة فقال ابن عباس رضي الله عنهما متى رأيتم الهلال قلت ليلة الجمعة فقال انت رأيت قلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية فقال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل العدد أو نراه قلت اولا تكتفى برؤية معاوية قال هكذا امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " (والثانى) يجب وهو اختيار القاضى ابى الطيب ويروى عن احمد لان الارض الجزء: 6 ¦ الصفحة: 272 مسطحة فإذا رؤى في بعض البلاد عرفنا ان المانع في غيره شئ عارض لا أن الهلال ليس بمحل الرؤيه * وبم يضبط تباعد البلدتين اعتبر في الكتاب مسافة القصر وكذلك نقله الامام وصاحب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 273 التهذيب قال الامام ولو اعتبروا مسافة يظهر في مثلها تفاوت في المناظر لكان متجها في المعنى وقد يوجد التفاوت مع قصور المسافة عن مسافة القصر للارتفاع والانخفاض وقد لا يوجد مع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 274 مجاوزتها لها لكن لا قائل به هكذا ذكره لكن العراقيون والصيدلاني وغيرهم اعتبروا ما تمناه وضبطوا التباعد بان يكون بحيث تختلف المطالع كالعراق والحجاز والعراق وخراسان والتقارب بان لا تختلف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 275 كبغداد والكوفة والرى وقزوين ومنهم من اعتبر اتحاد الاقليم واختلافه ويتفرع علي الوجهين فرعان (احدهما) لو شرع في الصوم في بلد ثم سافر الي بلد بعيد لم ير الهلال فيه في يومه الاول (فان قلنا) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 276 لكل بلدة حكمها فهل يلزمه أن يصوم معهم أم يفطر فيه وجهان أظهرهما وبه قال القفال وهو المذكور في الكتاب أنه يصوم معهم لانه بالانتقال إلى بلدتهم أخذ حكمهم وصار من جملتهم وقد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 277 روى ان ابن عباس رضي الله عنهما " امر كريبابان يقتدى باهل المدينة " (والثانى) أنه يفطر لانه التزم حكم البلدة الاولى فيستمر عليه وشبه ذلك بمن أكرى دابة يجب الكراء بنقد البلد المنتقل عنه واوهم في التهذيب ترجيح هذا الوجه وإن عممنا الحكم سائر البلاد فعلي أهل البلدة المنتقل إليها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 278 موافقته إن ثبت عندهم حال البلدة المنتقل عنها إما بقوله لعدالته أو بطريق آخر وعليهم قضاء اليوم الاول ولك ان تقول قياسا علي هذا لو سافر من البلدة التى رؤى فيها الهلال ليلة الجمعة إلى التى رؤى فيها الهلال ليلة السبت ورؤى هلال شوال ليلة السبت فعليهم التعييد معه وان لم يصوموا إلا ثمانية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 279 وعشرين يوما ويقضون يوما وعلي قياس الوجه الاول لا يلتفتون إلى قوله رأيت الهلال وإن قبلنا في الهلال قول عدل وعلي عكسه لو سافر من حيث لم ير فيه الهلال الي حيث رؤى فعيدوا اليوم التاسع والعشرين من صومه فان عممنا الحكم أو قلنا له حكم البلد المنتقل إليه عيد معهم وقضى يوما وان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 280 لو نعمم الحكم أو قلنا له حكم البلد المنتقل عنه فليس له ان يفطر (الثاني) لو رؤى الهلال في بلد فاصبح الشخص معيدا وسارت به السفينة وانتهى الي بلدة علي حد البعد فصادف أهلها صائمين فعن الشيخ أبي محمد انه يلزمه امساك بقية اليوم إذا قلنا ان لكل بلدة حكمها. واستعبده الامام من حيث انه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 281 لم يرد فيه اثر ويجزئه اليوم الواحد وايجاب امساك بعضه بعيد وتابعه صاحب الكتاب فقال ويبعد ايجابه الي آخره وللشيخ ان يقول لم لا يجوز ان يجب امساك بعض اليوم الا ترى أن من اصبح يوم الثلاثين من شعبان مفطرا ثم قامت البينة علي رؤية الهلال يجب عليه امساك بقية النهار (وقوله) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 282 الاولي امساك بقية النهار انما حسن منه لانه نفى الوجوب اما من يوجبه فلا يقول للمحتوم انه اولى فيجوز ان يعلم بالواو لقوله (واعلم) ان هذه المسألة يمكن تصويرها علي وجهين (أحدهما) ان يكون ذلك اليوم الثلاثين من صوم اهل البلدتين لكن اهل البلدة المنتقل إليها لم يروا الهلال (والثانى) ان يكون الجزء: 6 ¦ الصفحة: 283 اليوم التاسع والعشرين لاهل البلدة المنتقل إليها لتأخر ابتداء صومهم بيوم وامساك بقية اليوم في الصورتين ان لم نعمم الحكم علي ما ذكرنا. وجواب الشيخ ابى محمد كما هو مبنى علي ان لكل بلدة حكمها فهو مبني ايضا على ان للمنتقل حكم المنتقل إليه وان عممنا الحكم فاهل البلد المنتقل إليه إذا كانوا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 284 يعرفون في أثناء اليوم انه يوم عيد فهو شبيه بما إذا شهد الشهود على رؤية الهلال يوم الثلاثين وقد سبق بيانه في صلاة العيد وان اتفق هذا السفر لعدلين وقد رأيا الهلال بنفسيهما وشهدا في البلدة المنتقل إليها فهذا عين الشهادة بروية الهلال في يوم الثلاثين في التصوير الاول (وأما) في التصوير الثاني فان عممنا الحكم جميع البلاد لم يبعد ان يكون الاصغاء الي كلامهما علي ذلك التفصيل أيضا فان قبلوا قضوا يوما وان لم نعمم الحكم لم يلتفت الي قولهما ولو كان الامر بالعكس فاصبح الرجل صائما وسارت به السفينة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 285 الي حيث عيدوا فان عممنا الحكم أو قلنا له حكم البلدة المنتقل إليها افطر وإلا لم يفطر وإذا افطر قضي يوما ان لم يصم الا ثمانية وعشرين يوما (المسألة الثانية) إذا رؤى الهلال بالنهار يوم الثلاثين فهو لليلة المستقبلة سواء رؤى قبل الزوال أو بعده فان كان هلال رمضان لم يلزمهم امساك ذلك اليوم وان كان هلال شوال وهو المذكور في الكتاب لم يكن لهم الافطار حتي تغرب الشمس وعند ابي يوسف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 286 ان رؤى قبل الزوال فهو لليلة الماضية وبه قال احمد فيما إذا كان المرئى هلال رمضان وان كان المرئي هلال شوال فعنه روايتان * لنا ماروى عن سفيان بن سلمة رضى الله عنه قال " جاءنا كتاب عمر ين الخطاب رضي الله عنه ونحن بخانقين ان الاهلة بعضها اكبر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى تمسوا " وفى رواية " فإذا رأيتم الهلال من أول النهار فلا تفطروا حتى يشهد شاهدان انهما رأياه بالامس " إذا عرفت ذلك لم يخف عليك ان قوله قبل الزوال ليس لتخصيص الحكم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 287 به لكنه موضع الشبهة والخلاف فلذلك خصه بالذكر فاما بعد الزوال فهو متفق عليه وقد أعلم في النسخ قوله لم يجز الافطار بالحاء لان الامام والمصنف في الوسيط نسبا قول ابي يوسف الي ابي حنيفة رحمهم الله وهو غير ثابت نعم يجوز اعلامه بالالف لاحدى الروايتين عن احمد والله أعلم * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 288 قال {القول في ركن الصوم وهو النية والامساك (أما) النية فعليه أن ينوى لكل يوم (م) نية معينة (ح و) مبيتة (ح) جازمة. والتعيين أن ينوى اداء فرض صوم رمضان غدا وقيل لا يتعرض للفرضية وقيل يتعرض لرمضان هذه السنة} * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 289 ذكرنا اختلاف الاصحاب في ان النية ركن في الصلاة ام شرط ولم يوردوا الخلاف ههنا والاليق بمن اختار كونها هناك شرطا ان يقول بمثله ههنا ومنهم صاحب الكتاب وحينئذ يتمحض نفس الصوم كفا * إذا عرفت ذلك فقوله ان ينوى لكل يوم نية معينة مبيتة جازمة ضابط ادرج فيه امورا (احدها) قوله أن ينوى فالنية واجبة في الصوم إذا لا عمل الا بالنية ومحلها القلب ولا يشترط النطق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 290 في الصوم بلا خلاف (والثانى) قوله لكل يوم فلا يكفى فيه صوم الشهر كله في اوله خلافا لمالك وبه قال احمد في إحدى الروايتين * لنا ان صوم كل يوم عبادة برأسها الا تري انه يتخلل اليومين ما يناقض الصوم وإذا كان كذلك وجب افراد كل واحد بنية كالصلوات وإذا نوى صوم جميع الشهر هل يصح صوم اليوم الاول بهذه النية فيه تردد للشيخ ابي محمد ورأيت أبا الفضل بن عبدان أجاب بصحته وهو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 291 الاظهر (الثالث) التعيين وهو واجب في صوم الفرض وبه قال مالك وأحمد في أصح الروايتين خلافا لابي حنيفة حيث قال لا يشترط التعيين في النذر المعين ولا في صوم رمضان بل لو نوى صوم الغد مطلقا في رمضان أو نوى النفل أو النذر أو القضاء أو الكفارة وقع عن رمضان ان كان مقيما وان كان مسافرا فكذلك إن أطلق النفل وان نوى النذر أو القضاء أو الكفارة وقع عما نوى وان نوى النفل فروايتان * لنا القياس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 292 علي الكفارة والقضاء وتعينه شرعا لا يغنى عن تجديد المكلف قصده الي ما كلف به وكمال التعيين في رمضان أن ينوي صوم الغد عن أداء فرض رمضان هذه السنة لله تعالى (اما) الصوم والتعرض لكونه من رمضان فلا خلاف في اعتبارهما (وأما) الاداء والفرضية والاضافة الي الله تعالي ففيها الخلاف المذكور في الصلاة وقد أعاد ذكر الخلاف في الفرضية ههنا (وأما) رمضان هذه السنة فقد حكي الامام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 293 وجها أنه لا بد من اعتباره وتابعه المصنف ويقرب منه حكاية صاحب التهذيب وجهين في انه هل يجب أن يقول من فرض هذا الشهر أم يكفى أن يقول من فرض رمضان وقال الاصح الاول والامام زيفه بان معني الاداء هو القصد فإذا خطر الاداء بالبال فقد خطر التعرض للوقت المعين وقد يزيف أيضا بان التعرض لليوم المعين لابد منه وأنه يغني عن كونه من هذا الشهر وهذه السنة فان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 294 هذا اليوم لا يكون الا كذلك بل إذا وقع التعرض لليوم المعين لم يضر الخطأ في أوصافه قال الروياني في التجربة لو نوى ليلة الثلاثاء صوم الغد وهو يعتقده يوم الاثنين أو نوى رمضان السنة التى هو فيها وهو يعتقدها سنة ثلاث فكانت سنة اثنتين صح صومه بخلاف مااذا نوى صوم يوم الثلاثاء ليلة الاثنين أو رمضان سنة ثلاث في سنة اثنتين لا يصح لانه لم يعين الوقت (واعلم) أن لفظ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 295 الغد قد اشتهر في كلام الاصحاب في تفسير التعيين وكيفيته وهو في الحقيقة ليس من حد التعيين وانما وقع ذلك من نظرهم الي التبيت ولا يخفى مما ذكرناه قياس التعيين في القضاء والنذر والكفارة (وأما) صوم التطوع فيصح بنية مطلق الصوم كما في الصلاة * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 296 {فرع} قال القاضي ابو المكارم في العدة لو قال أتسحر لاقوي علي الصوم لم يكف هذا في النية ونقل بعضهم عن نوادر الاحكام لابي العباس الروياني انه لو تسحر للصوم أو شرب لدفع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 297 العطش نهارا أو امتنع من الاكل والشرب والجماع مخافة الفجر كان ذلك نية للصوم وهذا هو الحق ان خطر بباله الصوم بالصفات التى يشترط التعرض لها لانه إذا تسحر ليصوم صوم كذا فقد قصده الجزء: 6 ¦ الصفحة: 298 والله أعلم (وقوله) في الكتاب معينة يجوز أن تقرأ بكسر الياء لانها تعين الصوم ويجوز أن تقرأ بالفتح كأن الناوى يعينها ويخرجها عن التعلق بمطلق الصوم ويجوز اعلام هذه اللفظة مع الحاء بالواو لان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 299 صاحب التتمة حكي عن الحليمى أنه قال يصح صوم رمضان بنية مطلقة وبالف لان عن أ؟ ؟ رواية مثله * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 300 قال {ومعنى التبييت أن ينوى ليلا ولا يختص بالنصف الاخير (و) ولا يجب تجديدها (و) بعد الاكل ولا بعد التنبه من النوم ويجوز نية التطوع قبل الزوال (م ز) وبعده قولان وهذا بشرط خلو أول اليوم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 301 عن الاكل وفى اشتراط خلو الاول عن الكفر والجنون والحيض خلاف} * الرابع التبييت وهو شرط في صوم الفرض وبه قال مالك وأحمد خلافا لابي حنيفة رحمه الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 302 حيث قال لا يجب التبييت في صوم رمضان والنذر المعين بل يصحان بنية قبل الزوال * لنا ما روى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 303 عن حفصة ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له " ويروى من لم ينو الصيام من الليل " ولو نوى مع طلوع الفجر ففيه وجهان (أحدهما) يجوز لاقتران النية بأول العبادة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 304 وبهذا أجاب ابن عبدان (وأصحهما) المنع لظاهر الحديث وهذا هو قضية قوله في الكتاب أن ينوى ليلا ويتبين به أيضا أن نية صوم الغد قبل طلوع الشمس لا تصح وهل تختص النية بالنصف الاخير من الليل فيه وجهان (أحدهما) وبه قال أبو الطيب بن سلمة نعم كما يختص رمى جمرة العقبة ليلة النحر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 305 بالنصف الاخير والمعني فيه تقريب النية من العبادة (وأصحهما) لا لاطلاق الخبر وهذا هو المذكور في الكتاب صريحا ودلالة (أما) الصريح فظاهر (وأما) الدلالة فقوله أن ينوى ليلا وإذا نوى ثم اكل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 306 أو جامع هل تبطل نيته حتى يحتاج إلى تجديدها فيه وجهان (احدهما) نعم لان الاصل اقتران النية بالعبادة فإذا تعذر اشتراطه فلا اقل من ان يحترز عن تخلل المناقض الذى لا ضرورة إليه بينهما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 307 (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب انه لا حاجة إلي التجديد لان الله تعالي اباح الاكل والشرب إلى طلوع الفجر ولو ابطل الاكل النية لا متنع الاكل الي طلوع الفجر وينسب الوجه الاول إلي ابى إسحق وفيه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 308 كلامان (احدهما) ان الامام حكى ان ابا إسحق رجع عن هذا عام حج وأشهد علي نفسه (والثانى) ان ابن الصباغ قال هذه النسبة لا تثبت عنه ولم يذكر ذلك في الشرح فان لم ينقل الوجه إلا عنه وثبت أحد هذين الكلامين فلا خلاف في المسألة ولو نوى ونام وتنبه من نومه والليل باق هل عليه تجديد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 309 النية فيه وجهان (احدهما) نعم تقريبا للنية من العبادة بقدر الوسع ونسب ابن عبدان وغيره هذا إلي الشيخ ابي إسحق ايضا (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب اثه لا حاجة الي التجديد لما سبق قال الامام وفى كلام العراقيين تردد في أن الغفلة هل هي كالنوم وكل ذلك مطرح هذا حكم صوم الفرض في التبييت (اما) التطوع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 310 فتصح نيتة من النهار وبه قال احمد خلافا لمالك والمزنى وأبى يحيى البلخى * لنا انه صلى الله عليه وسلم " كان يدخل علي بعض ازواجه فيقول هل من غذاء فان قالت لا قال إنى صائم ويروى إني إذا اصوم " وهذا إذا كانت النية قبل الزوال فان كانت بعده ففيه قولان (احدهما) وهو رواية حرملة انه يصح تسوية بين اجزاء النهار كما ان اجزاء الليل مستوية في محلية نية الفرض (وأصحهما) وهو نصه في عامة كتبه انه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 311 لا يصح وبه قال أبو حنيفة رحمه الله لان النفل لا ينبغى أن يخالف الفرض كما في سائر العبادات إلا أنا جوزنا التأخير بشرط ان يتقدم على الزوال للحديث فانه ورد في النية قبل الزوال الا ترى انه كان يطلب به الغداء وفرقوا بين ما قبل الزوال وما بعده بأن النية إذا نشئت بعد الزوال فقد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 312 فات معظم النهار وإذا نشئت قبله فقد ادركت معظمه وللمعظم تأثير ادراكا وفواتا كما في ادراك المسبوق الركعة وهذا الفرق انما ينتظم ممن يجعله صائما من اول النهار اما من يجعله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 313 صائما من وقت النية فالنية عنده موجودة في جميع العبادة فات معظم النهار أو لم يفت وفيه شئ آخر ذكره الامام وهو أن النهار إذا حسب من شروق الشمس فالزوال منتصفه فتكون النية المتقدمة عليه مدركة معظمه لكن النهار الشرعي محسوب من طلوع الفجر فيتقدم منتصفه على الجزء: 6 ¦ الصفحة: 314 الزوال ولا يلزم من مجرد التقدم علي الزوال وجود النية في المعظم ثم إذا نوى قبل الزوال أو بعده وجوزناه فهو صائم من أول النهار حتي ينال ثواب صوم الكل أو من وقت النية فيه وجهان (اظهرهما) عند الاكثرين انه صائم من أول النهار فان صوم اليوم الواحد لا يتبعض وشبه ذلك بما إذا ادرك الامام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 315 في الركوع يكون مدركا لثواب جميع الركعة (والثاني) وبه قال أبو إسحق أنه صائم من وقت النية لان النية لا تنعطف علي مامضي ولا عمل إلا بالنية ويقال إن هذا هو اختيار القفال (فان قلنا) بالوجه الاول فلا بد من الامساك واجتماع شرائط الصوم في أول النهار (وان قلنا) بالثاني ففى اشتراط خلو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 316 الاول عن الاكل والجماع وجهان (أحدهما) لا يشترط لان الصوم إذا كان محسوبا من وقت النية كان بمثابة جزء من الليل وينسب هذا إلى ابن سريج وابي زيد وزاد في العدة محمد بن جرير الطبري الجزء: 6 ¦ الصفحة: 317 (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يشترط والا لبطل مقصود الصوم ويجوز ان يتقدم شرط الشئ عليه ألا ترى انه يشترط تقدم الخطبة علي صلاة الجمعة وهل يشترط خلو اوله عن الكفر والحيض الجزء: 6 ¦ الصفحة: 318 والجنون ام يجوز ان يصوم الكافر إذا أسلم اليوم الذى اسلم فيه ضحى والحائض في اليوم الذى طهرت والمجنون في اليوم الذى افاق فيه وجهان (أصحهما) المنع ايضا لكون النية مسبوقة في اليوم بما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 319 يناقض الصوم ويجوز ان يرتب الخلاف في اشتراط الخلو عن هذه المعاني على الخلاف في اشتراط الخلو عن الاكل فان لم نشترط ترك الاكل فهذا أولى وإن شرطناه فوجهان والفرق اخلال الاكل بمقصود الصوم وهو كسر النفس بالتجويع * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 320 قال {والمعني بالجازمة ان من نوى ليلة الشك صوم غد إن كان من رمضان لم يجز (ح ز) لانها غير جازمة نعم لا يضر التردد بعد حصول الظن بشهادة أو استصحاب كما في آخر رمضان أو اجتهاد في حق الحبوس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 321 في المطمورة ثم إن غلظ المحبوس بالتأخير لم يلزمه القضاء وإن غلط بالتقديم وادرك رمضان لزمه القضاء وإن لم يتبين إلا بعد رمضان لم يلزمه القضاء على احد القولين وكان الشهر بدلا في حقه للضرورة حتى لو كان الشهر تسعا وعشرين كفاه وان كان رمضان ثلاثين} * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 322 الخامس كون النية جازمة ويتعلق يهذا القيد مسائل (منها) إذا نوى ليلة الثلاثين من شعبان أن يصوم غدا عن رمضان لم يخل إما ان يعتقد كونه من رمضان أو لا يعتقده فان لم يعتقده نظر ان ردد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 323 نيته فقال اصوم عن رمضان ان كان منه والا فانا مفطر أو انا متطوع لم يقع صومه عن رمضان إذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 324 بان انه منه لانه لم يصم على انه فرض وانما صام على الشك * وقال ابو حنيفة والمزني يقع عن رمضان إذا بان اليوم منه كما لو قال هذا زكاة مالي الغائب ان كان سالما والا فهو تطوع فبان سالما يجزئه قال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 325 الاصحاب الفرق ان الاصل هناك سلامة المال فله استصحاب ذلك الاصل وههنا الاصل بقاء شعبان ونظير مسألة الزكاة مما نحن فيه أن ينوى ليلة الثلاثين من رمضان صوم الغد إن كان من رمضان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 326 وإلا فهو مفطر فيجزئه لان الاصل بقاء رمضان ولو قال أصوم غدا من رمضان أو قال أو أصوم أو أفطر لم يصح صومه لا في الاول ولا في الاخر كما إذا قال أصوم أو لا أصوم وان لم يردد نيته وجزم بالصوم عن رمضان فانه إذا لم يعتقد كونه من رمضان لم يتأت منه الجزم بالصوم عن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 327 رمضان حقيقة وما يعرض حديث نفس لا اعتبار به وعن صاحب التقريب حكاية وجه انه يصح صومه هذا إذا لم يعتقد كونه من رمضان وان اعتقد كونه من رمضان نظر إن لم يستند عقده إلى ما يثير ظنا فلا عبرة به وإن استند الي ما يثير ظنا كما إذا اعتمد علي قول من يثق به من حر أو عبد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 328 أو امرأة أو صبية ذوى رشد نوى صومه عن رمضان اجزأه إذا بان انه من رمضان لان غلبة الظن في مثل هذا له حكم اليقين كما في اوقات الصلاة وكما إذا رأى الهلال بنفسه وإن قال في نيته والحالة هذه اصوم عن رمضان فان لم يكن من رمضان فهو تطوع قال الامام ظاهر النص انه لا يعتد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 329 بصومه إذا بان اليوم من رمضان لمكان التردد قال وفيه وجه آخر وبه قال المزني انه يصح لاستناده الي اصل ثم رأى طرد الخلاف فيما إذا جزم ايضا ويدخل في قسم استناد الاعتقاد الي ما يثير ظنا بناء الامر علي الحساب حيث جوزناه على التفصيل الذى سبق والله اعلم * ومنها إذا حكم القاضي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 330 بشهادة عدلين أو واحد إذا جوزناه وجب الصوم ولم يقدح ما عساه يبقى من التردد والارتياب (ومنها) المحبوس في المطمورة إذا اشتبه عليه شهر رمضان اجتهد وصام شهرا بالاجتهاد كما يجتهد للصلاة في القبلة والوقت ولا يغنيه ان يصوم شهرا من غير اجتهاد وان وافق رمضان ثم إذا اجتهد وصام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 331 شهرا نظر ان وافق رمضان فذاك وان غلط بالتأخير اجزأه ذلك ولم يلزم القضاء ولا يضر كونه مأتيا به علي نية الاداء كما إذا صلي الظهر بنية الاداء علي ظن بقاء وقتها ثم تبين ان صلاته وقعت في وقت العصر لا قضاء عليه وهل يكون صومه المأتى به قضاء أو اداء فيه وجهان (اظهرهما) انه قضاء لوقوعه بعد الوقت (والثاني) انه اداء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 332 لمكان العذر والعذر قد يجعل غير الوقت وقتا كما في الجمع بين الصلاتين ويتفرع علي الوجهين مالو كان ذلك الشهر ناقصا وكان رمضان تاما (ان قلنا) انه قضاء لزمه يوم آخر (وان قلنا) أداء فلا كما لو كان رمضان ناقصا وان كان الامر بالعكس (فان قلنا) انه قضاء فله افطار اليوم الاخير إذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 333 عرف الحال (وان قلنا) اداء فلا وان وافق صومه شوالا فالصحيح منه تسعة وعشرون ان كان كاملا وثمانية وعشرون ان كان ناقصا فان جعلناه قضاء وكان رمضان ناقصا فلا شئ عليه على التقدير الاول ويقضى يوما علي التقدير الثاني وان كان كاملا قضى يوما علي التقدير الاول ويومين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 334 علي التقدير الثاني وان جعلناه أداء فعليه قضاء يوم بكل حال وان وافق ذا الحجة فالصحيح منه ستة وعشرون يوما ان كان كاملا وخمسة وعشرون يوما ان كان ناقصا فان جعلناه قضاء وكان رمضان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 335 ناقصا قضى ثلاثة أيام علي التقدير الاول ويومين علي التقدير الثاني وان كان كاملا قضى أربعة ايام على التقدير الاول وثلاثة علي الثاني. وان جعلناه اداء قضى اربعة ايام بكل حال وهذا مبنى علي ظاهر المذهب في ان صوم ايام التشريق غير صحيح بحال فان صححناه بناء علي ان للمتمع ان يصومها وان من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 336 له سبب في صومها بمثابة المتمتع فذو الحجة كشوال ذكر هذا المستدرك ابن عبدان رحمه الله وان غلط بالتقديم علي رمضان نظر ان ادرك رمضان عند تبين الحال له فعليه أن يصومه بلا خلاف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 337 وان لم يتبين له الحال الا بعد مضى رمضان فقولان (القديم) أنه لا يقضى كالحجيج إذا اخطأوا فوقفوا اليوم العاشر يجزئهم (والجديد) وبه قال ابو حنيفة ومالك واحمد رحمهم الله انه يقضى لانه اتي بالعبادة قبل وقتها فلا يجزئه كالصلاة وبنى القفال وآخرون القولين علي انه لو وافق شهرا بعد رمضان كان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 338 قضاء أو اداء (ان قلنا) بالاول فعليه القضاء لان القضاء لا يسبق الوقت (وان قلنا) بالثاني فلا قضاء لان ما بعد الوقت ان جاز ان يجعل وقتا للعذر فكذلك ما قبل الوقت يجوز أن يجعل وقتا للعذر كما في الجمع بين الصلاتين وعن أبى اسحق وغيره طريقة اخرى قاطعة بوجوب القضاء وان تبين الحال بعد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 339 مضي بعض رمضان فقد حكي في النهاية طريقين (احدهما) طرد القولين في إجزاء ما مضى (والثانى) القطع بوجوب الاستدراك إذا أدرك شيئا من الشهر والاول اظهر والطريقتان للقائلين بالقولين في الصورة الاولي فاما ابو اسحق فلا يفرق بينهما إذا عرفت ما ذكرناه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 340 فارجع الي لفظ الكتاب (واعلم) ان قوله والمعنى بالجازمة الخ اراد به انه المقصد من التقييد بهذا القيد لا انه تفسير اللفظ وان قوله لم يجز معلم بالحاء والزاء وان قوله نعم لا يضر التردد بعد حصول الظن اشارة الي أن القادح هو التردد الذي لا يستند احتمال الرمضانية فيه إلى دليل ولا يترجح في ظنه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 341 فاما التجويز الذى يجامع الظن بكونه من رمضان فلا عبرة به وقوله لم يلزمه القضاء معلم بالحاء والميم والالف وقوله علي احد القولين بالواو لطريقة ابي اسحق وقوله وكان الشهر بدلا في حقه اراد به البناء المنقول عن القفال معناه ان الشهر المأتي بصومه علي هذا القول إذا اقيم مقام رمضان وليس المراد منه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 342 انه قضاء يصير بدلا عن الفائت لانا إذا فرعنا عليه لا نقول بانه يكفيه شهره الناقص إذا كمل رمضان ومن المسائل المتعلقة بقيد الجزم ما إذا نوت الحائض صوم الغد قبل أن ينقطع دمها ثم انقطع بالليل هل يصح صومها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 343 ان كانت مبتدأة يتم لها بالليل أكثر الحيض أو معتادة عادتها دون الاكثر وكانت تتم بالليل فوجهان (اظهرهما) انه يصح لان الظاهر استمرار عادتها (والثانى) لا لانها قد تختلف وان لم يكن لها عادة وكان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 344 لا يتم اكثر الحيض بالليل أو كانت لها عادات مختلفة لم يصح الصوم * واعلم ان ركن النية وان كان لا يختص بصوم الفرض الا ان المذكور من مسائله في الكتاب مخصوص به لانه قال اما النية فعليه أن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 345 ينوى لكل يوم الي آخره ومعلوم ان النية بالقيود المذكورة مخصوصة بالفرض * فرعان (احدهما) لو نوى الانتقال من صوم الي صوم لم ينتقل إليه وهل يبطل ما هو فيه ام يبقى نفلا على وجهين وكذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 346 لو رفض نية الفرض عن الصوم الذي هو فيه (الثاني) لو قال إذا جاء فلان خرجت من صومي فهل هو خارج عن الصوم عند مجيئه فيه وجهان (ان قلنا) نعم فهل يخرج في الحال فيه وجهان وكل ذلك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 347 كما في الصلاة اورده في التهذيب وغيره * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 348 قال {الركن الثاني الامساك عن المفطرات وهي الجماع والاستمناء والاستقاة} * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 349 لا بد للصائم من الامساك عن المفطرات وهي أنواع (منها) الجماع وهو مبطل للصوم بالاجماع (ومنها) الاستمناء وسيأتى الكلام فيه (ومنها) الاستقاءة فمن تقايأ عامدا أفطر ومن ذرعه القئ لم يفطر روى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 350 انه صلي الله عليه وسلم قال " من ذرعه القئ وهو صائم فلا قضاء عليه ومن استقاء فليقض " وربما روى ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفا وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 351 الله عليه وسلم " قاء فأفطر أي استقاء قال ثوبان صدق أنا صببت له الوضوء " واختلفوا في أنه لم افطر عند التقئ عمدا فقال بعض الاصحاب إنما افطر لانه إذا تقايأ رجع شئ مما خرج وإن قل فذلك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 352 هو الذى أوجب الفطر والا لما أفطر لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما " أن الفطر مما دخل والوضوء مما خرج " ومنهم من قال أن عينه مفطر كالانزال تعويلا علي ظاهر الخبر قال في العدة وهذا أصح وعليه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 353 يتفرع عد صاحب الكتاب الاستقاءة مفطرة برأسها وإلا فلو كانت مفطرة من جهة تضمنها رجوع شئ لكانت من قبيل دخول الداخل وعلى الوجهين يبنى ما إذا تقايأ منكوسا أو تحفظ حتى استيقن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 354 انه لم يرجع منه شئ إلى جوفه هل يفطر قال الامام ولو استقاء عمدا وتحفظ جهده فغلبه القئ ورجع شئ (فان قلنا) الاستقاءة مفطرة وإن لم يرجع منه شئ فهاهنا اولي (وإن قلنا) لا يفطر إذا لم يرجع شئ فهو كما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 355 في صورة المبالغة في المضمضة إذا سبق الماء إلي جوفه ويجوز ان يعلم قوله والاستقاءة بالحاء لان عنده الاسقاءة باطلاقها لا تفطر بل يشترط ان يكون الخارج ملء الفم * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 356 قال {ودخول داخل وحد الدخول ان كل عين وصل من الظاهر الي الباطن في منفذ مفتوح عن قصد مع ذكر الصوم فهو مفطر اما الباطن فهو كل جوف فيه قوة محيلة كباطن الدماغ والبطن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 357 والامعاء والمثانة فيفطر بالحقنة والسعوط ولا يفطر بالاكتحال (م) والتقطير (م ح و) في الاذنين وفيما يصل إلي الاحليل وجهان ولا يفطر بالفصد والحجامة} * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 358 من اسباب الفطر دخول الشئ جوفه وقد ضبطوا الداخل الذى يفطر بالعين الواصل من الظاهر إلى الباطن في منفذ مفتوح عن قصد مع ذكر الصوم وفيه قيود (منها) الباطن الواصل إليه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 359 وفيما يعتبر فيه وجهان مفهومان من كلام الائمة رحمهم الله تعريضا وتصريحا (احدهما) ان المعتبر ما يقع عليه اسم الجوف (والثانى) يعتبر معه ان يكون فيه قوة تحيل الواصل إليه من غذاء أو دواء وهذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 360 هو الذى اورده في الكتاب ولكن الموافق لتفريع الاكثرين هو الاول علي ما سيأتي ويدل عليه أنهم جعلوا الحلق كالجوف في بطلان الصوم لوصول الواصل ذكره في التهذيب وحكاه الحناطي عن ابن القاص وأورد الامام أيضا انه إذا جاوز الشئ الحلقوم افطر ومن المعلوم انه ليس في الحلق قوة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 361 الاحالة وعلي الوجهين معا باطن الدماغ والبطن والامعاء والمثانة مما يفطر الواصل إليه حتى لو كان على رأسه مأمومة أو علي بطنه جائفة فوضع عليها دواء فوصل إلى جوفه أو الي خريطة دماغه بطل صومه قال الامام وصاحب التهذيب وان لم يصل الي باطن الامعاء والي باطن الخريطة ولا فرق بين ان يكون الجزء: 6 ¦ الصفحة: 362 الدواء رطبا أو يابسا وعند أبى حنيفة رحمه الله لا يبطل باليابس ولم تجعل المثانة مما يفطر الواصل إليه وفى المعتمد حكاية وجه في المثانة * لنا مطلق ما روى " أن الفطر مما دخل يوافقه " وقياس المثانة علي سائر الاجواف وفيها قوة إحالة الدواء ثم في الفصل صور (احداها) الحقنة مبطلة للصوم لحصول الوصول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 363 الي الجوف المعتبر وعن القاضي الحسين انها لا تبطله وهو غريب وفيها اختلاف رواية عن مالك (الثانية) السعوط مبطل للصوم ايضا إذا وصل الي الدماغ وعند مالك لا يبطل الا إذا نزل الي الحلق منه شئ (واعلم) أن ما جاوز الخيشوم في الاستعاط فقد حصل في حد الباطن وداخل الفم والانف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 364 إلى منتهي الخيشوم والغلصمة له حكم الظاهر من بعض الوجوه حتي لو خرج إليه القئ أو ابتلع منه نخامة بطل صومه ولو أمسك فيه شيئا لم يبطل ولو نجس وجب غسله وله حكم الباطن من حيث أنه لو ابتلع منه الريق لا يبطل صومه ولا يحب غسله على الجنب (الثالثة) لا بأس للصائم بالاكتحال إذ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 365 ليست العين من الاجواف وقد روى أن النبي صلي الله عليه وسلم " اكتحل في رمضان وهو صائم " ولا فرق بين أن يجد في الحلق منه طعما أو لا يجد فانه لا منفذ من العين إلى الحلق وما يصل إليه يصل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 366 من المسام وعن مالك واحمد أنه إذا وجد في الحلق طعما منه أفطر (الرابعة) في بطلان الصوم بالتقطبر في الاذن بحيث يصل الي الباطن فيه وجهان (احدهما) وبه قال الشيخ ابو محمد أنه يبطل كالسعوط الجزء: 6 ¦ الصفحة: 367 (والثاني) لا يبطل لاته لامنفذ من الاذن إلى الدماغ وما يصل يصل من المسام فاشبه الاكتحال ويروى هذا الوجه عن الشيخ ابي علي والفوراني والقاضي الحسين وهو الذي اورده صاحب الكتاب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 368 لكن الاول أظهر عند اكثر الاصحاب ولهم أن يقولوا هب أن الاذن لا منفذ منها الي داخل الدماغ لكنه نافذ الي داخل قحف الرأس لا محالة والوصول إليه كاف في البطلان وبنى الامام هذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 369 الخلاف علي الوجهين السابقين فيما يعتبر في الباطن الذى يصل إليه الشئ فان داخل الاذن جوف لكن ليس فيه قوة الاحالة وعلي الوجهين تتفرع الصورة الخامسة وهي مااذا قطر في احليله شيئا ولم يصل الي المثانة ففى وجه يبطل صومه وهو الاظهر كما لو وصل الي حلقه ولم يصل إلى المعدة وفى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 370 وجه لا يبطل كما لوضع في فمه شيئا وبهذا قال ابو حنيفة وهو اختيار القفال رحمهما الله وتوسط بعض متأخرى الاصحاب فقال ان وصل الي ما وراء الحشفة افطر والا لم يفطر تشبيها بالفم والحلق (السادسة) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 371 لا يفسد الصوم بالفصد والحجامة لكن يكره خيفة الضعف وقال احمد يفسد بالحجامة وبه قال ابن المنذر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 372 وابن خزيمة من اصحابنا * لنا ما روى " انه صلي الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم في حجة الوداع " الجزء: 6 ¦ الصفحة: 373 وروى انه صلي الله عليه وسلم قال " ثلاث لا يفطرن الصائم القئ والحجامة والاحتلام " وأما لفظ الكتاب (فقوله) وحد الداخل هو المستقيم وفى كثير من النسخ وحد الدخول وذلك يحوج الي الحاق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 375 واضمار (وقوله) فيه قوة محيلة يجوز اعلامه بالواو اشارة الي الوجه المكتفى بكون الباطن الواصل إليه جوفا حتى لو داوى خراجه علي لحم الساق والفخذ فاوصل الدواء إلى داخل اللحم أو غرز فيه حديدة لا يبطل صومه لانه ليس بجوف وكذا لو انتهى طرف السكين الي مكان المخ فانه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 376 لا يعد عضوا مجوفا (وقوله) والمثانة معلم بالحاء والواو والحقنة والسعوط بالميم والالف والتقطير في الاذن وبالواو والحجامة بالالف والواو وقد بينا وجه ذلك كله والله تعالي اعلم * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 377 قال {ويتشرب الدماغ الدهن بالمسام ويفطر إذا وجأ بطنه بالسكين وان كان بعض السكين خارجا} * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 378 من القيود المذكورة في الضابط كون الواصل واصلا من منفذ مفتوح والقصد به الاحتراز عما إذا طلى رأسه أو بطنه بالدهن فوصل إلى جوفه بتشرب المسام فان ذلك لا يبطل الصوم لانه لم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 379 يصل من منفذ مفتوح كما لا يبطله الاغتسال والانغماس في الماء وإن وجد له اثر في باطنه ولو وجأ نفسه فوصل السكين إلى جوفه أو وجأه غيره باذنه افطر سواء كان بعض السكين خارجا أو لم يكن وكذا لو ابتلع طرف خيط وطرفه الآخر بارز يفطر بوصول الطرف الواصل ولا يعتبر الانفصال من الظاهر بالكلية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 380 وخالف ابو حنيفة في المسألتين ونظائرهما ورأيت الحناطي حكى وجهين فيمن أدخل طرف خيط في دبره أو في جوفه وبعضه خارج هل يفطر فيجوز أن يعلم لهذا قوله وان كان بعض السكين خارجا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 381 مع الحاء بالواو * {فرع} لو ابتلع طرف خيط بالليل وطرفه الآخر خارج واصبح كذلك فان تركه لم تصح صلاته الجزء: 6 ¦ الصفحة: 382 وان نزعه أو ابتلعه لم يصح صومه فينبغي ان يبادر فقيه إلى نزعه وهو غافل فان لم يتفق فالمحافظة على الصلاة بنزعه أو ابتلاعه أولى لان الصوم يترك بالعذر ويقضي بخلاف الصلاة وذكر في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 383 التتمة وجها آخر وهو ان الاولي ان يتركه كذلك ويصلي علي حسب حاله لانه شارع في الصوم فلا ينبغي أن يفسده * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 384 قال {أما القصد فنعنى به أنه لو طارت ذابة إلى جوفه أو وصل غبار الطريق الي باطنه أو اوجر بغير اختياره فلا يفطر الا أن يوجر المغمى عليه معالجة ففيه وجهان} * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 385 ومن القيود كون الوصول عن قصد منه فلو طارت ذبابة أو بعوضة الي حلقه أو وصل غبار الطريق وغربلة الدقيق إلى جوفه وغير ذلك لم يكن مفطرا وإن كان اطباق الفم واجتناب المطروق ومفارقة موضع الطريق ممكنا لكن تكليف الصائم الاحتراز عن الافعال المعتادة التى يحتاج إليها يجر عسرا شديدا بل لو فتح فاه حتي وصل الغبار الي جوفه فقد قال في التهذيب اصح الوجهين أنه يقع عفوا وشبهوا هذا الخلاف بالخلاف فيما إذا قتل البراغيث عمدا وتلوثت يده انها هل يقع عفوا ولو ضبطت المرأة ووطئت أو وجئ بالسكين أو وجئ بغير اختياره فلا افطار ونقل الحناطي وجهين فيما لو أوجر بغير اختياره وهو غريب بمرة نعم لو كان مغمي عليه فأوجر معالجة واصلاحا ففيه وجهان وفى النهاية قولان (احدهما) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 386 أنه يفطر لان هذا الايجار لمصلحته فكأنه باذنه واختياره (واصحهما) أنه لا يفطر كايجار غيره بغير اختياره (واعلم) أن هذا الخلاف مفرع علي أن الصوم لا يبطل بمطلق الاغماء وإلا فالايجار مسبوق بالبطلان وهذا الخلاف كالخلاف في المغمى عليه المحرم إذا عولج بدواء فيه طيب هل تلزمه الفدية * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 387 قال {ولو ابتلع دما خرج من سنه أو سنا أفطر بخلاف الريق الا أن يجمتع الريق بالعلك ففيه وجهان ولو رد النخامة الي أقصى الفم ثم ابتلع افطر ولو قدر علي قطعه من مجراه فترك حتي جرى بنفسه ففيه وجهان ولو أخرج لسانه وعلى طرفه ريق ثم أعاد لم يفطر إذ لم ينفصل (أما) الخياط إذا بل الخيط ثم رده الي فمه افطر علي الصحيح ولو سبق الماء في المضمضة الي بطنه ففيه قولان وان بالغ فقولان مرتبان واولى بالافطار وإن جرى الريق ببقية طعام في خلال الاسنان فان قصر في التخليل فهو كصورة المبالغة وان لم يقصر فكغبار الطريق والمنى ان خرج بالاستمناء افطر وان خرج بمجرد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 388 الفكر والنظر فلا وان خرج بالقبلة والمعانقة مع حائل فهو كالمضمضة والمضاجعة متجردا كالمبالغة وتكره القبلة للشاب الذى لا يملك إربه وخروج القئ كالمني ولو اقتلع نخامة من مخرج الحاء ففى الحاقه بالاستقاءة وجهان ومخرج الخاء من الظاهر وفي إفساد القصد شرعا بالاكراه قولان (اصحهما) انه لا يفطر لانه ليس بصائم} * الفصل يجمع مسائل (احداها) ابتلاع الريق لا يفطر لانه لا يمكن الاحتراز عنه وبه يحيى الانسان وعليه حمل بعض المفسرين قوله تعالى (وجعلنا من الماء كل شي حى) وانما. لا يفطر بشروط (احدها) ان يكون الريق صرفا أما لو كان مخلوطا بغيره متغيرا به فانه يفطر بابتلاعه سواء كان ذلك الغير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 389 طاهرا كما لو كان يفتل خيطا مصبوغا فتغير ريقه أو نجسا كما لو دميت لثته وتغير ريقه فلو ابيض ولم يبق تغيره فهل يفطر بابتلاعه فيه وجهان (اظهرهما) عند الحناطى والقاضي الرويانى لا لان ابتلاع الريق مباح وليس فيه عين آخر وان كان نجسا حكما (والثاني) وهو الاظهر عند الاكثرين انه يفطر لانه لا يجوز له ابتلاعه وانما يجوز له ابتلاع الطاهر منه وعلي هذا لو تناول بالليل شيئا نجسا ولم يغسل فمه حتى اصبح فابتلع الريق بطل صومه (والثانى) ان يبتلعه من معدنه فلو خرج الي ظاهر فمه ثم رده بلسانه أو غير لسانه أو ابتلعه بطل صومه ولو اخرج لسانه وعليه الريق ثم رده وابتلع ما عليه ففيه وجهان (اظهرهما) وهو المذكور في النهاية أنه لا يبطل صومه لان اللسان كيفما تقلب معدود من داخل الفم فلم يفارق ما عليه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 390 معدنه ولو بل الخياط الخيط بالريق ثم رده إلى الفم علي ما يعتاد عند الفتل فان لم يكن عليه رطوبة تنفصل فلا بأس وان كانت وابتلعها ففيه وجهان عن الشيخ أبي محمد أنه لا يضر لان ذلك القدر أقل مما يبقى من الماء في الفم بعد المضمضة وقال الاكثرون انه يبطل الصوم لانه لا ضرورة إليه وقد ابتلعه بعد مفارقة المعدن وخص في التتمة الوجهين بما إذا كان جاهلا بأن ذلك لا يجوز فاما إذا كان عالما يبطل صومه بلا خلاف (الثالث) ان يبتلعه وهو علي هيأته المعتادة أما لو جمعه ثم ابتلعه ففيه وجهان (أحدهما) أنه يبطل صومه لان الاحتراز عنه هين (وأصحهما) انه لا يبطل وبه قال ابو حنيفة رحمه الله لانه مما يجوز ابتلاعه ولم يخرج من معدنه فاشبه مالو ابتلعه متفرقا (فان قلت) هذان الوجهان إن جريا في مطلق الجمع فلم قال إلا أن يجمع الريق بالعلك وان اختصا بالجمع بالعلك فلم اطلقتم نقلهما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 391 (فالجواب) انهما جاريان في مطلق الجمع نقلا وتوجيها ولعله انما تعرض للعلك لان الامام قد ذكر أن الوجهين في صورة الجمع ناشئان من لفظ الشافعي رضى الله عنه حيث قال واكره العلك لانه يحلب الفم وكأنه حاذر اجتماع الريق على خلاف العادة وهذا شئ قد قاله بعض الشارحين وقال آخرون أراد بقوله يحلب الفم أنه يطيب النكهة ويزيل الخلوف فلذلك كرهه ولو كان العلك جديدا مفتتا فوصل منه شئ الي الجوف بطل صومه كما لو وضع سكرة في فيه وابتلع الريق بعد ما ذابت فيه وما قدمناه فيما إذا كان مغسولا مستعملا أو صلبا لا ينفصل منه شئ (وقوله) ولو ابتلع دما خرج من سنه أو سنا افطر ظاهر وفيه اشارة الي أن داخل الفم له حكم الظاهر في هذا وان احتمال ابتلاع الريق ليس لمجرد ابتلاعه من الفم بل لدعاء الضرورة إليه (المسألة الثانية) النخامة ان لم تحصل في حدالظاهر من الفم فلا مبالاة بها وان حصلت فيه بانصبابها من الدماغ في الثقبة النافذة منه الي اقصى الفم فوق الحلقوم نظر ان لم يقدر على صرفه ومجه حتى نزل الي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 392 الجوف لم يضره وان رده إلى فضاء الفم أو ارتد إليه ثم ابتلعه أفطر وان قدر علي قطعه من مجراه ومجه فتركه حتي جرى بنفسه ففيه وجهان حكاهما لامام (احدهما) انه لا مؤاخذة به لانه لم يفعل شيئا وانما أمسك عن الفعل واوفقهما لكلام الائمة ان تركه في مجراه مع القدرة علي مجه تقصير فيفطر (ونقل) عن الحاوى وجها مطلقا في الافطار بالنخامة والوجه ننزيلهما على الحالة التى حكى الامام الخلاف فيها (الثالثة) إذا تمضمض فسبق الماء إلى جوفه أو استنشق فوصل الماء الي دماغه فقد نقل المزني أنه يفطر وقال في اختلاف أبى حنيفة وابن ابى ليلي رحمهما الله انه لا يفطر الا ان يتعمد الازدراد وللاصحاب فيه طريقان (اصحهما) ان المسألة علي قولين (احدهما) وبه قال مالك وابو حنيفة والمزنى رحمهم الله انه يفطر لانه وصل الماء إلي جوفه بفعله فانه الذى ادخل الماء فمه وانفه (والثانى) وبه قال احمد وهو اختيار الربيع رحمهما الله أنه لا يفطر لانه وصل بغير اختياره فأشبه غبار الطريق (والثانى) القطع بأنه لا يفطر حكاه المسعودي وغيره ثم من القائلين به من حمل منقول المزني علي ما إذا تعمد لازدراد ومنهم من حمله على ما إذا بالغ وحمل النص الثاني علي ما إذا لم يبالغ ونفى الخلاف في الحالتين وإذا قلنا بطريقة القولين فما محلهما فيه ثلاثة طرق (أصحها) ان القولين فيما إذا لم يبالغ في المضمضة والاستنشاق فاما إذا بالغ أفطر بلا خلاف (وثانيها) ان القولين فيما إذا بالغ أما إذا لم يبالغ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 393 فلا يفطر بلا خلاف والفرق علي الطريقين ان المبالغة منهى عنها وأصل المضمصة والاستنشاق محثوث عليه فلا يحسن مؤاخذته بما يتولد منه بغير اختياره (والثالث) طرد القولين في الحالتين فإذا ميزنا حالة المبالغة عن حالة الاقتصار علي أصل المضمضة والاستنشاق حصل عند المبالغة قولان مرتبان كما ذكر في الكتاب وظاهر المذهب مما ذكرنا عند المبالغة الافطار وعند عدم المبالغة الصحة ولا يخفى ان محل الكلام فيما إذا كان ذاكرا للصوم أما إذا كان ناسيا فلا يفطر بحال وسبق الماء عند غسل الفم لنجاسة كسبقه في المضمضة والمبالغة هاهنا للحاجة ينبغى أن تكون كالسبق في المضمضة بلا مبالغة ولو سبق الماء من غسله تبردا أو من المضمضة في الكرة الرابعة فقد قال في التهذيب ان بالغ بطل صومه والا فهو مرتب علي المضمضة واولي بالافطار لانه غير مأمور به (الرابعة) لو بقى طعام في خلل اسنانه فابتلعه عمدا افطر خلافا لابي حنيفة رحمه الله فيما إذا كان يسيرا وربما قدره بالحمصة وان جرى به الريق من غير قصد منه فمنقول المزني انه لا يفطر ومنقول الربيع انه يفطر واختلف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 394 الاصحاب فمنهم من قال فيه قولان كما في صورة المضمضة لان الطعام حصل في فمه بسبب غير مكروه وهو الاكل بالليل فاشبه المضمضة ومنهم من نفى كون المسألة علي وجهين وهو الاصح ثم من هؤلاء من حمل النص علي حالين حيث قال لا يفطر أراد به ما إذا لم يقدر علي تمييزه ومجه وحيث قال يفطر اراد مااذا قدر عليه فابتلعه وتوسط الامام من وجه آخر وتابعه صاحب الكتاب فقال ان لم يتعهد تنقية الاسنان ولم يخلل فهو كصورة المبالغة في المضمضة لان الغالب في مثله الوصول الي الجوف وان نقاها علي الاعتياد في مثله فهو كغبار الطريق ولك أن تقول ترك التخليل اما أن يكون مكروها أو لا يكون وان لم يكن مكروها فلا يتوجه الحاقه بصورة المبالغة لان الوصول هناك تولد من أمر مكروه وان كان مكروها فالفرق ثابت أيضا لان ما بين الاسنان اقرب إلى الظاهر من الماء عند المبالغة وربما يثبت في خلالها فلا ينفصل وبتقدير أن ينفصل فالتمكن من أخذه ومجه مما لا يبعد والماء سيال إذا وجد متحدرا اسرع في النفوذ فكان وصوله إلى الجوف أقرب وليكن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 395 قوله فهو كصورة المبالغة معلما بالحاء لانهما مفترقان عنده فيفطر في صورة المبالغة ولا يفطر ههنا (الخامسة) المنى إن خرج بالاستمناء افطر لان الايلاج من غير انزال مبطل فالانزال بنوع شهوة اولي أن يكون مفطرا وان خرج بمجرد الفكر والنظر لشهوة لم يكن مفطرا خلافا لمالك في النظر وعن اصحابه في الفكر اختلاف ولاحمد حيث قال ان كرر انظر حتى انزل افطر * لنا أنه انزال من غير مباشرة فاشبه الاحتلام وان خرج بمباشرة فيما دون الفرج أو لمس أو قبلة افطر لانه انزل بمباشرة هذا ما ذكره الجمهور وذكر الامام ان شيخه حكى وجهين فيما إذا ضم امرأة الي نفسه وبينهما حائل قال وهو عندي كسبق الماء في صورة المضمضة وإن ضاجعها متجردا فالتقت البشرتان فهى كصورة المبالغة في المضمضة واقتدى صاحب الكتاب به فأورد هذا الترتيب وتكره القبلة للشاب الذى تحرك القبلة شهوته ولا يأمن علي نفسه ولا تكره لغيره وان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 396 كان الاولي الاحتراز " كان النبي صلي الله عليه وسلم يقبل وهو صائم " وعن عائشة ان النبي صلي الله عليه وسلم كان يقبل بعض نسائه وهو صائم وكان املككم لاربه ومن كرهنا له القبلة فهل ذلك علي سبيل التحربم أو التنزيه حكي في التتمة فيه وجهين والاول هو المذكور في التهذيب (وقوله) وخروج القئ كالمني اشارة إلى ما قدمنا أنه لو استقاء أفطر وإن خرج بغير اختياره فلا ولو اقتلع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 397 نخامة من باطنه ولفظها فقد حكى الشيخ ابو محمد فيه وجهين (أحدهما) أنه يفطر به الحاقا له بالاستقاءة (والثانى) لا لان الحاجة إليه مما تكثر فليرخص فيه وبهذا أجاب الحناطي وكثير من الائمة ولم يذكروا غيره ثم ذكر صاحب الكتاب ان مخرج الحاء من الباطن ومخرج الخاء من الظاهر ووجهه لائح فان الحاء تخرج من الحلق والحلق من الباطن والخاء تخرج مما قبل الغلصمة الا أن المقصد في مثل هذا المقام الضابط الفارق بين الحدين يشبه أن يكون قدر مما بعد مخرج الخاء من الظاهر ايضا والله أعلم (السادسة) ذكرنا من قبل انه لو أوجر مكرها لم يفطر فلو اكره حتى أكل بنفسه ففيه قولان (احدهما) وبه قال أحمد لا يفطر لان حكم اختياره ساقط وأكله ليس منهيا عنه فاشبه الناسي (والثاني) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله أنه يفطر لانه أتي بضد الصوم ذاكرا له غايته أنه أتى به لدفع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 398 الضرر عن نفسه لكنه لا أثر له في دفع الفطر كما لو أكل أو شرب لدفع الجوع أو العطش وهذا أصح عند صاحب الكتاب ويجرى القولان فيما لو اكرهت المرأة حتى مكنت وكذلك فيما إذا أكره الرجل حتي وطئ (ان قلنا) بتصور الاكراه على الوطئ نعم لا تجب الكفارة وان حكما بالافطار للشبهة (وان قلنا) لا يتصور الاكراه علي الوطئ بطل صومه ولزمه الكفارة وعند احمد يحصل الافطار بالوطئ مكرها بخلاف ما قال في الاكل (وقوله) وفى فساد القصد شرعا أشار به الي أن قيد القصد لابد منه علي ما ذكرناه في الضابط والقصد من حيث الحس موجود في حق المكره ولكن في الحاقه بالعدم شرعا وإفساده الخلاف المذكور (وقوله) لانه ليس بمأثم معناه ان الاكراه انما يؤثر في دفع الاثم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 399 علي ما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " رفع عن امتي الخطأ والنسيان " الخبر وحصول الفطر لا يتعلق به اثم (واعلم) ان هذا التوجيه يتركب علي مقدمتين (إحداهما) إن الاكراه إنما يؤثر في دفع المأثم (والثانية) أن هذا ليس بماثم واقتصر ههنا على ذكر الثانية وفى الوسيط على ذكر الاولي والله تعالي أعلم * قال {فأما ذكر الصوم إحترزنا به عن الناسي للصوم فانه لا يفطر بأكل ولا جماع (م و) والغالط الذى يظن عدم طلوع الصبح أو غروب الشمس افطر ويلزمه القضاء في الآخر} * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 400 ومن القيود المدرجة في الضابط الذى سبق كون الوصول مع ذكر الصوم فأما إذا أكل ناسيا نظر إن قل أكله لم يفطر خلافا لمالك * لنا ماروى أنه صلي الله عليه وسلم قال " من نسى وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فانما أطعمه الله وسقاه " وان كثر ففيه وجهان كالوجهين في بطلان الصلاة بالكلام الكثير وان أكل جاهلا بكونه مفطرا وكان قريب العهد بالاسلام أو نشأ ببادية وكان يجهل مثل ذلك لم يبطل صومه والا فيبطل ولو جامع ناسيا للصوم فقد نقل المزني أن صومه لا يبطل وللاصحاب فيه طريقان (أصحهما) القطع بأنه لا يبطل كما نقله اعتبارا بالاكل (والثانى) أنه يخرج على قولين كما في جماع المحرم ناسيا ومن قال بهذا أنكر ما نقله المزني وقال لا نص للشافعي رضي الله عنه فيه ولو اكل علي ظن ان الصبح لم يطلع بعد أو أن الشمس قد غربت وكان غالطا فقد روى المزني انه لا يجوز صومه ووافقه الاصحاب علي روايته في الصورة الثانية واما في الاولي فمنهم من انكر ما رواه وقال لا يوجد ذلك في كتب الشافعي رضي الله عنه ومذهبه انه لا يبطل الصوم إذا ظن ان الصبح لم يطلع بعد لان الاصل بقاء الليل وهو معذور في بناء الامر عليه بخلاف مافى آخر النهار فان الاصل بقاء النهار فالغالط فيه غير معذور ومنهم من صحح ما رواه وقال لعله نقله سماعا ووجهه بأنه تحقق خلاف ما ظنه واليقين مقدم علي الظن ولا يبعد استواء حكم الغلط في دخول الوقت وخروجه كما في الجمعة هذا هو الاصح والاشهر في المذهب قال الامام (فان قيل) هلا خرج ذلك علي القولين في خطأ القبلة (قلنا) المخطئ آخرا لا يكاد يصادف امراة ظاهرة في هجوم الليل واستصحاب النهار في معارضة ما يعن له وهو مع ذلك متمكن من الصبر الي درك اليقين فاقتضى ذلك الفرق بين البابين إذا عرفت ذلك وعدت الي لفظ الكتاب فاعلم قوله فانه لا يفطر بالميم وقوله ولا جماع بالالف لان عند احمد جماع الناسي يفسد الصوم وبالواو اشارة الي طريقة القولين فقد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 401 تعرض للخلاف فيه في الكتاب في فصل الكفارة وان لم يذكره في هذا الموضع ولو جعلت الواو علي قوله لا يفطر ليشمل الاكل ايضا لم يبعد لانه اطلق القول بأنه لا يفطر الناسي به وفى الكثير منه الخلاف الذى سبق (وقوله) في مسألة الغالط فمفطر يجوز ان يعلم بالزاى والواو (اما) الزاى فلان ابا سعيد المتولي حكى ذهاب المزني الي انه لا يفطر في الصورة الاولي ومنهم من نقل ذهابه إليه في الصورتين (واما) بالواو فلامرين (احدهما) ما حكينا عن بعض الاصحاب في الصورة الاولي (والثانى) ان الموفق ابن طاهر حكى عن محمد بن اسحق بن خزيمة انه يجزئه الصوم في الطرفين (وقوله) فمفطر ويلزمه القضاء الجمع بينهما ضرب تأكيد ولا ضرورة إليه ثم لا يخفى ان الحكم بلزوم القضاء في الصوم الواجب اما في التطوع فيفطر ولا قضاء * قال {ولا ينبغي ان يأكل في آخر النهار الا بيقين فأما بالاجتهاد ففيه خلاف وفى اول النهار يجوز بالاجتهاد ولو هجم ولم يتبين الخطأ لزمه القضاء في الآخر ولم يلزمه في الاول} * لما تكلم في الغالط الذى أكل ثم تبين خلاف ما ظنه أراد أن يبين أن الاكل ثم يجوز (أما) في آخر النهار فالاحوط ألا يأكل إلا بتيقن غروب الشمس لان الاصل بقاء النهار فيستصحب إلي أن يستيقن خلافه ولو اجتهد وغلب علي ظنه دخول الليل بورد وغيره ففى جواز الاكل وجهان (احدهما) وبه قال الاستاذ أبو إسحق الاسفراينى أنه لا يجوز لقدرته علي درك اليقين بالصبر (وأصحهما) الجواز لما روى " أن الناس أفطروا في زمان عمر رضي الله ثم انكشف السحاب وظهرت الشمس " (وأما) في أول النهار فيجوز الاكل بالظن والاجتهاد لان الاصل بقاء الليل ولو هجم واكل من غير يقين ولا اجتهاد نظر ان تبين الخطأ فالحكم ما ذكرنا في الفصل السابق وإن تبين الصواب فقد استمر الصوم على الصحة وليس لاحد أن يقول إذا اكل شاكا في الغروب وتبين الغروب وجب ألا يصح صومه كما لو صلي شاكا في الوقت أو في القبلة من غير اجتهاد وتبين له الصواب لا تصح صلاته لان هناك ابتداء العبادة وقع في حال الشك فمنع الانعقاد وههنا انعقدت العبادة علي الصحة وشك في أنه هل أتي بما يفسدها ثم تبين عدمه ذكر هذا الفرق صاحبا التتمة والمعتمد وان لم يتبين الخطأ ولا الصواب واستمر الاشكال فينظر إن اتفق ذلك في آخر النهار وجب القضاء لان الاصل بقاؤه ولم يبن الاكل على أمر يعارضه وإن اتفق في أوله فلا قضاء لان الاصل بقاء الليل وجواز الاكل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 402 وروى بعض أصحابنا عن مالك وجوب القضاء في هذه الصورة وتردد ابن الصباغ في ثبوتها غنه ولو اكل في آخر النهار بالاجتهاد وقلنا لا يجوز الاكل بالاجتهاد كان كما لو اكل من غير يقين ولا اجتهاد قال {ولو طلع الصبح وهو مجامع فنزع انعقد (ز) صومه ولو استمر فسد} إذا طلع الصبح وفى فيه طعام يأكله فليلفظه فان ابتلعه فسد صومه ولو لفظه في الحال لكن سبق منه شئ إلى جوفه بغير اختياره فقد نقل عن الحاوى فيه وجهان مخرجان من سبق الماء في المضمضة ولو طلع الصبح وهو مجامع فنزع في الحال صح صومه نص عليه في المختصر والمسألة تصور علي ثلاثة أوجه (احدها) ان يحس وهو مجامع بتباشير الصبح فينزع بحيث يوافق آخر النزع ابتداء الطلوع (والثانى) أن يطلع الصبح وهو مجامع ويعلم بالطلوع كما طلع وينزع كما علم (والثالث) أن يمضى زمان بعد الطلوع ثم يعلم به (أما) هذه الصورة الثالثة فليست مرادة بالنص بل الصوم فيها باطل وإن نزع كما علم لان بعض النهار قد مضى وهو مشغول بالجماع فاشبه الغالط بالاكل هذا ظاهر المذهب والخلاف الذى مر فيما إذا اكل على ظن أن الصبح لم يطلع بعد فبان خلافه عائد ههنا بلا فرق وعلي الصحيح لو مكث في هذه الصورة فلا كفارة عليه لان مكثه مسبوق ببطلان الصوم (وأما) الصورتان الاوليان فقد حكى الموفق ابن طاهر أن أبا اسحق قال النص محمول علي الصورة الاولي أما إذا طلع واخرج فسد صومه ولاشك في صحة الصوم في الصورة الاولى لكن حمل النص عليها والحكم بالفساد في الثانية مستبعد لا مبالاة به بل قضية كلام الائمة نقلا وتوجيها ان المراد من مسألة النص الصورة الثانية وحكوا فيها خلاف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 403 مالك وأحمد والمزنى رحمهم الله واحتجوا عليهم أن النزع ترك الجماع فلا يتعلق به ما يتعلق بالجماع كما لو حلف ألا يلبث ثوبا هو لابسه فانتزعه في الحال لا يحنث (وقوله) في الكتاب انعقد صومه أعلم بالميم والالف والزاى إشارة إلى مذاهبهم ويجوز أن يعلم بالواو أيضا للمنقول عن أبي اسحق وقد روى الحناطى أيضا وجها في المسألة ولو طلع الفجر وعلم به كما طلع ومكث ولم ينزع فسد صومه وهل عليه الكفارة نص في المختصر علي أنها تجب وأشار فيما إذا قال لامرأته إن وطأتك فأنت طالق ثلاثا فغيب الحشفة وطلقت ومكث إلي أنه لا يجب المهر واختلف الاصحاب علي طريقين (أحدهما) أن فيها قولين نقلا وتخريجا (أحدهما) وجوب الكفارة ههنا والمهر ثم كما لو نزع وأولج ثانيا (والثاني) لا يجب واحد منهما لان ابتداء الفعل كان مباحا (وأصحهما) القطع بوجوب الكفارة ونفى المهر والفرق أن ابتداء الفعل لم تتعلق به الكفارة فتتعلق بانتهائه حتى لا يخلوا الجماع في نهار رمضان عمدا عن الكفارة والوطئ ثم غير خال عن المقابلة بالمهر لان المهر في النكاح يقابل جميع الوطئات وعند أبى حنيفة لا تجب الكفارة بالمكث واختاره المزني وساعدنا مالك وأحمد علي الوجوب والخلاف جار فيما إذا حامع ناسيا ثم تذكر الصوم واستدام * ثم تكلم الائمة في هذه المسائل في أن أول الفجر كيف يدرك ويحس ومتي عرف المترصد الطلوع كان الطلوع الحقيقي متقدما عليه فكيف يستمر فرض العلم به كما طلع وللشيخ أبى محمد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 404 في الجواب عنه مسلكان حكاهما الامام عنه (أحدهما) أن المسألة موضوعة علي التقدير كدأب الفقهاء في أمثالها (والثاني) أنا تعبدنا بما نطلع عليه ولا معنى للصبح إلا ظهور الضوء للناظر وما قبله لا حكم له فإذا كان الشخص عارفا بالاوقات ومنازل القمر وكان بحيث لا حائل بينه وبين المطلع وترصد فمتي أدرك فهو اول الصبح المعتبر * قال {القول في شرائط الصوم وهى اربعة ثلاثة في الصائم وهى (النقاء عن الحيض) (والاسلام) (والعقل) في جميع النهار وزوال العقل بالجنون مفسد ولو في بعض النهار واستتاره بالنوم ليس بمفسد ولو في كل النهار (و) وانغماره بالاغماء فيه اقوال (انه) كالنوم أو كالجنون (واصح) الاقوال انه ان افاق في اول النهار لم يضره بعده الاغماء} * يشترط في الصائم ثلاثة امور (احدها) النقاء عن الحيض والنفاس فلا يصح صوم الحائض والنفساء علي ما قدمناه في الحيض (والثاني) الاسلام فلا يصح صوم الكافر اصليا كان أو مرتدا كما لا يصح منه سائر العبادات وهذان الشرطان معتبران في جميع النهار حتي لو طرأ حيض أو ردة في آخر النهار بطل الصوم (والثالث) العقل فلا يصح صوم المجنون ولو جن في اثناء النهار فظاهر المذهب بطلان صومه كما لو جن في خلال صلاته تبطل صلاته وفيه وجه ان عروض الجنون كعروض الاغماء وسيأتي حكمه وعبر الشيخ ابو اسحق عن هذا الخلاف في المهذب بقولين (الاول) الجديد (والثانى) القديم ولو نوى من الليل ونام جميع النهار صح صومه وعن ابى الطيب ابن سلمة والاصطخري الجزء: 6 ¦ الصفحة: 405 أنه لا يصح كما لو كان مغمى عليه جميع النهار واحتجا على ذلك بقوله في المختصر فان أفاق في بعض النهار فهو صائم يعني المغمى عليه ثم قال وكذلك إن أصبح راقدا ثم استيقظ فاشعر. كلامه باشتراط الاستيقاظ في بعض النهار والمذهب الاول والفرق بين النوم والاغماء ان سلمنا أن مستغرقه مبطل أن الاغماء يخرجه عن أهلية الخطاب ويلحقه بالمجنون والنائم إذا نبه تنبه ولهذا لا يسقط قضاء الصلوات بالنوم ويسقط بالاغماء ولو نوى من الليل ثم عرض له الاغماء فقد نص في المختصر في باب الصوم أنه إذا كان مفيقا في جزء من النهار صح صومه وفى باب الظهار انه ان كان مفيقا في أول النهار صح صومه ويحكى مثله عن البويطي وفى بعض كتبه أن المرأة إذا كانت صائمة فحاضت أو اغمي عليها بطل صومها وذلك يقتضي اشتراط الافاقة في جميع النهار وقال المزني إذا نوى من الليل صح صومه وان استغرق الاغماء جميع النهار كالنوم وخرج ابن سريج من نصه في الظهار انه يشترط الافاقة في طرفي النهار وقت طلوع الفجر ووقت غروب الشمس وللاصحاب في المسألة طريقان اثبات الخلاف ونفيه (أما) المثبتون للخلاف فلهم طرق (أظهرها) ان المسألة علي ثلاثة اقوال (اصحها) نصه في المختصر في باب الصوم وبه قال احمد ووجهه الامام بأن الدليل يقتضى اشتراط النية مقرونة بجميع اجزاء العبادة الا ان الشرع لم يشترط ذلك واكتفى بتقديم العزم دفعا للعسر فلا بد من ان يقع المعزوم عليه بحيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 406 يتصور القصد إليه وإمساك المغمى عليه لا يقع مقصودا فإذا استغرق الاغماء امتنع التصحيح وإذا وجدت الافاقة في لحظة أتبعنا زمان الاغماء زمان الافاقة (والثانى) اشتراط الافاقة في أول النهار وبه قال مالك رحمه الله ووجهه انه حالة الشروع في الصوم فينبغي أن تجتمع فيه صفات الكمال ولهذا خص أول الصلاة باشتراط النية فيه (والثالث) اشتراط الافاقة في جميع النهار كالافاقة عن الجنون والنقاء عن الحيض (والطريق الثاني) إنه ليس في المسألة إلا قولان الاول والثاني (وأما) نصه الثالث فهو محمول على ما إذا كان الاغماء مستغرقا أو علي اغماء الجنون أو علي ان جوابه رجع الي الحيض دون الاغماء وقد يقع مثل ذلك في كلام الشافعي رضي الله عنه حكى هذا الطريق والذى قبله الشيخ أبو حامد وغيره (والثالث) ان المسألة علي خمسة اقوال هذه الثلاثة المنصوصة وقولان آخران مخرجان (احدهما) ما ذكره المزني جعله بعض الاصحاب قولا مخرجا من النوم وبه قال أبو حنيفة (والثانى) ما ذكره ابن سريج ووجهه بأن الصلاة لما اعتبرت النية فيها ولم تعتبر في جميعها اعتبرت في طرفيها كذلك حكم الافاقة في الصوم واستضعفت الائمة هذا القول حتي غلط صاحب الحاوى ابن سريج في تخريجه وقال لا يعرف للشافعي رضى الله عنه ما يدل عليه (وأما) النافون للخلاف فلهم طريقان (احدهما) ان المسألة علي قول واحد وهو اشتراط الافاقة في اول النهار وما ذكره في الصوم مطلق محمول على ما بينه في الظهار (وأظهرهما) ان المسألة علي قول واحد وهو اشتراط الافاقة في جزء من النهار وتعيين أول النهار الجزء: 6 ¦ الصفحة: 407 في نصه في الظهار وقع علي سبيل الاتفاق (وأما) النص الثالث فقد قدمنا تأويله ولو نوى بالليل ثم شرب دواء فزال عقله نهارا فقد قال في التهذيب يرتب علي ذلك الاغماء (إن قلنا) لا يصح الصوم في الاغماء فههنا اولي (وان قلنا) يصح فوجهان (والاصبح) ان عليه القضاء لانه كان بصنعه ولو شرب المسكر ليلا وبقى سكره في جميع النهار فعليه القضاء وان بقى بعض النهار ثم صحا فهو كالاغماء في بعض النهار قاله في التتمة (وأما) لفظ الكتاب فمسألتا الجنون والنوم معلمتان بالواو لما حكينا من الوجهين (وقوله) في الاغماء اقوال يجوز اعلامه بالواو للطريقة النافية للخلاف وما اطلقه من الاقوال محمول على طريقة إثبات الاقوال الخمسة لكنه ذكر منها ثلاثة (احدها) المخرج الذى اختاره المزني وهو قوله كالنوم (والثانى) منصوصه في بعض كتبه وهو قوله كالجنون (والثالث) منصوصه في باب الظهار (وأما) القولان الباقيان فلم يذكرهما ولو حملنا ما اطلقه على الاقوال الثلاثة التى ذكرها وقدرنا حصره خلاف المسألة فيها لكان صاحب الكتاب منفردا بنقل هذه الطريقة (وقوله) كالنوم أو كالجنون التشبيه بهما مبنى علي ظاهر المذهب فيهما وجعله القول الثالث اصح الاقوال خلاف ما ذكره الجمهور وانما الاصح عندهم ما قدمنا ذكره وما أطلقه من عبارات الزوال والانغمار والاستتار فانما اخذه من الامام حيث جعل لاختلال العقل مراتب (احدها) الجنون وهو يسلب خواص الانسان ويكاد يلحقه بالبهائم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 408 (والثانية) الاغماء وهو يغشى العقل ويغلب عليه حتى لا يبقى في دفعه اختيار (والثالثة) النوم وهو مزيل للتمييز لكنه سهل الازالة والعقل معه كالشئ المستور الذى يسهل الكشف عنه قال ودونها مرتبة رابعة وهى الغفلة ولا اثر لها في الصوم وفاقا * قال {الرابع الوقت القابل للصوم وهو جميع الايام إلا يوم العيدين (ح) وأيام التشريق (و) ولا يصح صوم المتمتع في أيام التشريق علي القول الجديد وصوم يوم الشك صحيح إن وافق نذرا أو قضاءا أو وردا وإن لم يكن له سبب فهو منهي عنه (م ح) وفى صحته وجهان كالصلاة في الاوقات المكروهة ويوم الشك ان يتحدث برؤية الهلال من لا يثبت الهلال بشهادته كالعبيد والفساق} * أيام السنة تنقسم الي يوم الشك وغيره وغيره ينقسم إلى يومى العيد وأيام التشريق وغيرها (فأما) غيرها من الايام فهو قابل للصوم بلا استثناء (وأما) يوما العيد فلا يقبلانه خلافا لابي حنيفة رحمه الله لان عنده الجزء: 6 ¦ الصفحة: 409 لو نذر صومهما كان له أن يصوم فيهما * لنا انه روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم " نهى عن صوم يومين يوم الاضحى ويوم الفطر (وأما) أيام التشريق فهل يجوز للمتمتع العادم للهدى أن يصومها عن الثلاثة ايام اللازمة عليه في الحج فيه قولان (القديم) وبه قال مالك انه يجوز لما روى عن عائشة رضى الله عنها ان النبي صلي الله عليه وسلم " ارخص للمتمتع إذا لم يجد الهدى ولم يصم الثلاثة في العشر ان يصوم أيام التشريق " وإلي هذا ميل الشيخ أبي محمد (والجديد) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 410 انه لا يجوز بل هما في عدم قبول الصوم كالعيدين لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " لا تصوموا في هذه الايام فانها أيام أكل وشرب وبعال " فان فرعنا على القديم فهل يجوز لغير المتمتع صومها فيه وجهان (قال) ابو اسحق نعم لان تجويز صومها للمتمتع انما كان لانه صوم له سبب فيجوز مثل هذا الصوم لكل أحد دون التطوعات المحضة وقال الاكثرون لا يجوز لان النهي عام والرخصة وردت في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 411 في حق المتمتع خاصة وذكر الامام أن القاضي الحسين سلك مسلكا يفضي الي تنزيل يوم العيد منزلة يوم الشك قال وما تراه قاله عن عقد (وأما) يوم الشك فقد روى عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال " من صام اليوم الذى يشك فيه فقد عصى أبا القاسم " فلا يصح صومه عن رمضان خلافا لاحمد حيث قال في رواية " ان كانت السماء مصحية كره صومه والا وجب صومه عن رمضان " وفى رواية ان صام الامام صاموا والا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 412 أفطروا وعنه رواية أخرى مثل مذهبنا * لنا قوله صلي الله عليه وسلم " فان غم عليكم فاكملوا عدة شعبان ثلاثين ولا تستقبلوا رمضان بصوم يوم من شعبان " ويجوز صومه عن قضاء ونذر وكفارة وكذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 413 إذا وافق ورده في التطوع بلا كراهية روى عن أبى هريرة " ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تستقبلوا الشهر بيوم أو يومين الا ان يوافق ذلك صياما كان يصومه أحدكم " وعن القاضي أبي الطيب انه يكره صومه عما عليه من فرض قال ابن الصباغ وهذا خلاف القياس لانه إذا لم يكره منه ماله سبب من التطوع فلان لا يكره فيه الفرض كان أولى ولا يجوز ان يصوم فيه التطوع الذى لا سبب له خلافا لابي حنيفة ومالك رحمهما الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 414 حيث قالا لا كراهية في ذلك) * لنا حديث عمار وأيضا فقد روى عن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهي عن صيام ستة ايام احدها اليوم الذى يشك فيه " وهل يصح هذا الصوم فيه وجهان كالوجهين في الصلاة وفى الاوقات المكروهة (أصحهما) لا لانه منهي عنه كيوم العيد (والثانى) (نعم) لانه قابل للصوم في الجملة ولو نذر صومه فهو على هذين الوجهين (فان قلنا) يصح فليصم يوما آخر ولو صامه خرج عن نذره قاله في التهذيب ولا يحفى ان اليوم الموصوف بكونه يوم الشك هو الثلاثون من شعبان ومتي يتصف بهذه الصفة ان طبق الغيم ليلته فهو من شعبان وليس بيوم شك لقوله صلي الله عليه وسلم " فان غم عليكم فاكملوا العدة ثلاثين " ولا اثر لظننا الرؤية لولا السحاب لبعد الهلال عن الشمس وان كانت السماء مصحية وتراءى الناس الهلال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 415 فلم يروه فليس بيوم شك بطريق الاولي إن لم يتحدث برؤية الهلال أحد وان وقع في السنة الناس انه رؤى ولم يقل عدل أنا رأيته أو قاله عدل وفرعنا على انه لا يثبت بقول واحد أو قاله عدد من النسوة أو العبيد أو الفساق وظن صدقهم فهو يوم شك وحكي الموفق ابن طاهر عن أبي محمد البافى انه إذا كانت السماء مصحية ولم ير الهلال فهو يوم شك وعن الاستاذ ابي طاهر ان يوم الشك ما تردد بين الجائزين من غير ترجيح فإذا شهد امرأة أو عبد أو صبي فقد ترجح احد الجانبين وخرج اليوم عن كونه يوم شك والمشهور ما تقدم ولو كان في السماء قطع سحاب يمكن ان يرى الهلال من خلالها وان يخفى تحتها فقد قال الشيخ ابو محمد انه يوم الشك وقال غيره إنما يكون كذلك بشرط التحدث علي ما سبق وتوسط الامام بينهما فقال ان كان في بلد يستقل اهلها بطلب الهلال فلم يتحدثوا برؤيته فالوجه ان لا يجعل الغد يوم شك وإن كان في سفر ولم يبعد رؤية اهل القرى فيحتمل ان يجعل الغد يوم شك والله اعلم * إذا عرفت ذلك فارجع إلى لفظ الكتاب واعلم قوله الا يوم العيدين وأيام التشريق بالحاء والميم والالف (اما) بالحاء فلان عنده صومها صحيح عند النذر فتكون قابلة للصوم (واما) بالميم فلان عنده يجوز للمتمتع صوم أيام التشريق وهو رواية عن أحمد (وقوله) ولا يصح صوم المتمتع في ايام التشريق ان قرئ بالواو كان مقطوعا عما سبق واحوج إلى اعلام ما سبق بالواو للقول القديم فانها قابلة للصوم علي ذلك القول وإن قرئ فلا يصح بالفاء ترتيبا له علي ما سبق كان أحسن وأغني عن الاعلام بالواو ويجوز أن يعلم قوله علي الجديد بالواو لانه يقتضى اثبات خلاف في المسألة وقد ذكر المزني ان القول القديم في المسألة مرجوع عنه فلم يثبث بعض الاصحاب فيها خلافا (وقوله) فهو منهى معلم بالميم والحاء (وقوله) أن يتحدث برؤية الهلال يجوز اعلامه بالواو (اما) لما روينا عن الشيخ فانه لا يعتبر التحدث في تفسير يوم الشك أو عن الاستاذ فانه يجعل خبر العبيد ونحوهم مخرجا له عن كونه يوم شك * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 416 قال {القول في السنن وهي ثمانية تعجيل الفطر بعد تيقن الغروب بتمر أو ماء والوصال منهى عنه وتأخير السحور مستحب وكذا اكثار الصدقات وكثرة تلاوة القرآن والاعتكاف لا سيما في العشر الاخير لطلب ليلة القدر وكف اللسان عن الهذيان وكذا كف النفس عن جميع الشهوات فهو سر الصوم وترك السواك بعد الزوال وتقديم غسل الجنابة علي الصبح} * من سنن الصوم تعجيل الفطر قال صلي الله عليه وسلم " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " وانما يستحب التعجيل بعد تيقن غروب الشمس والسنة أن يفطر علي تمر فان لم يجد فعلى ماء روى انه صلي الله عليه وسلم قال " من وجد التمر فليفطر عليه ومن لم يجد التمر فليفطر على الماء فانه طهور " وذكر القاضى الرويانى انه يفطر علي التمر فان لم يجد فعلي حلاوة أخرى فان لم يجد فعلي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 417 الماء وعن القاضي حسين ان الاولي في زماننا أن يفطر علي ماء يأخذه بكفه من النهر ليكون أبعد عن الشبهة (وقوله) في الكتاب علي تمر أو ماء ليس للتخيير بل الامر فيه على الترتيب كما بيناه (ومنها) التسحر فهو مندوب إليه قال صلى الله عليه وسلم " تسحروا فان في السحور بركة " ويستحب تأخيره ما لم يقع في مظنه الشك روى " أنه كان بين تسحر رسول الله صلي الله عليه وسلم مع زيد بن ثابت رضى الله عنه ودخوله في صلاة الصبح قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية " (ومنها) ترك الوصال فهو مكروه لغير النبي صلى الله عليه وسلم روى عن ابن عمر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 418 رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم " نهى عن الوصال فقيل يارسول الله انك تواصل فقال إنى لست مثلكم اني اطعم واسقي " قال المسعودي أصح ما قيل في معناه انى اعطى قوة الطاعم والشارب والوصال أن يصوم يومين فصاعدا ولا يتناول بالليل شيئا وكراهية الوصال كراهية تحريم أو تنزيه حكى عن صاحب المهذب وغيره فيه وجهين (أحدهما) انها كراهية تحريم لظاهر النهي ومبالغة النبي صلى الله عليه وسلم في منع من واصل (والثانى) انها كراهية تنزيه لان النهي انما ورد مخافة الضعف وهو أمر غير متحقق وظاهر كلام الشافعي رضى الله عنه هو الاول فانه بعد ماروى خبر الوصال قال وفرق الله تعالي بين رسوله وبين خلقه في أمور أباحها له وحظرها عليهم فاشعر ذلك بكونه محظورا واطلق في التهذيب ان المواصل يعصي وذلك يشعر بالحظر أيضا (ومنها) الجود والافضال فهو مندوب إليه في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 419 جميع الاوقات وفى شهر رمضان آكد استحبابا اقتداء برسول الله صلي الله عليه وسلم فانه كان " اجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان " والمعني في تخصيص رمضان بزيادة الجود واكثار الصدقات تفريغ الصائمين والقائمين للعبادة بدفع حاجاتهم (ومنها) كثرة تلاوة القرآن والمدارسة به وهو أن يقرأ على غيره ويقرأ عليه غيره " كان جبريل عليه السلام يلقى النبي صلى الله عليه وسلم في كل ليلة من رمضان فيتدارسان القرآن (ومنها) الاعتكاف لا سيما في العشر الاخير من رمضان لطلب ليلة القدر " كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يواظب عليه " (ومنها) ان يصون الصائم لسانه عن الكذب والغيبة والمشاتمة ونحوها ويكف نفسه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 420 عن الشهوات بكف الجوارح فهو سر الصوم والمقصود الاعظم منه روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " وروى أنه صلي الله عليه وسلم قال " الصيام جنة فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل فان امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل ان صائم " قال الائمة معناه فليقل في نفسه ولينزجر (ومنها) ترك السواك بعد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 421 الزوال لما ذكرنا في سنن الوضوء وايضا فقد روى عن خباب رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشى فانه ليس من صائم تيبس شفتاه الا كانتا نورا بين عينيه يوم القيامة " وإذا استاك فلا فرق بين الرطب واليابس بشرط أن يحتزر عن ابتلاع شظية وتجرع رطوبة وقد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 422 روى عن علي وابن عمر رضي الله عنهم " أنه لا بأس بالسواك الرطب " وقوله في الكتاب ترك السواك معلم بالميم والحاء لانهما لا يكرهانه بعد الزوال وبالالف لان المسعودي في آخرين حكوا عن احمد انه لا يكره بعد الزوال في النفل ليكون ابعد عن الرياء في الفرض وبالواو لان صاحب المعتمد حكى عن القاضى حسين مثل مذهب احمد (ومنها) يستحب تقديم غسل الجنابة عن الجماع والاحتلام علي الصبح ولو أخره عن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 423 الطلوع لم يفسد صومه " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من جماع أهله ثم يصوم " وما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " من أصبح جنبا فلا صوم له " محمول عند الائمة علي مااذا أصبح مجامعا واستدامه ولو طهرت الحائض ليلا ونوت الصوم ثم اغتسلت بعد طلوع الفجر صح صومها أيضا هذا شرح السنن الثمان التي ذكرها في الكتاب ولا يخفى أن منها ما يعم الصوم ومنها ما يخص صوم رمضان وللصوم وراءها سنن (منها) ان يقول عند الفطر ماروى عن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 424 معاذ رضي الله قال " كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا افطر قال اللهم لك صمت وعلي رزقك افطرت " (ومنها) ان يفطر الصائمين معه فان عجز عن عشائهم اعطاهم ما يفطرون به من شربة أو تمرة أو غيرهما (ومنها) الاحتراز عن الحجامة والقبلة والمعانقة والعلك وقد سبق ذكرها وكذا الاحتراز عن ذوق الشئ ومضغ الطعام للطفل وإن كان لا يفسد الصوم بذلك * قال {القسم الثاني في مبيحات الافطار وموجباته (أما) المبيح فهو المرض والسفر الطويل وطارئ المرض في أثناء النهار مبيح وطارئ السفر لا يبيح وإذا زالا وهو غير مفطر لم يبح الافطار والمسافر إذا أصبح علي نية الصوم فله الافطار والصوم أحب من الفطر في السفر لتبرئة الذمة الا إذا كان يتضرر به} الجزء: 6 ¦ الصفحة: 425 كلام هذا القسم في مبيحات الافطار ثم في احكامه (أما) المبيح فالمرض والسفر مبيحان بالاجماع والنص قال الله تعالي (فمن كان منكم مريضا أو علي سفر) الآية وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة " وشرط كون المرض مبيحا ان يجهده الصوم معه ويلحقه ضرر يشق احتماله علي ما عددتا وجوه المضار في التيمم ثم المرض إن كان مطبقا فله ترك النية بالليل وإن كان يحم وتنقطع نظر إن كان محموما وقت الشروع فله ترك النية والا فعليه أن ينوى من الليل ثم ان عاد واحتاج الي الافطار أفطر وشرط كون السفر مبيحا أن يكون طويلا مباحا كما سبق في القصر ثم في الفصل مسائل (احداها) لو اصبح صائما وهو صحيح فمرض في أثناء النهار كان له أن يفطر لوجود المعني المحوج الي الافطار من غير اختياره ولو اصبح صائما مقيما ثم سافر لم يجز له أن يفطر في ذلك اليوم خلافا لاحمد في رواية وللمزنى * لنا أن الصوم عبادة تختلف بالسفر والحضر فإذا انشأها في الحضر ثم سافر غلب حكم الحضر كالصلاة * واحتج المزني بأن النبي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 426 صلى الله عليه وسلم " صام في مخرجه الي مكة في رمضان حتي بلغ كراع الغميم ثم افطر " وبنى هذا الاحتجاج علي ظنه أن ذلك كان في يوم واحد قال الاصحاب وهو وهم فان بين المدينة وكراع الغميم مسيرة ثمانية ايام والمراد من الحديث انه صام اياما في سفره ثم افطر وقد قيل ان المزني تبين له ذلك ثم رجع عن هذا الاحتجاج وان لم يرجع عن مذهبه (وقوله) في الكتاب وطارئ السفر لا يبيح يجوز ان يعلم مع الالف والزاى بالواو لان الحناطى حكى طريقا ان المسألة علي وجهين وايضا فان الموفق ابن طاهر زعم ان ابن خيران اشار إليه وعلي المذهب الصحيح لو افطر بالجماع لزمه الكفارة خلافا لابي حنيفة ومالك ولاحمد في احدى الروايتين ولو نوى المقيم بالليل ثم سافر قبل طلوع الفجر فان فارق العمران قبل الطلوع فله ان يفطر وان فارقه بعد الطلوع فلا لان ابتداء صومه وقع في الحضر (الثانية) لو اصبح المسافر صائما ثم اقام في خلال النهار فهل له أن يفطر ظاهر المذهب وبه قال ابو اسحق انه ليس له ذلك كما لو افتتح الصلاة في السفر ثم نوى الاقامة في اثنائها أو سارت به السفينة فدخل البلد وهذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 427 هو الذى ذكره في الكتاب وعن ابن ابى هريرة ان له الفطر لان الفطر مباح له في اول النهار مع العلم بحال اليوم فكذلك في آخره كما لو استدام السفر ونقل عن الحاوى ان هذا هو المنصوص في حرمله ولو اصبح المريض صائما ثم برأ في خلال النهار فقد قطع كثيرون بأنه لا يجوز له الافطار وطرد صاحب المهذب حكاية الوجهين فيه و ? له الاولي (الثالثة) المسافر إذا اصبح علي نية الصوم ثم بداله جاز له ان يفطر لدوام العذر وقد روى ان النبي صلى الله عليه وسلم " افطر بعد العصر بكراع الغميم بقدح ماء لما قيل له ان الناس يشق عليهم الصيام " وابدى الشيخ ابو اسحق والامام في المسألة احتمالا ووجهاه بأنه شرع في فرض المقيمين فليلزمه كما لو شرع في الصلاة متما ثم اراد القصر وإذا قلنا بالمشهور فهل يكره له الافطار فيه وجهان عن القاضي الحسين (الرابعة) للمسافر أن يصوم وله ان يفطر لما روى عن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 428 أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال " غزونا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم لست عشرة مضت من رمضان فمنا من صام ومنا من أفطر فلم يعب الصائم علي المفطر ولا المفطر علي الصائم " وروى " أنه صلى الله عليه وسلم قال لحمزة بن عمرو الاسلمي رضي الله عنه ان شئت فصم وان شئت فافطر " وأيهما افضل ان كان لا يتضرر بالصوم فالصوم افضل وبه قال مالك وأبو حنيفة وقد ذكرنا وجهه وما يحكي فيه من الخلاف في صلاة المسافرين وإن كان يتضرر بالصوم فالفطر أفضل له لما روى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 429 عن جابر رضي الله عنه قال " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمان غزوة تبوك فمر برجل في ظل شجرة يرش الماء عليه فقال ما بال هذا قالوا صائم فقال صلي الله عليه وسلم ليس من البر الصيام في السفر " وذكر في التتمة أنه لو لم يتضرر في الحال لكنه كان يخاف الضعف لو صام وكان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 430 السفر سفر حج أو غزو فالاولي ان يفطر أيضا لما روى " أنه صلى الله عليه وسلم أمر الناس بالفطر عام الفتح وقال تقووا لعدوكم " (وقوله) إلا إذا كان يتضرر ضبط الامام التضرر بخوف المرض ولا شك ان خوف الهلاك في معناه (واعلم) ان اصل المسألة قد ذكره مرة في صلاة المسافرين لكن زاد ههنا شيئين (أحدهما) بيان علة افضلية الصوم (والثاني) استثناء حالة التضرر ولو لم يذكرها واقتصر على ما اورده في هذا الموضع لكفى (وقوله) في اول الفصل (اما) المبيح فهو المرض والسفر يشعر ظاهره بحصر المبيح فيهما لكن من غلبه العطش حتى خاف الهلاك فله الفطر وان كان مقيما صحيح البدن * قال {اما موجبات الافطار فأربعة (الاول) القضاء وهو واجب علي كل تارك بردة (ح) أو سفر أو مرض أو اغماء أو حيض ولا يجب علي من ترك بجنون أو صبا أو كفر اصلى وما فات من بعض الشهر في ايام الجنون لا يقضى (ح) ولو افاق في اثناء النهار ففى قضاء ذلك اليوم وجهان ولا يجب التتابع في قضاء رمضان} * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 431 مقصود الفصل الكلام فيمن يلزمه قضاء صوم رمضان ولا شك أن من ترك النية الواجبة عمدا أو سهوا فعليه القضاء وكذلك كل من أفطر نعم لو كان افطاره بحيث يوجب الكفارة ففي القضاء خلاف سيأتي ذكره من بعد وما فات بسبب الكفر لا يجب قضاؤه على الكافر الاصلي قال الله تعالي (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) الآية ويجب على المرتد خلافا لابي حنيفة رحمه الله على ما مر في الصلاة والمسافر والمريض إذا أفطرا قضيا قال الله تعالي (فعدة من أيام أخر) وما فات بالاغماء يجب قضاؤه سواء استغرق جميع الشهر أو لم يستغرق لانه نوع مرض يغشى العقل بخلاف الجنون ولهذا يجوز الاغماء على الانبياء عليهم السلام ولا يجوز الجنون عليهم ويخالف الصلاة حيث يسقط الاغماء قضاءها لان الصلاة تتكرر والاغماء قد يمتد ويتكرر فوجوب القضاء يجر عسرا وحرجا ونقل صاحب التهذيب والتتمة عن ابن سريج ان الاغماء إذا استغرق اسقط القضاء ويجب على الحائض قضاء ايام الحيض كما مر في الحيض ولا يجب الصوم علي الصبى والمجنون ولا قضاء عليهما ولا فرق في اسقاط الجنون القضاء بين ان يستغرق النهار أو لا يستغرقه ولا بين أن يستغرق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 432 الشهر أو لا يستغرقه وقال مالك الجنون لا يسقط القضاء كالاغماء وهو احدي الروايتين عن احمد فليكن قوله بجنون معلما بالميم والالف وبالحاء ايضا لان اللفظ يشمل ما إذا ترك بالجنون جميع ايام الشهر وما إذا ترك بعضها وعند ابي حنيفة رحمه الله إذا افاق المجنون في اثناء الشهر فعليه قضاء ما مضي من الشهر ويجوز ان يعلم بالواو ايضا لامور ثلاثة (احدها) ان فيما علق عن الشيخ أبي محمد رحمه الله حكاية قول مثل مذهب مالك (والثانى) ان المحاملى ذكر أن المزني نقل في المنثور عن الشافعي رضى الله عنه مثل قول ابي حنيفة (والثالث) ان المحاملى في آخرين حكوا عن ابن سريج مثل مذهب مالك وهذا ينافى ما نقل عنه في الاغماء ويشبه أن يكون أحدهما غلطا وهذا اقرب إليه لان كل من نقله ضعفه (وقوله) وما فات من بعض الشهر في ايام الجنون لا يقضي جار مجرى التوكيد والايضاح والا فقوله علي من ترك بجنون يتناوله باطلاقه ولو اعدت العلامات علي قوله لا يقضى لاصبت (اما) علامة ابي حنيفة فظاهرة (وأما) غيرها فلان من يأمر بالقضاء إذا استغرق الجنون الشهر اولي ان يأمر به عند عدم الاستغراق وما ذكرنا كله في الجنون الذى لم يتصل بسبب يقتضي القضاء فأما إذا ارتد ثم جن أو سكر ثم جن فقد روى الحناطى فيه وجهين في لزوم القضاء ولعل الظاهر الفرق بين اتصاله بالردة واتصاله بالسكر كما مر في الصلاة (وقوله) ولو افاق في اثناء النهار ففي قضاء ذلك اليوم وجهان هذه الصورة معادة في درج زوال سائر الاعذار في أثناء النهار حيث قال وفى وجوب قضاء هذا اليوم تردد وسنشرحه ولا يجب التتابع في قضاء رمضان لما روى ان النبي صلي الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 433 عليه وسلم " سئل عن قضاء رمضان فقال ان شاء فرقه وإن شاء تابعه " ويستحب ذلك لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " من كان عليه صوم من رمضان فليسرده ولا يقطعه " واعلم قوله ولا يجب بالميم لان الامام نقل عن مالك رحمهما الله إيجاب التتابع فيه وتابعه المصنف لكن الذى رواه الاكثرون عن مالك انه لا يجب التتابع فيه وإنما حكوا هذا المذهب عن داود وبعض اهل الظاهر وذكروا انهم وان أوجبوه لم يشرطوه للصحة * قال {الثاني الامساك تشبيها بالصائمين وهو واجب علي كل متعد بالافطار في شهر رمضان غير واجب على من أبيح له الفطر إباحة حقيقية كالمسافر (ح) والمريض (ح) بعد القدوم والبرء في بقية النهار ويجب على من أصبح يوم الشك مفطرا إذا بان انه من رمضان على الصحيح} * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 434 الامساك تشبيها بالصائمين من خواص رمضان كالكفارة فلا إمساك علي من تعدي بالافطار في نذر أو قضاء قال الامام والامر بالامساك مشبه بالتغليظ وطرف من العقوبة ومضادة القصد ثم الممسك متشبه وليس في عبادة بخلاف المحرم إذا افسد احرامه ويظهر أثره في ان المحرم بعد فساد احرامه لو ارتكب محظورا لزمته الفدية والممسك لو ارتكب محظورا لا يلزمه شئ سوى الاثم وفى الفصل صور (احداها) يجب الامساك علي كل من تعدى بالافطار في رمضان وكذا لو ارتد أو نوى الخروج من الصوم (ان قلنا) انه يبطل بنية الخروج ويجب ايضا علي من نسى النية من الليل وكان نسيانه يشعر بترك الاهتمام بأمر العبادة فهو ضرب تقصير ويجوز ان يوجه الامر بالامساك بأن الاكل في نهار رمضان حرام علي غير المعذور فان فاته الصوم بتقصير أو غير تقصير لم يرتفع التحريم (الثانية) لو اقام المسافر أو برأ المريض اللذان يباح لهما الافطار في أثناء النهار فلهما ثلاث احوال (احداها) ان يصبحا صائمين وداما عليه إلى زوال العذر فقد ذكرنا المذهب الظاهر وخلاف ابن أبى هريرة فيه (والثانية) ان يزول عذرهما بعد ما افطرا فيستحب لهما الامساك لحرمة الوقت ولا يجب وبه قال مالك خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث اوجبه وبه قال احمد في اصح الروايتين * لنا ان زوال العذر بعد الترخص لا يؤثر كما لو قصر المسافر ثم اقام والوقت باق وإذا أكلا فليخفياه كيلا يتعرضا للتهمة وعقوبة السلطان ولهما الجماع بعد زوال العذر إذا لم تكن المرأة صائمة بان كانت صغيرة أو طهرت من الحيض ذلك اليوم (والثالثة) ان يصبحا غير ناويين ويزول العذر قبل أن يأكلا فهل يلزمهما الامساك فيه وجهان (أحدهما) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 435 نعم كما لو لم يصل المسافر حتي اقام لا يجوز له القصر (واصحهما) انه لا يلزمه لان من أصبح تاركا للنية فقد اصبح مفطرا وكان كما لو اكل والوجهان مفرعان علي ظاهر المذهب في الحالة الاولى فاما من جوز له الاكل ثم فههنا اولى ان يجوز (الصورة الثالثة) إذا اصبح يوم الشك مفطرا ثم ثبت انه من رمضان فلا يخفى انه يلزمه قضاؤه وهل يجب عليه إمساك بقية النهار فيه قولان (اصحهما) نعم لان الصوم واجب عليه الا انه كان لا يعرفه فإذا بان لزمه الامساك قال الامام رحمه الله وتخريجه علي القاعدة التي ذكرنا ان الامر بالامساك تغليظ وعقوبة انا قد ننزل المخطئ منزلة العامد لانتسابه الي ترك التحفظ الا ترى انا نحكم بحرمان القاتل خطأ عن الميراث (والثاني) قاله في البويطى لا لانه أفطر بعذر فلم يلزمه امساك بقية النهار كالمسافر إذا قدم بعد الافطار وفرض ابو سعد المتولي هذين القولين فيما إذا بان انه من رمضان قبل أن يأكل شيئا ثم رتب عليه مااذا بان بعد الاكل فقال ان لم نوجب الامساك ثم فههنا أولي والا فوجهان (أظهرهما) الوجوب أيضا ولنعد الي ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله) في شهر رمضان ينبه علي ما قدمنا ان وجوب الامساك من خواص رمضان (وقوله) غير واجب علي ما ابيح له الفطر معلم بالحاء والالف ثم اللفظ متناول للحالة الثانية والثالثة من أحوال مسألة المسافر والمريض علي ما فصلنا فيجوز أن يعلم بالواو أيضا للخلاف في الحالة الثالثة وأيضا فانه حكي عن الحاوى وجها في أن المريض إذا أفطر ثم برأ هل يلزمه إمساك بقية النهار وذكر ان الوجوب طريقة أصحابنا البغداديين والمنع طريقة البصريين والفرق بين المريض والمسافر ان المريض إنما يفطر للعجز فإذا قدر وجب أن يمسك والمسافر يفطر رخصة وان أطاق الصوم (وقوله) اباحة حقيقية فيه اشارة الي الفرق بين صورة المريض والمسافر وصورة يوم الشك فان أصح القولين وجوب الامساك يوم الشك وذلك لان المسافر والمريض يباح لهما الاكل مع العلم بحال اليوم وكونه من رمضان حقيقة وفى يوم الشك انما ابيح الاكل لانه لم يتحقق كونه من رمضان فإذا تحققه لزمه الامساك (وقوله) بعد القدوم لا يخفى رجوعه الي المسافر وان تخلل بينهما ذكر المريض ثم هو في اكثر النسخ بعد القدوم وقبله وطرح بعضهم قبله لانه اوضح من أن يحتاج إلى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 436 ذكره والممكن فيه أن يقال انما ذكره كي لا يتوهم ان المسافر إذا أكل وتقوى يلزمه الاقتصار عليه تقديرا للاكل بقدر الحاجة وثبت ان بعض المعتنين بهذا الكتاب جعل مكانه والبرء وهو حسن * قال {وأما الصبا والجنون والكفر إذا زال لم يجب الامساك علي وجه ويجب في وجه وبحب على الكافر دونهما في وجه ويجب علي الصبي والكافر دون المجنون في وجه لانهما مأموران علي الجملة وفى وجوب قضاء هذا اليوم ايضا تردد} * إذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو أسلم الكافر في أثناء يوم من رمضان فهل يلزمهم امساك بقية اليوم فيه أربعة أوجه (اصحهما) لا لانهم لم يدركوا وقتا يسع الصوم ولا أمروا به والامساك تبع للصوم ولانهم أفطروا بعذر فاشبهوا المسافر والمريض (والثانى) نعم لانهم أدركوا وقت الامساك وان لم يدركوا وقت الصوم (والثالث) انه يجب على الكافر دون الصبى والمجنون فانهما معذوران ليس اليهما ازالة ما بهما والكافر مأمور بترك الكفر والاتيان بالصوم (والرابع) انه يجب علي الصبى والكافر دون المجنون (أما) الكافر فلما ذكر (وأما) الصبى فلانه متمكن من الاتيان بالصوم مأمور به أمر تدريب علي ما مر في الصلاة بخلاف المجنون وقوله في الكتاب لم يجب الامساك معلم بالحاء لان مذهب ابى حنيفة رحمه الله مثل الوجه الثاني وبالالف لانه أصح الروايتين عن احمد (وقوله) ويجب بالميم لان مذهب مالك كالوجه الاول وإذا فهمت هذه الوجوه عرفت ان الكافر اولاهم بالوجوب والمجنون اولاهم بالمنع والصبى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 437 بينهما فلك أن ترتب فتقول في وجوب الامساك على الكافر وجهان (إن) أوجبنا ففى الصبي وجهان (ان) اوجبنا ففى المجنون وجهان ولك أن تعكس فتقول في وجوبه علي المجنون وجهان (إن) لم يجب ففى الصبى وجهان (وإن) لم يجب ففى الكافر وجهان ولهذا الترتيب نقل صاحب المعتمد طريقة قاطعة بالوجوب علي الكافر هذا بيان الخلاف في وجوب الامساك وهل عليهم قضاء اليوم الذى زال العذر في خلاله (أما) الصبى إذا بلغ في خلال النهار فينظر إن كان ناويا من الليل صائما فظاهر المذهب أنه لا قضاء عليه ويلزمه الاتمام ولو جامع بعد البلوغ فيه فعليه الكفارة وفيه وجه أنه يستحب الاتمام ويلزمه القضاء لانه لم ينو الفرض ويحكي هذا عن ابن سريج وإن أصبح مفطرا ففيه وجهان وقال في التهذيب قولان (أحدهما) أنه يلزمه القضاء كما إذا أدرك شيئا من الوقت يلزمه الصلاة (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله لا يلزم وقد ذكرنا الفرق بين الصوم والصلاة في كتاب الصلاة مع طرف من فقه المسألة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 438 وهذا الخلاف مفرع علي ظاهر المذهب في أنه إذا بلغ صائما فلا قضاء عليه (فأما) من يوجب القضاء ثم فههنا أولي بأن يوجب (وأما) إذا افاق المجنون أو اسلم الكافر ففيهما طريقان (احدهما) طرد الخلاف وهذا أظهر عند الاكثرين والاظهر من الخلاف انه لا قضاء ويحكى ذلك في الكافر عن نصه في القديم والام والبويطى (والثانى) القطع بالمنع في حق المجنون لانه لم يكن مأمورا بالصوم في اول النهار وبالايجاب في حق الكافر لانه متعد بترك الصوم وهذا اصح عند صاحب التهذيب ويجوز ان يعلم قوله فيما سبق ولو افاق في اثناء النهار ففى وجوب قضاء هذا اليوم وجهان بالواو اشارة إلى الطريقة القاطعة بالمنع وكذلك قوله ههنا تردد لهذه الطريقة والطريقة الجازمة بالايجاب في الكافر فانه اجاب عن طريقة طرد الخلاف في الصور الا ان يفسر التردد الذى ابهمه يتردد الطريق في بعض الصور والقول أو الوجه في بعضها وهل للخلاف في القضاء تعلق بالخلاف في الامساك تشبها نقل الامام عن الصيدلانى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 439 ان من يوجب التشبه يكتفى به ولا يوجب القضاء ومن يوجب القضاء لا يوجب التشبه وعن غيره من الاصحاب ان الامر بالقضاء فرع الامر بالامساك فمن التزم الامساك التزم القضاء ومن لا فلا وبنى صاحب التهذيب وغيره الخلاف في وجوب الامساك علي الخلاف في وجوب القضاء ان اوجبنا القضاء اوجبناه والا فلا فهذه ثلاثة طرق وهى على اختلافها متفقة علي تعلق احد الخلافين بالآخر والطريق الثاني والثالث يشكلان بالحائض والنفساء إذا طهرتا في خلال النهار فان القضاء واجب عليهما لا محالة لان مستغرق الحيض لا يسقط القضاء فمتقطعه اولي والامساك غير واجب عليهما (اما) بلا خلاف على ما رواه الامام (واما) علي الاظهر لان صاحب المعتمد حكي طرد الخلاف فيهما وإذا كان كذلك لم يستمر قولنا بأن القضاء فرع الامساك ولا بأن الامساك فرع القضاء والطريق الاول يشكل بصورة يوم الشك والمتعدي بالافطار فان القضاء لازم مع التشبه والله اعلم * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 440 قال {ومن نوى التطوع في رمضان لم ينعقد وان كان مسافرا لتعين الوقت} * ايام رمضان متعينة لصوم رمضان فان كان الشخص معذورا بسفر أو مرض فاما ان يترخص بالفطر أو يصوم عن رمضان وليس له ان يصوم عن فرض آخر أو تطوع وبه قال مالك واحمد وقال أبو حنيفة للمسافر ان يصوم عن القضاء والكفارة ولو صام عن تطوع ففى رواية يقع تطوعا وفى وراية ينصرف الي الفرض وحكى الشيخ أبو محمد ترددا عن أصحابه في المريض الذى له الفطر إذا تحمل المشقة وصام عن غير رمضان واعلمت المسألة بالواو لان الامام حكى خلافا فيمن أصبح في يوم رمضان غيرنا وونوى التطوع قبل الزوال فمذهب الجماهير أنه لا يصح تطوعه بالصوم وعن أبي اسحق أنه يصح قال فعلى قياسه يجوز للمسافر التطوع به * قال {الثالث الكفارة وهى واجبة علي كل من أفسد صوم يوم من رمضان بجماع تام أثم به لاجل الصوم فلا تجب علي الناسي إذا جامع لانه لم يفطر علي الصحيح ولا علي من جامع في غير رمضان} * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 441 الاصل في كفارة الصوم ماروى عن أبى هريرة رضى الله عنه " أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هلكت واهلكت قال ما شأنك قال واقعت امرأتي في رمضان قال تستطيع أن تعتق رقبة قال لا قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا قال فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا قال لا قال اجلس فجلس فاتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر - والعرق المكتل الضخم - فقال خذ هذا فتصدق به قال أعلي افقر منا فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتي بدت نواجذه وقال أطعمه عيالك " والكلام في موجب الكفارة ثم في كيفيتها (أما) الاول فقد قال وهى واجبة علي من افسد صوم يوم من رمضان بجماع تام اثم به لاجل الصوم وفى الضابط قيود (منها) الافساد فمن جامع ناسيا لا يفسد صومه علي الصحيح كما قدمناه فلا كفارة عليه وإن قلنا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 442 يفسد صومه وبه قال مالك وأحمد فهل تلزمه الكفارة فيه وجهان (احدهما) وبه قال احمد نعم لانتسابه إلى التقصير (وأظهرهما) وبه قال مالك لا لانها تتبع الاثم وإذا عرفت ذلك وسمت قوله فلاتجب بالالف وقوله لم يفطر به وبالميم وقوله علي الصحيح أي من الطريقين (ومنها) كون اليوم من رمضان فلا كفارة بافساد التطوع والنذر والقضاء والكفارة لان النص ورد في رمضان وهو مخصوص بفضائل لا يشركه غيره فيها * قال {ولا علي المرأة لانها افطرت بوصول اول جزء من الحشفة إلي باطنها وفيه قول قديم ثم الصحيح ان الوجوب لا يلاقيها وقيل يلاقيها والزوج يتحمل ولا يتحمل الزانى ولا الزوج المجنون ولا المسافر إذا لا كفارة عليهما ولا على المعسرة فان واجبها الصوم فلا يقبل التحمل ولا كفرة علي من أفطر (ح م) بغير جماع من الاكل ومقدمات الجماع ويجب بالزنا وجماع الامة ووطئ التهيمة (ح و) والاتيان في غير المأتي (و) } * نوضح فقه الفصل ثم نبين أن مسائله بأى قيد تتعلق المسألة الاولى * المرأة الموطوءة ان كانت مفطرة بحيض وغيره أو كانت صائمة ولم يبطل صومها لكونها نائمة مثلا فلا كفارة عليها وإن مكنت طائعة حتي وطئها الزوج فقولان (احدهما) انه يلزمها الكفارة كما يلزم الرجل لان الكفارة عقوبة تتعلق بالوطئ فيستويان في لزومها كحد الزنا وهذا اصح الروايتين عن احمد وبه قال ابو حنيفة ويروى مثله عن مالك وابن المنذر وهو اختيار القاضى ابى الطيب (وأصحهما) انه يختص الزوج الجزء: 6 ¦ الصفحة: 443 بلزوم الكفارة واحتجوا له بأمور (أحدها) ان النبي صلي الله عليه وسلم لم يأمر الاعرابي الذى واقع إلا بكفارة واحدة مع مساس الحاجة إلى البيان (والثاني) حكى الكرابيسي انه قال صوم المرأة ناقص لانه بعرض ان يبطل بعروض الحيض وإذا كان كذلك لم يكن كامل الحرمة فلم تتعلق به الكفارة (والثالث) ما ذكره في الكتاب وسنتكلم فيه (التفريع) ان قلنا بالاول فلو لم تجب الكفارة علي الزوج لكونه مفطرا وجبت الكفارة عليها وكذا لو لم يبطل صومه بأن كان نائما فاستدخلت ذكره أو كان ناسيا وهى ذاكرة ويعتبر في حق كل واحد منهما حاله في اليسار والاعسار (وإن قلنا) بالقول الاصح فالكفارة التي يخرجها الزوج تختص به ولا يلاقيها أم تقع عنهما جميعا وهو يتحمل عنها فيه قولان مستخرجان من كلام الشافعي رضي الله عنه وقد يعبر عنهما بوجهين (احدهما) انها تختص به ولا يلاقيها لانه لو تعلق الواجب بها لامرت باخراجه (والثانى) انها يلاقيها وهو متحمل ووجهه صاحبا التهذيب والتتمة بالحاق الكفارة بثمن ماء الاغتسال كأنهما قدراه متفقا عليه لكن الحناطى حكى طريقا آخر قاطعا بأن ثمن ماء الاغتسال عليها لا عليه وأشار إلي ترجيحه ثم الاصح من هذين القولين عند صاحب الكتاب هو الاول وبه قال الحناطى وآخرون وذكر الامام أن ظاهر المذهب هو الثاني وقد يحتج له بقوله في المختصر والكفارة عليه واحدة عنه وعنها لكن من قال بالاول حمله علي انها تجزى عن الفعلين جميعا ولا يلزمها كفارة خاصة خلاف ماقاله أبو حنيفة ويتفرع علي هذين القولين صور (أحداها) إذا أفطرت بالزنا أو بالوطئ بالشبهة (فان قلنا) الوجوب لا يلاقيها فلا شئ عليها (وإن قلنا) بالثاني فعليها الكفارة لان رابطة التحمل الزوجية ونقل عن الحاوى ان القاضى ابا حامد قال تجب الكفارة عليها بكل حال (الثانية) لو كان الزوج مجنونا وقلنا بالاول فلا شئ عليها وان قلنا بالثاني فوجهان (اظهرهما) وهو المذكور في الكتاب انه يلزمها الكفارة لان التحمل لا يليق بحاله ولهذا لم تجب عليه الكفارة لنفسه (والثاني) انه يلزمه الكفارة لها لان ماله يصلح للتحمل وإن كان مراهقا فهو كالمجنون لان المذهب ان فعله لا يوجب الكفارة وخرج بعض الاصحاب من قولنا ان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 444 عمد الصبى عمد انه يلزمه الكفارة فعلي هذا هو كالبالغ ولو كان الزوج ناسيا أو نائما فاستدخلت ذكره فالحكم كما ذكرنا في المجنون (الثالثة) لو كان الزوج مسافرا والمرأة حاضرة وافطر بالجماع على قصد الترخص فلا كفارة عليه وإن لم نقصد الترخص فوجهان في لزوم الكفارة (اصحهما) انها لا تلزم لان الافطار مباح له فيصير شبهة في درء الكفارة وهذا حكم المريض الذى يباح له الفطر إذا اصبح صائما ثم جامع والصحيح إذا مرض في اثاء النهار ثم جامع فحيث قلنا بوجوب الكفارة فهو كغيره وحكم التحمل كما سبق وحيث قلنا لا كفارة فهو كالمجنون وذكر اصحابنا العراقيون فيما إذا قدم المسافر مفطرا فأخبرته بأنها مفطرة وكانت صائمة ان الكفارة عليها إذا قلنا ان الوجوب يلاقيها لانها غرته وهو معذور ويشبه أن يكون هذا جوابا على قولنا ان المجنون لا يتحمل وإلا فليس العذر ههنا أوضح من العذر في المجنون والله أعلم (الرابعة) إذا فرعنا علي القول الثاني وهو ان الوجوب يلاقيها وجب اعتبار حالهما ولا يخلو إما ان يتفق حال الزوج والمرأة أو يختلف فان اتفق حالهما نظر ان كانا من أهل الاعتاق والاطعام أجزأ المخرج عنهما وان كانا من أهل الصيام اما للاعسار بالعتق أو لكونهما مملوكلين فعلي كل واحد منهما صوم شهرين لان الصوم عبادة بدنية ولا مدخل للتحمل في عبادات الابدان وان اختلف حالهما لم يخل اما أن يكون الزوج أعلي حالا منها أو تكون هي أعلي حالا منه فان كان الزوج أعلى حالا نظر ان كان هو من أهل الاعتاق وهى من أهل الصيام والاطعام ففيه وجهان (أظهرهما) ولم يذكر العراقيون غيره انه يجزئ الاعتاق عنهما جميعا لان من فرضه الصيام أو الاطعام يجزئه التكفير بالعتق بطريق الاولي نعم لو كانت أمة فعليها الصوم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 445 لان الاعتاق لا يجزئ عنها قال في المهذب الا إذا قلنا ان العبد يملك بالتمليك فتكون الامة كالحرة المعسرة (والثاني) لا يجزئ عنها لاختلاف جنس الواجب وعلي هذا فعليها الصيام في الصورة الاولى وعلي من الاطعام في الصورة الثانية فيه وجهان (اظهرهما) انه على الزوج فان عجز في الحال ثبت في ذمته إلى أن يقدر وذلك لان الكفارة علي القول الذى عليه نفرع معدودة من مؤنات الزوجة الازمة على الزوج (والثاني) ذكره في التهذيب انه عليها لان التحمل كالتداخل لا يجزئ عند اختلاف الجنس وان كان هو من أهل الصيام وهى من أهل الاطعام فالذي قاله الائمة انه يصوم عن نفسه ويطعم عنها لان الصوم لا يتحمل به وقضية قول من قال باجزاء الاعتاق عن الصيام في الصورة السابقة اجزاء الصيام عن الاطعام لان من فرضه الاطعام لو تحمل المشقة وصام أجزأه والصوم كما لا يتحمل به لا يتحمل وان كانت الزوجة أعلي حالا منه نظر ان كانت من أهل الاعتاق وهو من أهل الصيام صام عن نفسه وأعتق عنها إذا قدر وان كانت من أهل الصيام وهو من أهل الاطعام صامت عن نفسها وأطعم الزوج عن نفسه (المسألة) الثانية إذا أفسد صومه بغير الجماع كالاكل والشرب والاستمناء والمباشرات المفضية إلى الانزال فلا كفارة عليه لان النص ورد في الجماع وما عداه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 446 ليس في معناه وهل يلزمه الفدية فيه خلاف سيأتي من بعد * وقال مالك تجب الكفارة بكل افساد يعصي به الا الردة والاستمناء والاستقاءة * وقال ابو حنيفة تجب الكفارة بتناول ما يقصد تناوله ولا تجب بابتلاع الحصاة والنواة ولا بمقدمات الجماع * وقال أحمد لا تجب بالاكل والشرب وتجب بالمباشرات المفسدة للصوم (الثالثة) تجب الكفارة بالزنا وجماع الامة وكذلك باتيان البهيمة والاتيان في غير المأتي ولا فرق بين أن ينزل أولا ينزل وذهب بعض الاصحاب الي بناء الكفارة فيها علي الحد إن أوجبنا الحد فيهما أو جبنا الكفارة والا فوجهان وعند ابي حنيفة رحمه الله اتيان البهيمة ان كان بلا انزال لم يتعلق به الافطار فضلا عن الكفارة وان كان مع الانزال افطر ولا كفارة وفى اللواط هل يتوقف الافطار علي الانزال فيه روايتان وإذا حصل الافطار ففى الكفارة روايتان والاظهر ان الافطار لا يتوقف على الانزال وان الكفارة تجب وعند احمد تجب الكفارة في اللواط وكذا في اتيان البهيمة علي أصح الروايتين (واعلم) ان المسائل الثلاث في الفصل متعلقة بالقيد الثالث في الضابط وهو كون الافساد بجماع تام فيدخل فيه صور المسألة الثالثة ويخرج صور الثانية وأما الاولي فقد قصد صاحب الكتاب بوصف الجماع بالتمام الاحتراز عنها لان المرأة إذا جومعت حصل فساد صومها قبل تمام حد الجماع بوصول اول الحشفة إلى باطنها فالجماع يطرأ على صوم فاسد وبهذا المعنى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 447 علل اصح القولين وهو ان المرأة لا تؤمر باخراج الكفارة ويروى هذا التعليل عن الاستاذ ابى طاهر وطائفة لكن الاكثرين زيفوه وقالوا يتصور فساد صومها بالجماع بأن يولج وهى نائمة أو ناسية أو مكرهة ثم تستيقظ أو تتذكر أو تطاوع بعد الايلاج وتستديمه والحكم لا يختلف علي القولين فعلى هذا جماع المرأة إذا قلنا لا شئ عليها والوجوب لا يلاقيها مستثنى عن الظابط (وقوله) وفيه قول قديم أراد به القول الثاني وهو انها تؤمر باخراج الكفارة كالرجل وهذا قد نقله الامام وصاحب الكتاب في الوسيط عن الاملاء وليس تسميته قديما من هذا الوجه فان الاملاء محسوب من الكتب الجديدة ولكن رأيت لبعض الائمة روايته عن القديم والاملاء معا ويشبه أن يكون له في القديم قولان (أحدهما) كالجديد لان المحاملي حكى القول الصحيح عن الكتب الجديدة والقديمة جميعا (وقوله) ولا يتحمل الزانى أي على قولنا أن الوجوب يلاقيها والزوج يتحمل (وأما) مواضع العلامات (فقوله) ولا علي المرأة مرقوم بالحاء والميم (وقوله) ولا الزوج المجنون ولا المسافر كلاهما بالواو لما قدمنا وليس قوله إذا لا كفارة عليهما خاليا في حق المسافر عن التفصيل والخلاف (وقوله) ولا عن المعسرة يشمل ما إذا كانت معسرة وهو قادر علي الاعتاق وفى هذه الصورة خلاف تقدم فلا يبعد اعلامه بالواو (وقوله) ولا كفارة على من افطر بغير جماع معلم بالميم والحاء والالف ويجوز أن يعلم بالواو أيضا لامور (احدها) انه نقل عن الحاوى أن أبا علي ابن ابى هريرة قال تجب بالاكل والشرب كفارة فوق كفارة المرضع والحامل دون كفارة المجامع قال أقضى القضاة وهذا مذهب لا يستند إلى خبر ولا أثر ولا قياس (والثانى) أن أبا خلف الطبري وهو من تلامذة القفال اختار وجوب الكفارة بكل ما يأثم بالافطار به (والثالث) أن الحناطي ذكر أن عبد الحكم روى عنه ايجاب الكفارة فيما إذا جامع فيما دون الفرج فأنزل ووطئ البهيمة والاتيان في غير المأتي معلمان بالحاء والواو * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 448 قال {ولا تجب على من ظن أن الصبح غير طالع فجامع} * إذا ظن ان الصبح غير طالع فجامع ثم تبين خلافه فحكم الافطار قد مر ولكن لا كفارة عليه لانه غير مأثوم بما فعل فلا يستحق التغليظ قال الامام رحمه الله ومن قال بوجوب الكفارة علي الناسي بالجماع يقول بمثله ههنا لتقصيره بترك البحث ولو ظن ان الشمس قد غربت فجامع ثم بان خلافه فقد ذكر صاحب التهذيب وغيره انه لا كفارة عليه ايضا لانها تسقط بالشبهة وهذا ينبغى ان يكون مفرعا على تجويز الافطار والحالة هذه والا فتجب الكفارة وفاء بالضابط المذكور لما يوجب الكفارة ولو اكل الصائم ناسيا فظن بطلان صومه فجامع فهل يفطر فيه وجهان (احدهما) لا كما لو سلم عن ركعتين من الظهر ناسيا وتكلم عامدا لا تبطل صلاته (واصحهما) ولم يذكر الاكثرون غيره انه يفطر كما لو جامع علي ظن ان الصبح لم يطلع فبان خلافه وعلي هذا فلا تجب الكفارة لانه وطئ وهو يعتقد انه غير صائم وعن القاضي ابي الطيب انه يحتمل ان تجب الكفارة لان هذا الظن لا يبيح الوطئ ولو افطر المسافر بالزنا مترخصا فلا كفارة عليه لانه وان اثم بهذا الجماع لكن لم يأثم به بسبب الصوم فان الافطار جائز له ولو زنا المقيم ناسيا للصوم وقلنا ان الصوم يفسد بالجماع ناسيا فلا كفارة عليه ايضا علي الوجه الاصح لانه لم يأتم بسبب الصوم فانه كان ناسيا له وإذا تأملت هذه الصور عرفت اشتراكها في شئ واحد وهو ان المجامع فيها غير ماثوم بالجماع بسبب الصوم ثم منها مالا اثم فيه ومنها ما فيه اثم ولكن لا بسبب الصوم وهي متعلقة بالقيد الذى ذكره آخرا وهو قوله اثم به لاجل الصوم وهذا يجوز ان يقدر وصفا واحدا به يحصل الاحتراز عن الصور كلها فحيث لا اثم لا إثم بسبب الصوم ويجوز ان يقدر وصفين (احدهما) كونه ماثوما به (والثانى) كونه ماثوما به بسبب الصوم فبالاول يحصل الاحتراز عن الصور التي لا اثم فيها وفيها جماع المراهق والمسافر والمريض علي قصد الترخص كما سبق وبالثانى يحصل الاحثراز عن الصور التي يأثم فيها لا بالصوم * قال {وتجب على المنفرد (ح) برؤية الهلال وعلي من جامع مرارا كفارت (ح) وتجب علي من جامع ثم انسأالسفر (ح) ولو طرأ بعد الجماع مرض أو جنون أو حيض سقط في قول ولم يسقط في قول وتسقط بالجنون والحيض (م) دون المرض (ح) في قول} * في الفصل ثلاث مسائل (احداها) إذا رأى هلال رمضان وحده وجب عليه صومه وإذا صامه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 449 وافطر بالجماع فعليه الكفارة وبه قال مالك واحمد خلافا لابي حنيفة رحمهم الله * لنا أنه هتك حرمة يوم من رمضان بافساد صومه بالجماع فاشبه سائر الايام ولو رأى هلال شوال وحده وجب عليه أن يفطر ويخفى افطاره عن الناس كيلا يتهم * وعن أبي حنيفة واحمد أنه لا يفطر برؤيته وحده * لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته " وإذا رؤى رجل يأكل يوم الثلاثين من رمضان بلا عذر عزر عليه فلو شهد أنه رأى الهلال لم يقبل لانه متهم يريد اسقاط التعزير عن نفسه بخلاف ما إذا شهد اولا فردت شهادته نم اكل لا يعزر (الثانية) لو افطر بالجماع ثم جامع في ذلك اليوم ثانيا فلا كفارة عليه إذ الجماع الثاني لم يقع مفسدا ولو جامع في يومين أوفي رمضانين فعليه كفارتان سواء كفر عن الاول أو لم يكفر وبه قال مالك * وقال ابو حنيفة إذا جامع في يومين ولم يكفر عن الاول لم يلزمه الا كفارة واحدة وعنه فيما إذا كفر روايتان ولو جامع في رمضانين فالمشهور أنه يلزمه كفارتان بكل حال وعنه رواية اخرى انه كاليومين * وقال احمد إذا وطئ في يومين فكفر عن الاول فعليه كفارة أخرى وان لم يكفر فلاصحابه فيه اختلاف * لنا ان صوم كل يوم عبادة برأسها فلا تتداخل كفارتاهما كالحجتين إذا جامع فيهما (الثالثة) إذا افسد صومه بالجماع ثم انشأ سفرا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 450 طويلا في يومه لم تسقط عنه الكفارة لان السفر المنشأ في اثناء النهار لا يبيح الفطر فيه فعروضه لا يؤثر فيما وجب من الكفارة وعن صاحب التقريب والحناطي ان سقوط الكفارة مخرج على خلاف سنذكره في نظائره ويروى عن ابى حنيفة رحمه الله في المسالة روايتان (اصحهما) انها لا تسقط وصاحب الكتاب لم يرو عنه في الوسيط الا السقوط ولذلك اعلم قوله في الكتاب وتجب علي من جامع بالحاء مع الواو ولو جامع ثم مرض ففيه طريقان (احدهما) انه لا تسقط الكفارة ايضا كالسفر (واظهرهما) أنه علي قولين (اظهرهما) وبه قال مالك واحمد انه لا تسقط لانه هتك حرمة الصوم بما فعل (والثانى) تسقط لان المرض الطارئ يبيح الفطر فيتبين به أن الصوم لم يقع مستحقا وبهذا قال ابو حنيفة ولو طرأ بعد الجماع جنون أو حيض فقولان اشار اليهما في اختلاف العراقيين (اظهرهما) وبه قال ابو حنيفة انها تسقط لان الجنون والحيض ينافيان الصوم فيتبين بعروضهما انه لم يكن صائما في ذلك اليوم (والثانى) لا تسقط لقصده الهتك اولا والمسألة في الحيض مفرعة على ان المرأة إذا افطرت بالجماع تلزمها الكفارة وعروض الموت كعروض الحيض والجنون وإذا جمعت بين المرض والجنون والحيض انتظم فيها ثلاثة اقوال كما ذكر في الكتاب فان ضممت السفر إليها وتعرضت للطريقة البعيدة حصلت اربعة اقوال رابعها انه يسقط بها دون السفر والله اعلم * قال {ثم هذه كفارة مرتبة ككفارة الظهار وفى وجوب القضاء وجواز العدول من الصوم الي الاطعام بعذر شدة الغلمة وجواز تفريق الكفارة علي الزوجة والولد عند الفقر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 451 واستقرار الكفارة في الذمة عند العجز عن جميع هذه الخصال وقت الجماع خلاف ففى وجه نميل االى القياس ونحمل هذه القضايا في حديث الاعرابي علي خاصيتها وفى وجه نعمل بطاهر الحديث} * القول في كيفية الكفارة إنما يستقصي في باب الكفارات والكلام الجملي أن هذه الكفارة مرتبة ككفارة الظهار فيلزم عتق رقبة فان لم يجد فصيام شهرين فان لم يستطع فاطعام ستين مسكينا لما ذكرنا في حديث أبى هريرة رضى الله عنه وقال مالك يتخير بين الخصال الثلاثة وهو رواية عن احمد والاصح عنه مثل مذهبنا ثم في الفصل صور (احداها) إذا افسد صومه بالوقاع ولزمته الكفارة هل يلزمه قضاء اليوم الذى أفسده معها فيه ثلاثة أوجه ومنهم من يقول قولان ووجه للاصحاب لانه حكى عن الامام أنه قال يحتمل أن يجب القضاء ويحتمل أن يدخل في الكفارة وكل وجه (احدهما) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 452 انه لا يجب القضاء لان الخلل الحاصل قد انجبر بالكفارة ولانه صلي الله عليه وسلم لم يأمر الاعرابي بالكفارة (واصحهما) أنه يجب لانه روى في بعض الرويات أنه صلي الله عليه وسلم قال للرجل " واقض يوما مكانه " (وثالثها) أنه إن كفر بالصوم دخل فيه القضاء وإلا فلا لاختلاف الجنس قال ولا خلاف في أن المرأة يلزمها القضاء إذا لم تلزمها الكفارة ولا يتحمل الزوج فان الكفارة إذا كانت صوما لم تتحمل فما ظنك بالقضاء (الثانية) شدة الغلمة هل يكون عذرا في العدول من الصيام إلى الاطعام فيه وجهان (أحدهما) نعم لما روى " أنه صلي الله عليه وسلم قال للاعرابي الذى جاءه وقد واقع صم شهرين قال هل أتيت الا من قبل الصوم فقال اطعم ستين مسكينا " (والثانى) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 453 لا لمكان القدرة على الصوم وسنذكر ما الاظهر منهما (الثالثة) لو كان من لزمته الكفارة فقيرا فهل له صرف الكفارة إلى أهله وأولاده فيه وجهان (أحدهما) نعم لقوله صلى الله عليه وسلم للاعرابي " أطعمه أهلك وعيالك " (وأصحهما) لا كالزكوات وسائر الكفارات (وأما) الحديث فلا نسلم أن الذى أمره بصرفه الي الاهل والعيال كان كفارة وهذا لانه يحتمل أنه لم يملكه ذلك وانما أراد أن يملكه ليكفر فلما أخبره بحاجته صرفه إليه صدقة ويحتمل أنه ملكه وأمره بالتصدق به فلما اخبره بحاجته أذن له في أكله واطعامه عياله ليبين أن الكفارة انما تجب إذا فضل عن الكفاية وان سلمنا أنه كان كفارة ولكن يحتمل أن النبي صلي الله عليه وسلم تطوع بالتكفير عنه فسوغ له صرفه الي الاهل والعيال فيكون فائدة الخبر أنه يجوز للغير التطوع بالكفارة عن الغير باذنه وانه يجوز للمتطوع صرفه إلى اهل المكفر عنه وعياله وهذه الاحتمالات بأسرها منقولة عن الام (الرابعة) إذا عجز عن جميغ الخصال فهل تستقر الكفارة في ذمته قال الاصحاب الحقوق المالية الواجبة لله تنقسم الي ما تجب لا بسبب يباشره العبد وإلي ما تجب بسبب يباشره فالاول كزكاة الفطر إن كان قادرا وقت وجوبها وجبت والا لم تستقر في ذمته الي أن يقدر (والثانى) علي ضربين ما يجب على وجه البدل كجزاء الصيد فان كان قادرا عليه فذاك والا ثبت في ذمته الي أن يقدر تغليبا لمعني الغرامة وما يجب لا على وجه البدل ككفارة الوقاع واليمين والقتل والظهار ففيها قولان (أحدهما) انها تسقط عند العجز كزكاة الفطر وبه قال أحمد (وأصحهما) انها لا تسقط كجزاء الصيد فعلي هذا متي قدر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 454 علي احدى الخصال لزمته * واحتج للقول الاول بأن النبي صلي الله عليه وسلم " لما أمر الاعرابي بأن يطعمه أهله وعياله لم يأمره بالاخراج في ثانى الحال " ولو وجب ذلك لاشبه أن يبين له ولمن رجح الثاني أن يقول لم قلت أن المصروف الي الاهل والعيال لم يقع تكفيرا فانا روينا وجها مجوزا عند الفقر ان سلمنا ذلك ولكن يحتمل ان يكون الغرض باقيا في ذمته ولم يبين له ذلك لان حاجته الي معرفة الوجوب انما تمس عند القدرة وتأخير البيان إلي وقت الحاجة جائز وهذا الذى ذكرناه يوقفك على انه لا يمكن الاستدلال بخبر الاعرابي في هذه الصورة والتي قبلها علي الجمع وانما يمكن الاستدلال به في أحداهما لان المأمور بصرفه الي الاهل والعيال إما أن يكون كفارة أو لا يكون ان كان لم يصح الاستدال به في هذه الصورة وان لم يكن لم يصح في الصورة السابقة وأعرف بعد هذا في لفظ الكتاب شيئين (أحدهما) انه أطلق ذكر الخلاف في الصور الاربع وفسره بوجهين وهو مسلم في الصورة الثانية والثالثة (وأما) الاولي فقد ذكرنا ان من الاصحاب من يجعل الخلاف فيها قولا وكذا ذكره القفال في شرح التلخيص (وأما) الرابعة فالجمهور حكوا الخلاف فيها قولين وانما اطلق صاحب الكتاب فيها الوجهين تقليدا للامام (والثانى) انه بين ان احد طرفي الخلاف في الصور جميعا يوجه بالقياس والثاني بظاهر الخبر وإذا جرينا علي القياس حملنا قصة الاعرابي على خاصيته وخاصية اهله قال الامام وكثيرا ماكان يفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الاضحية وإرضاع الكبير ونحوهما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 455 وهذا وان كان على بعد فهو أهون من تشويش أصول الشريعة (واعلم) أن مثل هذا التأويل انما يصار إليه عند الاضطرار ولنا عنه مندوحه اما في غير الصورة الثانية فقد بيناه وأما في الثانية فانما يحتاج الي تأويل الخبر فيها من يجعل الاظهر امتناع العدول إلى الاطعام بعذر شدة الغلمة ومنهم صاحب الكتاب فانه أعاد المسألة في آخر كتاب الكفارات وزجح وجه الامتناع وقضية كلام الاكثرين التجويز ولم يورد صاحب التهذيب غيره فإذا صرنا إليه عملنا بظاهر الخبر واستغنينا عن التأويل * قال {الرابع الفدية وهى مد من الطعام مصرفها مصرف الصدقات} * الاصل في الفدية الخبر والاثر علي ما سياتي ذكرهما وهى مد من الطعام لكل يوم من أيام رمضان وجنسه جنس زكاه الفطر فيعتبر على الاصح غالب قوت البلد ولا يجزئ الدقيق والسويق كما مر (وقوله) مصرفها مصرف الصدقات ليس المراد من الصدقات ههنا الزكوات فلا تصرف الفدية الي الاصناف الثمانية وانما المراد التطوعات وهى في الغالب مصروفة إلى الفقراء والمساكين وكل مد بمثابة كفارة تامة فيجوز صرف عدد منها الي مسكين واحد بخلاف امداد الكفارة الواحدة يجب صرف كل واحد منها الي مسكين كما سيأتي في موضعه ويجوز أن يعلم قوله مد بالحاء والالف لانه روى عن أبى حنيفة رحمه الله انها مد من بر أو صاع من تمر وعن احمد رحمه الله انها مد من بر أو نصف صاع من تمر أو شعير * قال {وتجب بثلاثة طرق (احدها) فوات نفس الصوم فيمن تعدى بتركه ومات قبل القضاء فيخرج من تركته مد وقال في القديم يصوم عنه وليه ولا يجب علي من فاته بالمرض ويجب على الشيخ الهرم علي الصحيح} * فقه الفصل مسألتان (احداهما) إذا فاته صوم يوم أو أيام من رمضان قبل القضاء فله حالتان (احداهما) أن يكون موته بعد التمكن من القضاء فلا بد من تداركه بعد موته وما طريقه فيه قولان (الجديد) وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله ان طريقه ان يطعم من تركته لكل يوم مد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 456 لما روى مرفوعا وموقوفا علي ابن عمر رضي الله عنهما ان من مات وعليه صوم فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين " ولا سبيل الي الصوم عنه لان الصوم عبادة لا تدخلها النيابة في الحياة فكذلك بعد الموت كالصلاة (والقديم) وبه قال احمد انه يجوز لوليه ان يصوم عنه لما روى عن عائشة رضى الله عنها انه صلي الله عليه وسلم قال " من مات وعليه صوم صام عنه وليه " وإذا فرعنا عي القديم فلو امر الولي اجنبيا بأن يصوم عنه بأجرة أو بغير اجرة جاز كما في الحج ولو استقل به الأجنبي ففى اجزائه وجهان (اظهرهما) المنع والمعتبر على هذا القول الولاية علي ما ورد في لفظ الخبر أو مطلق القرابة أو بشرط العصوبة أو الارث توقف الامام رحمه الله فيه وقال لا نقل عندي في ذلك وأنت إذا فحصت عن نظائره وجدت الاشبه اعتبار الارث والله اعلم * ولو مات وعليه صلاة أو اعتكاف لم يقض عنه وليه ولا يسقط عنه بالفدية وعن البويطي ان الشافعي رضى الله عنه قال في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 457 الاعتكاف يعتكف عنه وليه وفى رواية يطعم عنه وليه قال صاحب التهذيب ولا يبعد نخريج هذا في الصلاة فيطعم عن كل صلاة مد وإذا قلنا بالاطعام في الاعتكاف فالقدر المقابل بالمد اعتكف يوم بليلته هكذا حكاه الامام عن رواية شيخه قال وهو مشكل فان اعتكاف لحظة عبادة تامة وإن قيس علي الصوم فالليل ثم خارج عن الاعتبار (والحالة الثانية) أن تكون موتته قبل التمكن من القضاء بأن لا يزال مريضا من استهلال شوال الي أن يموت فلا شئ في تركته ولا علي ورثته كما لو تلف ماله بعد الحول وقبل التمكن من الاداء لا شئ عليه (المسألة الثانية) الشيخ الهرم الذى لا يطيق الصوم أو يلحقه مشقة شديدة فلا صوم عليه وفى الفدية قولان (أحدهما) ويحكى عن رواية البويطى وحرمله انها لا تجب عليه وبه قال مالك كالمريض الذى يرجى زوال مرضه إذا اتصل مرضه بالموت وأيضا فانه سقط فرض الصوم عنه فأشبه الصبى والمجنون (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة وأحمد انها تجب ويروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس وأنس وأبي هريرة رضي الله عنهم وقرأ ابن عباس (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) ومعناه يكلفون الصوم فلا يطيقونه والقولان جاريان في المريض الذى لا يرجي برؤه وحكم صوم الكفارة والنذر حكم صوم رمضان ولو نذر في حال العجز صوما ففى انعقاده وجهان وإذا أوجبنا الفدية على الشيخ فلو كان معسرا هل تلزمه إذا قدر فيه قولان كما ذكرنا في الكفارة ولو كان رقيقا فعتق ترتب الخلاف على الخلاف في زوال الاعسار وأولى بأن لا يجب لانه لم يكن من أهل الفدية عند الافطار ولو قدر الشيخ بعد ما أفطر علي الصوم هل يلزمه الصوم قضاء نقل صاحب التهذيب انه لا يلزمه لانه لم يكن مخاطبا بالصوم بل كان مخاطبا بالفدية بخلاف المعضوب إذا احج الغير عنه ثم قدر يلزمه الحج في قول لانه كان مخاطبا بالحج ثم قال من عند نفسه إذا قدر قبل أن يفدى عليه أن يصوم وان قد بعد الفدية فيحتمل أن يكون كالحج لانه كان مخاطبا بالفدية على توهم أن عذره غير زائل وقد بان خلافه (واعلم) ان في كون الشبخ مخاطبا بالفدية دون الجزء: 6 ¦ الصفحة: 458 الصوم كلاما فان صاحب التتمة في آخرين نقلوا خلافا في أن الشيخ هل يتوجه عليه الخطاب بالصوم ثم ينتقل للعجز الي الفدية ام يخاطب بالفداء ابتداء وبنوا عليه الوجهين في انعقاد نذره وإذا كان كذلك فلصاحب التهذيب ان يمنع قول من قال إنه لم يكن مخاطبا بالصوم (وأما) لفظ الكتاب فقوله فوات نفس الصوم انما اطلق اللفظ هكذا ليشمل القضاء والاداء فان الفدية قد تجب مع القضاء على ما سيأتي ثم ليس الفوات موجبا للفدية علي الاطلاق بدليل الصبي والمجنون ومن لم يتمكن من القضاء بل في بعض المواضع وهو ما إذا أخر القضاء مع الامكان وفى حق الشيخ الهرم فلذلك قال فوات نفس الصوم فيمن تعدى بتركه ثم قوله فيمن تعدى بتركه ينبغى ان يحمل على ترك الصوم نفسه لا علي ترك الاداء والتعدى بترك نفس الصوم بعد ترك الاداء انما يكون بالتعدي في ترك القضاء وقد يسبق الي الفهم من لفظ صاحب الكتاب ههنا وفى الوسيط ان المراد التعدي بترك الاداء لكن القولين المذكورين في انه يصام عنه أو يطعم غير مخصوص به بل الاكثرون من أصحابنا العراقيين اما نقلوا القولين في المعذور بترك الاداء إذا تمكن من القضاء ولم يقض (وقوله) يصوم عنه وليه في الحكاية عن القديم ليس المراد منه انه يلزمه ذلك وإنما القول القديم انه يجوز له ذلك ان أراده هكذا أورده في التهذيب وحكاه الامام عن الشيخ أبى محمد وهو كالمتردد فيه ثم قوله يصوم معلم بالحاء والميم لما سبق وبالالف أيضا لان عند أحمد لا يصوم عنه في قضاء رمضان وفيه كلام الكتاب ولكن لو كان عليه صوم نذر صام عنه وليه وعندنا لا فرق على القولين (وقوله) ولا يجب علي من فاته بالمرض المراد منه الحالة الثانيه وهى ان يستمر المرض ويمنعه من القضاء ولو أفطر بعذر السفر ودام السفر إلى الموت فلا شئ عليه ايضا * قال {الثاني ما يجب بفضيلة الوقت وهي في حق الحامل والمرضع فإذا أفطرتا خوفا على ولديهما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 459 قضتا وافتدتا عن كل يوم مدا وفيه قول آخر انه لا يجب كالمريض وهل يلحق بهما الافطار بالعدوان ومن أنقذ غيره من الهلاك وافتقر إلي الافطار فيه وجهان} * الحامل والمرضع إن خافتا علي أنفسهما أفطرتا وقضتا ولا فدية عليهما كالمريض وإن لم يخفا من الصوم الا على الولد فلهما الافطار وعليهما القضاء وفى الفدية ثلاثة أقوال (أصحها) وبه قال احمد أنها تجب لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما في قوله تعالي (وعلي الذين يطيقونه فدية) انه منسوخ الحكم الا في حق الحامل والمرضع وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " في الحامل والمرضع إذا خافتا علي ولديهما أفطرتا وافتدتا " (والثاني) انه تستحب لهما الفدية ولا تجب وبه قال أبو حنيفة والمزنى واختاره القاضى الروياني في الحلية ووجهه تشبيه الحامل بالمريض لان الضرر الذى يصيب الولد يتأدى إليها وتشبيه المرضع بالمسافر لانهما يفطران لئلا يمنعهما الصوم عما هما بصدده وهو الارضاع في حق هذه والسفر في حق ذاك وقد يشبهان معا بالمريض والمسافر من حيث ان الافطار مانع لهما والقضاء يكفى تداركا (والثالث) وبه قال مالك انها تحب علي المرضع دون الحامل لان المرضع لا تخاف علي نفسها والحامل تخاف بتوسط الخوف علي الولد فكانت كالمريض ويحكى القول الاول عن الام والقديم والثانى عن رواية حرملة والثالث عن البويطي وإذا فرعنا علي الاصح فلا تتعدد الفدية بتعدد الاولاد في أصح الوجهين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 460 وهو الذى أورده في التهذيب وهل يفترق الحال بين أن ترضع ولدها أو غيره باجارة أو غيرها نفى صاحب التتمة الفرق وقال تفطر المستأجرة وتفدى كما أن السفر لما افاد جواز الافطار لا يفترق الحال فيه بين أن يكون لغرض نفسه أو غرض غيره وأجاب صاحب الكتاب في الفتاوى بان المستأجرة لا تفطر بخلاف الام لانها متعينة طبعا وإذا لم تفطر فلا خيار لاهل الصبي ولو كانت الحامل أو المرضع مسافرة أو مريضة فافطرت علي قصد الترخص بالمرض والسفر فلا فدية عليها وان لم تقصد الترخص ففى لزوم الفدية وجهان كالوجهين السابقين في المسافر إذا افطر بالجماع ثم في الفصل مسألتان (احداهما) إذا افطر بغير الجماع عمدا في نهار رمضان هل تلزمه الفدية مع القضاء فيه وجهان (احدهما) نعم لانها واجبة علي الحامل والمرضع مع قيام العذر والترخيص في الافطار فلان تجب عليه مع أنه غير معذور كان أولي (واظهرهما) لا لانه لم يرد فيه توقيف وحيث وجبت الفدية انما وجبت جابرة وهي لا تجبر ما تعدى ولا يليق بعظم جريمته ويخالف الحامل والمرضع لان هناك ارتفق بالافطار شخصان فجاز أن يتعلق به بدلان وهما القضاء والفدية كالجماع لما ارتفق به الرجل والمرأة تعين القضاء والكفارة العظمى وههنا بخلافه وقرب الامام الوجهين في المسألة بالوجهين في ان من تعمد بترك الابعاض هل يسجد للسهو (الثانية) لو رأى مشرفا على الهلاك بغرق وغيره وهو بسبيل من تخليصه ولكن افتقر في تخليصه إلى الافطار فله ذلك ويقضي وهل تلزمه الفدية فيه وجهان (اظهرهما) وبه قال القفال نعم لانه فطر ارتفق به شخصان كما في حق المرضع والحامل (والثاني) لا لان ايجاب الفدية مع القضاء بعيد عن القياس والتعويل في حق المرضع والحامل على التوقيف والوجهان فيما ذكر الشيخ ابو محمد مبنيان على الخلاف في وجوب الفدية علي الحامل والمرضع ان أوجبناها فكذلك ههنا والا فلا وأشار مشيرون الي تخريج الخلاف ههنا مع التفريع علي وجوب الفدية ثم وفرقوا بان الافطار ثم لاحياء نفس عاجزة عن الصوم خلقة فاشبه افطار الشيخ الهرم وههنا الغريق غير عاجز عن الصوم والله أعلم * وقوله في الكتاب ما تجب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 461 لفضيلة الوقت معناه ان الفدية قد تجب جبرا لفوات فضيلة الوقت مع تدارك أصل الصوم بالقضاء وليس ذلك موجبا علي الاطلاق بدليل المسافر والمريض وانما تجب في المواضع التي عدها فلذلك قال وهو في حق الحامل إلى آخره (وقوله) وافتدتا معلم بالحاء والزاى ويجوز أن يعلم بالميم أيضا وكذا قوله لا يجب عليهما لان مالكا يفصل فلا يقول بوجوبها عليهما ولا ينفيها عنهما * قال {الثالث ما يجب لتأخير القضاء فلكل يوم أخر قضاؤه عن السنة الاولي مع الامكان مد وإن تكررت السنون ففى تكررها وجهان} * من عليه قضاء رمضان وأخره حتى دخل رمضان السنة القابلة نظر ان كان مسافرا أو مريضا فلا شئ عليه بالتأخير فان تأخير الاداء بهذا العذر جائز فتأخير القضاء أولى بالجواز وان لم يكن وهو المراد من قوله مع الامكان فعليه مع القضاء لكل يوم مد وبه قال مالك واحمد خلافا لابي حنيفة والمزني لنا الاثر عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم وعن ابى هريرة رضى الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " من أدرك رمضان فافطر لمرض ثم صح ولم يقضه حتى أدرك رمضان آخر صام الذى أدرك ثم يقضى ما عليه ثم يطعم عن كل يوم مسكينا " ولو أخر حتى مضى رمضانان فصاعدا ففى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 462 تكرر الفدية وجهان (أحدهما) أنها لا تتكرر بل تتداخل كالحدود لان الفدية انما وجبت في السنة الاولى لانه أخرج القضاء عن وقته وهو مابين الرمضانين وهذا لا يتكرر (والثانى) أنها تتكرر قال في النهاية وهو الاصح لانه يجب عليه فدية لتأخير سنة فيجب فديتان لتأخير سنتين والحقوق المالية لا تتداخل ولو كان قد افطر عداونا وعلقنا به الفدية فاخر القضاء فعليه لكل يوم فديتان واحدة للافطار وأخرى للتأخير ولا تداخل لاختلاف الموجب ورأيت فيما علق عن ابراهيم المروروزى ترتيبه على مالو أخر القضاء حتى مضي رمضانان ان عددنا الفدية ثم فههنا أولي والا فوجهان لاختلاف جنس الموجب وإذا أخر القضاء مع الامكان ومات قبل أن يقضى وقلنا الميت يطعم عنه فوجهان (أصحهما) انه يخرج من تركته لكل يوم مدان أحدهما لتاخير القضاء والآخر لفوات أصل الصوم (والثاني) ويحكى عن ابن سريج انه يكفى مد (وأما) إذا قلنا ان الميت يصام عنه فصوم الولي يحصل به تدارك أصل الصوم ويفدى عنه للتأخير وإذا فرعنا علي الاصح وهو اخراج مدين فلو كان عليه قضاء عشرة أيام فمات قبل أن يقضى ولم يبق من شعبان الا خمسة ايام أخرج من تركته خمسة عشر مدا عشرة لاصل الصوم وخمسة للتأخير لانه لو عاش لم يمكنه الا قضاء خمسة ولو افطر بغير عذر وأوجبنا به الفدية وأخر حتى دخل رمضان السنة الثانية ومات قبل أن يقضى فالظاهر وجوب ثلاثة امداد لكل يوم فان تكررت السنون زادت الامداد وإذا لم يبق بينه وبين رمضان السنة الثانية ما يتأتى فيه قضاء الفائت فهل يلزمه في الحال الفدية عما لا يسع الوقت أم لا يلزم الا بعد مجئ رمضان فيه وجهان مشبهان لما إذا حلف ليشربن ماء هذا الكوز غدا فانصب قبل الغد يحنث في الحال أو بعد مجئ الغد ولو أراد تعجيل فدية التأخير قبل مجئ رمضان السنة القابلة ليؤخر القضاء مع الامكان ففى جوازه وجهان كالوجهين في جواز تعجيل الكفارة عن الحنث المحظور فهذا شرح الطرق الثلاثة الموجبة للفدية على ما فيها من الخلاف وإذا أردت حصرها فقل لا شك ان الفدية انما تجب عند فوات الاداء وإذا فات الاداء فاما أن نوجب القضاء أيضا وهو في حق من مات قبل القضاء وفى الشيخ الهرم أو لا يفوت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 463 فاما ان يقع مؤخرا عن رمضان السنة القابلة وهو الطريق الثالث أو لا يقع فتجب لفضيلة الوقت في المواضع المذكورة في الطريق الثاني * قال {واما صوم التطوع فلا يلزم (م ح) بالشروع وكذا القضاء (م ح) إذا لم يكن علي الفور} * من شرع في صوم تطوع أو في صلاة تطوع لم يلزمه الاتمام ولا قضاء عليه لو خرج من صومه وصلاته وبه قال احمد وعند ابى حنيفة رحمه الله لا يجوز الافطار بغير عذر ويجب القضاء سواء افطر بعذر أو بغير عذر وقال مالك ان خرج بغير عذر لزمه القضاء والا فلا * لنا ما روى عن عائشة رضى الله عنها قالت " دخل على رسول الله صلي الله عليه وسلم فقلت انا خبأنا لك حيسا قال أما اني كنت اريد الصوم ولكن قريبه " وعن أم هانئ رضي الله عنها قالت " دخل علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وأنا صائمة فناولني فضل شرابه فشربت فقلت يارسول الله انى كنت صائمة وانى كرهت ان ارد سؤرك فقال ان كان من قضاء رمضان فصومي يوما مكانه وان كان تطوعا فان شئت فاقضيه وان شئت فلا تقضيه " وعندنا يستحب الاتمام وان لم يجب ولو افطر فيستحب القضاء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 464 ولا يكره الخروج منه بعذر وان كان بغير عذر فوجهان (اظهرهما) انه يكره ومن الاعذار ان يعز علي من اضافه امتناعه من الاكل ولو شرع في صوم القضاء هل له الخروج منه نظرا إن كان علي الفور فلا وان كان على التراخي ففيه وجهان (احدهما) ويحكى عن القفال انه يجوز لانه متبرع بالشروع فيه فاشبه المسافر يشرع في الصوم ثم يريد الخروج منه (والثاني) لا يجوز لانه صار متلبسا بالفرض ولا عذر به فليزمه اتمامه كما لو شرع في الصلاة في اول الوقت والاول هو الذى اورده المصنف وصاحب التهذيب وطائفة وقضية كلام الاكثرين ترجيح الثاني وبه أجاب الروياني في الحلية وحكاه صاحب المعتمد عن نصه في الام وصوم الكفارة اللازمة بسبب حرام كالقضاء الذى هو علي الفور وما لزم بسب غير محرم كالقتل الخطأ فهو كالقضاء الذى هو علي التراخي وكذا النذر المطلق وهذا كله مبني علي انقسام القضاء إلى ما هو علي الفور والي ما هو على التراخي وهو الاشهر فالاول ما تعدى فيه بالافطار لا يجوز تأخير قضائه لان جواز التأخير ترفيه لا يليق بحاله قال في التهذيب وليس له والحالة هذه التأخير بعذر السفر (والثانى) ما لم يتعد به كما في حق الحائض والافطار بعذر السفر والمرض فقضاؤه علي التراخي ما لم يدخل رمضان السنة القابلة وفى كلام بعض الجزء: 6 ¦ الصفحة: 465 أصحابنا العراقيين ما يرفع هذا الفرق المحاملي يقول في التجريد ومن افطر في رمضان بعذر أو بغير عذر فطرا لا تجب به كفارة فالقضاء يلزمه ووقته موسع إلى شهر رمضان الثاني ويمكن تأييد ما ذكروه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 466 بانه قال في المختصر ومن صام متفرقا أجزأه ومتتابعا أحب الي والاستدلال أنه أطلق القول باستحباب التتابع في القضاء ولو كان أحد نوعيه علي الفور لكان التتابع فيه واجبا لا محبوبا (وقوله) في الكتاب وكذا القضاء إذا لم يكن علي الفور قد عرفت مما سبق انه يجب اعلامه بالواو ثم فيه شئ من جهة اللفظ وهو ان هذا الكلام معطوف على قوله أما صوم التطوع فلا يلزم بالشروع فيكون أن القضاء إذا لم يكن علي الفور لا يلزم بالشروع أيضا وانما كان يحسن هذا ان لو كان ما هو على الفور يلزم بالشروع وليس كذلك بل هو لازم من ابتدائه إلى انتهائه * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 467 قال {وصوم التطوع في السنة صوم عرفة وعاشوراء وتاسوعاء وستة أيام بعد عيد رمضان وفى الشهر الايام البيض وفى الاسبوع الاثنين والخميس وعلي الجملة صوم الدهر مسنون بشرط الافطار يوم العيدين وأيام التشريق} * الايام التى يستحب التطوع بصومها تنقسم الي ما يتكرر بتكرر السنين والي ما يتكرر بتكرر الشهور والى ما يتكرر بتكرر الاسابيع (أما) القسم الاول فمنه يوم عرفة روى " ان النبي صلى الله عليه وسلم قال صيام يوم عرفة كفارة سنتين " وهذا الاستحباب في حق غير الحجيج (فاما) الحجيج فينبغي لهم ألا يصوموا كي لا يضعفوا عن الدعاء وأعمال الحج ولم يصمه النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة وأطلق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 468 كثير من الائمة كونه مكروها لهم لما روى " انه صلي الله عليه وسلم نهي عن صوم يوم عرفة بعرفة " فان كان الشخص بحيث لا يضعف بسبب الصوم فقد قال ابو سعد المتولي الاولي ان يصوم حيازة للفضيلتين ونسب غيره هذا الي مذهب أبى حنيفة رحمه الله وقال الاولي عندنا ألا يصوم بحال ومنه يوم عاشوراء روى انه صلى الله عليه وسلم قال " صيام يوم عاشوراء يكفر سنة " ويوم عاشوراء هو العاشر من المحرم ويستحب ان يصوم معه تاسوعاء وهو التاسع منه لما روي انه صلى الله عليه وسلم قال " لان عشت إلى قابل لاصومن اليوم التاسع " وفيه معنيان منقولان عن ابن عباس رضى الله عنهما (أحدهما) الاحتياط فانه ربما يقع في الهلال غلط فيظن العاشر التاسع (والثانى) مخالفة اليهود فانهم لا يصومون الا يوما واحدا فعلى هذا لو لم يصم التاسع معه استحب أن يصوم الحادى عشر ومنه ستة أيام من شوال يستحب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 469 صومها وبه قال ابو حنيفة واحمد رحمهما الله لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله " وعن مالك ان صومها مكروها والافضل أن يصومها متتابعة وعلي الاتصال ليوم العيد مبادرة الي العبادة واياه عني بقوله بعد عيد رمضان * وعن أبي حنيفة رحمه الله ان الافضل أن يفرقها في الشهر (وأما) القسم الثاني فمنه أيام البيض وهى الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر لما روى انه صلى الله عليه وسلم " أوصي أبا ذر رضى الله عنه بصيامها " وانما يقال أيام البيض علي الاضافة لان المعني أيام الليالي البيض (وأما) القسم الثالث فمنه يوم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 470 الاثنين والخميس روي انه صلى الله عليه وسلم " كان يتحرى صومهما " وروى انه قال تعرض الاعمال يوم الاثنين والخميس فاحب ان يعرض عملي وانا صائم " ويكره افراد يوم الجمعة بالصوم لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " لا يصومن أحدكم يوم الجمعة الا ان يصوم قبله أو بعده " وكذا افراد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 471 يوم السبت فانه يوم اليهود وقد روى انه صلي الله عليه وسلم قال " لا تصوموا يوم السبت الا فيما افترض عليكم " (واما) قوله وعلي الجملة صوم الدهر مسنون (فاعلم) ان المسنون يطلق لمعنيين (احدهما) ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا شك ان صوم الدهر ليس مسنونا بهذا المعنى (والثانى) الندوب وفى كون صوم الدهر بهذه الصفة كلام ايضا فان صاحب التهذيب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 472 رحمه الله في آخرين أطلقوا القول بكونه مكروها واحتجوا بما روى " انه صلي الله عليه قال لعبد الله ابن عمر رضى الله عنهما ولا صام من صام الدهر صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر " وبما روي " انه نهى عن صيام الدهر " وفصل الاكثرون فقالوا ان كان يخاف منه ضررا أو يفوت به حقا فيكره والا فلا وحملوا النهي علي الحالة الاولي أو على ما إذا لم يفطر العيدين وأيام التشريق (وقوله) شرط الافطار يوم العيدين وايام التشريق ليس المراد منه حقيقة الاشتراط لان افطار هذه الايام يخرج الموجود عن أن يكون صوم الدهر وإذا كان كذلك لم يكن شرطا لاستثنائه فان استنان صوم الدهر يستدعي تحققه وانما المراد منه ان صوم سوى هذه الايام مسنون والله أعلم * ولو نذر صوم الدهر لزم وكانت الاعياد وايام التشريق مستثناة عنه وكذلك شهر رمضان وقضاوه إذا فرض فواته بعذر أو بغير عذر وهل تجب الفدية لما أخل به من النذر بسبب القضاء حكي ابو القاسم الكرخي فيه وجهين والذى أجاب به صاحب التهذيب انه لا فدية ولو نذر صوما آخر بعد هذا النذر لم ينعقد ولو لزمه صوم كفارة صام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 473 عنها وفدى عن النذر ولو افطر يوما من الدهر فلا سبيل إلى القضاء ولا فدية ان كان بعذر والا فتجب الفدية ولو نذرت المرأة صوم الدهر فللزوج منعها ولا قضاء ولا فدية وان اذن أو مات فلم تصم لزمها الفدية والله أعلم * [باب الاعتكاف] قال {الاعتكاف سنة مؤكدة لا سيما في العشر الاخير من رمضان لطلب ليلة القدر وهي في أوتار العشر الاخير وميل الشافعي رضى الله عنه إلي الحادي والعشرين وقيل انها في جميع الشهر وقيل في جميع السنة ولذا قال أبو حنيفة لو قال لزوجته في منتصف شهر رمضان انت طالق ليلة القدر لم تطلق الا إذا مضت سنة لان الطلاق لا يقع بالشك ويحتمل ان تكون في النصف الاول} * الاصل في الاعتكاف الاجماع والكتاب والاخبار (اما) الاجماع فظاهر (وأما) الكتاب فقوله تعالي (وطهر بيتى للطائفين والعاكفين) وقال الله تعالي (ولا تباشروهن وانتم عاكفون في المساجد (واما) الاخبار فسيأتي طرف منها واستفتح الكتاب بذكر شيئين (احدهما) بيان استحباب الاعتكاف وموضع تأكده (والثانى) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 474 الكلام في ليلة القدر (أما) الاول فالاعتكاف من الشرائع القديمة وهو مستحب في جميع الاوقات روى انه صلي الله عليه وسلم قال " من اعتكف فواق ناقة فكأنما أعتق نسمة " وهو في العشر الاواخر من مضان آكد استحبابا اقتداء برسول الله صلي الله عليه وسلم وطلبا لليلة القدر " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الاخير من رمضان حتي قبضه الله تعالي " (واعلم) أن استحباب الاعتكاف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 475 في العشر الاخير مكرر قد ذكره مرة في سنن الصوم ومن رغب في المحافظة علي هذه السنة فينبغي أن يدخل المسجد قبل غروب الشمس يوم العشرين حتى لا يفوته شئ من ليلة الحادى والعشرين ويخرج بعد غروب الشمس ليلة العيد ولو مكث ليلة العيد فيه إلي أن يصلي فيه العيد أو يخرج منه إلى المصلى كان أولي (وأما) الثاني (فاعلم) أن ليلة القدر أفضل ليالي السنة خص الله تعالي بها هذه الامة وهى باقية الي يوم القيامة وجمهور العلماء وفيهم الشافعي رضى الله عنهم على انها في العشر الاخير من رمضان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 476 وهى في أوتارها أرجي لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الاواخر من رمضان " وميل الشافعي رضي الله عنه إلى انها ليلة الحادى والعشرين لما روى عن أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يعتكف العشر الوسطي من رمضان فاعتكف عاما فلما كانت ليلة احدى وعشرين وهى الليلة التي كان يخرج في صبيحتها عن اعتكافه قال من كان اعتكف معى فليعتكف في العشر الاواخر قال فأريت هذه اليلة ثم أنسيتها ورأيتني أسجد في صبيحتها في ماء وطين فالتمسوها في العشر الاواخر والتمسوها في كل وتر فامطرت السماء تلك الليلة وكان المسجد علي عريش فوكف المسجد قال أبو سعيد فأبصرت عيناى رسول الله صلي الله عليه وسلم انصرف الينا وعلي جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبيحة احدى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 477 وعشرين " وأبدى في بعض المواضع الميل إلى ليلة الثالث والعشرين لما روى عن عبد الله بن انيس رضى الله عنه انه " قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم اني اكون بباديتي وانى أصلى بهم فمرنى بليلة من هذا الشهر أنزلها المسجد فأصلي فيه فقال انزل في ليلة ثلاث وعشرين " وجمع بين الليلتين في المختصر فقال ويشبه ان يكون في ليلة احدى وعشرين أو ثلاث وعشرين والمعني في اخفاء الله تعالى هذه الليلة حمل الناس على احياء جميع ليالى العشر بالعبادة رجاء اصابتهما وعلامة هذه الليلة انها طلقة لا حارة ولا باردة وان الشمس في صبيحتها تطلع بيضاء ليس لها كثير شعاع ويستحب أن يكثر فيها من قول " اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عنى " وعند مالك هي في العشر ولا ترجيح لبعض الليالى علي البعض الجزء: 6 ¦ الصفحة: 478 وعند أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله هي ليلة السابع والعشرين وهذا الذى ذكروه لا ينافى قوله في الكتاب وهي في أوتار العشر الاخير فلا نعلمه بعلاماتهم ولكن يجوز أن نعلمه بالحاء لانه روى عنه انها محتملة في جميع السنة وروى في جميع الشهر والروايتان مستنبطتان مما نقل عنه انه لو قال لزوجته أول يوم من رمضان أنت طالق ليلة القدر لا تطلق الا مثل ذلك اليوم من السنة الاخرى وعن ابن خزيمة من أصحابنا ان ليلة القدر منقولة في ليالي العشر تنقل في كل سنة الي ليلة جمعا بين الاخبار وقوله وقيل انها في جميع الشهر يشعر بأنه وجه للاصحاب وقوله ولذلك لو قال لزوجتة في منتصف شهر رمضان أنت طالق ليلة القدر لم تطلق إلا إذا مضت سنة يشعر بأن المسألة مجزوم بها موجهة للوجه المنقول وقد حكى في الوسيط المسألة هكذا عن نص الشافعي رضى الله عنه وكل واحد من نقل الوجه وتوجيهه محل التوقف (أما) النقل فلانك لا تكاد تجد رواية احتمالها في جميع ليالى الشهر عن الاصحاب في شئ من كتب المذهب (وأما) التوجيه فلان ما أجاب به في مسألة الطلاق يخالف ما نقله الائمة فانهم قالوا إذا قال لامرأته أنت طالق ليلة القدر فان قاله قبل شهر رمضان أو في رمضان قبل مضي شئ من ليالي العشر طلقت بانقضاء الليالي العشر وإن قاله بعد مضى بعض لياليها لم تطلق الي مضي سنة هكذا نقل الشيخ أبو إسحق في المهذب والامام وغيرهما ولم نر اعتبار مضى سنة في المسألة المذكورة الا في كتب صاحب الكتاب (وقوله) ان الطلاق لا يقع بالشك مسلم لكنه يقع بالظن الغالب قال إمام الحرمين الشافعي رضى الله عنه متردد في ليالى العشر ويميل إلى بعضها ميلا ضعيفا وانحصارها في العشر ثابت عنده بالظن القوى وإن لم يكن مقطوعا به والطلاق يناط وقوعه بالمذاهب المظنونة والله أعلم * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 479 قال {وفى الكتاب ثلاثة فصول (الفصل الاول) في أركانه وهى أربعة (الركن الاول) الاعتكاف وهو عبارة عن اللبث في المسجد ساعة مع الكف عن الجماع وهل يشترط الكف عن مقدمات الجماع فيه قولان ولا يشترط (ح وم) اللبث يوما ولا يكفى العبور} * مقصود الفصل الاول الكلام في اركان الاعتكاف وهى فيما عدها أربعة الاعتكاف والنية والمعتكف والمعتكف (الاول) الاعتكاف وهو عبارة عن المقام في اللغة يقال عكف واعتكف أي أقام وأما في الشريعة فقد فسره في الكتاب باللبث في المسجد ساعة مع الكف عن الجماع وفيه اعتبار أمور (احدها) اللبث وقد حكى الامام رحمه الله في اعتباره وجهين (أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب أنه لابد منه لان لفظ العكوف مشعر به (والثانى) أنه يكفى مجرد الحضور كما يكفى الحضور بعرفة في تحقيق ركن الحج ثم فرع على الوجهين فقال إن اكتفينا بالحضور حصل الاعتكاف بالعبور حتى لو دخل من باب وخرج من باب ونوى فقد اعتكف وإن اعتبرنا اللبث لم يكف ما يكفى في الطمأنينة في اركان الصلاة بل لابد وأن يزيد عليه بما يسمي إقامة وعكوفا ولا يعتبر السكون بل يصح اعتكافه قاعدا وقائما ومترددا في ارجاء المسجد ولا يقدر اللبث بزمان حتي لو نذر اعتكاف ساعة انعقد ولو نذر اعتكافا مطلقا خرج عن عهدة النذر بأن يعتكف لحظة واستحب الشافعي رضى الله عنه أن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 480 يعتكف يوما وذلك للخروج من الخلاف فان مالكا وأبا حنيفة رحمهما الله لا يجوزان اعتكاف أقل من يوم ونقل الصيدلانى وجها أنه لابد من مكث يوم أو ما يدنو من يوم لان ما دون ذلك معتاد في الحاجات التي تعن في المساجد فلا تصلح للقربة وقد عرفت مما ذكرنا أن قوله ولا يشترط اللبث يوما ينبغى أن يرقم بالميم والحاء والواو (وقوله) ولا يكفى العبور بالواو ويجوز أن يرقم به لفظ اللبث أيضا في قوله وهو عبارة عن اللبث ولا يخفى أن قوله ساعة ليس المراد منه الواحدة من الساعات التى يقسم اليوم والليلة عليها ولا سبيل إلى حمله عل اللحظة وان لطفت لما ذكر الائمة انه لابد وأن يزيد علي زمان الطمأنينة ولانه لو حمل علي هذا المعني لضاع واغنى لفظ اللبث عنه فإذا هو محمول علي القدر الذى يثبت اسم العكوف والاقامة فيه (والثاني) كونه في المسجد وهذا سيأتي شرحه في الركن الرابع (والثالث) الكف عن الجماع فلا يجوز للمعتكف الجماع ولا سائر المباشرات بالشهوة لقوله تعالي (ولا تباشروهن وانتم عاكفون في المساجد) ولو جامع بطل اعتكافه سواء جامع في المسجد أو جامع حين خرج لقضاء الحاجة إذا كان ذاكرا للاعتكاف عالما بتحريم الجماع وهذا هو المراد من لفظ الكتاب وإن اطلق الكف عن الجماع فأما إذا جامع ناسيا للاعتكاف أو جاهلا بالتحريم فهو كنظيره في الصوم * وقال مالك وأبو حنيفة واحمد رحمهم الله يفسد الاعتكاف بجماع الناسي ولا فرق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 481 بين جماع وجماع وروى المزني عن نصه في بعض المواضع انه لا يفسد الاعتكاف من الوطئ الا ما يوجب الحد فقال الامام قضية هذا أن لا يفسد باتيان البهيمة إذا لم نوجب به الحد وكذلك بالاتيان في غير المأتى والمذهب الاول ولو لمس أو قبل بشهوة أو باشر فيما دون الفرج متعمدا فهل يفسد اعتكافه فيه طريقان (أظهرهما) ان المسألة على قولين (أحدهما) ويروى عن الاملاء انها تفسده لانها مباشرة محرمة في الاعتكاف فأشبهت الجماع (والثاني) يروى عن الام انها لا تفسده لانها مباشرة لا تبطل الحج فلا تبطل الاعتكاف كالقبلة بغير شهوة (والثاني) القطع بأنها لا تفسد حكاه الشيخان أبو محمد والمسعودي والمشهور طريقة القولين وما موضعهما فيه ثلاثة طرق (أحدها) ان القولين فيما إذا أنزل فأما إذا لم ينزل لم يبطل الاعتكاف بلا خلاف كالصوم (وثانيها) ان القولين فيما إذا لم ينزل أما إذا أنزل بطل اعتكافه بلا خلاف لخورجه عن أهلية الاعتكاف بالجنابة (وثالثها) وهو الاظهر طرد القولين وفى الحالين والفرق علي أحد القولين فيما إذا لم ينزل بين الاعتكاف والصوم ان هذه الاستمتاعات في الاعتكاف محرمة لعينها وفى الصوم ليست محرمة لعينها بل لخوف الانزال ولهذا يرخص فيها لمن لا تحرك القبلة شهوته وإذا اختصرت الخلاف في المسألة قلت فيها ثلاثة أقوال أو وجوه (أحدها) انها لا تفسد الاعتكاف أنزل أو لم ينزل (والثاني) تفسده أنزل أو لم ينزل وبه قال مالك (والثالث) وبه قال أبو حنيفة والمزني وأصحاب احمد ان ما انزل منها افسد الاعتكاف ومالا فلا والمفهوم من كلام الاصحاب بعد الفحص ان هذا القول ارجح واليه ميل أبى اسحق المروزى وان استبعده صاحب المهذب ومن تابعه (أما) القول بالفساد عند الانزال فقد أطبق الجمهور علي انه أصح (وأما) المنع عند عدم الانزال فقد نص على ترجيحه المحاملي والشيخ ابو محمد والقاضى الرويانى وغيرهم رحمهم الله وايانا والاستمناء باليد مرتب علي ما إذا لمس فأنزل (ان قلنا) انه لا يبطل الاعتكاف فهذا أولي (وان قلنا) يبطله ففيه وجهان والفرق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 482 كمال الاستاع والالتذاذ ثم باصطكاك البشرتين ولا بأس للمعتكف بأن يقبل علي سبيل الشفقة والاكرام ولا بأن يلمس بغير شهوة " كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يدني رأسه لترجله عائشة رضى الله عنها وهو معتكف " * قال {ولا يشترط ترك التطيب وترك البيع والشراء (م و) وترك الاكل (م ح) بل يصح الاعتكاف من غير صوم فان نذر أن يعتكف صائما لزمه كلاهما وفى لزوم الجمع قولان ولو نذر ان يعتكف مصليا أو يصوم معتكفا لم يلزم الجمع} * ترك التطيب ليس بشرط في الاعتكاف بل للمعتكف أن يتطيب كما له أن يرجل الرأس ويتزوج ويزوج بخلاف المحرم وله ان يتزين بلبس الثياب إذ لم ينقل أن النبي صلي الله عليه وسلم غير ثوبه للاعتكاف وعن أحمد انه يستحب ترك التطيب والتزين برفيع الثياب ويجوز له أن يأمر باصلاح معاشه وتعهد ضياعه وأن يبيع ويشترى ويخيط ويكتب وما أشبه ذلك ولا يكره شئ من هذه الاعمال إذا لم تكثر سيما إذا وقع في محل الحاجة وان أكثر أو قعد يحترف بالخياطة ونحوها كره ولكن لا يبطل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 483 اعتكافه وعن مالك انه إذا قعد فيه واشتغل بحرفته يبطل اعتكافه ونقل عن القديم قول مثله في الاعتكاف المنذور ورواه بعضهم في مطلق الاعتكاف والمذهب ما سبق لان ما لا يبطل قليله الاعتكاف لا يبطله كثيره كسائر الافعال ولو كان يشتغل بقراءة القرآن ودراسة العلم فهو زيادة خير وعن أحمد انه لا يستحب له إلا ذكر الله تعالي والصلاة ويجوز له أن يأكل في المسجد والاولى أن يبسط سفرة ونحوها لانه أبلغ في تنظيف المسجد وله أن يغسل اليد والاولي غسلها في طست ونحوها حتي لا يبتل المسجد فيمنع غيره من الصلاة والجلوس فيه ولانه قد يستقذر فيصان المسجد عنه ولهذا قال في التهذيب ويجوز نضح المسجد بالماء المطلق ولا يجوز نضحه بالماء المستعمل وان كان طاهرا لان النفس قد تعافه ويجوز الفصد والحجامة في المسجد بشرط أن يأمن التلويث والاولي الاحتراز عنه وفى البول في الطست احتمالان ذكرهما ابن الصباغ والاظهر المنع وهو الذى أورده صاحب التتمة لانه قبيح واللائق بتعظيم المسجد تنزيهه عنه بخلاف الفصد والحجامة ولهذا لا يمنع من استقبال القبلة واستدبارها عند الفصد ويمنع عند قضاء الحاجة وليس من شرط الاعتكاف الصوم بل يصح الاعتكاف في الليل وحده وفى العيد وأيام التشريق خلافا لابي حنيفة ومالك رحمهما الله حيث قالا الصوم شرط فيه ولا يصح في العيد وأيام التشريق ولا في الليالي المجردة وعن أحمد روايتان (أصحهما) مثل مذهبنا * لنا ما روى أن عمر رضي الله عنه " سأل النبي صلي الله عليه وسلم قال كنت نذرت في الجاهلية ان اعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال صلي الله عليه وسلم أوف بنذرك " ولو لم يصح الاعتكاف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 484 في الليلة المفردة لما أمره بالوفاء بنذره ويجوز أن يعلم قوله بل يصح الاعتكاف من غير صوم مع علامات هؤلاء بالواو لان الشيخ أبا محمد وغيره نقلوا عن القديم قولا مثل مذهبهم إذا عرفت ذلك فلو نذر أن يعتكف يوما هو فيه صائم أو اياما هو فيها صائم لزمه الاعتكاف في ايام الصوم لان الاعتكاف بالصوم أفضل وان لم يكن مشروطا به فإذا التزمه بالنذر لزمه كما لو التزم التتابع فيه وليس له في هذه الصورة افراد احدهما عن الآخر بلا خلاف وليست هذه مسألة الكتاب ولو اعتكف في رمضان اجزأه لانه لم يلتزم بهذا النذر صوما وانما نذر الاعتكاف علي صفة وقد وجدت ولو نذر ان يعتكف صائما أو يعتكف بصوم لزمه الاعتكاف والصوم جميعا بهذا النذر وهل يلزمه الجمع بينهما فيه وجهان (احدهما) وبه قال ابو على الطبري لا لانهما عبادتان مختلفتان فأشبه ما إذا نذر ان يصلي صائما (وأصحهما) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 485 ويحكي عن نصه في الام نعم لما ذكرنا في المسألة السابقة فلو شرع في الاعتكاف صائما ثم افطر لزمه استئناف الصوم والاعتكاف علي الوجه الثاني ويكفيه استئناف الصوم علي الوجه الاول ولو نذر اعتكاف أيام وليال متتابعة صائما وجامع ليلا ففيه هذان الوجهان ولو اعتكف عن نذره في رمضان اجزأه عن الاعتكاف في الوجه الاول وعليه الصوم وعلي الثاني لا يجزئه عن الاعتكاف ايضا ولو نذر ان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 486 يصوم معتكفا ففيه طريقان (أظهرهما) طرد الوجهين (والثانى) وبه قال الشيخ أبو محمد القطع بأنه لا يجب الجمع والفرق أن الاعتكاف لا يصلح وصفا للصوم والصوم يصلح وصفا للاعتكاف فانه من مندوباته ولو نذر أن يعتكف مصليا أو يصلى معتكفا لزمه الصلاة والاعتكاف وفى لزوم الجمع طريقان (أحدهما) طرد الوجهين (وأصحهما) القطع بأن لا يجب والفرق أن الصوم والاعتكاف متقاربان فان كل واحد منهما كف وإمساك والصلاة افعال مباشرة لا مناسبة بينها وبين الاعتكاف ويخرج على هذين الطريقين ما لو نذر أن يعتكف محرما فان لم نوجب الجمع بين الاعتكاف والصلاة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 487 فالقدر الذى يلزمه من الصلاة هو القدر الذى يلزمه لو أفرد الصلاة بالنذر وان أوجبنا الجمع لزمه ذلك القدر في يوم اعتكافه ولا يلزمه استيعاب اليوم بالصلاة فان كان نذر اعتكاف أيام مصليا لزمه ذلك القدر في كل يوم هكذا أورده صاحب التهذيب وغيره وأنت بسبيل من أن تقول ظاهر اللفظ يقتضى الاستيعاب فانه جعل كونه مصليا صفة لاعتكافه وإذا تركنا هذا الظاهر فلم نعتبر تكرير القدر الواجب من الصلاة في كل يوم وهلا اكتفى به في جميع المدة ولو نذر أن يصلى صلاة يقرأ فيها سورة كذا فعن القفال ان وجوب الجمع علي الخلاف في وجوب الجمع بين الصوم والاعتكاف ووجه لائح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 488 وقوله وفى لزوم الجمع قولان التعبير عن الخلاف في المسألة بالقولين خلاف ايراد الجمهور نعم ردد الامام الرواية بين القولين والوجهين (وقوله) لم يلزمه الجمع لابد من وسمه بالواو لما ذكرنا من الخلاف في الصورتين والذى أجاب به صاحب الكتاب موافق لما اختاره معظم الائمة فيما إذا نذر أن يعتكف مصليا ومخالفا له فيما إذا نذر أن يصوم معتكفا سواء قدرنا جريانه علي طريقة نفى الخلاف أو اختياره نفى اللزوم مع تسليم الخلاف فان الاكثرين طردوا فيها الوجهين وقالوا الاظهر لزوم الجمع * قال {الثاني النية ولا بد منها في الابتداء ويستمر حكمها وان دام اعتكافه سنة فان خرج لقضاء حاجة أو لغيره فإذا عاد لزمه استئناف النية اما إذا قدر زمانا في نيته كما لو نوى أن يعتكف شهرا لم يلزمه إذا خرج تجديد النية في قول ولزمه إن طالت مدة الخروج في قول ولزم بالخروج لغير قضاء الحاحة قرب الزمان أو طال في قول ونية الخروج عن الاعتكاف كنية الخروج عن الصوم} * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 489 لا بد من النية في ابتداء الاعتكاف كما في الصلاة ويجب التعرض في المنذور منه للفرضية ليمتاز عن عن التطوع ثم في الركن مسألتان (احداها) إذا نوى الاعتكاف لم يخل اما ان يطلق أو يعين بنيته زمانا فان اطلق كفاه ذلك وان طال عكوفه لكن لو خرج من المسجد ثم عاد لزمه استئناف النية سواء خرج لقضاء الحاجة أو لغيره فان ما مضى عبادة تامة (والثانى) اعتكاف جديد وقال في التتمة فلو انه عزم عند خروجه ان يقضي حاجته ويعود كانت هذه العزيمة قائمة مقام النية ولك ان تقول اقتران النية بأول العبادة شرط فكيف يحصل الاكتفاء بالعزيمة السابقة علي العود وان عين زمانا كما إذا نوى اعتكاف يوم أو شهر فهل يحتاج الي تجديد النية إذا خرج وعاد نقل في الكتاب فيه ثلاثة اقوال وسماها في الوسيط وجوها وهو الموافق لا يراد الائمة رحمهم الله وهي حاصل ما ذكروه في الطرق (احدها) انه لا حاجة إلى تجديد النية لان النية شملت جميع المدة بالتعيين (والثاني) انه ان لم تطل مدة الخروج فلا حاجة إلى التجديد وان طالت فلا بد منه لتعذر البناء ولا فرق علي هذا بين ان يكون الخروج لقضاء الحاجة أو لغيره (والثالث) انه ان اخرج لقضاء الحاجة لم يجب التجديد لانه لا بد منه فهو كالمستثنى عند النية وان خرج لغرض آخر فلا بد من التجديد لقطعه الاعتكاف ولا فرق علي هذا بين أن يطول الزمان أو لا يطول وهذا الثالث اظهر الوجوه وزاد صاحب التهذيب في التفصيل فقال ان خرج لامر يقطع التتابع في الاعتكاف المتتابع فلا بد من تجديد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 490 النية وان خرج لامر لا يقطعه نظر ان لم يكن منه بد كقضاء الحاجة والاغتسال عند الاحتلام فلا حاجة الي التجديد وان كان منه بدأ وطال الزمان ففي التجديد وجهان وهذه الاختلافات مضطردة فيما إذا نوى مدة لتطوع الاعتكاف وفيما إذا نذر اياما ولم يشترط فيها التتابع ثم دخل المعتكف علي قصد الوفاء بالنذر اما إذا شرط التتابع أو كانت المدة المنذورة متواصلة في نفسها فسيأتي حكم التجديد فيها (الثانية) لو نوى الخروج من الاعتكاف ففى بطلان الاعتكاف الخلاف المذكور في بطلان الصوم بنية الخروج والاظهر انه لا يبطل وأفتى بعض المتأخرين ببطلان الاعتكاف لان مصلحته تعظيم الله تعالي كالصلاة وهى تختل بنقض النية ومصلحة الصوم قهر النفس وهي لا تفوت بنية الخروج * قال {الثالث المعتكف وهو كل مسلم عاقل ليس بجنب ولا حائض فيصح اعتكاف الصبي والرقيق والسكر والردة إذا قارنا الابتداء منعا الصحة وان طرآ فالردة تفسد والسكر لا يفسد كالاغماء (وقيل) إنهما يفسدان (وقيل) إنهما لا يفسدان والحيض مهما طرأ قطع والجنابة إن طرأت باحتلام فعليه أن يبادر إلي الغسل ولا يلزمه الغسل في المسجد وإن أمكن} * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 491 شرط في المعتكف ان يكون مسلما عاقلا نقيا عن الجنابة والحيض والكلام فيمن يدخل في هذا الضبط ومن يخرج عنه فمن الداخلين فيه الصبى والرقيق والمرأة المزوجة فيصح اعتكافهم كما يصح صومهم وصلاتهم لكن لا يجوز للعبد ان يعتكف بغير اذن سيده لان منفعته مستحقة للسيد ولا المرأة المزوجة ان تعتكف بغير اذن زوجها لان الزوج يستحق الاستمتاع بها وان اعتكفا بغير اذن كان للسيد اخراج العبد وللزوج اخراج الزوجة وكذلك لو اعتكفا باذنهما تطوعا فانه لا يلزم بالشروع وقال مالك ليس لهما الاخراج إذا أذنا وبه قال أبو حنيفة رحمه الله في الزوج وساعدنا في السيد ولو نذرا اعتكافا نظر إن نذراه بغير اذن فلهما المنع من الشروع فيه فان اذنا في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 492 الشروع وكان الزمان متعينا أو غير متعين ولكن شرطا التتابع لم يجز لهما الرجوع وان لم يشرطا التتابع فلهما الرجوع في اظهر الوجهين وان نذرا بالاذن نظر ان تعلق بزمان معين فلهما الشروع فيه بغير اذن والا لم يشرعا فيه الا باذن وإذا شرعا بالاذن لم يكن لهما المنع من الاتمام هكذا أورده ائمتنا العراقيون وهو مبنى على ان النذر المعلق إذا شرع فيه لزم اتمامه وفيه خلاف قدمناه ويستوى في جميع ما ذكرناه القن والمدبر وام الولد (واما) المكاتب فله ان يعتكف بغير اذن السيد على اصح الوجهين ومن نصفه حر ونصفه رقيق كالرقيق ان لم يكن بينه وبين السيد مهايأة وان كانت فهو في نوبة نفسه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 493 كالحر وفى نوبة السيد كالرقيق واما من يخرج عنه فباعتبار الاسلام والعقل يخرج الكافر والمجنون والسكران والمغمي عليه فلا يصح منهم الاعتكاف إذ لا نية لهم ولو ارتد في أثناء اعتكافه فالمنقول عن نصه في الام انه لا يبطل اعتكافه بل يبنى إذا عاد إلى الاسلام ونص انه لو سكر في اعتكافه ثم افاق يستأنف وهذا حكم ببطلان الاعتكاف وللاصحاب فيهما طريقان (أحدهما) تقرير النصين والفرق ان السكران ممنوع من المسجد قال الله تعالي (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) أي موضع الصلاة فإذا شرب المسكر وسكر فقد أخرج نفسه عن اهلية اللبث في المسجد فنزل ذلك منزلة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 494 خروجه منه والمرتد غير ممنوع من المسجد بل يجوز استتابته فيه وتمكينه من الدخول لاستماع القرآن ونحوه فلم بجعل الارتداد متضمنا بطلان الاعتكاف واختار أصحاب الشيخ أبي حامد هذا الطريق وذكروا انه المذهب وسلم غيرهم ذلك في السكران ونازعوهم في عدم تأثير الردة علي ما سيأتي (واصحهما) التسوية بين الردة والسكر وفى كيفيتها طريقان (احدهما) انهما علي قولين (أحدهما) انهما لا يبطلان الاعتكاف (أما) الردة فلما سبق (وأما) السكر فلانه ليس فيه الا تناول محرم وذلك لا ينافى الاعتكاف (والثانى) أنهما يبطلان الاعتكاف (أما) السكر فلما سبق (وأما) الردة فلخروج المرتد عن أهليه العبادة (واصحهما) الجزم في الصورتين وفى كيفيته طرق (أحدها) انه لا يبطل الاعتكاف بواحد منهما وكلامه في السكران الجزء: 6 ¦ الصفحة: 495 محمول علي ما إذا خرج من المسجد أو أخرج لاقامة الحد عليه (وثانيها) ان السكر يبطله لامتداد زمانه والردة كذلك ان طال زمانها والا فيبني كلامه في الردة محمول على حالة طول الزمان (وثالثها) ولم يورده الا الامام وصاحب الكتاب رحمها الله ان الردة تبطل لانها تفوت شرط العبادة والسكر لا يبطل كالنوم والاغماء وهو خلاف النصين (ورابعها) وهو الاصح ويحكي ذلك عن الربيع انهما جميعا مبطلان فان كل واحد منها اشد من الخروج من المسجد فإذا كان ذلك مبطلا للاعتكاف فهما اولي ونصه في الردة مفروض فيما إذا لم يكن اعتكافه متتابعا وإذا عاد إلى الاسلام يبني علي ما مضي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 496 لان الردة لا تحبط العبادات السابقة عندنا ونصه في السكر مفروض في الاعتكاف المتتابع والله أعلم واعرف في لفظ الكتاب شيئين (أحدهما) أنه مشعر بان الخلاف في أن الردة والسكر هل يخلان بالاعتكاف ام يستمر معهما بحالة فانه جعلهما مانعين من الصحة ابتداء وفرض الخلاف في الفساد بعروضهما وكلام الامام كالمصرح بمثل ذلك وليس هو بمساعد عليه بل الاصحاب جعلوا الخلاف في أنه هل يبقي ما تقدم على لردة والسكر معتدا به حتى يبنى عليه أم يبطل حتى يحتاج الي الاستئناف إذا كان الاعتكاف متتابعا فاما زمان الردة والسكر فالمفهوم من نص الشافعي رضى الله عنه أنه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 497 لا اعتكاف فيه فان الكلام في أنه يبني أو يستأنف إنما ينتظم عند حصول الاختلال في الحال وقد نص أبو علي وغيره علي أن ايام الردة غير محسوبة من الاعتكاف بلا شك إذ ليس للمرتد أهلية العبادة ونقل صاحب التهذيب في احتساب زمان السكر وجهين وقال المذهب المنع (والثانى) ان ايراد الكتاب يقتضي ترجيح الطريق الذى عزيناه الي رواية الامام وصاحب الكتاب وقد صرح به في الوسيط ولم ير لغيرهما نقله فضلا عن ترجيحه ولو جن أو أغمى عليه في خلال الاعتكاف فان لم يخرج من المسجد لم يبطل اعتكافه لانه معذور فيما عرض وان أخرج نظر ان لم يكن حفظه في السمجد فكذلك لانه لم يحصل الخروج باختياره فاشبه مالو حمل العاقل واخرج مكرها وأن أمكن ولكن شق ففيه الخلاف الذى نذكره في المريض أذا خرج قال في التتمة ولا يحسب زمان الجنون عن الاعتكاف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 498 لان العبادات البدنية لا تصح من المجنون وزمان الاغماء يحسب علي المذهب وفيه خلاف تخرجا مما لو أغمي علي الصائم وأما اعتبار النقاء من الجنابة والحيض فيخرج منه الحائض والجنب فلا يصح منهما الاعتكاف ومتى طرأ الحيض علي المعتكفة فعليها الخروج من المسجد ولو مكثت لم يحسب عن الاعتكاف وهل يبطل ما سبق أم يجوز البناء عليه في الاعتكاف المتتابع قد ذكره في الفصل الثالث ولو طرأت الجنابة نظر ان طرأت بما يبطل الاعتكاف فلا يخفى الحكم وان طرأت بما لا يبطله كالاحتلام وبالجماع ناسيا والانزال بالمباشرة فيما دون الفرج إذا قلنا انها لا تبطل فعليه أن يبادر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 499 إلى الغسل كيلا يبطل تتابع اعتكافه ثم ان لم يمكنه الغسل في المسجد فهو مضطر الي الخروج وان أمكنه فيعذر في الخروج ايضا ولا يكلف الغسل في المسجد فان الخروج أقرب الي المروءة وصيانة حرمة المسجد (وقوله) والحيض مهما طرأ قطع ليس المراد منه قطع التتابع فالكلام فيه سيأتي وإنما المراد انه يقطع الاعتكاف في الحال وإذا كان كذلك فانقطاع الاعتكاف في الحال غير مخصوص بالحيض بل زمان الجنابة ايضا لا يحسب من الاعتكاف على الصحيح وفيه وجه حكاه صاحب التهذيب وضعفه فلو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 500 قال والحيض والجنابة إذا طرآ قطعا ثم ذكر حكم الاحتلام كان أحسن * قال {الرابع المعتكف فيه وهو المسجد ويستوى فيه جميع المساجد والجامع أولى ولا يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها على الجديد} * الاعتكاف يختص بالمساجد ويستوى في الجواز جميعها كاستوائها في تحريم المكث للجنب وسائر الاحكام ويدل عليه إطلاق قوله تعالي (وأنتم عاكفون في المساجد) وعند أحمد لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد تام فيه الجماعة فاعلم قوله ويستوى فيه جميع المساجد بالالف ويجوز أن يعلمه بالواو أيضا لان صاحب المعتمد ذكر أن الشيخ أبا حامد حكى ان الشافعي رضى الله عنه أومأ في القديم إلي مثل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 501 مذهب الزهري وهو اختصاص الاعتكاف بالمسجد الجامع والمشهور الاول والجامع أولي بالاعتكاف للخروج من الخلاف ولكثرة الجماعة فيه ولئلا يحتاج إلى الخروج لصلاة الجمعة وهذا أظهر المعاني عند الشافعي رضى الله عنه أو لا بد منه في ثبوت الاولوية لانه نص علي أن المرأة والعبد والمسافر يعتكفون حيث شاؤا أي من المساجد لانه لا جمعة عليهم ولو اعتكفت المرأة في مسجد بيتها وهو المعتزل المهيأ للصلاة هل يصح فيه قولان (الجديد) وبه قال مالك وأحمد لا لان ذلك الموضع ليس بمسجد في الحقيقة فأشبه سائر المواضع ويدل عليه ان نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن يعتكفن في المسجد ولو جاز اعتكافهن في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 502 البيوت لاشبه ان يلازمنها (والقديم) وبه قال ابو حنيفة نعم لانه مكان صلاتها كما ان المسجد مكان صلاة الرجل وعلي هذا ففى جواز الاعتكاف فيه للرجل وجهان وهو اولي بالمنع ووجه الجواز ان نفل الرجل في البيت افضل والاعتكاف ملحق بالنوافل وإذا قلنا بالجديد فكل امرأة يكره لها حضور الجماعات يكره لها الخروج للاعتكاف والتى لا يكره لها ذاك لا يكره لها هذا * قال {ولو عين مسجدا بنذره فالصحيح ان المسجد الحرام يتعين وسائر المساجد لا تتعين وفي مسجد الاقصي ومسجد المدينة قولان وقيل ان الكل لا يتعين وقيل ان الكل يتعين (وأما) الزمان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 503 (فالمذهب) انه يتعين (و) كما في الصوم ثم يقضي (و) عند الفوات} * مقصود الفصل الكلام في تعيين مكان الاعتكاف وزمانه بالنذر (أما) المكان فان عين المسجد الحزام تعين لمزيد فضله وتعلق النسك به وإن عين مسجد المدينة أو المسجد الاقصى فهل يتعين فيه قولان (أظهرهما) وبه قال أحمد نعم لانهما مسجدان ورد الشرع بشد الرحال اليهما فأشبها المسجد الحرام (والثاني) لا لانه لا يتعلق بهما نسك فأشبها سائر المساجد وذكر الامام أن من الاصحاب من خرج تعيين المسجد الحرام علي هذين القولين وان عين غير المساجد الثلاثة ففى التعيين وجهان وقال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 504 الكرخي قولان عن ابن سريج (أظهرهما) انه لا يتعين كما لو عينه للصلاة (والثانى) انه يتعين لان الاعتكاف يختص بالمسجد بخلاف الصلاة لا تختص بالمسجد فلا يتعين لها المسجد * واحتج لهذا الوجه بأن الشافعي رضي الله عنه قال: لو أوجب علي نفسه اعتكافا في مسجد فانهدم اعتكف في موضع منه فان لم يقدر خرج فإذا بنى المسجد رجع وبني على اعتكافه ومن قال بالاول حمله علي ما إذا كان المعين أحد المساجد الثلاثة أو ما إذا لم يكن في تلك القرية مسجد آخر ومنهم من قطع بأن غير المساجد الثلاثة لا يتعين ونفى الخلاف فيه وإذا عرفت ما ذكرناه تبين لك ان في تعيين الجميع خلافا كما ذكره في الكتاب وليس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 505 قوله وقيل الكل لا يتعين محمولا على طريقة قاطعة بنفى التعين في الكل فانه لا صائر إليه في المسجد الحرام ولا قوله وقيل الكل يتعين محمولا علي طريقة قاطعة بالتعيين في الكل فانه لم ينقلها احد في غير المساجد الثلاثة ولكن الطريقة المذكورة اولا قاطعة بالتعين في المسجد الحرام وبعدم التعين فيما سوى المساجد الثلاثة فالغرض من قوله قيل وقيل بيان ان كل واحد من القطعين قد نازع فيه بعض الاصحاب ومتي حكمنا بالتعيين فإذا عين المسجد الحرام لم يقم غيره مقامه وإن عين مسجد المدينة لم يقم غيره مقامه إلا المسجد الحرام وإن عين المسجد الاقصى لم يقم غيره مقامه الا المسجد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 506 الحرام ومسجد المدينة وان حكمنا بعدم التعين فليس له الخروج بعد الشروع لينتقل إلى مسجد آخر لكن لو كان ينتقل في خروجه لقضاء الحاجة إلى مسجد آخر علي مثل تلك المسافة أو أقرب كان له ذلك في أصح الوجهين (وأما) الزمان في تعيينه بالتعيين وجهان (احدهما) وهو المذهب انه يتعين حتى لا يجوز التقديم عليه ولو تأخر كان ذلك قضاء الفائت (والثاني) لا يتعين كما لا يتعين كما لا يتعين في نذر الصلاة والصدقة والوجهان جاريان بعينهما فيما إذا عين زمان الصوم وقد ذكرهما في الكتاب في في النذور وسيأتي شرحه عليهما ان شاء الله وهذا الكلام يعرفك ان قوله فالمذهب انه يتعين كما في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 507 الصوم ليس كقياس التعين في الوجه الذى هو المذهب علي التعين في الصوم فان الخلاف فيهما واحد وإنما الغرض تشبيه الخلاف بالخلاف * قال {الفصل الثاني في حكم النذر والنظر في ثلاثة امور (الاول) في التتابع فإذا قال لله تعالي علي أن أعتكف شهرا لم يلزمه (و) التتابع الا إذا شرط ولو قال يوما لم يجز تفريق الساعات علي الايام في اصح الوجهين وإذا قال اعتكف هذا الشهر لم يفسد أوله بفساد آخره ولا يلزم التتابع في قضائه لان التتابع وقع ضرورة لا بقصده بل لو صرح وقال اعتكف هذا الشهر متتابعا لم يلزم التتابع في القضاء علي أحد الوجهبن إذا التتابع وقع ضرورة فلا اثر للفظه} * الاعتكاف المنذور يمتاز عن غير المنذور منه بامور راجعة إلى كيفية لفظ الناذر والتزامه ومقصود الفصل الثاني الكلام في ثلاثة أمور منها (أحدها) في التتابع من نذر اعتكافا لم يخل اما أن يطلق أو يقدر مدة فأن أطلق فقد ذكرنا ما يلزمه وما يستحب له وإن قدر مدة فأما أن يطلقها أو يعينها. (الحالة الاولي) أن يطلقها فينظر إن اشترط التتابع لزمه كما لو اشترط التتابع في الصوم وإن لم يشترطه بل قال علي شهر أو عشرة أيام لم يلزمه التتابع كما في نظيره من الصوم وخرج ابن سريج قولا أنه يلزم وبه قال مالك وأبو حنيفة واحمد رحمهم الله كما لو حلف الا يكلم زيدا شهرا يكون متتابعا وظاهر المذهب الاول وهو المذكور في الكتاب ولكن يستحب رعاية التتابع وعلي هذا فلو لم يتعرض له لفظا ولكن نواه بقلبه فهل يلزمه فيه وجهان قال صاحب التهذيب وغيره (أصحهما) انه لا يلزمه كما لو نذر أصل الاعتكاف بقلبه ولو شرط التفرق فهل يخرج عن العهدة بالمتتابع فيه وجهان (أصحهما) نعم لانه أفضل كما لو عين غير المسجد الحرام ويخرح عن العهدة بالاعتكاف في المسجد الحرام ولو نذر اعتكاف يوم فهل يجوز تفريق الساعات علي الايام فيه وجهان (أحدهما) نعم تنزيلا للساعات من اليوم منزلة الايام من الشهر (أصحهما) وبه قال أبو إسحق والاكثرون لا لان المفهوم من لفظ اليوم المتصل وقد حكي عن الخليل أن اليوم إسم لما بين طلوع الفجر وغروب الشمس ولو دخل المسجد في أثناء النهار خرج بعد الغروب ثم عاد قبيل طلوع الفجر ومكث إلى مثل ذلك الوقت فهو علي هذين الوجهين ولو لم يخرج بالليل فجواب الاكثرين أنه يجزئه سواء جوزنا التفريق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 508 أو منعناه لحصول التواصل بالبيتوتة في المسجد وعن أبى اسحق أنه لا يجزئه تفريعا علي الوجه الثاني لانه لم يأت بيوم متواصل الساعات والليلة ليست من اليوم فلا فرق بين أن يخرج منها عن المسجد أو لا يخرج وهذا هو الوجه ولو قال في أثناء النهار لله على ان اعتكف يوما من هذا الوقت فقد اطبق حملة المذهب علي أنه يلزمه دخول المعتكف من ذلك الوقت إلى مثله من اليوم الثاني ولا يجوز أن يخرج بالليل ليتحقق التتابع وفيه توقف من جهة المعني لان الملتزم يوم والبعضان يوم وليلة والليلة المتخللة ليست من اليوم فلا تمنع التتابع بينهما كما أنها لا تمنع وصف اليومين الكاملين بالتتابع والقياس أن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 509 يجعل فائدة التقييد في هذه الصورة القطع بجواز التفريق لا غير ثم حكى الامام تفريعا علي جواز تفريق الساعات عن الاصحاب أنه يكفيه ساعات اقصر الايام لانه لو اعتكف اقصر الايام جاز ثم قال ان فرق علي ساعات اقصر الايام في سنين فالامر كذلك وان اعتكف في أيام متباينة في الطول والقصر فينبغي أن ينسب اعتكافه في كل يوم بالجزئية إليه ان كان ثلثا فقد خرج عن ثلث ما عليه وعلى هذا القياس نظرا إلي اليوم الذى يوقع فيه الاعتكاف ولهذا لو اعتكف بقدر ساعات اقصر الايام من يوم طويل لم يكفه وهذا الذى ذكره مستدرك حسن وقد أجاب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 510 عنه بما لا يشفى والله أعلم (الحالة الثانية) أن يعين المدة المقدرة كما لو نذر ان يعتكف عشرة أيام من الآن أو هذه العشرة أو شهر رمضان أو هذا الشهر فعليه الوفاء ولو افسد آخره بالخروج بغير عذر أو بسبب آخر لم يلزمه الاستئناف ولو فاته الجميع لم يلزمه التتابع في القضاء لان التتابع فيه كان من حق الوقت وضروراته لا انه وقع مقصودا فأشبه التتابع في صوم رمضان هذا إذا لم يتعرض للتتابع اما إذا صرح به فقال اعتكف هذه العشرة أو هذا الشهر متتابعا فهل يلزمه الاستئناف إذا أفسد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 511 آخره وهل يجب التتابع في قضائه عند الفوات فيه وجهان (أحدهما) لا لان التتابع واقع ضرورة فلا اثر للفظه وتصريحه (واصحهما) نعم لان تصريح به يدل علي قصده اياه ويجوز ان يكون ذلك مقصودا من تعيين الزمان واعلم قوله في الكتاب لم يفسد اوله بفساد آخره بالالف لان في رواية عن احمد يفسد ويجب الاستئناف * قال {الثاني في استتباع الليالي فإذا نذر اعتكاف شهر دخلت الليالي فيه ويكفيه شهر بالاهلة ولو نذر اعتكاف يوم لم تدخل الليلة ولو نذر عشرة ايام ففى الليالي المتخللة ثلاثة اوجه وفى الثالث تدخل ان نذر التتابع والا فلا وإذا نذر العشر الاخير فنقص الهلال كفاه التسع} * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 512 مقصود هذا النظر بيان ان الليالى متى تلزم إذا لم ينص عليها ويقاس به الايام إذا لم ينص عليها وفيه صور (احداها) لو نذر اعتكاف شهر لزمه الايام والليالي لان الشهر عبارة عن الجميع الا أن يقول ايام شهر أو نهار هذا الشهر فلا تلزمه الليالي وكذا لو قال ليالي هذا الشهر لا تلزم الايام ولو لم يتلفظ بتقييد ولا استثناء ولكن نوى بقلبه ففيه وجهان (اصحهما) وبه قال ابو حنيفة انه لا يؤثر ذكره في التهذيب ثم إذا أطلق الشهر فدخل المسجد قبل الاستهلال كفاه ذلك الشهر خرج ناقصا أو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 513 كاملا وان دخل في أثناء الشهر استكمل بالعدد (الثانية) لو نذر اعتكاف يوم لم يلزمه ضم الليلة إليه الا أن ينوى فحينئذ يلزمه لان اليوم قد يطلق ويراد به اليوم بليلته وحكي الحناطي قولا أنه يدخل الليل في هذا النذر الا أن ينوى يوما بلا ليلة فيجوز أن يرقم قوله في الكتاب لم تدخل الليلة بالواو لذلك ولو نذر اعتكاف يومين ففى لزوم الليلة معهما ثلاثة أوجه (أحدهما) لا تلزم الا إذا نواها لما سبق ان اليوم عبارة عما بين طلوع الفجر وغروب الشمس (والثاني) تلزم الا ان يريد بياض النهار لانها ليلة تتخلل نهار الاعتكاف فاشبه مالو نذر اعتكاف العشر (والثالث) ان نوى التتابع أو قيد به لفطا لزمت ليحصل التواصل والا فلا وهذا ارجح عند الاكثرين بل لم يذكروا خلاف في لزومها إذا قيد بالتتابع وذكر صاحب المهذب وآخرون ان الاول اظهر والوجه التوسط ان كان المراد من التتابع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 514 توالي اليومين فالحق ما ذكره صاحب المهذب وان كان المراد تواصل الاعتكاف فالحق ما ذكره الاكثرون ولو نذر اعتكاف ليلتين ففى النهار بينها هذا الخلاف ولو نذر ثلاثة أيام أو عشرة أو ثلاثين يوما ففى لزوم الليالي المتخللة الوجوه الثلاثة وأشار الشيخ أبو محمد وطائفة الي طريقة قاطعة بان نذر اليومين لا يستتبع شيئا من الليالى والخلاف في الثلاثة فصاعدا وحكى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 515 عن القفال في توجيهه ان العرب إذا أطلقت اليومين عنت مجرد النهار وإذا أطلقت الايام عنتها بلياليها وهذا الفرق غير معلوم من أهل اللسان والله أعلم * وانما قال ففى الليالي المتخللة بينها علي ان الخلاف مخصوص بما بين الايام المنذورة من الليالي وهى تنتقص عن عدد الايام بواحد أبدا ولا خلاف في ان الليالي لا تلزم بعدد الايام فإذا نذر يومين لم يلزم ليلتان بحال وبه قال مالك واحمد وقال أبو حنيفة رحمهم الله يلزم ليلتان وقياس ما نقله الحناطي في اليوم الواحد مثله فاعرفه (الثالثة) لو نذر العشر الاخير من بعض الشهور دخل فيه الايام والليالي وتكون الليالي ههنا بعدد الايام كما في نذر الشهر وقد مر في اعتكاف العشر الاواخر من رمضان انه متى يدخل المسجد ويخرج عن العهدة إذا استهل الهلال كان الشهر كاملا أو ناقصا لان الاسم يقع علي مابين العشرين الي آخر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 516 الشهر ولو نذر ان يعتكف عشرة ايام من آخر الشهر ودخل المسجد آخر اليوم العشرين أو قبيل الحادى والعشرين فنقص الشهر لزمه قضاء يوم لانه جرد القصد الي العشرة وفى دخول الليالي ما حكيناه من الخلاف * {فرع} إذا نذر أن يعتكف اليوم الذى يقدم فيه فلان فقدم ليلا لم يلزمه شئ وان قدم نهارا لزمه اعتكاف بقية النهار وهل عليه قضاء ما مضى منه فيه قولان (اصحهما) وهو ظاهر نصه في المختصر لا لان الوجوب ثبت من حين القدوم (والثانى) نعم لانا نتبين بقدومه ان ذلك اليوم من أوله يوم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 517 القدوم وبهذا قال المزني وابن الحداد وعلى هذا فيعتكف بقية اليوم ويقضي بقدر ما مضى من يوم آخر ولا يخلي الوقت عن العبادة بقدر الامكان وقال المزني الاولى أن يستأنف اعتكاف يوم ليكون اعتكافه موصولا ولو كان الناذر وقت القدوم مريضا أو محبوسا قضي عند زوال العذر إما ما بقى من النهار أو يوما كاملا على اختلاف القولين وعن القاضي ابي حامد وصاحب الافصاح انه لا شئ عليه لعجزه وقت الوجوب كما لو نذرت المرأة صوم يوم بعينه فحاضت فيه * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 518 قال {الثالث في الاستثناء فإذا قال أعتكف شهرا متتابعا لا أخرج الا لعيادة زيد لم يجز الخروج لغيره ولو قال لا أخرج الا لشغل يعن لى جاز (م و) الخروج لكل شغل دينى أو دنيوى لا كالنظارة والتنزه ولو قال اتصدق بهذه الدراهم الا ان احتاج إليها فالاظهر صحة الشرط ولو قال الا ان يبدو لى فالاظهر فساد الشرط} * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 519 إذا نذر اعتكافا بصفة التتابع وشرط الخروج منه ان عرض عارض صح شرطه لان الاعتكاف انما يلزمه بالتزامه فيجب بحسب الالتزام وعن صاحب التقريب والحناطي حكاية قول آخر انه لا يصح لانه شرط يخالف مقتضى الاعتكاف المتتابع فيلغو كما لو شرط المعتكف ان يخرج للجماع وفيما علق عن الشيخ أبي محمد ان بالاول قال ابو حنيفة وبالثاني قال مالك وعن احمد روايتان كالقولين (فان قلنا) بالاول وهو الصحيح المشهور فينطر ان عين نوعا فقال لا اخرج الا لعيادة المرضى أو عين ما هو أخص منه فقال لا اخرج الا لعيادة زيد أو لتشييع جنازته ان مات خرج لما عينه دون غيره من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 520 الاشغال وان كان اهم منه وان اطلق وقال لا أخرج الا لشغل يعن لى أو لعارض يعرض كان له ان يخرج لكل شغل دينى كحضور الجمعة وعيادة المرضى وصلاة الجنازة أو دنيوى كلقاء السلطان واقتضاء الغريم ولا يبطل التتابع بشئ من ذلك ويشترط في الشغل الدنيوي أن يكون مباحا ونقل وجه عن الحاوى انه لا يشترط ولا عبرة بالنظارة والنزهة فان ذلك لا يعد من الاشغال ولا يعتني به ولو قال ان عرض عارض قطعت الاعتكاف فالحكم كما لو شرط الخروج الا أن في شرط الخروج يلزمه العود عند قضاء تلك الحاجة وفيما إذا قصد القطع لا يلزمه ذلك وكذا لو قال علي ان اعتكف رمضان الا أن أمرض أو اسافر فإذا مرض أو سافر فلا شئ عليه ولو نذر صلاة وشرط الخروج منها ان عرض عارض أو صوما وشرط الخروج منه ان جاع أو اضيف ففيه وجهان (احدهما) وبه أجاب الاكثرون انه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 521 يصح هذا الشرط كما في الاعتكاف (والثاني) لا يصح ولا ينعقد النذر ويخالف الاعتكاف لان ما يتقدم منه علي الخروج عبادة وبعض الصلاة والصوم ليس بعبادة ولو فرض ذلك في الحج انعقد النذر كما ينعقد الاحرام المشروط ولكن في جواز الخروج القولان المذكوران في كتاب الحج والصوم والصلاة اولى بجواز الخروج منهما عند أئمتنا العراقيين لانهما لا يلزمان بالشروع والالتزام مشروط فإذا وجد العارض فلا يلزم والحج يلزم بالشروع وجعل الشيخ ابو محمد الحج أولي بجواز الخروج منه لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر ضباعة بالاهلال بشرط التحلل ولو نذر التصدق بعشرة دراهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 522 أو بهذه الدراهم الا ان تعرض حاجة ونحوها فعلى الوجهين والاظهر صحة الشرط فإذا احتاج فلا شئ عليه ولو قال في هذه القربات الا ان يبدو لي فوجهان (احدهما) انه يصح الشرط فلا شئ عليه إذا بداله كشرط سائر العوارض (واظهرهما) وبه قال الشيخ ابو محمد لا يصح لانه تعليق الامر بمجرد الخيرة وذلك يناقض معنى الالتزام (فان قلت) إذا لم يصح يبطل الالتزام من أصله أو يلغوا الشرط ويصح الالتزام (فالجواب) ان صاحب التهذيب حكم بعدم انعقاد النذر علي قولنا لا يصح شرط الخروج في الصوم والصلاة وروي الامام وجهين في صورة تقارب هذه وهى مااذا نذر اعتكافا متتابعا وشرط الخروج الجزء: 6 ¦ الصفحة: 523 مهما اراد قال هذا ضد التتابع فكأنه التزم التتابع ثم نفاه ففى وجه يبطل الالتزام التتابع وفى وجه يلزم التتابع ويبطل الاستثناء وشبه ذلك بشرائط فاسدة تقرن بالوقوف فانا في مسلك يبطل الشرط وينفذ الوقف من أصله وفى مسلك يبطل الوقف من اصله والله أعلم * قال {ثم الزمان المصروف إلى غرض المستثني يجب قضاؤه الا أن يعين الشهر فيحمل استثناؤه على نقصان الوقت لا علي قطع التتابع فقط} * إذا شرط الخروج لغرض وصححناه فخرج لذلك الغرض هل يجب تدارك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 524 الزمان المصروف إليه ينظر ان نذر مدة غير معينة كشهر مطلق أو عشرة مطلقة فيجب التدارك ليتم المدة المنذورة وتكون فائدة الشرط تنزيل ذلك الغرض منزلة قضاء الحاجة في ان التتابع لا ينقطع به وان عين المدة فنذر اعتكاف هذه العشرة أو شهر رمضان فلا يجب التدارك لانه لم ينذر الا اعتكاف ما عدا ذلك الزمان من العشرة وقوله في الكتاب الا ان يعين الشهر لا يخفى ان ذكر الشهر جرى علي سبيل ضرب المثال للمدة المعينة وقوله فيحمل استثناؤه علي نقصان الوقت لا علي قطع التتابع فقط معناه لا علي نفى قطع التتابع فحذف المضاف وهو النفى هذا لابد منه وهو مبين في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 525 الوسيط ثم الكلام بعد ذلك يحتمل من حيث اللفظ محملين (أحدهما) ان الاستثناء محمول فيما إذا كانت المدة مطلقة علي نفي قطع التتابع فقط إذ لا ضرورة إلى حمله علي نقصان المدة كما سبق وهو يقول إذا كانت المدة معينة يحمل الاستثناء علي نقصان الوقت لا على ما حمل عليه عند الاطلاق وهو نفى قطع التتابع فقط (والثاني) أن يقال أراد به أنه لا يحمل عند التعيين علي نفى قطع التتابع فقط بل عليه وعلى نقصان الوقت والوجه حمله علي الاول لان الثاني يقتضى إفادته نفى قطع التتابع وانما يفيده ان لو كان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 526 التتابع مرعيا فيه ليقع الاستثناء صائنا له عن الانقطاع وقد قدمناه أن التتابع غير مرعى عند تعين الزمان نعم لو فرض التعرض للتتابع مع تعيين الزمان وفرعنا علي ان التتابع حينئذ يكون مرعيا فينتظم المحمل الثاني ايضا والله أعلم * قال {الفصل الثالث في قواطع التتابع وهى انقطاع شروط الاعتكاف والخروج بكل البدن عن كل المسجد بغير عذر فلو أخرج رأسه أو رجله لم يضر ولو أذن علي المنارة وبابها في المسجد لم يضر وان كان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 527 بابها خارج المسجد وهي ملتصقة بحريم المسجد فثلاثة أوجه يفرق في الثالث بعذر المؤذن الراتب دون غيره} * الفصل معقود لبيان ما يقطع التتابع في الاعتكاف المتتابع ويحوج الي الاستئناف وهو فيما ذكره حجة الاسلام رحمه الله أمران (احدهما) انقطاع شروط الاعتكاف والمفهوم من شروط الاعتكاف الامور التي لا بد منها فيه ككف النفس عن الجماع وعن مقدماته في قول لكن فيه كلامان (احدهما) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 528 انه غير مجرى علي اطلاقه لان من شروط الاعتكاف النقاء عن الحيض والجنابة ومعلوم ان انقطاع هذا الشرط بعروض الحيض والاحتلام لا يقطع التتابع (والثاني) ان اللبث في المسجد من الامور التي لا بد منها في الاعتكاف وإذا خرج من المسجد انقطع هذا الشرط فإذا الخروج من المسجد داخل في انقطاع شروط الاعتكاف وقضية العطف ألا يدخل أحدهما في الآخر (الامر الثاني) الخروج بكل البدن عن كل المسجد بغير عذر وفيه ثلاثة قيود (أحدها) كون الخروج بكل البدن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 529 والقصد به الاحتراز عما إذا أخرج يده أو رأسه فلا يبطل اعتكافه * واحتجوا له بما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يدنى رأسه إلى عائشة رضى الله عنها فترجله وهو معتكف وهو في المسجد " ولو اخرج احدى رجليه أو كليهما وهو قاعد ماد لهما فكذلك وان اعتمد عليهما فهو خارج (الثاني) كون الخروج عن كل المسجد والقصد به الاحتراز عما إذا صعد المنارة للاذان وللمنارة حالتان (إحداهما) أن يكون بابها في المسجد أو في رحبته المتصلة به فلا بأس بصعودها للاذان وغيره كصعود سطح المسجد ودخول بيت منه ولا فرق بين أن يكون في نفس المسجد أو الرحبة وبين أن تكون خارجة عن سمت البناء وتربيعه وأبدى الامام رحمه الله احتمالا فيما إذا كانت خارجة عن عن السمت قال لانها حينئذ لا تعد من المسجد ولا يصح الاعتكاف فيها وكلام الائمة ينازع فيما وجه به الاحتمال (والثانية) أن لا يكون بابها في المسجد ولا في رحبته المتصلة به فهل يبطل اعتكاف المؤذن الراتب بصعودها للاذان فيه وجهان (أحدهما) نعم لانه لا ضرورة إليه لامكان الاذان علي سطح المسجد فصار كما لو صعدها لغير الاذان أو خرج إلي الامير أو غيره ليعلمه بالصلاة (والثانى) لا لمعنيين (أحدهما) انها مبنية للمسجد معدودة من توابعه (والثاني) انه قد اعتاد صعودها للاذان والناس استأنسوا بصوته فيعذر فيه ويجعل زمان الاذان مستثنى عن اعتكافه وهذا أوضح المعنيين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 530 لان المنارة وإن كانت معدودة من توابع المسجد فهو إلى أن يصل إليها منفصل عن المسجد ولو خرج إليها غير المؤذن الراتب للاذان رتب حكمه علي الراتب ان أبطلنا اعتكافه به فههنا أولى وإلا فيبنى علي المعنيين (ان قلنا) بالثاني بطل (وان قلنا) بالاول فلا وإذا تركت الترتيب أطلقت ثلاثة أوجه كما في الكتاب (الثالث) الفرق بين الراتب وغيره قال صاحب التهذيب وغيره وهو الاصح (وقوله) ولو أذن علي المنارة التصوير في التأذين ينبه علي أن الخروج إليها وهى خارجة عن المسجد لغير الاذان لا يجوز بحال لكنها إذا كانت في المسجد فلا فرق بين أن يصعدها للاذان أو غيره (وقوله) وان كان بابها خارج المسجد وهى ملتصقة بحريم المسجد ففيه ثلاثة أوجه يشعر بتقييد الخلاف بما إذا كانت ملتصقة بحريم المسجد وفنائه لكن الاكثرين لم يشترطوا في صورة الخلاف سوى أن يكون بابها خارج المسجد كما قدمناه وأورد أبو القاسم الكرخي الخلاف فيما إذا كانت في رحبة منفصلة عن المسجد بينها وبين المسجد طريق (واعلم) انه لو اقتصر في الضابط المذكور علي الخروج عن المسجد وحذف لفظتي الكل لكان الغرض حاصلا فان من اخرج بعض بدنه لا يسمي خارجا ألا ترى انه لو حلف أن لا يخرج من الدار فأخرج رأسه أو رجليه غير معتمد عليهما لم يحنث وكذا لا يقال خرج من المسجد الا إذا انفصل عن كله * قال {وأما العذر فعلى مراتب (الاولي) الخروج لقضاء الحاجة وهو لا يضر ولا يجب قضاء تلك الاوقات ولا تجديد النية عند العود ولا فرق بين قرب الدار وبعدها (و) وبين أن يكثر الخروج (و) لقضاء الحاجة أو يقل ولا بأس بعيادة المريض في الطريق من غير تعريج ولا بأس بصلاة الجنازة من غير أزورار عن الطريق وكذا كل وقفة في حد صلاة الجنازة ولو جامع في وقت قضاء الحاجة انقطع التتابع (و) } * القيد الثالث كون الخروج بغير عذر وقد رتب العذر علي مراتب (احداها) الخروج لقضاء الحاجة فهو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 531 محتمل روى عن عائشة رضي الله عنها " ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف لا يدخل البيت الا لحاجة الانسان " وفى معناه الخروج للاغتسال عند الاحتلام وقد تقدم ذكره وهل يجوز الخروج للاكل فيه وجهان (أحدهما) وبه قال ابن سريج لا لان الاكل في المسجد ممكن (والثاني) وبه قال أبو إسحق نعم لانه قد يستحيى منه ويشق عليه والاول أظهر عند الامام وصاحب التهذيب (والثاني) أظهر عند الاكثرين وحكاه الرويانى عن نصه في الاملاء وفى عبارة المختصر ما يدل عليه ولو عطش ولم يجد الماء في المسجد فهو معذور في الخروج وان وجده فهل له الخروج للشرب فيه وجهان (أصحهما) لا فانه لا يستحى منه ولا يعد تركه من المروءة بخلاف الاكل وقد اطلق في التنبيه القول بأن الخروج للاكل والشرب لا يضر والوجه تأويله ثم في الفصل مسائل (احداها) أوقات الخروج لقضاء الحاجة لا يجب تداركها وله مأخذان (أحدهما) ان الاعتكاف مستمر في اوقات الخروج لقضاء الحاجة ولذلك لو جامع في ذلك الوقت بطل اعتكافه علي الصحيح (والثانى) ان زمان الخروج لقضاء الحاجة جعل كالمستثنى لفظا عن المدة المنذورة لانه لا بد منه وإذا فرغ وعاد لم يحتج الي تجديد النية (اما) علي المأخذ الاول فظاهر (واما) علي الثاني فلان اشتراط التتابع في الابتداء رابطة تجمع ما سوى تلك الاوقات ومنهم من قال ان طال الزمان ففى لزوم التجديد وجهان كما لو أراد البناء علي الوضوء بعد التفريق الكثير ويجوز أن يعلم لهذا قوله ولا يجب تجديد النية بالواو فانه اطلق الكلام اطلاقا (الثانية) لو كان في المسجد سقاية لم يكلف قضاء الحاجة فيها لما فيه من المشقة وسقوط المروءة وكذا لو كان في جوار المسجد صديق له وأمكنه دخول داره فان فيه مع ذلك قبول منة بل له الخروج الي داره ان كانت قريبة أو بعيدة غير متفاحشة البعد فان تفاحش بعدها ففيه وجهان (أحدهما) يجوز ايضا لما سبق ولفظ الكتاب يوافق هذا الوجه لاطلاقه القول بأنه لا فرق بين قرب الدار وبعدها (والثانى) المنع لانه قد يأتيه البول إلى أن يرجع فيبقي طول يومه في الذهاب والمجئ الا أن لا يجد في الطريق موضعا للفراغ أو كان لا يليق بحاله ان يدخل لقضاء الحاجة غير داره ونقل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 532 الامام فيما إذا كثر خروجه لعارض يقآتضيه الوجهين أيضا وقال من أئمتنا من نظر الي جنس قضاء الحاجة ومنهم من خصص عدم تأثيره بما إذا قرب الزمان وقصر وبالاول اجاب صاحب الكتاب وهو قضية اطلاق المعظم لكن فيما إذا تفاحش البعد وجه المنع اظهر عند أئمتنا العراقيين وذكر الروياني في التجربة انه المذهب ولو كانت له داران كل واحدة منهما بحيث يجوز الخروج إليها لو انفردت واحداهما أقرب ففى جواز الخروج الي الاخرى وجهان (احدهما) وبه قال ابن ابى هريرة يجوز كما لو أنفردت (واصحهما) لا يجوز للاستغناء عنه ولا يشترط لجواز الخروج أرهاق الطبيعة وشدة الحاجة وإذا خرج لم يكلف الاسراع بل يمشي علي سجيته المعهودة (الثالثة) لا يجوز الخروج لعيادة المريض ولا لصلاة الجنازة ولو خرج لقضاء الحاجة فعاد في الطريق مريضا نظر ان لم يقف ولا ازور عن الطريق بل اقتصر على السلام والسؤال فلا بأس وان وقف وأطال بطل اعتكافه وان لم يطل ففيه وجهان منقولان في التتمة والعدة والاصح انه لا بأس به وادعي الامام اجماع الاصحاب عليه ولو ازور عن الطريق قليلا فعاده فقد جعلاه علي هذين الوجهين والاصح المنع لما فيه من انشاء سير لغير قضاء الحاجة وقد روى " انه صلى الله عليه وسلم كان لا يسأل علي المريض الا مارا في اعتكافه ولا يعرج عليه " وإذا كان المريض في بيت من الدار التي يدخلها لقضاء الحاجة فالعدول لعيادته قليل وان كان في دار أخرى فكثير ولو خرج لقضاء الحاجة فصلى في الطريق علي جنازة فلا بأس إذا لم ينتظرها ولا ازور عن الطريق وحكى صاحب التتمة فيه الوجهين لان في صلاة الجنازة يفتقر إلى الوقفة وقال في التهذيب ان كانت متعينة فلا بأس والا فوجهان والاظهر (الاول) وجعل الامام قدر صلاة الجنازة حد الوقفة اليسيرة وتابعه المصنف واحتملاه لجميع والاغراض (منها) ان يأكل لقما إذا فرعنا علي انه لا يجوز الخروج للاكل لكن لو جامع في مروره بان كان في هودج أو فرض ذلك في وقفة يسيرة ففى بطلان اعتكافه وجهان (اصحهما) وهو المذكور في الكتاب انه يبطل اما إذا قلنا باستمرار الاعتكاف في أوقات الخروج لقضاء الحاجة فظاهر واما إذا لم نقل به فلان الجماع عظيم الوقع فالاشتغال به أشد اعراضا عن العبادة من اطالة الوفقة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 533 في عيادة مريض (والثاني) انه لا يبطل لانه غير معتكف في تلك الحالة ولم يصرف إليه زمانا وإذا فرغ من قضاء الحاجة واستنجى لم يلزمه نقل الوضوء إلى المسجد بل يقع ذلك تابعا بخلاف مااذا احتاج الي الوضوء من غير قضاء الحاجة كما لو قام من النوم لا يجوز له الخروج ليتوضأ في اظهر الوجهين إذا أمكن الوضوء في المسجد واذ وقفت علي ما ذكرنا اعلمت قوله من غير تعريج بالواو والتعريج هو الوقوف وكذا قوله ولا بأس بصلاة الجنازة وقوله وكذا كل وقفة وقوله في مسألة الجماع انقطع التتابع * قال {الرتبة الثانية الخروج بعذر الحيض غير قاطع للتتابع الا أن قصرت مدة الاعتكاف وامكن إيداعها في أيام الطهر ففيه وجهان} * إذا حاضت المعتكفة لزمها الخروج وهل ينقطع تتابع اعتكافها ان كانت المدة المنذورة طويلة لا تخلو عن الحيض غالبا فلا ينقطع بل تبني إذا طهرت كما لو حاضت في صوم الشهرين عن الكفارة وان كانت بحيث تخلو عن الحيض فقد قال الامام وصاحب الكتاب فيه وجهان وقال آخرون قولان (احدهما) انه لا ينقطع به التتابع لان جنس الحيض متكرر بالجبلة فلا يؤثر في التتابع كقضاء الحاجة (وأظهرهما) ينقطع لانها بسبيل من أن تشرع كما طهرت وتودع الاعتكاف زمان الطهر واستبعد بعض الشارحين عبارة الوجهين من صاحب الكتاب لانه ذكر في صورة الرتبة الثالثة قولين مرتبين علي الحيض ولا ينتظم ترتيب القولين علي الوجهين ولا شك انه لو اطلق عبارة القولين لكان أحسن لكن ينبغي ان يعلم ان الامر فيه هين من جهة المعني من وجهين (احدهما) أن الذى يستحق الاستبعاد ترتيب القولين المنصوصين علي وجهي الاصحاب والقولان في تلك الصورة ليسا منصوصين بل هما حاصلان من تصرف الاصحاب كما ستعرفه والوجهان في الحيض ليسا علي معنى افتراق الاصحاب واختلافهم وانما هما مأخوذان من القولين في انه هل يبطل التتابع بالحيض في صوم كفارة اليمين إذا شرطنا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 534 فيه التتابع ومثل هذا الخلاف قد يسمي قولا وقد يسمى وجها فالحاصل ترتيب قولين من تصرف الاصحاب علي قولين مثلهما (والثانى) ان الذى يستبعد هو بناء القولين على الوجهين فان المبنى عليه ينبغى أن يكون أقدم من المبنى أما الترتيب فلا يعنى به الا أن أحد طرفي الخلاف في صورة اولي منه في صورة أخرى ولابعد في أن يكون قول الانقطاع في تلك الصورة أولي من وجه الانقطاع في صورة الحيض والمذكور في الكتاب هو الترتيب دون البناء * قال {الرتبة الثالثة الخروج بالمرض أو بالنسيان أو بالاكراه أو لاداء شهادة متعينة أو تمكين من حد أو عدة ففيه قولان مرتبان علي الحيض وأولي بان ينقطع التتابع} * في هذه الرتبة صور (إحداها) المرض العارض للمعتكف علي ثلاثة أضرب (أحدها) المرض الخفيف الذى لا يشق معه المقام في المسجد كالصداع والحمي الخفيفة فلا يجوز الخروج من المسجد ولو خرج انقطع التتابع (الثاني) المرض الذى يشق معه المقام في المسجد لحاجته إلى الفراش والخادم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 535 وتردد الطبيب يبيح الخروج وإذا خرج فهل ينقطع التتابع فيه قولان (أظهرهما) لا لدعاء الحاجة إليه كالخروج لقضاء الحاجة (والثانى) نعم لان المرض لا يغلب عروضه بخلاف قضاء الحاجة والحيض فانه يتكرر غالبا فيجعل كالمستثنى لفظا والقول الاول منصوص عليه في المختصر والثانى مخرج خرجوه من أحد القولين في أن المرض يقطع تتابع الصوم في الكفارة (الثالث) المرض الذى يخاف منه تلويث المسجد كانطلاق البطن وادرار البول والجرح السائل فالمشهور ان الخروج له لا يقطع التتابع لاضطراره إليه كالخروج للحيض وحكى الامام عن بعض الاصحاب طرد القولين فيه وإذا تأملت ذلك عرفت ان لفظ الكتاب وإن كان مطلقا في حكاية الخلاف فالضرب الاول غير مراد منه والثاني مراد وفى الثالث الطريقان فهو على المشهور غير مراد أيضا (الثانية) لو خرج ناسيا هل ينقطع تتابعه فيه وجهان (أحدهما) نعم لان اللبس مأمور به والنسيان ليس بعذر في ترك المأمورات (وأصحهما) لا كما لا ينقطع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 536 بالجماع ناسيا وكما لا يبطل الصوم بالاكل والجماع ناسيا واقتصر كثير من الائمة على ايراد هذا الثاني ومن أورد خلافا عبر عنه بالوجهين ولفظ القولين في هذه الصورة محمول علي ان الخلاف مخرج من الخلاف في المرض ومثل ذلك قد يسمي قولا علي ما سبق وفى عبارة الامام ما يبين ذلك فان قلنا بالوجه الثاني فذلك فيما إذا تذكر علي القرب أما إذا طال الزمان فقد قال في التتمة فيه وجهان كالوجهين في بطلان الصوم بالاكل الكثير ناسيا (الثالثة) لو اكره حتي خرج ففيه قولان كالقولين فيما لو أكره وهو صائم والذى أجاب به الجمهور أنه لا ينقطع التتابع ولو أخرجه السلطان ظلما في مصادرة وغيرها أو خاف من ظالم فخرج واستتر فعلي القولين لانه لم يخرج بداعية نفسه ولو أخرج لحق توجه عليه وهو يماطل به بطل اعتكافه لان التقصير منه ولو أخرج لاقامة حد عليه فسيأتي ولو حمل فأخرج لم يبطل اعتكافه كما لو أوجر الصائم الطعام لا يبطل صومه ورأى الامام تخريجه على الخلاف لحصول المفارقة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 537 عن المسجد بعارض غير غالب (الرابعة) إذا دعى لاداء شهادة فخرج لها نظر ان لم يكن متعينا لادائها انقطع تتابع اعتكافه سواء كان متعينا عند التحمل أو لم يكن لانه ليس له الخروج والحالة هذه لحصول الاستغناء عنه وان كان متعينا لم يخل اما ان يكون متبرعا عند التحمل أو يكون متعينا فان كان متبرعا فقد نص في المختصر علي انه ينقطع اعتكافه وفى المرأة إذا خرجت للعدة أنه لا ينقطع بل تبني واختلف الاصحاب علي طريقين (أحدهما) وبه قال ابن سريج انهما على قولين بالنقل والتخريج ولا يخفى توجيههما مما سبق في الصور وبعضهم يطلق في المسألة وجهين بدلا عن القولين (والثاني) وبه قال ابو اسحق تقرير النصين والفرق ان التحمل انما يكون للاداء فإذا تحمل باختياره فقد ألجأ نفسه الي الاداء والنكاح لا يتأثر للعدة علي أن المرأة الي النكاح أحوح منه إلى التحمل لتعلق مصالحها به وظاهر المذهب في كل واحدة من الصورتين ما نص عليه وان كان متعينا عند التحمل ايضا فهو مرتب على ما إذا لم يكن متعينا (ان قلنا) لا ينقطع ثم فههنا أولي وان قلنا ينقطع فههنا وجهان والفرق أنه لم يتحمل بداعيته واختياره (الخامسة) لو أخرج لاقامة حد عليه نظر ان ثبت باقراره انقطع اعتكافه وان ثبت ببينة فحاصل ما ذكره الائمة فيه طريقان كالطريقين فيما لو خرج لاداء الشهادة الا أن المنقول عن النص ههنا انه لا ينقطع واقتصر علي الجواب عليه كثير من أئمتنا العراقيين والفرق بينه وبين مسألة الشهادة أن الشهادة انما تتحمل لتؤدى فاختياره للتحمل اختيار للاداء والجريمة الموجبة للحد لا يرتكبها المجرم ليقام عليه الحد فلم يجعل اختياره للسبب اختيارا له (السادسة) لو لزم المعتكفة في خلال اعتكافها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 538 عدة بطلاق أو وفاة فعليها الخروج لتعتد في مسكنها وإذا خرحت فيبطل اعتكافها أم تبنى بعد انقضاء العدة فيه الطريقان المذكوران في مسألة الشهادة والاصح البناء وان كان اعتكافها باذن الزوج وقد عين مدة فهل يلزمها العود الي المسكن عند الطلاق أو الوفاة قبل استكمالها فيه قولان يذكران في العدة (فان قلنا) لا فخرجت بطل اعتكافها بلا خلاف هذا بيان الصور التى نظمها في سلك الواحد ويجوز أن يعلم قوله فقولان بالواو لانه أجاب فيهما جميعا علي طريقة طرد الخلاف وفى الصور الثلات الاخيرة طريقة نافية للخلاف علي ما بيناها (وأما) ما ذكر من ترتيب الخلاف في هذه الصورة على الخلاف في الحيض وأولوية الانقطاع فوجهه ان الحيض متكرر بحكم الجبلة شبيه بقضاء الحاجة وهذه الامور عارضة لا تنتظم ورتب الامام مع ذلك بعض هذه الصور الجزء: 6 ¦ الصفحة: 539 علي بعض فجعل صورة الشهادة مرتبة علي المرض وهي أولي بالانقطاع لسبق التحمل منه وصورة الاخراج للحد مرتبة على الشهادة وهي أولي بالانقطاع لكون السبب الجالب للاخراج معصية والله أعلم ويقرب من هذه المسائل صورتان (إحداهما) يجب الخروج لصلاة الجمعة وإذا خرج هل يبطل اعتكافه فيه قولان ويقال وجهان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة لا لانه لا بد من ذلك كقضاء الحاجة (وأصحهما) وبه قال مالك نعم لسهولة الاحتزار عن هذا الخروج بأن يعتكف في الجامع وعلي هذا لو كان اعتكافه المنذور أقل من اسبوع ابتدأ من أول الاسبوع أين شاء من المساجد أو في الجامع متي شاء وإن كان أكثر من اسبوع فيجب أن يبتدئ به في الجامع حتي لا يحتاج الي الخروج للجمعة فان كان قد عين غير الجامع وقلنا بالتعين فلا يخرج عن نذره الا ان يمرض فتسقط عنه الجمعة أو بأن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 540 يتركها عاصيا ويدوم علي اعتكافه (الثانيه) إذا احرم المعتكف نظر ان أمكنه اتمام الاعتكاف ثم الخروج لزمه ذلك وان خاف فوت الحج خرج الي الحج وبطل اعتكافه فإذا فرغ استأنف ووجهه بين * قال {ثم مهما لم ينقطع فعليه قضاء الاوقات المصروفة الي هذه الاعذار وفي لزوم تجديد النية عند العود خلاف} * كل ما يقطع التتابع يحوج إلى الاستئناف بنية مجددة وكل عذر لم نجعله قاطعا فكما فرغ منه يجب عليه أن يعود ويبني فلو أخر انقطع التتابع وتعذر البناء ولا بد من قضاء الاوقات المصروفة إلى ما عدا قضاء الحاجة من الاعذار فانه غير معتكف فيها وانما لم يجب قضاء أوقات قضاء الحاجة لما قدمناه وهل يجب تجديد النية عند العود (أما) إذا خرج لقضاء حاجة فقد مر وفى معناه مالا بد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 541 منه كالخروج للاغتسال والحق به الاذان إذا جوزنا الخروج له واما مامنه بد ففيه وجهان (احدهما) انه يجب لانه خرج عن العبادة بما عرض (وأظهرهما) لا لشمول النية جميع المدة وأجرى الشيخ ابو علي الخلاف فيما إذا خرج لغرض استثناه ثم عاد ولو عين مدة ولم يتعرض للتتابع ثم جامع أو خرج من غير عذر فاسد اعتكافه ثم عاد ليتم الباقي فقد اجرى الخلاف في وجوب التجديد قال الامام لكن المذهب ههنا وجوب التجديد لان هذه عبادة مستقلة منفصلة عما مضى فان خطر ببالك ان القول في تجديد النية قد تعرض له ههنا وفى ركن النية وذكره في الرتبة الاولى ايضا وتوهمت في كلامه تكرارا فنذكر ما بينا انه أراد بما ذكره في ركن النية الكلام في الاعتكاف المتطوع به واعرف أن المذكور ههنا مخصوص بأعذار الرتبة الثالثة في الاعتكاف المنذور بشرط التتابع والمذكور في الرتبة الاولى مخصوص بقضاء الحاجة في هذا النوع من الاعتكاف فإذا لا تكرار نعم لو ذكرها مجموعة في موضع واحد لاستفاد به اختصارا وكان الذهن أضبط لها والله اعلم * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 542 فتح العزيز - عبد الكريم الرافعي ج 7 فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 7 الجزء: 7 فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ..الجزء السابع دار الفكر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 1 بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الحج قال (ولا يجب في العمر إلا مرة واحدة والنظر في المقدمات والمقاصد واللواحق القسم الاول في المقدمات وهى الشرائط والمواقيت) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2 قال الله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " (نبي الاسلام على خمس) " الحديث ولا يجب الحج بأصل الشرع في العمر إلا مرة واحدة لما روى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3 عن ابن عباس رضى الله عنه قال (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فقام الاقرع بن حابس فقال أفي كل عام يا رسول الله فقال لو قلتها لوجبت ولو وجبت لم تعملوا بها الحج مرة فمن زاد فتطوع " وقد يجب أكثر من مرة واحدة بعارض كالنذر والقضاء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 4 وكما أنا نوجب على قول الاحرام بحج أو عمرة لدخول مكة على ما سيأتي وليس من العوارض الموجبة الردة والاسلام بعدها فمن حج ثم ارتد ثم عاد إلى الاسلام لم يلزمه الحج خلافا لابي حنيفة ومأخذ الخلاف ان الردة عنده محبطة للعمل وعندنا انما تحبطه بشرط أن يموت عليها قال الله تعالى (ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر) الآية وساعد أحمد أبا حنيفة رحمه الله في المسألة ولكن لا من جهة هذا المأخذ ثم ان المصنف حصر مقصود الكتاب في ثلاثة أقسام (أولها) المقدمات (وثانيها) المقاصد (وثالثها) اللواحق والخواتم وفي القسم الاول مقدمتان (إحداهما) في الشرائط والاخرى في المواقيت (واعلم) انه جعل الميقات على قسمين زماني ومكاني ولا شك أن الميقات الزماني من شرائط صحة الحج فالوجه حمل الشرائط وإن أطلقها على ما سوى الوقت لئلا يدخل شئ من احدى المقدمتين في الاخرى والله أعلم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 5 قال (القول في الشرائط: ولا يشترط لصحة الحج الا الاسلام إذ يجوز للولي أن يحرم (ح) عن الصبى ويحج به ولا يشترط لصحة المباشرة الا الاسلام والتميز فان المميز لو حج باذن الولي جاز وكذا العبد ولا يشترط لوقوعه عن حجة الاسلام الا الاسلام والحرية والتكليف ويشترط لوجوب حج الاسلام هذه الشرائط مع الاسستطاعة) * الشخص اما أن يجب عليه الحج أو لا يجب ومن يجب عليه اما يجزئه المأتي به عن حجة الاسلام حتى لا يجب عليه بعد ذلك بحال أو لا يجزئه ومن لا يجزئه أما أن تصح مباشرته للحج أو لا تصح ومن لا تصح مباشرته إما أن يصح له الحج أو لا يصح فههنا أربعة أحكام (احدها) مطلق صحة الحج له (وثانيها) صحته له مباشرة (وثالثها) وقوعه عن حجة الاسلام (ورابعها) وجوب حجة الاسلام وشروط هذه الاحكام مختلفة (أما) الصحة المطلقة فلها شرط واحد وهو الاسلام فلا يصح الحج للكافر كالصوم والصلاة وغيرهما ولا يشترط فيها التكليف بل يجوز للولي ان يحرم عن الصبي الذي لا يميز وعن المجنون واعلم قوله إذ يجوز للولي بالحاء لان أبا حنيفة رحمه الله لا يجوزه وكذا قوله الا الاسلام لانه لا يصح الحج للصبى وسيأتي جميع ذلك في الفصل الحادي عشر من باب أعمال الحج (وأما) صحة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 6 المباشرة فلها شرط زائد على الاسلام وهو التمييز فلا يصح مباشرة المجنون والصبي الذي لا يميز كسائر العبادات ويصح من الصبي المميز ان يحرم ويحج ثم القول في أنه يستقل به أو يفتقر إلى إذن الولي موضعه الفصل المحال عليه (وقوله) باذن الولي هذا التقييد دخيل في هذا الموضع فان المقصود ههنا صحة مباشرته في الجملة ولا يشترط فيها الحرية بل يصح من العبد مباشرة الحج كسائر العبادات (وأما) وقوعه عن حجة الاسلام فله شرطان زائدان (أحدهما) البلوغ (والثاني) الحرية والدليل على إعتبارهما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 7 ما روي انه صلى الله عليه وسلم قال " أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة الاسلام وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة الاسلام " والمعني فيه أن الحج عبادة عمر لا تتكرر فاعتبر وقوعها في حال الكمال وإذا جمعت شرائط هذا الحكم قلت هي أربع (الاسلام) (والتمييز) (والبلوغ) (والحرية) فان اختصرت قلت هي ثلاث (الاسلام) (والتكليف) (والحرية) على ما ذكر في الكتاب ولو تكلف الفقير الحج وقع حجه عن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 8 الفرض كما لو تحمل الغني خطر الطريق وحج وكما لو تحمل المريض المشقة وحضر الجمعة (واما) وجوب حجة الاسلام فيعتبر فيه هذه الشرائط فلا يخاطب بالحج كافر في كفره ولا عبد ولا صبي ولا مجنون وله شرط زائد وهو الاستطاعة قال الله تعالى (من استطاع إليه سبيلا) وكلام الكتاب من هذا الموضع إلى رأس المقدمة الثانية في المواقيت يتعلق بهذا الشرط * قال (والاستطاعة نوعان (الاول) المباشرة والقدرة عليها تتعلق بالزاد والراحلة والطريق والبدن (أما) الراحلة فلا بد منها ولا يجب (ح م) الحج على القوى على المشي الا فيما دون مسافة القصر ولا على من لم يستمسك على الراحلة ما لم يجد محملا أو شق محمل مع شريك فان لم يجد الشريك لم يلزمه) * استطاعة الحج نوعان استطاعة مباشرته بنفسه واستطاعة تحصيله بغيره (النوع الاول) استطاعة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 9 المباشرة وتتعلق بامور أربعة (أحدها) الراحلة والناس قسمان (احدهما) من بينه وبين مكة مسافة القصر فلا يلزمه الحج الا إذا وجد راحلة سواء كان قادرا على المشي أو لم يكن لكن القادر على المشي يستحب له أن لا يترك الحج وفي كون الحج راكبا أو ماشيا افضل اختلاف قول قد تعرض له صاحب الكتاب في النذور وقال مالك القادر على المشي يحج ماشيا * لنا ما روي " انه سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن تفسير السبيل فقال زاد وراحلة " إذا عرف ذلك فينظر إن كان يستمسك على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 10 الراحلة من غير محمل ولا يلحقه ضرر ولا مشقة شديدة فلا يعتبر في حقه الا وجدان الراحلة وإلا فيعتبر مع وجدان الراحلة وجدان المحمل أيضا قال في الشاملي وعلى هذا لو كان يلحقه مشقة غليظة في ركوب المحمل اعتبر في حقه الكنيسة وذكر المحاملي وغيره من العراقيين ان في حق المرأة يعتبر المحمل واطلقوا القول فيه لانه استر لها وأليق بحالها ثم العادة جارية بركوب اثنين في المحمل فان وجد مؤنة محمل أو شق محمل ووجد شريكا يجلس في الجانب الآخر لزمه الحج وان لم يجد الشريك فلا (أما) إذا لم يجد إلا مؤنة الشق فظاهر وأما إذا وجد مؤنة المحمل بتمامه فقد علله في الوسيط بأن بذل الزيادة خسران لا مقابل له أي هو مؤنه مجحفة يعسر احتمالها وكان لا يبعد تخريجه على الخلاف في لزوم اجرة البذرقة وفي كلام الامام اشارة إليه (وانقسم الثاني) من ليس بينه وبين مكة مسافة القصر بان كان من أهل مكة أو كان بينه وبينها دون مسافة القصر فان كان قويا على المشي لزمه الحج ولم يعتبر في حقه وجدان الراحلة وان كان ضعيفا لا يقوى على المشى أو يناله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 11 منه الضرر ظاهر فلا بد من الراحلة ومن المحمل ايضا ان لم يمكنه الركوب دونه كما حق البعيد ووجدت لبعض المتأخرين من أئمة طبرستان تخريج وجه في أن القريب كالبعيد مطلقا والمشهور الفرق ولا يؤمر بالزحف بحال وإن امكن وحيث اعتبرنا وجدان الراحة والمحمل فالمراد منه أن يملكهما أو يتمكن من تحصيلهما ملكا واستئجارا بثمن المثل أو أجرة المثل (واعلم) انه يشترط أن يكون ما يصرفه إلي الراحلة مع المحمل أو دونه فاضلا عما يشترط كون الزاد فاضلا عنه وسيأتي ذلك (وقوله) أما الراحلة فلا بد منها قد عرفت انه غير مجرى على اطلاقه لوجوب الحج على القريب المتمكن من المشي (وقوله) ولا على من لا يستمسك على الراحلة أي من غير محمل ونحوه لا مطلقا بخلاف قوله بعد هذا أما البدن فلا يعتبر فيه الا قوة يستمسك بها على الراحلة فان المراد هناك الاستمساك عليها مطلقا (وقوله) ما لم يجد محملا أو شق محمل مع شريك الوجه صرف قوله مع شريك إلى حالتي وجدان المحمل ووجدان الشق لانه لو خصص بما إذا وجد الشق لكان ذلك حكما باللزوم فيما إذا وجد مؤنة المحمل مطلقا وهو خلاف ما نقلناه في الوسيط * قال (وأما الزاد فهو أن يملك ما يبلغه إلى الحج فاضلا عن حاجته أعني به المسكن والعبد الذي يخدمه ودست ثوبه ونفقة أهله إلى الاياب فان لم يكن له أهل ولا مسكن ففي اشتراط نفقة الاياب إلى الموطن وجهان ولو احتاج إلى نكاح لخوف العنت فصرف المال إليه أهم وفي صرف رأس ماله الذى لا يقدر على التجارة الا به إلى الحج وجهان ومن لا نفقة معه في الطريق وقدر على الكسب لم يلزمه الخروج للمشقة في الجمع بين الكسب والسفر) * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 12 المتعلق الثاني الزاد ويشترط لوجوب الحج أن يجد الزاد وأوعيته وما يحتاج إليه في السفر إن كان له اهل وعشيرة فمدة ذهابه وإيابه إلى بلده وإن لم يكونوا ففى اشتراطه لمدة الاياب وجهان (احدهما) لا يشترط لان البلاد في حق مثل هذا الشخص متقاربة (واصحهما) انه يشترط لما في الغربة من الوحشة ولنزاع النفوس إلى الاوطان ويجرى الوجهان في اعتبار الراحلة للاياب وهل يخصص الوجهان بما إذا لم يملك ببلدته مسكنا أم لا أبدى الامام رحمه الله فيه احتمالين ورأى الاظهر التخصيص وأغرب أبو عبد الله الحناطى فنقل وجها في ان مدة الاياب لا تعتبر في حق ذى الاهل والعشيرة ايضا ثم في الفصل مسائل (احداها) يشترط أن يكون الزاد والراحلة فاضلا عن نفقة من تلزمه نفقتهم وكسوتهم مدة ذهابه ورجوعه (الثانية) في اشتراط كونهما فاضلين عن المسكن والعبد لمن يحتاج إلى خدمته لزمانته أو لمنصبه وجهان (أظهرهما) عند الاكثرين وهو المذكور في الكتاب الاشتراط فيبقى عليه مسكنه وعبده كما يبقيان عليه في الكفارة ولانه متعلق حاجته المهمة فأشبه دست ثوب يليق بمنصبه وعلى هذا لو كان معه نقد يريد صرفه اليهما مكن (والثانى) وبه قال مالك لا يشترط بل عليه بيع المسكن والخادم والاكتفاء بالاكتراء لان الاستطاعة مفسرة في الخبر بالزاد والراحلة وهو واجد لهما وهذا الوجه أصح عند صاحب التتمة وبه اجاب أبو القاسم الكرخي وحكاه عن نصه في الام ومن قال به فرق بين الحج والكفارة بان العتق في الكفارة له بدل معدول إليه والحج بخلافه وهذا الخلاف كالخلاف في اعتبارهما في صدقة الفطر وقد مر (فان قلنا) بالوجه الاول فذلك فيما إذا كانت الدار مستغرقة بحاجته وكانت سكنى مثله والعبد عبد مثله فأما إذا امكن بيع بعض الدار وفي ثمنه بمؤنة الحج أو كان نفيسين لا يليقان بمثله ولو أبدلهما لو في التفاوت بمؤنة الحج لزمه ذلك هكذا أطلقوه ههنا لكن في لزوم بيع الدار والعبد النفيسين المألوفين في الكفارة وجهان وقد أوردهما في الكتاب ولا بد من عودهما والله أعلم (الثالثة) لو كان له رأس مال يتجر فيه وينفق من ربحه ولو نقص لبطلت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 13 تجارته أو كان له مستغلات ترتفع منها نفقته فهل يكلف بيعها فيه وجهان (أحدهما) وبه قال أحمد وابن سريج لا واختاره القاضي أبو الطيب لئلا ينسلخ من ذات يده ولا يلتحق بالمساكين (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله نعم كما يكلف بيعها في الدين لانه فسر الاستطاعة في الخير بالزاد والراحلة وهو واجد لهما ويفارق العبد والمسكن لانه محتاج اليهما في الحال وليس كذلك ما نحن فيه وانما يتخذه ذخيرة للمستقبل (الرابعة) إذا ملك مالا فاضلا عن الوجوه المذكورة لكنه كان محتاجا إلى ان ينكح خائفا من العنت فصرف المال إلى مؤن النكاح أهم من صرفه إلى الحج هذه عبارة الجمهور وعللوه بأن حاجة النكاح ناجزة والحج على التراخي والاسبق إلى الفهم من التقديم الذى أطلقوه انه لا يجب الحج والحالة هذه فيصرف ما يملكه إلى مؤنات النكاح وقد صرح الامام بهذا المفهوم لكن كثيرا من العراقيين وغيرهم قالوا يجب الحج على من أراد التزويج لكن له أن يؤخره لوجوبه على التراخي ثم إن لم يخف العنت فتقديم الحج افضل وإن خافه فتقديم النكاح اولى (الخامسة) لو لم يجد ما لا يصرفه إلى الزاد لكنه كان كسوبا يكتسب ما يكفيه وقد أدخر لاهله النفقة فهل يلزمه الحج تعويلا على الكسب حكى الامام عن أصحابنا العراقيين انه إن كان السفر طويلا لم يلزمه ذلك لانه قد ينقطع عن الكسب لعارض وبتقدير أن لا ينقطع فالجمع بين تعب الكسب والسفر تعظم فيه المشقة وإن كان قصيرا نظر ان كان يكتسب في كل يوم ما يكفيه ولا يفضل عنه لم يلزمه لانه ينقطع عن كسبه في أيام الحج فيتضرر وإن كان كسبه في يوم يكفيه لايام لزمه الخروج قال الامام وفيه احتمال كما أن القدرة على الكسب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 14 في يوم الفطر لا تجعل كحصول الصاع في ملكه (وقوله) في الكتاب لم يلزمه الخروج معلم بالميم لان عند مالك يلزمه ذلك وهكذا قال فيمن أمكنه الحج بالسؤال في الطريق تم لفظ الكتاب مطلق وقضية ما نقلناه التقييد (وقوله) في أول الفصل وأما الزاد فهو أن يملك ما يبلغه إلى الحج فيه اضمار لان كونه مالكا لما يبلغه لا يصلح تفسيرا للزاد والمعنى أن القدرة على الزاد هي أن يملك ما يبلغه (وقوله) نفقه أهله إلى الاياب أي ان كان له أهل والمراد من الاهل ههنا من يلزمه نفقته لا غير وفى قوله فان لم يكن له أهل لا يمكن الحمل على هؤلاء فحسب إذ ليس ذلك موضع الوجهين وانما الوجهان فيما إذا لم يكن له عشيرة أصلا كذا ذكره الصيدلاني وغيره لانه يعظم على الانسان مفارقة العشائر فلا بد من اعتبار الاياب إذا كان الرجل ذا عشيرة قال الامام ولم يتعرض أحد من الاصحاب للمعارف والاصدقاء لان الاستبدال بهم متيسر (وقوله) ومسكن يشعر باعتبار فقدان المسكن في حصول الوجهين وهو جواب على أظهر الاحتمالين عند الامام كما مروا عرف في نظم الكتاب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 15 شيئين (أحدهما) أنه لم يصرح باعتبار كونه فاضلا عن نفقته في نفسه لكنه مفهوم من كلامه في مواضع (منها) اعتبار كونه فاضلا عن نفقة الاهل فانه يفهم اعتبار كونه فاضلا عن نفقته بطريق الاولى (ومنها) قوله ففى اشتراط نفقة الاياب وجهان ومعلوم أنه في نفقة نفسه لا في نفقة الاهل فانها مجزوم باشتراطها إلى الاياب (الثاني) أنه لم يعتبر كونه فاضلا عن الدين ولا بد منه أما إذا كان حالا فلانه ناجز والحج على التراخي وأما إذا كان مؤجلا فلانه إذا صرف ما معه إلى الحج فقد يحل الاجل ولا يجد ما يقضى به الدين وقد تخترمه المنية فتبقى ذمته مرتهنة وفيه وجه أن المدة ان كانت بحيث تقضى بعد رجوعه من الحج لزمه الحج ولو كان ماله دينا في ذمة انسان نظر ان تيسر تحصيله في الحال بان كان حالا ومن عليه ملئ مقر أو عليه بينة فهو كالحاصل في يده وان لم يتيسر بأن كان من عليه منكرا ولا بينة أو كان مؤجلا فهو كالمعدوم وقد يتوصل المحتال بهذا إلى دفع الحج فيبيع ماله نسيئة إذا قرب وقت الخروج فان المال انما يعتبر وقت خروج الناس * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 16 قال (وأما الطريق فشرطه أن يكون آمنا عما يخاف في النفس والبضع والمال فلو كان في الطريق بحر لزم الركوب على قول لغلبة السلامة ولم يلزم في قول للخطر ولزم على غير المستشعر في قول دون الجبان وإذا لم توجب فلو توسط البحر واستوت الجهات في التوجه إلى مكة والانصراف عنها ففى الوجوب الان وجهان واستطاعة المرأة كاستطاعة الرجل لكن إذا وجدت محرما أو نسوة (ح و) ثقات مع أمن الطريق ولو كان على المراصد من يطلب مالا لم يلزم الحج وفى لزوم اجرة البذرقة وجهان وإذا لم يخرج محرم المرأة الا بأجرة لزم على اظهر الوجهين) * المتعلق الثالث الطريق ويشترط فيه الامن في ثلاثة أشياء قال الامام وليس الامن الذى نذكره قطعيا ولا يشترط أيضا الامن الذى يغلب في الحضر بل الامن في كل مكان بحسب ما يليق به (فأحد) الاشياء الثلاثة النفس فلو خاف على نفسه من سبع أو عدو في الطريق لم يلزمه الحج ولهذا جاز التحلل عن الاحرام بمثل ذلك على ما سيأتي في باب الاحصار وهذا إذا لم يجد طريقا سواه فان وجد طريقا آخر آمنا لزمه سلوكه أما إذا كان مثل مسافة الاول فظاهر واما إذا كان ابعد فكذلك إذا وجد ما يقطعه به كما لو لم يجد طريقا سواه وذكر في التتمة وجها أنه لا يلزمه كما لو احتاج إلى بذل مؤنة زائدة في ذلك الطريق ولو كان في الطريق بحر لم يخل اما ان يكون له في البر طريق ايضا أو لا يكون ان كان لزم الحج والا فقد قال في المختصر ولم يبلي ان اوجب ركوب البحر للحج ونص في الام على انه لا يجب وفى الاملاء على انه ان كان اكثر عيشه في البحر وجب والاصحاب منقسمون إلى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 17 مثبتين للخلاف في المسألة والى نافين له وللمثبتين طريقان (أحدهما) أن المسألة على قولين مطلقا حكاه الشيخ أبو محمد وغيره (أحدهما) أنه يلزم ركوبه للظواهر المطلقة في الحج (والثاني) لا لما فيه من الخوف والخطر (وأظهرهما) انه إن كان الغالب منه الهلاك اما باعتبار خصوص ذلك البحر أو لهيجان الامواج في بعض الاحوال لم يلزم الركوب وإن كان الغالب السلامة ففيه قولان (اظهرهما) اللزوم كسلوك طريق البر عند غلبة السلامة (والثانى) المنع لان عوارض البحر عسرة الدفع وعلى هذا لو اعتدل الاحتمال فيلحق بغلبة السلامة أو بغلبة الهلاك تردد كلام الائمة فيه (واما) النافون للخلاف فلهم طرق (احدها) القطع بعدم اللزوم وحمل نصه في الاملاء على ما إذا ركبه لبعض الاغراض فصار الجزء: 7 ¦ الصفحة: 18 اقرب إلى الشط الذى يلى مكة (والثانى) القطع باللزوم وهذا قد اشار إليه الحناطى وغيره (والثالث) وبه قال أبو اسحاق الاصطخرى انه ان كان الغالب الهلاك لم يلزمه وان كان الغالب السلامة لزم واختلاف النص محمول على الحالين وبهذا قال أبو حنيفة واحمد رحمهما الله (والرابع) تنزيل النصين على حالتين من وجه آخر ان كان الرجل ممن اعتاد ركوب البحر كالملاحين واهل الجزائر لزمه وإلا فلا لصعوبته عليه حكى الطريقة هكذا علي هذا العراقيون وطائفة ونقل الامام عن بعض الاصحاب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 19 اللزوم عند جرءة الراكب وعدمه عند استشعاره وهذا قريب من الطريقة الاخيرة ويشبه ان يكون هو هي وانما الاختلاف في العبارة ثم ذكر ان من الاصحاب من نزل النصين على الحالتين من غير ترديد قول (ومنهم) من قال لا يجب على المستشعر وفى غيره قولان (ومنهم) من قال يجب على غير المستشعر وفيه قولان والصائرون إلى هذين الطريقين من المثبتين للخلاف واتبع حجة الاسلام رحمه الله منقول الامام قدس الله روحه واستخرج من الطرق التي نقلها ثلاثة اقوال (اللزوم) مطلقا (والمنع) مطلقا والفرق بين الجبان وغيره والمستشعر والجبان ههنا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 20 مطلقان بمعنى واحد ولو قال على غير المستشعر دون المستشعر أو على غير الجبان دون الجبان لكان أحسن وأقرب إلى الافهام وفي لفظ الكتاب ما ينبئك أن الخلاف مخصوص بما إذا كان الغالب السلامة حيث قال لغلبة السلامة فان كان الغالب الهلاك فالظاهر الجزم بالمنع على ما مر (التفريع) إذا قلنا لا يجب ركوبه فهل يستحب فيه وجهان (أحدهما) لا لما فيه من التغرير بالنفس (وأظهرهما) نعم كما يستحب ركوبه للغزو وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال " لا يركبن أحد الا غازيا أو معتمرا أو حاجا " والوجهان فيما إذا كان الغالب السلامة (أما) إذا كان الغالب الهلاك فيحرم الركوب هكذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 21 نقله الامام وحكى ترددا للاصحاب فيما إذا اعتدل الاحتمال وإذا لم نوجب الركوب فلو توسط البحر هل له الانصراف أم عليه التمادي فيه وجهان وقيل قولان وهما مبنيان عند الائمة على القولين في المحصر إذا أحاط العدو به من الجوانب هل له التحلل (ان قلنا) له التحلل فله الانصراف (وإن قلنا) لا فلا لانه لم يستفد به الخلاص فليس له الانصراف قال في التتمة وهو المذهب وموضع الوجهين ما إذا استوى ما بين يديه وما خلفه في غالب الظن فان كان ما بين يديه كثر لم يلزمه التمادي بلا خلاف على القول الذى عليه نفرع وان كان أقل لزم وموضعهما عند التساوى ما إذا كان له في المنصرف طريق غير البحر فان لم يكن فله الانصراف بلا خلاف كيلا يحتاج إلى تحمل زيادة الاخطار وجميع ما ذكرناه في حق الرجل أما المرأة ففيها خلاف مرتب على الرجل وأولي بعدم الوجوب لانها اشد تأثرا بالاهوال ولانها عورة ربما تنكشف للرجال لضيق المكان وإذا قلنا بعدم الوجوب فنقول بعدم الاستحباب أيضا ومنهم من طرد الخلاف وليست الانهار العظيمة كجيحون في معني البحر لان المقام فيها لا يطول والخطر فيها لا يعظم وفيه وجه غريب (والثاني) البضع والغرض من ذكره بيان حكم المرأة في الطريق قال في الكتاب واستطاعة المرأة كاستطاعة الرجل ولكن إذا وجدت محرما إلى آخره يسوى بين استطاعة الرجل واستطاعة المرأة الا فيما يتعلق بالمحرم وليس الامر على هذا الاطلاق لما مر من قول من اعتبر المحمل في حقها مطلقا وايضا فلما ذكرناه الآن في ركوب البحر (واما) ما يتعلق بالمحرم فاعلم انه لا يجب عليها الحج حتى تأمن على نفسها فان خرج معها زوج أو محرم اما بنسب أو غيره فذاك والا فنظر ان وجدت نسوة ثقات يخرجن فعليها ان تحج معهن وهل يشترط ان يكون مع واحدة منهن محرم فيه وجهان (احدهما) وبه قال القفال نعم ليكلم الرجال عنهن ولتستعن بالتي معها محرم إذا ابتلين بنائبة (وأصحهما) لا لان النساء إذا كثرن انقطع الاطماع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 22 عنهن وكفين أمرهن وان لم تجد نسوة ثقات لم يلزمها الحج هذا ظاهر المذهب ووراءه قولان (احدهما) أن عليها أن تخرج مع المرأة الواحدة يحكي هذا عن الاملاء (والثاني) واختارة جماعة من الائمة أن عليها أن تخرج وحدها إذا كان الطريق مسلوكا ويحكى هذا عن رواية الكرابيسي * واحتج له بما روى عن عدى بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يا عدى ان طالت بك الحياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف الا الله قال عدى فرأيت ذلك " وايضا بأن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 23 المرأة لو اسلمت في دار الكفر لزمها الخروج إلى دار الاسلام وان كانت وحدها ولمن ذهب إلى الاول ان يقول (اما) الحديث فليس فيه ما يقتضي الوجوب (واما) التى اسلمت فخوفها لو اقامت هناك اكثر من خوف الطريق هذا حكم الحج الفرض وهل لها الخروج إلى سائر الاسفار مع النساء الخلص فيه وجهان لانه لا ضرورة إليها (والاصح) عند القاضي الروياني المنع وليعلم قوله في الكتاب ولكن إذا وجدت محرما بالواو للقول الصائر إلى أنها تخرج وحدها وقوله أو نسوة ثقات ايضا بالواو لامرين (احدهما) القول المسكتفى بالواحدة (وثانيهما) الوجه الشارط لان يكون مع بعضهن محرم وبالحاء لان عنده إذا لم يكن محرم وزوج فلا يجوز لها الخروج الا ان تكون المسافة بينها وبين مكة دون ثلاثة ايام ويروى عن احمد مثله وفي كون المحرم أو الزوج شرط الوجوب أو التمكن اختلاف رواية عنهما قال الموفق ابن طاهر ولاصحابنا مثل هذا التردد في النسوة الثقات ولم يتعرض في الكتاب للزوج واقتصر على اشتراط المحرم أو النسوة الثقات لكنه كالمحرم بالاتفاق (وقوله) مع امن الطريق مما يذكر للاستظهار والايضاح والا فقد سبق ما تعرف به اشتراطه (والثالث) المال فلو كان يخاف على ماله في الطريق من عدو أو رصدي لم يلزم الحج وان كان الرصدي يرضى بشئ يسير إذا تعين ذلك الطريق ولا فرق بين ان يكون الذين يخاف منهم مسلمين أو كفارا لكن إذا كانوا كفارا واطلقوا مقاومتهم فيستحب لهم ان يخرجوا ويقاتلوا لينالوا ثواب الحج والجهاد جميعا وان كانوا مسلمين لم يستحب الخروج والقتال ويكره بذل المال للرصديين لانهم يحرضون بذلك على التعرض للناس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 24 ولو بعثوا بأمان الحجيج وكان أمانهم موثوقا به أو ضمن لهم أمير ما يطلبونه وأمن الحجيج لزمهم الخروج ولو وجدوا من يبذرقهم بأجرة ولو استأجروه لامنوا في غالب الظن فهل يلزمهم استئجاره فيه وجهان (أحدهما) لا لانه خسران لدفع الظلم فأشبه التسليم إلى الظالم (والثاني) نعم لان بذل الاجرة بذل مال بحق والمبذرق اهبة من أهب الطريق كالراحلة وغيرها وهذا أظهر عند الامام ورتب عليه لزوم استئجار المحرم على المرأة إذا لم يساعدها ألا بأجرة وجعل اللزوم ههنا أظهر لان الداعي إلى التزام هذه المؤنة معنى فيها فأشبه زيادة مؤنة المحمل في حق ما يحتاج إليه ويشترط لوجوب الحج وجود الزاد والماء في المواضع التي جرت العادة بحمل الزاد والماء منها فان كان العام عام جدب وخلا بعض تلك المنازل عن أهلها أو انقطعت المياه لم يلزمه الحج لانه إن لم يحمل معه خاف على نفسه وإن حمله لحقته مؤنة عظيمة وكذلك الحكم لو كان يوجد فيها الزاد والماء ولكن بأكثر من ثمن المثل وهو القدر اللائق به في ذلك المكان والزمان وإن وجدهما بثمن المثل لزم التحصيل سواء كانت الاسعار غالية أو راخصة إذا وفى ماله ويحتمل حملهما قدر ما جرت العادة به في طريق مكة حرصها الله لحمل الزاد من الكوفة إلى مكة وحمل الماء مرحلتين أو ثلاثا إذا قدر عليه ووجد آلات الحمل وأما علف الدابة فيشترط وجوده في كل مرحلة لان المؤنة تعظم في حمله لكثرته ذكره صاحب التهذيب والتتمة وغيرهما * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 25 قال (وأما البدن فلا يعتبر فيه الا قوة يستمسك بها على الراحلة ويجب على الاعمي إذا قدر على قائد ويجب على المحجور المبذر وعلى الولي أن ينفق عليه وينصب عليه قواما) * المتعلق الرابع البدن ويشترط فيه لاستطاعة المباشرة قوة يستمسك بها على الراحلة والمراد أن يثبت على الراحلة من غير أن يلحقه مشقة شديدة فأما إذا لم يثبت اصلا أو كان يثبت ولكن بمشقة شديدة فليس له استطاعة المباشرة سواء فرض ذلك لمرض أو غيره روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " من لم يحبسه مرض أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر فلم يحج فليمت ان شاء يهوديا وان شاء نصرانيا " والقول في أنه متى يستنيب ومتى لا يستنيب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 26 سيأتي من بعد ثم في الفصل مسألتان (احداهما) الاعمي إذا وجد مع الزاد والراحلة قائدا يلزمه الحج بنفسه لانه مستطيع له والقائد في حقه كالمحرم في حق المرأة وبه قال أحمد وعن أبي حنيفة رحمهما الله اختلاف رواية فروى عنه أنه لا حج عليه وهذه عبارة الكرخي في مختصره وروى أنه لا يلزمه الخروج بنفسه ولكن يستنيب (الثانية) المحجور عليه بالسفه كغيره في وجوب الحج عليه إلا أنه لا يدفع المال إليه لتبذيره بل يخرج الولي معه لينفق عليه في الطريق بالمعروف ويكون قواما عليه ويفارق الصبى والمجنون إذا احرم الولي عنهما فان في انفاقة ما زاد بسبب الحج من مالهما خلافا سنذكره لانه لا وجوب عليهما وإذا زال ما بهما لزمهما حجة الاسلام وذكر في التهذيب أنه إذا شرع السفيه في حج الفرض أو في حج نذره قبل الحجر بغير اذن الولي لم يكن له أن يحلله فيلزمه أن ينفق عليه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 27 إلى أن يفرغ وان شرع في حج تطوع ثم حجر عليه فكذلك ولو شرع فيه بعد الحجر كان للولى أن أن يحلله ان كان ما يحتاج إليه للحج يزيد على نفقته المعهودة ولم يكن له كسب وان لم يزد أو كان له كسب يفى مع قدر النفقة للحج وجب اتمامه ولم يكن للولي ان يحلله (وقوله) في الكتاب وعلى الولي ان ينفق عليه أي من مال المحجور (وقوله) وينصب عليه قواما أي ان لم يتول ذلك بنفسه (واعلم) ان الائمة شرطوا في وجوب الحج امرين آخرين لم يصرح بهما في الكتاب (احدهما) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 28 امكان المسير وهو ان يبقى من الزمان عند وجدان الزاد والراحلة ما يمكنه المسير فيه إلى الحج السير المعهود (اما) إذا احتاج إلى ان يقطع في كل يوم أو في بعض الايام اكثر من مرحلة لم يلزمه الحج (والثانى) قال صاحب التهذيب وغيره يشترطان يجد رفقة يخرج معهم في الوقت الذى جرت عادة اهل بلده بالخروج فيه فان خرجوا قبله لم يلزمه الخروج معهم وان أخروا الخروج بحيث لا يبلغون الا بأن يقطعوا اكثر من مرحلة لم يلزمه ايضا وفى بعد هذا الفصل وله ان يتخلف عن اول قافلة ما يشعر باعتبار وجدان القافلة ومن اطلق القول باعتباره من الاصحاب فكلامه محمول الجزء: 7 ¦ الصفحة: 29 على غالب الحال فان كانت الطرق بحيث لا يخاف الواحد فيها فلا حاجة إلى الرفقة والقافلة ذكره في التتمة وبهذا الفقه يتبين دخول هذا الشرط تحت اعتبار أمن الطريق وعن أحمد أن أمن الطريق وإمكان المسير من شرائط الاداء دون الوجوب حتى لو استطاع والطريق مخوف أو الوقت ضيق استقر الوجوب عليه وروى عن أصحاب أبى حنيفة رحمه الله اختلاف في ان امن الطريق من شرائط الوجوب أو الاداء * قال (ومهما تمت الاستطاعة وجب الحج على التراخي (م ح ز) وله أن يتخلف عن أول قافلة فان مات قبل حج الناس تبين عدم الاستطاعة وإن مات بعد الحح فلا وإن هلك ماله بعد الحج وقبل إياب الناس تبين ان لا استطاعة لان نفقة الاياب شرط في الحج فان دامت الاستطاعة إلى اياب الناس ثم مات أو طرا العضب لقى الله عاصيا على الاظهر وتضيق عليه الاستنابة إذا طرأ العضب بعد الوجوب فان امتنع ففي اجبار القاضي اياه على الاستنابة وجهان) * ذكر في الوسيط أن المسائل المذكور إلى هذا الموضع كلام في أركان الاستطاعة ومن ههنا إلى رأس النوع الثاني كلام في أحكامها ولك أن تقول الاستطاعة احدى شرائط وجوب الحج كما مر وقد توجد الاستطاعة مسبوقة بسائر الشروط وقد يوجد غيرها مسبوقا بها فلم كانت هذه المسائل أحكام الاستطاعة دون غيرها وبقدير ان تكون أحكام الاستطاعة فهى احكام مطلق الاستطاعة كما ستعرفه لا احكام النوع الاول منها وكان ذكرها بعد النوعين أحسن والحق انها ليست بأحكام الاستطاعة ولا سائر الشروط لكن مسائل هذا الفصل تتعلق بكيفية ثبوت الوجوب بعد استجماع الشرائط الجزء: 7 ¦ الصفحة: 30 وأنه متى تستقر ومسائل الفصل الثاني لا تعلق لها بالوجوب أيضا ومقصود الفصل أن الحج يجب على التراخي وهو في العمر كالصلاة بالاضافة إلى وقتها * وقال مالك وأحمد والمزنى رحمهم الله أنه على الفور ويروي مثله عن أبى حنيفة رحمه الله * لنا أن فريضة الحج نزلت سنة خمس من الهجرة وأخره النبي صلى الله عليه وسلم من غير مانع فانه خرج إلى مكة سنة سبع لقضاء العمرة ولم يحج وفتح مكة سنة ثمان وبعث أبا بكر رضى الله عنه أميرا على الحاج سنة تسع وحج هو سنة عشر وعاش بعدها ثمانين يوما ثم قبض إلى رحمة الله تعالي إذا تقرر ذلك فلمن وجب عليه الحج بنفسه أو غيره أن يؤخره عن أول سنة الامكان نعم لو خشي العضب وعبد وجب عليه الحج بنفسه ففى جواز التأخير وجهان (أظهرهما) المنع وإذا تخلف فمات قبل حج الناس تبين عدم الوجوب لتبين عدم الاستطاعة والامكان وعن أبي يحيى البلخى أنه يستقر عليه وذكر في المهذب أن أبا إسحق أخرج إليه نص الشافعي رضى الله عنه فرجع عنه فلا يعلم قوله تبين عدم الاستطاعة بالواو كذلك وان مات بعد ما حج الناس استقر الوجوب عليه ولزم الاحجاج من تركته قال في التهذيب ورجوع القافلة ليس بشرط حتى لو مات بعد انتصاف ليلة النحر ومضي إمكان المسير إلى منى والرمي بها والى مكة والطواف بها استقر الفرض عليه وان مات أو جن قبل انتصاف ليلة النحر لم يستقر وان هلك ماله بعد إياب الناس أو مضي امكان الا ياب استقر الحج وان هلك بعد حجهم وقبل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 31 الاياب وامكانه فوجهان (أحدهما) الاستقرار كما في صورة الموت (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب انه لا يستقر بخلاف صور الموت لانه إذا مات استغني عن المال المجوع وههنا نفقة الرجوع لا بد منها وهذا حيث نشترط نفقة الاياب فان لم نشترطها تعين الوجه الاول وان احصر الذين تمكن من الخروج معهم فتحللوا لم يستقر الفرض عليه وان سلكوا طريقا آخر فحجوا استقر وكذا إذا حجوا في السنة التي بعدها إذا عاش وبقى ماله وإذا دامت الاستطاعة وتحقق الامكان ولم يحج حتى مات فهل يعصي فيه وجهان (احدهما) وبه قال أبو اسحق لا لانا جوزنا له التأخير (أظهرهما) نعم والا ارتفع الحكم بالوجوب والمجوز هو التأخير دون التفويت والوجهان كالوجهين فيما إذا مات في وسط الوقت قبل أداء الصلاة لكن الاظهر هناك انه لا يموت عاصيا وسبب الفرق قد مر هناك وبه قال ابن سريج وفصل بعض الاصحاب فقال إن كان شيخا مات عاصيا وان كان شابا فلا والخلاف جار فيما إذا كان صحيح البدن مستطيعا فلم يحج حتى صار رمنا والاظهر التعصية ايضا ولا نظر إلى امكان الاستنابة فانها في حكم بدل والاصل المباشرة ولا يجوز ترك الاصل مع القدرة عليه ويتفرع على الحكم بالتعصية فرعان (احدهما) في تضيق الاستنابة عليه في صورة عروض الزمانة وجهان حكاهما الامام رحمه الله (اظهرهما) عنده وبه اجاب صاحب الكتاب رحمه الله أنها تتضيق لخروجه بتقصيره عند اسحقاق الترفيه فيه (والثانى) له التأخير كما لو بلع مغصوبا عليه الاستنابة على التراخي ولك ان تشبه هذين الوجهين بوجهين قد مر ذكرهما في قضاء الصوم إذا تعدى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 32 بتفويته وهل يكون على الفور وإذا قلنا بالوجه الاول فلو امتنع وأخر هل يجبره القاضي على الاستنابة ويستأجر عليه فيه وجهان (أظهرهما) عند الامام رحمه الله تعالى لا لان الحدود هي التي تتعلق بتصرف الامام (والثاني) نعم تشبيها له بزكاة الممتنع فان كل واحد منهما تدخله النيابة (الثانية) إذا قلنا يموت عاصيا فمن أي وقت تحكم بعصيانه فيه وجهان (أحدهما) من أول سنة الامكان لاستقرار الفرض عليه يومئذ (وأظهرهما) وبه قال أبو إسحق من آخر سنة الامكان لجواز التأخير إليها وفيه وجه ثالث أنا نحكم بموته عاصيا من غير أن نسنده إلى وقت معين ومن فوائد الحكم بموته عاصيا أنه لو كان قد شهد عند القاضى ولم يقض بشهادته حتى مات فلا يقض كما لو بان له فسقه ولو قضى بشهادته بين الاولى من سنى الامكان واخراها فان عصيناه من أخر اها لم ينقض ذلك الحكم بحال وان عصيناه من اولاها ففى نقضه القولان فيما إذا بان الشهود فسقة (وقوله) في الكتاب ومهما تمت الاستطاعة أي مع سائر الشرائط (وقوله) أو طرأ العضب القطع يقال عضبت الشئ أعضبته إذا قطعته سمى معضوبا لان الزمانة التى عرضت له قطعت حركة أعضائه وقيل هو معصوب - بالصاد المهملة - كانه ضرب على عصبه فانعزلت أعضاؤه عن عملها والله أعلم * قال (ولا بد من الترتيب (م ح) في الحج فيبدأ بحجة الاسلام ثم بالقضاء (و) ثم بالنذر ثم بالتطوع فلو غير هذا الترتيب وقع على هذا الترتيب ولغت نيته وإذا حج عن المستأجر وهو لم يحج عن نفسه وقع عنه دون المستأجر (م ح) * حجة الاسلام في حق من يتأهل لها تقدم على حجة القضاء وصورة اجتماعهما أن يفسد الرقيق حجه ثم يعتق فعليه القضاء ولا يجزئه عن حجة الاسلام فان القضاء يتلو تلو الاداء وكذا حجة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 33 الاسلام على حجة النذر ولو اجتمعتا مع حجة الاسلام قدمت هي ثم القضاء الواجب باصل الشرع ثم المنذورة تقديما للاهم فالاهم ومن عليه حجة الاسلام ليس له أن يحج عن غيره وكذا من عليه حجة نذر أو قضاء * وقال أبو حنيفة الله ومالك رحمهما الله يجوز التطوع بالحج قبل أداء الفرض ويجوز لمن عليه الحج أن يحج عن غيره وأظهر ما روى عن أحمد رحمه الله مثل مذهبنا * لنا ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما " - أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم من شبرمة قال اخى أو قريب لى فقال أحججت عن نفسك قال لا قال حج عن نفسك ثم عن شبرمة - وفى رواية - هذه عنك ثم حج عن شبرمة " دل الحديث على انه لابد من تقديم فرض نفسه على ما استؤجر له وفهم منه انه لا بد من تقديم فرضه على ما يتطوع به والعمرة إذا اوجبناها كالحج الجزء: 7 ¦ الصفحة: 34 في جميع ذلك (وقوله) في الكتاب ثم بالقضاء ثم بالنذر اعلم بالواو لان الامام رحمه الله اشار إلى تردد في تقديم القضاء على النذر وتابعه المصنف في الوسيط (والصحيح) ما ذكره في الكتاب إذا تقرر ذلك فلو أنه غير الترتيب المذكور فتقدم ما يجب تأخيره لغت نيته ووقع على الترتيب المذكور ولو استأجر المعضوب من يحج عن نذره وعليه حجة الاسلام فنوى الاجير النذر وقع عن حجة الاسلام ولو استأجر من لم يحج عن نفسه وهو الذى يسمي ضرورة ليحج عن المستأجر فنوى الحج عنه لغت إضافته ووقع عن الاجير وينبغى أن يعلم قوله في الكتاب وقع عنه دون المستأجر بالالف لان عن أحمد رحمه الله رواية أنه لا يقع عنه ولا عن المستأجر بل يلغو ولو نذر ضرورة أن يحج في هذه السنة ففعل وقع عن حجة الاسلام وخرج عن نذره وليس في نذره الا تعجيل ما كان له أن يؤخره ولو استأجره الضرورة للحج في الذمة جاز والطريق أن يحج عن نفسه ثم عن المستأجر في سنة بعدها واجارة العين تفسد لانه يتعين لها السنة الاولى فان اجارة السنة القابلة لا تجوز وإذا فسدت الاجارة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 35 نظر ان ظنه قد حج فبان ضرورة لم يستحق أجرة لتغريره وإن علم أنه ضرورة وقال يجوز في اعتقادي أن يحج الضرورة عن غيره فحج الاجير يقع عن نفسه كما تقدم ولكن في استحقاقه أجرة المثل قولان أو وجهان سيأتي نظائرهما ولو استاجر للحج من يحج ولم يعتمر أو للعمرة من اعتمر ولم يحج فقرن الاجير وأحرم بالتسكين جميعا عن المستاجر أو أحرم بما استؤجر له عن المستاجر وبالآخر عن نفسه فقد حكي صاحب التهذيب وغيره فيه قولين (الجديد) أنهما يقعان عن الاجير لان نسكي القران لا يتفرقان لاتحاد الاحرام ولا يمكن صرف ما لم يأمر به المستاجر إليه (والثانى) أن ما استؤجر له يقع عن المستأجر والآخر عن الاجير وعلى القولين لو استاجر رجلان من حج واعتمر أحدهما ليحج عنه والآخر ليعتمر عنه فقرن عنهما فعلى الاول يقعان عن الاجير وعلى الثاني يقع عن كل واحد منهما ما استاجره له ولو استاجر المعضوب رجلين ليحجا عنه في سنة واحدة أحدهما حجة الاسلام والاخر حجة قضاء أو نذر ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز لان حجة الاسلام لا تتقدم على غيرها (وأظهرهما) ويحكى عن نصه في الام الجواز لان غيرها لا يتقدم عليها وهذا القدر هو المرعي فعلى الاول إن أحرم الاجيران معا يصرف إحرامهما إلى نفسهما وإن سبق احرام أحدهما وقع ذلك عن حجة الاسلام عن المتسأجر وانصرف إحرام الآخر إلى نفسه ولو أحرم الاجير عن المستأجر ثم نذر حجا نظر ان نذر بعد الوقوف لم ينصرف حجه إليه ووقع عن المستاجر وان نذر قبله فوجهان (أظهرهما) انصرافه إلى الاجير ولو احرم الرجل بحج تطوعا ثم نذر حجا بعد الوقوف لم ينصرف إلى النذر وان كان قبله فعلى الوجهين والله أعلم * وقد ذكرنا في خلال الكلام ما يتعلق بلفظ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 36 الكتاب وبالقيد الذى اوردناه في اول الفصل يعرف أن قوله ولا بد من الترتيب في الحج الخ محمول على من يحج منه حجة الاسلام والا فالصبي والعبد إذا حجا فقد تقدم في حقهما غير حجة الاسلام على حجة الاسلام ولو استأجر المعضوب من يحج عنه تلك السنة فاحرم الاجير عن نفسه تطوعا فقد روى الامام عن شيخه أن احرامه ينصرف إلى المستأجر لان حجة الاجارة في هذه السنة مستحقة عليه والمستحق في الحج مقدم على غيره وعن سائر الاصحاب أنه لا ينصرف لان استحقاقها ليس من حكم وجوب يؤول إلى الحج وإنما يتقدم واجب الحج على تطوعه إذا رجع الوجوب إلى نفس الحج * قال (النوع الثاني استطاعة الاستنابة والنظر في ثلاثة اطراف (الطرف الاول) جواز الاستنابة وإنما تجوز للعاجز عن المباشرة بالموت أو بزمانة (م) لا يرجي زوالها وإنما تجوز في حجة الاسلام إذا وجبت بالاستطاعة وطرأ العضب أو مات وكذا لو مات قبل الوجوب أو امتنع الوجوب لعدم الاستطاعة على أصح الطريقين وفي الاستئجار للتطوع قولان) * قد مر ان الاستطاعة نوعان استطاعة مباشرة واستطاعة استنابة وحصل الفراغ عن أولهما (وأما) الثاني فتمس الحاجة فيه إلى بيان انه متى تجوز الاستنابة ومتى تجب ثم هي قد تكون بطريق الاستئجار وقد تكون بغيره فهذه أربعة اطراف وقد تكلم فيها جميعا لكن اقتصر على ترجمة ثلاثة منها الجواز والوجوب والاستئجار (واما) الاستنابة بغير طريق الاستئجار فقد ادرج مسائلها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 37 في الطرف الثاني (الاول) في حال جواز الاستنابة لا يخفى ان العبادات بعيدة عن قبول النيابة لكن احتمل في الحج ان يحج الشخص عن غيره إذا كان المحجوج عنه عاجزا عن الحج بنفسه إما بسبب الموت وإما بكبر أو زمانة أو مرض لا يرجى زواله (أما) بسبب الموت فلما روى عن بريدة قال (اتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ان أمي ماتت ولم تحج فقال حجي عن أمك) (واما) بالكبر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 38 ونحوه فلما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما (ان امرأة من خثعم قالت يا رسول الله ان فريضة الله على عباده في الحج ادركت ابى شيخا كبيرا لا يستطيع ان يستمسك على الراحلة افأحج عنه قال نعم " ويروى كما لو كان عليه دين فقضيته والمعتبر ان لا يثبت على الرحالة اصلا أو لا يثبت إلا بمشقة شديدة فالمقطوع اليدين أو الرجلين إذا امكنه الثبوت على الراحلة من غير مشقة شديدة لا تجوز الجزء: 7 ¦ الصفحة: 39 النيابة عنه وكذا لا تجوز النيابة عمن لا يثبت على الراحلة لمرض يرجو زواله فانه يتوقع مباشرته له وكذا من وجب عليه لحج ثم جن لم يكن للولي ان ينيب عنه لانه ربما يفيق فيحج بنفسه فان اناب عنه ومات ولم يفق ففى اجزائه قولان كما لو استناب من يرجو زوال مرضه فلم يزل وهذا كله في حجة الاسلام وفي معناها حجة النذر حكى ذلك عن نصه ويلحق بهما القضاء (واما) حجة التطوع فهل يجوز استنابة المعضوب فيها واستنابة الوارث للميت فيه قولان (احدهما) لا لبعد العبادات البدنية عن قبول النيابة وانما جوزنا في الفرض الضرورة (واصحهما) وبه قال مالك وابو حنيفة واحمد رحمهم الله نعم لانها عبادة تدخل النيابة في فرضها فتدخل في نفلها كأداء الزكاة ولو لم يكن الميت قد حج ولاوجب عليه لعدم الاستطاعة ففى جواز الاحجاج عنه طريقان نقلهما الامام (احدهما) طرد القولين لانه لا ضرورة إليه (والثانى) القطع بالجواز لوقوعه عن حجة الاسلام فان جوزنا الاستئجار للتطوع فللاجير الاجرة المسماة ويجوز أن يكون الاجير عبدا أو صبيا بخلاف حجة الاسلام لا يحوز استئجارهما فيها لانهما ليسا من اهلها وفي المنذورة الخلاف المشهور في انه يسلك بالنذر مسلك الواجبات ام لا وان لم تجوز الاسئجار للتطوع وقع الحج عن الاجير ولم يستحق المسمي وفى اجرة المثل قولان مرويان عن الام (احدهما) أنه لا يستحق أيضا لوقوع الحج عنه (واظهرهما) عند المحاملي وغيره أنه يستحقها لانه دخل في العقد طامعا في الاجرة وتلفت منفعته عليه وإن لم ينتفع بها المستأجر فصار كما لو استأجر لحمل طعام مغصوب فحمل يستحق الاجرة (وأما) لفظ الكتاب فقوله وإنما يجوز للعاجز عن المباشرة ليست اللام في قوله للعاجز لاضافة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 40 فعل الاستنابة إليه لان العاجز بالموت لا يتصور منه الاستنابة وإنما المراد كون الاستنابة للعاجز ثم هي قد تصدر منه وقد تصدر من غيره ويجوز أن يرقم بالحاء والالف لان عند ابي حنيفة وأحمد تجوز الاستنابة للصحيح أيضا في حجة التطوع (وقوله) أو بزمانه معلم بالميم لان عند مالك لا تجوز النيابة عن الحى وإنما تجوز عن الميت (وقوله) وإنما تجوز في حجة الاسلام يفهم الحصر فيها لكن النذر والقضاء في معناه كما سبق ولافهامه الحصر أعلم بالميم والحاء والالف اشارة إلى أنهم يجوزونها في حجة التطوع أيضا (وقوله) أو مات قبل الوجوب إذا امتنع الوجوب لعدم الاستطاعة جواب على طريقة نفى الخلاف في المسألة أو على اظهر القولين على الطريقة الاخرى فليعلم بالواو * واحتج في الجواز بما روى " أن امرأة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان فريضة الحج ادركت ابي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يحج أفأحج عنه قال نعم " وليس هذا الاحتجاج بقوي لان هذا الحديث هو حديث الخثعمية واللفظ المشهور في حديثها لا يستطيع أن يثبت على الراحلة " وذلك يدل على أن اللفطة التي نقلها - أن يثبت - محمولة على نفى استطاعة المباشرة وذلك لا ينفى وجوب الحج والمسألة فيمن لا وجوب عليه ويجوز ان يحتج له بحديث بريدة فان المرأة قالت أن أمي ماتت ولم تحج ولم يفصل الجواب والله أعلم * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 41 قال (وإذا استأجر المعضوب حيث لا يرجى زواله فمات أو المريض حيث لا يرجى برؤه فشفى ففى وقوع الحج موقعه قولان ينظر في احدهما إلى الحال وفى الآخر إلي المآل فان قلنا إنه لا يقع عنه فالصحيح انه يقع عن تطوعه ويكون هذا عذرا في تقديم التطوع كالصبا والرق ثم يستحق الاجير الاجرة ولا يجوز الحج عن المعضوب بغير إذنه ويجوز عن الميت من غير وصية (م ح) ويستوى فيه الوارث والاجنبي) * المعلول الذى يرجي زوال علته ليس له أن يحج عن نفسه كما مر فان احج نظر إن شفى لم يجزه ذلك قولا واحدا وإن مات ففيه قولان (أحدهما) وبه قال ابو حنيفة يجزئه لانه تبين أنها كانت غير مرجوة الزوال (الثاني) لا يجزئه لان الاستنابة لم تكن جائزة له حينئذ قال الائمة وهذا أظهر وعلي عكسه لو كانت غير مرجوة الزوال فأحج عن نفسه ثم شفى فطريقان (إظهرهما) وهو المذكور في الكتاب طرد القولين وبالثانى قال أبو حنيفة ويروى الاول عن مالك واحمد رحمهما (والثانى) القطع بأنه لا يجزئه والفرق أن الخطأ في الصورة الاولي غير مستيقن لجواز ان لا يكون المرض بحيث يوجب اليأس ثم يزداد فيوجبه فيجعل الحكم للمآل وههنا الخطأ مستيقن إذ لا يجوز ان يكون اليأس حاصلا ثم يزول والطاردون للقولين في الصورتين قالوا مأخذهما فيهما أن النظر إلى الحال أو الي المآل ان نظرنا إلى الحال لم يجزه في الصورة الاولى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 42 وأجزأ في الثانية وان نظرنا الي المآل عكسنا الحكم فيهما وربما شبه القولان بالقولين فيما إذا رأوا سوادا فظنوه عدوا فصلوا صلاة الخوف ثم تبين خلافه هل تجزئهم الصلاة والاظهر عدم الاجزاء وقد عرفت مما ذكرنا انه يجوز أن يكون قوله في الكتاب قولان معلمان بالواو للطريق الثاني في الصورة الثانية (التفريع) ان قلنا أن الحجة المأتى بها تجرئه استحق الاجرة المسماة لا محالة (وإن قلنا) انها لا تجزئه فهل تقع عن تطوعه أم لا تقع عنه أصلا فيه وجهان (أحدهما) حكي الامام عن شيخه عن القفال ان من أئمتنا من قال انه يقع عن تطوعه ويكون العضب الناجز بمثابة الرق والصبا في كونه عذرا لتقديم التطوع علي حجة الاسلام (والثانى) انها لا تقع عنه اصلا لو كما استأجر ضرورة ليحج عنه وذكر صاحب الكتاب أن الاول هو الصحيح لكن الامام والجمهور استبعدوه فان قلنا لا يقع عنه اصلا فهل يستحق الاجير الاجرة فيه قولان (أحدهما) نعم لانه عمل له في اعتقاده (واصحهما) لا لان المستأجر لم ينتفع به فان قلنا بالاول فماذا يستحق الاجير الاجرة المسماة أم أجرة المثل فيه وجهان (مأخذهما) انا هل نتبين فساد لاستئجار أم لا وإن قلنا انه يقع عن تطوعه فالاجير يستحق الاجرة وماذا يستحقه المسمي أو أجرة المثل عن الشيخ أبي محمد انه لا يمتنع تخريجه علي الوجهين لان الحاصل غير ما ابتغاه (الثانية) لا يجزئ الحج عن المعضوب بغير إذنه بخلاف قضاء الدين عن الغير لان الحج يفتقر الي النية وهو اهل للاذن وللنية وإن لم يكن أهلا للمباشرة وروى في التتمة عن أبي حامد المروروزى رحمه الله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 43 جواز الحج بغير اذنه ويجوز الحج عن الميت بل يجب عند استقراره عليه سواء اوصى به أو لم يوص خلافا لابي حنيفة ومالك حيث قالا ان لم يوص لا يحج عنه ويسقط فرضه بالموت * لنا ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما " ان رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان اختي نذرت ان تحج وماتت قبل ان تحج أفأحج عنها فقال لو كان علي اختك دين اكنت قاضية قال نعم قال فاقضوا حق تعالى الله فهو احق بالقضاء ويستوى في الحج عن الميت الوارث والاجنبى تشبيها بقضاء الدين * قال (الطرف الثاني في وجوب الاستنابة وذلك عند القدرة عليها من المكلف الحر بمال بملكه فاضلا عن حاجته التي ذكرناها وافيا باجرة الاجير راكبا فان لم يجد الا ماشيا لم يلزمه علي أحد الوجهين لما فيه من الخطر علي المال) * قصد بهذا الطرف بيان أن الاستنابة متي تجب علي المعضوب (فأما) وجوب الاحجاج عن الميت الذى وجب عليه الحج فقد تعرض له في كتاب الوصية والمعضوب تلزمه الاستنابة في الجملة ولا فرق بين أن يطرأ العضب بعد الوجوب وبين أن يبلغ معضوبا واجدا للمال وبه قال أحمد وعند مالك لا استنابة علي المعضوب بحال لانه لا نيابة عن الحى عنده ولا حج علي من لا يستطيعه بنفسه وعن أبي حنيفة انه لا حج على المعضوب ابتداء لكن لو طرأ العضب بعد الوجوب لم يسقط وعليه أن ينفق علي من يحج عنه إذا تقرر ذلك فلوجوب الاستنابة علي المعضوب طريقان يشتمل هذا الفصل على أحدهما وهو أن يجد ما لا يستأجر به من يحج والشرط أن يكون فاضلا عن الحاجات المذكورة فيما لو كان يحج بنفسه إلا انا اعتبرنا ثم أن يكون المصروف إلي الزاد والراحلة فاضلا عن نفقة عياله إلي الاياب وههنا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 44 يعتبر أن يكون فاضلا عن نفقتهم وكسوتهم يوم الاستئجار ولا يعتبر بعد فراغ لاجير من الحج الي إيابه وهل تعبتر مدة الذهاب حكي صاحب التهذيب رحمه الله فيه وجهين (أصحهما) انها لا تعتبر بخلاف ما لو كان يحج بنفسه فانه أذا لم يفارق أهله يمكنه تحصيل نفقتهم قال الامام وهو كما في الفطرة لا يعتبر فيها إلا نفقة اليوم وكذلك في الكفارات المرتبة إذا لم تشترط تخليف رأس المال ثم ان وفى ما يجده بأجرة أجير راكب فذاك وإن لم يجد الا أجرة ماش ففى لزوم الاستئجار وجهان (اصحهما) يلزم بخلاف ما لو كان يحج بنفسه لا يكلف المشي لما فيه من المشقة ولا مشقة عليه في المشي الذى تحمله الاجير (والثاني) ويحكي عن اختيار القفال انه لا يلزم لان الماشي على خطر وفى بذل المال في أجرته تغرير به ولو طلب الاجير أكثر من أجرة المثل لم يلزم الاستئجار وان رضي بأقل منها لزمه وإذا امتنع من الاستئجار فهل يستأجر عليه الحاكم فيه وجهان (أشبههما) انه لا يستأجر (وقوله) في الكتاب من المكلف الحر كالمستغني عنه في هذا الموضع لانه قد سبق بيان اشتراط التكليف والحرية في وجوب الحج وكلامنا الآن في شرط الاستطاعة وإذا كنا في ذكر أحد شروط الشئ لم نحتج الي التعرض فيه لسائر الشروط والا لا نجربنا الامر الي ذكر كل شرط في كل شرط والله أعلم * قال (وان قدر ببذل الأجنبي مالا لم يلزمه القبول للمنة وإن بذل ابنه الطاعة في الحج عنه وجب القبول (ح) وإن بذل الأجنبي الطاعة أو الابن المال فوجهان وان كان الابن ماشيا ففى لزوم القبول وجهان وان كان معولا في زاده على الكسب أو علي السؤال فخلاف مرتب وأولى بأن لا يجب) * الطريق الثاني أن لا يجد المال ولكن يجد من يحصل له الحج وفيه صور (إحداها) أن يبذل الأجنبي مالا ليستأجر به وفى لزوم قبوله وجهان حكاهما الحناطي وغيره (أحدهما) يلزم لحصول الاستطاعة بما يبذله (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه لا يلزم لما فيه من المنة الثقيلة (والثانية) أن يبذل واحدا من بنيه وبناته وأولادهم الطاعة في الحج فيلزمه القبول والحج خلافا لابي حنيفة وأحمد رحمهما الله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 45 لنا أن وجوب الحج معلق في نص القرآن بوجود الاستطاعة وإنها تارة تكون بالنفس وتارة بالاعوان والانصار ألا ترى أنه يصدق ممن لا يحسن البناء أن يقول أنا مستطيع لبناء دار إذا تمكن منه بالاسباب والاعوان إذا تقرر ذلك فيشترط فيه أن لا يكون المطيع ضرورة ولا معضوبا وأن يكون موثوقا بصدقه وإذا توسم أثر الطاعة فهل يلزمه الامر فيه وجهان (أحدهما) لا لان الظن قد يخطئ (وأظهرهما) نعم إذا وثق بالاجابة لحصول الاستطاعة وهذا ما اعتمده أصحاب الشيخ أبي حامد وحكوه عن نص الشافعي رضى الله عنه ولو بذل المطيع الطاعة فلم يأذن المطاع فهل يتوب الحاكم عنه فيه وجهان (أصحهما) لا لان مبني الحج علي التراخي وإذا اجتمعت الشرائط ومات المطيع قبل أن يأذن فان مضى وقت امكان الحج استقر في ذمته والا فلا ولو كان له من يطيع ولم يعلم بطاعته فهو كما لو كان له مال موروث ولم يعلم به وشبه ابن الصباع ذلك بما إذا نسى الماء في رحله ففى سقوط الفرض قولان وشبهه صاحب المعتمد بالضل والمغصوب وفي وجوب الزكاة فيهما خلاف قد مر ولك ان تفرق بين الحج وغيره فتقول وجب أن لا يلزم الحج بحال لانه معلق بالاستطاعة ولا استطاعة عند عدم الشعور بالمال والطاعة وإذا بذل الولد الطاعة ثم أراد الرجوع فان كان بعد الاحرام لم يجد إليه سبيلا وإن كان قبله رجع على أظهر الوجهين (والثالثة) أن يبذل الأجنبي الطاعة ففى لزوم القبول وجهان (أصحهما) وهو ظاهر نصه في المختصر أنه يلزم لحصول الاستطاعة كما لو كان الباذل الولد (والثانى) لا يلزم لان الولد بضعة منه فنفسه كنفسه بخلاف غيره والاخ والاب في بذل الطاعة كالأجنبي لان استخدامهما ثقيل وفى بعض تعاليق الطبرية حكاية وجه أن الاب كالابن كما أنهما يستويان في وجوب النفقة وغيره (الرابعة) أن يبذل الولد المال ففى لزوم قبوله وجهان (احدهما) يلزم كما لو بذل الطاعة (وأصحهما) وبه قال ابن سريج لا يلزم لان المنة في قبول المال أعظم ألا ترى أن الانسان يستنكف عن الاستعانة بمال الغير ولا يستنكف عن الاستعانة ببدنه في الاشغال والوجهان صادران من القائلين بعدم وجوب القبول من الأجنبي فان أوجبناه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 46 فههنا أولي وبذل الاب المال للابن كبذل الابن للاب أو كبذل الأجنبي ذكر الامام قدس الله روحه فيه احتمالين (اظهرهما) الاول * (فرع) جميع ما ذكرنا في بذل الطاعة مفروض فيما إذا كان راكبا أما إذا بذل الابن الطاعة على أن يحج عنه ماشيا ففى لزوم القبول وجهان (احدهما) لا يلزم كما لا يلزم الحج ماشيا (والثانى) يلزم إذا كان قويا فان المشقة لا تناله وهذان الوجهان مرتبان عند الشيخ أبى محمد علي الوجهين في لزوم استئجار الماشي قال وهذه الصورة أولي بالمنع لانه يعز عليه مشي ولده وفى معناه ما إذا كان المطيع الوالد وأوجبنا القبول ولا يجئ الترتيب فيما إذا كان المطيع الأجنبي وإذا أوجبنا القبول والمطيع ماش فهو فيما إذا كان مالكا للزاد فان عول علي الكسب في الطريق ففى وجوب القبول وجهان وأولي بالمنع لان المكاسب قد تنقطع في الاسفار فان لم يكن كسوبا إيضا وعول علي السؤال فأولي بالمنع لان السائل قد يرد فان كان يركب مفازة لا يجدى فيها كسب ولا سؤال لم يجب القبول بلا خلاف إذ يحرم عليه التغرير بالنفس * قال (ومهما تحقق وجوب الحج فالعمرة تجب علي الجديد) * في كون العمرة من فرائض الاسلام قولان (اصحهما) وبه قال أحمد انها من فرائضه كالحج روى عن ابن عباس رضى الله عنهما " انه كقرينتها في كتاب الله تعالى) واتموا الحج والعمرة لله وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الحج والعمرة فريضتان " (والثاني) وبه قال مالك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 47 وأبو حنيفة رحمهما الله أنه سنة لما روى عن جابر رضى الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة أواجبة هي فقال لا وان تعتمروا فهو افضل " والاول هو قوله في الجديد والثانى القديم وأشار بعضهم الي ترديد القول فيه جديدا وقديما وإذا قلنا بالوجوب فهى من شرائط مطلق الصحة وصحة المباشرة والوجوب والاجزاء عن عمرة الاسلام على ما ذكرنا في الحج وفى قوله ومهما تحقق وجوب الحج اشارة الي ان شرائط وجوب العمرة كشرائط وجوب الحج وان الاستطاعة الواحدة كافية لهما جميعا * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 48 قال الطرف الثالث في الاستئجار والنظر في شرائطه وأحكامه (فأما) شرائطه فمذكورة في الاجارة ولتراع ههنا أربعة أمور (الاول) أن يكون الاجير قادرا فان كان مريضا أو كان الطريق مخوفا أو طالت المسافة مع ضيق الوقت لم يصح ولا باس به في وقت الانداء والثلوج فان ذلك يزول ثم ليبادر الاجير مع أول رفقة ولا تلزمه المبادرة وحده (الثاني) ألا يضيف الحج إلى السنة القابلة (ح) الا إذا كانت المسافة بحيث لا تقطع في سنة أو كانت الاجارة علي الذمة) * لك أن تعلم لفظ الاستئجار بالحاء والالف لان عندهما لا يجوز الاستئجار علي الحج كما في سائر العبادات ولكن يرزق عليه ولو استاجر كان ثواب النفقة للآمر وسقط عنه الخطاب بالحج ويقع الحج عن الحاج * لنا أنه عمل تدخله النيابة فيجزئ فيه الاستئجار كتفريق الزكاة وعندنا يجوز الحج بالرزق كما يجوز بالاجارة وذلك بان يقول حج عنى وأعطيك نفقتك ذكره في العدة واذ استاجره بالنفقة لم يصح لانها مجهولة والاجرة لا بد أن تكون معلومة * واعلم أن الاستئجار في جميع الاعمال علي ضربين * استئجار عين الشخص والزام ذمته العمل ونظير الاول من الحج أن يقول المعضوب استأجرتك لتحج عني أو يقول الوارث لتحج عن ميتى ونظير الثاني ان يقول الزمت ذمتك تحصيل الحج * والضربان يفترقان في أمور ستعرفها ثم للاستئجار شروط لا بد منها ليصح وإذا صح فله آثار واحكام وموضع ذكر ما يتعلق منها بمطلق الاسئجار كتاب الاجارة وفصل ههنا ما يتعلق بخصوص الحج فذكر أنه يراعي في الشروط أربعة أمور وهذا الفصل يشتمل علي اثنين منها وشرحها أن كل واحد من ضربي الاجارة إما أن يعين زمان العمل فيه أو لا يعين وإن عين فاما أن يعين السنة الاولي أو غيرها (فأما) في اجارة العين إن عينا السنة الاولي جاز بشرط ان يكون الخروج والحج فيما بقى منها مقدورا للاجير فلو كان مريضا لا يمكنه الخروج أو كان الطريق مخوفا أو كانت المسافة بحيث لا تقطع في بقية السنة لم يصح العقد لان المنفعة غير مقدور عليها وان عينا غير السنة الاولي بطل العقد كاستجار الدار الشهر القابل * نعم لو كانت المسافة شاسعة لا يمكن قطعها في سنة لم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 49 يضر التاخير والمعتبر السنة الاولى من سنى امكان الحج من ذلك البلد وان اطلقا ولم يعينا الزمان فهو محمول علي السنة الاولى فيعتبر فيها ما ذكرنا (واما) في الاجارة الواردة علي الذمة يجوز تعيين السنة الاولي وغيرها وهو بمثابة الدين في الذمة قد يكون حالا وقد يكون مؤجلا وإن اطلقا فهو كما لو عينا السنة الاولي إذا عرفت ذلك عرفت ان الامرين المذكورين في الفصل ليسا ولا واحد منهما شرطا في مطلق الاجارة (اما الثاني) فلا مجال له في الضرب الثاني منها ولا هو بمضطر في الاول كما صرح به في الكتاب (واما الاول) وهو قدرة الاجير فلانه لو كانت الاجارة على الذمة لم يقدح كونه مريضا بحال لامكان الاستنابة ولا يقدح خوف الطريق ولا ضيق الوقت ايضا ان عين غير السنة الاولي (واما) قوله ثم ليبادر الاجير مع اول رفقة فاعلم ان قضية كلام المصنف والامام تجويز تقديم الاجارة علي خروج الناس وأن له انتظار خروجهم ولا يلزمه المبادرة وحده والذى ذكره جمهور الاصحاب على طبقاتهم ينازع فيه ويقتضى اشتراط وقوع العقد في زمان خروج الناس من ذلك البلد حتى قال صاحب التهذيب لا يصح استئجار العين الا في وقت خروج القافلة من ذلك البلد بحيث يشتغل عقيب العقد بالخروج أو باسبابه من شرى الزاد ونحوه فان كان قبله لم تصح لان اجارة الزمان المستقبل لا تجوز وبنوا على ذلك أنه لو كان الاستئجار بمكة لم يجز الا في أشهر الحج ليمكنه لاشتغال بالعمل عقيب العقد وعلي ما أورده المصنف فلو جرى العقد في وقت تراكم الثلوج والانداء فقد حكي الامام فيه وجهين روى عن شيخه أنه يجوز لان توقع زوالها مضبوط وعن غيره أنه لا يجوز لتعذر الاشتغال بالعمل في الحال بخلاف انتظار الرفقة فان خروجها في الحال غير متعذر والاول هو الذى أورده في الكتاب وهذا كله في اجارة العين (فاما) الاجارة الواردة علي الذمة فيجوز تقديمها على الخروج لا محالة (واعلم) أن الكلام في أن الاجير يبادر مع أول رفقة ولا يبادر وحده عند من لا يشترط وقوع العقد في زمان خروج الناس يتعلق باحكام العقد وآثاره لا بشرائطه وكان من حق الترتيب أن يؤخره ولا يخلطه بالشرائط * (فرع) ليس للاجير في إجارة العين أن ينيب غيره لان الفعل مضاف إليه فان قال لتحج عنى بنفسك فهو أوضح وأما في الاجارة علي الذمة ففى التهذيب وغيره انه ان قال ألزمت ذمتك لتحصل لى حجة جاز أن ينيب غيره وان قال لتحج بنفسك لم يجز لان الاغراض تختلف باختلاف اعيان الاجراء وهذا قد حكاه الامام عن الصيدلاني وخطأه فيه وقال ببطلان الاجارة في الصورة الثانية لان الدينية مع الربط بمعين يتناقضان فصار كما لو أسلم في ثمرة بستان بعينه وهذا اشكال قوى * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 50 قال (الثالث ان تكون اعمال الحج معلومة للاجير وفى اشتراط تعين الميقات قولان وقيل انه ان كان علي طريقه ميقات واحد تعين وان أمكن ان يفضي الي ميقاتين وجب التعيين) * أعمال الحج معروفة مضبوطة فان علماها عند العقد فذاك وان جهلاها أو احدهما فلا بد من الاعلام وهل يشترط تعيين الميقات الذى يحرم منه الاجير قال في المختصر نعم وعن الاملاء وغيره انه لا يشترط وللاصحاب فيه طريقان (اظهرهما) ان المسألة علي قولين ويحكي ذلك عن ابن سريج وأبى اسحق (احدهما) يشترط لاختلاف المواقيت قربا وبعدا واختلاف الاغراض باختلافها (والثانى) لا يشترط ويتعين ميقات تلك البلدة علي العادة الغالبة وبهذا اجاب المحاملي في المقنع وذكر ابن عبدان انه الصحيح وشبهوا هذا الخلاف بالخلاف في التعرض لمكان التسليم في السلم والمعاليق في أجارة الدابة (والثانى) تنزيل النصين علي حالين ولمن قال به طريقان (أظهرهما) حمل النص الاول علي ما إذا كان للبلد طريقان مختلفا الميقات أو كان يفضي طريقها إلي ميقاتين كالعقيق وذات عرق وحمل الثاني علي ما إذا كان لها طريق واحد له ميقات واحد (والثانى) ويحكى عن ابن خيران ان حمل الاول على ما إذا استأجر حي والثاني على إذا ما كان الاستئجار لميت والفرق أن الحي له غرض واختيار والميت لا اختيار له والمقصود تبرئة ذمته وهى تحصل بالاحرام من أي ميقات كان فان شرطنا تعييين الميقات فسدت الاجارة باهماله لكن يقع الحج عن المستأجر لوجود الاذن ويلزمه أجرة المثل وإذا كانت الاجارة للحج والعمرة فلا بد من بيان انه يفرد أو يقرن أو يتمتع لاختلاف الاغراض بها * قال (الرابع الا يعقد بصيغة الجعالة فلو قال من حج عني فله مائة فحج عنه انسان نقل المزني صحته وطرده الاصحاب في كل اجارة بلفظ الجعالة والا قيس فساد المسمي والرجوع الي أجرة المثل لصحة الاذن) * حكي الائمة أن المزني رحمه الله نقل في المنثور عن نصه انه لو قال المعضوب من حج عني فله مائة درهم فحج عنه انسان استحق المائة واختلاف الاصحاب فيه علي وجهين (احدهما) وبه قال أبو اسحق ان هذا النص مقرر وتجوز الجعالة على كل عمل يصح ايراد الاجارة عليه لان الجعالة جائزة مع كون العمل مجهولا فأولي أن تجوز مع العلم به (والثاني) وبه قال المزني ان النص مخالف مؤل ولا تجوز الجعالة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 51 على ما تجوز الاجارة عليه لان العمل غير معين فيها فانما يعدل إليها عند تعذر الاجارة للضرورة وعلى هذا فلو حج عنه انسان فالمسمي ساقط لفساد العقد ولكن الحج يقع عن المعضوب وللعامل أجرة المثل لوجود الاذن وإن فسد العقد وكذا الحكم فيما لو قال من خاط ثوبي فله كذا فخاطة انسان وفيه وجه انه يفسد الاذن لانه ليس موجها نحو معين كما لو قال وكلت من أراد ببيع دارى لا يصح التوكيل إذا تقرر ذلك فلفظ الكتاب ههنا يرجع الوجه الصائر إلى عدم صحة الجعالة فانه سماه الاقيس وجعل عدم العقد بصيغة الجعالة من الامور المرعية لكنه قد أعاد هذه المسألة في باب الجعالة وايراده هناك يقتضي ترجيح وجه الصحة وكلام الاكثرين إليه أميل (وقوله) الا يعقد بصيغة الجعالة ان كان المراد منه ان لا يعقد الاجارة بصيغة الجعالة فهذا يوهم رجوع المنع الي الصيغة وكون الجعالة اجارة وليس كذلك بل هما عقدان مختلفا الاركان وان كان المراد انه لا يعقد علي الحج الجعالة ذهابا الي الوجه الثاني فعده من شروط الاجارة بعيد عن الاصطلاح لان الامتناع عن العقد الذى لا يجوز ايراده على الشئ لا يعد شرطا فيما يجوز ايراده عليه والا فليكن لامتناع عن البيع وسائر ما لا يقبله الحج شرطا في الاجارة * قال (أما أحكامه فتظهر باحوال الاجير وهي سبعة (الاولي) إذا لم يحج في السنة الاولى انفسخت الاجارة ان إذا كانت على الذمة فللمستاجر الخيار كافلاس المشترى وقيل تنفسخ في قول كانقطاع المسلم فيه فان حكمنا بالخيار فكان المستاجر ميتا فليس للوارث فسخ الاجارة فانه يجب صرفه إلى أجير آخر فاجير الميت اولي) * أحكام مطلق الاجارة تذكر في بابها والتي يختص بالاستئجار علي الحج مثبتة علي اختلاف حال الاجير في عدم الوفاء بالملتزم وهى فيما ذكر سبع أحوال ووجه حصرها أن عدم الوفاء إما أن يكون بعدم اشتغاله به في السنة الاولي وهو الحالة الاولي أو بغير هذا الطريق وهو إما بالشروع فيه علي خلاف قضية الاجارة أو بعدم الاستمرار عليها بعد الشروع علي وفاقها والاول اما بالمخالفة في الميقات وهو الحالة الثانية أو في الافعال وهو الثالثة (والثانى) وهو اما أن يكون بتقصير منه أو لا والاول اما بالافساد وهو الرابعة أو بتغير النية وهو الخامسة (والثالث) إما بالموت وهو السادسة أو بالاحصار وهو السابعة وفقه الحالة الولي أنه إذا لم يخرج إلي الحج في السنة الاولي أما بعذر أو بغير عذر فينظر إن كانت الاجارة علي العين انفسخت وان كانت في الذمة فينظر ان لم يعينا سنة فقد قدمنا ان الحكم كما لو عينا السنة الاولي وذكر في التهذيب انه يجوز التأخير عن السنة الاولي والحالة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 52 هذه لكن يثبت به الخيار للمستأجر وإن عينا سنة اما الاولى أو غيرها فأخر عنها هل تنفسخ الاجارة حكى الامام رحمه الله فيه طريقين (اظهرهما) انه علي قولين كالقولين فيما لو حل السلم والمسلم فيه منقطع (احدهما) ينفسخ لفوات مقصود العقد (واصحهما) لا ينفسخ كما لو اخر اداء الدين عن محله لا ينقطع (والثاني) القطع بالقول الثاني وإذا قلنا بعد الانفساخ فينظر ان صدر الاستئجار من المعضوب لنفسه فله الخيار لتعوق المقصود كما لو افلس المشترى بالثمن فان شاء اجاز ليحج في السنة الاخرى وان شاء فسخ واسترد الاجرة وارتفق بها إلى أن يستأجر غيره وان كان الاستئجار لميت في ماله فقد ذكر اصحابنا العراقيون أنه لا خيار لمن استأجر في فسخ العقد لان الاجرة متعينة لتحصيل الحج فلا انتفاع باستردادها وتوقف الامام فيما ذكروه لان الورثة يستفيدون باسترداد الاجرة صرفها الي من هو احرى بتحصيل المقصود وايضا فلانهم إذا استردوها تمكنوا من ابدالها بغيرها واورد صاحب التهذيب وغيره ان علي الولى مراعة النظر للميت فان كانت المصلحة في فسخ العقد لخوف افلاس الاجير أو هربه فلم يفعل ضمن وهذا هو الاظهر ويجوز ان يحمل المنسوب إلى العراقيين على احد امرين رأيتهما للائمة (الاول) صور بعضهم المنع فيما إذا كان الميت قد اوصى بان يحج عنه انسان بمائة مثلا ووجهه بان الوصية مستحقة الصرف الي المعين (الثاني) حكي الحناطي ان ابا إسحق ذكر في الشرح ان للمستأجر للميت ان يرفع الامر الي القاضى ليفسخ العقد ان كانت المصلحة تقتضيه وان لم يستقل به فإذا نزل ما ذكروه علي التأويل الاول ارتفع الخلاف وان نزل علي الثاني هان امره ولو استأجر انسان للميت من مال نفسه تطوعا عليه فهذا كاستئجار المعضوب لنفسه فله الخيار ولو قدم الاجير الحج علي السنة المعينة جاز وقد زاد خيرا * ولنعد الي ما يتعلق بلفط الكتاب (قوله) ان لم يحج في السنة الاولى أي بان لم يشرع في أعماله وإلا فيدخل فيه ما إذا مات في اثناء الحج وما إذا أحصر وما إذا فاته بعد الشروع فيه وهذه الصورة باحكامها مذكورة من بعد (وقوله) الا إذا كانت على الذمة فللمستأجر الخيار غير مجرى على اطلاقه لانه لو عين غير السنة الاولى لم يؤثر تأخيره عن السنة الاولى (وقوله) فللمستأجر الخيار كافلاس المشترى جواب علي الطريقة الجازمة بعدم الانفساخ لقوله بعده وقيل ينفسخ في قول (واما) قوله فان حكمنا بالخيار وكان المستأجر ميتا فليس للوارث فسخ الاجارة (فاعلم) انا حكينا فيما إذا كان الاستئجار لميت الوجه المنقول عن العراقيين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 53 والذى يقابله ووراءه صورة اخرى وهى ان يستأجر المعضوب لنفسه ثم يموت ويؤخر الاجير الحج عن السنة الاولى هل يثبت الخيار للوارث ولفظ الكتاب مشعر بهذه الصورة بعيد عن الاولى تصويرا وتوجيها فانها فيما إذا كان الاستئجار لميت لا فيما إذا كان المستأجر ميتا والاولي هي التى تكلم الائمة فيها واما الثانية فلم نلقها مسطورة فان حمل كلام الكتاب علي الاولي وجعل ما ذكره جوابا على ما نقل عن العراقيين فهو بعيد من جهة اللفظ ثم ليكن معلما بالواو للوجه المقابل له وقد ذكرنا انه الاظهر وان حمل علي الثانية فالحكم بان الوارث لا خيار له بعيد من جهة المعني والقياس ثبوت الخيار للوارث كما في خيار العيب ونحوه * قال (الثانية إذا خالف في الميقات فأحرم بعمرة عن نفسه ثم احرم بحج المستأجر في مكة ففى قول لا تحسب المسافة له لانه صرفه إلى نفسه فيحط من اجرته بمقدار التفاوت بين حجه من بلده وبين حجه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 54 من مكة فيكثر المحطوط وعلي قول تحسب المسافة فلا يحط مقدار التفاوت بين حج من الميقات وحج من مكة فيقل المحطوط وان لم يعتمر عن نفسه وأحرم من مكة فعليه دم الاساءة وهل ينجبر به حتى لا يحط شئ فيه وجهان فان قلنا لا ينجبر ففى احتساب المسافة في بيان القدر المحطوط وجهان مرتبان واولى بان يحتسب لانه لم يصرف إلي نفسه ولو عين له الكوفة فهل يلزمه الدم في مجاوزتها الحاقا لها بالميقات الشرعي فعلي وجهين ولو ارتكب محظور الزمه الدم ولا حط لانه أتى بتمام العمل) * في الفصل صورتان (إحداهما) الاجير للحج إذا انتهي إلي الميقات المعين من المواقيت اما بتعينهما ان اعتبرناه أو بتعيين الشرع فلم يحرم بالحج عن المستأجر ولكن أحرم بعمرة عن نفسه ثم لما فرغ منها أحرم بالحج عن المستأجر لم يخل اما ان يحرم به من غير أن يعود إلي الميقات أو يعود إلى الميقات فيحرم منه (الحالة الاولي) ان لا يعود إليه كما إذا أحرم من جوف مكة فيصح الحج عن المستأجر بحكم الاذن ويحط شئ من الاجرة المسماة لانه لم يحج من الميقات وكان هو الواجب عليه وفى قدر المحطوط اختلاف يتعلق باصل وهو انه إذا سار الاجير من بلدة الاجارة وحج فالاجرة تقع في مقابلة أعمال الحج وحدها أو تتوزع علي السير والاعمال وسيأتى شرحه من بعد فان اوقعناها في مقابلة اعمال الحج وحدها وزعت الاجرة المسماة علي حجة من الميقات وحجة من جوف مكة لان المقابل بالاجرة المسماة علي هذا هو الحج من الميقات فإذا كانت أجرة حجة منشأة من الميقات خمسة وأجرة حجة منشأة من جوف مكة ديناران فالتفاوت بثلاثة أخماس فيحط من الاجرة المسماة ثلاثة أخماسها وان وزعنا الاجرة على السير والاعمال جميعا وهو الاظهر فقولان (أحدهما) ان المسافة لا تحتسب له ههنا لانه صرفه الي غرض نفسه حيث احرم بالعمرة من الميقات ومن عمل لنفسه لم يستحق اجرة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 55 على غيره فعلى هذا توزع الاجرة المسماة علي حجة تنشأ من بلدة الاجارة ويقع الاحرام بها من الميقات وعلي حجة تنشأ من جوف مكة فيحط بنسبة التفاوت من الاجرة المسماة فإذا كانت اجرة الحجة المنشأة من بلدة الاجارة مائة واجرة الحجة المنشأة من مكة عشرة حط من الاجرة المسماة تسعة أعشارها (وأصحهما) أنه يحتسب قطع المسافة الي الميقات لجواز أن يكون قصده منه تحصيل الحج الا انه اراد ربح عمرة في أثناء سفره فعلي هذا توزع الاجرة المسماة علي حجة منشأة من بلدة الاجارة إحرامها من الميقات وعلى حجة منشأة منها احرامها من مكة فإذا كانت أجرة الاولى مائة واجرة الثانية تسعين حططنا من المسمي عشرة وإذا وقفت على ما ذكرنا تحصلت علي ثلاثة أقوال والثانى والثالث هما اللذان اوردهما الاكثرون منهم صاحب التهذيب والتتمة وحكاهما ابن الصباغ وجهين مفرعين علي توزع الاجرة علي السير والعمل (وأما) القولان المذكوران في الكتاب فالاول منهما هو الثاني في الترتيب الذى ذكرناه والثانى منهما يمكن تنزيله على الثالث ليوافق ايراد الاكثرين وعلي هذا فقوله وعلى قول تحتسب المسافة أي في الصورة التى نحن فيها وقوله فلا يحط الا مقدار التفاوت بين حج من الميقات وحج من مكة أي احرامه من الميقات أو مكة وانشاؤهما من بلدة الاجارة ذلك وانما أراد القول الذى ذكرناه اولا هو واضح من كلامه في الوسيط وكذلك اورده الامام رحمه الله في النهاية وعلى هذا فظاهر المذهب غير القولين المذكورين في الكتاب (وقوله) وعلى قول تحتسب المسافة أي في الجملة لا في هذه الصورة واعرف بعد هذا شيئين (أحدهما) ان الحكم بوقوع الحج الذي أحرم به من مكة عن المستأجر ليس صافيا عن الاشكال لان المأمور به حجة يحرم بها من الميقات وهذا الخصوص متعلق الغرض فلا يتناول الاذن غيره ولهذا لو أمره بالبيع علي وجه خاص مقصود لا يملك البيع علي غير ذلك الوجه (الثاني) ان الاجير في المسألة التي نحن فيها يلزمه دم لاحرامه بالحج بعد مجاوزة الميقات وسنذكر خلافا في غير صورة الاعتمار ان إساءة المجاوزة هل تنجبر باخراج الجزء: 7 ¦ الصفحة: 56 الدم حتي لا يحط شئ من الاجرة أم لا وذلك الحلاف عائد ههنا نص عليه ابن عبدان وغيره فإذا الخلاف في قدر المحطوط مفرع علي القول باصل الحط ويجوز أن نفرق بين الصورتين ونقطع بعدم الانجبار ههنا لانه ارتفق بالمجاوزة حيث أحرم بالعمرة لنفسه (الحالة الثانية) ولم يذكر ما في الكتاب أن يعود إلى الميقات بعد الفراغ من العمرة ويحرم بالحج منه فهل يحط شئ من الاجرة يبني على الخلاف في الحالة الاولي (ان قلنا) الاجرة موزعة علي السير والعمل ولم يحسب السير ههنا لانصرافه إلى العمرة فتوزع الاجرة المسماة على حجة منشأة من بلدة الاجارة احرامها من الميقات وعلى حجة منشأة من الميقات من غير قطع مسافة فإذا كانت أجرة الاولي عشرين مثلا وأجرة الثانية خمسة حططنا من المسمي ثلاثة أرباعه (وإن قلنا) الاجرة في مقابلة العمل وحده أو وزعنا عليه وعلي السير واحتسبنا قطع المسافة ههنا فلا حط وتجب الاجرة بتمامها وهذا هو الاظهر ولم يذكر كثيرون غيره (الصورة الثانية) إذا شرطا في الاجارة ميقاتا من المواقيت الشرعية أو قلنا إنه يتعين ميقات بلده فجاوزه غير معتمر ثم أحرم بالحج عن المستاجر نظر إن عاد إليه وأحرم منه فلا دم عليه ولا يحط من الاجرة شئ وان أحرم من جوف مكة أو بين الميقات ومكة ولم يعد لزمه دم الاساءة بالمجاوزة وهل ينجبر به الخلل حتى لا يحط شئ من الاجرة نص في المختصر علي أنه لا ينجبر بل يرد من الاجرة بقدر ما ترك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 57 ونقل عن القديم انه يلزمه دم وحجته تامة ولم يتعرض للاجرة واختلفوا علي طريقين (أظهرهما) ان المسأله علي قولين (أحدهما) ان الدم يجبر الاساءة الحاصلة ويصير كان لا مخالفة فيستحق تمام الاجرة (وأظهرهما) أنه يحط لانه استأجره لعمل وقد نقص منه فصار كما لو استأجره لبناء أذرع فنقص منها والدم انما وجب لحق الله تعالى فلا ينجبر بها حق الآدمى كما لو جنى المحرم علي صيد مملوك يلزمه الضمان مع الجزاء (والثاني) وبه قال أبو اسحق القطع بالقول الثاني الا انه سكت عن حكم الاجرة في القديم فان قلنا بحصول الانجبار فهل ننظر إلى قيمة الدم ونقابلها بقدر تفاوت الاجرة حكي الامام فيه وجهين (احدهما) وبه قال ابن سريج نعم حتي لا ينجبر ما زاد علي قيمة الدم (وأظهرهما) لا لان المعول في هذا القول على انجبار الخلل والشرع قد حكم به من غير نظر الي القيمة (وان قلنا) بعدم الانجبار وحططنا شيئا ففى القدر المحطوط وجهان مبنيان علي الاصل الذى سبقت الاشارة إليه وهو أن الاجرة في مقابلة ماذا ان أوقعناها في مقابلة الاعمال وحدها وزعنا المسمي على حجة من الميقات وحجة من حيث أحرم وان وزعناها علي السير والعمل جميعا وهو الاظهر وزعنا المسمى على حجة من بلدة الاجارة يكون احرامها من الميقات وعلي حجة منها يكون احرامها من حيث أحرم وعلى هذا يقل المحطوط بخلاف ما لو وزعنا علي السير والعمل جميعا ثم لم تحتسب يقطع المسافة في الصورة الاولي فانه يكثر المحطوط وإذا نسبت هذه الصورة الي الاولى ترتب الخلاف في ادخال المسافة في الاعتبار على الخلاف في الاولي كما ذكره في الكتاب وهذه أولى بالاعتبار لانه لم يصرف إلي نفسه ثم حكي الشيخ أبو محمد رحمه الله وجهين في أن النظر إلي الفراسخ وحدها أم يعتبر مع ذلك السهولة والحزونة والاصح الثاني (وأعلم) أن الجمهور اوردوا في مسألة الانجبار علي طريقة اثبات الخلاف قولين وصاحب الكتاب أطلق وجهين لكن الامر فيه هين فانهما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 58 ليسا بمنصوصين ويجوز أن يعلم قوله وجهان بالواو لطريقة نفي الخلاف ولو عدل الاجير عن طريق الميقات المتعين إلي طريق آخر ميقاته مثل ذلك الميقات أو ابعد فالمذهب أنه لا شئ عليه هذا كله في الميقات الشرعي أما إذا عينا موضعا آخر نظر إن كان أقرب إلي مكة من الميقات الشرعي فهذا الشرط فاسد مفسد للاجارة إذ ليس لمن يريد النسك أن يمر علي الميقات غير محرم وان كان أبعد كما عينا الكوفة فهل يجب علي الاجير الدم في مجاوزتها غير محرم فيه وجهان قد حكاهما المسعودي وغيره رحمهما الله (أحدهما) لا يجب لان الدم منوط بالميقات المحترم شرعا فلا يلحق به غيره ولان الدم يجب حقا لله تعالي والميقات المشروط إنما يتعين حقا للمستأجر والدم لا يجبر حق الآدمى (وأظهرهما) وهو نصه في المختصر أنه يلزمه لان تعينه وإن كان لحق الآدمى فالشارع هو الذى حكم به وتعلق به حقه (فان قلنا) بالاول حطقسط من الاجرة لا محالة (وإن قلنا) بالثاني ففي حصول الانجبار الوجهان وكذلك لو لزمه الدم بسبب ترك مأمور كالرمي والمبيت وإن لزمه بسبب ارتكاب محظور كاللبس والقلم لم يحط شئ من لاجرة لانه لم ينقص من العمل ولو شرط على الاجير أن يحرم في أول شوال فاخره لزمه الدم وفى الانجبار الخلاف المذكور وكذا لو شرط ان يحج ماشيا فحج راكبا لانه ترك شيئا مقصودا حكي الفرعان عن القاضي الحسين ويشبه ان يكونا مفرعين علي أن الميقات الشرطي كالميقات الشرعي والا فلا يلزم الدم كما في مسألة تعيين الكوفة والله أعلم * قال (الثالثة إذا أمر بالقران فافرد فقد زاد خيرا وان قرن قدم القران علي المستأجر علي اصح الوجهين ولو أمر بالافراد فقرن فالدم علي الاجير وبرئت ذمة المستأجر عن الحج بالعمرة لان القران الجزء: 7 ¦ الصفحة: 59 كالافراد شرعا وفى حط شئ من الاجرة مع جبره بالدم الخلاف السابق وان أمر بالقران فتمتع كان كالقران على وجه وفي وجه جعل مخالفا له وعليه الدم ويعود الخلاف في حط شئ من الاجرة) * قد مر أن الاستئجار إذا كان لكلا النسكين فلا بد من التعرض لجهة أدائهما ويترتب عليه مسائل ذكر بعضها في الكتاب وأعرض عن بعض ونحن نذكرها على الاختصار وإن تغير ترتيب ما في الكتاب منها فليحتمل فان الشرح قد يدعو إليه (المسألة الاولى) إذا أمره بالقران لم يخل إما أن يمتثل أو يعدل إلي جهة اخرى فان امتثل وجب دم القران وعلي من يجب فيه وجهان وقال في التهذيب قولان (إصحهما) علي المستأجر لانه مقتضى الاحرام الذى امر به وكانه القارن بنفسه (والثاني) علي الاجير لانه قد التزم القران والدم من تتمته فكليف به فعلي الاول لو شرطا ان يكون علي الاجير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 60 فسدت الاجارة لانه جمع بين الاجارة وبيع المجهول كانه يشترى الشاة منه وهي غير معينة ولا موصوفة والجمع بين الاجارة وبيع المجهول فاسد ولو كان المستأجر معسرا فالصوم يكون علي الاجير لان بعض الصوم ينبغى ان يكون في الحج والذى في الحج منهما هو الاجير هكذا ذكره في التهذيب وقال في التتمة هو كما لو عجز عن الهدى والصوم جميعا وعلى الوجهين يستحق الاجرة بتمامها وان عدل الي جهة اخرى نظر ان عدل إلى الافراد فحج ثم اعتمر فقد نقل عن نصه في الكبير انه يلزمه ان يرد من الاجرة ما يخص العمرة وهذا محمول علي ما إذا كانت الاجارة علي العين فانه لا يجوز تأخير العمل فيها عن الوقت المعين وان كانت في الذمة نظر ان عاد الي الميقات للعمرة فلا شئ عليه وقد زاد خيرا ولا شئ على المستأجر ايضا لانه لم يقرن وان لم يعد فعلي الاجير دم لمجاوزته الميقات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 61 للعمرة وهل يحط شئ من الاجرة ام تنجبر الاساءة بالدم فيه الخلاف السابق وان عدل إلى التمتع فقد أشار أبو سعيد المتولي إلى أنه ان كانت الاجارة اجارة عين لم يقع الحج عن المستأجر لوقوعه في غير الوقت المعين وهذا هو قياس ما تقدم وان كانت الاجارة على الذمة فينظر ان عاد الي الميقات للحج فلا دم عليه ولا على المستاجر وان لم يعد ففيه وجهان (احدهما) لا يجعل مخالفا لتقارب الجهتين فان في القران نقصانا في الافعال واحراما من الميقات وفى التمتع كمالا في الافعال ونقصانا في الاحرام لوقوعه بعد مجاوزة الميقات فعلي هذا الحكم كما لو امتثل وفى كون الدم علي الاجير أو المستاجر الوجهان (واظهرهما) انه يجعل مخالفا لانه مامور بالاحرام بالتسكين من الميقات وقد ترك الاحرام بالحج منه فعلي هذا يجب علي الاجير الدم لاساءته وفى حط شئ من الاجرة الخلاف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 62 السابق وذكر اصحاب الشيخ ابي حامد انه يجب على الاجير دم لتركه الاحرام من الميقات وعلى المستاجر دم آخر لان القران الذى امر به يتضمنه واستبعده ابن الصباغ وغيره (المسالة الثانية) إذا امره بالتمتع فامتثل فالحكم كما لو امره بالقران فامتثل وان افرد نظر ان قدم العمرة وعاد للحج إلى الميقات فقد زاد خيرا وان أخر العمرة فان كانت الاجارة اجارة عين انفسخت فيها لفوات الوقت المعين للعمرة فيرد حصتها من المسمي وان كانت اجارة على الذمة وعاد للعمرة الي الميقات لم يلزمه شئ وان لم يعد فعليه دم لترك الاحرام بالعمرة من الميقات وفى حط شئ من الاجرة الخلاف السابق وان قرن فالمنقول عن النص انه قد زاد خيرا لانه احرم بالنسكين من الميقات وكان مامورا بان يحرم بالعمرة منه وبالحج مكة ثم ان عدد الافعال فلا شي عليه وإلا فقد نقلوا وجهين في أنه هل يحط شئ من الاجرة للاختصار في الافعال وفى أن الدم على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 63 المستأجر لامره بما يتضمن الدم أم علي الاجير لنقصان الافعال وكل ذلك مخرج علي الخلاف المقدم في عكسه وهو ما إذا تمتع المأمور باقران (المسألة الثالثة) لو أمره بالافراد وامتثل فذاك وان قرن نظران كانت الاجارة على العين فالعمرة واقعة لا في وقتها فهو كما لو استأجره للحج وحده فقرن وان كانت في الذمة وقعا عن المستأجر لان القران كالافراد شرعا في أخراج النفس عن العهدة ويجب علي الاجير الدم وهل يحط شئ من الاجرة أم ينجبر الخلل بالدم فيه الخلاف السابق وان تمتع فان كانت الاجارة علي العين وقد أمره بتأخير العمرة فقد وقعت في غير وقتها فيرد ما يخصها من الاجرة وان أمره بتقديمها أو كانت الاجارة على الذمة وقعا عن المستأجر وعلى الاجير دم إن لم يعد للحج إلي الميقات وفي حط شئ من الاجرة الخلاف السابق (وقوله) في الكتاب وفى حط شئ من الاجرة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 64 مع جبره بالدم ظاهره يقتضي كون الجبر مجزوما به وليس كذلك بل التردد في الحط تردد في أن خلل المخالفة هل ينجبر بالدم أم لا علي ما تقرر وتكرر (وأعلم) أن المسائل مشتركة في أن العدول عن الجهة المأمور بها إلى غيرها غير قادح في وقوع النسكين عن المستأجر وفيه اشكال لان ما يراعى الاذن في أصله يراعي في تفاصيله المقصودة فإذا خالف كان المأتي به غير المأذون فيه وأجاب الامام رحمه الله عنه بان مخالفة المستأجر مشبهة بمخالفة الشرع في ترك المأمورات وارتكاب المحظورات التى لا تفسد وهي لا تمنع الاعتداد باصل النسكين وهذ لان المستأجر لا يحصل الحج لنفسه وانما يحصله ليقع لله تعالي فجعلت مخالفته كمخالفة الشرع ولك ان تقول لم تشبه مخالفة المستأجر بمخالفة الشرع ولا نسلم أن المستأجر لا يحصله لنفسه بل يحصله ليخرج النفس عن عهدة الواجب وللفعل المخرج كيفيات مخصوصة بعضها أفضل من بعض فليراع غرضه فيه ثم الفارق ان مخالفة الشرع فيما لا يفسد يستحيل ان يؤثر في الافساد وإذا صح فمحال أن يصح لغيره وقد أتي به لنفسه وأما النسك الذي خالف فيه المستأجر فلا ضرورة في وقوعه عنه بل أمكن صرفه إلي المباشرة على المعهود في نظاثره والله أعلم * قال (الرابعة إذا جامع الاجير فسد حجه وانفسخت الاجارة ان وردت علي عينه ولزمه القضاء لنفسه وإن كان علي ذمته لم تنفسخ وهل يقع قضاؤه عن المستأجر أو يجب حجة أخرى سوى القضاء له الجزء: 7 ¦ الصفحة: 65 علي وجهين) * إذا جامع الاجير فسد حجه وانقلب إلى الاجير فيلزمه الكفارة والمضى في الفاسد والقضاء ووجهه انه أتي بغير ما امر به فان المأمور به الحج الصحيح والمأتى به الحج الفاسد فينصرف إليه كما لو أمره بشرى شئ بصفة فاشتري على غير تلك الصفة يقع عن المأمور وقد ينقلب الحج عن الحالة التي انعقد عليها الي غيرها ألا ترى ان حج الصبي ينعقد نفلا ثم إذا بلغ قبل الوقوف ينقلب فرضا (فان قيل) انه موقوف في الابتداء (قلنا) بمثله ههنا وروى صاحب التهذيب رضي الله عنه عن المزني رحمه الله انه لا ينقلب إلي الاجير بل يقع الفاسد والقضاء جميعا عن المستأجر وفى هذا تسليم لوجوب القضاء لكن الرواية المشهورة عنه انه لا انقلاب ولا قضاء اما انه لانقلاب فلان الاحرام قد انعقد عن المستأجر فلا ينقلب إلي غيره وأما انه لا قضاء فلان من له الحج لم يفسده فلا يؤثر فعل غيره فيه ولم يعز الحناطى هذا المذهب الي المزني لكن قال انه حكاه قولا وإذا قلنا بظاهر المذهب فان كانت الاجارة علي العين انفسخت والقضاء الذي يأتي به الاجير يقع عنه وإن كانت في الذمة لم تنفسخ وعمن يقع القضاء فيه وجهان وقيل قولان (احدهما) عن المستأجر لانه قضاء الاول ولو لافساده لو وقع عنه (واصحهما) عن الاجير لان القضاء يحكي الاداء والاداء واقع عن الاجير فعلي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 66 هذا يلزمه سوى القضاء حجة أخرى للمستأجر فيقضى عن نفسه ثم يحج عن المستأجر في سنة اخرى أو ينيب من يحج عنه في تلك السنة وحيث لا تنفسخ الاجارة فللمستأجر خيار الفسخ لتأخر المقصود وفرق اصحابنا العراقيون بين ان يستأجر المعضوب وبين أن تكون الاجارة لميت في ثبوت الخيار وقد سبق نظيره والكلام عليه والمواضع المحتاجة إلى العلامة بالزاى تثبته * قال (الخامسة لو احرم عنه ثم نوي الصرف إلى نفسه لم ينصرف إليه وسقطت اجرته على احد القولين لانه أعرض عنها * إذا أحرم الاجير عن المستأجر ثم صرف الاحرام إلي نفسه ظنا منه بأنه ينصرف وأتم الحج على هذا الظن فالحج للمستأجر وفى استحقاق الاجير الاجرة قولان (أحدهما) انه لا يستحق لانه أعرض عنها حيث قصد بالحج نفسه (وأصحهما) أنه يستحق لصحة العقد في الابتداء وحصول غرض المستأجر وهذا الخلاف مجرى فيما إذا دفع ثوبا إلي صباغ ليصبغه فامسكه وجحده وصبغه لنفسه ثم رده هل يستحق الاجرة وقس علي هذا نظائره وإذا قلنا باستحقاق الاجرة فالمستحق المسمى أو أجرة المثل حكى صاحب التتمة فيه وجهين (أصحهما) الاول * قال (السادسة من مات في أثناء الحج فهل للوارث أن يستأجر اجيرا ليبنى علي حجه فيه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 67 قولان فان جوزنا ذلك فان مات بين التحللين احرم الاجير احراما حكمه الا يحرم اللبس والقلم لانه بناء على ما سبق فهو كالدوام فعلى هذا إذا مات الاجير في اثناء الحج استحق قسطا من الاجرة لان ما سبق لم يحبط وان قلنا لا يمكن البناء فقد حبطحق المستأجر ففى استحقاقه شيئا وجهان ولو مات قبل الاحرام ففى استحقاقه قسطا لسفره وجهان مرتبان وأولى بان لا يستحق لان السفر لم يتصل بالمقصود) * غرض الفصل بالكلام فيما إذا مات في اثناء الحج وقد قدم عليه مقدمة وهي ان الحاج لنفسه إذا مات في أثناء الحج هل يجوز البناء على حجه وفيه قولان شبهوهما بالقولين في جواز البناء على الاذان والخطبة وفى جواز الاستخلاف وان اختلفت الصور في الاظهر منها (الجديد) الصحيح انه لا يجوز البناء علي الحج لانه عبادة يفسد اولها بفساد آخرها فاشبهت الصوم والصلاة ولانه لو احصر فتحلل ثم زال الحصر فاراد البناء عليه لا يجوز فإذا لم يجز له البناء علي فعل نفسه فاولى ان لا يجوز لغيره البناء علي فعله (والقديم) الجواز لان النيابة جارية في جميع افعال الحج فتجرى في بعضها كتفرقة الزكاة (التفريع) ان لم يجوز البناء حبط المأتى به إلا في حق الثواب ووجب الاحجاج من تركته إذا كان مستقرا في ذمته وان جوزنا البناء فاما ان يتفق الموت وقد بقي وقت الاحرام بالحج أو حين لم يبق وقته فاما في الحالة الاولي فيحرم النائب بالحج ويقف بعرفة ان لم يقف الاصل ولا يقف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 68 ان وقف ويأتي ببقية الاعمال ولا بأس بوقوع احرام النائب وراء الميقات فانه مبنى علي احرام أنشئ منه واما في الحالة الثانية فبم يحرم فيه وجهان (احدهما) وبه قال أبو اسحق انه يحرم بعمرة لفوات وقت الاحرام بالحج ثم يطوف ويسعى فيجزآنه عن طواف الحج وسعيه ولا يبيت ولا يرمي فانهما ليسا من اعمال العمرة ولكنهما يجبران بالدم (واصحهما) انه يحرم بالحج ايضا ويأتى ببقية الاعمال لانه لو احرم بالعمرة للزمه افعال العمرة ولما انصرف إلى الحج والاحرام ابتدأ هو الذى يمتنع تأخيره عن اشهر الحج وهذا ليس احراما مبتدأ وانما هو مبني على ما سبق وعلى هذا فلو مات بين التحللين احرم النائب أحراما لا يحرم اللبس والقلم وانما يحرم النساء لان احرام الاصل لو بقى لكان بهذه الصفة (واعلم) ان الامام رحمه الله حكي الوجه الاول عن العراقيين ونسب الثاني إلي المروازه ولعل ان نسبته الثاني الي المراوزة بمعنى انه الذى اورده ولا يستمر نسبته إليهم بمعنى انهم ابدعوه ولا نسبة الاول إلى العراقيين يعنى انهم اختاروه ولا انهم اقتصروا علي ذكره لان كتبهم مشحونة بحكاية الوجهين وناصة على ترجيح الثاني منهما وجميع ما ذكرنا فيما إذا مات قبل حصول التحللين فاما إذا مات بعد حصولهما فقد قطع صاحب التهذيب وغيره بانه لا يجوز البناء والحالة هذه إذ لا ضرورة إليه لامكان جبر ما بقى من الاعمال بالدم وأوهم بعضهم اجراء الخلاف والله أعلم * إذا عرفت هذه المقدمة فنقول الجزء: 7 ¦ الصفحة: 69 لموت الاجير أحوال (إحداها) أن يكون بعد الشروع في الاركان وقبل الفراغ منها فهل يستحق شيئا من الاجرة فيه قولان (أحدهما) لا لانه لم يسقط الفرض عن المستأجر وهو المقصود فاشبه ما لو التزم له مالا ليرد عبده الآبق إليه فرده الي بعض الطريق ثم هرب (والثانى) نعم لانه عمل بعض ما استؤجر له فاستحق بقسطه من الاجرة كما لو استأجره لخياطة ثوب فخاط بعضه ثم اختلفوا فصار صائرون الي أن القولين مبنيان علي ان البناء علي الحج هل يجوز أم لا إن منعناه لم يلزم شئ من الاجرة لان المستأجر لم ينتفع بما فعله وان جوزناه لزم وفى كلام أصحابنا العراقيين ما ينفي هذا البناء لامرين (احدهما) أن ابن عبدان ذكر أن الجديد استحقاق الاجرة والقديم خلافه وذلك على عكس المنقول في جواز البناء (والثانى) ان كلمة الاصحاب متفقة علي ترجيح قول المنع من قولي البناء وقد حكم كثير منهم بترجيح قول الاستحقاق اما صريحا فقد ذكره الكرخي وغيره وأما دلالة فلانهم أشاروا إلي أن مأخذ القولين ان هذا العقد يلحق بالاجارات أو بالجعالات من حيث أن المقصود عاقبة الامر وقطع المسافة ليس بمقصود ولابد منه ثم إنهم استبعدوا الحاقه بالجعالات وعدوه اجارة ومعلوم أن في الاجارة يستحق بعض الاجرة ببعض العمل وأورد الامام رضى الله عنه طريقة متوسطة بينهما وتابعه صاحب الكتاب فقالا ان جوزنا البناء استحق قسطا من الاجرة لا محالة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 70 لان المستأجر بسبيل من اتمامه وان لم تجوزه ففى الاستحقاق الخلاف ووجه عدم الاستحقاق ان ما عمله قد حبط ولم ينتفع المستأجر به ووجه الاستحقاق أنه ينفعه في الثواب وإن لم ينفعه في الاجزاء وقد أتى الاجير بما عليه والموت ليس إليه والمشهور من الخلاف القولان وصاحب الكتاب نقلهما وجهين (فان قلنا) إنه لا يستحق شيئا فذلك فيما إذا مات قبل الوقوف بعرفة فان مات بعده فقد حكي الحناطى فيه وجهين والاظهر أنه لا فرق (وان قلنا) أنه يستحق شيئا فالاجرة تقسط علي الاعمال وحدها أم عليها مع السير فيه طريقان قال الاكثرون هو علي قولين (أحدهما) انها تقسط على الاعمال وحدها لان الاجرة تقابل المقصود والسير تسبب إليه وليس من المقصود في شئ (وأظهرهما) أنها تقسط علي العمل والسير جميعا لان للوسائل حكم المقاصد وتعب الاجير في السير أكثر فيبعد أن لا يقابل بشئ وقال ابن سريج رحمه الله ان قال استأجرتك لتحج عنى فالتوزيع علي الاعمال وحدها وان قال لتحج من بلد كذا فالتوزيع على السير والاعمال جميعا ونزل النصين على الحالين ثم هل يبنى على ما فعله الاجير ينظر ان كانت الاجارة على العين انفسخت ولا بناء لورثة الاجير كما لم يكن له أن ينيب بنفسه وهل للمستأجر أن يستأجر من يتمه يبني على القولين في جواز البناء ان جوزناه فله ذلك والا فلا وان كانت الاجارة علي الذمة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 71 (فان قلنا) لا يجوز البناء فلورثة الاجير أن يستأجروا من يحج عمن استؤجر له فان أمكنهم الاحجاج عنه في تلك السنة لبقاء الوقت فذاك وان تأخر إلى السنة الاخرى ثبت الخيار كما سبق وان جوزنا البناء فلورثة الاجير أن يتموا الحج ثم القول في أن النائب بم يحرم وفي حكم إحرامه بين التحللين على ما سبق (الحالة الثانية) أن يكون بعد الاخذ في السير وقبل الاحرام فالمنقول عن نصه في عامة كتبه أنه لا يستحق شيئا من الاجرة لانه بسبب لا يتصل بالمقصود فصار كما لو قرب الاجير علي البناء الآلات من موضع البناء ولم يبن لم يستحق شيئا وعن أبى بكر الصيرفي والاصطخري أنه يستحق قسطا من الاجرة لانهما أفتيا سنة حصر القرامطة الحجيج بالكوفة بان الاجراء يستحقون من الاجرة بقدر ما عملوا ووجهه أن الاجرة تقع في مقابلة السير والعمل جميعا ألا ترى أنها تختلف باختلاف المسافة طولا وقصرا وفصل ابن عبدان المسألة فقال ان قال استأجرتك لتحج من بلد كذا فالجواب علي ما قالاه وان قال على أن تحج فالجواب علي ما هو المشهور وهذا كالتفصيل الذى مر عن ابن سريج (الحالة الثالثة) ولم يذكرها في الكتاب أن يكون موته بعد اتمام الاركان وقبل الفراغ من سائر الاعمال فينظر إن فات وقتها أو لم يفت ولكن لم نجوز البناء فيجبر بالدم من مال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 72 الاجير وفى ورد شئ من الاجرة الخلاف السابق وإن جوزنا البناء فان كانت الاجارة علي العين انفسخت ووجب رد قسطها من الاجرة واستأجر المستأجر من يرمي ويبيت ولا دم علي الاجير وإن كانت على الذمة استأجر وارث الاجير من يرمى ويبيت ولا حاجة إلى الاحرام لانهما عملان يؤتى بهما بعد التحللين ولا يلزم الدم ولا يرد شئ من الاجرة ذكره في التتمة * قال السابعة لو أحصر فهو كما لو مات ولو فات الحج فهو كالافساد لانه يوجب القضاء ولا يستحق شيئا) * لو أحصر الاجير فله التحلل كما لو أحصر الحاج لنفسه فان تحلل فعمن يقع ما أتى به فيه وجهان (أصحهما) عن المستأجر كما لو مات إذ لم يوجد من الاجير تقصير (والثانى) عن الاجير كما لو أفسده لانه لم يحصل غرضه فعلى هذا دم الاحصار على الاجير وعلى الاول هو على المستأجر وفى استحقاقه شيئا من الاجرة الخلاف المذكور في الموت وان لم يتحلل واقام على الاحرام حتي فاته الحج انقلب الحج إليه كما في صورة الافساد ثم يتحلل بعمل عمرة وعليه دم الفوات ولو فرض الفوات بنوم أو تأخر عن القافلة وغيرهما من غير احصار انقلب المأتى به إلي الاجير ايضا كما في الافساد لاشتراكهما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 73 في ايجاب القضاء ولا شئ للاجير ومن الاصحاب من أجرى فيه الخلاف المذكور في الموت ولا يخفى بعد الوقوف على ما ذكرنا أن قوله لو أحصر فهو كما لو مات أراد به ما إذا أحصر وتحلل وأنه يجوز ان يعلم قوله كما لو مات بالواو لانا حكينا وجها انه إذا تحلل وقع المأتي به عن الاجير وذلك الوجه غير جاء في الموت فلا يكون الاحصار كالموت علي ذلك الوجه وأنه لو أعلم قوله فهو كالافساد بالواو وكذا قوله لا يستحق شيئا وقوله ولا يستحق شيئا جار مجرى التوكيد والايضاح والا ففى التشبيه بالافساد ما يغنى عنه والله أعلم هذا تمام الكلام في المقدمة الاولي) قال (المقدمة الثانية المواقيت * والميقات الزماني للحج شهر شوال (ح) وذو القعدة وتسع من ذى الحجة وفى ليلة العيد إلى طلوع الفجر وجهان) * ميقات الحج والعمرة ينقسم الي زماني ومكاني (أما) الزماني فالكلام فيه في الحج ثم العمرة (أما) الحج فوقت الاحرام به شوال وذو القعدة وتسع ليال بايامها من ذى الحجة وفى ليلة النحر وجهان حكاهما الامام وصاحب الكتاب (أصحهما) ولم يورد الجمهور سواه انها وقت له إيضا لانها وقت للوقوف بعرفة ويجوز أن يكون الوجه الآخر صادرا ممن يقول أنها ليست وقتاله وسيأتى بيان ذلك الخلاف في موضعه (واعلم) أن لفظ الشافعي رضي الله عنه في المختصر وأشهر الحج شوال وذو القعدة وتسع من ذى الحجة وهو يوم عرفة فمن لم يدركه إلى الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج وفيه مباحثتان (احداهما) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 74 (قوله) وهو يوم عرفة قال المسعودي معناه والتاسع يوم عرفة وفيه معظم الحج (وقوله) فمن لم يدركه اختلفوا في تفسيره فقال الاكثرون اراد من لم يدرك الاحرام بالحج الي الفجر من يوم النحر وقال المسعودي اراد من لم يدرك الوقوف بعرفة (الثانية) اعترض ابن داود فقال (قوله) وتسع من ذى الحجة اما أن يريد به الايام أو الليالي ان اراد الايام فاللفظ مختل لان جمع المذكر في العدد بالهاء كما قال الله تعالي * وثمانية ايام * وان اراد الليالي فالمعنى مختل لان الليالى عنده عشر لا تسع قال الاصحاب ههنا قسم آخر وهو انه يريد الايام والليالي جميعا والعرب تقلب التأنيث في العدد ولذلك قال الله تعالي: اربعة اشهر وعشرا * وقال صلى الله عليه وسلم " واشترطي الخيار ثلاثا " والمراد الايام والليالي ثم هب ان المراد الليالي ولكن افردها بالذكر لان ايامها ملحقة بها (فاما) الليلة العاشرة فنهارها لا يتبعها فأفردها بالذكر حيث قال فمن لم يدركه الي الفجر من يوم النحر وهذا علي تفسير الاكثرين (وأما) على تفسير المسعودي فلم يمنع انشاء الاحرام ليلة النحر ان يتمسك بظاهر قوله وتسع من ذى الحجة ولا يلزمه اشكال ابن داود واعلم قوله في الكتاب وتسع من ذى الحجة بالحاء والالف لانهما يقولان وعشر من ذى الحجة بايامها وبالميم لانه يقول وذى الحجة كله قال جماعة من الاصحاب وهذا اختلاف لا يتعلق به حكم وعن القفال ان فائدة الخلاف مع مالك كراهة العمرة في ذى الحجة فان عنده تكره العمرة في اشهر الحج ثم اتفق مالك وابو حنيفة واحمد رحمهم الله على ان الاحرام بالحج ينعقد في غير اشهره الا انه مكروه ويجوز ان يعلم قوله وتسع من ذى الحجة بالواو ايضا لان المحاملي حكى في الاوسط قولا عن الاملاء كمذهب مالك (وقوله) والميقات الزمانى للحج أي للاحرام به (فاما) الافعال فسيأتي بيان اوقاتها * قال (وأما) العمرة فجميع السنة وقتها ولا تكره في وقت أصلا الا للحاج العاكف بمنى في شغل الرمى والمبيت لانه لا تنعقد عمرته لعجزه عن التشاغل في الحال ولو أحرم قبل اشهر الحج بحج انعقد إحرامه ويتحلل بعمل عمرة وهل تقع عن عمرة الاسلام فيه قولان) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 75 السنة كلها وقت للاحرام بالعمرة ولا يختص باشهر الحج روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " عمرة في رمضان تعدل حجة " واعتمرت عائشة رضي الله عنها من التنعيم ليلة المحصب وهى الليلة التي يرجعون فيها من منى الي مكة ولا يكره في وقت منها وبه قال أحمد وقال أبو حنيفة يكره في خمسة أيام يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق وقد قدمنا عن مالك كراهيته في أشهر الحج وتوقف الشيخ أبو محمد في الجزء: 7 ¦ الصفحة: 76 ثبوته عنه لنا أن كل وقت لا يكره فيه القران بين النسكين لا يكره فيه الافراد باحدهما (أما) علي أبي حنيفة فكما قيل يوم عرفة (وأما) علي مالك فكالافراد بالنسك الآخر ولا يكره أن يعتمر في السنة مرارا بل يستحب الا كثار منها وعن مالك انه لا يعتمر في السنة الا مرة لنا ما روى " انه صلى الله عليه وسلم أعمر عائشة في سنة واحدة مرتين " وقد يمتنع الاحرام بالعمرة لا باعتبار الوقت بل باعتبار عارض كمن كان محرما بالحج لا يجوز له ادخال العمرة علي اظهر القولين كما سنشرحه وإذا تحلل عنه التحللين وعكف بمني لشغل المبيت والرمى لم ينعقد والرمى لم ينعقد إحرامه بالعمرة لعجزه عن التشاغل باعمالها في الحال نص عليه قال الامام وكان من حق تلك المناسك ان لا تقع الا في زمان التحلل فان نفر النفر الاول فله الاحرام بها لسقوط بقية الرمى عنه ثم في الفصل مسألة تتعلق بوقت الاحرام بالحج وهي انه لو أحرم بالحج في غير أشهره ما حكمه لا شك في انه لا ينعقد إحرامه بالحج ثم انه نص في المختصر على انه يكون عمرة وفى موضع آخر علي انه يتحلل بعمل عمرة وللاصحاب فيهما طريقان (أظهرهما) ان المسالة علي قولين (اصحهما) ان إحرامه ينعقد بعمرة لان الاحرام شديد التشبث واللزوم فإذا لم يقبل الوقت ما احرم به انصرف إلى ما يقبله (والثانى) انه لا ينعقد بعمرة ولكن يتحلل بعمل عمرة كما لو فات حجه لان كل واحد من الزمانين ليس وقتا للحج فعلى الاول إذا اتى باعمال العمرة سقطت عنه عمرة الاسلام إذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 77 قلنا بافتراضها وعلى الثاني لا تسقط وشبهوا القولين بالقولين في التحرم بالصلاة قبل وقتها هل تنعقد نافلة لكن الاظهر هناك انه ان كان عالما بالحال لم تنعقد نافلة وههنا الاظهر انعقاد عمرة بكل حال لقوة الاحرام ولهذا ينعقد مع السبب المفسد له بان احرم مجامعا (والطريق الثاني) نفى القولين وله طريقان (اشهرهما) القطع بانه يتحلل بعمل عمرة ولا ينعقد احرامه عمرة لانه لم ينوها (والثانى) حكى الامام قدس الله روحه عن بعض التصانيف ان احرامه ينعقد بهما ان صرفه إلى العمرة كان عمرة صحيحة والا تحلل بعمل عمرة والنصان ينزلان علي هذين الحالين وقد عرفت من هذا ان المذكور في الكتاب طريق القولين ولما كانا متفقين علي انعقاد الاحرام وعلى أنه لا بد من عمل عمرة وإذا أتي به تحلل لا جرم جزم بانعقاد الاحرام وحصول التحلل ورد القولين الي الاحتساب به عن عمرة الاسلام ولك اعلام قوله قولان بالواو للطريق الثاني ولو أحرم قبل أشهر الحج احراما مطلقا فان الشيخ ابا علي خرجه على وجهين يأتي ذكرهما فيما إذا احرم بالعمرة قبل اشهر الحج ثم ادخل عليه الحج في اشهره هل يجوز (ان قلنا) يجوز انعقد احرامه بهما فإذا دخل اشهر الحج فهو بالخيار في جعله حجا أو عمرة أو قرانا ويحكى هذا عن الخضرى (وان قلنا) لا يجوز انعقد احرامه بعمرة وهذا هو جواب الجمهور في هذه المسالة والقاطعون بانه يتحلل بعمل عمرة في الصورة الاولي نزلوا نصه في المختصر على هذه الصورة والله اعلم * قال (أما الميقات المكاني فهو في حق المقيم بمكة خطة مكة علي وخطة والحرم علي رأى والافضل أن يحرم من باب داره فان أحرم خارج الحرم فهو مسئ) * تكلم في الميقات المكاني في الحج ثم في العمرة وفى الحج في حق المقيم بمكة وغيره اما المقيم بمكة إذا أراد الحج مكيا كان أو غيره فانه يحرم منها وميقاته نفس مكة أو خطة الحرم كلها فيه وجهان وقال الامام قولان (أصحهما) نفس مكة لما سيأتي من خبر ابن عباس رضى الله عنهما في المواقيت فعلى هذا لو فارق البنيان واحرم في حد الحرم فهو مسئ يلزمه ان يريق دما ان لم يعد كما لو جاوز خطة قرية هي ميقات ثم احرم والثاني ان ميقاته خطة الحرم لاستواء مكة وما وراءها من الحرم في الحمرمة ولهذا لا يكفى للمكي إذا اراد ان يحرم بالعمرة ان يخرج عن خطة مكة بل يحتاج إلي الخروج عن الحرم فعلى هذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 78 إحرامه في الحرم بعد مجاوزة العمران ليس باساءة اما إذا احرم بعد مجاوزة الحرم فقد اساء وعليه الدم الا ان يعود قبل الوقوف بعرفة اما إلى مكة على الوجه الاول أو الي الحرم علي الثاني فيكون حينئذ كمن قدم الاحرام علي الميقات (وقوله) في الكتاب علي رأى وعلي رأى مفسر بالقولين علي ما رواه الامام رحمه الله وبالوجهين علي ما رواه المصنف في الوسيط وصاحبا التتمة والمعتمد ثم من أي موضع احرم من عمران مكة جاز وما الافضل فيه قولان (احدهما) ان الافضل ان يتهيأ للاحرام ويحرم في المسجد قريبا من البيت (واظهرهما) ان الافضل ان يحرم من باب داره ويأتى المسجد محرما وهذا هو الذى اجاب به في الكتاب ويدل عليه ما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " ان افضل حج ان تحرم من دويرة أهلك) " * قال (اما الافاقى فميقات من يتوجه من جانب المدينة ذو الحليفة ومن الشام الجحفة ومن اليمن يلملم ومن نجد اليمن ونجد الحجاز قرن ومن جهة المشرق ذات عرق وهذه المواقيت لاهلها ولكل من مر بها والذى مسكنه بين الميقات وبين مكة فميقاته من مسكنه والذى جاوز الميقات لا علي قصد النسك فان عن له النسك فميقاته من حيث عن له) * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 79 غير المقيم بمكة اما أن يكون مسكنه وراء المواقيت الشرعية وهو الافاقى أو بينها وبين مكة والاول إذا انتهي الي الميقات فاما أن يكون مريدا للنسك أو لا يكون فهؤلاء ثلاثة أصناف ولا بد أولا من بيان المواقيت الشرعية وهى في حق المتوجهين من المدينة ذو الحليفة وهو عى عشر مراحل من مكة وعلى ميل من المدينة في حق المتوجهين من الشام ومصر والمغرب الجحفة وهى على خمسين فرسخا من مكة وفى حق المتوجهين من تهامة اليمن يلملم وقد يسمى الملم وفى حق المتوجهين من نجد اليمن ونجد الحجاز قرن وفي حق المتوجهين من جهة المشرق والعراق وخراسان ذات عرق وكل واحد من هذه الثلاثة من مكة على مرحلتين وقد ذكر الائمة أن اليمن يشتمل علي نجد وتهامة وكذلك الحجاز وإذا أطلق ذكر نجد كان المراد منه نجد الحجاز وميقات النجديين جميعا قرن وإذا قلنا إن ميقات اليمن يلملم أراد به تهامتما لا كل اليمن (واعلم) ان ما عدا ذات عرق من هذه المواقيت منصوص عليه روى في الصحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما " أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لاهل المدينة ذا الحليفة ولاهل الشام الجحفة ولاهل نجد قرن المنازل ولاهل اليمن يلملم من لهن ولمن أتي عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة " ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة واختلفوا في ذات عرق على وجهين (أحدهما) أن توقيته مأخوذ من الاجتهاد لما روي عن طاوس انه قال " لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات عرق ولم يكن حينئذ أهل المشرق أي مسلمين " وفى الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال " لما فتح هذان المصران أتوا عمر رضى الله عنه فقالوا يا أمير المؤمنين ان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 80 رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لاهل نجد قرن وهو حور عن طريقنا وانا ان اردنا شق علينا قال فانظروا حذوها من طريقكم فحد لهم ذات عرق " (والثاني) واليه صغو الاكثرين أنه منصوص عليه روى عن عائشة رضي الله عنها " أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لاهل المشرق ذات عرق " ولا يبعد أن ينص عليه والقوم مشركون يومئذ إذا علم اسلامهم ويحتمل أن النصوص لم تبلغ عمر رضي الله عنه والذين اتوه فاجتهدوا فوافق اجتهادهم النص ولو أحرم أهل المشرق من العقيق كان أفضل وهو واد وراء ذات عرق مما يلي المشرق بقرب منها لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لاهل المشرق العقيق " ولان ذات عرق مؤقتة بالاجتهاد على أحد الرأيين فالاحرام مما فوقها أحوط وقد يخطر ببالك إذا انتهيت إلي هذا المقام البحث عن قرن من وجهين (أحدهما) أنه بتحريك الراء أو تسكينها وان كان الاول فهل هو الذى ينسب إليه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 81 اويس رضى الله عنه أم لا (والثانى) أنه قال في الخبر قرن المنازل فما هذه الاضافة وهل هو للتمييز عن قرن آخر أم لا (والجواب) أما الاول فالسماع المعتمد فيه عن المتقنين التسكين ورأيته منقولا عن أبى عبيد وغيره ورواه صاحب الصحاح بالتحريك وادعى أن أويسا منسوب إليه (واما الثاني) فقد ذكر بعض الشارحين للمختصر أن القرن اثنان (أحدهما) في هبوط يقال له قرن المنازل (والآخر) على ارتفاع يقرب منه وهى القرية وكلاهما ميقات والله أعلم * إذا عرفت ذلك فالصنف الاول الافاقى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 82 الذى انتهى الي الميقات وهو يريد النسك فليس له مجاوزته غير محرم سواء اراد الحج أو العمرة أو القران فان جاوزه فقد أساء وسيأتي حكمه ولا فرق بين ان يكون من أهل تلك الناحية أو من غيرها كالمشرقي إذا جاء من المدينة والشامي إذا جاء من نجد لقوله صلى الله عليه وسلم " هن لهن ولمن اتى عليهن من غيرهن " (الثاني) الافاقى الذى انتهى الي اليمقات وهو غير مريد للنسك فننظر ان لم يكن علي قصد التوجه إلى مكة ثم عن له قصد النسك بعد مجاوزته فميقاته من حيث عن له هذا القصد ولا يلزمه الرجوع إلى الميقات وقد اشار إليه في الخبر الذى سبق حيث قال فان كان يريد الحج والعمرة وان كان علي قصد التوجه إلى مكة لحاجة غير النسك ثم عن له قصد النسك عنة المجاوزة فينبنى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 83 هذا علي ان من اراد دخول الحرم هل يلزمه الاحرام بنسك وفيه خلاف مذكور في الكتاب في فصل سنن دخول مكة فان الزمناه فعليه انشاؤه من الميقات فيأثم بمجاوزته غير محرم كما إذا جاوزه علي قصد النسك غير محرم وان لم يلزمه الاحرام فهو كمن جاوزه غير قاصد للتوجه الي مكة (الثالث) الذى مسكنه بين أحد المواقيت وبين مكة فميقاته مسكنه يعني القرية التى يسكنها والحلة التي ينزلها البدوى لقوله صلى الله عليه وسلم بعد ذكر المواقيت " فمن كان دونهن فمهله من أهله " وقوله في الكتاب والذى جاوز الميقات لا علي قصد النسك الخ قد اطلق الكلام فيه اطلاقا ولا بد من التفصيل الذى ذكرناه ويجوز ان يعلم قوله فميقاته حيث عن له بالالف لان عند احمد أنه إذا جاوز غير قاصد لدخول مكة ثم عن له قصد النسك يلزمه العود الي اليمقات فان لم يعد فعليه دم * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 84 قال (والاحب ان يحرم من اول جزء من الميقات وان احرم من آخره فلا بأس ولو حاذى ميقاتا فميقاته عند المحاذاة إذا المقصود مقدار البعد عن مكة وان جاء من ناحية لم يحاذ ميقاتا ولا مر به احرم من مرحلتين فانه اقل المواقيت وهو ذات عرق) * في الفصل صور (احداها) يستحب لمن يحرم من بعض المواقيت الشرعية ان يحرم من اول جزء ينتهى إليه وهو الطرف الا بعد من مكة ليقطع الباقي محرما ولو احرم من آخره جاز لوقوع الاسم عليه ويستحب لمن ميقاته حلته أو قريته ايضا ان يحرم من الطرف الا بعد والاعتبار في المواقيت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 85 الشرعية بتلك المواضع لا بالقرى والابنية حتى لا يتغير الحكم لو خرب بعضها فنقلت العمارة إلى موضع آخر قريب منه وسمى بذلك الاسم (الثانية) إذا سلك البحر أو طريقا في البر لا ينتهي الي واحد من المواقيت المعينة فميقاته الموضع الذى يحاذي الميقات المعين فان اشتبه عليه فليتأخ وطريق الاحتياط لا يخفى ولو حاذى ميقاتين يتوسطهما طريقه نظران تساويا في المسافة الي مكة والى طريقه جميعا أو في المسافة الي مكة وحدها فميقاته الموضع الذى يحاذيها وإن تساويا في المسافة الي طريقه وتفاوتا في المسافة الي مكة ففيه وجهان (أحدهما) أنه يتخير ان شاء أحرم من الموضع المحاذي لا بعد الميقاتين وان شاء احر من الموضع المحاذي لاقربهما (واظهرهما) وبه قال القفال انه يحرم من الموضع المحاذي لا بعدهما وليس له انتظار الجزء: 7 ¦ الصفحة: 86 الوصول الي محاذاة الاقرب كما ليس للآتي من المدينة أن يجاوز ذا الحليفة ليحرم من الجعفة وقد تصور في هذا القسم محاذاة الميقاتين دفعة واحده وذلك بانحراف احد الطريقين والتوائه لوعورة وغيرها فلا كلام في أنه يحرم من موضع المحاذاة وحكي الامام وجهين في أنه منسوب إلي أبعد الميقاتين أو أقربهما قال وفائدتهما تظهر فيما إذا جاوز موضع المحاذاة والنهي الي حيث يفضي إليه طريقا الميقايتين وأراد العود لدفع الاساءة ولم يعرف موضع المحاذاة أيرجع الي هذا الميقات ام إلى ذلك وتابعه المصنف علي رواية الوجهين في الوسيط وكلاهما لا يصرح بالتصوير في الصورة التي ذكرتها كل التصريح لكنه المفهوم مما ساقاه ولا اعرف غيره والله أعلم. وان تفاوت الميقاتان في المسافة إلى مكة والى طريقه فالاعتبار الجزء: 7 ¦ الصفحة: 87 بالقرب إليه أو إلى مكة فيه وجهان اولهما اظهرهما (واعلم) ان الائمة فرضوا جميع هذه الاقسام فيما إذا توسط بين طريقين يفضى كل واحد منهما إلى ميقات ويمكن تصوير القسم الثالث والرابع في ميقاتين علي يمينه أو شماله كذى الحليفة والجحفة فان احدهما بين يدى الآخر فيجوز فرضهما علي اليمين أو الشمال وتساوى قربهما الي طريقه وتفاوته (الثالثة) لو جاء من ناحية لا يحاذي في طريقها ميقاتا ولا يمر به فعليه ان يحرم إذا لم يبق بينه وبين مكة إلا مرحلتان إذ ليس شئ من المواقيت اقل مسافة من هذا القدر (وقوله) في الكتاب فانه اقل المواقيت وهو ذات عرق إنما كان يحسن ان لو كانت ذات عرق اقل مسافة من كل ما سواها من المواقيت لكن قد مران ذات عرق مع يلملم وقرن متساوية في المسافة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 88 (قال ومهما جاوز ميقاتا غير محرم فهو مسئ وعليه الدم ويسقط عنه بان يعود الي الميقات قبل أن يبعد عنه بمسافة القصر وان عاد بعد دخول مكة لم يسقط وان كان بينهما فوجهان ثم ينبغى ان يعود اولا ثم يحرم من الميقات فان احرم ثم عاد محرما ففى سقوط الدم وجهان ولو أحرم قبل الميقات كان أحب) الفصل يشتمل علي المسألتين (احداهما) إذا جاوز الموضع الذى لزمه الاحرام منه غير محرم أثم وعليه العود إليه والاحرام منه ان لم يكن عذر وان كان كما لو خاف الانقطاع من الرفقة أو كان الطريق مخوفا أو الوقت ضيقا احرم ومضي على وجهه ثم إذا لم يعد فعليه دم لما روى عن ابن عباس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 89 رضى الله عنهما موقوف ومرفوعا " ان من ترك نسكا فعليه دم " وان عاد فلا يخلو إما ان يعود وينشئ الاحرام منه أو يعود إليه بعد ما احرم (فأما) في الحالة الاولى فالذي نقله الامام وصاحب الكتاب رحمهما الله انه ان عاد قبل ان يبعد عن الميقات بمسافة القصر فلا دم عليه لانه حافظ على الواجب في تعب تحمله وإن عاد بعد ما دخل مكة لم يسقط عنه الدم لوقوع المحذور وهو دخول مكة غير محرم مع كونه علي قصد النسك وإن عاد بعد ما بعد عن الميقات بمسافة القصر فوجهان (اظهرهما) أنه يسقط الجزء: 7 ¦ الصفحة: 90 كما لو عاد بعد البعد عنه بهذه المسافة (والثانى) لا يسقط لتأكد الاساءة بانقطاعه عن الميقات حد السفر الطويل هذا ما ذكراه والجمهور قضوا بأنه لو عاد وانشأ الاحرام منه فلا دم عليه ولم يفصلوا بين ان يبعد أو لا يبعد ولا بين ان يدخل مكة أو لا يدخلها فعليك إعلام قوله وان عاد بعد دخول مكة لم يسقط بالواو ومعرفة ما فيه (واما) الحالة الثانية وهى أن يحرم ثم يعود إلى الميقات محرما فقد أطلق صاحب الكتاب وطائفة في سقوط الدم فيها وجهين ورواهما القاضي أبو الطيب قولين وجه عدم السقوط وبه قال مالك واحمد رحمهما الله تأكد الاساءة بانشاء الاحرام من غير موضعه وراعى الامام رحمه الله مع ذلك ترتيب هذه الحالة علي التفصيل المذكور في الاولى فقال إن قصرت المسافة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 91 ففى السقوط الخلاف ون طالت فالخلاف مرتب وأولي بألا يسقط فان دخل مكة فأولى بعدم السقوط من الحالة الاولى وظاهر المذهب عند الاكثرين ان يفصل فيقال ان عاد قبل ان يتلبس بنسك سقط عنه الدم لقطعه المسافة من الميقات محرما وأداء المناسك بعده وان عاد بعد ما تلبس بنسك لم يسقط لتأديه باحرام ناقص ولا فرق بين ان يكون ذلك النسك ركنا كالوقوف بعرفة أو سنة كطواف القدوم ومنهم من لم يجعل للتلبس بالسنة تأثيرا وقال أبو حنيفة رحمه الله إذا أحرم بعد مجاوزة الميقات وعاد قبل ان يتلبس بنسك ولبي سقط عنه الدم وان عاد ولم يلب لم يسقط (وقوله) في اول الفصل ومهما جاوز ميقاتا غير محرم فهو مسئ وعليه الدم يدخل فيه ما إذا جاوز عالما وما إذا جاوز جاهلا أو ناسيا والامر على هذا الاطلاق فيما يرجع إلى لزوم الدم لانه مامور بالاحرام من الميقات والنسيان ليس عذرا في ترك المأمورات كالنية في الصوم والصلاة بخلاف ما إذا تطيب أو لبس ناسيا فانهما من المحظورات والنسيان عذر فيهما كما في الاكل في الصوم والكلام في الصلاة (واما) الاساءة فهى ثابتة علي الاطلاق ايضا ان اراد بكونه مسيئا كونه مقصرا وان اراد الاثم فلا أثم عند الجهل والنسيان ويجوز ان يعلم قوله وعليه الدم بالحاء لان عند ابي حنيفة رحمه الله الجائي من طريق المدينة إذا لم يكن مدنيا لو جاوز ذا الحليفة واحرم من الجحفة لم يلزمه دم ويروى ذلك في حق المدني وغيره (المسألة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 92 الثانية) الاحرام من الميقات افضل أو مما فوقه روى البويطي والمزنى في الجامع الكبير انه من الميقات أفضل وبه قال مالك واحمد وقال في الاملاء الاحب ان يحرم من دويرة اهله وبه قال أبو حنيفة وللاصحاب طريقان (أظهرها) ان المسألة على قولين (احدهما) انه لا يستحب الاحرام مما فوقه لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم الا من الميقات " ومعلوم انه يحافظ علي ما هو الافضل ولان في الاحرام فوق الميقات تغريرا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 93 بالعباد لما في مصابرته والمحافظة على واجياته من العسر ولهذا المعني اطلق مطلقون لفظ الكراهة على تقديم الاحرام عليه (وأظهرهما) ان الاحب ان يحرم من دويرة اهله لان عمر وعليا رضي الله عنهما فسرا الاتمام في قوله تعالي (واتموا الحج والعمرة لله) بذلك وروى انه صلى الله عليه وسلم قال " من احرم من المسجد الاقصى إلى المسجد الحرام بحجة أو عمرة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر " (والطريق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 94 الثاني) القطع بالقول وحمل الاول علي التزيي بزى المحرمين من غير احرام علي ما يعتاده الشيعة ويخرج من فحوى كلام الائمة طريقة ثالثة وهي حمل الاول علي ما إذا لم يأمن على نفسه من ارتكاب محظورات الاحرام وتنزيل الثاني علي ما إذا امن عليها (وقوله) في لكتاب ولو احرم قبل الميقات كان احب يجوز ان يكون جوابا علي اظهر القولين علي الطريقة الاولي ويجوز ان يكون ذهابا إلى الثانية وهو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 95 الذى قصده المصنف على ما اورده في الوسيط فانه نسب استحباب التقديم إلى القديم وكراهيته إلى الجديد وذكر ان الجديد مؤول وكيفما كان فليكن قوله احب معلما بالواو مع الميم والالف (واعلم) ان تسمية احد القولين قديما والاخر جديدا لم اره الا له والكتب التي عزى النصان إليها باسرها معدودة من الحديد * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 96 (قال اما العمرة فميقاتها ميقات الحج الا في حق المكى والمقيم بها فان عليهم الخروج الي طرف الحل ولو بخطوة في ابتداء الاحرام فان لم يفعل لم يعتد بعمرته علي احد القولين لانه لم يجمع بين الحل والحرم والحاج بوقوف عرفة جامع بينهما وأفضل البقاع لاحرام العمرة الجعر أنه تم التنعيم ثم الحديبية) لما فرغ من الكلام في الميقات المكانى في الحج اشتغل بالكلام فيه في العمرة والمعتمر إما ان يكون خارج الحرم أو فيه فان كان خارج الحرم فموضع احرامه بالعمرة هو موضع إحرامه بالحج بلا فرق وإن كان في الحرم سواء كان مكيا أو مقيما بمكة فالكلام في ميقاته الواجب ثم في الافضل (أما) الواجب فهو أن يخرج إلى أدنى الحل ولو بخطوة من أي جانب شاء " لان عائشة رضى الله عنها لما أرادت أن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 97 تعتمر بعد التحلل أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بان تخرج إلى الحل فتحرم " فان خالف وأحرم بها في الحرم انعقد إحرامه ثم له حالتان (احداهما) ان لا يخرج إلى الحل بل يطوف ويسعي ويحلق فهل يحزئه ذلك عن عمرته فيه قولان محكيان عن نصه في الام (أصحهما) نعم وبه قال أبو حنيفة لان احرامه قد انعقد وأتى بعده بالاعمال الواجبة لكن يلزمه دم لتركه الاحرام من الميقات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 98 (والثانى) انه لا يجزئه ما أتي به لان العمرة أحد النسكين فيشترط فيه الجمع بين الحل والحرم كما في الحج فان الحاج لا بد له من الوقوف بعرفة وانها من الحل (التفريع) ان قلنا بالاول فلو وطئ بعد الحلق لم يلزمه شئ لوقوعه بعد التحلل وان قلنا بالثاني فالوطئ واقع قبل التحلل لكنه يعتقد كونه بعد التحلل فهو بمثابة وطئ الناسي وفى كونه مفسدا قولان سيأتي ذكرهما فان جعلناه مفسدا فعليه المضى في الفاسد بان يخرج إلى الحل ويعود فيطوف ويسعي ويحلق ويلزمه القضاء وكفارة الافساد ويلزمه دم للحلق أيضا لوقوعه قبل التحلل (والحالة الثانية) ان يخرج إلى الحل ثم يعود فيطوف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 99 ويسعي فيعتد بما أنى به لا محالة وهل يسقط عنه دم الاساءة حكى الامام رحمه الله فيه طريقين (أحدهما) تخريجه على الخلاف المذكور في عود من جاوز الميقات إليه محرما (والثاني) القطع بالسقوط فان المسئ هو الذى ينتهي إلى الميقات علي قصد النسك ثم يجاوزه وهذا المعنى لم يوجد ههنا بل هو شبيه بمن أحرم قبل الميقات وهذا هو الذى أورده الاكثرون فعلي هذا الواجب هو خروجه إلى الحل قبل الاعمال اما في ابتداء الاحرام أو بعده وان قلنا لا يسقط الدم فالواجب هو الخروج في ابتداء الاحرام وقد أشار إليه في الوسيط فقال ولو بخطوة في إبتداء الاحرام أو دوامه على رأى وإذا كان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 100 كذلك فليعلم قوله في ابتداء الاحرام بالواو ثم قوله فان لم يفعل يعتد بعمرته على احد القولين ظاهر اللفظ يقتضي كون الاعتداد بافعال العمرة على القولين إذا لم يخرج إلى الحل في إبتداء الاحرام وليس كذلك بل موضع القولين ما إذا لم يخرج لا في الابتداء ولا بعده حتى أتى بالاعمال فليؤول (وقوله) لم يعتد معلم بالحاء لم اقدمنا (وقوله) اولا الا في حق المكى والمقيم بها لا شك أن المراد من المكى الحاضر بمكة فلو اقتصر على قوله في حق المقيم بمكة لا غناه ودخل فيه ذلك المكى (وأما) الافضل فاحب البقاع من أطراف الحل لاحرام العمرة الجعرانه فان لم يتفق فمن التنعيم فان لم يتفق فمن الحديبية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 101 وليس النظر فيها إلى المسافة ولكن المتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نقلوا انه اعتمر من الجعرانة مرتين مرة عمرة القضاء سنة سبع ومرة عمرة هوازن ولما ارادت عائشة رضى الله عنها ان تعتمر امر اخاها عبد الرحمن ان يعمرها من التنعيم فاعمرها منه وصلى بالحديبية عام الحديبية واراد الدخول منها للعمرة فصده المشركون عنها فقدم الشافعي رضي الله عنه ما فعله ثم امر به ثم ما هم به والجعرانة على ستة فراسخ من مكة والحديبية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 102 كذلك وهى بين طريق جدة وطريق المدينة في منعطف بين جبلين وبها مسجد النبي صلى الله عليه وسلم التنعيم على فرسخ من مكة وهو على طريق المدينة وفيه مسجد عائشة رضى الله عنها هذا تمام الكلام في القسم الاول من كتاب الحج * قال (القسم الثاني من الكتاب في المقاصد وفيه ثلاثة أبواب (الباب الاول) في وجوه أداء النسكين وهو ثلاثة (الاول) الافراد وهو أن يأتي بالحج مفردا من ميقاته وبالعمرة مفردة من ميقاتها) * من أحرم بنسك لزمه فعل أمور وترك أمور والنظر في الامور المفعولة من وجهين (أحدهما) في كيفية أفعالهما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 103 (والثانى) في كيفية أدائهما باعتبار القران بينهما وعدمه فلا جرم حصر كلام هذا القسم في ثلاثة إبواب (أولها) في وجوه أداء النسكين (وثانيها) في صفة الحج ويتبين فيه صفة العمرة أيضا (وثالثها) في محظورات الحج والعمرة وإنما انقسم أداء النسكين إلى الوجوه الثلاثة لانه اما أن يقرن بينهما وهو المسمى قرانا أو لا يقرن فاما أن يقدم الحج علي العمرة وهو الافراد أو يقدم العمرة علي الحج وهو التمتع وفيه شروط ستظهر من بعد فإذا تخلف بعضها فربما عدت الصورة من الافراد والوجوه جميعا جائزة بالاتفاق وقد روى عن عائشة رضي الله عنها انها قالت " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من أهل بالحج ومنا من أهل بالعمرة ومنا من اهل بالحج والعمرة " (وأما) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 104 الافضل منها فان قول لشافعي رضي الله عنه لا يتخلف في تأخير القران عن الافراد والتمتع لان أفعال النسكين فيهما كمل منها في القران * وقال أبو حنيفة رحمه الله القران افضل منهما ويحكى ذلك عن اختيار المزني الجزء: 7 ¦ الصفحة: 105 وابن المنذر وابي إسحاق المروزى لما روى عن عائشة قالت " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يصرخ بهما صراخا يقول لبيك بحجة وعمرة " لكن هذه الرواية معارضة بروايات أخر راجحة على ما سيأتي واختلف قوله في الافراد والتمتع أيهما افضل قال في اختلاف الحديث التمتع افضل وبه قال احمد وابو حنيفة رحمهما الله لما روى عن النبي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 106 صلى الله عليه وسلم قال " لو استقبلت من امرى ما استدبرت ما سقت الهدى وجعلته عمرة " والاستدلال انه صلى الله عليه وسلم تمنى تقديم العمرة ولولا انه افضل لما تمناه وقال في عامة كتبه الافراد افضل وهو الاصح وبه قال مالك لما روى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 107 عن جابر رضى الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد " وروى مثله ابن عباس وعائشة رضى الله عنهم ورجح الشافعي رضي الله عنه رواية جابر على رواية رواة القران والتمتع بان جابرا أقدم صحبة وأشد عناية بضبط المناسك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 108 وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم من لدن خروجه من المدينة إلى أن تحلل (وأما) قوله لو استقبلت من أمري الخبر فانما ذكره تطييبا لقلوب أصحابه واعتذارا إليهم وتمام الخبر ما روى عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم إحراما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 109 مبهما وكان ينتظر الوحى في اختيار أحد الوجوه الثلاثة فنزل الوحى بان من ساق الهدى فليجعله حجا ومن لم يسق فليجعله عمرة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلحة قد ساقا الهدى دون غيرهما فامرهم بان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 110 يجعلوا إحرامهم عمرة ويتمتعوا وجعل النبي صلى الله عليه وسلم إحرامه حجا فشق عليهم ذلك لانهم كانوا يعتقدون من قبل أن العمرة في أشهر الحج من أكبر الكبائر فالنبى صلى الله عليه وسلم قال ذلك وأظهر الرغبة في موافقتهم لو لم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 111 يسق الهدى فان الموافقة الجالبة للقلوب أهم بالتحصيل من فضيلة وقربة واتفق الاصحاب على القولين على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفردا عام حجة الوداع وحكى الامام رحمه الله عن ابن سريج أنه كان متمتعا ونقل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 112 عن بعض التصانيف شيئا آخر في الفصل واستبعده وهو أن الافراد مقدم على القران والتمتع جزما والقولان في التمتع والقران أيهما أفضل واعلم أن تقديم الافراد على التمتع والقران مشروط بأن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 113 يعتمر في تلك السنة (أما) لو أخر فكل واحد من التمتع والقران أفضل منه لان تأخير العمرة عن سنة الحج مكروه (وقوله) في الكتاب وهو أن يأتي بالحج مفردا من ميقاته وبالعمرة مفردة من ميقاتها أراد من ميقاتها في حق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 114 الحاضر بمكة ولا يلزمه العود إلى ميقات بلده وفيما علق عن الشيخ أبي محمد أن أبا حنيفة رحمه الله يأمره بالعود ويوجب دم الاساءة ان لم يعد والله أعلم ثم الافراد لا ينحصر في هذه الصورة بل يلتحق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 115 بها من صور تخلف شروطا التمتع صورا ينتهى إليها * قال (الثاني القران وهو أن يحرم بهما جميعا فيتحد الميقات والفعل (ح) وتندرج العمرة تحت الحج الجزء: 7 ¦ الصفحة: 116 ولو أحرم بالعمرة ثم أدخل الحج عليها قبل الطواف كان قارنا وان كان بعده لغى ادخاله ولو أدخل العمرة على الحج لم يصح في احد القولين لانه لا يتغير الاحرام به بعد انعقاده) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 117 الصورة الاصلية للقران أن يحرم بالحج والعمرة معا فتندرج العمرة تحت الحج ويتحد الميقات والفعل ويجوز أن يعلم قوله والفعل بالحاء لان عند أبي حنيفة رحمه الله يأتي بطوافين وسعيين احدهما للحج والآخر للعمرة * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 118 لنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها " وطوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يكفيك لحجتك وعمرتك " وأيضا فقد سلم الاكتفاء باحرام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 119 واحد وحلق واحد فنقيس السعي والطواف عليهما ثم في الفصل مسألتان (احداهما) لو أحرم بالعمرة أولا ثم أدخل عليها الحج نطر ان أدخله عليها في غير اشهر الحج لغى ولم يتغير احرامه بالعمرة وإن أدخله عليها في أشهر الحج نظر إن أحرم بالعمرة في غير أشهر الحج فهذه الصورة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 120 قد ذكرها في الكتاب في اول الباب الثاني وستجدها عند الوصول إليها مشروحة ان شاء الله تعالى * وان احرم بالعمرة في اشهر الحج وادخل عليها الحج في اشهره وهو المقصود في هذا الموضع فينظر ان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 121 لم يشرع في الطواف جاز وصا قارنا لان عائشة رضي الله عنها احرمت بالعمرة لما خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فحاضت ولم يمكنها ان تطوف للعمرة وخافت فوات الحج لو اخرته إلى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 122 إن تظهر فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكى فقال مالك أنفست قالت بلى قال ذاك شئ كتبه الله على بنات آدم أهلى بالحج واصنعي ما يصنع الحاج غير ألا تطوفي بالبيت وطوافك يكفيك لحجك وعمرتك " فأمرها صلى الله عليه وسلم بادخال الحج على العمرة لتصير قارنة حتى لا يفوتها الحج فإذا طهرت طافت للنسكين معا وان شرع في الطواف أو أتمه لم يجز إدخال الحج عليها ولم لا يجوز ذكروا في تعليله أربعة معان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 123 (أحدها) أنه اشتغل بعمل من أعمال العمرة واتصل الاحرام بمقصوده فيقع ذلك العمل عن العمرة ولا ينصرف بعده إلى القران (والثاني) أنه أتى بفرض من فروض العمرة فان الفرائض هي المعينة وما عداها لا يضر عدم انصرافها إلى القران (والثالث) أنه أتى بمعظم أفعال العمرة فان الطواف هو المعظم في العمرة فإذا وقع عن العمرة لم ينصرف إلى غيرها (والرابع) أنه أخذ في التحلل في العمرة وحينئذ لا يليق به إدخال احرام عليه لانه يقتضي قوة الاحرام وكماله والمتحلل جار في نقصان الاحرام وشبه الشيخ أبو على ذلك بما لو ارتدت الرجعية فراجعها الزوج في الردة فان الشافعي رضي الله عنه نص على أنه لا يجوز لان الرجعة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 124 استباحة فلا تصح والمرأة جارية إلى تحريم وهذا المعنى الرابع هو الذى أورده أبو بكر الفارسي في العيون وحيث جوزنا إدخال الحج على العمرة فذلك إذا كانت العمرة صحيحة فان افسدها ثم أدخل عليها الحج ففيه خلاف سنورده من بعد ان شاء الله تعالى (المسالة الثانية) لو احرم بالحج في وقته أولا ثم أدخل عليه العمرة ففى جوازه قولان (القديم) وبه قال أبو حنيفة انه يجوز كما ادخال الحج على العمرة والجامع انهما نسكان يجوز الجمع بينهما (والجديد) وبه قال احمد رحمه الله أنه لا يجوز لان الحج اقوي وآكد من العمرة لاختصاصه بالوقوف والرمى والمبيت والضعيف لا يدخل على القوى وإن كان القوى قد يدخل على الضعيف ألا ترى ان فراش ملك النكاح لما كان اقوى من فراش ملك اليمين لاختصاصه بافادة قوة حقوق نحو الطلاق والظهار والايلاء والميراث لم يجز إدخال فراش ملك اليمين على فراش ملك النكاح حتى لو اشترى اخت منكوحته لم يجز له وطؤها ويجوز إدخال فراش النكاح على فراش ملك اليمين حتى لو نكح اخت امته أو أخت ام ولده حل له وطؤها وايضا فانه إذا ادخل الحج على العمرة زاد بادخاله اشياء لم تكن عليه وإذا ادخل العمرة على الحج لم يزد شيئا على ما عليه فلو جوزناه لاسقطنا العمرة عنه بالدم وحده وذلك مما لا وجه له والى هذا المعنى اشار في الكتاب بقوله لانه لم يتغير الاحرام به بعد انعقاده فان لم نجوز ادخال العمرة على الحج فذاك وان جوزناه فالى متى تجوز فيه وجوه مفرعة على المعاني الاربعة في المسألة السابقة (احدها) انه يجوز قبل طواف القدوم ولا يجوز بعد اشتغاله به لاتيانه بعمل من اعمال الحج وذكر في التهذيب ان هذا اصح (والثاني) ويحكي عن الخضرى انه يجوز بعد طواف القدوم ما لم يسع وما لم يأت بفرض من فروض الحج فان اشتغل بشئ منها فلا (والثالث) يجوز وان اشتغل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 125 بفرض ما لم يقف بعرفة فإذا وقف فلا لانه معظم أعمال الحج وعلى هذا لو كان قد سعي فعليه إعادة السعي ليقع عن التسكين جميعا كذا قاله الشيخ في معظم الفروع (والرابع) يجوز وإن وقف ما لم يشتغل بشئ من أسباب التحلل من الرمى وغيره فان اشتغل فلا وعلى هذا لو كان قد سعي فقياس ما ذكره الشيخ وجوب إعادته وحكي الامام فيه وجهين وقال المذهب انه لا يجب ويجب علي القارن دم لما روى عن عائشة رضى الله عنها قالت " أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ازواجه بقرة ونحن قارنات " ولان الدم واجب على المتمتع بنص القرآن وأفعال المتمتع أكثر من افعال القارن فإذا وجب عليه الدم فلان يجب على القارن كان اولى وصفة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 126 دم القران كصفة دم التمتع وكذا بدله وعن مالك ان على القارن بدنة وحكي الحناطى عن القديم مثله * لما ان المتمتع اكثر ترفيها لاستمتاعه بمحظورات الاحرام بين النسكين فإذا اكتفى منه بشاة فلان يكتفي بها من القارن كان أولى والله أعلم * قال (الثالث التمتع وهو أن يفرد العمرة ثم الحج ولكن يتحد الميقات إذا تحرم بالحج من جوف مكة وله ستة شروط (الاول) ان لا يكون من حاضرى الحرام المسجد فان الحاضر ميقاته نفس مكة فلا يكون قد ربح ميقاتا وكل من مسكنه دون مسافة القصر حوالي مكة فهو من الحاضرين والافاقي إذا جاوز الميقات غير مريد نسكا فكما دخل مكة اعتمر ثم حج لم يكن متمتعا إذا صار من الحاضرين إذ ليس يشترط فيه قصد الاقامة (الثاني) أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج فلو تقدم تحللها لم يكن متمتعا إذ لم يزحم الحج بالعمرة في مظنته ولو تقدم احرامها دون التحلل ففيه خلاف فإذا لم يكن متمتعا ففى لزوم دم الاساءة لاجل أنه أحرم بالحج من مكة لا من الميقات وجهان (الثالث) أن يقع الحج والعمرة في سنة واحدة (الرابع) ألا يعود إلى ميقات الحج فلو عاد إليه أو إلى مثل مسافته كان مفردا ولو عاد إلى ميقات كان أقرب من ذلك الميقات فوجهان (الخامس) ان يقع النسكان عن شخص واحد فلو اعتمر عن نفسه ثم حج عن المستأجر فلا تمتع على أحد الوجهين (السادس) نية التمتع على احد الوجهين تشبيها له بالجمع بين الصلاتين (والاصح) أنه يشترط كما في القران) * (التمتع هو أن يحرم بالعمرة من ميقات بلده ويدخل مكة وياتي باعمال العمرة ثم ينشئ الحج من مكة سمى تمتعا لاستمتاعه بمحظورات الاحرام بينهما أو تمكنه من الله الاستمتاع لحصول التحلل وعند أبي حنيفة رحمه إن كان قد ساق الهدى لم يتحلل بفراغه من العمرة بل يحرم بالحج فإذا فرغ منه حل منهما جميعا وإن لم يسق الهدى تحلل عند فراغه من العمرة * لنا أنه متمتع ما أكمل أفعال عمرته فاشبه وإذا لم يسق الهدى (وقوله) أن يفرد العمرة ثم الحج فيه إشارة إلى أن أفعالهما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 127 لا تتداخل بل يأتي بهما علي الكمال بخلاف ما في القران (وقوله) لكن يتحد الميقات إذ يحرم بالحج من جوف مكة معناه أنه بالتمتع من العمرة إلى الحج يربح ميقاتا لانه لو أحرم بالحج من ميقات بلده لكان يحتاج بعد فراغه من الحج إلى أن يخرج من أدنى الحل فيحرم بالعمرة منه وإذا تمتع استغنى عن الخروج لانه يحرم بالحج من جوف مكة فكان رابحا أحد الميقاتين ويجب علي المتمتع دم قال الله تعالى (فمن تمتع بالعمرة الي الحج فما استيسر من الهدى) وانما تجب بشروط (أحدها) الا يكون من حاضرى المسجد الحرام قال الله تعالى (ذلك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام) والمعنى فيه أن الحاضر بمكة ميقاته للحج نفس مكة فلا يكون بصورة التمتع رابحا ميقاتا وكل من مسكنه دون مسافة القصر فهو من حاضرى المسجد الحرام فان زادت المسافة فلا وبه قال أحمد وعند أبي حنيفة رحمه الله حاضر والمسجد أهل المواقيت والحرم وما بينهما وقال مالك هم أهل مكة وذى طوى وربما روى عنه أنهم أهل الحرم لنا ان من قرب من الشئ ودنا منه كان حاضرا إياه يقال حضر فلان فلانا إذا دنا منه ومن كان مسكنه دون مسافة القصر فهو قريب نازل منزلة المقيم في نفس مكة ولهذا لا يجوز للخارج إليه الترخص بالفطر والقصر ونحوهما علي ان في مذهب أبي حنيفة بعدا فانه يؤدى إلى اخراج القريب من الحاضرين وادخال البعيد فيهم لتفاوت مسافات المواقيت ثم المسافة التي ذكرناها مرعية من نفس مكة أو من الحرم حكي ابراهيم المروروزى فيه وجهين (والثاني) هو الدائر في عبارات أصحابنا العراقيين ويدل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 128 عليه ان المسجد الحرام عبارة عن جميع الحرم لقوله تعالى (فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) ولو كان له مسكنان (أحدهما) في حد القرب من الحرم والآخر في حد البعد فان كان مقامه بالبعيد أكثر فهو أفاقى وإن كان بالقريب أكثر فهو من الحاضرين وان استوى مقامه بهما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 129 نظر إلى ماله وأهله فان اختص باحدهما أو كان في أحدهما أكثر فالحكم له وان استويا في ذلك أيضا اعتبر حاله بعزمه فايهما عزم على الرجوع إليه فهو من أهله فان يكن له عزم فالاعتبار بالذى خرج منه ولو استوطن غريب بمكة فهو من الحاضرين ولو استوطن مكى بالعراق فليس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 130 له حكم الحاضرين والاعتبار بما آل إليه الامر ولو قصد الغريب مكة ودخلها متمتعا ناويا للاقامة بها بعد الفراغ من النسكين أو من العمرة أو نوى الاقامة بها بعد ما اعتمر لم يكن من الحاضرين ولم يسقط عنه دم التمتع فان الاقامة لا تحصل بمجرد النية وذكر حجة الاسلام رحمه الله في هذا الشرط صورة هي من مواضع التوقف ولم أجدها لغيره بعد البحث وهي أنه قال والافاقي إذا جاوز الميقات غير مريد نسكا فلما دخل مكة اعتمر ثم حج لم يكن متمتعا إذ صار من الحاضرين إذ ليس يشترط فيه قصد الاقامة وهذه الصورة متعلقة أولا بالخلاف في أن من قصد مكة هل يلزمه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 131 الاحرام بحج أو عمرة أم لا ثم ما ذكره من عدم اشتراط الاقامة مما تنازع فيه كلام عامة الاصحاب ونقلهم عن نصه في الاملاء والقديم فانه ظاهر في اعتبار الاقامة بل في اعتبار الاستيطان والله أعلم * وفى النهاية والوسيط حكاية وجهين في صورة تدانى هذه وهى أنه لو جاوز الغريب الميقات وهولا يريد نسكا ولا دخول الحرم ثم بدا له قريبا من مكة أن يعتمر فاعتمر منه وحج بعدها على صورة التمتع هل يلزمه الدم (أحد) الوجهين أنه لا يلزمه لانه لم يلتزم الاحرام وهو على مسافة بعيدة وحين خطر له ذلك كان علي مسافة الحاضرين (وأصحهما) يلزم لانه وجد صورة التمتع وهو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 132 غير معدود من الحاضرين وذكر في الوسيط في توجيه هذا الوجه أن اسم الحاضرين لا يتناوله الا إذا كان في نفس مكة أو كان متوطنا جولها فلم يعتبر التوطن فيمن هو بمكة واعتبره فيمن هو حواليها والنفس لاتنقاد لهذا الفرق ثم كما لا يجب الدم علي المكى إذا أتى بصورة التمتع لا يجب عليه إذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 133 قرن وبان الاصل دم التمتع المنصوص عليه في الكتاب فاذالم يجب ذلك علي المكى يجب دم القران وروى الحناطى وجها أن عليه دم القران ويشبه أن يكون هذا الاختلاف مبنيا علي وجهين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 134 نقلهما صاحب العدة في أن دم القران دم جبر أو دم نسك والمشهور أنه دم جبر وهل يجب علي المكى إذا قرن أنشاء الاحرام من أدنى الحل كما لو أفرد العمرة أم يجوز أن يحرم من جوف مكة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 135 ادراجا للعمرة تحت الحج فيه وجهان (أصحهما) الثاني ويجريان في الافاقى إذا كان بمكة وأراد القران (الشرط الثاني) أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج فلو أحرم وفرغ من أعمالها قبل أشهر الحج ثم حج لم يلزمه الدم لانه لم يجمع بين الحج والعمرة في وقت الحج فاشبه المفرد لما لم يجمع بينهما لم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 136 يلزمه دم وقد ذكر الائمة أن دم التمتع منوط من جهة المعنى بامرين (أحدهما) ربح ميقات كما سبق (والثانى) وقوع العمرة في أشهر الحج وكانوا لا يزحمون الحج بالعمرة في مظنته ووقت إمكانه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 137 ويستنكرون ذلك فورد التمتع رخصة وتخفيفا إذا الغريب قد يرد قبل عرفة بايام ويشق عليه استدامة الاحرام لو أحرم من الميقات ولا سبيل إلى مجاوزته فجوز له أن يعتمر ويتحلل * ولو أحرم بها قبل أشهر الحج وأتى بجميع أفعالها في أشهره ففيه قولان (أحدهما) يلزمه الدم قاله في القديم والاملاء لانه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 138 حصلت المزاحمة في الافعال وهي المقصودة والاحرام كالتمهيد لها (وأصحهما) لا يلزمه قاله في الام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 139 وبه قال أحمد رحمه الله لانه لم يجمع بين النسكين في أشهر الحج لتقدم أحد أركان العمرة عليها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 140 وعن ابن سريج رحمه الله أن النصين محمولان علي حالين وليست المسألة علي قولين ان أقام بالميقات بعد إحرامه بالعمرة حتى دخل أشهر الحج أو عاد إليه محرما بها في الاشهر لزمه الدم وإن جاوزه قبل الاشهر ولم يعد إليه لم يلزمه والفرق حصوله بالميقات محرما في الاشهر مع التمكن من الاحرام بالحج وان سبق الاحرام مع بعض الاعمال أشهر الحج فالخلاف فيه مرتب (ان) لم نوجب الدم إذا سبق الاحرام وحده فههنا أولى (وإن) أوجبناه فوجهان والظاهر أنه لا يجب أيضا وعن مالك رحمه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 141 الله انه مهما حصل التحلل في أشهر الحج وجب الدم وعند أبى حنيفة إذا أتى باكثر أفعال العمرة في الاشهر كان متمتعا * وإذا لم نوجب دم التمتع في هذه الصورة ففى وجوب دم الاساءة وجهان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 142 (أحدهما) يجب وبه قال الشيخ أبو محمد رحمه الله لانه أحرم بالحج من مكة دون الميقات (وأصحهما) لا يجب لان المسئ من ينتهى إلى الميقات علي قصد النسك ويجاوزه غير محرم وههنا قد أحرم بنسك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 143 وحافظ على حرمة البقعة (وقوله) في الكتاب ولو تقدم احرامها دون التحلل يمكن تنزيله على تقدم مجرد الاحرام (وقوله) دون التحلل أي دون الاعمال إذا التحلل بها يحصل ويمكن تنزيله على ما تشترك فيه هذه الصورة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 144 وصورة تقدم بعض الاعمال وعلي التقديرين فتفسير الخلاف الذى أبهمه بين مما ذكرنا والامام رحمه الله أورد بدل القولين وجهين وهو خلاف رواية الجمهور * ويجوز اعلام لفظ الخلاف بالواو لما مر عن ابن سريج (الثالث) أن يقع الحج والعمرة في سنة واحدة فلوا اعتمر ثم حج في السنة القابلة فلا دم عليه سواء أقام بمكة إلى أن حج أو رجع وعاد لان الدم انما يجب إذا زاحم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 145 بالعمرة حجته في وقتها وترك الاحرام بحجته من الميقات مع حصوله بها في وقت الامكان ولم يوجد وقد روى عن سعيد بن المسيب قال " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتمرون في أشهر الحج فإذا لم يحجوا في عامهم ذلك لم يهدوا " ويمكن رد هذا الشرط والشرط الثاني إلى شئ واحد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 146 وهو وقوع العمرة في أشهر الحج التي حج فيها (الرابع) ألا يعود إلى الميقات كما إذا أحرم بالحج من جوف مكة واستمر عليه فان عاد إلى ميقاته الذى أنشأ العمرة منه وأحرم بالحج فلا دم عليه لانه لم يربح ميقاتا ولو رجع إلى مثل مسافة ذلك الميقات وأحرم منه فكذلك لا دم عليه لان المقصود قطع تلك المسافة محرما * ذكره الشيخ أبو محمد وغيره ولو أحرم من جوف مكة ثم عاد إلى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 147 الميقات محرما ففى سقوط الدم مثل الخلاف المذكور فيما إذا جاوز الميقات غير محرم وعاد إليه محرما * ولو عاد إلى ميقات أقرب إلى مكة من ذلك الميقات وأحرم منه كما إذا كان ميقاته الجحفة فعاد إلي ذات عرق فهل هو كالعود إلى ذلك الميقات فيه وجهان (أحدهما) لا وعليه الدم إذ لم يعد إلى ميقاته الجزء: 7 ¦ الصفحة: 148 ولا إلى مثل مسافته (والثانى) نعم لانه أحرم من موضع ليس ساكنوه من حاضرى المسجد الحرام وهذا هوالمحكى عن اختيار القفال والمعتبرين وأويده بان دم التمتع خارج عن القياس لاحيائه كل ميقات بنسك فإذا أحرم بالحج من مسافة القصر بطل تمتعه وترفهه فلا يقدح إيجاب الدم عليه بحال ولو دخل القارن مكة قبل يوم عرفة ثم عاد إلى الميقات للحج هل يلزمه الدم * ذكر الامام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 149 رحمه الله أنه مرتب على المتمتع إذا أحرم ثم عاد إليه إن لم يسقط الدم ثم فههنا أولى وإن أسقطنا فوجهان والفرق أن اسم القران لا يزول بالعود إلى الميقات بخلاف التمتع قال الحناطى والاصح انه لا يجب أيضا وقد نص عليه في الاملاء (وقوله) في الكتاب أن لا يعود إلى ميقات الحج اراد إلى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 150 الميقات للحج وإلا فلا يحسن حمله على مطلق الحج فان المواقيت لا اختصاص لها بالحج بل هي للنسكين سواء ولا على حجة خاصة فانه ميقات عمرة المتمتع لا ميقات حجه (وقوله) كان مفردا معلم بالحاء لان عند أبى حنيفة رحمه الله لا يكون مفردا ولا يسقط عنه دم التمتع حتى يعود إلى بلده الجزء: 7 ¦ الصفحة: 151 ويلم باهله (الخامس) اختلفوا في انه هل يشترط وقوع النسكين عن شخص واحد أم لا فعن الخضرى انه يشترط وقوعهما في سنة واحدة * وقال الجمهور لا يشترط لانا زحمة الحج وترك الميقات لا يختلف * إذا عرفت ذلك فهذا الامر المختلف في اشتراطه يفرض فواته في ثلاث صور (أحدها) ان يكون اجيرا من قبل شخصين استاجره احدهما للحج والآخر للعمرة (والثانية) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 152 ان يكون اجيرا للعمرة فيعتمر للمستأجر ثم يحج عن نفسه (والثالثة) أن يكون اجيرا للحج فيعتمر لنفسه ثم يحج عن المستأجر وهذه الثلاثة هي التى اوردها في الكتاب * وقد ذكرها في صدر الحالة الثانية من أحوال الاجير قبل هذا البيان حكمها فيما يتعلق باحتساب المسافة وحط الاجرة (فان قلنا) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 153 بمذهب الجمهور فقد ذكروا ان نصف دم التمتع علي من يقع له الحج ونصفه على من تقع له العمرة وليس هذا الكلام علي هذا الاطلاق بل هو محمول على تفصيل ذكره صاحب التهذيب رحمه الله (اما) في الصورة الاولي فقد قال ان أذنا في التمتع فالدم عليهما نصفان وان لم يأذنا فهو على الاجير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 154 وعلى قياسه ان اذن احدهما دون الآخر فالنصف علي الآذن والنصف على الاجير وأما في الصورتين الاخرتين فقد قال ان أذن له المستاجر في التمتع فالدم عليهما نصفان والا فالكل على الاجير ولنتبه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 155 ههنا لامور (احدها) ايجاب الدم على المستأجرين أو احدهما مفرع علي الاصح في ان دم القران والتمتع على المستاجر والا فهو على الاجير بكل حال (الثاني) إذا لم ياذن المستأجرين أو احدهما في الصورة الاولي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 156 أو المستأجر في الصورة الثالثة وكان الميقات البلد معينا في الاجارة أو نزلنا المطلق عليه فلزمه مع دم التمتع دم الاساءة لمن جاوز ميقات نسكه (والثالث) إذا أوجبنا الدم على المستأجرين فلو كانا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 157 معسرين فعلى كل واحد منهما خمسة ايام لكن صوم التمتع بعضه في الحج وبعضه بعد الرجوع وهما لم يباشرا حجا فعلى قياس ما ذكره صاحب التهذيب تفريعا علي قولنا ان دم القران والتمتع على المستاجر يكون الصوم على الاجير على قياس ما ذكره صاحب التتمة ثم هو كما لو عجز المتمتع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 158 عن الصوم والهدى جميعا ويجوز ان يكون الحكم على ما سيأتي في التمتع إذا لم يصم في الحج كيف يقضي فإذا أوجبنا التفريق إفضي تفريق الخمسة بنسبة الثلاثة والسبعة إلى تبعيض القسمين فيكملان ويصوم كل واحد منهما ستة أيام وقس على هذا ما اوجبنا الدم في الصورتين الاخيرتين على الاجير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 159 والمستاجر * وان فرعنا على الوجه المعزى إلى الخضرى فإذا اعتمر عن المستاجر ثم حج عن نفسه ففى كونه مسيئا الخلاف الذى مر فيهما إذا اعتمر قبل اشهر الحج ثم حج من مكة لكن الاصح ههنا انه مسئ لامكان الاحرام بالحج حين حضر الميقات * قال الامام فان لم يلزمه الدم ففوات هذا الشرط لا يؤثر الا في فوات فضيلة التمتع على قولنا انه افضل من الافراد وان الزمناه الدم فله اثران هذا احدهما (والثانى) ان المتمتع لا يجب عليه العود إلى الميقات وإذا عاد واحرم منه سقط عنه الدم بلا خلاف والمسئ يلزمه العود وإذا عاد ففى سقوط الدم عنه خلاف وأيضا فان الدمين يتفاوتان في البدل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 160 (السادس) في اشتراط نية التمتع وجهان (اصحهما) لا يشترط كما لا تشترط نية القران وهذا لان الدم منوط بزحمة الحج وربح احد السفرين وذلك لا يختلف بالنية وعدمها (والثاني) يشترط لانه جمع بين عبادتين في وقت أحداهما فاشبه الجمع بين الصلاتين لكن الفرق ظاهر فان اشهر الحج كما هي وقت الحج فهي وقت العمرة بخلاف وقت الصلاة فان قلنا باشتراطها ففى وقتها ثلاثة أوجه مأخوذة من الخلاف في وقت نية الجمع بين الصلاتين (أحدها) ان وقتها حالة الاحرام بالعمرة (والثاني) ما لم يفرغ من العمرة (والثالث) ما لم يشرع في الحج * قال الامام رحمه الله واعتبارما نحن فيه بنية الجمع بين الصلاتين في نهاية الضعف لكن لو قيل انما يلزم الدم إذا كان على قصد الحج عند الانتهاء إلى الميقات وأتى بالعمرة فانه قدم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 161 أدنى النسكين من أطول الميقاتين أما إذا لم يكن علي قصد الحج أو كان علي قصد الاقتصار على العمرة ثم اتفق الحج فلا دم عليه قياسا على من جاوز الميقات لا على قصد النسك لكان هذا قريبا من مأخذ لمناسك والله أعلم * فهذا شرح الشروط. المذكورة في الكتاب وورائها شرطان (احدهما) ان يحرم بالعمرة من الميقات فلو جاوزه مريدا للنسك ثم أحرم بها فالمنقول عن نصه أنه ليس عليه دم التمتع ولكن يلزم دمه الاساءة وقد اخذ باطلاقه آخذون وقال الاكثرون هذا إذا كان الباقي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 162 بينه وبين مكة دون مسافة القصر فان بقيت مسافة القصر فعليه الدمان معا (والثاني) حكى ابن خيران اشترط وقوع النسكين في شهر واحد وأباه عامة الاصحاب * واعلم ان الشروط المذكورة معتبرة في لزوم الدم لا محالة على ما فيها من الوفاق والخلاف وهل هي معتبرة في نفس التمتع (منهم) من يطلق اعتبارها بعينها حتى إذا انحزم شرط من الشروط كانت الصورة صورة الافراد وعلى هذا قال في مواضع من الفصل لم يكن متمتعا وهو ظاهر قوله في أوله وله ستة (شروط) ومنهم من لا يعتبرها في نفس التمتع وهذا أشهر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 163 ولذلك رسموا صحة التمتع من المكى مسألة خلافية فقالوا يصح عندنا التمتع والقران من المكى وبه قال مالك رحمه الله وعند ابي حنيفة رحمه الله لا يصح منه قران ولا تمتع وإذا احرم بهما ارتفضت عمرته وإن احرم بالحج بعد ما أتى بشطوط من الطواف للعمرة ارتفض حجه في قول ابى حنيفة وعمرته الجزء: 7 ¦ الصفحة: 164 في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وان أحرم به بعد مأتي باكثر الطواف مضى فيهما وأراق دما * قال (وإذا وجدت الشرائط فمكة ميقات المتمتع كما أنها ميقات المكى فلو جاوزها في الاحرام لزمه دم الاساءة مع دم التمتع) * إذا اعتمر ولم يرد العود إلى الميقات فعليه أن يحرم من مكة " أمر النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه رضي الله عنهم ان يحرموا من مكة وكانوا متمتعين " وهى في حقه كهي في حق المكي والكلام في الموضع الذى هو أولى لاحرامه وفيما إذا خالف واحرم خارج مكة اما في حد الحرم أو بعد مجاوزته الجزء: 7 ¦ الصفحة: 165 اذالم يعد إلى الميقات ولا إلى مسافته على ما ذكرنا في المكي وإذا اقتضى الحال وحوب دم الاساءة لزم مضموما إلى دم التمتع واعترض صاحب الشامل عليه فقال دم التمتع لا يجب الا لترك الميقات فيكف يجب لذلك دم آخر اجابوا عنه بانا لا نسلم انه يجب لهذا القدر بل يجب لربح احد الميقاتين وزحمة الحج بالعمرة على ما مر ويدل على تغاير سببهما تغايرهما في كيفية البدل وبتقدير أن لا يجب دم التمتع الا لترك الميقات فانما يجب ذلك لتركه الاحرام من ميقات بلده وهذا الدم انما يجب لتركه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 166 الاحرام مما صار ميقاتا له ثانيا وهو مكة (وقوله) في الكتاب فلو جاوزها في الاحرام لزمه دم الاساءة مطلق لكن المراد منه ما اذالم يعد الي الميقات ولا الي مسافته علي ما تبين من قبل ووجوب دم التمتع والحالة هذه يبين أن الشرط في التمتع ان لا يعود الي الميقات لا حرام الحج لا أن يحرم من مكة ومن قال الشرط أن يحرم من مكة فهو غالط في العبارة * قال (وأنما يجب دم التمتع باحرام الحج وهل يجوز تقديمه بعد العمرة على الحج فيه قولان للتردد في تشبيه العمرة باليمين مع الحنث فانه أحد السببين) * لما فرغ من القول في تصوير التمتع والشرائط المرعية فيه أراد أن يتكلم في وقت وجوب الدم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 167 وفى بدله وما يتعلق بهما والمتمتع يلزمه دم شاة إذا وجد وبه فسر قوله تعالى (فما استيسر من الهدي) وصفته صفة شاة الاضيحة ويقوم مقامه السبع من البدنة والبقرة ووقت وجوبه الاحرام بالحج وبه قال أبو حنيفة رحمه الله لانه حينئذ يصير متمتعا بالعمرة الي الحج * وعن مالك رضي الله عنه انه لا يجب حتى يرمى جمرة العقبة فيتم الحج وإذا وجب جاز اراقته ولم يتاقت بوقت كسائر دماء الجبرانات الا أن الافضل اراقته يوم النحر * وقال مالك وأبو حنيفة واحمد رحمهم الله لا يجوز اراقته الا يوم النحر وهل يجوز اراقته قبل الاحرام وبعد التحلل من العمرة فيه قولان وقيل وجهان (احدهما) لا يجوز كما لا يجوز الصوم في هذه الحالة وهذا لان الهدى يتعلق به عمل البدن وهى تفرقة اللحم والعبادات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 168 البدنية لا تقدم على وقت وجوبها (وأصحها) الجواز لانه حق مالي تعلق بسببين وهما الفراغ من العمرة والشروع في الحج فإذا وجد احدهما جاز اخراجه كالزكاة والكفارة (وقوله) للتردد في تشبيه العمرة باليمين مع الحنث بها احد السببين معناه ان أحد القولين موجه بتشببه الفراغ من العمرة والشروع في الحج باليمين مع الحننث ومن نصر القول الثاني ينازع في هذا التشبيه ويقول الكفارة متعلقة باليمين منسوبة إليها والدم ليس متعلقا بالعمرة وانما هو متعلق بالتمتع من العمرة إلى الحج وهو خصلة واحدة فان فرعنا على جواز التقدم على الاحرام بالحج فهل يجوز التقديم على التحلل من العمرة فيه وجهان (أصحهما) المنع لان العمرة أحد السببين فلا بد من تمامه كما لا بد من تمام النصاب في تعجيل الزكاة ومنهم من قطع بهذا ونفى الخلاف ولا خلاف في أنه لا يجوز التقديم على الشروع في العمرة * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 169 قال (واما المعسر فعليه صيام عشرة ايام في الحج بعد الاحرام وقبل يوم النحر ولا تقدم (ح) على الحج لانها عبادة بدنية ولا تجوز في أيام التشريق على الجديد وإذا تأخر عن أيام التشريق صار فائتا ولزم القضاء (ح) (وأما) السبعة فاول وقتها بالرجوع إلى الوطن وهل تجوز في الطريق فيه وجهان وقيل المراد به الرجوع إلي مكة وقيل الفراغ من الحج) * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 170 (قوله) وأما المعسر ربما يوهم أن الصوم انما يعدل إليه المتمتع إذا لم يملك الهدي ولا ما يشتريه به وليس كذلك بل له العدول إلى الصوم وإن قدر على الهدى في بلده إذا عجز عنه في موضعه لان في بدله وهو الصوم تأقيتا بكونه في الحج فلا نظر إلى غير موضعه بخلاف الكفارات فانه يعتبر فيها العدم المطلق إذ لا تاقيت فيها إذا عرفت ذلك فان المتمتع العادم للهدى يلزمه صوم عشرة أيام بنص القرآن ويجعلها قسمين ثلاثة وسبعة (أما) الثلاثة فيصومها في الحج ولا يجوز تقديمها على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 171 الاحرام بالحج خلافا لابي حنيفة حيث قال يجوز بعد الاحرام بالعمرة لاحمد حيث قال في رواية بقول أبى حنيفة وقال في رواية يجوز بعد التحلل من العمرة * لنا أن الصوم عبادة بدنية فلا تقدم على وقتها كالصلاة وسائر العبادات الواجبة ولا يجوزان يصوم شيئا منها في يوم النحر وفى جواز ايقاعها في أيام الشتريق قولان قدمنا ذكرهما في كتاب الصوم والمستحب أن يصوم الايام الثلاثة قبل يوم عرفة فان الاحب للحاج يوم عرفة أنه يكون مفطرا علي ما مر وانما يمكنه ذلك إذا تقدم احرامه بالحج بحيث يقع بين احرامه ويوم عرفة ثلاثة ايام قال الاصحاب رحمهم الله وهذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 172 هو المستحب للمتمتع الذى هو من أهل الصوم يحرم قبل اليوم السادس من ذى الحجة ليصوم الثلاثة ويفطر يوم عرفة ونقل الحناطي عن شرح أبي أسحق وجها أنه إذا لم يؤمل هديا يجب عليه تقديم الاحرام بحيث يمكنه صوم الايام الثلاثة قبل يوم النحر وأما الواجد للهدى فالمستحب له ان يصوم يوم التروية بعد الزول متوجها الي منى لما روى عن جابر رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا توهجتم إلى مني فاهلوا بالحج " فإذا فاته صوم الايام الثلاثة في الحج لزمه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 173 القضاء خلافا لابي حنيفة حيث قال يسقط الصوم ويستقر الهدى عليه وعن ابن سريح وابي اسحق رحمهما الله تخريج قول مثله والمذهب الاول لانه صوم واجب فلا يسقط كفوات وقته كصوم رمضان وإذا قضاها لم يلزمه دم خلافا لاحمد رحمه الله (وأما) السبعة فهي مقيدة بالرجوع قال الله تعالى (وسبعة إذا رجعتم) وما المراد من الرجوع فيه قولان (اصحهما) وهو نصه في المختصر وحرمله ان المراد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 174 منه الرجوع إلى الاهل والوطن لما روي انه صلى الله عليه وسلم قال المتمتعين " من كان معه هدى فليهد ومن لم يجد فليصم ثلاثة ايام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله " وعن ابن عباس رضي الله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 175 عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ثلاثة في أيام الحج وسبعة إذا رجعتم إلى أمصاركم " (والثانى) ان المراد منه الفراغ وبهذا قال أبو حنيفة واحمد رحمهما الله لان قوله وسبعة إذا رجعتم مسبوق بقوله ثلاثة أيام في الحج فينصرف إليه وكانه بالفراع رجع عما كان مقبلا عليه من الاعمال (فان قلنا) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 176 بالاول فله توطن مكة بعد فراغه من الحج صام بها وان لم يتوطنها لم يجز صومه بها وهل يجوز في الطريق إذا توجه وطنه روى الصيدلانى وغيره فيه وجهين (أحدهما) نعم لان ابتداء السير أول الرجوع (واصحهما) لا لانه تقديم العبادة البدنية على وقتها وبهذا قطع اصحابنا العراقيون تفريعا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 177 علي القول الاصح وجعلوا الوجه الاول قولا برأسه حملا للرجوع في الآية علي الانصراف من مكة والوجه ما فعلوه فانا إذا جوزنا الصوم في الطريق فقد تركنا التوقيت بالعود إلى الوطن وإذا فرعنا على أن المراد الفراغ من الحج والانصراف من مكة فلو أخره حتى يرجع إلى وطنه جاز الجزء: 7 ¦ الصفحة: 178 وهل هو أفضل أم التقديم أفضل مبادرة إلى العبادة حكى العراقيون فيه قولين (أصحهما) وبه قال مالك ان التأخير أفضل تحرزا عن الخلاف وسواء قلنا ان الرجوع هو الرجوع إلى الوطن أو الفراغ من الحج فلو أراد أن يوقع بعض الايام السبعة في ايام الشتريق لم يجز وان حكمنا بانها قابلة للصوم اما علي القول الاول فظاهر وأما علي الثاني فلانه يعد في اشتغال الحج وان حصل التحلل ونقل بعضهم عن الشافعي رضى الله عنه أن المراد من الرجوع هو الرجوع من منى إلى مكة والامام وصاحب الكتاب عدا هذا قولا وراء قول الرجوع إلى الوطن وقول الفراغ من الحج لكن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 179 قضية كلام كثير من الائمة أنه وقول الفراغ من الحج شئ واحد وان الغرض منه بيان ما ينزل عليه لفظ الرجوع في الآية وهو الاشبه وبتقدير أن يكون قولا برأسه فعلى ذلك القول لو رجع من منى إلى مكة صح صومه وان تأخر طوافه للوداع والله أعلم * ولنتكلم فيما يتعلق بلفظ الكتاب علي الخصوص سوى ما اندرج في أثناء الكلام (أما) قوله ثلاثة في الحج بعد الاحرام أي بالحج وهو معلم بالحاء والالف لما قدمنا (وقوله) وقبل يوم النحر جواب على الجديد في أنه لا يجوز للمتمتع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 180 صوم أيام التشريق فيجوز أن يعلم بالواو (وقوله) ولا يقدم علي الحج كالمكرر لان في قوله بعد الاحرام ما يفيده ولعله إنما أعاده ليعلق به العلة وهى قوله لانها عبادة بدنية (وقوله) ولا يجوز في أيام التشريق علي الجديد مكرر قد ذكره مرة في الصوم ثم هو مرقوم بالميم والالف لما كتبناه ثم (وقوله) فإذا تأخر عن أيام الشتريق صار فائتا معناه ان الفوات حاصل عند مضى أيام التشريق لا محالة فأما أنه بم يحصل ان لم نجعل ايام التشريق قابلة للصوم فأنه يحصل بمضي يوم عرفة واما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 181 إذا جعلناها غير قابلة فأنه يحصل بمضيها ويمكن ان يتأخر طواف الزيارة عن ايام التشريق إذ لا امد له من جهة التأخر فيكون بعد في الحج لبقاء بعض الاركان عليه لكن صوم الثلاثة بعد ايام التشريق لا يكون اداء وان بقى الطواف لان تأخره عن أيام الشتريق مما يبعد ويندر فلا يقع مرادا من قوله تعالى (ثلاثة أيام في الحج) بل هو محمول على الغالب المعتاد * هكذا حكاه الامام وغيره وفى التهذيب وجه ضعيف ينازع في ذلك (وقوله) بالرجوع إلى الوطن معلم - بالميم والحاء الالف - لما تقدم وقوله بعد ذلك وقيل قولان لا وجهان وقد مر ما فيهما * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 182 قال (ثم إذا فاتت الثلاثة قضي عشرة أيام ويفرق بين الثلاثة والسبعة بمقدار ما يقع التفرقة في الاداء فان لم يفعل ففى صحة اليوم الرابع عن هذه الجهة قولان فان قلنا لا يصح (و) صح ما بعده وجعل اليوم الرابع كالافطار المتخلل) * إذا لم يصم الثلاثة في الحج حتى فرع ورجع لزمه صوم العشرة وقد حكينا خلاف أبي حنيفة وقولا يوافقه فيه فإذا قلنا بالمذهب فهل يجب التفريق في القضاء بين الثلاثة والسبعة فيه قولان في رواية الحناطى والشيخ أبى محمد رحمهما الله ووجهان في رواية غيرهما (أحدهما) وبه قال احمد انه لا يجب لان التفريق في الاداء يتعلق بالوقت فلا يبقى حكمه في القضاء كالتفريق في الصلوات المؤداة وهذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 183 أصح عند الامام وطائفة (والثانى) وهو الاصح عند الاكثرين أنه يجب التفريق كما في الاداء ويفارق تفريق الصلوات فان ذلك التفريق يتعلق بالوقت وهذا يتعلق بالفعل وهو الحج والرجوع فعلى هذا هل يجب التفريق بمثل ما يقع التفريق في الاداء فيه قولان (أحدهما) لا بل يكفى التفريق بيوم لان المقصود انفصال أحد قسمي الصوم عن الآخر وهذا حاصل باليوم الواحد ويحكى هذا عن نصه في الاملاء (وأصحهما) انه يجب التفريق في القضاء بمقدار ما يقع به التفريق في الاداء لتتم محاكاة القضاء للاداء وفيما يقع به التفريق في الاداء أقوال أربعة تتولد من أصلين سبقا (أحدهما) أن المتمتع هل له صوم أيام التشريق (والثاني) أن الرجوع إلي ماذا (فان قلنا) ليس للمتمتع صوم أيام التشريق وفسرنا الرجوع بالرجوع إلى الوطن فالتفريق باربعة أيام ومدة امكان مسيره إلى أهله علي العادة الغالبة (وان قلنا) ليس له صومها وفسرنا الرجوع بالفراغ من الحج فالتفريق باربعة أيام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 184 لا غير لتمكنه من الابتداء بصوم السبعة كما مضت أيام التشريق (وإن قلنا) للمتمتع صومها وفسرنا الرجوع بالرجوع إلى الوطن فالتفريق بمدة امكان مسيره إلى أهله (وان قلنا) له صومها وفسرنا الرجوع بالفراغ من الحج فوجهان (أصحهما) أنه لا يجب التفريق لانه يمكنه في الاداء على هذا أن يصوم أيام التشريق عن الثلاثة ويصل بها صوم السبعة (والثانى) لا بد من التفريق بيوم لان الغالب أن يفطر يوم الرجوع إلى مكة وأيضا فان الثلاثة تنفصل في الاداء عن السبعة بحالتين متغايرتين لوقوع أحدهما في الحج والآخر بعده فينبغي أن يقيم في القضاء مقام ذلك التفريق بافطار يوم والله اعلم * فان أردت حصر الاقوال التى تجئ فيمن لم يصم الثلاثة في الحج مختصرا (قلت) فيه ستة اقوال لا صوم عليه بل ينتقل إلى الهدى عليه صوم عشرة متفرقا أو متتابعا صوم عشرة بشرط الجزء: 7 ¦ الصفحة: 185 التفريق بيوم فصاعدا بشرط التفريق باربعة أيام ومدة امكان المسير إلى الاهل بشرط التفريق بأربعة أيام فحسب بشرط التفريق بمدة امكان المسير فحسب ولو صام عشرة أيام ولاء والتفريع على ظاهر المذهب وهو لزوم القضاء اجزأه ان لم نشترط التفريق فان شرطنا التفريق واكتفينا بيوم لم يعتد باليوم الرابع ويعتد بما بعده ويجعل ذلك اليوم كالافطار إذا لم يقع عن هذه الجهة ولهذا لو نوي فيه تطوعا أو قضاء يجزئه فعلى هذا يصوم يوما آخر وقد خرج عن العهدة وعن صاحب التقريب حكاية وجه ضعيف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 186 انه لا يعتد بشئ مما بعد اليوم الرابع وحكي الحناطي عن الاصطخرى وجها أضعف من هذا وهو انه لا يعتد بالثلاثة أيضا إذا نوى التتابع وان شرطنا التفريق باكثر من يوم لم يعتد بذلك القدر ويقاس ما قبله وما بعده بما ذكرنا (وأما) لفظ الكتاب فقوله قضي عشرة أيام لا يمكن حمله على القضاء المقابل للاداء فان العشرة لا تكون قضاء بهذا المعني لكون السبعة مؤداة فيها ولكن المراد قضاؤها عشرة ايام أو المراد صام عشرة ايا معبرا بلفظ القضاء على ما يشترك فيه القضاء والاداء ويجوز ان يعلم بالحاء والواو لما أعلم بهما قوله من قبل ولزم القضاء (وقوله) ويفرق بين الثلاثة والسبعة بمقدار ما يقع التفرقة في الاداء لا يمكن من جهة النظم حمله على شرائط التفريق هكذا وان كان هو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 187 ظاهر المذهب عند عامة الاصحاب لانه لو كان هذا حكما باشتراطه لم يصح أن يقول بعده فان لم يفعل ففى صححة اليوم الرابع قولان وأيضا فانه حكم بصحة ما بعد اليوم الرابع ان لم يصح اليوم الرابع ومن شرط التفريق بذلك المقدار لا يكتفى بيوم فكأنه اراد به هكذا ينبغي أن يفعل تحرزا عن الخلاف فان لم يفعل ففيه الخلاف (وقوله) فان لم يفعل في صحة اليوم الرابع عن هذه الجهة قولان أولا فيه اضمار الجزء: 7 ¦ الصفحة: 188 معناه فان لم يفعل ووالي بين العشرة والا فلا يلزم من أن يفرق بين الثلاثة والسبعة بمقدار ما يقع عليه التفرقة في الاداء الموالاة لجواز التفريق بمقدار يخالف ذلك المقدار وحينئذ لا يلزم أن يكون صائما اليوم الرابع حتى يقال هل يعتد به أم لا ثم لا يخفى ان هذا الخلاف هو في أن التفريق هل هو شرط أم لا كما مر ثم يتعين اليوم الرابع والحكم بانه ان لم يصح صح ما بعده ذهاب إلى الاكتفاء في الجزء: 7 ¦ الصفحة: 189 التفريق بيوم واحد والظاهر خلافه على ما أوضحناه فيجب اعلام قوله صح ما بعده بالواو لذلك ثم للوجه المنقول عن صاحب التقريب (فرع) كل واحد من صوم الثلاثة في الحج والسبعة بعده يستحب فيه التتابع ولا يجب وروى صاحب المعتمد تخريج قول في كفارة اليمين انه يجب فيهما التتابع * قال (وان وجد الهدى بعد الشروع في الصوم لم يلزمه ولو وجد قبل الشروع وبعد الاحرام بالحج يبنى على أن في الكفارات بحالة الاداء أو بحالة الوجوب) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 190 إذا شرع في الصوم ثم وجد الهدى استحب له أن يهدى ولا يلزمه سواء شرع في صوم الثلاثة أو في صوم السبعة وبه قال مالك وكذلك أحمد رحمهما الله في رواية خلافا للمزني في الحالتين ولابي حنيفة رحمه الله فيما إذا شرع في صوم الثلاثة ولو فرغ من صوم الثلاثة ووجد الهدى قبل يوم النحر يلزمه الهدى أيضا عنده وان وجد بعده فلا والخلاف في المسألة شبيه بالخلاف في القدرة على العتق بعد الشروع في صوم الشهرين وفى وجدان الماء بعد الشروع في الصلاة بالتيمم ولو أحرم بالحج ولا هدى ثم وجده قبل الشروع في الصوم فيبني ذلك على أن الاعتبار في الكفارات بحالة الوجوب أو بحالة الاداء أو يعتبر أغلظ الحالتين والخلاف فيه يذكر موضعه ان شاء الله تعالي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 191 فان اعتبرنا حالة الوجوب أجزاه الصوم وان اعتبرنا حالة الاداء أو أغلظ الحالتين لزمه الهدي وهو المنقول عن نصه في هذه المسألة * قال (ولو مات المتمتع قبل الفراع من الحج سقط عنه الدم علي أحد القولين نظرا إلى الاخر ولو مات بعد الفراغ أخرج من تركته فان مات معسرا قبل التمكن من الصوم برئت الذمة وان مات بعد التمكن من الصوم صام عنه وليه أو فدي عن كل يوم بمد كما في رمضان وقيل إنه يرجع ههنا الي الاصل وهو الدم) * المتمتع الواجد للهدى إذا مات قبل الفراغ من الحج هل يسقط عنه الدم حكي صاحب النهاية وغيره فيه قولين أحدهما نعم لان الكفارة إنما تجب عند تمام النسكين على سبيل الرفاهية وربح أحد السفرين وإذا مات قبل الفراغ لم يحصل هذا الغرض (وأصحها) أنه لا يسقط بل يخرج من تركته لانه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 192 وجب بالاحرام بالحج والتمتع بالعمرة الي الحج وأنه موجود ولو مات بعد الفراغ من الحج فلا خلاف في انه يخرج من تركته (وأما) الصوم فان مات قبل التمكن منه ففيه قولان (أحدهما) أنه يهدى عنه لان الصوم قد وجب بالشروع في الحج فلا يسقط من غير بدل وهذا مصور فيما إذا لم يجد الهدى في موضعه وله ببلده مال وفيما إذا كان يباع بثمن غال (والثاني) انه يسقط لانه صوم لم يتمكن من الاتيان به فاشبه صوم رمضان وهذا أصح قاله ابن الصباغ وصاحب التهذيب وان تمكن من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 193 الصوم فلم يصم حتي مات فهل هو كصوم رمضان فيه طريقان (أصحهما) نعم لانه صوم مفروض فاته بعد القدرة عليه فعلى هذا يصوم عنه وليه في القول القديم وفى الجديد يطعم عنه من تركته لكل يوم مد فان تمكن من جميع العشرة فعشرة أمداد والا فبالقسط وهل يجب صرفه إلى فقراء الحرم أم يجوز صرفه إلى غيرهم فيه قولان (أشبههما) الثاني (والثانى) انه لا ينزل منزلة صوم رمضان وتجعل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 194 الفدية من خواص رمضان كالكفارة العظمى وعلى هذا فقولان (أصحهما) ان الرجوع إلى الدم لانه أقرب إلى هذا الصوم من الامداد فيجب في فوات ثلاثة إيام إلى العشرة شاة وفى يوم واحد ثلث شاة ويومين ثلثا شاة وعن أبى اسحق اشارة إلى ان اليوم واليومين كاتلاف الشعرة والشعرتين من المحرم وفيما يقابل به الشعرة الواحدة أقوال (أحدها) مد من طعام (والثانى) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 195 درهم (والثالث) ثلث شاة (والثانى) نقله الامام والمصنف في الوسيط عن رواية صاحب التقريب انه لا يجب شئ أصلا (فان قلت) قد عرفت حكم ما إذا تمكن من الصوم وما إذا لم يتمكن فما التمكن (قلنا) (اما) الثلاثة فالتمكن من صومها بان يحرم بالحج لزمان يسع صومها قبل الفراغ ولا يكون به مرض مانع وذكر الامام رحمه الله انه لا يجب شئ في تركته ما لم ينته إلى الوطن لان دوام السفر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 196 كدوام المرض وصوم الايام الثلاثة وان كان ثابتا على الغرباء فلا يزيد تأكده على تأكد صوم رمضان أداء واستدراكا وهذا غير متضح لان صوم الثلاثة يتعين ايقاعه في الحج وان كانوا غرباء مسافرين بالنص فكيف ينهض السفر عذرا فيه وكيف يقاس بصوم رمضان (واما) السبعة فان فسرنا الرجوع بالرجوع إلى الوطن فله التأخير إلى الوصول إليه وكانه لا يمكن قبله وان فسرناه بالفراع من الحج فكذلك ثم دوام السير عذر على ما ذكره الامام رحمه الله وعن القاضى الحسين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 197 رحمه الله انا إذا استحببنا التأخير إلى ان يصل الي الوطن تفريعا على أن الرجوع هو الفراغ من الحج فهل يفدى عنه إذا مات في الطريق فيه وجهان تخريجا من الوجهين فيما إذا ظفر بالمساكين ولم يدفع الزكاة إليهم ليدفعها الي الامام فتلف المال هل يضمن ولا يخفي بعد ما ذكرناه ان قوله صام عنه وليه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 198 أو فدي كل يوم بمد ليس المراد منه التخيير وانما هو اشارة إلى القولين القديم والجديد المذكورين في صيام رمضان وان قوله وقيل أنه يرجع ههنا إلى الاصل قول لا وجه وأن المراد من قوله فان مات معسرا الي آخره ما إذا مات بعد التمكن وان كان اللفظ مطلقا ويجوز ان يعلم قوله صام عنه وليه أو فدى كل يوم بمد كلاهما بالحاء اما الاول فلان أبا حنيفة رحمه الله لا يقول بصوم الولى واما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 199 الثاني فلما قدمنا انه إذا لم يصم الثلاثة في الحج سقط الصوم واستقر الهدى ولفظ الكتاب مطلق ويجوز ان يعلم الاول بالميم والالف أيضا * قال (الباب الثاني في أعمال الحج وفيه أحد عشر فصلا (الاول) في الاحرام وينعقد بمجرد النية (ح) من غير تلبية وان أحرم مطلقا ثم عين بحج أو عمرة أو قران فله ذلك الا ان يحرم قبل أشهر الحج ثم يعين الحج أو يدخل عليه الحج بعد الاشهر فانه لا يجوز (و)) * فصول الباب تفصيل ترجمته الجميلة غير الفصل الاخير فانه لا اختصاص له بهذا الباب ولعل غيره أليق به ومقصود الفصل الاول الكلام فيما ينعقد به الاحرام وفى كيفية انعقاده وينبغى للمحرم ان ينوى ويلبى فان لم ينو ولبي فقد حكى عن رواية الربيع انه يلزمه ما لبي به وقال في المختصر وإن لم يرد حجا ولا عمرة فليس بشئ واختلف الاصحاب على طريقين (أضعفهما) أن المسألة على قولين (أصحهما) أن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 200 احرامه لا ينعقد علي ما ذكره في المختصر لان الاعمال بالنيات (والثانى) انه يلزمه ما سمى لانه التزمه بقوله وعلي هذا لو أطلق التلبية انعقد له احرام مطلق بصرفه إلى ما شاء من كلا النسكين أو أحدهما (وأصحهما) القطع بعدم الانعقاد وحمل منقول الربيع على ما إذا تلفظ باحد النسكين على التعيين ولم ينوه ولكن نوى الاحرام المطلق فيجعل لفظه تفسيرا وتعيينا للاحرام المطلق (واعرف) ههنا شيئين (أحدهما) أن تنزيل لفظ المختصر على صورة المسألة يفتقر الي إضمار لانه قد لا يريد حجا ولا عمرة ولكن يريد نفس الاحرام فالمعنى حجا ولا عمرة ولا أصل الاحرام (والثاني) ان جعل اللفظ المجرد تفسيرا في صورة التأويل مشكل كجعله احراما في الابتداء والظاهر انه على تجرده لا يجعل تفسيرا علي ما سيأتي ولو نوى انعقد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 201 احرامه وإن لم يلب وبه قال مالك واحمد رحمهما الله لانه عبادة ليس في آخرها وفى أثنائها نطق واجب فكذلك في ابتدائها كالطهارة والصوم وعن أبي علي بن خيران وابن أبي هريرة وأبى عبد الله الزبيري رحمهم الله ان التلبية شرط لانعقاد الاحرام لاطباق الناس علي الاعتناء به عند الاحرام وبه قال أبو حنيفة الا ان عنده سوق الهدى وتقليده والتوجه معه يقوم مقام التلبية وحكي الشيخ أبو محمد وغيره قولا للشافعي رضي الله عنه مثل مذهبه وحكى الحناطى هذا القول في الوجوب دون الاشتراط وذكر تفريعا عليه انه لو ترك التلبية لزمه دم وإذا عرفت أن النية هي المعتبرة دون التلبية فيترتب عليه أنه لو لبى بالعمرة ونوى الحج فهو حاج ولو كان بالعكس فهو معتمر ولو تلفظ بأحدهما ونوى القران فقارن ولو تلفظ بالقران ونوى أحدهما فهو محرم بما نوى (واعلم) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 202 أن الاحرام تارة ينعقد معينا بأن ينوى أحد النسكين علي التعيين أو كليهما ولو أحرم بحجتين أو بعمرتين لم يلزمه الا واحدة خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال يلزمانه فيشتغل بواحدة وتكون الاخرى في ذمته وتارة ينعقد مطلقا بان ينوى نفس الاحرام ولا يقصد القران ولا أحد النسكين فهو جائز لما روى " أنه صلى الله عليه وسلم أحرم مطلقا وانتظر الوحى " ويفارق الصلاة فانه لا يجوز الاحرام بها والتعيين بعده لان التعيين ليس بشرط في انعقاد الحج ولهذا لو أحرم الضرورة عن غيره الجزء: 7 ¦ الصفحة: 203 انصرف إليه ولو أحرم بالنفل قبل الفرض إلى الفرض وإذا أحرم مطلقا فينظر إن احرم في أشهر الحج فله أن يصرفه الي ما شاء من الحج والعمرة والقران والتعيين بالنية لا باللفظ ولا يجزئ العمل قبل التعيين ذكره الشيخ أبو على وغيره وان احرم قبل الاشهر فان صرفه إلى العمرة صح وان صرفه الي الحج بعد دخول الاشهر هل يجوز بناه الشيخ أبو على على مسألة أخرى وهي ما لو أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج ثم أراد إدخال الحج عليها في الاشهر ليكون قارنا وفى جوازه وجهان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 204 (أحدهما) يجوز لانه انما يصير داخلا في الحج من وقت احرامه به ووقت احرامه به صالح للحج (والثانى) لا يجوز لان ابتداء احرامه وقع قبل الاشهر والقارن في حكم ملابس باحرام واحد ألا يرى انه لو ارتكب محظورا لم يلزمه الا فدية واحدة فلو انعقد الحج وابتداء الاحرام سابق علي الاشهر لا انعقد الاحرام بالحج قبل الاشهر (فان قلنا) بالوجه الاول فإذا أحرم مطلقا ثم دخلت الاشهر فله أن يجعله حجا وان يجعله قرانا ويحكي هذا عن الحضرى (وان قلنا) بالثاني حكمنا بانعقاد الاحرام المطلق عمرة لانه لا يحتمل ان ينصرف الي غيرها وعلي الاول ينعقد على الابهام ثم لو صرفه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 205 إلى الحج قبل دخول الاشهر كان كما لو أحرم بالحج قبل الاشهر وقد مضى الكلام فيه (واعلم) ان الصورتين معا المبنية والمبني عليها مذكورتان في الكتاب (وقوله) الا ان يحرم قبل أشهر الحج ثم يعين للحج أراد به ما إذا أحرم مطلقا قبل الاشهر ثم صرفه إلى الحج في الاشهر (وقوله) أو يدخل عليه الحج بعد الاشهر أراد به ما إذا أحرم بالعمرة في غير الاشهر ثم أدخل الحج عليها في الاشهر وان لم يكن في اللفظ انباء عنه وقد أجاب فيهما جميعا بالمنع وهو ظاهر المذهب في الصورة الاولي (وأما) في الثانية وهي صورة الادخال فكأنه تابع فيه الشيخ أبا على فانه اختاره وحكاه عن عامة الاصحاب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 206 لكن القفال اختار الجواز وبه أجاب صاحب الشامل وغيره ثم فيما ذكره من جهة اللفظ استدراك فانه استثني الصورتين مما إذا أحرم مطلقا والصورة الثانية غير داخلة فيه حتي تستثنى وما الافضل من اطلاق الاحرام وتعيينه فيه قولان (قال) في الاملاء الاطلاق أفضل لما روى انه صلي الله عليه وسلم " أحرم مطلقا " وأيضا فقد يعرض ما يمنعه من أحد النسكين فإذا أطلق أمكن صرفه إلى الآخر (وقال) في الام وهو الاصح التعيين أفضل وبه قال أبو حنيفة رحمه الله لانه أقرب إلى الاخلاص الجزء: 7 ¦ الصفحة: 207 وقد روى عن جابر رضى الله عنه قال " قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقول لبيك بالحج " وعلى هذا فهل يستحب التلفظ بما عينه فيه وجهان (أصحهما) وهو المنصوص لا بل يقتصر على النية لان اخفاء العبادة أفضل (والثاني) وبه قال أبو حنيفة نعم لخبر جابر رضى الله عنه ولانه يكون أبعد عن النسيان والله أعلم * قال (ولو أهل عمرو باهلال كهلال زيد صح فان كان احرام زيد مفصلا أو مطلقا كان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 208 احرام زيد كذلك وان كان زيد أطلق أولا ثم فصله قبل احرام عمرو نزل احرام عمرو على المطلق نظرا إلى الاول أو على المفصل نظرا إلى الآخر فيه وجهان ولو لم يكن زيد محرما بقي احرامه مطلقا الا إذا عرف أنه غير محرم فأن عرف موته انعقد لعمرو احرام مطلق على أظهر الوجهين ولغت الاضافة إلى الثاني فانه نص في الام انه لو أحرم عن مستأجرين تعارضا وانعقد عن الاجير وكذا لو أحرم عن نفسه وعن المستأجر تساقطت الاضافتان وبقى الاحرام عن الاجير) * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 209 إذا أهل عمرو بما أهل به زيد جاز لما روى " ان عليا وأبا موسي رضى الله عنهما قدما من اليمن مهلين بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليهما " ثم فيه ثلاث مسائل لان زيدا اما ان يكون محرما أو لا يكون وان كان محرما فاما ان يمكن الوقوف على ما أحرم به أو لا يمكن والفصل مشتمل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 210 على مسألتين من الثلاث (أحداهما) ان يكون زيد محرما ويمكن الوقوف على ما أحرم به فينعقد لعمرو مثل احرامه وان كان محرما بحج فعمرو ايضا حاج وان كان معتمرا فمعتمر وان كان قارنا فقارن وان كان احرامه مطلقا انعقد لعمرو احرام مطلق أيضا ويتخير كما يتخير زيد ولا يلزمه صرف احرامه إلى ما يصرف إليه زيد وفي المعتمد نقل وجه انه يلزمه والمشهور الاول قال في التهذيب الا إذا أراد احراما كاحرام زيد بعد تعيينه وان كان احرام زيد فاسدا فاحرام عمرو ينعقد مطلقا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 211 أو لا ينعقد أصلا عن القاضى أبى الطيب حكاية وجهين فيه ولو ان زيدا كان قد أبهم احرامه أولا ثم فصله قبل احرام عمرو ففيه وجهان (اشبههما) أن احرامه ينعقد مبهما نظرا إلى أول احرام زيد (والثانى) ينعقد مفصلا نظرا إلى اخره * والوجهان جاريان فيما لو كان زيد قد أحرم بعمرة ثم أدخل عليها الحج فعلى الاول لا يلزمه الا العمرة وعلى الثاني يكون قارنا وموضع الوجهين ما إذا لم يخطر له التشبيه بآخر احرام زيد في الحال والا فالاعتبار بالآخر بلا خلاف وما إذا يخطر له التشبيه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 212 بابتداء احرامه والا فالاعتبار بالاول بلا خلاف ولو اخبره زيد عما أحرم به ووقع في نفسه خلافه فيعمل بما أخبره عنه أو بما وقع في نفسه فيه وجهان وإذا أخبره عن احرامه بالعمرة وجري على قوله ثم بان انه كان محرما بالحج فقد بان ان احرام عمرو كان منعقدا بالحج فان فات الوقت تحلل من احرامه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 213 للفوات وأراق دما وهو في ماله أو مال زيد للتغرير فيه وجهان أورد المسألتين صاحب المعتمد وغيره * (الثانية) ان لا يكون محرما أصلا فينظر ان كان عمرو جاهلا به انعقد احرامه مطلقا لانه جزم بالاحرام وجعل له كيفية خاصة فيبقى أصل الاحرام وان بطلت تلك الكيفية وان كان عالما بانه غير محرم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 214 فوجهان (أحدهما) أنه لا ينعقد احرامه أصلا كما إذا قال ان كان فلان محرما فقد أحرمت فلم يكن محرما (وأصحهما) ولم يذكر الجمهور غيره انه ينعقد احرامه مطلقا لما ذكرنا في صورة الجهل ويخالف ما إذا قال ان كان محرما فقد احرمت فان هناك علق اصل احرامه باحرامه فلا جرم ان كان محرما فهو محرم والا فلا وههنا الاصل مجزوم به * واستشهد في الكتاب لهذا الوجه بصورتين نص عليها في الجزء: 7 ¦ الصفحة: 215 الام (احداهما) لو استأجره رجلان ليحج عنها فاحرم عنهما لم ينعقد الاحرام عن واحد منهما لان الجمع غير ممكن وليس احدهما اولى بصرف الاحرام إليه فلغت الاضافتان ووقع الحج عن الاجير والتصوير في الاجارة على الذمة بين وقد تصور في اجارة العين ايضا وإن كانت إحدى الاجارتين فاسدة لان الاحرام عن الغير لا يتوقف على صحة الاجارة * (والثانية) لو استاجره رجل ليحج عنه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 216 فاحرم عن نفسه وعن المستأجر لغت الاضافتان وتساقطتا وبقى الاحرام عن الاجير فلما لغت الاضافة في الصورتين وبقى أصل الاحرام جاز ان يلغوها هنا التشبيه في الكيفية ويبقى أصل الاحرام ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب وانعقد عن الاجير بالحاء لان عند أبى حنيفة ان كان المستأجر ان أبوى الاجير وأحرم عنهما أو أحرم عنهما من غير إجارة انعقد الاحرام عن أحدهما وله صرفه إلى أيهما شاء وعنه في المستأجرين لاجنبيين روايتان (اظهرهما) مثل مذهبنا (وقوله) بان عرف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 217 موته أشار به إلى ما ذكره الامام من أن العلم بانه غير محرم لا يكاد يتحقق فان الاعتبار بالنية ولا يطلع عليها غير الله تعالى وإنما يظهر التصوير إذا شبه إحرامه باحرام زيد وهو يعرف أنه ميت (واعلم) أن المسألتين والثالثة التي سنذكرها مفروضات فيما إذا أحرم في الحال باحرام كاحرام الغير أما لو علق باحرامه في المستقبل فقال إذا أحرم فانا محرم لم يصح كما إذا قال إذا جاء رأس الشهر فانا محرم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 218 لا يصير محرما بمجيئه لان العبادات لا تعلق بالاخطار كذا أورده صاحب التهذيب وغيره ونقل في المعتمد وجهين في صحة الاحرام المعلق بطلوع الشمس ونحوه وقياس تجويز تعليق أصل الاحرام باحرام الغير تجويز هذا لان التعليق موجود في الحالين الا أن هذا تعليق بمستقبل وذاك تعليق بحاضر وما يقبل التعليق من العقود يقبلهما جميعا والله أعلم * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 219 قال (ولو مات زيد بعد الاحرام أو عسر مراجعته فهو كما لو احرم مفصلا ثم نسى ما احرم به والقول الجديد أنه لا يؤخذ بغلبة الظن اجتهادا لكن يبني علي اليقين فيجعل نفسه قارنا فتبرأ ذمته عن الحج بيقين وكذا عن العمرة إلا إذا قلنا لا يجوز ادخال العمرة على الحج فانه يحتمل انه وقع الآن كذلك وقيل النسان عذر في جواز ادخال العمرة على الحج (فان قلنا) يبرأ عن العمرة فعليه دم القران وإلا فلا وان طاف اولا ثم شك فيمتنع ادخال الحج لو كان معتمرا فطريقه ان يسعي ويحلق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 220 ويبتدئ احرامه بالحج ويتمه فيبرأ عن الحج بيقين لانه ان كان حاجا فغايته انه حلق في غير اوانه وفيه دم وان كان معتمرا فقد تحلل ثم حج وعليه دم التمتع فالدم لازم بكل حال ولا يضره الشك في الجهة فان التعيين ليس بشرط في نية الكفارات) * المسألة الثالثة ان يكون زيد محرما لكن يتعذر مراجعته بجنون أو غيبة أو موت بعد الاحرام وقد شبهها في الكتاب بمسألة طويلة الفقه فنشرحها ثم نعود الي هذه فنقول وإذا احرم بنسك معين من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 221 النسكين ثم نسيه قال في القديم احب ان يقرن وان تحرى رجوت ان بجزئه ونص في الجديد على انه قارن ونقل الشيخ أبو على فيها طريقين (احدهما) نفي الخلاف في جواز التحرى ونص في الجديد علي ماذا شك فلم يدر انه احرم باحد النسكين أو قرن (واصحهما) وهو رواية المعظم ان المسألة علي قولين (القديم) انه يتحرى ويعمل بظنه لا مكان ادراك المقصود بالتحرى كما في القبلة والاواني (والجديد) أنه لا يتحرى لانه تلبس بالاحرام يقينا ولا تحلل الا إذا اتى باعمال المشروع فيه فالطريق ان يقرن وياتى باعمال النسكين وهذا كما لو شك في صلاته في عدد الركعات يبنى على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 222 اليقين ليتحقق الخروج عما شرع فيه ويفارق التحري في القبلة والاواني لان لها علامات تدل عليها ولا دلالة ههنا (واعلم) أن هذا الفرق مبني على ان الاجتهاد يعتمد النظر في العلامات وقد ذكرنا في كتاب الطهارة خلافا فيه وبتقدير ان يعتمده فناصر القول الاول قد لا يسلم انتفاء الامارات ههنا وبنى الشيخ أبو محمد رحمه الله علي هذين القولين اختلاف اصحابنا فيما إذا اجتهد جمع في أوان منها اثنان فصاعدا بصفة الطهارة وغلب علي ظن كل واحد طهارة واحد هل يجوز اقتداء بعضهم ببعض وقال هذا خلاف في أن الاقتداء هل يجوز بالتحرى والاجتهاد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 223 (التفريع) ان قلنا بالقديم فما غلب على ظنه أنه المشروع فيه من النسكين مضي فيه وأجزأه كما لو اجتهد في الثوب والقبلة وصلى على مقتضى اجتهاده وفى شرح الفروع ذكر وجه ضعيف أنه لا يجزئه الشك وفائدة التحرى الخلاص من الاحرام وان قلنا بالجديد فللشك حالتان (احداهما) أن يعرض قبل الاتيان بشئ من الاعمال فلفظ النص أنه قارن قال الاصحاب معناه أنه ينوى القران ويجعل نفسه قارنا لا انه يحكم بكونه قارنا لحصول الشك وأغرب أبو عبد الله الحناطي رحمه الله فحكي قولا انه يصير قارنا من غير نية ثم إذا نوى القران واتى بالاعمال تحلل وبرئت ذمته عن الحج بيقين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 224 وأجزأته عن حجة الاسلام لانه ان كان محرما بالحج لم يضر تجديد الاحرام به وادخال العمرة عليه لا يقدح فيه جوزناه أم لا وان كان محرما بالعمرة فادخال الحج عليها جائز قبل الاشتغال بالاعمال (وأما) العمرة فهل تجزئه عن عمرة الاسلام ان فرضناها يبنى علي أن العمرة هل يجوز ادخالها على الحج ام لا ان جوزناه اجزأته أيضا لانه ان كان محرما بها فذاك والا فقد ادخلها علي الحج وان لم نجوز ادخال العمرة على الحج ففيه وجهان (أصحهما) لا تجزئه لاحتمال انه كان محرما بالحج وامتناع ادخال العمرة عليه والعمرة واجبة عليه فلا تسقط بالشك (والثانى) ويحكى عن أبى اسحق أنها تجزئه ويجعل الاشتباه عذرا في جواز الادخال فان حكمنا باجزائهما جميعا لزمه دم القران فان لم يجد صام عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع وان قلنا يجزئه الحج دون العمرة ففى لزوم الدم وجهان (أصحهما) انه لا يجب لانا لم نحكم باجزاء العمرة فلا يلزمه الدم بالشك وهذا هو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 225 الذى أورده في الكتاب (والثانى) يجب لانه قد نوى القران وصحة نسكيه محتملة فكما لا تحسب العمرة احتياطا لا يسقط الدم احتياطا (الحالة الثانية) أن يعرض الشك بعد الاتيان بشئ من الاعمال وله حالات (احداها) أن يعرض بعد الوقوف بعرفة وقيل الطواف فيجزئه الحج لانه ان كان محرما به فذاك وان كان محرما بالعمرة فقد أدخل الحج عليها قبل الطواف حيث نوى القران وذلك جائز ولا تجزئه العمرة لاحتمال أنه كان محرما بالحج فليس له ادخال العمرة عليه بعد الوقوف هكذا أورده أبو القاسم الكرخي وصاحب التهذيب وهو جواب أولا على أن العمرة لا تدخل على الحج بعد الوقوف وقد قدمنا وجها آخر أنها تدخل عليه ما لم ياخذ في أسباب التحلل * ثم هو مفروض الجزء: 7 ¦ الصفحة: 226 فيما إذا كان وقت الوقوف باقيا فوقف ثانيا والا فمن الجائز انه كان محرما بالعمرة فلا يجزئه ذلك الوقوف عن الحج (الثانية) ان يعرض بعد الطواف وقبل الوقوف فإذا نوى القران وأتى باعمال القران لم يجزئه حجه لاحتمال أنه كان محرما بالعمرة فيمتنع ادخال الحج عليها بعد الطواف (وأما) العمرة فهل تجزئه يبني علي أن ادخال العمرة على الحج هل يجوز وبتقدير ان يجوز هل يجوز بعد الطواف وأما العمرة فهل يجزئه يبنى على أن ادخال العمرة على الحج هل يجوز وبتقدير أن يجوز فهل يجوز بعد الطواف أم لا ان قلنا نعم أجزأته والا فلا لجواز انه كان محرما بالحج وقد طاف وهذا هو الاصح لانه شاك في عين ما أحرم به وفيما ادخله عليه فاشبه ما لو فاته ظهر وعصر وصلى احداهما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 227 وشك فيما صلي يلزمه اعادتهما جميعا وذكر ابن الحداد في هذه الصورة انه يتم اعمال العمرة بان يركع ركعتي الطواف ويسعى ويحلق أو يقصر ثم يحرم بالحج ويأتى باعماله وإذا فعل ذلك صح حجه لانه ان كان محرما بالحج لم يضر تجديد الاحرام وان كان محرما بالعمرة فقد تمتع ولا تصح عمرته لاحتمال انه كان محرما بالحج ولم تدخل العمرة عليه ان لم ينو القران * قال الشيخ أبو زيد وصاحب التقريب والاكثرون ان فعل ذلك فالجواب ما ذكره لكن لو استفتانا لم نفت به لجواز انه كان محرما بالحج وان هذا الحلق وقع في غير اوانه وحينئذ يكون الحلق محظورا وهذا كما لو ابتلعت دجاجة انسان لؤلؤة غيره لا نفتي لصاحب اللؤلؤة بذبحها واخراج اللؤلؤة لكن لو فعل ذلك لم يلزمه الا قدر التفاوت بين قيمتها حية ومذبوحة وكذا لو استقبلت دابتان لشخصين على شاهق وتعذر مرورهما لا نفتي لاحدها باهلاك دابة الآخر لكن لو فعل خلص الجزء: 7 ¦ الصفحة: 228 دابته ولم يغرم الا قيمة دابة الآخر وسواء افتينا له بذلك على ما ذكره ابن الحداد أو لم نفت فلو فعل لزمه دم لانه ان كان محرما بالحج فقد حلق في غير أوانه وإن كان محرما بالعمرة فقد تمتع فيريق دما عن الواجب عليه ولا يعين الجهة كما إذا كانت عليه كفارة قتل أو ظهار فاعتق ونوى عما عليه تجزئه لان التعين في الكفارات ليس بشرط فان كان معسرا لا يجد دما ولا طعاما صام عشرة أيام كما يصوم المتمتع فان كان اللازم دم التمتع فذاك وإن كان دم الحلق اجزأه ثلاثة ايام والباقى تطوع ولا يعين الجهة في صوم الثلاثة ويجوز تعيين التمتع في صوم السبعة ولو اقتصر على صوم ثلاثة أيام هل تبرأ ذمته قضية ما ذكره الشيخ أبو على انها لا تبرأ لان شغل الذمة بالدم معلوم فلابد من تعين البراءة * قال الامام رحمه الله ويحتمل ان تبرأ لان الاصل براءة الذمة والشغل غير معلوم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 229 واطلق المصنف رحمه الله في الوسيط وجهين تعبيرا عن هذين الكلامين ويجزئه الصوم مع وجدان الطعام لان الطعام لا مدخل له في دم التمتع وفدية الحلق علي التخيير قال الله تعالى (ففدية من طعام) أو صدقة أو نسك) ولو اطعم هل تبرأ ذمته ام لا لاحتمال ان اللازم دم التمتع فيه كلاما الشيخ والامام رحمهما الله وهذا كله فيما إذا استجمع الرجل شرائط لزوم الدم للتمتع فان لم يكن مستجمعا كما لو كان مكيا لم يلزم الدم لان شرط التمتع مفقود ولزوم دم الحالق مشكوك فيه وإذا جوز ان يكون احرامه أو لا بالقران فهل يلزمه دم آخر مع الدم الذي وصفناه فيه الوجهان السابقان (الثالثة) ان يعرض الشك بعد الطواف والوقوف فان اتى ببقية اعمال الحج لم يجزئه حجه ولا عمرته (أما) الحج فلجواز أنه كان محرما بالعمرة فلا ينفع فيه الوقوف (وأما) العمرة فلجواز أنه كان محرما بالحج ولم يدخل عليه العمرة فان نوى القران وأتي باعمال القارن فاجزاء العمرة يبنى على ان العمرة هلى تدخل على الحج بعد الوقوف وقياس المذكور في الحالة السابقة وان لم يتعرضوا له الجزء: 7 ¦ الصفحة: 230 ههنا انه لو أتم أعمال العمرة واحرم بالحج واتي باعماله مع الوقوف اجزأه الحج وعليه دم كما سبق ولو اتم اعمال الحج ثم احرم بعمرة وأتى باعمالها اجزأته العمرة والله اعلم * وفى المولدات وشروحها فرعان شبيهان بالمسألة نردفها بهما (احدهما) لو تمتع بالعمرة إلى الحج وطاف للحج طواف الافاضة ثم بان له انه كان محدثا في طواف العمرة لم يصح طوافه ذلك ولا سعيه بعده لان شرط صحة السعي تقدم طواف عليه وبان ان حلقه كان في غير الوقت ويصير باحرامه بالحج مدخلا للحج على العمرة قبل الطواف فيصير قارنا ويجزئه طوافه وسعيه في الحج عن الحج والعمرة جميعا وعليه دمان دم للقران ودم للحلق في غير وقته وان بان انه كان محدثا في طواف الحج تطهر واعاد الطواف والسعى وليس عليه الا دم التمتع إذا اجتمعت شروطه وان شك فلم يدر انه في أي طوافيه كان محدثا فعليه أن يعيد الطواف والسعي وإذا أعادهما صح حجه وعمرته لانه إن كان حدثه في طواف العمرة فقد صار قارنا باحرام الحج فيجزئه طوافه وسعيه المعادان عن النسكين جميعا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 231 وان كان في طواف الحج فعمرته صحيحة وكذا اعمال الحج سوى الطواف والسعى وقد أعادهما وعليه دم لانه اما قارن أو متمتع وينوى باراقته الواجب عليه ولا يعين الجهة وكذا لو لم يجد الدم فصام والاحتياط ان يريق دما أخر لاحتمال أنه حالق قبل الوقت. نعم لو لم يحلق في العمرة على قولنا ان الحلق استباحة محظور فلا حاجة إليه وكذا لا يلزمه عند تبين الحدث في طواف العمرة الا دم واحد (الثاني) لو كانت المسألة بحالها إلا انه جامع بعد أعمال العمرة ثم أحرم بالحج وهذا الرفع ينظر الي الاصلين (احدهما) ان جماع الناسي هل يفسد النسك فيوجب البدنة كجماع العامد أم لا وفيه قولان سيأتي ذكرهما (والثاني) انه إذا فسد العمرة بالجماع ثم أدخل عليها هل يدخل ويصير محرما بالحج فيه وجهان (أظهرهما) عند الشيخ ابى محمد رحمه الله وبه اجاب ابن الحداد لا لان الاحرام بالفساد في حكم المنحل وإذا انحل إحرام العمرة لم يدخل الحج عليها كما لو أدخل الحج عليها بعد الطواف (والثانى) نعم واليه ميل الاكثرين وبه قال الشيخ أبو زيد وحكاه عن ابن سريج لانه محرم بالعمرة ولم يأت بشئ من اعمالها فاشبهت الصحيحة ولا اثر لكونها فاسدة كما لا اثر لاقتران المفسد بالاحرام فعلى هذا هل يكون الحج صحيحا مجزئا فيه وجهان (احدهما) نعم لان المفسد متقدم عليه فلا يوثر فيه (واصحهما) لا لان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 232 الاحرام واحد وهو فاسد ومحال ان يؤدى بالاحرام الفاسد نسك صحيح فعلى هذا ينعقد فاسدا أو صحيحا ثم يفسد فيه وجهان ذكروا نظيرهما فيما إذا أصبح في رمضان مجامعا فطلع الفجر واستدام (احدهما) انه ينعقد صحيحا ثم يفسد كما لو أحرم مجامعا انعقد صحيحا ثم فسد (واصحهما) انه ينعقد فاسدا إذ لو انعقد صحيحا لما فسد لانه لم يوجد بعد انعقاده مفسد (فان قلنا) ينعقد فاسدا أو صحيحا ويفسد مضى في النسكين وقضاهما (وان قلنا) ينعقد صحيحا ولا يفسد قضي العمرة دون الحج وعلى الوجوه الثلاثة يلزمه دم القران ولا يجب عليه الا بدنة واحدة لان الاحرام واحد هكذا قاله الشيخ أبو علي وحكي الامام وجهين آخرين إذا حكمنا بانعقاد حجه على الفساد (احدهما) أنه يلزمه بدنة اخرى لافساد الحج بادخاله على العمرة الفاسدة (والثانى) انه يلزمه بدنة لافساد العمرة وشاة لادخال الحج عليها كما لو فسد نسكه بالجماع ثم جامع ثانيا يجب عليه للجماع الثاني شاة في وجه. إذا وقفت على الاصلين فانظر ان قال كان الحدث في طواف لعمرة فالطواف والسعي بعده فاسدان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 233 والجماع واقع قبل التحلل وفيه طريقان (احدهما) وبه اجاب الشيخ انه كجماع الناسي ففى افساده القولان إذ لا فرق بين ان ينسي فيجامع وبين ان يجامع وعنده انه قد تحلل كما لا فرق بين ان يتكلم في الصلاة ناسيا وبين أن يتكلم وعنده انه قد تحلل (والثانى) انه لا ينزل منزلة الناسي قال الامام رحمة الله وهذا كالخلاف فيما إذا جامع على ظن أن الصبح غير طالع فبان خلافه هل يفسد الصوم أن يجعل الغالط كالناسي فان لم تفسد العمرة به صار قارنا باحرامه بالحج وعليه دمان احدهما للقران والآخر للحلق قبل وقته الا إذا لم يحلق كما سبق وان أفسدنا العمرة به وبه أجاب ابن الحداد فعليه بدنة للافساد ودم للحلق قبل وقته وإذا حرم بالحج فقد أدخله على عمرة فاسدة فان لم يدخل فهو في عمرته كما كان فيتحلل منها ويقضيها وان دخل وقلنا بفساد الحج فعليه بدنة للافساد ودم للقران ودم للحلق قبل وقته ويمضى في الفاسدين ثم يقضيهما وان قال كان الحدث في طواف الحج فعليه اعادة الطواف والسعى وقد صح نسكاه وليس عليه الا دم التمتع وان قال لا أدرى انه في أي الطوافين كان أخذ في كل حكم بيقين فلا يتحلل ما لم يعد الطواف والسعى لاحتمال ان حدثه كان في طواف الحج وهذا حكمه ولا يخرج عن عهدة الحج والعمرة ان كانا لازمين عليه لاحتمال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 234 كونه محدثا في طواف العمرة وتأثير الجماع في إفساد النسكين على ظاهر المذهب فلا تبرأ ذمته بالشك فان كان متطوعا فلا قضاء لاحتمال ان الافساد وعليه دم (إما) للتمتع ان كان الحدث في طواف الحج أو للحلاق قبل الوقت ان كان في طواف العمرة ولا تلزمه البدنة لاحتمال أنه لم تفسد العمرة ولكن الاحتياط ذبح بدنة وذبح شاة أخرى إذا جوزنا ادخال الحج على العمرة الفاسدة لاحتمال أنه صار قارنا بذلك والله أعلم * إذا عرفت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 235 هذا كله وعدت إلى المسألة الثالثة من مسائل الاحرام المشبه باحرام الغير وهي ان يتعذر الوقوف علي احرام ذلك الغير فاعلم أنها على ما حكاه صاحب الكتاب وطائفة بمثابة نسيان ما أحرم به ففيها القولان القديم والجديد وقال الاكثرون لا يتحرى بحال بل ينوى القران وحكوه عن نصه في القديم والفرق في مسألة النسيان حصل الشك في فعله فله سبيل إلى التحرى والتذكير وفى المسألة الاخرى الشك في فعل الغير ولا سبيل إلى الاطلاع على نيته والتحرى في فعله فاعلم لهذا قوله في الكتاب فهو كما لو أحرم مفصلا بالواو ويجوز أن يعلم قوله فالقول الجديد بالواو لما حكينا من الطريقة النافية للخلاف عن الشيخ أبي علي (وقوله) ولكن يبني على اليقين فيجعل نفسه قارنا مشعر بما هو المشهور وهو أنه يصير قارنا بان ينويه خلافا لما حكاه الحناطي انه يصير قارنا من غير نية ويجوز أن يعلم بالواو لذلك واعلم بالالف أيضا لان عند احمد يتخير بين ان يحعله حجا أو عمرة لان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 236 عنده فسخ الحج إلى العمرة جائز لكن هذا الاعلام انما كان يحسن أن لو ألزمناه جعل نفسه قارنا وهو غير لازم وقد أوضح امام الحرمين رحمه الله ذلك فقال لم يذكر الشافعي رضى الله عنه القران على معنى أنه لا بد منه لكن ذكره ليستفيد الشاك به التحلل مع براءة الذمة عن النسكين فلو اقتصر بعد النسيان على الاحرام بالحج وأتى باعماله حصل التحلل لا محالة وتبرأ ذمته عن الحج لانه ان كان محرما بالحج فذاك وان كان محرما بالعمرة فقد أدخل الحج عليها ولا تبرأ ذمته عن العمرة لجواز انه كان من الابتداء محرما بالحج وعلى هذا القياس لو اقتصر على الاحرام بالعمرة وأتي باعمال القران حصل التحلل وبرئت ذمته عن العمرة ان جوزنا ادخال العمرة علي الحج لانه اما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 237 محرم بها في الابتداء أو مدخل لها على الحج ولا تبرأ عن الحج لجواز أنه كان من الابتداء محرما بالعمرة ولم يحرم بغيرها ولو لم يجدد واحراما بعد النسيان واقتصر على الاتيان باعمال الحج يحصل التحلل أيضا ولكن لا تبرأ ذمته عن احد النسكين لشكه فيما أتى به وان اقتصر علي أعمال العمرة فلا يحصل التحلل لجواز انه محرم يحرم بالحج ولم يتم أعماله * واختلفت رواية أصحابنا عن أبي حنيفة في المسألة فنقل ناقلون عنه موافقة الجديد منهم صاحب الشامل وناقلون الجزء: 7 ¦ الصفحة: 238 موافقة القديم ومنهم صاحب التهذيب * والرواية الثانية تقتضي اعلام قوله لا يأخذ بغلبة الظن بالحاء وقوله فيما إذا شك بعد الطواف فطريقه أن يسعى ويحلق إلى آخره مشعر بالترخص فيه والامر به كما قدمناه عن ابن الحداد وقد صرح باختيار ذلك في الوسيط * ووجهه الشيخ أبو علي بان الحلق في غير وقته قد يباح بالعذر كما إذا كان به أذى من رأسه وضرر الاشتباه لو لم يحلق أكثر لفوات الحج لكن الاظهر عند الاكثرين أنه لا يؤمر به على ما مر فليعلم قوله فطريقه بالواو ولذلك وقوله ويبتدئ إحرامه بالحج ويتمه أي عند الامكان وهو ما إذا بقى وقت الوقوف وبالله التوفيق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 239 (الفصل الثاني في سنن الاحرام) قال (وهى خمسة الاولى الغسل تنظفا حتي يسن للحائض والنفساء ويغتسل الحاج لسبعة مواطن للاحرام ودخول مكة والوقوف بعرفة وبمزدلفة ولرمي الجمرات الثلاث لان الناس يجتمعون في هذه الاوقات) من سنن الاحرام أن يغتسل إذا أراده روى " أنه صلى الله عليه وسلم تجرد لاهلاله واغتسل " ويستوى في استحبابه الرجل والمرأة والصبي وان كانت حائضا أو نفساء لان مقصود هذا الغسل التنظيف وقطع الرائحة الكريهة ودفع أذاها عن الناس عند اجتماعهم وقد روى " أن أسماء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 240 بنت عميس امرأة أبى بكر نفست بذى الحليفة فأمرها رسول الله صلي الله عليه وسلم ان تغتسل للاحرام " ولو كانت يمكنها القيام بالميقات حتى تطهر فالاولى ان تؤخر الاحرام حتى تطهر وتغتسل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 241 ليقع احرامها في اكمل حاليها * وإذا لم يجد المحرم ماء أولم يقدر على استعماله تيمم لان التيمم ينوب عن الغسل الواجب فعن المندوب أولى نص عليه في الام وقد ذكرنا في غسل الجمعة أن الامام أبدى احتمالا في انه هل يتيمم إذا لم يجد الماء وجعله صاحب الكتاب وجها واختار انه لا يتيمم وذلك الاحتمال عائد ههنا بلا شك * وان لم يجد من الماء ما يكفيه للغسل توضأ قاله في التهذيب (وقوله) في الكتاب حتى يسن للحائض والنفساء يجوز اعلامه بالواو لان ابراهيم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 242 المروروذى رحمه الله حكى قولا في أنه لا يسن لهما ذلك وإذا اغتسلنا فهل تنويان فيه نظر لامام الحرمين قدس الله روحه والظاهر أنهما ينويان لانهما تقيمان مسنونا (واعلم) أن الحاج يسن له الغسل في مواطن قد عدها في هذا الموضع ومرة أخرى في كتاب صلاة الجمعة مع زيادة طواف الوداع وكنا أخرنا شرح تلك الاغسال إلى هذا الموضع فنقول (أحدها) الغسل عن الاحرام وقد عرفته (والثانى) الغسل لدخول مكة يروى ذلك عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم (والثالث) الغسل للوقوف بعرفة عشية عرفة (والرابع) الغسل للوقوف بمزدلفة غداة يوم النحر (والخامس والسادس والسابع) ثلاثة أغسال لرمي الجمرات أيام التشريق وسببها أن هذه مواطن يجتمع لها الناس فاستحب فيها الاغتسال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 243 قطعا للروائح الكريهة واغتسال يوم التشريق في حق من لم ينفر في النفر الاول فان نفر سقط عنه غسل اليوم الثالث وهذه الاغسال قد نص عليها الشافعي رضي الله عنه قديما وجديدا ويستوى في استحبابها الرجل والمرأة وحكم الحائض ومن لم يجد الماء فيها على ما ذكرنا في الغسل للاحرام وزاد في القديم غسلين آخرين (أحدهما) لطواف الافاضة (والثانى) لطواف الوداع لان الناس يجتمعون لهما ولم يستحبهما في الجديد لان وقتها متسع فلا تغلب الرحمة فيهما كغلبتها في سائر المواطن وعن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 244 القاضى أبى الطيب رحمه الله حكاية غسل آخر عن القديم وهو عند الحلق فتصير اغسال الحاج على هذا عشرة قال الائمة رحمهم الله ولم يستحب الشافعي رضى الله عنه الغسل لرمي جمرة العقبة يوم النحر لامرين (أحدهما) اتساع وقته فان وقته من انتصاف ليلة النحر إلى الزوال ووقت رمي الجمرات من من الزوال إلى الغروب والتقريب بعد هذا من وجهين (أحدهما) أن اتساع الوقت مما يقلل الزحمة (والثانى) ان ما بعد الزوال وقت شدة الحر وانصباب العرق فتكون الحاجة إلى دفع ما يؤذى الغير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 245 أكثر (والثانى) أن في غسل العيد يوم النحر والوقوف بعرفة غنية عن الغسل لرمي جمرة العقبة لقرب وقتها منه والله أعلم * قال (الثانية التطيب للاحرام ولا بأس بطيب له جرم (ح) وفى تطيب ثوب الاحرام قصدا له خلاف لانه ربما ينزع فيكون عند اللبس كالمستأنف فان اتفق ذلك ففى وجوب الفدية وجهان ويستحب خضاب المرأة تعميما لليد لا تظريفا) * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 246 يستحب أن تطيب لاحرامه لما روى عن عائشة رضى الله عنها قالت (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت " ولا فرق بين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 247 ما يبقى له أثر وجرم بعد الاحرام وبين ما لا يبقى قالت عائشة رضى الله عنها " كأنى أنظر إلى وبيص الطيب من مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم " ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب الثانية التطيب للاحرام بالواو لان من الاصحاب من روي وجها أنه ليس من السنن والمحبوبات وانما هو مباح وأيضا فان اللفظ مطلق لا يفرق بين الرجال والنساء والاستحباب شامل للصنفين في ظاهر المذهب وحكي في المعتمد قولان عن نقل الداركي أنه لا يستحب لهن التطيب بحال ووجها أنه لا يجوز لهن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 248 التطيب بطيب تبقى عينه واعلم قوله ولا بأس بطيب له جرم - بالحاء الميم - (أما) - بالحاء - فلان شرذمة روت عن أبي حنيفة رحمه الله المنع من ذلك ومنهم المصنف ذكره في الوسيط لكن الثابت عنه مثل مذهبنا (وأما) بالميم فلان عند مالك يكره له التطيب بما تبقى رائحته بعد الاحرام ويروى عنه منع التطيب مطلقا ثم إذا تطيب لاحرامه فله ان يستديم بعد الاحرام ما تطيب به بخلاف ما إذا تطيبت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 249 المرأة ثم لزمتها العدة يلزمها إزالته في وجه لان في العدة حق الآدمى فتكون المضايقة فيها أكثر ولو أخذه من موضعه بعد الاحرام ورده إليه أو الي موضع آخر لزمته الفدية وروي الحناطى رحمه الله فيه قولين ولو انتقل من موضع إلى موضع باسالة العرق إياه فوجهان (أصحهما) انه يلزمه شئ لتولده عن مندوب إليه من غير قصد منه * (والثانى) أن عليه الفدية إذا تركه كما لو أصابه من موضع آخر لان في الحالتين أصاب الطيب بعد الاحرام موضعا لم يكن عليه طيب * هذا كله في البدن وفى تطييب ازار الجزء: 7 ¦ الصفحة: 250 الاحرام وردائه وجهان (أحدهما) لا يجوز لان الثوب ينزع ويلبس وإذا نزعه ثم أعاده كان كما لو استأنف لبس ثوب مطيب (وأصحهما) انه يجوز كما يجوز تطييب البدن وبعضهم ينقل هذا الخلاف قولين والمشهور الاول وفى النهاية وجه ثالث وهو الفرق بين أن يبقى عليه عين بعد الاحرام فلا يجوز وبين أن لا يبقى فيجوز كما لو شد مسكا في ثوبه واستدامه * قال الامام والخلاف فيما إذا قصد تطييب الثوب (أما) إذا طيب بدنه فتعطر ثوبه تبعا فلا حرج بلا خلاف والي هذا أشار في الكتاب حيث قال قصدا إليه فان جوزنا تطييب الثوب للاحرام فلا بأس باستدامة ما عليه بعد الاحرام كما في البدن لكن لو نزعه ثم لبسه ففى الفدية وجهان (أحدهما) لا يلزم لان العادة في الثوب أن ينزع ويعاد فجعل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 251 عفوا وأصحهما انها تلزم كما لو أخذ الطيب من بدنه ثم رده إليه وكما لو ابتدا لبس ثوب مطيب بعد الاحرام وفى الفصل مسألة أخرى وهي أن المرأة يستحب لها أن تخضب بالحناء يديها إلى الكوعين قبل الاحرام روى " أن من السنة أن تمسح المرأة يديها للاحرام بالحناء وتمسح وجهها أيضا بشئ من الحناء " لانا نأمرها في الاحرام بنوع تكشف فلتستر لون البشرة بلون الحناء ولا يختص أصل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 252 الاستحباب بحالة الاحرام بل هو محبوب في غيرها من الاحوال * " روى أن امرأة بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخرجت يدها فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم " أين الحناء " نعم في الجزء: 7 ¦ الصفحة: 253 حالة الاحرام " لا فرق بين ذات الزوج الخلية وفى سائر الاحوال يكره الخضاب للخلية قاله في الشامل وحيث يستحب فانما يستحب تعميم اليد بالخضاب دون التنقيش والتسويد والتطريف فقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن التطريف " وهو أن تخضب أطراف الاصابع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 254 ويكره لها أن تختضب بعد الاحرام لما فيه من الزينة وازالة الشعث ولو فعلت ففيه كلام نذكره في الباب الثالث عند ذكر خضاب الرجل شعر لحيته ورأسه ان شاء الله تعالي * قال (الثالثة أن يتجرد عن المخيط في ازار ورداء أبيضين ونعلين) * إذا أراد الاحرام تجرد عن مخيط ثيابه إذ ليس للمحرم لبس المخيط على ما سيأتي ويلبس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 255 ازارا ورداء ونعلين * روي انه صلي الله عليه وسلم قال " يحرم أحدكم في ازار ورداء ونعلين " ويستحب أن يكون الازار والرداء أبيضين " فان أحب الثياب إلى الله تعالي البيض " وليكونا جديدين فان لم يجد فليكونا غسيلين ويكره المصبوغ لما روى عن عمر " أنه رأى على طلحة رضي الله عنهما ثوبين مصبوغين وهو حرام فقال أيها الرهط انكم أمة يهتدى بكم فلا يلبس أحدكم من هذه الثياب المصبغة في الاحرام شيئا " (وقوله) في الكتاب أن يتجرد عن المخيط في ازار إلى آخره ينبغى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 256 أن يعلم فيه ان المعدود من السنن التجرد بالصفة المذكورة (فاما) مجرد التجرد فلا يمكن عده من السنن لان ترك لبس المخيط في الاحرام لازم ومن ضرورة لزومه لزوم التجرد قبل الاحرام وبالله التوفيق * قال (الرابعة أن يصلى ركعتي الاحرام ثم يلبي حيث تنبعث به دابته وفى القديم حيث يتحلل عن الصلاة) * (يستحب أن يصلى قبل الاحرام ركعتين لما روى أنه صلي الله عليه وسلم " صلى بذى الحليفة ركعتين ثم أحرم " وانما يستحب ذلك في غير وقت الكراهية (واما) في أوقات الكراهية فاصح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 257 الوجهين الكراهة علي ما مر في فصل الاوقات المكروهة * ولو كان احرامه في وقت فريضة وصلاها أغنته ذلك عن ركعتي الاحرام ثم إذا صلى نوي ولبى وفى الافضل قولان (أصحهما) ان الافضل أن ينوى ويلبى حين تنبعث به دابته ان كان راكبا * وحين يتوجه إلى الطريق إن كان ماشيا لما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم " لم يهل حتي انبعثت به دابته " قال الامام رحمه الله وليس المراد من انبعاث الدابة ثورانها بل المراد استواؤها في صوب مكة (والثانى) أن الافضل انه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 258 ينوى ويلبي كما تحلل من الصلاة وهو قاعد ثم يأخذ في السيروبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم " أهل حينئذ " ويشتهر القول الاول بالجديد والثانى بالقديم ويروى أيضا عن المناسك الصغير من الام واختاره طائفة من الاصحاب وحملوا اختلاف الرواية على أن النبي صلى الله عليه وسلم أعاد التلبية عند انبعاث الدابة فظن من سمع أنه حينئذ لبى والاكثرون على ترجيح الاول * قال (الخامسة أن يلبى عند النية ويجددها عند كل صعود وهبوط وحدوث حادثة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 259 وفى مسجد مكة ومنى عرفات وفيما عداها من المساجد قولان وفى حال الطواف قولان ويستحب رفع الصوت بها إلا للنساء) * لك أن تعلم قوله وان يلبى عند النية بالواو لوجه قدمناه في أن التلبية من واجبات الاحرام لا من سننه ثم تكثير التلبية في دوام الاحرام مستحب قائما كان أو قاعدا راكبا كان أو ماشيا حتى في حالة الجنابة والحيض لانه ذكر لا اعجاز فيه فاشبه التسبيح وقد قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها حين حاضت " افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت " وتجديدها أفضل في كل صعود وهبوط وحدوث حادث من ركوب أو نزول أو انضمام رفاق أو فراغ من صلاة وعند اقبال الليل والنهار ووقت السحر روى عن جابر رضى الله عنه " أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يلبي في حجته إذا لقى ركبا أو علا أكمة أو هبط واديا وفي أدبار المكتوبة ومن آخر الليل " ويستحب الاتيان بها في مسجد مكة وهو المسجد الحرام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 260 ومسجد الخيف بمنى ومسجد ابراهيم عليه السلام بعرفة فانها مواضع النسك وفى سائر المساجد قولان (القديم) أنه لا يلبى فيها حذرا من التشويش على المتعبدين والمصلين بخلاف المساجد الثلاثة فان التلبية معهودة فيها ويروي هذا عن مالك رحمه الله (والجديد) أنه يلبي فيها كسائر المساجد ويدل عليه اطلاق الاخبار الواردة في التلبية فانها لا تفرق بين موضع وموضع وهذا الخلاف على ما أورده الاكثرون في أصل التلبية فان استحببناه استحببنا رفع الصوت والا فلا وهو قضية نظم الكتاب * وجعل امام الحرمين الخلاف في أنه هل يستحب فيها رفع الصوت بالتلبية ثم قال ان لم نؤثر رفع الصوت بالتلبية في سائر المساجد ففى الرفع في المساجد الثلاثة وجهان وهل تستحب التلبية في الجزء: 7 ¦ الصفحة: 261 طواف القدوم والسعي بعده فيه قولان (الجديد) أنه لا يستحب لان فيها أدعية وأذكارا خاصة فصار كطواف الافاضة والوداع وقد روى عن ابن عمر رضي الله عنهما انه قال " لا يلبى الطائف " (والقديم) انه يستحب ولكن لا يجهر بها بخلاف طواف الافاضة فان هناك شرع في أسباب التحلل فانقطعت التلبية وهذا التوجيه يعرفك ان قوله في الكتاب وفي حال الطواف قولان محمول على طواف القدوم وان كان اللفظ مطلقا وفي غيره من أنواع الطواف لا يلبي بلا خلاف * ويستحب رفع الصوت بالتلبية لقوله صلى الله عليه وسلم " أتانى جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية " وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال " أفضل الحج العج والثج " والعج الجزء: 7 ¦ الصفحة: 262 هو رفع الصوت وإنما يستحب الرفع في حق الرجل ولا يرفع بحيث يجهده ويقطع صوته والنساء يقتصرن على اسماع أنفسهن ولا يجهرن كما لا يجهرن بالقراءة في الصلاة * قال القاضى الرويانى ولو رفعت صوتها بالتلبية لم يحرم لان صوتها ليس بعورة خلافا لبعض أصحابنا * والاحب أن لا يزيد في التلبية على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يكررها وبه قال أحمد وعن أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله أن الاحب الزيادة فيها وتلبيته: " لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " (وقوله) ان قد تكسر على تقدير الابتداء وقد تفتح على معنى لان الحمد * فان رأى شيئا يعجبه قال لبيك إن العيش عيش الآخرة ثبت ذلك عن رسول الله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 263 صلي الله عليه وسلم وروى في بعض الروايات انه قال في تلبيته " لبيك حقا حقا تعبدا ورقا " ولو زاد على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نقل بانه مكروه روى عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه كان يزيد فيها " لبيك لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء اليك والعمل " ويستحب إذا فرغ من التلبية أن يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وأن يسأل الله رضوانه والجنة ويستعيذ به من النار يقول أسألك رضاك وأسألك الجنة وأعوذ بك من النار روى أن النبي صلى الله عليه وسلم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 264 " كان إذا فرغ من تلبيته في حج أو عمرة سأل الله رضوانه والجنة واستعاذ برحمته من النار " ثم يدعو بما أحب ولا يتكلم في أثناء تلبيته بأمر ونهى وغيرهما لكن لو سلم عليه رد نص عليه ومن لم يحسن التلبية بالعربية لبى بلسانه (واعلم) انه يستحب الاتيان بالسنن الخمس علي الترتيب المذكور في الكتاب نعم لم أر ما يقتضى ترتيبا بين التطيب والتجرد ويستحب أيضا للمحرم أن يتأهب للاحرام بحلق الشعر وتقليم الظفر وقص الشارب وقد روي انه صلى الله عليه وسلم (كان إذا أراد أن يحرم غسل رأسه باشنان وخطمى) وبالله التوفيق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 265 * الفصل الثالث * (في سنن دخول مكة) قال (وهي أن يغتسل بذى طوى ويدخل مكة من ثنية كداء ويخرج من ثنية كدى وإذا وقع بصره علي الكعبة قال اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا وزد من شرفه وعظمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا ثم يدخل البيت من باب بنى شيبة فيؤم الركن الاسود ويبتدئ طواف القدوم) * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 266 المحرم بالحج قد يقرب من مكة ووقت الوقوف ضيق فيعدل عن الجادة إلى عرفة فإذا وقف دخلها وهكذا يفعل الحجيج الآن غالبا وقد يتسع الوقت فيدخلونها ثم يخرجون منها إلي عرفة وهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى الفصل وما بعده ما هو مبنى على التصوير الثاني وهكذا هو في مصنفات عامة الاصحاب رحمهم الله ونحن ننبه على ما يفترق فيه التصوير ان في مواضع الحاجة إن شاء الله تعالى * إذا عرفت ذلك فلدخول مكة سنن (منها) أن يغتسل بذى طوي وهو من سواد مكة قريب منها * روى عن ابن عمر رضى الله عنهما " انه كان لا يقدم مكة الا بات بذى طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله " (واعلم) ان القصد بقوله أن يغتسل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 267 بذى طوى بيان استحباب موضع الغسل (فاما) كون الغسل للدخول مستحبا فقد ذكره مرة في الفصل الثاني من هذا الباب ومرة قبل ذلك في كتاب الجمعة (ومنها) أن يدخل من ثنية كداء - بفتح الكاف والمد - وهو من أعلى مكة وإذا خرج خرج من ثنية كدى - بضم الكاف - وهو على ما يشعر به كلام الاكثرين بالمد أيضا ويدل عليه انهم كتبوه بالالف ومنهم من قال انه بالياء وروى فيه شعرا وهو من أسفل مكة * وروى ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان يدخل مكة من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى " قال الاصحاب وهذه السنة في حق من جاء من طريق المدينة والشام واما الجاؤن من سائر الاقطار فلا يؤمرون بان يدوروا حول مكة ليدخلوا من ثنية كداء وكذلك القول في ايقاع الغسل بذي طوى وقالوا انما دخل النبي صلي الله عليه وسلم من تلك الثنية اتفاقا لا قصدا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 268 لانها على طريق المدينة وههنا شيئان (أحدهما) أن قضية هذا الكلام أن لا يتعلق بنسك واستحباب بالدخول من تلك الثنية في حق الجائين من طريق المدينة أيضا وهكذا أطلق الامام نقله عن الصيدلاني (والثاني) أن الشيخ أبا محمد نازع فيما ذكروه من موضع الثنية وقال ليست هي علي طريق المدينة بل هي في جهة المعلي وهو في أعلى مكة والمرور فيه يفضى إلى باب بني شيبة ورأس الردم وطريق المدينة يفضي إلى باب ابراهيم عليه السلام * ثم ذهب الشيخ إلى استحباب الدخول منها لكل جاء تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم والامام ساعد الجمهور في الحكم الذى ذكروه وشهد للشيخ بان الحق في موضع الثنية ما ذكره * (ومنها) إذا وقع بصره على البيت قال ما روي في الخبر وهو أن النبي صلي الله عليه وسلم " كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وعظمته ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا " الجزء: 7 ¦ الصفحة: 269 ويستحب أن يضيف إليه " اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام " يروى ذلك عن عمر رضي الله عنه ويؤثر أيضا أن يقول " اللهم انا كنا نحل عقدة ونشد أخرى ونهبط واديا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 270 ونعلوا آخر حتى أتيناك غير محجوب أنت عنا اليك خرجنا وبيتك حججنا فارحم ملقى رحالنا بفناء بيتك " ويدعو بما أحب من مهمات الدنيا والآخرة وأهمها سؤال المغفرة (واعلم) أن بناء البيت رفيع يرى قبل دخول المسجد في موضع يقال له رأس الردم إذا دخل الداخل من أعلا مكة وحينئذ يقف ويدعو بما ذكرنا * (ومنها) أن يقصد المسجد كما فرغ من الدعاء ويدخله من باب بني شيبة وقد أطبقوا علي استحبابه لكل قادم لان النبي صلى الله عليه وسلم " دخل المسجد منه قصدا لا اتفاقا فانه لم يكن على طريقه وانما كان على طريقه باب ابراهيم عليه السلام " والدوران حول المسجد لا يشق بخلاف الدواران حول البلد وكان المعنى فيه ان ذلك الباب في جهة باب الكعبة والركن الاسود وان كان في زاوية المسجد ويبتدئ كما دخل بطواف القدوم * روي أن النبي صلى الله عليه وسلم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 271 (حج فاول شئ بدأ به حين قدم ان توضأ ثم طاف بالبيت " أو يؤخر غيير ثيابه واكتراء منزله إلى أن يفرغ منه نعم لو كان الناس في المكتوبة حين دخل صلاها معهم أولا وكذا لو أقيمت الجماعة وهو في أثناء الطواف قدم الصلاة وكذا لو خاف فوت فريضة أو سنة مؤكدة * ولو قدمت المرأة نهارا وهى ذات جمال أو شريفة لا تبرز للرجال أخرت الطواف إلى الليل * وليس في حق من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 272 قدم الوقوف علي دخول مكة طواف قدوم وإنما هو في حق من دخلها أولا لسعة الوقت ويسمى أيضا طواف الورود وطواف التحية لانه تحية البقعة يأتي به من دخلها سواء كان تاجرا أو حاجا أو دخلها لامر آخر * ولو كان معتمرا فطاف للعمرة اجزأه ذلك عن طواف القدوم كما أن الفريضة عند دخول المسجد تجزئ عن التحية والله أعلم * ولعلك تنظر في لفظ الكتاب في الدعاء عند رؤية المبيت فتقول انه جمع أولا بين المهابة والبر ولم يرووا في الخبر المهابة وذكر أخيرا البر دون المهابة وكذا رويتموه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 273 في الخبر * ونقل المزني في المختصر المهابة دون البر فما الحال فيهما (فاعلم) أن الجمع بين المهابة والبر لم نره إلا لصاحب الكتاب ولا ذكر له في الخبر ولا في كتب الاصحاب بل البيت لا يتصور منه بر فلا يصح اطلاق هذا اللفظ إلا أن يعنى البر إليه * (وأما) الثاني فالثابت في الخبر الاقتصار على البر كما أورده ولم يثبت الائمة ما نقله المزني (وقوله) فيؤم الركن الاسود كالمستغنى عنه في هذا الموضع إذا لابد لكل طائف أن يؤم الركن الاسود ويبتدئ به على ما سيأتي في واجبات الطواف فلو لم يعرض له ههنا كما لم يتعرض لسائر واجبات الطواف لما ضره (وقوله) ويبتدئ بطواف القدوم مطلق لكنه محمول على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 274 ما سوى المواضع التى بيناها * واختلفوا في أن دخول مكة راكبا أولى أم دخولها ماشيا علي وجهين وان دخلها ماشيا فقد قيل الاولى أن يكون حافيا لما روى " أنه صلى الله عليه وسلم قال " لقد حج هذا البيت سبعون نبيا كلهم خلعوا نعالهم من ذى طوى تعظيما للحرم) * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 275 قال (وكل من دخل مكة غير مريد نسكا لم يلزمه (ح) الاحرام علي أظهر القولين ولكنه يستحب كتيحة المسجد) * من قصد دخول مكة لا لنسك له حالتان (أحداهما) أن لا يكون ممن يتكرر دخوله كالذى يدخلها لزيارة أو تجارة أو رسالة وكالمكي إذا دخلها عائدا من سفره فهل يلزمه أن يحرم بالحج أو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 276 العمرة فيه طريقان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب انه علي قولين (أحدهما) ويحكى عن مالك واحمد انه يلزمه الاحرام بحج أو عمرة لاطباق الناس عليه والسنن يندر فيها الاتفاق العملي * وعن ابن عباس رضى الله عنهما " أنه لا يدخل احد الا محرما " (والثاني) انه لا يلزمه ذلك ولكن يستحب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 277 كتحية المسجد وما الاظهر منهما ذكر صاحب الكتاب ان هذا القول الثاني أظهر وبه قال الشيخ أبو محمد واليه ميل الشيخ أبى حامد ومن تابعه ورجح المسعودي وصاحب التهذيب في اخرين قول الوجوب وبه أجاب صاحب التلخيص ولا فرق علي القولين بين أن تكون داره فوق الميقات أو دونه * وعند أبى حنيفة ان كان داره فوق الميقات لزمه والا فلا (والطريق الثاني) القطع بالاستحباب ويحكى هذا عن صاحب التقريب * (والحالة الثانية) أن يكون ممن يتكرر دخوله كالحطابين والصيادين ونحوهم فان قطعنا بنفى الوجوب في الحالة الاولى فههنا أولى وان سلكنا طريقه القولين فههنا طريقان (أحدهما) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 278 طرد القولين (وأصحهما) القطع بنفى الوجوب وبه أجاب في التلخيص * والفرق ان هؤلاء ان امتنعوا من الدخول انقطعوا عن معايشهم يتضرر به الناس وان دخلوا وأحرموا كل مرة شق عليهم وفيه وجه ضعيف انه يلزمهم الاحرام في كل سنة مرة * (التفريع) ان قلنا بالوجوب فلذلك شروط (احدها) أن يجئ الداخل من خارج الحرم فاما أهل الحرم فلا احرام عليهم بلا خلاف (والثاني) أن لا يدخلها لقتال ولا خائفا فان دخلها لقتال باغ أو قاطع طريق أو غيرهما أو خائفا منه أو خائفا من ظالم أو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 279 غريم يحبسه وهو معسر لا يمكنه ان يطهر لاداء النسك لم يلزمه الاحرام بحال " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح غير محرم لانه كان مترصد اللقتال خائفا غدر الكفار " * (والثالث) ان يكون حرا أما العبيد فلا احرام عليهم بحال لان منافعهم مستحقة للسادة ولا فرق بين ان ياذنوا في الدخول أو لا يأذنوا لان الاذن في الدخول لا يتضمن الاذن في الاحرام رواه الامام عن اتفاق الاصحاب ومن يلزم الاحرام بالدخول لا يبعد منه المنازعة في هذا التوجيه * وان اذن السيد لعبده في الجزء: 7 ¦ الصفحة: 280 الدخول محرما فهل يكون حينئذ كالاحرار فيه وجهان (اقيسهما) لا لانه ليس من اهل فرض النسك فصار كما لو اذن له في حضور الجمعة * وإذا اجتمعت شرائط الوجوب دخلها غير محرم فهل عليه القضاء قال الامام فيه قولان وقال غيرهما وجهان (احدهما) نعم تداركا للواجب * وسبيله على هذا ان يخرج ويعود محرما ولا نقول ان عوده يقتضي احراما آخر كما لو دخلها علي قصد النسك يكفيه إحرامه بذلك النسك ولا يلزمه بالدخول احرام آخر وكان الغرض أن لا يعرى دخوله عن الاحرام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 281 لحرمة البقعة (وأصحهما) وهو الذى أورده الاكثرون انه لا يجب وله علتان (أحداهما) انه لا يمكن القضاء لان دخوله الثاني يقتضى احراما آخر وإذا لم يمكن القضاء لم يجب كمن نذر صوم الدهر وأفطر * وفرع صاحب التلخيص على هذه العلة فقال لو لم يكن ممن يتكرر دخوله كالحطابين ثم صار منهم قضى لحصول الامكان وربما نقل عنه انه يجب عليه أن يجعل نفسه منهم (واصحهما) وبه قال العراقيون والقفال انه تحية البقعة فلا يقضى كتحية المسجد وزيفوا العلة الاولى بما سبق في توجيه القول الاول * وذكر القاضي ابن كج تفريعا علي القول بالوجوب انه إذا انتهى إلى الميقات على قصد دخول مكة يلزمه ان يحرم من الميقات * ولو أحرم بعد مجاوزته فعليه دم بخلاف ما إذا ترك الاحرام أصلا ورأسا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 282 لان نفس العبادة لا تجبر بالدم * وهل ينزل دخول الحرم منزلة دخول مكة فيما ذكرناه قال بعض الشارحين نعم والمراد بدخول مكة فيما نحن فيه دخول الحرم ولا يبعد تخريجه على خلاف سبق في نظائره (وقوله) في الكتاب وكل من دخل مكة غير مريد نسكا فيه اشارة إلى انه لو كان مريدا نسكا يلزمه أن يدخلها محرما على الوجه الذي مر في موضعه وليس ذلك موضع الخلاف * ثم لفظ الكتاب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 283 وان كان مطلقا في حكاية الخلاف فالمراد ما إذا اجتمعت الشروط المذكورة * ثم قوله لم يلزمه معلم بالحاء والميم والالف ويجوز أن يعلم قوله علي أظهر القولين بالواو للطريقة النافية للخلاف (واعلم) أن هذا الفصل لما كان مترجما بسنن دخول مكة وكان الاحرام عند الدخول في حق من لا يقصد النسك معدودا من المستحبات على ما اختاره صاحب الكتاب استحسن ايراد المسألة في هذا الفصل * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 284 قال (الفصل الرابع في الطواف) (وواجباته ست: (الاول) شرائط الصلاة من طهارة الحدث والخبث وستر العورة إلا انه يباح فيه الكلام) * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 285 للطواف بانواعه وظائف واجبة وأخرى مسنونة (القسم الاول) الواجبات وقد عدها في الكتاب سبعة (أحدها) الطهارة عن الحدث والخبث وستر العورة كما في الصلاة وبه قال مالك لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الطواف بالبيت مثل الصلاة إلا انكم تتكلمون فيه فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير " فلو طاف جنبا أو محدثا أو عاريا أو طافت المرأة حائضا أو طاف وعلى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 286 ثوبه أو بدنه نجاسة لم يعتد بطوافه وكذا لو كان يطأ في مطافه النجاسات ولم أر للائمة رحمهم الله تشبيه مكان الطواف بالطريق في حق المتنفل ماشيا أو راكبا وهو تشبيه لا بأس به ولو أحدث الطائف في خلال طوافه نظر ان تعمد الحدث فقولان في أنه يبنى أو يستأنف إذا توضأ ويقال وجهان (أحدهما) يستأنف كما في الصلاة (وأصحهما) انه يبنى ويحتمل في الطواف ما لا يحتمل في الصلاة كالفعل الكثير والكلام وان سبقه الحدث رتب علي حالة التعمد ان قلنا يبني عند التعمد فههنا أولي وان قلنا يستأنف فههنا قولان أو وجهان (والاصح) البناء وهذا كله فيما إذا لم يطل الفصل فان طال فسيأتي حكمه وحيث لا يجب الاستئناف فلا شك في استحبابه (وقوله) شرائط الصلاة غير مجرى على ظاهره فان المعتبر في الطواف بعضها وهو الطهارة وستر العورة ولا يعتبر فيه استقبال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 287 القبلة وترك الكلام وترك الافعال الكثيرة وترك الاكل (واعلم) قوله من طهارة الحدث والخبث وستر العورة بالحاء لان عنده لو طاف جنبا أو محدثا أو عاريا أو طافت المرأة حائضا لزمت الاعادة ما لم يفارق مكة فان فارقها أجزأ دم شاة ان طاف مع الحدث وبدنة ان طاف مع الجناية وبالالف لان عند احمد رواية مثله إلا أن الاعلام بهما انما يصح إذا كان المراد من وجوب شرائط الصلاة في الطواف اشتراطها فيه دون الوجوب المشترك بين الشرائط وغيره فانا قد نوجب الشئ ولا نشترطه كركعتي الطواف في الطواف على أحد القولين * والذى حكيناه عن أبي حنيفة رحمه الله ينافى الاشتراط دون الوجوب المشترك والله أعلم * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 288 قال (الثاني الترتيب (ح) وهو أن يجعل البيت على يساره ويبتدئ بالحجر الاسود فان جعله على يمينه لم يصح ولو استقبله بوجهه ففيه تردد ولو ابتدأ بغير الحجر لم يعتد بذلك الشوط إلى أن ينتهى إلي الحجر فمنه يبدأ الاحتساب ولو حاذى آخر الحجر ببعض بدنه في ابتداء الطواف فيه وجهان) * هذا الواجب وما بعده قد يحوج إلى معرفة هيئة البيت فنقدم في وضع البيت وما لحقه من التغايير مقدمة مختصرة: ونقول لبيت الله تعالي أربعة أركان ركنان يمانيان وركنان شاميان وكان لاصقا بالارض وله بابان شرقي وغربي فذكر أن السيل هدمه قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 289 وسلم بعشر سنين وأعادت قريش عمارته على الهيئة التى هي عليها اليوم ولم يجدوا من النذور والهدايا والاموال الطيبة ما يفى بالنفقة فتركوا من جانب الحجر بعض البيت وخلفوا الركنين الشاميين عن قواعد ابراهيم عليه السلام وضيقوا عرض الجدار من الركن الاسود إلي الشامي الذى يليه فبقي من الاساس شبه الدكان مرتفعا وهو الذى يسمى الشاذروان وقد روى أن النبي صلي الله عليه وسلم قال لعائشة رضى الله عنها " لولا حدثان قومك بالشرك لهدمت البيت ولبنيته على قواعد ابراهيم فالصقته بالارض وجعلت له بابين شرقيا وغربيا " ثم إن ابن الزبير رضى الله عنهما عدمه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 290 أيام ولايته وبناه على قواعد ابراهيم عليه السلام كما تمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لما استولى عليه الحجاج هدمه وأعاده علي الصورة التي هو عليها اليوم وهي بناء قريش والركن الاسود والباب في صوب الشرق والاسود هو أحد الركنين اليمانيين والباب بينه وبين أحد الشاميين وهو الذى يسمى عراقيا أيضا والباب إلى الاسود أقرب منه إليه ويليه الركن الآخر الشامي والحجر بينهما وسنصفه من بعد والميزاب بينهما ويلى هذا الركن اليماني الآخر الذى هو عن يمين الاسود * إذا عرفت ذلك فاعلم أن مما يعتبر في الطواف شيئان قد يعبر عنهما معا بالترتيب وقد يعبر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 291 به عن أحدهما (والاول) قضية لفظ الكتاب (أحدهما) أن يجعل البيت على يساره (والثانى) أن يبتدئ بالحجر الاسود فيحاذيه بجميع بدنه في مروره وإنما اعتبر لان النبي صلى الله عليه وسلم كذلك طاف وقال " خذوا عنى مناسككم " فلو جعل البيت علي يمينه كما إذا ابتدأ من الحجر الاسود ومر على وجهه نحو الركن اليماني لم يعتد بطوافه وقال أبو حنيفة رحمه الله يعيد الطواف مادام بمكة فان فارقها أجزأه دم شاة ولو لم يجعله على يمينه ولكن استقبله بوجهه وطاف معترضا فعن القفال فيه وجهان (أحدهما) الجواز لحصول الطواف في يسار البيت (والثانى) المنع لانه لم يول الكعبة شقه الايسر والخلاف جار فيما لو ولاها شقه الايمن ومر القهقرى نحو الباب والقياس جريانه فيما لو استدبرها ومر معترضا وما الاظهر من هذا الخلاف الذى أورده صاحب التهذيب وغيره في الصورة الثانية انه يجوز ويكره وقال الامام والاصح المنع كما أن المصلى لما أمر بان يولى الكعبة صدره ووجهه لم يجز أن يوليها شقه وهذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 292 أوفق لعبارة الاكثرين فانهم قالوا يجب أن يجعل البيت علي يساره ولم يوجد ذلك في هذا الصورة وقالوا لو جعله هلى يمينه لم يصح وقد وجد ذلك في صورة الرجوع القهقرى ومن صحح الطواف في هذه الصور فالمعتبر عنده أن يكون تحرك الطائف ودورانه في يسار البيت لا غير والله أعلم * ولو ابتدأ الطائف من غير الحجر الاسود لم يعتد بما فعله حتى ينتهي إلي الحجر الاسود فيكون منه ابتداء طوافه كما لو قدم المتوضئ علي غسل الوجه غسل عضو آخر فانا نجعل غسل الوجه ابتداء وضوءه وينبغى أن يمر عند الابتداء بجميع بدنه علي الحجر الاسود وذلك بان لا يقدم جزءا من بدنه على جزء من الحجر فلوا حاذاه ببعض بدنه وكان بعضه مجاوزا إلى جانب الباب ففيه قولان (الجديد) أنه لا يعتد بتلك الطوافة (والقديم) انه يعتد بها وتكفى المحاذاة ببعض البدن وهذا الخلاف كالخلاف فيما إذا استقبل الكعبة ببعض بدنه وصلى هل تصح صلاته وفيما علق عن الشيخ أبى محمد وغيره أن الخلاف ثم مخرج من الخلاف في الطواف وعكس الامام ذلك فاشار إلى تخريج هذا من ذاك ولو حاذي بجميع البدن بعض الحجر دون البعض أجزأه كما يجزئه أن يستقبل بجميع بدنه بعض الكعبة ذكره أصحابنا العراقيون (وقوله) في الكتاب لم يعتد بذلك الشوط هو الطوفة الواحدة وكره الشافعي رضى الله عنه اللفظ فاستحب أن يقال طواف وطوافان (وقوله) ولو حاذى آخر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 293 الحجر أراد بآخر الحجر البعض الذى يلى الباب ولا حاجة إلى هذا التقييد بل الخلاف جار فيما إذا حاذى جميع الحجر ببعض بدنه (وقوله) وجهان اقتدى فيه بامام الحرمين رحمهما الله ومعظم الاصحاب احكو قولين منصوصين كما قدمنا * قال ((الثالث أن يكون بجميع بدنه خارجا عن البيت فلا يمشى على شاذروان البيت ولا في داخل محوط الحجر فان ستة أذرع منه من البيت ولو كان يمس الجدار بيده في موازاة الشاذروان صح (ح) لان معظم بدنه خارج) * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 294 الطواف المأمور به هو الطواف بالبيت قال الله تعالي (وليطوفوا بالبيت العتيق) وإنما يكون طائفا به إذا كان خارجا عنه والا فهو طائف في البيت إذا تقرر ذلك ففى الفصل صور (أحداهما) لو مشى علي شاذروان البيت لم يصح طوافه لما ذكرنا أنه من البيت * وعن المزني انه سماه تازير البيت أي هو كالازار له وقد يقال التازيز - بزاءين وهو التأسيس (الثانية) ينبغي أن يدور في طوافه حول الحجر الذى ذكرنا انه بين الركنين الشاميين وهو موضع حوط عليه بجدار قصير بينه وبين كل واحد من الركنين فتحة وكلام جماعة من الاصحاب يقتضى كون جميعه من البيت وهو ظاهر لفظه في المختصر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 295 لكن الصحيح انه ليس كذلك بل الذي هو من البيت منه قدر سنة أذرع تتصل بالبيت روى ان عائشة رضي الله عنها قالت " نذرت أن أصلى ركعتين في البيت فقال صلى الله عليه وسلم صلى في الحجر فان ستة أذرع منه من البيت " (ومنهم) من يقول ستة أذرع أو سبعة كان الامر فيه علي التقريب ولفظ المختصر محمول على هذا القدر فلو دخل احدى الفتحتين وخرج الجزء: 7 ¦ الصفحة: 296 من الاخرى فهو ماش في البيت لا يحسب له ذلك ولا طوفه بعده حتي ينتهي إلى الفتحة التى دخل منها ولو خلف القدر الذى هو من البيت ثم اقتحم الجدار وتخطي الحجر على السمت صح طوافه (الثالثة) لو كان يطوف ويمس الجدار بيده في موازاة الشاذروان أو أدخل يده في موازاة ما هو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 297 من البيت من الحجر ففى صحة طوافه وجهان (أحدهما) وبه أجاب في الكتاب انه يصح لان معظم بدنه خارج وحينئذ يصدق أن يقال انه طائف بالبيت (وأصحهما) باتفاق فرق الاصحاب وفيهم الامام انه لا يصح لان بعض بدنه في البيت كما لو كان يضع احدي رجليه أحيانا علي الشاذروان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 298 ويقفذ بالاخرى (وقوله) في الكتاب أن يكون بجميع بدنه خارج البيت لفظ الجميع كالمستغنى عنه فانه لو اقتصر على قوله أن يكون ببدنه كان المفهوم منه الجميع وإذا تعرض له فلا شك أن مثل هذا انما يذكر تأكيدا ومبالغة في أنه لا يحتمل خروج البعض وهذ لا يليق به الجواب بالصحة فيما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 299 إذا كان يمس الجدار بيده في موازاة الشاذروان (وقوله) ولا في داخل محوط الحجر مطلق ولكن تعقيبه بقوله فان ستة أذرع منه من البيت يبين الحد الممنوع عن المشي فيه * قال (الرابع) أن يطوف داخل المسجد ولو في أخرياتها وعلى سطوحها وأروقتها فلو طاف بالمسجد لم يجز) * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 300 يجب أن لا يوقع الطواف خارج المسجد كما يجب أن لا يوقعه خارج مكة والحرم ولا باس بالحائل بين الطائف والبيت كالسقاية والسوارى ولا بكونه في أخريات المسجد وتحت السقف وعلي الاروقة والسطوح إذا كان البيت أرفع بناء على ما هو اليوم فان جعل سقف المسجد أعلي فقد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 301 ذكر في العدة انه لا يجوز الطواف علي سطحه ولو صح هذا لزم أن يقال إذا انهدمت الكعبة والعياذ بالله لم يصح الطواف حول عرصتها وهو بعيد ولو اتسعت خطة المسجد اتسع المطاف وقد جعلته العباسية أوسع مما كان في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 302 قال (الخامس) رعاية العدد فلو اقتصر على ستة أشواط لم يصح (ح)) * تجب رعاية العدد في الطواف وهو أن يطوف سبعا فلوا اقتصر على ستة أشواط لم يجزه وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله لان النبي صلى الله عليه وسلم طاف سبعا وقد قال " خذوا عنى مناسككم " وعند الجزء: 7 ¦ الصفحة: 303 أبي حنيفة رحمه الله لو اقتصر على اكثر الطواف وأراق عن الباقي دما أجزأه وبني علي ذلك أنه لو كان يدخل في الاشواط كلها من احدى فتحتي الحجر ويخرج من الاخرى كفاه أن يمشى وراء الحجر سبع مرات أو يريق دما وتداوره بما وراء الحجر يكون معتمدا به في الاشواط كلها * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 304 قال (السادس ركعتان عقيب الطواف مشروعتان وليستا من الاركان وفى وجوبهما قولان وليس لتركها جبران لانه لا يفوت إذ الموالاة ليست بشرط في اجزاء الطواف علي الصحيح) * إذا فرغ من الطوافات السبع صلى ركعتين روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه " فعل ذلك " وهما واجبتان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 305 أو مسنونتان فيه قولان (أحدهما) واجبتان وبه قال أبو حنيفة رحمه الله لان النبي صلى الله عليه وسلم لما صلاهما تلا قوله تعالى (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلي) * فافهم أن الآية أمر بهذه الصلاة والامر للوجوب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 306 (وأصحهما) مسنونتان وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله لقوله " صلى الله عليه وسلم في حديث الاعرابي لا إلا أن تطوع " واحتج الشيخ أبو علي لهذا القول بشيئين (أحدهما) أنها لو وجبت للزم شئ بتركها كالرمي ولا يلزم (والثانى) انها لو وجبت لاختص فعلها بمكة ولا يختص بل يجوز في بلده وأى موضع شاء ولك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 307 ان تقول (أما) الاول فيشكل بالاركان فانها واجبة ولا تجبر بشئ وقد تعد هذه الصلاة منها على ما سيأتي ثم الجبر بالدم انما يكون عند فوات المجبور وهذه الصلاة لا تفوت إلا بان يموت وحينئذ لا يمتنع جبرها بالدم قاله الامام وغيره (وأما) الثاني فلم لا يجوز أن تكون واجبات الحج وأعماله منقسمة الي ما يختص بمكة والى ما لا يختص ألا ترى أن الاحرام أحد الواجبات ولا اختصاص له الجزء: 7 ¦ الصفحة: 308 بمكة * والمستحب أن يقرأ في الاولى بعد الفاتحة قل يا أيها الكافرون وفى الثانية قل هو الله أحد كذلك روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن يصليهما خلف المقام فان لم يفعل ففى الحجر فان لم يفعل ففى المسجد فان لم يفعل ففى أي موضع شاء من الحرم وغيره ويجهر بالقراءة فيهما ليلا ويسر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 309 نهارا * وإذا لم تحكم بوجوبهما فلو صلى فريضة بعد الطواف حسبت عن ركعتي الطواف اعتبارا بتحية المسجد * حكي ذلك عن نصه في القديم والامام حكاه عن الصيدلاني نفسه واستبعدوه وتختص هذه الصلاة من بين سائر الصلوات بشئ وهو جريان النيابة فيها إذ يؤديها عنه المستأجر (وقوله) في الكتاب ركعتان عقيب الطواف مشروعتان أراد به التعرض لما يشترك فيه القولان وهو أصل الشرعية ثم بين الاختلاف في الوجوب (وقوله) وليستا من الاركان أراد به أن الاعتداد بالطواف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 310 لا يتوقف عليهما أو شيئا هذا شأنه * وقد ذكره الامام أيضا لكن في طرق الائمة ما ينازع فيه لانهم ذكروا القولين في طواف الفرض ثم قالوا ان كان الطواف تطوعا ففيه طريقان (أحدهما) القطع بعدم الوجوب وبه قال أبو زيد لان أصل الطواف ليس بواجب فكيف يكون تابعه واجبا (والثانى) وبه قال ابن الحداد طرد القولين ولا يبعد اشتراك الفرض والنفل في الشرائط كاشتراط صلاة الفرض والتطوع في الطهارة وستر العورة وغيرهما وكذا اشتراكهما في الاركان كالركوع والسجود وغيرهما ومعلوم ان هذا التوجيه ذهاب الي كونهما ركنا أو شرطا في الصلاة وعلى التقديرين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 311 فالاعتداد يتوقف عليهما (وقوله) وفى وجوبهما قولان يجوز اعلامه بالواو لانه ان أراد مطلق الطواف ففى النفل منه طريقة قاطعة بنفى الوجوب كما عرفتها وان أراد الفرض منه ففيه طريقة قاطعة بالوجوب حكاها الشيخ إبو على (وقوله) وليس لتركهما جبران لانه لا يفوت معناه ما مرمن انه يحتمل تأخيرهما ويجوز فعلهما في أي موضع شاء ولكن حكي صاحب التتمة عن نص الشافعي رضى الله عنه أنه إذا أخر يستحب له اراقة دم (وقوله) إذ الموالاة ليست بشرط في إجزاء الطواف فيه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 312 أو لا تعرض لمسألة مقصودة وهى أن الطائف ينبغى أن يوالى بين أشواط الطواف وأبعاضه فلو خالف وفرق هل يجوز البناء علي ما أتى به فيه قولان (أصحهما) الجواز وهما كالقولين في جواز تفريق الوضوء لان كل واحد منها عبادة يجوز أن يتخللها ما ليس منها بخلاف الصلاة والقولان في التفريق الكثير بلا عذر فاما إذا فرق يسيرا أو كثيرا بالعذر فالحكم على ما بينا في الوضوء * قال الامام والتفريق الكثير هو الذى يغلب على الظن تركه الطواف (اما) بالاضراب عنه أو لظنه أنه أنهاه نهايته * ولو أقيمت المكتوبة في أثناء الطواف فتخليلها بينها تفريق بالعذر * وقع الطواف المفروض بصلاة الجنازة والرواتب مكروه إذ لا يحسن ترك فرض العين بالتطوع أو فرض الكفاية * * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 313 إذا وقفت على المسألة (فقوله) انه لا يفوت إذا الموالاة ليست بشرط في أجزاء الطواف ليس تسليما لكون الركعتين من أجزاء الطواف فان ذلك يناقض قوله من قبل انهما ليستا من الاركان ولكن المعنى ان الموالاة إذا لم تشترط في أجزائه فاولي أن لا تشترط بينه وبين ما هو من توابعه وهذا شرح واجبات الطواف وفى وجوب النية فيه خلاف نذكره من بعد * قال (أما سنن الطواف فهي خمس (الاولي) أن يطوف ماشيا لا راكبا وانما ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليظهر فيستفتي) * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 314 القسم الثاني من وظائف الطواف السنن (فمنها) أن يطواف ماشيا ولا يركب الا بعذر مرض ونحوه كيلا يؤذى الناس ولا يلوث المسجد " وقد طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاكثر ماشيا وانما ركب في حجة الوداع ليراه الناس فيستفتي المفتون " فان كان الطائف مترشحا للفتوى فله أن يتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم فيركب ولو ركب من غير عذر أجزأه ولا كراهة هكذا قاله الاصحاب * وقال الامام وفي القلب من ادخال البهيمة المسجد ولا يؤمن تلويثها بشئ فان أمكن الاستيثاق فذاك وإلا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 315 فادخال البهائم المسجد مكروه * ويجوز أن يعلم قوله أن يطوف ماشيا بالميم والحاء لان عندهما ليس ذلك من السنن بل يجب ان يطوف ماشيا إن لم يكن له عذر فان ركب فعليه دم وبالالف لانه يروى عن أحمد مثله * قال (الثانية تقبيل الحجر الاسود ومس الركن اليماني باليد فان منعت الزحمة من التقبيل اقتصر علي المس والاشارة ويستحب ذلك في آخر كل شواط وفى الاوتار آكد) * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 316 ومن السنن أن يستلم الحجر بيده في ابتداء الطواف لما روى عن جابر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " بدأ بالحجر فاستلمه وفاضت عيناه من البكاء " ويقبله لما روى عن عمر رضي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 317 الله عنه انه قال وهو يطوف بالركن " انما أنت حجر ولولا اني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك لما قبلتك ثم تقدم فقبله " ويضع جبهته عليه لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما " انه كان يقبل الحجر الاسود ويسجد عليه بجبهته " فان منعته الزحمة من التقبيل اقتصر علي الاستسلام فان لم يمكن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 318 اقتصر على الاشارة باليد ولا يشير بالفم إلى التقبيل ولا يقبل الركنين الشاميين ولا يستلمهما ولا يقبل الركن اليماني ولكن يستلمه باليد وروى عن أحمد انه يقبله وعند أبى حنيفة رحمه الله لا يستلمه ولا يقبله * لنا ما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم " كان يستلم الركن اليماني والاسود في كل طوفة ولا يستلم الركنين اللذين يليان الحجر " قال الائمة ولعل الفرق ما تقدم أن اليمانيين علي قواعد ابراهيم عليه السلام دون الشاميين * ثم حكى الامام انه يتخير حين يستلم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 319 الركن اليماني بين أن يقبل يده ثم يمس الركن كالذى ينقل خدمة إليه وبين أن يمسه ثم يقبل اليد كالذى ينقل يمنا إلى نفسه قال وهكذا يتخير بين الوجهين إذا منعته الزحمة من تقبيل الحجر ولم يورد المعظم في الصورتين سوى الوجه الثاني * وقال مالك رحمه الله لا يقبل يده فيهما ولكنه بعد الاستلام يضع يده على فيه * ولو لم يستلم الركن باليد ولكنه وضع خشبة عليه ثم قبل طرفها جاز أيضا روى عن أبى الطفيل قال " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على بعير ويستلم الركن بمحجن ويقبل المحجن " ويستحب تقبيل الحجر واستلامه واستلام الركن اليماني عند محاذاتهما في كل طوفة وهو في الاوتار آكد لانها أفضل (وقوله) في الكتاب اقتصر على المس أو الاشارة ليس تخييرا بينهما ولكنه يمسه وان لم يمكنه اقتصر على الاشارة كما مر * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 320 قال (الثالثة الدعاء وهو أن يقول عند ابتداء الطواف (بسم الله وبالله والله أكبر اللهم ايمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد عليه وعلي آله السلام) * يستحب للطائف أن يقول في ابتداء طوافه بسم الله وبالله والله أكبر اللهم ايمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم روى ذلك عن عبد الله بن السائب رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ويقول بين الركنين اليمانيين (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) * وأورد الشيخ أبو محمد انه يستحب له إذا انتهى إلى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 321 محاذاة الباب وعلى يمينه مقام ابراهيم عليه السلام أن يقول (اللهم ان هذا البيت بيتك والحرم حرمك والامن أمنك وهذا مقام العائذ بك من النار) ويشير إلى مقام ابراهيم عليه السلام وإذا انتهي إلى الركن العراقى أن يقول اللهم اني أعوذ بك من الشك والشرك والنفاق والشقاق وسوء الاخلاق وسوء المنظر في الاهل والمال والولد * وإذا انتهي إلى ما تحت الميزاب من الحجر ان يقول اللهم أظللني في ظلك يوم لا ظل الا ظلك واسقني بكأس محمد شرابا هنيا لا اظماء بعده أبدا يا ذا الجلال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 322 والاكرام * وإذا صار بين الركن الشامي واليماني أن يقول اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وعملا مقبولا وتجارة لن تبور يا عزيز يا غفور * وإذا صار بين الركنين اليمانيين أن يقول ما سبق وذكر غيره أنه يقول عند الفراغ من ركعتي الطواف خلف المقام اللهم هذا بلدك ومسجدك الحرام وبيتك الحرام أنا عبدك وابن عبدك وابن امتك اتيتك بذنوب كثيرة وخطايا جمة وأعمال سيئة وهذا مقام العائذ بك من النار فاغفر إلى انك أنت الغفور الرحيم اللهم انك دعوت عبادك إلى بيتك الحرام وقد جئت اليك طالبا رحمتك مبتغيا مرضاتك وأنت مننت على بذلك فاغفر لى وارحمني انك على كل شئ قدير * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 323 وعند محاذاة الميزاب اللهم انى أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب * ويدعو في طوافه بما شاء ولا بأس بقراءة القرآن في الطواف بل هي أفضل من الدعاء الذى لم يؤثر والدعاء المسنون أفضل منها تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم * ونقل في العدة وجها آخر انها أفضل منه أيضا * قال (الرابعة الرمل في الاشواط الثلاثة الاول والهينة في الاربعة الاخيرة وذلك في طواف القدوم فقط على قول وفى طواف بعده سعي فقط علي قول وان ترك الرمل أولا لم يقضه آخرا إذا تفوت به السكينة ولو تعذر الرمل مع القرب للزحمة فالبعد أولى ولو تعذر لزحمة النساء فالسكينة أولى وليقل في الرمل اللهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 324 اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا) * الاصل في الرمل الاضطباع وما روى عن ابن عباس رض الله عنهما قال " لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة لعمرة الزيارة قالت قريش ان أصحاب محمد قد أوهنتهم حمى يثرب فامرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالرمل والاضطباع ليرى المشركين قوتهم ففعلوا) ثم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 325 ان ذلك بقى سنة متبعة وان زال السبب روى عن عمر رضى الله عنه أنه قال " فيم الرمل وقد نفى الله الشرك وأهله وأعز الاسلام الا انى لا أحب أن أدع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " والرمل هو الاسراع في المشي مع تقارب الخطى دون الوثوب والعد ويقال انه الخبب وغلط الائمة من ظن كونه دون الخبب * إذا تمهد ذلك فنورد مسائل الفصل وما ينضم إليها في صور (احداها) حيث يسن الرمل فانما يسن في الاشواط الثلاثة الاولى (فاما) الاربعة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 326 الاخيرة فالسنة فيها الهينة روى عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتي الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثا ومشي اربعا " أو هل يستوعب الثلاثة الاولى بالرمل فيه قولان حكاهما الامام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 327 (أصحهما) وهو المشهور نعم لما روى " أنه صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر إلى الحجر ثلاثا ومشى أربعا " (والثانى) لا بل يترك الرمل في كل طوفة بين الركنين اليمانيين لما روى " أن أصحاب رسول الله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 328 صلى الله عليه وسلم كانوا يتئدون بينهما وذلك انه صلي الله عليه وسلم كان قد شرط عليهم عام الصد أن ينجلوا عن بطحاء مكة إذا عاد لقضاء العمرة " فلما عاد وفواورقو اقعيقعان وهو جبل في مقابلة الحجر والميزاب وكانوا يظهرون القوة والجلادة حيث تقع أبصارهم عليهم وإذا صاروا بين الركنين اليمانيين كان البيت حائلا بينهم وبين أبصار الكفار (الثانية) لا خلاف في ان الرمل لا يسن في كل طواف وفيم يسن فيه قولان (أحدهما) قال في التهذيب وهو الاصح الجديد يسن في طواف القدوم والابتداء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 329 لانه أول العهد بالبيت فيليق به الشناط والاهتزاز (والثانى) انما يسن في طواف يستعقب السعي لانتهائه الي تواصل الحركات بين الجبلين وهذا أظهر عند الاكثرين ولم يتعرضوا لتاريخ القولين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 330 ويشهد للاول ما روي " انه صلى الله عليه وسلم لم يرمل في طوافه بعد ما أفاض " وللثاني " انه صلى الله عليه وسلم رمل في طواف عمره * كلها وفى بعض أنواع الطواف في الحج " والذى يشتركان فيه استعقاب السعي فعلى القولين لا رمل في طواف الوداع لانه ليس للقدوم ولا يستعقب السعي ويرمل من قدم مكة معتمرا لوقوع طوافه عن القدوم واستعقابه السعي ويرمل أيضا الآفاقي الحاج ان دخل مكة بعد الوقوف وان دخلها قبل الوقوف فهل يرمل في طواف القدوم ينظر ان كان لا يسعي عقبيه ويؤخره إلى إثر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 331 طواف الافاضة فعلى القول الاول يرمل وعلى الثاني لا وانما يرمل في طواف الافاضة وإن كان يسعي عقيبه فيرمل فيه على القولين وإذا رمل فيه وسعي بعده فلا يرمل في طواف الافاضة ان لم يرد السعي عقيبه وان أراده فكذلك في أصح القولين * وإذا طاف للقدوم وسعي بعده ولم يرمل فهل يقضيه في طواف الافاضة فيه وجهان ويقال قولان (أظهرهما) لا كما لو ترك الرمل في الثلاثة الاولى لا يقضيه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 332 في الاربعة الاخيرة * وان طاف ورمل ولم يسع فجواب الاكثرين انه يرمل في طواف الافاضة ههنا لبقاء السعي عليه وكون هيئة الرمل مع الاضطباع مرعية فيه والسعي تبع للطواف فلا يزيد في الهيئة على الاصل * وهذا الجواب في غالب الظن منهم مبني على القول الثاني والا فلا اعتبار باستعقاب السعي وهل يرمل المكى المنشئ حجه من مكة في طوافه (ان قلنا) بالقول الاول فلا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 333 إذ ليس له طواف قدوم ودخول (وان قلنا) بالثاني فنعم لاستعقابه السعي * (الثالثة) لو ترك الرمل في الاشواط الاول لم يقضه في الاخيرة لان الهينة والسكينة مسنونة فيها استنان الرمل في الاول فلو قضاه لفوت سنة حاضرة وهذا كما لو ترك الجهر في الركعتين الاولتين لا يقضيه في الاخرتين ويخالف ما لو ترك سورة الجمعة في الركعة الاولى يقرأها مع المنافقين في الثانية لان الجمع ممكن هناك * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 334 (الرابعة القرب من البيت مستحب للطائف تبركا به ولا نظر إلى كثرة الخطي لو تباعد فلو تعذر الرمل مع القرب لزحمة الناس فينظر ان كان يجد فرجة لو توقف توقف ليجدها فيرمل فيها وإن كان لا يرجو ذلك وهو المراد مما أطلقه في الكتاب فالبعد عن البيت والمحافظة علي الرمل أولي لان القرب فضيلة تتعلق بموضع العبادة والرمل فضيلة تتعلق بنفس العبادة والفضيلة المتعلقة بنفس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 335 العبادة أولى بالرعاية. ألا ترى أن الصلاة بالجماعة في البيت أفضل من الانفراد بها في المسجد وان كان في حاشية المطاف نساء ولم يأمن مصادمتهن لو تباعد فالقرب من البيت والسكينة أولى من البعد والرمل تحرزا عن مصادمتهن وملامستهن (وقوله) في الكتاب ولو تعذر لزحمة النساء إلى آخره المراد منه هذه الصورة على ما دل عليه عبارة الوسيط والمعنى فان تعذر البعد لزحمة النساء ويجوز أن يحمل على ما إذا كان بالقرب أيضا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 336 نساء وتعذر الرمل في جميع المطاف لخوف مصادمتهن فان الاولى والحالة هذه ترك الرمل (الخامسة) ليكن من دعائه في الرمل اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ومتي تعذر الرمل علي الطائف فينبغي أن يتحرك في مشيه ويرى من نفسه انه لو أمكنه الرمل لرمل * وان طاف راكبا أو محمولا ففيه قولان (أصحهما) أنه يرمل به الحامل ويحرك هو الدابة (ومنهم) من خص القولين بالبالغ المحمول وقطع في الصبي المحمول بانه يرمل به حامله والله أعلم * قال (الخامسة الاضطباع في كل طواف فيه رمل وهو أن يجعل وسط ازاره في ابطه اليمنى ويجعل طرفيه علي عاتقة الايسر ثم يديمه إلى آخر الطواف في قول وإلى آخر السعي في قول) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 337 الاضطباع في كل طواف فيه رمل وهو افتعال من الضبع وهو العضد ومعناه أن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الايمن وطرفيه علي عاتقه الايسر ويبقى منكبه الايمن مكشوفا كدأب أهل الشطارة وكل طواف لا يسن فيه الرمل لا يسن فيه الاضطباع وما يسن فيه الرمل يسن فيه الاضطباع لكن الرمل مخصوص بالاشواط الثلاثة الاول والاضطباع يعم جميعها ويسن في السعي بين الجبلين بعدها أيضا على المشهور ويخرج من منقول المسعودي وغيره وجه انه لا يسن ويروى ذلك عن أحمد رحمه الله * وهل يسن في ركعتي الطواف فيه وجهان (أحدهما) نعم كما في سائر أعمال الطواف (وأصحهما) لا لكراهية الاضطباع في الصلاة والخلاف فيها متولد من اختلاف الاصحاب في لفظ الشافعي رضى الله عنه في المختصر وهو انه قال ويضطبع حتي يكمل سعيه (فمنهم) من نقله هكذا (ومنهم) من نقل حتى يكمل سبعة وهذا الاختلاف عند بعض الشارحين متولد من اختلاف النسخ وعند بعضهم من اختلاف القراءة لتقاربهما في الخط فمن نقل سعيه حكم بادامة الاضطباع في الصلاة والسعى ومن قال سبعة قال لا يضطبع بعد الاشواط السبعة وظاهر المذهب ويحكى عن نصه انه إذا فرغ من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 338 الاشواط ترك الاضطباع حتى يصلى الركعتين فإذا فرغ منها أعاد الاضطياع وخرج للسعي وهذا يحوج الي تأويل لفظ المختصر على التقديرين فتأويله على التقدير الاول انه يضطبع مرة بعد أخرى وعلى التقدير الثاني انه يديم اضطباعه الاول إلى تمام الاشواط ثم اللفظ ساكت عن انه يعيده أولا يعيده * وليس في حق النساء رمل ولا اضطباع حتى لا ينكشفن ولا تبدو عضاهن وحكي القاضي ابن كج رحمة الله عليه وجهين في أن الصبى هل يضطبع لانه ليس فيه نصرة ولا جلادة كالنسوة والظاهر انه يضطبع (وقوله) في الكتاب أن يجعل وسط ازاره ذكر الرداء في هذا الموضع اليق وكذلك قاله الشافعي رضي الله عنه وعامة الاصحاب رحمهم الله (وقوله) إلى آخر الطواف في قول والى آخر السعي في قول اطلاق القولين فيه غريب والذين رووا الخلاف فيه رووهما وجهين إلا ان حجة الاسلام رحمه الله نظر إلى استناد الخلاف إلى ما قدمنا من قول الشافعي رضى الله عنه * ثم عبارة الكتاب في القول الثاني تقتضي استحباب الاضطباع في ركعتي الطواف أيضا وفيه ما ذكرناه * قال (فرع لو طاف المحرم بالصبى الذى أحرم عنه أجزأه عن الصبي الا إذا لم يكن قد طاف عن نفسه فان الحامل اولى به فينصرف إليه ولا يكفيهما طواف واحد بخلاف ما إذا حمل صبيين وطاف بهما فانه يكفى للصبيين طواف واحد كراكبين على دابة) * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 339 هذا الفرع لا اختصاص له بالصبي وان صوره فيه ولو اختص به لكان موضعه الفصل الاخير من الباب المعقود في حكم الصبى ثم هو ناظر إلى مسالة نذكرها اولا وهي ان الطواف هل يجب فيه النية وفيه وجهان (احدهما) تجب لانه عبادة برأسه (واصحهما) لا تجب لانه في الحج والعمرة احد العمال فيكفى فيه نية النسك في الابتداء وعلى هذا فهل يشترط ان لا يصرفه إلى غرض آخر من طلب غريم ونحوه فيه وجهان (اظهرهما) نعم وهما كالوجهين فيما إذا قصد في اثناء وضوءه لغسل باقى الاعضاء تبردا ونحوه * إذا عرفت ذلك فلو ان الرجل حمل محرما من صبى أو مريض أو غيرهما وطاف به نظر ان كان الحامل حلالا أو كان قد طاف عن نفسه حسب الطواف للمحمول بشرطه وان كان محرما ولم يطف عن نفسه نظر ان قصد الطواف عن المحمول ففيه ثلاثة اوجه (اظهرها) انه يقع للمحمول دون الحامل وينزل الحامل منزلة الدابة وهذا يخرج علي قولنا انه يشترط ان لا يصرف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 340 طوافه إلى غرض آخر (والثانى) انه يقع عن الحامل دون المحمول وهذا يخرج على قولنا انه لا يشترط ذلك فان الطواف حينئذ يكون محسوبا له وإذا حسب له لم ينصرف الي غيره بخلاف ماذا حمل محرمين وطاف بهما وهو حلال أو محرم وقد طاف حيث يجزيهما جميعا فان الطواف ثم غير محسوب للحامل والمحمولان كراكبى دابة واحدة وربما يوجه هذا الوجه بالتشبيه بما إذا أحرم عن غيره وعليه فرضه (والثالث) انه يحسب لهما جميعا لان أحدهما قد دار والآخر دير به * وان قصد الطواف عن نفسه وقع عنه وهل يحسب عن المحمول قال الامام لا وحكى وفاق الاصحاب فيه وبمثله أجاب فيما إذا قصد الطواف لنفسه وللمحمول وصاحب التهذيب حكي في حصوله للمحمول مع الحصول للحامل وجهين لانه دار به ولو طاف به ولم يقصد واحدا من الاقسام الثلاثة فهو كما لو قصد نفسه أو كليهما (وقوله) في الكتاب لو طاف المحرم بالصبي الذى أحرم عنه قد ذكرنا ان المسالة غير مخصوصة بما إذا كان المحمول صبيا والاولى أن يقرأ قوله أحرم به على المجهول إذ لا فرق بين أن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 341 يكون الحامل وليه الذى أحرم به أو غيره ثم لفظ الكتاب يقتضى عدم اجزائه للصبى فيما إذا لم يطف الحامل مطلقا لانه أطلق الاستثناء لكن فيه التفصيل والخلاف الذى كتبته والظاهر فيما إذا قصد كون الطواف للمحمول إجزاؤه للمحمول على ما تقرر فإذا لفظ الكتاب محمول على ما إذا لم يقصد ذلك وفى الوسيط ما يشير إليه (وقوله) ولا يكفيهما طواف واحد معلم بالواو لما مر من الوجه الثالث وبالحاء لان صاحب التتمة حكي عن أبى حنيفة رحمه الله مثله * قال (الفصل الخامس في السعي) (ومن فرغ من الطواف استلم الحجر وخرج من باب الصفا ورقى على الصفا مقدار قامة حتى يقع بصره علي الكعبة ويدعو ثم يمشي إلى المروة ويرقى فيها ويدعو ويسرع في المشى إذا بقى بينه وبين الميل الاخضر المعلق بفناء المسجد نحو ستة أذرع الي ان يحاذي الميلين الاخضرين ثم يعود إلى الهينة) * إذا فرغ من الطواف وركعتيه فينبغي أن يعود إلى الحجر الاسود ويستلمه ليكون آخر عهده بالاستلام كما افتتح طوافه به ثم يخرج من باب الصفا وهو في محاذاة الضلع بين الركنين اليمانيين ليسعى بين الصفا والمروة ويبدأ بالصفا لان النبي صلي الله عليه وسلم " بدأ به وقال ابدأوا بما بدأ الله به " ويرقى علي الصفا بقدر قامة رجل حتي يتراءى له البيت ويقع بصره عليه فإذا رقي عليه استقبل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 342 البيت وهلل وكبر وقال الله اكبر الله اكبر الله اكبر ولله الحمد الله اكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا لا إله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو علي كل قدير لا اله الا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده لا اله الا الله ولا نعبد الا اياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون * ثم يدعو بما أحب من أمر الدين والدنيا ثم يعود الي الذكر المذكور ثانيا ثم يدعو ثم يعود إليه ثالثا ولا يدعو وينزل من الصفا ويمشي الي المروة ويرقي عليها أيضا بقدر قامة رجل ويأتى بالذكر والدعاء كما فعل على الصفا * ثم ان المسافة بين الجبلين يقطع بعضها مشيا وبعضها عدوا * وبين الشافعي رضى الله عنه ذلك فقال ينزل من الصفا ويمشي على سجية مشيه حتى يبقى بينه وبين الميل الاخضر المعلق بفناء المسجد وركنه قدر ستة أذرع فحينئذ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 343 يسرع في المشي ويسعي سعيا شديدا وكان ذلك الميل موضوعا على متن الطريق في الموضع الذى منه يبتدأ السعي اعلاما وكان السيل يهدمه فرفعوه إلى أعلا ركن المسجد ولذلك سمي معلقا فوقع متاخرا عن مبتدأ السعي بستة أذرع لانه لم يكن موضع اليق منه على الاعلى ويديم السعي حتى يتوسط بين الميلين الاخضرين اللذين أحدهما يتصل بفناء السمجد عن يسار الساعي والثاني متصل بدار العباس فإذا حاذاهما عاد إلى سجية المشى حتى ينتهي إلى المروة * قال القاضي الرويانى وغيره هذه الاسامي كانت في زمان الشافعي رضى الله عنه وليس هناك اليوم دار تعرف بدار العباس ولا ميل أخضر وتغيرت الاسامي * وإذا عاد من المروة إلى الصفا سعي في موضع سعيه اولا ومشى في موضع مشيه وليقل في سعيه (رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم انك أنت الاعز الاكرم) وليكن من دعائه علي الجبلين ما يؤثر عن ابن عمر رضي الله عنهما (اللهم اعصمني بدينك وطاعتك وطواعية رسولك اللهم اجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك ورسلك وعبادك الصالحين اللهم آتنى من خير ما تؤتى عبادك الصالحين اللهم اجعلني من الائمة المتقين واجعلني من ورثة جنة النعيم واغفر لى خطيئتي يوم الدين وجميع ما ذكرناه من وظائف السعي قولا وفعلا مشهور في الاخبار * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 344 قال (والترقى والدعاء وسرعة المشى سنن ولكن وقوع السعي بعد طواف ما شرط فلا يصح الابتداء به فان سعى بعد طواف القدوم لا يستحب الاعادة بعده ولا يشترط الطهارة وشروط الصلاة بخلاف الطواف) * لما تكلم في وظائف السعي مخلوطة واجباتها بسننها أراد الآن أن يميز بينهما فمن السنن الرقى على الصفا والمروة والواجب هو السعي بينهما وقد يتأتي ذلك من غير رقى بان يلصق العقب باصل ما يسير منه ويلصق رؤوس أصابع رجليه بما يسير إليه من الجبلين * وعن أبى حفص بن الوكيل انه يجب الرقى عليهما بقدر قامة رجل * لنا اشتهار السعي من غير رقي عن عثمان وغيره من الصحابة رضى الله عنهم من غير انكار (ومنها) الذكر والدعاء فليس في تركهما الا ترك فضيلة وثواب (ومنها) سرعة المشي في الموضع المذكور والهينة في الباقي كالرمل والهينة في الطواف بالبيت (ومنها) الموالاة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 345 في مرات السعي وبين الطواف والسعى ولا يشترط الموالاة بين الطواف والسعى بل لو تخلل بينهما فصل طويل لم يقدح قاله القفال وغيره نعم لا يجوز أن يتخلل بينهما ركن بان يطوف للقدوم ثم يقف بعرفة ثم يسعى بل عليه اعادة السعي بعد طواف الافاضة وذكر في التتمة انه إذا طال الفصل بين مرات السعي أو بين الطواف والسعى ففى أجزاء السعي قولان وان لم يتخلل بينهما ركن والظاهر ما سبق (وأما) الواجبات فمنها وقوع السعي بعد الطواف فلو سعى قبل أن يطوف لم يحسب إذ لم ينقل عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن بعده السعي الا مرتبا على الطواف ترتيب السجود علي الركوع ولا يشترط وقوعه بعد طواف الركن بل لو سعى عقيب طواف القدوم أجزأه ولا يستحب ان يعيده بعد طواف الافاضة لان السعي ليس قربة في نفسه كالوقوف بخلاف الطواف فانه عبادة يتقرب بها وحدها * وعن الشيخ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 346 أبى محمد انه يكره اعادته فضلا عن عدم الاستحباب (ومنها) الترتيب وهو لابتداء بالصفا لقوله صلى الله عليه وسلم " ابدأوا بما بدأ الله به " فان بدأ بالمروة لم يحسب مروره منها الي الصفا * وعن أبي حنيفة أنه لا يجب الترتيب فيجوز الابتداء بالمروة (ومنها) العدد فلا بد من أن يسعي بين الجبلين سبعا ويحسب الذهاب من الصفا إلى المروة مرة والعود منها الي الصفا أخرى فيكون الابتداء بالصفا والختم بالمروة * وذهب أبو بكر الصيرفى إلى أن الذهاب والعود يحسب مرة واحدة لينتهي إلى ما منه بدأ كالطواف بالبيت وكما أن في مسح الرأس يذهب باليدين إلى القفا ويردهما ويكون ذلك مرة واحدة ويروى هذا عن أبى عبد الرحمن ابن بنت الشافعي رضى الله عنه وابن الوكيل * لنا اطباق الحجيج على ما ذكرنا من عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا * ولو شك في العدد أخذ بالاقل وكذلك يفعل بالطواف ولو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 347 طاف أو سعي وعنده انه أتم العدد وأخبره غيره عن بقاء شئ فالاحب أن يرجع إلى قوله لان الزيادة لا تبطلها ولو جرى على ما هو جازم به جاز ولا يشترط فيه الطهارة وستر العورة وسائر شروط الصلاة كما في الوقوف وغيره من أعمال الحج بخلاف الطواف فانه صلاة بالخبر * ويجوز أن يسعي راكبا كما يجوز أن يطوف راكبا والاحب الترجل والنساء لا يسعين السعي الشديد كما لا يرملن * (وقوله) في الكتاب ولكن وقوع السعي بعد طواف ما شرط لفظ شامل لانواع الطواف غير انه لا يتصور وقوع السعي بعد طواف الوداع فان طواف الوداع هو الواقع بعد أعمال المناسك فإذا بقى السعي عليه لم يكن الماتى به طواف الوداع (واعلم) أن السعي ركن في الحج والعمرة لا يحصل التحلل دونه ولا يجبر بالدم وبه قال مالك * وعند أبى حنيفة رحمه الله ينجبر * وعن أحمد روايتان (أصحهما) مثل مذهبنا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 348 قال (الفصل السادس في الوقوف بعرفة) (والمستحب أن يخطب الامام في اليوم السابع من ذى الحجة بمكة بعد الظهر خطبة واحدة ويامرهم بالغدو إلى منى ويخبرهم بمناسكهم ويخرج اليوم الثامن ويبيت ليلة عرفة بمنى وإذا طلعت الشمس سار إلى الموقف ووقف ثم يخطب بعد الزوال بعرفة خطبة خفيفة ويجلس ثم يقوم الي الثانية ويبدأ المؤذن بالآذان حتي يكون فراغ الامام مع فراغ المؤذن ثم يصلي الظهر والعصر جميعا) * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 349 نفتتح الفصل بذكر شيئين (أحدهما) أن الامام ان لم يحضر بنفسه فالمستحب أن لا يخلى الحجيج عن منصوب يكون أميرا عليهم ليقفوا دون رأيه ويطيعوه فيما ينوبهم وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضى الله عنه اميرا علي الحجيج في السنة التاسعة من الهجرة (والثاني) أن الحجيج ان ساروا من الميقات إلى الموقف قبل ان يدخلوا مكة كما يفعلونه اليوم فاتتهم خطبة اليوم السابع والترتيب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 350 الذي ذكره في الفصل مصور في حق من يدخل مكة قبل الوقوف * إذا عرفت ذلك فنقول من كان من الداخلين قبل الوقوف مفردا بالحج أو قارنا بين لنسكين أقام بعد طواف القدوم إلى أن يخرج إلى عرفة ومن كان متمتعا طاف وسعى وحلق وتحلل من عمرته ثم يحرم بالحج من مكة ويخرج علي ما مر في صورة التمتع وكذلك يفعل المقيمون بمكة ويستحب للامام أو لمنصوبه أن يخطب بمكة في اليوم السابع من ذى الحجة بعد صلاة الظهر خطبة واحدة يامر الامام الناس فيها بالغدو إلي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 351 منى ويخيرهم بما بين أيديهم من المناسك * وعن أحمد انه لا يخطب اليوم السابع * لنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " خطب الناس قبل يوم التروية بيوم واحد وأخبرهم بمناسكهم " وينبغي أن يأمر في خطبته المتمتعين بان يطوفوا قبل الخروج للوداع فلو وافق اليوم السابع يوم الجمعة خطب للجمعة وصلاها ثم خطب هذه الخطبة فان السنة فيها التأخير عن الصلاة ثم يخرج بهم اليوم الثامن وهو يوم التروية الي مني ومتى يخرج المشهور انه يخرج بهم بعد صلاة الصبح بحيث يوافون الظهر بمني * وحكى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 352 القاضي ابن كج أن أبا اسحق ذكر قولا انهم يصلون الظهر بمكة ثم يخرجون وإذا خرجوا الي منى باتوا بها ليلة عرفة وصلوا مع الامام بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح يوم عرفة علي المشهور وعلى ما ذكره أبو اسحق يصلون بها ما سوى الظهر والمبيت ليلة عرفة بمنا هيئة وليس بنسك يجبر بالدم والغرض منه الاستراحة للسير من الغد إلى عرفة من غير تعب وما ذكرناه من الخروج بعد صلاة الصبح أو التروية فذلك في غير يوم الجمعة فاما إذا كان يوم التروية يوم الجمعة فالمستحب الخروج قبل طلوع الفجر لان الخروج الي السفر يوم الجمعة إلى حيت لا تصلى الجمعة حرام أو مكروه علي ما مر في موضعه وهم لا يصلون الجمعة بمني وكذا لا يصلونها بعرفة لو كان يوم عرفة يوم الجمعة لان الجمعة انما تقام في دار الاقامة * قال الشافعي رضى الله عنه فان بنى بها قرية واستوطنها أربعون من أهل الكمال أقاموا الجمعة والناس معهم ثم إذا طلعت الشمس يوم عرفة على شبر ساروا إلى عرفات فإذا انتهوا الي نمرة ضربت قبة للامام بها روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " مكث حتي طلعت الشمس ثم ركب وأمر بقبة من شعر أن تضرب له بنمرة فنزل بها " فإذا زالت الشمس خطب الامام خطبتين يبين لهم في الاولى ما بين ايديهم من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 353 المناسك ويحرضهم علي اكثار الدعاء والتهليل بالموقف فإذا فرغ منها جلس بقدر سورة الاخلاص ثم يقوم إلى الخطبة الثانية والمؤذن يأخذ في الاذان ويخفف الخطبة بحيث يفرغ منها مع فراغ المؤذن من الاقامة علي ما رواه الامام وغيره ومن الاذان على ما رواه صاحب التهذيب وغيره قال هؤلاء ثم ينزل فيقيم المؤذن ويصلى بالناس الظهر ثم يقيمون فيصلى بهم العصر على سبيل الجمع هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع * وعند أبي حنيفة رحمه الله لا اقامة للعصر ويجعل الاذان قبل الخطبة الاولى كما في الجمعة وإذا كان الامام مسافرا فالسنة له القصر والمكيون الجزء: 7 ¦ الصفحة: 354 والمقيمون حواليها لا يقصرون خلافا للمالك * وليقل الامام إذا سلم أتموا يا أهل مكة فانا قوم سفر كما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم والقول في أن الجمع يختص بالمسافرين من الحجيج أو لا يختص قدمناه في كتاب الصلاة (فان قلت) نمرة التى ذكرتم النزول بها هل هي من حد عرفة أم لا وهل الخطبتان والصلاتان بها أم بموضع اخر (قلنا) أما الاول فان صاحب الشامل وطائفة قالوا بان نمرة موضع من عرفات لكن الاكثرين نفوا كونها من عرفات (ومنهم) أبو القاسم الكرخي والقاضي الرويانى وصاحب التهذيب وقالوا انها موضع قريب من عرفة (وأما) الثاني فايراد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 355 موردين يشعر بان الخطبتين والصلاتين بها لكن رواية الجمهور انهم ينزلون بها حتى تزول الشمس فإذا زالت ذهب الامام بهم إلى مسجد ابراهيم عليه السلام وخطب وصلي فيه ثم بعد الفراغ من الصلاة يتوجهون إلى الموقف وهل المسجد من عرفة سنذكره من بعد وإذا لم تعد البقعه من عرفة فحيث أطلقنا انهم يجمعون بين الصلاتين بعرفة عنينا به الموضع القريب منها (واعلم) انه يسن في الحج أربع خطب (احداها) بمكة في السمجد الحرام اليوم السابع من ذي الحجة (والثانية) بعرفة وقد ذكرناهما والثالثة) يوم النحر (والرابعة) يوم النفر الاول ويخبرهم في كل خطبة عما بين أيديهم من المناسك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 356 وأحكامها إلى الخطبة الاخرى وكلها أفراد وبعد الصلاة إلا يوم عرفة فانه يخطب خطبتين قبل الصلاة (وقوله) في الكتاب ويبيت ليلة عرفة بمنى ثم يخطب بعد الزوال بعرفة معناه انه يغدو منها إلى عرفات ويخطب ولفظ الكتاب يقتضى كون الموضع الذى يخطب فيه من عرفة وفيه ما قد عرفته (وقوله) خطبة خفيفة انما ذكر ذلك لا المستحب فيها الخفة أيضا وان لم تبلغ خفتها خفة الثانية لما روى أن سالم بن عبد الله قال للحجاج " وان كنت تريد أن تصيب السنة فاقتصر الخطبة وعجل الوقوف فقال ابن عمر رضى الله عنهما صدق " وقوله ويجلس أي بعدها (وقوله) ثم يقوم إلى الثانية ويبدأ المؤذن بالاذان (واعلم) قوله ويبدأ بالحاء لما ذكرنا أن عنده يقدم الاذان * قال (ثم يقبلون على الدعاء إلى وقت الغروب ويفيضون بعد الغروب الي مزدلفة يصلون بها المغرب والعشاء) * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 357 السنة للحجيج بعد الصلاتين أن يقفوا عند الصخرات ويستقبلوا القبلة لان النبي صلى الله عليه وسلم " وقف واستقبل القبلة وجعل بطن ناقته إلى الصخرات " وهل الوقوف راكبا أفضل فيه قولان (أحدهما) لا بل سواء قاله في الام (وأظهرهما) وبه قال أحمد ان الوقوف راكبا أفضل اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم " وليكون اقوى على الدعاء قاله في الاملاء والقديم ويذكرون الله تعالى ويدعونه إلى غروب الشمس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 358 ويكثرون من التهليل روى انه صلى الله عليه وسلم قال " أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلى لا إله إلا الله وحده لا شريك له " * واضيف إليه له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير اللهم اجعل في قلبى نورا وفى سمعي نورا وفي بصرى نورا اللهم اشرح لى صدري ويسر لى أمرى فإذا غربت الشمس دفعوا من عرفات منصرفين إلى مزدلفة ويؤخرون المغرب إلى ان يصلوها مع العشاء بمزدلفة وليكن عليهم في الدفع السكينة والوقار لكيلا يتأذى البعض بمصادمة البعض فان وجد بعضهم فرجة أسرع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 359 روى انه صلى الله عليه وسلم " كان يسير حين دفع في حجة الوداع العنق " فإذا وجد فرجة نص فإذا حصلوا بمزدلفة جمع الامام بهم بين المغرب والعشاء وحكم الاذان الاقامة لهما قد مر في موضعه * ولو انفرد بعضهم بالجمع بعرفة أو بمزدلفة أو صلى احدي الصلاتين مع الامام والاخرى وحدة جاز ويجوز أن يصلى المغرب بعرفة أو في الطريق * وقال أبو حنيفة لا يجوز ويجب الجمع بمزدلفة وذكر الشافعي رضى الله عنه انهم لا يتنفلون بين الصلاتين إذا جمعوا ولا على أثرها أما بينهما فلرعاية الموالاة وأما على إثرهما فقد قال القاضي ابن كج في الشرح لا يتنفل الامام لانه متبوع فلو اشتغل بالنوافل لاقتدى به الناس وانقطعوا عن المناسك فليشتغل بجمع الحصا وغيره من المناسك. (وأما) المأموم ففيه وجهان (احدهما) لا يتنفل أيضا كالامام (والثانى) ان الامر واسع له لانه ليس بمتبوع وهذا في النوافل المطلقة دون الرواتب والله أعلم * ثم اكثر الاصحاب أطلقوا القول بانه يؤخرها إلي أن يأتي المزدلفة ومنهم من قال ذلك ما لم يخش فوات وقت اختيار العشاء فان خاف لمكثهم في الطريق بصد أو غيره لم يؤخر وجمع بالناس في الطريق والمستحب أن ينصرفوا من عرفة إلى المزدلفة في طريق المازمين وهو الطريق بين الجبلين اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم (واعلم) أن من مكة إلى مني فرسخان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 360 ومن منى إلى عرفات فرسخان ومزدلفة متوسطة بين منى وعرفات منها إلي كل واحدة منهما فرسخ ولا يقفون بها في مسيرهم من مني الي عرفات (وقوله) في الكتاب ثم يقبلون على الدعاء إلى وقت الغروب ليس لاخراج وقت الغروب عن الحد بل يدعون عنده أيضا * قال (والواجب من ذلك ما ينطلق عليه اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة ولو في النوم (و) وإن سارت به دابته * ولا يكفي حضور المغمي عليه * ووقت الوقوف من زوال يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم العبد ولو أنشأ الاحرام ليلة العيد جاز (و) لان الحج عرفة ووقته باق وقيل لا يجوز إلا بالنهار ولو فارق عرفة نهارا ولم يكن حاضرا عند الغروب ولا عاد بالليل تداركا ففى وجوب الدم قولان. حاصلهما أن الجمع بين الليل والنهار هل هو واجب ولو وقفوا اليوم العاشر غلطا في الهلال فلا قضاء ولو وقفوا اليوم الثامن فوجهان لان هذا الغلط نادر) * الغرض الآن الكلام في كيفية الوقوف ومكانه وزمانه (أما) الكيفية فالمعتبر الحضور بشرط أن يكون أهلا للعبادة وفيه صور (الاولى) لا فرق بين أن يحضرها ويقف وبين أن يمر بها لقوله صلى الله عليه وسلم " الحج عرفة فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحج " وذكر القاضى ابن كج رحمه الله أن ابن القطان رحمه الله جعل الاكتفاء بالمرور المجرد على وجهين (الثانية) لا فرق بين أن يحضر وهو يعلم انها عرفة وبين أن لا يعلم وعن ابن الوكيل انه إذا لم يعلم لم يجزه (الثالثة) لو احضرها نائما أو دخلها قبل وقت الوقوف ونام حتى خرج الوقت أجزأه كما لو بقى نائما طول نهاره أجزأه الصوم علي المذهب وفيه وجه انه لا يجزئه كما لو وقف مغمى عليه قال في التتمة والخلاف في هذه الصورة والتى قبلها مبنى علي أن كل ركن من أركان الحج هل يجب افراده بنيته لانفصال بعضها عن بعض أم يكفيها النية السابقة ولو فرض في أشواط الطواف أو بعضها النوم على هيئة لا تنقض الوضوء فقد قال الامام هذا يقرب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 361 من الخلاف في صرف الطواف إلي غير جهة النسك ويجوز أن يقطع بوقوعه موقعه (الرابعة) لو حضر وهو مغمي عليه لم يجزه لفوات أهلية العبادة ولهذا لا يحزئه الصوم إذا كان مغمي عليه طول نهاره وفيه وجه انه يجزئه اكتفاء بالحضور والسكران كالمغمى عليه ولو حضر وهو مجنون لم يجزه قاله في التتمة لكن يقع نفلا كحج الصبى الذي لا تمييز له ومنهم من طرد في الجنون الوجه المنقول في الاغماء (الخامسة) لو حضر بعرفة في طلب غريم أو دابة نادة كفاه قال الامام ولم يذكروا ههنا الخلاف الذى سبق في صرف الطواف عن النسك إلى جهة أخرى ولعل الفرق ان الطواف قربة برأسها بخلاف الوقوف قال ولا يمتنع طرد الخلاف فيه (وأما) المكان ففى أي موضع وقف من عرفة أجزأه روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " كل عرفة موقف " وبين الشافعي رضي الله عنه حد عرفة فقال هي ما جاوز وادى عرنة الي الجبال القابلة مما يلى بساتين بني عامر وليس وادى عرنة من عرفة وهو على منقطع عرفة مما يلى مني وصوب مكة روى أنه صلي الله عليه وسلم قال " عرفة كلها موقف " وارتفعوا عن وادى عرنة ومسجد ابراهيم عليه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 362 السلام صدره من عرنة وآخره من عرفات ويميز بينهما بصخرات كبار فرشت هناك فمن وقف في صدره فليس واقفا بعرفة * قال في التهذيب وثم يقف الامام للخطبة والصلاة وجبل الرحمة في وسط عرصة عرفات وموقف رسول الله صلي الله عليه وسلم عنده معروف (وأما) الزمان ففيه مسألتان (إحداهما) وقت الوقوف يدخل بزوال الشمس يوم عرفة ويمتد الي طلوع الفجر يوم النحر وقال أحمد يدخل وقته بطلوع الفجر يوم عرفة لما روى ن عروة بن مضرس الطائى رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " من صلى معنا هذه الصلاة يعني الصبح يوم النحر وأتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه " لنا اتفاق المسلمين من عصر رسول الله عليه وسلم على الوقوف بعد الزوال ولو جاز قبله لما اتفقوا على تركه وبهذا يستدل على أن المراد من الخبر ما بعد الزوال * إذا تقرر ذلك فلو اقتصر على الوقوف ليلا كان مدركا للحج علي المذهب المشهور * ونقل الامام رحمه الله عن بعض التصانيف فيه قولين واستبعده * وعن شيخه أن الخلاف فيه مخصوص بما إذا أنشأ الاحرام ليلة النحر فإذا لخص ذلك خرج منه ثلاثة أوجه كما ذكر في الوسيط (أصحها) أن المقتصر على الوقوف ليلا مدرك سواء أنشأ الاحرام قبل ليلة العيد أو فيها وكلاهما جائز (والثانى) انه ليس بمدرك على التقديرين (والثالث) أنه مدرك بشرط تقديم الاحرام عليها ولو اقتصر على الوقوف نهارا وأفاض قبل الغروب كان مدركا وان لم يجمع بين الليل والنهار الجزء: 7 ¦ الصفحة: 363 في الوقوف وقال مالك لا يكون مدركا * لنا خبر عروة الطائي وأيضا فانه لو اقتصر على الوقوف ليلا كان مدركا فكذلك ههنا وهل يؤمر باراقة دم نظر ان عاد قبل الغروب وكان حاضرا بها حين غربت الشمس فلا وان لم يعد حتى طلع الفجر فنعم وهل هو واجب أو مستحب أشار في المختصر والام إلى وجوبه ونص في الاملاء على الاستحباب * وللاصحاب ثلاثة طرق رواها القاضي ابن كج (أصحها) أن المسألة على قولين (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله وجوب الدم لانه ترك نسكا وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " من ترك نسكا فعليه دم " (والثانى) أنه مستحب لقوله صلى الله عليه وسلم في خبر عروة " فقد تم حجه " ولانه أدرك من الوقوف ما أجزأه فلم يجب الدم كما لو وقف ليلا وهذا أصح القولين قاله المحاملى والرويانى رحمهما الله وغيرهما وفى التهذيب انه القول القديم فان ثبتت المقدمتان فالمسألة مما يفتى فيها علي القول القديم لكن أبو القاسم الكرخي رحمه الله ذكر ان الوجوب هو القديم والله أعلم (والطريق الثاني) عن أبي اسحق انه إن افاض مع الامام فهو معذور لانه تابع وان انفرد بالافاضة ففيه قولان (والثالث) نفى الوجوب والجزم بالاستحباب مطلقا وإذا قلنا بالوجوب فلو عاد ليلا فوجهان (اظهرهما) انه لا شئ عليه كما لو عاد قبل الغروب وصبر حتى غربت الشمس (والثانى) يجب ويحكى هذا عن أبى حنيفة وأحمد رحمهما الله لان النسك هو الجمع بين آخر النهار وأول الليل بعرفة (المسألة الثانية) إذا غلط الحجيج فوقفوا غير يوم عرفة فاما أن يغلطوا بالتأخير أو بالتقديم (الحالة الاولي) أن يغلطوا بالتأخير بان وقفوا اليوم التاسع بعد كمال ذى القعدة ثلاثين ثم بان لهم أن الهلال كان قد أهل ليلة الثلاثين وان وقوفهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 364 وقع في اليوم العاشر فيصح الحج ولا يلزمهم القضاء لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " حجكم يوم تحجون " وروى أيضا أنه قال " يوم عرفة اليوم الذى تعرف فيه الناس " ولانهم لو تكلفوا القضاء لم يأمنوا مثله في القضاء ولان في الزام القضاء مشقة عظيمة لما فيه من احباط قطع المسافات الطويلة وانفاق الاموال الكثيرة وهذا إذا كان في الحجيج كثرة على المعتاد فان قلوا على خلاف العادة أو لحقت شرذمة يوم النحر فظنت أنه يوم عرفة وان الناس قد أفاضوا فوجهان (أحدهما) أنه لا قضاء عليهم أيضا لانهم لا يأمنون مثله في القضاء (وأصحهما) يجب إذ ليس فيه مشقة عامة وإذا لم يجب القضاء فلا فرق بين أن يتبين الحال بعد يوم الوقوف أو في ذلك اليوم وهم وقوف بعد الزوال وإن تبين قبل الزوال فوقفوا بعده فقد قال في التهذيب (المذهب) أنه لا يجزئهم لانهم وقفوا على يقين الفوات وهذا غير مسلم لان عامة الاصحاب ذكروا أنه لو قامت البينة على رؤية الهلال ليلة العاشر وهم بمكة لا يتمكنون من حضور الموقف بالليل يقفون من الغد ويحتسب لهم كما لو قامت البينة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 365 بعد الغروب اليوم الثلاثين من رمضان علي رؤية الهلال ليلة الثلاثين نص علي انهم يصلون من الغد للعيد فإذا لم تحكم بالفوات لقيام الشهادة ليلة العاشر لزم مثله في اليوم العاشر ولو شهد واحد أو عدد برؤية هلال ذى الحجة وردت شهادتهم لزمهم الوقوف اليوم التاسع عندهم وان كان الناس يقفون في اليوم بعده كمن شهد برؤية هلال رمضان فردت شهادته يلزمه الصوم * ولو وقفو اليوم الحادى عشر لم يصح حجهم بحال (الحالة الثانية) أن يغلطوا بالتقديم ويقفوا اليوم الثامن فينظر إن تبين لهم الحال قبل فوات وقت الوقوف لزمهم الوقوف في وقته وان تبين بعده فوجهان (أحدهما) أنه لا قضاء كما في الغلط في التأخير (وأصحهما) عند الاكثرين وجوب القضاء وفرقوا من وجهين (أحدهما) أن تأخير العبادة عن الوقت أقرب الي الاحتساب من تقديمها على الوقت (والثاني) أن الغلط بالتقديم يمكن الاحتراز عنه فانه إنما يقع الغلط في الحساب أو الخلل في الشهود الذين شهدوا بتقديم الهلال والغلط بالتأخير قد يكون للتغيم المانع من رؤية الهلال ومثل ذلك لا يمكن الاحتراز عنه ولو غلطوا في المكان فوقفوا بغير عرفة لم يصح حجهم بحال * ونتكلم بعد هذا في لفظ الكتاب خاصة (قوله) والواجب من ذلك ما ينطلق عليه اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة فيه تعرض للفعلين الاولين كبقية الوقوف ومكانه (وقوله) ولو في النوم معلم بالواو وكذا قوله وان سارت به دابته (وقوله) ولا يكفى حضور المغمي عليه لما مر (وقوله) من الزوال معلم بالالف لما حكيناه عن احمد وبالواو لان القاضي ابن كج روى عن أبى الحسين وجها أنه لو وقف في أول الزوال وانصرف لم يجزه بل يجب أن يكون الوقوف بعد مضي زمان إمكان صلاة الظهر من أول الزوال (وقوله) ولو أنشا إحرامه ليلة العيد جاز * المسالة مكررة قد ذكرها مرة في فصل الميقات الزماني واقتصر ههنا علي ذكر الوجه الاصح وهو الجواز (وقوله) وقيل لا يجوز الا بالنهار يعنى الوقوف وكأنه فرع جواز انشاء الاحرام ليلة العيد على امتداد وقت الوقوف الي طلوع الفجر ثم ذكر الوجه البعيد وهو أنه لا يمتد وليست الليلة وقتا له ولو حمل قوله وقيل لا يجوز على انه لا يجوز انشاء الاحرام فيها لكان تعسفا لانه قال الا بالنهار والاحرام لا تعلق له بالنهار وأيضا فان ذلك الوجه قد صار مذكورا في فصل المواقيت فالحمل على فائدة جديدة أولى (وقوله) ولا عاد بالليل تداركا فيه تقييد للقولين بما إذا لم يعد بالليل اشارة إلى أنه لو عاد لم يجب الدم جزما وهو الوجه الاصح ويجوز أن يعلم بالواو للوجه الثاني وبالحاء والالف أيضا لما سبق ويجوز اعلام قوله قولان بالواو للطريقين المانعين من اطلاق الخلاف (وقوله) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 366 حاصلهما أن الجمع بين الليل والنهار هل هو واجب أراد به ما ذكره الامام أن القولين في جوب الدم يلزم منهما حصول قولين في وجوب الجمع بين الليل والنهار في الوقوف لان ما يجب جبره من أعمال الحج لا بد وأن يكون واجبا لكن في كلام الاصحاب ما ينازع فيه لان منهم من وجه قول عدم وجوب الدم بأن الجمع ليس بواجب فلا يجب بتركه الدم فقدر عدم وجوب الجمع متفق عليه * قال (الفصل السابع في أسباب التحلل) (فإذا جمع الحجيج بين المغرب والعشاء بمزدلفة باتوا بها ثم ارتحلوا عند الفجر فإذا انتهوا إلى المشعر الحرام وقفوا ودعوا وهذه سنة ثم يتجاوزونه إلى وادى محسر فيسرعون بالمشي فإذا وافوا منى بعد طلوع الشمس رموا سبع حصيات إلى الجمرة الثالثة وكبروا مع كل حصاة بدلا عن التلبية ثم يحلقون وينحرون ويعودون إلى مكة لطواف الركن ثم يعود إلى منى للرمي في أيام التشريق) * الحجيج يفيضون بعد غروب الشمس يوم عرفة إلى مزدلفة فإذا انتهوا إليها جمعوا بين الصلاتين وباتوا بها وليس هذا المبيت بركن خلافا لابي عبد الرحمن ابن بنت الشافعي رضي الله عنه وأبى بكر بن خزيمة من أصحابنا رحمهم الله لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال " من ترك المبيت بمزدلفة فلا حج له " لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " الحج عرفة فمن أدركها فقد أدرك الحج " ثم هو نسك مجبور بالدم في الجملة وتفصيلة أنه ان دفع منها ليلا نظر ان كان بعد انتصاف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 367 الليل فلا شي عليه معذورا كان أو غير معذور " لان سودة وأم سلمة أفاضتا في النصف الاخير باذن رسول الله صلي الله عليه وسلم ولم يأمرهما بدم ولا النفر الذين نفروا معهما " وعن أبى حنيفة ان غير المعذور يلزمه الدم ان لم يعد ولم يقف بعد طلوع الفجر وان دفع قبل انتصاف الليل وعاد قبل طلوع الفجر فلا شئ عليه أيضا كما لو دفع من عرفة قبل الغروب وعاد وان لم يعد أو ترك المبيت أصلا أراق دما وهل هو واجب أو مستحب فيه طرق (أظهرها) انه على قولين كما ذكرنا في الافاضة من عرفة قبل غروب الشمس * وعن احمد روايتان كالقولين وعن مالك هو واجب * وقال أبو حنيفة رحمه الله لا اعتبار الجزء: 7 ¦ الصفحة: 368 بالمبيت وانما الاعتبار بالوقوف بمزدلفة بعد طلوع الفجر فإذا تركه لزمه دم (والطريق الثاني) القطع بالاستحباب (والثالث) القطع بالايجاب وحمل نصه على الاستحباب على ما إذا وقع بعد انتصاف الليل * يحكى هذا عن القاضى أبى حامد * والاولى تقديم النساء والضعفة بعد انتصاف الليل الي مني روى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال " كنت فيمن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضعفة أهله إلى منى من المزدلفة " وغير الضعفة يلبثون حتى يصلوا الصبح بها ويغسلون بالصلاة والتغليس ههنا أشد استحبابا وينبغي ان ياخذوا من المزدلفة الحصى للرمي لان بها جيلا في أحجاره رخاوة وليكونوا متاهبين للرمي فان السنة ان لا يشتغلوا عنه بشئ إذا انتهوا إلى منى ولو أخذوا من موضع اخر جاز لكن يكره أخذه من المسجد لانه فرشه ومن الحش لنجاسته ومن المرمى لما قيل " ان من يقبل حجه يرفع حجره وما يبقى فهو مردود " وكم ياخذون منها قال في المفتاح سبعين حصاة ليرمي يوم النحر وايام التشريق على ما سنفصله وهذا ظاهر لفظ المختصر ومقال الاكثرون سبع حصيات ليرمي يوم النحر وحكوه عن نصه في موضع آخر وجعلوه بيانا لما أطلقه في المختصر وعلى هذا فيأخذ لرمي أيام التشريق من وادى محسر أو غيره وجمع بعضهم بينهما فقالوا يستحب الاخذ من المزدلفة لجميع الرمى لكنه لرمي ايام النحر أحب * ثم الجمهور قالوا يتزود الحصا ليلا قبل ان يصلى الصبح وفى التهذيب أخر اخذها عن الصلاة ثم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 369 يدفعون إلى مني فإذا انتهوا إلى المشعر الحرام وقفوا على قزح وهو جبل من المشعر الحرام ويقال هو المشعر والمشعر من المزدلفة فان المزدلفة ما بين ما زمى عرفة ووادى محسر ويذكرون الله تعالى ويدعون إلى الاسفار قال الله تعالي " فاذكروا الله عند المشعر الحرام " والاحب أن يكونوا مستقبلي القبلة ولو وقفوا في موضع آخر من المزدلفة تأدى أصل السنة لكنه عند المشعر أفضل ولا يجبر فوات هذه السنة بالدم كسائر الهيآت فإذا أسفروا ساروا وعليهم السكينة ومن وجد فرجة أسرع كما في الدفع من عرفة فإذا انتهوا إلى وادى محسر فالمستحب للراكبين ان يحركوا دوابهم وللماشين ان يسرعوا قدر رمية بحجر " يروى ذلك عن جابر رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم * وقد قيل ان النصارى كانت تقف ثم فأمرنا بمخالفتهم ثم يسيرون علي السكينة فيوافون منى بعد طلوع الشمس فيرمون سبع حصيات إلى جمرة العقبة وهي في حضيض الجبل مترقبة عن الجادة على يمين السائر إلى مكة ولا ينزل الراكبون حتى يرموا كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والسنة ان يكبروا مع كل حصاة ويقطعوا التلبية إذا ابتدؤا بالرمي * روى ان النبي صلي الله عليه وسلم " قطع التلبية عند أول حصاة رماها " والمعني فيه ان التلبية شعار الاحرام والرمى أخذ في التحلل وعن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 370 القفال انهم إذا رحلوا من مزدلفة مزجوا التلبية بالتكبير في ممرهم فإذا انتهوا إلى الجمرة وافتتحوا الرمى محضو التكبير * قال الامام ولم ار هذا لغيره ثم إذا رموا جمرة العقيبة نحروا ان كان معهم هدى فذلك سنة ثم بعد ذبح الهدى يحلقون أو يقصرون وإذا فرغوا منه عادوا الي مكة وطافوا طواف الركن ويسعون بعده ان لم يطوفوا للقدوم أو لم يسعوا بعده ثم يعودون إلى منى للمبيت بها والرمي أيام التشريق وليعودوا إليها قبل ان يصلوا الظهر وهذه ترجمة جميلة لهذه الوظائف ومسائلها على التفصيل بين يديك * (وقوله) في الكتاب وهذه سنة معلم بالميم ان ثبت ما رواه بعض أصحابنا عن مالك ان الوقوف بالمشعر الحرام واجب * (وقوله) فيسرعون بالمشي يجوز ان يعلم بالواو لاني رأيت في بعض الشروح ان الراكب يحرك دابته أما الماشي فلا يعدو ولا يرمل * (وقوله) إلى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 371 الجمرة الثالثة المراد منها جمرة العقبة وانما تسمي الثالثة لان السائرين من منى إلى مكة يتعدون جمرتين قبلها ثم ينتهون إليها فهي الثالثة بالاضافة إلى منى وقد ذكرنا انها منحرفة عن متن الطريق والجمرتان قبلها عل متنه (وقوله) ثم يحلقون وينحرون قدم ذكر الحلق لكن المستحب ان يكون النحر مقدما على الحلق كما سيأتي ان شاء الله تعالى * قال (وللحج تحللان يحصل أحدهما بطواف الزيارة والآخر بالرمي وأيهما قدم أو أخر فلا بأس ويحل بين التحللين اللبس والقلم ولا يحل الجماع وفى التطيب والنكاح واللمس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 372 وقتل الصيد قولان وان جعلنا الحلق نسكا صارت الاسباب ثلاثة فلا يحصل أحد التحللين الا باثنين أي اثنين كانا ويدخل وقت التحلل بانتصاف (ح م) ليلة النحر ووقت فضيلته طلوع الفجر يوم النحر وفى كون الحلق نسكا قولان ولا خلاف انه مستحب ويلزمه بالنذر فان جعل نسكا جازت (م ح) البداءة في أسباب التحلل وفسدت العمرة بالجماع قبل الحلق لان التحلل لم يتم دونه وإذا تركه لم ينجبر بالدم لان تداركه ممكن وان لم يكن على رأسه شعر فيستحب (ح) امرار الموسى على الرأس ولا يتم هذا النسك باقل من حلق ثلاث (م ح) شعرات من الرأس ويقوم التقصير والنتف والاحراق مقام الحلق الا إذا نذر الحلق ولا حلق علي المرأة ويستحب لها التقصير) * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 373 لو ذهبت أراعى في الفصل ترتيب الكتاب لم نظفر بالكشف الذي ننعته فاحتمل التقديم والتأخير واعرف ثلاثة أصول (أحدها) أن قول الشافعي رضي الله عنه اختلف في ان الحلق في وقته هل هو نسك أم لا فأحد القولين أنه ليس بنسك وانما هو استباحة محظور لان كل ما لو فعله قبل وقته لزمته الفدية فإذا فعله في وقته كان استباحة كالطيب واللبس وهذا لانه يريد أن يتحلل فيتناول بعض ما حظر عليه كما يتطيب (وأصحهما) وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله انه نسك مثاب عليه لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " إذا رميتم وحلقتم حل لكم كل شئ إلا النساء " الجزء: 7 ¦ الصفحة: 374 علق الحل بالحلق كما علقه بالرمي وأيضا فان الحلق أفضل من التقصير لما سيأتي والتفصيل انما يقع في العبادات دون المباحات والقولان جاريان في العمرة ووقته في العمرة يدخل بالفراغ من السعي فعلى القول الاصح هو من أعمال النسكين وليس هو بمثابة الرمى والمبيت بل هو معدود من الاركان ولهذا لا يجبر بالدم ولا تقام الفدية مقامه حتى لو كانت برأسه علة لا يتأتي معها التعرض للشعر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 375 فانه يصبر الي الامكان ولا يفتدي ويخالف ما إذا لم يكن علي راسه شعر لا يؤمر بالحلق بعد النبات لان النسك حلق شعر يشتمل الاحرام عليه فإذا لم يكن شعر لم يؤمر بهذا النسك * ولو جامع المعتمر بعد السعي وقبل الحلق فسدت عمرته لوقوع جماعه قبل التحلل والنساء لا يؤمرن بالحلق لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " ليس على النساء حلق وانما يقصرن " * والمستحب لهن في التقصير أن يأخذن من طرف شعورهن بقدر أنملة من جميع الجوانب وللرجال أيضا إقامة التقصير مقام الحلق لما روى عن جابر رضي الله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 376 عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يحلقوا أو يقصرو " والافضل لهم الحلق لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال " رحم الله المحلقين قيل والمقصرين يا رسول الله قال رحم الله المحلقين قيل والمقصرين قال رحم الله المحلقين قيل والمقصرين قال والمقصرين " وكل واحد من الحلق والتقصير يختص بشعر الرأس ولا يحصل النسك بحلق شعر آخر أو تقصيره وان استوى الكل في وجوب الفدية إذا أخذ قبل الوقت لان الامر ورد في شعر الرأس وإذا حلق فالمستحب أن يبدأ بالشق الايمن ثم بالايسر وأن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 377 يكون مستقبل القبلة وأن يكبر بعد الفراغ وأن يدفن شعره والافضل ان حلق أن يحلق جيمع رأسه وان قصر فان يقصر الجميع وأقل ما يجزئ حلق ثلاث شعرات أو تقصيرها وفيها تكمل الفدية في الحلق المحظور * ولنا في تكميل الفدية في الشعرة الواحدة رأى بعيد وهو عائد في حصول النسك بحلقها ولو حلق ثلاث شعرات في دفعات أو أخذ من شعره شيئا وعاد ثانيا فاخذ منها شيئا وعاد ثالثا وأخذ فان كملنا الفدية لو كان محظورا قلنا بحصول النسك به * ولا فرق إذا قصر بين أن يكون المأخوذ مما يحاذي الرأس أو من المسترسل وفي وجه لا يغني الاخذ من المسترسل اعتبارا بالمسح * وقال أبو حنيفة رحمه الله لا أقل من حلق ربع الرأس * وقال مالك لا بد من حلق الاكثر ولا يتعين للحلق والتقصير آلة بل حكم النتف والاحراق والازالة بالموسي والنورة والقص واحد * ومن لا شعر علي رأسه يستحب له امرار الموسى على الرأس تشبها بالحالقين * قال الشافعي رضى الله عنه ولو أخذ من شاربه أو شعر لحيته شيئا كان أحب إلى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 378 لئلا يخلو من أخذ الشعر * وعند أبي حنيفة رحمه الله يجب امرار الموسي على الرأس * لنا أن العبادة إذا تعلقت يجزء من البدن سقطت بفواته كغسل الاعضاء في الوضوء * وجميع ما ذكرنا فيما إذا لم يلتزم الحلق أما إذا التزمه فنذر الحلق في وقته تعين ولم يقم التقصير مقامه ولا النتف ولا الاحراق وفى استئصال الشعر بالمقص وامرار الموسي من غير استئصال تردد للامام والظاهر المنع لفوات اسم الحلق * ولو نذر استيعاب الرأس بالحلق ففيه تردد عن القفال ولها اخوات تذكر في النذور ولو لبد رأسه في الاحرام فهل هو كالنذر لان ذلك لا يفعله الا العازم على الحلق فيه قولان (الجديد) لا وهما كالقولين في أن التقليد والاشعار هل ينزل منزلة قوله جعلتها ضحية والله أعلم * (والاصل الثاني) ان أعمال الحج يوم النحر إلى ان يعود الي مني أربعة علي ما أسلفنا ذكرها رمى جمرة العقبة والذبح والحلق والتقصير والطواف وهذا الطواف يسمى طواف الركن لانه لابد منه في حصول الحج ويسمى طواف الافاضة للاتيان به عقيب الافاضة من مني وطواف الزيارة لانهم يأتون من منى زائرين للبيت ويعودون في الحال وربما سمي طواف الصدر أيضا (والاشهر) أن طواف الصدر هو طواف الوداع والترتيب في الاعمال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 379 الاربعة على النسق المذكور مسنون وليس بواجب (أما) انه مسنون فلان النبي صلى الله عليه وسلم كذلك فعلها " (وأما) انه ليس بواجب فلما روى عن عبد الله بن عمرر رضى الله عنهما قال " وقف رسول الله صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه فجاء رجل فقال يا رسول الله انى حلقت قبل أن ارمى قال ارم ولا حرج وأتاه آخر فقال إني أفضت إلى البيت قبل ان أرمى فقال ارم ولا حرج وأتاه آخر وقال انى ذبحت قبل أن ارمي فقال ارم ولا حرج فما سئل عن شئ قدم أو أخر إلا قال افعل ولا حرج فلو ترك المبيت بمزدلفة وأفاض إلى مكة وطاف قبل ان يرمى ويحلق أو ذبح قبل أن يرمي ويحلق أو ذبح قبل ان يرمي فلا بأس ولا فدية ولو حلق قبل ان يرمى وقبل ان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 380 يطوف فان جعلنا الحلق نسكا فلا بأس وان جعلناه استباحة محظور فعليه الفدية لوقوع الحلق قبل التحلل * وروى القاضي ابن كج ان ابا اسحاق وابن القطان رحمهم الله الزماه الفدية وان جعلنا الحلق نسكا والحديث حجة عليهما ومؤيد للقول الاصح وهو ان الحلق نسك * وعن مالك وابي حنيفة واحمد رحمهم الله ان الترتيب بينهما واجب ولو تركه فعليه دم على تفصيل يذكرونه (واعلم) أن ما قدمناه من قطع الحاج التلبية إذا اخذ في الرمى مصور فيما إذا جرى على الترتيب المسنون فان بدأ بالطواف أو بالحلق ان جوزناه فيقطع التلبية حينئذ نطرا إلى انه اخذ في اسباب التحللى وكذلك نقول المعتمر يقطع التلبية إذا افتتح الطواف (والاصل الثالث) ان المستحب ان يرمى بعد طلوع الشمس ثم يأتي بباقى الاعمال فيقع الطواف في ضحوة النهار ويدخل وقتها جميعا بانتصاف ليلة النحر وبه قال احمد * وعن ابي حنيفة ومالك ان شيئا منها لا يجوز قبل طلوع الفجر * لنا ما روى ان النبي صلي الله عليه وسلم " امرام سلمة ليلة النحر فرمت جمرة العقبة قبل الفجر ثم مضت ثم فاضت وكان ذلك يومها من رسول الله صلي الله عليه وسلم " ومتى يخرج وقتها؟ (اما) الرمي فيمتد وقته الي غروب الشمس يوم النحر وهل يمتد تلك الليلة فيه وجهان (اصحهما) لا (واما) الذبح فالهدى لا يختص بزمان ولكن يختص بالحرم بخلاف الضحايا تختص بالعيد وأيام التشريق ولا تختص بالحرم (واما) الحلق والطواف فلا يتأقت آخرهما لكن لا ينبغي ان يخرج من مكة حتى يطوف فان طاف للوداع وخرج وقع عن الزيارة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 381 وان خرج ولم يطف اصلا لم تحل له النساء وان طال الزمان * وقضية قولهم لا ينأفت الطواف من الطرف الآخر ان لا يصير قضاء لكن في التتمة انه إذا تأخر عن أيام التشريق صار قضاء * وعن ابي حنيفة رحمه الله آخر وقت الطواف آخر اليوم الثاني من ايام التشريق * إذا عرفت هذه الاصول فنقول للحج تحللان وللعمرة تحلل واحد قال الائمة رضى الله عنهم وذلك لان الحج يطول زمانه وتكثر اعماله بخلاف العمرة فابيح بعض محظوراته دفعة واحده وبعضها اخرى وهذا كالحيض والجنابة لما طال زمان الحيض جعل لارتفاع محظوراته محلان انقطاع الدم والاغتسال والجنابة لما قصر زمانها جعل لارتفاع محظوراتها محل واحد * ثم الكلام في فصلين (احدهما) فيما يحصل به التحلل (أما) الحج فأسباب تحلله غير خارجة عن الاعمال الاربعة والذبح غير معدود منها لانه لا يتوقف التحلل عليه * بقى الرمي والحلق والطواف فان لم تجعل الحلق نسكا فللتحلل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 382 سببان الرمى والطواف فإذا أتى باحدهما يحصل التحلل الاول وإذا أتى بالثاني حصل التأني ولابد من السعي بين الطواف ان لم يسع من قبل لكنهم لم يفردوه وعدوه مع الطواف سببا واحدا وان جعلنا الحلق نسكا فالثلاثة أسباب التحلل فإذا أتى باثنين منها إما الرمى والحلق أو الرمي والطواف أو الحلق والطواف حصل التحلل الاول وإذا أتى بالثالث حصل الثاني قال الامام وشيخه وكأنا نبغي التنصيف لكن ليس للثلاثة نصف صحيح فنزلنا الامر على اثنين كما صنعنا في تمليك العبد طلقتين ونظائره * هذا ما أورده عامة الاصحاب واتفقوا عليه ووراءه وجوه مهجورة (أحدها) عن أبي سعيد الاصطخرى ان دخول وقت الرمي بمثابة نفس الرمي في افادة التحلل (والثاني) عن أبي قاسم الداركي انا إن جعلنا الحلق نسكا حصل التحللان معا بالحلق والطواف وبالرمي والطواف ولا يحصل بالحلق والرمي الا أحدهما والفرق ان الطواف ركن فما انضم إليه يقوى به بخلاف الرمي والحلق وهذا نزاع فيما سبق ان الحلق ركن على هذا القول (والثالث) عن أبى اسحق عن بعض الاصحاب انا وان جعلنا الحلق نسكا فان أحد التحللين يحصل بالرمي وحده وبالطواف وحده * ومن فاته الرمي ولزمه بدله فهل يتوقف التحلل على الاتيان ببدله فيه أوجه (أشبهها) نعم تنزيلا للبدل منزلة المبدل (والثالث) ان افتدي بالدم توقف وان افتدى بالصوم فلا لطول زمانه * (واما) العمرة فتحللها بالطواف والسعى لا غير ان لم نجعل الحلق نسكا وبهما مع الحلق ان جعلناه نسكا ولست أدرى لم عدوا السعي من أسباب التحلل في العمرة دون الحج ولم لم يعدوا أفعل الحج كلها أسباب التحلل كما فعلوا في العمرة ولو اصطلحوا عليه لقالوا التحلل الاول يحصل بها سوى الواحد الاخير والثانى بذلك الاخير * ويمكن تفسير أسباب التحلل في العمرة باركانها الفعلية وأيضا بالافعال التي يتوقف عليها تحللها ولا يمكن التفسير في الحج الجزء: 7 ¦ الصفحة: 383 بواحد منهما (أما) الاول فلاخراجهم الوقوف عنها. (وأما) الثاني فلادخالهم الرمى فيها مع أن التحلل لا يتوقف عليه ولا علي بدله علي رأى وعلى كل حال فاطلاق اسم السبب على كل واحد من أسباب التحلل ليس على معنى استقلاله بل هو كقولنا اليمين والحنث سببا الكفارة والنصاب والحول سببا الزكاة * (والفصل الثاني) فيما يحل بالتحلل الاول ولا خلاف في أن الوطئ لا يحل ما لم يوجد التحللان لكن المستحب لا يطأ حتي يرمي في أيام التشريق ويحل اللبس والقلم وستر الرأس والحلق إذا لم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 384 نجعله نسكا بالتحلل الاول روى أنه صلي الله عليه وسلم قال " إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب واللباس وكل شئ الا النساء " وفى عقد النكاح والمباشرة فيما دون الفرج كالقبلة والملامة وقتل الصيد قولان (أحدها) أنها تحل (أما) في غير الصيد فلانهما محظوران للاحرام لا يفسدانه فأشبها الحلق والقلم (وأما) في الصيد فلانه لم يستنن في الخبر المذكور الا النساء. (والثاني) لا يحل (اما) في غير الصيد فلتعلقها بالنساء وقد روينا أنه صلى الله عليه وسلم قال " الا النساء " * (وأما) في الصيد فلقوله تعالى. (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) . والاحرام باق ثم اتفقوا في مسألة الصيد على أن قول الحل أصح واختلفوا في النكاح والمباشرة فذكر صاحب التهذيب وطائفة أن الاصح فيها الحل وقال آخرون بل الاصح المنع ومنهم المسعودي وصاحب التهذيب وهؤلاء اكثر عددا وقولهم أوفق لظاهر النص في المختصر * وفى التطيب طريقان (أشهرهما) أنه على القولين وهذا ما اورده في الكتاب (والثانى) القطع بالحل وسواء أثبتنا الخلاف أو لم ثبته فالمذهب أنه يحل بل يستحب أنه يتطيب لحله بين التحللين قالت عائشة رضى الله عنها " طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت " هذا شرح مسائل الفصل على الاختصار * (وأما) لفظ الكتاب فقوله يحصل أحدهما بطواف الزيارة والآخر بالرمي جواب علي قولنا ان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 385 الحلق ليس بنسك * ثم فرع من بعد علي القول الآخر حيث قال وان جعلنا الحلق نسكا صارت الاسباب ثلاثة غير انه أدخل بينهما القول فيما يحل بين التحللين ولو لم يخلل بينهما شيأ لكان أحسن * ثم لا يخفى ان المراد من قوله بالرمي رمى جمرة العقبة يوم العيد ويجوز اعلامه بالواو للوجه المنسوب الي الاصطخرى (وقوله) فلا بأس مرقوم بالميم والحاء والالف (وقوله) الا باثنين للوجه المروى عن أبى اسحق (وقوله) ويدخل وقت التحلل بانتصاف ليلة النحر شبيه ما مر أن أسباب التحلل انما يدخل وقتها عند انتصاف ليلة النحر لكن اللفظ يفتقر الي تأويل لان وقت التحلل لا يدخل بمجرد انتصافها بل لا يد مع ذلك من زمان يسع الاتيان باسباب التحلل ليترتب عليها * ثم قوله بانتصاف ليلة النحر معلم بالحاء والميم لما تقدم (وقوله) ولا خلاف في انه مستحب ويلزم بالنذر ليس صافيا عن الاشكال لان التوجيه الذى مر يقتضي كونه من المباحات على قولنا انه ليس بنسك وقد ذكر غيره انه انما يلزم بالنذر على قولنا انه نسك (وقوله) فيستحب أمرار الموسى معلم بالحاء (وقوله) ولا يتم هذا النسك الي آخره بالواو ولا نعلمه بالحاء والميم لانهما لا يخالفان في عدم الاكتفاء باقل من ثلاث بل لا يكتفيان بالثلاث أيضا والله أعلم * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 386 قال (الفصل الثامن في المبيت) (والمبيت بمزدلفة ليلة العيد وبمنى ثلاث ليال بعده نسك وفى وجوبه قولان (فان قلنا) انه واجب فيجبر بالدم (ح) وفى قدر الدم قولان (أحدهما) دم واحد للجميع (والثانى) دم المزدلفة ودم لليالي منى) * مبيت أربع ليال نسك في الحج ليلة النحر بمزدلفة وليالي أيام التشريق بمنى لكن مبيت الليلة الثالثة منها ليس نسكا على الاطلاق بل في حق من لم ينفر اليوم الثاني من أيام التشريق على ما سيأتي في الفصل التاسع ولفظ الكتاب محمول عليه وان كان مطلقا * وفى الحد المعتبر للمبيت قولان حكاهما الامام عن نقل شيخه وصاحب التقريب (أظهرهما) ان المعتبر كونه بموضع المبيت في معظم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 387 الليل (والثانى) ان الاعتبار بحال طلوع الفجر قال الامام وطردهما على هذا النسق في مزدلفة محال لانا جوزنا الخروج منها بعد انتصاف الليل ولا ينتهون إليها الا بعد غيبوبة الشفق غالبا ومن انتهي إليها والحالة هذه وخرج بعد انتصاف الليل لم يكن بها حال طلوع الفجر ولا في معظم الليل فلا يتجه فيها إذا الاعتبار حالة الانتصاف ولك ان تقول هذه الاستحالة واضحة ان قيل بوجوب المبيت لكنه مستحب على قول وليس بواجب فعلى ذلك القول لا يستحيل الندب الي الكون بها في معظم الليل أو حالة الطلوع وتجويز خلافه * ثم هذا النسك مجبور بالدم وهل هو واجب أو مستحب (أما) في ليلة مزدلفة فقد مر (وأما) غيرها ففيه قولان (أحدهما) واجب لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " من ترك نسكا فعليه دم " (والثانى) مستحب لانه غير لازم علي المعذور كما سيأتي ولو وجب الدم لما سقط بالعذر كالحلق واللبس * وروى القاضي ابن كج طريقة أخرى قاطعة بالاستحباب والمشهور طريقة القولين * ثم منهم من بناهما علي قولين في ان المبيت هل هو واجب أم لا (في قول) نوجبه لان النبي صلى الله عليه وسلم " قد أتي به وقد قال خذوا عني مناسككم " وفي قول لا كالمبيت ليلة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 388 عرفة وأشار الامام الي ان القولين في وجوب المبيت متولدان من القولين في وجوب الدم * وما الاظهر منهما اتفقوا على تشبيههما بالقولين في ان الدم على المفيض من عرفة قبل الغروب واجب أو مستحب وقد أريناك ترجيح قول الاستحباب ثم فيشبه ان يكون ههنا مثله * وقد صرح بذلك القاضي ابن كج وغيره وكلام كثيرين يميل إلى ترجيح الايجاب والله أعلم * (وقوله) في الكتاب وفى وجوبه قولان فان قلنا انه واجب فيجبر بالدم أراد فيجبر بالدم وجوبا والا فاصل الجبر لا يتفرع على قولنا بوجوب المبيت خاصة * ثم هو بناء للخلاف في وجوب الدم علي الخلاف في وجوب المبيت على ما نقلناه عن جماعة من الاصحاب بقى الكلام في ان الدم متي يكمل وهل يزيد على الواحد أم لا ان ترك مبيت ليلة النحر وحدها أراق دما وان ترك مبيت الليالي الثلاث فكذلك على المشهور لان مبيتهما جنس واحد متوزع عليهما توزع الرمى على الجمرات الثلاث * وعن صاحب التقريب رواية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 389 قول ان في كل ليلة دما كما ان في رمى كل يوم دما وان ترك ليلة منها فبم يجبر فيه ثلاثة أقوال (أظهرها) بمد (والثانى) بدرهم (والثالث) بثلث دم وهي كالاقوال في حلق شعرة واحدة وسنذكرها بتوجيهها * وإن ترك ليلتين فعلى هذا القياس وان ترك مبيت الليالى الاربع فقولان أحدهما ان الجبر بدم واحد لان المبيت جنس واحد (وأظهرهما) بدمين أحدهما لليلة مزدلفة والآخر ليالي منى لاختلافهما في الموضع وتفاوتهما في الاحكام * قال الامام وهذا في حق من يقيد الليلة الثالثة بان كان بمني وقت الغروب فان لم يكن بها حينئذ ولم يبت وأفردنا ليلة مزدلفة بدم فوجهان لانه لم يترك مبيت النسك الا ليلتين (أحدهما) عليه مدان أو درهمان أو ثلثا دم (والثاني) عليه دم كامل لتركه جنس المبيت بمنى قال وهذا أفقه ولا بد من عوده فيما إذا ترك ليلتين من الثلاث دون ليلة مزدلفة إذا لم تقيد الثالثة * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 390 وعند ابى حنيفة رحمه الله لا يجب الدم بترك المبيت بمنى وهو رواية عن أحمد رحمه الله (واعلم) أن جميع ما ذكرناه في حلق غير المعذور (أما) إذا ترك المبيت لعذر فهو مذكور في آخر الفصل * قال (والرمي ومجاوزة الميقات مجبوران بالدم قولا واحدا والطواف والسعي والوقوف والحلق لا تجبر بالدم قولا واحدا فانها أركان والمبيت وطواف الوداع والجمع بين الليل والنهار بعرفة فيها قولان) * لما ذكر الخلاف في أن المبيت إذا ترك هل يجب جبره بالدم وقدم نظيره في الجمع بين الليل والنهار بعرفة أراد أن يجمع قولا فيما يجبر من المناسك بالدم وما لا يجبر وفاقا وما هو على الخلاف ويتضح ذلك بتقسيم أعمال الحج وهى ثلاثة أقسام - أركان - وابعاض - وهيآت - وسبيل الحصر ان كل عمل يعرض فاما ان يتوقف التحلل عليه فهو ركن أو لا يتوقف فاما ان يجبر بالدم فهو بعض أو لا يجبر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 391 فهو هيئة * والاركان خمسة - الاحرام - ولوقوف - والطواف والسعي - والحلق - أو التقصير - تفريعا على قولنا انه نسك فان لم نقل به عادت إلى اربعة وما سوى الوقوف اركان في العمرة ايضا ولا مدخل للجبران فيها بحال (واعلم) ان الترتيب معتبر في اركان الحج لان ما عدا الاحرام لا بد وان يكون مؤخرا عنه وان الحلق والطواف لا بد وان يكونا مؤخرين عن الوقوف والسعي لابد وان يكون مؤخرا عن طواف وإذا كان كذلك جاز ان نعده من الاركان كما عدوا الترتيب من اركان الوضوء والصلاة * ولا يقدح في ذلك عدم الترتيب بين الحلق والطواف كما لا يقدح عدم اعتبار الترتيب بين القيام والقراءة في الصلاة (واما) الابعاض فمجاوزة الميقات والرمي مجبوران بالدم وفاقا (اما) الاول فقد مر (وأما) الثاني فسيأتي واختلف القول في خبر الجمع بين الليل والنهار بعرفة وفي المبيت وقد ذكرناهما في طواف الوداع وسنذكره فما جبر فهو من الابعاض ومالا فمن الهيآت وفى طواف القدوم أيضا وجه بعيد سنذكره ان شاء الله تعالى * قال (ولا دم علي من ترك المبيت بعذر كرعاة الابل واهل سقاية العباس ومن لم يدرك عرفة الا ليلة النحر وفى الحاق غير هذه الاعذار بها وجهان) * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 392 التاركون للمبيت بمني أو مزدلفة بالعذر لا دم عليهم وهم أصناف فمنهم رعاة الابل ومنهم أهل سقاية العباس فلهؤلاء إذا رموا جمرة العقبة يوم النحر أن ينفروا ويدعوا المبيت بمنى ليالى التشريق لما روى عن ابن عمر ان العباس رضى الله عنه " استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالى مني من أجل السقاية فاذن له " وعن عاصم بن عدى رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " رخص للرعاة أن يتركوا المبيت بمنى ويرموا يوم النحر جمرة العقبة ثم يرموا يوم النفر الاول " وللصنفين جميعا أن يدعوا رمي يوم ويقضوه في اليوم الذى يليه قبل رمي ذلك اليوم وليس لهم أن يدعوا رمى يومين على التوالى فان تركوا رمى اليوم الثاني بان نفروا اليوم الاول بعد الرمي عادوا في اليوم الثالث وان تركوا رمي اليوم الاول بأن نفروا يوم النحر بعد الرمي عادوا في اليوم الثاني ثم لهم ان ينفروا مع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 393 الناس وعن أبي الحسين وجه آخر انه ليس لهم ذلك * وإذا غربت الشمس والرعاة بمنى فعليهم ان يبيتوا تلك الليلة ويرموا من الغد ولاهل السقاية ان ينفروا بعد غروب الشمس والفرق ان الابل لا ترعي بالليل والماء يجمع وتتعهد السقاية بالليل * واغرب أبو عبد الله الحناطي فحكي وجها ان اهل السقاية أيضا لا ينفرون بعد الغروب ثم رخصة أهل السقاية لا تختص بالعباسية لان المعني يعمهم وغيرهم * وعن مالك وأبي حنيفة أنها تختص بأولاد العباس رضى الله عنهم وهو وجه لاصحابنا ومنهم من ينقل الاختصاص ببني هاشم * ولو استحدثت سقاية للحاج فللمقيم بشأنها ترك المبيت أيضا قاله في التهذيب وذكر القاضي ابن كج وغيره أنه ليس له ذلك ومن المعذورين للذين ينتهون إلى عرفة ليلة النحر ويشغلهم الوقوف عن المبيت بمزدلفة فلا شئ عليهم وإنما يؤمر بالمبيت المتفرغون له * ولو أفاض الحاج من عرفة الي مكة وطاف للافاضة بعد نصف الليل ففاته المبيت لذلك فعن القفال أنه لا يلزمه شئ تنزيلا لاشتغاله بالطواف منزلة اشتغاله بالوقوف * قال إمام الحرمين وفيه احتمال لان من ينتهي إلى عرفة ليلا مضطر إلى ترك المبيت بخلاف المفيض إلى مكة * ومن المهذورين من له مال يخاف ضياعه لو اشتغل بالمبيت أو مريض يحتاج إلى تعهده أو كان يطلب عبدا أبقا أو يشتغل بأمر آخر يخاف فوته ففى هؤلاء وجهان (أصحهما) ويحكى عن نصه أنه لا شئ عليهم بترك المبيت كالرعاة وأهل السقاية وعلى هذا فلهم أن ينفروا بعد الغروب (والثانى) أنهم لا يلحقون بالرعاة وأهل السقاية لان شغلهم ينفع الحجيج عامة وأعذار هؤلاء تخصهم والله أعلم * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 394 قال (الفصل التاسع في الرمي) وهو من الابعاض المجبورة بالدم وهو رمى سبعين حصاة سبعة يوم النحر إلى جمرة العقبة وإحدى وعشرين حصاة في كل يوم من أيام التشريق الي ثلاث جمرات ومن نفر في النفر الاول سقط عنه رمي اليوم الاخير ومبيت تلك الليلة فان غربت الشمس عليه بمني لزمه المبيت والرمى ووقت الرمى في أيام التشريق بين الزوال والغروب وهل يتمادى إلى الفجر وجهان) * إذا فرغ الحجيج من طواف الافاضة عادوا إلى مني وصلوا بها الظهر ويخطب الامام بهم بعد الظهر ويعلمهم فيها سنة الرمى والنحر والافاضة ليتدارك من أخل بشئ منها ويعلمهم رمي أيام التشريق وحكم المبيت والرخصة للمعذورين * ونقل الحناطى وجها ان موضع هذه الخطبة مكة ويستحب أن يخطب بهم اليوم الثاني من أيام التشريق ويعلمهم جواز النفر فيه ويودعهم ويأمرهم بختم الحج بطاعة الله تعالى * وعند أبى حنيفة لا تسن هذه الخطبة ولا خطبة يوم النحر ولكن يخطب بهم في اليوم الاول من أيام التشريق ثم في الفصل مسائل (إحداها) أن الرمي معدود من الابعاض مجبور بالدم وفاقا (والثانية) جملة ما يرمى في الحج سبعون حصاة ترمى إلى جمرة العقبة يوم النحر سبع حصيات واحدى وعشرون في كل يوم من أيام التشريق إلى الجمرات الثلاث إلى كل واحدة سبع تواتر النقل به قولا وفعلا (والثالثة) الحجيج يبيتون بمني الليلتين الاولتين من ليالي التشريق فإذا رموا اليوم الثاني فمن أراد منهم أن ينفر قبل غروب الشمس فله ذلك ويسقط عنه مبيت الليلة الثالثة والرمى من الغد ولا دم عليه والاصل فيه قوله تعالى (فمن تعجل في يومين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 395 فلا إثم عليه) . ومن لم ينفر حتي غربت الشمس فعليه أن يبيت الليلة الثالثة ويرمي يومها وبه قال مالك وأحمد * وعند ابي حنيفة رحمه الله يسوغ النفر ما لم يطلع الفجر * لنا ما روى عن عمر رضي الله عنه انه قال " من ادركه المساء في اليوم الثاني فليقم الي الغد حتى ينفر مع الناس " وإذا ارتحل فغربت الشمس قبل ان ينفصل عن منى كان له ان ينفر كيلا يحتاج إلى الحط بعد الترحال ولو غربت الشمس وهو في شغل الارتحال فهل له ان ينفر فيه وجهان (اصحهما) لا * ولو نفر قبل الغروب وعاد لشغل إما بعد الغروب أو قبله هل له ان ينفر فيه وجهان (اصحهما) نعم ومن نفر وكان قد تزود الحصيات للايام الثلاثة طرح ما بقي عنده أو دفعهن الي غيره. قال الائمة ولم يؤثر شئ فيما يعتاده الناس من دفنها * (واعلم) ان اليوم الثاني من أيام التشريق يسمي يوم النفر الاول والثالث منها النفر الثاني للسبب الذى قد عرفته (واما) الاول فيسمي يوم القر لان الناس فيه قارون بمني (وقوله) في الكتاب لزمه المبيت والرمي معلم بالحاء وقد اكثرو اطلاق لفظ اللزوم ونحوه في المبيت علي ما ذكرناه في وجوبه من الخلاف * (والرابعة) وقت رمى يوم النحر قد أسلفنا ذكره ورمي ايام التشريق يدخل وقته بالزوال ويبقى إلى غروب الشمس * روى عن جابر رضى الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم " رمى الجمرة يوم النحر ضحي ثم لم يرم في سائر الايام حتي زالت الشمس " وبهذا قال مالك واحمد رحمهما الله * وعند ابي حنيفة رحمه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 396 الله يجوز الرمى في اليوم الثالث قبل الزوال وهل يمتد وقتها الي طلوع الفجر اما في اليوم الثالث فلا لانقضاء ايام المناسك واما في اليومين الاولين فوجهان كما في رمى يوم النحر (اصحهما) انه لا يمتد ووجه الثاني التشبيه بالوقوف بعرفة وفى المسألة بقايا سنوردها إن شاء الله تعالى * قال (ولا يجزى الا رمى الحجر فاما الزرنيخ والاثمد والجواهر المنطبعة فلا وفى الفيروزج والياقوت خلاف) * غرض الفصل بيان ما يرمى ولا بدان يكون حجرا وبه قال مالك واحمد لما روى انه صلي الله عليه وسلم " رمى بالاحجار وقال بمثل هذا فارموا " وأيضا روى انه صلي الله عليه وسلم قال " عليكم بحصا الخذف " فيجزئ المرمر والبرام والكذان وسائر أنواع الحجر ومنها حجر النورة قبل ان يطبخ ويصير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 397 نورة وعن الشيخ أبى محمد تردد في حجر الحديد والظاهر إجزاؤه فانه حجر في الحال الا ان فيه حديدا كامنا يستخرج بالعلاج وفيما يتخذ من الفصوص كالفيروزج والياقوت والعقيق والزمرد والبلور والزبرجد وجهان (أصحهما) الاجزاء لانها أحجار (والثانى) المنع لان السابق إلى الفهم من لفظ الحصا غيرها ولا تجزئ اللآلى وما ليس بحجر من طبقات الارض كالزرنيخ والنورة والاثمد والمدر والجص والجواهر المنطبعة كالبنزين وغيرها * وقال أبو حنيفة رحمه الله يجزئ الرمى بما لا ينطبع من طبقات الارض كالزرنيخ والنورة ونحوهما * والسنة ان يرمى بمثل حصا الخذف وهو دون الانملة طولا وعرضا في قدر الباقلا يضعه على بطن الابهام ويرميه برأس السبابة ولو رمى بأصغر من ذلك أو أكثر كره وأجزأه ويستحب ان يكون ظاهرا * قال (ويتبع اسم الرمى فلا يكفى الوضع ولو انصدم بمحل في الطريق فلا بأس ولو وقع في المحمل فنقضه صاحبه فلا يجزئ ولو رمي حجرين معا فرمية واحدة وان تلاحقا في الوقوع * ولو اتبع الحجر الحجر فرميتان وان تساويتا * (وفى الوقوع) والعاجز يستنيب في الرمى إذا كان لا يزول عجزه وقت الرمى فلو أغمى عليه لم ينعزل نائبه لانه زيادة في العجز) في الفصل مسائل (احداها) الذى ورد في الفصل من قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله إنما هو الرمي فيتبع هذا الاسم حتي لو وضع الحجر في المرمى لم يعتد به وفى شرح القاضى ابن كج ونهاية الامام حكاية وجه انه يعتد به اكتفاء بالحصول في المرمي ولا بد مع الرمى من القصد إلى المرمى حتى لو رمى في الهواء ووقع في المرمي لم يعتد به ولا يشترط بقاء الحجر في المرمي فلا يضر تدحرجه وخروجه بعد الوقوع لكن ينبغى ان يحصل فيه فان تردد في حصوله فيه فقد نقلوا فيه قولين (الجديد) عدم الاجزاء ولا يشترط كون الرامي خارج الجمرة بل لو وقف في طرف منها ورمى إلى طرف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 398 جاز * ولو انصدمت الحصاة المرمية بالارض خارج الجمرة أو بمحل في الطريق أو عنق بعير أو ثوب إنسان ثم ارتدت ووقعت في المرمي اعتد بها لحصولها في المرمي بفعله من غير معاونة أحد. ويفارق ما لو انصدم السهم بالارض ثم أصاب الغرض لا يحسب به في المسابقة على أحد القولين لان المقصود ههنا اصابة المرمى بفعله وليس المقصود ثم مجرد اصابة الغرض بل على وجه يعرف منه حذق الرامي رجودة رميه ولو حرك صاحب المحمل المحمل فنقضها أو صاحب الثوب الثوب أو تحرك البعبر فدفعها ووقعت في المرمى لم يعتد بها لانها ما حصلت في المرمى بفعله * وعن احمد انه يعتد بها * ولو وقعت الحصاة على المحمل أو عنق البعير ثم تدحرجت إلي المرمي ففى الاعتداد بها وجهان ولعل الاشبه المنع لجواز تأثرها بتحرك البعير أو صاحب المحمل ولو وقعت في غير المرمى ثم تدحرجت إلي المرمى وردتها الريح إليه فوجهان * قال في التهذيب (الاصح) الاجزاء لانها حصلت فيه لا بفعل الغير ولا يجزئ الرمى عن القوس والدفع بالرجل قاله في العدة * (الثانية) يشترط ان يرمي الحصيات في سبع دفعات لان النبي صلى الله عليه وسلم " كذلك رماها وقال خذوا عني مناسككم " ولو رمي حصاتين معا نظر ان وقعتا معا فالمحسوب رمية واحدة وكذا لو رمي سبعا دفعة واحدة ووقعت دفعة واحدة أو مرتبا في الوقوع فرمية لاتحاد الرمى أو رميتان لتعدد الوقوع فيه وجهان (أصحهما) أولهما وهو المذكور في الكتاب ويروى الثاني عن أبي حنيفة رحمه الله ولو اتبع الحجر الحجر ووقعت الاولي قبل الثانية فهما رميتان وان تساويتا في الوقوع ففيه الوجهان (والاصح) وهو المذكور في الكتاب انهما رميتان وأجروا الوجهين فيما لو وقعت الثانية قبل الاولى * ولو رمي حجرا قد رمي مرة نظر ان رماه غيره أو رماه هو إلى جمرة أخرى أو إلي تلك الجمرة في يوم آخر جاز ويمكن ان يتأدى جميع الرميات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 399 بسبع حصيات وان رماه هو إلى تلك الجمرة في ذلك اليوم فوجهان قال في التهذيب (أظهرهما) الجواز كما لو دفع إلى مسكين مدا في كفارة ثم اشتراه ودفعه إلى آخر وعلى هذا قد يتادى جميع الرميات بحصاة واحدة * (الثالثة) العاجز عن الرمي بنفسه لمر ض أو حبس ينيب غيره ليرمي عنه لان الانابة جائزة في أصل الحج فكذلك في ابعاضه ويستحب ان يناول النائب الحصي ان قدر عليه ويكبر هو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 400 وكما ان الانابة في أصل الحج انما تجوز عنة العلة التي لا يرحى زوالها فكذلك الانابة في الرمي لكن النظر ههنا إلى دوامها إلى آخر وقت الرمي ولا ينفع الزوال بعده وكما ان النائب في أصل الحج لا يحج عن المنيب إلا بعد حجه عن نفسه فالنائب في الرمى لا يرمى عن المنيب الا بعد ان يرمى عن نفسه ولو فعل وقع عن نفسه ولو أغمي عليه ولم يأذن لغيره في الرمي عنه لم يجز الرمي عنه وان أذن فللمأذون الجزء: 7 ¦ الصفحة: 401 الرمى عنه في اصح الوجهين ولا يبطل هذا الاذن بالاغماء لانه واجب كما لا تبطل الاستنابة في الحج بالموت بخلاف سائر الوكالات * وإذا رمى النائب ثم زال عذر المنيب والوقت باق هل عليه اعادة الرمي قال الاكثرون لا وقد سقط الرمي عنه يرمي النائب وفى التهذيب أنه على القولين فيما إذا أحج المريض عن نفسه ثم برأ (وقوله) في الكتاب لم ينعزل نائبه معلم بالواو (وقوله) لانه زيادة في العجز معناه أن الداعي إلى هذه الانابة عجز الحاج عن القيام بهذا النسك فإذا طرأ الاغماء على المرض ازداد العجز وتأكد الداعي فكيف نقول بانقطاع النيابة والله أعلم * قال (ولو ترك رمي يوم ففى تداركها في بقية أيام التشريق قولان (فان قلنا) يتدارك ففى كونه أداء قولان (فان قلنا) اداء تأقت بما بعد الزوال وكان التوزيع على الايام مستحبا ولا بد في التدارك من رعاية الترتيب في المكان فلوا ابتدأ بالجمرة الاخيرة لم يجيزه بل يبدأ بالجمرة الاولي ويختم بجمرة العقبة وفى وجوب تقديم القضاء علي الاداء قولان ومهما ترك الجميع يكفيه دم واحد في قول ويلزمه أربعة دماء في قول لوظيفة كل يوم دم وفي قول دمان دم لجمرة العقبة ودم لايام منى وفى أقل ما يكمل به الدم ثلاثة أوجه (أحدها) وظيفة يوم (والثانى) وظيفة جمرة (والثالث) ثلاثة حصيات) * هذه البقية تنظم مسائل (احداها) إذا ترك رمى يوم القر عمدا أو سهوا هل يتداركه في اليوم الثاني الجزء: 7 ¦ الصفحة: 402 أو الثالث أو ترك رمى اليوم الثاني أو رمي اليومين الاولين هل يتداركه في الثالث فيه قولان (أصحهما) نعم قاله في المختصر وغيره وبه قال أبو حنيفة كالرعاة وأهل السقاية (والثاني) لا كما لا يتدارك بعد أيام التشريق (التفريع) * إن قلنا بانه لا يتدارك في بقية الايام فهل يتدارك رمى اليوم في الليلة التى تقع بعده من ليالى التشريف فيه وجهان وهما مفرعان على الصحيح في أن وقته لا يمتد الليلة على ما سبق وان قلنا بالتدارك فتدارك فهو قضاء أو أداء فيه قولان (أحدهما) أنه قضاء لمجاوزته لوقت المضروب له (وأظهرهما) أنه اداء ولولاه لما كان للتدارك فيه مدخل كما لا يتدارك الوقوف بعد فواته * (التفريع) ان قلنا اداء فجملة أيام مني في حكم الوقت الواحد وكل يوم للقدر المأمور به فيه وقت اختيار كأوقات الاختيار للصلوات ويجوز تقديم رمي يوم التدارك على الزوال * ونقل الامام رحمه الله أن على هذا القول لا يمتنع تقديم رمى يوم إلى يوم لكن يجوز أن يقال إن وقته يتسع من جهة الآخر دون الاول فلا يجوز التقديم (وإن قلنا) انه قضاء فتوزيع الاقدار المعينة على الايام مستحق ولا سبيل إلى تقديم رمى يوم إلى يوم ولا إلى تقديمه على الزوال وهل يجوز بالليل فيه وجهان (أصحهما) نعم لان القضاء لا يتاقت (والثاني) لا لان الرمى عبادة النهار كالصوم وهل يجب الترتيب بين الرمى المتروك ورمي يوم التدارك فيه قولان ويقال وجهان (أصحهما) نعم كما يجب الترتيب في المكان على ما سيأتي (والثانى) لا لان الترتيب لحق الوقت فيسقط بخروج الوقت والوجهان عند الائمة رحمهم الله مبنيان على أن المفعول تداركا قضاء أم أداء إن قلنا اداء اعتبرنا الترتيب وان قلنا قضاء فلا ترتيب كترتيب قضاء الصلوات الفائتة * (التفريع) : ان لم نوجب الترتيب فهل يجب على اصحاب الاعذار كالرعاة فيه وجهان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 403 قال في التتمة ونظيره ان من فاته الظهر لا يجب عليه الترتيب بينه وبين العصر ولو أخر الظهر بسبب يجوز الجمع ففى الترتيب وجهان ولو رمى الي الجمرات كلها عن اليوم قبل أن يرمى إليها عن أمسه أجزأه ان لم نوجب الترتيب وان أوجبناه فوجهان (أصحهما) أنه يجزئه ويقع عن القضاء لان مبنى الحج على تقديم الاولي فالاولي (والثاني) لا يجزئه أصلا وزاد الامام رحمه الله فقال لو صرف الرمى في قصده الي غير النسك كما لو رمي إلى شخص أو دابة في الجمرة وفى انصرافه عن النسك الخلاف المذكور في الطواف فان لم ينصرف وقع عن أمسه ولغا قصده وان انصرف فان شرطنا الترتيب لم يجزه أصلا وإن لم نشترطه أجزأه عن يومه * ولو رمى الي كل جمرة أربعة عشر حصاة سبعا عن أمسه وسبعا عن يومه جاز ان لم نعتبر الترتيب وإن اعتبرناه فلا يجوز وهو نصه في المختصر هذا كله في رمى اليوم الاول والثانى من أيام التشريق (أما) إذا ترك رمي يوم النحر ففى تداركه في أيام التشريق طريقان (أصحهما) أنه على القولين (والثاني) القطع بانه لا تدارك لمغايرة ذلك الرمى رمي ايام التشريق في العدد والوقت والحكم فان ذلك الرمي يؤثر في التحلل دون هذا الرمى (الثانية) يشترط في رمي أيام التشريق الترتيب في المكان وهو أن يرمي أولا إلى الجمرة التى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 404 تلى مسجدا لخيف وهى أقرب الجمرات من مني وأبعدها من مكة ثم إلى الجمرة الوسطي ثم إلى القصوى وهى جمرة العقبة فلا يعتد يرمى الثانية قبل تمام الاولي ولا بالثالثة قبل تمام الاولتين * وعن أبي حنيفة رحمه الله لو نكسها أعاد فان لم يفعل أجزأه * لنا أنه صلى الله عليه وسلم " رتبها وقد قال خذوا عنى مناسككم " ولانه نسك متكرر فيشترط فيه الترتيب كما في السعي فلو ترك حصاة ولم يدر من أين تركها أخد بأنه تركها من الجمرة الاولي ويرمى إليها واحدة ويعيد رمى الاخرتين وفى اشتراط الموالاة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 405 بين رمي الجمرات ورميات الجمرة الواحدة الخلاف المذكور في الطواف * والسنة أن يرفع اليد عند الرمي فهو أهون عليه وأن يرمي أيام الشتريق مستقبل القبلة وفي يوم النحر مستدبرها هكذا ورد الخبر وأن يكون نازلا في رمي اليومين الاولين وراكبا في اليوم الاخير يرمي ويسعي عقيبه كما أنه يوم النحر يرمي ثم ينزل هكذا أورده الجمهور ونقلوه عن نصه في الاملاء وفى التتمة أن الصحيح ترك الركوب في الايام الثلاثة * والسنة إذا رمي الجمرة الاولى أن يتقدم قليلا قدر ما لا يبلغه حصيات الرامين ويقف مستقبل القبلة ويدعو ويذكر الله تعالى طويلا بقدر قراءة سورة البقرة * وإذا رمي إلى الثانية فعل مثل ذلك ولا يقف إذا رمي الي الثالثة (وقوله) في الكتاب ولا بد في التدارك من رعاية الترتيب في المكان قد يوهم اختصاص هذا الترتيب بالتدارك لكنه لا يختص والترتيب شرط في الابتداء والتدارك على نسق واحد * (الثالثة) إذا ترك رمي بعض الايام وقلنا بأنه يتدارك في بقية الايام فتدارك فلا دم عليه وقد حصل الانجبار وفيه قول أنه يلزمه الدم مع التدارك كما لو أخر قضاء رمضان حتي أدركه رمضان آخر يقضي ويفدى ويعزى هذا الي تخريج ابن سريج رحمه الله * ولو نفر يوم النحر أو يوم القر قبل أن يرمي ثم عاد ورمي قبل الغروب وقع الموقع ولا دم عليه ولو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 406 فرض ذلك في النفر الاول فكمثله في أصح الوجهين (والثانى) أنه يلزمه الدم لان النفر في هذا اليوم سائغ في الجملة فإذا نفر فيه خرج عن الحج فلا يسقط الدم بعوده * ولو لم يتدارك ما تركه أو قلنا لا يمكن التدارك لزم الدم لا محالة وكم يجب يختلف ذلك بحسب قدر المتروك وفيه صور (أحداها) إذا ترك رمي أيام التشريق والتصوير فيما إذا توجه عليه رمى اليوم الثالث أيضا ففيه قولان (أحدهما) يلزمه ثلاثة دماء لان رمي كل يوم عبادة برأسها (والثاني) لا يجب أكثر من دم كما لا يجب لترك الجمرات الثلاث أكثر من دم ولو ترك معها رمي يوم النحر أيضا فان قلنا بالاول فعليه أربعة دماء وان قلنا بالثاني فوجهان (أحدهما) أنه لا يلزمه أكثر من دم لاتحاد جنس الرمي (وأصحهما) أنه يلزمه دمان أحدهما ليوم النحر والثانى لايام التشريق لاختلاف الرميين في الحكم وإذا ضممت هذا الخلاف بعضه إلى بعض والسؤال عن ترك رمي الايام الاربعة فقل فيه ثلاثة أقوال كما في الكتاب - دم - دمان أربعة دماء - والاصح منها على ما ذكره في التهذيب إيجاب أربعة دماء لكن الجمهور بنوا الاقوال الثلاثة علي الاصل السابق فيما يتدارك من رمي هذه الايام فان قلنا يتدارك رمى بعضها في الباقي اكتفينا بدم لانا جعلنا الرمي كالشئ الواحد وان قلنا رمي يوم النحر لا يتدارك ورمي غيره يتدارك فقد جعلناها نوعين مختلفين فيلزمه دمان وان قلنا ان شيئا منها لا يتدارك فعليه أربعة دماء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 407 لان رمي كل يوم علي هذا يفوت بغروب شمسه ويستقر في الذمة بدله فان لم نر ترجيح القول الموجب لاربعة دماء لامر من خارج فقضية هذا البناء ترجيح القول المكتفى بدم واحد لاتفاقهم علي ان الاصح التدارك كما مر * (الثانية) لو ترك رمي يوم النحر أو رمي واحد من أيام الشتريق بأسره يلزمه دم وان ترك رمي بعض اليوم نظر ان كان من واحد من أيام التشريق فقد جمع الامام فيه طرقا (أحدها) ان الجمرات الثلاث كالشعرات الثلاث فلا يكمل الدم في بعضها فان ترك جمرة ففيما يلزمه الاقوال التي يأتي ذكرها في حلق شعرة (أصحهما) مد من طعا (والثاني) درهم (والثالث) دم وان ترك جمرتين فعلى هذا القياس وعلي هذا لو ترك حصاة من جمرة فعن صاحب القريب ان على قولنا في الجمرة الواحدة ثلث دم يجب في حصاة واحدة جزء من أحد وعشرين جزءا من دم رعاية للتبعيض وعلى قولنا ان فيها مدا أو درهما يحتمل أن نوجب سبع مدأ وسبع درهم ويحتمل إن لا نبعضهما (والطريق الثاني) ان الدم يكمل في وظيفة الجمرة الواحدة كما يكمل في وظيفة جمرة يوم النحر وفى الحصاة والحصاتين الاقوال الثلاثة (والثالث) وهو الاظهر أن الدم يكمل بترك ثلاث حصيات كما يكمل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 408 بحلق ثلاث شعرات وفى الحصاة والحصاتين الاقوال الثلاث (واعلم) أن الخلاف المذكور ليس في ترك الحصاة والحصاتين مطلقا ولكن ان ترك حصاة الجمرة الاخيرة من آخر أيام التشريق ففيه الخلاف وان تركها من الجمرة الاخيرة من يوم القر أو النفر الاول ولم ينفر فان قلنا الترتيب غير واجب بين التدارك ورمي الوقت صح رميه لكنه ترك رمي حصاة واحدة ففيه الخلاف وان أوجبنا الترتيب فهو على الخلاف السابق في أن الرمي بنية اليوم هل يقع عن الماضي إن قلنا نعم تم المتروك بما أتي به في اليوم الذى بعده لكنه يكون تاركا لرمي الجمرة الاولي والثانية في ذلك اليوم فعليه دم وان قلنا لا كان تاركا رمى حصاة ووظيفة يوم فعليه دم ان لم نفرد كل يوم بدم وان أفردنا فعليه دم لوظيفة اليوم وفيما يجب لترك الحصاة الخلاف المذكور * وان تركها من احدى الجمرتين الاولتين في أي يوم كان فعليه دم لان ما بعدها غير صحيح لوجوب الترتيب في المكان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 409 فهذا إذا ترك بعض رمى من أيام التشريق وان ترك بعض رمي من يوم النحر فقد الحقه في التهذيب بما إذا ترك من الجمرة الاخيرة في اليوم الاخير * وقال في التتمة يلزمه دم وان ترك حصاة لانها من أسباب التحلل فإذا ترك شيئا منها لم يتحلل الا ببدل كامل والله أعلم * وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه ان ترك من يوم النحر أربع حصيات فعليه دم وان ترك ثلاثا فلا وفى سائر الايام ان ترك إحدى عشرة حصياة فعليه دم وان ترك عشر أو أقل فلا اكتفاء بالاكثر وهذا يخالف الوجوه الثلاثة المذكورة في الكتاب فيما يكمل به الدم كلها فلذلك أعلمت بالحاء وحكى في النهاية وجها آخر غريبا وهو أن الدم يكمل في حصاة واحدة * (فرع) قال أبو سعيد المتولي لو ترك ثلاث حصيات من جملة الايام ولم يدر موضعها أخذ بالاسوأ وهو أنه ترك واحدة من يوم النحر وأخرى من الجمرة الاولى يوم القر واخرى من الجمرة الثانية يوم النفر الاول * ثم طول الكلام فيما يحصل له من ذلك واختصاره أنا ان لم نحسب ما يرميه بنية وظيفة اليوم عن الغائب فالحاصل ست حصيات من رمي يوم النحر لا غير سواء شرطنا الترتيب بين التدارك ورمى الوقت أم لا فان حسبناه فالحاصل رمي يوم النحر واحد ايام التشريق لا غير سواء شرطنا الترتيب أم لا وسببه لا يخفى على من أنعم النظر في الاصول السابقة * (واعلم) أن الحاج إذا فرغ من رمي اليوم الثالث من أيام التشريق فيستحب له أن يأتي المحصب وينزل به ليلة الرابع عشر ويصلى به الظهر والعصر المغرب والعشاء روى أن النبي صلي الله عليه وسلم " صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء ثم هجع بهما هجعة ثم دخل مكة " ولو ترك النزول به لم يلزمه شئ روى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 410 عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت " نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصب وليس بسنة فمن شاء نزله ومن شاء لم ينزله " وحد المحصب من الابطح ما بين الجبلين إلى المقبرة سمي به لاجتماع الحصباء فيه يحمل السيل فانه موضع منهبط * قال (الفصل العاشر في طواف الوداع وهو مشروع إذا لم يبق شغل وتم التحلل فلو عرج بعده شغل بطل الا في شد الرحال ففيه تردد وفى كونه مجبورا بالدم قولان ولا يجب على غير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 411 الخارج ومهما انصرف قبل مجاوزة مسافة القصر وطاف جاز والحائض لا يلزمها الدم بترك طواف الوداع طهرت قبل مسافة القصر لا يلزمها العود بخلاف المقصر بالترك وقيل في المسافة قولان بالنقل والتخريج: حاصلهما أن الوداع يفوت بمجاوزة الحرم أو بمجاوزة مسافة القصر) * طواف الوداع ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلا وقولا (أما) لفعل فظاهر (وأما) القول فنحو ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يتفرق أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت الا انه رخص للحائض " ومضمون الفصل صور نشرحها ونضيف إليها ما لا غنى عنه (احداها) ذكر الامام في النهاية أن طواف الوداع من مناسك الحج وليس على الخارج من مكة وداع لخروجه منها وتابعه صاحب الكتاب لانه قال وهو مشروع إذا لم يبق شغل وتم التحلل فخصه بحال تمام التحلل وذلك إنما يكون في حق الخارج وأيضا فقد صرح من بعد وقال ولا يجب على غير الخارج لكن صاحبا التهذيب والتتمة وغيرهما أوردوا أن طواف الوداع ليس من جملة المناسك حتى يؤمر به من أراد مفارقة مكة إلى مسافة القصر سواء كان مكيا يريد سفرا أو آفاقيا يريد الرجوع إلى أهله وهذا أقرب تعظيما للحرم وتشبيها لاقتضاء خروجه للوداع باقتضاء دخوله الاحرام ولانهم اتفقوا على أن المكي إذا حج وهو عازم على على أن يقيم بوطنه لا يؤمر بطواف الوداع وكذا الآفاقي إذا حج واراد المقام بها ولو كان من جملة المناسك لاشبه ان يعم الحجيج * وعن أبى حنيفة رحمه الله ان الآفاقي ان نوى الاقامة بعد ان حل له النفر لم يسقط عنه الوداع (الثانية) طواف الوداع ينبغي ان يقع بعد جميع الاشغال ويعقبه الخروج من غير مكث فان مكث نظر ان كان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 412 لغير عذرا واشتغل بغير أسباب الخروج من شراء متاع أو قضاء دين أو زيارة صديق أو عيادة مريض فعليه إعادة الطواف خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال لا حاجة إلى الاعادة وان أقام بها شهرا أو اكثر وان اشتغل بأسباب الخروج من شرى الزاد وشد الرحل ونحوهما فقد نقل الامام فيه وجهين (احدهما) انه يحتاج إلى الاعادة ليكون آخر عهده بالبيت (واصحهما) وبه اجاب المعظم انه لا يحتاج لان المشغول بأسباب الخروج مشغول بالخروج غير مقيم (الثالثة) طواف الوداع واجب مجبور بالدم أو مستحب غير مجبور فيه قولان كالقولين في الجمع بين الليل والنهار بعرفة واخوات تلك المسألة وجه الوجوب وبه قال أبو حنيفة وأحمد لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " لا ينصرفن أحد حتي يكون آخر عهده الطواف بالبيت " وهذا أصح على ما قاله صاحب التهذيب والعدة * ووجه المنع وبه قال مالك أنه لو كان واجبا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 413 لوجب على الحائض جبره بالدم لان المعذور يفتدى عن الواجبات واحتج لهذا القول أيضا بان طواف القدوم لا يجب جبره بالدم فكذلك طواف الوداع لكن عن صاحب التقريب الحاق طواف القدوم بطواف الوداع في وجوب الجبر وعلي التسليم بالفرق أن طواف القدوم تحية البقعة وليس مقصودا في نفسه * ألا ترى أنه يدخل في طواف العمرة وطواف الوداع مقصود في نفسه ولذلك لا يدخل تحت طواف آخر (وقوله) في الكتاب وفى كونه مجبورا بالدم قولان أي علي سبيل الوجوب إذ لا خلاف في أصل الجبر فانه مستحب ان لم يكن واجبا ويجوز إعلامه بالواو لان القاضي ابن كج روى طريقة قاطعة بنفى الوجوب (الرابعة) إذا خرج من غير وداع وقلنا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 414 بوجوب الدم ثم عاد وطاف فلا يخلو اما أن يعود قبل الانتهاء إلي مسافة القصر أو بعده فأما في الحالة الاولى فيسقط عنه الدم كما لو جاوز الميقات غير محرم ثم عاد إليه وفى الحالة الثانية وجهان (أصحهما) أنه لا يسقط استقراره بالسفر الطويل ووقوع الطواف بعد العود جقا للخروج الثاني (والثانى) يسقط كما لو عاد قبل الانتهاء إليها ولا يجب العود في الحالة الثانية وأما في الاولى فسيأتي * (الخامسة) ليس على الحائض طواف الوداع لان صفية رضى الله عنها حاضت فاذن لها رسول الله صلى الله وسلم في ان تنصرف بلا وداع ثم إذا طهرت قبل مفارقة خطة مكة لزمها العود والطواف وان جاوزته وانتهت إلى مسافة القصر لم يلزمها وان لم تنته إلى مسافة القصر فالنص أنه لا يلزمها العود ونص في المقصر بالترك أنه يلزمه العود فمنهم من قرر النصين وهو الاصح والفرق أن الحائض مأذونه في الانصراف من غير وداع والمقصر غير مأذون فيه * ومنهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 415 من قال في الصورتين قولان بالنقل والتخريج (أحدهما) انه يلزمه العود فيهما لانه يعد في حد حاضرى المسجد الحرام (والثاني) لا يلزمه لان الوداع يتعلق بمكة فإذا فارقها لم يفترق الحال بين ان يبعد عنها أو لا يبعد فان قلنا بالثاني فالنظر الي نفس مكة أو إلى الحرم فيه وجهان أولهما أظهرهما وقد تقدم نظيرهما في المواقيت (وقوله) حاصلهما أن الوداع يفوت بمجاوزة الحرم أو بمجاوزة مسافة القصر معناه انا إذا أوجبنا العدد قبل مسافة القصر فانما يحصل الفوات بالانتهاء إلى مسافة القصر وإذا لم نوجبه فانه يحصل الفوات بمجاوزة الحرم وفيه كلامان (احدهما) ان الفوات انما يظهر على تقدير عدم تأدي الواجب بالطواف بعد العود لكنا قد بينا تائي الواجب به وسقوط الدم (اما) إذا فرض قبل الانتهاء الي مسافة القصر فلا خلاف (واما) إذا فرض بعده فعلى احد الوجهين (والثاني) ان تعليق الفوات بمجاوزة الحرم على القول الثاني تفريع علي ان المعتبر مجاوزة الحرم لكنا ذكرنا وجها آخران الاعتبار بنفس مكة فعلي ذلك الوجه الفوات لو كان ربما كان بمجاوزة مكة وان لم يجاوز الحرم ثم إذا اوجبنا العود فعاد وطاف سقط الدم وان لم يعد لم يسقط وان لم نوجبه ولم يعد فلا دم على الحائض ويجب علي المقصر بالترك (واعلم) ان طواف الوداع حكمه حكم سائر انواع الطواف في الاركان والشرائط وعن ابي يعقوب الابيوردى انه يصح طواف الوداع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 416 من غير طهارة وتجبر الطهارة بالدم واستحب الشافعي رضي الله عنه للحاج إذا طاف للوداع ان يقف بحد الملتزم بين الركن والباب ويقول. اللهم البيت بيتك والعبد عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لى من خلقك حتى سيرتني في بلادك وبلغتني بنعيمك حتى أعنتني على قضاء مناسكك فان كنت رضيت عنى فازددعنى رضا والا فالآن قبل أن ننآى عن بيتك دارى هذا أوان انصرافي إن اذنت لى غير مستبدل بك ولا بنبيك ولا راغب عنك ولا عن بيتك اللهم أصحبني العافية في دينى وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك ما أبقيتنى. قال وما زاد فحسن وزيد فيه واجمع لى خير الدنيا والآخرة إنك قادر على ذلك ثم يصلى على النبي صلي الله عليه وسلم وينصرف وينبغي أن يتبع نظره البيت ما أمكنه ويستحب أن يشرب من ماء زمزم وأن يزور بعد الفراغ من الحج قبر رسول الله صلي الله عليه وسلم وقد روى عنه أنه قال " من زارني بعد موتى فكأنما زارني في حياتي ومن زار قبري فله الجنة " * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 417 قال (الفصل الحادى عشر في حكم الصبي * وللولي أن يحرم عن الصبى الذى لم يميز (ح) ويحضره الموقف فيحصل الحج للصبى نفلا وللام ذلك أيضا وفى القيم وجهان وهل للولي أن يحرم عن المميز فيه وجهان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 418 والمميز يحرم باذن الولي ولو استقل لم ينعقد على أحد الوجهين أما المميز فيتعاطي الاعمال بنفسه) * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 419 حج الصبي صحيح لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما " ان النبي صلى الله عليه وسلم مر بامرأة وهى في محفتها فأخذت بعضد صبي كان معها فقالت ألهذا حج فقال صلي الله عليه وسلم نعم ولك أجر " وعن جابر رضي الله عنه قال " حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم " والمنقول عن أبي حنيفة رحمه الله أنه لا ينعقد إحرام الصبى لنفسه ولا احرام الولى له وربما يقولون إنه ينعقد ليتدرب ولا يعتد به ولا يؤاخذ بمقتضيات الاحرام * إذا عرفت ذلك فان حجة يختص بأحكام يرجع بعضها إلى الاحرام وبعضها إلى الافعال وبعضها الي المؤنات ولوازم المحظورات فأراد أن يبين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 420 في هذا الفصل تلك الاحكام (أما) الاحرام فينظر ان كان الصبي مميزا أحرم باذن الولي وفى استقلاله وجهان (أحدهما) وبه قال أبو إسحق يستقل لانه عبادة كما يستقل بالصوم والصلاة (وأظهرهما) لا يستقل لانه يفتقر إلى المال وهو محجور عليه في المال فان قلنا بالاول فللولي تحليله كما سيأتي وليس له ان يحرم عنه وان قلنا بالثاني فهل للولى أن يحرم عنه فيه وجهان (أحدهما) لا للاستغناء بعبارته (والثاني) نعم لانه مولي عليه بدليل عدم الاستقلال قال الامام رحمه الله وهذا ظاهر المذهب * وان لم يكن مميزا أحرم عنه وليه سواء كان محلا أو محرما وسواء حج عن نفسه أم لا ولا يشترط حضور الصبى ومواجهته في أصح الوجهين والمجنون كالصبي الذى لا يميز يحرم عنه وليه وذكر القاضى ابن كج والحناطي رحمهما الله انه لا يجوز الاحرام عنه إذ ليس له أهلية العبادات والمغمى عليه لا يحرم عنه غيره لانه ليس بزائل العقل وبرؤه مرجو علي القرب وقال أبو حنيفة رحمه الله إذا أغمي عليه في الطريق أحرم عنه رفقاؤه (فان قلت) ومن الولى الذى يحرم عن الصبي أو يأذن له (قلنا) الاب يتولي ذلك وكذا الجد وان علا عند عدم الاب ولا يتولاه عند وجوده وفيه وجه تخريجا مما إذا أسلم الجد والاب كافر يتبعه الطفل على رأى وفى الوصي والقيم وجهان احدهما انهما لا يتوليانه لانه تصرف في نفسه كما لا يليان النكاح (والثانى) انهما يتوليانه كالاب والجد لانهم جميعا يتصرفون في المال ويراعون مصالحه والاول ارجح عند الامام لكن العراقيين من اصحابنا اجابوا بالثاني وذكروا وجهين في الاخ والعم إذا لم يكن لهما وصاية واذن من الحاكم (اظهرهما) المنع وفى الام طريقان (احدهما) ان احرامها عن الصبى مبنى على ولايتها التصرف في ماله وفيه اختلاف قال الاصطخرى تليه وقال عامة الاصحاب لا تليه (والطريق الثاني) القطع بأنها تحرم واحتجوا له بخبر ابن عباس رضي الله عنهما الذى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 421 رويناه في اول الفصل وقالوا الظاهر انها كانت تحرم عن الذى رفعته من المحفة وبهذا الطريق اجاب صاحب الكتاب والاول اشبه بكلام الاكثرين (واما) الافعال فمتي صار محرما باحرامه أو باحرام الولى اتى بما يقدر عليه بنفسه ويفعل به الولى ما يعجز عنه فان قدر على الطواف علم حتى يطوف والاطيف به على ما سبق والسعى كالطواف ويصلى عنه الولى ركعتي الطواف إذا لم يكن مميزا وان كان مميزا صلاهما بنفسه وحكى القاضى ابن كج وجها انه لا بد وأن يفعلها الولي بكل حال واشترط احضاره بعرفة ولا يكفى حضور غيره عنه وكذا يحضر بالمزدلفة والمواقف ويناول الاحجار حتي يرميها إن قدر عليه والا رمي عنه من لا رمى عليه ويستحب أن يضعها في يده أولا ثم يأخذ ويرمي (وقوله) في الكتاب للولي أن يحرم عن الصبي (وقوله) والمميز يحرم معلمان بالحاء لما سبق (وقوله) فيحصل الحج للصبى نفلا كلكرر في هذا الموضع لما سبق أن التكليف شرط في الوقوع عن حجة الاسلام (وقوله) وفى القيم وجهان يجوز اعلامه بالواو لان عن الداركى طريقة قاطعة بنفى الجواز للقيم ونحوه (وقوله) وأما المميز فيتعاطي الافعال انما تحسن هذه اللفظة لو كان الكلام قبلها في غير المميز لكن الكلام في المميز من قوله وهل للولى أن يحرم عن الصبي المميز الجزء: 7 ¦ الصفحة: 422 قال (وما يزيد من نفقة السفر على الولى أو الصبى فيه وجهان * ولوازم المحظورات لم تجب على احد الوجهين نظرا له فان أوجب فعلى الولى أو الصبى فيه وجهان ويفسد حجه بالجماع وفى لزوم القضاء خلاف مرتب على الفدية واولى بان لا يجب لانها بدنية فان أوجب لم يصح من الصبي علي أحد الوجهين لكونه فرضا فإذا بلغ لزمه القضاء بعد الفراغ من فرض الاسلام) * الغرض الآن الكلام في المؤنات وفدية المحظورات وفيه صور (احداها) القدر الزائد في النفقة بسبب السفر في مال الصبي أو علي الولى فيه وجهان ويقال قولان (أحدهما) أنه في مال الصبى لان الحج يحصل له كما لو قبل له نكاحا يكون المهر عليه لان النكاح يحصل له (وأصحهما) أنه على الولى وبه قال مالك وأحمد لانه الذى أدخله وورطه فيه ويخالف النكاح فان المنكوحة قد تفوت والحج يمكن تأخيره إلى أن يبلغ فعلى هذا لو أحرم الصبى بغير ادنه وجوزناه حلله فان لم يفعل اتفق عليه (الثانية) يمنع الصبى المحرم من محظورات الاحرام فلو تطيب أو لبس ناسيا فلا فدية كالبالغ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 423 الناسي وان تعمد فقد بنوه على أصل يذكر في الجنايات وهو أن عمد الصبي عمد أو خطأ ان قلنا إنه خطأ فلا فدية (وان قلنا) عمد وجبت وهو الاصح * قال الامام والمحققون قطعوا به لان عمده في العبادات كعمد البالغ الا تري أنه إذا تعمد الكلام بطلت صلاته أو الاكل بطل صومه * وعن الداركي نقل قول فارق بين أن يكون الصبى ممن يلتذ بالطيب واللباس أو ممن لا يلتذ بذلك ولو حلق أو قلم أو قتل صيدا وقلنا عمد هذه الافعال وسهوها سواء علي ما سيأتي وجبت الفدية (وان قلنا) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 424 يختلف حكم عمدها وسهوها فهى كالطيب واللباس ومتي وجبت الفدية فهى علي الولي أو في في مال الصبى فيه قولان (أحدهما) في مال الصبى لان الوجوب بسبب ما ارتكبه (وأصحهما) في مال الولى وبه قال مالك لانه الذى أوقعه فيه وغرر بماله وهذا إذا أحرم باذنه فان أحرم بغير إذن الولى وجوزناه فالفدية في مال الصبي بلا خلاف ذكره في التتمة ومتى وجبت الفدية في مال الصبي فان كانت مرتبة فحكمها حكم كفارة القتل والا فهل يجزى أن يفتدى بالصوم في الصغر فيه وجهان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 425 مبنيان على خلاف سنذكره إن شاء الله تعالى في أنه إذا أفسد الحج هل يجزئه قضاؤه في الصغر وليس للولي والحاله هذه أن يفدى عنه بالمال لانه غير متعين وعن أبى الحسين حكاية وجه أنه ان أحرم به الاب أو الجد فالفدية في مال الصبي وان أحرم به غيره فهى عليه (الثالثة) إذا جامع ناسيا أو عامدا وقلنا ان عمده خطأ ففى فساد حجه قولان كالبالغ إذا جامع ناسيا (والاظهر) أنه لا يفسد وان قلنا ان عمده عمد فسد حجه وإذا فسد فهل عليه القضاء فيه قولان (أحدهما) لا لانه ليس أهلا لوجوب العبادات البدنية (وأصحهما) نعم لانه احرام صحيح فيوجب افساده القضاء كحج التطوع وعلى هذا فهل يجزئه القضاء في الصبي فيه قولان ويقال وجهان (أصحهما) نعم اعتبارا بالاداء (والثانى) لا وبه قال مالك وأحمد لانه فرض وهو ليس أهلا لاداء فرض الحج بدليل حجة الاسلام (وإذا قلنا) بهذا ولم يقض حتى بلغ نظر فيما أفسدها ان كانت بحيث لو سلمت عن الفساد لاجزأته الجزء: 7 ¦ الصفحة: 426 عن حجة الاسلام بان بلغ قبل فوات الوقوف تأدى حجة الاسلام بالقضاء وان كانت لا تجزئه وان سلمت عن الفساد لم تتاد وعليه أن يبدأ بحجة الاسلام ثم يقضى فان نوى القضاء أو لا انصرف الي حجة الاسلام وان جوزنا القضاء في الصغر فشرع في القضاء وبلغ قبل الوقوف انصرف الي حجة الاسلام وعليه القضاء * ومهما فسد حجه وأوجبنا القضاء وجبت الكفارة أيضا وان لم نوجب القضاء ففي الكفارة وجهان (والاصح) الوجوب وقد بعكس هذا الترتيب فيقال ان لم تلزمه الفدية ففى القضاء خلاف والفرق أن القضاء عبادة بدنية وحال الصبى أبعد عنها وهذا الترتيب هو الذى ذكره في الكتاب فقال وفى لزوم القضاء خلاف مرتب على الفدية وإذا وجبت الكفارة فهي على الولي أو في مال الصبى فيه الخلاف السابق (وقوله) ولوازم المحظورات لا تجب على أحد الوجهين هذا الوجه الذى يتخرج على قولنا عمد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 427 الصبى خطأ وانما نجعل عمده خطأ لان حاله يناسب التخفيف واليسه اشار بقوله نظرا له (وقوله) يفسد حجه بالجماع جواب علي الاصح من الخلاف المذكور فيه (وقوله) وإذا بلغ لزمه القضاء بعد الفراغ عن فرض الاسلام متعلق بقوله لم يصح في الصبى على احد الوجهين ومفرع عليه (واعلم) ان حكم المجنون حكم الصبى الذى لا يميز في جميع ذلك * ولو خرج الولى بالمجنون بعد ما استقر فرض الحج عليه وانفق عليه من ماله نظر ان لم يفق حتى فات الوقوف غرم له الولى زيادة نفقة السفر وان افاق واحرم وحج فلا غرم عليه لانه قضي ما وجب عليه ويشترط افاقته عند الاحرام والوقوف والطواف والسعي ولم يتعرضوا لحالة الطواف وقياس كونه نسكا اشتراط الافاقة فيه كسائر الاركان * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 428 قال (وان بلغ الصبي في حجه قبل الوقوف (ح) وقع عن حجة الاسلام فان كان قد سعى قبله لزمه الاعادة في أصح الوجهين وهل يلزمه دم بنقصان احرامه إذا وقع في الصبا فيه قولان * وعتق العبد في الحج كبلوغ الصبى ولو طيب الولى الصبي فالفدية على الولى الا إذا قصد المداواة فيكون كاستعمال الصبى علي أحد الوجهين) الفصل يشتمل على مسألتين (الاولي) لو بلغ الصبي في أثناء الحج نظر ان بلغ بعد الوقوف بعرفة لم يجزه عن حجة الاسلام ولا فرق بين أن يكون وقت الوقوف باقيا أو فائتا لكنه لم يعد إلى الموقف لمضى معظم العبادة في حال النقصان ويخالف الصلاة حيث تجزئه إذا بلغ في أثنائها أو بعدها لان الصلاة عبادة تتكرر والحج عبادة العمر فيعتبر وقوعها أو وقوع معظمها في حال الكمال * وعن ابن سريج رحمه الله انه إذا بلغ ووقت الوقوف باق يجزئه عن حجة الاسلام وان لم يعد إلى الموقف وان بلغ قبل الوقوف أو بلغ وهو واقف وقعت حجته عن حجة الاسلام خلافا لمالك حيث شرط فيه وقوع جميع الحج في حالة التكليف ولابي حنيفة فانه لا يعتد باحرام الصبي على ما سبق * وهل يجب إعادة السعي لو كان قد سعى عقيب طواف القدوم قبل البلوغ فيه وجهان (أحدهما) لا ولا بأس بتقدم السعي كتقدم الاحرام (واصحهما) نعم لوقوعه في حالة النقص ويخالف الاحرام فانه مستدام بعد البلوغ والسعى لا استدامة له وقد بنوا الوجهين علي أنه إذا وقع عن حجة الاسلام كيف تقدير احرامه أنقول بأنه يتعين انعقاده في الاصل فرضا أو نقول بأنه انعقد نفلا ثم انقلب فرضا فان قلنا بالاول فلا حاجة إلى الاعادة وان قلنا بالثاني فلا بد منها وإذا وقع حجه عن حجة الاسلام فهل يلزمه دم فيه طريقان (أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب أنه على قولين (أحدهما) نعم لان احرامه من الميقات ناقص لانه ليس بفرض (وأصحهما) لا لانه أتي بما في وسعه ولم تصدر منه اساءة * وبنى الشيخ أبو محمد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 429 وغيره القولين على الاصل المذكور ان قلنا بالتعيين فلا دم عليه وإن قلنا بانعقاده نفلا لزم * (والطريق الثاني) القطع بأنه لا دم عليه وبه قال الاصطخرى وابن سلمة وهذا الخلاف فيما إذا لم يعد بعد البلوغ الي الميقات فان عاد إليه لم يلزمه الدم بحال لانه أتي بالممكن أولا وآخرا وبذل ما في وسعه وفيه وجه بعيد * والطواف في العمرة كالوقوف في الحج فلو بلغ قبله أجزأته عمرته عن عمرة الاسلام * وعتق العبد في أثناء الحج والعمرة كبلوغ الصبي في أثنائهما * ولو ان ذميا أتى الميقات مريدا للنسك فأحرم منه لم ينعقد احرامه لانه ليس أهلا للعبادات البدنية فان أسلم قبل فوات الوقوف ولزمه الحج فله أن يحج من سنته وأن يؤخر فان الحج على التراخي فان حج من سنته فعاد إلى الميقات فاحرم منه أو أحرم من موضعه وعاد إليه محرما فلا شئ عليه وان لم يعد لزمه الدم كالمسلم إذا جاوزه على قصد النسك ولا يجئ فيه الخلاف المذكور في الصبى إذا وقعت حجته عن حجة الاسلام لانه حين مر بالميقات كان بسبيل من أن يسلم ويحرم بخلاف الصبى وقال أبو حنيفة رحمه الله والمزنى لا دم عليه وعن أحمد روايتان (المسألة الاخرى) ذكرنا الخلاف في وجوب الفدية إذا باشر الصبى محظورا وأنها إذا وجبت علي من تجب * فاما إذا باشره الولى بأن طيبه أو ألبسه أو حلق رأسه فينظر ان فعل ذلك لحاجة الصبي كما لو طيبه تداويا فهل هو كمباشرة الصبي فيه وجهان (أحدهما) لا بل الفدية على الولى بلا خلاف تقديما للمباشرة (وأصحهما) انه كمباشرة الصبى لانه وليه وانما فعل ما فعل لمصلحته وقد قيل ان ماخذ الوجهين أن الشافعي رضي الله عنه قال وتجب الفدية علي المداوى فقرأه بعضهم بكسر الواو حملا علي الولى وبعضهم بفتحها حملا على الصبى والوجهان شبيهان بالوجهين فيما إذا أوجر المغمى عليه معالجة له في باب الصوم * ولو طيب لا لحاجة فالفدية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 430 عليه وكذا لو طيبه اجنبي وهل يكون الصبى طريقا فيه وجهان * قال (الباب الثالث في محظورات الحج والعمرة وهى سبعة انواع) (النوع الاول في اللبس ويحرم على المحرم أن يستر راسه بما يعد ساترا من خرقة أو إزار أو عمامة * ولو توسد بوسادة أو استظل بالمحمل أو انغمس في الماء فلا بأس * ولو وضع زنبيلا على رأسه أو حملا ففيه قولان * ولو طين رأسه ففيه احتمال ولو شد خيطا على رأسه لم يضر بخلاف العصابة واقل ما يلزم به الفدية ان يستر مقدارا يقصد ستره لغرض شجة أو غيرها) * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 431 مقصود الباب بيان ما يحرم بسبب الاحرام بالحج أو العمرة وهي في تعديد صاحب الكتاب سبعة انواع (احدها) اللبس والكلام في حق غير المعذور ثم في المعذور (اما) في حق غير المعذور فالنظر في الرجل ثم في المرأة ومن الرجل في الرأس ثم في سائر البدن (أما) الرأس ففيه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 432 فصلان (احدهما) في الساتر ولا يجوز للرجل أن يستر راسه قال صلى الله عليه وسلم في المحرم الذى خر من بعيره " لا تخمروا راسه فانه يبعث يوم القيامة ملبيا " ولا فرق بين ان ستر بمخيط كالقلنسوة أو بغير مخيط كالعمامة والازار والخرقة وكل ما يعد ساترا وإذا ستر لزمه الفدية لانه باشر محظورا كما لو حلق * ولو توسد بوسادة فلا بأس وكذا لو توسد بعمامة مكورة لان المتوسد يعد في العرف حاسر الرأس * ولو استظل بمحمل أو هودج فلا فدية عليه أيضا لانه لا يعد ذلك سترا للرأس كما لو استظل ببناء وكذلك لو انغمس في ماء فاستوى الماء على رأسه وخصص صاحب التتمة نفي الفدية في صورة الاستظلال بما إذا لم تمس المظلة رأسه وحكم بوجوبها إذا كانت تمسه وهذا التفصيل لم أره لغيره وان لم يكن بد منه فالوجه الحاقة بوضع الزنبيل على الرأس (والاصح) فيه أن لا فدية كما سيأتي ان شاء الله تعالى * وعن مالك وأحمد رحمهما الله انه إذا استظل بالمحمل راكبا افتدى وان استظل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 433 به نازلا راجلا فلا * وروى الامام عن مالك الخلاف في صورة الانغماس أيضا * لنا في الاستظلال ما روى عن أم الحصين قالت " حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالا أحدهما آخذ بخطام ناقته والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمي جمرة العقبة " ولو وضع زنبيلا على رأسه أو حملا فقد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 434 ذكر ان الشافعي رضى الله عنه حكي عن عطاء انه لا باس به ولم يعترض عليه وذلك يشعر بانه ارتضاه فان من عادته الرد على المذهب الذى لا يرتضيه وعن ابن المنذر والشيخ أبى حامد انه نص في بعض كتبه علي وجوب الفدية فمن الاصحاب من قطع بالاول ولم يثبت الثاني ومنهم من أطلق قولين وهو ما أورده في الكتاب ووجه الوجوب ما يروى عن ابى حنيفة ان غطى راسه فاشبه ما لو غطاه بشئ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 435 آخر ووجه عدم الوجوب ان مقصوده نقل المتاع لا تغطية الرأس علي ان المحرم غير ممنوع من التغطية بما لا يقصد الستر به الا ترى الي ما روي انه صلى الله عليه وسلم " احتجم علي راسه وهو محرم " وايضا فلو وضع يده على راسه لم يضر وسواء ثبت الخلاف ام لا فظاهر المذهب انه لا فدية * ولو طين راسه ففى وجوب الفدية وجهان كالوجهين فيما إذا طلى بالطين عورته وصلى هل يجزئه * والمذهب ههنا وجوب الفدية وفى تلك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 436 الصورة صحة الصلاة لوجود الستر والتغطية وهذا إذا كان ثخينا ساترا (أما) المائع الذى لا يستر فلا عبرة به وعلي هذا التفصيل حكم الحناء والمراهم وتحوها * (الفصل الثاني) في القدر الذى يقتضي ستره الفدية ولا يشترط لوجوب الفدية استيعاب الرأس بالستر كما لا يشترط في فدية الحلق الاستيعاب بل تجب الفدية بستر بعض الرأس وضبطه ان يكون المستور قدرا يقصد ستره لغرض من الاغراض كشد عصابة والصاق لصوق لشجة ونحوها هكذا ضبطه المصنف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 437 والامام فقد نقلا وغيرهما انه لو شد خيطا على راسه لم يضر ولم تجب الفدية لان ذلك لا يمنع من تسميته حاصر الراس وهذا ينقض الضابط المذكور لان ستر المقدار الذى يحويه شد هذا الخيط قد يقصد ايضا لغرض منع الشعر من الانتشار وغيره فالوجه النظر الي تسميته حاسر الرأس ومستور جميع الرأس أو بعضه والله أعلم * (وقوله) في الكتاب أن يستر مقدارا يقصد ستره إلى آخره معلم بالحاء لان عند أبى حنيفة رحمه الله لا تكمل الفدية الا إذا ستر ربع الرأس فصاعدا فان ستر أقل من ذلك فعليه صدقة والله أعلم * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 438 قال (أما سائر البدن فله ستره ولكن لا يلبس المخيط الذى أحاطه بالخياطة كالقميص أو النسيج كالدرع أو العقد كجبة اللبد ولو ارتدى بقميص أو جبة فلا بأس وكذا إذا التحف نائما * ولو لبس القباء لزمه الفدية وان لم يدخل اليد في الكم ولا بأس بعقد الازار بتكة تدخل في حجزة ولا بالهميان والمنطقة * ولا بلف الازار على الساق) * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 439 ما سوى الرأس من البدن يجوز للمحرم ستره ولكن لا يجوز له لبس القميص والسراويل والتبان والخف روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عما يلبس المحرم من الثياب فقال " لا يلبس القميص ولا السراويلات ولا العمائم ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين " ولو لبس شيئا من ذلك مختارا لزمه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 440 الفدية سواء طال زمان اللبس أو قصر * وقال أبو حنيفة إنما تلزم الفدية التامة إذا استدم اللبس يوما كاملا فان كان أقل فعليه صدقة * لنا انه باشر محظور الاحرام فتلزمه الفدية كما لو حلق * ولو لبس القباء تلزمه الفدية سواء ادخل يديه في الكمين واخرجهما منهما أم لا وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله خلافا لابي حنيفة رحمه الله في الحالة الثانية * لنا انه لبس مخيظا على وجه معتاد فتلزمه الفدية كما لو لبس القميص وهذا لان لابس القباء قد يدخل كتفه فيه ويتركه كذلك * ولو القي علي نفسه قباء أو فرجيا وهو مضطجع قال الامام ان أخذ من بدنه حتى ما إذا اقام عد لابسا فعليه الفدية وان كان بحيث لو قام أو قعد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 441 لم يستمسك عليه الا بمزيد أمر فلا (وقوله) في الكتاب وان لم يدخل اليد في الكم يجوز ان يعلم مع الحاء بالواو لانه نقل عن الحاوى انه إن كان من اقبية خراسان قصير الذيل ضيق الاكمام لزمت الفدية وان لم يدخل اليد في الكم وان كان من اقبية العراق طويل الذيل واسع الاكمام فلا فدية حتى يدخل يديه في كميه * (واعلم) ان قولنا لا يلبس المخيط ترجمة لها جزآن لبس ومخيط م (فاما) اللبس فهو مرعى في وجوب الفدية علي ما يعتاد في كل ملبوس إذ به يحصل الترفه والتنعم فلو ارتدى بقميص أو قباء أو التحف فيهما أو اتزر بسراويل فلا فدية عليه كما لو اتزر بازار خيط عليه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 442 رقاع واما المخيط فخصوص الخياطة غير معتبر بل لا فرق بين المخيط وبين المنسوج كالدرع والمعقود كجبة اللبد والمدرق بعضه ببعض قياسا لغير المخيط على المخيط وقد جمعها في الكتاب بقوله لا يلبس المخيط الذى احاطته بالخياطة إلى آخره * والمتخذ من القطن والجلد وغيرهما سواء ويجوز ان يعقد الازار ويشد عليه خيطا ليثبت وان يجعل له مثل الحجزة ويدخل فيها التكة إحكاما وان يشد طرف ازاره في طرف ردائه وله ان يغرزه في طرف ازاره ولو اتخذ لردائه شرجا وعرى وربط الشرج بالعرى فاصح الوجهين انه تجب الفدية لان هذه الاحاطة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 443 قريبة من الخياطة * ولو شق الازار نصفين ولف كل نصف على ساق وعقده فالذي نقله الاصحاب وجوب الفدية لانه حينئذ كالسراويل ورأى الامام انها لا تجب بمجرد اللف والعقد وانما تجب إذا فرضت خياطة أو شرج وعرى (وقوله) في الكتاب ولا يلف الازار على الساق ان اراد به هذه الصورة فهو اتباع لرأى الامام فليكن معلما بالواو وليعلم ان الظاهر خلافه ويجوز ان يحمل على اللف من غير ان يشق ويجعل له ذيلان وعلى هذا فلا إعلام إذ لا خلاف في ان للمحرم ان يشتمل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 444 بالرداء والازار طاقتين وثلائا ولا باس بتقلد المصحف والسيف * " قدم اصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم مكة متقلدين سيوفهم عام عمرة القضاء " ولا باس أيضا بشد الهميان والمنطقة على الوسط الجزء: 7 ¦ الصفحة: 445 لحاجة النفقة ونحوها وقد روى الترخيص فيه عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما وروى عن مالك المنع من شد الهميان والمنطقة لكن لم يثبت المنقنون في النقل الرواية عنه (وقوله) في أول الفصل اما سائر البدن فله ستره يجوز ان يعلم بالحاء لان عند ابى حنيفة رحمه الله يجب عليه كشف الوجه مع الرأس وأيهما ستره فعليه الفدية * لنا ما روى انه صلي الله عليه وسلم قال في المحرم الذي خر عن بعيره ومات " خمروا وجهه ولا تخمروا رأسه " الخبر * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 446 قال (أما المرأة فاحرامها على وجهها وكفيها فقطولها ان تستر بثوب متجاف عن الوجه واقع بازائه هذا في غير المعذور) * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 447 ذكرنا حكم الستر واللبس في حق الرجل المحرم اما المرأة فالوجه في حقها كالرأس في حق الرجل ويعبر عن ذلك بأن إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها والاصل فيه ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال " لا تتنقب المرأة ولا تلبس القفازين " وروى أنه صلي الله عليه وسلم " نهى النساء في إحرامهن عن النقاب " وتستر الرأس وسائر البدن والقدر اليسير من الوجه الذى يلى الرأس لها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 448 لها ستره إذ لا يمكن استيعاب الرأس بالستر الا بستره (فان قيل) هلا قلتم تكشف جميع الوجه ويعفى عن كشف الجزء الذى يليه من الرأس (قيل) الستر أحوط من الكشف وأيضا فالمقصود إظهار شعار الاحرام بالاحتزار عن التنقب وستر الجزء المذكور لا يقدح فيه والرأس عورة كله فيستر * ويجوز لها أن تسبدل ثوبا على وجهها متجافيا عنه بخشبة وغيرها كما يجوز للرجل الاستظلال بالمحمل والمظلة ولا فرق بين أن يفعل ذلك لحاجة من دفع حر أو برد أو فتنة أو لغير حاجة فان وقعت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 449 الخشبة فاصاب الثوب وجهها من غير اختيارها ورفعته في الحال فلا فدية وان كان عمدا أو استدامته وجبت الفدية * ويجوز للمرأة لبس المخيط من القميص والسراويل والخف وغيرها روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " وليلبس بعد ذلك ما أحبين من ألوان الثياب معصفرا أو خزا أو جليا أو سراويل أو قميصا أو خفا " وإذا ستر الخنثي المشكل رأسه أو وجهه فلا فدية لاحتمال أنه امرأة في الصورة الاولي ورجل في الثانية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 450 وإن سترهما جميعا وجبت (وقوله) في الكتاب (أما) المرأة فاحرامها في وجهها فقط اعلم بالواو لان منهم من ضم الكفين كما ستعرفه في مسألة القفازين * ل قال ((أما) المعذور بحر أو برد فله اللبس ولكن تلزمه الفدية وان لم يجد إلا سراويل ولو فتقه لم يتاب منه إزار فليلبس ولا فدية عليه للخبر وكذا إذا قطع أسفل الكعبين واستتار ظهر القدم كاستتاره بشرك النعل) * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 451 قد عرفت حكم غير المعذور (وأما) المعذور ففيه صور (إحدها) لو احتاج الرجل إلى ستر الرأس أو لبس المخيط بعذر حر أو برد أو مداواة جاز له ذلك وكذا المرأة لو احتاجت إلى ستر الوجه ولكن تجب الفدية كما إذا احتاج إلى الحلق بسبب الاذى جاز الحلق ولزمت الفدية على ما نص عليه القرآن (الثانية) لباس المحرم الرداء والازار والنعلان على ما مر فلو لم يجد الرداء لم يجز له لبس القميص بل يرتدى ويتوشح به ولو لم يجد الازار ووجد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 452 السراويل نظر إن لم يتأت اتخاذ ازار منه إما لصغره أو لفقد آلات الخياطة أو لخوف التخلف عن القافله لبسه لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " من لم يجد الازار فليلبس السراويل " وإذا لبسه فلا فدية عليه * وقال أبو حنيفة ومالك تجب الفدية * وان تأتي اتخاذ ازار منه فلبسه على هيئته فهل تلزمه الفدية فيه وجهان (أحدهما) نعم كما لو لبس الخف قبل ان يقطعه (والثانى) لا لاطلاق الخبر وفى الخف أمر بالقطع على ما روينا في خبر ابن عمر رضى الله عنهما وبالوجه الاول أجاب الامام وتابعه المصنف حيث قيد فقال ولو فتقه لم يتأت منه ازار فلا فدية ولكن الاصح عند الاكثرين إنما هو الوجه الثاني وإذا لبس السراويل لفقد الازار ثم وجده فعليه النزع ولو لم يفعل فعليه الفدية (وقوله) في الكتاب فلا فدية للخبر المراد من الخبر ما رويناه ومن الاستدلال به على نفى الفدية من جهة أنه يقتضى تجويز اللبس عند فقد الازار والاصل في مباشرة الجائزات نفي المؤاخذة (الثالثة) إذا لم يجد النعلين لبس المكعب أو قطع الخف أسفل من الكعب ولبسه وهل يجوز لبس الخف المقطوع والمكعب مع وجود النعلين فيه وجهان (أحدهما) نعم لشبهه بالنعل الا ترى انه لا يجوز المسح عليه (واصحهما) لا لان الاذن في الخبر يقيد شرطان لا يجد النعلين وعلى هذا لو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 453 لبس الخف المقطوع لفقد النعلين ثم وجد النعلين نزع الخف فلو لم يفعل افتدى وإذا جاز لبس الخف المقطوع لم يضر استتار ظهر القدم مما بقى منه لحاجة الاستمساك كما لا يضر استتاره بشراك النعل (فان قلت) ما معنى عدم وجدان الازار والنعل (قلنا) المراد منه ان لا يقدر على تحصيله إما لفقده في ذلك الموضع أو لعدم بذل المالك إياه أو لعجزه عن الثمن إن باعه أو للاجرة ان اجره ولو بيع بغبن أو نسيئة لم يلزمه شراؤه ولو اعير منه وجب قبوله ولو وهب لم يجب ذكر هذه الصورة القاضى ابن كج وقد كتبنا نظائرها في املاء للطهارة والثوب لستر العورة وبالله التوفيق * قال (وليس للرجل لبس القفازين في اليدين * وللمرأة ذلك في أصح القولين وان اتخذ للحيته خريطة ففى إلحاقه بالقفازين تردد) * ليس للرجل لبس القفازين كما ليس له لبس الخفين وهل للمرأة ذلك فيه قولان (أحدهما) قال في الام والاملاء لا وبه قال مالك وأحمد رضي الله عنهما لما روي أنه صلي الله عليه وسلم " نهي النساء في إحرامهن عن لبس القفازين " وأيضا فان اليد عضو لا يجب علي المرأة ستره في الصلاة فلا يجوز لها ستره في الاحرام كالوجه (والثانى) وهو منقول المزني نعم وبه قال أبو حنيفة رحمه الله لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " حرم المرأة في وجهها " فخص الوجه بالحكم وذكر في الكتاب أن هذا أصح القولين لكن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 454 أكثر النقلة على ترجيح الاول منهم صاحب التهذيب والقاضي الرويانى ففان جوزنا لها لبسهما فلا فدية إذا لبست والا وجبت الفدية ولو اختضبت بالحناء والقت على يدها خرقة فوقه أو ألقتها على اليد من غير حناء فعن الشيخ أبى محمد أنها ان لم تشد الخرقة فلا فدية عليها وان شدته فعلى قولي القفازين ورتب الاكثرون فقالوا ان قلنا لها لبس القفازين فلا فدية عليها وان منعنا ففى وجوب الفدية ههنا قولان (أحدهما) تجب ويروى عن الام (والثاني) لا نجب ويروى عن الاملاء والقولان علي ما ذكر القاضى أبو الطيب وغيره مبنيان على المعني المرم للبس القفازين وفيه قولان مستخرجان (أحدهما) أن المحرم تعلق الاحرام بيدها تعلقه بوجهها لان واحدا منهما ليس بعورة وانما جاز الستر بالكمين للضرورة فعلى هذا تجب الفدية في صورة الخرقة (والثانى) أن المحرم كون القفازين ملبوسين معمولين لما ليس بعورة من الاعضاء فألحقا بالخفين في حق الرجل فعلي هذا الا فدية في الخرقة وهذا أصح القولين وإذا أوجبنا الفدية تعليلا بالمعنى الاول فهل تجب الفدية بمجرد الحنا فيه ما سبق في الرجل إذا خضب رأسه بالحناء ولو اتخذ الرجل لساعده أو لعضو آخر شيئا مخيطا أو للحيته خريطة يعلقها إذا اختضب فهل تلتحق بالقفازين فيه تردد عن الشيخ أبى محمد (الاصح) الالتحاق وبه أجاب كثيرون * ووجه المنع أن المقصود الاجتناب عن الملابس المعتادة وهذا ليس بمعتاد * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 455 قال (النوع الثاني التطيب وتجب الفدية باستعمال الطيب قصد أو الطيب كل ما تقصد رائحته كالزعفران والورس والورد والبنفسج والنرجس والريحان الفارسي دون الفواكه كالاترج والسفرجل والادوية كالقرنفل والدارصيني وأزهار البوادى كالقيصوم وفي ذهن الورد والبنفسج وجهان والبان ودهنه ليس بطيب وإذا تناول الخبيص المزعفر فانصبغ لسانه لزمت الفدية لدلالة اللون علي بقاء الرائحة وإذا بطل رائحة الطيب فلا يحرم استعمال جرمه على الصحيح كماء ورد إذا وقع في ماء وانمحق) استعمال الطيب من جملة محظورات الاحرام لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم " لا يلبس من الثياب شيأ فيه زعفران ولا ورس " ويتعلق به الفدية كسائر المحظورات وقد ضبط في الكتاب مناط الفدية فقال وتجب الفدية باستعمال الطيب قصدا وهذا الضابط يتركب عن ثلاثة أمور الطيب والاستعمال والقصد (أما) الطيب فالمعتبر فيه أن يكون معظم الغرض منه التطيب واتخاذ الطيب منه أو يظهر فيه هذا الغرض فالمسك والعود والعنبر والكافور والصندل طيب لا محالة ثم ما له رائحة طيبة من نبات الارض أنواع (منها) ما يطلب للتطيب واتخاذ الطيب منه كالورد والياسمين والخيرى وكذا الزعفران وان كان يطلب للصبغ والتداوى أيضا والورس وهو فيما يقال أشهر طيب في بلاد اليمن (ومنها) ما يطلب للاكل والتداوى غالبا فلا تتعلق بالفدية كالقرنفل والدارصيني والسنبل وسائر الابازير الطيبة وكذا السفرجل والتفاح والبطيخ والاترج والنارنج قال الامام وفى النفس من الاترج والنارنج شئ فان قصد الاكل والتداوى فيهما ليس باغلب من قصد التطيب لكن ما وجدته في الطرق الحاقهما بالفواكه وقد يتجه معني تزيين المجالس فيهما والله أعلم * (ومنها) ما يتطيب به ولا يتخذ منه الطيب كالنرجس والريحان الفارسي وهو الضميران والمرزنجوشي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 456 ونحوهما ففيه قولان (القديم) أنه لا تتعلق بها الفدية لان هذه الاشياء لا تبقى لها رائحة إذا جفت وقد روى أن عثمان رضي الله " عنه سئل عن المحرم هل يدخل البستان قال نعم ويشم الريحان " (والجديد) التعلق لظهور قصد التطيب منها كالورد والزعفران وهذا ما أورده في الكتاب * (وأما) البنفسج فالمنقول عن نصه أنه ليس بطيب واختلف الاصحاب فيه فمن ذاهب إلى ظاهر النص يزعم أن الغرض منه التداوى دون التطيب ومن طارد فيه قولى الريحان يدعى أن المنقول عنه جواب على أحد القولين ومن قاطع بانه طيب كالورد والياسمين وهذا أصح الطرق * واختلف الصائرون إليه في تأويل النص فقيل أراد به البنفسج الجاف فانه بعد الجفاف لا يصلح إلا للتداوي وقيل أراد به بنفسج الشام والعراق فانه لا يتطيب به وقيل أراد به المربي بالسكر المستهلك فيه وفى اللينوفر قولا النرجس والريحان ومنهم من قطع بأنه طيب (ومنها) ما ينبت بنفسه ولا يستنبت كالشيخ والقيصوم والشقائق فلا تتعلق بها الفدية لانها لا تعد طيبا ولو عدت طيبا لاستنبتت وتعهدت كالورد وأنوار الاشجار المثمرة كالتفاح والكمثرى وغيرها لا تتعلق بها الفدية أيضا وكذا العصفر وبه قال أحمد وقال أبو حنيفة رحمه الله تتعلق بها الفدية * لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم (ذكر فيما روى عنه المعصفر في جملة الثياب التى يلبسها المحرم " والحناء ليس بطيب فان أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم " كن يختضبن به وهن محرمات " وقال أبو حنيفة هو طيب (واعرف) وراء ما ذكرناه شيئين غريبين (أحدهما) نقل الحناطي عن بعض الاصحاب وجهين في الورد والياسمين والخيرى ولك أن تعلم قوله في الكتاب والورد بالواو لذلك * (والثانى) ذكر الامام عن بعض المصنفين أن من أصحابنا من يعتبر عادة كل ناحية فيما يتخذ طيبا قال وهذا فاسد يشوش القواعد * ثم في الفصل مسائل (احداها) الادهان ضربان دهن ليس بطيب كالزيت والشيرج وسيأتي القول فيه في النوع الثالث ودهن هو طيب فمنه دهن الورد وقد حكى الامام وصاحب الكتاب فيه وجهين (أحدهما) أنه لا تتعلق به الفدية لانه لا يقصد للتطيب (وأصحهما) ولم يورد الاكثرون سواه أنه تتعلق به الفدية كما تتعلق بالورد نفسه ومنه دهن البنفسج والوجه ترتيبه على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 457 البنفسج ان لم تتعلق الفدية بنفس البنفسج فبدهنه أولى وان علقناها بنفس البنفسج فقى دهنه الخلاف المذكور في دهن الورد ويجوز إعلام قوله في الكتاب وجهان بالواو (وأما) في دهن الورد فلان الامام رحمه الله نقل عن شيخه طريقة قاطعة بانه طيب * ورد التردد إلى دهن البنفسج (وأما) في دهن البنفسج فلانا قدمنا طريقة قاطعة في البنفسج بأنه ليس بطيب وهى عائدة في الدهن بطريق الاولى ثم لم يختلفوا في أن ما طرح فيه الورد والبنفسج دهن الورد والبنفسج فاما إذ طرحا علي السمسم حتى أخذ رائحة ثم استخرج من الدهن فجواب المعظم أنه لا تتعلق به الفدية لانه ريح مجاورة * وعن الشيخ أبي محمد أنه أشرف والطف مما يغلى فيه الورد والبنفسج لتشرب السمسم ما بينهما وهى الطيبة المقصودة منهما (ومنه) دهن البان نقل الامام عن نص الشافعي رضي الله عنه انه ليس بطيب وكذا البان نفسه وهذا ما أورده المنصف وأطلق الاكثرون القول بأن كل واحد منهما طيب ويشبه أن لا يكون هذا خلافا محققا بل الكلامان محمولان على توسط حكاه صاحب المهذب والتهذيب وهو أن دهن البان المنشوش وهو المغلى في الطيب طيب وغير المنشوش ليس بطيب (الثانية) لو أكل طعاما فيه زعفران أو طيب آخر واستعمل مخلوطا بالطيب لا بجهة الاكل نظر ان استهلك الطيب فيه فلم يبق له ريح ولا طعم ولا لون لم تجب الفدية وان ظهرت هذه الاوصاف فيه وجبت الفدية وان بقيت الرائحة وحدها فكذلك لانها الغرض الاعظم من الطيب وان بقى اللون وحده فطريقان (أظهرهما) وبه قال ابن سريج وابن سلمة ان المسألة على قولين (أحدهما) وهو ظاهر ما نقله المزني أن الفدية تجب لبقاء بعض الاوصاف كما لو بقى الريح (وأصحهما) عند المعظم انها لا تجب لان اللون ليس بالمقصود الاصلى منه بل هو زينة وأيضا فان مجرد اللون لو اقتضي الفدية لوجبت الفدية في المعصفر * (والطريق الثاني) وبه قال أبو إسحق القطع بالقول الثاني والصائرون إليه انقسموا إلى مغلط للمزني والى حامل لما نقله على ما إذا بقى الريح مع اللون * ولو بقى الطعم وحده فطريقان (أظهرهما) وبه قال القفال انه كالريح (والثانى) وبه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 458 قال الشيخ أبو محمد انه كاللون فيجئ فيه الطريقان * ولو أكل الجلنجبين فينظر في استهلاك الورد فيه وعدمه ويخرج على هذا التفصيل (فان قلت) قد عرفت ما حكيته لكني إذا نظرت في حكم المصنف بلزوم الفدية في تناول الخبيص المزعفر سبق إلى فهمي انه اكتفى ببقاء اللون المجرد للزوم الفدية على خلاف ما ذكرت انه الاصح فهل هو كذلك أم لا (فأقول) ليس في لفظ الكتاب ما يقتضي التصوير في بقاء اللون وحده بل يتنال الخبيص المزعفر وانصباغ اللسان به يشتمل ما إذا بقيت الرائحة مع اللون وما إذا لم يبق فيحمل اللفظ على الحالة الاولى لئلا يخالف جوابه الاصح عند الجمهورو فيهم الامام ويؤيده انه قال عقيبه لدلالة اللون على بقاء الرائحة ولو كان التصوير في بقاء اللون وحده لما انتظم دعوى دلالته على بقاء الرائحة وعلى كل حال فقوله لزمته الفدية معلم بالحاء لان أبا حنيفة رحمه الله لا يوجب الفدية بأكل الطيب أصلا (الثالثة) لو خفيت رائحة الطيب أو الثوب المطيب بمرور الزمان عليها أو بغبار وغيره نظر ان كان بحيث لو أصابه الماء فاحت الرائحة منه لم يجز استعماله فان بقى اللون فقد قال الامام رحمه الله فيه وجهان مبنيان على الخلاف المذكور في أن مجرد اللون هل يعتبر والصحيح انه لا يعتبر وحكى أيضا ترددا للاصحاب فيما إذا انغمر قدر من الطيب في الكثير مما ليس بطيب كماء ورد انمحق في ماء كثير (منهم) من قال تجب الفدية باستعماله لاستيقان اتصال الطيب به وكون الرائحة مغمورة لا زائله (ومنهم) من قال وهو الاصح لا تجب الفدية لفقد الرائحة وفوات مقصود التطيب فلو انغمرت الرائحة ولكن بقى الطعم أو اللون ففيه الخلاف السابق * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 459 قال (ومعنى الاستعمال الصاق الطيب بالبدن أو الثوب فان عبق به الريح دون العين بجلوسه في حانوت عطار أو في بيت يجمر ساكنوه فلا فدية ولو احتوى علي مجمرة لزمت الفدية ولو مس جرم العود فلم يعبق به رائحته فقولان ولو حمل مسكا في قارورة مصممة الرأس فلا فدية فان حمله في فارة غير مشقوقة فوجهان ولو طيب فراشه ونام عليه حرم * الامر الثاني الاستعمال وهو أن يلصق الطيب ببدنه أو ملبوسه على الوجه المعتاد في ذلك الطيب فلو طيب جزءا من بدنه بغالية أو مسك مسحوق أو ماء ورد لزمته الفدية * وعن أبي حنيفة رحمه الله أن الفدية التامة إنما تلزم إذا طيب عضوا أو ربع عضو فان طيب أقل منه لم يلزمه ولا فرق بين أن يتفق الالصاق بظاهر البدن أو باطنه كما لو أكله أو أحتقن به أو استعط وقيل لا تجب الفدية في الحقنة والسعوط ثم في الفصل صور (إحداها) لو عبق به الريح دون العين بأن جلس في حانوت عطار أو عند الكعبة وهي تجمرأ وفى بيت يجمر ساكنوه فلا فدية لان ذلك لا يسمى تطيبا ثم ان قصد الموضع لا لاشتمام الرائحة لم يكره وان قصده لاشتمامها كره علي اصح القولين * وعن القاضي الحسين رحمه الله أن الكراهة ثابتة لا محالة والخلاف في وجوب الفدية ولو احتوى علي مجمرة فتبخر بالعود بدنه أو ثيابه لزمته الفدية لان هذا طريق التطيب منه وعن أبي حنيفة أنه لا فدية فيه * ولو مس طيبا فلم يعلق بيده شئ من عينه ولكن عبقت به الرائحة فهل تلزمه الفدية فيه قولان (أحدهما) لا وهو منقول المزني لان الرائحة قد تحصل بالمجاورة من غير مماسة فلا اعتبار بها (والثانى) ويروى عن الاملاء نعم لان المقصود الرائحة وقد عبقت به * وذكر صاحب العدة وغيره أن هذا أصح القولين وكلام الاكثرين يميل إلى الاول (الثانية) لو شد المسك أو العنبر أو الكافور في طرف ثوبه أو وضعته المرأة في جيبها أو لبست الحلي المحشو بشئ منها وجبت الفدية فان ذلك طريق استعمالها ولو شم الورد فقد تطيب به ولو شم ماء الورد فلا بل الطريق فيه أن يصبه على بدنه أو ثيابه ولو حمل مسكا أو طيبا آخر في كيس أو خرقة مشدودة أو قاورة مصممة الراس أو حمل الورد في ظرف فلا فدية لانه لم يستعمل الطيب حكى ذلك عن نصه في الام وحكى الرويانى وغيره في وجها انه ان كان يشتم قصدا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 460 لزمه الفدية وإن حمل مسكا في فارة غير مشقوقة فوجهان (احدهما) وبه قال القفال تجب الفدية وحمل الفأرة تطيب (واصحهما) وبه قال الشيخ ابو حامد لا تجب لان نفس الفأرة ليس بطيب وانما الطيب المسك وبينه وبينه حائل فاشبه صورة القارورة أي المصممة * ولو كانت الفارة مشقوقة أو القارورة مفتوحة الراس فقد قالوا بوجوب الفدية وليس ذلك واضحا من جهة المعنى فانه لا يعد ذلك تطيبا (الثالثة) لو جلس علي فراش مطيب أو ارض مطيبة ونام عليهما مفضيا ببدنه أو ملبوسه اليهما لزمته الفدية وجعل ملاقاته بمثابة لبس الثوب المطيب كما تجعل ملاقاة الشئ النجس بمثابة لبس الثوب النجس فلو فرش فوقه ثوبا ثم جلس أو نام لم تجب الفدية لكن لو كان الثوب رقيقا كره ولو داس بنعله طيبا لزمه الفدية لانها ملبوسة له * قال (وأما القصد فالاحتراز به عن الناسي إذ لا فدية عليه وكذا إذا جهل كون الطيب محرما ولو علم أنه طيب ولم يعلم أنه يعبق به لزمته الفدية ولو ألقى عليه الريح طيبا فليبادر إلى غسله فان توانى لزمته الفدية) * الامر الثالث كون الاستعمال عن قصد فلو تطييب ناسيا لاحرامه أو جاهلا بتحريم الطيب لم تلزمه الفدية وعذر كما لو تكلم ناسيا في الصلاة أو أكل ناسيا في الصوم وقد روي (أن رجلا أتي النبي صلى الله عليه وسلم وعليه جبة وهو متضمخ بالخلوق فقال إني احرمت بالعمرة وهذه علي فقال صلى الله عليه وسلم ما كنت تصنع في حجتك قال كنت انزع هذه وأغسل هذا الخلوق فقال صلي الله عليه وسلم ما كنت صانعا في حجك فاصنع في عمرتك " 1) ولم يوجب عليه الفدية لجهله وعند مالك وأبى حنيفة والمزنى رحمهم الله تجب الفدية على الناسي والجاهل * وعن احمد رحمه الله روايتان * وإن علم تحريم الاستعمال وجهل وجوب الفدية لزمته الفدية فانه إذا علم التحريم فحقه الامتناع * ولو علم تحريم الطيب وجهل كون الممسوس طيبا فجواب الاكثرين انه لا فدية لانه إذا جهل كون ذلك الشئ طيبا فقد جهل تحريم استعماله وحكى الامام مع ذلك وجها آخر انها تجب * ولو مس طيبا رطبا وهو يظن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 461 انه يابس لا يعلق به شئ منه ففى وجوب الفدية قولان (أحدهما) تجب لانه قصد التطيب مع العلم بكونه طيبا (والثانى) لا تجب لجهله بكونه طبا كما لو جهل كونه طيبا وبالقول الاول أجاب صاحب الكتاب ورجحه الامام رحمه الله وغيره لكن طائفة من الاصحاب رجحوا الثاني * وذكر صاحب التهذيب انه القول الجديد والله أعلم * ومتى لصق الطيب ببدنه أو ثوبه على وجه لا يوجب الفدية بان كان ناسيا أو القته الريح عليه فعليه أن يبادر إلى غسله وتنحيته أو معالجته بما يقطع رائحته والاولى أن يأمر غيره به وإن باشره بنفسه لم يضر لان قصده الازالة فان تواني فيه ولم يزله مع الامكان فعليه الفدية فان كان زمنا لا يقدر على لازالة فلا فدية عليه كما لو أكره على التطيب قاله في التهذيب والله أعلم * قال (النوع الثالث ترجيل شعر الرأس واللحية بالدهن موجب للفدية ولو دهن الاصلع رأسه فلا شئ عليه وإن كان الشعر محلوقا فوجهان) * حكم الدهن المطيب قد مر (وأما) غير المطيب كالشيرج ودهن الجوز واللوز وفى معناها السمن والزبد فلا يجوز استعماله في الرأس وللحية لما فيه من ترجيل الشعر وتزيينه والمحرم منعوت بالشعث الذى يضاد ذلك * ولو كان أقرع أو أصلع فدهن رأسه أو أمرد فدهن دقنه فلا فدية عليه إذ ليس فيه تزيين شعر * وان كان محلوق الرأس فوجهان (أحدهما) ويروى عن المزني انه لا فدية إذ لا شعر (وأصحهما) الوجوب لتأثيره في تحسين الشعر الذى ينبت بعده * ويجوز تدهين سائر البدن شعره وبشرته فانه لا يقصد تحسينه وتزيينه ولا فرق بين ان يستعمل الدهن في ظاهر البدن أو باطنه * ولو كان علي رأسه شجة فجعل الدهن في داخلها فلا شئ عليه وعن مالك انه إذا استعمل الدهن في ظاهر بدنه فعليه الفدية * وعند أبي حنيفة إذا استعل الزيت والشيرج وجبت الفدية سواء استعمل في رأسه أو في لحيته أو في سائر بدنه إلا أن يداوى به جرحه أو شقوق رجليه وهذه إحدى الروايتين عن أحمد (والثانية) وهى الاصح ان استعمالها لا يوجب الفدية وان كان في شعر الرأس واللحية فيجوز ان يعلم قوله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 462 في الكتاب يوجب الفدية بالالف لهذه الرواية (وقوله) ترجيل شعر الرأس وللحية يشعر بتخصيص المنع بتدهين الشعر حتى لا يمنع من تدهين المواضع التى لا شعر عليها من الرأس وقد صرح المزني في المختصر بهذا المفهوم لكن قال المسعودي في الشرح ليس الامر علي ما قاله المزني بل هو منهي عن استعمال الدهن في الرأس والوجه كله وإن لم يكن عليه شعر لانه موضع الشعر لكن يشكل هذا بما سبق في الاقرع والامرد * قال (ولا يكره في الجديد الغسل ولا غسل الشعر بالسدر والحظمي ولا بأس بالاكتحال إذا لم يكن فيه طيب وفى الحاق خضاب الشعر بالترجيل تردد) * في الفصل صور (احداها) يجوز للمحرم أن يغتسل ويدخل الحمام ويزيل الدرن عن نفسه لما روى عن أبي أيوب رضى الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل وهو محرم " " ودخل ابن عباس رضي الله عنهما حمام الجحفة محرما وقال ان الله تعالى لا يعبأ بأوساخكم شيئا " وهل يكره ذلك (المشهور) انه لا يكره * وحكي الحناطي والامام قولا عن القديم انه يكره (الثانية) يستحب أن لا يغسل رأسه بالسدر والحظمي لما فيه من التزيين لكنه جائز لا فدية فيه بخلاف التدهين فانه يؤثر في التنمية مع التزيين * وإذا غسل رأسه فينبغي ان يرفق في الدلك حتى لا ينتف شعره ولم يذكر الامام ولا المصنف في الوسيط خلافا في كراهة غسله بالسدر والحظمي لكن الحناطي حكي القول القديم فيه ايضا فيجوز ان يعلق قوله ولا يكره في الجديد بالمسألتين اتيانا للخلاف فيهما (الثالثة) لا يجوز ان يكتحل بكحل فيه طيب * وعن أبي حنيفة رحمه الله جوازه وما لا طيب فيه يجوز الاكتحال به ثم منقول المزني أنه لا بأس به وعن الاملاء أنه يكره وتوسط المتوسطون فقالوا ان لم يكن فيه زينة كالتوتيا الابيض لم يكره الاكتحال به وان كان فيه زينة كالاثمد فيكره إلا لحاجة الرمد ونحوه (الرابعة) روى الامام عن الشافعي رضي الله عنه اختلاف قول في وجوب الفدية إذا خضب الرجل لحيته * وعن الاصحاب طرقا في مأخذه (أحدها) التردد في أن الحناء هل هو طيب وهذا غريب والاصحاب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 463 قاطعون بانه ليس بطيب على ما مر (والثاني) أن من يختضب قد يتخذ لموضع الخضاب غلافا يحيط به فهل يلحق ذلك بالملبوس المعتاد وقد سبق الخلاف فيه (والثالث) وهو الاظهر ان الخضاب تزيين للشعر فتردد القول في التحاقة بالترجيل بالدهن والظاهر انه لا يلتحق به ولا تجب الفدية في خضاب اللحية ثم قال الامام على المأخذ الاول لا شئ على المرأة إذا خضبت يدها بعد الاحرام وعلى الثاني والثالث يجرى التردد (أما) على الثاني فظاهر (واما) على الثالث فلشبه الغلاف بالقفازين وقد عرفت من قبل خضابها يديها وخضاب الرجل شعر الرأس * ويجوز للمحرم أن يفتصد ويحتجم ما لم يقطع شعرا ولا بأس بنظره في المرآة * وعن الشافعي رضى الله عنه أنه كرهه في بعض كتبه * قال (النوع الرابع التنظيف بالحلق وفى معناه القلم وتجب الفدية سواء أبان الشعر باحراق أو نتف أو بغيره من رأسه أو من البدن * ولو قطع يد نفسه وعليها شعرات فلا فدية * ولو امتشط فانتتفت شعيرات لزمه الفدية وان شك في انه كان منسلا فانفصل أو انتتف بالمشط ففى الفدية قولان لمعارضة السبب الظاهر أصل البراءة) * حلق الشعر قبل أوان التحلل محظور قال الله تعالي (ولا تحلقوا رؤسكم) الآية وتتعلق به الفدية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 464 فان الله تعالي أوجب الفدية على المعذور في الحلق حيث قال تعالى (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه) الآية وإذا وجبت الفدية على المعذور فعلي غير المعذور أولي ولا فرق بين شعر الرأس والبدن (أما) شعر الرأس فمنصوص عليه (وأما) غيره فالتنظيف والترفه في ازالته اكثر * وذكر المحاملى ان في رواية عن مالك لا تتعلق الفدية بشعر البدن * والتقصير كالحلق كما انه في معناه عند التحلل وقلم الاظفار كحلق الشعر فانها تزال للتنظيف والترفه وليس الحكم في الشعر منوطا بخصوص الحلق بل بالازالة والابانة فيلحق به النتف والاحراق وغيرهما وكذلك يلحق بالقلم الكسر والقلع * ولو قطع يده أو بعض اصابعه وعليها الشعر والظفر فلا فدية عليه لان الشعر والظفر تابعان ههنا غير مقصودين بالابانة وعلى هذا القياس لو كشط جلدة الرأس فلا فدية عليه والشعر تابع وشبه ذلك بما لو كانت تحته امرأتان صغيرة كبيرة فارضعت الكبيرة الصغيرة يبطل النكاح ويجب المهر ولو قتلتها لا يجب المهر لان البضع تابع عند القتل غير مقصود ولو امتشط لحيته فانتتفت شعيرات فعليه الفدية وان شك في انه كان منسلا فانفصل أو انتتفت بالمشط فقد حكى الامام وصاحب الكتاب في وجوب الفدية قولان وقال الاكثرون فيه وجهان (أحدهما) انها تجب لان الاصل بقاؤه ثابتا إلى وقت الامتشاط ولانه سبب ظاهر في حصول الابانة فيضاف إليه كما ان الاجهاض يضاف إلي الضرب (واصحهما) انها لا تجب لان النتف لم يتحقق والاصل براءة الذمة عن الفدية * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 465 قال (ويكمل الدم في ثلاث شعرات وفى الواحدة مد قول ودرهم في قول وثلث دم في قول ودم كامل في قول) * ستعرف في باب الدماء فدية الحلق وان اراقة الدماء احدى خصالها ولا يعتبر في وجوبها تامة حلق جميع الرأس ولا قلم جميع الاظفار بالاجماع ولكن يكمل الدم في حلق ثلاث شعرات وقلم ثلاثة أظفار من أظفار اليد والرجل سواء كانت من طرف واحد أو من طرفين خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال لا يكمل الدم حتي يحلق ربع الرأس أو يقلم خمسة أظفار من طرف واحد ولمالك رضي الله عنه حيث قال يكمل بحلق ثلاث شعرات وانما يكمل إذا حلق من رأسه القدر الذى يحصل به اماطة الاذى ولاحمد رحمه الله حيث قدر في رواية باربع شعرات والرواية الثانية عنه مثل مذهبنا * لنا ان المفسرين ذكروا في قوله تعالى (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية) ان المعني فحلق ففدية * ومن حلق ثلاث شعرات فقد حلق وهذا إذا حلقها دفعة واحدة في مكان واحد فان فرق زمانا أو مكانا فسيأتي في النوع السادس حكمه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 466 وان اقتصر على حلق شعرة واحدة أو شعرتين ففيه أقوال (أظهرها) وهو الذى ذكره في أكثر كتبه ان في شعرة مدا من طعام وفى شعرتين مدين لان تبعيض الدم عسر والشرع قد عدل الحيوان بالطعام في جزاء الصيد وغيره والشعرة الواحدة هي النهاية في القلة والمد أقل ما وجب في الكفارات فقوبلت به (والثاني) في شعرة درهم وفى شعرتين درهمين لان تبعيض الدم عسير وكانت الشاة تقوم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة دراهم تقريبا فاعتبرت تلك القيمة عند الحاجة إلى التوزيع (والثالث) رواه الحميدى عن الشافعي في شعرة ثلث دم وفى شعرتين ثلثا دم تقسيما للواجب في الشعرات الثلاث علي الآحاد وقد ذكر ان هذا القول منقول في ترك الحصاة والحصاتين فخرج ههنا وذكر في القول الثاني مثله (والرابع) حكاه صاحب التقريب وغيره ان الشعرة الواحدة تقابل بدم كامل وهو اختيار الاستاذ أبي طاهر ووجهه بان محظورات الاحرام لا تختلف بالقلة والكثرة كما في الطيب واللباس فإذا عرفت ما ذكرناه أعلمت قوله في ثلاث شعرات - بالحاء والميم والالف - ولك أن تعلم الحكم في الاحوال الاربعة بالحاء لانه لا يوجب فيما دون الربع شيئا مقدرا وانما يوجب صدقة وان تعلم قوله ودرهم في قول بالواو لان من الاصحاب من لم يثبته قولا للشافعي وادعي انه ذكره حكاية عن مذهب عطاء والخلاف في الشعرة والشعرتين جار في الظفر والظفرين * ولو قلم دون القدر المعتاد كان كما لو قصر الشعر ولو أخذ من بعض جوانبه ولم يأت على رأس الظفر فقد قال الامام ان قلنا يجب في الظفر الواحد ثلث دم أو درهم فالواجب فيه ما يقتضيه الحساب وان قلنا يجب فيه مد فلا سبيل إلى تبعيضه والله أعلم * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 467 قال (وان حلق بسبب الاذى جاز ولزم الفدية * وان نبتت شعرة في داخل الجفن فلا فدية في نتفها لانه مؤذ بنفسه كالصيد الصائل والنسيان لا يكون عذرا في الحلق والاتلافات علي اظهر القولين) * مقصود الفصل بيان حكم المعذور في الحلق والذى سبق كان مع غير المعذور ونعم صور العذر انه لا يأثم بالحلق وى الفدية صور (احداها) لو كثرت الهوام في رأسه أو كانت به جراحة واحوجه إذا هام إلى الحلق فله ذلك وعليه الفدية * كان كعب بن عجرة يوقد تحت قدره والهوام تنتئر من رأسه فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " أيؤذيك هوام رأسك قال نعم قال فاحلق وانسك بدم أو صم ثلاثة أيام أو تصدق بعرق من الطعام على ستة مساكين " والعرق ثلاثة آصع وكذا الحكم لو كان كثير الشعر وكان يتأذى بالحر (الثانية) لو نبتت شعرة أو شعرات في داخل الجفن وكان يتأذى بها فله قلعها ولا فدية عليه لان التأذى ههنا من نفس الشعر فهي كالصيد الصائل على المحرم بخلاف الصورة الاولي * وعن الشيخ ابي على طريقة أخرى في المسألة وهى تخريج الضمان علي وجهين بناء على القولين فيما إذا عمت الجراد المسالك واضطر إلى وطئها واتلافها * ولو طال شعر حاجبه ورأسه وغطى عينه قطع القدر المغطي ولا فدية عليه * وكذا لو انكسر ظفره وتأذى به قطعه ولا يقطع معه من الصحيح شيئا (الثالثة) ذكرنا ان النسيان يسقط الفدية في الطيب واللباس وكذلك الحكم فيما عدا الوطئ من الاستمتاعات كالقبلة واللمس بالشهوة ولو وطئ ناسيا ففيه خلاف سيأتي وهل يسقط الفدية في الحلق والقلم فيه وجهان (احدهما) نعم كما في الاستمتاعات (واصحهما) لا لان الاتلافات لا فرق فيها بين العمد والخطأ كما في ضمان الاموال * وهذا منصوص والاول مخرج من أحد قوليه فيما إذا حلق المغمى عليه فانه نص ثم على قوله ومنهم من قطع بما نص الجزء: 7 ¦ الصفحة: 468 عليه وامتنع من التخريج وفرق بان الناسي يعقل ما يتعاطاه بخلاف المغمى عليه والمجنون والصبي الذى لا يميز كالمغمي عليه * ويجوز أعلام قوله على أظهر القولين بالوا ولانه أجاب بالطريقة المبينة للخلاف (وقوله) في الحلق والاتلافات يدخل فيه قتل الصيد ويقتضى كونه على الخلاف وهكذا قاله الاكثرون وأشار مشيرون إلى تخصيص الخلاف بالحلق والقلم والقطع بانه لا أثر له في قتل الصيد (وقوله) والنسيان لا يكون عذرا أراد في إسقاط الفدية فاما الاثم فالنسيان يسقطه كما في سائر المحظورات * قال (ولو حلق الحلال شعر الحرام باذنه فالفدية علي الحرام فان كان مكرها فعلى الحلال وان كان ساكتا فقولان) * إذا حلق شعر غيره فاما أن يكون الحالق حراما والمحلوق حلالا أو بالعكس أو يكونا حرامين أو حلالين (أما) الحالة الاخيرة فلا يخفى حكمها (وأما) الاولى فلا منع منها ولا يجب علي الحالق شئ وبه قال مالك وأحمد خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال ليس للمحرم أن يحلق شعر غيره ولو فعل فعليه صدقة * لنا أن هذا الشعر ليس له حرمة الاحرام فجاز له حلقه كشعر البهيمة (وأما) إذا حلق الحلال أو الحرام شعر الحرام فقد أساء ثم ينظر ان حلق بامره فالفدية على المحلوق لان فعل الحالق بامره مضاف إليه ألا ترى أنه لو حلف أن لا يحلق رأسه فامر غيره فخلق حنث في يمينه ولان يده ثابتة على الشعر وهو مأمور بحفظه اما علي سبيل الوديعة أو العارية كما سيأتي وكلاهما إذا تلف في يده بامره يضمن * وان حلق لا بأمره فينظر ان كان نائما أو مكرها أو مغمى عليه ففيه قولان (اصحهما) أن الفدية على الحالق وبه قال مالك واحمد رحمهما الله لانه المقصر ولا تقصيرمن المحلوق وهذا ما أورده في الكتاب (والثاني) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله واختاره المزني رحمه الله أنها على المحلوق لانه المرتفق به وقد ذكر المزني أن الشافعي رضى الله عنه قد خط على هذا القول لكن الاصحاب نقلوه عن البويطى ووجدوه غير مخطوط عليه وبنوا القولين على أن استحفاظ الشعر في يد المحرم جار مجرى الوديعة أو مجرى العارية وفيه جوابان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 469 (إن قلنا) بالاول فالفدية علي الحالق كما أن ضمان الوديعة علي المتلف دون المودع (وان قلنا) بالثاني وجبت علي المحلوق وجوب الضمان على المستعير قالوا والاول اظهر لان العارية هي التى يمسكها لمنفعة نفسه وقد يريد المحرم الازالة دون الامساك وايضا فانه لو احترق شعره بتطاير الشرر ولم يقدر على التطفية لا فدية عليه ولو كان كالمستعير لوجبت عليه الفدية * (التفريع) ان قلنا الفدية علي الحالق نظر ان فدي فذاك وان امتنع مع القدرة فهل للمحلوق مطالبته باخراجها فيه وجهان وجواب الاكثرين ان له ذلك بناء على ان المحرم كالمودع والمودع خصم فيما يؤخذ منه ويتلف في يديه * ولو اخرج المحلوق الفدية باذن الحالق جاز أو بغير إذنه لا يجوز في اصح الوجهين وبه قال ابن القطان وابو علي الطبري كما لو اخرجها اجنبي بغير اذنه وإن قلنا أن الفدية علي المحلوق فينظر إن فدي بالهدى أو الاطعام رجع باقل الامرين من الطعام أو قيمة الشاة على الحالق ولا يرجع بما زاد لان الفدية على التخيير وهو متطوع بالزيارة وان فدي بالصوم فهل يرجع فيه وجهان (اظهرهما) لا وعلى الثاني بم يرجع فيه وجهان (اظهرهما) بثلاثة امدد من طعام لان صوم كل يوم مقابل بمد (والثاني) بما يرجع به لو فدى بالهدى أو الاطعام * ثم إذا رجع فانما يرجع بعد الاخراج في اصح الوجهين (والثانى) له ان ياخذ منه ثم يخرج وهل للحالق ان يفدى علي هذا القول (اما) بالصوم فلا لانه متحمل والصوم لا يتحمل (واما) بغيره فنعم ولكن باذن المحلوق لان في الفدية معنى القربة فلا بد من نية لاقاة الوجوب * وان لم يكن نائما ولا مغمى عليه ولا مكرها لكنه سكت عن الحلق ولم يمنع منه فقد قال في الكتاب فيه قولان وقال المعظم وجهان (أحدهما) ان الحكم كما لو كان نائما لان السكوت ليس بأمر ألا ترى ان السكوت على اتلاف المال لا يكون أمرا بالاتلاف (وأصحهما) انه كما لو حلق بامره لان الشعر عنده اما كالوديعة أو كالعارية وعلى التقديرين يجب الدفع عنه * ولو امر حلال حلالا بحلق شعر حرام وهو نائم فالفدية على الآمر ان لم يعرف الحالق الحال وان عرف فعليه في أصح الوجهين * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 470 قال (النوع الخامس الجماع ونتيجته الفساد والقضاء والكفارة وإنما يفسد بالجماع قبل التحللين (ح) وفيما بينهما فلا وفى العمرة قبل السقى الا إذا قلنا الحلق نسك فيفسد قبل الحلق وليس للعمرة الا تحلل واحد) * قال الله تعالي (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) أي لا ترفثوا ولا تفسقوا والرفث مفسر بالجاع وللجاع في الحج والعمرة نتائج فمنها فساد النسك يروى ذلك عن عمر وعلى وابن عباس وأبى هريرة وغيرهم من الصحابة رضى الله عنهم اجمعين * واتفق الفقهاء عليه بعدهم وانما يفسد الحج بالجماع إذا وقع قبل التحللين لقوة الاحرام ولا فرق بين أن يقع فبل الوقوف بعرفة أو بعده خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال لا يفسد بالجماع بعد الوقوف ولكن تلزم به الفدية (وأما) الجماع بين التحللين فلا أئر له في الفساد * وعن مالك واحمد رحمهما الله انه يفسد ما بقى من احرامه ويقرب منه ما ذكره القاضى ابن كج أن ابا القاسم الداركي وابا علي الطبري حكيا قولا عن القديم انه يخرج إلى ادنى الحل ويجدد منه احراما ويأتي بعمل عمرة * واطلق الامام نقل وجه انه مفسد كما قبل التحلل وتفسد العمرة ايضا بالجماع قبل حصول التحلل ووقت التحلل منها مبنى علي الخلاف السابق في الحلق فان لم نجعله نسكا فانما يفسد بالجماع قبل السعي وان جعلناه نسكا فيفسد أيضا بالجماع قبل الحلق * وقال أبو حنيفة رحمه الله انما يفسد إذا جامع قبل أن يطوف أربعة أشواط واما بعد ذلك فلا * ويجوز أن يعلم لذلك قوله في الكتاب قبل السعي وقوله قبل الحلق كلاهما - بالحاء - (واعلم) ان التفصيل الذى ذكره في أن الجماع يفسدها قبل الحلق أو لا يفسدها إلا إذا وقع قبل السعي مبنيا علي الحلق هل هو نسك ضرب من البسط والايضاح وإلا فإذا عرفنا في هذا الموضع ان الجماع قبل التحلل مفسد وعرفنا من قبل الخلاف في أن الحلق هل هو نسك أم لا لا يشتبه علينا التفصيل المذكور * واللواط واتيان البهيمة في الافساد كالوطئ في الفرج وبه قال أحمد خلافا لابي حنيفة رحمه الله فيهما ولمالك رحمه الله في اتيان البهيمة وروى ابن كج وجها كمذهب مالك * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 471 قال (ثم يجب المضى في فاسدها باتمام ما كان يتمه لولا الافساد * ثم عليه بدنة إن أفسد وان كان بين التحللين فشاة وقيل بدنة وقيل لا يجب شئ والجماع الثاني بعد الافساد فيه شاة وقيل بدنة وقيل لا شئ بل يتداخل) * سائر العبادات لا حرمة لها بعد الفساد ويصير الشخص خارجا منها لكن الحج والعمرة وان فسدا يجب المضى فيهما وذلك باتمام ما كان يفعله لولا عروض الفساد * روى عن عمر وعلي وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم أنهم قالوا " من فسد حجه مضى في فاسده وقضي من قابل " ومن نتائج الفساد الكفارة وهى بدنة والقول في كيفة وجوبها وما يقوم مقامها مذكور في باب الدماء * وعند أبى حنيفة رحمه الله ان جامع قبل الوقوف لا تجب الفدية وإنما يجب فيه دم شاة وهذا مع تسليمة حصول الفساد والحالة هذه ولذلك اعلم قوله وعليه بدنة ان أفسد بالحاء * والعمرة كالحج في وجوب البدنة * وعن أبى اسحق أن بعض أصحابنا ذهب إلى أنه لا يجب في افسادها إلا شاة لا نخفاض رتبتها عن رتبة الحج ثم في الفصل مسألتان (احداهما) لو جامع بين التحللين وفرعنا على الصحيح وهو انه لا يفسد ففيما يجب فيه قولان (اظهرهما) شاة لانه لا يتعلق فساد الحج به فاشبه المباشرة فيما دون الفرج * واختار المزني هذا القول وأشار في المختصر إلى تخريجه للشافعي رضي الله عنه وقيل انه حكاه في غير المختصر عن نصه (والثانى) ان الواجب بدنة لانه وطئ محظور في الحج فاشبه الوطئ قبل التحلل وبهذا قال مالك وأحمد ونقل الامام بدل القولين وجهين ووجها ثالثا وهو أنه لا يجب فيه شئ أصلا وهو ضعيف لان الوطئ لا ينقص عن سائر محظورات الاحرام وهى بين التحلين موجبة للفدية على ظاهر المذهب وإذا عرفت ذلك علمت قوله فشاة وقوله لا يجب شئ بالميم والالف وقوله بدنة وقوله لا يجب شئ بالزاى * (الثانية) إذا فسد حجه بالجماع ثم جامع ثانيا فينظر ان لم يفد عن الاول ففى وجوب شئ للثاني قولان (أحدهما) لا يجب بل يتداخلان كما لو جامع في الصوم مرتين لا تجب إلا كفارة واحدة (وأصحهما) أنه لا تداخل لبقاء الاحرام ووجوب الفدية بارتكاب سائر المحظورات بخلاف الصوم فانه بالجماع الاول قد خرج عنه * وان فدي عن الاول فلا تداخل على المشهور ومنهم من طرد القولين وبعضهم خصص القولين في الحالين بما إذا طال الزمان بين الجماعين أو اختلف المجلس وقطع بالتداخل فيما إذا لم يكن كذلك وحيث قلنا بعدم التداخل ففيما يجب بالجماع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 472 الثاني قولان (أحدهما) بدنة كما في الجماع الاول (وأظهرهما) شاة لانة محظور لا يتعلق به فساد النسك فاشبه سائر المحظورات وإذا اختصرت هذه الاختلافات قلت في المسألة ثلاثة أقوال علي ما ذكره في الكتاب (أظهرها) أن الجماع الثاني يوجب شاة وبه قال أبو حنيفة رحمه الله (والثانى) انه يوجب بدنة (والثالث) أنه لا يوجب شيأ وبه قال مالك * وعند أحمد رحمه الله ان كفر عن الاول وجب للثاني بدنة ويجوز ان يعلم لهذه المذاهب قوله فيه شاة بالميم والالف وقوله بدنة بالميم والحاء وقوله لا شئ بالحاء والالف * قال (ثم إذا اتم الفاسد لزمه القضاء ويتادى بالقضاء ما كان يتادى بالاداء من فرض اسلام أو غيره فان كان تطوعا فيجب القضاء ولا يتأدى به غير التطوع وفى وجوب القضاء على الفور وجهان وكذا في الكفارة وقضاء الصوم إذا وجبا بعدوان * وان كان بسبب مباح فلا يضيق وقضاء الصلاة المتروكة عمدا على الفور لتعلق القتل به * وإذا احرم من مكان لزمه في القضاء ان يحرم من ذلك المكان ولا يلزمه ان يحرم في ذلك الزمان بل له التأخير) * إفساد الحج يقتضي القضاء بالاتفاق وقد روينا عن كبار الصحابة رضى الله عنهم انهم قالوا وقضي من قابل ولا فرق في وجوب القضاء بين حج الفرض وحج التطوع فان التطوع يصير بالشروع فرضا ايضا وقضاء كل حجة يجزئ عما كان يجزئ اداؤها لولا الفساد فلا يتأدى بالفرض غيره ولا بالتطوع غيره * ولو افسد القضاء بالجماع لزمته الكفارة ولم يلزمه إلا قضاء واحد لان المقضي واحد ويتصور القضاء في عام الافساد بان يحصر بعد الافساد ويتعذر عليه المضي في الفاسد فيتحلل ثم يتفق زوال الحصر والوقت باق فيشتغل بالقضاء * هذا اصل الفصل ويتعلق به صور (احداها) في كيفية وجوب القضاء وجهان (احدهما) انه على التراخي كما كان الاداء علي التراخي (واصحهما) انه على الفور لانه لزم وتضيق بالشروع ويدل عليه ظاهر قول الصحابة رضى الله عنهم انه يقضى من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 473 قابل وعن القفال اجراء هذا الخلاف في كل كفارة وجبت بعدوان لان الكفارة في وضع الشرع على التراخي كالحج (وأما) الكفارة الواجبة من غير عدوان فهي على التراخي لا محالة وأجرى الامام رحمه الخلاف في المتعدى بترك الصوم أيضا والكلام في انقسام قضاء الصوم إلى الفور والتراخي والخلاف فيه قد مر في كتاب الصوم * قال الامام والمتعدي بترك الصلاة يلزمه قضاؤها على الفور بلا خلاف على المذهب لان المصمم على ترك القضاء مقتول عندنا ولا يتحقق هذا إلا مع توجه الخطاب بمبادرة القضاء وهذا ما أورده المصنف حكما وتوجيها وفى التوجيه وقفة لان أكثر الاصحاب لم يعتبروا فيما يناط به القتل ترك القضاء على ما عرفت في باب تارك الصلاة (وأما) الحكم فاعلم أن في وجوب الفور وجهين في حق المتعدى (أحدهما) وبه اجاب في الكتاب انه يجب لان جواز التأخير توع ترفيه وتخفيف والمتعدي لا يستحق ذلك ويحكي هذا عن أبي اسحق وهو الاشبه على ما ذكرنا في ترك الصوم (والثاني) انه لا يجب إذ الوقت قد فات واستوت بعده الاوقات وربما رجح العراقيون هذا الوجه (وأما) غير المتعدى فالمشهور انه لا يلزمه الفور في القضاء روى ان النبي صلي الله عليه وسلم " فاتته صلاة الصبح فلم يصلها حتي خرج من الوادي " ونقل في التهذيب وجها انه يلزمه لقوله صلى الله عليه وسلم " فليصلها إذا ذكرها " الثانية ان كان قد أحرم في الاداء قبل الميقات مثل ان أحرم من الكوفة أو من دويرة أهله لزمه أن يخرج في القضاء من ذلك الموضع لان ما بين ذلك الموضع مسافة لزمه قطعها محرما في الاداء فيلزمه في القضاء كما بين الميقات ومكة ولو جاوزه اراق دما كما لو جاوز الميقات الشرعي * وان كان قد أحرم بعد مجاوزة الميقات نظر ان جاوزه مسيئا لزمه في القضاء ان يحرم الميقات الشرعي وليس له ان يسئ ثانيا وهذا معني قول الاصحاب يحرم في القضاء من أغلظ الموضعين عليه من الميقات أو من حيث أحرم في الاداء وان جاوزه غير مسئ بأن لم يرد النسك ثم بدا له فأحرم ثم افسد فقد حكى الشيخ أبو على فيه وجهين (أحدهما) وهو الذى أوره صاحب التهذيب ان عليه ان يحرم في القضاء من الميقات الشرعي لانه الواجب في الاصل (وأصحهما) عند الشيخ أبي على انه لا يلزم ذلك بل له أن يحرم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 474 من ذلك الموضع سلوكا بالقضاء مسلك الاداء ولهذا لو اعتمرا المتمتع من الميقات ثم أحرم بالحج من مكة وأفسده لا يلزمه في القضاء أن يحرم من الميقات بل يكفى أن يحرم من جوف مكة * ولو افرد الحج ثم احرم بالعمرة من ادنى الحل ثم افسدها يكفيه ان يحرم في قضائها من أدنى الحل والوجهان مفروضان فيما إذا لم يرجع الي الميقات فما فوقه (اما) إذا رجع ثم عاد فلا بد من الاحرام من الميقات * واعلم قوله في الكتاب لزمه في القضاء ان يحرم من ذلك المكان بالميم والحاء لان مالكا وابا حنيفة رحمهما الله قالا يحرم في قضاء الحج من الميقات وفى قضاء العمرة من التنعيم * ولا يجب ان يحرم بالقضاء في الزمان الذي احرم فيه بالاداء بل له التأخير عنه مثل ان يحرم بالاداء في شوال له ان يحرم بالقضاء في ذى القعدة وفرقوا بين الزمان والمكان بأن اعتناء الشرع بالميقات المكاني أكمل الا ترى ان مكان الاحرام يتعين بالنذر وزمانه لا يتعين حتى لو نذر الاحرام بالحج في شوال له أن يؤخره وظني ان هذا الاستشهاد لا يسلم عن النزاع (الثالثة) ولم يذكرها في الكتاب لو كانت المرأة محرمة ايضا نظر ان جامعها وهى نائمة أو مكرهة لم يفسد حجها وإلا فسد وحينئذ يجب على كل واحد منهما بدنة أو لا يجب إلا بدنة واحدة فيه قولان والاصح الثاني * ثم تلك البدنة تختص بالرجل أو يلاقيها وهو متحمل عنها فيه قولان كما سبق في الصوم وقطع قاطعون بلزوم البدنة عليها بخلاف الصوم لان هناك يحصل الفطر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 475 قبل تمام حقيقة الجماع وغير الجماع لا يوجب الكفارة * وإذا خرجت الزوجة للقضاء فهل يجب على الزوج ما زاد من النفقة بسبب السفر فيه وجهان قال في العدة ظاهر المذهب منهما الوجوب * وإذا خرجا معا للقضاء فليفترقا في الموضع الذى اتفقت الاصابة فيه كيلا تدعوه الشهوة إلي المعاودة فان معهد الوصال مشوق وهل يجب فيه قولان (القديم) نعم وبه قال أحمد لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال " فإذا أتيا المكان الذى أصابا فيه ما أصابا تفرقا " (والجديد) لا وبه قال أبو حنيفة كما لا يجب في سائر المنازل ويستحب أن يتفرقا من حين الاحرام وذهب مالك الي وجوبه * قال (ولو أفسد القارن ففى لزوم دم القران وجهان وتفوت العمرة بفساد القران وهل تفوت بفوات الحج في القران فيه وجهان وجه الفرق أن التحلل عن الفائت بأعمال العمرة) * يجوز للمفرد بأحد النسكين إذا فسده أن يقضيه مع الآخر قارنا وان يتمتع بالعمرة إلى الحج ويجوز للمتمتع والقارن القضاء على سبيل الافراد ولا يسقط دم القران بالقضاء علي سبيل الافراد خلافا لاحمد رحمه الله * إذا عرفت ذلك ففى الفصل مسألتان (إحداهما) إذا جامع القارن لم يخل اما أن يجامع قبل التحلل الاول أو بعده (الحالة الاولى) أن يجامع قبله فيفسد نسكاه ويجب عليه بدنة واحدة لاتحاد الاحرام وهل يلزم دم القران مع البدنة فيه وجهان (أحدهما) لا لانه لم يتمتع بقرانه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 476 وقد ذاق وبال الافساد فيكتفي به (وأظهرهما) ولم يورد المعظم سواه نعم لانه لزم بالشروع فلا يسقط بالافساد * وعن أبي حنيفة رحمه الله لا بدنة الا مع الا فساد كما سبق ويلزمه شاتان لانهما نسكان ثم إذا اشتغل بقضائهما فان قرن أو تمتع فعليه دم آخر وإلا فقد اشار الشيخ أبو على رحمه الله تعالى إلى خلاف فيه ومال مالك إلى انه لا يجب شئ آخر * (الثانية) أن يجامع بعد التحلل الاول فلا يفسد واحد من نسكيه واحتج له بأن عروض المفسد بعد التحلل من العبادة لا يؤثر ألا ترى انه إذا سلم التسليمة الاولى من الصلاة ثم اتي بمفسد لم تفسد صلاته ولا فرق بين ان يكون قد أتى بأعمال العمرة أو لم يأت بها وعن الاودنى انه إذا لم يأت بشئ من اعمال العمرة تفسد العمرة والمذهب الاول لان العمرة في القران تتبع الحج في الحكم ولهذا يحل للقارن معظم محظورات الاحرام بعد التحلل الاول وان لم يأت بأعمال العمرة * ولو قدم القارن مكة وطاف وسعى ثم جامع بطل نسكاه جميعا وان كان ذلك بعد أعمال العمرة * ثم الواجب في هذه الحالة بدنة أو شاة فيه قولان قد سبقا (المسألة الثانية) القارن إذا فاته الحج لفوات الوقوف هل يقضى بفوات عمرته فيه قولان وقال الامام وصاحب الكتاب وجهان (اظهرهما) نعم اتباعا للعمرة للحج كما تفسد بفساده وتصح بصحته (والثانى) لا لان وقتها موسع ويخالف الفساد لان من فاته الحج يتحلل بعمل عمرة فلا معنى لتفويت عمرته مع اتيانه بها واتساع وقتها وإذا قلنا بفواتهما فعليه دم واحد للفوات ولا يسقط عنه دم القران وإذا قضاهما فالحكم على ما ذكرنا في قضائهما عند الافساد وان قرن أو تمتع فعليه دم ثالث وإلا فعلى الخلاف * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 477 قال (والجماع دائر بين الاستمتاعات والاستهلاكات فان الحق بالاستمتاعات كان النسيان عذرا فيه) * جميع ما ذكرنا في جماع العامد العالم بالتحريم فأما إذا جامع ناسيا أو جاهلا بالتحريم ففى فساد حجه قولان (القديم) وبه قال أبو حنيفة ومالك والمزنى رحمه الله أنه يفسد لانه سبب معلق به وجوب القضاء فأشبه الفوات في استواء عمده وسهوه (والجديد) انه لا يفسد إلا أن يعلم فيدوم عليه ووجهه ان الحج عبادة تتعلق الكفارة بافسادها فيختلف حكمها بالعمد والسهو كالصوم ويفارق الفوات لان الفوات يتعلق بارتكاب محظور ولا يخفى افتراق الطرفين في الاصول (وقوله) والجماع دائر بين الاستمتاعات والاستهلاكات إلى آخره أشار به إلى ما ذكره الائمة ان معنى الاستمتاع بين في الجماع وفيه مشابهة الاستهلاك ولهذا يضمن به المهر بالقولان مبنيان على ان أي المعتبين يرجح ان رجحنا معني الاستمتاع فرقنا بينهما كما في الطيب واللباس وهو الاصح (وقوله) كان النسيان عذرا فيه معلم - بالحاء والميم والزاى - لما عرفته من مذهبهم ولو اكره على الوطئ فمنهم من جعل الفساد على وجهين بناء على القولين في الناسي وعن أبى على بن ابى هريرة رحمه الله القطع بالفساد ذهابا إلى ان اكراه الرجل على الوطئ ممتنع * ولو أحرم عاقلا ثم جن فجامع ففيه القولان في جماع الناسي والله اعلم * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 478 قال (ويفسد الحج بالردة طالت أو قصرت فلو عاد إلى الاسلام لم يلزم المضى في الفاسد على أحد الوجهين لان الردة محبطة) * لما تكلم فيما يفسد الحج وهو الجماع أراد أن يبين أن المفسد هل هو منحصر فيه أم لا وفقه الفصل أن الاصحاب اختلفوا في أن عروض الردة في خلال الحج والعمرة هل يفسدهما على وجهين (أحدهما) أنها لا تفسدهما لكن لا يعتد بالمأتى به في زمان الردة على ما مر نظيره في الوضوء والاذان (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنها تفسدهما كما تفسد الصوم والصلاة ولا فرق على الوجهين بين أن يطول زمانها أو يقصر وإذا قلنا بالفساد فوجهان (أظهرهما) أنه يبطل النسك بالكلية حتى لا يمضى فيه لا في الردة ولا إذا عاد إلى الاسلام لان الردة محبطة للعبادة (والثانى) أن سبيل الفساد ها هنا كسبيله عند الجماع فيمضى فيه لو عاد إلى الاسلام لكن لا تجب الكفارة كما أن افساد الصوم بالردة لا تتعلق به الكفارة ومن قال بالاول فرق بينها وبين الجماع بمعنى الاحباط وأيضا فان ابتداء الاحرام لا ينعقد مع الردة بحال وفى انعقاده مع الجماع ثلاثة أوجه (أحدها) أنه ينعقد على الصحة فان نزع في الحال فذاك والا فسد نسكه وعليه البدنة والقضاء والمضى في الفاسد (والثانى) أنه ينعقد فاسدا وعليه القضاء والمضى فيه مكث أو نزع ولا تجب الفدية ان نزع في الحال وان مكث وجبت وهل هي بدنة أو شاة يخرج على القولين في نظائر هذه الصورة (الثالث) أنه لا ينعقد أصلا كما لا تنعقد الصلاة مع الحدث * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 479 قال (النوع السادس مقدمات الجماع كالقبلة والمماسة فكل ما ينقض الطهارة منها يوجب الفدية أنزل أو لم ينزل (م) ولا نجب البدنة الا بالجماع وأما النكاح والانكاح لا ينعقدان من المحرم (ح) ولا فدية فيه) * مقصود الفصل مسألتان (احداهما) ليس للمحرم التقبيل بالشهوة ولا المباشرة فيما دون الفرج كالمفاخذة واللمس بالشهوة قبل التحلل الاول فان الاعتكاف يحرم جميع ذلك ومعلوم أن الاحرام أولي بتحريمه فيه وفى حلها بعد التحلل الاول ما مر من الخلاف وحيث ثبت التحريم وباشر شيأ منها عمدا وجبت عليه الفدية روى عن على وابن عباس رضي الله عنهما " أنهما أوجبا بالقبلة شاة " وان كان ناسيا لم يلزمه شئ بلا خلاف لانه استمتاع محض ولا يفسد شئ منها الحج ولا يوجب البدنة بحال سواء أنزل أو لم ينزل وبه قال أبو حنيفة * وعند مالك يفسد الحج إذا أنزل وهو أظهر الروايتين عن أحمد * لنا أنه استمتاع لا يتعلق به الحد فلا يفسد الحج كما لو لم ينزل وليكن قوله ولا تلزم البدنة الا بالجماع معلما بالميم والالف لما روينا عنهما وايضا فلان عن احمد روايتين في أنه تجب بدنة أو شاة تفريعا على عدم الفساد في صورة الانزال وايضا فلانه روى عنه هذا الخلاف في صورة عدم الانزال وقد نجد في النسخ اعلام قوله أو لم ينزل بالميم لان صاحب الكتاب حكى في الوسيط عن مذهب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 480 مالك انه لا يجب الدم عند الانزال والاغلب على الظن انه وهم فيه (فرعان) (الاول) الاستمناء باليد يوجب الفدية في اصح الوجهين (الثاني) لو باشر دون الفرج ثم جامع هل تدخل الشاة في البدنة أو يجبان جميعا فيه وجهان (المسألة الثانية) لا ينعقد نكاح المحرم ولا إنكاحه ولا نكاح المحرمة ولا يستحب خطبة المحرم وخطبة المحرمة والقول في هذه المسألة والخلاف فيها وتفاريعها ياتي في كتاب النكاح ان شاء الله تعالى * قال (فان قيل فلو باشر جميع هذه المحظورات فهل يتداخل الواجب قلنا ان اختلف الجنس كالاستهلاك والاستمتاع لم يتداخل وإن اختلف النوع في الاستهلاك كالقلم والحلق لم يتداخل ايضا * وجزاء الصيود لا يتداخل * وان اتحد النوع والزمان في الاستمتاع تداخل كما إذ البس العمامة والسراويل والخف على التواتر المعتاد فيكفيه دم واحد وإن تخلله زمان فاصل فقولان في الاتحاد ومعهما تخلل التكفير تعدد * وإن اختلف النوع في الاستمتاع كالتطيب واللبس فالاصح التعدد وان كان العذر شاملا كما لو حلق أو تطيب أو تستر بسبب شجة مرة واحدة أو تطيب مرارا بسبب مرض واحد ففى التداخل وجهان ولو حلق ثلاث شعرات في ثلاثة اوقات وقلنا لا اثر لتفريق الزمان فالواجب دم والا فثلاثة دراهم على قول وثلاثة امداد على قول) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 481 الغرض الآن الكلام فيما إذا وجد من المحرم من محظورات الاحرام شيئان فصاعدا وبيان انه متى تتعدد الفدية ومتى تتداخل ولو اخر هذا الفصل إلى ان يذكر النوع السابع ايضا لكان احسن في الترتيب * وجملة القول فيه ان المحظورات تنقسم إلى استهلاك كالحلق واستمتاع كالتطيب وإذا باشر محظورين فاما ان يكون احدهما من قسم الاستهلاك والآخر من الاستمتاع أو يكونا معا من قسم الاستهلاك أو من قسم الاستمتاع (الحالة الاولى) ان يكون احدهما من هذا والآخر من ذاك فينظر ان لم يستند إلى سبب واحد كحلق الراس ولبس القميص تعددت الفدية ولا تداخل لان السبب مختلف ولا تداخل عند اختلاف السبب كما في الحدود وإن استند إلى سبب واحد كما إذا أصاب رأسه شجة واحتاج الي حلق جوانبها وسترها بضماد فيه طيب فوجهان (أصحهما) أنه لا تداخل أيضا لاختلاف أسباب الفدية (والثانى) أنها تتداخل لان الداعي الي جميعها شئ واحد * (الحالة الثانية) أن يكون كلاهما من قسم الاستهلاك فلا يخلو إما أن يكونا مما لا يقابل بالمثل أو بما يقابل به أو أحدهما من هذا والآخر من ذاك فاما الضرب الاول فينظر إن اختلف نوعه كالحلق والقلم فلا تداخل ويجب لكل واحدا فدية سواء وجد على سبيل التفرق أو التوالى في مكان واحد أو مكانين كالحدود لا تتداخل إذا اختلفت أسبابها ولا فرق بين أن يوجد النوعان بفعلين أو في ضمن فعل واحد كما لو لبس ثوبا مطيبا يلزمه فديتان وفيه وجه أنه لا يجب إلا فدية واحدة * وان اختلف النوع كما إذا كان الموجود منه الحلق لا غير فقد سبق أن حكم ثلاث الجزء: 7 ¦ الصفحة: 482 شعرات يقابل بدم واحد ولو حلق جميع الراس دفعة واحدة في مكان واحد لم يلزمه الا فدية واحدة لانه يعد فعلا واحدا وكذا لو حلق شعر رأسه وبدنه على التواصل * وعن الانماطى أنه يلزمه فدية لشعر الرأس وفدية لشعر البدن * ولو حلق شعر رأسه في مكانين أو في مكان واحد ولكن في زمانين متفرقين ففى التداخل طريقان (احدهما) وبه قال القاضي أبو الطيب انه كما لو اتحد نوع الاستمتاع واختلف المكان والزمان وستعرفه (واصحهما) وبه قال الشيخ ابو حامد القطع بعدم التداخل لانه اتلاف فيضمن كل واحد ببدله كما في قتل الصيود ويخالف ما إذا حلق شعره أو قلم أظفاره دفعة واحدة فان وجوب الفدية الواحدة ليس علي سبيل التداخل بل لان الموجود فعل واحد * ولو حلق ثلاث شعرات في ثلاثة امكنة أو ثلاثة اوقات متفرقة (فان قلنا) ان كل شعرة تقابل بثلث دم فلا فرق بين أخذهما دفعة واحدة أو في دفعات (وان) قلنا ان الشعرة الواحدة تقابل بمد أو درهم والشعرتين بمدين أو درهمين فينبني على الخلاف الذى ذكرناه الآن وان لم نعدد الفدية فيما إذا حلق الراس في دفعتين أو دفعات ولم نجعل لتفريق الزمان اثرا فالواجب فيها دم كما لو اخذها دفعة واحدة وان عددناها وجعلنا التفريق مؤثر اقطعنا حكم كل شعرة عن الاخريين واوجبنا فيها ثلاثة دراهم على قول وثلاثة امداد علي قول * (والضرب الثاني) ما يقابل بمثله وهو اتلاف الصيود فتتعدد فديتها سواء فدى عن الاول أو لم يفد اتحد المكان أو اختلف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 483 والى أو فرق لان سبيلها سبيل ضمان المتلفات وحكم الضرب الثالث حكم الضرب الثاني بلا فرق (الحالة الثالثة) ان يكون كلاهما من قسم الاستمتاع فلا يخلو اما ان يتحد النوع أو يختلف (القسم الاول) ان يتحد كما لو تطيب بانواع من الطيب أو لبس انواعا من المخيط كالعمامة والقميص والسراويل والخف أو نوعا واحدا مرة بعد اخرى فينظر ان فعل ذلك في مكان واحد علي التوالي فلا تعدد لان جميعه يعد خطة واحدة * قال الامام ولا يقدح في التوالى طول الزمان في مضاعفة القميص وتكوير العمامة ويشبه هذا بالرضعة الواحدة في الرضعاع والاكلة الواحدة في اليمين وهذا ما أشار إليه صاحب الكتاب بقوله على التتابع المعتاد * وإن فعل ذلك في مكانين أو مكان واحد ولكن تخلل زمان فاصل فينظر ان لم يتخلل التكفير بينهما فقولان (الجديد) وبه قال أبو حنيفة انه يجب للثاني فدية اخرى كما في الاتلاف (والقديم) انه لا يجب وتتداخل لان الفدية تجب لحق الله تعالى ويفرق فيها بين العامد والناسى فاشبهت الجنايات الموجبة للحدود (فان قلنا) بالاول فذلك إذا لم يجمعها سبب واحد (اما) إذا تطيب أو لبس مرارا لمرض واحد فوجهان كما ذكرنا في الحالة الاولى (وأصحهما) التعدد أيضا * وإن تخلل بينهما تكفير فلا خلاف في وجوب فدية أخرى كما في باب الحدود * وإن كان قد نوى بما اخرجه الماضي والمستقبل جميعا فيبنى على أن تقديم الكفارة على الجنب المحظور هل يجوز ام لا (ان قلنا) لا فلا أثر لهذه النية (وان قلنا) نعم فوجهان (احدهما) ان الفدية ملحقة بالكفارة في جواز التقديم فلا يلزمه للثاني شئ (والثانى) المنع كما لا يجوز للصائم ان يكفر قبل الافطار الجزء: 7 ¦ الصفحة: 484 (والقسم الثاني) أن يختلف النوع كما إذا لبس وتطيب فوجهان في تعدد الفدية وان اتحد المكان وتواصل الزمان (أحدهما) أنها لا تتعدد لان المقصد واحد وهو الاستمتاع ويحكي هذا عن ابن أبى هريرة (وأصحهما) التعدد لتباين السبب ومنهم من نظر إلى اتحاد السبب وتعدده كما قدمنا نظيره وما ذكرنا كله في غير الجماع (أما) إذا تكرر منه الجماع فقد ذكرنا حكمه من قبل * هذا شرح الفصل ولا تلمني علي ما لحق مسائله من التقديم والتأخير فالذي أوردته أحسن ما حضرني من طرق الشرح وفوق كل ذى علم عليم * ويجوز أن يعلم قوله وجزاء الصيود لا يتداخل أيضا بالحاء لان عند أبى حنيفة رحمه الله انها لا تتداخل إذا قتلها الا على قصد رفض الاحرام (فاما) إذا قتلها قاصدا رفض الاحرام لم يجب إلا جزاء واحد * قال (النوع السابع اتلاف الصيد ويحرم بالحرم والا حرام كل صيد مأكول ليس مائيا من غير فرق بين أن يكون مستأنسا (م) أو وحشيا مملوكا أو مباحا (م) ويحرم التعرض لاجزائه ولبيضه وما ليس مأكولا فلا جزاء فيه (ح) الا إذا تولد من مأكول وغير مأكول وصيد البحر حلال) * من محظورات الاحرام الاصطياد قال الله تعالى: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) وقال الله تعالى (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) . ولا يختص تحريمه بالاحرام بل له سبب آخر وهو كونه في الحرم ولما اشترك السببان فيما يقتضيانه من التحريم والجزاء ومعظم المسائل جرت العادة بخلط أحدهما بالآخر وذكر ما يشتركان فيه وما يختص به كل واحد منهما في هذا الموضع فقد جعل صاحب الكتاب الكلام في السبب الاول في نظرين (أحدهما) في الصيد المحرم وفيما يجب به ضمانه (والثانى) في أن الضمان ماذا (أما) الاول فالصيد المحرم كل مأكول متوحش ليس مائيا هذه عبارة صاحب الكتاب في الوسيط واستغني ههنا بلفظ الصيد عن المتوحش فانه لا يقع عن الحيوانات الانسية وبين ما يدخل في الضابط المذكور ويخرج عنه بصور (إحداها) لا فرق بين المستانس والوحشي لانه وان استانس لا يبطل حكم توحشه الاصلى كما أنه لو توحش انسى لا يحرم التعرض له ابقاء لحكمه الاصلى * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 485 وقال مالك لا جزاء في المستانس ولا فرق في وجوب الجزائين بين أن يكون الصيد مملوكا كالانسان أو مباحا نعم يجب في المملوك مع الجزاء ما بين قيمته حيا ومذبوحا لحق المالك وعن المزني أنه لا جزاء في الصيد المملوك * لنا ظاهر القرآن (الثانية) كما يحرم التعرض للصيد يحرم التعرض لاجزائه بالجرح والقطع لان النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحرم " لا ينفر صيدها " ومعلوم أن القطع والجرح أعظم من التنفير وإذا جرحه ونقصت الجراحة من قيمته فياتي القول فيما يجب عليه في النظر الثاني وإن برئ ولم يبق نقصان ولا اثر فهل يلزمه شئ فيه وجهان * هذا كالخلاف فيما إذا جرحه فاندملت الجراحة ولم يبق نقص ولا شين هل يجب شئ ويجرى الخلاف فيما نتف ريشه فعاد كما كان * (الثالثة) بيض الطائر المأكول مضمون بقيمته خلافا لمالك حيث قال فيه عشر قيمة البائض وللمزني حيث قال لا يضمن اصلا * لنا ما روى عن كعب بن عجرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " قضى في بيض نعام أصابه المحرم بقيمته " فان كانت مذرة فلا شئ عليه بكسرها كما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 486 لو قد صيدا ميتا الا في بيض النعامة ففيها قيمتها لان قشرها منتفع به * قاله في الشامل ولو نفر طائرا عن بيضته التي استحضنها ففسدت فعليه القيمة ولو أخذ بيض دجاجة فاحصنها صيدا ففسد بيضه أو لم يحضنه ضمنه لان الظاهر أن الفساد نشأ من ضم بيض الدجاجة الي بيضه * ولو أخذ بيضة صيد واحضنها دجاجة فهو في ضمانها إلى أن يخرج الفرخ ويصير ممتنعا حتي لو خرج ومات قبل الامتناع لزمه مثله من النعم ولو كسر بيضة وفيها فرخ ذو روح فطار وسلم فلا شئ عليه وان مات فعليه مثله من النعم ولو حلب لبن صيد فقد قال كثير من ائمتنا من العراقيين وغيرهم أنه يضمن وحكوا عن أبى حنيفة رحمه الله انه ان نقص الصيد به ضمنه والا فلا واحتجوا عليه بانه ماكول انفصل من الصيد فاشبه البيض وذكر القاضى الرويانى في التجربة أنه لا ضمان في اللبن بخلاف البيض فانه بعرض ان يخلق منه مثله (الرابعة) ما ليس بماكول من الدواب والطيور صنفان ما ليس له أصل ماكول وما أحد أصليه ماكولا (أما) الصنف الاول فلا يحرم التعرض الجزء: 7 ¦ الصفحة: 487 له بالاحرام ولو قتله المحرم لم يلزمه الجزاء وبه قال أحمد روى انه صلى الله عليه وسلم قال " يقتل المحرم السبع العادى " ومعلوم أن الاسد والنمر والفهد سباع عادية وقال أبو حنيفة رحمة الله يجب الجزاء بقتل غير المملوك من الصيد الا الذئب والفواسق الخمس وقال مالك رحمة الله مالا يبتدى بالايذاء يجب الجزاء فيه كالصقر والبازى * ثم الحيوانات الداخلة في هذا الصنف على أضرب (منها) ما يستحب قتلها للمحرم وغيره وهى المؤذيات بطبعها نحو الفواسق الخمس روى انه صلى الله عليه وسلم قال " خمس فواسق يقتلن في الحرم الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور " وروى أنه قال " خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح فذكرهن " وفى معناها الحية والذئب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 488 والنسر والعقاب والبق والبرغوث والزنبور ولو ظهر القمل على بدن المحرم أو ثيابه لم يكره تنحيته ولو قتله لم يلزمه شئ ويكره له أن يفلى رأسه ولحيته وان فعل فاخرج منها قملة وقتلها تصدق ولو بلقمة نص عليه وهو عند الاكثرين محمول على الاستحباب ومنهم من قال انه يجب ذلك لما فيه من إزالة الاذى عن الرأس (ومنها) الحيوانات التى فيها منفعة ومضرة كالفهد والصقر والبازى فلا يستحب قتلها لما يتوقع من المنفعة ولا يكره لما يخاف من المضرة (ومنها) التي لا تظهر فيها منفعة ولا مضرة كالخنافس والحلان والسرطان والرحمة والكلب الذى ليس بعقور فيكره قتلها * ولا يجوز قتل النحل والنمل والخطاف والضفدع لورود النهى عن قتلها وفى وجوب الجزاء بقتل الهدهد والصرد خلاف مبني على الخلاف في جواز أكلها * (والصنف) الثاني ما أحد أصليه مأكول كالمتولد بين الذئب والضبع وبين حمار الوحش وحمار الاهل فيحرم التعرض له ويجب الجزاء فيه احتياطا كما يحرم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 489 أكله احتياطا واعلم أن الصنف الاول يخرج عن الضابط المذكور بقيد المأكول لكن الصنف الثاني يدخل فيه ويحرم الضبط والوجه أن يزاد فيه فيقال كل صيد هو ماكول أو في أصله ماكول * (الخامسة) الحيوانات الانسية كالنعم والخيل والدجاج يجوز للمحرم ذبحها ولا جزاء عليه وأما ما يتولد من الوحشى والانسى كالمتولد من اليعقوب والدجاجة أو الظبي والشاة فيجب في ذبحه الجزاء احتياطا كما في المتولد من المأكول وغير المأكول وطريق ادراجه في الضابط يقاس بما ذكرناه فيه (السادسة) انما يحرم صيد البر على المحرم دون صيد البحر قال الله تعالى (أحل لكم صيد البحر) الآية قال الاصحاب وصيد البحر الذى لا يعيش الا في البحر أما ما يعيش في البر والبحر فهو كالبر والطيور المائية التى تغوص في الماء وتخرج من صيود البر لانها لو تركت في الماء لهلكت والجراد من صيد البر يجب الجزاء بقتله وبه قال عمر وابن عباس رضي الله عنهما وحكى الموفق ابن طاهر وغيره قولا غريبا أنه من صيود البحر لانه يتولد من روث السمك والله أعلم * قال (ويضمن هذا الصيد بالمباشرة والسبب واليد والسبب كنصب الشبكة أو ارسال كلب أو انحلال رباطه بنوع تقصير في ربطه أو تنفير صيد حتى يتعثر قبل سكون نفاره فكل ذلك يوجب الضمان إذا أفضي إلى التلف * ولو حفر المحرم بئرا في ملكه لم يضمن ما تردى فيه ولو حفر في الحرم فوجهان ولو أرسل كلبا حيث لا صيد فعرض صيد ففى الضمان وجهان) * قد عرفت ان الصيد المحرم أي صيد هو والغرض الآن بيان الجهات التى يضمن بها ذلك الصيد وهي ثلاث (الاولى) مباشرة الاتلاف وهي ثلاثة (والثانية) التسبب إليه وموضع تفسيره وضبطه كتاب الجنايات وتكلم ههنا في صور (احداها) لو نصب شبكة في الحرم أو نصب المحرم شبكة فتعقل بها صيد وهلك فعليه الضمان سواء نصبها في ملك نفسه أو ملك غيره لان نصب الشبكة يقصد بها الاصطياد فهو بمثابة الاخذ باليد (الثانية) لو ارسل كلبا فاتلف صيد اوجب عليه الضمان لان ارسال الكلب يسبب إلى الهلاك ولو كان الكلب مربوطا فحل رباطه فكذلك لان السبع شديد الضراوة بالصيد فيكفى في قصد الصيد حل الرباط وان كان الاصطياد لا يتم الا بالاغراء * ولو انحل الرباط لتقصيره في الربط نزل ذلك منزلة الحل وحكى الامام رحمه الله في هذه الصورة تردد الائمة فليكن قوله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 490 أو انحلال رباطه معلما بالواو لذلك وحيث اوجبنا الضمان في هذه المسائل فذلك إذا كان ثم صيد فان لم يكن فأرسل الكلب أو حل رباطه فظهر صيد فوجهان (أحدهما) انه لا يضمن إذا لم يوجد منه قصد الصيد (وأرجحهما) على ما رواه الامام انه يضمن لحصول التلف بسبب فعله وجهله لا يقدح فيه كما سنذكره في حفر البئر (الثالثة) لو نفر المحرم صيدا فتعثر فهلك أو اخذه سبع أو انصدم بشجر أو جبل وجب عليه الضمان سواء قصد تنفيره أو لم يقصد ويكون في عهدة المنفر إلى ان يعود الصيد إلى طبيعة السكون والاستقرار فلو هلك بعد ذلك فلا شئ عليه ولو هلك قبل سكون النفار ولكن بآفة سماوية ففى الضمان وجهان (أحدهما) يجب ويكون دوام أثر النفار كاليد المضمنة (وأشبهما) انه لا يجب لانه لم يهلك بسبب من جهة المحرم ولا تحت يده (الرابعة) لو حفر المحرم أو حفر في الحرم بئرا في محل عدوان فتردى فيها صيد وهلك فعليه الضمان ولو حفره في ملكه أو في موات فأما في حق المحرم فظاهر المذهب انه لا ضمان كما لو تردت فيها بهيمة أو آدمى ونقل صاحب التتمة وجها غريبا أنه يجب الضمان (وأما) في الحرم فوجهان مشهوران (أحدهما) انه لا ضمان كما لو حفر المحرم في ملكه (والثانى) يجب لان حرمة الحرم لا تختلف وصار كما لو نصب شبكة في الحرم في ملكه وأومأ صاحب التهذيب رحمه الله إلى ترجيح الوجه الاول لكن الثاني أشبه ويحكى ذلك عن الربيع وصاحب التلخيص ولم يورد في التتمة غيره * قال (ولو دل حلالا على صيد عصى ولا جزاء عليه وفى تحريم الاكل عليه منه قولان وما ذبحه لنفسه فأكله حرام عليه وهل هو ميتة في حق غيره فيه قولان وكذا صيد الحرم) * في الفصل مسألتان (إحداهما) لو دل الحلال محرما على صيد فقتله وجب الجزاء على المحرم ولا شئ على الحلال سواء كان الصيد في يده أو لم يكن نعم هو مسئ بالاعانة على المعصية ولو دل المحرم حلالا على صيد فقتله نظر ان كان الصيد في يد المحرم وجب عليه الجزاء لان حفظه واجب عليه ومن يلزمه الحفظ يلزمه الضمان إذا ترك الحفظ كما لو المودع السارق على الوديعة وإن لم يكن في يده وهو مسألة الكتاب فلا جزاء علي الدال ولا على القاتل أما القاتل فلانه حلال وأما الدال فكما لو دل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 491 رجلا على قتل انسان لا كفارة على الدال وساعدنا مالك رحمه الله على ذلك وقال أبو حنيفة رحمه الله ان كانت الدلالة ظاهرة فلا جزاء عليه وان كانت خفية ولولاها لما رأى الحلال الصيد يجب الجزاء وسلم في صيد الحرم انه لا جزاء على الدال * وعن أحمد ان الجزاء يلزم الدال والقاتل بينهما * وقوله في الكتاب وفي تحريم الاكل منه عليه قولان صريح في اثبات الخلاف في أن المحرم هل يجوز له أن يأكل من الصيد الذي دل عليه الحلال حتى قتله لكن الوجه ان تغير هذه اللفظة ويجوز أن يجعل مكانها وفي وجوب الجزاء عليه عند الاكل منه قولان أما التغيير فلانك إذا بحثت لم تر نقل الخلاف في جواز الاكل للمحرم والصورة هذه لا لغير صاحب الكتاب وله له في الوسيط وغيره بل وجدتهم جازمين بحرمة الاكل علي المحرم مما صيد له أو باعانته بسلاح وغيره أو باشارته ودلالته محتجين عليه بما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " لحم الصيد حلال لكم في الاحرام ما لم تصطادوه أو لم يصطد لكم " الجزء: 7 ¦ الصفحة: 492 وبما روى أن أبا قتاده رضى الله عنه " خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم فتخلف عن بعض أصحابه وهو حلال وهم محرمون فرأو احمر وحش فاستوى علي فرسه ثم سال أصحابه أن ينا ولوه سوطا فأبوا فسألهم رمحه فأبوا فأخذه وحمل على الحمر فعقر منها اتانا فأكل منها بعضهم وأبي بعضهم فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه فقال هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها قالوا لا قال فكلوا ما بقى من لحمها " أشعر ذلك بالتحريم إذا كان الاصطياد باعانته أو دلالته الجزء: 7 ¦ الصفحة: 493 أو له وعجيب أن يكون نقل القولين صوابا ثم يغفل عنه كل من عداه من الاصحاب وهو أيضا في غير هذا الكتاب (وأما) جواز التبديل بما ذكرت فلان القولين في أن ما صيد للمحرم أو بدلالته أو باعانته لو أكل منه هل يلزمه جزاؤه مشهوران (أحد) القولين وهو القديم وبه قال مالك واحمد رحمهما الله انه يلزمه القيمة بقدر ما أكل لان الاكل فعل محرم في الصيد فيتعلق به الجزاء كالقتل ويخالف ما لو ذبحه وأكله حيث لا يلزم بالاكل جزاء لان وجوبه بالذبح اغنى عن جزاء آخر (والجديد) انه لا يلزم لانه ليس بنام بعد الذبح ولا يؤول إلى النماء فلا يتعلق باتلافه الجزاء كما لو اتلف بيضة مذرة * (واعلم) أن هذه المسالة مذكورة في الكتاب من بعد وتبديل اللفظ يفضى الي التكرار لكنى لا أدرى على ماذا يحمل ان لم يحتمل التكرار * ولو امسك محرم صيدا حتي قتله غيره نظر ان كان حلالا فيجب الجزاء علي المحرم لتعدية بالامساك والتعريض للقتل وهل يرجع به علي الخلاف * قال الشيخ أبو حامد لا لانه غير ممنوع من التعرض للصيد وقال القاضى أبو الطيب نعم * هذا ما أورده في التهذيب وشبهه بما إذا غصب شيئا فاتلفه متلف في يده يضمن الغاصب ويرجع على المتلف وإن كان محرما أيضا فوجهان (أظهرهما) أن الجزاء كله على القاتل لانه مباشر ولا أثر للامساك مع المباشرة (والثاني) أن لكل واحد من الفعلين مدخلا في الهلاك فيكون الجزاء بينهما نصفين وقال في العدة الصحيح أن الممسك يضمنه باليد والقاتل يضمنه بالاتلاف فان أخرج الممسك الضمان رجع به على المتلف وان أخرج المتلف لم يرجع على الممسك (المسالة الثانية) إذا ذبح المحرم صيدا لم يحل له الاكل منه وهل يحل الاكل منه لغيره فيه قولان (الجديد) وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله أنه ميتة لانه ممنوع من الذبح لمعنى فيه فصار كذبيحة المجوسى فعلى هذا لو كان مملوكا وجب مع الجزاء القيمة للمالك (والقديم) أنه لا يكون ميتة ويحل لغيره الاكل منه لان من يحل بذبحه الحيوان الانسى يحل بذبحه الصيد كالحلال فعلى هذا لو كان الصيد مملوكا فعليه مع الجزاء ما بين قيمته حيا ومذبوحا للمالك وهل يحل له بعد زوال الاحرام فيه وجهان (أظهرهما) لا وفى صيد الحرم إذا ذبح طريقان (أظهرهما) طرد القولين والآخر القطع بالمنع والفرق أن صيد الحرم منع منه جميع الناس في جميع الاحوال فكان آكد تحريما وليكن قوله وكذا صيد الحرم معلما بالواو لمكان الطريقة الاخرى * قال (واثبات اليد عليه سبب الضمان الا ئاذا كان في يده فاحرم ففى لزوم رفع اليد قولان فان قلنا يلزم ففى زوال ملكه قولان وإن قلنا لا يلزم فلو قتله ضمن لانه ابتداء اتلاف * ولو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 494 اشترى صيدا وقلنا إن الاحرام لا يقطع دوام الملك ففيه قولان كما في شراء الكافر العبد المسلم والصحيح أنه يرث ثم يزول ملكه) * الثالثة من جهات الضمان اثبات اليد ويد المحرم على الصيد إما أن يقع ابتداؤها في حال الاحرام أو يكون ابتداؤها سابقا على الاحرام (أما) اثبات اليد عليه ابتداء في حال الاحرام فهو حرام غير مفيد للملك فإذا أخذ صيدا ضمنه كما يضمن الغاصب ما يتلف في يده بل لو تولد تلف الصيد بما في يده لزمه الضمان كما لو كان راكب دابة فاتلفت صيدا بعضها أو رفسها وكذا لو بالت في الطريق فزلق به صيد وهلك كما لو زلق به آدمى أو بهيمة (أما) لو انفلت بعيره فاصاب الصيد فلا شئ عليه نص علي ذلك كله (واما) إذا تقدم ابتداء اليد على الاحرام فان كان في يده صيد مملوك ثم احرم فهل يلزمه رفع اليد عنه فيه قولان (احدهما) لا كما لا يلزمه تسريح زوجته وان حرم ابتداء النكاح عليه (والثاني) نعم لان الصيد لا يراد للدوام فتحرم استدامته كالطيب واللباس ويحرم عليه النكاح فانه يقصد للدوام وهذا أصح القولين على ما ذكره المحاملى والكرخي وغيرهما من العراقيين (واعلم) أنا نعنى برفع اليد الارسال والاطلاق الكلي وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله يجب رفع اليد المتأبدة عنه ولا يجب رفع اليد الحكمية والارسال المطلق (التفريع) ان لم نوجب الارسال فهو على ملكه له بيعه وهبته لكن لا يجوز له قتله ولو قتله يجب الجزاء كما لو قتل عبده يلزمه الكفارة ولو أرسله غيره لزمه القيمة للمالك وإن قتله فكذلك فان كان محرما لزمه الجزاء أيضا ولا شئ على المالك كما لو مات * وان أوجبنا الارسال فهل يزول ملكه عنه فيه قولان (أحدهما) وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله لا كما لا يبين زوجته (والثاني) نعم كما يزول حل الطيب واللباس وهذا أصح عند العراقيين وعكس بعض الاصحاب الترتيب فوضع القولين في زوال الملك أولا ثم قال ان قلنا لا يزول الملك ففى وجوب الارسال قولان والامر فيه قريب (التفريع) ان قلنا يزول ملكه فارسله غيره أو قتله فلا شئ عليه ولو أرسله المحرم فاخذ غيره ملكه ولو لم يرسله حتى تحلل فهل عليه ارساله فيه وجهان (أحدهما) وهو المنصوص نعم لانه كان مستحق الارسال فلا يرتفع هذا الاستحقاق بتعدية بالامساك (والثانى) ويحكى عن أبى اسحق انه لا يجب ويعود ملكا له كالعصير إذا تخمر ثم تخلل وحكى الامام رحمه الله على هذا القول وجهين في أنه يزول بنفس الاحرام أو الاحرام يوجب عليه الارسال فإذا أرسل حينئذ يزول والاول أشبه بكلام الجمهور (وإن قلنا) لا يزول ملكه عنه فليس لغيره أخذه ولو أخذه لم يملكه ولو قتله ضمنه وهو بمثابة المنفلت من يده وعلى القولين جميعا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 495 لو مات الصيد في يده بعد إمكان الارسال لزمه الجزاء لانها مفرعان علي وجوب الارسال وهو مقصر بالامساك * ولو مات الصيد قبل إمكان الارسال فقد حكم الامام رحمه الله وجهين في وجوب الضمان وقال المذهب وجوبه ولا خلاف في أنه لا يجب تقديم الارسال على الاحرام (وقوله) في الكتاب ففى لزوم رفع اليد قولان يجوز أن يعلم لفظ القولين بالواو لان القاضى ابن كج روى عن أبي اسحق طريقة قاطعة بانه لا يلزم وحيث قال بالارسال اراد به الاستحباب (وقوله) لانه ابتداء اتلاف أراد به أنا على هذا القول وإن جوزنا استدامة اليد والملك فلا يجوز الاتلاف لان الاتلاف ليس باستدامة وإنما هو ابتداء فعل وكان الاحسن في التعبير عن هذا الغرض أن يقول لان الاتلاف ابتداء ثم في الفصل مسالتان (احداهما) لو اشترى المحرم صيدا أو اتهب أو أوصى له فقبل يفرع ذلك على الخلاف الذي سبق (ان قلنا) ان الملك يزول عن الصيد بالاحرام لا يملكه بهذه الاسباب لان من منع من ادامة الملك فهو أولي بالمنع من ابتدائه وان قلنا لا يزول ففى صحة الشراء والهبة قولان بناء على القولين فيما إذا شترى الكافر عبدا مسلما ويدل على المنع ما روى ان الصعب ابن جثامة " أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا فرده عليه فلما رأى ما في وجهه قال إنا لم نرد عليك إلا انا حرم " فان صححنا هذه العقود فذاك وإلا فليس له القبض فان قبض فهلك في يده فعليه الجزاء لله تعالي والقيمة للبائع وان رده عليه سقطت القيمة ولا يسقط ضمان الجزاء الا بالارسال وإذا أرسل كان كما إذا اشترى عبدا مرتدا فقتل في يده وفى أنه من ضمان من يتلف خلاف سنذكره في موضعه ان شاء الله تعالى * (الثانية) إذا مات له قريب وفى ملكه صيد هل يرثه ان جوزنا الشراء وغيره من الاسباب الاختيارية نعم والا فوجهان والاظهر ثبوته لانه لا اختيار فيه وعلي هذا فقد ذكر الامام وصاحب الكتاب انه يزول ملكه عقيب ثبوته بناء علي أن الملك يزول عن الصيد بالاحرام وفى التهذيب وغيره ما ينازع في زواله عقيب ثبوته لانهم قالوا إذا ورثه فعليه ارساله فان باعه صح ولا يسقط عنه ضمان الجزاء حتى لو مات في يد المشترى يجب الجزاء علي البائع وانما يسقط عنه إذا أرسله المشترى (وان قلنا) بانه لا يرث فالملك في الصيد لسائر الورثة واحرامه بالاضافة إلى الصيد مانع من موانع الميراث * كذا أورده أبو سعيد المتولي وذكر أبو القاسم الكرخي على هذا الوجه انه احق به فيوقف حتى يتحلل فيتملكه * ولو اشترى صيدا من انسان ووجد به عيبا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 496 وقد أحرم البائع فان قلنا يملك الصيد بالارث يرد عليه والا فوجهان لان منع الرد اضرار بالمشترى ولو باع صيدا وهو حلال وأحرم ثم أفلس المشترى بالثمن لم يكن له الرجوع علي الاصح كالشراء والاتهاب بخلاف الارث فانه قهرى ولو استعار المحرم صيدا أو أودع عنده كان مضمونا بالجزاء عليه وليس له التعرض له فان ارسله سقط عنه الجزاء وضمن القيمة للمالك وان رده إلى المالك لم يسقط عنه ضمان الجزاء ما لم يرسله المالك وحيث صار الصيد مضمونا على المحرم بالجزاء فان قتله حلال في يده فالجزاء علي المحرم وان قتله محرم آخر فالجزاء عليهما أو علي القاتل ومن في يده طريق فيه وجهان * قال (وإن أخذ صيد اليداوية كان وديعة (ح) والناسى كالعامد في الجزاء لا في الاثم ولو صال عليه صيد فلا ضمان في دفعه ولو أكله في مخمصة ضمن * ولو عم الجراد المسالك فتخطاه المحرم ففيه وجهان) * في هذه البقية صور (إحداها) لو خلص المحرم صيدا من فم هرة أو سبع أو من شق جدار أو اخذه ليداويه ويتعهده فمات في يده هل يضمن فيه قولان كما لو أخذ المغصوب من الغاصب ليرده علي الملك فهلك في يده (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة رحمة الله عليه يضمن لان المستحق لم يرض بيده فتكون يده يد ضمان (والثاني) لا يضمن لانه قصد المصلحة فتجعل يدوه ديعة والقولان معا منصوصان في عيون المسائل وايراده يقتضى ترجيح الثاني منهما وهو المذكور في الكتاب (الثانية) الناسي كالعامد في وجوب الجزاء لا في الاثم أما افتراقهما في الاثم فلما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " رفع عن أمتى الخطأ والنسيان " الخبر (وأما) استواؤهما في وجوب الجزاء فلان الاتلاف يوجب الضمان على العامد والخاطئ على نسق واحد بدليل الضمانات الواجبة للآدميين وخرج بعض الاصحاب في وجوب الضمان على الناسي قولين لانه حكي عن نصه قولان فيما إذا أحرم ثم جن وقتل صيدا (أحدهما) وجوب الضمان لما ذكرنا (والثاني) المنع لان الصيد على الاباحة وإنما يخاطب بترك التعرض الجزء: 7 ¦ الصفحة: 497 له من هو أهل للتكليف والخطاب * وقد ذكرنا هذا الخلاف مرة في النوع الرابع من المحظورات (وقوله) في الكتاب والناسي كالعامد يجوز اعلامه بالواو لذلك وبالالف أيضا لان أبا نصر بن الصباغ ذكر أن في رواية عن أحمد لا جزاء على المخطئ بحال (الثالثة) لو صال الصيد على محرم أو في الحرم فقتله دفعا فلا ضمان عليه لانه بالصيال التحق بالمؤذيات * وعن أبى حنيفة رحمه الله انه يجب ولو ركب إنسان صيدا وصال على محرم ولم يمكن دفعه إلا بقتل الصيد فقتله فالذي أورده الاكثرون انه يجب عليه الضمان لان الاذى ههنا ليس من الصيد * وحكى الامام أن القفال رحمه الله ذكر فيه قولين (أحدهما) ان الضمان على الراكب ولا يطالب به المحرم (والثاني) انه يطالب المحرم ويرجع بما غرم على الراكب * وان ذبح صيدا في مخمصة وأكله ضمن لانه أهلكه لمنفعة نفسه من غير ايذاء من الصيد * ولو اكره محرم أو محل في الحرم على قتل صيد فقتله فوجهان (أحدهما) ان الجزاء على المكره (والثاني) على المكره ثم يرجع على المكره وعن أبى حنيفة أن الجزاء في صيد الحرم علي المكره وفى الاحرام علي المكره (الرابعة) ذكرنا ان الجراد مما يضمن بالقيمومة بيضه مضمون بالقيمة كاصله فلو وطئها عامدا أو جاهلا ضمن ولو عمت المسالك ولم يجد بدا من وطئها فوطئها ففى الجزاء قولان وقال الامام وصاحب الكتاب وجهان (أحدهما) يجب لانه قتلها لمنفعة نفسه فصار كما لو قتل صيدا في المخمصة (وأظهرهما) لا يجب لانها الجأته إليه فاشبه صورة الصيال * وحكي الشيخ أبو محمد رحمه الله طريقة أخرى قاطعة بانه لا جزاء فيجوز أن يعلم قوله وجهان بالواو لذلك * ولو باض صيد في فراشه ولم يمكنه رفعه ألا بالتعرض للبيض وفسد بذلك ففيه هذا الخلاف * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 498 قال (النظر الثاني في الجزاء فالواجب في الصيد مثله من النعم أو طعام بمثل قيمة النعم أو صيام يعدل (ج) الطعام لك يوم مد فان انكسر مد كمل وهو على التخيير فان لم يكن مثليا كالعصافير وغيرها فقدر قيمته طعاما أو عدل ذلك صياما والعبرة في قيمة الصيد بمحل الاتلاف وفي قيمة النعم بمكة لانه محل ذبحه) * الصيد ينقسم إلى مثلي ونعنى به ماله مثل من النعم والى ما ليس بمثلى (أما) الاول فجزاؤه على التخيير والتعديل فيتخير بين أن يذبح مثله فيتصدق به على مساكين الحرم إما بأن يفرق اللحم أو يملك جملته إياهم مذبوحا ولا يجوز أن يخرجه حيا وبين أن يقوم المثل دراهم ثم لا يجوز أن يتصدق بالدراهم ولكن ان شاء اشترى بها طعاما وتصدق به على مساكين الحرم وإن شاء صام عن كل مد من الطعام يوما حيث كان قال الله تعالى (فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم) إلى قوله صياما (وأما) الثاني وهو ما ليس بمثلى كالعصافير وغيرها من الطيور على ما ستعرف ضروبها ففيه قيمته ولا يتصدق بها بل يجعلها طعاما ثم إن شاء تصدق بها وان شاء صام عن كل مد يوما فان انكسر مد في القسمين صام يوما لان الصوم لا يتبعض * وإذا تأملت هذا التفصيل عرفت ان للجزاء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 499 ثلاثة أركان في القسم الاول الحيوان والطعام والصيام وركنين في الثاني وهما الطعام والصيام وهي أو هما على التخيير في ظاهر المذهب * وعن رواية ابي ثور قول انها على الترتيب وهو أضعف الروايتين عن احمد وقال مالك رحمه الله ان لم يخرح المثل عن المثلى يقوم الصيد لا المثل * وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يجب المثل بل عليه قيمة الصيد فان شاء تصدق بها وان شاء اشترى بها شيئا من النعم التي تجزى في الاضحية فذبح وان شاء صرفها إلى الطعام فاعطى كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من غيره أو صام عن كل نصف صاع من بر أو صاع من غيره يوما * وعن احمد انه لا يخرج الطعام وانما التقويم بالطعام لمعرفة قدر الصيام وحكاية هذه المذاهب تنبئك ان قوله في الكتاب مثله من النعم ينبغي ان يكون معلما بالحاء (وقوله) أو طعام بالالف (وقوله) مثل قيمة النعم بالميم (وقوله) لكل مد يوم بالحاء (وقوله) على التخيير بالالف والواو * وإذا لم يكن الصيد مثليا فالعبرة في قيمته بمحل الاتلاف وان كان مثليا واراد تقويم مثله من النعم ليرجع إلى الاطعام أو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 500 الصيام فالعبرة في قيمته بمكة يومئذ * هذا نصه ونقل بعض الشارحين فيه طريقين (أصحهما) الجريان على ظاهر النصين (أما) اعتبار قيمة محل الاتلاف في الحالة الاولى فقياسا على كل متلف متقوم (وأما) اعتبار قيمة مكة في الاخرى فلان محل ذبح المثل مكة لو كان يذبح فإذا عدل عنه عدل بقيمته في محل الذبح (والطريق الثاني) انهما على قولين وحيث اعتبرنا قيمة مكان الاتلاف فقد ذكر الامام احتمالين في أن المعتبر في الصرف إلى الطعام سعر الطعام في ذلك المكان أيضا أو سعر الطعام بمكة والظاهر منهما الثاني * قال (والمثلي كالنعامة ففيه بدنة وفي حمار الوحش بقرة وفي الضبع كبش وفي الارنب عناق وفي الظبي عنز وفي اليربوع جفرة وفي الصغير صغير وفي الكبير كبير ويحكم بالمماثلة عدلان فان كان القاتل أحدهما وهو مخطئ غير فاسق ففي جوازه وجهان * وفي الحمام شاة وفي معناه القمري والفواخت وكل ما عب وهدر * وما دونه فيه القيمة وما فوقه فيه قولان (أحدهما) القيمة قياسا والثاني الحاقه بالحمام) * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 501 من المهم في الباب معرفة أن المثل ليس معتبرا على التحقيق وانما هو معتبر على التقريب وليس معتبرا في القيمة بل في الصورة والخلقة لان الصحابة رضى الله عنهم حكموا في النوع الواحد من الصيد بالنوع الواحد من النعم مع اختلاف البلاد وتفاوت الازمان واختلاف القيم بحسب اختلافها فعلم أنهم اعتبروا الخلقة والصورة * إذا تقرر ذلك فالكلام في الدواب ثم في الطيور (أما) الدواب فما ورد فيه نص فهو متبع وكذلك كل ما حكم فيه عدلان من الصحابة أو التابعين أو من أهل عصر آخر من النعم أنه مثل للصيدا لمقتول يتبع حكمهم ولا حاجة إلى تحكيم غيرهم قال الله تعالى (يحكم به ذوا عدل منكم) وقد حكما * وعن مالك أنه لا بد من تحكيم عدلين من أهل العصر وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم " انه قضى في الضبع بكبش " وعن الصحابة رضى الله عنهم أنه قضوا في النعامة ببدنة وفي حمار الوحش وبقر الوحش ببقرة وفي الغزال بعنز وفي الارنب بعناق وفي اليربوع بجفرة وعن عثمان رضى الله أنه حكم في أم حبين بحلان وعن عطاء ومجاهد أنهما حكما في الوبر بشاة * قال الشافعي رضى الله عنه إن كانت العرب تأكله ففيه جفرة لانه ليس بأكبر بدلا منها وعن عطاء ان في الثعلب شاة وعن عمر رضى الله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 502 عنه أن في الضب جديا وعن بعضهم أن في الابل بقرة * واعف ههنا شيئين (أحدهما) تفسير ما يشكل من هذه الالفاظ. أما العناق فهو اسم الانثى من ولد المعز قال أهل اللغة وهي عناق من حين تولد إلى أن ترعى والجفرة هي الانثى من ولد المعز تفطم وتفصل عن أمها وتأخذ في الرعي وذلك بعد اربعة اشهر والذكر جفر هذا معناهما في اللغة ويجب أن يكون المراد من الجفرة ههنا ما دون العناق فان الارنب خير من اليربوع وأم حبين دابة على خلقة الحرباء عظيمة البطن ومنه ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال ممازحا لبلال رضى الله عنه وقد تدحرج بطنه " أم حبين " قال الشيخ أبو محمد وأرى هذا الحيوان من صغار الضب حتى يفرض مأكولا * واعلم أن في حل أم حبين ترددا نذكره في كتاب الاطعمة ان شاء الله تعالى والقول بوجوب الجزاء مفرع على الحل (وأما) الحلان فمنهم من فسره بالحمل ومنهم من فسره بالجدي والحلام كالحلان والوبر دابة كالجراد الا أنها أنبل وأكرم منها وهي كحلاء من جنس بنات عرس تكون في الفلوات وربما أكلها البدويون والانثى وبرة (الثاني) قد نجد في كتب بعض الاصحاب أن في الظبي كبشا وفي الغزال عنزا وهكذا أورد أبو القاسم الكرخي وزعم أن الظبي ذكر الغزال وأن الغزال الانثى قال الامام والذي ذكره هؤلاء وهم بل الصحيح أن في الظبي عنزا وهو شديد الشبه به فانه اجرد الشعر متقلص الذنب وأما الغزال فهو ولد الظبي فيجب فيه ما يجب في الصغار فهذا هو القول فبما ورد فيه نقل وأما ما لم ينقل فيه عن السلف شئ فيرجع فيه إلى قول عدلين قال الله تعالى (يحكم به ذوا عدل منكم) وليكونا فقيهين كيسين وهل يجوز أن يكون قاتل الصيد أحد الحكمين أو يكونا قاتلا الصيد الحكمين ان كان القتل عمدا وعدوانا فلا لانه يورث الفسق والحكم لا بد وأن يكون عدلا وان كان خطأ أو كان مضطرا إليه فوجهان (احدهما) وبه قال مالك انه لا يجوز كما لا يجوز ان يكون المتلف أحد المقومين (واصحهما) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 503 انه يجوز لما روى " ان رجلا قتل ضبا فسأل عمر رضى الله عنه فقال احكم فيه فقال انت خير مني وأعلم يا امير المؤمنين فقال انا امرتك ان تحكم فيه ولم آمرك ان تزكيني فقال الرجل ارى فيه جديا فقال عمر رضى الله عنه فذلك فيه " وايضا فانه حق الله تعالى فيجوز ان يكون المؤمن عليه امينا فيه كما ان رب المال امين في الزكاة * ولو حكم عدلان بان له مثلا وآخر عن بانه لا مثل له فلا خذ بقول الاولين إلى قاله في العدة. (واما) الطيور فتقسم إلى حمام وغيره أما الحمام ففيه شاة روى ذلك عن عمر وعثمان وعلى وابن عمر وابن عباس وعاصم بن عمر وعطاء وابن المسيب وغيرهم رضى الله عنهم وعلام بني ذلك فيه وجهان (أحدهما) أن ايجابها لما بينهما من الشبه فان كل واحد منهما يألف البيوت ويأنس بالناس (واصحهما) أن مستنده توقيف بلغهم فيه (وأما) غيره فان كان أصغر من الحمام في الجثة كالزرزور والعصفورة والبلبل والقنبرة والوطواط فالواجب فيه القيمة قياسا وقد روى عن الصحابة رضى الله عنهم أنهم حكموا في الجراد بالقيمة ولم يقدروا * وان كان أكبر من الحمام أو مثلا له ففيهما قولان (أحدهما) أن الواجب شاة لانها لما وجبت في الحمام فلان تجب فيما هو أكبر منه كان أولى (والثاني) وهو الجديد وأحد قوليه في القديم أن الواجب القيمة قياسا كما لو كان أصغر * وعن الشيخ أبي محمد ان بناء القولين على المأخذين السابقين ان قلنا وجوب الشاة توقيف صرف ففي الاكبر أيضا شاة استدلالا وان قلنا انه ماخوذ من المشابهة بينهما فلا وقوله في الكتاب ففيها بدنة وفي حمار الوحش بقرة إلى آخرها يجوز إعلامها بالحاء لان أبا حنيفة رحمه الله لا يوجب المثل في شئ من الصيود (وقوله) وفي الصغير صغير أراد به أن كل جنس من الصيود المثلية يعتبر فيما يجب فيه من النعم المماثلة في الصغر والكبر ففي الصغير صغير وفي الكبير كبير لظاهر قوله تعالى (مثل ما قتل من النعم) والكلمة معلمة بالميم لان عند مالك الواجب الكبير وان كان الصيد صغيرا وقوله وهو مخطئ غير فاسق قد عرفت مما مر أنه لم يذكره (وقوله) وفي الحمام شاة معلم بالميم لان مالكا إنما يوجب الشاة في حمامة الحرم وأما حمامة الحل إذا قتلها المحرم فالواجب عنده فيها القيمة (وقوله) وفي معناه القمري والفواخت وكل ما عب وهدر ظاهره يقتضى خروج هذه الطيور عن تفسير الحمام والحاقها به في الحكم لكن المشهور أن اسم الحمام يقع على كل ما عب وهدر فمنه صغار وكبار ويدخل فيه اليمام وهي التي تالف البيوت والقمري والفاختة والداس والفاس والقطا * والعب هو شرب الماء جرعا وغير الحمام من الطيور تشربه قطرة قطرة والهدير هو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 504 ترجيعه صوته وتغريده والا شبه أن ماله عب فله هدير ولو اقتصروا في تفسير الحمام على العب لكفاهم ذلك * يدل عليه نص الشافعي رضى الله عنه في عيون المسائل قال وما عب في الماء عبا فهو حمام وما شرب قطرة قطرة كالدجاج فليس بحمام * قال (فروع يجوز مقابلة المريض بالمريض وفي مقابلة الذكر بالانثى مع التساوي في اللحم والقيمة ثلاثة أقوال في الثالث تؤخذ الانثى عن الذكر كما في الزكاة بخلاف عكسه) * رسم المسائل المذكورة في هذا الموضع إلى راس السبب الثاني فروعا ونحن نشرحها واحدا واحدا (أحدها) المريض من الصيود يقابل بالمريض من مثله من النعم وكذلك المعيب بالمعيب إذا اتحد جنس العيب كالعوراء بالعوراء وان اختلف الجنس فلا كالعوراء بالحوراء وان كان عور أحدهما باليمين وعور الاخرى باليسار ففي الاجزاء وجهان (أصحهما) ولم يورد العراقيون غيره الاجزاء لتقارب الامر فيه ولو قابل المريض بالصحيح أو المعيب بالسليم فقد زاد خيرا وقال مالك إن ذلك واجب ويفدى الذكر بالذكر والانثى بالانثى وهل يفدى الذكر بالانثى وبالعكس أما فداء الذكر بالانثى فقد ذكروا أن اشارة النص مختلفة فيه وللاصحاب فيه طريقان (أظهرهما) ان المسألة على قولين (أحدهما) المنع لانهما مختلفان في الخلقة وذلك مما يقدح في المثلية (وأصحهما) الجواز كما في الزكاة ولان هذا اختلاف لا يقدح في المقصود الاصلي فاشبه الاختلاف في اللون (والطريق الثاني) تنزيل النصين على حالين ان أراد الذبح لم يجز لان لحم الذكر أطيب وإن أراد التقويم جاز لان قيمة الانثى أكثر (وقيل) ان لم تلد الانثى جاز وان ولدت فلا لان الولادة تفسد اللحم وإذا جوزنا ذبح الانثى عن الذكر فهل هو أولى قال بعضهم نعم لان لحم الانثى أرطب وقال القاضي أبو حامد لا لان لحم الذكر أطيب (وأما) فداء الانثى بالذكر ففي جوازه وجهان ويقال قولان كما سبق وحكي الامام طريقة أخرى أن فداء الذكر بالانثى جائز لا محالة كما في الزكاة وإنما التردد في عكسه وإذا اختصرت هذه الاختلافات خرج منها ثلاثة أقوال كما ذكر في الكتاب وإذا تأملت ما حكيناه من كلام الاصحاب وجدتهم طاردين للخلاف مع نقصان اللحم * وقال الامام رحمه الله ان كان ما يخرجه ناقصا في طيب اللحم أو في القيمة لم يجزه بلا خلاف والخلاف مخصوص بما إذا لم يكن فيه واحد من النقصانين والى هذا أشار صاحب الكتاب بقوله مع تساوي اللحم والقيمة * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 505 قال (ولو قتل ظبية حاملا أخرج طعاما بقيمة شاة حامل حتى لا تفوت فضيلة الحمل بالذبح وقيل يذبح شاة حائلا بقيمه الحال ولو القت الظبية جنينا ميتا فليس فيه الا ما ينقص من الام وان انفصل حيا ثم مات فعليه جزاؤة) * الفرع الثاني إذا قتل صيدا حاملا من ظبية وغيرها قابلناه بمثله من النعم حاملا لان الحمل فضيلة مقصودة فلا سبيل إلى اهمالها لكن لا تذبح الحامل لان فضيلة الحامل بالقيمه لتوقع الولد والا فلحم الحائل خير من لحمه فإذا ذبح فاتت فضيلته من غير فائدة تحصل للمساكين فيقوم المثل حاملا ويتصدق بقيمته طعاما وفي وجه يجوز ان يذبح حائلا نفيسا بقيمة حامل وسط ويجعل التفاوت بينهما كالتفاوت بين الذكر والانثى * ولو ضرب بطن صيد حامل فالقى جنينا ميتا نظر ان ماتت الام أيضا فهو كما لو قتل حاملا وان عاشت ضمن النقص الذي دخل على الام ولا يضمن الجنين بخلاف جنين الامة يضمن بقيمة عشر الام لان الحمل يزيد في البهائم فيمكن ايجاب ما بين قيمتها حائلا وحاملا وينقص في قيمة الآدميات فلا يمكن اعتبار ذلك وان القت جنينا حيا ثم مات ضمن كل واحد منهما بانفراده وان مات الولد وعاشت الام ضمن الولد بانفراده وضمن النقص الذي دخل على الام * قال (وان جرح ظبيا فنقص من قيمته العشر فعليه الطعام بعشر ثمن شاة كيلا يحتاج إلى التجزئة وقيل عشر شاة) * الفرع الثالث قال الشافعي رضى الله عنه في المختصر ان جرح ظبيا فنقص من قيمته العشر فعليه عشر من ثمن شاة وقال المزني تخريجا عليه عشر شاة واختلف الاصحاب في ذلك فقال الاكثرون الامر على ما قاله المزني لان كل الظبية مقابل بالشاة فيقابل بعضها ببعضها تحقيقا للمماثلة وهؤلاء رفعوا الخلاف وقالوا انما ذكر الشافعي رضي الله عنه القيمة لانه قد لا يجد شريكا في ذبح شاة ويتعذر عليه إخراج العشر بقسطه من الحيوان فارشد إلى ما هو الاسهل فان جزاء الصيد على التخيير فعلى هذا هو مخير بين اخراج العشر وبين ان يصرف قيمته إلى الطعام ويتصدق به وبين أن يصوم عن كل مد يوما ومنهم من جرى على ظاهر النص وقال الواجب عشر القيمة وأثبت في المسألة قولين (المنصوص) وما أخرجه المزني رحمه الله وهذا ما أورده في الكتاب (أما) وجه التخريج فقد عرفته (وأما) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 506 وجه المنصوص فهو أنا لو أوجبنا العشر لاحتاج إلى التجزئة والتقسيط وفيه حرج وعسر فوجب أن نعدل إلى غيره كما عدلنا عن ايجاب جزء من بعير في خمس من الابل إلى شاة ولا يلزم من مقابلة الجملة بالمثل مقابلة الجزء بجزء من المثل الا ترى أنه لو أتلف حنطة على انسان لزمه مثلها ولو بلها ونقص قيمتها لا يجب عليه الا ما نقص فعلى هذا لو لم يرد الاطعام ولا الصيام مالذي يخرج حكى القاضي ابن كج أن عن بعضهم أنه ان وجد شريكا أخرجه ولم يخرج الدراهم والا فعليه اخراجها * وعن أبي هريرة ان له اخراجها وان وجد شريكا * وعن أبي اسحق أنه مخير بين اخراج العشر وبين اخراج الدراهم فهذه ثلاثة أوجه * ونقل أبو القاسم الكرخي وغيره أنه لا يجزئه اخراج عشر المثل وقال في التهذيب لا يتصدق بالدراهم ولكن يصرفها إلى الطعام ويتصدق به أو يصوم عن كل مد يوما * وهذا ما أشار إليه في الكتاب حيث قال فعليه الطعام بعشر ثمن المثل والاشبه من هذا كله تفريعا على المنصوص ان أثبتنا الخلاف تعين الدراهم والله أعلم وقوله بعشر ثمن شاة أراد بالثمن القيمة كما في لفظ الشافعي رضى الله عنه (واعلم) أن جميع ما ذكرناه فيما إذا كان الصيد مثليا فأما إذا جنى على صيد غير مثلى فلا كلام في أن الواجب ما نقص من القيمة والله أعلم * قال (ولو أزمن صيدا فكمال جزائه فان قتله غيره فعليه جزاؤه معيبا ولو أبطل قوة المشي والطيران من النعامة ففي تعدد الجزاء وجهان) * ما ذكرنا في الفرع الثالث مصور فيما إذا اندمل الجرح وبقى الصيد ممتنعا اما بعدوه كالغزال أو بطيرانه كالحمام فأما إذا اندمل الجرح وصار الصيد زمنا فهذا هو الفرع الرابع وفيما يلزم به وجهان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب وبه قال أبو حنيفة رحمه الله انه يلزم به جزاء كامل لانه بالازمان صار كالمتلف ولهذا لو أزمن عبدا يلزمه تمام قيمته (والثاني) ويحكى عن ابن سريج انه يجب عليه قد النقصان لانه لم يهلك بالكلية ألا ترى أن الباقي مضمون لو قتله محرم آخر فعلى هذا يجب قسط من المثل أو من قيمة المثل فيه الكلام السابق * ولو جاء محرم آخر وقتله إما بعد الاندمال أو قبله فعليه جزاؤه مزمنا لما ذكرنا ان المعيب يقابل بمثله ويبقى الجزاء على الاول بحاله ومنهم من قال ان أوجبنا جزاءا كاملا عاد ههنا إلى قدر النقصان لانه يبعد ايجاب جزاءين لمتلف واحد ولو عاد المزمن وقتله نظر ان قتله قبل الاندمال فليس عليه الا جزاء واحد كما لو قطع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 507 يدى رجل ثم حز رقبته قبل الاندمال لا يلزمه الا دية واحدة وخرج ابن سريج رحمه الله ثم ان أرش الطرف ينفرد عن دية النفس فيجئ مثله ههنا * وان قتله بعد الاندمال أفرد كل واحد منهما بحكمه ففي القتل جزاؤه مزمنا وفيما يجب بالازمان الخلاف السابق وإذا اوجبنا بالازمان جزاءا كاملا فلو كان للصيد امتناعان كالنعامة لها امتناع بشدة العدو وامتناع في الجناح فأبطل أحد امتناعيه ففيما يلزمه وجهان (احدهما) انه يتعدد الجزاء لتعدد الامتناع (وأصحهما) انه لا يتعدد لاتحاد المنع وعلى هذا فما الذي يجب قال الامام الغالب على الظن أنه يعتبر ما نقص لان امتناع النعامة في الحقيقة واحد الا انه يتعلق بالرجل والجناح فالزائل بعض الامتناع * ولو جرح صيدا فغاب ثم وجده ميتا ولم يدر انه مات بجراحته أو بسبب حادث فالواجب جزاء كامل أو ضمان الجرح فقط كما لو علم انه مات بسبب آخر فيه قولان والله أعلم * قال (وإذا أكل من لحم صيد ذبحه غيره حل له إلا إذا صيد له (ح) أو صيد بدلالته فلا يحل الاكل منه فان أكل ففي وجوب الجزاء قولان ولو أكل من صيد ذبحه لم يتكرر الجزاء (ح) بالاكل) * الفرع الخامس قد مر ان المحرم يحرم عليه الاصطياد والاكل من صيد ذبحه وانه يحرم عليه الاكل أيضا مما اصطاد له حلال أو باعانته أو بدلالته فأما ما ذبحه حلال من غير اعانته ودلالته فلا يحرم الاكل منه لما روينا من حديث أبي قتادة وغيره وقوله في الكتاب إذا صيد له معلم بالحاء لان عند أبي حنيفة إذا لم يعن ولم يأمر به لم يحرم عليه ولا عبرة بالاصطياد له من غير أمره ولم يحك حجة الاسلام رحمه الله ههنا خلافا في حل ما صيد بدلالته وحكى قبل في هذا قولين والحق ما فعله ههنا وتكلمنا على المذكور من قبل وشرحنا في أثناء الكلام المسألة التي أوردها ههنا وهي قوله فان أكل أي مما صيد له أو بدلالته ففي وجوب الجزاء قولان ولو أكل المحرم من صيد ذبحه بنفسه لم يلزمه بالاكل شئ آخر وقال أبو حنيفة رحمه الله يلزمه القيمة بقدر ما أكل وسلم في صيد الحرم انه لا يلزم في أكله بعد الذبح شئ آخر * لنا قياس الاول على الثاني * قال (ولو اشترك المحرمون في قتل صيد واحد أو قتل القارن صيدا أو قتل المحرم صيدا حرميا اتحد الجزاء لاتحاد (ح) المتلف) * الفرع السادس إذا اشترك محرمان أو محرمون في قتل صيد لم يلزمهم الا جزاء واحد وبه قال أحمد خلافا لابي حنيفة ومالك رحمهما الله حيث قالا يجب على كل واحد جزاء كامل * لنا ان المقتول واحد فيتحد جزاؤه كما لو اشتركوا في قتل صيد حرمى ويفارق ما إذا اشترك جماعة في قتل آدمي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 508 حيث يجب علي كل احد منهم كفارة كاملة على الصحيح لان كفارة الصيد تتجزأ ألا ترى انها تختلف بصغر المقتول وكبره ويجب إذا جرح الصيد بقدر النقصان وكفارة الآدمى لا تختلف بصغر المقتول وكبره ولا تجب في الاطراف * ولو اشترك محل ومحرم في قتل صيد فعلى المحرم نصف الجزاء ولا شئ على المحل * ولو قتل المحرم القارن صيد لم يلزمه الا جزاء واحد وكذا لو باشر غيره من محظورات الاحرام وبه قال مالك وكذا أحمد في أظهر الروايتين خلافا لابي حنيفة حيث قال يلزمه جزاآن * لنا ما سبق في الصورة الاولى * ولو قتل الحرم صيدا حرميا لم يلزمه الا جزاء واحد لاتحاد المتلف وهذا كما ان الدية لا تتغلظ مرارا باجتماع أسباب التغليظ * قال (السبب الثاني للتحريم الحرم وجزاؤه كجزاء الاحرام (ح) ويجب على من رمى من الحل الي الحرم أو بالعكس ولو قطع السهم في مروره هواء طرف الحرم فوجهان ولو تخطي الكلب طرف الحرم فلا جزاء الا إذا لم يكن له طريق سواه * ولو أخذ حمامة في الحل فهلك فرخها في الحرم أو بالعكس ضمن الفرخ) * صيد حرم مكة حرام على المحل والمحرم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " ان الله تعالى حرم مكة لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها قال العباس الا الاذخر يا رسول الله فانه لبيوتنا وقبورنا فقال الا الاذخر " والقول في الصيد المحرم وفيما يجب به الجزاء وفى أن الجزاء ماذا يقاس بما سبق في الاحرام الا أن المحرم ليس له ذبح الصيد الذى يملكه وفى وجوب ارساله إذا أحرم الخلاف الذى مر ولو أدخل الحرم صيدا مملوكا له كان له أن يمسكه ويذبحه كيف شاء كالنعم لانه صيد الحل دون الحرم وقال أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله ليس له ذبحه ولو ذبح فعليه الجزاء * واعلم قوله في االكتاب وجزاؤه كجزاء الاحرام بالحاء لان عند أبى حنيفة لا مدخل للصيام في جزاء صيد الحرم * لنا انه صيد مضمون بالجزاء فكان جزاؤه كجزاء الصيد في حق المحرم * ثم في الفصل مسألتان (إحداهما) لو رمى من الحل إلي صيد في الحرم فقتله فعليه الضمان لانه أصاب الصيد في موضع آمن ولو رمى من الحرم إلى صيد في الحل فقتله فعليه الضمان أيضا لان الصيد محرم على من في الحرم وكذا الحكم في ارسال الكلب * وكذا لو رمى حلال إلي صيد فاحر قبل أن يصيبه أو رمى محرم إلى صيد فتحلل قبل أن يصيبه وجب الضمان في الحالتين * ولو رمي إلى صيد بعضه في الحل وبعضه في الحرم وجب الضمان أيضا تغليبا للحرمة والاعتبار بالقوائم ولا نظر إلى الرأس ولو رمي من الحل إلى صيد في الحل ولكن قطع السهم في مروره هواء الحرم ففى وجوب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 509 الضمان وجهان (أحدهما) لا يجب لوقوع الطرفين في الحل فصار كما لو أرسل كلبا في الحل إلى صيد في الحل فتخطى طرف الحرم (والثانى) يجب لانه أوصل السهم إليه في الحرم ويخالف مسألة الكلب لان للكلب فعلا واختيارا والسهم لا اختيار له ولهذا قالوا لو رمى إلى صيد في الحل فعدا الصيد ودخل الحرم فأصابه السهم وجب الضمان وبمثله لو أرسل كلبا لا يجب ولو رمى إلى صيد الحل فلم يصبه واصاب صيدا في الحرم وجب الضمان وبمثله لو أرسل كلبا لا يجب فدل على الفرق ويشبه أن يكون هذا أظهر الوجهين ولم يورد صاحب العدة غيره * ثم في مسألة ارسال الكلب وتخطيه طرف الحرم انما لا يجب الضمان إذا كان للصيد مفر آخر فاما إذا تعين دخوله الحرم عند الهرب فالضمان واجب لا محالة سواء كان المرسل عالما بالحال أو جاهلا غير انه لا يأثم إذا كان جاهلا (الثانية) لو أخذ حمامة في الحل أو قتلها فهلك فرخها في الحرم ضمن الفرخ لانه أهلكه بقطع من يتعهده عنه فاشبه ما لو رمى من الحل إلى الحرم ولا يضمن الحمامة لانها مأخوذة من الحل وعلى عكسه لو أخذ الحمامة من الحرم أو قتلها فهلك فرخها في الحل ضمن الحمامة والفرخ جميعا أما الحمامة فلانها مأخوذة من الحرم وأما الفرخ فكما لو رمى من الحرم إلي الحل ولما جمع صاحب الكتاب بين الطرفين اقتصر في الحكم على ما يشتركان فيه وهو ضمان الفرخ وسكت عن ضمان الحمامة * ولو نفر * صيدا حرميا قاصدا أو غير قاصد تعرض للضمان حتى لو مات بسبب التنفير بصدمة أو أخذ سبع لزمه الضمان ولو دخل الحل فقتله حلال فعلى المنفر الضمان أيضا قاله في التهذيب بخلاف ما لو قتله محرم يكون الجزاء عليه تقديما للمباشرة * (فرع) لو دخل الكافر الحرم وقتل صيدا وجب عليه الضمان لان هذا ضمان يتعلق بالاتلاف فاشبه ضمان الاموال * وقال الشيخ أبو إسحق الشيرازي يحتمل عندي أن لا يجب لانه غير ملتزم حرمة الحرم * قال (ونبات الحرم أيضا يحرم قطعه أعنى ما نبت بنفسه دون ما يستنبت ويستثنى عنه الاذخر لحاجة السقوف ولو اختلا الحشيش للبهائم جاز (ح) على أحد الوجهين كما لو سرحها فيه ولو استنبت ما ينبت أو نبت ما يستنبت كان النظر إلى الجنس (و) لا ألي الحال حتى لو نقل اراكا حرميا وغرسه في الحل لم ينقطع حكم الحرم ثم في قطع الشجرة الكبيرة بقرة (م ح) وفى الصغيرة شاة (م ح) وفيما دونهما القيمة كما في الصيد وفى القديم لا يجب (ح) في النبات ضمان) * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 510 قطع نبات الحرم حرام كاصطياد صيده للخبر الذى قدمناه وهل يتعلق به الضمان فيه قولان (أصحهما) وبه قال أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله نعم لان ممنوع من اتلافه لحرمة الحرم فيجب به الضمان كالصيد (والثانى) ويحكى عن القديم لا وبه قال مالك لان الاحرام لا يوجب ضمان الشجرة فكذلك الحرم * إذا عرفت ذلك فنفصل ونقول النبات شجر وغيره أما الشجر فيحرم التعرض بالقطع والقلع لكل شجر رطب غير مؤذ حرمى فيخرج بقيد الرطب الشجر اليابس فلا شئ في قطعه كما لو قد صيدا ميتا نصفين وبقيد غير المؤذى العوسج وكل شجرة ذات شوك فانها بمثابة الفواسق وسائر المؤذيات فلا يتعلق بقطعها ضمان * هذا هو المشهور ونقل صاحب التتمة وجها آخر انها مضمونة وزعم انه الصحيح لاطلاق الخبر ويفارق الحيوانات فانها تقصد بالاذية ويخرج بقيد الحرمى أشجار الحل ولا يجوز أن يقطع شجرة من أشجار الحرم وينقلها إلى الحل محافظة على حرمتها ولو نقل فعليه الرد بخلاف ما لو نقل من بقعة من الحرم إلى أخرى لا يؤمر بالرد وسواء نقل أشجار الحرم وأغصانها إلى الحل أو الحرم فينظر ان لم ينبت فعليه الجزاء وان نبت في الموضع المنقول إليه فلاجزاء عليه ولو قلعها قالع لزمه الجزاء استبقاء لحرمة لحرم وعلى عكسه لو قلع شجرة من الحل وغرسها في الحرم فنبتت فلا يثبت لها حكم الحرم بخلاف الصيد يدخل الحرم فيجب الجزاء بالتعرض له لان الصيد ليس باصل ثابت فالوجه اعتبار مكانه والشجر أصل ثابت فله حكم منبته حتى لو كان أصل الشجرة في الحرم وأغصانها في الحل فقطع من أغصانها شيئا فعليه ضمان الغصن ولو كان عليه صيدا فاخذه فلا جزاء عليه وعلى عكسه لو كان اصلها في الحل واغصانه في الحرم وقطع غصنا منها فلا شئ ولو كان عليه صيد فاخذه فعليه الجزاء * وإذا قطع غصنا من شجرة حرمية ولم يخلف فعليه ضمان النقصان وسبيله سبيل جرح الصيد وان اخلف في تلك السنة لكون الغصن لطيفا كالسواك وغيره فلا ضمان وإذا وجب الضمان فلو نبت مكان المقطوع مثله ففى سقوط الضمان قولان كالقولين في السن إذا نبت بعد القلع * ويجوز أخذ أوراق الاشجار لكنها لا تهش حذرا من أن يصيب لحاها (وأما) الشجرة التامة فتضمن ببقرة ان كانت كبيرة وبشاة ان كانت دونها يروى ذلك عن ابن الزبير وابن عباس رضى الله عنهم وغيرهما ومثل هذا لا يطلق الا عن توقيف * قال الامام ولا شك أن البدنة في معنى البقرة وأقرب قول في ضبط الشجرة المضمونة بالشاة أن تقع قريبة من سبع الكبيرة فان الشاة من البقرة سبعا فان صغرت جدا فالواجب القيمة * والامر في ذلك كله على التعديل والتخيير كما في الصيد وهل يعم التحريم والضمان ما ينبت بنفسه من الاشجار الجزء: 7 ¦ الصفحة: 511 وما يستنبت أم يختص بالضرب الاول ذكروا فيه قولين (احدهما) التعميم لان لفظ الخبر مطلق (والثانى) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله التخصيص بالضرب الاول تشبيها للمستنبتات بالحيوانات الانسية وبالزرع والاول اصح عند ائمتنا العراقيين وتابعهم الاكثرون ومنهم من قطع به لكن الامام وصاحب الكتاب اجابا بالثاني وإذا قلنا به زاد في الضابط قيدا آخر وهو كون الشجر مما ينبت بنفسه وعلي هذا يحرم قطع الطرفا والاراك والعضاة وغيرها من اشجار البوادى وادرج في النهاية العوسج فيها لكنه ذو شوك وفيه ما كتبناه ولا تحرم المستنبتات مثمرة كانت كالنخل والكرم أو غير مثمرة كالصنوبر والخلاف ومما يتفرع على هذا القول انه لو استنبت بعض ما ينبت بنفسه على خلاف الغالب أو نبت بعض ما يستنبت الام ننظر حكى الامام عن الجمهور أن النظر إلى الجنس والاصل فيجب الضمان في الصورة الاولي ولا يجب في الثانية وعن صاحب التلخيص أن النظر إلى القصد والحال فيعكس الحكم فيهما والاول هو الذى أورده في الكتاب * (وأما) غير الاشجار فان حشيش الحرم لا يجوز قطعه للخبر ولو قطعه فعليه قيمته ان لم يخلف وان اخلف فلا ولا يخرج على الخلاف المذكور في الشجرة فان الغالب ههنا الا خلاف فأشبه سن الصبي * ولو كان يابسا فلا شئ في قطعه كما ذكرنا في الشجر لكن لو قطعه فعليه الضمان لانه لو لم يقطع لنبت ثانيا ذكره في التهذيب ويجوز تسريح البهائم في حشيشة لترعي خلافا لابي حنيفة وأحمد رحمهما الله * لنا ان الهدايا كانت تساق في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وما كانت تشد أفواهها في الحرم * ولو اختلى الحشيش ليعلفه البهائم ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم " لا يختلى خلاها " (وأظهرهما) الجواز كما لو سرحها فيه ويستثني عن المنع الاذخر لحاجة السقوف كما ورد في الخبر ولو احتيج إلى شئ من نبات الحرم للدواء فهل يجوز قطعه وجهان (أحدهما) لا لانه ليس في الخبر الا استثناء الاذخر (واصحهما) الجواز لان هذه الحاجة أهم من الحاجة الي الاذخر والله أعلم * وليهن عليك ما لحق مسائل الكتاب من تغيير الترتيب فقد أعلمتك مرارا أن الشرح قد يحوج إليه وقوله دون ما يستنبت معلم بالواو للقول الاصح عند الاكثرين وبالالف لان مذهب أحمد علي ما رواه أصحابنا مثل ذلك القول (وقوله) كما لو سرحها فيها بالحاء والالف وقوله كان النظر الي الجنس بالواو وقوله حتى لو نقل أراكا حرميا وغرسه في الحل لم ينقطع حكم الحرم ليس مذكورا علي سبيل الاحتجاج للوجه الناظر إلى اعتبار الجنس والاصل فان هذه الصورة لا تسلم عن نزاع من ينازع في اعتباره وقال الامام رحمه الله إذا كان صاحب التلخيص يعتبر القصد فلا * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 512 تثبت الحرمة لهذه الشجرة إذا غرست في الحرم فما ظنك إذا غرست في الحل فلعله ذكره تفريعا على ذلك الوجه (وقوله) ثم في قطع الشجرة الكبيرة بقرة لفظ البقرة والشاة معلمان بالحاء لان عنده الواجب القيمة دون الحيوان كما ذكر في الصيد وبالميم لان عنده لا جزاء في الشجر وكذلك لفظ القيمة وقوله وفيما دونها القيمة يبين انه أراد بالصغيرة المتوسطة وإلا فاسم الصغيرة يتناول ما ليست بكبيرة كيف كانت * (فرع) يكره نقل تراب الحرم وأحجاره إلى سائر البقاع والبرام يجلب من حد الحل ولا يكره نقل ماء زمزم كانت عائشة رضى الله عنها تنقله وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " استهداه من سهل بن عمرو عام الحديبة " قال الشيخ أبو الفضل بن عبدان لا يجوز قطع شئ من ستر الكعبة ونقله وبيعه وشراؤه خلاف ما يفعله العامة يشترونه من بنى شيبة وربما وضعوه في أوراق المصاحف ومن حمل منه شيئا فعليه رده * قال (ويلحق حرم المدينة بحرم مكة في التحريم وفى الضمان وجهان (أحدهما) لا إذ ورد فيه سلب ثياب الصائد فهو جزاؤه ثم السلب للسالب وقيل انه للبيت المال وقيل انه يفرق على محاويج المدينة وإنما يستحق السلب إذا اصطاد أو أتلف (و) والشجرة والصيد في السلب سواء) * لا يباح التعرض لصيد الحرم المدينة وأشجاره وهو مكروه أو محرم نقل في التتمة تردد قول وحكى بعضهم فيه وجهين والصحيح وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله انه محرم لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " ان ابراهيم حرم مكة وانى حرمت المدينة مثل ما حرم ابراهيم مكة لا ينفر صيدها ولا يعضد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 513 شجرها ولا يختلى خلاها " وروى انه قال " انى أحرم ما بين لابتى المدينة أن يقطع عضاهها أو يقتل صيدها " ويجوز اعلام قوله في الكتاب التحريم بالواو لمكان الوجه الآخر وبالحاء أيضا لان عند أبى حنيفة انه لا يحرم (وإذا قلنا) بالتحريم ففى ضمان صيدها ونباتها قولان الجديد وبه قال مالك لا يضمن لانه ليس بمحل النسك فأشبه مواضع الحمي وانما أثبتنا التحريم للنصوص (والقديم) وبه قال أحمد انه يضمن وعلى هذا فما جزاؤه فيه وجهان (أحدهما) ان جزاءه كجزاء حرم مكة لاستوائهما في التحريم (وأظهرهما) وبه قال أحمد ان جزاءه أخذ سلب الصائد وقاطع الشجر لما روى أن سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه " أخذ سلب رجل قتل صيدا في المدينة وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من رأى رجلا يصطاد بالمدينة فليلبسه " وعلي هذا ففيما يسلب وجهان الذي أورده الاكثرون انه يسلب منه ما يسلبه القاتل من قتيل الكفار (والثاني) انه لا ينحي بهذا نحو سلب القتيل في الجهاد وانما المراد من السلب ههنا الثياب فحسب وهذا ما أورده الامام وتابعه المصنف فقال إذ ورد فيه سلب ثياب الصائد فقيد بالثياب وعلي الوجهين ففى مصرفه وجهان مشهوران (أظهرهما) انه للسالب كسلب القتيل وقد روى انهم كلموا سعدا في هذا السلب فقال " ما كنت لارد طعمة أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم " (والثانى) انه لمحاويج المدينة وفقرائها كما أن جزاء صيد مكة لفقرائها ووجه ثالث حكاه الشيخ أبو محمد عن الاستاذ أبي اسحق والقفال انه يوضع في بيت المال وسبيله سبيل السهم المترصد للمصالح (وقوله) في الكتاب ففى الضمان وجهان اقتدى فيه بالامام والمشهور في المسألة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 514 قولان وقوله إذ ورد فيه سلب ثياب الصائد في الصيد معناه ان واجب هذه الجناية هو السلب الذى ورد في الجزاء إذ لو وجب الجزاء لوقع الاكتفاء به كما في صيد مكة وعني بالضمان الجزاء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 515 دون المشترك بينه وبين السلب فاعرف ذلك (وقوله) وإنما يستحق السلب إذا اصطاد أو أتلف قصد به التعرض لما ذكره الامام حيث قال غالب ظنى ان الذى يهم بالصيد لا يسلب حتى يصطاد ولست أدرى أيسلب إذا أرسل الصيد أم ذلك إذا أتلف الصيد ولفظ الوسيط لا يسلب إلا إذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 516 اصطاد أو أرسل الكلب ويحتمل التأخير إلى الاتلاف (واعلم) أن السابق إلى الفهم من الخبر وكلام الائمة انه يسلب إذا اصطاد ولا يشترط الاتلاف (وأما) قوله والشجرة والصيد وفى السلب سواء فهو بين والله اعلم * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 517 قال (وورد النهى عن صيد وج الطائف ونباتها وهو نهى كراهية يوجب تأديبا لا ضمانا) * وج الطائف واد بصحراء الطائف وليس المراد منه نفس البلدة قال الشافعي رضى الله عنه أكره صيده الجزء: 7 ¦ الصفحة: 518 وعن الشيخ أبى على حكاية تردد في انه يحريم أو مجرد كراهية ولفظ الكتاب كالصريح في الثاني الجزء: 7 ¦ الصفحة: 519 لكن الصحيح عند عامة الاصحاب الاول لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " صيدوج الطائف محرم الله " وعلى هذا فهل يتعلق به ضمانه منهم من قال نعم وحكمه حكم حرم المدينة وقال صاحب التلخيص والاكثرون لا إذ لم يرد في الضمان نقل لكن يؤدب) * الجزء: 7 ¦ الصفحة: 520 (فرع) البقيع ليس يحرم لكن حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بل الصدقة ونعم الجزية فلا تملك أشجاره وحشيشه وفى وحو كل الضمان علي من أتلفها وجهان (أحدهما) لا يجب كما لا يجب في صيده الجزء: 7 ¦ الصفحة: 521 شئ وأظهرهما يجب لانه ممنوع منها وكانت مضمونة على بخلاف الصيد فان الاصطياد فيه جائز وعلي هذا فضمانها القيمة ومصرفها مصرف نعم الصدقة والجزية * قال مصححه عفي عنه.. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 522 فتح العزيز - عبد الكريم الرافعي ج 8 فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 8 الجزء: 8 فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ..الجزء الثامن دار الفكر بسم الله الرحمن الرحيم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 1 قال (القسم الثالث من كتاب الحج في اللواحق) (وفيه بابان الاول في موانع الحج وهي ستة) (الاولى والاحصار وهو مبيح للتحلل مهما احتاج في الدفع إلى قتال أو بذل مال وان كانوا كفارا وجب القتال الا إذا زادوا على الضعف ولو أحاط العدو من الجوانب لم يتحلل على قول لانه لا يريح منه التحلل كما لا يتحلل بالمرض (ح) ولو شرط التحلل عند المرض ففي جواز التحلل قولان) * كان حجة الاسلام رحمه الله قد قسم كتاب الحج إلى ثلاثة اقسام المقدمات والمقاصد وقد حصل الفراغ منهما (والثالث) اللواحق وفيه بابان ترجم أولهما بموانع الحج ولم يرد بها موانع وجوبه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 2 أو الشروع فيه وانما أراد العوارض التي تعرض بعد الشروع فيه وتمنع من إتمامه وهي فيما عدها ستة أنواع (أحدها) الاحصار فإذا أحصر العدو المحرمين عن المضي في الحج من جميع الطرق كان لهم أن يتحللوا لان رسول الله صلي الله عليه وسلم (أحصر وأصحابه بالحديبية فانزل الله تعالي: فان أحصرتم فما استيسر من الهدى) والمعني فان أحصرتم فتحللتم أو أردتم التحلل فما استيسر من الهدي فان نفس الاحصار الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3 لا يوجب هديا والاولى أن لا يجعل التحلل ان وسع الوقت فربما يزول المنع فيتمون النسك وان كان ضيقا فالاولى التعجيل كي لا يفوت الحج * ويجوز للمحرم بالعمرة التحلل أيضا عند الاحصار وعن مالك أنه لا يجوز التحلل في العمرة لانه لا يخاف فواتها * لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم (تحلل بالاحصار عام الحديبية وكان محرما بالعمرة) * إذا عرفت ذلك ففي الفصل مسائل (احداها) لو منعوا ولم يتمكنوا من المسير الجزء: 8 ¦ الصفحة: 4 إلا ببذل مال فلهم أن يتحللوا ولا يبذلوا المال وإن قل إذ لا يجب احتمال الظلم في أداء الحج بل يكره البذل إن كان الطالبون كفارا لما فيه من الصغار * وان احتاجوا الي قتال ليسيروا نظر ان كان المانعون مسلمين فلهم التحلل ولا يلزمهم القتال وان قدروا عليه لما فيه من التغرير بالنفس وان كانوا كفارا فقد حكم صاحب الكتاب بوجوب القتال إذا لم يزد عدد الكفار على الضعف وهكذا حكى الامام رحمه الله عن بعض المصنفين ولم يرتضه على هذا الاطلاق بل شرط فيه وجدانهم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 5 السلاح واهبة القتال وقال إذا وجدوا الاهبة وقد صدتهم الكفار فلا فرار ولا سبيل الي التحلل * وأنت إذا فحصت عن كتب الاكثرين وجدتهم يقولون لا يجب القتال على الحجيج وان كان العدو كفارا وكان في مقابلة كل مسلم أقل من مشركين غير أنهم إن كانوا كفارا وكان بالمسلمين قوة فالاولى أن يقاتلوا ويمضوا نصرة للاسلام واتماما للحج وان كان بالمسلمين ضعف أو كان العدو مسلمين فالاولى أن يتحللوا ويتحرزو عن القتال تحرزا عن سفك دماء المسلمين ولهؤلاء أن يقولوا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 6 للامام لا نزاع في أنهم لو قاتلوا المسلمين والصورة ما ذكرت لم يكن لهم الفرار لكن يجوز أن يمنعوهم من الحج ولا يقاتلوهم لو تركوا الحج فهل يلزمهم ابتداء القتا ليمضوا هذا موضع الكلام وعلى كل حال فلو قاتلوهم كان لهم ان يلبسوا الدروع والمغافر ثم يفدون كما إذا لبس المحرم المخيط لدفع حر أو برد (الثانية) ما ذكرنا من جواز التحلل مفروض فيما إذا منعوا من المضى دون الرجوع والسير في صوب آخر (فاما) إذا أحاط العدو بهم من الجوانب كلها ففيه وجهان كذا نقل المعظم وقال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 7 الامام والمصنف قولان (أحدهما) ليس لهم التحلل لانه لا يريحهم والحالة هذه ولا يستفيدون به أمنا وصار كالمريض ليس له التحلل (وأصحهما) أن لهم التحلل لانهم يستفيدون به الامن من العدو الذى بين أيديهم (الثالثة) ليس للمحرم التحلل بعذر المرض وبه قال مالك واحمد رحمهما الله بل يصبر حتي يبرأ فان كان محرما بعمرة أتمها وان كان محرما بحج وفاته تحلل بعمل عمرة لانه لا يستفيد بالتحلل زوال المرض * وعن ابن عباس رضي الله عنهما (انه لا حصر الا حصر العدو) وقال أبو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 8 حنيفة رحمه الله يجوز التحلل بالمرض وهذا إذا لم يشترط التحلل عند المرض (أما) إذا شرط انه إذا مرض تحلل فقد نص في القديم على صحة هذا الشرط وعلق القول في الجديد بصحة حديث ضباعة بنت الزبير رضى الله عنهما وهو ما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لها (اما تريدين الحج فقالت انا شاكية فقال حجي واشترطي ان تحلى حيث حبستي) وللاصحاب فيه طريقان اثبت عامتهم فيه خلافا وقالوا انه صحيح في القديم وفى الجديد يد قولان (اظهرهما) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 9 الصحة للحديث وبه قال احمد (والثانى) المنع وبه قال مالك وابو حنيفة رحمهما الله لانه عبادة لا يجوز الخروج منها بغير عذر فلا يجوز بالشرط كالصلاة المفروضة وعن الشيخ ابي حامد وغيره انه صحيح جزما بصحة الحديث * ولو شرط التحلل لغرض آخر كضلال الطريق ونفاذ النفقة والخطأ في العدد فهو كما لو شرط التحلل عند المرض * وعن الشيخ ابى محمد انه لغو لا محالة والخلاف مخصوص بالمرض لورود الخبر فيه (التفريع) ان صححنا الشرط فهل يلزمه الهدى للتحلل إن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 10 كان قد شرط التحلل بالهدى فنعم وان كان قد شرط التحلل بلا هدى فلا وان اطلق فوجهان (اظهرهما) وبه قال ابو اسحق والداركى انه لا يلزم ايضا لمكان الشرط * ولو شرط ان يقلب حجه عمرة عند المرض فهو أولى بالصحة من شرط التحلل * ورواه القاضي ابن كج عن نصه * ولو قال إذا مرضت فانا حلال فيصير حلالا بنفس المرض أم لابد من التحلل فيه وجهان والمنصوص منهما الاول والله أعلم * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 11 قال (وتحلل المحصر هل يتوقف على إراقة دم الاحصار (ح) فيه قولان فان كان معسرا (وقلنا) ان الصوم بدل ففى توقفه القولان المرتبان وأولى بان لا يتوقف لان الصوم طويل ولا يشترط (ح) بعث الدم الي الحرم (وإذا قلنا) لا يتوقف فيتحلل بالحلق أو بنية التحلل ولا قضاء (ح) على المحصر) * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 12 مقصود الفصل ثلاث مسائل (إحداها) في أن تحلل المحصر بم يحصل وهذه المسألة تحوج إلى معرفة أصلين (الاول) أنه يجب علي المحصر إذا تحلل دم شاة وبه قال أبو حنيفة واحمد رحمهما الله وقال مالك يتحلل ولا دم عليه * لنا قوله تعالي (فما استيسر من الهدى) * وهذا إذا لم يجر من المحرم شرط سابق (فاما) إذا كان قد شرط عند احرامه أنه يتحلل إذا أحصر ففي تأثير هذا الشرط الجزء: 8 ¦ الصفحة: 13 في إسقاط الدم طريقان منهم من خرجه على وجهين كما إذا شرط التحلل عند المرض وتحلل بالشرط وقد ذكرناه (والاصح) القطع بانه لا يؤثر لان التحلل بالاحصار جائز وان لم يشترط فالشرط لاغ بخلاف التحلل بالمرض (والاصل الثاني) ان القول قد اختلف في ان دم الاحصار هل له بدل أم لا وبتقدير أن يكون له بدل فكيف سبيله وهو على الترتيب أو التخيير وهذا ستعرفه حق المعرفة في الباب الثاني إن شاء الله تعالي * إذا تقرر ذلك فنقول إن قلنا إن دم الاحصار لا بدل له وكان واجدا للدم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 14 فيذبح وينوى التحلل عنده وانما اعتبرت نية التحلل لان الذبح قد يكون للتحلل وقد يكون لغيره فلابد من قصد صارف وان لم يجد الهدى إما لاعساره أو غير ذلك فهل يتوقف التحلل على وجدانه فيه قولان (أحدهما) نعم وبه قال ابو حنيفة لان الهدى اقيم مقام الاعمال ولو قدر على الاعمال لم يتحلل الا بها فإذا عجز لا يتحلل الا ببدلها (واصحهما) لا بل له التحلل في الحال لان التحلل انما ابيح تخفيفها ورفقا حتى لا يتضرر بالمقام على الاحرام ولو أمرناه بالصبر الي ان يجد الهدى لتضرر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 15 وعلى التقديرين فلابد من نية التحلل وهل يجب الحلق بناه الائمة على الاصل الذى سبق وهو ان الحلق نسك ام لا (ان قلنا) نسك فنعم (وان قلنا) استباحة محظور فلا فيخرج من هذا انا إذا اعتبرنا الذبح والحلق مع النية والتحلل يحصل بثلاثتها وان اخرجنا الذبح عن الاعتبار فالتحلل يحصل بالحلق مع النية أو بمجرد النية فيه وجهان وهذا ما اراده المصنف بقوله (وإذا قلنا) لا يتوقف فيتحلل بالحلق أو بنية فالتحلل أي فيه وجهان (وان قلنا) ان دم الاحصار له بدل فان كان يطعم فتوقف التحلل عليه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 16 كتوقفه علي الذبح وان كان يصوم فكذلك مع ترتب الخلاف ومنع التوقف ههنا أولى لان الصوم يفتقر الي زمان طويل فتكون المشقة في الصبر على الاحرام اعظم (المسألة الثانية) لا يشترط بعث دم الاحصار إلى الحرم بل يذبحه حيث احصر ويتحلل وبه قال أحمد وقال ابو حنيفة رحمه الله يجب ان يبعث به إلى مكة ويوكل انسانا ليذبحه يوم النحر ان كان حاجا وأى يوم شاء ان كان معتمرا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 17 ثم يتحلل * لنا (ان النبي صلى الله عليه وسلم احصر عام الحديبية فذبح بها وهى من الحل) ولانه موضع التحلل فكان موضعا لذبح الهدى كالحرم وكما يذبح دم الاحصار حيث احصر فكذلك ما لزمه من دماء المحظورات قبل الاحصار وما حمله معه من هدى ويفرق لحومها علي مساكين ذلك الموضع وهذا كله إذا كان مصدودا عن الحرم فاما إذا كان مصدودا عن البيت دون اطراف الحرم فهل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 18 له ان يذبح في الحال ذكروا فيه وجهين (والاصح) ان له ذلك (الثالثة) في انه هل يجب القضاء علي المحصر وهذه المسألة بشرحها مع المسائل اللائقة بها مجموعة في آخر الباب إن شاء الله تعالى * قال (الثاني لو حبس السلطان شخصا أو شرذمة من الحجيج فهو كالاحصار العام (وقيل) فيه قولان (وقيل) يجوز التحلل والقولان في وجوب القضاء) * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 19 قد تكلمنا في الحصر العام الذى شمل الرفقه (وأما) الحصر الخاص الذى يتفق لواحد أو شرذمة من الرفقة فينظر فيه إن لم يكن المحرم معذورا فيه كما إذا حبس بسبب دين وهو متمكن من أدائه فليس له التحلل بل عليه أن يؤديه ويمضي في حجة فان فاته الحج في الحبس فعليه أن يسير إلى مكة ويتحلل بعمل عمرة وإن كان معذورا فيه كما إذا حبسه السلطان ظلما أو بدين وهو لا يتمكن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 20 من ادائه وهذا هو المقصود في الكتاب ففيه طريقان (احدهما) وهوما أورده المراوزة أن في جواز التحلل به قولين (احدهما) لا يجوز كما في المرض وخطأ الطريق (وأصحهما) أنه يجوز لان الاحصار سبب يبيح التحلل للكل فيبيح للبعض كاتمام الاعمال (وأظهرهما) وهو ما أورده العراقيون القطع بالجواز كما في الحصر العام لان مشقة كل أحد لا تختلف بين أن يتحمل غيره مثلها أو لا يتحمل وهؤلاء ردوا الخلاف الي أنه هل يجب القضاء إذا تحلل بالحصر الخاص وسيأتى ذلك (واعلم) ان لفظ الكتاب آخرا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 21 يتعرض لهاتين الطريقتين (وقوله) اولا فهو كالاحصار العام يشعر بطريقة ثالثة تقطع بجواز التحلل وعدم القضاء كما في الاحصار العام ولم أر نقلها لغيره والله أعلم * قال (الثالث الرق فللسيد منع عبده ان أحرم بغيره إذنه وإذا منع تحلل كالمحصر) * احرام العبد ينعقد سواء كان باذن السيد أو دون اذنه ثم إن أحرم باذنه لم يكن له تحليله سواء بقي نسكه صحيحا أو أفسده ولو باعه والحالة هذه من غيره لم يكن للمشتري تحليله لكن له الخيار الجزء: 8 ¦ الصفحة: 22 إن كان جاهلا باحرامه وإن احرم بغير إذنه فالاولي أن يأذن له في إتمام النسك ولو حلله جاز لان تقريره على الحجر يعطل منافعه عليه وقال أبو حنيفة رحمه الله له تحليله سواء أحرم باذنه أو بغير اذنه وإذا أذن له في الاحرام فله الرجوع قبل أن يحرم فان رجع ولم يعلم العبد به فاحرم فله تحليله في أصح الوجهين هما مبنيان على الخلاف في نفوذ تصرفات الوكيل بعد العزل وقبل العلم * ولو أذن له في العمرة فاحرم بالحج فله تحليله ولو كان بالعكس لم يكن له تحليله لان العمرة دون الحج والحج الجزء: 8 ¦ الصفحة: 23 فوقها قال في التهذيب وظني انه لا يسلم عن النزاع والخلاف * ولو أذن له في التمتع فله منعه من الحج بعد ما تحلل عن العمرة وليس له تحليله عن العمرة ولا عن الحج بعد الشروع * ولو أذن له في الحج أو في التمتع فقرن لم يجز تحليله ولو أذن له أن يحرم في ذى القعدة فاحرم في شوال فله تحليله قبل ذي القعدة وبعد دخوله لا وإذا أفسد العبد حجه بالجماع فعليه القضاء لانه مكلف بخلاف الصبي على أحد القولين وهل يجب قضاؤه في الرق عن الواجب فيه قولان كما ذكرنا في الصبى إذا قضي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 24 في الصبي فان احتسبناه لم يجب على السيد أن يأذن له في القضاء ان كان احرامه الاول بغير اذنه وكذلك ان كان باذنه في اصح الوجهين * وكل دم يلزمه بسبب ارتكاب المحظورات كالطيب واللباس وقتل الصيد والفوات فلا يجب علي السيد سواء احرم باذنه أو بغير اذنه (واما) العبد فلا ملك له حتي يذبح لكن لو ملكه السيد فعلي القديم يملك ويلزمه اخراجه وعلى الجديد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 25 لا يملك وإذا لم يملك ففرضه الصوم وللسيد منعه منه في حال الرق ان كان احرامه بغير اذنه وكذلك ان كان باذنه على أصح الوجهين لانه لم يأذن في موجبه * ولو قرن أو تمتع بغير إذن السيد فدم القران أن التمتع حكمه حكم دماء المحظورات (أما) إذا قرن أو تمتع بالاذن فهل يجب الدم علي السيد (الجديد) أنه لا يجب وفى القديم قولان بخلاف ما لو أذن لعبده في النكاح فنكح يكون السيد ضامنا للمهر في القديم قولا واحدا لانه لا بدل للمهر وللدم بدل وهو الصوم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 26 والعبد من أهله وعلى هذا لو أحرم باذن السيد فاحصر فتحلل (فان قلنا) لا بدل لدم الاحصار صار السيد ضامنا له في القديم قولا واحدا (وان قلنا) له بدل ففي صيرورته ضامنا له قولان في القديم وإذا لم نوجب الدم على السيد فالواجب على العبد الصوم وليس للسيد المنع منه في أصح الوجهين لاذنه في سببه * ولو ملكه السيد هديا وقلنا إنه يملك اراقه والا لم تجز اراقته ولو اراقه السيد عنه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 27 باذنه فهو على هذين القولين ولو أراق عنه بعد موته جاز قولا واحدا لانه قد حصل الياس عن تكفيره والتلميك بعد الموت ليس بشرط ولهذا لو تصدق عن ميت جاز وقد (أمر النبي صلى الله عليه وسلم سعدا رضى الله عنه ان يتصدق عن امه بعد موتها) ولو عتق العبد قبل الصوم ووجد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 28 الهدى فعليه الهدى إن اعتبرنا في الكفارت حالة الاداء أو الاغلظ وان اعتبرنا حالة الوجوب فله الصوم وهل له الهدى فيه قولان * وينعقد نذر الحج من العبد وان لم يأذن له السيد في أصح الوجهين ويكون في ذمته فلو أني به حال الرق هل يجزئه فيه وجهان * إذا عرفت هذه المسائل فحيث جوزنا للسيد التحليل أردنا به انه يأمره بالتحلل لانه يستقبل بما يحصل به التحلل وغايته ان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 29 يستخدمه ويمنعه من المضى ويأمره بارتكاب محظورات الاحرام أو يفعلها به ولا يرتفع الاحرام بشئ من ذلك خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال إذا أمره باستعمال المحظورات أو البسه المخيط أو طيبه أو كانت امة فوطئها حصل التحلل وإذا اجاز للسيد التحليل جاز للعبد التحلل لان المحصر بغير حق يجوز له التحلل فللمحصر بالحق اولى وبم يتحلل إن ملكه السيد هديا وقلنا انه يملك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 30 فيذبح وينوى التحلل والا فهل هو كالحرفيه طريقان (أحدهما) نعم حتي يتوقف تحلله على وجدان الهدى (ان قلنا) ان دم الاحصار لا بدل له وذلك يفتقر إلى العتق ههنا وعلى الصوم إن قلنا إن دم الاحصار له بدل كل ذلك على أحد القولين وعلى أصحهما لا توقف ويكفيه نية التحلل (واصحهما) القطع بهذا القول الثاني وبه قال ابو اسحق لعظم المشقة في انتظار العتق ولان منافعه مستحقة للسيد وقد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 31 يريد استعماله فيما يمنع منه المحرم كالاصطياد واصلاح الطيب فيتضرر ببقاء الاحرام * وحكم أم الولد والمدبر والمعلق عتقه بصفة ومن نصفه حر حكم القن المحض * ولو احرم المكاتب بغير اذن المولى فمنهم من جعل جواز تحليله على قولين بناء علي القولين في سفر التجارة وهل يمنع السيد منه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 32 ومنهم من قطع بجواز التحليل لانه لا منفعة للسيد في سفر الحج وله منفعة في سفر التجارة * وقوله في الكتاب فللسيد منع عبده أي من إتمام الحج ويجوز أن يعلم بالواو لان ابن كج حكي وجها غريبا أنه ليس للسيد ذلك لتعينه بالشروع تخريجا من أحد القولين في الزوجة إذا أحرمت بالتطوع وان يعلم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 33 قوله بغير إذنه بالحاء لان أبا حنيفة رحمه الله يجوز المنع على الاطلاق فلا حاجة عنده الي التقييد وقوله تحلل كالمحصر إن أراد التشبه في جواز التحلل فذاك وإلا ففى الكيفية تفاوت لا يخفى مما قدمناه * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 34 قال (الرابع الزوجية وفى منع الزوج زوجته من فرض الحج (م ح) قولان فإذا احرمت ففي المنع قولان مرتبان وكذا ان احرمت بالتطوع فان منعت تحللت كالمحصر فان لم تفعل فللزوج مباشرتها والاثم عليها) * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 35 المستحب للمراة أن لا تحرم دون إذن زوجها وللزوج أن يحج بها فإذا أرادت أداء فرض الحج عليها فهل للزوج أن يمنعها منه فيه قولان (أحدهما) لا ولها أن تحرم بغير إذنه لانه عبادة مفروضة فاشبهت الصوم والصلاة المفروضين * ويحكى هذا عن كتاب اختلاف الحديث وبه قال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 36 مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله (وأصحهما) أن له المنع لما روى أن النبي صلي الله عليه وسلم قال (في امرأة لها زوج ولها مال ولا يأذن لها زوجها في الحج ليس لها أن تنطلق إلا باذن زوجها) ولان الحج علي التراخي وحق الزوج علي الفور فكان أولي بالتقديم ويخالف الصوم والصلاة لان مدتهما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 37 لا تطول فلا يلحق الزوج كثير ضرر وحكي بعضهم طريقة قاطعة بالقول الاول والمشهور الاول * فان قلنا ليس له منعها فلو أحرمت بغير إذنه فليس له أن يحللها بطريق الاولى لتضيقه بالشروع وان قلنا له منعها في الابتداء ففى التحليل قولان (أظهرهما) ان له ذلك كما له تحليل العبد إذا أحرم بغير اذنه (والثانى) لا لتضيقه وخروجه عن احتمال التراخي بالشروع (وأما) حجة التطوع فله أن يمنعها منها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 38 في الابتداء وان أحرمت بغير إذنه فطريقان ان جوزنا التحليل في الفرض فههنا أولي وان لم نجوز ثم فههنا قولان (أحدهما) ليس له تحليلها لا لتحاقها بالفرائض بالشروع (وأصحهما) أن له التحليل كما له التحليل من صوم التطوع وصلاة التطوع وانما يصير الحج فرضا بالشروع إذا كان الشروع مسوغا وقوله في الكتاب وكذا إن أحرمت بالتطوع أراد به أن الخلاف في هذه المسألة وفى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 39 تحليل المحرمة بالفرض كل واحد منهما مرتب على الخلاف في جواز منعها من حج الفرض ابتداء لان الترتيب كالترتيب فان مسألة التطوع اولى بالجواز والمسألة الاخرى اولى بالمنع وحيث قلنا بجواز التحليل فمعناه الامر بالتحلل كما ذكرنا في العبد وتحللها كتحلل الحر المحصر بلا فرق فلو لم تتحلل فللزوج ان يستمتع بها والاثم عليها هكذا حكاه الامام عن الصيدلاني ثم توقف فيه لان المحرمة محرمة لحق الله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 40 تعالى كالمرتدة فيحتمل ان يمنع الزوج من الاستمتاع إلى ان تتحلل * فرعان (أحدهما) قال القاضي ابن كج لو كانت مطلقة فعليه حبسها للعدة وليس لها التحلل الا ان تكون رجعية فيراجعها ويحللها (الثاني) الامة المزوجة لا يجوز لها الاحرام الا باذن الزوج والسيد جميعا * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 41 قال (الخامس للابوين منع الولد من التطوع بالحج ومن الفرض علي أحد الوجهين) من له أبوان أو أحدهما فالمتسحب له أن لا يحج دون إذنهما أو اذنه ولكل واحد منهما منعه من حج التطوع في الابتداء لان رجلا استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد فقال ألك ابوان فقال نعم فقال أأستأذنتهما فقال لا قال ففيهما فجاهد) اعتبر استئذانهما في الجهاد مع انه من فروض الكفايات فلان يعتبر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 42 في التطوع كان ذلك أولي * ولو أحرم بها فهل لها المنع فيه قولان سبق نظيرهما وتوجيههما وحكى القاضى ابن كج وجها ضعيفا انه ليس لها المنع في الابتداء أيضا وأما حج الفرض فقد حكى القاضى ابن كج في جواز المنع في الابتداء طريقين (أحدهما) تخريجه على قولين كما في منع الزوج والزوجة (وأصحهما) ولم يورد الجمهور غيره أن لا منع لهما وليس له طاعتهما في ترك الفرض * ولو أحرم به بغير إذنهما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 43 فلا منع بحال ونقل فيه وجه ضعيف أيضا * إذا عرفت ذلك فقوله للابوين منع الولد من التطوع بالحج يجوز حمله على المنع في الابتداء ويجوز حمله على التحليل بعد الاحرام وعلى التقديرين فليكن معلما بالواو (وأما) إثباته الخلاف في المنع من حج الفرض فهو خلاف المشهور سواء حمل على ابتداء المنع أو على التحليل ولم أجد حكاية الخلاف فيها لغير صاحب الكتاب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 44 إلا للقاضى إبن كج وصاحب الكتاب قد أعاد المسألة في كتاب السير ولم يتعرض للخلاف والله أعلم * قال (السادس لمستحق الدين منع المحرم الموسر من الخروج وليس له التحلل بل عليه الاداء وان كان معسرا أو كان الدين مؤجلا لم يمنع من الخروج) * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 45 إذا كان عليه دين حال وهو موسر فلمستحق الدين أن يمنعه من الخروج لا لان حقه في منعه من الحج ولكن يحبسه ليستوفى حقه منه فان كان قد أحرم فقد ذكرنا انه ليس له التحليل والحالة هذه بل عليه أن يقضي دينه ويمضى وإن كان معسرا فلا مطالبة ولا منع لانه منظر إلى ميسرة وكذا لو كان الدين مؤجلا لا منع إذ ليس عليه تسليم في الحال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 46 ولا يتوجه للمستحق مطالبة والاولى أن لا يخرج حتى يوكل من يقضى الدين عليه عند حلول الاجل (واعلم) أن الكلام في أن مستحق الدين متى يمنع ومتي لايمنع لا يختص بسفر الحج بل يعم الاسفار كلها وقد ذكره المصنف عاما في كتاب التفليس على ما سيأتي فلو طرحه ههنا لما ضر * قال (فأما من فاته الوقوف بعرفة بنوم أو سبب فعليه أن يتحلل بأفعال العمرة ويلزمه القضاء ودم الفوات بخلاف المحصر فانه معذور) * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 47 مضمون الفصل قول وجيز في حكم فوات الحج وفواته بفوات الوقوف روى انه صلى الله عليه وسلم قال (الحج عرفة من لم يدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج) وإذا حصل الفوات فله التحلل كما في الاحصار لان في بقائه محرما حرجا شديدا يعسر احتماله وبم يتحلل قال في المختصر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 48 وغيره يطوف ويسعى ويحلق وقال في الاملاء يطوف ويحلق ولم يتعرض للسعى * واتفق الاصحاب على أن الامر بالحلق مبني على انه نسك وعلي أن الطواف لابد منه واختلفوا في السعي على طريقين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 49 أشبههما انه علي قولين (أحدهما) أنه لا يجب السعي لان السعي ليس من أسباب التحلل ألا ترى انه لو سعى عقيب طواف القدوم يجزئه ولو كان من أسباب التحلل لما جاز تقديمه على الوقوف (وأصحهما) انه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 50 يجب السعي مع الطواف لما روى عن عمر رضى الله عنه انه قال لابي أيوب الانصاري رضى الله عنه وقد فاته الحج (اصنع ما يصنع المعتمر وقد حللت فان أدركك الحج قابلا فحج واهد ما استيسر من الهدى) (والطريق الثاني) القطع بالقول الثاني وحمل ما في الاملاء على الاختصار والايجاز فان السعي كالتابع للطواف فاكتفى بذكر الاصل أو حمله على ما إذا كان قد سعى عقيب طواف القدوم لا يلزمه الاعادة ولا يجب عليه الرمي والميت بمنى وان أدرك وفيه مع الاعمال المذكورة خلاف المزني رحمه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 51 الله وذكر ان الاصطخرى مال إليه * لنا ما رويناه عن عمر رضى الله عنه وقد اشتهر ذلك في الصحابة رضوان الله عليهم ولم ينكر عليه منكر ويخالف ما إذا أفسد الحج فان هناك هو مامور بالوقوف والرمى والمبيت من توابع الوقوف فأمر بهما وههنا بخلافه وليس أمرنا اياه بالطواف وسائر أعمال العمرة لا نقلاب احرامه بفوات الحج عمرة ولا نقول باحتسابها عن عمرة الاسلام وعن احمد انه ينقلب احرامه عمرة وعن الشيخين أبى محمد وأبى علي رواية وجه ضعيف مثل مذهبه * لنا ان احرامه انعقد بأحد النسكين فلا ينصرف إلى الآخر كما لو أحرم بالعمرة لا ينصرف إلى الحج * ثم من فاته الجزء: 8 ¦ الصفحة: 52 الحج ان كان حجه فرضا فهو في ذمته كما كان وان كان تطوعا فعليه قضاؤه كما لو أفسده * وعن أحمد رواية انه لا قضاء عليه * لنا حديث عمر رضي الله عنه ويخالف الاحصار فانه معذور فيه والفوات لا يخلو عن ضرب تقصير وفي لزوم الفور في القضاء الخلاف الذى سبق مثله في الافساد ولا يلزم قضاء العمرة مع قضاء الحج خلافا لابي حنيفة حيث قال يلزمه قضاؤهما أما الحج فلانه تلبس به وما أتمه وأما العمرة فلانه أتى بأعمالها ولم تحسب له * لنا انه أحرم باحد النسكين ولم يتممه فلا يلزمه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 53 قضاء الآخر كما لو أحرم بالعمرة وافسدها أو بالحج وأفسده * ويجب علي من فات حجه مع القضاء دم للفوات خلافا لابي حنيفة * لنا حديث عمر رضى الله عنه ولان الفوات سبب يجب القضاء فيلزم به الهدي كالافساد ولا يلزم أكثر من دم واحد وعن صاحب التقريب رواية قول مخرج انه يلزم دمان أحدهما للفوات والثاني لانه في قضائه كالمتمتع من حيث انه تحلل عن الاول وشرع في الثاني وتمكن بينهما من الاستمتاع (وقوله) في الكتاب فأما من فاته الوقوف بعرفة يعنى من فاته الحج لذلك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 54 وفى ذكر اليوم إشارة إلي انه لا فرق بين أن يكون سبب الفوات سببا فيه نوع عذر أو شيئا هو تقصير صرف (وقوله) فعليه أن يتحلل بأعمال العمرة يجوز إعلامه بالواو للقول الذاهب إلي انه لا حاجة إلى السعي فان على ذلك القول جميع أعمال العمرة غير لازم وبالزاى لان على مذهبه لا يكفى أعمال العمرة بل يجب معها الرمى والمبيت (وقوله) ويلزمه القضاء بالالف وقوله ودم الفوات بالحاء لما مر (وقوله) بخلاف المحصر فانه معذور أراد به الاشارة إلى الفرق في القضاء فان الدم لازم فيهما جميعا والله أعلم * قال (فلو أحصر فاختار طريقا أطول ففاته أو صابر الاحرام على مكانه توقعا لزوال الاحصار الجزء: 8 ¦ الصفحة: 55 ففاته ففى القضاء قولان لتركب السبب من الاحصار والفوات ولو صد بعد الوقوف عن لقاء البيت لم يجب القضاء على الصحيح (و) كما قبل الوقوف والمتمكن من لقاء البيت إذا صد عن عرفة ففى وجوب القضاء عليه قولان) * (كنت أخرت الكلام في ان المحصر هل يقضى وهذا موضع ذكره فانه كالقاعدة التى عليها بناء هذه المسائل فنقول إذا حصر فتحلل نظر ان كان نسكه تطوعا فلا قضاء عليه وبه قال مالك وأحمد خلافا لابي حنيفة رحمه الله * لنا (ان الذين صدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبة كانوا الفا واربعمائة والذين اعتمروا معه في عمرة القضاء كانوا نفرا يسيرا ولم يأمر الباقين بالقضاء) وان لم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 56 يكن نسكه تطوعا نظران لم يكن مستقرا عليه كحجة الاسلام في السنة الاولى من سني الامكان فلا حج عليه إلا عند اجتماع الشروط بعد ذلك وان كان مستقرا عليه كحجة الاسلام فيما بعد السنة الاولى من سنى الامكان وكالنذر والقضاء فهو باق في ذمته كما كان كما لو شرع في صلاة ولم يتمها تبقي في ذمته * إذا تقرر ذلك فههنا مسائل (احداها) لو صد عن طريق وهنا ك طريق آخر نظر ان تمكن من سلوكه بأن وجد شرائط الاستطاعة فيه لزمه سلوكه ولم يكن له التحلل سواء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 57 كان ذلك الطريق قصيرا أو طويلا وسواء كان يرجو الادراك أو يخاف الفوات أو يتيقنه كما لو أحرم في أول ذى الحجة وهو بالعراق مثلا يجب عليه المضى والتحلل بعمل عمرة ولا يجوز التحلل في الحال وإذا سلكه كما أمرناه به ففاته الحج تحلل بعمل عمرة وهل يلزمه القضاء فيه قولان (أحدهما) نعم كما لو سلك هذا الطريق ابتداء ففاته بضلال الطريق وغيره (وأظهرهما) لا لانه بذل ما في وسعه فاشبه ما إذا صد مطلقا ولا هذا الفوات نشأ من الاحصار فان المسألة مصورة فيما إذا اختص الطريق الآخر بطول أو حزونة وغيرهما وكان الفوات لذلك حتي لو استويا من كل وجه فيجب القضاء لا محالة لان الموجود فوات محض قاله الامام وغيره * وإن لم يتمكن من سلوك الطريق الآخر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 58 فهو كالصد المطلق (الثانية) وقد تعرض لها في الكتاب قبل هذا الفصل أن ما ذكرنا من نفى القضاء هو حكم الاحصار العام (فاما) في الاحصار الخاص قولان أو وجهان (أحدهما) وبه قال ابو الحسين والداركي انه يجب القضاء كما لو منعه المرض عن اتمام النسك يلزمه القضاء (وأظهرهما) وبه قال القاضي أبو حامد وأبو علي الطبري انه لا قضاء كما في الاحصار العام لان مشقة المصابرة علي الاحرام لا تختلف في حق صاحب الواقعة ولا تشبه المرض لانه يبيح التحلل على ما سبق بخلاف المرض (الثالثة) لو احصر فلم يتحلل بل صابر الاحرام متوقعا زواله ففاته الحج والاحصار دائم فلابد من التحلل بعمل عمرة وفى القضاء طريقان (أظهرهما) وهو الذي أورده في الكتاب طرد القولين المذكورين في المسألة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 59 الاولى (والثانى) القطع بوجوب القضاء لتسببه بالمصابرة إلى الفوات فانه لو تحلل لما تصور الفوات (قوله) في الكتاب لتركب السبب من الفوات والاحصار معناه ان سبب التحلل ليس هو الفوات المحض حتي يجزم بوجوب القضاء ولا الاحصار المحض حتى يجزم بسقوطه بل التحلل بمجموع الامرين فاختلف القول فيه * ثم يجوز أن يقدر هذا الكلام اشارة الي توجيه الوجهين ويجوز ان يقدر توجيها لقول الوجوب وحده إذا اجتمع الموجب والمسقط وجب أن يثبت الوجوب احتياطا (الرابعة) لافرق في جواز التحلل بالاحصار بين أن يتفق قبل الوقوف أو بعده ولا بين أن يحصر عن البيت خاصة أو عن الموقف خاصة أو عنهما جميعا خلافا لابي حنيفة حيث قال إذا أحصر بعد الوقوف لا يجوز له التحلل ولا يجوز التحلل حتي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 60 يحصر عن البيت والموقف جميعا * لنا انه مصدود عن اتمام نسكه بغير حق فكان له التحلل كما في صورة النزاع * ثم إن كان الاحصار قبل الوقوف وأقام على إحرامه حتى فاته الحج نظر ان زال الحصر وأمكنه التحلل بالطواف والسعى يلزمه ذلك وعليه القضاء والهدى للفوات وإن لم يزل الحصر تحلل بالهدى وعليه مع القضاء هديان (أحدهما) للفوات (والثانى) للتحلل * إن كان الاحصار بعد الوقوف فان تحلل فذاك وهل يجوز البناء عليه لو انكشف العذر فيه الخلاف الذى مر في موضعه فعلى الجديد لا يجوز وعلي القديم يجوز فيحرم إحراما ناقصا ويأتى ببقية الاعمال وعلى هذا فلو لم يبن مع الامكان فهل عليه القضاء نقل الامام رحمه الله فيه وجهين * وإن لم يتحلل حتى فاته الرمى والمبيت فهو فيما يرجع إلى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 61 وجوب الدم بفواتهما كغير المحصر وبم يتحلل يبنى على أصلين (أحدهما) ان الحلق نسك أم لا (والثانى) أن زمان الرمى هل يقام مقام الرمي وقد سبق القول في كليهما (فان قلنا) الحلق نسك حلق وتحلل التحلل الاول (وإن قلنا) انه ليس بنسك حصل التحلل الاول بمضي زمان الرمى وعلى التقديرين فالطواف باق عليه فمتي أمكنه أن يطوف طاف وقد تم حجه * ثم إذا تحلل بالاحصار الواقع بعد الوقوف فهل يلزمه القضاء ذكر الامام رحمه الله ان صاحب التقريب حكي فيه قولين وطردهما في كل صورة اتى بها بعد الاحرام بنسك لتأكد الاحرام بذلك النسك فان العراقيين جزموا بنفى القضاء قال وهذا أمثل فانه تحلل بالحصر المحض وسواء ثبت الخلاف أم لا فظاهر المذهب أنه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 62 لاقضاء (وقوله) في الكتاب علي الصحيح يجوز حمله علي الصحيح من القولين جوابا علي طريقة اثبات الخلاف ويجوز أن يحمل علي الصحيح من الطريقين * ولو صد عن عرفة ولم يصد عن مكة فيدخل مكة ويتحلل بعمل عمرة وفى وجوب القضاء قولان لانه محصر تحلل بعمل عمرة كمن صد عن طريق وسلك غيره ففاته الحج وقد قدمنا ذلك وبالله التوفيق * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 63 (الباب الثاني في الدماء وفيه فصلان) قال (الفصل الاول) في ابدالها وهي أنواع (الاول) دم التمتع وهو دم ترتيب وتقدير كما في القرآن وفي معناه دم الفوات والقران (الثاني) جزاء الصيد وهو دم تعديل وتخيير (و) في نص القرآن (الثالث) دم الحلق وهو دم تخيير وتقدير إذ يتخير بين شاة وثلاثة آصع من طعام كل صاع أربعة أمداد يطعمه ستة مساكين وبين صيام ثلاثة أيام فهذه الثلاث منصوص عليها) * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 64 الدماء الواجبة في المناسك سواء تعلقت بترك مأمور أو ارتكاب منهي إذا أطلقناها أردنا دم شاة فان كان الواجب غيرها كالبدنة في الجماع فيقع النص عليه ولا يجزئ فيها جميعا إلا ما يجزئ في الاضحية إلا في جزاء الصيد فيجب المثل في الصغير صغير وفي الكبير كبير * وكل من لزمه شاة جاز له أن يذبح مكانها بقرة أو بدنة إلا في جزاء الصيد * وإذا ذبح بدنة أو بقرة مكان الشاة فالكل فرض حتى لا يجوز أكل شئ منها أو الفرض السبع حتى يجوز له أكل الباقي فيه وجهان * ولو ذبح بدنة ونوى التصدق بسبعها عن الشاة الواجبة عليه وأكل الباقي جاز له ذلك وله أن ينحر البدنة عن سبع شياه لزمته * ولو اشترك جماعة في ذبح بقرة أو بدنة وأراد بعضهم الهدى والبعض الجزء: 8 ¦ الصفحة: 65 الاضحية والبعض اللحم جاز خلافا لابي حنيفة حيث قال لا يجوز إلا أن يريد جميعهم القربة ولمالك حيث قال لا يحوز الا أن يكونوا أهل بيت واحد * ولايجوز أن يشترك اثنان في شاتين لامكان انفراد كل واحد بواحدة * إذا عرفت ذلك فاعلم ان كلام الباب يقع في فصلين (أحدهما) في كيفية وجوبها وما يقوم مقامها (والثاني) في مكانها وزمانها والبحث في الاولى من وجهين (أحدهما) النظر في أن أي دم يجب على الترتيب واى دم يجب علي التخيير وهاتان الصفتنا متقابلتان فمعني الترتيب انه يتعين عليه الذبح ولا يجوز العدول عنه إلى غيره الا إذا عجز عنه ومعنى التخيير انه يفوض الامر الي خيرته فله العدول الجزء: 8 ¦ الصفحة: 66 إلى غيره مع القدرة عليه (والثانى) النظر في ان أي دم يجب على سبيل التقدير وأى دم يجب علي سبيل التعديل وهاتان الصفتان متقابلتان فمعنى التقدير ان الشرع قدر البدل المعدول إليه ترتيبا أو تخييرا بقدر لا يزيد ولا ينقص ومعنى التعديل انه أمر فيه بالتقويم والعدول إلى الغير بحسب القيمة وهذا اللفظ مأخوذ من قوله تعالى (أو عدل ذلك صياما) وكل دم بحسب الصفات المذكورة لا يخلو عن أربعة أوجه (احدها) الترتيب والتقدير (وثانيها) الترتيب والتعديل (وثالثها) التخيير والتقدير (ورابعها) التخيير والتعديل (وأما) تفصيلها فهي على ما ذكر في الكتاب ثمانية أنواع (احدها) دم التمتع وهو دم ترتيب وتقدير على ما ورد في نص الكتاب قال الله تعالى (فمن تمتع بالعمرة إلي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 67 الحج فما استيسر من الهدى) الآية وقد بينا شرح القول وبينا فيه ان دم القران في معناه وفى دم الفوات قولان نقلهما القاضي ابن كج (أصحهما) ولم يورد الاكثرون غيره انه كدم التمتع في الترتيب والتقدير وسائر الاحكام لان دم التمتع انما وجب لترك الاحرام من الميقات والنسك المتروك في صورة الفوات أعظم * وقد روى عن عمر رضي الله عنه انه أمر الذين فاتهم الحج بالقضاء من قابل ثم قال (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع) (والثانى) انه كدم الجماع في الاحكام إلا أن ذلك بدنة وهذا شاة ووجه الشبه اشتراك الصورتين في التفريط المحوج إلى القضاء (الثاني) جزاء الصيد وهو دم تخيير وتعديل قال الله تعالى (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 68 من النعم) الآية وما فيه التخيير يختلف يكون الصيد مثليا أو غير مثلي على ما سبق في موضعه وجزاء شجر الحرم كجزاء الصيد (الثالث) دم الحلق وفديته وهو دم تخيير وتقدير فإذا حلق جميع شعره أو ثلاث شعرات تخير بين أن يذبح شاة وبين أن يتصدق بعزق من طعامه على ستة مساكين وبين أن يصوم ثلاثة أيام والعزق ثلاثة آصع وكل صاع اربعة أمداد فتكون الآصع الثلاثة اثنى عشر مدا نصيب كل مسكين مدان وفى سائر الكفارات لا يزاد لكل مسكين على مد هذا هو المشهور * وحكي في العدة وجها آخر انه لا يتقدر ما يصرف إلي كل مسكين وإنما أخذ التخيير في هذا الدم من نص الكتاب قال الله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 69 تعالى (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) (وأما) التقدير فهو مأخوذ من حديث كعب بن عجرة وقد رويناه في باب المحظورات (وقوله) في الكتاب دم الفوات يجوز اعلامه بالواو لما رويناه من القول الجزء: 8 ¦ الصفحة: 70 الثاني (وقوله) وتخيير في جزاء الصيد بالواو لقول حكيناه عن رواية أبى ثور من قبل انه علي الترتيب (وقوله) فهذه الثلاث منصوص عليها أي ورد نص الكتاب أو الخبر في كيفية وجوبها وما عداها مقيس بها * قال (الرابع) الواجبات المجبورة بالدم فيها دم تعديل وترتيب وقيل إنه كدم التمتع في التقدير أيضا) * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 71 الدم المنوط بترك المأمورات كالاحرام من المقيات والرمى والمبيت بمزدلفة ليلة العيد وبمنى ليالى التشريق والدفع من عرفة قبل غروب الشمس وطواف الوداع فيه وجهان (أحدهما) أنه دم ترتيب وتعديل (أما) الترتيب فالحاقا بدم التمتع لما في التمتع من ترك الاحرام من الميقات (وأما) التعديل فجريا على القياس والتقدير لايعرف الا بتوقيف * فعلى هذا يلزمه ذبح شاة فان عجز قوم الشاة دارهم واشترى بها طعاما يتصدق به فان عجز صام عن كل مد يوما * وإذا ترك رمى حصاة فقد ذكرنا أقوالا في أن الواجب مد أو درهم أو ثلث شاة فان عجز فالطعام والصوم على ما يقتضيه التعديل بالقيمة (والوجه الثاني) أنه يلحق بدم لتمتع في التقدير كما الحق به في الترتيب ويكون الواجب دم ترتيب وتقدير فان عجز عن الدم صام ثلاثة في الحج وسبعة بعد الرجوع * وفى تعليق بعض المراوزة وجه آخر تفريعا على الوجه الثاني وهو أن الصوم المعدول إليه هو صوم فدية الاذى دون العشرة وما الاظهر من الوجهين ايراد الكتاب يشعر بترجيح الوجه الاول وبه قال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 72 القاضي ابن كج والامام وغيرهما لكن الثاني اظهر في المذهب ولم يورد العراقيون وكثير من سائر الطبقات غيره وحكي القاضي ابن كج وجها ثالثا ضعيفا أنه دم تخيير وتعديل كجزاء الصيد * قال (الخامس الاستمتاعات كالطيب واللبس ومقدمات الجماع فيه دم ترتيب وتعديل وفيه قول آخر أنه دم تخيبر تشبيها بالحلق (وقيل) انه دم تقدير أيضا إتماما للتشبيه (وأما) القلم ففى معنى الحلق) * دم التطيب والتدهن واللباس ومقدمات الجماع دم ترتيب أو تخيير فيه قولان أو وجهان (أحدهما) أنه دم ترتيب كدم التمتع لانه مترفه بهذا الاستمتاعات كما أن المتمتع مترفه بالتمتع (وأظهرهما) وبه قال ابو اسحق أنه دم تخيير تشيها بفدية الحلق لاشتراكهما جميعا في الترفه وإلحاقها بالحلق أولى منه بالتمتع فان الدم ثم إنما وجب لترك الاحرام من الميقات (فان قلنا) بالاول ففى كونه دم تقدير أو تعديل وجهان (أحدهما) انه دم تقدير اتماما للتشبيه بدم التمتع (واظهرهما) انه دم تعديل كجزاء الصيدلان التقدير انما يؤخذ من التوقيف (وان قلنا) بالثاني ففى كونه دم تقدير أو تعديل ايضا وجهان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 73 (اظهرهما) انه دم تقدير اتماما للتشبيه بالحلق * والحاصل من هذه الاختلافات اربعة اوجه (احدها) الترتيب والتعديل (وثانيها) التخيير والتعديل (وثالثها) لتخيير والتقدير وهذه الثلاثة هي المذكورة في الكتاب (ورابعها) الترتيب والتقدير واظهر الوجوه الثالث وايراد الكتاب يشعر بترجيح الاول وبه قال صاحب التهذيب وهذا الاختلاف لا يجئ في قلم الاظفار بل هو ملحق بالححلق بلا خلاف لاشتراكهما في معنى الترفة والاستهلاك جميعا والله اعلم * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 74 قال (السادس دم الجماع وفيه بدنه أو بقرة أو سبع من الغنم فان عجز قوم البدنة دارهم والدارهم طعاما والطعام صياما فهو دم تعديل وترتيب (وقيل) انه دم تخيير كالحلق (وقيل) بين البدنة والبقرة والشاة ايضا ترتيب) * في خصال فدية الجماع وجهان (اصحهما) انها خمس ذبح بدنه وذبح بقرة وذبح سبع من الغنم والاطعام بقدر قيمة البدنة على ما عرفت من سبيل التعديل والصيام عن كل مد يوما (والثانى) حكاه القاضي ابن كج أن خصالها الثلاث الاول فان عجز عنها فالهدى في ذمته إلى ان يجد تخريجا من أحد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 75 القولين في دم الاحصار وسنذكره فان جرينا على الصحيح وهو اثبات الخصال الخمس فهذا الدم دم تعديل لا محالة لانا في الجملة نقوم البدنة وهل هو دم ترتيب أو تخيير فيه قولان ومنهم من قول وجهان (أصحهما) أنه دم ترتيب فعليه بدنة إن وجدها والا فبقرة والا فسبع من الغنم والاقوم البدنة دارهم والدارهم طعاما ثم فيه وجهان (احدهما) أنه يصوم عن كل مد يوما فان عجز عن الصيام اطعم كما في كفارة الظهار والقتل (واصحهما) ولم يورد الجمهور غيره ان الترتيب على العكس ويتقدم الطعام على الصيام لانا لم نجد في المناسك تقديم الصيام على الاطعام في غير هذا الدم فكذلك ههنا * وانما قدمت البدنة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 76 على البقرة وان قامت مقامها في الضحايا لان الصحابة رضي الله عنهم نصوا علي البدنة وذلك يقتضى تعينها وبينها وبين البقرة بعض التفاوت الا ترى الي قوله صلى الله عليه وسلم (من راح في الساعة الاولي فكأنما قرب بدنة ومن راح في الثانية فكانما قرب بقرة) واما أقيم الاطعام والصيام مقامها تشبيها بجزاء الصيد الا ان الامر ثم علي التخيير وههنا على الترتيب لانه يشبه الفوات في ايجاب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 77 القضاء وموجب الفوات مرتب (والقول الثاني) أنه دم تخيير لانه سبب تجب به البدنة فيكون على التخيير كقتل النعامة وأيضا فان الجماع ملحق بالاستهلاكات على ما سبق فتكون فديته علي التخيير كفدية الحلق وعلى هذا ففيم يثبت التخيير وجهان (أظهرهما) أنه يتخير بين البدنة والبقرة والسبع من الغنم كما لو لزمه سبعة دماء (واما) الاطعام والصيام فهما على الترتيب ولا عدول اليهما الا إذا عجز عن الذبح (والثاني) انه يتخير بين الكل كما في قتل النعامة وكما ان في فدية الحلق يتخير بين الصيام والصدقة والنسك * وقد ذكر القفال وآخرون ان الفولين في ان دم الجماع دم ترتيب أو تخيير مبني على ان الجماع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 78 استهلاك أو استمتاع ان جعلناه استهلاكا فهو علي التخيير كفدية الحلق والقلم وان جعلناه استمتاعا فهو على الترتيب كفدية الطيب واللباس والتمتع * (واعلم) ان هذا التشبيه في الطيب واللباس كلام من يجعل الامر ثم على الترتيب وقد سبق ما فيه من الخلاف (وقوله) في الكتاب قوم البدنة دارهم يجوز اعلامه بالواو للوجه المنسوب إلى حكاية ابن كج (وقوله) والدراهم طعاما والطعام صياما باقى الكلام محذوف والمعني وأطعم فان عجز صام * ثم ايراد الكتاب قد يوهم ترجيح قول التخيير بين البدنة والبقرة والشاة على الترتيب لكن الاظهر عند الاكثرين الترتيب فيها أيضا وايراد الوسيط يوافقه * قال (السابع الجماع الثاني أو بين التحللين إن قلنا فيه شاة فهو كالقبلة وان قلنا بدنة فكالجماع الاول) * قد سبق الخلاف في أن الجماع الثاني يوجب البدنة أو الشاة وكذا الجماع بين التحللين فان أوجبنا البدنة فهي في الكيفية كالجماع الاول قبل التحللين وان أوجبنا الشاة فهى كفدية القبلة وسائر مقدمات الجماع وهذا ظاهر * قال (الثامن دم التحلل بالاحصار وهو شاة فان عجز فلا بدل له في قول وفى قول بدله كدم التمتع وفى قول كدم الحلق وفى قول كدم الواجبات المجبورة) * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 79 على المحصر دم شاة للتحلل ولا معدل عنه ان وجد الشاة والا فهل لهذا الدم من بدل فيه قولان (أصحهما) وبه قال أحمد نعم كسائر الدماء الواجبة على المحرم (والثاني) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله لا لان الله تعالى لم يذكر لدم الاحصار بدلا ولو كان له بدل لا شبه أن يذكره كما ذكر بدل غيره (التفريع) ان قلنا له بدل فما ذلك البدل فيه ثلاثة أقوال (أحدها) الصوم وبه قال أحمد رحمه الله كدم التمتع لان التحلل والتمتع جميعا مشروعان تخفيفا وتر فيها وفيهما جمعا ترك بعض النسك فيلحق أحدهما بالآخر (والثاني) الاطعام لان قيمة الهدى أقرب إليه من الصيام وإذا لم يرد نص فالرجوع إلى الاقرب أولى (والثالث) ان لكل واحد منهما مدخلا في البدلية كفدية الحلق ووجه الشبه بينهما ان المحصر يبغى دفع أذى العدو والاحرام عن نفسه كما أن الحالق يبغي دفع اذى الشعر (التفريع) ان قلنا ان بدله الصوم فما ذلك الصوم فيه ثلاثة اقوال (احدها) وبه قال احمد رحمه الله صوم المتمتع عشرة ايام (والثاني) صوم فدية الاذى ثلاثة ايام (والثالث) ما يقتضيه التعديل وانما يدخل الطعام في الاعتبار على هذا القول ليعرف به قدر الصوم لا ليعطم (وان قلنا) ان بدله الاطعام ففيه وجهان (احدهما) أنه مقدر كفدية الاذى وهو إطعام ثلاثة آصع ستة مساكين (الثاني) انه يطعم ما يقتضيه التعديل (وان قلنا) لكل واحد مدخلا فيه فهل بينهما ترتيب فيه وجهان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 80 (احدهما) لا كما في فدية الحلق (وأصحهما) نعم كالترتيب بين الهدى وبدله فعلي الاول قدر الطعام والصيام كقدرهما في الحلق وعلى الثاني الطريق بينهما التعديل * إذا عرفت ذلك فانظر في لفظ الكتاب واعلم قوله ولا بدل له في قوله بالالف ويقابله ان له بدلا وما هو ذكر فيه اقوالا ثلاثة (احدها) ان بدله كبدل دم التمتع وهذا مختصر قولنا ان بدله الصوم وان ذلك الصوم صوم التمتع (والثانى) ان بدله كبدل دم الحلق وهذا مختصر قولنا ان للاطعام والصيام معا مدخلا في البدلية وان الامر فيهما على التخيير والتقدير (والثالث) أن بدله كبدل دم الواجبات المجبورة وهذا مختصر قولنا لكل واحد منهما مدخل فيه والامر فيما على الترتيب والتعديل فعلى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 81 الاول هو دم ترتيب وتقدير وعلي الثاني دم تخيير وتقدير وعلى الثالث دم ترتيب وتعديل وهذا حكم دماء الواجبات المجبورة على الارجح عند صاحب الكتاب على ما مر فان لم نقل بذلك لم يستمر هذا التشبيه والاصح في المسالة التي نحن فيها الترتيب والتعديل قاله القاضى الرويانى وصاحب التهذيب وغيرهما رحمهم الله وهو اختيار المزني رضى الله عنه والله أعلم * قال (الفصل الثاني في مكان إراقة الدماء وزمانها) (ولا تختص دماء المحظورات والجبرانات بزمان بعد جريان سببها بخلاف دم الضحايا ودم * الفوات يراق في الحجة الفائتة أو في الحجة المقضية فيه قولان) * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 82 مقصود الفصل بيان زمان إراقة الدماء ومكانها (أما) الزمان فالدماء الواجبة في الاحرام إما لارتكاب محظورات أو جبرا لترك مأمور لا اختصاص لها بزمان بل يجوز في يوم النحر وغيره وانما الضحايا هي التى تختص بيوم النحر وأيام التشريق * وعن أبي حنيفة رحمه الله ان دم القران والتمتع لا يجوز ذبحه قبل يوم النحر * لنا القياس على جزاء الصيد ودم التطيب والحلق * ثم ما عدا دم الفوات يراق في النسك الذى هو فيه وأما دم الفوات فيجوز تأخيره إلى سنة القضاء وهل يجوز إراقته في سنة الفوات فيه قولان (أحدهما) وهو نصه في الاملاء أنه يجوز كدم الافساد يراق في الحجة الفاسدة (وأصحهما) أنه لا يجوز ويجب تأخيره إلى سنة القضاء لظاهر خبر عمر رضى الله عنه حيث قال (حج الجزء: 8 ¦ الصفحة: 83 من قابل واهد ما استيسر من الهدى) (فان قلنا) بالاول فوقت وجوبه سنة الفوات وكأن الفوات أوجب شيئين الدم والقضاء فله تعجيل أحد لواجبين وتأخير الثاني (وان قلنا) بالثاني ففى وقت الوجوب وجهان (أصحهما) أن لوجوب منوط بالتحريم بالقضاء كما ان دم التمتع منوط بالتحرم بالحج ووجه الشبه أن من فات حجه يتحلل من نسك ويتحرم بآخر كالمتمتع الا أن نسكى المتمتع يقعان في سنة واحدة والقضاء سيقع في سنة أخرى ولما بينهما من الشبه فنقول لو ذبح قبل التحلل عن الفائت لم يجزه علي الاصح كما لو ذبح المتمتع قبل الفراغ من العمرة * هذا إذا كفر بالدم أما إذا كان بصوم فان قلنا أن الكفارة تجب بالتحرم بالقضاء فصيام الايام الثلاثة لا يتقدم على القضاء لا محالة لان العبادة البدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 84 لا تقدم علي وقتها ويصوم السبعة بعد الرجوع وان قلنا إنها تجب بالفوات فقد حكي الامام رحمه الله في جواز صوم الايام الثلاثة في الحجة الفائتة وجهين (وجه) المنع أنه في إحرام ناقص والذى عهدناه إيقاع الثلاثة في نسك كامل * قال (وأما المكان فيختص (ح) جواز الاراقة بالحرم والافضل في الحج منى وفى العمرة عند المروة لانهما محل تحللهما وقيل لو ذبح على طرف الحرم جاز وقيل ما لزم بسبب مباح لا يختص بمكان) * الدماء الواجبة على المحرم تنقسم إلى دم الاحصار وما لزم المحصر من دماء المحظورات والى سائر الدماء (أما) القسم الاول فقد ذكرنا حكمه في فصل الاحصار (وأما) الثاني وهو المقصود في الكتاب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 85 وان كان اللفظ مطلقا فيتقيد بالحرم ويجب تخصيص لحومها بمساكين الحرم ويجوز صرفها الى القاطنين والغرباء الطارئين لكن الصرف إلى القاطنين أولي * وهل يختص ذبحها بالحرم فيه قولان (أصحهما) نعم وبه قال أبو حنيفة لان النبي صلي الله عليه وسلم (أشار الي موضع النحر من مني وقال هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر) ولان الذبح حق متعلق بالهدى فيختص بالحرم كالتصدق (والثانى) لا يختص لان المقصود هو اللحم فإذا وقعت تفرقته في الحرم وانصرف إلى مساكينه حصل الغرض * فعلى الاول لو ذبح خارج الحرم لم يعتد به * وعلى الثاني لو ذبح خارج الحرم ونقل إليه وفرقه جاز لكن يشترط أن يكون النقل والتفريق قبل تغير اللحم والى هذا أشار في الكتاب في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 86 العبارة عن هذا القول حيث قال وقيل لو ذبح على طرف الحرم جاز * ولا فرق فيما ذكرناه بين دم التمتع والقران وسائر الدماء والواجبة بسبب منشأ في الحرم وبين الدماء الواجبة بسبب منشأ في الحل * وفى القديم قول ان ما انشئ سببه في الحل يجوز ذبحه وتفريقه في الحل كدم الاحصار وبه قال أحمد والمذهب الاول واحتج له بقوله تعالي في جزاء الصيد (هديا بالغ الكعبة) أطلق ولم يفصل بين أن يقتل الصيد في الحل أو الحرم * ولا فرق أيضا بين أن يكون السبب الموجب للدم مباحا أو بعذر كالحلق للاذى أو مطلقا كالتمتع والقرن بين أن يكون محرما * وذكر الامام أن صاحب التقريب حكي وجها أن ما لزم بسبب مباح ولا يختص ذبحه ولا تفرقة لحمه بمكان وأن شيخه حكى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 87 وجها أنه لو حلق قبل الانتهاء إلى الحرم ذبح وفرق حيث حلق وهما ضعيفان وصاحب الكتاب أورد الاول منهما * ثم أفضل مواضع الحرم للذبح في حق الحاج منا وفى حق المعتمر المروة لانهما محل تحللهما وكذلك حكم ما يسوقانه من الهدى * ولو كان يتصدق بالاطعام بدلا عن الذبح فيجب تخصيصه بمساكين الحرم بخلاف الصوم فانه ياتي به حيث يشاء لانه لا غرض فيه للمساكين * وعند أبى حنيفة يجوز صرف اللحم والطعام إلى غير مساكين الحرم وانما الذى يختص بالحرم الذبح وإذا ذبح الهدى في الحرم ففرق منه لم يجزه عما في ذمته وعليه إعادة الذبح أو شرى اللحم والتصدق به وفيه وجه أنه يكفيه التصدق بالقيمة وقال أبو حنيفة رحمه الله لا شئ عليه * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 88 قال (واختتام الكتاب بمعني الايام المعلومات وهى العشر الاول من ذى الحجة وفيها المناسك والمعدودات وهى أيام التشريق وفيها الهدايا والضحايا والله أعلم بالصواب) * ختم الكتاب بذكر معني الايام المعلومات والايام المعدودات قد ذكرهما الله وتعالى في آيتين من كتابه فالمعلومات هي العشر الاول من ذى الحجة آخرها يوم النحر وبه قال أحمد رحمه الله في رواية ويروى عنه مثل ما روى عن مالك وهو أنها يوم النحر ويومان بعده وعند أبي حنيفة رحمه الله المعلومات ثلاثة أيام يوم عرفة ويوم النحر واليوم الاول من أيام التشريق * فعنده اليوم الاول داخل في المعدودات والمعلومات معا وعند مالك رحمه الله الاول والثانى من أيام الجزء: 8 ¦ الصفحة: 89 التشريق داخلان فيها * لنا التفسير عن ابن عباس رضى الله عنهما والاخذ به أولي لان الاشبه تغاير المسميات عند تغاير الاسماء (وأما) المعدودات فهي أيام التشريق بلا خلاف (وقوله) في الكتاب وفيها المناسك اراد به اصول المناسك فان توابعها قد يتأخر بعضها إلى ايام التشريق (قوله) وفيها الهدايا والضحايا لك أن تبحث فيه فتقول هذا يقتضي تخصيص الهدايا بهذه الايام وقد ذكر من قبل ان دماء الجبرانات والمحظورات لا تختص بزمان واسم الهدي يقع عليها كما يقع على ما يسوقه المحرم فان اراد ههنا ما يسوقه المحرم فهل يختص ذبحه بهذه الايام على ما هو قضية اللفظ أم لا (فاعلم) ان المراد في هذا الموضع بالهدايا ما يسوقها المحرم وفى اختصاصها بيوم النحر وايام الجزء: 8 ¦ الصفحة: 90 التشريق وجهان (احدهما) وهو الذى اورده في التهذيب أنها لا تختص كدماء المحظورات (وأظهرهما) وهو الذى اورده صاحب الكتاب والعراقيون انها تختص كالاضحية فعلى هذا لو اخر الذبح حتي مضت هذا الايام نظر ان كان هديا واجبا ذبح قضاء وان كان تطوعا فقد فات وان ذبح فقد قال الشافعي رضى الله عنه هي شاة لحم * ولا يخفى ان لفظ الكتاب يحتاج إلى تأويل فان الذى جرى ذكره ايام التشريق لا غير والذبح لا يختص بها بل يوم النحر في معناها لا محالة والله اعلم (واعلم) أن في المختصر بابا في آخر كتاب الحج ترجمه بنذر الهدى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 91 وعلي ذلك جرى الاصحاب فذكروا ههنا فروعا ومسائل كثيرة لكن صاحب الكتاب أخر ايراده منها إلي كتابي الاضحية والنذر اقتداء بالامام رحمه الله ونحن نشرح ما ذكره ونضم إليه ما يحسن ايراده ان شاء الله تعالى لكن نذكر نبذا لابد من معرفتها فنقول. من قصد مكة لحج أو عمرة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 92 فسيتحب له أن يهدى إليها شيئا من النعم (أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بدنة) ولا يلزم ذلك الا بالنذر * وإذا ساق هديا تطوعا أو نذرا نظر ان ساق بدنة أو بقرة فيستحب ان يقلدها نعلين وليكن لهما قيمة ليتصدق بها وان يشعرها ايضا والاشعار الاعلام والمراد ههنا ان يضرب صفحة سنامها اليمني بحديدة وهي مستقبلة للقبلة فيدميها ويلطخها بالدم ليعلم من رآها أنها هدى فلا يستجيز التعرض لها * وقال ابو حنيفة لا اشعار * ومالك واحمد استحبا الاشعار ولكن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 93 قالا يشعرها من الجانب الايسر * لنا ما روى عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم (صلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا ببدنة فاشعرها في صفحة سنامها الايمن) وان ساق غنما استحب تقليدها ولكن بخرب القرب وهى عراها وآذانها لا بالنعل لانها ضعيفة يثقل عليها حمل النعال * وقال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 94 مالك وبو حنيفة لا يستحب تقليد الغنم * لنا ما روي انه صلى الله عليه وسلم (اهدى مرة غنما مقلدة) ولا يستحب اشعارها لانها ضعيفة ولان شعرها يمنع من ظهور الدم * ثم إذا قلد النعم وأشعرها لم تصر بذلك هديا واجبا على اصح القولين كما لو كتب الوقف علي باب داره لا تصير وقفا * وإذا عطب الهدى الذي ساقه في الطريق ينظر ان كان تطوعا فهو ماله يفعل به ما يشاء من بيع واكل وغيرهما وان كان واجبا فعليه ذبحه فلو تركه حتى هلك ضمنه وإذا ذبحه غمس النعل التي قلده في دمه وضرب بها صفحة سنامها وتركه ليعلم من مر به انه هدى فيأكل منه وهل تتوقف الاباحة على ان يقول ابحته لمن ياكل منه فيه قولان (اصحهما) عند صاحب الهذيب انه لا حاجة إليه لانه بالنذر زال ملكه عنه وصار للناس * ولا يجوز للمهدى ولا لاغنياء الرفقة الاكل منه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 95 وفى فقرائها وجهان (اصحها) انه ليس لهم الاكل ايضا لما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه (لا تأكل كل منها انت ولا احد من اهل رفقتك) والله ولى التوفيق * تم الربع الاول وهو ربع العبادات من كتاب العزيز في شرح الوجيز بحمد الله تعالي وعونه ويتلوه في هذا المجلد أيضا كتاب البيع ولقد نقلنا هذه الدرر النفيسة من نسخة كتبت علي يد المغفور له أبو بكر بن محمود بن بابا في سنة سبع وستين وستمائة هجرية علي صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية *   وجدنا هذا الختام في بعض نسخ الاصل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 96 (كتاب البيع) (والنظر في خمسة أطراف) (الاول في صحته وفساده وفيه أربعة أبواب) (الباب الاول في أركانه) قال (وهى ثلاثة (الاول) الصيغة وهي الايجاب والقبول اعتبرا للدلالة على الرضا الباطن ولا تكفي المعاطاة (م ح و) أصلا ولا الاستيجاب (م) والايجاب وهو قوله بعنى بدل قوله اشتريت على أصح الوجهين بخلاف النكاح فانه لا يجرى مفافصة وينعقد البيع بالكناية مع النية علي الاصح كالكتابة والخلع بخلاف النكاح فانه مقيد بقيد الشهادة) * الاصل في الباب الاجماع وآيات الكتاب نحو قوله تعالي (وأحل الله البيع) وقوله عز وجل (الا أن تكون تجارة عن تراض منكم) والاخبار نحو ما روى عن رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم (سئل عن أطيب الكسب فقال عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور)   (قوله) مفافصة المفافصة الاخذ على غرة اه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 97 ولفقه هذا الكتاب أبواب منتشرة ومسائل كثيرة جمعها المصنف في خمسة أطراف وسبيل ضبطها أن البيع أما صحيح أو فاسد وبتقدير الصحة فهو اما جائز أو لازم وعلى التقديرين فاما أن يقترن به القبض أو لا يقترن وعلي التقديرين فالالفاظ المستعملة فيه اما التي تتأثر بقرائن عرفية تقتضي زيادة علي موجب اللغة أو نقصانا وإما غيرها وعلى التقديرين فالمتبايعان قد يكونا حرين وقد يكون أحدهما رقيقا وباعتبار آخر قد يعرض لهما الخلاف في كيفية البيع وقد لا يعرض والاحكام تختلف بحسب هذه الاحوال * فالطرف الاول في الصحة والفساد (والثاني) في الجواز واللزوم (والثالث) في حكم البيع قبل القبض وبعده (والرابع) في الالفاظ المتأثرة بالقرائن (والخامس) في مداينة العبيد واختلاف المتبايعين * والطرف الاول في صحة البيع وفساده وفيه أبواب (أحدها) في أركانه وهى ثلاثة ترجمها في الوسيط فقال هي العاقد والمعقود عليه وصيغة العقد فلابد منها لوجود صورة العقد هذا لفظه * ولك أن تبحث فتقول ان كان المراد أنه لابد من وجودها لتدخل صورة البيع في الوجود فالزمان والمكان وكثير من الامور بهذه المثابة فوجب أن تعد أركانا * وإن كان المراد أنه لا بد من حضورها في الذهن ليتصور البيع فلا نسلم أن العاقد والمعقود عليه بهذه المثابة وهذا لان البيع فعل من الافعال والفاعل لا يدخل في حقيقة الفعل ألا ترى انا إذا عددنا أركان الصلاة والحج لم نعد المصلى والحاج في جملتها وكذلك مورد الفعل بل الاشبه أن الصيغة أيضا ليست جزاء من حقيقة فعل البيع الا ترى أنه ينتظم أن يقال هل المعاطاة بيع أم لا ويجيب عنه مسؤل بلا وآخر بنعم (والوجه) أن يقال البيع مقابلة مال بمال وما أشبه ذلك فيعتبر في صحته أمور (منها) الصيغة (ومنها) كون العاقد بصفة كيت وكيت (ومنها) كون المعقود عليه كذا وكذا * ثم أحد الاركان على ما ذكره الصيغة وهي الايجاب من جهة البائع بان يقول بعت أو اشتريت أو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 98 ملكتك وفى ملكت وجه منقول عن الحاوى والقبول من جهة المشتري بان يقول قبلت ويقوم مقامه ابتعت واشتريت وتملكت ويجرى في تملكت مثل ذلك الوجه * وإنما جعلنا قوله ابتعت وما بعده قائما مقام القبول ولم نجعله قبولا لما ذكره إمام الحرمين من ان القبول على الحقيقة ما لا يتأتى الابتداء به (فاما) إذا أتى بما يتأتى الابتداء به فقد أتي باحد شقى العقد * ولافرق بين أن يتقدم قول البائع بعت علي قول المشتري اشتريت وبين أن يتقدم قول المشترى اشتريت * ويصح في البيع الحالتان ولا يشترط اتفاق اللفظين بل لو قال البائع اشتريت فقال المشترى تملكت أو ابتعت أو قال البائع ملكت فقال المشترى اشتريت صح لان المعنى واحد (وقوله) اعتبرا للدلالة على الرضا يريد به أن المقصود الاصلي هو التراضي لئلا يكون واحد منهما آكلا مال الآخر بالباطل بل يكونا تاجرين عن تراض على ما قال تعالى (لا تأكلوا أموالكم بينك بالباطل) الآية الا أن الرضي أمر باطن يعسر الوقوف عليه فنيط الحكم باللفظ الظاهر * ثم في بعض النسخ على الرضى الباطن وفى بعضها علي الرضي في الباطن وهما صحيحان ويتعلق بهذه القاعدة مسائل ثلاث (إحداها) المعاطاة ليست بيعا علي المذهب المشهور لان الافعال لا دلالة لها بالوضع وقصود الناس فيها تختلف * وعن ابن سريج فيها تخريج قول الشافعي أنه يكتفى بها في المحقرات لان المقصود الرضي وبالقرائن يعرف حصوله وبهذا أفتى القاضى الرويانى وغيره وذكروا لمستند التخريج صورا (منها) لو عطب الهدى في الطريق فغمس النعل الذى قلده بها في الدم وضرب بها صفحة سنامه هل يجوز للمارين الاكل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 99 منه ذكرنا فيه قولين وخلافا سيأتي إن شاء الله تعالي (ومنها) لو قال لزوجته ان اعطيتني الفا فانت طالق فوضعت بين يديه ولم تتلفظ بشئ يملكه ويقع الطلاق وفى الاستشهاد بهذه الصور نظر (ومنها) لو قال لغيره اغسل هذا الثوب فغسله وهو ممن يعتاد الغسل بالاجرة هل يتسحق الاجر فيه خلاف سيأتي ذكره في موضعه * ثم مثلوا المحقرات بالتافه من البقل والرطل من الخبز وهل من ظابط؟ سمعت والدى رحمه الله تعالى وغيره يحكى ضابطها بما دون نصاب السرقة والاشبه الرجوع فيه الي العادة فما يعتاد فيه الاختصار على المعاطاة بيعا ففيه التخريج ولهذا قال صاحب التتمة معبرا عن التخريج ما جرت العادة فيه بالمعاطاة فهي بيع فيه ومالا كالدواب والجوارى والعقار فلا * وإذا قلنا بظاهر المذهب فما حكم الذى جرت العادة من الاخذ والعطاء فيه وجهان (احدهما) انه اباحة وبه أجاب القاضى أبو الطيب حين سأله ابن الصباغ عنه قال فقلت له لو أخذ بقطعة ذهب شيئا فاكله ثم عاد يطالبه بالقطعة هل له ذلك قال لا قلت فلو كان إباحة لكان له ذلك قال إنما اباح كل واحد منهما بسبب اباحة الاخر له (قلت) فهو إذا معاوضة فاصحهما ان حكمه حكم المقبوض بسائر العقود الفاسدة فلكل واحد منهما مطالبة الاخربما سلمه إليه مادام باقيا وبضمانه ان كان تالفا * فلو كان الثمن الذى قبضه البائع مثل القيمة فقد قال المصنف في الاحياء هذا مستحق ظفر بمثل حقه والمالك راض فله تملكه لا محالة * وعن الشيخ ابي حامد انه لا مطالبة لواحد منهما على الآخر وتبرأ ذمتهما بالتراضى وهذا يشكل بسائر العقود الفاسدة فانه لابراءة وان وجد الرضى (وقوله) فلا تكفى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 100 المعاطاة اصلا معلم بالواو والحاء والميم لان ابا حنيفة يجعلها بيعا في المحقرات التى جرت العادة فيها بالاكتفاء بالاخذ والعطاء * وقال مالك ينعقد البيع بكل ما يعده الناس بيعا واستحسنه ابن الصباغ * (المسألة الثانية) لو قال بعني فقال البائع بعتك نظران قال بعد ذلك اشتريت أو قبلت انعقد البيع لا محالة والا فوجهان في رواية بعضهم وكذلك اورده المنصف ههنا وقولان في رواية اخرين وكذلك اورده في النكاح (احدهما) انه لا ينعقد وبه قال ابو حنيفة والمزنى لانه يحتمل ان يكون غرضة استبانة رغبة البائع في البيع (والثانى) ينعقد وبه قال مالك لان المقصود وجود لفظ دال علي الرضي بموجب العقد والاستدعاء الجازم دليل عليه والكلام فيما إذا وجد ذلك * وعن احمد روايتان كالقولين وفي نظير المسألة من النكاح طريقان مذكوران في موضعهما والاصح فيه الانعقاد باتفاق الائمة (واما) ههنا فادعي صاحب الكتاب ان الاصح المنع * وفرق بينهما بان النكاح لا يجرئ مغافصة في الغالب فتكون الرغبة معلومة من قبل ويعتبر قوله زوجنى استدعاء جزما والبيع كثير ما يقع مغافصة لكن الذى عليه الجمهور ترجيح الانعقاد ههنا ايضا ولم تتعرض طائفة لحكاية الخلاف فيه * ولو قال البائع اشتر منى كذا فقال المشتري اشتريت فقد سوى بينهما في التهذيب بين هذه الصورة والصورة السابقة واورد بعضهم انه لا ينعقد البيع * والفرق بينهما بان قول المشترى بعنى موضوع للطلب ويعتبر من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 101 جهته الطلب مبتدئا أو القبول مجيبا وقول البائع اشتر بكذا لم يوضع للبدء ولا للايجاب ولابد من جهته من بدء أو ايجاب وبني على هذا أنهما لو تبايعا عبدا بعبد وعقد البيع بلفظ الامر فايهما جعل نفسه بائعا أو مشتريا لزمه حكمه حتى لو قال الآمر بعنى عبدك هذا صح لننزيله نفسه منزلة المشترى ولو قال اشتر منى عبدى لم يصح لتنزيله نفسه منزلة البائع * ولو قال المشتري اتبعنى عبدك بكذا أو قال بعتني بكذا فقال بعت لم ينعقد البيع حتى يقول بعده اشتريت * وكذا لو قال البائع اشتر دارى بكذا أو اشتريت مني دارى فقال اشتريت لا ينعقد حتى يقول بعده بعت (المسألة الثالثة) قال الائمة كل تصرف يستقل به الشخص كالطلاق والعتق والابراء فينعقد بالكنايات مع النية انعقاده بالصريح ومالا يستقل به الشخص بل يفتقر إلى الايجاب والقبول فهو على ضربين (أحدهما) ما يفتقر إلى الاشهاد كالنكاح وكبيع الوكيل إذا شرط الموكل عليه الاشهاد فهذا لا ينعقد بالكناية لان الشهود لا يطلعون على المقصود والنيات والاشهاد على العقد لابد منه وقد يتوقف في هذا التوجيه لان القرائن بما تتوفر فيبعد الاطلاع على ما في باطن الغير (والثانى) مالا يفتقر إليه فهو أيضا على ضربين (أحدهما) ما يقبل مقصوده التعليق بالاغرار كالكتابة والخلع فينعقد بالكناية مع النية * قال الشافعي رضي الله عنه لو قال لامرأته الجزء: 8 ¦ الصفحة: 102 أنت بائن بالف فقالت قبلت ونويا صح الخلع (والثاني) ما لا يقبل كالبيع والاجارة وغيرهما وفى انقعاد هذه التصرفات بالكناية مع النية وجهان (أحدهما) لا ينعقد لان المخاطب لا يدري بم خوطب (وأظهرهما) أنه ينعقد كما في الكتابة والخلع * ومثال الكناية في البيع أن يقول خذه منى أو تسلمه منى بالف أو أدخله في ملكك أو جعلته لك بكذا ملكا وما أشبه ذلك * ولو قال سلطتك عليه بالف فهل هو من الكنايات أو لا كما لو قال أبحته لك بالف اختلفوا فيه * ولو كتب إلى غائب بالبيع ونحوه ترتب ذلك على أن الطلاق هل يقع بالكتابة ان قلنا لا يقع فهذه العقود أولى بان لا تنعقد (وان قلنا) نعم فوجهان في انعقادها بالكنايات (فان قلنا) تنعقد فالشرط أن يقبل المكتوب إليه كما اطلع علي الكتاب على الاصح ليقترن القبول بالايجاب بحسب الامكان * ولو تبايع حاضران بالكتابة ترتب ذلك على حال الغيبة إن منعنا فههنا أولى وإلا فوجهان * وحكم الكتابة على القرطاس والرق واللوح والارض والنقش على الحجر والخشب واحد ولاعبرة برسم الاحرف على الماء * والفوا في مسودات بعض أئمة طبرستان تفريعا على انقعاد البيع بالكتابة أنه لو قال بعت من فلان وهو غائب فلما بلغه الخبر قال قبلت ينعقد البيع لان النطق أقوى من الكتابة * وقال أبو حنيفة لا ينعقد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 103 نعم لو قال بعت من فلان وأرسل إليه رسولا بذلك فاخبره فقبل انعقد كما لو كاتبه قال الامام والخلاف في البيع ونحوه هل ينعقد بالكناية مع النية مفروض فيما إذا انعدمت قرائن الاحوال (فاما) إذا توفرت وأفادت التفاهم فيجب القطع بالصحة * نعم النكاح لا يصح بالكناية وان توفرت القرائن لامرين (أحدهما) أن الاثبات عند الجحود من مقاصد الاشهاد وقرائن الحال لا تنفع فيه (والثاني) أن النكاح مخصوص بضرب من التعبد والاحتياط لحرمة الابضاع وفى البيع المقيد الاشهاد وذكر في الوسيط أن الظاهر انعقاده عند توفر القرائن وهذا نظر منه في النكاح إلى معنى التعبد دون وقع الجحود (وقوله) في الكتاب الصيغة وهي الايجاب والقبول يقتضي اعتبار الصيغتين فيما إذا باع الرجل مال ولده من نفسه أو بالعكس نضر إلى اطلاق اللفظ وفيه وجهان توجيههما في غير هذا الموضع فان اكتفينا بصيغة واحدة فالمراد ما عدا هذه الصورة * ويتعلق بالصيغة مسائل آخر سكت عنها في الكتاب (احداها) يشترط أن لا يطول الفصل بين الايجاب والقبول ولا يتخللهما كلام أجنبي عن العقد فان طال أو تخلل لم ينعقد سواء تفرقا عن المجلس أم لا * ولو مات المشترى بعد الايجاب وقبل القبول ووارثه حاضر فقيل فوجهان عن الداركي أنه يصح الجزء: 8 ¦ الصفحة: 104 والاصح المنع (الثانية) يشترط ان يكون القبول على وفق الايجاب حتي لو قال بعت بالف صحيحة فقال قبلت بالف قراضة أو بالعكس أو قال بعت جميع كذا بالف فقال قبلت نصفه بخمسمائة لم يصح * ولو قال بعتك هذا بألف فقال قبلت نصفه بخمسمائة ونصفه بخمسمائة قال في التتمة يصح لان هذا تصريح بمقتضى الاطلاق ولا مخالفة ولك أن تقول اشكالا سيأتي القول في ان تفصيل الثمن من موجبات تعدد الصفقة وإذا كان كذلك فالبائع ههنا أوجب بيعة واحدة والقابل قبل بيعتين لم يوجبهما البائع ولا يخفى ما فيه من المخالفة * وفى فتاوى القفال أنه لو قال بعتك بالف درهم فقال اشتريت بالف وخمسمائة يصح البيع وهو غريب (الثالثة) لو قال المتوسط للبائع بعت بكذا فقال نعم أو بعت وقال للمشترى اشتريت بكذا فقال نعم أو اشتريت هل ينعقد البيع فيه وجهان (احدهما) لا لان واحدا منهما لم يخاطب الآخر (واظهرهما) ما دل عليه ايراد صاحب التهذيب والرويانى الانعقاد لوجود الصيغة والتراضي (الرابعة) لو قال بعت منك هذا بالف فقال قبلت صح البيع بخلاف النكاح يشترط فيه علي رأى ان يقول قبلت نكاحها احتياطا للابضاع. (الخامسة) لو قال بعت هذا بالف ان شئت فقال اشتريت فوجهان (احدهما) انه لا ينعقد لما فيه من التعليق كما لو قال ان دخلت الدار (وأظهرهما) انه ينعقد لان هذه صفة يقتضيها إطلاق العقد فانه لو لم يشأ لم يتيسر (السادسة) يصح بيع الاخرس وشراؤه بالاشارة والكتابة وهذا يبين ان الصيغة بخصوصها ليست داخلة في البيع نفسه (واعلم) أن جميع ما ذكرناه فيما ليس بضمني من المبياعات فأما البيع الضمني فيما إذا قال اعتق عبدك عنى على بألف فلا يعتبر فيه الصيغ التي قدمناها ويكفى فيه الالتماس والجواب لا محالة وبالله التوفيق * قال (الركن الثاني العاقد وشرطه التكليف فلا عبارة لصبى (ح م) ولا مجنون باذن الولى دوون اذنه وكذلك لا يفيد قبضهما الملك في الهبة ولا تعين الحق في استيفاء الدين * ويعتمد اخباره عن الاذن عند فتح الباب والملك عد ايصال الهدية على الاصح) * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 105 لفظ العاقد ينظم البائع والمشترى ويعتبر فيهما لصحة البيع التكليف فلا ينعقد البيع بعبارة الصبى والمجنون لا لنفسهما ولا لغيرهما سواء كان مميزا أو غير مميز سواء باشر باذن الولى ودون اذنه ولا فرق بين بيع الاختبار وغيره على ظاهر المذهب وبيع الاختبار هو الذى يمتحنه الولي ليستبين رشده عند مناهزة الحلم ولكن يفوض إليه الاستيام وتدبير العقد فإذا انتهى الامر إلى اللفظ أتى به الولي * وعن بعض أصحابنا تصحيح بيع الاختبار * وقال أبو حنيفة إن كان مميزا وباع أو اشترى بغير إذن الولى انعقد موقوفا علي إجازته وان باع باذنه نفذ ويكون دالا على أن الولى أذن له في التصرف في ماله ومتصرفا لنفسه إن أذن له في التصرف في مال نفسه حتى إذا أذن له في بيع ماله بالغبن فباع نفذ وان كان لا ينفذ من الولي ووافقه أحمد على انه ينفذ إذا كان باذن الولى * لنا انه غير مكلف فلا ينعقد بيعه وشراؤه كالمجنون وغير المميز * إذا عرفت ذلك فلو اشترى الصبي شيئا وقبض المبيع فتلف في يده أو أتلفه لا ضمان عليه في الحال ولا بعد البلوغ وكذا لو استقرض مالا لان المالك هو المضيع بالتسليم إليه وما داما باقيين فللمالك الاسترداد * ولو سلم ثمن ما اشتراه فعلى الولى استرداده والبائع يرده على الولى فان رده على الصبى لم يبرأ عن الضمان وهذا كما لو عرض الصبى دينارا علي صراف لينقده أو متاعا على مقوم ليقومه فإذا أخذه لم يجز له رده علي الصبي بل يرده علي وليه إن كان للصبي وعلي مالكه إن كان له مالك فلو أمره ولى الصبى بدفعه إليه فدفعه سقط عنه الضمان إن كان الملك للولى وإن كان الصبي فلا كما لو أمره بالقاء مال الصبي البحر ففعل يلزمه الضمان * ولو تبايع صبيان وتقابضا فأتلف كل واحد منهما مما قبضه نظر ان جرى ذلك باذن الولين فالضمان عليهما وإلا فلا ضمان عليهما وعلى الصبيين الضمان لان تسليمها لا يعد تسليطا وتضبيعا * ثم في الفصل مسألتان (احداهما) كما لا ينفذ بيع الصبي وشراؤه لا ينفذ نكاحه وسائر تصرافاته نعم في تدبير المميز ووصيته خلاف مذكور في الوصايا * وإذا فتح الباب وأخبر عن إذن أهل الدار في الدخول الجزء: 8 ¦ الصفحة: 106 أو أوصل هدية إلي إنسان وأخبر عن إهداء مهد فهل يجوز الاعتماد عليه نظر ان انضمت إليه قرائن أورثت العلم بحقيقة الحال جاز الدخول والقبول وهو في الحقيقة عمل بالعلم لا بقوله وإن لم تنضم نظر ان كان عارما غير مأمون القول فلا يعتمد وإلا فطريقان (أحدهما) تخريجه على وجهين ذكرا في قبول روايته (وأصحهما) القطع بالاعتماد تمسكا بعادة السلف فانهم كانوا يعتمدون أمثال ذلك ولا يضيقون فيها (وقوله) في الكتاب علي الاصح في هاتين الصورتين يجوز أن يريد به من الوجهين جوابا على الطريق الاول ويجوز أن يريد من الطريقين ذهابا إلى الثاني (الثانية) كما لا تصح تصرفاته اللفظية لا يصح قبضه في تلك التصرفات فان للقبض من التأثير ما ليس للعقد فلا يفيد قبضه الموهوب الملك له وان اتهب له الولى ولا لغيره إذا أمره الموهوب منه بالقبض له * ولو قال مستحق الدين لمن عليه الدين سلم حقى إلي هذا الصبي فسلم قدر حقه لم يبرأ عن الدين وكان ما سلمه باقيا على ملكه حتي لو ضاع منه فلا ضمان على الصبى لان المالك ضيعه حيث سلمه إليه وإنما بقى الدين بحاله لان الدين مرسل في لذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح فإذا لم يصح القبض لم يزل الحق المطلق عن الذمة كما إذا قال لمن عليه الدين الق حقى في البحر فألقى قدر حقه لا يبرأ * ويخالف ما إذا قال مالك الوديعة للمودع سلم حقى إلي هذا الصبي فسلم خرج عن العهدة لانه امتثل أمره في حقه المتعين كما لو قال ألقها في البحر فامتثل * ولو كانت الوديعة لصبى فسلمها إليه ضمن سواء كان باذن الولي أو دون اذنه إذ ليس له تضييعها وإن أمره الولى به * قال (أما اسلام العاقد فلا يشترط الا اسلام المشترى في شراء العبد المسلم والمصحف (ح) على أصح القولين دفعا للذل * ويصح شراء الكافر أباه المسلم على أصح الوجهين * وكذلك كل شراء يستعقب العتاقة * ويصح استئجاره وارتهانه للعبد المسلم على أقيس الوجهين لانه لا ملك فيه كالاعارة والايداع عنده ولا يمنع من الرد بالعيب * وان كان يتضمن انقلاب العبد المسلم الي الكافر على أظهر المذهبين لان الملك فيه قهرى كما في الارث) * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 107 اسلام البائع والمشترى ليس بشرط في صحة المطلق البيع والشراء لكن لو اشترى الكافر عبدا مسلما ففي صحته قولان (أصحهما) وبه قال أحمد وهو نصه في الاملاء أنه لا يصح لان الرق ذل فلا يصح اثباته للكافر على المسلم كما لا ينكح الكافر المسلمة (والثاني) وبه قال أبو حنيفة أنه يصح لانه طريق من طرق الملك فيملك به الكافر على المسلم كالارث * والقولان جاريان فيما لو وهب منه عبد مسلم فقيل أو وصي له بعبد مسلم قال في التتمة هذا إذا قلنا الملك في الوصية يحصل بالقبول (فان قلنا) يحصل بالموت ثبت بلا خلاف كالارث * ولو اشترى مصحفا أو شيئا من اخبار الرسول صلي الله عليه وسلم ففيه طريقان (احدهما) وبه اجاب في الكتاب طرد القولين (واظهرهما) القطع بالبطلان والفرق ان العبد يمكنه الاستغاثة ودفع الذل عن نفسه * قال العراقيون والكتب التى فيها آثار السلف رضي الله عنهم كالمصحف في طرد الخلاف * ولا منع من بيع كتب أبى حنيفة من الكافر لحلوها من الاثار والاخبار (وأما) كتب أصحابه رضى الله عنهم فمشحونة بها فحكمها حكم سائر الكتب المشتملة عليها * وامتنع الماوردى في الحاوى من الحاق كتب الحديث والفقه بالمصحف وقال ان بيعها منه صحيح لا محالة * وهل يؤمر بازالة الملك عنها فيه وجهان * (التفريع) ان قلنا لا يصح شراء الكافر العبد المسلم فلو اشترى قريبه الذى يعتق عليه كابيه وابنه ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح أيضا لما فيه من ثبوت الملك للكافر على المسلم (وأصحهما) الصحة لان الملك المستعقب للعتق شاء المالك أو أبي ليس باذلال ألا ترى أن للمسلم شراء قريبه المسلم ولو كان ذلك إذلالا لما جاز له اذلال ابنه * والخلاف جار في كل شئ يستعقب العتق كما إذا قال الكافر لمسلم اعتق عبدك المسلم عنى بعوض أو بغير عوض فأجابه إليه وكما إذا أقر بحرية عبد مسلم في يد غيره ثم اشتراه * ورتب الامام الخلاف في هاتين الصورتين على الخلاف في شراء القريب وقال الاولى منهما أولي بالصحة لان الملك فيها ضمنى والثانية أولى بالمنع لان العتق وان حكم به فهو ظاهر غير محقق بخلاف صورة القريب فان العتق لا يحصل عقب الشراء وانما يزول الملك بازالته ومنهم من جعله على وجهي شراء القريب * ويجوز أن يستأجر الكافر المسلم على عمل في الذمة لانه كدين في ذمته وهو بسبيل من تحصيله بغيره * وان كانت الاجارة على العين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 108 ففيه وجهان حرا كان الاجير أو عبدا (أحدهما) لا تصح لانها لو صحت لاستحق استعماله وفيه اذلال له فصار كالمشترى على القول الذى عليه التفريع (وأظهرهما) الصحة لان الاجارة لا تفيد ملك الرقبة ولا تسلطا تاما وهو في يد نفسه ان كان حرا وفى يد مولاه ان كان عبدا وانما استوفى منفعته بعوض * وعلى هذا فهل يؤمر بازالة ملكه عن المنافع بأن يؤاجره من مسلم فيه وجهان (جواب) الشيخ أبي حامد منهما انه يؤمر وذكر في صحة ارتهان الكافر العبد المسلم وجهين وأعادهما مع زيادة في كتاب الرهن ونوجههما ثم إن شاء الله تعالي * ولا خلاف في جواز إعارته منه وإيداعه لانه ليس فيهما ملك رقبة ولا منفعة ولاحق لازم * وإذا باع الكافر عبدا مسلما كان قد أسلم في يده أو ورثه بثوب ثم وجد بالثوب عيبا فهل له أن يرده ويسترد العبد؟ حكى الامام فيهما وجهين وتابعه المصنف في الوسيط والحق ان له رد الثوب لا محالة والوجهان في استرداد العبد وهكذا نقله صاحب التهذيب وغيره (أحدهما) أنه ليس له استرداد، والا كان متملكا للمسلم بسبب اختياري فعلى هذا يسترد القيمة ويجعل العبد كالهالك (وأظهرهما) على ما ذكره صاحب الكتاب ان له ذلك لان الاختيار في الرد (أما) * عود العوض إليه فهو قهرى كما في الارث * هكذا وجهه وفيه اشكال لانا لانفهم من الملك القهري سوى الذى يتعلق سببه بالاختيار ومن الاختياري سوى الذى يتعلق سببه بالاختيار والا فنفس الملك بعد تمام السبب قهرى أبدا ومعلوم أن عود الملك بهذا التفسير اختياري لا قهرى والا صوب في توجيهه ما قيل ان الفسخ بالعيب يقطع العقد ويجعل الامر كما كان وليس كانشاء العقود ولهذا لا تثبت به المنفعة فإذا كان الامر كذلك كان نازلا منزلة استدامة الملك * ولو وجد المشترى بالعبد عيبا والتصوير كما ذكرنا فأراد رده واسترداد الثوب فقد حكى الامام عن شيخه طرد الخلاف لانه كما لا يجوز للكافر تملك المسلم لا يجوز للمسلم تمليك المسلم اياه * وعن غيره القطع بالجواز إذ لا اختبار للكافر ههنا في التملك بحال (وقوله) في الكتاب ولا يمنع من الرد بالعيب إلى آخره ينظم الصورتين اللتين ذكرناهما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 109 لكن التوجيه المذكور في الثانية أظهر * ولو باع الكافر العبد المسلم ثم تقابلا ففيه الوجهان ان قلنا الاقالة فسخ وان قلنا انها بيع لم ينفذ * ولو وكل كافر مسلما ليشترى له عبدا مسلما لم يصح لان العقد يقع للموكل أولا وينتقل إليه آخرا * ولو وكل مسلم كافرا ليشترى له عبدا مسلما فان سمي الموكل في الشراء صح والا فان قلنا يقع الملك للوكيل أولا لم يصح وإن قلنا يقع للموكل صح * وهل يجوز أن يشترى الكافر العبد المرتد فيه وجهان لبقاء علقة الاسلام * وهذا كالخلاف في أن المرتد هل يقتل بالذمي وإذا اشترى الكافر عبدا كافرا فأسلم قبل القبض هل يبطل البيع كما لو اشترى عصيرا فتخمر قبل القبض أولا يبطل كما إذا اشترى عبدا فابق قبل القبض فيه وجهان وان قلنا لا يبطل فيقبضه المشترى أو بنصب الحاكم من يقبض عنه ثم يؤمر بازالة الملك فيه وجهان (جواب) القفال منهما في فتاويه انه لا يبطل ويقبضه الحاكم وهو الاظهر * هذا كله تفريع على قول المنع (أما) إذا صححنا شراء الكافر العبد المسلم نظر ان علم الحاكم به قبل القبض فيمكنه من القبض أو ينصب مسلما يقبض عنه فيه وجهان ثم إذا حصل القبض أو علم به بعد القبض أمره بازالة الملك على الوجه الذى بينه في الفصل التالى لهذا الفصل * قال (ولو أسلم عبد كافر لكافر طولب ببيعه فان أعتق أو أزال الملك عنه بجهته كفي وتكفى الكتابة على أسد الوجهين ولا تكفى الحيلولة والاجارة وفاقا الا في المستولدة لان الاعتقاق تخير والبيع ممتنع (و) ثم يستكسب بعد الحيلولة لاجلة * ولو مات الكافر قبل البيع بيع على وارثه) * إذا كان في ملك الكافر عبد كافر وأسلم لم يقر دفعا للذل عن المسلم وقطعا لسلطنة الكافر عنه قال الله عزوجل (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) ولا يحكم بزوال ملكه بخلاف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 110 ما إذا أسلمت المراة تحت الكافر لان ملك النكاح لا يقبل النقل من شخص إلى شخص فتعين البطلان وملك الثمن يقبل النقل وبه يحصل دفع الذل فيصار إليه ويؤمر بازالة ملكه عنه ببيع أو عتق أو هبة أو غيرها فأى جهة ازال الملك حصل الغرض * ولا يكفى الرهن والتزويج والاجارة والحيلولة وهل تكفى الكتابة فيه وجهان (أحدهما) لا لاستمرار الملك على رقبة المكاتب (وأظهرهما) نعم لان الكتابة تفيد الاستقلال ويقطع حكم السيد عنه (فان قلنا) بهذا فالكتابة صحيحة وان قلنا بالاول فوجهان (أحدهما) انها فاسدة ويباع العبد (والثانى) انها صحيحة ان جوزنا بيع المكاتب بيع مكاتبا وإلا فسخت الكتابة وبيع فان امتنع الكافر من إزالة الملك عنه باعه الحاكم عليه بثمن المثل كما يبيع مال الممتنع من أداء الحق فان لم يتفق الظفر لمن يبتاعه بثمن المثل فلا به من الصبر ويحال بينه وبين الكافر إلى الظفر ويتكسب له وتوخذ نفقته منه * هذا كله في المملوك القن (أما) إذا أسلمت مستولدة الكافر فلا سبيل إلى نقلها الي الغير بالبيع والهبة ونحوهما علي المذهب الصحيح وهل يجبر على اعتاقها فيه وجهان (أحدهما) نعم لانها مستحقة العتاقة فلا يبعد أن يؤثر عروض الاسلام في تقديمها (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب لا لما فيه من التخيير فعلي هذا يحال بينهما وينفق عليها وتتكسب له في يد غيره * ولو مات الكافر الذي أسلم العبد في يده صار العبد الي وارثه ويؤمر بما كان يؤمر به المورث فان امتثل فذاك والا بيع عليه كما ذكرنا في المورث وليس قوله في الكتاب بيع على وارثه تخصيصا للبيع القهري بالوارث فاعرف ذلك (وقوله) والحيلولة وفاقا لفظ الوفاق لا يتعلق به كثير غرض * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 111 قال (الركن الثالث المعقود عليه وشرائطه خمسة أن يكون طاهرا منتفعا به مملوكا للعاقد مقدورا على تسليمه معلوما (الاول) الطهارة فلا يجوز بيع السرجين (م ح) والكلب (م ح) والخنزير والاعيان النجسة كما لا يجوز بيع الخمر والعذرة والجيفة وفاقا وان كان فيها منفعة * والدهن إذا نجس بملاقاة النجاسة صح بيعه (م) وجاز أستصباحه على اظهر القولين) يعتبر في المبيع ليصح بيعه شروط (أحدها) الطهارة فالشئ النجس ينقسم إلى ما هو نجس العين والي ما هو نجس بعارض (فاما) القسم الاول فلا يصح بيعه فمنه الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من احدهما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن ثمن الكلب) وعن جابر رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (ان الله عزوجل حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والاصنام) ولا فرق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 112 بين ان يكون الكلب معلما أو غير معلم وبهذا قال احمد * وعن ابي حنيفة رضي الله عنه يجوز بيع الكلب الا أن يكون عقورا ففيه روايتان * وعن اصحاب مالك اختلاف فيه منهم من لم يجوزه ومنهم من جوز بيع الكلب المأذون في امساكه (ومنه) السرجين والبول لا يجوز بيعهما كما لا يجوز بيع الميتة والعذرة والجامع نجاسة العين * وساعدنا احمد فيما نذهب إلى نجاسته منهما وقال ابو حنيفة يجوز بيع السرجين (وقوله) في الكتاب كما لا يجوز بيع الخمر والعذرة والجيفة وفاقا وان كانت فيها منفعة اشار به إلى الجواب عن عذر يبديه اصحاب ابي حنيفة إذا احتجينا عليهم في المنع من بيع الكلب والسرجين بالقياس على بيع الخمر والعذرة والجيفة فانها لما كانت نجسة العين امتنع بيعها بالاتفاق قال ليس لزاعم منهم ان يزعم ان المنع من البيع في صورة الوفاق انما كان لخلوهما عن المنفعة لان كل واحد منهما لا يخلوا عن ضرب منفعة (اما) الخمر فبعرض ان تصير خلا فلا تكون عارية عن المنفعة في الحال الا ترى ان الصغير اليوم منتفع به لما يتوقع حال كبره (واما) العذرة فلما يسمد بها الارض وأما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 113 الجيفة فتطعم منها جوارح الصيد ثم المنع من بيع الجيفة ليس متفقا عليه في جميع اجزائها لان الحكاية عن أبي حنيفة تجويز بيع جلدها قبل الدباغ وإنما المتفق عليه اللحم * ويجوز بيع التفاح وفى باطنه الدود الميتة لان ابقائها فيه من مصالحه كالحيوان يصح بيعه والنجاسة في باطنه وفى بيع بزر القر وفارة المسك خلاف مبنى على الخلاف السابق في طهارتها (واما) القسم الثاني هو ما نجس بعارض فهو على ضربين (احدهما) النجس الذى يمكن تطهيره كالثوب النجس والخشبة النجسة والآجر النجس بملاقاة النجاسة فيجوز بيعها لان جوهرها طاهر وأزالة النجاسة عنه هينة نعم ما استتر بالنجاسة التى وردت عليه يخرج بيعه على بيع الغائب (والثاني) ما لا يمكن تطهيره كالخل واللبن والدبس إذا تنجست لا يجوز بيعها كما لا يجوز بيع الخمر والبول والدهن النجس ان كان تجس العين فلا سبيل إلى بيعه بحال وذلك كدهن الميتة * وان نجس يعارض ففى بيعه خلاف مبني على انه هل يمكن تطهيره فعن ابن سريج وأبى اسحق يمكن تطهيره وعن صاحب الايضاح وغيره انه لا يمكن وهو الاظهر فعلى هذا لا يجوز بيعه وعلى الاول فيه وجهان (احدهما) انه يجوز كالثوب النس ويحكى عن ابن أبي هريرة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 114 (وأصحهما) وبه قال أبو إسحق لا يجوز لما روي انه صلي الله عليه وسلم (سئل عن الفأرة تموت في السمن فقال ان كان جامدا فألقوها وما حولها وان كان ذائبا فأريقوه) ولو كان جائز لما امرنا باراقته وهذا أجود ما يحتج به علي امتناع التطهير * وخرجوا على هذين الوجهين بيع الماء النجس لان تطهيره بالمكاثرة ممكن واشار بعضهم إلى الجزم بالمنع وقال انه ليس بتطهير ولكنه يستحيل ببلوغه قلتين من صفة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 115 النجاسة إلى الطهارة كالخمر يتخلل (واعلم) ان هذا الخلاف صادر ممن يجوز بيع الماء في الجملة (أما) من منع بيعه مطلقا على ما ستعرفه فلا فرق عنده بين الطاهر والنجس منه * وذكر الامام بناء مسألة الدهن علي وجه آخر فقال ان قلنا يمكن تطهيره جاز بيعه والا ففى بيعه قولان مبنيان على جواز الاستصباح (واعلم) ان مسألة كون الاستصباح مكروه قد مرت بشرحها مرة في آخر صلاة الخوف (وقوله) إذا نجس بملاقاة النجاسة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 116 التقييد بكون نجاسته بالملاقاة محتاج إليه ليجئ القولان في البيع وغيره محتاج إليه ليجي. القولان في الاستصباح لما سبق (وقوله) على أظهر القولين غير مساعد عليه في البيع بل الظاهر عند الاصحاب منعه وبه قال مالك وأحمد خلافا لابي حنيفة * ويجوز نقل الدهن النجس إلى الغير بالوصية كما تجوز الوصية بالكلب وأما هبته والصدقة به فعن القاضى أبى الطيب منعهما ويشبه أن يكون فيهما ما في هبة الكلب من الخلاف * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 117 قال (الثاني المنعفة ويسع مالا منفعة فيه لقلته كالحبة من الحنطة أو لخسته كالخنافس والحشرات والسباع (و) التي لا تصيد باطل وكذا ما أسقط الشرع منفعته كآلات الملاهي (و) * ويصح بيع الفيل والفهد والهرة وكذا الماء (و) والتراب والحجارة وان كثر وجودها لتحقق المنفعة * ويجوز بيع (م ح) لبن الآدميات لانه طاهر منتفع به) * (الشرط الثاني كون المبيع منتفعا به وإلا لم يكن مالا وكان أخذ المال في مقابلته قريبا من أكل المال بالباطل ولخلو الشي عن المنعفة سببان (احدهما) القلة كالحبة من الحنطة والحبتين والزبيبة وغيرهما فان ذلك القدر لا يعد مالا ولا يبدل من مقابلته المال ولا ينظر الي ظهور الانتفاع إذا ضم هذا القدرالي أمثاله ولا الي ما يفرض من وضع الحبة الواحدة في الفخ ولا فرق في ذلك بين زمان الرخص والغلاء ومع هذا فلا يجوز أخذ الحبة والحبتين من صبرة الغير إذ لو جوزناه لانجر ذلك إلى أخذ الكثير * ولو أخذ الحبة ونحوها فعليه الرد فان تلفت فلا ضمان إذ لا مالية لها * وعن القفال أنه يضمن مثلها (والثاني) الخسة كالحشرات (واعلم) أن الحيوانات الطاهرة علي ضربين (أحدهما) ما ينتفع به فيجوز بيعه كالغنم والبغال والحمير ومن الصيود كالظباء والغزلان ومن الجوارح كالصقور والبزاة والفهود ومن الطيور كالحمام والعصافير والعقاب * ومنه ما ينتفع بلونه أو صوته كالطاوس والزرزور وكذا الفيل والهرة وكذا القرد فانه يعلم الاشياء فيعلم * ويجوز أيضا بيع دود القز لما فيه من المنفعة وبيع النحل في الكوارة صحيح إن كان قد شاهد جميعها والا فهو من صورة بيع الغائب وان باعها وهي طائرة من الكوارة فمنهم من صحح البيع كبيع النعم المسيبة في الصحراء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 118 وهذا ما أورده في التتمة ومنهم من منعه إذ لا قدرة على التسليم في الحال والعود غير موثوق به وهذا ما أورده في التهذيب (والضرب الثاني) ما لا ينتفع به فلا يجوز بيعه كالخنافس والعقارب والحيات وكالفأرة والنمل ونحوها ولا نظر إلى منافعها المعدودة في الخواص فان تلك المنافع لا تلحقها بما يعد في العادة مالا وفى معناها السباع التى لا تصلح للاصطياد والقتال عليها والاسد والذئب والنمر ولا نظر الي اقتناء الملوك للهيبة والسياسة فليست هي من المنافع المعتبرة * ونقل أبو الحسن وجها أنه يجوز بيع النمل بعسلر مكرم لانه يعالج به السكر وبنصيين لانه يعالج به العقارب الطيارة * وعن القاضي حسين حكاية وجه في صحة بيعها لانها طاهرة والانتفاع بجلودها متوقع في المال * ولا يجوز بيع الحدأة والرخمة والغراب فان كان في أجنحة بعضها فائدة جاء فيها الوجه الذي حكاة القاضي هكذا قاله الامام لكن بينهما فرق لان الجلود تدبغ فتطهر ولا سبيل إلى تطهيرا لاجنحة وفى بيع العلق وجهان (أظهرهما) الجواز لمنفعة امتصاص الدم والسم ان كان يقتل بالكثر وينتفع بقليله كالسقمونيا والافيون جاز بيعه وإن قتل كثيره وقليله فجواب الجمهور فيه المنع ومال الامام وشيخه إلى الجواز ليدس في طعام الكافر * وفى بيع الحمار الزمن الذى لا منفعة فيه وجهان (أظهرهما) المنع بخلاف العبد الزمن فانه يتقرب باعتاقه (والثاني) الجواز لغرض الجلد في المال (وقوله) في الكتاب باطل يجوز أن يعلم بالواو للوجه الذى ذكرنا في الاسد ونحوه وايضا فان صاحب التتمة نقل في بيع لا ما منفعة فيه لقلته وجهين ثم في الفصل صور (احداها) آلات الملاهي كالمزامير والطنابير وغيرها فان كانت بحيث لا تعد بعد الرض والحل مالا فلا يجوز بيعهما والمنعفة التي فيهما لما كانت الجزء: 8 ¦ الصفحة: 119 محظورة شرعا كانت ملحقة بالمنافع المعدومة حسا * وان كان الرضاض يعد ما لا ففى جواز بيعها قبل الرض وجهان (أحدهما) الجواز لما فيه من المنفعة المتوقعة (وأظهرهما) المنع لانهما على هيئة آلة الفسق ولا يقصد بها غيره ما دام ذلك التركيب باقيا ويجرى الوجهان في الاصنام والصور المتخذة من الذهب والخشب وغيرها * وتوسط الامام بين الوجهين فذكر وجها ثالثا وهو أنها إن اتخذت من جواهر نفيسة صحح بيعها لانها مقصودة في نفسها وان اتخذت من خشب ونحوه فلا وهذا أظهر عنده وتابعه المنصف في الوسيط لكن جواب عامة الاصحاب المنع المطلق وهو ظاهر لفظه ههنا ويدل عليه خبر جابر المروى في أول الركن * (فرع) الجارية المغنية إذا اشتراها بالفين ولولا الغناء لكانت لا تطلب الا بالف حكى الشيخ أبو على المحمودى أفتي ببطلان البيع لانه بذل مال في معصية وعن الشيخ أبي على أنه ان قصد الغناء بطل والا فلا * وعن الاودني أن كل ذلك استحسان والقياس الصحة (الثانية) بيع المياه المملوكة صحيح لانه طاهر منتفع به وفيه وجه أنه لا سبيل إلى بيعه ولا نبسط القول في المسألة لنذكرها في احياء الموات ان شاء الله تعالي فان أقسام المياه من المملوك وغيره مذكورة ثم وصحة البيع من تفاريع الملك (الثالثة) إذا جوزنا بيع الماء ففى بيعه علي شط النهر وبيع التراب في الصحراء وبيع الحجارة فيما بين الشعاب الكثيرة الاحجار وجهان نقلهما في التتمة (أحدهما) لا يجوز لانه بذل المال لتحصيله مع وجدان مثله بلا مؤنة وتعب سفة (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 120 انه يجوز لان المنفعة فيها يسيرة ظاهرة وامكان تحصيلها من مثله لا يقدح في محلته (الرابعة) بيع لبن الآدميات صحيح خلافا لابي حنيفة ومالك ولاحمد أيضا في إحدى الروايتين * لنا انه مال طاهر منتفع به فأشبه لبن الشاة * قال (الثالث أن يكون مملوكا لمن وقع العقد له فبيع الفضولي مال الغير لا يقف (ح) على إجازته على المذهب الجديد وكذلك بيع الغاصب وان كثرت تصرفاته في اثمان المغصوبات على أقيس الوجهين فيحكم ببطلان الكل * ولو باع مال أبيه على ظن انه حي فإذا هو ميت والمبيع ملك البائع حكم بصحة البيع على أسد القولين) * الشرط الثالث في المبيع كونه ملكا لمن يقع القعد له ان كان يباشره لنفسه فينبغي أن يكون له فان كان يباشره لغيره بولاية أو وكالة فينبغي أن يكون لذلك الغير (وقوله) ههنا لمن وقع العقد له يبين أن المراد من قوله مملوكا للعاقد في أول الركن ما أوضحه ههنا (وأعلم) أن اعتبار هذا الشرط ليس متفقا عليه ولكنه مفرع علي الاصح كما ستعرفه * ثم مسائل الفصل ثلاثة (إحداها) إذا باع مال الغير بغير اذن وولاية ففيه قولان (الجديد) انه لاغ لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال لحكيم ابن حزام (لا تبع ما ليس عندك) وأيضا فان بيع الآبق غير صحيح مع كونه مملوكا له لعدم القدرة علي التسليم فبيع ما لا يملك ولا قدرة على تسليمه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 121 أولى (والقديم) انه ينعقد موقوفا علي اجازة المالك ان أجاز نفذ والا لغا لما روى انه صلى الله عليه وسلم (دفع دينارا إلى عروة البارقى ليشترى به شاة فاشترى به شاتين وباع احداهما بدينار وجاء بشاة ودينار فقال النبي صلى الله عليه وسلم بارك الله في صفقة يمينك) والاستدلال انه باع الشاة الثانية من غير اذن النبي صلى الله عليه وسلم ثم انه أجازه * ولانه عقد له تنجيز في الحال فينعقد موقوفا كالوصية * والقولان جاريان فيما لو زوج أمه الغير أو ابنته أو طلق من منكوحته أو عتق عبده أو أجر داره أو رهنها بغير اذنه * ولو اشتري الفضولي لغيره شيئا نظر ان اشترى بغير ماله ففيه قولان وان اشترى في الذمة نظر ان أطلق ونوى كونه للغير فعلي الجديد يقع عن المباشر وعلى القديم يتوقف على الاجازة فان رد نفذ في حقه * ولو قال اشتريت لفلان بألف في ذمتي فالحكم كما لو اشترى بعين ماله ولو اقتصر على قوله اشتريت لفلان بألف ولم يضف الثمن الي ذمته فعلى الجديد يلغو العقد وتلغو التسمية ويقع العقد عن المباشر فيه وجهان * وعلى القديم يتوقف على اجازة ذلك الغير فان رد ففيه وجهان * ولو اشترى شيئا لغيره بمال نفسه نظر ان لم يسمه وقع العقد عن المباشر سواء أذن ذلك الغير أم لا وان سماه نظر ان لم يأذن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 122 له لغت التسمية وهل يقع عنه أم يبطل من أصله فيه وجهان * وان أذن له فهل تلغو التسمية فيه وجهان ان قلنا نعم فيبطل من أصله أو يقع عن العاقد فيه وجهان وان قلنا لا وقع عن الآذن والثمن المدفوع يكون قرضا أو هبة فيه وجهان * ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب لا يقف علي اجازته بالميم والالف والحاء (أما) الميم فلان مذهب مالك كالقول القديم وأما الالف فلان عن أحمد روايتين كالقولين (وأما) الحاء فلان مذهب أبي حنيفة كالقول القديم في البيع والنكاح (وأما) في الشراء فقد قال في صورة شراء المطلق بقع عن جهة العاقد ولا ينعقد موقوفا * وعن أصحابه اختلاف فيما إذا سمي الغير * وشرط الوقف عند أبى حنيفة ان يكون للعقد تنجيز في الحال مالكا كان أو غير مالك حتى لو أعتق عبد الطفل أو طلق امرأته لا يتوقف على اجازته بعد البلوغ * والمعتبر اجازة من يملك التصرف عند العقد حتي لو باع مال الطفل فبلغ واجاز لم ينفذ وكذا لو باع مال الغير ثم ملكه وأجاز قال الشيخ أبو محمد ولا نخالف في ذلك ابا حنيفة إذا فرعنا على القديم * وذكر إمام الحرمين ان العراقيين لم يعرفوا القول القديم في المسألة وقطعوا بالبطلان وهذا ان استمر اقتضي اعلام قوله على المذهب الجديد بالواو وانما اتوقف فيه لان الذى ألفته في كتب العراقيين الاقتصار على ذكر البطلان لا نفى الخلاف المذكور والمفهوم من اطلاق لفظ القطع في مثل هذا المقام وفرق بين أن لا يذكر الخلاف وبين أن لا يبقى (المسألة الثانية) لو غصب أموالا وباعها وتصرف في أثمانها مرة بعد أخرى ففيه قولان (اصحهما) البطلان (والثانى) للمالك أن يجيزها ويأخذ الحاصل منها وصورة المسألة وما فيها من القولين قريبة من الاولى ويزاد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 123 فيها عسر تتبع العقود الكثيرة بالنقض والابطال ورعاية مصلحة المالك * وعلى هذا الخلاف يبني الخلاف في أن الغاصب إذا ربح في المال المغصوب يكون الربح له أو للمالك على ما سيأتي في باب القراض وغيره إن شاء الله تعالى (الثالثة) لو باع مال ابنه علي ظن انه حي وهو فضولي فبان انه كان ميتا يومئذ وان المبيع ملك للعاقد ففيه قولان (أصحهما) أن البيع صحيح لصدوره من المالك ويخالف ما لو أخرج دراهم وقال ان مات مورثي فهذا زكاة ما ورثته وكان قد ورثه لا يجزئه لان النية لابد منها في الزكاة ولم تبن نيته على أصل وفى البيع لا حاجة الي النية (الثاني) انه باطل لان هذا العقد وان كان منجزا في الصورة فهو في المعنى معلق والتقدير ان مات مورثي فقد بعتك وأيضا فانه كالعابث عند مباشرة العقد لاعتقاده ان المبيع لغيره * ولا يبعد تشبيه هذا الخلاف بالخلاف في أن بيع الهازل هل ينعقد وفيه وجهان والخلاف في بيع التلجئة وصورته ان يخاف غصب ماله أو الاكراه على بيعه فيبيعه من انسان بيعا مطلقا ولكن توافقا قبله على انه لدفع الشر لا علي حقيقة البيع وظاهر المذهب انعقاده وفيه وجه * ويجرى الخلاف فيما إذا باع العبد علي ظن انه آبق أو مكاتب فإذا هو قد رجع أو فسخ الكتابة * ويجرى أيضا فيما إذا زوج أمة أبيه على ظن انه حى ثم بان موته هل يصح النكاح فان صح فقد نقلوا وجهين فيما إذا قال ان مات أبى فقد زوجتك هذه الجارية وبهذا يضعف توجيه قول البطلان بأنه وان كان منجزا في الصورة فهو معلق في المعني لانا لا نجعل هذا التعليق مفسدا وان صرح به على رأى فما ظنك بتقديره * (واعلم) ان القولين في المسائل الثلاث يعبر عنهما بقولي وقف العقود وحيث قال المصنف في الكتاب ففيه قولا وقف العقود أراد به هذين القولين وان لم يذكر هذا اللقب ههنا وانما سميا بالوقف لان الخلاف آيل إلى أن العقد هل ينعقد على الوقف أم لا فعلي قول ينعقد في المسألتين الاولتين موقوفا على الاجازة أو الرد وفى الثانية موقوفا علي تبين الموت أو الحياة وعلي قول لا ينعقد موقوفا بل يبطل * ثم ذكر الامام أن الصحة ناجزة على قول الوقف لكن الملك لا يحصل الا عند الاجازة وان الوقف يطرد في كل عقد يقبل الاستنابة كالمبايعات والاجارات والهبات والعتق والطلاق والنكاح وغيرها * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 124 قال (الرابع أن يكون مقدروا على تسليمة فلا يصح بيع الآبق والضال والمغصوب وان قدر المشترى علي انتزاعه من يد الغاصب دون البائع صح على أسد الوجهين ثم له الخيار ان عجز * وبيع حمام البرج نهارا اعتماد علي العود ليلا لا يصح على أصح الوجهين) * الشرط الرابع القدرة على التسليم ولابد منها ليخرج العقد عن أن يكون بيع غرر ويوثق بحصول العوض * ثم فوات القدرة على التسليم يكون من حيث الحس وقد يكون من حيث الشرع وصور هذا الفصل من الضرب الاول وهى ثلاث (إحداها) بيع الضال والآبق باطل عرف موضعه أو لم يعرف لانه غير مقدور على تسليمه في الحال هذا هو المشهور قال الائمة ولا يشترط في الحكم بالبطلان الياس من التسليم بل يكفى ظهور التعذر * واحسن بعض الاصحاب فقال إذا عرفت مكانه وعرف انه يصل إليه إذا رام الوصول فليس له حكم الآبق * (الثانية) إذا باع المالك ماله المغصوب نظر ان كان يقدر على استرداده وتسليمه صح البيع كما يصح بيع الوديعة والعارية وان لم يقدر نظر (ان) باعه ممن لا يقدر على انتزاعه من يد الغاصب لم يصح لما سبق (وان) باعه ممن يقدر على انتزاعه منه ففى صحة البيع وجهان (أحدهما) لا يصح لان البائع يجب عليه التسليم وهو عاجز (وأصحهما) الصحة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 125 لان المقصود وصول المشترى إلى المبيع * وعلى هذا ان علم المشترى حقيقة الحال فلا خيار له ولكن لو عجز عن الانتزاع لضعف عرض له أو قوة عرضت للغاصب فله الخيار وفيه وجه آخر أشار إليه الامام * وإن كان جاهلا عند العقد فله الخيار لان البيع لا يلزمه كلفة الانتزاع (وقوله) في الكتاب ثم له الخيار ان عجز المراد منه حالة العلم لان عند الجهل لا يشترط العجز في ثبوت الخيار ويجوز أن يعلم بالواو للوجه المشار إليه * ولو باع الآبق ممن يسهل عليه رده ففيه الوجهان المذكوران في المغصوب * ويجوز تزويج الآبقة والمغصوبة واعتاقهما * وذكر في البيان انه لا يجوز كتابة المغصوب لان الكتابة تقتضي مكنة التصرف وهو ممنوع منه (الثالثة) لا يجوز بيع السمك في الماء والطير في الهواء وان كان مملوكا له لما فيه من الغرر * ولو باع السمك في بركة لا يمكنها الخروج منها نظر ان كانت صغيرة يمكن أخذها من غير تعب ومشقة صح بيعها لحصول القدرة وان كانت كبيرة لا يمكن أخذها الا باحتمال تعب شديد ففيه وجهان أوردهما ابن سريج فيما رأيت له من جوابات جامعة الصغير وغيره (أظهرهما) المنع وبه قال أبو حنيفة كبيع الآبق ويدل عليه ما روى عن ابن مسعود أنه قال (لا يشترى السمكة في الماء فانه غرر وقد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر) وهذا كله فيما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 126 إذا لم يمنع الماء رؤية السمك فان منع لكدورته فهو على قولى بيع الغائب الا أن لا يعلم قلة السمك وكثرتها وشيئا من صفاتها فيبطل لا محالة * وبيع الحمام في البرج على التفصيل المذكور في البركة * ولو باعها وهي طائرة اعتمادا على عادة عودها بالليل ففيه وجهان كما ذكرنا في النحل (أصحهما) عند الامام الصحة كبيع العبد المبعوث في شغل (وأصحهما) على ما ذكره في الكتاب المنع وبه قال الاكثرون إذ لا قدرة في الحال وعودها غير موثوق به إذ ليس لها عقل باعث * قال (ولا يصح بيع نصف من سيف أو نصل قبل التفصيل لان التفصيل ينقصه والبيع لا يوجب نقصان غير المبيع * ويصح بيع ذراع من كرباس لا ينقص بالفصل على الاصح * ولا يصح بيع ما عجز عن تسليمه شرعا وهو المرهون * وإذا جني العبد جناية تقتضي تعلق الارش برقبته صح بيعه على أقوى القولين وكان التزاما للفداء لانه لم يحجر على نفسه فيقدر على ما لا يفوت حق المجني عليه * ثم للمجني عليه خيار الفسخ ان عجز عن أخذ الفداء) . في الفصل ثلاث مسائل (إحداها) لو باع نصفا أو ربعا أو جزءا آخر شائعا من سيف أو اناء أو نحوهما فهر صحيح وذلك الشئ مشترك بينهما * ولو عين نصفا أو ربعا وباعه لم يصح لان التسليم لا يمكن   الكرباس بالكسر ثوب من القطن الابيض معرب فارسيته بالفتح كما في القاموس اه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 127 الا بالقطع والكسر وفيه نقص وتضييع للمال * ولو باع ذراعا فصاعدا من ثوب نظر إن لم يعين الذراع فسنذكره من بعد ان شاء الله تعالى وان عين نظر ان كان الثوب نفيسا ينقص ثمنه بالقطع فهل يصح البيع فيه وجهان حكاهما ابن الصباغ وغيرهما (أحدهما) نعم وبه قال صاحب التقريب كما لو باع ذراعا معينا من ارض أو دار (واظهرهما) وهو الذى أورده الشيخ أبو حامد وحكاه صاحب التلخيص عن نصه لا لانه لا يمكن التسليم الا باحتمال النقصان والضرر وفرقوا بينه وبين الارض بأن التمييز في الارض يحصل يحصل بالعلامة بين النصيبين من غير ضرر ولمن نصر الاول أن يقول قد تتضيق مرافق البقعة بالعلامة وتنقص القيمة فوجب أن يكون الحكم في الارض علي التفصيل أيضا * واعترض ابن الصباغ علي معنى الضرر بأنهما إذا رضيا به واحتملاه وجب أن يصح البيع كما يصح بيع أحد زوجي الخف وان نقص تفريقهما من قيمتهما * والقياس طرد الوجهين في صورة السيف والاناء لان المعني لا يختلف * وان كان الثوب مما لا ينقص بالفصل والقطع كالكرباس الصفيق فقد حكى صاحب الكتاب وشيخه فيه وجهين (أصحهما) وهو الذى أورده الجمهور انه يصح لزوال المعني المذكور (والثاني) المنع لان الفصل لا يخلو عن تغيير لغير المبيع وهذا فيما أورده الامام واختيار صاحب التلخيص وكان سببه اطلاق لفظه في التلخيص بعد ذكر ما لو باع ذراعا من الارض قال ولو قال ذلك في الثوب لم يجز قاله نصا وأيضا قال في المفتاح ولو باعه من ثوب ذراعا على أن يقطعه لم يجز بحال إلا أن الاكثرين حملوا كلامه علي الثوب الذى تنقص فيمته بالفصل * ولو باع جزءا معينا من جدار أو اسطوانة نظر ان كان فوقه شئ لم يجز لانه لا يمكن تسليمه إلا بهدم ما فوقه وإن لم يكن نظر ان كان قطعة واحدة من طين أو خشب أو غيرهما لم يجز وان كان من لبن أو آجر جاز هكذا أطلق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 128 في التلخص وهو محمول عند الائمة على مالو جعل النهاية شق نصف من الاجر أو اللبن دون أن يجعل المقطوع نصف سمكها * وفى تجويز البيع إذا كان من لبن أو آجر اشكال وان جعل النهاية ما ذكروه من وجهين (أحدهما) ان موضع الشق قطعة واحدة من طين أو غيره فالفصل الوارد عليه وارد علي ما هو قطعة واحدة (والثانى) هب انه ليس كذلك لكن رفع بعض الجدار ينقص قيمة الباقي وإن لم يكن قطعة واحدة فليفسد البيع ولهذا قالوا لو باع جذعا في بناء لم يصح لان الهدم يوجب النقصان فأى فرق بين الجذع والآجر وكذا لو باع فصا في خاتم * وذكر بعض الشارحين للمفتاح في تفاريع هذه المسألة انه لو باع دارا الا بيتا في صدرها لا يلى شارعا ولا ملكا له على انه لا ممر له في المبيع لا يصح البيع وهذا باب في فتحه بعد ويتأكد بمثله الميل الي الوجه الذى نصره ابن الصباغ (المسألة الثانية) لا يصح بيع المرهون بعد الاقباض وقبل الانفكاك لانه عاجز عن تسليمه شرعا لما فيه من تفويت حق المرتهن (الثالثة) الجناية الصادرة من العبد قد تقتضي المال اما متعلقا برقبته أو بذمته وقد تقتضي القصاص وموضع تفصيله غير هذا فان أوجبت المال متعلقا بذمته لم يقدح ذلك في البيع بحال وان أوجبته متعلقا برقبته فهل يصح بيعه نظر ان باعه بعد اختيار الفداء فنعم هكذا اطلقه في التهذيب وان باعه قبله وهو معسر فلا لما فيه من ابطال حق المجني عليه * ومنهم من طرد الخلاف الذي نذكره في الموسر وحكم بثبوت الخيار للمجني عليه ان صح وان كان موسرا فطريقان (اصحهما) ان المسألة على قولين (اصحهما) انه لا يصح البيع لان حق المجني عليه متعلق به فمنع صحة بيعه كحق المرتهن في المرهون وبل أولى لان حق المجني عليه اقوى الا ترى انه إذا جنى العبد المرهون تقدم حق المجني عليه على حق المرتهن (والثانى) وبه قال أبو حنيفة واحمد والمزني انه يصح لان هذا الحق تعلق به من غير اختيار المالك فلا يمنع صحة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 129 البيع كحق الزكاة ويخالف المرهون لانه بالرهن منع نفسه من التصرف وههنا لم يعقد عقدا ولم يحجز نفسه عن التصرف * وفى التتمة ان بعض أصحابنا خرج قولا ثالثا وهو ان البيع موقوف فان فداه نفذو الا فلا (والطريق الثاني) القطع بالمنع كما في المرهون (التفريع) ان لم نصحح البيع فالسيد على خيرته ان شاء فداه والا سلمه ليباع في الجناية وان صححناه فالسيد مختار للفداء ببيعه مع العلم بجنايته فيجبر على تسليمه لانه بالبيع فوت محل حقه فاشبه ما لو اعتقه أو قتله وبهذا قال أبو حنيفة * وفيه وجه انه ليس مختار للفداء بل هو علي خيرته ان أفدى امضى البيع والا فسخ * وعلى الاول وهو المذهب لو تعذر تحصيل الفداء أو تأخر لافلاسه أو غيبته أو صبره على الحبس فسخ البيع وبيع في الجناية لان حق المجني عليه اقدم من حق المشترى * هذا إذا اوجبت الجناية المال بان كانت خطأ أو شبه عمد أو كانت واردة علي الاموال وكذا الحكم لو اوجبت القصاص لكن المستحق عفا علي مال ثم فرض البيع (فأما) إذا أوجبت القصاص ولا عفو فطريقان (أحدهما) طرد القولين وبه قال ابن خيران ومن القائلين بهذه الطريقة من بنى القولين على أن موجب العمد ماذا إن قلنا موجبه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 130 القصود المحض صح بيعه كبيع المرتد وان قلنا موجبه أحد الامرين فهو كبيع المرهون (وأصحهما) القطع بالصحة لبقاء المالية بحالها وتوقف الهلاك كتوقع موت المريض المشرف على الموت * وإذا وقع السؤال عن بيع العبد الجاني مطلقا فالجواب فيه ثلاث طرق (أحدها) انه ان كانت الجناية موجبة للقصاص فهو صحيح وان كانت موجبة للمال فقولان (والثاني) ان كانت موجبة للمال فهو غير صحيح وان كانت موجبة للقصاص فقولان (والثالث) طرد القولين في الحالتين * ولو أعتق السيد العبد الجاني نظر ان كان معسرا فأصح القولين انه لا ينفذ وان كان موسرا ففي نفوذه ثلاثة أقوال (أصحها) النفوذ (وثانيها) انه موقوف ان فداه نفذ وإلا فلا (ومنهم) من قطع بالنفوذ إذا كان موسرا وبعدم النفوذ إذا كان معسرا بخلاف المرهون * والفرق (اما) عند اليسار فلانه بسبيل من نقل حق المجني عليه الي ذمته باختيار الفداء فإذا أعتق انتقل الحق إلى ذمته وفى الرهن بخلافه (وأما) عند الاعسار فلان حق المجني عليه متعلق بالرقبة ولا تعلق له بذمة السيد وفى حق المرتهن متعلق بهما جميعا فنفوذ الاعتاق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 131 ههنا يبطل الحق بالكلية وفى الرهن غايته قطع أحد التعلقين * واستيلاد الجناية كاعتقاها * ومتي فدا السيد العبد الجاني يفديه بأقل الامرين من الارش وقيمة العبد أو بالارش بالغا ما بلغ فيه خلاف يأتي في موضعه والاصح الاول (وأما) لفظ الكتاب فقد عرفت بما ألقيت عليك من الشرح ان قوله ولا يصح بيع نصف من سيف معناه بيع نصف معين وكذا قوله بيع ذراع من كرباس ولفظ النصل لا يختص بالسهم ألا تري أن صاحب الصحاح يقول في تعريفه والنصل نصل السهم والسيف والسكين والرمح (وقوله) لان الفصل ينقصه والبيع لا يوجب نقصان غير المبيع أراد به أن التسليم لا يحصل الا بالتفصيل والقطع والتسليم لا بد منه فلو صححنا البيع وألزمناه القطع كان هذا الزام تنقيص فيما ليس مبيعا وهذه عبارة صاحب النهاية * ثم نظم الكتاب قد يوهم خروج هذه المسألة عن صور العجز الشرعي بل حصر العجز الشرعي في المرهون لانه ذكر المسألة ثم قال ولا يصح بيع ما عجز عن تسلميه شرعا وهو المرهون لكنه عدها في الوسيط من صوره وقال البيع لا يلزم تنقيص عن المبيع والشرع قد يمنعه منه إذا كان فيه اسراف (وقوله) جناية تعلق الارش برقبته يجوزأن يقرأ تعلق بفتح التاء واللام ويجوز أن يقرأ تعلق على الجزء: 8 ¦ الصفحة: 132 إيقاع فعل التعليق على الجناية (وقوله) صح بيعه على أقوى القولين ترجيح لقول الصحة لكن الشافعي رضى الله عنه نص على القولين في المختصر وصرح باختيار المنع وبه قال طبقات الاصحاب * ثم يجوز أن يعلم ذكر الخلاف بالواو للطريقة القاطعة بالمنع وكذا قوله وكان التزاما للفداء للوجه الذى سبق ذكره (وقوله) لانه لم يحجر على نفسه إلى آخره اشارة الي الفرق بينه وبين المرهون * قال (الخامس العلم وليكن المبيع معلوم العين والقدر والصفة (أما) العين فالجهل به مبطل ونعنى به انه لو قال بعت منك عبدا من العبيد (ح) أو شاة من القطيع بطل (ح) ولو قال بعت صاعا من هذه الصبرة وكانت معلومة الصيعان صح ونزل علي الاشاعة وان كانت مجهولة الصيعان لم يصح على اختيار القفال لتعذر الاشاعة ووجود الابهام. وابهام ممر الارض المبيعة كابهام نفس المبيع: وبيع بيت من دار دون حق الممر جائز على الاصح) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 133 الشرط الخامس كون المبيع معلوما ليعرف ما الذى ملك بازاء ما بذل فينفي الغرر ولا شك انه لا يشترط العلم به من كل وجه فبين ما يعتبر العلم به وهو ثلاثة أشياء عين المبيع وقدره وصفته (أما) العين فالقصد به انه لو قال بعت عبدا من العبيد أو إحد عبدي أو عبيدى هؤلاء أو شاة من هذا القطيع فهو باطل وكذا لو قال بعتهم الا واحدا ولم يعين المستثني لان المبيع غير معلوم ولا فرق بين أن تتقارب قيم العبيد والشياه أو تتباعد ولا بين عدد من العبيد وعدد ولا بين أن يقول علي أن يختار رأيهم شئت أولا يقول ولا إذا قال ذلك بين أن يقدر زمان الاختيار أو لا يقدر * وعن أبي حنيفة انه إذا قال بعتك احدى عبدى أو عبيدى الثلاثة على أن تختار من شئت في ثلاث فما دونها صح العقد * وأغرب المتولي فحكي عن القديم قولا مثله ووجهه بأن الشرع أثبت الخيار في هذه المدة بين العوضين ليختار هذه الفسخ أو هذا الامضاء فجازا أن يثبت له الخيار بين عبدين وكما تتقدر نهاية الاختيار بثلاث تتقدر نهاية ما يتخير به من الاعيان بثلاثة * ولا يخفى ضعف هذا التوجيه ووجه المذهب القياس علي ما إذا زاد العبيد علي ثلاثة ولم يجعل له الاختيار ولو زاده على الثلاث أو فرض ذلك في الثياب والدواب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 134 وغير العبيد من الاعيان وعلى النكاح فانه لو قال أنكحتك احدي ابنتى لا يصح النكاح * ولو لم يكن له الا عبد واحد فحضر في جماعة من العبيد وقال السيد بعتك عبدى من هؤلاء والمشتري يراهم ولا يعرف عين عبده فحكمه حكم بيع الغائب قاله في التتمة وقال صاحب التهذيب عندي هذا البيع باطل لان المبيع غير متعين وهو الصحيح * ثم في الفصل مسألتان (احداهما) في بيع صاع من الصبرة والرأى أن يقدم عليهما فصلين (أحدهما) أن بيع الجزء الشائع من كل جملة معلومة من أرض ودار وعبد وصبرة وثمرة وغيرها صحيح نعم لو باع جزءا مشاعا من شئ بمثله من ذلك الشئ كما إذا كان بينهما نصفين فباع هذا نصفه بنصف ذاك فوجهان (أحدهما) انه لا يصح البيع لانه لا فائدة فيه (وأصحهما) الصحة لاجتماع الشرائط المرعية في العقد وله فوائد (منها) لو ملكا أو أحدهما نصيبه بالهبة من أبيه انقطع ولابيه الرجوع (ومنها) لو ملكه بالشراء ثم اطلع بعد هذا التصرف علي عيب لم يملك الرد على بائعه و (منها) لو ملكته صداقا وطلقها الزوج قبل الدخول لم يمكن له الرجوع فيه * ولو باع الجملة واستثنى منها جزءا شائعا فهو صحيح أيضا (مثاله) أن يقول بعتك ثمرة هذا الحائط الا ربعها أو قدر الزكاة منها ولو قال بعتك ثمرة هذا الحائط بثلاثة آلاف درهم الا ما يخص ألفا فان أراد ما يخصه إذا وزعت الثمرة على المبلغ المذكور صح وكان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 135 استثناء للثلث وان أراد ما يساوى ألفا عند التقويم فلا لانه مجهول (الفصل الثاني) لو باع ذراعا من أرض أو دار أو ثوب ينظر ان كانا يعلمان جملة ذرعانها كما إذا باع ذراعا والجملة عشرة فالبيع صحيح وكأنه قال بعت العشر قال الامام الا ان قال بعنى معينا فيفسد كقوله شاة من القطيع * ولو اختلفا فقال المشترى أردت الاشاعة فالعقد صحيح وقال البائع بل أردت معينا ففيمن يصدق احتمالان وذكر أيضا خروج وجه في فساد العقد وان لم نعن بالذراع معينا وستعرف كيفيته ان شاء الله تعالى * وان كانا لا يعلمان أو أحدهما ذرعان الدار والثوب لم يصح البيع لان أجزاء الارض والثوب تتفاوت غالبا في المنفعة والقيمة والاشاعة متعذرة * وعن أبي حنيفة انه لا يصح البيع سواء كانت الذرعان معلومة أو مجهولة ذهابا إلى أن الذراع اسم لبقعة مخصوصه فيكون البيع مبهما * ولو وقف على طرف الارض وقال بعتك كذا اذراعا من موقفي هذا في جميع العرض إلى حيث ينتهي في الطول صح البيع في أحد الوجهين * إذا عرفت الفصلين فنقول إذا قال بعتك صاعا من هذه الصبرة بكذا فله حالتان (إحداهما) أن يعلما مبلغ صيعان الصبرة فالعقد صحيح ونقل امام الحرمين في تنزيله خلافا للاصحاب منهم من قال المبيع صاع من جملة مشاع أي صاع كان لان المقصود لا يختلف فعلى هذا يبقى المبيع ما بقى صاع وإذا تلف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 136 بعض الصبرة لم يتقسط على المبيع وغيره (ومنهم) من نزل الامر علي الاشاعة وقال إذا كانت الصبرة مائة صاع فالمبيع عشر العشر وعلى هذا لو تلف بعض الصبرة تلف بقدره من المبيع * هذا ما أورده الجمهور في هذه الحالة ومنهم صاحب الكتاب (والثانية) ان لا يعلما أو أحدهما مبلغ صيعانها ففى صحة البيع وجهان (أحدهما) وهو اختيار القفال انه لا يصح لان المبيع غير معين ولا موصوف فاشبه ما لو باع ذراعا من أرض أو ثوب وجملة الذرعان مجهولة أو باع صاعا من ثمرة النخل (والثانى) وهو الحكاية عن نصه انه صحيح والمبيع صاع منها أي صاع كان حتي لو تلف جميعها سوى اصاع واحد تعين العقد فيه والبائع بالخيار بين أن يسلم من أعلا الصبرة أو من أسفلها وإن لم يكن الاسفل مرئيا لان رؤية ظاهر الصبرة كرؤية كلها ويفارق صورة الاستشهاد لان أجزاء الصبرة الواحدة لا تختلف غالبا بخلاف تلك الصورة قال المعتبرون والوجه الثاني أظهر في المذهب ولكن القياس الاول لانه لو فرق صيعان الصبرة وقال بعتك واحدا منها لم يصح فما الفرق بين أن تكون متفرقة أو مجتمعة وأيضا لانه لو قال بعتك هذه الصبرة إلا صاعا منها لا يصح العقد إلا أن تكون الصيعان معلومة ولا فرق بين استثناء المعلوم من المجهول واستثناء المجهول من المعلوم في كون الباقي مجهولا * وفيما جمع من فتاوى القفال انه كان إذا سئل عن هذه المسألة يفتي بالوجه الثاني مع ذهابه إلى الاول ويقول المستفتى يستفتي عن مذهب الشافعي رضي الله عنه لا عن ما عندي ثم ذكر الائمة للخلاف في المسألة مأخذين (أحدهما) حكوا خلافا في أن علة بطلان البيع فيما إذا قال بعت عبدا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 137 من العبيد ماذا فمن قائل علته الغرر الذى فيه مع سهولة الاجتناب عنه ومن قائل علته انه لا بد للعقد من مورد يتأثر به كما في النكاح قالوا والخلاف الذى نحن فيه مبني عليه فعلى الثاني لا يصح وعلى الاول يصح إذ لا غرر لتساوي أجزاء الصبرة (والثانى) قال الامام هو مبنى على الخلاف في تنزيل العقد عند العلم بالصيعان ان قلنا المبيع ثم مشاع في الجملة فالبيع باطل لتعذر الاشاعة (وان قلنا) المبيع صاع غير مشاع فهو صحيح ههنا ايضا وهذا البناء لا يسلم عن النزاع لما ذكرنا ان الجمهور نزلوه في صورة العلم علي الاشاعة إن أمكن وإلا قالوا المبيع صاع أي صاع كان لاستواء الغرض * ثم ادعي الامام أن من لا يدعى الجزئية والاشاعة يحكم ببطلان البيع فيما إذا باع ذراعا من أرض معلومة الذرعان وهذا هو الوجه الذى سبقت الاشارة إليه ولم أر له ذكرا إلا في كتابه (المسألة الثانية) قوله وإبهام ممر الارض المبيعة كابهام نفس المبيع صورتها أن يبيع أرضا محفوفة بملكه جميع الجهات وشرط أن للمشترى حق الممر إليها من جانب ولم يعين فالبيع باطل لان الاغراض تتفاوت باختلاف الجوانب ولا يؤمن إفضاء الامر الي المنازعة فجعلت الجهالة في الحقوق كالجهالة في المعقود عليه (أما) إذا عين الممر من جانب فيصح البيع وكذا لو قال بعتكها بحقوقها وثبت للمشترى حق الممر من جميع الجوانب كما كان ثابتا للبائع قبل البيع وإن أطلق البيع ولم يتعرض للمر ففى المسألة وجهان (أظهرهما) أن مطلق البيع يقتضي حق الممر لتوقف حق الانتفاع عليه فعلى هذا البيع صحيح كما لو قال بعتكها بحقوقها (والثاني) انه لا يقتضيه لانه لم يتعرض له فعلى هذا هو كما لو نفى الممر وفيه وجهان (أحدهما) أن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 138 البيع صحيح لامكان التدرج إلي الانتفاع بتحصيله ممرا (وأصحهما) عند الامام وغيره البطلان لتعذر الانتفاع بها في الحال * ولو أن الارض المبيعة كانت ملاصقة للشارع فليس للمشترى طروق ملك البائع فان العادة في مثلها الدخول من الشارع فينزل الامر عليها ولو كانت ملاصقة لملك المشترى فلا يتمكن من المرور فيما أبقاه البائع لنفسه بل يدخل فيه من ملكه القديم وابدى الامام احتمالا قال وهذا إذا أطلق البيع أما إذا قال بحقوقها فله المرور في ملك البائع وصاحب الكتاب رجح من وجهي مسألة نفي الممر وجه الصحة لكن الاكثرين على ترجيح مقابلة وتوسط في التهذيب فقال ان أمكن اتخاذ ممر من جانب صح البيع وإلا فلا * ولو باع دارا واستثني لنفسه بيتا فله الممر وان نفى الممر نظر ان أمكن اتخاذ ممر آخر صح وان لا فوجهان ووجه المنع ما قدمناه عن شارح المفتاح * قال (اما القدر فالجهل به فيما في الذمة ثمنا أو مثمنا مبطل كقوله بعت بزنة هذه الصنجة * ولو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم صح (ح) وان كانت مجهولة الصيعان لان تفصيل الثمن معلوم وان لم يعلم جملته والغرر ينتقى به فان كان معينا فالوزن غير مشروط بل يكفى عيان صبرة الحنطة والدراهم * فان كان تحتها دكة تمنع تخمين القدر فيخرج علي قولي بيع الغائب لاستواء الغرر وقطع بعض المحققين بالبطلان لعسر إثبات الخيار مع جريان الرؤية) * المبيع قد يكون في الذمة وقد يكون معينا والاول هو السلم والثاني وهو المشهور باسم البيع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 139 والثمن فيهما جميعا قد يكون في الذمة وان كان يشترط في السلم التسليم في مجلس العقد وقد يكون معينا فيما كان في الذمة من العوضين فلابد وان يكون معلوم القدر حتى لو قال بعتك ملء هذا البيت حنطة أو بزنة هذه الصنجة ذهبا لم يصح البيع وكذا لو قال بعت هذا بما باع به فلان فرسه أو ثوبه وهما لا يعلمانه أو أحدهما لانه غرر يسهل الاجتناب عنه وحكى وجه انه يصح لامكان الاستكشاف وازالة الجهالة فصار كما إذا قال بعتك هذه الصبرة كل صاع منها بدرهم يصح البيع وان كانت الجملة مجهولة في الحال نقله في التتمة * وذكر بعضهم انه إذا حصل العلم قبل التفرق صح البيع ولو قال بعتك بمائة دينار الا عشرة دراهم لم يصح إلا ان يعلما قيمة الدينار بالدراهم * ولو قال بعتك بالف من الدراهم والدنانير لم يصح لان قدر كل واحد منهما مجهول وعن أبي حنيفة انه يصح * وإذا باع بدراهم أو دغانير فلابد من العلم بنوعهما فان كان في البلد نقد واحدا ونقود ولكن الغالب التعامل بواحد منها انصرف العقد إلي المعهود وان كان فلوسا الا أن تعين غيره وان كان نقد البلد مغشوشا فقد ذكرنا وجهين في صحة التعامل به في كتاب الزكاة إلا انا خصصنا الوجهين بما ادا كان مقدار النقرة مجهولا وربما نقل العراقيون الوجهين على الاطلاق ووجهوا المنع بان المقصود غبر مميز عما ليس بمقصود فاشبه مالوا شيب اللبن بالماء وبيع فانه لا يصح وكيف ما كان فالاصح الصحة وإذا فرعنا عليه انصرف العقد عند الاطلاق إليه * وحكى صاحب التتمة وجها ثالثا في التعامل بالدراهم المغشوشة وهو أنه ان كان الغش غالبا لم يجز وان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 140 كان مغلوبا فيجوز وادعي ان هذا مذهب ابي حنيفة واختيار القاضى الحسين * ولو باع شيئا بدراهم مغشوشة ثم بان ان نقرتها يسيرة جدا فله الرد وعن أبى الفياض تخريج وجهين فيه وان كان في البلد نقدان أو نقود مختلفة وليس بعضها أغلب من بعض فالبيع باطل حتي يعين وتقويم المتلفات يكون بغالب نقد البلد فان كان في البلد نقدان فصاعدا ولا غالب عين القاضى واحدا للتقويم * ولو غلب من جنس العرض نوع فهل ينصرف الذكر إليه عند الاطلاق فيه وجهان المحكى عن أبي اسحق انه ينصرف كما ذكرنا في العقد قال في التتمة وهو المذهب ومن صوره أن يبيع صاعا من الحنطة بصاع منها أو بشعير في الذمة ثم أحضر قبل التفرق * وكما ينصرف العقد إلى النقد الغالب ينصرف في الصفات إليه أيضا حتى لو باع بدينار أو بعشرة والمعهود في البلد الصحاح انصرف العقد إليه وإن كان المعهود المكسرة فكذلك قال في البيان الا أن تتفاوت قيم المكسرة فلا يصح وعلى هذا القياس لو كان المعهود ان يوجد نصف الثمن من هذا والنصف من ذاك أو ان يوجد على نسبة أخرى فالبيع صحيح محمول عليه * وان كان يعهد التعامل بهذا مرة وبهذا مرة ولم يكن بينهما تفاوت صح البيع ويسلم ما شاء منهما وان كان بينهما تفاوت بطل البيع كما لو كان في البلد نقدان عامان واطلق * ولو قال بعت بالف صحاح ومكسرة فوجهان (أظهرهما) انه يبطل لانه لم يبين قدر كل واحد منهما (والثانى) يصح ويحمل على التنصيف ويشبه ان يكون هذا الوجه جاريا فيما إذا قال بالف ذهبا وفضه * ولو قال بعت بدينار صحيح فجاء بصحيحين وزنهما مثقال فعليه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 141 القبول لان الغرض لا يختلف بذلك ولو جاء بصحيح وزنه مثقال ونصف قال في التتمة عليه قبوله والزيادة امانة في يده والحق أنه لا يلزمه القبول لما في الشركة من الضرر وقد ذكر صاحب البيان نحوا من هذا ولكن ان تراضيا عليه جاز وحينئذ لو أراد أحدهما كسره وامتنع الاخر لم يجبر عليه لما في هذه القسمة من الضرر * ولو باع بنصف دينار صحيح وشرط ان يكون مدورا جاز ان كان يعم وجوده وان لم يشرط فعليه شق وزنه نصف مثقال فان سلم إليه صحيحا اكثر من نصف مثقال وتراضيا على الشركة فيه جاز * ولو باعه شيئا بنصف دينار صحيح ثم باعه شيئا آخر بنصف دينار صحيح فان سلم صحيحا عنهما فقد زاده خيرا وان سلم قطعتين وزن كل واحدة نصف دينار جاز وان شرط في عقد الثاني تسليم صحيح عنهما فالعقد الثاني فاسد والاول ماض على الصحة ان جرى الثاني بعد لزومه والا فهو الحاق شرط فاسد بالعقد في زمان الخيار وسيأتى حكمه * ولو باع بنقد قد انقطع عن أيدى الناس فهو باطل لعدم القدرة على التسليم وان كان لا يوجد في تلك البلدة ويوجد في غيرها فان كان حالا أو مؤجلا الي مدة لا يمكن نقله فهو باطل ايضا وان كان مؤجلا إلى مدة يمكن نقله صح ثم ان حل الاجل وقد أحضره فذاك وإلا فيبني علي ان الاستبدال عن لثمن هل يجوز (إن قلنا) لا فهو كما لو انقطع المسلم فبه (وإن قلنا) نعم فيستبدل والا يفسخ العقد وفيه وجه انه يفسخ وان كان يوجد في البلد الا أنه عزيز (فان قلنا) يجوز الاستبدال عن الثمن صح العقد فان وجد فذاك وإلا تبادلا (وان قلنا) لا لم يصح * ولو كان القدر الذى جرى به التعامل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 142 موجودا ثم انقطع ان جوزنا الاستبدال تبادلا والا فهو كانقطاع المسلم فيه * ولو باع شيئا بنقد معين أو مطلقا وحملناه علي نقد البلد فابطل السلطان ذلك النقد لم يكن للبائع الا ذلك النقد كما لو اسلم في حنطتة فرخصت ليس له غيرها لو فيه وجه آخر انه مخير ان شاء اجاز العقد بذلك النقد وان شاء فسخه كما لو تعيب المبيع قبل القبض وعن أحمد انه يجب تسليم النقد الجديد بالقيمة * وإذا وقفت على هذه المسائل فاعم ان صاحب الكتاب لما ذكر ان العلم بقدر العوض لا بد منه إذا كان في الذمة احتاج الي بيان مسألة هي كالمستثناة عن هذه القاعدة وهى أنه لو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم يصح العقد وان كانت الصبرة مجهولة الصيعان وقدر الثمن مجهولا وبه قال مالك وأحمد وكذا الحكم لو قال بعتك هذا الارض أو هذا الثوب كل ذراع بدرهم أو هذه الاغنام كل واحدة بدينار وقال أبو حنيفة إذا كانت الجملة مجهولة صح البيع في مسألة الصبرة وفى قفيز واحد دون الباقي وفي مسألة الارض والثوب لا يصح في شئ وهذا ما حكاه القاضي ابن كج عن أبى الحسين في الصور كلها وجه الصحة أن الصبرة مشاهدة والمشاهدة كافية للصحة على ما سنذكره ولا يضر الجهل بمبلغ الثمن لان تفصيله معلوم والغرر يرتفع به فانه يعلم أقصي ما تنتهي إليه الصبرة وقد رغب فيها على شرط مقابلة كل صاع بدرهم كما كانت * ولو قال بعتك عشرة من هؤلاء الاغنام بكذا لم يصح وان علم عدد الجملة بخلاف مثله في الصبرة والارض والثوب لان قيمة الشاة تختلف فلا يدرى كم العشرة من الجملة كذا ذكره في التهذيب وقياس ما قدمناه من عدم الصحة فيما إذا باع ذراعا من ثوب أو من أرض مجهوله الذرعان تعليلا بأن أجزاء الارض والثوب تختلف أن يكون قوله بعتك كذا ذراعا من الارض وهى معلومة الذرعان كقوله بعتك كذا عددا من هذه الاغنام وهي معلومة العدد فليسو بينهما في الصحة أو عدمها * ولو قال بعتك من هذه الصبرة كل صاع بدرهم لم يصح لانه لم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 143 يبع جميع الصبرة ولا بين المبيع منها وعن ابن سريج انه يصح في صاع واحد كما لو قال بعتك قفيزا من الصبرة بدرهم ولو قال بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم كل صاع بدرهم أو قال مثله في الثوب والارض نظر ان خرج كما ذكر صح البيع وان خرج زائدا أو ناقصا فقولان قال في التهذيب (أصحهما) انه لا يصح البيع لانه باع جملة الصبرة بالعشرة بشرط مقابلة كل صاع منها بدرهم والجمع بين هذين الامرين عند الزيادة والنقصان محال (والثانى) انه يصح لاشارته الي الصبرة ويلغي الوصف وعلى هذا ان خرج ناقصا فللمشترى الخيار فان أجاز فيجيز بجميع الثمن لمقابلة الصبرة به أو بالقسط لمقابلته كل صاع بدرهم فيه وجهان وان خرج زائدا فلمن تكون الزيادة فيه وجهان (أظهرهما) انها للمشترى لان جملة الصبرة مبيعة منه فعلى هذا لا خيار له وفى البائع وجهان (أصهما) انه لا خيار له ايضا لانه رضى ببيع جميعها (والثاني) ان الزيادة للبائع وعلي هذا لاخيار له وفى المشترى وجهان (اصحهما) ثبوت الخيار إذا لم يسلم له جميع الصبرة * هذه ما نذكره الآن في أحد القسمين وهو أن يكون العوض في الذمة فأما إذا كان معينا فلا يشترط معرفة قدره بالوزن والكيل حتي لو قال بعتك هذه الدراهم أو هذه الصبرة صح ويكفى عيان الدراهم والصبرة ربطا للعقد بالمشاهدة نعم حكوا قولين في انه هل يكره بيع الصبرة جزافا وعن مالك ان علم البائع قدر كيلها لم يصح البيع حتى يبينه وحكي إمام الحرمين عنه انه لابد من معرفة المقدار فلا يصح بيع الصبرة جزافا ولا بالدراهم جزافا ولو كانت الصبرة علي موضع من الارض فيه ارتفاع وانخفاض أو باع السمن ونحوه في طرف مختلف الاجزاء دقة وغلظا فقد حكي المصنف في لوسيط ثلاث طرق وقضية إيراد الامام الاقتصار على الاول والثالث (أظهرها) وبه قال الشيخ أبو محمد أن في صحة البيع قولى بيع الغائب لان انخفاض الارض وارتفاعها وغلظ الظرف ودقته يمنع تخمين القدر وإذا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 144 لم يفد العيان احاطة كان كعدم العيان في احتمال الغرر (والثانى) القطع بالبطلان لانا إذا صححنا بيع الغائب أثبتنا فيه الخيار عند الرؤية والرؤية حاصلة ههنا فيبعد إثبات الخيار معها ولا سبيل الي نفيه لمكان الجهالة وهذان الطريقان هما المذكوران في الكتاب والطريقة الثانية ضعيفة وان نسبت إلى المحققين لان الصفة والمقدار مجهولان في بيع الغائب ومع ذلك خرجناه على قولين فكيف نقطع بالبطلان ههنا مع معرفة بعض الصفات بالرؤية فان قلنا بالصحة فوقت اثبات الخيار ههنا معرفة مقدار الصبة أو التمكن من تخمينة برؤية ما تحتها * (والطريق الثالث) نقله الامام عن رواية الشيخ أبى على في مهذبه الكبير القطع بالصحة ذهابا الي أن جهالة المقدار غير جائزة بعد المشاهدة فان فرعنا علي البطلان فلو باع الصبرة والمشترى يظن انها على استواء الارض ثم بان تحتها دكة هل يتبين بطلان العقد فيه وجهان (أحدهما) نعم وبه قال الشيخ أبو محمد لانا تبينا بالاخرة أن العيان لم يفد علما (وأظهرهما) لا ولكن للمشترى الخيار تنزيلا لما ظهر منزلة الغيب والتدليس هذا ما أورده صاحب الشامل وغيره * ولو قال بعتك هذه الصبرة الا صاعا فان كانت معلومة الصيعان صح والا فلا وبه قال أبو حنيفة وقال مالك يصح وإن كانت مجهولة الصيعان واحتجوا للمذهب بما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن الثنيا في البيع * ثم اختلفوا في وجه الاحتجاج فذكر الماوردى في الحاوى ان المراد من الخبر الصورة التى نحن فيها وقال قائلون الخبر ينفى احتمال الاستثناء مطلقا فان ترك العمل به في موضع وجب أن لا يترك ههنا والله أعلم * قال (أما الصفة ففي اشتراط معرفتها بالعيان قولان اختار المزني الاشتراط وأبطل بيع (ح م) ما لم يره وشراءه ولعله اصح القولين وفى الهبة قولان مرتبان وأولى بالصحة وعلي القولين يخرج شراء الاعمى لانه يقدر على التوكيل بالرؤية والفسخ على اصح الوجهين ويصح سلم الاعمي اعتمادا علي الوصف وكذلك الاكمه الا على رأى المزني فانه أول كلام الشافعي رضي الله عنه علي غير الاكمه) * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 145 في الفصل مسائل (إحداها) في بيع الاعيان الغائبة والحاضرة التى لم تر قولان قال في القديم وفى الاملاء والصرف من الجديد انه صحيح وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (من اشترى ما لم يره فله الخيار إذا رآه ومعلوم أن الخيار انما يثبت في العقود الصحيحة ولانه عقد معاوضة فلم يكن من شرطه رؤية المعقود عليه كالنكاح وقال في الام والبويطى لا يصح وهو اختيار المزني ووجه انه بيع غرر وقد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر ولانه مبيع مجهول الصفة عند العاقد حال العقد فلم يصح بيعه كما لو أسلم في شئ ولم يصفه واشتهر القول الاول بالقديم والثانى بالجديد واختلفوا في محلهما على طريقين (أصحهما) عند ابن الصباغ وصاحب التتمة وغيرهما ان القولين مطردان في المبيع الذى لم يره المتبايعان كلاهما وفيما لم يره أحدهما (والثانى) ان القولين فيما إذا شاهده البائع دون المشترى أما إذا لم يشاهده البائع فالبيع باطل قولا واحدا لان الاجتناب عن هذا الغرر سهل على البائع فانه المالك والمتصرف في المبيع ومنهم من جعل البيع أولي بالصحة لان البائع معرض عن الملك والمشترى محصل له فهو أجدر بالاحتياط وهذا يوجب خروج طريقة ثالثة وهي القطع بالصحة إذا رآه المشترى وتخصيص الخلاف فيما إذا لم يره وفى البيان اشارة إلى هذه الطريقة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 146 الثالثة والقولان في شراء الغائب وبيعه يجريان في إجارته وفيما إذا آجر بعين غائبة أو صالح عليها أو جعلها رأس مال السلم ثم سلم في مجلس العقد * ولو أصدقها عينا غائبة أو خالعها عليها أو عفا عن القصاص على عين غائبة صح النكاح وحصلت البينونة وسقط القصاص وفى صحة المسمي القولان فان لم يصح وجب مهر المثل علي الرجل في النكاح وعلي المرأة في الخلع ووجبت الدية على المعفو عنه ويجريان أيضا في هبة الغائب ورهنه وهما أولى بالصحة لانهما ليسا من عقود المغابنات بل الراهن والواهب مغبونان لا محالة والمرتهن والمتهب مرتفقان لا محاله ولهذا قيل إنا إذا صححناهما فلا خيار عند الرؤية إذ لا حاجة إليه (الثانية) إذا لم نجوز شراء الغائب وبيعه لم يجز بيع الاعمى وشراؤه وان جوزناه فوجهان (أظهرهما) أنه لا يجوز أيضا والفرق انا إذا جوزنا شراء الغائب ثبت فيه خيار الرؤية وهاهنا لا سبيل إلى اثبات خيار الروية إذا لا رؤية فيكون كبيع الغائب علي شرط أن لا خيار (والثاني) أنه يجوز ويقام وصف غيره له مقام رؤيته كما تقام الاشارة مقام النطق في حق الاخرس وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وقد يعبر عما ذكرنا بأن يقال في بيعه وشراه طريقان (أحدهما) أنه على قولي شراء الغائب (والثاني) القطع بالمنع وبني بانون هذين الطريقين على الجزء: 8 ¦ الصفحة: 147 انه هل يجوز للبصير إذا صححنا منه شراء الغائب أن يوكل غيره بالرؤية وبالفسخ أو الاجازة على ما يستصوبه وفيه وجهان (أظهرهما) أنه يجوز كالتوكيل في خيار العيب وخيار الحلف (والثانى) لا يجوز لان هذا الخيار مربوط بارادة من له الخيار ولا تعلق له بعرض ولا وصف ظاهر فاشبه ما لو اسلم الكافر على عشر نسوة ليس له أن يوكل بالاختيار فان صححنا التوكيل خرج بيعه وشراؤه على قولى شراء الغائب وإلا قطعنا بالفساد لانه لو صح لتمكن منه جهالة لا تزول ولما أفضى الامر إلى قرار وإذا قلنا لا يصح بيع الاعمى وشراؤه لا يصح منه الاجارة والرهن والهبة ايضا وهل له أن يكاتب عبده قال في التهذيب لا وقال في التمتمة المذهب أن له ذلك تغليبا للعتق ويجوزان يؤجر نفسه وللعبد الاعمي أن يشترى نفسه وان يقبل الكتابة على نفسه ويجوز له أن ينكح وان يزوج موليه تفريعا على أن العمي غير قادح في الولاية والصداق عين مال لم يثبت المسمى وكذلك إو خالع الاعمي على مال وأما إذا أسلم في شئ أو باع سلما فينظر ان عمى بعد ما بلغ سن التمييز فهو صحيح لان السلم يعتمد الاوصاف وهو والحالة هذه مميز بين الالوان ويعرف الاوصاف ثم يوكل من يقبض عنه على الوصف المشروط وهل يصح قبضه بنفسه فيه وجهان (أصحهما) لا لانه لا يميز بين المستحق وغيره وان كان اكمه أو عمى قبل ما بلغ سن التمييز فوجهان (احدهما) انه لا يصح سلمه لانه لايعرف الالوان ولا يميز بينها وبهذا قال المزني ويحكي عن ابن سريج وابن خيران وابن أبي هريرة أيضا واختاره صاحب التهذيب (وأصحهما) عند العراقيين وغيرهم ويحكى عن ابى اسحق المروزى وبه اجاب في الكتاب انه يصح لانه يعرف الصفات والالوان بالسماع ويتخيل فرقا بينهما فعلى هذا انما يصح إذا كان رأس المال موصوفا غير معين في المجلس اما إذا كان معينا فهو كبيع العين الغائبة * وكل مالا نصححه من الاعمى من التصرفات فسبيله ان يوكل عنه ويحتمل ذلك للضرورة والله أعلم * وانرجع الي ما يتعلق بلفظ الكتاب من الفوائد (قوله) الصفة إلى قوله فابطل بيع ما لم يره وشراءه جواب على طريقة طرد القولين في البيع والشراء هو الاشهر (قوله) ولعله اصح القولين انما فرض القول فيه لان طائفة من أصحابنا مالوا الي قول التصحيح وافتوا به وقد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 148 تابعهم صاحب التهذيب والروياني عليه * وعن الخضرى انه كان لا يجرم بالفساد إذا سئل عن بيع الغائب بل يقول ان لم يصح الخبر فالقياس فساده وقوله على القولين يخرج شراء الاعمى مصيرا إلي طرد القولين في شراء الاعمى وليكن معلما بالواو للطريقة القاطعة بالمنع وإليها ذهب الاكثرون وقوله انه يقدر على التوكيل اشارة إلى ما سبق من مضى الطريقين وجعله الصحة اصح الوجهين غير منازع فيه لكن ذهاب الاكثرين إلى القطع بالمنع يشوش ذلك البناء لان قائس ترجيح وجه الصحة يرحح طريقة القولين وقوله فانه اول كلام الشافعي رضى الله عنه علي غير الاكمه اراد به ان الشافعي رضي الله عنه اطلق القول في جواز سلم الاعمي فقال المزني في مختصر سننه ان يكون اراد الشافعي رضي الله عنه لمعرفتي بلفظ الاعمى الذى عرف الالوان قبل ان يعمي واما من خلق اعمي فانه لا معرفة له بالالوان وحكم بفساد سلمه * قال (التفريع * ان شرطنا الروية فالروية السابقة كالمقارنة (و) فيما لا يتغير غالبا وليس استقصاء الوصف كالروية على الاظهر * ورؤية بعض المبيع كافية إن دل على الباقي لكونه من جنسه أو كان صوأنا له خلقة كقشر الرمان والبيض) * لما فرغ من ذكر القولين في شراء الغائب والصور الملحقة به اراد أن يفرع عليها فعد في هذا الفصل فروعا علي قولنا باشتراط الرؤية وفى الفصل الذى يليه فروعا علي القول المقابل له فاما فروع هذا الفصل الذى ذكرها فهي ثلاثة (أحدها) لو اشترى غائبا رآه قبل العقد نظر ان كان مما لا يتغير غالبا كالاراضى والاواني والحديد والنحاس ونحوها أو كان لا يتغير في المدة المتخللة بين الرؤية والشراء صح العقد لحصول العلم الذى هو المقصود وقال الانماطي لا يصح لان ما كان شرطا في العقد ينبغى أن يوجد عنده كالقدرة علي التسليم في البيع والشهادة في النكاح والمذهب الاول * واحتج الاصطخرى على الذاب عن الانماطى في المسألة فقال ارأيت لو كان في يده خاتم فاراه غيره حتى نظر إلى جميعه ثم غطاه بكفه ثم باعه منه هل يصح قال لا قال أرايت لو دخل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 149 دارا ونظر الى جميع بيوتها وعلا إليها ثم خرج منها واشتراها هل يصح قال لا قال أرايت لو دخل أرضا ونظر إلى جميعها ثم وقف في ناحية منها واشتراها هل يصح فتوقف فيه ولو ارتكبه لكان مانعا بيع الاراضي والضياع التي لا تشاهد دفعة واحدة فانه خلاف الاجماع * ثم إذا صححنا الشراء فان وجده كما رآه اولا فلا خيار له وإن وجده متغيرا فقد حكى المصنف فيه وجهين في الوسيط (أحدهما) انه يتبين بطلان العقد لتبين انتفاء المعرفة (واصحهما) وهو الذى أورده الجمهور انه لا يتبين ذلك لبناء العقد في الاصل على ظن غالب ولكن له الخيار قال الامام وليس المعني بتغيره تعيبه فان خيار العيب لا يختص بهذه الصورة ولكن الرؤية بمثابة الشرط في الصفات الكائنة عند الرؤية وكل ما فات منها فهو بمثابة ما لو تبين الخلف في الشرط * وإن كان المبيع مما يتغير في مثل تلك المدة غالبا كما إذا راى ما يتسارع إليه الفساد من الاطعمة ثم اشتراه بعد مدة صالحة فالبيع باطل وان مضت مدة يحتمل أن يتغير فيها ويحتمل أن لا يتغير أو كان المبيع حيوانا ففيه وجهان (أحدهما) انه لا يصح البيع لما فيه من الغرر ويحكى هذا عن المزني وابن أبى هريرة (واصحهما) الصحة لان الظاهر بقاؤه بحاله فان وجده متغيرا فله الخيار وإذا اختلفا فقال البائع هو بحاله وقال المشترى بل تغير فوجهان (احدهما) أن القول قول البائع لان الاصل عدم التغير واستمرار العقد (واظهرهما) وهو المحكى عن نصه في الصرف أن القول قول المشترى مع يمينه لان البائع يدعي عليه الاطلاع على المبيع على هذه الصفة والرضى به وهو ينكره فاشبه ما إذا ادعي عليه الاطلاع على العيب وانكر المشترى * (الثاني) استقصاء الاوصاف على الحد المعتبر في السلم هل يقوم مقام الرؤية وكذا سماع وصفه بطريق التواتر فيه وجهان (احدهما) نعم لان ثمرة لرؤية المعرفة وهما يفيدانها فعلى هذا يصح البيع على القولين ولا خيار (واصحهما) لا لان الرؤية تطلع على أمور تضيق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 150 عنها العبارة * ثم الصائرون إلى هذا الوجه ومنهم أصحابنا العراقيون اختلفوا في أن استقصاء الوصف هل يشترط على قولنا بصحة بيع الغائب على ما ستعرفه ان شاء الله تعالى (الثالث) إذا راى بعض الشئ دون بعض نظر ان كان مما يستدل برؤية بعضه على الباقي صح البيع كما إذا رأى ظاهر الصبرة منه الحنطة والشعير لان الغالب أن أجزاءها لا تختلف وتعرف جملتها برؤية ظاهرها ثم لا خيار له إذا رأى باطنه الا إذا خالف باطنه ظاهره * وفى التتمة أن ابا سهل الصعلوكى حكى قولا عن الشافعي رضى الله عنه انه لا تكفى رؤية ظاهر الصبرة بل لابد من تقليبها ليعرف حال باطنها أيضا وهكذا حكاه أبو الحسن العبادي عن الصعلوكي نفسه وقال انما الجأه إليه ضرورة نظر المبيع والمذهب المشهور هو الاول * وفى معنى الحنطة والشعير صبرة الجوز واللوز والدقيق لان الظاهر استواء ظاهرها وباطنها * ولو كان شئ منها في وعاء فرأى اعلاه أو رأى اعلا السمن والخل وسائر المائعات في ظروفها كفا ولو كانت الحنطة في بيت وهو مملوء منها فرأى بعضها من الكوة أو الباب كفى ان عرف سعة البيت وعمقه والا فلا وكذا حكم الجمد في المجمدة ولا يكفى رؤية صبرة البطيخ والرمان والسفرجل لانها تباع في العادة عددا وتختلف اختلافا بينا فلابد من رؤية واحد واحد وكذا لا يكفى في شراء السلة من العنب والخوخ ونحوهما رؤية الاعلا لكثرة الاختلاف فيها بخلاف صبرة الحبوب والتمر ان لم تلتزق حبانه فصبرته كصبرة الجوز واللوز وان التزقت كالقوصرة فيكفى روية اعلاها على الصحيح وعن الصيمري حكاية خلاف في القطن في العدل انه هل يكفى رؤية اعلاه أم لابد من روية جميعه قال والاشبه عندي انه كقوصرة التمر * ولو رأى انموذجا وبني البيع عليه نظر ان قال بعتك من هذا النوع كذا فهو باطل لانه لم يعين مالا ولا راعى شرط السلم ولا يقوم ذلك مقام الوصف في السلم على الصحيح لان الوصف باللفظ يمكن الرجوع إليه عند الجزء: 8 ¦ الصفحة: 151 الاشكال * ولو قال بعتك الحنطة التي في هذا البيت وهذا لانموذج منها نظر ان لم يدخل الانموذج في البيع ففيه وجهان (احدهما) صحة البيع تنزيلا له منزلة استقصاء الوصف (وأصحهما) المنع لان المبيع غير مرئى ولا يشبه استقصاء الوصف لما ذكرنا في السلم وان أدخله في البيع فعن القفال وغيره القطع بالصحة كالو رأى بعض الصبرة وعن بعض الائمة القطع بالمنع قال امام الحرمين والقياس ما قاله القفال ولا يخفى أن مسألة الانموذج انما تفرض في المتماثلات * وان كان ذلك الشئ مما لا يستدل برؤية بعضه علي الباقي نظر ان كان المرئي صوانا للباقى كقشر الرمان والبيض كفى رؤيته وان كان معظم المقصود مستورا لان صلاحه في إبقائه فبه وكذا لو اشترى الجوز واللوز في القشرة السفلي ولا يصح بيع اللب وحده فيها لا علي القول الذى يفرع عليه ولا على القول الاخر لان تسلميه لا يمكن الا بكسر القشرة وفيه تغيير عين المبيع * ولو رأى المبيع من وراء قارورة هو فيها لم يكف لان المعرفة التامة لا تحصل به ولا يتعلق صلاح بكونه فيها بخلاف السمك يراه في الماء الصافى يجوز بيعه وكذا الارض يعلوها ماء صاف لان الماء من صلاحها ولا يمنع معرفتها وان لم يكن كذلك لم تكف رؤية البعض على هذا القول (وأما) على القول الآخر ففيه كلام موضعه الفصل الذى يلى هذا الفصل * واعلم أن الرؤية في كل شئ على حسب ما يليق به ففى شراء الدار لابد من رؤية البيوت والسقوف والسطوح والجدران داخلا وخارجا ومن رؤية المستحم والبالوعة وفى البستان من روية الاشجار والجدران ومسائل الماء ولا حاجة إلى رؤية أساس البنيان وعروق الاشجار ونحوها وفى الجرجانيات لابي العباس الروياني ذكر وجهين في اشتراط رؤية طريق الدار ومجرى الماء الذى تدور به الرحا * وفى شراء العبد لابد من رؤية الوجه والاطراف ولا يجوز روية العورة وفى باقي البدن وجهان (أظهرهما) وهو المذكور في التهذيب أنه لابد من رويته وفى الجارية وجوه (أحدها) يعتبر روية ما يرى من العبد (والثانى) روية ما يبدو عند المهنة (والثالث) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 152 يكفى روية الوجه والكعبين وفى روية الشعر وجهان قال في التهذيب (أصحهما) اشتراطها ولا يشترط روية الاسنان واللسان في أصح الوجهين * وفى الدواب لابد من روية مقدمها ومؤخرها وقوائمها ويجب رفع السرج والاكاف والجل وعن بعض الاصحاب أنه لابد من أن يجرى الفرس بين يديه ليعرف سيره * والثوب المطوى لابد من نشره قال الامام ويحتمل عندي ان نصحح بيع الثياب التي لا تنشر بالكلية الا عند القطع لما في نشرها من التنقيص وتلحق بالجوز واللوز لا يعتبر كسرها لروية للبوب مع انها معظم المقصود ثم إذا نشرت فما كان صفيقا كالديباج المقش فلابد من روية كلا وجهيه وفى معناه البسط والزلالي وما كان رقيقا لا يختلف وجهاه كالكرباس يكفى روية أحد وجهيه في أصح الوجهين * ولا يصبح بيع الثياب التوزية في المسوح على هذا القول قال الامام وعموم عرف الزمان محمول على المحافظة على المالية والاعراض عن رعاية حدود الشرع * وفى شراء المصحف والكتب لابد من تقليب الاوراق وروية جميعها وفى البياض لابد من رؤية جميع الطاقات وذكر أبو الحسن العبادي أن القفاع يفتح رأسه وينظر فيه بقدر الامكان حتى يصح بيعه وصاحب الكتاب أطلق المسامحة في الاحياء فيما اظن والله أعلم * قال (وإن لم نشترط الروية فبيع اللبن في الضرع باطل (م) لتوقع اختلاطه بغير المبيع وعسر التسليم * ولو اشترى ثوبا نصفه في صندوق فالنص أنه باطل لان الروية سبب اللزوم وعدمها سبب الجواز فيتناقضان علي محل واحد لا يتبعض * ولو قال بعت ما في كمي لم يصح (و) ما لم يذكر الجنس * ومهما رأى البيع فله الخيار وله الفسخ قبل الروية دون الاجازة لان الرضا قبل حقيقة المعرفة لا يتصور وفيه وجه آخر) * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 153 أمهات مسائل الفصل أربع (إحداها) بيع اللبن في الضرع باطل وعن مالك رضي الله عنه انه إذا عرف قدر حلابها في كل دفعة صح وان باعه أياما * لنا ما روى عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهي أن يباع صوف على ظهر أو لبن في ضرع) ولانه مجهول القدر لتفاوت ثخن الضروع ولانه يزداد شيئا فشيئا لاسيما إذا أخذ في الحلب وما يحدث ليس من المبيع فلا يتأنى التمييز والتسليم * ولو قال بعتك من اللبن الذى في ضرع هذه البقرة كذا لم يجز أيضا على الصحيح لان وجود القدر المذكور في الضرع لا يستيقن وفيه وجه انه يجوز كما لو باع قدرا من اللبن في الظرف فيجى فيه قولا بيع الغائب * ولو حلب شيئا من اللبن فاراه ثم باعه مدا مما في الضرع فقد نقلوا فيه وجهين كما في مسألة الانموذج قال الامام وهذا لا ينقدح إذا كان المبيع قدرا لا يتأنى حلبه إلا ويتزايد اللبن فان المانع قائم والحالة هذه فلا ينفع إبداء الانموذج نعم لو كان المبيع يسيرا وابتدر إلى الحلب فلا يفرض والحالة هذه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 154 ازدياد شئ به مبالاة فيحتمل التجويز لكن إذا صورنا الامر هكذا فلا حاجة إلى ابداء الانموذج في التخريج علي الخلاف بل صار صائرون الي الحاقه ببيع الغائب وآخرون ختموا الباب والحقوا القليل بالكثير وصاحب الكتاب في الوسيط حكي الخلاف في صورة أخرى تناسب هذه وهي أن يقبض على قدر من الضرع ويحكم شده ويبيع ما فيه * (وقوله) في الكتاب وإن لم نشترط الروية فبيع اللبن في الضرع باطل لا يخفى ان هذا ليس تفريعا علي هذا القول خاصة بل هو علي قول إشتراط الروية أولى بان يبطل وانما ذكره عند التفريع على هذا القول ليعرف أنه وإن صح شراء ما لم ير لم يصح بيع اللبن في الضرع لمعنى الاختلاط * ونختم المسألة بصور تشبهها (إحداها) لا يجوز بيع الصوف علي ظهر الغنم لما مر من الخبر ولان مطلق اللفظ يتناول جميع ما علي ظاهر الجلد ولا يمكن استيعابه الا بايلام الحيوان وإن شرط الجز فالعادة في المقدار المجزوز تختلف وبيع المجهول لا يجوز وعن مالك رضى الله عنه أنه يجوز بشرط الجز * وحكاه القاضي بن كج وجها لبعض الاصحاب ويجوز بيع الصوف على ظهر الحيوان بعد الذكاة إذ ليس في استيفاء جميعه ايلام * وتجوز الوصية باللبن في الضرع وبالصوف على ظهر الغنم بخلاف البيع (الثانية) بيع الشاة المذبوحة قبل السلخ باطل سواء بيع اللحم وحده أو الجلد وحده أو بيعا معا لان المقصود اللحم وهو مجهول * ولا يجوز بيع الاكارع والروس قبل الابانة وفى الاكارع وجه مذكور في التتمة ويجوز بيعها بعد الابانة نية ومشوية ولا اعتبار بما عليها من الجلد فانها ماكولة كذا المسموط يجوز بيعه نيا ومشويا وفى الني احتمال عند الامام (الثالثة) بيع المسك في الفأرة باطل سواء بيع معها أو دونها كاللحم في الجلد ولافرق بين أن يكون راس الفأرة مفتوحا أولا يكون للجهل بالمقصود وفصل في التتمة إذا كانت مفتوحة فقال إن لم تتفاوت ثخانتها وشاهد المسك فيه صح البيع والا فلا وعن ابن سريج أنه يجوز بيعه مع الفارة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 155 تشبيها لها بالجوز واللوز * ولو أرى المسك خارج الفارة ثم اشتراه بعد الرد إليها صح فان كان رأسها مفتوحا فرأى أعلاه يجوز والا فعلى قولى بيع الغائب (المسألة الثانية) لو رأى بعض الثوب المبيع وبعضه الآخر في صندوق أو جراب لم يره فقد حكى المزني عن نصه أن لبيع باطل ورأى كونه مقطوعا به واحتج به لاختيار بطلان بيع الغائب وقال إذا بطل بيع ما لم ير بعضه فلان يبطل بيع ما لم ير كله كان أولى * وللاصحاب في المسألة طريقان فقال قائلون منهم أبو إسحق المسألة على قولين كما لو لم ير شيئا منه وحيث أجاب الشافعي رضي الله عنه بالبطلان أجاب على أحد القولين في بيع الغائب والاقتضاء علي أحد القولين في بعض الصور لا يستبدع ألا ترى أنه اقتصر على قول التصحيح في كثير من المواضع * وسلم اخرون منهم صاحب الافصاح أبو علي ما قرره المزني من الجزم بالبطلان وفرقوا بوجهين (أحدهما) أن ما نظر الي بعضه يسهل النظر الي باقيه بخلاف الغائب فقد يعسر احضاره وتدعوا لحاجة الي بيعه (والثاني) ان الرؤية فيما يراه سبب اللزوم وعدمها فيما لم ير سبب الجواز والعقد واحد لا يتصور اثبات الجواز واللزوم فيه معا ولا يمكن تبعيض المعقود عليه في الحكمين * قال جمهور الائمة والصحيح الطريقة الاولى والفرقان فاسدان أما الاول فلانا على قول تجويز بيع الغائب نجوز بيع مافى الكم مع سهولة إخراجه وأما الثاني فلان وجود سبب الرد في البعض يكفى في رد الكل كما إذا وجد ببعض المبيع عيبا وإذا عرفت ما ذكرناه عرفت أن ما اقتصر على ذكره في الكتاب تفريعا على هذا القول غير ما هو الصحيح عند الجمهور * هذا كله فيما إذا كان المبيع شيئا واحدا أما إذا كان المبيع شيئين ورأى أحدهما دون الآخر فان أبطلنا شراء الغائب لم يصح المبيع فيما لم يره وفيما رآه قولا تفريق الصفقه فان صححنا شراء الغائب ففى صحة العقد فيهما قولان لانه جمع في صفقة واحدة بين مختلفى الحكم لان ماراه لاخيار فيه وما لم يره يثبت فيه الخيار فان صححنا فله رد ما لم يره وإمساك ما رآه (المسألة الثالثة) إذا لم نشترط الروية فلابد من ذكر جنس المبيع بان يقول بعتك عبدى أو فرسى ولا يكفى قوله بعتك ما في كمى أو كفى أو خزانتى أو ما ورثته من أبى إذا لم يعرفه المشتري هذا ظاهر المذهب * وحكي الامام وجها أنه يصح وان لم يذكر الجنس لان المرعي على القول الذى يفرع عليه أن يكون المبيع معينا والجهالة لاتزول بذكر الجنس فلا معنى لاشتراطه فعلى هذا لا يشترط ذكر النوع بطريق الاولى وعلى قولنا أنه يشترط ذكر الجنس الجزء: 8 ¦ الصفحة: 156 فالظاهر أنه لابد من ذكر النوع أيضا بان يقول عبدى التركي أو فرسي العربي: وأوهم الامام خلافا فيه فقال لم يشترط اصحاب القفال ذلك واشترطه العراقيون * وربما أشعر قوله في الكتاب ما لم يذكر الجنس بالاكتفاء بذكر الجنس والاستغناء عن ذكر النوع أيضا وإذا جرينا علي الظاهر فلو كان له عبدان من النوع المذكور فلابد من أن يريد ما يقع به التمييز من التعرض للسن أو غيرها وإن لم يكن الا واحد فوجهان (أصحهما) وبه قال أبو حنيفة ويحكى عن نصه في الاملاء والقديم أنه يكفى ذكر الجنس والنوع ولا يجب التعرض للصفات لان الخيار ثابت والاستدراك حاصل به فلا حاجة إلى الوصف (والثاني) وبه قال مالك انه لابد من التعرض إلى الصفات وعلى هذا فوجهان (أحدهما) وبه قال أبو على الطبري أنه يشترط ذكر صفات السلم لانه مبيع غير مشاهد فاعتبر فيه التعرض للصفات كالمسلم فيه وهذا مذهب أحمد (وأقربهما) وبه قال القاضي ابو حامد أنه يكفى التعرض لمعظم الصفات وضبط ذلك بما يوصف المدعي به عند القاضى (المسألة الرابعة) إذا قلنا لابد من الوصف فوصف نظران وجده على ما وصفه ففى ثبوت الخيار وجهان (أحدهما) لا يثبت وبه قال احمد بسلامة المعقود عليه بصفاته ويحكى هذا عن القاضي الحسين (واصحهما) وبه قطع قاطعون انه يثبت لما سبق من الخبر * وان وجده دون ما وصفه فله الخيار لا محالة * وإن قلنا لا حاجة إلى الوصف فللمشتري الخيار عند الرؤية سواء شرط أو لم يشرطه وفى كتاب القاضى ابن كج ان ابا الحسين حكي عن بعض أصحابنا انه لابد من اشتراط خيار الروية حتي يثبت وهل له الخيار قبل الرؤية أما الاجازة فظاهر المذهب انها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 157 لا تنفذ لان الاجازة رضي بالعقد والزام له وذلك يستدعي العلم بالمعقود عليه وانه جاهل بحاله ولو كفى قوله اجزت العقد مع الجهل لاغني قوله في الابتداء اشتريت * وحكي في التتمة وجها انه ينفذ تخريجا من تصحيح الشرط إذا اشتري بشرط ان لا خيار (واما) الفسخ فان نفذنا الاجازة فالفسخ أولى وان لم ننفذ الاجازة ففى الفسخ وجهان (احدهما) انه لا ينفذ أيضا لان الخيار في الخبر منوط بالروية (واصحهما) انه ينفذ لان حق الفسخ ثابت له عند الروية مغبوطا كان أو مغبونا فلا معني لاشتراط الروية في نفوذه * وإذا كان البائع قد رأي المبيع فهل يثبت له الخيار كما يثبت للمشترى فيه وجهان (احدهما) نعم كخيار المجلس يشتركان فيه (واصحهما) لا وهو نصه في الصرف ولانه احد المتبايعين فلا يثبت له الخيار مع تقدم الروية كالمشترى * ولو باع ما لم يره وصححنا العقد فهل يثبت الخيار له فيه وجهان (احصهما) عند المراوزة وبه قال ابو حنيفة لا لان جانب البائع بعيد عن الخيار بخلاف جانب المشترى ولهذا لو باع شيئا على انه معيب فبان صحيحا لاخيار له ولو اشتراه على انه صحيح فبان معيبا له الخيار (والثانى) يثبت لانه جاهل بالمعقود عليه فاشبه المشترى وهذا هو الذى أورده الشيخ ابو حامد ومن تابعه قالوا والخيار كما يثبت للمشترى عند النقصان يثبت للبائع عند الزيادة الا ترى انه لو باع ثوبا على انه عشرة اذرع فبان احد عشر ذراعا يثبت للبائع الخيار * ثم خيار الروية على الفور أو يمتد امتداد مجلس الروية فيه وجهان (أحدهما) وبه قال ابن أبي هريرة أنه على الفور لانه خيار تعلق بالاطلاع على حال المبيع فاشبه الرد بالعيب (والثانى) وبه قال ابو اسحق انه يمتد امتداد مجلس الروية لانه خيار ثبت قضية للعقد فتعلق بالمجلس كخيار المجلس قال صاحب التهذيب وهذا اصح والوجهان عند الشيخ أبي محمد مبنيان على مسألة اخرى وهي انه هل يثبت خيار المجلس مع خيار الروية وفيه وجهان (احدهما) انه يثبت كما يثبت في شراء الاعيان الحاضرة (والثاني) لا يثبت الاستغناء بخيار الروية عنه فعلي الاول خيار الروية على الفور والا لاثبتنا خيار مجلسين وعلى الثاني الجزء: 8 ¦ الصفحة: 158 يمتد امتداد مجلس الروية * وزاد الامام ترتيبا فقال إن أثبتنا خيار المجلس فهذا الخيار على الفور والا فوجهان (وقوله) في الكتاب وفيه وجه آخر اراد الوجه الصائر إلى نفوذ الاجازة على ما أوضحه في الوسيط لا الوجه الصائر إلى نفوذ الفسخ وان كان اللفظ يحتملها * فرعان * (أحدهما) لو تلف المبيع في يد المشترى قبل الروية ففى انفساخ البيع وجهان كنظيره في خيار الشرط ولو باعه قبل الروية لم يصح بخلاف ما لو باع في زمن خيار الشرط يجوز علي الاصح لانه يصير مجيزا للعقود وههنا لا اجازة قبل الروية لما سبق (الثاني) نقل القاضي الرويانى وصاحب التتمة وجها انه يعتبر على قول اشتراط الروية الذوق في الخل ونحوه والشم في المسك ونحوه واللمس في الثياب ونحوها فان كيفياتها المقصودة بهذه الطرق تعرف والمشهور انها لا تعتبر وانما هي ضرب انتفاع واستعمال. (فرع ثالث) ذكر بعضهم انه لابد من ذكر موضع المبيع فلو كان في غير بلد التبايع وجب تسليمه في ذلك البلد ولا يجوز شرط تسليمه في بلد التبايع بخلاف السلم فانه مضمون في الذمة والعين الغائبة غير مضمونة في الذمة فاشتراط نقلها يكون بيعا وشرطا * (فرع رابع) قال حجة الاسلام في الوسيط وقع في الفتاوى ان رأى رجل ثوبين ثم سرق احدهما فاشترى الرجل الثوب الباقي وهو لا يدري المسروق ايهما فقلت ان تساوت صفة الثوبين وقدرهما وقيمتهما كنصفي كرباس واحد صح العقد فانه اشترى معينا مرئيا معلوما وإن اختلفا في شئ من ذلك خرج علي قولى بيع الغائب لانه ليس يدرى أن المشترى منهما الطويل أو القصير مثلا فلم تفد الرؤية السابقة العلم بحال المبيع عند العقد فلا تغني وهذا الذى ذكره يتايد باحد الرأبين فيما إذا لم يملك إلا عبدا واحدا فحضر في نفر من العبيد فقال سيده بعتك عبدى من هؤلاء والمشترى يراهم وهو لا يعرف عين ذلك العبد (فرع خامس) إذا لم نشترط الروية واختلفا فقال البائع للمشترى قد رأيت المبيع وقال المشترى ما رأيته ففيه وجهان (أحدهما) ان القول قول البائع لانه اختلاف في سبب الخيار فاشبه ما لو اختلفا في قدم العيب (وأظهرهما) عند أبى الحسن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 159 العبادي ان القول قول المشتري كما لو اختلفا في اطلاعه علي العيب * هذا إذا لم نشترط الروية فان شرطناها وفرض هذا الاختلاف فقد ذكر المصنف في فتاويه أن القول قول البائع لان للمشترى أهلية الشراء وقد أقدم عليه فكان ذلك اعترافا منه بصحة العقد ولا ينفك هذا عن الخلاف والله أعلم * قال (الباب الثاني في الفساد بجهة الربا) (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تبيعوا الذهب بالذهب والورق بالورق والبر بالبر والتمر بالمتر والشعير بالشعير والملح بالملح الا سواء بسواء عينا بعين يدا بيد) فمن باع شيئا من هذه المطعومات بجنسه فليرع المماثلة بمعيار الشرع والحلول أعنى ضد النسيئة والتقابض (ح) في المجلس فان باع بغير جنسه لم يسقط الا رعاية المماثلة في القدر وفي معني المطعومة كل ما يظهر فيه قصد الطعم وإن لم يكن مقدراحتي السفرجل (و) والزعفران (م) والطين الارمثى (م) لان علة ربا الفضل فيه الطعم (م ح) ولكن في المتجانسين وعلة تحريم النسأ ووجوب التقابض الطعم (م ح) فقط * وإذا بيع مطعوم بمطعوم فهو في محل الحكم بتحريم النسأ ووجوب التقابض * وعلة الربا في النقدين كونهما جوهرى الاثمان (ح) فتجرى في الحلى والاوانى المتخذة منهما * ولا يجوز سلم شئ في غيره إذا كانا مشتركين في علة النقدية أو في الطعم) * لما كان الطرف الاول من الكتاب معقودا في صحه البيع وفساده وقد تكلم في الباب الاول في الاركان وشروطها وجب النظر في أسباب الفساد وفساده تارة يكون لاختلال في الاركان أو في بعض شروطها وإذا عرفت اعتبارها عرفت أن فقدها مفسد وتارة يكون لغيره من الاسباب فجعل بقية أبواب الطرف في بيانها فمنها الربا قال الله تعالي * (وأحل الله البيع وحرم الربا) * وقال عزوجل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 160 (وذروا ما بقى من الربا ان كنتم مؤمنين) * وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم * (انه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده) والحديث الذى صدر به الباب بعض ما رواه الشافي رضى الله عنه في المختصر قال أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن محمد بن سيرين عن مسلم بن يسار ورجل آخر عن عبادة بن الصامت رضي الله عنهم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير ولا التمر بالتمر ولا الملح بالملح الا سواء بسواء عينا بعين يدا بيد ولكن بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير البر والتمر بالملح والملح بالتمر كيف شئتم يدا بيد) قال ونقص أحدهما التمر أو الملح وزاد الآخر فمن زاد أو استزاد فقد أربى ذكر بعض الشارحين أن الرجل الآخر الذى ابهم ذكره هو عبد الله بن عبيد الله المعروف بابن هرمز (وقوله) ونقص احدهما التمر أو الملح يعنى احد الرجلين ولم يبين الذى نقص منهما كانه شك فيه وشك أيضا في ان ما نقصه التمر أو الملح (وقوله) وزاد الآخر يعنى الذى لم ينقص * واختلفوا في قوله فمن زاد أو استزاد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 161 فمنهم من قال هذا شك آخر من الشافعي ومنهم من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قد يلفظ بهما جميعا واراد بقوله زادا عطى الزيادة وبقوله أو استزاد أخذ الزيادة أو طلبها وشبه ذلك بما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (الراشى والمرتشي في النار) واعلم أن الربا ثلاثة انواع ربا الفضل وهو زيادة أحد العوضين على الآخر في القدر * وربا النساء وهو أن يبيع مالا بمال نسيئة سمى به لاختصاص احد العوضين بزيادة الحلول * وربا اليد وهو أن يقبض احد العوضين دون الا آخر وفي الخبر ذكر ستة أشياء وهى النقد ان والمطعومات الاربعة والحكم غير مقصور عليها باتفاق جمهور العلماء لكن الربا ثبت فيها لمعنى فيلحق بها ما يشاركها فيه (فاما) الاشياء الاربعة فللشافعي رضي الله عنه قولان في علة الربا فيها (الجديد) ان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 162 العلة الطعم لما روى معمر بن عبد الله قال كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (الطعام بالطعام مثل بمثل) علق الحكم باسم الطعام والحكم المعلق بالاسم المشتق معلل بما منه الاشتقاق كالقطع المعلق باسم السارق والجلد المعلق باسم الزاني (والقديم) ان العلة فيها الطعم مع الكيل والوزن واجتجوا له بما روي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (الذهب بالذهب وزنا بوزن والبر بالبر كيلا بكيل) فعلى هذا يثبت الربا في كل مطعوم مكيل أو موزون دون ما ليس بمكيل ولا موزون كالسفرجل والرمان والبيض والجوز والاترج والنارنج * وعن الاودنى من أصحابنا انه تابع ابن سيرين في ان العلة الجنسية حتى لا يجوز بيع مال بجنسه متفاضلا * وقال مالك العلة الاقتيات فكل ما هو قوت أو يستصلح به القوت يجرى فيه الربا وقصد بالقيد الثاني أدراج الملح * وقال أبو حنيفة العلة الكيل حتى يثبت الربا في الجص والنورة وسائر المكيلات * وعن احمد روايتان (احداهما) كقول أبى حنيفة (والآخري) كقول الشافعي رضى الله عنه الجديد * وإذا عللنا بالطعم اما مع انضمام التقدير إليه أو دونه تعدى الحكم إلى كل ما يقصد ويعد للطعم غالبا إما تقوتا أو تادما أو تفكها أو غيرها فتدخل فيه الحبوب والفواكه والبقول والتوابل وغيرها ولا فرق بين ما تؤكل نادرا كالبلوط والطرثوث أو غالبا ولا بين أن يوكل وحده أو مع غيره وفي الزعفران وجهان (أصحهما) انه يجرى فيه الربا لان المقصود الاظهر من الاكل تنعما أو تداويا الا أنه يخلط بغيره (الثاني) لا يجرى لانه يقصد به الصبغ واللون غالبا وبهذا قال القاضي أبو حامد فيما حكاه ابن كج وابو حيان التوحيدي في بعض رسائله ولافرق بين ما يؤكل للتداوي كالهليلج والبليلج والسقمونيا وغيرها وبين ما يؤكل لسائر الاغراض على المذهب * وفي التتمة حكاية وجه ان ما يهلك كثيره ويستعمل قليله في الادوية كالسقمونيا لا يجرى فيه الربا (واما) الطين فالخراساني منه ليس بربوى لانه لا يعد ماكولا ويسفه آكله وعن الشيخ أبى محمد الميل إلى انه ربوي * والارمني دواء فهو كالهليلج وفيه وجه آخر انه لا ربا فيه كسائر أنواع الطين والي هذا ذهب القاضي ابن كج * وفي دهن البنفسج والورد والبان وجهان (اصحهما) ان فيها الربا فانها متخذة من السمسم اكتسبت رائحة من غيره وانما لا توكل في العادة ضنة بها وفي دهن الكتان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 163 وجهان (أظهرهما) انه ليس مال الربا لانه لا يعد للاكل ودهن السمك كذلك لانه يعد للاستصباح وتدهين السفن لا للاكل قال الامام وهذا يظهر جعله مال الربا فانه جزء من السمك * ونقل صاحب البيان وجهين في حب الكتان والزنجبيل ووجهين عن الصميرى في ماء الورد وذكر انه لا ربا في العود والمصطكي والاشبه ان ما سوى العود كله ربوي وفى كون الماء ربويا إذا فرعنا على صحة بيعه وثبوت الملك فيه وجهان (أصحهما) انه ربوي قال الشيخ أبو حامد ومن لا يجعله ربويا يقول العلة في الربوبات انها مأكولة ومن يجعله ربويا يقول العلة انها مطعومة والثانى اعم لان المأكولية لا تطلق في الماء والمطعومية تطلق قال الله تعالى (ومن لم يطعمه فانه مني) ولا ربا في الحيوان لانه لا يؤكل على هيئته نعم ما يباح أكله علي هيئته كالسمك الصغير على وجه يجرى فيه الربا هكذا قاله في التتمة * وحكي الامام عن شيخه وعن صاحب التقريب ترددا فيه وقطع بالمنع لانه لا يعد للاكل * (واما) النقدان فعن بعض الاصحاب ان الربا فيهما لعينهما لا لعلة والمشهور ان العلة فيها صلاح التنمية الغالبة وان شئت قلت جوهرية الاثمان غالبا والعبارتان تشملان التبر والمضروب والحلى والاوانى المتخذة منهما وفي تعدى الحكم إلى الفلوس إذا راجت حكاية وجه لحصول معني التنمية والاصح خلافه لانتفاء التنمية الغالبة * وقال ابو حنيفة واحمد العلة فيهما الوزن فيتعدى الحك الي كل موزون كالحديد والرصاص والقطن * لنا انه لو كانت العلة الوزن لتعدى الحكم إلى المعمول من الحديد والنحاس كما تعدى إلى المعمول من الذهب والفضة وقد سلموا انه لا يتعدى * ولو باع التبر أو المضروب بالحلى من جنسه وجب رعاية التماثل * وعن مالك رضي الله عنه انه يجوز ان يزيد ما يقابل الحلى بقدر قيمة الصنعة * إذا تقررت هذه الاصول فنقول إذا بيع مال بمال لم يخل اما ان لا يكونا ربويين أو يكونا ربويين (فاما) في الحالة الاولي وهى تتضمن ما إذا لم يكن واحد منهما ربويا وما إذا كان احدهما ربويا فلا تجب رعاية التماثل ولا الحلو ولا التقابض ولافرق في ذلك بين ان يتفق الجنس أو يختلف حتي لو اسلم ثوبا أو ثوبين أو باع حيوانا بحيوانين من جنسه جاز لما روي عن عبد الله بن عمرانه قال (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ان اشترى بعيرا ببعيرين إلى أجل) وعند ابى حنيفة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 164 لا يجوز اسلام الشئ في جنسه * وعن مالك يجوز عند التساوى ولايجوز عند التفاضل (واما) في الحالة الثانية فينظرا هذا ربوي بعلة وذاك ربوي بعلة اوهما ربويان بعلة واحدة فان اختلفت العلة لم تجب رعاية التماثل ولا الحلول ولا التقابض ومن صور هذا القسم ان يسلم احد النقدين في البر أو يبيع الشعير بالذهب نقدا أو نسيئة * وان اتفقت العلة فينظران اتحد الجنس كما لو باع الذهب بالذهب والبر بالبر ثبب فيه أنواع الربا الثلاثة فيجب رعاية التماثل والحلول والتقابض في المجلس وان اختلف الجنس لم يثبت النوع الاول ويثبت النوعان الباقيان (مثاله) إذا باع ذهبا بفضة أو برا بشعير لم تجب رعاية المماثلة ولكن تجب رعاية الحلول والتقابض قال صلى الله عليه وسلم في آخر خبر عبادة (فبيعوا كيف شئتم يدا بيد) اباح التفاضل بقوله كيف شئتم واعتبر التقابض بقوله يدا بيدا وإذا كان التقابض معتبرا كان الحلول معتبرا فانه لو جاز التأجيل لجاز تأخير التسليم إلى مضي المدة * وعند أبى حنيفة لا يشترط التقابض الا في الصرف وهو بيع النقد بالنقد وبه قال احمد في رواية * لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النقدين وغيرهما في حديث عبادة في قرن واحد ثم قال (الا يدا بيد) فسوى في اعتبار التقابض بين الذهب بالذهب والبر بالبر والله اعلم * ولنعد إلى لفظ الكتاب (قوله) فمن باع شيئا من هذه المطعومات بجنسه إلى آخره شروع منه في بيان الحكم في احد صنفي الاموال المذكورة في الخبر وهو المطعومات ثم ما يجب رعايته في هذه المطعومات يجب رعايته في سائر المطعومات كما بينه بقوله وفى معنى هذه المطعومات وكذلك في النقدين (وقوله) بمعيار الشرع يعنى الكيل والوزن علي ما سيأتي ذكره في موضعه (قوله) والتقابض في المجلس معلم بالحاء والالف لما سبق انهما لا يتعبرانه في المطعومات ويجوز ان يعلم بهما أيضا (قوله) المجلس معلم بالحاء والالف لما سبق انهما لا يعتبرانه في المطعومات ويجوزان يعلم بهما أيضا (قوله) لم يسقط الارعاية المماثلة في القدر وقوله وإن لم يكن مقدرا قصد به التعرض للقول القديم وليكن معلما بالواو لذلك القول وكذا السفر جل وكذا الزعفران والطين الارمني لما حكينا فيهما (وقوله) لان علة ربا الفضل فيها أي في المطعومات المذكورة في الخبر وغيرها (وقوله) الطعم معلم بالميم والحاء والالف لما سمعنا من مذاهبهم (وقوله) ولكن في المتجانسين معناه أن الطعم لا يوجب تحريم ربا الفضل على الاطلاق ولكن بشرط تجانس العوضين واختلفوا في ان الجنسية هل هي وصف من العلة أم لا فذهب الشيخ أبو حامد وطبقته الي انها وصف من العلة وقالوا العلة على القديم مركبة من ثلاثة أوصاف وعلى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 165 الجديد من وصفين واحترز المراوزة من هذا الاطلاق وقالوا الجنسية شرط ومنهم من قال هي محل عمل العلة كالاحصان بالاضافة إلى الزنا وبهذا يشعر قوله في الكتاب ولكن في المتجانسين واحتج هؤلاء بانها لو كانت وصفا لافادت تحريم النسأ بمجردها كما أفاد الوصف الآخر وهو الطعم تحريم النساء بمجرده وليس كذلك فان الجنس بانفراده لا يحرم النسأ * وللاولين أن يمنعوا افادة ما هو وصف لعله ربا الفضل تحريم النسأ ويقولوا قد يفيده وقد لا يفيده وليس تحت هذا الاختلاف كثير طائل (وقوله) وعلة تحريم النسأ ووجوب التقابض الطعم فقط أي من غير اشتراط التجانس ويجوز اعلامه بالحاء والالف لما سبق (واعلم) ان تحريم النسأ ووجوب التقابض يتلازمان وينحي بكل واحد منهما نحو الاخر وقد نرى الائمة لما بينهما من التقارب يستغنون بذكر أحدهما عن الاخر (وقوله) فإذا بيع مطعوم بمطعون فهو في محل الحكم بتحريم النسأ ووجوب التقابض أي سواء تجانسا أم لا وهو مذكور للتأكيد والايضاح والا ففى قوله وعلة تحريم النسأ الي آخره ما يفيده (وقوله) وعلة الربا في النقدين كونهما جوهري الاثمان معلم بالحاء والالف والواو أيضا للوجه الصائر إلى أن الحكم فيهما غير معلل ثم لابد من افادتها حرمة التفاضل من الجنسية اما شرطا أو وصفا كما سبق ومجرد النقدية في افادة تحريم النسا ووجوب التقابض كمجرد الطعم فلذلك قال ولا يجوز سلم شئ في غيره إذا كانا مشتركين في علة النقدية أو الطعمية فان في السلم يفقد التقابض وكذا الحلول غالبا (وقوله) أو الطعم مكرر ذكره مرة في قوله وعلة تحريم النسا إلى آخره واخرى في قوله فإذا بيع مطعوم بمطعوم إلى آخره وهذه مرة ثالثة وقد تورث المبالغة في الايضاح اشكالا * (فرع) حيث اعتبر التقابض فلو تفرقا قبل التقابض بطل العقد ولو تقابضا بعض كل واحد من العوضين ثم تفرقا بطل في غير المقبوض وفى المقبوض قولا تفريق الصفقة * والخاير في المجلس قبل التقابض بمثابة التفرق يبطل العقد خلافا لابن سريج * ولو وكل احدهما وكيلا بالقبض وقبض قبل مفارقة الموكل مجلس العقد جاز وان قبض بعده فلا (آخر) بيع مال الربا بجنسه مع زيادة لا يجوز الا بتوسط عقد آخر (مثاله) إذا اراد بيع دراهم أو دنانير صحاحا بمكسرة أكثر من وزنها يبيع الدراهم بالدنانير والدنانير بالدراهم أو بعرض ثم إذا تقابضا وتفرقا أو تخايرا اشترى بالدراهم أو بذلك العرض المكسرة كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل خيبر ان يبيع الجمع بالدراهم ثم يبتاع بها جنيبا) والجنيب اجود الجزء: 8 ¦ الصفحة: 166 التمر والجمع كل لون من التمر لايعرف له اسم ولافرق بين أن يتخذ ذلك عادة أولا يتخذه عادة خلافا لمالك حيث قال يجوز مرة واحدة ولايجوز ان يتخذه عادة * ولو اشترى المكسرة بعرض ماله قبل أن يقبضه لم يجز وإن اشتراها به بعد قبضه وقبل التفرق والتخاير قال ابن سريج وغيره يجوز وهو الاصح بخلاف مالو باعه من غير بائعه قبل التفرق والتخاير حيث لا يجوز لما فيه من اسقاط خيار العاقد الآخر وههنا يحصل بما يجرى بينهما اجازة العقد الاول * وعن صاحب التقريب انه مبنى على الخلاف في الملك في زمن الخيار فان قلنا انه يمنع انتقال الملك لم يجز لانه باع ما لم يملكه * فهذا وجه من الحيلة ووجه ثان وهو ان يقرض الصحاح من الاخر ويستقرض منه المكسرة ثم يبرئ كل واحد منهما صاحبه * ووجه ثالث وهو ان يهب كل واحد منهما ماله من الاخر * ووجه رابع وهو ان يبيع الصحاح بمثل وزنها من المكسرة ويهب صاحب المكسرة الزيادة منه فيجوز جميع ذلك إذا لم نشرط في اقراضه وهبته وبيعه ما يفعل الاخر * ولو باع النصف الشائع من دينار قيمته عشرة دراهم بخمسة جاز ويسلم إليه الكل ليحصل تسليم النصف ويكون النصف الاخر امانة في يده بخلاف ما لو كان له عشرة علي غيره فأعطاه عشرة عددا فوزنت فكانت احدى عشر دينارا كان الدينار الفاضل للمقبوض منه على الاشاعة ويكون مضمونا عليه لانه قبض لنفسه * ثم إذا سلم الدراهم الخمسه فله ان يستقرضها ويشترى بها النصف الاخر فيكون جميع الدينار له وعليه خمسة دراهم * ولو باع الكل بعشرة وليس مع المشترى الا خمسة فدفعها إليه واستقرض منه خمسة اخرى وردها إليه عن الثمن جاز * ولو استقرض الخمسة المدفوعة فوجهان اصحهما الجواز * قال (ثم النظر في اطراف (أولها) طرف المماثلة فما كان مكيلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز فيه الكيل وما كان موزونا فبالوزن وما لم يثبت فيه نقل فالوزن فيه أخصر (ح) وقيل الكيل جائز لانه اعم وقيل ينظر إلى عادة الوقت (و) ومالا يقدر كالبطيخ (و) فلا خلاص فيه عن الربا الا ماله حالة جفاف وهي حالة كماله فيوزن * والجهل حال العقد بالمماثلة كحقيقة المفاضلة فلا يصح بيع صبرة جزافا وإن خرجتا متماثلتين) * قد مر في الفصل السابق ان المماثلة بمعيار الشرع مرعية وان الحكم يختلف بين أن يكون الربويان متجانسين وبين لا يكونا متجانسين وذلك يحوج إلى بيان معيار الشرع والى بيان أنها في أي حالة تعتبر والى معرفة التجانس في مظان الاشكال فعقد فيها ثلاثة أطراف من الكلام (أحدها) في طرق الماثلة اعلم أن معيار الشرع الذى تراعى به المماثلة هو الكيل والوزن فالمكيل لا يجوز الجزء: 8 ¦ الصفحة: 167 بيع بعضه ببعض وزنا ولا يضر مع الاستواء في الكيل التفاوت في الوزن * والموزن لا يجوز بيع بعضه ببعض كيلا ولا يضر مع الاستواء في الوزن التفاوت في الكيل روى انه صلى الله عليه وسلم قال (الذهب بالذهب وزنا بوزن والحنطة بالحنطة كيلا بكيل) والنقدان من الاشياء الستة المذكورة في خبر عبادة موزونا والاربعة المطعومة مكيلة نعم لو كان الملح قطعا كبارا ففيه وجهان (أحدهما) أنه يسحق ويباع كيلا فانه الاصل فيه (وأظهرهما) أنه يباع وزنا نظرا الي ماله من الهيئة في الحال وكذا كل شئ يتجافى في الكيل يباع بعضه ببعض وزنا * وكل ما كان مكيلا بالحجاز على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمعتبر فيه الكيل وكل ما كان موزونا فالمعتبر فيه الوزن ولو احدث الناس خلاف ذلك فلا اعتبار به * وعن أبى حنيفة أنه يعتبر فيه غالب عادات البلدان رواه صاحب التهذيب * وما لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كان ولكن لا يعلم انه كان يكال أو يوزن أو علم انه يكال مرة وبوزن أخرى ولم يكن أحدهما أغلب فقد ذكر المتولي انه ان كان أكبر جرما من التمر فالاعتبار فيه بالوزن لانه لم يعهد الكيل بالحجاز فيما هو اكبر من التمر وان كان مثله أو أصغر منه ففيه وجوه (أحدها) أن المعتبر فيه الوزن لانه أحصر وأقل تفاوتا (والثانى) الكيل لانه أعم فان اكثر الاشياء السته المذكورة في الحديث مكيل وأيضا فان أغلب المطعومات في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مكيلا (والثالث) وهو الاشبه أنه ينظر إلي عادة الوقت لان الشئ إذا لم يكن محدودا في الشرع كان الرجوع فيه إلى عادة الناس كما في القبض والحرز وعلى هذا فالمعتبر أية بلدة عن الشيخ أبى حامد وغيره ان المعتبر عادة اكثر البلاد فان اختلفت عاداتها ولا غالب اعتبر ذلك الشئ باشبه الاشياء به * وذكر صاحب المهذب والتهذيب ان النظر إلى عادة بلد البيع هو الاحسن (والوجه الرابع) انه يعتبر بأقرب الاشياء شبهابه كما إذا شككنا في الحيوان انه مستطاب أو مستخبث نلحقه باقرب الاشياء شبها به (والخامس) حكاه الامام عن شيخه انه تثبت الخيرة بين الكيل والوزن * ثم منهم من خصص هذا الخلاف بما إذا لم يكن للشئ أصل معلوم المعيار أما إذا استخرج من اصل هذا حاله فهو معتبر باصله (منهم) من اطلق ومما أفاده الامام في هذا الموضع أنه لا فرق بين المكيال المعتاد في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر المكاييل المحدثة بعده كما انا إذا عرفنا التساوي بالتعديل في كفتى الميزان نكتفي به وان لم نعرف قدر ما في كل كفة * وفى الكيل بالقصعة ونحوها مما لا يعتاد الكيل به حكاية تردد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 168 عن القفال والظاهر الجواز والوزن بالطيار والقرسطون وزن * وقد يتأتي الوزن بالماء بأن يوضع الشئ في ظرف ويلقى على الماء وينظر إلى مقدار غوصه لكنه ليس وزنا شرعيا ولا عرفيا والظاهر أنه لا يجوز التعويل في الربويات عليه والله أعلم * هذا كله في الشئ المقدر يباع بجنسه (فاما) ما لا يقدر بكيل ووزن كالبطيخ والقثاء والرمان والسفرجل (فان قلنا) مثل هذا لاربا فيه جاز بيع بعضه ببعض كيف شاء حتي قال القفال لو جفف شئ منها وكان يوزن في جفافه لم يجز فيه الربا أيضا لان اكمل احواله حال الرطوبة وهو ليس مال ربا في تلك الحالة * قال الامام والظاهر خلاف هذا فانه في حال الجفاف مطعوم مقدر (وان قلنا) فيه الربا وهو القول الجديد وكلام الكتاب مفرع عليه فيجوز بيعه بغير جنسه كيف شاء (وأما) بجنسه فينظر ان كان مما لا يجفف كالبطيخ الذى تفلق وحب الرمان الحامض فلا يجوز بيع بعضه ببعض في حال الرطوبة كبيع الرطب بالرطب ويجوز في حالة الجفاف بشرط التساوى وهذا حكم كل ما يجفف من الثمار وان كان مقدرا كالمشمش والخوخ والكمثرى الذى تفلق * وحكى الامام وجها أنه لا يجوز بيعها في حالة الجفاف ايضا بجنسها إذ ليس يتقرر لها حالة كمال * وان كان مما لا تجفف كالقثاء ونحوه فهل يجوز بيع بعضها ببعض في حال الرطوبة فيه قولان وكذا في المقدرات التى لا تجفف كالرطب الذى لا يتمر والعنب الذى لا يتزبب (أصحهما) المنع كبيع الرطب بالرطب (والثانى) الجواز لان معظم منافع هذه الاشياء في رطوبتها فبيع بعضها ببعض كبيع اللبن باللبن فعلى هذا ان لم يمكن كيله كالبطيخ والقثاء بيع وزنا وان أمكن كالتفاح والتين فيباع وزنا أو كيلا وجهان أصحهما اولهما لان الوزن أخصر ولا بأس على الوجهين بتفاوت العدد * إذا عرفت طريق المماثلة في الباب فمن فروعه ان يريد شريكان في شئ من مال الربا قسمته بينهما فهو مبني على أن القسمة بيع أو افراز (فان قلنا) بالاول وهو الاصح فلا يجوز قسمة المكيل بالوزن ولا قسمة الموزون بالكيل * وما لا يباع بعضه ببعض كالعنب والرطب فلا يقسم أيضا (وان قلنا) بالثاني جاز قسمة المكيل بالوزن وبالعكس ويجوز قسمة الرطب ونحوه بالوزن * ولا يجوز قسمة الثمار بالخرص على رؤس الاشجار ان قلنا انها بيع (وان قلنا) افراز فقد حكى الشيخ ابو حامد عن نصه الجواز في الرطب والعنب لان للخرص مدخلا فيهما دون سائر الثمار ومنهم من أطلق المنع * ومن فروعه انه لا يجوز بيع مال الربا بجنسه جزافا ولا بالتخمين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 169 والتحرى خلافا لمالك حيث اكتفى في المكيلات بالتحري إذا كانا في بادية * فلو باع صبرة من الحنطة بصبرة أو دراهم بدراهم جزافا أو بالتخمين لم يجز سواء خرجتا متماثلتين أم لا أما إذا ظهر التفاضل فظاهر وأما إذا لم يظهر فاحتجوا له بان التساوى شرط وشرط العقد يعتبر العلم به عند العقد * ألا ترى انه لو نكح امرأة لا يدرى أهى معتدة أم لا أو هي اخته من الرضاع ام لا لا يصح النكاح * ولا فرق بين أن يجهل كلتا الصبرتين أو احديهما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلها بالكيل المسمى من التمر) ولو قال بعتك هذه الصبرة بتلك الصبرة مكايلة أو كيلا بكيل أو هذه الدراهم بتلك موازنة أو وزنا بوزن فان كالا أو وزنا وخرجتا متساويتين صح العقد والا فقولان قال في التهذيب (أصحهما) البطلان لانه قابل الجملة بالجملة وهما متفاوتتان (والثانى) انه يصح في الكبيرة بقدر ما يقابل الصغيرة لمقابلته صاعا بصاع ولمشتريها الخيار إذا لم يسلم له جميعها وحيث قلنا بالصحة فلو تفرقا بعد تقابض الجملتين وقبل الكيل والوزن فهل يبطل العقد فيه وجهان (أصحهما) لا لوجود التقابض في المجلس (والثانى) نعم لبقاء العلقة بينهما * ولو قال بعتك هذه الصبرة بكيلها من صبرتك وصبرته صغيرة وصبرة المخاطب كبيرة صح لحصول المماثلة بين العوضين ثم ان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 170 كالا في المجلس وتقابضا تم العقد وما زاد من الكبيرة لصاحبها وان تقابضا الجملتين وتفرقا قبل الكيل فعلى ما سبق من الوجهين * ولو باع صبرة حنطة بصبرة شعير جزافا جاز ولو باعها بها صاعا بصاع أو بصاعين فالحكم كما لو كانتا من جنس واحد (وقوله) في الكتاب وما لم يثبت فيه نقل فالوزن أخصر أي فيتعين ذلك وايراد الكتاب يقتضى ترجيح هذا الوجه (قوله) وقيل الكيل جائز ظاهره يقتضى تجويز الكيل مع تجويز الوزن وحينئذ يكون هذا الوجه وجه التخيير لكنه لم يرد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 171 ذلك وانما أراد وجة تعيين الكيل وذلك بين من التوجيه (وقوله) وما لا يقدر كالبطيخ فلا خلاص فيه عن الربا الي آخره جواب على القول المانع من بيع بعضه ببعض في حالة الرطوبة وليكن معلما بالواو للقول الآخر (وقوله) فيوزن يجوز اعلامه بالواو لان المعنى فيباع وزنا * وقد حكينا وجها انه لا يباع في حالة الجفاف ايضا * قال (ولا يصح بيع الهروي (ح) بالهروي ولا باحد التبرين علي الخلوص ولا بيع مد ودرهم (ح) بمد ودرهم لان حقيقة المماثلة غير معلومة * ولو راطل مائتي دينار وسط بمائة دينار عتق ومائة دينار ردئ لم يجز لان ما في أحد الجانبين إذا وزع على ما في الجانب الثاني باعتبار القيمة أفضي الي المفاضلة إذ لا تعلم المفاضلة إلا بتقدير القيمة والتقويم تخمين وجهل لا يفيد معرفة في الربا فمهما اشتملت الصفقة على مال الربا من الجانبين واختلف الجنس في احد الجانبين أو في واختلف النوع فالبيع باطل) * (مقصود الفصل بيان القاعدة المعروفة بمد عجوة ثم يتصل بها ما يناسبها والقدر الذى تشترك فيه مسائل الفصل أن تشمتل الصفقة على مال الربا من الجانبين ويختلف مع ذلك أحد العوضين أو كلاهما جنسا أو نوعا اوصفة ثم لا يحلو إما أن يكون مال الربا من الجانبين من جنس واحد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 172 أو من جنسين (القسم الاول) أن يكون مال الربا من الجانبين من جنس واحد وفيه تقع القاعدة المقصودة فمن صوره أن يختلف الجنس من الطرفين أو من احدهما كما إذا باع مد عجوة ودرهما بمد عجوة ودرهم أو بمدى عجوة أو بدرهمين أو باع صاع حنطة وصاع شعير بصاع حنطة وصاع شعير أو بصاعي حنطة أو صاعي شعير ومن صوره ان يختلف النوع والصفة من الطرفين أو احدهما كما إذا باع مد عجوة ومد صبحانى بمدى عجوة أو بمدى صبحانى أو بمد عجوة ومد صحابي أو باع مائة دينار جيد ومائة دينار ردئ بماتي دينار جيد أو ردئ أو وسط أو مائة جيدة ومائة رديئة فلا يصح البيع في شئ من هذه الصور ونظائرها لما روى عن فضالة بن عبيد قال (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب تباع فامر النبي صلى الله عليه وسلم بالذهب الذى في القلادة فنزع وحده ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب وزنا بوزن) ويروى انه قال (لا يباع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 173 مثل هذا حتى يفصل ويميز) والمعنى ان قضية العقد إذا اشتمل أحد طرفيه على مالين مختلفين وزع مثل هذا حتى يفصل ويميز) والمعنى ان قضية العقد إذا اشتمل أحد طرفيه علي مالين مختلفين وزع مال الطرف الآخر عليهما باعتبار القيمة وذلك يوجب المفاضلة أو الجهل بالمماثلة أما ان قضيته ما ذكرنا فلانه لو باع شقصا من عقار وسيفا بالف وزع عليهما الالف باعتبار القيمة حتى إذا كانت قيمة الشقص مائة وقيمة السيف خمسين يأخذ الشفيع الشقص بثلثي الالف وايضا فلو اشترى شيئين بالف فوجد باحدهما عيبا وأراد رده وحده بالعيب يرده بما يخصه من الالف إذا وزع عليهما باعتبار قيمتهما وكذلك لو خرج أحدهما مستحقا وأجاز البيع في الآخر يجيزه بما يخصه من الالف باعتبار القيمة (وأما) انه يلزم منه أحد الامرين فلانه إذا باع مدا ودرهما بمدين فاما ان تكون قيمة المد الذى هو مع الدرهم اكثر من درهم أو اقل أو درهما فان كان اكثر مثل ان يكون قيمته درهمين فيكون المد ثلثى ما في هذا الطرف فيقابله ثلثا المدين من الطرف الآخر فيصير كأنه قابل مدا بمد وثلث وان كان أقل مثل أن يكون قيمته نصف درهم فيكون المد ثلث ما في هذا الطرف فيقابله ثلث المدين من الطرف الآخر فيصير كأنه قابل مدا بثلثي مد * وان كان قيمته درهما فلا تظهر المفاضلة والحالة هذه لكن المماثلة فيها تستند إلى التقويم والتقويم تخمين قد يكون صوابا وقد يكون خطأ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 174 والمماثلة المعتبرة في الربا هي المماثلة الحقيقية وهذه الطريقة مطردة فيما إذا باع مدا ودرهما بمد ودرهم لان المدين من الجانبين ان اختلفت قيمتهما مثل ان كان مد زيد يساوى درهمين ومد عمر ويساوى درهما فمد زيد ثلثا ما في هذا الطرف يقابله من الطرف الآخر ثلثا مد وثلثا درهم ويبقى ثلث مد وثلث درهم في مقابلة درهم فإذا وزعنا صار ثلث مد في مقابلة نصف درهم لان قيمة مد عمرو درهم وثلث درهم في مقابلة نصف درهم فتظهر المفاضلة * وان لم تختلف قيمتهما لم تظهر المفاضلة لكن المماثلة تخمين على ما مر * واعترض الامام على هذه الطريقة بان العقد لا يقتضي في وضعه توزيعا مفصلا بل مقتضاه مقابلة الجملة بالجملة أو مقابلة الجزء الشائع مما في أحد الشقين بمثله مما في الشق الآخر بان يقابل ثلث المد وثلث الدرهم بما يقابل ثلث المدين يعنى إذا باع مدا ودرهمان بمدين ولا ضرورة إلى تكلف توزيع يؤدى إلى التفاضل وانما يصار إلى التوزيع المفضل في مسألة الشفعة لضرورة الشفعة قال والمعتمد عندي في التعليل انا تعبدنا بالمماثلة تحقيقا * إذا باع مدا ودرهما بمدين لم تتحقق المماثلة فيفسد العقد * ولناصريها ان يقولوا أليس قد ثبت التوزيع المفصل في مسألة الشفعة ولولا كونه قضية للعقد لكان ضم السيف الي الشقص من الاسباب الدافعة للشعفة فانها قد تندفع باسباب وعوارض وأما قوله انا تعبدنا بتحقيق المماثلة فللخصم ان يقول تعبدنا بتحقيق المماثلة فيما إذا تمحضت مقابلة شئ منها بجنسه أو على الاطلاق ان قلت بالثاني فممنوع وإن قلت بالاول فمسلم لكنه ليس صورة المسألة فهذا نقل المذهب المشهور وتوجيهه * ومن الاصحاب من صحح العقد فيما إذا باع مد عجوة ودرهما بمد عجوة ودرهم والدرهمان من ضرب واحد والمدان من شجرة واحدة وفيما إذا باع صاع حنطة وصاع شعير بمثلهما وصاعا الحنطة من صبرة واحدة وصاعا الشعير كذلك للعلم باتحاد القيمة * ويحكى هذا عن القاضي ابى الطيب الطبري والقاضى الحسين وذكر الروياني في البحر انه المذهب وغلط من قال غيره * ومن صور هذا الاصل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 175 أن يبيع دينارا صحيحا ودينارا مكسرا بدينار صحيح وآخر مكسر أو بصحيحين أو بمكسرين إذا كانت قيمة المكسر دون قيمة الصحيح * وعن صاحب التقريب حكاية وجه ان صفة الصحة في محل المسامحة * ثم الائمة اطلقوا القول بالبطلان في حكايتهم عن المذهب المشهو وذكر ابو سعيد المتولي انه إذا باع مداو درهما بمدين يبطلان القعد في المد المضموم إلى الدرهم وفيما يقابله من المدين وهل يبطل في الدرهم وما يقابله من المدين فيه قولا تفريق الصفقة وعلى هذا قياس ما لو باعهما بدرهمين أو باع صاع حنطة وصاع شعير بصاعي حنطة أو صاعي شعير ويمكن ان يكون كلام من أطلق محمولا على ما فصله * ولو كان الجيد مخلوطا بالردئ فباع صاعا منه بمثله أو بجيد أو ردئ حازلان التوزيع انما يكون عند تمييز أحد العوضين بالآخر أما إذا لم يتميز فهو كما لو باع صاعا وسطا بجيد وردئ * (واعلم) أن صورة البطلان مفروضة فيما إذا قابل جملة ما في أحد الطرفين بجملة ما في الطرف الآخر (وأما) عند التفصيل كما إذا تبايعا مد عجوة ودرهم بمد ودرهم وجعلا المد في مقابلة المد والدرهم في مقابلة الدرهم اوجعلا المد في مقابله الدرهم أو الدرهم في مقابلة المد فيجوز ذلك بمثابة صنفين متباينين * (القسم الثاني) ولم يذكره في الكتاب أن يكون مال الربا من الطرفين من جنسين وفى الطرفين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 176 أو أحدهما شيئا آخر فينظر ان اختلف العوضان في علة الربا فيجوز كما إذا باع دينارا أو درهما بصاع حنطة أو صاع شعير * وإن اتفقا فان كان التقابض شرطا في جميع العوض جاز أيضا كما لو باع صاع حنطة وصاع شعير بصاعي تمر أو صاع تمر وصاع ملح وان كان التقابض شرطا في البعض كما لو باع صاع حنطة ودرهما بصاعي شعير ففيه قولا الجمع بين مختلفى الحكم لان ما يقابل الدرهم من الشعير لا يشترط فيه التقابض وما يقابل الحنطة منه يشترط فيه التقابض (وأما) لفظ الكتاب فقوله ولا يصح بيع الهروي بالهروي الهروي نقد فيه ذهب وفضة فيبيع بعضه ببعض بيع ذهب وفضة بذهب وفضة (وقوله) لان حقيقة المماثلة غير معلومة وجهه ما ذكرناه في مسألة المراطلة من بعد (وقوله) ولا يصح بيع الهروي معلم بالحاء وكذا قوله في مسألة المراطلة لم يجز لان عند ابي حنيفة يصح البيع فيهما وفى جميع الصور التى ذكرناها حتى قال لو باع قرطاسا ودينارا فيه بمائة دينار يصح (وقوله) لم يجز معلم بالالف ايضا لان عند أحمد لا يضر اختلاف النوع والصفة بعد اتحاد الجنس وبالواو لان صاحب البيان حكى عن اصحابنا مثله وايضا فان الامام رأى الصحة في مسألة المراطلة * هذا مع تنصيصه علي أنه رأى رآه خارج عن مذهب الشافعي واصحابه (وقوله) تخمين وجهل أراد بالجهل ههنا عدم العلم وإلا فالجهل معناه المشهور هو الجزم بكون الشئ على خلاف ما هو عليه ضد الظن والتخمين فلا يكون الشئ تخمينا وجهلا بذلك المعني (وقوله) فمهما اشتملت الصفقة إلى آخره محمول على الجنس الواحد وتقديره مهما اشتملت الصفقة على جنس واحد من أموال الربا وإلا انتقض الضابط بما إذا باع ذهبا وفضة بحنطة أو بحنطة وشعير وبما إذا باع حنطة وشعيرا بتمر أو بتمر وملح * ثم لنختم الفصل بسرد صور فنقول إذا باع صاع حنطة بصاع حنطة وفيهما أو في أحدهما فضل وهو عقد التبن أو زوان وهو حب أسود رقيق يكون في الحنطة لم يجز لانه يأخذ شيئا في المكيال فان كان في أحدهما لزم التفاضل وان كان فيهما لزم الجهل بالتماثل وكذا لو كان فيهما أو في أحدهما مدر أو حبات شعير * وضبط الامام المنع بان يكون الخليط قدرا لو ميز بان علي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 177 المكيال (فاما) مالا يبين على المكيال إذا ميز فلا مبالاة به * وان كان فيهما أو في احدهما دقاق بين أو قليل تراب لم يضر لان ذلك لم يدخل في تضاعف الحنطة ولا يظهر في المكيال بخلاف ما إذا باع موزونا بجنسه وفيهما أو في احدهما قليل تراب حيث لا يجوز لانه يؤثر في الوزن كم كان * ولو باع حنطة بعشير وفى كل واحد منهما أو أحدهما حبات من الآخر يسيرة صح البيع وان كثرت فلا قال الامام وليس المعتبر كونه بحيث يؤثر في المكيال ولا كونه متمولا (أما) التأثير في المكيال فلان المماثلة غير مرعية عند اختلاف الجنس (وأما) التمول فلانه مفردا غير مقصود فالمعتبر أن يكون الشعير الذى خالطته الحنطة قدرا يقصد تمييزه ليستعمل شعيرا وكذا بالعكس * ولو باع دارا بذهب فظهر فيها معدن الذهب فهل يصح البيع فيه وجهان (أحدهما) لا كبيع دار موهت بالذهب تمويها يحصل منها شئ يذهب (وأصحهما) نعم لانه بائع بالاضافة إلى مقصود الدار * ولو باع * دارا فيها بئر ماء بماء وفرعنا علي أن الماء ربوي ففى صحة البيع وجهان (أصحهما) الصحة لما ذكرنا من معنى التبعية * قال (الطرف الثاني في الحالة التي تعتبر فيها المماثلة وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر فقال أينقص الرطب إذا جف فقيل نعم فقال صلى الله عليه وسلم فلا إذن فنبه على ان المماثلة تراعي حالة الجفاف وهو حال كمال الشئ ولا خلاص في المماثلة قبله فلا يجوز بيع الرطب بالرطب (م ح ز) ولا بالتمر وكذا العنب (ح) وكل فاكهة (و) كمالها في جفافها وهو حالة الادخار) أموال الربا تنقسم إلى ما يتغير من حال إلى حال وإلى ما لا يتغير والتى تتغير منها تعتبر المماثلة في بيع الجنس بالجنس منها في أكمل أحوالها فمن المتغيرات الفواكه فتعتبر المماثلة في المتجانسين منها حالة الجفاف ولا يغنى التماثل في غير تلك الحالة روى عن سعد بن أبى وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال (اينقص الرطب إذا يبس قالوا نعم قال فلا إذن) ويروى (فنهى عن ذلك) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 178 أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (اينقص الرطب إذا يبس) إلى أن المماثلة عند الجفاف تعتبر ونبه به على علة فساد بيع الرطب بالتمر والا فنقصان الرطب إذا جف أوضح من أن يبحث أو يسأل عنه * إذا تقرر ذلك فلا يجوز بيع الرطب بالتمر ولا بالرطب (أما) بالتمر فليقين التفاوت عند الجفاف (وأما) بالرطب فللجهل بالمماثلة لانه لايعرف قدر النقصان منهما وقد يكون قدر الناقص من أحدهما أكثر من الآخر وكذا لا يجوز بيع العنب بالعنب وبالزبيب وكذا كل ثمرة لها حالة الجفاف كالتين والمشمش والخوخ والبطيخ والكمثرى الذين يفلقان والآجاص والرمان الحامض لا يباع رطبها برطبها ولا بيابسها ويجوز بيع الحديث بالعتيق الا أن تبقى النداوة في الحديث بحيث يظهر أثر زوالها في المكيال (وأما) ما ليس له حالة جفاف كالعنب الذي لا يتزبب والرطب الذى لا يتتمر والبطيخ والكمثرى الذين لا يفلقان والرمان الحلو والباذنجان والقرع والبقول ففى بيع بعضها ببعض قولان ذكرناهما من قبل * وعند أبي حنيفة يجوز بيع الرطب بالتمر وبالرطب وكذا في نظائره وساعدنا مالك وأحمد علي منع بيع الرطب بالتمر وساعدا أبا حنيفة على تجويز بيع الرطب بالرطب وبه قال المزني ويستثني عن بيع الرطب بالتمر صورة العرايا وهى مذكورة من بعد (قوله) وكذا كل فاكهة كمالها في جفافها يجوز اعلامه بالواو لان الامام حكي وجها في المشمش والخوخ وما لا يعم تجفيفه عموم تجفيف الرطب انه يجوز بيع بعضها ببعض في حال الرطوبة لان رطوبتها اكمل احوالها والتجفيف في حكم النادر (وأما) ما أجراه من لفظ الادخار فان طائفة من الاصحاب ذكروه وآخرون أعرضوا عنه ولا شك انه غير معتبر لحالة التماثل في جميع الربويات ألا ترى أن اللبن لا يدخر ويباع بعضه ببعض فمن أعرض عنه فذاك ومن أطلقه أراد اعتباره في الفواكه والحبوب لا في جميع الربويات فاعرف ذلك * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 179 قال (وادخار الحب إذا بقى حبا فلا يدخر الدقيق (ح م و) وما يتخذ منه ولا الحنطة المقلية والمبلولة * ويدخر السمسم والدهن والزبيب والخل * وكمال منفعة اللبن أن يكون لبنا أو سمنا أو مخيضا دون ما عداه من سائر أحواله وكذا كل معروض على النار من دبس أو لحم فلا كمال فيه وما عرض للتمييز كالعسل فهو على الكمال وإذا نزع النوى من التمر بطل (و) كماله بخلاف العظم إذا نزع من اللحم إذ ليس في إبقائه صلاح لادخاره) في الفصل مسائل (احدهما) للحنطة ونحوها من الحبوب حالتان (احدهما) ما قبل التنقية من القشر والتبن وسيأتى حكم بيعها فيهما (والثانية) ما بعدها فيجوز بيع بعضها ببعض ما بقيت على هيئتها بشرط تناهى جفافها فإذا بطلت تلك الهيئة فقد خرجت عن حالة الكمال فلا يجوز بيع الحنطة بشئ مما يتخذ منها من المطعومات كالدقيق والسويق والخبز والنشا ولا بما فيه شئ مما يتخذ من الحنطة كالمصل ففيه الدقيق والفالوذج ففيه النشا * وكذا لا يجوز بيع هذه الاشياء بعضها ببعض لخروجها عن حالة الكمال وعدم العلم بالمماثلة ولو كان العوضان على حالة الكمال هذا ما يفتي به من المذهب * ونقل الحسين وهو المعروف بالكرابيسى عن أبى عبد الله تجويز بيع الحنطة بالدقيق فمنهم من جعله قولا آخر للشافعي رضي الله عنه وبه قال ابو الطيب بن سلمة ووجهوه بأن الدقيق نفس الحنطة الا أن أجزاءها تفرقت فاشبه بيع حنطة صغيرة الحبات بحنطة كبيرة الحبات وعلى هذا فالمعيار الكيل (ومنهم) من لم يثبته قولا وقال أراد بابي عبد الله مالكا رضي الله عنه واحمد * وجعل الامام منقول الكرابيسي شيئا آخر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 180 وهو أن الدقيق مع الحنطة جنسان حتى يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا ويشبه أن يكون هو منفردا بهذه الرواية * وحكى البويطي والمزنى في المنثور قولا انه يجوز بيع الدقيق بالدقيق وان امتنع بيعه بالحنطة كما يجوز بيع الدهن بالدهن وان امتنع بيعه بالسمسم * وفى بيع الخبز الجاف المدقوق بمثله قول انه يجوز لامكان كيله والا من من التفاضل فيه وهذا رواه الشيخ ابو حامد والعراقيون عن رواية حرملة والشيخ ابو عاصم العبادي وآخرون عن رواية ابن مقلاص * ورد الامام رواية ابن مقلاص إلى شئ آخر وهو تجويز بيع الحنطة بالسويق وجعلهما جنسين * وقال مالك رضى الله عنه يجوز بيع الحنطة بالدقيق وبه قال أحمد في أظهر الروايتين الا أن مالكا يعتبر الكيل وأحمد يجوز الكيل والوزن * وقال أبو حنيفة يجوز بيع الدقيق بالدقيق بشرط تساويهما في النعومة والخشونة ولا يجوز بيع الحنطة المقلية بالمقلية ولا بغيرها لتغيرها عن هيئتها واختلاف الحبات في التأثر بالنار ولا بيع الحنطة المبلولة بالمبلولة ولا بغيرها لما في المبلولة من الانتفاخ والتجافى فان جفت لم يجز ايضا لتفاوت جنسها عند الجفاف وإذا منع مجرد البل بيع البعض بالبعض فالتى نحيت قشرتها بعد البل بالتهريس أولى أن لا يباع بعضها ببعض * قال الامام وفى الجاروس عندي احتمال إذا نحيت قشرتها وكما أن المبلولة مجاوزة حالة الكمال فالتي لم يتم جفافها غير واصلة إلى حالة الكمال وان أفركت واخرجت من السنابل * ويجوز بيع الحنطة وما يتخذ منها من المطعومات بالنخالة لانها ليس مال الربا وكذا بيع المسوسة بالمسوسة إذا لم يبق فيها شئ من اللب قاله في النهاية (الثانية) السمسم وغيره من الحبوب التى يتخذ منها الادهان على حالة الكمال ما دامت على هيئتها كالاقوات ولا نجوز بيع طحينها بطحينها كبيع الدقيق بالدقيق والدهن المستخرج منها علي حالة الكمال ايضا حتى يجوز بيع بعضها ببعض مماثلا وفيه وجه ان بيع الدهن بالدهن لا يجوز لان الدهن لا يستخرج الا بعد طرح حلاوة أو ملح على الطحين فيلتحق بصورة مد عجوة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 181 والمذهب الاول * ويجوز أن يكون للشئ حالتا كمال ألا ترى ان الزبيب والخل كلاهما علي حالة الكمال مع أن أصلهما العنب وكذلك العصير على حالة الكمال في أصح الوجهين حتي يجوز بيع عصير العنب بعصير العنب وعصير الرطب بعصير الرطب والمعيار فيه وفى الدهن الكيل * ويجوز بيع الكسب بالكسب أيضا ان لم يكن فيه خلط فان كان فيه خلط لم يجز والادهان المطيبة كدهن الورد والبنفسج والنوفر كلها مستخرجة من السمسم فإذا فرعنا على جريان الربا فيها جاز بيع بعضها ببعض ان رمى السمسم فيها ثم استخرج دهنه وان استخرج الدهن ثم طرح اوراقها فيه لم يجز لان اختلاطها به يمنع معرفة التماثل * وعصير الرمان والتفاح وسائر الاثمار كعصير الرطب والعنب وكذا عصير قصب الكسر * ويجوز بيع خل الرطب بخل الرطب وخل العنب بخل العنب لانه علي هيئة الادخار والمعيار فيه الكيل ولا يجوز بيع خل الزبيب بمثله ولا بيع خل التمر بمثله لما فيهما من الماء وأنه يمنع معرفة التماثل بين الخلين وكذا لا يجوز بيع خل العنب بخل الزبيب ولا خل الرطب بخل التمر لان في أحد الطرفين ماء فيلزم التفاضل بين الخلين ولا يجوز أيضا بيع خل الزبيب بخل التمر إذا فرعنا على أن الماء ربوي لان في الطرفين ماء والمماثلة بين الجانبين غير معلومة ويجوز بيع خل الزبيب بخل الرطب وخل التمر بخل العنب لان الماء في احد الطرفين والمماثلة بين الخلين غير معتبرة تفريعا على الصحيح في انهما جنسان (الثالثة) اللبن حالة الكمال يباع بعضه ببعض بخلاف الرطب لان اللبن يؤكل على هيئته في الاكثر ومعظم منافعه تفوت بفوات تلك الهيئة (وأما) الرطب فما يؤكل منه في الحال يعد عجالة تفكه والمقصود الاعظم اقتناؤه قوتا فجعل حال كمال كل واحد منهما ما يليق به وحكم الرائب والحامض والخاثر منه ما لم يكن مغلى حكم الحليب في الحال حتي يباع البعض منهما بالبعض أو بالحليب ولا نظر إلى أن الشئ إذا خثر كان أثقل وما يحويه المكيال من الخاثر يزيد في الوزن على الرقيق من جنسه لان المعيار في اللبن الكيل نص عليه الجمهور * وإذا حصل الاستواء في الكيل فلا مبالاة بتفاوت الوزن كما في الحنطة الصلبة مع الرخوة وفى كلام الامام ما يقتضي تجويز الكيل والوزن جميعا * ويجوز الجزء: 8 ¦ الصفحة: 182 بيع السمن بالسمن أيضا لانه يدخل ولا يتأثر بالنار تأثر انعقاد ونقصان وانما يعرض على النار للتصفية فالمعيار فيه الكيل إن كان ذائبا والوزن ان كان جامدا قاله في التهذيب وهو متوسط بين وجهين أطلقهما العراقيون فحكموا عن المنصوص انه يوزن وعن أبي اسحق انه يكال ويجوز بيع المخيض بالمخيض إذا لم يكن فيهما ماء ومال المتولي الي المنع لانه ليس علي حالة الادخار ولا علي حال كمال المنفعة فليكن كبيع الدقيق بالدقيق ولا يجوز بيع الاقط بالاقط والمصل بالمصل والجبن بالجبن لتأثرها بالنار ولانها لا تخلو عن مخالطة شئ فالملح خليط الاقط والدقيق خليط المصل والانفحة خليط الجبن وهل يجوز بيع الزبد بالزبد فيه وجهان (أحدهما) نعم كبيع السمن بالسمن (وأصحهما) لا لان الزبد لا يخلو عن قليل مخيص وانه يمنع معرفة المماثلة وعلى هذا لا يجوز بيعه بالسمن لتحقق المفاضلة ولا يجوز بيع اللبن بكل ما يتخذ منه من السمن والمخيص وغيرهما كبيع الحنطة بما يتخذ منها (وقوله) في الكتاب وكمال منفعة اللبن أن يكون لبنا أو سمنا أو مخيصا لا يمكن اجراؤه على ظاهره لانه ليس كونه لبنا كمال منفعته ولو طرح لفظ المنفعة وقال حال كمال اللبن أن يكون لبنا أو مخيضا أو سمنا لكان أولى ويجوز اعلام قوله دون ما عداه من أحواله بالواو للوجه المذكور في الزبد (الرابعة) المعروض من مال الربا على النار ضربان (أحدهما) المعروض للعقد والطبخ كالدبس واللحم المشوى وفى جواز بيع الدبس بمثله وجهان (أحدهما) يجوز لامكان ادخاره ولتأثير النار فيه غاية يعرفها أهل البصر (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب انه لا يجوز لان النار تأخذ بعض العصير فيصير دبسا وقدر المأخوذ منه يختلف أختلافا بينا فلا تدرى المماثلة بين أجزاء العصير وفى بيع السكر بالسكر والفاسد بالفاسد واللباء باللباء وجهان كما في الدبس * ولا يجوز بيع قصب السكر بقصب السكر ولا بالسكر كبيع الرطب بالرطب والتمر بالتمر (وأما) اللحم إذا بيع بجنسه فان كانا طريين أو أحدهما لم يجز لان معظم منافع اللحم تنتفى بعد التقديد فهو كالرطب والعنب * وعن ابن سريج انه يجوز كبيع اللبن باللبن وان كانا مقددين جاز إلا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 183 أن يكون فيهما أو في أحدهما من الملح ما يظهر في الوزن قال الائمة ويشترط أن يتناهى جفافه بخلاف التمر يباع الحديث منه بالحديث وبالعتيق لانه مكيل واثر الرطوبة الباقية لا يظهر في المكيال واللحم موزون وأثر الرطوبة يظهر في الميزان هذا إذا لم يكن اللحم مطبوخا أو مشويا (أما) المطبوخ والمشوى فلا يجوز بيعها بمثلها ولا بالني لما ذكرنا من اختلاف تأثير النار * وعن أبي حنيفة يجز بيع المطبوخ بالنى متماثلا * وعن مالك تجويزه متماثلا ومتفاضلا. (الضرب الثاني) المعروض للتمييز والتنقية فهو على حالة الكمال يجوز بيع بعضه ببعض كالسمن على ما مر وكالذهب والفضة يعرضان على النار لتمييز الغش وفى العسل المصفى بالنار وجهان (أحدهما) أنه خارج عن الكمال لان النار قد تعقد أجزاءه (وأظهرهما) وهو المذكور في الكتاب انه على الكمال لان المقصود عن عرضه تمييز الشمع عنه ونار التمييز لينة لا تؤثر في التعقيد فاشبه المصفى بالشمس ولا يجوز بيع الشهد بالشهد لان الشمع يمنع معرفة التماثل بين العسلين ولا بالعسل لظهور التفاضل ويجوز بيع الشمع بالعسل وبالشهد بلا حجر لان الشمع ليس من أموال الربا ومعيار التساوى في العسل علي ما ذكرناه في السمن (الخامسة) التمر إذا نزع منه النوي بطل كماله لانه يبطل ادخاره ويتسارع إليه الفساد فلا يجوز بيع منزوع النوى بمثله ولا بغير المنزوع وقيل يجوز بيع المنزوع بمثله لان النوى ليس من جنس التمر فلا يضر فصله عنه وانما لم يشترط ذلك لما فيه من المشقة وحكى الامام الخلاف في بيع المنزوع بالمنزوع ايضا ومغلق المشمش والخوخ ونحوهما لا يبطل كمالها بنزع النوى في أصح الوجهين لان الغالب في تجفيفها نزع النوى ولا يبطل كمال اللحم بنزع العظم لانه لا يتعلق صلاح ببقائه وهل يشترط النزع في جواز بيع بعضه ببعض فيه وجهان (اظهرهما) عند الاكثرين نعم وبه قال ابو اسحق (والثانى) ويحكى عن الاصطخرى أنه يسامح به وعلى هذا يجوز بيع لحم الفخذ بالجنب ولا نظر الي وتفاوت اقدار العظام كتفاوت النوى هذا شرح مسائل الفصل وما يناسبها وإذا نظرت في هذا الطرف عرفت أن النظر في حالة الكمال الي أمرين في الاكثر (أحدهما) كون الشئ بحيث يتهيأ لاكثر الانتفاعات الجزء: 8 ¦ الصفحة: 184 المطلوبة منه (والثانى) كونه على هيئة الادخار لكنهما لا يعتبران جميعا فان اللبن ليس بمدخر والسمن ليس بمتهيئ لا اكثر الانتفاعات المطلوبة من اللبن وكل واحد من المعنيين غير مكتفى به ايضا لا الثمار التى لا تدخر تتهيأ لاكثر الانتفاعات المطلوبة منها والدقيق مدخر وليس على حالة الكمال على ما سبق ولا تساعدني عبارة ضابطة كما أحب في تفسير الكمال فان ظفرت بها الحقتها بهذا الموضع وبالله التوفيق * قال (الطرف الثالث في معني الجنسية والادقة والالبان والخلول والادهان مختلفة باختلاف أصولها وفى لحوم الحيوانات قولان (أصحهما) أنها مختلفة لتفاوت المعنى وان اتفق الاسم وأعضاء الحيوان الواحد كالكرش والكبد والشحم أجناس على الاظهر ان جعلنا اللحم أجناسا ولا يجوز بيع (ح و) اللحم بالحيوان من غير جنسه على أحد القولين للنهى عنه ولا يجوز بيع دهن السمسم بالسمسم ولا بيع السمن باللبن وان جاز بيع كل واحد منهما بجنسه) عرفت في صدر الباب أن بيع المال الربوي بجنسه مشروط برعاية المماثلة وبغير جنسه غير مشروط بها فالتجانس والاختلاف قد يظهر فلا يحتاج إلى التنصيص عليه وقد يقع في محل الاشكال والاشتباه وموضوع الطرف بيان مواضع الاشتباه وفيه مسألتان (أحداهما) اختلف قول الشافعي رضى الله عنه في أن لحوم الحيوان جنس أو جنسان فاحد القولين انها جنس واحد لانها مشتركة في الاسم الذى لا يقع بعده التمييز إلا بالاضافة فاشبهت أنواع الرطب والعنب وتخالف الثمار المختلفة فانها وإن اشتركت في اسم الثمرة لكنها تمتاز باسمائها الخاصة (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة والمزنى انها أجناس مختلفة لانها فروع أصول مختلفة فاشبهت الادقة والاخباز * وعن مالك أن اللحوم ثلاثة أجناس الطيور والدواب أهليها ووحشيها والبحريات * وبه قال أحمد في أحد الروايتين وعنه روايتان أخرتان كالقولين (التفريع) إن جعلناها جنسا واحدا فلا فرق بين لحوم الحيوانات البرية أهليها ووحشيها وكذا لحوم البحريات جنس واحد وفى لحوم البريات مع البحريات وجهان (أحدهما) وبه قال أبو على الطبري والشيخ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 185 ابو حامد انهما جنسان وكذلك لو حلف أن لا يأكل اللحم لا يحنث بلحوم الحيتان (والثانى) انهما جنس واحد لشمول الاسم قال الله تعالي (ومن كل تأكلون لحما طريا) وهذا اختيار القاضي أبى الطيب وابن الصباغ وهو الذى أورده في التهذيب * وان جعلناها أجناسا فحيوان البر مع حيوان البحر جنسان ثم الاهليات من حيوان البر جنس والوحشيات جنس ثم لكل واحد من القسمين أجناس فلحوم الابل على اختلاف أنواعها جنس واحد ولحوم البقر والجواميس وغيرها جنس واحد ولحوم الغنم ضأنها ومعزها جنس والبقر الوحشي جنس والظباء جنس وفى الظباء مع الابل تردد للشيخ أبى محمد واستقرار جوابه على انهما كالضأن والمعز وأما الطيور والعصافير على اختلاف أنواعها جنس والبطوط جنس والدحح جنس * وعن الربيع ان الحمام بالمعنى المتقدم في الحج وهو ما عب وهدر جنس فيدخل فيه القمرى والدبسي والفاختة وهذا اختيار جماعة منهم الامام وصاحب التهذيب واستبعده اصحابنا الراقيون وجعلوا كل واحد منهما جنسا برأسه والسموك من حيوان البحر جنس وفى غنم الماء وبقره وغيرهما مع السموك وكذا في بعضها مع بعض قولان (أصحهما) أنها أجناس كحيوانات البر وهل الجراد من جنس اللحوم فيه وجهان (ان قلنا) نعم فهو من البريات أو البحريات فيه وجهان وفى أعضاء الحيوان الواحد كالكرش والكبد والطحال والقلب والرئة طريقان (أشهرهما) انا ان قلنا ان اللحوم أجناس فهذه أولى لاختلاف اسمائها وصفاتها (وان قلنا) انها جنس واحد ففيها وجهان لان من حلف أن لا يأكل اللحم لا يحنث (باكل هذه الاشياء علي الصحيح وهذا كالخلاف في ان لحم السمك جنس برأسه أو هو من جنس سائر اللحوم) لان من حلف أن لا يأكل اللحم لا يحنث بأكل السمك (والثانى) عن القفال انا إن جعلناها جنسا واحدا فهذه الاشياء مجانسة لها وان جعلناها أجناسا فوجهان لاتحاد الحيوان وصار كلحم الطير وشحمه (وقوله) في الكتاب أجناس على الاظهر ان جعلنا اللحوم أجناسا إلى هذه الطريقة أقرب ولو قال وان لم نجعل اللحوم أجناسا لكان ذلك للطريقة الاولى وكيف ما قدرت الترتيب فظاهر المذهب انها أجناس والمخ جنس آخر وكذلك الجلد وشحم الظهر مع شحم البطن جنسان وسنام البعير معهما جنس آخر والرأس الجزء: 8 ¦ الصفحة: 186 والاكارع من جنس اللحم وفى الاكارع احتمال عند الامام (وأما) الادقة والخلول والادهان فهي أجناس مختلفة على المشهور لانها أصول فروع مختلفة وهى من أموال الربا فاجرى عليها حكم أصولها بخلاف اللحوم فان أصولها وهي الحيوانات ليست ربوية وكذا عصير العنب مع عصير الرطب جنسان ودبسهما كذلك وفى الادقة حكاية قول عن أمالى حرملة انها جنس واحد وأبعد منه وجه ذكروه في الخلول والادهان ويجرى مثله في عصير العنب مع عصير الرطب (وأما) الالبان ففيها طريقان (أظهرهما) عند الاكثرين انها على قولين في اللحمين فعلى الاصح يجوز بيع لبن الغنم بلبن البقر متفاضلا وبيع أحدهما بما يتخذ من الآخر ولبن الضأن والمعز جنس واحد ولبن الوعل مع المعز الاهلي جنسان اعتبار بالاصول (والطريق الثاني) وهو قضية ايراد الكتاب القطع بأنها أجناس مختلفة والفرق أن الاصول التى حصل اللبن منها باقية بحالها وهى مختلفة فيدام حكمها علي الفروع بخلاف أصول اللحم * وبيوض الطيور أجناس ان جعلنا اللحوم اجناسا وان جعلناها جنسا واحدا فهى اجناس ايضا على أصح الوجهين * والزيت المعروف مع زيت الفجل جنسان وهو دهن يتخذ من بزر الفجل يسمى زيتا لانه يصلح لبعض ما يصلح له الزيت العروف (ومنهم) من قال حكمهما حكم اللحمين والتمر المعروف مع الهندي جنسان وعن ابن القطان وجه انهما جنس واحد * وفى البطيخ المعروف مع الهندي وجهان أيضا وكذا في القثاء مع الخيار والبقول كالهنديا والنعنع وغيرهما اجناس إذا قلنا بجريان الربا فيها ودهن السمسم وكسبه جنسان كالمخيض والسمن وفى عصير العنب مع خله وجهان (أظهرهما) أنهما جنسان لافراط التفاوت في الاسم والصفة والمقصود وفى السكر والفانيد وجهان ايضا (أظهرهما) انهما جنسان لاختلاف قصبهما والسكر والنبات والطبرزد جنس واحد والسكر الاحمر وهو القوالب عكر الابيض ومن قصبه ومع ذلك ففي التجانس تردد للائمة لمخالفتهما في الصفة * قال الامام ولعل الاظهر انه جنس من السكر (المسألة الثانية) بيع اللحم بالحيوان المأكول من جنسه باطل وهو قول مالك واحمد خلافا لابي حنيفة والمزنى * لنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن بيع اللحم بالحيوان) وان باعه بحيوان مأكول لا من جنسه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 187 كما لو باع لحم الشاة بالبقرة فيبنى على ان اللحمين جنس أو اجناس (ان قلنا) انهما جنس فهو باطل أيضا (وان قلنا) اجناس فقولان (أحدهما) وبه قال مالك واحمد انه صحيح كما لو باع اللحم باللحم (وأصحهما) أنه باطل لعموم الخبر * (روى ان جزورا نحرت على عهد أبي بكر رضى الله عنه فجاء رجل بعناق وقال اعطوني جزءا بهذه العناق فقال ابو بكر رضي الله عنه لا يصلح هذا) وان باعه بحيوان غير مأكول كعبد أو حمار ففيه قولان (أصحهما) عند القفال المنع لظاهر الخبر (والثانى) الجواز لان سبب المنع بيع مال الربا باصلة المشتمل عليه ولم يوجد ذلك ههنا وفى بيع الشحم والالية والطحال والقلب والكلية والرئة بالحيوان وجهان وكذا في بيع السنام بالابل (احدهما) يجوز لان النهى ورد في بيع اللحم بالحيوان (وأصحهما) المنع لانه في معناه وعلى هذا الخلاف بيع الجلد بالحيوان ان لم يكن مدبوغا وان كان مدبوغا فلا منع وعلي الوجهين ايضا بيع لحم السمك بالشاة ولا يجوز بيع دهن السمسم ولا كسبه بالسمسم ولا بيع دهن الجوز بلب الجوز ولا بيع السمن باللبن كما لا يجوز بيع اللحم بالحيوان وبيع دقيق الحنطة بالحنطة * وذكر الامام ههنا اشكالا وطريق حله (أما) الاشكال فهو ان السمسم جنس في نفسه لا أنه دهن وكسب واللبن جنس في نفسه لا أنه سمن ومخيض ولهذا جاز بيع السمسم بالسمسم واللبن باللبن وان كان لا يجوز بيع الدهن والكسب بالدهن والكسب وبيع السمن والمخيص بالسمن والمخيص وإذا كان جنسا برأسه وجب أن يجوز الجزء: 8 ¦ الصفحة: 188 بيع السمسم بالدهن كما جاز بيع السمسم بالسمسم (وأما) الحل هو انه إذا قوبل السمسم بالسمسم واللبن باللبن فالعوضان متجانسان في صفهما الناجزة فلا ضرورة إلى تفريق الاجزاء وتصوير ما يكون حينئذ وإذا قوبل السمسم بالدهن فلا يمكننا جعل السمسم مخالفا للدهن مع اشتمال السمسم على الدهن وإذا ارتفعت المخالفة جاءت المجانسة ولا شك أن مجانستهما في الدهنية فنضطر إلى اعتبارها وإذا اعتبارناها كان ذلك بيع دهن كسب بدهن (وقوله) في الكتاب وإن جاز بيع كل واحد منهما بجنسه اشارة الي هذا الاشكال ويجوز بيع الجوز بالجوز واللوز باللوز ولا بأس بما عليهما من القشر لان الصلاح يتعلق به ثم المعيار في الجوز الوزن لانه اكبر من التمر وفى اللوز الكيل ويجوز ايضا بيع لب الجوز بلب الجوز ولب اللوز بلب اللوز وفيه وجه انه لا يجوز بيع اللب باللب لخروجه عن حالة الادخار وبهذا أجاب في التتمة * وحكى القاضي ابن كج عن نص الشافعي رضي الله عنه انه لا يجوز بيع الجوز بالجوز واللوز باللوز مع القشر وبيع البيض بالبيض كبيع الجوز بالجوز فيجوز على الظاهر وان كان في القشر والمعيار فيه الوزن ويجوز بيع لبن الشاة بغير اللبون من الشاة وكذا باللبون إذا لم يكن في ضرعها لبن ان جرى البيع عقيب الحلب وان كان في ضرعها لبن لم يجز لان اللبن في الضرع يأخذ قسطا من الثمن ألا ترى أنه وجب التمر في مقابلته في المصراة وكذا لو باع شاة في ضرعها لبن بشاة في ضرعها لبن كما لو باع حيوانا ولبنا بحيوان ولبن * وعن أبى الطيب ابن سلمة انه يجوز كبيع السمسم بالسمسم وبيع البيض بالدجاجة كبيع اللبن بالشاة ولو باع لبن الشاة ببقرة في ضرعها لبن (فان قلنا) الالبان جنس واحد لم يجز (وان قلنا) انها اجناس فقولان للجمع بين مختلفى الحكم فان ما يقابل اللبن من اللبن يشترط فيه التقابض وما يقابله من الحيوان لا يشترط فيه التقابض والله أعلم * (فرع) الربا يجرى في دار الحرب جريانه في دار الاسلام لان النصوص الواردة فيه مطلقة وبه قال مالك وأحمد * وعن ابى حنيفة ان الربا في دار الحرب انما يجرى بين المسلمين المهاجرين فأما بين حربيين وبين مسلمين لم يهاجرا أو احدهما فلا ربا * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 189 قال (الباب الثالث في الفساد من جهة النهي) (والمناهي قسمان (احدهما) ما يدل على فساد العقد وذلك كنهيه عن بيع اللحم بالحيوان (ح) وبيع ما لم يقبض وبيع الطعام حتى يجرى فيه الصيعان وبيع الكالئ بالكالئ وبيع الغرر وبيع الكلب والخنزير وبيع عسب الفحل وهو نطفته) مقصود الباب عدد البياعات التي ورد فيها نهي خاص والترجمة تقتضي انقسام الفساد إلى ما يكون للنهي والي ما يكون لغيره لكن يمكن ان يقال لا فساد إلا للنهي فان الربا الذي أفرده بالذكر منهي عنه أيضا وكذا تفريق الصفقه إذا منعنا عنه وكل فاسد منهي عنه أمام نهى خاص واما نهي عام ثم ما ورد فيه النهى من البيوع ققد يحكم بفساده قضية للنهي وهو الاغلب وقد لا يحكم وهو حيث يقارن البيع ما يعرف عود النهى إليه كالمنع عن البيع حالة النداء فانا نعلم ان المنع غير متوجه نحو خصوص البيع وانما هو متوجه نحو ترك الجمعة حتى لو تركها بسبب آخر فقد ارتكب المنهي ولو باع في غير تلك الحالة لم يصادفه نهي * (القسم الاول) ما حكم فيه بالفساد وهو انواع (فمنها) بيع اللحم بالحيوان وقد مر (ومنها) بيع ما لم يقبض وبيع الطعام حتى يجرى فيه الصاعان وبيع الكالى وسنشرحها من بعد (ومنها) بيع الغرر فمنه بيع ما لم يقدر على تسلميه وقد سبق ومنه ان يبيع مال الغير ومنه أن يبيع ما ليس عنده روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عنه حكيم بن حزام) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 190 وله تفسيران (أحدهما) أن بييع ما هو غائب عنه (والثاني) أن يبيع ما لم يملكه ليشتريه فيسلمه ومنها بيع الكلب والخنزير وقد تقدم ذكره في شرط طهارة المبيع ومنها ما روى أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع عسب الفحل) وروى انه (نهى عن ثمن عسب الفحل) وهذه رواية الشافعي رضى الله عنه في المختصر قال في الصحاح العسب الكراء الذى يؤخذ علي ضراب الفحل وعسب الفحل ايضا ضرابه ويقال ماءه فهذه ثلاثة معان (والثالث) هو الذى أطلقه في الكتاب (والثاني) هو المشهور في الفقهيات ثم ليس المراد من الخبر في الرواية الاولى الضراب فان نفس الضراب لا يتعلق به نهي ولا منع من الايزاء ايضا بل الاعارة للضراب محبوبة ولكن الثمن المذكور في الرواية الثانية مضمر فيه هكذا قالوه ويجوز أن يحمل العسب على الكراء على ما هو أحد المعاني فيكون نهيا عن اجارة الفحل للضراب ويستغنى عن الاضمار وأما على الرواية الثانية فالمفسرون للعسب بالضراب ذكروا ان المراد من الثمن الكراء وقد يسمي الكراء ثمنا مجازا ويجوز أن يفسر العسب بالماء ويقال هذا نهي عن بيعه والحاصل ان بذل المال للضراب ممتنع بطريق البيع لان ماءه غير متقوم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه (وأما) بطريق الاستئجار ففيه وجهان قد ذكرهما في الكتاب في باب الاجارة (أصحهما) المنع أيضا وبه قال ابو حنيفة واحمد لان فعل الضراب غير مقدور عليه للمالك بل يتعلق باختيار الجزء: 8 ¦ الصفحة: 191 الفحل (والثانى) وبه قال أبن أبى هريرة ويحكى عن مالك انه يجوز كالاستئجار لتلقيح النخل ويجوز أن يعطي صاحب الانثى صاحب الفحل شيئا على سبيل الهدية خلافا لاحمد والله أعلم * قال (وحبل الحبلة وهو نتاج النتاج والملاقيح وهى ما في بطون الامهات والمضامين وهى ما في أصلاب الفحول) (ومنها) ما روى عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع حبل الحبلة) وحبل الحبلة هو نتاج النتاج ثم ذكروا للخبر تفسيرين (أحدهما) أن يبيع الشئ الي ان ينتج نتاج هذه الدابة (والثانى) ان يبيع نتاج النتاج نفسه (والاول) هو تفسير ابن عمر وبه أخذ الشافعي رضي الله عنه (والثاني) تفسير أبى عبيد وأهل اللغة وكلا البيعين باطل (أما) الاول فلانه بيع الي أجل مجهول (وأما) الثاني فلانه بيع ما ليس بمملوك ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه (ومنها) ما روى عن ابى هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الملاقيح والمضامين) فالملاقيح ما في بطون الامهات من الاجنة الواحدة ملقوحة من قولهم لقحت كالمجنون من جن والمحموم من حم والمضامين ما في اصلاب الفحول سمى بذلك لان الله تعالى ضمنها فيها وكانوا في الجاهلية يبيعون ما في بطن الناقة وما يحصل من ضراب الفحل في عام أو اعوام وسبب بطلانهما من جهة المعني بين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 192 قال (وبيع الملامسة وهو أن يجعل اللمس بيعا * والمنابذة بان يجعل النبذ بيعا * ورمى الحصاة وهو ان يعين للبيع ما تقع الحصاة عليه * وبيعتين في بيعة فيقول بعت بالفين نسيئة أو بالف نقدا فخذ بايهما شئت) * (ومنها) ما روى عن أبى هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن بيع الملامسة والمنابذة) وللملامسة تأويلات (احدها) أن يأتي بثوب مطوى أو في ظلمة فيلمسه المستام فيقول صاحب الثوب بعتك هذا بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك ولاخيار لك إذا رأيته وهو تأويل الشافعي رضي الله عنه في المختصر وهذا البيع باطل (أما) إذا ابطلنا بيع الغائب فظاهر (وأما) إذا صححناه فلاشتراط قيام اللمس مقام النظر * قال الامام ويتطرق إلى هذا احتمال من جهة أن من اشترى شيئا على شرط نفى خيار الرؤية ففى صحة الشرط خلاف فلا يمتنع ان يكون هذا على ذلك الخلاف وبهذا الاحتمال أجاب ابو سعد المتولي في كتابه (والثانى) وهو المذكور في الكتاب ان يجعل نفس اللمس بيعا ومثله الامام بان يقول صاحب الثوب لطالبه إذا لمست ثوبي فهو مبيع منك بكذا وهو باطل لما فيه من التعليق والعدول عن الصيغة الشرعية وذكر في التتمة ان هذا في حكم المعاطاة (والثالث) ان يبيعه شيئا على أنه متي لمسه فقد وجب البيع وسقط خيار المجلس وغيره وهو فاسد للشرط الفاسد (وأما) بيع المنابذة فله تأويلات (احدها) ان يجعل النبذ بيعا فيقول احدهما للآخر أنبذ اليك ثوبي وتنبذ إلى ثوبك على ان كل واحد مبيع بالاخر أو يقول انبذ اليك ثوبي بعشرة وتنبذ إلى ثوبك يكون النبذ بيعا وهذا تأويل الشافعي رضى الله عنه في المختصر وهو المذكور في الكتاب ووجه بطلان العقد اختلاف الصيغة قال الائمة ويجئ فيه الخلاف المذكور في المعاطاة فان المنابذة مع قرينة البيع هي المعطاة بعينها (والثاني) أن يقول بعتك هذا بكذا علي اني إذا نبذته اليكم فقد وجب البيع وحكمه ما مر في الملامسة (والثالث) ان المراد منه نبذ الحصاة وسنفسره (ومنها) ما روى عن ابي هريرة رضى الله عنه ان االنبى صلى الله عليه وسلم (نهي عن بيع الحصاة) وله تأويلات (أحدها) ان يقول بعتك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 193 ثوبا من هذه الاثواب وارم بهذه الحصاة فعلى أيها وقعت فهو المبيع أو يقول ارم بهذه الحصاة فعلى أي موضع بلغت من الارض يكون مبيعا منك (والثاني) ان يقول بعتك هذا بكذا على انك بالخيار إلى ان أرمى بهذه الحصاة (والثالث) ان يجعلا نفس الرمى بيعا فيقول البائع إذا رميت بهذه الحصاة فهذا الثوب مبيع منك بعشرة والبيع باطل في الصور الثلاث * أما في الاولي فللجهل بالمبيع (وأما) في الثانية فلكون الخيار مجهولا (وأما) في الثالثة فلاختلال الصيغة (ومنها) ما روى عن ابى هريرة رضي الله عنه ايضا ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن بيعتين في بيعة) وله تأويلان مذكوران في المختصر (احدهما) وهو المذكور في الكتاب ان يقول بعتك هذا العبد بالف نقدا أو بالفين الي سنة فخذ بايهما شئت أو شئت انا فهذا العقد باطل للجهل بالعوض كما لو قال بعتك هذا العبد أو هذه الجارية بكذا ولو قال بعتك بالف أو بالفين إلى سنة أو قال بعتك نصف هذا العبد بالف ونصفه بالفين صح البيع ولو قال بعتك هذا العبد بالف نصفه بالف ونصفه بستمائة لم يصح لان ابتداء الكلام يقتضي توزيع الثمن على المثمن بالسوية وآخره يناقضه هكذا نقله صاحب التهذيب حكما وتعليلا (والثاني) أن يقول بعتك هذا العبد بالف على أن تبيعني دارك بكذا أو اشترى منى دار بكذا فهو باطل لانه بيع وشرط وسنذكر المعنى في بطلانه على الاثر * قال (وعن بيع وشرط فلو باع بشرط قرض أو بشرط بيع آخر أو شرط على بائع الزرع أن يحصده (و) أو كان مما يبقى علقة بعد العقد يثبت نزاع بسببها لم يجز) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 194 ومن البيوع التي ورد النهى عنها البيع المشروط روى ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن بيع وشرط) قال حجة الاسلام مطلق الخبر يقتضي امتناع كل شرط في البيع لكن المفهوم من تعليله انه إذا انضم الشرط إلى البيع بقيت علقته بعد العقد يثور بسببها منازعة وقد يفضي ذلك إلى فوات مقصود العقد فحيث تفقد هذه العلة تستثنية عن الخبر ولذلك يستثني عنه شروطا ورد في تصحيحها نصوص (اعلم) ان الشرط في العقد ينقسم إلى فاسد وإلى صحيح والفاسد منه يفسد العقد أيضا على المذهب وفيه شئ سنورده من بعد والفصل يشتمل على أمثلة من الشروط الفاسدة ثم يليه بيان الشروط الصحيحة (فمن الشروط الفاسدة) إذا باع عبده بالف بشرط أن يبيعه داره أو يشترى منه داره أو بشرط أن يقرضه عشرة لم يصح لانه جعل الالف ورفق العقد الثاني ثمنا واشتراط العقد الثاني فاسد فبطل بعض الثمن وليس له قيمة معلومة حتى يفرض التوزيع عليه وعلى الباقي وإذا أتيا بالبيع الثاني نظر ان كانا يعلمان بطلان الاول صح والا فلا لاتيانهما به على حكم الشرط الفاسد هكذا نقله صاحب التهذيب وغيره والقياس صحته وبه قطع الامام وحكاه عن شيخه في كتاب الرهن * ولو اشترى زرعا واشترط على بائعه أن يحصده ففيه ثلاث طرق (أحدها) وبه قال ابو اسحق ان هذا التصرف شرا للزرع واستئجار للبائع علي الحصاد فيجئ فيه القولان فيما لو جمع بين صفقتين مختلفى الحكم وهذا هو اختيار ابن الصباغ (والثانى) ان شرط الحصاد باطل قولا واحدا لانه شرط عملا فيما لم لمكه فاشبه مالو استأجره لخياطة ثوب لم يملكه وفى صحة البيع قولا تفريق الصفقة (والثالث) وهو الاصح انهما باطلان (أما) شرط العمل فلما ذكرنا وأيضا فلانه شرط ينافى قضية العقد لان قضية العقد كون القطع على المشتري (وأما) البيع فلان الشرط إذا فسد فسد البيع وكذا الحكم لو أفرد الشراء بعوض الجزء: 8 ¦ الصفحة: 195 والاستئجار بعوض فقال اشتريت هذا الزرع بعشرة على أن تحصده بدرهم لانه جعل الاجارة شرطا في البيع فهو في معني بيعتين في بيعة في التأويل الثاني ولو قال اشتريت هذا الزرع واستأجرتك على حصاده بعشرة فقال بعت وأجرت ففيه طريقان (أحدهما) انهما على القولين في الجمع بين مختلفى الحكم (والثانى) ان الاجارة باطلة قولا واحدا * ثم إذا فسدت الاجارة ففى فساد البيع قولا تفريق الصفقة * ولو قال اشتريت هذا الزرع بعشرة واستأجرتك لتحصده بدرهم صح الشراء ولا تصح الاجارة لانه استأجره على العمل فيما لم يملكه ونظائر مسألة الزرع يقاس بها كما إذا اشترى ثوبا وشرط عليه صبغة أو خياطته أو لبنا وشرط عليه طبخه أو نعلا علي أن ينعل به دابته أو عبدا رضيعا علي أن يتم ارضاعه أو متاعا على أن يحمله إلى بيته والبائع يعرف بيته فان لم يعرف بطل البيع لا محالة ولو اشترى حطبا على ظهر بهيمة مطلقا فيصح العقد ويسمله إليه في موضعه أو لا يصح حتى يشترط تسلمه إليه في موضعه لان العادة قد تقتضي حمله الي داره * حكي صاحب التتمة فيه وجهين والله أعلم * قال (إلا في مواضع عدة استثنيت بالنصوص (أحدها) شرط الاجل المعلوم (والثاني) شرط الخيار ثلاثة أيام (والثالث) شرط وثيقة الثمن بالرهن بعد تعيين المرهون وبالكفيل بعد تعيينه وبالشهادة ولا يشترط فيها التعيين * ومهما تعذر الوفاء بالرهن المشروط أو وجد به عيبا فله فسخ العقد) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 196 من الشروط الصحيحة في البيع شرط الاجل المعلوم في الثمن قال الله تعالى (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم (أمر عبد الله بن عمر أن يجهز جيشا وإمره أن يبتاع ظهرا إلى خروج المصدق) وان كان مجهولا كقدوم زيد أو مجئ المطر واقباض المبيع فهو فاسد وذكر القاضى الروياني أنه لو أجل الثمن إلى الف سنة بطل العقد للعلم بانه لا يبقى الي هذه المدة ويسقط الاجل بالموت كما لو أجر ثوبا الف سنة لا يصح فعلى هذه يشترط في صحة الاجل مع كونه معلوما احتمال بقائه إلى المدة المضروبة * ثم موضع الاجل مااذا كان العوض في الذمة فاما ما ذكر في المبيع أو في الثمن المعين مثل أن يقول اشتريت بهذه الدنانير على أن تسلمها في وقت كذا فهو فاسد لان الاجل رفق أثبت لتحصيل الحق في المدة والمعين حاصل ولو حل الاجل فاجل البائع المشترى مدة أو زاد في الاجل قبل حلول الاجل المضروب اولا فهو وعد لا يلزم خلافا لابي حنيفة فيهما وساعدنا علي أن بدل الاتلاف لا يتأجل وان أجله وقال مالك رحمه الله تعالي يتأجل * ولو أوصى من له دين حال على انسان بامهاله مدة فعلى ورثته امهاله تلك المدة لان التبرعات بعد الموت تلزم قاله في التتمة * وحكي هو وصاحب التهذيب وجهين فيما لو أسقط من عليه الدين المؤجل الاجل هل يسقط حتي يتمكن المستحق من مطالبته في الحال (اصحهما) انه لا يسقط لان الاجل صفة تابعة والصفة لا تفرد بالاسقاط ألا تري ان مستحق الحنطة الجيدة أو الدنانير الصحاح لو أسقط صفة الجودة أو الصحة لا تسقط (ومنها) شرط الخيار ثلاثة أيام على ما سياتى (ومنها) شرط وثيقة الثمن بالرهن والكفيل والشهادة فيصح البيع بشرط أن يرهن المشترى بالثمن أو يتكفل به كفيل أو يشهد عليه سواء كان الثمن مؤجلا أو حالا ولا يخفى وجه الحاجة إلى التوفيق بهذه الجهات وقد قال تعالى (فرهن مقبوضة) وقال (واشهدوا إذا تبايعتم) وكذلك يجوز أن يشرط المشتري على البائع كفيلا بالعهدة ولا بد من تعيين الرهن والكفيل والمعتبر في الرهن المشاهدة أو الصفة كما يوصف المسلم فيه وفى الكفيل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 197 المشاهدة أو المعرفة بالاسم والنسب ولا يكفى الوصف بان يقول رجل موسر ثقة هذا هو النقل * ولو قال قائل الاكتفاء بالصفة أولى من الاكتفاء بمشاهدة من لا يعرف حاله لم يكن ببعيد وهل يشترط التعيين في شرط الاشهاد فيه وجهان (أحدهما) نعم كما في الرهن والكفيل (وأصحهما) لا وهو المذكور في الكتاب لان المطلوب في الشهود العدالة لاثبات الحق عند الحاجة بخلاف الرهن والكفيل فان الاغراض فيهما تتفاوت ولصاحب الوجه الاول أن يقول وقد يكون بعض العدول أوجه وقوله أسرع قبولا فيتفاوت الغرض في اعيانهم أيضا وادعى الامام القطع بالوجه الثاني ورد الخلاف إلى انه لو عين الشهود هل يتعينون أم لا وهل يجب التعرض لكون المرهون عند المرتهن أو عند عدل فيه وجهان (أظهرهما) لا بل ان اتفقا على يد المرتهن أو يد عدل فذاك وإلا جعله الحاكم في يد عدل وليكن المشروط رهنه عند المبيع (أما) إذا شرط أن يكون المبيع نفسه رهنا بالثمن لم يصح الرهن لان المرهون غير مملوك له بعد ولا البيع هكذا أطلقه الجمهور وأورد الامام فيه تفصيلا كما سيأتي والمطلقون وجهوه بامور (منها) ان الثمن إما مؤجل فلا يجوز حبس المبيع لاستيفائه أو حال فله حبسه لاستيفائه فلا معني للحبس بحكم الرهن (ومنها) تناقض الاحكام فان قضية الرهن كون المال أمانة وان يسلم الدين أولا وقضية البيع بخلافه (ومنها) أن فيه استثناء منفعة الاستيثاق ولا يجوز أن يستثنى البائع بعض منافع المبيع لنفسه (ومنها) قال بعض المتأخرين المشترى لا يملك رهن المبيع الابعد صحة البيع فلا تتوقف عليه صحة لبيع كيلا يؤدى الي الدور وللنزاع مجال في هذه التوجيهات (أما الاول) فان كان الثمن مؤجلا لا يجوز حبس المبيع إذا لم يجر رهن فان جرى فهو موضع الكلام وإن كان حالا فيجوز أن يتقوى احد الجنسيين بالآخر (وأما) الثاني فبتقدير الصحة يبقي المال مضمونا بحكم البيع استيفاء لما كان ويسلم الدين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 198 اولا لاقدامه علي الرهن * (وأما) الثالث ففى جواز استثناء بعض المنافع تفصيل سنذكره ان شاء الله تعالى (وأما) الرابع فمسلم انه لا يتوقف صحة البيع علي الرهن لكن لا كلام فيه وانما الكلام في انه هل يمنع صحة البيع فهذا كلام المطلقين (وأما) التفصيل فان الامام ذكر ان المسألة مبنية على أن البداءة في التسليم بمن (فان قلنا) البداءة بالبائع أو قلنا يخيران معا أو قلنا لا اختيار ما لم يبتد أحدهما فسد البيع لانه شرط يبطل مقتضى البيع لتضمنه حبس المبيع إلى استيفاء الثمن (وان قلنا) البداءة بالمشترى فوجهان (أحدهما) انه يصح هذا الشرط لموافقته مقتضى العقد (والثانى) لا يصح ويفسد البيع لما سبق من تناقض الاحكام والاظهر عند صاحب الكتاب هو الوجه الاول * وأنت إذا تنبهت إلى الاصل المبنى عليه عرفت حال هذا البناء قوة وضعفا * ولو شرط أن يرهنه بالثمن بعد القبض ويرده إليه فالبيع باطل ايضا لبعض المعاني المذكورة * ولو رهنه بالثمن من غير شرط صح ان كان بعد القبض وان كان قبله فلا ان كان الثمن حالا لان الحبس ثابت له وان كان مؤجلا فهو كما لو رهن المبيع قبل القبض بدين آخر ثم إذا لم يرهن المشترى ما شرطه أو لم يتكفل الذى عينه فلا اجبار لكن للبائع الخيار ولا يقوم رهن وكفيل آخر مقام المعين فان فسخ فذاك وان أجاز فلا خيار للمشترى * ولو عين شاهدين فامتنعا من تحمل الشهادة (فان قلنا لا بد من تعيين الشاهدين فللبائع الخيار ايضا (وان قلنا) لا حاجة إليه أيضا فلا * ولو باع بشرط الرهن فهلك الرهن قبل القبض أو تعيب أو وجد به عيبا قديما فله الخيار في البيع وان تعيب قبل القبض فلا خيار * ولو ادعى الرهن انه حدث بعد القبض وقال المرتهن بل قبله فالقول قول الراهن استدامة للبيع ولو هلك الرهن بعد القبض أو تعيب ثم اطلع على عيب قديم به فلا ارش له وهل له فسخ البيع فيه وجهان (أصحهما) لا لان الفسخ انما يثبت إذا أمكنه رد الرهن كما أخذ (وأما) لفظ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 199 الكتاب فقوله شرط وثيقة الثمن لفظ الثمن وان كان مطلقا لكن المراد منه ما إذا كان في الذمة فان الاعيان لا يرهن بها وفى ضمانها تفصيل طويل يذكر في موضعه ان شاء الله تعالى هذا كما ذكرناه في الاجل (وقوله) بعد تعيين المرهون يجوز اعلامه بالميم والحاء (أما) الميم فلان عند مالك رضى الله عنه لا يشترط تعيين المرهون بل ينزل المطلق على ما يصلح أن يكون رهنا لمثل ذلك في العادة (وأما) بالحاء فلان عند أبي حنيفة لو قال رهنتك أحد هذين العبدين جاز كما ذكره في البيع (وقوله) وبالكفيل بعد تعيينه يجوز اعلامه بالواو لان في كتاب القاضي ابن كج انه لا حاجة الي تعيين الكفيل وإذا أطلق أقام من شاء ضمينا والله اعلم قال (والرابع) شرط عتق العبد احتمل لحديث بريرة والقياس إبطال الشرط وقد قيل به * ثم للبائع المطالبة بالعتق علي الاصح فان أبي المشترى أجبر عليه (و) وإن شرط أن يكون الولاء له صح الشرط (و) لدلالة الخبر) في بيع الرقيق بشرط العتق قولان (أحدهما) وهو مخرج أنه لا يصح كما لو باعه بشرط أن يبيعه أو يهبه وبهذا قال أبو حنيفة (وأصحهما) انه يصح وعلى هذا ففى صحة الشرط قولان (احدهما) وهو ما حكاه العراقيون عن رواية أبى ثور انه باطل لظاهرما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (ما كان من شرط ليس في كتاب الله عزوجل فهو باطل) (وأصحهما) وبه قال مالك وأحمد في اصح الروايتين انه صحيح لما روى (ان عائشة رضى الله عنها اشترت بريرة وشرط مواليها أن تعتقها ويكون ولاؤها لهم فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم الا شرط الولاء وقال شرط الله اوثق وقضاء الله احق والولاء لمن أعتق) (وقوله) والقياس ابطال الشرط اراد مع تصحيح العقد على ما دل عليه كلامه في الوسيط قال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 200 لان المصير إلى ابطال العقد مع الحديث لا وجه له وان قال قائلون به وتأويل اذنه في الشرط انه كان يثق بعائشة رضي الله عنها انها تفى به تكرما لا انه لازم * (التفريع ان صححنا شرط العتق فذلك إذا أطلق أو قال بشرط أن تعتقه عن نفسك أما إذا قال بشرط أن تعتقه عنى فهو لاغ ثم العتق المشروط حق من فيه وجهان (أظهرهما) أنه حق الله عزوجل كالملتزم بالنذر (والثانى) أنه حق البائع لان اشتراطه يدل على تعلق غرضه به والظاهر أنه تسامح في الثمن إذا شرط العتق (فان قلنا) انه حق البائع فله المطالبة به لا محالة (وان قنا) أنه حق الله تعالى فوجهان (أحدهما) أنه ليس له المطالبة به إذ لا ولاية له في حقوق الله عزوجل (وأصحهما) أنه ليس له ذلك لانه ثبت بشرطه وله غرض في تحصيله وإذا أعتقه المشترى فقد وفى بما التزم والولاء له (وإن قلنا) العتق حق البائع لانه صدر عن ملكه وان امتنع فهل يجبر عليه فيه وجهان وقيل قولان (أصحهما) عند المصنف أنه يجبر عليه (والثاني) لا ولكن للبائع الخيار في فسخ البيع وهما مبنيان على أن العتق حق من (إن قلنا) إنه حق الله عزوجل فيجبر عليه (وإن قلنا) إنه حق البائع فلا يجبر كما في شرط الرهن والكفيل وإذا قلنا بالاجبار فهل يخرج على الخلاف في المولى إذا امتنع من الطلاق حتي يعتق القاضى علي رأى أو يحبسه حتي يعتق على رأى أولا طريق سوى الحبس حتى يعتق أبدى الامام فيه احتمالين (والال) هو المذكور في التتمة قال الامام والخلاف في الاجبار لا يبعد طرده في شرط الرهن والكفيل ومن جهة القياس لكن لم يطردوه (وإذا قلنا) العتقل حق للبائع فلو أسقطه سقط كما لو شرط رهنا أو كفيلا ثم عفا عنه وعن أبى محمد ان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 201 شرط الرهن والكفيل أيضا لا يفرد بالاسقاط كحق الاجل * وهل يجوز إعتاق هذا العبد عن الكفارة (ان قلنا) إن العتق حق الله عزوجل فلا كاعتاق المنذور عتقه عن الكفارة وإن قلنا إنه حق البائع فكذلك إن لم يسقط حقه وان أسقطه جاز علي أصح الوجهين (والثاني) لا يجوز لان البيع بشرط العتق لا يخلو عن محاباة فكأنه أخذ على العتق عوضا ويجوز له الاستخدام والوطئ والاكساب الحاصلة له ولو قتل كانت القيمة له ولا يكلف صرفها إلى عبد آخر ليعتقه وليس له أن يبيعه من غيره ويشترط العتق عليه في أصح الوجهين لان العتق مستحق عليه فليس له نقله الي غيره وهل يجزى ايلاد الجارية عن الاعتاق فيه وجهان (أصحهما) لا بل عليه أن يعتقها * ولو مات العبد قبل أن يعتقه ففيه أوجه (أظهرها) أنه ليس عليه الا الثمن المسمى لانه لم يلتزم غيره (والثاني) أن عليه مع ذلك قدر التفاوت بين ثمن مثله مشترى مطلقا وثمن مثله مشترى بشرط العتق ومنهم من زاد في هذا الوجه أنه يعرف قدر التفاوت هكذا ويجب عليه مثل نسبته من الثمن المسمى (والثالث) أن البائع بالخيار إن شاء أجاز العقد ولا شئ له وان شاء فسخ البيع ورد مأخذ من الثمن ويرجع بقيمة العبد عليه وحكى بعضهم بدل هذا الوجه أنه ينفسخ العقد لتعذر إمضائه إذ لا سببل إلى ايجاب شئ على المشترى من غير تفويت ولا الزام ولا إلى الاكتفاء بالمسمى فان البائع لم يرض به الا بشرط العتق وهذه الوجوه مفرعة على أن العتق للبائع أو هي مطردة سواء قلنا انه للبائع أو لله تعالى فيه رأيان للامام (أظهرهما) الثاني * ولو اشترى عبدا بشرط أن يدبره أو يكاتبه أو يعتقه بعد شهر أو سنة أو دارا بشرط الجزء: 8 ¦ الصفحة: 202 أن يجعلها وقفا ففى هذه الشروط وجهان (أصحهما) أنها ليست كشرط العتق بل يبطل البيع بها وجميع ما ذكرناه في شرط العتق مفروض فيما إذا لم يتعرض الولاء فاما إذا شرط مع العتق كون الولاء للبائع ففيه وجهان (أحدهما) أنه يبطل البيع لان شرط الولاء تغيير ظاهر المقتضى العقد لتضمنه نقل الملك إلى البائع وارتفاع العقد (والثاني) أنه يصح لحديث بريرة فان عائشة رضى الله عنها أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مواليها لا يبيعونها إلا بشرط أن يكون الولاء لهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى واشترطي لهم الولاء أذن في الشراء بهذا الشرط وهو لا ياذن في باطل وعلي هذا ففى صحة الشرط قولان نقلهما الامام (أحدهما) أنه لا يصح لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (خطب بعد ذلك وقال ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله عزوجل كل شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل شرط الله أوثق وقضاء الله أحق والولاء لمن أعتق) (والثانى) أنه يصح لانه أذن في اشتراط الولاء وهو لا يأذن في باطل وهذا هو الذى أورده صاحب الكتاب (وأعلم) انه خلاف ما اتفق عليه جمهور الاصحاب فانهم أطبقوا على أن شرط الولاء يفسد البيع وحكموا قولا ضعيفا على خلافه عن رواية الاصطخرى أو تخريجه ثم على ذلك القول الضعيف قضوا بفساد الشرط وقصروا الصحة علي العقد ولا تكاد تجد حكاية الخلاف في صحة الشرط بعد تصحيح العقد الا للامام رحمه الله تعالى وفى حديث بريرة إشكال أفسدنا العقد أو صححناه وافسدنا الشرط أو صححناه (أما) إذا أفسدنا العقد أو الشرط فلاذنه في الشراء واشتراط الولاء وأما إذا صححهناهما فلخطبته بعد ذلك وانكاره على هذا الشرط وكيف يجوز أن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 203 الشئ ثم ينكر عليه ويبطلة الا ان الصائرين إلى الفساد لم يثبتوا الاذن في شرط الولاء وقالوا إن هشاما تفرد به ولم يتابعه سائر الرواة عليه فيحمل على وهم وقع له لان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأذن فيما لا يجوز وبتقدير الثبوت فقد تكلموا عليه من وجوه لا نطول بذكرها وأما من صححهما قال انه نهاهم عن الاتيان بمثل هذه الشروط ولما جرت أنكر عليهم لارتكابهم مانهاهم عنه لكنه صححه وقد ينهى عن الشئ ثم يصححه * ولو جرى البيع بشرط الولاء دون شرط العتق بان قال بعتكه بشرط أن يكون الولاء لى ان اعتقته يوما من الدهر فقد ذكر في التتمة أن العقد ههنا باطل بلا خلاف إذ لم يشترط العتق حتي يحصل الولاء تبعا له * ولو اشترى أباه أو ابنه بشرط أن يعتقه فعن القاضي حسين أن العقد باطل لتعذر الوفاء بهذا الشرط فانه يعتق عليه قبل ان يعتقه والله اعلم * قال (والخامس أن يشترط ما لا يبقي علقة ككل شرط يوافق العقد من القبض وجواز الانتفاع * أو ما لا يتعلق به غرض كشرطه ان لا يأكل الا الهريسة وهذا استثنى بالقياس * وكذلك شرطه أن يكون خبازا أو كاتبا وكذا كل وصف مقصود) * غرض الفصل التعرض لاقسام الشروط التي لا تفسد العقد بعد ما تقدم ذكره والاصحاب قد ضبطوا صحيح الشروط وفاسدها في تقسيم هو كالترجمة والتفاصيل مذكورة في مواضعها قالوا الشرط ينقسم الي ما يقتضيه مطلق العقد والى مالا يقتضيه فالاول كالقبض وجواز الانتفاع والرد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 204 بالعيب ونحوها فلا يضر التعرض له ولا ينفع (والثاني) ينقسم الي ما يتعلق بمصلحة العقد والي ما لا يتعلق فالاول قد يتعلق بالثمن كشرط الرهن والكفيل وقد يتعلق بالثمن كشرط أن يكون العبد خبازا أو كاتبا وقد يتعلق بالطرفين كشرط الخيار فهذه الشروط لا تفسد العقد وتصح في نفسها (والثانى) ينقسم إلى ما لا يتعلق به غرض يورث تنافسا وتنازعا والى ما لا يتعلق فالاول كشرط أن لا يأكل الا الهريسة أو لا يلبس الا الخز وما أشبه ذلك فهذا لا يفسد العقد ويلغو في نفسه هكذا قاله صاحب الكتاب وشيخه لكن في التتمة أنه لو شرط ما يقتضي الزام ما ليس بلازم كما لو باع بشرط أن يصلى النوافل أو يصوم شهرا غير رمضان أو يصلى الفرائض في أول أوقاتها يفسد العقد لانه أوجب ما ليس بواجب وقضية هذا فساد العقد من مسألة الهريسة والخزأيضا (والثانى) كشرط أن لا يقبض ما اشتراه ولا يتصرف فيه بالبيع والوطئ ونحوهما وكشرط بيع آخر أو قرض وكشرطه أن لا خسارة عليه في ثمنه يعنى لو باعه وخسر في ثمنه ضمن له النقصان فهذه الشرائط والشباها فاسدة مفسدة للبيع الا شرط العتق كما مر (وقوله) في الكتاب وهذا استثنى بالقياس اراد به ما سبق ان المفهوم من نهيه عن بيع وشرط دفع محذور المنازعة الثائرة من الاشتراط والعلقة الباقيه بينهما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 205 بسببه وهذا المعني مقصود في هذه الصورة (وأما) ما يوافق مقتضى العقد فهو ثابت ذكر أو لم يذكر (واما) ما لا يتعلق به غرض فلا يتنازعان في مثله غالبا (واما) شرط الكتابة والخبز وسائر الاوصاف المقصودة فانها لا تتعلق بانشاء أمر في المستقبل بل هي أمور حاضرة ناجزة والظاهر أن الشارط لا يلتزمها الا وهى حاصلة فإذا هذه الشرائط وان كانت مستثناة عن صورة اللفظ لكنها منطبقة على المعني المفهوم منه * قال (ولو شرط أن تكون حاملا فقولان ولو شرط ان تكون لبونا (فالاصح) أنه كشرط الكتابة) * إحدى مسألتي الفصل أن يبيع جارية أو دابة بشرط ان تكون حاملا ونقدم عليها أن بيع الحمل لا يجوز لا من مالك الام ولا من غيره لما مر في النهي عن بيع الملاقيح فانه غير معلوم ولا مقدور * ولو باع حاملا مطلقا دخل الحمل في البيع تبعا وهل يقابله قسط من الثمه فيه خلاف نذكره في موضعه * ولو باع الحامل واستثنى حملها ففى صحة البيع وجهان منقولان في النهاية (احدهما) انه يصح كما لو باع الشجرة واستثنى الثمرة قبل بدو الصلاح (واصحهما) وبه اجاب الجمهور انه لا يصح لان الحمل لا يجوز افراده بالعقد فلا يجوز استثناؤه كاعضاء الحيوان ولو كانت الام لواحد والحمل لآخر فهل لمالك الام بيعها من مالك الحمل أو غيره فيه وجهان وكذا لو باع جارية حاملا بحر * الذى ذكره المعظم انه لا يصح لان الحمل لا يدخل في البيع فكأنه استثناه (والثانى) وهو اختيار الامام وصاحب الكتاب انه يصح ويكون الحمل مستثني شرعا إذا تقرر ذلك فلو باع جارية أو دابة بشرط أنها حامل ففى صحة البيع قولان ويقال وجهان مبنيان على أن الحمل هل يعلم أم لا (ان قلنا) لا لم يصح شرطه (وان قلنا) نعم صح وهو الاصح وخص بعضهم الخلاف بغير الآدمى وقطع بالصحة في الجوارى لان الحمل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 206 في الجواى عيب فاشتراط الحمل اعلام بالعيب فتصير كما لو باعها على أنها آبقة أو سارقة * ولو قال بعتك هذه الدابة وحملها ففى صحة العقد وجهان * عن أبى زيد انه يصح لانه داخل في العقد عند الاطلاق فلا يضر التنصيص عليه كما لو قال بعتك هذا الجدار وأساسه (والاصح) وبه قال ابن الحداد والشيخ أبو على انه لا يصح لانه جعل المجهول مبيعا مع المعلوم وما لا يجوز بيعه وحده لا يجوز بيعه مقصودا مع غيره بخلاف ما إذا باع بشرط انها حامل فانه جعل الحاملية وصفا تابعا وهذا الخلاف يجرى فيما إذا قال بعتك هذه الشاة وما في ضرعها من اللبن * وفى قوله بعتك هذه الجبة وحشوها طريقان (منهم) من طرد الخلاف ومنهم من قطع بالجواز لان الحشو داخل في مسمي الجبة فذكره ذكر ما دخل في اللفظ فلا يدل التنصيص عليه والحمل غير داخل في مسمى الشاة فذكره ذكر الشئ المجهول مع المعلوم * وإذا قلنا بالبطلان في هذه الصورة فقد قال الشيخ ابو علي في بيع الظهارة والبطانة في صورة الجبة قولا تفريق الصفقة وفى صورة الدابة يبطل البيع في الكل والفرق ان الحشو يمكن معرفة قيمته عند العقد والحمل واللبن لا يمگن معرفتهما حينئذ فيتعذر التوزيع قال الامام وهذا حسن لكنا نجرى قولا التفريق حيث يتعذر التوزيع كما لو باع شاة وخنزيرا أو باع حاملا وشرط الجزء: 8 ¦ الصفحة: 207 وضعها لرأس الشهر ونحنوه لم يصح البيع قولا واحدا لانه غير مقدور عليه قاله في الشامل وبيض الطير كحمل الجارية والدابة في جميع ذلك (والمسألة الثانية) لو باع شاة بشرط أنها لبون ففيه طريقان (أحدهما) أنها على الخلاف في البيع بشرط الحمل (والثاني) القطع بصحة البيع والفرق أن شرط الحمل يقتضي وجود الحمل عند العقد وهو غير معلوم وشرط كونها لبونا لا يقتضى وجود اللبن حينئذ وانما هو اشتراط صفة فيها فكان بمثابة شرط الكتابة والخبز في العقد حتي لو شرط كون اللبن في الضرع كان بمثابة شرط الحمل وطريقة طرد الخلاف أظهر لانه نص في الام على قولين في السلم في الشاة اللبون إلا أن قول الصحة ههنا أظهر منه في المسألة الاولي (وقوله) في الكتاب فالاصح انه كشرط الكتابة يجوز ان يريد من الطريقين (والاولى) أن يريد من القولين جوابا على الطريقة الاولى واعلم قوله كشرط الكتابة بالحاء لان عند ابي حنيفة لا يصح البيع بهذا الشرط ولذا قال في شرط الحمل ولو شرط انها تدر كل يوم كذا رطلا من اللبن لم يصح البيع لان ذلك لا يضبط ولا يقدر عليه فصار كما لو شرط في العبد أنه يكتب كل يوم عشرة اوراق * ولو باع شاة لبونا واستثني لبنها ففى صحة العقد وجهان (اصحهما) انه لا يصح كما لو استثنى الحمل في بيع الجارية والكسب في بيع السمسم والحب في بيع القطن والله اعلم * وفى الشروط الصحيحة باتفاق أو على اختلاف مسائل اخر نسير الي بعضها في هذا الموضع على الاختصار (منها) البيع بشرط البراءة من العيوب (ومنها) بيع الثمار بشرط القطع وسنشرحهما (ومنها) لو باع مكيلا أو موزونا أو مذروعا بشرط ان يكال بمكيال معين أو يوزن بميزان معين أو يذرع بذارع معين أو شرط الجزء: 8 ¦ الصفحة: 208 ذلك في الثمن ففيه خلاف ونورده في السلم وفى معناه تعيين رجل يتولي الكيل أو الوزن (ومنها) لو باع دارا واستثني لنفسه سكناها أو دابة واستثني ظهرها نظر إن لم يبين مدة لم يصح العقد وإن بين ففيه خلاف مذكور في الكتاب في آخر الاجارة (والاصح) أنه يبطل العقد وذهب أحمد إلى صحته (ومنها) لو شرط أن لا يسلم المبيع حتى يستوفى الثمن نظر إن كان مؤجلا بطل العقد وإن كان حالا بنى على أن البداءة في التسليم بمن فان جعلنا ذلك من قضايا العقد لم يضر ذكره والا فسد العقد (ومنها) لو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم على أن أزيدك صاعا فان أراد هبة صاع أو بيعه من موضع آخر فهو باطل لانه شرط عقد في عقد وإن أراد أنها إن خرجت عشرة آصع أخذت تسعة دراهم فان كانت الصيعان مجهولة لم يصح لانه لا يدرى صحة كل صاع وإن كانت معلومة صح فان كانت عشرة فقد باع صاعا وتسعا بدرهم ولو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم على أن انقصك صاعا فان أراد رد صاع إليه فهو فاسد لانه شرط عقد في عقد وإن إراد أنها إن خرجت تسعة آصع أخذت عشرة دراهم فان كانت الصيعان مجهولة لم يصح وإن كانت معلومة صح وإذا كانت تسعة آصع فيكون كل صاع بدرهم وتسع وعن صاحب التقريب انه لا يصح في صورة العلم أيضا لان العبارة لا تنبئ عن المجمل المذكور ولو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم على أن انقصك صاعا أو ازيدك صاعا ولم يبين أحدى الجهتين فهو باطل (ومنها) لو باع قطعة ارض على أنها مائة ذراع فخرجت دون المائة ففيه قولان (احدهما) بطلان البيع لان قضية قوله بعتك هذه الارض ان لا يكون غيرها مبيعا وقضية الشرط ان لا تدخل الزيادة في البيع فوقع التضاد وتعذر التصحيح (واظهرهما) وقطع به قاطعون انه صحيح تغليبا للاشارة وتنزيلا لخلف الشرط في المقدار منزلة خلفه في الصفات وبهذا قال ابو حنيفة فعلى هذا للمشترى الخيار بين الفسخ والاجازة ولا يسقط خياره بان يحط البائع من الثمن قدر النقصان وإذا اجاز فيجيز بجميع الثمن أو بالقسط فيه قولان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 209 كما في تفريق الصفقة لكن الاظهر ههنا ان يجيز بجميعه لان المتناول بالاشارة تلك القطعة لا غير ولو كان المسألة بحالها وخرجت القطعة اكثر من المائة ففى صحة البيع قولان ايضا ان صححناه فالمشهور ان للبائع الخيار فان اجاز كانت كلها للمشترى ولا يطالبه للزيادة بشئ فيه وجه آخر اختاره صاحب التهذيب انه لا خيار للبائع ويصح البيع في الكل بالثمن المسمى وينزل شرطه منزلة ما لو شرط كون المبيع معيبا فخرج سليما لا خيار له فعلي المشهور لو قال المشترى لا نفسح فانى اقنع بالقدر المشروط سابقا والزيادة لك فهل يسقط خيار البائع فيه قولان عن رواية صاحب التقريب وغيره (احدهما) نعم لزوال الغبينة عن البائع (والثانى) لا لان ثبوت حق المشترى على الشيوع يجر ضررا وهذا اظهر وبه قال الامام ورجح ابن سريج الاول في جوابات الجامع الصغير لمحمد رحمهما الله * ولو قال لا نفسخ حتى ازيدك في الثمن لما زاد لم يكن له ذلك ولم يسقط به خيار البائع بلا خلاف ويقاس بهذه المسألة ما إذا باع الثوب علي أنه عشرة أذرع أو القطيع على انه عشرون رأسا أو الصبرة على أنها ثلاثون صاعا وفرض نقصانا أو زيادة * وفرق صاحب الشامل بين الصبرة وغيرها فروى أن الصيرة إذا زادت علي القدر المشروط يرد الفضل وإن نقصت وأجاز المشترى يجيز بالحصه وفيما عداها يجيز بجيمع الثمن لان أجزاءها تتساوى فلا يجر التوزيع جهالة (ومنها) لو قال لغيره بع عبدك من زيد بالف على أن على خمسمائة فباعه على هذا الشرط هل يصح البيع فيه قولان لابن سريج (أظهرهما) لا لان الثمن يجب جميعه علي المشترى وههنا جعل بعضه علي غيره (والثانى) نعم ويجب على زيد الف وعلى الآمر خمسمائة كما لو قال الق متاعك في البحر على أن على كذا * قال (ومهما فسدت هذه الشرائط فسد بفسادها العقد * والاصح ان شرط نفى خيار المجلس والرؤية فاسد * ما يصح من المبيوع لولا الشرط إذا ضم إليه شرط لم يخل ذلك الشرط اما أن يكون صحيحا أو فاسدا فان كان صحيحا فالعقد صحيح لا محالة وان كان فاسدا فلا يخلو إما ان يكون شيئا لا يفرد بالعقد وإما ان يكون شيئا يفرد بالعقد فان كان الاول نظر إن لم يتعلق به غرض يورث تنافسا وتنازعا فلا يؤثر ذلك في العقد علي ما سبق * قال الامام ومن هذا القبيل ما إذا عين الشهود لتوثيق الثمن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 210 وقلنا انهم لا يتعينون فلا يفسد به العقد لانا إذا الغينا تعبين الشهور فقد أخرجناه عن ان يكون من مقاصد العقد وإن تعلق به غرض فسد العقد بفساده للنهي عن بيع وشرط ولانه يفضى إلى المنازعة ولانه يوجب الجهل بالعوض وكل ذلك قد تقدم * وعن أبى ثور رواية قول ان فساد الشرط لا يتعدى إلى فساد العقد بحال لقصة بريرة فانه صلي الله عليه وسلم أنكر على الشرط وأبطله ولم يفسد العقد * وإن كان مما يفرد بعقد كالرهن والكفيل فهل يفسد البيع بشرطهما على نعت الفساد فيه قولان (أظهرهما) وبه قال أبو حنيفة نعم كسائر الشروط الفاسدة (والثانى) وبه قال المزني لا لانه يجوز افراده عن البيع فلا يوجب فساده فساد البيع كالصداق في النكاح لا يوجب فساده فساد النكاح * إذا عرفت ما ذكرناه عرفت أن قوله في الكتاب ومهما فسدت هذه الشرائط فسد بفسادها العقد غير مجرى على إطلاقه (وأما) قوله والاصح أن نفى خيار المجلس والرؤية فاسد فلا يخفى أنه ليس له كبير تعلق بهذا الموضع ثم فقهه أنه إذا باع شيئا بشرط نفي خيار المجلس وقبله المشترى هل يصح هذا الشرط فيه طريقان (أظهرهما) أنه المسألة على قولين (أحدهما) أنه يصح لقوله صلى الله عليه وسلم (المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا الا بيع الخيار) (وأصحهما) أنه لا يصح لما روى أنه صلى الله عليه وسلم وسلم قال (المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يتخايرا) وهذا ما نص عليه في البويطى والقديم (وقوله) إلا بيع الخيار المراد منه أن يقطعا الخيار بعد العقد وهو التخاير وقيل أراد إلا بيعا شرط فيه الخيار فان الخيار في ذلك البيع ينفى بعد التفرق والاستثناء على هذا راجع إلى قوله ما لم يتفرقا (والطريق الثاني) القطع بالقول الثاني واليه ذهب ابو اسحق بعد ما كان يقول بطريقة القولين: فان صححنا الشرط صح البيع ولزم وإن أفسدنا الشرط فهل يفسد البيع فيه وجهان (أصحهما) نعم لانه شرط ينافى مقتضى العقد فاشبه ما إذا قال بعتك بشرط أن لا أسلمه * وإذا سلكت سبيل الاختصار قلت في المسألة ثلاثة أقوال أو وجوه (أصحها) فساد الشرط والعقد جميعا * ولو شرط نفى خيار الرؤية علي قول صحة بيع الغائب فقد طرد الامام وصاحب الكتاب فيه الخلاف والاكثرون قطعوا بانه فاسد مفسد والفرق انه لم ير المبيع ولا عرف حاله فنفى الخيار فيه يؤكد الغرر ونفي خيار المجلس لا يمكن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 211 غررا بل هو مخل لمقصود العقد وإنما اثبته الشرع علي سبيل التخفيف رفقا بالمتعاقدين فجاز ان لا يقدح نفيه * (وقوله) في الكتاب والاصح ان نفي جيار المجلس اراد الاصح من الوجوه جوابا على طريقة اثبات الخلاف في الصورتين وهذا الخلاف شبيه بالخلاف في البيع بشرط البراءة من العيوب وسيأتى من بعد * ويتفرع على هذا الخلاف ما إذا قال لعبده إذا بعتك فانت حر ثم باعه بشرط نفي الخيار (فان قلنا) البيع باطل أو قلنا الشرط ايضا صحيح لم يعتق (اما) على التقدير الاول فلان اسم المبيع يقع على الصحيح ولم يوجد (واما) علي الثاني فلان ملكه قد زال والعقد قد لزم ولا سبيل إلى اعتاق ملك الغير (وإن قلنا) ان العقد صحيح والشرط فاسد عتق لبقاء الخيار ونفوذ العتق من البائع في زمن الخيار * وعند أبي حنيفة ومالك لا يعتق إلا أن يبيع بشرط الخيار لان خيار المجلس غير ثابت عندهما * قال (والعقد الفاسد لا يفيد الملك (ح) وان اتصل القبض به * وان كانت جارية فوطئها وجب المهر وثبت النسب للشبهة والولد حر) * إذا اشترى شيئا شراءا فاسدا بشرط فاسد أو بسبب آخر ثم قبضه لم يملكه بالقبض ولا ينفذ تصرفه فيه وبه قال أحمد ومالك * وقال ابو حنيفة ان اشترى مالا قيمة له كالدم والميتة فالحكم كذلك فان اشتراه بشرط فاسد وبماله قيمة في الجملة كالخمر والخنزير ثم قبض المبيع باذن البائع ملكه ونفذ تصرفه فيه لكن للبائع أن يسترده بجميع زوائده ولو تلف في يده أو زال ملكه عنه ببيع أو هبة أو اعتاق فعليه قيمته الا أن يشترى عبدا بشرط العتق فانه قال يفسد العقد وإذا تلف في يده فعليه الثمن * لنا انه بيع مسترد بزوائده المتصلة والمنفصلة فلا يثبت الملك فيه للمشترى كما لو اشترى بدم أو ميتة * إذا تقرر ذلك فعلي المشترى رد المقبوض بالبيع الفاسد ومؤنة رده كالمغصوب ولا يجوز حبسه لاسترداد الثمن ولا يتقدم به علي الغرماء خلافا لابي حنيفة في المسألتين * وحكى القاضي ابن كج مثله جها عن الاصطخرى ونقل القاضى حسين عن نص الشافعي رضي الله عنه جواز الحبس والظاهر الاول ويلزمه أجرة المثل للمدة التى كان في يده سواء استوفى المنفعة أو تلفت تحت يده أو بقيت في يده فعليه ارش النقصان وان تلف فعليه قيمته أكثر ما كانت من يوم القبض إلى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 212 يوم التلف كالمغصوب لانه مخاطب كل لحظة من جهة الشرع برده وفيه وجه آخر انه تعتبر قيمته يوم التلف كالعارية * وعن الصيدلانى وغيره حكايه وجه ثالث أنه يعتبر قيمته يوم القبض وقد يعبر عن هذا الخلاف بالاقوال * وما حدث في رده من الزوائد المنفصلة كالولد والثمرة والمتصلة كتعلم الحرفة والسمن مضمون عليه كزوائد المغصوب وفيه وجه انه لا يضمن الزيادة عند التلف * ولو أنفق على العبد المبيع مدة لم يرجع على البائع إن كان عالما بفساد البيع فان كان جاهلا فعن الصيمري أنه على وجهين * ولو كان المبيع جارية فوطئها المشترى فان كانا جاهلين فلا حد ويجب المهر وان كانا عالمين وجب الحد وان اشتراها بميتة أو دم أو خمر أو بشرط فاسد لم يجب لاختلاف العلماء كالوطئ في النكاح بلا ولى ونحوه قال الامام ويجوز أن يقال يجب الحد لان أبا حنيفة لا يبيح الوطئ وان كان يثبت الملك بخلاف الوطئ في النكاح بلا ولي * وإذا لم يجب الحد يجب المهر ولا عبرة بالاذن الذي يتضمنه التمليك الفاسد وان كانت بكرا وجب مع مهر البكر ارش البكارة (أما) مهر المثل فللاستمتاع بها (وأما) الارش فلاتلاف ذلك الجزء * ولو استولدها فالولد حر للشبهة وعليه قيمته إن خرج حيا باعتبار يوم الوضع وتستقر القيمة عليه بخلاف ما لو اشترى جارية واستولدها فخرجت مستحقة يغرم قيمة الولد ويرجع على البائع لانه غره ثم الجارية لا تصير أم ولد في الحال فان ملكها يوما من الدهر ففيه قولان وان دخل علي الام نقص بالحمل أو الوضع وجب الارش وان خرج الولد ميتا فلا قيمة لكن ان سقط بجناية جان وجبت الغرة على عاقلة الجاني وعلي المشترى أقل الامرين من قيمة الولد يوم الولادة والغرة ويطالب به المالك من شاء من الجاني والمشترى ولو ماتت في الطلق لزمه قيمتها وكذلك لو وطئ أمة الغير بالشبهة فاحبلها فماتت في الطلق وهذه الصورة وأخواتها مذكورة في باب الرهن في الكتاب وسنقف على شرحها ان شاء الله تعالي * ولو اشترى شيئا فاسدا ثم باعه من آخر فهو كالغاصب يبيع المغصوب فان حصل في يد الثاني فعليه رده إلى المالك فان تلف في يده نظران كانت قيمته في يديهما سواء أو كانت في الثاني أكثر رجع المالك بالجميع على من شاء منهما والقرار على الثاني لحصول التلف في يده وإن كانت القيمة في يد الاول الجزء: 8 ¦ الصفحة: 213 أكثر فضمان النقصان على الاول والباقى يرجع به على أيهما شاء والقرار علي الثاني لحصول التلف في يده وكل نقص حدث في يد الاول لا يكون الثاني مطالبا به وكل نقص حدث في يد الثاني يكون الاول مطالبا به ويرجع علي الثاني وكذلك حكم أجرة المثل والله أعلم * قال (ولا ينقلب العقد صحيحا * بخلاف الشرط وان كان في المجلس (ح) * ولا يصح شرط اجل (ح) وخيار وزيادة ثمن (ح) ومثمن بعد لزوم العقد * والاقيس منعه ايضا في حالة الجواز) * هذه البقية تشتمل على مسألتين (أحداهما) لو فسد البيع بشرط فاسد ثم حذفا الشرط لا ينقلب العقد صحيحا سواء كان الحذف في المجلس أو بعده * وعن أبي حنيفة أنه إن كان الحذف في المجلس انعقد صحيحا ولنا مثله وجه نذكره بما فيه في كتاب السلم * واحتج الاصحاب بان العقد الفاسد لا عبرة به فلا يكون لمجلسه حكم بخلاف العقد الصحيح * (الثانية) لو زاد في الثمن أو المثمن أو زاد شرط الخيار أو الاجل أو قدرهما نظر ان كان ذلك بعد لزوم العقد لم يلتحق بالعقد لان زيادة الثمن لو التحقت بالعقد لوجبت على الشفيع كاصل الثمن ولا يجب وكذا الحكم عندنا في رأس مال السلم والمسلم فيه والصداق وغيرهما وكذا الحط عندنا لا يلتحق بالعقد حتى يأخذ الشفيع بما سمي في العقد لا بما بقى بعد الحط * وعند أبى حنيفة الزيادة في المثمن والصداق ورأس مال السلم تلزم وكذا في الثمن ان كان باقيا وان كان تالفا فله مع اصحابه اختلاف فيه ولا يثبت في المسلم فيه على المشهور وشرط الاجل يلتحق بالعقد في الثمن والاجرة والصداق وسائر الاعراض قال واما الحط فان الحط نقص يلتحق بالعقد دون حط الكل * وان كانت هذه الالحاقات قبل لزوم العقد فان كانت في مجلس العقد أو في زمان الخيار المشروط فيه أوجه (أحدها) انها لا تلتحق لتمام العقد كما بعد اللزوم وهذا أقيس عند صاحب الكتاب وفي التتمة انه الصحيح (والثانى) عن أبي زيد والقفال انها تلتحق في خيار المجلس دون الجزء: 8 ¦ الصفحة: 214 خيار الشرط لان مجلس العقد كنفس العقد الا تري انه يصلح لتعيين رأس مال السلم والعوض في عقد الصرف بخلاف زمان الخيار المشروط (وأصحها) عند الاكثرين انها تلتحق أما في مجلس العقد فلما ذكرنا وأما في زمان الخيار المشروط فلانه في معناه من حيث ان العقد غير مستقر بعد والزيادة قد يحتاج إليها لتقرير العقد فان زيادة العوض من أحدهما تدعو الآخر إلى امضاء العقد ويؤيد هذا الوجه أن الشافعي رضى الله عنه نص في كتاب السلم أنه لو أطلق السلم ثم ذكر الاجل قبل التفرق صح ولزم ثم هذا الجواب مطلق أم هو مخصوص ببعض الاقوال في الملك في زمان الخيار * اختار العراقيون انه مطلق وحكوا عن أبي على الطبري انه مفرع على قولنا ان الملك في زمان الخيار للبائع فاما إذا قلنا انه للمشترى أو قلنا أنه موقوف وامضينا العقد لم يلتحق بما بعد اللزوم وان قلنا أنه موقوف واتفق الفسخ فليلتحق ويرتفع بارتفاع العقد وهذا ما اختاره الشيخ أبو على ووجهه بأنا إذا قلنا ان الملك للمشترى فالزياة في الثمن لا يقابلها شئ من المثمن وكذا الاجل والخيار لا يقابلهما شئ من العوض وحينئذ يمتنع الحكم بلزومهما وتابعه صاحب التهذيب وغيره على ما اختاره * وإذا قلنا انها تلتحق فالزيادة تجب على الشفيع كما تجب على المشترى وفى الحط قبل اللزوم مثل هذا الخلاف فان التحق بالعقد انحط عن الشفيع أيضا وعلى هذا الوجه ما يلتحق بالعقد من الشروط الفاسدة قبل انقضاء الخيار بمثابة ما لو اقترنت بالعقد في افساده وان حط جميع الثمن كان كما لو باع بلا ثمن والله أعلم * قال (القسم الثاني من المناهى ما لا يدل على الفساد وهو كل ما نهى عنه لمجاورة ضرر اياه دون خلل في نفسه * ومنه النهى عن الاحتكار * والتسعير * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 215 أما ترجمة القسم فقد مرما فيها في أول الباب (وأما) فقه الفصل فمسألتان (أحداهما) الاحتكار منهى عنه ثم هو مكروه أو محرم قال بعض الاصحاب إنه مكروه (والاصح) التحريم لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (لا يحتكر الاخاطي أي آثم) وروى انه صلى الله عليه وسلم قال (الجالب مرزوق والمحتكر ملعون وروى ايضا (من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله عزوجل منه) والاحتكار ان يشترى ذو الثروة الطعام في وقت الغلاء ولا يدعه للضعفاء ويحبسه ليبيعه منهم باكثر عند اشتداد حاجاتهم * ولا بأس بالشراء في وقت الرخص ليبيع في وقت الغلاء لنفقة نفسه وعياله تم يفضل شئ فيبيعه في وقت الغلاء ولابان يمسك غلة ضيعته ليبيع في وقت الغلاء ولكن الاولي ان يبيع ما فضل عن كفايته وهل يكون إمساكه مكروها ذكروا فيه وجهين وتحريم الاحتكار يختص بالاقوات ومنها التمر والزبيب ولا يعم جميع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 216 الاطعمة (الثانية) لا ينبغي للامام أن يسعر (روى أن السعر غلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يارسول الله سعر لنا فقال إن الله عزوجل هو المسعر القابض الباسط الرازق وإنى لارجو ان القى ربي وليس أحد منكم يطلبني بظلامة في دم ولا مال) وهل يجوز ذلك؟ إن كان في وقت الرخص فلا وان كان في وقت الغلاء فوجهان (احدهما) وبه قال مالك يجوز رفقا بالضعفاء (واصحهما) أنه لا يجوز تمكينا للناس من التصرف في اموالهم ولانهم قد يمتنعون بسبب ذلك عن البيع فيشتد الامر * وعن ابي اسحاق انه لو كان يجلب الطعام إلى البلد فالتسعير حرام وإن كان يزرع بها وهو عند الغلاء فيها فلا يحرم * وحيث جوزنا التسعير فذلك في الاطعمة ويلتحق بها علف الدواب في أظهر القولين * وإذا سعر الامام عليه فخالف استحق التعزير وفى صحة البيع وجهان منقولان في التتمة) * قال (وأن يبيع حاضر لباد وهو أن يتربص بسلعته إلى أن يغالى في ثمنها فيفوت الرزق والربح على الناس) * عن جابر وأبي هريرة رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يبيع حاضر لباد) وصورته أن يحمل البدوى أو القروي متاعه الي البلد ويريد بيعه بسعر اليوم ليرجع إلى موضعه ولا يلتزم مؤنة الاقامة فيأتيه البلدى ويقول ضع متاعك عندي وارجع لابيعه لك على التدريج باغلا من هذا السعر * وهو مأثؤم به بشروط (أحدها) أن يكون عالما بورود النهى فيه وهذا شرط يعم جميع المناهي (وثانيها) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 217 أن يظهر من ذلك المتاع سعة في البلد فان لم يظهر امام لكبر البلد وقلة ذلك الطعام أو لعموم وجوده أو رخص السعر فيه ففيه وجهان (أوفقهما) لمطلق الخبر أنه يحرم (والثاني) لا لان المعنى المحرم تفويت الرفق والربح على الناس وهذا المعنى لم يوجد ههنا (وثالثها) ان يكون المتاع المجلوب مما تعم الحاجة إليه كالصوف والاقط وسائر اطعمة القرى (فاما) ما لا يحتاج إليه الا نادرا فقلا يدخل تحت النهي قاله في التهذيب (ورابعها) أن يحصر القروى لحضري ذلك على البدوى ويدعوه إليه (فاما) إذا التمس البدوى منه بيعه تدريجا أو قصد الاقامة في البلد لييعه كذلك فسأل البدوى تفويضه إليه فلا بأس به لان لم يضر بالناس ولا سبيل إلى منع المالك عنه لما فيه من الاضرار به * ولو أن البدوى استشار الحضرى فيما فيه حظه فهل يرشده إلى الادخار والبيع على التدريج حكى القاضي ابن كج عن ابي الطيب بن سلمة وأبى اسحاق المروزى أنه يجب عليه إرشاده إليه بذلا للنصيحة وعن أبي حفص بن الوكيل أنه لا يرشده إليه توسيعا على الناس * ثم لو باع الحضرى للبدوي عند اجتماع شرائط التحريم صح البيع وإن أثم واحتج الشافعي رضي الله عنه بما روى في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في آخر الخبر (دعوا الناس يرزق الله عزوجل بعضهم من بعض) ولولا صحة البيع لما كان في فعله تفويت علي الناس قال (وأن يتلقى الركبان ويكذب في سعر سلعتهم فيشتريها رخيصا فللبائع الخيار إذا عرف كذبه لانه تغرير) * روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (لا تلقوا الركبان للبيع وفى رواية فمن تلقاها فصاحب السلعة بالخيار بعد أن يقدم السوق) وصورته أن يتلقى الانسان طائفة يحملون متاعا إلى البلد فيشتريه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 218 منهم قبل قدوم البلد ومعرفة سعره فيأثم ان كان عارفا بالخبر قاصدا لتلقى الركبان لكن البيع صحيح ولا خيار لهم قبل أن يقدموا ويعرفوا السعر وبعده يثبت الخيار إن كان الشراء بارخص من سعر البلد سواء أخبر كاذبا أولم يخبر وان كان الشراء بسعر البلد أو أكثر ففى ثبوت الخيار وجهان (أحدهما) يثبت وبه قال الاصطخرى وابن الوكيل لظاهر الخبر (وأصحهما) لا يثبت لانه لم يوجد تغرير وخيانة وأجرى الوجهان فيما إذا ابتدأ الباعة والتمسوا منه الشراء عن علم منهم بسعر البلد أو غير علم * ولو لم يقصد التلقي بل خرج لشغل آخر من اصطياد وغيره فرآهم مقبلين فاشترى منهم شيئا فهل يعصى فيه وجهان (أحدهما) لا لانه لم يتلق (واظهرهما) عند الاكثرين نعم لشمول المعنى فعلى الاول لا خيار لهم وإن كانوا مغبونين (وقيل) إن أخبر عن السعر كاذبا ثبت الخيار وحيث نبت الخيار في هذه الصورة فهو على الفور كخيار العيب أو يمتد ثلاثة أيام فيه وجهان كما في خيار التصرية أصحهما أولهما * ولو تلقى الركبان وباع منهم ما يقصدون شراءه في البلد فهل هو كالتلقي للشراء فيه وجهان (احدهما) لا لان النهي إنما ورد عن الشراء (والثاني) نعم لما فيه من الاستبداد بالرفق الحاصل منهم وعن مالك أن البيع باطل في صورة تلقى الركبان وكذلك بيع الحاضر للبادى فيجوز أن يعلم القصلان بالميم إشارة إليه وبمثله قال احمد في بيع الحاضر للبادى * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 219 فيجوز ان يعلم الفصلان بالميم اشارة إليه وبمثله قال احمد في بيع الحاضر للبادى * وإذا تأملت ما اوردناه عرفت ان قوله في الكتاب ويكذب في سعر سلعتهم ليس بشرط في ثبوت الخيار والله اعلم * قال (ونهى عن السوم على السوم وهو بعد قرار الثمن وقبل العقد * ونهى عن البيع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 220 علي البيع وهو بعد العقد وقبل اللزوم * ونهي عن النجش وهو ان يرفع قيمة السلعة وهو غير راغب فيها ليخدع المشترى بالترغيب) * مقصود الفصل الكلام في ثلاثة من المناهي في البيع (احدها) روي عن ابن عمر وأبي رضى الله عنهم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يسوم الرجل علي سوم اخيه) وصورته ان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 221 يأخذ شيئا ليشتريه فيجئ غيره إليه ويقول رده حتى ابيع منك خيرا منه بارخص أو يقول لمالكه استرده لا شتريه باكثر وانما يحرم ذلك بعد استقرار الثمن (فاما) ما يطاف به فيمن يزبد وطلبه طالب فلغيره الدخول عليه والزيادة في الثمن روى (أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى على قدح وجلس لبعض أصحابه فقال رجل هما علي بدرهم ثم قال آخر هما علي بدرهمين فقال صلى الله عليه وسلم هما لك بدرهمين) وإنما يحرم إذا حصل التراضي صريحا فان جرى ما يدل علي الرضى ففى تحريم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 222 السوم على سوم الغير وجهان كالقولين في تحريم الخطبة في نظيره (والجديد) أنه لا يحرم وهل السكوت من أدلة الرضى إذا لم يقترن به ما يشعر بالانكار (اما) الخطبة فنعم (وأما) ههنا فقد قال الاكثرون لا بل هو كالتصريح بالرد وعن بعضهم أنه كما في الخطبة حتى يخرج على الخلاف (وثانيها) عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا بيع بعضكم علي بيع بعض) وصورته ان يشترى الرجل شيئا فيدعوه غيره الي الفسخ ليبيعه خيرا منه بارخص الجزء: 8 ¦ الصفحة: 223 وفى معناه الشراء على الشراء وهو أن يدعو البائع الي الفسخ ليشتريه منه باكثر ولا شك ان ذلك انما يكون عند امكان الفسخ * ثم الشافعي رضى الله عنه صوره فيما إذا كان المتبايعان في مجلس العقد بعد وعليه جرى كثير من الشارحين ونقلوا عن ابي حنيفة ان المراد من البيع علي البيع هو السوم لان عنده خيار المجلس لا يثبت فلا يتصور البيع على البيع * وقال قائلون مدة الخيار المشروط كزمان المجلس وهذا هو الوجه (وقوله) في الكتاب وقيل اللزوم يبطل الخيارين جميعا وشرط القاضى ابن كج لتحريم البيع على البيع شرطا وهو ان لا يكون المشترى مغبونا غبنا مفرطا فان كان فله ان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 224 يعرفه ويبيع على بيعه لانه ضرب من النصيحة قالوا ولو اذن البائع في البيع على بيعه ارتفع التحريم خلافا لبعض الاصحاب (وثالثها) عن ابن عمر (ان النبي صلي الله عليه وسلم نهي عن النجش) وصورته ان يزيد في ثمن السلعة المعروضة للبيع وهو غير راغب فيها ليخدع الناس ويرغبهم فيها فهو محرم لما فيه من الخديعة لكن لو انحدع انسان واشتراها صح العقد ولا خيار له ان لم يكن ما فعله الناجش عن مواطأة البائع وان كان عن مواطأته فوجهان (احدهما) وبه قال ابو اسحق انه يثبت الخيار للتدليس كما في التصرية (واشبههما) عند الائمة وبه قال ابن ابي هريرة انه لا خيار لان التفريط من جهته حيث اغتر بقوله ولم يحتط بالبحث عن ثقات اهل الخبرة وتخالف صورة التصرية إذ لا تفريط من المشترى وقد حكي صاحب الكتاب هذين الوجهين في فصول خيار النقيصة وجعل وجه ثبوت الخيار اقيس * ولو قال البائع اعطيت بهذه السلعة كذا فصدقه المشترى واشتراه ثم بان خلافه فان ابن الصباغ خرج ثبوت الخيار له على هذين الوجهين * وعن مالك أن شراء المنخدع في صورة النجش غير صحيح وهو رواية عن أحمد ضعيفة (واعلم) ان الشافعي رضي الله عنه أطلق القول في المختصر بتعصية الناجش وشرط في تعصية من باع على بيع أخيه أن يكون عالما بالحديث الوارد فيه قال الشارحون السبب فيه أن النجش خديعة وتحريم الخديعة واضح لكل أحد ومعلوم من الالفاظ العامة وان لم يكن يعلم هذا الخبر بخصوصه والبيع على بيع الاخ انما عرف تحريمه من الخبر الوارد فيه فلا يعرفه من لا يعرف الخبر * وذكر بعضهم أن تحريم الخداع يعرف بالعقل وان لم يرد شرع * ولك أن تقول كما أن النجش خديعة فالبيع على بيع الاخ اضرار وكما أن تحريم النجش يعرف من الالفاظ العامة في تحريم الخداع فكذلك تحريم البيع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 225 على البيع يعرف من الالفاظ العامة في تحريم الاضرار وإن لم يعلم الخبر الوارد فيه بخصوصه (وأما) الكلام الثاني فليس معتقدنا ومن قال به فقد يطرده في الاضرار (والوجه) توقيف المعصية على مطلق معرفة الحرمة إما من عموم أو من خصوص * قال (ونهي عن أن توله والدة بولدها وذلك في الصغر * فان فرق بينهما بالبيع ففى فساد البيع قولان لان التسليم تفريق محرم فكأنه معتذر) * عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. انه قال (لا توله والدة بولدها) وعن أبي أيوب رضى الله عنه انه صلى الله عليه وسلم قال (من فرق بين والدة وولدها فرق الله عزوجل بينه وبين أحبته يوم القامة) وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال (لا يفرق بين الام وولدها قيل إلي متي قال حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية) فهده الاخبار ونحوها عرفتنا تحريم التفريق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 226 بين الجارية وولدها الصغير بالبيع والقسمة والهبة وغيرها ولا يحرم التفريق في العتق ولا في الوصية فلعل الموت يكون بعد انقضاء زمان التحريم وفى الرد بالعيب اختلاف للاصحاب وعن الشيخ ابى اسحق الشيرازي أنه لو اشترى جارية وولدها الصغير ثم تفاسخا البيع في أحدهما جاز وحكم التفريق في الرهن مذكور في كتاب الرهن * وإذا فرق بينهما بالبيع والهبة ففى الصحة قولان (أحدهما) يصح وبه قال أبو حنيفة لان النهي لما فيه من الاضرار لا يحلل في نفس البيع (وأصحهما) المنع لما روى عن على رضى الله عنه أنه (فرق بين جارية وولدها فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ورد البيع) ولان التسليم تفريق محرم فيكون كالمتعذر فلما مر أن العجز قد يكون حسيا وقد يكون شرعيا وحكى ابو الفرج البزاز أن القولين فيما إذا كان التفريق بعد سقي الام ولدها اللباء فاما قبله فلا صحة جزما لانه تسبب الي هلاك الولد والى متى يمتد تحريم التفريق فيه قولان (احدهما) الي البلوغ وبه قال ابو حنيفة لخبر عبادة (واظهرهما) وهو الذى نقله المزني انه إلى سن التمييز وهو سبع أو ثمان على التقريب لانه حينئذ يستغني عن التعهد والحضانة ويقرب من هذا مذهب مالك فان عنده يمتد التحريم إلى وقت سقوط الاسنان (وقوله) في الكتاب وذلك في الصغر يوافق القول الاول لفظا * ويكره التفريق بعد البلوغ ولكن لو فرق بالبيع أو الهبة صح خلافا لاحمد * ولو كانت الام رقيقة والولد حرا وبالعكس فلا منع من بيع الرقيق ذكره في التتمة والتفريق بين البهيمة وولدها بعد استغنائه عن اللبن جائز وعن الصيمري حكاية وجه آخر * وهل الجدة والاب وسائر المحارم كالام في تحريم التفريق * هذه الصورة مذكورة في كتاب السير وسنأتي في الشرح عليها إن شاء الله تعالى والآن نختم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 227 الباب بذكر انواع اخر ورد النهي عنها (منها) ما هو من القسم الاول (ومنها) ما هو من القسم الثاني فما هو من القبيل الاول بيع المحافلة والمزابنة وسنذكرهما ومنها) ما روي انه صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع المجر) وفسره ابو عبيدة بما في الرحم (وقيل) هو الزنا (وقيل) هو للحاملة والزان (ومنها) ما روي انه صلى الله عليه سلم (نهي عن بيع العربان) ويقال له العربون أيضا وصورته أن يشتري سلعة من غيره ويدفع إليه دراهم على انه ان أخذ السلعة فهي من الثمن والا فهي للمدفوع إليه مجانا وتفسر ايضا بان تدفع دراهم إلى صانع ليعمل له ما يريده من خاتم يصوغه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 228 أو خف يخرزه أو ثوب ينسجه على انه ان رضيه فالمدفوع من الثمن والا لم يسترده منه وهما متقاربان (ومنها) ما روي أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع السنين) وله تفسيران (أحدهما) أن يبيع ثمرة النخل سنين (والثاني) ان يقول بعتك هذا سنة على انه إذا انقضت السنة فلا بيع بيننا فأردأنا الثمن وترد انت المبيع (ومنها) ما روي انه صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع وسلف) وهو البيع بشرط القرض وقد مر (ومنها) ما روي انه صلى الله عليه وسلم (نهى عن ثمن الهرة) قال القفال اراد الهرة الوحشية إذ ليس فيها منفعة استئناس ولاغيره (ومنها) بيع السلاح من اهل الحرب لا يصح لانه لا يراد الا للقتال فيكون بيعه منهم تقوية لهم على قتال المسلمين ويجوز بيع الحديد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 229 منهم لانه لا يتعين للسلاح (ومنها) ما روي (أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحب حتى يفرك) وروى النهي عن بيع الغنب حتى يسود وعن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة وسيأتي القول فيها ومما هو من القبيل الثاني بيع الرطب والعنب ممن يتوهم أنه يتخذ منهما النبيذ والخمر مكروه وان تحقق فمنهم من قال مكروه ومنهم من قال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 230 حرام وعلى التقديرين فلو باع صح خلافا لمالك وكذا بيع السلاح من البغاة وقطاع الطريق مكروه لكنه صحيح ويكره مبايعة من اشتملت يده على الحلال والحرام سواء كان الحلال أكثر وبالعكس ولو بايعه لم يحكم بالفساد وعن مالك (أن مبايعة من أكثر ماله حرام باطل) وليس من المنافي بيع العينة وهو أن يبيع شيئا من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشتري ثم يشتريه قبل قبضه للثمن بأقل من ذلك نقدا وكذا يجوز أن يبيع بثمن نقدا ويشتري بأكثر منه إلى أجل سواء قبض الثمن الاول الجزء: 8 ¦ الصفحة: 231 أو لم يقبضه وقال مالك وابو حنيفة واحمد رضي الله عنهم لا يجوز أن يشتري بأقل من ذلك الثمن قبل قبضه وجوز ابو حنيفة أن يشتري بسلعة قيمتها أقل من قدر الثمن * لنا أنه ثمن يجوز بيع السلعة به من غير بائعها فيجوز من بائعها كما لو اشتراه بسلعة أو بمثل ذلك الثمن أو أكثر ولا فرق بين أن يصير يبع العينة عادة غالبة في البلد أو لا يصير على المشهور وأفتى الاستاذ أبو إسحق والشيخ ابو محمد بأنه إذا صار عادة صار البيع الثاني كالمشروط في الاول فيبطلان جميعا ولهذا نظائر ستذكر في مواضعها وليس من المناهي بيع رباع مكة بل هو جائز وعن مالك وأبي حنيفة (انه لا يجوز لنا اتفاق الصحابة فمن بعدهم عليه) وليس من المناهي أيضا (بيع المصحف وكتب الحديث) وعن الصيمري (أن بيع المصحف مكروه) قال وقد قيل أن الثمن يتوجه إلى الدفتين لان كلام الله عزوجل لا يباع وقيل انه بدل من اجرة النسخ * قال (الباب الرابع * في الفساد من جهة تفريق الصفقة) (ومهما باع الرجل ملك نفسه وملك غيره ففي صحة بيعه في ملكه قولان الاصح الصحة * ولو كان ما بطل البيع فيه حرا أو خمرا أو خنزيرا أو ما لا قيمة له فقولان مرتبان وأولى بالبطلان * وللبطلان علتان (إحداهما) أن الصيغة متحدة فإذا فسدت في بعض المقتضيات لم تقبل التجزى (والاخرى) أن الثمن فيما يصح يصير مجهولا * وعلى هذه العلة لا يمتنع تفريق الصفقة في الرهن والهبة إذ لا عوض الجزء: 8 ¦ الصفحة: 232 فيهما * ولا في النكاح فانه لا يفسد بالجهل بالعوض) * هذا باب طويل التفريع كثير التردد في قواعد الفقه ولطول تفاريعه لم ير المزني إيداع مسائله في المختصر وبيض ورقة أو ورقتين ليلخصها أو يقتصر على ذكر أوضح القولين فيها ثم لم يتفق له ذلك فبقي في النسخ القديمة بعض البياض وللقفال وأصحابه تقسيم حاو لمسائل الباب في نهاية الحسن إلا أن إيراد الكتاب لا ينطبق عليه كل الانطباق والتقسيم المناسب له أن يقال: إذا جمع بين شيئين في صفقة واحدة لم يخل (إما) أن يجمع بينهما في عقد واحد (أو) في عقدين مختلفي الحكم (القسم الاول) أن يجمع بينهما في عقد واحد فله حالتان (إحداهما) أن يقع التفريق في الابتداء (والاخرى) أن تقع في الانتهاء (فأما) في الحالة الاولى فينظر إن جمع بين شيئين يمتنع الجمع بينهما من حيث هو جمع فلا يخفى بطلان العقد في الكل كما لو جمع بين أختين في النكاح أو بين خمس نسوة وان لم يكن كذلك فاما أن يجمع بين شيئين كل منهما قابل لما أورده عليه من العقد (وإما) أن لا يكون كذلك فان كان الاول كما لو جمع بين عينين في البيع يصح العقد فيهما ثم ان كان من جنسين كعبد وثوب أو من جنس واحد لكنهما ما مختلفا القيمة كعبدين يوزع الثمن عليهما باعتبار القيمة وإن كانا من جنس واحد وكانا متفقي القيمة كقفيزى حنطة واحدة يوزع عليهما باعتبار الاجزاء وإن كان الثاني فاما أن لا يكون واحد منهما قابلا لذلك العقد كما لو باع خمرا وميتة فلا يخفى حكمه (واما) أن يكون أحدهما قابلا فالذي هو غير قابل ضربان (أحدهما) أن يكون متقوما كما لو باع عبده وعبد غيره صفقة واحدة ففي صحة البيع في عبده قولان (أصحهما) وهو اختيار المزني أنه يصح لانه باع شيئين مختلفي الحكم فيأخذ كل واحد منهما حكم نفسه كما لو باع شقصا مشفوعا وثوبا ثبتت الشفعة في الشقص دون الثوب وأيضا فان الصفقة إذا اشتملت على صحيح وفاسد فالعقد صحيح في الصحيح وقصر الفساد على الفاسد ومثلوا ذلك بما إذا شهد عدل وفاسق لا يقضي برد الشهادتين ولا بقبولهما بل تلك مقبولة وهذه مردودة ولو قال قائل قدم زيد وعمرو وكان قدم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 233 زيد دون عمرو لا يقضي بالصدق فيهما ولا بالكذب فيهما بل ذلك صدق وهذا كذب (والثاني) لا يصح لاحد معنيين (الاول) ان اللفظة واحدة لا يتأتى تبعيضها فاما أن يغلب حكم الحرام على الحلال أو بالعكس والاول أولى لان تصحيح العقد في الحرام يمتنع وإبطاله في الحلال غير ممتنع (والثاني) أن الثمن المسمى يتوزع عليهما باعتبار القيمة ولا يدري حصة كل واحد منهما عند العقد فيكون الثمن مجهولا وصار كما لو قال بعتك عبدي هذا بما يقابله من الالف إذا وزع عليه وعلى عبد فلان فانه لا يصح وهاتان العلتان على ما حكاه أكثر الناقلون منسوبة إلى الاصحاب ولهم خلاف في أن العلة أيهما ورواهما القاضي ابن كج عن الشافعي رضي الله عنه وقال له قولان في أن العلة هذه أم هذه (والضرب الثاني) الا يكون متقوما وهو على نوعين (أحدهما) أن يتأتى تقدير التقويم فيه من غير فرض تغيير في الخلقة كما لو باع حرا وعبدا فان الحر غير متقوم لكن يمكن تقدير القيمة فيه من غير تغيير في الخلقة ففي صحة البيع في العبد طريقان (احدهما) القطع بالفساد لان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 234 المضموم إلى العبد ليس من جنس المبيعات ولانا سنذكر في التفريع الحاجة إلى التوزيع والتوزيع ههنا يحوج إلى تقدير شئ في الموزع عليه وهو غير موجود فيه (وأصحهما) طرد القولين قال الامام ولو قلنا في صحة البيع قولان مرتبان على ما إذا باع عبدا مملوكا والاخر مغصوبا لافاد ما ذكرنا من نقل الطريقتين وهكذا كل ترتيب ونقل عن شيخه ان القولين على الطريقة الثانية فيما إذا كان المشتري جاهلا بحقيقة الحال فان كان عالما فالوجه القطع بالبطلان كما لو قال بعتك عبدي بما يخصه من الالف إذا وزع عليه وعلى عبد فلان ولو باع عبده ومكاتبه أو أمته أو أم ولده فليس ذلك كما لو باع عبدا وحرا بل هو من صور الضرب الاول لان المكاتب وأم الولد متقومان بالاتلاف والنوع الثاني الجزء: 8 ¦ الصفحة: 235 أن لا يتأنى تقدير التقويم فيه من غير فرض تغيير في الخلقة كما لو باع خلا وخمرة أو مزكاة وميتة أو شاة وخنزيرا ففي صحة البيع في الخل والمزكاة والشاة خلاف مرتب على الخلاف في العبد والحر والفساد ههنا أولا لان تقدير القيمة غير ممكن ههنا الا بفرض تغيير الخلقة وحينئذ لا يكون المقوم هو المذكور في العقد. وقال أبو حنيفة العقد فاسد في الكل في الضرب الثاني وأما في الضرب الاول فيصح في الحلال ويتوقف في المضموم إليه على الاجازة. وصحح مالك البيع في الحلال في الضربين جميعا وعن احمد روايتان كقولي الشافعي رضي الله عنه ولو رهن عبده وعبد غيره من إنسان أو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 236 وهبهما منه أو رهن عبدا أو حرا أو وهبهما هل يصح الرهن والهبة في المملوك يترتب ذلك على البيع ان صححنا ثم فكذلك ههنا والا ففيه قولان مبنيان على العلتين (ان) عللنا بامتناع تجزئة العقد الواحد فلا يصح (وان) عللنا بجهالة العوض يصح إذ لا عوض ههنا حتى يفرض الجهل فيه وعلى هذا الترتيب ما إذا زوج منه مسلمة ومجوسية أو أخته وأجنبيته لان جهالة العوض لا تمنع صحة النكاح (وقوله) في الكتاب احدهما أن الصفقة متحدة وفي بعض النسخ أن الصيغة متحدة وكلاهما مستقيم وزاد الامام في هذه العلة قيدا فقال العقد متحد في نفسه فإذا تطرق الفساد إليه وجب أن لا ينقسم إذ لم يبن على الغلبة والسريان وقصد به الاحتراز عن العتق والطلاق وما في معناهما * قال (ولو اشترى عبدين وانفسخ العقد في أحدهما بالتلف قبل القبض أو بسبب يوجب الفسخ ففي الانفساخ في الباقي قولا تفريق الصفقة * وأولى بأن لا ينفسخ في الباقي) * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 237 الحالة الثانية أن يقع التفريق في الانتهاء وهو على ضربين (أحدهما) ان لا يكون اختياريا كما لو اشترى عبدين ثم قبل ان يقبضهما تلف احدهما فان العقد ينفسخ فيه وهل ينفسخ في الثاني فيه طريقان (احدهما) انه على القولين فيما لو جمع بين مملوك وغير مملوك تسوية بين الفساد المقرون بالعقد والفساد الطارئ قبل القبض كما يسوي في العيب بين المقرون بالعقد وبين الطارئ قبل القبض وهذا قد حكاه القاضي عن ابي إسحق المروزي (واصحهما) القطع بعدم الانفساخ في الثاني لان الانفساخ طرأ بعد العقد فلا يتأثر به الآخر كما لو نكح اجنبيتين دفعة واحدة ثم ارتفع نكاح احداهما بردة أو رضاع لا يرتفع نكاح الاخرى وايضا فان علة الفساد (إما) الجمع بين الحلال والحرام وإما جهالة الثمن ولم يوجد الجمع بين الحلال والحرام والثمن ثابت كله في الابتداء والسقوط الطارئ لا يؤثر في الانفساخ كما لو خرج المبيع معيبا وتعذر الرد لبعض الاسباب والثمن غير مقبوض فيسقط بعضه على سبيل الارش ولا يلزم منه فساد العقد والطريقان جاريان فيما إذا تفرقا في السلم وبعض رأس المال غير مقبوض أو في الصرف وبعض العوض غير مقبوض وانفسخ العقد في غير المقبوض هل ينفسخ في الباقي هذا إذا تلف احدهما في يد البائع قبل ان يقبضهما فاما إذا قبض أحدهما وتلف الاخر في يد البائع ترتب الخلاف في انفساخ العقد في المقبوض على الصورة السابقة وهذه اولى بعدم الانفساخ لتأكد العقد في المقبو ض بانتقال الضمان فيه إلى المشتري هذا إذا كان المقبوض باقيا في يد المشتري فان تلف في يده ثم تلف الاخر في يد البائع فالقول بالانفساخ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 238 أضعف لتلف المقبوض على ضمانه (وإذا قلنا) بعدم الانفساخ فهل له الفسخ فيه وجهان (أحدهما) نعم وترد قيمته (والثاني) لا وعليه حصته من الثمن ولو اكترى دارا مدة وسكنها بعض المدة ثم انهدمت الدار انفسخ العقد في المستقبل وهل ينفسخ في الماضي يخرج على الخلاف في المقبوض التالف في يد المشتري (فان قلنا) لا ينفسخ فهل له الفسخ فيه الوجهان (فان قلنا) ليس له ذلك فعليه من المسمى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 239 ما يقابل الماضي (وإن قلنا) له الفسخ فعليه أجرة المثل للماضي ولو انقطع بعض المسلم فيه عند المحل والباقي مقبوض أو غير مقبوض وقلنا لو انقطع الكل انفسخ العقد فيه انفسخ في المنقطع وفي الباقي الخلاف المذكور فيما إذا اتلف أحد الشيئين قبل قبضهما وإذا قلنا لا ينفسخ فله الفسخ فان أجاز فعليه حصته من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 240 راس المال لا غير (وان قلنا) لو انقطع الكل لم ينفسخ العقد فالمسلم بالخيار إن شاء فسخ العقد في الكل وإن شاء أجازه في الكل وهل له الفسخ في القدر المنقطع والاجازة في الباقي فيه قولان بناء على الخلاف الذي سنذكره في الضرب الثاني (والضرب الثاني) أن يكون اختياريا كما لو اشترى عبدين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 241 صفقة واحدة ثم وجد باحدهما عيبا فهل له افراده بالرد جزم الشيخ ابو حامد في التعليق بانه ليس له ذلك (والمشهور) أنه على قولين وبنوهما على جواز تفريق الصفقة ان جوزنا تجويز الافراد والا فلا وقياس هذا البناء أن يكون قول التجويز أظهر ولكن صرح كثير من الصائرين إلى جواز التفريق بان منع الاقرار أصح واحتجوا له بان الصفقة وقعت مجتمعة ولا ضرورة إلى تفريقها فلا تفريق والقولان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 242 مفروضان في العبدين وفي كل شيئين لا يتصل منفعة أحدهما بالاخر فاما في زوجي الخف ومصراعي الباب فلا سبيل إلى افراد المعيب بالرد بحال وارتكب بعضهم طرد القولين فيه ولا فرق على القولين بين أن ينفق ذلك بعد القبض أو قبله وعن أبي حنيفة أنه لا يجوز افراد المعيب بالرد قبل القبض الجزء: 8 ¦ الصفحة: 243 ويجوز بعده إلا أن تتصل منفعة أحدهما بالاخر فان لم نجوز الافراد فلو قال رددت المعيب هل يكون هذا ردا لها عن الشيخ أبي علي رواية وجهين فيه (أصحهما) لابل هو لغو ولو رضي البائع بافراده جاز في أصح الوجهين وان جوزنا الافراد فان رده استرد قسطه من الثمن ولا يسترد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 244 الجميع إذ لو صرنا إليه لاخلينا بعض المبيع عن المقابل وعلى هذا القول لو أراد رد السليم والمعيب معه فله ذلك أيضا وفيه وجه ضعيف ولو وجد العيب بالعبدين وم؟ اد وأفرد أحدهما بالرد جرى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 245 القولان ولو تلف أحد العبدين أو باعه ووجد بالباقي عيبا ففي افراده قولان مرتبان. وهذه الصورة أولى بالجواز لتعذر ردهما جميعا (فان قلنا) يجوز الافراد رد الباقي واسترد من الثمن حصته وسبيل التوزيع تقدير العبدين سليمين وتقويهما ويقسط الثمن على القيمتين فلو اختلفا في قيمة التالف فادعى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 246 المشتري ما يقتضي زياة الواجب على ما اعترف به البائع فقولان (أصحهما) وقد نص عليه في أخلاف العراقيين أن القول قول البائع مع يمينه لانه ملك جميع الثمن بالبيع فلا رجوع عليه الا بما اعترف به (والثاني) أن القول قول المشتري لانه تلف في يده فاشبه الغاصب مع المالك إذا اختلفا في القيمة لان القول قول الغاصب الذي حصل الهلاك في يده (وان قلنا) لا يجوز الافراد فوجهان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 247 ويقال قولان (أحدهما) أنه يضم قيمة التالف إلى الباقي ويردهما ويفسخ العقد وهذا اختيار القاضي أبي الطيب واحتج له بان النبي صلى الله عليه وسلم (أمر في المصراة برد الشاة وبدل اللبن الهالك) فعلى هذا لو اختلفا في قيمة التالف فالقول قول المشتري مع يمينه لانه حصل التلف في يده وهو الغارم وروي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 248 في التتمة وجها آخر أن القول قول البائع لان المشتري يريد إزالة ملكه عن الثمن المملوك (وأصحهما) أنه لا يصح له ولكنه يرجع بارش العيب لان الهلاك أعظم من العيب ولو حدث عنده عيب ولم يتمكن من الرد فعلى هذا لو اختلفا في قيمة التالف عاد القولان السابقان لانه في الصورتين يرد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 249 بعض الثمن الا أنه على ذلك القول يرد حصة الباقي وعلى هذا القول يرد ارش العيب والنظر في قيمة التالف إلى يوم العقد أو يوم القبض فيه مثل الخلاف الذي سيأتي في اعتبار القيمة لمعرفة ارش العيب القديم. وإذا عرفت ما ذكرنا لم يخف عليك أن قوله في الكتاب ولو اشترى عبدين وانفسخ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 250 العقد في أحدهما بالتلف قبل القبض اشارة إلى الحالة الاولى (وقوله) أو بسبب يوجب الفسخ يمكن حمله على الحالة الثانية وهو الاقرب إلى اللفظ ويمكن حمله على سائر الصور المذكورة في الحالة الاولي نحو الصرف والسلم وتأول لفظ الفسخ والله أعلم * قال (والاصح أن الفساد مقصور على الفاسد الا إذا صار ثمن ما يصح العقد عليه مجهولا حتى لو باع عبدا له نصفه صح في نصيبه إذ حصته نصف الثمن وكذا بيع جملة الثمار وفيها عشر الصدقة بخلاف ما لو باع أربعين شاة وفيها الزكاة إذ حصة الباقي مجهولة) (أدرج في الفصل صورا تتفرع على علتي قول الفساد من قولي التفريق (منها) لو باع شيئا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 251 يتوزع الثمن على أجزائه بعضه له وبعضه لغيره كما لو باع عبدا له نصفه أو صاع حنطة له نصفه أو صاعي حنطة أحدهما له والاخر لغيره صفقة واحدة ترتب ذلك على ما لو باع عبدين أحدهما له والاخر لغيره ان صححنا فيما يملكه فكذلك ههنا والا فقولان ان عللنا بالجمع بين الحلال والحرام لم يصح وان عللنا بجهالة الثمن صح لان حصة المملوك ههنا معلومة (ومنها) لو باع جملة الثمار وفيها عشر الصدقة فهل يصح البيع في قدر الزكاة قد بينه في باب الزكاة (فان قلنا) لا يصح فالترتيب في الباقي كما ذكرنا فيما لو باع عبدا له نصفه لان توزيع الثمن على ماله بيعه وما ليس له معلوم على التفصيل (ومنها) لو باع أربعين شاة وفيها قدر الزكاة وفرعنا على امتناع البيع في قدر الزكاة فالترتيب في الباقي كما مر فيما لو باع عبده وعبد غيره ومما يتفرع على هاتين العلتين لو ملك زيد عبدا وعمرو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 252 عبدا فباعهما صفقة واحدة بثمن واحد ففي صحة العقد قولان وكذا لو باع من رجلين عبدين له هذا من هذا وهذا من هذا بثمن واحد ان عللنا بالجمع بين الحلال والحرام صح وان عللنا بجهالة العوض لم يصح لان حصة كل واحد منهما مجهولة (ومنها) قال في التتمة لو باع عبده وعبد غيره وسمى لكل واحد منهما ثمنا فقال بعتك هذا بمائة وهذا بخمسين ان عللنا باجتماع الحلال والحرام فسد العقد وان عللنا بجهالة الثمن صح في عبده * ولك أن تقول سنذكر أن تفصيل الثمن من أسباب تعدد العقد وإذا تعدد وجب القضاء بالصحة على التعليلين * إذا تقرر ذلك فاعلم أن قوله (والاصح) أن الفساد مقصور على الفاسد إلى آخره توسط بين القولين وترجيح لقول الصحة في المملوك إذا كان المبيع مما يتوزع الثمن على أجزائه ولقول الفساد فيما إذا كان المبيع مما يتوزع الثمن على قيمته وهذا قد اختاره صاحب الكتاب في آخرين لكن الاكثرين لم يفرقوا بين الحالتين ورجحوا الصحة على الاطلاق والله أعلم * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 253 قال (ثم مهما قضينا بالصحة فللمشتري الخيار إذا لم يسلم له جميع ما اشتراه ويأخذ الباقي ان أجاز بقسطه من الثمن على أصح القولين لا بكل الثمن) * (مقصود الفصل التفريع على قولى تفريق الصفقة من أصلهما والرأى أن نفرد كل مرتبة بالذكر فنقول إذا باع ماله ومال غيره صفقة واحدة وصححنا البيع في ماله نظر ان كان المشتري جاهلا بالحال فله الخيار لانه دخل في العقد على أن يسلم له كل المبيع ولم يسلم فان أجاز فكم يلزمه من الثمن فيه قولان (أحدهما) جميعه لانه لغا ذكر المضموم إلى ماله فيقع جميع الثمن في مقابلة ما صح العقد فيه (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة أنه لا يلزمه الا حصة المملوك من الثمن إذا وزع على القيمتين لانه أوقع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 254 الثمن في مقابلتهما جميعا فلا يلزم في مقابلة احدهما الا قسطه وما موضع القولين قال قائلون موضعهما ان يكون المبيع ما يتقسط الثمن على قيمته فان كان مما يتقسط على اجزائه على ما مر نظائره فالواجب قسط المملوك من الثمن قولا واحدا والفرق ان المصير إلى التقسيط ههنا لا يورث جهالة في الثمن عند العقد وثم بخلافه ومنهم من طرد القولين وهو الاظهر لان الشافعي رضي الله عنه نص على قولين فيما إذا باع الثمار بعد وجوب العشر فيها وأفسدنا البيع في قدر الزكاة دون غيره أن الواجب جميع الثمن أو حصته (فان قلنا) الواجب جميع الثمن فلا خيار للبائع إذا ظفر بما ابتغاه (وان قلنا) الواجب القسط فوجهان (أحدهما) أن له الخيار إذا لم يسلم له جميع الثمن (وأصحهما) أنه لا خيار له لان التفريط من حيث باع مالا يملكه وطمع في ثمنه وان كان المشتري عالما بالحال فلا خيار له كما لو اشتري الجزء: 8 ¦ الصفحة: 255 معيبا وهو عالم بعيبه وكم يلزمه من الثمن فيه القولان كما لو كان جاهلا وأجاز وقطع قاطعون بوجوب الجميع ههنا لانه التزمه عالما بان بعض المذكور لا يقبل العقد * ولو باع عبدا وحرا أو خلا وخمرا أو مذكاة وميتة أو شاة وخنزيرا وصححنا العقد فيما يقبله وكان المشتري جاهلا بالحال وأجاز أو عالما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 256 ففيما يلزمه من الثمن طريقان (احدهما) القطع بوجوب جميع الثمن لان مالا قيمة له لا يمكن التوزيع على قيمته ويحكي هذا عن صاحب التلخيص (واصحهما) طرد القولين (فان قلنا) الواجب قسط من الثمن فكيف نعتبر هذه الاشياء في التوزيع فيه وجهان (أصحهما) عند المصنف انه ينظر إلى قيمتها عند من يرى لها قيمة (والثاني) انه يقدر الخمر خلا ويوزع عليهما باعتبار الاجزاء ونقدر الميتة مذكاة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 257 والخنزير شاة وتوزع عليهما باعتبار القيمة * ومنهم من قال يقدر الخمر عصيرا والخنزير بقرة * ولو نكح مسلمة ومجوسية في عقد واحد وصححنا نكاح المسلمة (فالصحيح) المشهور انه لا يلزم جميع المسمى للمسلمة بلا خلاف لانا إذا اثبتنا الجميع في البيع اثبتنا الخيار ايضا وههنا لا خيار فايجاب الجميع اجحاف ولا مدفع له وعن رواية الشيخ أبي على قول أنه يلزم لها جميع المسمى لكن له الخيار في رد المسمى والرجوع إلى مهر المثل قال الامام وهذا لا يدفع الضرر فان مهر المثل قد يكون مثل المسمي أو أكثر وما الذي يلزم إذا قلنا بالصحيح فيه قولان (أظهرهما) مهر المثل (وثانيهما) قسطها من المسمي إذا وزع على مهر مثلها ومهر مثل المجوسية * ولو اشترى عبدين وتلف أحدهما قبل القبض وانفسخ العقد فيه وقلنا لا ينفسخ في الباقي فله الخيار فيه فان أجاز فالواجب قسطه من الثمن لان الثمن وجب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 258 في مقابلتهما في الابتداء فلا ينصرف إلى احدهما في الدوام وعن ابي اسحق المروزي طرد القولين فيه * (فرع) لو باع شيئا من مال الربا بجنسه ثم خرج بعض أحد العوضين مستحقا وصححنا العقد في الباقي وأجاز فالواجب حصته بلا خلاف لان الفصل بينهما حرام * (فرع) لو باع معلوما ومجهولا لم يصح البيع في المجهول وفي المعلوم يبني على ما لو كانا معلومين وأحدهما لغيره (إن قلنا) لا يصح فيما له لم يصح ههنا في المعلوم (وإن قلنا) يصح ففيه قولان مبنيان على أنه كم يلزمه من الثمن ثم (إن قلنا) الجميع صح ولزم ههنا أيضا جميع الثمن (وان قلنا) حصته من الثمن لم يصح ههنا لتعذر التوزيع ومنهم من حكى قولا أنه يصح وله الخيار فان أجاز لزمه جميع الثمن (واعلم) أن لصاحب التلخيص والشارحين لكلامه تخريج مسائل دورية على تفريق الصفقة لم أوثر إخلاء هذا المجموع عن طرف منها فعقدت له فصلا * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 259 فصل قال صاحب التلخيص في التلخيص في القول الذي يرى تفريق الصفقة يقع للشافعي رضي الله عنه مسائل من الدور من ذلك لو باع مريض قفيز حنطة بقفيز حنطة وكان قفيز المريض يساوي عشرين وقفيز الصحيح يساوي عشرة ومات المريض ولا مال له غيره ففيها قولان (أحدهما) أن البيع باطل (والاخر) أن البيع جائز في ثلثي قفيز بثلثي قفيز ويبطل في الثلث ولكل واحد منهما الخيار في إبطال البيع وفيه قول آخر أنه لا خيار لهما فيه هذا لفظه وإنما صور في الجنس الواحد من مال الربا لتجتمع أشكال الدور والربا وأول ما يجب معرفته في المسألة وأخواتها أن محاباة المريض مرض الموت في البيع والشراء نازلة منزلة هبته وسائر تبرعاته في الاعتبار من الثلث فان زادت على الثلث ولم تجز الورثة ما زاد كما لو باع عبدا يساوي ثلاثين بعشرة ولا مال له غيره فيرتد البيع في بعض المبيع وما الحكم في الباقي فيه طريقان (أحدهما) القطع بصحة البيع فيه لانه نفذ في الكل ظاهرا والرد في البعض تدارك حادث وهذا أصح عند صاحب التهذيب ووجهه بان المحاباة في المرض وصية والوصية تقبل من الغرر ما لا يقبله غيرها (واظهرهما) عند أكثرهم أنه على قولي تفريق الصفقة (وإذا قلنا) بصحة البيع في الباقي ففي كيفيتها قولان ويقال وجهان (أحدهما) أن البيع يصح في القدر الذي يحتمله الثلث والقدر الذي يوازي الثمن بجميع الثمن ويبطل في الباقي لانه اجتمع للمشتري معاوضة ومحاباة فوجب أن يجمع بينهما فعلى هذا يصح العقد في ثلثي العبد بالعشرة ويبقى مع الورثة ثلث العبد وقيمته والثمن وهو عشرة وذلك مثلا المحاباة وهي عشرة ولا تدور المسألة على هذا القول (والثاني) أنه إذا ارتد البيع في بعض المبيع وجب أن يرتد إلى المشتري ما يقابله من الثمن فعلى هذا تدور المسألة لان ما ينفذ فيه البيع يخرج من التركة وما يقابله من الثمن يدخل فيها ومعلوم أن ما ينفذ فيه البيع يزيد بزيادة التركة وينقص بنقصانها فيزيد المبيع بحسب زيادة التركة وتزيد التركة بحسب زيادة المقابل الداخل ويزيد المقابل الداخل بحسب زيادة المبيع وهذا دور ويتوصل إلى معرفة المقصود بطرق (منها) أن ينظر إلى ثلث المال وينسبه إلى قدر المحاباة ويجيز البيع في المبيع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 260 بمثل نسبة الثلث من المحاباة فنقول في هذه الصور. ثلث المال عشرة والمحاباة عشرون والعشرة نصف العشرين فيصح البيع في نصف العبد وقيمته خمسة عشر بنصف الثمن وهو خمسة كانه اشترى سدسه بخمسة وثلثه وصية له تبقي مع الورثة نصف العبد وهو خمسة عشر والثمن خمسة فالمبلغ عشرون وذلك مثلا المحاباة وتحكي هذه الطريقة عن محمد بن الحسن (ومنها) طريقة الجبر يقول صح البيع في شئ من العبد وقابله من الثمن مثل ثلث ذلك الشئ لان الثمن مثل ثلث العبد وبقى في يد الورثة عبد الا شئ لكن بعض النقصان انجبر بثلث الشئ العائد فالباقي عندهم عبد الا ثلثي شئ وثلثا شئ قدر المحاباة وعبد الا ثلثي شئ مثلاه وإذا كان عبد الا ثلثي شئ مثلى ثلثي شئ كان عديلا لشئ وثلث شئ فإذا أجبرنا العبد بثلثي شئ وزدنا على عديله مثل ذلك كان العبد عديلا لشيئين فعرفنا أن الشئ الذي نفذ فيه البيع نصف العبد ولا أطنب بايراد سائر الطرق كطريقة الخطأين والدينار والدرهم وغيرهما في هذا الموضع (فان قلت) ما حال الخلاف الذي ذكرتم أنهما قولان للشافعي رضي الله عنه أو وجهان للاصحاب وأيهما كان فما الاظهر منهما (فالجواب) أما الاول فان الامام قال ما أراهما منصوصين ولكنهما مستخرجان من معان كلام الشافعي رضى الله عنه لكن القفال والاستاذ أبا منصور البغدادي وغيرهما ذكروا أن الاول منصوص عليه والثاني مخرج لابن سريج (وأما) الثاني فان ايراد كثيرين يميل إلى ترجيح القول الاول وبه قال ابن الحداد لكن الثاني أقوى في المعنى وهو اختيار أكثر الحساب وبه قال ابن القاص وابن اللبان وتابعهم إمام الحرمين وادعى انه اختيار ابن سريج لكن في هذه الدعوى نظر فان الاستاذ أبا منصور وغيره نسبوا القول الاول إلى اختيار ابن سريج والله أعلم إذا تقرر ذلك عدنا إلى مسألة التلخيص (إن قلنا) بالاول فالبيع باطل فيها بلا خلاف لان مقتضاه صحة البيع في قدر الثلث وهوستة وثلثان وفي القدر الذي يقابل من قفيزه قفيز الصحيح وهو نصفه فيكون خمسة أسداس قفيز في مقابلة قفيز وذلك ربا (وإن قلنا) بالثاني صح الجزء: 8 ¦ الصفحة: 261 البيع في ثلثي قفيز المريض بثلثي قفيز الصحيح وبطل في الباقي وقطع قاطعون ههنا بهذا القول الثاني كى لا يبطل غرض الميت في الوصية قال في التهذيب وهو الاصح ووجهه (اما) على طريقة النسبة فلان ثلث مال المريض ستة وثلثان والمحاباة عشرة وستة وثلثان ثلثا عشرة فقلنا بنفوذ البيع في ثلثي القفيز (وأما) على طريق الجبر فلان البيع نفذ في شئ وقابله من الثمن مثل نصفه فان قفيز الصحيح نصف قفيز المريض وبقى في يد الورثة قفيز الا شئ لكن حصل لهم نصف شئ والباقي عندهم قفيز الانصف شئ فنصف شئ هو المحاباة وما في يدهم وهو قفيز ناقص بنصف شئ مثلاه (والهاء) كناية عن النصف وإذا كان قفيز ناقص بنصف شئ مثلي نصف شئ كان عديلا للشئ الكامل فإذا جبرنا وقابلنا صار قفيز كامل عديل شئ ونصف شئ فعرف أن الشئ ثلثا قفيز وقد عرفت بما ذكرنا أن القول الثاني من القولين اللذين اطلقهما صاحب التلخيص علام ينبني (وأما) الاول فخروجه على قولنا أن البيع يصح في قدر الثلث وما يوازي الثمن بجميع الثمن ظاهر لما فيه من الربا ويجوز أن يكون مبنيا على قولنا ان الصفقة لا تفرق جوابا على طريقة طرف القولين في صور المحاباة (وأما) قوله ولكل واحد منهما الخيار في ابطال البيع فهو خطأ في جانب ورثة المريض باتفاق الاصحاب لانا لو اثبتنا لهم الخيار لا بطلوا المحاباة أصلا ورأسا بفسخ البيع ولا سبيل إليه لتسليط الشرع إياه على ثلث ماله وكذا خطأه في قوله وفيه قول آخر أنه لا خيار لهما في جانب المشتري لان تبعيض الصفقة على المشتري من موجبات الخيار بكل حال ولو كانت المسألة بحالها لكن قفيز المريض يساوي ثلاثين وقلنا بتقسيط الثمن صح البيع في نصف قفيز بنصف القفيز ولو كانت بحالها لكن قفيز المريض يساوي أربعين صح البيع في أربعة أتساع القفيز وعليك تخريج الفتوى على الطريقتين ثم قال صاحب التلخيص ولو كان المريض قد أكل القفيز الذي أخذ استوت المسائل كلها فيجوز بيع ثلث قفيز بثلث قفيز قال الشارحون لكتابه إذا أتلف المريض المحابي القفيز الذي أخذه ثم مات وفرعنا على القول الذي يجئ عليه الدور صح البيع في ثلثه بثلث قفيز صاحبه سواء كانت قيمة قفيز المريض عشرين أو ثلاثين أو أكثر لان ما أتلفه قد نقص من ماله (أما)   زيادة في بعض النسخ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 262 ما صح فيه البيع فهو ملكه وقد أتلفه (وأما) ما بطل فيه البيع فعليه ضمانه فينتقص قدر الغرم من ماله ومتى كثرت القيمة كان المصروف إلى الغرم أقل والمحاباة أكثر ومتى قلت كان المصروف إلى الغرم أكثر والمحاباة أقل ولنوضح ذلك في صورتين (أحدهما) إذا كانت قيمة قفيز المريض عشرين وقيمة قفيز الصحيح عشرة وقد اتلفه المريض فنقول على طريقة النسبة مال المريض عشرون وقد أتلف عشرة يحطها من ماله فبقى عشرة كأنها كل ماله والمحاباة عشرة فثلث ماله هو ثلث المحاباة فيصح البيع في ثلث القفيز على القياس الذي مر وعلى طريقة الجبر صح البيع في شئ من قفيز المريض ورجع إليه مثل نصفه فعند ورثته عشرون الا نصف شئ لكنه قد اتلف عشرة فالباقي في ايديهم عشرة الا نصف شئ وذلك مثلا نصف شئ فيكون مثل شئ فإذا جبرنا وقابلنا كانت عشرة مثل شئ ونصف شئ فالعشرة نصف القفيز فيكون القفيز الكامل مثل ثلاثة أشياء فالشئ ثلث القفيز وامتحانه أن ثلث قفيز المريض ستة وثلثان وثلث قفيز الصحيح في مقابلته ثلاثة وثلث فتكون المحاباة بثلاثة وثلث وقد بقي في يد الورثة ثلثا قفيز وهو ثلاثة عشر وثلث يؤدي منه قيمة ثلثي قفيز الصحيح وهو ستة وثلثان يبقى في أيديهم ستة وثلثان وهي مثلا المحاباة (الثانية) قفيز المريض يساوي ثلاثين وباقي المسألة بحالها فعلى طريقة النسبة نقول مال المريض ثلاثون وقد أتلف عشرة يحطها من ماله يبقي عشرون كأنها كل ماله والمحاباة عشرون فثلث ماله هو ثلث المحاباة فيصح البيع في ثلث القفيز وعلى طريقة الجبر نقول صح البيع في شئ من قفيز المريض ورجع إليه مثل ثلثه فالباقي ثلاثون الا ثلثي شئ لكنه اتلف عشرة فالباقي عشرون الا ثلثي شئ وذلك مثلا ثلثي شئ فيكون مثل شئ وثلث شئ فإذا جبرنا وقابلنا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 263 كان عشرون مثل شيئين فعرفنا أن الشئ عشرة وهي ثلث الثلاثين وامتحانه أن ثلث قفيز المريض عشرة وثلث قفيز الصحيح في مقابلة ثلاثة وثلث فالمحاباة بستة وثلثين وقد بقي في يد الورثة ثلثا قفيز وهو عشرون يؤدي منه قيمة ثلثي قفيز الصحيح وهي ستة وثلثان يبقى في أيديهم ثلاثة عشرة وثلث وهي مثلا المحاباة هذا كله فيما إذا أتلف صاحب القفيز الجيد ما أخذه (أما) إذا اتلف صاحب القفيز الردئ ما أخذه ولا مال له سوى قفيزه ففي الصورة الاولى وهي ما إذا كانت قيمة قفيزه عشرين وقيمة قفيز الاخر عشرة يصح البيع في الحال في نصف القفيز الجيد وقيمته عشرة ويحصل للورثة في مقابلته نصف القفيز الردئ وقيمته خمسة فتبقى المحاباة بخمسة ولهم نصف الاخر غرامة لما أتلف عليهم فتحصل لهم عشرة وهي مثلا المحاباة والباقي في ذمة متلف القفيز الجيد ولا تجوز المحاباة في شئ الا بعد أن يحصل للورثة مثلاه (وفي الصورة الثانية) وهي ما إذا كانت قيمة قفيزه ثلاثين قال الاستاذ أبو منصور يصح البيع في نصف القفيز الجيد وهي خمسة عشر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 264 والمحاباة ثلثه وهو خمسة وقد حصل للورثة القفيز الردئ وقيمته عشرة وهي ضعف المحاباة ويبقى في ذمة المشتري خمسة عشرة كلما حصل منها شئ جازت المحاباة في مثل ثلثه وغلطه إمام الحرمين فيما ذكره من جهة أنا إذا صححنا البيع في نصف الجيد فانما نصححه بنصف الردئ وهو خمسة فتكون المحاباة بعشرة لا بخمسة وإذا كانت المحاباة بعشرة فالواجب أن يكون في يد الورثة عشرون وليس في يدهم الا عشرة (فالصواب) أن يقال يصح البيع في ربع القفيز الجيد وهو سبعة ونصف بربع الردئ وهو درهمان ونصف فتكون المحاباة بخمسة وفي أيدي الورثة ضعفها عشرة ثم قال صاحب التلخيص فان كانت المسألتان بحالهما وكانا جميعا مريضين والقفيزان بحالهما لم يوكل منهما شئ فاستقالا فاقال كل واحد منهما صاحبه فمن أبطل البيع أبطله ومن أجاز البيع أجاز في المسألة الاولى في سبعة أثمان قفيز وأبطله في ثمن واجاز الاقالة في خمسة أثمان وأبطلها في ثمنين وفي المسألة الثانية أجاز البيع في خمسة أثمان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 265 وأبطله في ثلاثة أثمان وأجاز الاقالة في ثلاثة أثمان وأبطلها في ثمنين (وقوله) فان كانت المسألتان أراد باحدى المسألتين ما إذا كانت قيمة القفيز الجيد عشرين وبالاخرى ما إذا كانت قيمته ثلاثين وقيمة الردئ عشرة والذي ينبغى أن يعرف في مقدمة هذه الصورة أنه كما تعتبر محاباة المريض في البيع من الثلث كذلك تعتبر محاباته في الاقالة من الثلث سواء قدرت الاقالة فسخا أو بيعا جديدا * إذا عرفت ذلك فنقول إذا باع مريض قفيز حنطة يساوي عشرين من مريض بقفيز حنطة يساوي عشرة ثم تقايلا وماتا من مرضهما والقفيزان بحالهما ولا مال لهما سواهما ولم تجز الورثة ما زاد من محاباتهما على الثلث فان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 266 منعنا تفريق الصفقة وقلنا بالتصحيح بجميع الثمن فلا بيع ولا إقالة (وإن قلنا) بالتصحيح بالقسط فيدور كل واحد مما نقد فيه البيع والاقالة على الاخر لان البيع لا ينفذ إلا في الثلث وبالاقالة يزيد ماله فيزيد ما نفذ فيه البيع وإذا زاد ذلك زاد مال الثاني فيزيد ما نفذ فيه الاقالة (فالطريق) أن يقال صح البيع في شئ من القفيز الجيد ورجع إليه من الثمن نصف ذلك الشئ فبقى في يده الجزء: 8 ¦ الصفحة: 267 عشرون الا نصف شئ وفي يد الاخر عشرة ونصف شئ ثم إذا تقايلا فالاقالة إنما تصح في ثلث مال المقيل فيأخذ ثلاثة عشر وثلث نصف شئ وهو ثلاثة وثلث وسدس شئ فيضمه إلى مال الاول وهو عشرون الا نصف شئ يصير ثلاثة وعشرين وثلثا إلا ثلث شئ وهذا يجب أن يكون مثلى المحاباة أولا وهو نصف شئ فيكون ذلك كله مثل شئ فإذا جبرنا وقابلنا كان ثلاثة وعشرون وثلث مثل شئ وثلث شئ يبسط الشي والثلث أثلاثا يكون أربعة والشئ ثلاثة أرباعه فإذا أردنا أن نعرف كم الشئ من ثلاثة وعشرين وثلث انكسر فسبيلنا أن نصحح السهام بان نجعل كل عشرة ثلاثة لان الزائد على العشرين ثلاثة وثلث وهو ثلث العشرة وإذا جعلنا كل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 268 عشرة ثلاثة أسهم صارو ثلاثة وثلث سبعة اسهم فتزيد قسمتها على الاربعة والسبعة لا تنقسم على الاربعة فنضرب سبعة في اربعة فيكون ثمانية وعشرين فالشئ ثلاثة أرباعها وهي إحدى وعشرون فلما عرفنا ذلك رجعنا إلى الاصل وقلنا العشرون التي كانت قيمة القفيز صارت اربعة وعشرين لانا ضربنا كل ثلاثة وهي سهام العشرة في اربعة فصارت اثنى عشر تكون العشرون اربعة وعشرين وقد صح البيع منهم في احدى وعشرين وذلك سبعة اثمان اربعة وعشرون وإذا عرفنا ذلك وأردنا التصحيح من غير كسر جعلنا القفيز الجيد ستة عشرة والقفيز الردئ ثمانية وقلنا صح البيع في سبعة أثمان الجيد وهي أربعة عشر بسبعة أثمان الردئ وهو سبعة فتكون المحاباة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 269 بسبعة ويبقى في يد بائع الجيد تسعة سهمان بقيا عنده وسبعة أخذها عوضا ويحصل في يد الاخر خمسة عشر لانه أخذ أربعة عشر وكان قد بقى في يده سهم فلما تقايلا نفذت الاقالة في عشرة وهي خمسة أثمان القفيز الجيد بخمسة أثمان القفيز الردئ وهي خمسة فقد أعطى عشرة وأخذ خمسة فالمحاباة بخمسة والحاصل من ذلك كله المستقر في يد الاول أربعة عشر مثلا محاباة سبعة وفي يد الثاني عشرة مثلا محاباة خمسة ولو كانت المسألة بحالها والقفيز الجيد يساوي ثلاثين (فنقول) صح البيع في شئ منه ورجع إليه من الثمن مثل ثلث ذلك الشئ فبقي في يده ثلاثون الا ثلثي شئ وفي يد الاخر عشرة وثلثا شئ فإذا تقايلا أخذنا ثلاثة عشر وثلثي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 270 شئ وذلك ثلاثة دراهم وثلث وتسعا شئ يضم إلى مال الاول فيصير ثلاثة وثلاثين وثلثا الا أربعة أتساع شئ وهو مثلا المحاباة وهي ثلثا شئ فيكون مثل شئ وثلث شئ فإذا جبرنا وقابلنا صار ثلاثة وثلاثون وثلث مثل شئ وسبعة أتساع شئ فعلمنا أن ثلاثة وثلاثين يجب أن تقسم على شئ وسبعة أتساع شئ فيبسط هذا المبلغ أتساعا يكون ستة عشر يكون الشئ منه تسعة والعدد المذكور لا ينقسم على ستة عشر فنصحح السهام بان نجعل كل عشرة ثلاثة لان الزائد على الثلاثين ثلاثة وثلث وذلك ثلث العشرة وإذا فعلنا ذلك صارت ثلاثة وثلاثون وثلث عشرة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 271 أسهم يحتاج إلى قسمتها على ستة عشر وعشرة لا تنقسم على ستة عشر لكن بينهما موافقة بالنصف فنضرب جميع أحدهما في نصف الاخر تكون ثمانين فنرجع إلى الاصل ونقول الثلاثون التي كانت قيمة القفيز صارت اثنين وسبعين لانا ضربنا كل ثلاثة وهي سهام العشرة في ثمانية فصارت اربعة وعشرين فتكون الثلاثون اثنين وسبعين والشئ كان تسعة من ستة عشر صار مضروبا في نصف العشرة وهي خمسة فيكون خمسة واربعين وذلك خمسة أثمان اثنين وسبعين فعرفنا صحة البيع في خمسة اثمان القفيز الجيد * فان اردنا التصحيح على الاختصار من غير كسر جعلنا القفيز الجزء: 8 ¦ الصفحة: 272 الجيد أربعة وعشرين ليكون القفيز الردئ هو ثلاثة وثمن صحيح وقلنا صح البيع في خمسة اثمان الجيد وهي خمسة عشر بخمسة أثمان الردئ وهي خمسة تكون المحاباة بعشرة ويبقى في يد بائع الجيد اربعة عشر تسعة بقيت عنده وخمسة اخذها عوضا ويجعل في يد الاخر ثمانية عشر لانه اخذ خمسة عشر وكان قد بقي عنده ثلاثة فلما تقايلا نفذت الاقالة في تسعة وهي ثلاثة اثمان الجيد بثلاثة اثمان الردئ وهي ثلاثة فقد اعطى تسعة واخذ ثلاثة تكون المحاباة بستة فيستقر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 273 في يد الاول عشرون تسعة أخذها بحكم الاقالة واحد عشر هي بقية الثمن وقد بقيت عنده من اربعة عشر بعد رد الثلاثة وذلك مثلا محاباته بستة والله أعلم * وحكى إمام الحرمين عن بعض من لقيه من افاضل الحساب في الصورتين واخواتهما تمهيد طريقة مبنية على اصول سلهة المأخذ (منها) ان القفيز الجيد في هذه المسائل يعتبر بالاثمان فيقدر ثمانية اسهم وينسب الردئ إليه باعتبار الجزء: 8 ¦ الصفحة: 274 الاثمان (ومنها) ان محاباة صاحب الجيد لا تبلغ أربعة اثمان قط ولا تنقص عن ثلاثة اثمان قط بل تكون بينهما فإذا اردت ان تعرف قدرها فانسب القفيز الردئ إلى الجيد وخذ مثل تلك النسبة من الثمن الرابع وإذا اردت ان تعرف ما يصح البيع فيه من القفيز فانسب الردئ فيه لى المحاباة في الاصل وزد مثل تلك النسبة على التبرع فالمبلغ هو الذي يصح فيه البيع وإذا اردت ان تعرف ما يصح فيه تبرع المقيل فانظر إلى تبرع بائع الجيد واضربه في ثلاثة ابدا وقابل الحاصل من الضرب بالقفيز الجيد فما زاد على القفيز فهو تبرعه فان اردت ان تعرف ما صحت فيه الاقالة فزد على تبرعه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 275 بمثل نسبة زيادتك على تبرع صاحبه فالمبلغ هو الذي صحت الاقالة فيه (مثاله) في الصورة الاولى نقول القفيز الجيد ثمانية والردئ اربعة فالردئ نصف الجيد فالتبرع في ثلاثة اثمان ونصف ثمن وإذا نسبنا الردئ إلى اصل المحاباة وجدناه مثله لان المحاباة عشرة من عشرين فنزيد على التبرع مثله يبلغ سبعة أثمان فهو الذي صح البيع فيه وإذا اردنا ان نعرف تبرع المقيل ضربنا تبرع الاول في ثلاثة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 276 تكون عشرة ونصفا وزيادة هذا المبلغ على الثمانية اثنان ونصف فعرفنا ان تبرعه في ثمنين ونصف فان اردنا ان نعرف ما تصح فيه الاقالة زدنا على الثمنين والنصف مثله تكون خمسة اثمان ولا يخفى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 277 تخريج الصورة الاخرى ونحوها على هذه الطريقة والله الموفق * قال (وأصح القولين أنه لو جمع بين عقدين مختلفين في صفقة واحدة كالاجارة والسلم أو الاجارة والبيع أو النكاح والبيع مثل أن يقول زوجتك جاريتي وبعتك عبدي بدينار فالعقد صحيح وإن اختلفت في الدوام احكامها) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 278 ذكرنا في أول الباب ان الجمع في صفقة واحدة بين شيئين اما ان يكون في عقد واحد أو في عقدين مختلفي الحكم وقد فرغنا من القسم الاول (وأما) القسم الثاني فإذا جمع في صفقة واحدة بين الاجارة والسلم أو الاجارة والبيع ففيه قولان (أحدهما) أنه لا يصح واحد من العقدين لانهما مختلفا الحكم إذ الاجارة والسلم يختلفان في أسباب الفسخ والانفساخ وكذا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 279 الاجارة والبيع يختلفان في الحكم فان التأقيت شرط في الاجارة ومبطل للبيع وكمال القبض في الاجارة لا يتحقق الا بانقضاء المدة لانه قبل ذلك بعرض الانفساخ بخلاف البيع وإذا اختلفت الاحكام فربما يعرض ما يوجب فسخ أحدهما فيحتاج إلى التوزيع وتلزم الجهالة (وأصحهما) أنهما جميعا صحيحان لان كل واحد منهما قابل للعقد الذي أورده عليه على الانفراد فالجمع بينهما لا يضر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 280 واختلاف الحكم لا أثر له الا ترى أنه لو باع شقصا من دار وثوبا يجوز وان اختلفا في حكم الشفعة واحتجنا إلى التوزيع بسببه * وصورة الاجارة والسلم أن يقول أجرتك هذه الدار سنة وبعتك كذا سلما بكذا * وصورة الاجارة والبيع أن يقول بعتك عبدي هذا وأجرتك داري سنة بكذا وعلى القولين ما إذا جمع بين بيع عين وسلم أو بيع وصرف وغيره بان باع دينارا وثوبا بدراهم لاختلاف الحكم فان قبض رأس المال شرط في السلم والتقابض شرط في الصرف ولا يشترط ذلك في سائر البيوع * ولو جمع بين البيع والنكاح بان قال زوجتك جاريتي هذه وبعتك عبدي هذا بكذا والمخاطب ممن يحل له الجزء: 8 ¦ الصفحة: 281 نكاح الامة أو قال زوجتك ابنتي وبعتك عبدها وهي صغيرة أو كبيرة وكلته بالبيع صح النكاح بلا خلاف وفي البيع والمسمى في النكاح القولان ان صححنا وزع المسمى على قيمة المبيع ومهر مثل المرأة والا وجب في النكاح مهر المثل * ولو جمع بين البيع والكتابة بان قال لعبده كاتبتك على نجمين وبعتك عبدي هذا جميعا ألف فان حكمنا بالبطلان في الصورة السابقة فههنا أولى والا فالبيع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 282 باطل إذ ليس للسيد البيع منه قبل أداء النجوم وفي الكتابة قولان * (واعلم) أن من الاصحاب من لا يعد هذا الفصل من صور تفريق الصفقة لانا في قول نبطل العقدين جميعا وفي قول نصححهما جميعا فلا تفريق والله اعلم * قال (وتتعدد الصفقة بتعدد البائع وبتفصيل الثمن مثل ان يقول بعتك هذا بدرهم والاخر بدينار وهل تتعدد بتعدد المشتري فيه قولان) * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 283 لما كان محل القولين في مسائل الباب ما إذا اتحدت الصفقة دون ما إذا تعددت حتى لو باع ماله في صفقة ومال غيره في صفقة اخرى صحت الاولى بلا خلاف وجب النظر في انها متى تتعدد فإذا سمى لكل واحد من الشيئين ثمنا مفصلا فقال بعتك هذا بكذا وهذا بكذا وقبل المشتري كذلك على التفصيل فهما عقدان متعددان ولو جمع المشتري في القبول فقال قبلت فيهما فكذلك على المذهب لان القبول يترتب على الايجاب فإذا وقع ذلك مفرقا فكذلك القبول (وقيل) إن لم نجوز تفريق الصفقة لم يجز الجمع في القبول * وتتعدد الصفقة أيضا بتعدد البائع وإن اتحد المشتري والمعقود عليه كما إذا باع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 284 رجلان عبدا من رجل صفقة واحدة وهل تتعدد بتعدد المشتري مثل أن يشتري رجلان عبدا من واحد فيه قولان (أصحهما) نعم كما في طرف البائع (والثاني) لا لان المشتري بان على الايجاب السابق فالنظر إلى من صدر منه الايجاب والقولان على ما ذكر الامام مأخوذان من قولين يأتي ذكرهما في أن المشتريين إذا وجدا بالعبد عيبا واراد أحدهما افراد نصيبه بالرد هل له ذلك (ان قلنا) نعم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 285 عددنا الصفقة والا فلا وللتعدد والاتحاد وراء ما نحن فيه أثار أخر (منها) أنا إذا حكمنا بالتعدد فوفي أحد المشتريين نصيبه من الثمن وجب على البائع تسليم قسطه من المبيع كما يسلم المشاع وان حكمنا بالاتحاد لم يجب تسليم شئ إلى أحدهما وان وفي جميع ما عليه حتى يوفي الاخر لثبوت حق الحنس للبائع كما لو اتحد المشتري ووفر بعض الثمن لا يسلم إليه قسط من المبيع على ان فيه وجها انه يسلم إليه القسط إذا كان المبيع مما يقبل القسمة (ومنها) انا إذا قلنا بالتعدد فلو خاطب واحد رجلين فقدل بعت منكما هذا العبد بألف فقبل أحدهما نصفه بخمسمائة ففي صحته وجهان (أحدهما) يصح لانه في حكم صفقتن (واصحهما) انه لا يصح لان الايجاب وقع جملة وانه يقتضي جوابهما جميعا * ويحرى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 286 الوجهان فيما لو قال مالكا عبد لرجل بعتا منك هذا العبد بالف فقبلي نصيب احدهما يعينه بخمسمائة * وقد يعرض للناظر تخريج خلاف في تعدد الصفقة بتعدد البائع من وجهين ذكروهما فيما إذا باع رجلان عبدا مشتركا بينهما من انسان هل لاحدهما ان ينفرد باخذ شئ من الثمن (أحدهما) وبه قال المزني انه لا ينفرد ولعلنا نذكرهما بتوجيههما في غير هذا الموضع * قال (وإذا جرى العقد بوكالة فالاصح ان الاعتماد على الموكل في تعداده واتحاده) * إذا وكل رجلان رجلا بالبيع أو الشراء وقلنا ان الصفقة تتعدد بتعدد المشتري أو وكل رجل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 287 رجلين بالبيع أو الشراء فالاعتبار في تعدد العقد واتحاده بالعاقد أو المعقود له فيه وجوه (أحدها) وبة أجاب ابن الحداد ان الاعتبار بالعاقد لان الاحكام تتعلق به الا ترى ان العتبر؟ رؤيته دون رؤية الموكل وخيار المجلس يتعلق به دون الموكل (والثاني) وبه قال ابو زيد والخضري ان الاعتبار بالمعقود له لان الملك يثبت له وهذا اصح عند صاحب الكتاب والاول اصح عند الشيخ أبي على والاكثرين (والثالث) ويتحلى عن أبي اسحاق ان الاعتبار في طرف البيع بالمعقود له وفي طرف الشراء بالعاقد والفرق ان العقد يتم في جانب الشراء بالمباشر دون المعقود له ان ترى ان المعقود له لو أنكر كون المباشر مأذونا له وقع العقد عن المباشر وفي جانب البيع لا يتم بالمباشر حتى لو جحد المعقود له الاذن بطلا البيع قال الامام وهذا الفرق فيما إذا كان التوكيل بالشراء في الذمة فاما إذا وكله بشراء عبد بثوب له معين فهو كالتوكيل بالبيع (والرابع) ذكره في التتمة ان الاعتبار في جانب الشراء بالموكل وفي البيع بهما جميعا فايهما تعدد تعدد العقد ووجه ان العقد يتعدد بتعدد الموكل في حق الشفيع ولا يتعدد بتعدد الوكيل حتى لو اشترى الواحد شقصا لاثنين كان للشفيع ان ياخذ حصة احدهما وبالعكس لو اشترى وكيلان شقصا لواحد لم يجز للشفيع اخذ بعضه وفي جانب البيع حكم تعدد الوكيل والموكل واحد حتى لو باع وكيل رجلين شقصا من رجل ليس للشفيع اخذ بعضه وإذا ثبت ما ذكرناه في حكم الشفقة فكذلك في سائر الاحكام ويتفرع على هذه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 288 الوجوه فروع (أحداها) لو شترى شيئا بوكالة رجلين فخرج معيبا وقلنا الاعتبار بالعاقد فليس لاحد الموكلين إفراد نصيبه بالرد كما لو اشترى ومات عن ابنين وخرج معيبا لم يكن لاحدهما افراد نصيبه بالرد وهل لاحد الموكلين والابنين اخذ الارش إن وقع الياس عن رد الاخر بان رضي به فنعم وإن لم يقع فكذلك في أصح الوجهين (الثاني) لو وكل رجلان رجلا ببيع عبد لهما أو وكل أحد الشريكين صاحبه فباع الكل ثم خرج معيبا فعلى الوجه الاول لا يجوز للمشتري رد نصيب أحدهما وعلى الوجه الاخر يجوز * ولو وكل رجل رجلين ببيع عبده فباعاه من رجل فعلى الاول يجوز للمشتري رد نصيب احدهما وعلى الوجوه الاخرى لا يجوز * ولو وكل رجلان رجلا بشراء عبد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 289 أو وكل رجل رجلان بشراء عبد له ولنفسه ففعل وخرج العبد معيبا فعلى الوجه الاول والثالث ليس لاحد الموكلين افراد نصيبه بالرد وعلى الثاني والرابع يجوز * وعن القفال انه إن علم البائع انه يشتري لاثنين فلاحدهما رد نصيبه لرضا البائع بالتشقيص وإن جهله البائع فلا رد (الثالث) لو وكل رجلان رجلا ببيع عبد ورجلان رجلا بشراه فتبايع الوكيلان وخرج المبيع معيبا فعلى الوجه الاول لا يجوز التفريق وعلى الوجوه الاخر يجوز * ولو وكل رجل رجلين ببيع عبد ورجلين آخرين بشراه فتبايع الوكلاء فعلى الوجه الاول يجوز التفريق وعلى الوجوه الاخر لا يجوز والله أعلم * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 290 قال (والنظر الثاني في لزوم اتحاد العقد وجوازه) والاصل في البيع اللزوم والخيار عارض ثم ينقسم الخيار إلى خيار التروي والى خيار النقيصة وخيار التروي مالا يتوقف على فوات وصف وسببان (أحدهما) المجلس فيثبت (م ح) خيار المجلس في كل معاوضة محضة من بيع وسلم وصرف واجارة (ح) لا فيما يستعقب عتاقة كشراء القريب وشراء العبد نفسه (و) ولا يثبت فيما لا يسمي بيعا لان مستنده قوله عليه السلام (المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا) * ذكرنا في أول البيع انه أدرج كلام الكتاب في خمسة اطراف وهذا أوان الفراغ من الطرف الاول والشروع في الطر ف الثاني وهو الكلام في لزوم العقد وجوازه ولا نناقش في أبداله لفظ الطرف ههنا وبعده بالنظر فالامر فيه سهل (وقوله) والاصل في البيع اللزوم والخيار عارض ليس الجزء: 8 ¦ الصفحة: 291 المراد منه عروض الجواز على اللزوم بعد ثبوت اللزوم لكن المراد منه أحد أمرين (أولهما) ان البيع من العقود التي يقتضي وضعها اللزوم ليتمكن كل واحد من المتعاقدين من التصرف فيما أخذه آمنا من نقض صاحبه عليه (والثاني) ان الغالب من حالات البيع اللزوم والجواز لا يثبت الا في الاقل ومن البينات أن المراد من اللزوم انفكاكه عن الخيار ومن الجواز كونه بحال ثبوت الخيار ثم الخيار على قسمين لانه أما أن لا يتوقف على فوات شئ بل يتعلق بمجرد التشهي وهذا ما عبر عنه بخيار التروي وأما أن يتوقف على فوات شئ مظنون الحصول وهذا ما عبر عنه بخيار النقيصة (أما) القسم الاول فقد ذكر في الكتاب ان له سببين وهو مفرع على قولنا ان بيع الغائب لا يصح فان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 292 صححناه اثبتنا خيار الرؤية ومعلوم أنه لا يتوقف على فوات شئ فتصير الاسباب ثلاثة (السبب الاول) كونهما مجتمعين في مجلس العقد فلكل واحد من المتبايعين فسخ البيع ما لم يتفرقا أو يتخايرا على ما سنفصله وبه قال أحمد * وقال مالك وأبو حنيفة لاخيار بالمجلس لنا ما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا الا بيع الخيار) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 293 ولنفصل القول فيما يثبت فيه خيار المجلس من العقود وما لا يثبت والعقود ضربان (احدهما) العقود الجائزة اما من الجانبين كالشركة والوكالة والقراض والوديعة والعارية أو من أحدهما كالضمان والكتابة فلا خيار فيهما (أما) الجائزة من الجانبين فلانهما بالخيار فيها أبدا فلا معني لخيار المجلس (وأما) الجائزة من أخذ الجانبين فلمثل هذا المعنى في حق من هي جائزة في حقه والاخر دخل فيها موطنا نفسه على الغبن ومقصود الخيار أن ينظر ويتروي ليدفع الغبن عن نفسه وكذا الحكم في الرهن نعم لو كان الرهن مشروطا في بيع وأقبض قبل التفريق أمكن فسخ الرهن بان يفسخ البيع حتى ينفسخ الرهن تبعا وحكى القاضي ابن كج عن بعض الاصحاب وجها أنه يثبت الخيار في الكتابة وعن ابن خيران أنه يثبت في الضمان وهما غريبان (والضرب الثاني) العقود اللازمة وهي نوعان العقود الوردة على العين والعقود الواردة على المنفعة (أما) النوع الاول فمنه أنواع البيع كالصرف وبيع الطعام بالطعام والسلم والتولية والتشريك وصلح المعاوضة فيثبت فيها خيار المجلس جميعا لظاهر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 294 الخبر ويستثني صور (إحداها) إذا باع مال نفسه من ولده أو بالعكس ففي ثبوت خيار المجلس وجهان (أحدهما) لا يثبت لان الذي ورد في الخبر لفظ المتبايعين وليس ههنا متبايعان (وأصحهما) يثبت لانه اقيم مقام الشخصين في صحة العقد فكذلك في الخيار ولفظ الخبر ورد على الغالب فكذا هذا يثبت للمولي خيار وللطفل خيار والولي نائب عنه فان الزم لنفسه وللطفل لزم وان الزم لنفسه بقي الخيار للطفل فإذا فارق المجلس لزم العقد في في أصح الوجهين (والثاني) لا يلزم الا بالالزام لانه لا يفارق نفسه وان فارق المجلس (الثانية) لو اشترى من يعتق عليه كابيه وابنه فالذي ذكره في الكتاب انه لا يثبت فيه خيار المجلس واتبع فيه الامام حيث نقل ان لا خيار فيه على المشهور لانه ليس عقد مغابنة من جهة المشتري لانه وطن نفسه على الغبن المالي (وأما) من جهة البائع فهو وان كان عقد مغابنة لكن النظر إلى كونه عتاقة ثم حكى الاودني أنه يثبت تمسكا بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (لن يجزي ولد والده الا بان يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه) فانه يقتضي إنشاء اعتاق بعد العقد والاكثرون الجزء: 8 ¦ الصفحة: 295 بنوا ثبوت الخيار في المسألة على الخلاف في أقوال الملك في زمن الخيار (فان قلنا) انه للبائع فلهما الخيار ولا نحكم بالعتق حتى يمضي زمان الخيار (وان قلنا) انه موقوف فلهما الخيار أيضا فإذا أمضينا العقد تبين أنه عتق بالشراء (وان قلنا) ان الملك للمشتري فلا خيار له ويثبت للبائع ومتى يعتق فيه وجهان (أظهرهما) أنه لا يحكم بالعتق حتى يمضي زمان الخيار ثم يحكم حينئذ بعتقه من يوم الشراء (والثاني) أنه يعتق في الحال وعلى هذا هل يبطل خيار البائع فيه وجهان كالوجهين فيما إذا اعتق المشتري العبد الاجنبي في زمان الخيار على قولنا ان الملك له قال صاحب التهذيب ويحتمل أن يحكم بثبوت الخيار للمشتري أيضا تفريعا على أن الملك في زمان الخيار له وأن العبد لا يعتق في الحال لانه لم يوجد منه الرضا الا باصل العقد فإذا ما في الكتاب يخالف مقالة الاكثرين لان الصحيح من أقوال الخيار قول التوقف أو قول انتقال الملك إلى المشتري على ما سيأتي وعلى التقدير الاول يثبت الخيار لهما وعلى الثاني يثبت للبائع والمذكور في الكتاب نفيه على الاطلاق (الثالثة) الصحيح أن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 296 بيع العبد من نفسه جائز وعلى هذا فهل فيه خيار المجلس قال في الكتاب لا وبمثله أجاب في التتمة حيث نزله منزلة الكتابة وذكر ابو الحسن العبادي مع هذا وجها آخر أنه يثبت فيه الخيار ومال إلى ترجيحه (الرابعة) ذكروا وجهين في ثبوت الخيار في شراء الجمد في شدة الحر لانه يتلف بمضي الزمان (الخامسة) ان صححنا بيع الغائب ولم يثبت خيار المجلس مع خيار الرؤية فهذا البيع من صور الاستثناء وكذا البيع بشرط نفي خيار المجلس ان صححنا البيع والشرط وقد مرت المسألتان * هذا هو الكلام في البيع بانواعه ولا يثبت خيار المجلس في صلح الحطيطة والابراء لانه شرع فيهما على يقين بان لا حظ له فيهما ولا في الاقالة (إن قلنا) انها فسخ (وان قلنا) انها بيع ففيها الخيار ولا يثبت أيضا في الحوالة ان لم نجعلها معاوضة وان جعلناها معاوضة فكذلك في أظهر الوجهين لانها ليست على قواعد المعاوضات إذ لو كانت كذلك لبطلت لان بيع الدين بالدين لا يجوز ولا يثبت أيضا في الشفعة للمشتري وفي ثبوته للشفيع وجهان (وجه) الثبوت أن سبل الاخذ بالشفعة سبل المعاوضات الجزء: 8 ¦ الصفحة: 297 ألا ترى أنه يثبت فيه الرد بالعيب والرجوع بالعهدة (ووجه) المنع أن المشتري لا خيار له وتخصيص خيار المجلس باحد الجانبين بعيد فان أثبتناه فعن بعضهم أن معناه انه بالخيار بين الاخذ والترك ما دام في المجلس هذا مع تفريعنا على قول الفور * وغلط إمام الحرمين ذلك القائل وقال الصحيح انه على الفور ثم له الخيار في نقض الملك ورده ومن اختار عين ماله المبيع من المفلس لزمه ولا خيار له * وروي القاضي ابن كج أن أبا الحسن حكى وجها انه بالخيار مادام في المجلس وهذا شبيه بالخلاف في الشفيع ولا خيار في الوقف كما في العتق ولا في الهبة ان لم يكن فيها ثواب وان وهب بشرط الثواب أو مطلقا وقلنا انه يقتضي الثواب فوجهان (أظهرهما) انه لا يثبت لانه لا يسمى بيعا والخبر ورد في المتبايعين ويثبت الخيار في القسمة ان كان فيها رد والا فان جرت بالاخيار فلا خيار فيها وان جرت بالتراضي فيبنى على أنها بيع أو أفراز حق (ان قلنا) افراز حق لم يثبت (وان قلنا) بيع فكذلك في أصح الوجهين (وأما) النوع الثاني وهو العقد الوارد على المنفعة فمنه النكاح فلا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 298 يثبت فيه خيار المجلس للاستغناء عنه بسبق التأمل غالبا ولا يثبت في الصداق المسمى ايضا على أصح الوجهين لان المال بيع في النكاح (والثاني) يثبت فان الصداق عقد مستقل فعلى هذا ان فسخ وجب مهر المثل وعلى هذين الوجهين ثبوت خيار المجلس في عوض الخلع ولا مدفع للفرقة بحال (ومنه) الاجارة وفي ثبوت خيار المجلس فيها وجهان (أحدهما) وبه قال الاصطخري وصاحب التلخيص يثبت لانها معاوضة لازمة كالبيع بل هي ضرب من البيوع (والثاني) وبه قال ابو اسحاق وابن خيران لا يثبت لان عقد الاجارة مشتمل على الغرر لانه عقد على معدوم والخيار غرر فلا يضم غرر إلى غرر وبالوجه الاول أجاب صاحب الكتاب ورجحه صاحب المهذب وشيخه الكرخي * وذكر الامام وصاحب التهذيب والاكثرون أن الاصح هو الثاني * وعن القفال في طائفة أن الخلاف في اجارة العين (أما) الاجارة على الذمة فيثبت فيها خيار المجلس لا محالة بناء على أنها ملحقة بالسلم حتى أنه يجب فيها قبض البدل في المجلس (فان قلنا) بثبوت الخيار في اجارة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 299 العين فابتداء المدة يحسب من وقت انقضاء الخيار بالتفرق أم من وقت العقد حكى الامام فيه خلافا (قيل) يحسب من وقت انقضاء الخيار لان الاحتساب من وقت العقد يعطل المنافع على المكتري أو المكري وعلى هذا لو أراد المكري ان يكريه من غيره في مدة الخيار قال لا مجيز له فيما أظن وإن كان محتملا في القياس (والصحيح) انه يحسب من وقت العقد إذ لو حسب من وقت انقضاء الخيار لتأخر ابتداء مدة الاجارة عن العقد فيكون كاجارة الدار السنة القابلة وهي باطلة وعلى هذا فعلى من تحسب مدة الخيار (ان) كان قبل تسليم العين إلى المستأجر فهي محسوبة على المكري (وان) كان بعد التسليم فوجهان مبنيان على أن المبيع إذا هلك في يد المشتري في زمان الخيار من ضمان من يكون (أصحهما) انه من ضمان المشتري فعلى هذا هي محسوبة على المستأجر وعليه تمام الاجرة (والثاني) أنها من ضمان البائع فعلى هذا يحسب على المكري ويحط من الاجرة بقدر ما يقابل تلك المدة (وأما) المساقات ففي ثبوت خيار المجلس فيها طريقان (اظهرهما) انه على الخلاف المذكور في الاجارة (والثاني) القطع بالمنع لان الغرر فيه اعظم لان كل واحد من المتعاقدين لا يدري الجزء: 8 ¦ الصفحة: 300 ما يحصل له فلا يضم إليه غرر آخر * والمسابقة كالاجارة ان قلنا انها لازمة وكالعقود الجائزة ان قلنا أنها جائزة (وقوله) ولا يثبت فيما لا يسمى بيعا يجوز اعلامه بالواو للوجوه الصائرة إلى ثبوته في الكتابة والخلع وسائر ما حكينا الخلاف فيه والله اعلم * قال (وينقطع الخيار بلفظ يدل على اللزوم وتمام الرضي وبمفارقة المجلس بالبدن وهل يبطل بالموت فيه قولان (اصحهما) انه لا يبطل كخيار الشرط (وح) فيثبت للوارث ولو فرق بينهما على اكراه ففي بطلان الخيار خلاف ويثبت عند جنون أحد المتعاقدين قبل التفرق للقيم) * مقصود الفصل الكلام فيما ينقطع به خيار المجلس وجملته أن كل عقد ثبت فيه هذا الخيار فانه ينقطع بالتخاير وبان يتفرقا بابدانهما عن مجلس العقد (أما) التخاير فهو أن يقولا تخايرنا أو اخترنا امضاء العقد أو امضيناه أو أجزناه أو الزمناه وما اشبهها ولو قال احدهما اخترت انقطع خياره ويبقى خيار الاخر كما في خيار الشرط إذا أسقط احدهما الخيار وفي وجه لا يبقى خيار الاخر ايضا لان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 301 الخيار لا يتبعض في الثبوت فلا يتبعض في السقوط * ولو قال احدهما لصاحبه اختر أو اخيرتك فقال الاخر اخترت انقطع خيارهما جميعا وان سكت لم ينقطع خياره وينقطع خيار القائل في اصح الوجهين لان قوله اختر رضي منه باللزوم وقد روي في بعض الروايات انه صلى الله عليه وسلم قال (أو يقول احدهما لصاحبه اختر) ولو قال احدهما اخترت وقال الاخر فسخت قدم الفسخ على الاجازة * ولو تقابضا في المجلس وتبايعا العوضين بيعا ثانيا صح البيع الثاني على المشهور وهو قول ابن سريج لان البيع الثاني منهما رضي بلزوم الاول وعن صاحب التقريب أنه مبني على أن الخيار هل يمنع انتقال الملك (ان قلنا) يمنع لم يصح * ولو تقابضا في عقد الصرف ثم أجازا في المجلس لزم العقد وان أجازاه قبل التقابض فوجهان (أحدهما) ان الاجازة لاغية لان القبض متعلق بالمجلس وهو باق فبقي حكمه في الخيار (والثاني) انه يلزم العقد وعليهما التقابض فان تفرقا قبل القبض انفسخ العقد ولا نقصهما ان تفرقا عن تراض فان انفرد احدهما بالمفارقة عصي (وأما) التفرق فهو أن يتفرقا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 302 بابدانهما فلو اقاما في ذلك المجلس مدة طويلة أو قاما وتماشيا منازل فهما على خيارهما هذا هو المذهب ووراءه وجهان (أحدهما) قال بعض الاصحاب لا يزيد الخيار على ثلاثة أيام لانها نهاية الخيار المشروط شرعا (والثاني) انه لو لم يتفرقا ولكن شرعا في أمر آخر واعرضا عما يتعلق بالعقد وطال الفصل انقطع الخيار نقله صاحب البيان * ثم الرجوع في التفرق إلى العادة فما يعده الناس تفرقا يلزم به العقد فلو كانا في دار صغيرة فالتفرق بان يخرج احدهما منها أو يصعد السطح وكذا لو كانا في مسجد صغير أو سفينة صغيرة * وان كانت الدار كبيرة جعل التفرق بان يخرج احدهما من البيت إلى الصحراء أو يدخل من الصحن في بيت أو صفة وان كانا في صحراء أو سوق فإذا ولى احدهما ظهره الاخر ومشي قليلا حصل التفرق وكان ابن عمر رضي الله عنهما (إذا ابتاع شيئا واراد أن يوجب البيع قام ومشي قليلا) وعن الاصطخري أنه يشترط أن يبعد بحيث إذا كلم صاحبه على الجزء: 8 ¦ الصفحة: 303 الاعتياد من غير رفع الصوت لم يسمع ولا يحصل التفرق بان يرخي بينهما ستر أو يشق بينهما نهر وهل يحصل بان يبني بينهما جدار من طين أو جص فيه وجهان (أصحهما) لا لانه في مجلس العقد والحقه الامام بما إذا حمل أحدهما وأخرج وسيأتي الكلام فيه * وصحن الدار والبيت الواحد إذا تفاحش اتساعهما كالصحراء ولو تناديا متباعدين وتبايعا صح البيع وما حكم الخيار قال الامام يحتمل أن يقال لا خيار لان التفرق الطارئ قاطع للخيار فالمقارن يمنع ثبوته ويحتمل ان يقال يثبت ما داما في موضعهما وهذا ما أورده المتولي * ثم إذا فارق أحدهما موضعه وبطل خياره هل يبطل خيار الاخر أو يدوم إلى أن يفارق مكانه فيه احتمالان للامام * ثم في الفصل ثلاث مسائل (احداها) إذا مات أحد المتبايعين في مجلس العقد فقد نص في المختصر في البيوع أن الخيار لوارثه وفي المكاتب أنه إذا باع ولم يتفرقا حتى مات المكاتب وجب البيع وللاصحاب في النصين ثلاثة طرق (أظهرها) أن في الصورتين قولين بالنقل والتخريج وبه قال القاضي ابو حامد وأبو اسحاق (أحدهما) انه يلزم البيع لانه خيار يسقط بمفارقة المكان فبمفارقة الدنيا أولى (وأصحهما) انه لا يلزم بل يثبت للوارث والسيد كخيار الشرط والعيب (والثاني) القطع بثبوت الخيار للوارث والسيد (وقوله) في المكاتب وجب البيع أراد أنه لا يبطل بموته لا كالكتابة (والثالث) تقرير النصين والفرق أن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 304 الوارث خليفة المورث فيقوم مقامه في الخيار والسيد ليس خليفة للمكاتب وإنما يأخذ ما يأخذ بحق الملك والعبد المأذون إذا باع أو اشترى ومات في المجلس كالمكاتب فيجئ فيه هذا الخلاف وكذلك في الوكيل بالشراء إذا مات في المجلس هل للموكل الخيار وهذا إذا فرعنا على أن الاعتبار بمجلس الوكيل في الابتداء وهو الصحيح وروي وجه أن الاعتبار بمجلس الموكل (التفريع) ان لم يثبت الخيار للوارث فقد انقطع خيار الميت (واما) الحي ففي التهذيب أن خياره لا ينقطع حتى يفارق ذلك المجلس * وذكر الامام تفريعا على هذا القول أنه يلزم العقد من الجانبين ويجوز تقدير خلاف فيه لما مر أن هذا الخيار لا يتبعض في السقوط كما في الثبوت وان قلنا يثبت الخيار للوارث فان كان حاضرا في المجلس امتد الخيار بينه وبين العاقد الاخر حتى يتفرقا أو يتخايرا * وإن كان غائبا فله الخيار إذا وصل الخبر إليه ثم هو على الفور أو يمتد امتداد مجلس بلوغ الخبر إليه فيه وجهان (وجه) الاول أن المجلس قد انقضى وانما أثبتنا له الخيار كيلا يعطل حقا كان للمورث (ووجه) الثاني أن الوارث خليفة المورث فليثبت له مثل ما ثبت للمورث وهذان الوجهان كالوجهين في خيار الشرط إذا ورثه الوارث وكان بلوغ الخبر إليه بعد انقضاء مدة الخيار ففي وجه هو على الفور وفي وجه يدوم مثل ما كان يدوم للمورث لو لم يمت * هذا ترتيب الاكثرين وبني بانون الجزء: 8 ¦ الصفحة: 305 ثبوت الخيار للوارث على وجهين نقلوهما في كيفية ثبوته للعاقد الباقي (أحدهما) أن له الخيار ما دام في مجلس العقد فإذا فارقه بطل فعلى هذا يكون خيار الوارث في المجلس الذي يشاهد فيه المبيع ليتأمل ويختار ما فيه الحظ (والثاني) أن خياره يتأخر إلى أن يجتمع مع الوارث في مجلس واحد فعلى هذا حينئذ يثبت الخيار للوارث * (فرع) إذا ورثه اثنان فصاعدا وكانوا حضورا في مجلس العقد فلهم الخيار إلى أن يفارقوا العاقد الاخر ولا ينقطع الخيار بمفارقة بعضهم على الاصح * وإن كانوا غائبين عن المجلس ففي التتمة أنا إن قلنا في الوارث الواحد يثبت الخيار في مجلس مشاهدة المبيع فلهم الخيار إذا اجتمعوا * في مجلس واحد (وان قلنا) الخيار إذا اجتمع مع العاقد فكذلك لهما الخيار إذا اجتمعوا معه ومتى فسخ بعضهم وأجاز بعضهم ففي وجه لا ينفسخ في شئ (والاصح) أنه ينفسخ في الكل كالمورث لو فسخ في حياته في البعض وأجاز في البعض (المسألة الثانية) إذا حمل احد المتعاقدين واخرج من المجلس مكرها نظر إن منع من الفسخ أيضا بان سد فوه لم ينقطع خياره على أظهر الطريقين إذ لم يوجد منه ما يدل على الرضا باللزوم (والثاني) في انقطاعه وجهان كالقولين في صورة الموت وهذه اولى ببقاء الخيار لان ابطال حقه قهرا مع بقائه بعيد فان لم يمنع من الفسخ فطريقان على العكس (اظهرهما) ان في انقطاع الخيار وجهين (احدهما) وبه قال ابو اسحق ينقطع لان سكوته عن الفسخ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 306 مع القدرة رضا بالامضاء (واصحهما) انه لا ينقطع لانه مكره في المفارقة وكانه لا مفارقة والسكوت عن الفسخ لا يبطل الخيار كما في المجلس (الثاني) القطع بالانقطاع وهو اختيار الصيدلاني (فان قلنا) ينقطع خياره انقطع خيار الماكث ايضا والا فله التصرف بالفسخ والاجازة إذا وجد التمكن و؟ ؟ هو على الفور فيه ما سبق من الخلاف (فان قلنا) لا وكان مستقرا حين زايله الاكراه في مجلس ابتداء الخيار امتد الخيار امتداد ذلك المجلس وان كان مارا فإذا فارق في مروره مكان التمكن انقطع خياره وليس عليه الانقلاب إلى مجلس العقد ليجتمع مع العاقد الاخر ان طال الزمان وإن لم يطل ففيه احتمال عند الامام * وإذا لم يبطل خيار المخرج لم يبطل خيار الماكث ايضا ان منع من الخروج معه وان لم يمنع بطل في اصح الوجهين * ولو ضربا حتى تفرقا بانفسهما ففي انقطاع الخيار قولان كما في حيث المكره * ولو هرب احدهما ولم يتبعه الاخر مع التمكن بطل خيارهما وان لم يتمكن من متابعته ففي التهذيب انه يبطل خيار الهارب دون الاخر (المسألة الثالثة) إذا جن احد المتعاقدين أو اغمى عليه لم ينقطع الخيار لكن يقوم وليه أو الحاكم مقامه فيفعل ما فيه الحظ من الفسخ والاجازة وفيه وجه مخرج من الموت انه ينقطع وعلى المذهب لو فارق المجنون مجلس العقد قال الامام يجوز ان يقال لا ينقطع الخيار لان التصرف انقلب إلى القوام عليه ويعارضه انه لو كان كذلك لكان الجنون كالموت * ولو خرس احد المتعاقدين في المجلس فان كانت له إشارة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 307 مفهومة أو كتابة فهو على خياره والا نصب الحاكم نائبا عنه (وقوله) في مسألة الموت فيه قولان يجوز إعلامه بالواو للطريقين الاخرين (وقوله) كخيار الشرط معلم بالحاء والالف لان عند أبي حنيفة وأحمد خيار الشرط غير موروث وبالواو أيضا لان عن صاحب التقريب أن بعض أئمتنا خرج قولا من خيار المجلس في خيار الشرط أنه لا يورث (وقوله) ويثبت عند جنون أحد المتعاقدين معلم بالواو لما مر * قال (ولو تنازعا في جريان التفرق فالاصل عدمه ومن يدعيه مطالب بالبينة * ولو تنازعا في الفسخ بعد الاتفاق على التفرق فالاصل عدم الفسخ (و)) * في الفصل صورتان هينتا الخطب (إحداهما) لو جاء المتعاقدان معا فقال أحدهما تفرقنا بعد البيع وأنه قد لزم وأنكر الثاني التفرق وأراد الفسخ فالقول قول الثاني مع يمينه لان الاصل دوام الاجتماع وعلى من يدعي خلافه البينة * ولك أن تقول هذا بين ان قصرت المدة ولكنها إن طالت الجزء: 8 ¦ الصفحة: 308 فدوام الاجتماع خلاف الظاهر وان كان على وفاق الاصل فلا يبعد تخريجه على الخلاف المشهور في تعارض الاصل والظاهر والاصحاب لم يفرقوا بين الحالين (الثانية) اتفقا على التفرق وقال أحدهما فسخت قبله وأنكر الاخر فالقول قول الاخر مع يمينه لان الاصل عدم الفسخ وعلى المدعي البينة هذا هو الظاهر وبه أجاب في الكتاب * وعن صاحب التقريب؟ ؟ القول قول من يدعي الفسخ لانه أعرف بتصرفه * ولو اتفقا على عدم التفرق وتنازعا هكذا ففي التهذيب أن دعوى مدعي الفسخ فسخ * قال (السبب الثاني الشرط قال النبي صلى الله عليه وسلم لحبان بن منقذ وكان يخدع في البيوع (قل لا خلابة واشترط الخيار ثلاثة أيام) فلا تجوز الزيادة عنها (م) ولا التقدير بمدة مجهولة ولا الابهام في أحد العبدين) * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 309 الاصل في خيار الشرط الاجماع وما روي عن ابن عمر (أن رجلا ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع فقال صلى الله عليه وسلم إذا بايعت فقل لا خلابة) وروي أن ذلك الرجل كان حبان بن منقذ أصابه أمة في رأسه فكان يخدع في البيع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (إذا بايعت فقل لا خلابة وجعل الخيار ثلاثا) وفي رواية (وجعل له بذلك خيار ثلاثة أيام) وفي رواية (قل لا خلابة ولك الخيار ثلاثا) وهذه الروايات كلها في كتب الفقة ولا يلفي في مشهورات كتب الحديث سوى الرواية المقتصرة على قوله (لا خلابة) وهذه الكلمة في الشرع عبارة عن اشتراط الخيار ثلاثا فإذا أطلقاها عالمين بمعناها كان كالتصريح بالاشتراط وإن كانا جاهلين لم يثبت الخيار وان علم البائع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 310 دون المشتري ففيه وجهان عن ابن القطان (أحدهما) لا يثبت لعدم التراضي (والثاني) يثبت لظاهر قوله (قل لاخلابة ولك الخيار ثلاثا) (وأما) اللفظة المروية في الكتاب وهي قوله (ولي الخيار ثلاثة أيام) فلا تكاد توجد في كتب الحديث ولا الفقه نعم في شرح مختصر الجويني للموفق بن طاهر (قل لا خلابة واشترط الخيار ثلاثا) وهما متقاربان * إذا عرفت ذلك ففي الفصل ثلاث صور (إحداها) لا يجوز شرط الخيار أكثر من ثلاثة أيام فلو زاد فسد العقد لان الخيار غرر فلا يزاد على ما ورد به الخبر * وقال مالك تجوز الزيادة بحسب الحاجة حتى لو اشترى ضيعة يحتاج النظر فيها إلى شهر فصاعدا يجوز شرطه * وعن أحمد تجويز الزيادة من غير تحديد * ويجوز شرط ما دون الثلاث بطريق الاولى لكن لو كان المبيع مما يتسارع إليه الفساد فيبطل البيع أو يصح ويباع عند الاشراف على الفساد ويقام عنه مقامه حكي يحيى اليمني عن بعض من لقيه فيه وجهين وقال مالك إن كان المبيع مما يعرف حاله بالنظر ساعة أو يوما لم تجز الزيادة ويشترط الجزء: 8 ¦ الصفحة: 311 أن تكون المدة متصلة بالعقد حتى لو شرطا خيار ثلاثة فما دونها من آخر الشهر أو متى شاء أو شرطا خيار الغد دون اليوم فسد العقد لانه إذا تراخت المدة عن العقد لزم وإذا لزم لم يعد جائزا ولهذا لو شرطا خيار الثلاثة ثم أسقط اليوم الاول سقط الكل (الثانية) لا يجوز شرط الخيار مطلقا ولا تقديره بمدة مجهولة ويفسد العقد به خلافا لمالك حيث قال يصح ويحمل على ما تقتضيه العادة فيه لنا القياس على الاجل * ولو شرطا الخيار إلى وقت طلوع الشمس من الغد جاز ولو قالا إلى طلوعها فعن الزبيري أنه لا يجوز لان السماء قد تكون متغيمة فلا تطلع وهذا بعيد فان التغيم انما يمنع من الاشراق واتصال الشعاع لا من الطلوع وفي الغروب لا فرق بين أن يقولا إلى الغروب أو إلى وقت الغروب بالاتفاق * ولو تبايعا نهارا بشرط الخيار إلى الليل أو بالعكس لم يدخل فيه الليل والنهار كما لو باع شيئا إلى رمضان لا يدخل رمضان في الاجل وقال أبو حنيفة يدخل الليل والنهار (الثالثة) لو باع عبدين بشرط الخيار في أحدهما لا على التعيين فسد العقد كما لو باع أحدهما لا على التعيين وقال أبو حنيفة يجوز في العبدين والثوبين والثلاثة ولا يجوز في الاربعة وما زاد كما قال في البيع ولو شرطا الخيار في أحدهما على التعيين ففيه قولا الجمع بين مختلفي الحكم وكذا لو شرطا في أحدهما خيار يوم وفي الاخر خيار يومين فان صححنا البيع ثبت الخيار فيما شرط وكما لو شرط فيهما ثم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 312 اراد الفسخ في أحدهما فعلى قولى تفريق الصفقة في الرد بالعيب * ولو اشترى اثنان شيئا من واحد صفقة واحدة بشرط الخيار فلاحدهما الفسخ في نصيبه كما في الرد بالعيب ولو شرط لاحدهما الخيار دون الاخر ففي صحة البيع قولان (الاصح) الصحة * (فرع) ابتاع على شرط أنه ان لم ينقده الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما أو باع على شرط انه إن رد الثمن في ثلاثة أيام فلا بيع بينهما فهذا شرط فاسد كما إذا تبايعا على شرط انه إن قدم زيد اليوم فلا بيع بينهما وعن أبي إسحق أنه يصح العقد والمذكور في الصورة الاولى شرط الخيار للمشتري وفي الثانية شرطه للبائع والله أعلم * قال (وأول مدته عند الاطلاق من وقت العقد لا من التفرق على الاصح ولا يتوقف الفسخ به على حضور (ح) لخصم وقضاء القاضي) * إذا تبايعا بشرط الخيار ثلاثة فما دونها فابتداء المدة من وقت العقد أو التفرق فيه وجهان (اصحهما) من وقت العقد وبه قال ابن الحداد لان ثبوته بالشرط والشرط وجد في العقد (والثاني) من وقت التفرق أو التخاير ونقل الامام عمن صار إليه تعليلين (احدهما) أن الخيارين متماثلان والمثلان لا يجتمعان (والثاني) أن الظاهر ان الشارط يبغي بالشرط إثبات ما لولا الشرط لما ثبت وخيار المجلس ثابت وان لم يوجد الشرط فيكون المقصود ما بعده * ولك ان تقول اما الاول فليس الخيار الا واحدا لكن له جهتان المجلس والشرط وذلك لا بعد فيه كما انه قد يثبت الخيار بجهة الخلف والعيب معا (واما) الثاني فتنزيل الشرط على ما ذكره يورث الجهالة لان وقت التفرق مجهول والوجهان على ما روي الشيخ ابو على وغيره مطردان في الاجل لكن بالترتيب ان جعلنا الخيار من وقت العقد فالاجل اولى والا فوجهان والفرق ان الاجل لا يثبت الا بالشرط فالنظر فيه إلى وقت الشرط والخيار قد يثبت من غير شرط فمقصود الشرط اثبات ما لولاه لما ثبت وايضا فان الاجل وان شارك الخيار في منع المطالبة بالثمن لكنه يخالفه من وجوه واجتماع المختلفين غير مستنكر (التفريع) ان قلنا بالاول فإذا انقضت المدة وهما مصطحبان بعد انقطع خيار الشرط وبقي خيار المجلس وان تفرقا والمدة باقية فالحكم بالعكس ولو أسقطا أحد الخيارين لم يسقط الاخر ولو قالا الزمنا العقد وأسقطنا الخيار مطلقا سقطا ولو شرطا الاحتساب من وقت التفرق بطل الشرط والعقد لانه مجهول وعن رواية صاحب التقريب وجه أنهما صحيحان (وان قلنا) بالوجه الثاني فإذا تفرقا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 313 انقطع خيار المجلس واستؤنف خيار الشرط ولو أسقطا الخيار قبل التفرق بطل خيار المجلس ولا يبطل الاخر في اصح الوجهين لانه غير ثابت بعد ولو شرطا الاحتساب من وقت العقد فوجهان (أصحهما) صحة العقد والشرط وبناهما الامام على التعليلين السابقين ان عللنا باجتماع الخيارين بطلا وإلا صحا لان التصريح بالاحتساب من العقد يبين أنه ما اراد بالشرط ما بعد التفرق ولو شرط الخيار بعد العقد وقبل التفرق وقلنا بثبوته فالحكم على الوجه الثاني لا يختلف وعلى الاول فالاحتساب من وقت الشرط لا من وقت العقد ولا من وقت التفرق هذا شرح احدى مسألتي الفصل (والثانية) لمن له خيار الشرط من المتعاقدين فسخ العقد حضر صاحبه أو غاب وبه قال مالك واحمد * وقال ابو حنيفة ليس له الفسخ الا بحضور صاحبه * لنا أنه احد طرفي الخيار فلا يتوقف على حضور المتعاقدين كالاجازة وايضا فانه إذا لم يفتقر في رفع العقد إلى صاحبه وجب ان لا يفتقر إلى حضوره كما لو طلق زوجته ولا يفتقر نفوذ هذا الفسخ إلى الحاكم لانه فسخ متفق على ثبوته بخلاف الفسخ بالعنة فانه مختلف فيه والله اعلم * قال (ويثبت خيار الشرط في كل معاوضة محضة مما هو بيع الا في التصرف والسلم وما يستعقب العتق من البيوع) * غرض الفصل بيان ما يثبت فيه خيار الشرط من العقود وما لا يثبت والقول الجملي فيه أنه مع خيار المجلس يتلازمان في الاغلب لكن خيار المجلس أسرع وأولى ثبوتا من خيار الشرط لان زمان المجلس أقصر غالبا فربما انفكا لذلك فان أردت التفصيل فراجع ما سبق في خيار المجلس (واعلم) أنهما متقاربان في صور الخلاف والوفاق الا أن البيوع التي يشترط فيها التقابض في المجلس كالصرف وبيع الطعام بالطعام أو القبض في أحد العوضين كالسلم لا يجوز شرط الخيار فيها وان ثبت خيار المجلس لان ما يشترط فيه القبض لا يحتمل فيه التأجيل والخيار أعظم غررا من الاجل لانه مانع من الملك أو من لزومه فهو يولي بان لا يحتمل وأيضا فالمقصود من اعتبار القبض أن يتفرقا ولا علقة بينهما تحرزا من الربا أو من بيع الكالي بالكالي ولو اثبتنا الخيار لبقيت العلقة بينهما بعد التفرق إلا أن خيار الشرط لا يثبت في الشفعة بلا خلاف وكذا في الحوالة على ما حكاه العراقيون مع نقلهم الخلاف في خيار المجلس * قال الامام ولا أعرف فرقا بين الخيارين الا أن الوجه الغريب المذكور في خيار المجلس للبائع من المفلس لم يطرد ههنا والا أن في الهبة بشرط الثواب طريقة عن القاضي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 314 أبي الطيب قاطعة بنفي خيار الشرط والا أن في الاجارة أيضا طريقة مثل ذلك (أما) في اجارة العين فلما في هذا الخيار من زيادة تعطل المنفعة (وأما) في الاجارة على الذمة فبناء على تنزيلها منزلة السلم وحكم شرط الخيار مذكور في كتا ب الصداق (وقوله) في الكتاب وما يستعقب العتق من البيوع لا بد من إعلامه بالواو والقول فيه على ما ذكرنا في خيار المجلس ولم يستثن في لفظ الكتاب بيع الطعام بالطعام ولا بد منه والله اعلم * قال (ثم ان كان الخيار للبائع وحده فالمبيع باق على ملكه على الاصح وان كان للمشتري وحده فالملك منتقل (وح) إليه وان كان لهما فثلاثة أقوال (احدها) أنه موقوف فان استقر العقد تبين زوال الملك بنفس العقد وان فسخ تبين أنه لم يزل الملك ولم يتم السبب والكسب والنتاج والوطئ والاستيلاد والعتق وغير ذلك من الطوارئ فروع الملك فينتظر آخر الامر فما يستقر عليه آخرا يقدر وجوده اولا (و)) * نقدم على فقه الفصل مقدمة وهي أن الخيار اما ان يشرط لاحد المتعاقدين أو لكليهما أو لغيرهما فان شرط لاحدهما أو لهما فهو جائز (أما) للمشتري فلحديث حبان (واما) للبائع أو لهما فبالقياس عليه والاجماع ويجوز ان يشرط لاحدهما خيار يوم وللاخر خيار يومين أو ثلاثة وان شرط لغيرهما فذلك الغير اما اجنبي أو الموكل الذي وقع العقد له فان كان اجنبيا فقولان (احدهما) انه يفسد العقد والشرط لانه خيار يتعلق بالعقد فيختص بالمتعاقدين كخيار العيب (واصحهما) وبه قال ابو حنيفة ومالك واحمد انهما صحيحان لانه خيار يثبت بالشرط للحاجة وقد تدعو الحاجة إلى شرطه للاجنبي لكونه اعرف بحال المعقود عليه ويجرى القولان في بيع العبد بشرط الخيار للعبد ولا فرق على القولين بين ان يشرطا أو احدهما الخيار لشخص واحد وبين ان يشترط هذا الخيار لواحد وهذا للاخر وإذا قلنا بالاصح ففي ثبوت الخيار لمن شرط أيضا قولان أو وجهان (أصحهما) وهو ظاهر نصه في الصرف انه لا يثبت اقتصارا على الشرط كما إذا شرط لاحدهما لا يثبت للاخر (والثاني) يثبت وبه قال ابو حنيفة وأحمد وعللوه بمعنيين (أحدهما) ان شرط الخيار للاجنبي يشعر باستبقاء الشارط الخيرة لنفسه بطريق الاولى (والثاني) انه يستحيل ثبوت الخيار لغير المتعاقدين لا على سبيل النيابة وخرج الامام عليهما ما لو شرطا الخيار للاجنبي دونهما فعلى المعنى الاول يختص بالاجنبي وعلى الثاني لا يختص ويفسد الشرط فان لم يثبت الخيار للعاقد مع الاجنبي فمات الاجنبي في زمان الخيار ثبت الان له في الاصح الوجهين كذا قاله في التهذيب وإن أثبتا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 315 الخيار للعاقد مع الاجنبي فلكل واحد منهما الاستقلال بالفسخ ولو فسخ أحدهما وأجاز الاخر فالفسخ أولى ولو اشترى شيئا على أن يؤامر فلانا فيأتي بما يأمره به من الفسخ والاجازة فالمنقول عن نصه في الاملاء على مسائل مالك انه يجوز وليس له الرد حتى يقول استأمرته فأمرني بالفسخ وتكلموا فيه من وجهين (أحدهما) انه لم شرط أن يقول استأمرته قال الذين خصوا الخيار المشروط للاجنبي به هذا جواب على المذهب الذى قلناه ومؤيد له وقال آخرون انه مذكور احتياطا (والثاني) انه أطلق في التصوير شرط المؤامرة فهل يحتمل ذلك الصحيح انه لا يحتمل واللفظ محمول على ما إذا قيد المؤامرة بالثلاث فما دونها وقيل يحتمل الاطلاق والزيادة على الثلاث كما في خيار الرؤية وأما إذا كان ذلك الغير هو الموكل ثبت لخيار الموكل دونه * واعلم أن الوكيل بالبيع والشراء له شرط الخيار للموكل في أظهر الوجهين لان ذلك لا يضره وطرد الشيخ ابو علي الوجهين في شرط الخيار لنفسه أيضا وليس للوكيل بالبيع شرط الخيار للمشتري ولا للوكيل بالشراء شرط الخيار للبائع فان خالف بطل العقد وإذا شرط الخيار لنفسه وجوزناه أو أذن فيه صريحا ثبت له الخيار ولا يفعل إلا ما فيه الحظ للموكل لانه مؤتمن بخلا ف الاجنبي المشروط له الخيار لا يلزمه رعاية الحظ هكذا ذكروه ولناظر ان يجعل الخيار له ائتمانا وهو أظهر إذا جعلناه نائبا عن العاقد ثم هل يثبت الخيار للموكل معه في هذه الصورة فيه الخلاف المذكور فيما إذا شرط للاجنبي هل يثبت للعاقد وحكى الامام فيما إذا أطلق الوكيل شرط الخيار بالاذن المطلق من الموكل ثلاثة أوجه ان الخيار يثبت للوكيل أو للموكل أولهما * إذا تقررت المقدمة فللشافعي رضى الله عنه ثلاثة أقوال في ان الملك في المبيع في زمان الخيار لمن هو (أحدها) وبه قال احمد انه للمشتري لان البيع قد تم بالايجاب والقبول فثبوت الخيار فيه لا يمنع الملك كخيار العيب وعلى هذا فالملك في الثمن للبائع (والثاني) وبه قال مالك انه باق للبائع لنفوذ تصرفاته وقد روي انه صلى الله عليه وسلم قال (لا بيع بينهما حتى يتفرقا) وعلى هذا فالملك في الثمن للمشتري (والثالث) انه موقوف فان تم البيع بان حصول الملك للمشتري الجزء: 8 ¦ الصفحة: 316 من وقت البيع والا بان أن ملك البائع لم يزل وكذا يتوقف في الثمن ووجهه أن البيع سبب الزوال إلا ان شرط الخيار يشعر بأنه لم يرض بعد بالزوال جزما فوجب أن يتربص وينتظر عاقبة الامر وفي موضع الاقوال طرق (أحدها) أن الخلاف فيما إذا كان الخيار لهما اما بالشرط أو في خيار المجلس (أما) إذا كان لاحدهما فهو المالك للمبيع لنفوذ تصرفه فيه ويحكي هذا عن صاحب التقريب وهو قريب مما أورده في الكتاب (والثاني) أنه لا خلاف في المسألة ولكن ان كان الخيار للبائع فالملك له وإن كان للمشتري فهو له وان كان لهما فهو موقوف وتنزل الاقوال على هذه الاحوال وهو اختيار القاضي الروياني في الحلية (والثالث) طرد الاقوال في الاحوال وهو أظهر عند عامة الاصحاب منهم العراقيون والحليمي وإذا جرت الاقوال فما الاظهر منها قال الشيخ أبو حامد ومن نحا نحوه الاظهر أن الملك للمشتري وبه قال الامام * وقال آخرون الاظهر الوقف وبه قال صاحب التهذيب والاشبه توسط ذكره جماعة وهو انه ان كان الخيار للبائع فالاظهر بقاء الملك له وان كان للمشتري فالاظهر انتقاله إليه وان كان لهما فالاظهر الوقف وعلى هذا تتفات الاحوال في الاظهر من الاقوال لا في تخصيص الخلاف ببعضها * وقال أبو حنيفة ان كان الخيار لهما أو للبائع فالملك للبائع وان كان للمشتري زال ملك البائع ولم يحصل للمشتري (التفريع) لهذه الاقوال فروع كثيرة الانشعاب (منها) ما يورد في سائر الابواب ومنها ما يختص بهذا الموضع وصاحب الكتاب أشار إلى صور (منها) كسب العبد والجارية المبيعين في زمان الخيار فان تم المبيع بينهما فهو للمشتري إن قلنا الملك له أو موقوف (فان قلنا) الملك للبائع فوجهان (قال) الجمهور الكسب له لانه المالك حين حصوله وعن أبي على الطبري أنه للمشتري لان سبب ملكه موجود اولا وقد استقر عليه آخرا فيكتفي به وان فسخ البيع فهو للبائع إن قلنا الملك للبائع أو موقوف (وان قلنا) للمشتري وجهان (أصحهما) أنه له وعن أبي اسحق انه للبائع نظرا إلى المال وبني صاحب التتمة الوجهين على أن الفسخ رفع العقد من حينه أو من أصله (إن قلنا) بالاول فهو للمشتري (وإن قلنا) بالثاني فللبائع وفي معنى الكسب اللبن والبيض والثمرة ومهر الجارية إذا وطئت بالشبهة (ومنها) النتاج فان فرض حدوث الولد وانفصاله في زمان الخيار لامتداد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 317 المجلس أو كانت البهيمة أو الجارية حاملا عند البيع وولدت في زمان الخيار فيبني على أن الحمل هل يأخذ قسطا من الثمن وفيه قولان (أحدهما) لا لان الحمل كالجزء منها فاشبه سائر الاعضاء فعلى هذا هو كالكسب بلا فرق (وأصحهما) نعم كما لوبيع بعد الانفصال مع الام فعلى هذا الحمل مع الام كعينين تباعان معا فان فسخ البيع فهما للبائع وإلا فللمشتري (ومنها) العتق وهو مؤخر في لفظ الكتاب لكن تقديمه اليق بالشرح فنقول إذا كان المبيع رقيقا فاعتقه البائع في زمان الخيار المشروط لهما أو للبائع نفذ اعتاقه على كل قول اما إذا كان الملك له فظاهر واما على غير هذا القول فلانه بسبيل إلى الفسخ والاعتاق يتضمن الفسخ فينقل الملك إليه قبيله وان أعتقه المشترى فان قلنا الملك للبائع لم ينفذ ان فسخ البيع وان تم فكذلك في أصح الوجهين (والثاني) ينفذ اعتبارا بالمال (وان قلنا) بالوقف فالعتق موقوف ايضا ان تم العقد بان نفوذه والا فلا (وان قلنا) ان الملك للمشترى ففي نفوذ العتق وجهان (أصحهما) وهو ظاهر النص انه لا ينفذ صيانة لحق البائع عن الابطال وعن ابن سريج انه ينفذ لمصادفته الملك * ثم اختلفوا فمن مطلق نقل النفوذ عنه ومن فارق بين ان يكون معسرا فلا ينفذ كما في الرهن (فان قلنا) لا ينفذ فاختار البائع الاجازة ففي الحكم بنفوذه الان وجهان (ان قلنا) ينفذ من وقت الاجازة أو الاعتاق وجهان أظهرهما أولهما (وان قلنا) بوجه ابن سريج ففي بطلان خيار البائع وجهان (أحدهما) يبطل وليس له الا الثمن (وأظهرهما) لا يبطل ولكن لايرد العتق وإذا فسخ أخذ قيمة العبد كما في نظيره من الرد بالعيب هذا إذا كان الخيار لهما أو للبائع أما إذا كان الخيار للمشتري نفذ اعتاقه على جميع الاقوال لانه اما مصادف للملك أو أجازه وليس فيه ابطال حق الغير وان أعتقه البائع (فان قلنا) ان الملك لم ينفذ تم البيع أو فسخ ويجئ فيما لو فسخ الوجه الناظر إلى المال (وان قلنا) بالوقف لم ينفذ ان تم البيع والا نفذ (وان قلنا) انه للبائع فان اتفق الفسخ فهو نافذ والا فقد أعتق ملكه الذي تعلق به حق لازم فهو كاعتاق الراهن (ومنها) الوطئ فان كان الخيار لهما أو للبائع فالكلام في وطئ البائع ثم في وطئ المشتري الجزء: 8 ¦ الصفحة: 318 (فاما) وطئ البائع ففي حله طرق (أحدها) انا ان جعلنا الملك له فهو حلال والا فوجهان (وجه) الحل انه يتضمن الفسخ على ما سيأتي وفى ذلك عود الملك إليه معه أو قبيله (والثاني) أنا ان لم نجعل الملك له فهو حرام وان جعلناه له فوجهان وجه التحريم ضعف الملك (والثالث) عن الشيخ أبي محمد القطع بالحل على الاطلاق والظاهر من هذا كله الحل ان جعلنا الملك له والتحريم ان لم نجعله له ولا مهر عليه بحال (وأما) وطئ المشتري فهو حرام اما إن لم يثبت الملك له فظاهر واما إن اثبتناه فهو ضعيف كملك المكاتب ولكن لا حد عليه على الاقوال لوجود الملك أو شبهة الملك وهل يلزمه المهر إن تم البيع بينهما فلا ان قلنا ان الملك للمشتري أو موقوف وان قلنا انه للبائع وجب المهر له وعن أبي اسحق انه لا يجب نظرا إلى المآل وان فسخ البيع وجب المهر للبائع ان قلنا الملك له أو موقوف وان قلنا انه للمشتري فلا مهر عليه في اصح الوجهين * ولو اولدها فالولد حرنسيب على الاقوال وهل يثبت الاستيلاد ان قلنا الملك للبائع فلا ثم ان تم البيع أو ملكها بعد ذلك ففي ثبوته حينئذ قولان كالقولين فيما إذا وطئ جارية الغير بالشبهة ثم ملكها وعلى الوجه الناظر إلى المآل إذا تم البيع نفذ الاستيلاد بلا خلاف وعلى قول الوقف ان تم البيع بان ثبوت الاستيلاد وإلا فلا فلو ملكها يوما عادا القولان وعلى قولنا ان الملك للمشتري في ثبوت الاستيلاد الخلاف المذكور في العتق فان لم يثبت في الحال وتم البيع بان ثبوته ثم رتب الائمة الخلاف في الاستيلاد على الخلاف في العتق واختلفوا في كيفيته فمن صائر إلى أن الاستيلاد أولى بالثبوت ومن عاكس ذلك ووجههما مذكور في الكتاب في الرهن قال الامام ولا يبعد الحكم باستوائهما لتعارض الجهتين والقول في وجوب قيمة الولد على المشتري كالقول في المهر نعم ان جعلنا الملك للبائع وفرضنا تمام البيع فللوجه الناظر إلى المآل مخذ آخر وهو القول بأن الحمل لا يعرف أما إذا كان الخيار للمشتري وحده فحكم حل الوطئ كما مر في حل الوطئ للبائع إذا كان الخيار له أو لهما وأما البائع فيحرم عليه الوطئ ههنا ولو وطئ فالقول في وجوب المهر وثبوت الاستيلاد ووجوب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 319 القيمة كما ذكرنا في طرق المشتري إذا كان الخيار لهما أو للبائع هذا شرح الفروع المذكورة في الكتاب ووراءها فروع (أحدها) إذا تلف المبيع بآفة سماوية في زمان الخيار نظر ان كان قبل القبض انفسخ البيع بلا شك وإن كان بعده وقلنا الملك للبائع انفسخ ايضا لانا نحكم بالانفساخ عند بقاء يده فعند بقاء ملكه أولى فيسترد الثمن ويغرم للبائع القيمة ويجئ في القيمة المغرومة الخلا ف المذكور في كيفية غرامة المستعير والمستام (وان قلنا) الملك للمشتري أو موقوف فوجهان أو قولان (أحدهما) انه ينفسخ أيضا لحصول الهلاك قبل استقرار العقد (وأصحهما) انه لا ينفسخ لدخوله في ضمان المشتري بالقبض ولا أثر لولاية الفسخ كما في خيار العيب (وان قلنا) بالانفساخ فعلى المشتري القيمة قال الامام وههنا يقطع باعتبار قيمة يوم التلف لان الملك قبل ذلك للمشتري وانما يقدر انتقاله إليه قبيل التلف وان قلنا بعدم الانفساخ فهل ينقطع الخيار فيه وجهان (أحدهما) نعم كما ينقطع خيار الرد بالعيب بتلف المبيع (وأصحهما) لا كما لا يمتنع التخالف بتلف المبيع ويخالف الرد بالعيب لان الضرر ثم يندفع بالارش (فان قلنا) بالاول استقر العقد ولزم الثمن (وان قلنا) بالثاني فان تم العقد لزم الثمن والا وجبت القيمة على المشتري واسترد الثمن فان تنازعا في تعيين القيمة فالقول قول المشتري وعن بعض الاصحاب طريقة أخرى في المسألة وهي القطع بعدم الانفساخ وان قلنا إن الملك للبائع وذكروا تفريعا عليه أنه لو لم ينفسخ حتى انقضى زمان الخيار فعلى البائع رد الثمن وعلى المشتري القيمة لان المبيع تلف على ملك البائع فلا يبقى الثمن على ملكه قال الامام وهذا تخليط ظاهر (الثاني) لو قبض المشتري المبيع في زمان الخيار وأتلفه متلف قبل انقضائه (ان قلنا) ان الملك للبائع انفسخ البيع كما في صورة التلف لان نقل الملك بعد الهلاك لا يمكن (وان قلنا) انه للمشتري أو موقوف نظر ان أتلفه أجنبي فيبني على ما لو تلف (ان قلنا) ينفسخ العقد ثم فهذا كاتلاف الاجنبي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 320 المبيع قبل القبض وسيأتي حكمه (وإن قلنا) لا ينفسخ وهو الاصح فكذلك ههنا وعلى الاجنبي القيمة والخيار بحاله فان تم البيع فهي للمشتري والا فللبائع ولو أتلفه المشتري استقر الثمن عليه فان أتلفه في يد البائع وجعلنا إتلافه قبضا فهو كما لو تلف في يده وان أتلفه البائع في يد المشتري ففي التتمة أنه يبني على أن اتلافه كاتلاف الاجنبي أو كالتلف بآفة سماوية وستعرف الخلاف فيه (والثالث) لو تلف بعض المبيع في زمان الخيار قبل القبض كما لو اشترى عبدين فمات أحدهما ففي الانفساخ فيما تلف الخلاف السابق ان انفسخ جاء في الانفساخ في الباقي قولا تفريق الصفقة وان لم ينفسخ بقي خياره في الباقي ان قلنا بجواز رد أحد العبدين إذا اشتراهما بشرط الخيار والا ففي بقاء الخيار في الباقي الوجهان وإذا بقي الخيار فيه وفسخ رده مع قيمة الهالك * (فرع) إذا قبض المبيع في زمان الخيار ثم أودعه عند البائع فتلف في يده فهو كما لو تلف في يد المشتري حتى إذا فرعنا على أن الملك للبائع ينفسخ البيع ويسترد المشتري الثمن ويغرم القيمة حكاه الامام عن الصيدلاني ثم أبدى في وجوب القيمة احتمالا لحصول التلف بعد العود إلى يد المالك (واعلم) أنه لا يجب على البائع تسليم المبيع ولا على المشترى تسليم الثمن في زمان الخيار ولو تبرع أحدهما بالتسليم لم يبطل خياره ولا يجبر الاخر على تسليم ما عنده وله استرداد المدفوع وقيل ليس له استرداده وله أخذ ما عند صاحبه دون رضاه كما لو كان التسليم بعد لزوم المبيع (والرابع) لو اشترى زوجته بشرط الخيار ثم خاطبها بالطلاق في زمان الخيار فان تم العقد بينهما وقلنا أن الملك للمشتري أو موقوف لم يقع الطلاق وان قلنا أنه للبائع وقع * وان فسخ وقلنا أنه للبائع أو موقوف وقع وان قلنا للمشتري فوجهان عن رواية الصيمري وليس له الوطئ في زمان الخيار لانه لا يدري أيطا بالملك أو بالزوجية هكذا حكي عن نصه وفيه وجه آخر (وأما) ما يتعلق بلفظ الكتاب (فقوله) فالمبيع باق على ملكه معلم بالالف وقوله على الاصح يمكن أن يريد به الاصح من الطريقين ويمكن أن يريد به الاصح من الاقوال وعلى التقدير الثاني يجوز اعلامه بالواو للطريقة النافية للخلاف (وقوله) فالملك منتقل إليه معلم بالحاء والميم والواو (وقوله) فثلاثة أقوال بالواو (وقوله) موقوف بالحاء والميم والالف ووجه ذلك كله ما مر وقوله فينتظر آخر الامر إلى آخره عبارة أجراها على قول الوقف ومعناها ان ما يستقر عليه العقد آخرا من الفسخ والامضاء يقدر وجوده في الابتداء فان فسخ قدرنا أنه لم يجر بينهما عقد وان أمضي قدرناه من الابتداء هذا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 321 ما ينطبق اللفظ عليه والله أعلم * قال (ويحصل الفسخ بوطئ البائع (و) وبيعه وعتقه وهبته مع القبض وان كان من ولده ولا تحصل الاجازة (و) بسكوته على وطئ المشتري وما جعلناه فسخا من البائع فهو اجازة (و) من المشتري ان وجد وكذا الاجارة والتزويج في معنى البيع (و) من واحد منهما والعرض على البيع والاذن فيه لا يقطع خيار البائع) * لا يخفي ما يحصل به الاجازة من الالفظ ولا ما يحصل به الفسخ كقول البائع فسخت البيع واسترجعت المبيع ورددت الثمن وعن الصيمري أن قول البائع في زمان الخيار لا ابيع حتى يزيد في الثمن وقول المشتري لا أنقل اختيار للفسخ وكذا قول المشتري لا اشتري حتى ينقص لي من الثمن وقول البائع لا انقل وكذا طلب البائع حلول الثمن المؤجل وطلب المشتري تأجيل الثمن الحال ثم في الفصل صور (أحداها) إذا كان للبائع خيار فوطئه في زمان الخيار فسخ لاشعاره باختيار الامساك ويخالف الرجعة لا تحصل بالوطئ لان الرجعة لتدارك النكاح وابتداء النكاح لا يحصل بالفعل فكذا تداركه والفسخ ههنا لتدارك ملك اليمين وابتداؤه تارة يحصل بالقول وأخرى بالفعل وهو السبي فكذا تداركه جاز أن يحصل بالفعل * وحكى الامام عن بعض الخلافيين وجها ان وطئ البائع ليس بفسخ تخريجا من الخلاف في أن الوطئ هل يكون تعيينا للمملوكة والمنكوحة عند إبهام العتق والطلاق وروي القاضي ابن كج وجها أنه إنما يكون فسخا إذا نوى به الفسخ وعلى المذهب لو قبل أو باشر فيما دون الفرج أو لمس بشهوة هل يكون فسخا فيه وجهان قال ابو اسحاق نعم وهذا ما أورده صاحب التهذيب وبمثله أجاب في الاستخدام وركوب الدابة لكن الاظهر في المذهب انهما لا يتضمنان الفسخ (الثانية) اعتاق البائع ان كان الخيار له فسخ بلا خلاف وفي بيعه وجهان (احدهما) انه ليس بفسخ لان الاصل بقاء العقد فيستصحب إلى أن يوجد الفسخ صريحا وانما جعلنا العتق فسخا لقوته (وأصحهما) أنه فسخ لدلالته على ظهور الندم وعلى هذا ففي صحة البيع المأتي به وجهان (اصحهما) صحته كالعتق (والثاني) المنع لان الشئ الواحد لا يحصل به الفسخ والعقد جميعا كما ان التكبيرة الثانية في الصلاة بنية الشروع يخرج بها من الصلاة فلا يشرع بها في الصلاة ويجري هذا الخلاف في الاجارة والتزويج وكذا في الرهن والهبة ان اتصل بهما القبض ولا فرق بين أن يهب ممن لا يتمكن من الرجوع في هبته وبين أن يهب من يتمكن كما لو وهب من ولده لان الملك في الصورتين زائل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 322 والرجوع اعادة لما زال وان تجرد الرهن والهبة عن القبض فالحكم فيه كما في العرض على البيع وسيأتي (الثالثة) إذا علم البائع ان المشتري يطأ الجارية وسكت عليه هل يكون مجيزا فيه وجهان (أحدهما) نعم لاشعاره بالرضا وأيد ذلك بقوله في المختصر ولو عجل المشتري فوطئها فأحبلها قبل التفرق في غفلة من البائع فاختار البائع الفسخ كان على المتشري مهر مثلها قيد بما إذا وطئ في غفلة من البائع (وأصحهما) لا كما لو سكت على بيعه وأجارته وكما لو سكت على وطئ أمته لا يسقط به المهر وهذا هو المذكور في الكتاب * ولو وطئ بالاذن حصلت الاجازة ولم يجب على المشتري مهر ولا قيمة ولد وثبت الاستيلاد بلا خلاف وما مر في الفصل السابق مفروض فيما إذا لم يأذن له البائع في الوطئ ولا علم به (الرابعة) وطئ المشتري هل يكون أجازة منه فيه وجهان (احدهما) لا بل له الفسخ بعد ذلك كما أن له الرد بالعيب بعد الوطئ (واصحهما) وبه اجاب في الكتاب نعم لان وطئ البائع اختيار للبيع فكذا وطئ المشتري ويخالف الرد بالعيب لانه عند الوطئ جاهل بالحال حتى لو كان عالما يسقط الخيار * ولو اعتق المشتري نظر ان أعتق باذن البائع نفذ وحصلت الاجازة من الطرفين وإن اعتق بغير اذنه ففي نفوذه ما سبق فان نفذ حصلت الاجازة والا فوجهان حكاهما الامام (اظهرهما) الحصول ايضا لدلالته على اختيار الملك قال ويتوجه ان يقال ان اعتق وهو يعلم عدم نفوذه لم يكن اجازة بلا خلاف * ولو باع أو وقف أو وهب أو قبض بغير إذن البائع لم ينفذ ولا يجئ فيها الخلاف المذكور في العتق لاختصاصه بمزيد القوة والغلبة وهل يكون اجازة قال ابو اسحاق لا لان الاجازة لو حصلت لحصلت ضمنا للتصرف فإذا لغا التصرف فلا اجازة * وقال الاصطخري نعم لدلالته على الرضا والاختيار وهذا اصح عند الاصحاب * ولو باشر هذا التصرفات باذن البائع أو باع من البائع نفسه صح التصرف على اصح الوجهين قال في الشامل وعلى الوجهين جميعا يلزم البيع ويسقط الخيار ولكن قياس ما مر ان يكون سقوط الخيار ان قلنا بعدم نفاذها على الوجهين ولو اذن له البائع في طحن الحنطة المبيعة فطحنها كان مجيزا ومجرد الاذن في هذه التصرفات لا يكون أجازة من البايع حتى لو رجع قبل التصرف كان على خياره ذكره الصيدلاني وغيره (الخامسة) في العرض على البيع والاذن في التوكيل فيه وجهان وكذا في الرهن والهبة دون القبض (احدهما) ان هذه التصرفات فسخ من جهة البائع واجازة من جهة المشتري لدلالتها على الاستئثار بالبيع ولهذا يحصل بها الرجوع عن الوصية (واظهرهما) وهو المذكور في الكتاب انها ليست بفسخ ولا اجازة فانها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 323 لا تقتضي ازالة ملك وليست بعقود لازمة ومن المحتمل صدورها عن تردده في الفسخ والاجازة * ولو باع المبيع في زمان الخيار بشرط الخيار قال إمام الحرمين ان قلنا لا يزول ملك البائع فهو قريب من الهبة الخالية عن القبض وان قلنا يزول ففيه احتمال ايضا لانه ابقى لنفسه مستدركا (وقوله) في الكتاب لا يقطع خيار البائع لا معنى للتخصيص بالبائع فانه كما لا يقطع خيار البائع لا يقطع خيار المشتري ولو أبدل لفظه البائع بالبيع لم يكن به باس والمواضع المحتاجة إلى الاعلام من لفظ الكتاب بينة مما أوردناه والله أعلم * قال (ولو اشترى عبدا بجارية وأعتقهما معا تعين العتق في العبد على الاصح (ح) تقديما للاجازة على الفسخ) * إذا اشترى عبدا بجارية ثم أعتقهما معا نظر ان كان الخيار لهما عتقت الجارية بناء على ما مر أن اعتاق البائع نافذ متضمن للفسخ ولا يعتق العبد المشتري وان جعلنا الملك فيه لمشتريه لما فيه من إبطال حق صاحبه على الاصح وعلى الوجه الذي قلنا بنفاذ اعتاق المشتري تفريعا على أن الملك للمشتري يعتق العبد ولا تعتق الجارية * وان كان الخيار لمشتري العبد وهو المراد من مسألة الكتاب لم يحكم بعتقهما معا وعن أبي حنيفة أنهما يعتقان * لنا أنه لا ينفذ اعتاقهما على التعاقب فكذلك دفعة واحدة وفيمن يعتق منهما وجهان (أحدهما) وهو ما أورده ابن الصباغ أنه يعتق الجارية لان تنفيذ العتق فيها فسخ وفي العبد أجازة والفسخ والاجازة إذا اجتمعا يقدم الفسخ ولهذا لو فسخ أحد المتبايعين وأجاز الاخر قدم الفسخ (وأصحهما) وبه أجاب ابن الحداد أنه يعتق العبد لان الاجازة إبقاء للعقد والاصل فيه الاستمرار قال الشيخ أبو علي الوجهان مبنيان على أن الملك في زمان الخيار للبائع أو المشتري (ان قلنا) بالاول فالعبد غير مملوك لمشتريه وانما ملكه الجارية فينفذ العتق فيها (وان قلنا) بالثاني فملكه العبد فينفذ العتق فيه ثم حكى وجها ثالثا وهو أنه لا يعتق واحد منهما لان عتق كل واحد منهما يمنع عتق الاخر وليس أحدهما أولى من الاخر فيتدافعان * وان كان الخيار لبائع العبد وحده فالمعتق بالاضافة إلى العبد مشتر والخيار لصاحبه وبالاضافة إلى الجارية بائع والخيار لصاحبه وقد سبق الخلاف في إعتاقهما والصورة هذه والذي يخرج منه للفتوى أنه لا يحكم بنفوذ العتق في واحد منهما في الحال فان فسخ صاحبه البيع فهو نافذ في الجارية والا ففى العبد * ولو كانت المسألة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 324 بحالها وأعتقهما مشتري الجارية فقس الحكم بما ذكرنا (وقيل) ان كان الخيار لهما عتق العبد دون الجارية على الاصح وإن كان الخيار للمعتق وحده فعلى الوجوه الثلاثة في الاول يعتق العبد وفي الثاني تعتق الجارية ولا يخفى الثالث) * قال (القسم الثاني خيار النقيصة وهو ما يثبت بفوات أمر مظنون نشأ الظن فيه من التزام شرطي أو قضاء عرفي أو تغرير فعلى أما الالتزام الشرطي فهو أن يقول بعته بشرط أنه كاتب أو خباز أو متجعد الشعر فان فقد فللمشتري الخيار وكذلك كل وصف يتعلق به غرض أو مالية) * لما فرغ عن الاول من قسمي الخيار وهو خيار التروي شرع في الثاني وهو خيار النقيصة المنوط بفوات شئ في المعقود عليه كان يتوقع ويظن حصوله وذلك الظن على ما ذكره ينشأ من أحد ثلاثة أمور (أولها) أن يشرط العاقد كون المعقود عليه بتلك الصفة (وثانيها) اطراد العرف بحصولها فيه (وثالثها) ان يفعل العاقد ما يورث ظن حصولها فالاول مثل قوله بعت هذا العبد بشرط انه كاتب أو خباز (واعلم) ان الصفات الملتزمة بالشرط قسمان (احدهما) الصفات التي تتعلق بها زيادة مالية فيصح التزامها والخلف فيها يثبت الخيار كالعيب (والثاني) الصفات التي لا تتعلق بها زيادة مالية وهي قسمان (احدهما) التي يتعلق بها غرض معقول والخلف فيها يثبت الخيار أيضا وفاقا أو على اختلاف فيه وذلك بحسب قوة الغرض وضعفه (والثاني) التي لا يتعلق بها غرض معقول فاشتراطها يلغو ولا خيار بفقدها ولنقص الصور على هذه الاقسام فإذا شرط كون العبد خبازا أو كاتبا أو صائغا فهو من القسم الاول ويكفى ان يوجد من الصفة المشروطة ما ينطلق عليه الاسم ولا يشترط النهاية فيها ولو شرط اسلام العبد فبان كافرا فله الرد لفوات فضيلة الاسلام وكذا لو شرط تهود الجارية أو تنصرها فبانت مجوسية ولو شرط كفر الرقيق فبان مسلما ثبت الخيار على المذهب وبه قال أحمد لا لنقيصة ظهرت ولكن لان الكافر يشتريه المسلم والكافر والمسلم لا يشتريه إلا المسلم فقط فتقل فيه الرغبات (وقيل) ان كان قريبا من بلاد الكفر أو في ناحية أغلب أهلها الذميون ثبت الخيار والا فلا وقال ابو حنيفة والمزني لا خيار أصلا * ولو شرط بكارة الجارية فبانت ثيبا فله الرد ولا فرق بين أن تكون الجارية المشتراة بهذا الشرط مزوجة أو غير مزوجة وعن ابي الحسن ان ابا اسحاق قال لا خيار إذا كانت مزوجة لانها وان كانت بكرا فالافتضاض مستحق للزوج ولا غرض للمشتري في بكارتها والمذهب الاول الجزء: 8 ¦ الصفحة: 325 لان الزوج قد يطلقها فتخلص له ولو شرط ثيابتها فبانت بكرا فوجهان (احدهما) انه يثبت الخيار لانه قد يضعف عن مباشرة البكر فيريد الثيب (واصحهما) انه لا خيار لان البكر افضل واكثر قيمة فصار كما لو شرط كون العبد اميا فبان كاتبا أو فاسقا فبان عفيفا ولو شرط السبوطة في الشعر فبان جعدا فعلى هذين الوجهين لان السبط قد يكون أشهي إلى بعض الناس ولو شرط الجعودة فبان سبطا ثبت الخيار (فان قلت) ذكرتم في بيع الامة أن رؤية الشعر معتبرة على أصح الوجهين والشعر إذا رؤي عرفت جعودته وسبوطته فكيف تصورون المسألة (فالجواب) أن خروجها على تجويز بيع الغائب وعلى أن رؤية الشعر غير معتبرة واضح (وأما) على الاصح فان الشعر قد يرى ولا تعرف جعودته وسبطوته لعروض ما يستوي الحالتان عنده من الابتلال وقرب العهد بالتسريح ونحوهما * ولو لبس بتجعيد السبط أو بالعكس فسياتي ذلك * ولو شرط كون العبد خصيا فبان فحلا أو بالعكس ثبت الرد لشدة اختلاف الاغراض وذكر ابو الحسن العبادي انه لا رد في الصورة الاولى لان الفحولة فضيلة ولو شرط كونه مختونا فبان اقلف فله الرد وبالعكس لا يرد قال في التتمة الا أن يكون العبد مجوسيا وثم مجوسيون يشترون الاقلف بزيادة فله الرد * ولو شرط كونه احمق أو ناقص الخلقة فهو لغو (واعلم) ان خيار الخلف على الفور ويبطل بالتأخير على ما سنذكر في المعيب ولو تعذر الرد بهلاك وغيره فله الارش كما في العيب ومسائل الفصل باسرها مبنية على ان الخلف في الشرط لا يوجب فساد البيع وحكى الحناطي قولان غريبا انه يوجبه والله أعلم * قال (وأما القضاء العرفي فهو السلامة عن العيوب المذمومة فمهما فاتت ثبت الخيار وذلك بكل عيب ينقص القيمة أو العين والخصي معيب وان زادت قيمته واعتياد الزنا والسرقة وإلا باق والبول في الفراش (ح) عيب والبخر والصنان (ح) الذي لا يقبل المعالجة ويخالف العادة عيب في العبيد والاماء وكون الضيعة منزل الجنود وثقل الخراج عيب * الثاني من اسباب الظن اطراد العرف فمن دخل في العقد لتحصيل مال كان ظانا صفة السلامة فيه لان سلامة الاشخاص والاعيان عن العيوب المذمومة هي الغالبة والغلبة من موجبات الظن وحينئذ يكون بذله المال في مقابلة السليم فإذا تبين العيب وجب أن يتمكن من التدارك والاصل فيه من جهة * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 326 النقل ما روي عن عائشة رضي الله عنها (ان رجلا اشترى غلاما في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان عنده ما شاء الله ثم رده من عيب وجده) ومن باع عينا وهو يعلم بها عيبا وجب عليه أن يبينه للمشتري روي انه صلى الله عليه وسلم قال (ليس منا من غشنا) وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (المسلم أخ المسلم لا يحل لمن باع من أخيه بيعا يعلم فيه عيبا الا بينه له) إذا تقرر ذلك ففي الفصل ذكر عيوب معدودة (منها) لو اشترى عبدا فوجده خصيا أو مجبوبا فله الرد لان الفحل يصلح لما لا يصلح له الخصي وقد دخل في العقد على ظن الفحولة لان الغالب سلامة الاعضاء فإذا فات ما هو متعلق الغرض وجب ثبوت الرد وإن زادت القيمة باعتبار آخر (ومنها) الزنا والسرقة عيبان لتاثيرهما في نقصان القيمة وقال ابو حنيفة الزنا عيب في الاماء دون العبيد نعم لو ثبت زنا العبد عند الحاكم ولم يقم عليه الحد بعد ثبت الرد (ومنها) الاباق وهو من أفحش عيوب المماليك (ومنها) البول في الفراش عيب في العبيد والاماء إذا كان في غير أوانه أما في الصغر فلا وقدره في التهذيب بما دون سبع سنين وقال أبو حنيفة انه عيب في الاماء دون العبيد (ومنها) البخر والصنان عيبان خلافا لابي حنيفة في العبيد * لنا انهما يؤذيان عند الخدمة والمكالمة وينقصان القيمة والبخر الذي نجعله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 327 عيبا هو الناشئ من تغير المعدة دون ما يكون لفلج الانسان فان ذلك يزول بتنظيف الفم والصنان الذي نجعله عيبا هو المستحكم الذي يخالف العادة دون ما يكون لعارض عرق أو حركة عنيفة أو اجتماع وسخ (ومنها) كون الضيعة أو الدار منزل الجنود عيب لانه يقلل الرغبات قال القاضي حسين في فتاويه وهذا إذا اختصت من بين ما حواليها بذلك فأما إذا كان ما حواليها من الدور بمثابتها فلا رد به وكونها ثقيلة الخراج عيب أيضا وإن كنا لا نرى أصل الخراج في تلك البلاد لتفاوت القيمة والرغبات ونعني بثقل الخراج أن يكون فوق المعتاد في أمثالها وعن حكاية أبي عاصم العبادي وجه انه لا رد بثقل الخراج ولا بكونها منزل الجنود لانه خلل في نفس المبيع * والحق في التتمة بهاتين الصورتين ما إذا اشترى دارا فوجد بقربها قصارين يؤذون بصوت الدق ويزعزعون الا بنية أو أرضا فوجد بقربها خنازير تفسد الزرع * ولو اشترى أرضا وهو يتوهم الاخراج عليها فبان خلافه نظر ان لم يكن على مثلها خراج فله الرد وان كان على مثلها ذلك القدر فلا رد (وأما) لفظ الكتاب فقوله فمهما فاتت يعني السلامة (وقوله) وذلك أي قواتها (وقوله) بكل عيب ينقص القيمة لا يصلح للضبط لمسألة الخصي وربما يذكر في آخر الفصل ما يصلح له (وقوله) اعتياد الزنا إلى آخره يشعر باعتبار الاعتياد في الامور المذكورة وليس كذلك (أما) في الزنا فقد نصوا على أنه لو زنا مرة في يد البائع فللمشتري الرد وان تاب وحسنت حاله لان تهمة الزنا لا تزول عنه ألا تري أن الحر إذا زنا لا يجد مأزقه وان تاب (وأما) الاباق فعن أبي علي الزجاجي أنه لو أبق في يد البائع فللمشتري الرد به وان لم يأبق في يده وهذا ما اختاره القاضي حسين وقال الفعلة الواحدة في الاباق يجوز أن تعد عيبا أبديا كالوطئ في ابطال الحصانة والسرقة قريبة من هذين (وأما) البول في الفراش فالاظهر اعتبار الاعتياد فيه والله أعلم * (وقوله) الصنان الذي لا يقبل العلاج هذا القيد لا حاجة إليه كما في سائر العلل والامراض والامام لم يذكره هكذا وإنما قال إذا كان لا يندفع الا بعلاج يخالف المعتاد وهو مستقيم هذا ما يتعلق بفقه الكتاب ولفظه ونعد بعده عيوبا (فمنها) كون الرقيق مجنونا أو مخبلا أو أبله أو أبرص أو مجذوما أو أشل أو أقرع أو أصم أو أعمى أو اعور أو اخفش أو اجهر أو اعشى أو أخشم أو أبكم أو أرث لا يفهم أو فقيد حاسة الذوق أو فقيد اصبع أو انملة أو فقيد الظفر والشعر كذلك قاله في التتمة (ومنها) كونه ذا أصبع زائدة أو سن شاغبة أو مقلوع بعض الاسنان أو ادرد وكون البهيمة درداء الا في السن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 328 المعتاد وكونه ذا قروح أو ثآليل كثيرة أو بهق قاله الصيمري وكونه مريضا مرضا مخوفا وكذا في سائر الحيوانات كذا قاله في التتمة وكونه ابيض الشعر في غير اوانه ولا بأس بحمرته وكونه نماما؟ أو ساحرا أو قاذفا للمحصنات وكونه مقامرا أو تاركا للصلاة أو شاربا للخمر * وفي الرقم للعبادي أنه لا رد بالشرب وترك الصلاة وكونه خنثى مشكلا أو غير مشكل وعن بعض المتأخرين أنه ان كان رجلا وكان يبول من فرج الرجال فلا رد وكون العبد مخنثا؟ أو ممكنا من نفسه وكون الجارية رتقاء أو قرناء أو مستحاضة أو معتدة أو محرمة أو متزوجة وكون العبد متزوجا وفي البيان حكاية وجه في التزوج وتعلق الدين برقبتهما ولا رد بما يتعلق بالذمة وكونهما مرتدين * ولو كانا كافرين أصليين فمنهم من قال لا رد به في العبيد ولا في الاماء سواء كان ذلك الكفر مانعا من الاستمتاع كالتمجس والتنصر والتوثن أو لم يكن كالتهود والتنصر وهذا ما أورده في التتمة والاظهر وهو المنقول في التهذيب انه لو وجد الجارية مجوسية أو وثنية فله الرد ولو وجدها كتابية أو وجد العبد كافرا أي كفر كان فلا رد إن كان قريبا من بلاد الكفر بحيث لا تقل فيه الرغبات وان كان في بلاد الاسلام بحيث تقل الرغبات في الكافر وتنقص قيمته فله الرد ولو وجد الجارية لا تحيض وهي صغيرة أو آيسة فلا رد وان كانت في سن تحيض النساء في مثلها غالبا فله الرد وكذا إذا تطاول طهرها وتجاوز العادات الغالبة فله الرد بكون الجارية حاملا ولا رد به في سائر الحيوانات وقال في التهذيب يثبت به الرد (ومنها) كون الدابة جموحا أو عضوضا أو رموحا وكون الماء المشتري مشمسا قاله الروياني في التجربة * والرمل تحت الارض إن كانت مما يطلب للبناء والاحجار وإن كانت مما يطلب للزرع والغرس ولا رد بكون الرقيق رطب الكلام أو غليظ الصوت أو سئ الادب أو ولد الزنا أو مغنيا أو حجاما أو أكولا أو زهيدا وترد الدابة بالزهادة ولا بكون الامة ثيبا إلا إذا كانت صغيرة وكان المعهود في مثلها البكارة ولا بكونها عقيما وكون العبد عنينا وعن الصيمري اثبات الرد بالعنة وهو الظهر عند الامام ولا بكون الامة مختونة أو غير مختونة وكون العبد مختونا أو غير مختون إلا إذا كان كبيرا يخاف عليه من الختان وقيل لا تستثني هذه الحالة أيضا ولا بكون الرقيق ممن يعتق على المشتري ولا بكون الامة أخته من الرضاع أو النسب أو موطؤة أبيه أو إبنه بخلاف المحرمة والمعتدة لان التحريم ثم عام فيقلل الرغبات وههنا يختص التحريم به * ورأي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 329 القاضي ابن كج الحاق ما نحن فيه بالمحرمة والمعتدة ولا أثر لكونها صائمة وفيه وجه ضعيف * ولو اشترى شيئا ثم بان له أن بائعه باعه بوكالة أو وصاية أو ولاية أو أمانة فهل له الرد لخطر فساد النيابة حكى القاضي الماوردي فيه وجهين ونقل وجهين ايضا فيما لو بان كون العبد مبيعا في جناية عمد وقد تاب عنها وإن لم يتب فهو عيب والجناية خطأ ليست بعيب إلا أن تكثر ومن العيوب كون المبيع نجسا إذا كان مما ينقص بالغسل وخشونة مشي الدابة بحيث يخاف منها السقوط أو شرب البهيمة لبن نفسها * وذكر القاضي أبو سعد بن احمد في شرح أدب القاضي لابي عاصم العبادي فصلا في عيوب العبيد والجواري (منها) اصطكاك الكفين وانقلاب القدمين إلى الوحشي والخبلان الكثيرة واثار الشجاج والقروح والكي وسواد الاسنان وذهاب الاشفار والكلف المغير للبشرة وكون احدى يدي الجارية اكبر من الاخرى والحفر في الاسنان وهو تراكم الوسخ الفاحش في أصولهما هذا ما حضر ذكره من العيوب ولا مطمع في استيعابها لكن ان أرادت ضبطا فاشد العبارت تلخيصا ما أشار إليه الامام وهو أن يقال يثبت الرد بكل ما في المعقود عليه من منقص للقيمة أو العين نقصانا يفوت به غرض صحيح بشرط أن يكون الغالب في أمثال المبيع عدمه وانما اعتبرنا نقصان العين لمسألة الخصي وإنما لم نكتف بنقصان العين بل شرطنا فوات غرض صحيح به لانه لو بان قطع فلقة يسيرة من فخذه أو ثاقه لا يورث شيئا ولا يفوت غرضا لا يثبت الرد ولهذا قال صاحب التقريب لو قطع من أذن الشاة ما يمنع التضحية ثبت الرد وإلا فلا وإنما اعتبرنا الشرط المذكور لان الثيابة مثلا في الاماء معنى ينقص القيمة لكن لا رد بها لانه لا يمكننا أن نقول الغالب فيهن عدم الثيابة والله أعلم * قال (وكل عيب حدث قبل القبض فهو من ضمان البائع والرد يثبت به وما حدث بعده فلا خيار به (؟) وان استند الي سبب سابق كالقطع بسرقة سابقة والقتل بردة سابقة والافتراع بنكاح سابق ففيه خلاف) * العيب بنقسم إلى ما كان موجودا قبل البيع فيثبت به الرد والى ما حدث بعده فينظر ان حدث قبل القبض فكمثل لان المبيع قبل القبض من ضمان البائع وان حدث بعده فله حالتان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 330 (احداهما) أن لا يستند إلى سبب سابق على القبض فلا رد به * وقال مالك عهدة الرقيق ثلاثة أيام الا في الجنون والجذام والبرص فانها إذا ظهرت إلى سنة ثبت الخيار * لنا القياس على ما بعد الثلاثة (والحالة الثانية) أن يستند إلى سبب سابق على القبض وفيها صور (إحداها) بيع العبد المرتد صحيح على المذهب كبيع العبد المريض المشرف على الهلاك وحكى الشيخ أبو علي وجها انه لا يصح تخريجا من الخلاف في العبد الجاني والعبد الذي قتل في المحاربة فان تاب قبل الظفر به فبيعه كبيع العبد الجاني لسقوط العقوبة المتحتمة وكذا ان تاب بعد الظفر وقلنا بسقوط العقوبة والا فثلاثة طرق (أظهرها) عند كثير من الائمة ان بيعه كبيع المرتد (والثاني) وهو اختيار أبي حامد وظيفته القطع بمنع بيعه إذ لا منفعة فيه لاستحقاق قتله بخلاف المرتد فانه ربما يسلم (والثالث) وبه قال القاضي أبو الطيب أنه كبيع الجاني * إذا عرفت ذلك فان صححنا البيع في هذه الصور فقتل العبد المرتد أو المحارب أو الجاني جناية نوجب القصاص نظر ان كان ذلك قبل القبض انفسخ البيع وإن كان بعده وكان المشتري جاهلا بحاله ففيه وجهان (أحدهما) وبه قال أحمد وابن سريج وابن ابي هريرة والقاضي أبو الطيب انه من ضمان المشتري لان القبض سلطه على التصرف فيدخل المبيع في ضمانه أيضا لكن تعلق القتل برقبته كعيب من العيوب فإذا هلك رجع على البائع بالارش وهو نسبة ما بين قيمته مستحق القتل وغير مستحق القتل من الثمن (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة وابن الحداد وابو اسحق أنه من ضمان البائع لان التلف حصل بسبب كان في يده فاشبه مالو باع عبدا مغصوبا فاخذه المستحق منه فعلى هذا يرجع المشتري عليه بجميع الثمن ويخرج على الوجهين مؤنة تجهيزه من الكفن والدفن وغيرهما ففي الاول هي على المشتري وفي الثاني على البائع * وان كان المشتري عالما بالحال عند الشراء أو تبين له بعد الشراء ولم يرد فعلى الوجه الاول لا يرجع بشئ كما في سائر العيو ب وعلى الثاني فيه وجهان (أحدهما) ويحكي عن أبي اسحق وهو اختيار أبي حامد أنه يرجع بجميع الثمن اتماما للتشبيه بالاستحقاق (واصحهما) عند الجمهور وهو قول ابن الحداد انه لا يرجع بشئ لدخوله في العقد على بصيرة أو امساكه مع العلم بحاله وليس هو كظهور الاستحقاق من كل وجه ولو كان كذلك؟ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 331 صح بيعه أصلا (الثانية) بيع العبد الذي وجب عليه القطع قصاصا أو بسرقة صحيح بلا خلاف فلو قطع في يد المشتري عاد التفصيل المذكور في الصورة السابقة فان كان جاهلا بحاله حتى قطع فعلى قول ابن سريج ومن ساعده ليس له الرد لكون القطع من ضمانه ولكن يرجع إلى البائع بالارش وهو ما بين قيمته مستحق القطع وغير مستحقه من الثمن وعلى الاصح له الرد واسترجاع جميع الثمن كما لو قطع في يد البائع فلو تعذر لرد بسبب فالنظر في الارش على هذا الوجه إلى التفاوت بين العبد السليم والاقطع وان كان المشتري علما فليس له الرد ولا الارش * قال الشيخ ابو علي ولا يجئ ههنا الوجه المحكي عن أبي اسحق في القتل لانه لا يبقى ثم شئ ينصرف العقد إليه وههنا بخلافه والله أعلم (الثالثة) لو اشترى جارية مزوجة ولم يعلم بحالها حتى وطئها الزوج بعد القبض فان كانت ثيبا فله الرد وإن كانت بكرا فنقصت بالافتراع فهو من ضمان البائع أو المشتري فيه الوجهان (ان جعلناه) من ضمان البائع فللمشترى الرد بكونها مزوجة فان تعذر الرد بسبب رجع بالارش وهو ما بين قيمتها بكرا غير مزوجة مزوجة مفترعة من الثمن (وان جعلناه) من ضمان المشتري فلا رد له وله الارش وهو ما بين قيمتها بكرا غير مزوجة وبكرا مزوجة من الثمن * وان كان عالما بكونها مزوجة أو علم ورضي فلا رد له فان وجد بها عيبا قديما بعد ما افترعت في يده فله الرد ان جعلناه من ضمان البائع والا رجع بالارش وهو ما بين قيمتها مزوجة ثيبا سليمة ومثلها معيبة (الرابعة) اشترى عبدا مريضا وتمادي المرض إلى أن مات في يد المشتري فعن الشيخ أبي محمد فيه طريقان (أحدهما) انه على الخلاف المذكور في الصور السابقة ويحكي هذا عن الحليمي (وأشهرهما) القطع بأنه من ضمان المشتري لان المرض يزداد شيئا فشيئا إلى الموت والرد خصلة واحدة وجدت في يد البائع فعلى هذا إذا كان جاهلا رجع بالارش وهو ما بين قيمته صحيحا ومريضا وتوسط صاحب التهذيب بين الطريقين فقطع فيما إذا لم يكن المرض مخوفا بكونه من ضمان المشتري وجعل المرض المخوف والجرح الساري على الوجهين (واعلم) أن هذه الصورة والخلاف فيها قد ذكرها في أحكام بيع الثمار وإن لم تكن مذكورة في هذا الموضع وإذا وقفت على هذا الشرح عرفت أن الخلاف في قوله في الكتاب فيه خلاف ليس منصوصا في أنه هل يثبت خيار الرد في جميع الصور المذكورة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 332 لان في صورة القتل المرتد ان جعلناه من ضمان المشتري فلا رد لهلاك المبيع وان جعلناه من ضمان البائع فينفسخ البيع ويتبين تلفه على ملك البائع وحينئذ لا معنى لخيار الرد فإذا الخلاف في هذه الصورة في انه من ضمان من على ما تقرر في الصورتين الباقيتين يصح نصبه في خيار الرد بناء على هذا الاصل والله أعلم * قال (وأما التغرير الفعلي فهو أن يصرى ضرع الشاة حتى يجتمع اللبن ويخيل غزارة اللبن فمهما اطلع عليه ولو بعد ثلاثة أيام ردها (ح) ورد معها صاعا من تمر بدلا عن اللبن الكائن في الضرع الذي تعذر رد عينه لاختلاطه بغير المبيع لورود الخبر ولو تحفلت الشاة بنفسها أو صرى الاتان أو الجارية أو لطخ الثوب بالمداد مخيلا انه كاتب فلا خيار له (ح و) لانها ليست في معنى النصوص وأحوط المذهبين أن غير التمر لا يقوم مقام التمر وان قدر الصاع لا ينقص (و) بقلة اللبن ولا يزيد بكثرته للاتباع) * السبب الثالث من أسباب الظن الفعل المغرر والاصل في صورة التصرية هو أن يربط اخلاف الناقة أو غيرها ويترك حلابها يومين أو أكثر حتى يجتمع اللبن في ضرعها فيتخيل المشتري غزارة لبنها ويزيد في الثمن واشتقاقها من قولهم صر الماء في الحوض ونحوه أي جمعه وتسمى المصراة محفلة أيضا وهو من الحفل وهو الجمع أيضا ومنه قيل للجمع محفل وهذا الفعل حرام لما فيه من التدليس ويثبت به الخيار للمشتري وبه قال مالك وأحمد خلافا لابي حنيفة * لنا ما روي عن أبي هريرة رضى الله عنه انه صلى الله عليه وسلم قال (لا تصروافي الابل والغنم للبيع فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين من بعد أن يحلبها ان رضيها أمسكها وان سخطها ردها وصاعا من تمر) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 333 وروي (بعد أن يحلبها ثلاثا) (وقوله) بعد ذلك أي بعد هذا النهي وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من اشتري شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام فان ردها رد معها صاعا من تمر لا سمراء) وعن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (من باع محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيام فان ردها رد معها مثل أو مثلى لبنها قمحا) إذا تقرر ذلك ففي الفصل مسائل (إحداها) كيف يثبت خيار التصرية فيه وجهان (أحدهما) وبه قال أبو حامد المروزى انه يمتد ثلاثة ايام لظاهر الخبر (والثاني) وهو الاصح وبه قال ابن ابي هريرة انه على الفور كخيار العيب وما ذكره في الخبر بناء على الغالب إذ التصرية لا تتبين فيما دون الثلاثة غالبا لانه يحمل النقصان على اختلاف العلف وتبدل الايدي وغيرهما وللوجهين (فروع) (احدها) لو عرف التصرية قبل ثلاثة أيام باقرار البائع أو بشهادة الشهود ثبت له الخيار على الفور في الوجه الثاني وعلى الاول يمتد إلى آخر الثلاثة وابتداؤها من وقت العقد أو من وقت التفرق يعود فيه الوجهان المذكوران في خيار الشرط (والثاني) لو عرف التصرية في آخر الثلاثة أو بعدها ذكر في الحاوي أن على الوجه الاول لاخيار له لامتناع مجاوزة الثلاث كما في خيار الشرط وعلى الثاني يثبت وعلى هذا فهو على الفور بلا خلاف (والثالث) لو اشترى وهو عالم بكونها مصراة فعلى الاول له الخيار اخذا بظاهر الخبر وعلى الثاني لاخيار كسائر العيوب (الثانية) ظهور الجزء: 8 ¦ الصفحة: 334 التصرية إن كان قبل الحلف رده ولا شئ عليه وإن كان بعده فاللبن أما أن يكون باقيا أو تالفا ان كان باقيا فلا يكلف المشتري رده مع المصراة لان ما حدث بعد البيع ملك له وقد اختلط بالمبيع وتعذر التمييز وإذا أمسكه كان بمثابة ما لو تلف وإن أراد رده فهل يجب على البائع أخذه فيه وجهان (أحدهما) نعم لانه أقرب إلى استحقاقه من بدله (وأصحهما) لا لذهاب طراوته بمضي الزمان ولا خلاف في أنه لو حمض وتغير لم يكلف أخذه وإن كان اللبن تالفا رد مع المصراة صاعا من تمر ولا يخرج ردها على الخلاف في تفريق الصفقة لتلف بعض المبيع وهو اللبن اتباعا للاخبار الواردة في الباب على أن اللبن في رأي لا يقابله قسط من الثمن وهل يتعين للضم إليها جنس التمر وقدر الصاع أما الجنس ففيه وجهان (أصحهما) عند الشيخ أبي محمد وغيره أنه يتعين التمر ولا يعدل عنه لقوله صلى الله عليه وسلم (صاعا من تمر لا سمراء) ويحكي هذا عن أبي اسحق وعلى هذا لو أعوز التمر قال الماوردي يرد قيمته بالمدينة (والثاني) لا يتعين وعلى هذا فوجهان (أصحهما) أن القائم مقامه الاقوات كما في صدقة الفطر قال الامام لكن لا يتعدى ههنا إلى الاحط بخلاف ما في صدقة الفطر للخبر وعلى هذا فوجهان (أحدهما) أنه يخبر بين الاقوات لان في بعض الروايات ذكر التمر وفي بعضها ذكر القمح فاشعر بالتخيير ويحكي هذا عن ابن أبي هريرة (وأصحهما) أن الاعتبار بغالب قوت البلد كما في صدقة الفطر ويحكي هذا عن مالك والاصطخري وتخريج ابن سريج (والوجه) الثاني حكاه الشيخ أبو محمد انه يقوم مقامه غير الاقوات حتى لو عدل إلى مثل اللبن أو إلى قيمته عند أعواز المثل اجبر البائع على القبول اعتبارا بسائر المتلفات وهذا كله فيما إذا لم يرض البائع فأما إذا تراضيا على غير التمر من قوت أو غيره أو على رد اللبن المحلوب عند بقائه جاز بلا خلاف كذا قاله صاحب التهذيب وغيره ورأيت القاضي ابن كج حكى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 335 وجهين في جواز ابدال التمر بالبر عند اتفاقهما عليه (وأما) القدر ففيه وجهان أيضا (أصحهما) أن الواجب صاع قل اللبن أو كثر لظاهر الخبر والمعني فيه أن اللبن الموجود عند البيع يختلط بالحادث بعده ويتعذر التمييز فتولى الشارع تعيين بدل له قطعا للخصومة بينهما وهذا كايجاب الغرة في الجنين مع اختلاف الاجنة ذكورة وأنوثة والارش في الموضحة مع اختلافها صغرا وكبرا (والثاني) أن الواجب يتقدر بقدر اللبن لما سبق من رواية ابن عمر رضي الله عنهما وعلى هذا فقد يزداد الواجب على الصاع وقد ينقص ثم منهم من خص هذا الوجه بما إذا زادت قيمة الصاع على نصف قيمة الشاة وقطع بوجوب الصاع فيما إذا نقصت عن النصف ومنهم من أطلقه اطلاقا ومتى قلنا بالوجه الثاني فقد قال الامام تعتبر القيمة الوسط للتمر بالحجاز وقيمة مثل ذلك الحيوان بالحجاز فإذا كان اللبن عشر الشاة مثلا أوجبنا من الصاع عشر قيمة الشاة * (فرع) اشترى شاة بصاع تمر فوجدها مصراة فعلى الاصح يردها وصاعا ويسترد الصاع الصاع الذي هو ثمن وعلى الثاني يقوم مصراة وغير مصراة ويجب بقدر التفاوت من الصاع * (فرع) غير المصراة إذا حلب لبنها ثم ردها بعيب قال في التهذيب يرد بدل اللبن كما في المصراة وفي تعليق أبي حامد حكاية عن نصه انه لا يرد لانه قليل غير معتني بجمعه بخلاف ما في المصراة ورأي الامام تخريج ذلك على أن اللبن هل يأخذ قسطا من الثمن أم لا والصحيح الاخذ * (الثالثة) لو لم يقصد البائع التصرية لكن ترك الحلاب ناسيا أو لشغل عرض أو تحفلت هي بنفسها فهل يثبت الخيار وجهان (أحدهما) لا وبه أجاب في الكتاب لعدم التلبيس (والثاني) نعم لان ضرر المشتري لا يختلف فصار كما لو وجد بالمبيع عيبا لم يعلمه البائع وهذا أصح عند صاحب التهذيب (الرابعة) خيار التصرية لا يختص بالنعم بل يعم ساير الحيوانات المأكولة وفي الحاوى ذكر وجه أنه يختص * ولو اشترى أتانا فوجدها مصراة فوجهان (أحدهما) انه لا يرد إذ لا مبالات بلبنها (واصحهما) انه يثبت الرد لانه مقصود لتربية الجحش وعلى هذا فالمذهب انه لا يرد اللبن لانه نجس وقال الاصطخري يرد لذهابه إلى انه طاهر مشروب * ولو اشترى جارية فوجدها مصراة فوجهان ايضا (في احدهما) لا يرد لانه لا يقصد لبنها الا على ندور (وفي اصحهما) يرد لان غزارة البان الجواري مطلوبة في الحضانة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 336 مؤثرة في القيمة فعلى الاول يأخذ الارش قاله في التهذيب وعلى الثاني هل يرد معها بدل اللبن وجهان (اظهرهما) لا لان لبن الادميات لا يعتاض عنه غالبا (الخامسة) هذا الخيار غير منوط بخصوص التصرية بل بما فيها من المعنى المشعر بالتلبيس فيلحق بها ما يشاركها فيه حتى لو حبس ماء القناة أو الرحي ثم ارسله عند البيع أو الاجارة فتخيل المشتري كثرته ثم تبين له الحال فله الخيار وكذا لوحمر وجه الجارية أو سود شعرها أو جعده أو ارسل الزنبور في وجهها حتى ظنها المشتري سمينة ثم بان خلاف المظنون * ولو لطخ ثوب العبد بالمداد أو البسه ثوب الكتبة أو الخبازين وخيل كونه كاتبا أو خبازا فبان خلافه فوجهان (أحدهما) يثبت الخيار للتلبيس (وأصحهما) أنه لا خيار لان الانسان قد يلبس ثوب الغير عارية فالذنب للمشتري حيث اغتر بما ليس فيه كثير تغرير ويجرى الوجهان فيما لو أكثر علف البهيمة حتى انتفخ بطنها فتخيل المشتري كونها حاملا أو أرسل الزنبور في ضرعها حتى انتفخ فظنها لبونا لان الحمل لا يكاد يلتبس على الخبير ومعرفة اللبن متيسرة بعصر الثدي بخلاف صورة التصرية (وأما) لفظ الكتاب (فقوله) ولو بعد ثلاثة أيام يجوز اعلامه بالواو للوجه الذاهب إلى أنه لو تبين التصرية بعد الثلاثة لم يثبت الخيار (وقوله) ردها بالحاء (وقوله) بدلا عن اللبن الكائن في الضرع أي عند البيع وظاهر اللفظ يقتضي رد الصاع وان بقى اللبن وهو أصح الوجهين كما مر (وقوله) لورود الخبر تعليل لقوله ردها ورد معها (وقوله) فلا خيار معلم بالواو وهو في صورتي الاتان والجارية جواب على خلاف اختيار الاكثرين (وقوله) وأحوط المذهبين أي الوجهين (وقوله) للاتباع إشارة إلى ما ذكره الائمة من أن مأخذ الخلاف في المسألتين ونحوهما الاقتصار على مورد الخبر واتباعه أو رعاية المعنى * (فرع) لو بانت التصرية ثم رد اللبن على الحد الذي أشعرت به التصرية واستمر كذلك ففي ثبوت الخيار وجهان كالوجهين فيما إذا لم يعرف العيب القديم الا بعد زواله والقولين فيما إذا أعتقت الامة تحت العبد ولم تعرف عتقها حتى عتق الزوج * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 337 (فرع) رضى بامساك المصراة ثم وجد بها عيبا قديما نص أنه يردها ويرد اللبن ايضا وعن رواية الشيخ أبي علي وجه أنه كما لو اشترى عبدين فتلف أحدهما وأراد رد الاخر فتخرج على تفريق الصفقة والله أعلم * قال (وثبوت الخيار بالكذب في مسألة تلقي الركبان من باب التغرير وكذلك خيار النجش إذا كان عن مواطأة البائع على أقيس المذهبين ولا يثبت (م) بالغبن خيار إذا لم يستند إلى تغرير يساوي تغرير المصراة حتى لو اشترى جوهرة رآها فإذا هي زجاجة فلا خيار) * الخيار في تلقي الركبان قد ذكره في المناهي وشرحناه والغرض ههنا التنبيه على أن مستنده التغرير كما في التصرية وكذا خيار النجش أن أثبتناه وقد تكلمنا فيه من قبل (وأما) مسألة الغبن (فاعلم) أن مجرد الغبن لا يثبت الخيار وان تفاحش خلافا لمالك حيث قال ان كان الغبن فوق الثلث ثبت الخيار للمغبون ونقل بعض أصحاب أحمد مثله وقدر بعضهم بما فوق السدس وفي كتب اصحابنا عنه انه ان كان المغبون ممن لا يعرف المبيع ولا هو ممن لو توقف لعرفه ثبت الخيار * لنا قصة حبان بن منقذ رضى الله عنه (فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت له الخيار بالغبن ولكن أرشده إلى شرط الخيار ليتدارك غبنه عند الحاجة) * إذا تقرر ذلك فلو اشترى زجاجة وهو يتوهمها جوهرة بثمن كبير فلا خيار له ولا عبرة بما لحقه من الغبن لان التقصير من جهته حيث جرى على الوهم المجرد ولم يراجع أهل الخبرة * ونقل المتولي وجها أنه كشراء الغائب والرؤية التي لا تفيد المعرفة ولا تنفي الغرر كالمعدومة ولك أن لا تستحسن لفظ الكتاب حيث قال ولو اشترى جوهرة رآها وتقول ليس التصوير فيما لو اشترى جوهرة وإنما التصوير فيما لو اشترى زجاجة توهمها جوهرة والله أعلم * قال (هذه أسباب الخيار أما دوافعه ومسقطاته أعني في خيار النقيصة فهي أربعة (الاول) شرط البراءة من العيب على أقيس القولين ويفسد (ح) العقد به على القول الثاني ويصح العقد ويلغو الشرط (ح) في قول ثالث ويصح في الحيوان ويفسد في غيره (ح) في قول رابع) * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 338 إذا باع بشرط انه برئ من كل عيب بالمبيع هل يصح هذا الشرط فيه طريقان (أشهرهما) وبه قال ابن سريج وابن الوكيل والاصطخري انه على ثلاثة اقوال (أحدها) انه يبرأ ولا يرد عليه بحال وبه قال ابو حنيفة لقوله صلى الله عليه وسلم (المؤمنون عند شروطهم) وايضا فان خيار العيب إنما يثبت لاقتضاء مطلق العقد السلامة فإذا صرح بالبراء فقد ارتفع الاطلاق (وثانيها) انه لا يبرأ عن عيب ما لانه خيار ثابت بالشرع فلا ينفي بالشرط كسائر مقتضيات العقد وايضا فان البراءة من جملة المرافق فلتكن معلومة كالرهن والكفيل والعيوب المطلقة مجهولة وبهذا القول قال احمد في رواية وعنه رواية اخرى انه يبرا عما لا يعلمه دون ما يعلمه (وثالثها) وهو الاصح ويروي عن مالك انه لا يبرا في غير الحيوان بحال ويبرا في الحيوان عما لا يعلمه دون ما يعلمه لما روي (ان ابن عمر رضي الله عنهما باع عبدا من زيد بن ثابت رضى الله عنه بثمانمائة درهم بشرط البراءة فاصاب زيد به عيبا فاراد رده على ابن عمر رضي الله عنهما فلم يقبله فترافعا إلى عثمان رضى الله عنه فقال عثمان لابن عمر اتحلف انك لم تعلم بهذا العيب فقال لا فرده عليه فباعه ابن عمر رضى الله عنهما بالف درهم) فرق عثمان وزيد رضى الله عنهما بين ان يكون الجزء: 8 ¦ الصفحة: 339 العيب معلوما أو لا يكون والفرق بينهما من جهة المعنى أن كتمان المعلوم يلتبس والفرق بين الحيوان وغيره ما ذكره الشافعي رضي الله عنه قال الحيوان يغتدى بالصحة والسقم ونحول طبائعه وقل مايبرا من عيب بخفى أو يظهر معناه انه يغتدى ويأكل في حالتي صحته وسقمه ونحول طبيعته وقل ما ينفك عن عيب خفي أو ظاهر فيحتاج البائع إلى هذا الشرط فيه ليثق بلزوم البيع (والطريق الثاني) وبه قال ابن خيران وابو إسحاق القطع بالقول الثالث ونصه في المختصر واختلاف العراقيين بهذا اشد إشعارا وزاد القاضي الماوردي طريقة ثالثة حكاها عن ابن ابي هريرة وهي انه يبرا في الحيوان من غير المعلوم دون المعلوم ولا يبرا في غير الحيوان من المعلوم وفي غير المعلوم قولان ويخرج من منقول الامام طريقة رابعة وهي إثبات ثلاثة اقوال في الحيوان وغيره وثالثها الفرق بين المعلوم وغير المعلوم * ولو قال بعتك بشرط الا ترد بالعيب جرى فيه هذا الاختلاف وزعم صاحب التتمة انه فاسد قطعا مفسد للبيع * ولو عين بعض العيوب وشرط البراءة عنه نظر إن كان مما لايعاين مثل ان يقول بشرط براءتي من الزنا والسرقة والاباق برئ منها بلا خلاف لان ذكرها اعلام واطلاع عليها وان كان مما يعاين كالبرص فان اراه قدره وموضعه فكمثل وان لم يره فهو كشرط البراءة مطلقا لتفاوت الاغراض باختلاف قدره وموضعه هكذا فصلوه وكأنهم تكلموا فيما يعرفه في المبيع من العيوب (فاما) ما لا يعرفه ويريد البراءة عنه لو كان فقد حكى الامام تفريعا على فساد الشرط فيه خلافا مخرجا على ما ذكرنا من المعنيين في التعليل (التفريع) إن بطل هذا الشرط ففي العقد وجهان (أحدهما) يبطل كسائر الشروط الفاسدة (وأظهرهما) أنه يصح لاشتهار القصة المذكورة بين الصحابة رضي الله عنهم وعدم إنكارهم وايضا فانه شرط يؤكد العقد ويوافق ظاهر الحال وهو السلامة عن العيوب وان صح فذلك في العيوب الموجودة عند العقد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 340 (أما) الحادثة بعده وقبل القبض فيجوز الرد بها * ولو شرط البراءة عن العيوب الكائنة والتي تحدث ففيه وجهان (اصحهما) ولم يذكر الاكثرون غيره انه فاسد فان أفرد ما سيحدث بالشرط فهو بالفساد أولى وإن فرعنا على القول الثاني فكما لا يبرأ مما علمه وكتمه كذلك لا يبرأ من العيوب الظاهرة لسهولة البحث عنها والوقوف عليها وإنما يبرأ من عيوب باطن الحيوان التي لا يعلمها (ومنهم) من اعتبر نفس العلم ولم يفرق بين الظاهر والباطن وهل يلحق ما مأكوله في جوفه بالحيوان قيل نعم لعسر الوقوف وقال الاكثرون لا لتبدل أحوال الحيوان هذا فقه الفصل (وأما) لفظ الكتاب فاعلم أنه لم عد أنواع خيار النقيصة أراد أن يبين ما يسقطه فقال هذه أسباب الخيار أما دوافعه ومسقطاته وإنما جمع بين هاتين اللفظتين لان منها ما يدفع كشرط البراءة ومنها ما يسقط بعد الثبوت كالتقصير وإنما قال أعني في خيار النقيصة لان هذه الامور لا تعلق لها بخيار التروي على أن جميعها لا يشمل انواع خيار النقيصة أيضا فان شرط البراءة لا مدخل له في خيار الخلف وخيار التصرية ثم لا يخفي أن ايراد الكتاب انما يتمشي على طريقة اثبات الاقوال وانه أدرج فيه الخلاف في أن فساد الشرط هل يتعدى إلى فساد العقد (وقوله) ويصح في الحيوان ويفسد في غيره إنما يخرج على الطريقة التي نقلها الامام ومواضع العلامات سهلة المدرك على العارف بما قدمناه والله أعلم * قال (الثاني هلاك المعقود عليه فلو اطلع على عيب العبد بعد موته فلا رد إذ لا مردود فلو كان العبد قائما والثوب الذى هو عوضه تالفارد العبد بالعيب ورجع إلى قيمة الثوب * والعتق والاستيلاد كالاهلاك وهل يجوز أخذ الارش بالتراضي فيه وجهان وإذا عجز عن الرد فله الارش وهو الرجوع إلى جزء من الثمن يعرف قدره بمعرفة نسبة قدر نقصان العيب من قيمة المبيع فيرجع من الثمن بمثل نسبته * وزوال الملك عن المبيع يمنعه من الرد في الحال ولا يمنع طلب الارش في الحال لتوقع عود الملك على الاصح ولو عاد الملك إليه ثم اطلع على عيب فله الرد على الاصح فالزائل العائد كالذي لم يزل) * من موانع الرد أن لا يتمكن المشتري من رد المبيع وذلك قد يكون لهلاكه وقد يكون مع بقائه وعلى التقدير الثاني فربما كان لخروجه عن قبول النقل من شخص إلى شخص وإنما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 341 كان مع قبوله للنقل وعلى الثاني فربما كان لزوال ملكه وربما كان مع بقائه لتعلق حق مانع وكلام الكتاب يتعرض لاكثر هذه الاحوال فنشرح ما تعرض له ونضم الباقي إليه مختصرين وبالله التوفيق (الحالة الاولى والثانية) إذا هلك المبيع في يد المشتري بان مات العبد أو قتل أو تلف الثوب أو أكل الطعام أو خرج عن أن يقبل النقل من شخص إلى شخص كما إذا أعتق العبد أو ولد الجارية أو وقف الضيعة ثم عرف كونه معيبا فقد تعذر الرد لفوات المردود ولكن يرجع على البائع بالارش وبه قال أحمد وقال أبو حنيفة لا أرش له إذا هلك بنفسه بالقتل ونحوه * لنا القياس على العتق والموت بجامع أنه عيب اطلع عليه بعد الياس عن الرد والارش جزء من الثمن نسبته إليه نسبة ما ينقص العيب من قيمة المبيع لو كان سليما إلى تمام القيمة وإنما كان الرجوع بجزء من الثمن لانه لو بقى كل المبيع عند البائع كان مضمونا عليه بالثمن فإذا احتبس جزء منه كان مضمونا بجزء من الثمن (مثاله) إذا كانت القيمة مائة دون العيب وتسعين مع العيب فالتفاوت بالعشر فيكون الرجوع بعشر الثمن وان كان مائتين فبعشرين وان كان خمسين فبخمسة والاعتبار باية قيمة نقل عن نصه في موضع أن الاعتبار بقيمة يوم البيع وعن رواية ابن مقلاص أن الاعتبار بقيمة يوم القبض فمنهم من جعلهما قولين واضاف اليهما ثالثا وهو أصحها وهو أن الاعتبار بقيمة باقل القيمتين منهما وجه الاول ان الثمن يومئذ قابل المبيع ووجه الثاني انه يوم دخول المبيع في ضمانه ووجه الثالث ان القيمة ان كانت يوم البيع أقل فالزيادة حدثت في ملك المشتري وإن كانت يوم القبض أقل فما نقص نقص من ضمان البائع والاكثرون قطعوا باعتبار أقل القيمتين وحملوا كل نص على ما إذا كانت القيمة المذكورة أقل وإذا ثبت الارش فان كان الثمن بعد في ذمة المشتري فيبرأ عن قدر الارش بمجرد الاطلاع على العيب أو يتوقف على الطلب فيه وجهان (أظهرهما) الثاني وان كان قد وفاه وهو باق في يد البائع فيتعين لحق المشتري أو يجوز للبائع إبداله لانه غرامة لحقته فيه وجهان (أظهرهما) الاول ولو كان المبيع باقيا والثمن تالفا جاز الرد ويأخذ مثله إن كان مثليا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 342 وقيمته ان كان متقوما أقل ما كانت من يوم البيع إلى القبض لانها ان كانت يوم العقد أقل فالزيادة حدثت في ملك البائع وإن كانت يوم القبض أقل فالنقصان من ضمان المشتري ويشبه أن يجئ فيه الخلاف المذكور في اعتبار الارش ويجوز الاستبدال عنه كما في القرض وخروجه عن ملكه بالبيع ونحوه كالتلف * ولو خرج وعاد فهل يتعين لاخذ المشتري أو للبائع إبداله فيه وجهان أصحهما أولهما وإن كان الثمن باقيا بحاله فان كان معينا في العقد أخذه وإن كان في الذمة وبعده ففي تعيينه لاخذ المشتري وجهان وان كان ناقصا نظر ان تلف بعضه أخذ الباقي وبدل التالف وإن رجع النقصان إلى الصفة كالشلل ونحوه لم يغرم الارش في أصح الوجهين كما لو زاد زيادة متصلة يأخذها مجانا * (فرع) لو لم تنقص القيمة بالعيب كما لو خرج العبد خصيا فلا ارش كما لا رد * (فرع) اشترى عبد بشرط العتق ثم وجد به عيبا بعد ما أعتقه * نقل القاضي ابن كج عن أبي الحسين العبادي أنه لا ارش له ههنا لانه وان لم يكن معيبا لم يمسكه ونقل عنه وجهين فيما إذا اشترى من يعتق عليه ثم وجد به عيبا قال وعندي له الارش في الصورتين * (الحالة الثالثة) إذا زال ملكه عن المبيع ثم عرف العيب فلا رد في الحال وهل يرجع بالارش ان زال الملك بعوض كالهبة بشرط الثواب والبيع فقولان (أحدهما) نعم لتعذر الرد كما لو مات العبد وأعتقه وهذا مخرج خرجه ابن سريج وفي رواية البويطي ما يقتضيه وعلى هذا لو أخذ الارش ثم رد عليه مشتريه بالعيب فهل برده مع الارش ويسترد الثمن فيه وجهان (أصحهما) وهو المنصو ص انه لا يرجع بالارش ولم لا يرجع قال أبو إسحق وابن الحداد لانه استدرك الظلامة وروج المعيب كما روج عليه وقال ابن أبى هريرة لانه لم ييأس من الرد فربما يعود إليه ويتمكن من رده وهذا اصح المعنيين عند الشيخ أبي حامد والقاضي أبى الطيب ورأيته منصوصا عليه في اختلاف العراقيين وان زال الملك بغير عوض على تخريج ابن سريج يرجع بالارش وعلى المنصوص فيه وجهان مبنيان على المعنيين إن عللنا بالاول يرجع لانه لم يستدرك الظلامة وان عللنا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 343 بالثاني فلا لانه ربما يعود إليه (ومنهم) من حكى القطع بعدم الرجوع ههنا وأيد به المعنى الثاني * ولو عاد الملك إليه بعد ما زال نظر ازال بعوض اولا بعوض (القسم الاول) أن يزول بعوض كما لو باع فينظر هل عاد بطريق الرد بالعيب أو غيره (القسم الاول) أن يعود بطريق الرد بالعيب فله أيضا رده على بائعه لانه زال التعذر الذي كان وتبين أنه لم يستدرك الظلامة وليس للمشترى الثاني رده على البائع الاول لانه ما تلقي الملك منه ولو حدث به عيب في يد المشتري الثاني ثم ظهر عيب قديم فعلى تخريج ابن سريج للمشترى الاول أخذ الارش من بائعه كما لو لم يحدث عيب ولا يخفى الحكم بينه وبين المشترى الثاني وعلى الاصح ينظر ان قبله المشترى الاول مع العيب الحادث خير بائعه فان قبله فذاك والا أخذ الارش منه وعن أبى الحسين أنه لا يأخذه واسترداده رضي بالمعيب ون لم يقبله وغرم الارش للثاني ففي رجوعه بالارش على بائعه وجهان (أحدهما) لا يرجع وبه قال ابن الحداد لانه ربما قبله بائعه هو فكان متبرعا بغرامة الارش (وأظهرهما) انه يرجع لانه ربما لا يقبله بائعه فيتضرر قال الشيخ ابو علي يمكن بناء هذين الوجهين على ما سبق من المعنيين ان عللنا بالاول فإذا غرم الارش زال استدراك الظلامة فيرجع وإن عللنا بالثاني فلا يرجع لانه ربما يرتفع العيب الحادث فيعود إليه قال وعلى الوجهين جميعا لا يرجع ما لم يغرم للثاني فانه ربما لا يطالبه الثاني بشئ فيبقى مستدركا للظلامة * ولو كانت المسألة بحالها وتلف المبيع في يد المشتري الثاني أو كان عبدا فاعتقه ثم ظهر العيب القديم رجع الثاني بالارش على الاول والاول بالارش على بائعه بلا خلاف لحصول الياس عن الرد لكن هل يرجع على بائعه قبل أن يغرم المشتري فيه وجهان مبنيان على المعنيين وان عللنا باستدارك الظلامة فلا يرجع ما لم يغرم وان عللنا بالثاني يرجع ويجري الوجهان فيما لو أبرأه الثاني هل يرجع هو على بائعه (القسم الثاني) من الاول ان يعود إليه لا بطريق الرد كما إذا عاد بارث أو اتهاب أو قبول وصية أو إقالة فهل له رده على بائعه فيه وجهان ذو مأخذين (أحدهما) البناء على المعنيين السابقين إن عللنا بالاول لم يرد وبه قال ابن الحداد لان استدارك الظلامة قد حصل بالبيع ولم يبطل ذلك الاستدارك بخلاف ما لو رد عليه بالعيب وإن عللنا بالثاني يرد لزوال العذر وحصول القدرة على الرد كما لو رد عليه بالعيب (والثاني) ان الملك العائد هل ينزل منزلة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 344 غير الزائل ففي جواب نعم لانه عين ذلك المال وعلى تلك الصفة وفي جواب لا لانه ملك جديد والملك نقص لذلك وهذا اصل يخرج عليه مسائل (منها) لو افلس بالثمن وقد زال ملكه عن المبيع وعاد هل للبائع الفسخ (ومنها) لو زال ملك المراة عن الصداق وعاد ثم طلقها قبل المسيس هل يرجع في نصفه أو يبطل حقه من العين كما لو لم يعد (ومنها) لو وهب من ولده وزال ملك الولد وعاد هل للاب الرجوع ولو عاد إليه بطريق الشراء ثم ظهر عيب قديم كان في يد البائع الاول فان عللنا بالمعنى الاول لم يرد على البائع الاول لحصول الاستدراك ويرد على الثاني وان عللنا بالثاني فان شاء رد على الثاني وإن شاء رد على الاول وإذا رد على الثاني فله ان يرده عليه وحينئذ يرد هو على الاول ويجئ وجه انه لا يرد على الاول بناء على ان الزائل العائد كالذي لم يعد ووجه انه لا يرد على الثاني لانه لو رد عليه لرد هو ثانيا عليه وسنذكر نظيره (القسم الثاني) ان يزول بلا عوض فينظران عاد لا بعوض أيضا فجواز الرد مبني على أنه هل يأخذ الارش لو لم يعد (إن قلنا) لا فله الرد لان ذلك لتوقع العود (وإن قلنا) يأخذ فينحصر الحق فيه أو يعود إلى الرد عند القدرة فيه وجهان وإن عاد بعوض كما لو اشتراه (فان قلنا) لا رد في الحالة الاولى فكذلك ههنا ويرد على البائع الاخير (وان قلنا) يرد فههنا يرد على الاول أو على الاخير أو يتخير فيه ثلاثة أوجه خارجة مما سبق * (فرع) باع زيد شيئا من عمرو ثم اشتراه منه فظهر به عيب كان في يد زيد فان كانا عالمين بالحال فلا رد وان كان زيد عالما فلا رد له ولا لعمر وايضا لزوال ملكه ولا ارش له على الصحيح لاستدراك الظلامة أو لتوقع العود فان تلف في يد زيد أخذ الارش على التعليل الثاني وهكذا الحكم لو باعه من غيره وان كان عمرو عالما فلا رد له ولزيد الرد وان كانا جاهلين فلزيد الرد ان اشتراه بغير جنس ما باعه أو باكثر منه ثم لعمر وان يرد عليه وان اشتراه بمثله فلا رد لزيد في أحد الوجهين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 345 لان عمرا يرده عليه فلا فائدة فيه وله ذلك في أصحهما لانه ربما يرضى به فلا يرد ولو تلف في يد زيد ثم عرف به عيبا قديما فحيث يرد لو بقى يرجع بالارش وحيث لا يرد لا يرجع (الحالة الرابعة) إذا تعلق به حق كما لو رهنه ثم عرف العيب فلا رد في الحال وهل ياخذ الارش ان عللنا باستدراك الظلامة فنعم وإن عللنا بتوقع العود فلا وعلى هذا فلو تمكن من الرد رد ولو حصل اليأس أخذ الارش ولو كان قد أجر ولم نجوز بيع المستأجر فهو كالرهن وإن جوزناه فان رضي البائع به مسلوب المنفعة مدة الاجارة رد عليه وإلا تعذر الرد وفي الارش الوجهان ويجريان فيما لو تعذر الرد بغصب أو أباق ولو عرف العيب بعد تزويج الجارية أو العبد ولم يرض البائع بالاخذ قطع بعضهم بان المشتري يأخذ الارش ههنا (أما) على المعنى الاول فظاهر (وأما) على الثاني فلان النكاح يراد للدوام فاليأس حاصل واختار القاضي الروياني وصاحب التتمة ما ذكروه ولو عرفه بعد الكتابة ففي التتمة أنه كالتزويج وذكر الماوردي أنه لا ياخذ الارش على المعنيين بل يصبر لانه قد يستدرك الظلامة بالنجوم وقد يعود إليه بالعجز فيرده (والاظهر) أنه كالرهن وانه لا يحصل استدارك بالنجوم (وقوله) في الكتاب فله الارش وهو الرجوع إلى جزء من الثمن لا يعود (وقوله) هو إلى الارش فان الارش ليس هو الرجوع إلى الثمن وإنما هو جزء من الثمن بل المعنى أن استحقاق الارش هو الرجوع إليه (وقوله) ولا يتمنع طلب الارش لتوقع عود الملك معناه أنا لا نقول بامتناع طلب الارش بسبب هذا التوقع لا أنه تعليل لعدم الامتناع ثم اعلم أن طريقة الجمهور بناء طلب الارش في الحال والرد عند العود على المعنيين كما حكيناها مهذبة وصاحب الكتاب وشيخه بنيا الرد عند المآل على أن الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد وبنيا أخذ الارش في الحال على الرد في المآل ان لم يجز الرد في المآل جاز أخذ الارش في الحال وإن جاز ففي الارش في الحالة للحيلولة وجهان كالقولين في شهود المال إذا رجعوا هل يغرمون للحيلولة ومثل هذا التصرف محمود في الفقه لكن الذهاب إلى أن طلب الارش في الحال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 346 جائز خلاف المذهب المشهور فاعرف ذلك وقد أجاب صاحب الكتاب فيما إذا وجد بالشقص عيبا بعد أخذ الشفيع بانه لا أرش له على خلاف ما رجحه ههنا والخلاف واحد والله أعلم * قال (الثالث التقصير بعد معرفة العيب سبب بطلان الخيار وفوات المطالبة بالارش لتقصيره وترك التقصير بان يرد عليه في الوقت أن كان حاضرا وإن كان غائبا أشهد شاهدين حاضرين على الرد فان لم يمكن حضر عند القاضي) * الرد بالعيب على الفور ويبطل بالتأخير من غير عذر لان الاصل في البيع اللزوم فإذا أمكنه الرد وقصر لزمه حكمه ولا يتوقف على حضور الخصم وقضاء القاضي وقال أبو حنيفة ان كان قبل القبض فلا بد من حضور الخصم ولا يشترط رضاه وان كان بعده فلا بد من رضاه أو قضاء القاضي لنا ما مر في خيار الشرط * إذا تقرر ذلك فالمبادرة إلى الرد معتبرة بالعادة فلا يؤمر بالعدو والركض ليرد ولو كان مشغولا بصلاة أو أكل أو قضاء حاجة فله التأخير إلى أن يفرغ وكذا لو اطلع حين دخل وقت هذه الامور فاشتغل بها فلا بأس وكذا لو لبس ثوبا أو أغلق بابا ولووقف عليه ليلا فله التأخير إلى أن يصبح * وإذا لم يكن عذر فقد ذكر حجة الاسلام ههنا وفي الوسيط أنه إن كان البائع حاضرا يرد عليه وان كان غائبا تلفظ بالرد وأشهد عليه شاهدين فان عجز حضر عند القاضي وأعلمه الرد ولو رفع إلى القاضي والمردود عليه حاضر قال في الوسيط هو مقصر وأشار في النهاية إلى خلاف فيه وقال هذا ظاهر المذهب لكنه ذكر في الشفعة أن الشفيع لو ترك المشتري وابتدر إلى مجلس الحكم واستعدى عليه فهو فوق مطالبة المشتري لانه ربما يحوجه آخرا إلى المرافعة وحكيا معا وجهين فيما إذا تمكن من الاشهاد فتركه ورفع إلى القاضي وفي الترتيب المذكور إشكال لان الحضور في هذا الموضع اما أن يعني به الاجتماع في المجلس أو السكون في البلدة فان كان الاول فإذا لم يكن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 347 البائع عنده ولا وجد الشهود لم يسع إلى القاضي ولا يسعى إلى البائع واللائق بمن يمنع من المبادرة إلى القاضي إذا وجد البائع أن يمنع منها إذا أمكنه الوصول إليه وان كان الثاني فاي حاجة إلى ان يقول شاهدين حاضرين ومعلوم أن الغائب عن البلد لا يمكن اشهاده ثم على التفسيرين يكون حضور مجلس الحكم مشروطا بالعجز عن الاشهاد بعيد (اما) على الاول فلان حضور مجلس الحكم قد يكون أسهل عليه من احضار من يشهده أو الحضور عنده (وأما) على الثاني فلانه لو اطلع على العيب وهو حاضر في مجلس الحكم ينفذ فسخه ولا يحتاج إلى الاشهاد بل يتعين عليه ذلك إن أراد الفسخ فظهر أن الترتيب الذي يقتضيه ظاهر لفظ الكتاب غير مرعى (وأعلم) بعد ذلك أن القول في كيفية المبادرة وما يكون تقصيرا وما لا يكون انما يبسط في كتاب الشفعة واذكر ههنا ما لا بد منه فاقول الذي فهمته من كلام الاصحاب أن البائع إذا كان في البلد رد عليه بنفسه أو بوكيله وكذا لو كان وكيله حاضرا ولا حاجة إلى المرافعة ولو تركه ورفع الامر إلى مجلس الحكم فهو زيادة توكيد وحاصل هذا تخييره بين الامرين وان كان غائبا عن البلد رفع الامر إلى مجلس الحكم * قال القاضي الحسين في فتاويه يدعي شراء ذلك الشئ من فلان الغائب بثمن معلوم وانه أقبضه الثمن ثم ظهر العيب وانه فسخ البيع ويقيم البينة على ذلك في وجه مسخر ينصبه القاضي ويحلفه القاضي مع البينة لانه قضاء على الغائب ثم يأخذ المبيع منه ويضعه على يدي عدل والثمن يبقى دينا على الغائب فيقضيه القاضي من ماله فان لم يجد له سوى المبيع باعه فيه إلى أن ينتهى إلى الخصم أو القاضي في الحالتين لو تمكن من الاشهاد على الفسخ هل يلزمه ذلك فيه وجهان منقول صاحب التتمة وغيره منهما اللزوم ويجري الخلاف فيما إذا أخر بعذر مرض أو غيره ولو عجز في الحال عن الاشهاد فهل عليه التلفظ بالفسخ فيه وجهان (أصحهما) عند الامام وصاحب التهذيب أنه لا حاجة إليه وإذا لقى البائع فسلم عليه لم يضر ولو اشتغل بمحادثته بطل حقه ولو أخر الرد مع العلم بالعيب ثم قال أخرت لاني لم أعلم أن لي حق الرد فان كان قريب العهد بالاسلام أو أنشئ في برية لا يعرفون الاحكام قبل قوله ومكن من الرد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 348 وإلا فلا ولو قال لم أعلم أنه يبطل بالتأخير قبل قوله لانه مما يخفي على العوام وحيث بطل حق الرد بالتقصير يبطل حق الارش أيضا وليس لمن له الرد أن يمسك المبيع ويطلب الارش خلافا لاحمد وليس للبائع ايضا أن يمنعه من الرد ليغرم له الارش ولو رضى بترك الرد على جزء من الثمن أو على مال آخر ففي صحة هذه المصالحة وجهان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة ومالك وابن سريج أنها تصح كالصلح عن حق القصاص على مال (وأظهرهما) المنع لانه خيار فسخ فاشبه خيار الشرط والمجلس وعلى هذا يجب على المشتري رد ما أخذ وفي بطلان حقه من الرد وجهان (أحدهما) يبطل لانه أخر الرد مع الامكان واسقط حقه (وأصحهما) المنع لانه نزل عن حقه على عوض ولم يسلم له العوض فيبقى على حقه ولا يخفي ان موضع الوجهين ما إذا كان يظن صحة المصالحة (أما) إذا علم فسادها بطل حقه بلا خلاف والله اعلم * قال (ويترك الانتفاع في الحال فينزل عن الدابة ان كان راكبا ويضع عنه اكافة وسرجه فانه انتفاع ولا يحط عذاره فانه في محل المسامحة الا ان تعسر عليه القود فيعذر في الركوب إلى مصادفة الخصم أو القاضي) * كما ان تأخير الرد مع الامكان تقصير فكذلك الاستعمال والانتفاع والتصرف لاشعارها بالرضي والاختيار فلو كان المبيع رقيقا فاستخدمه في مدة طلب الخصم أو القاضي بطل حقه وإكان بشئ خفيف كقوله اسقني أو ناولني الثوب أو أغلق الباب ففيه وجه انه لا أثر له لان مثل هذا قد يؤمر به غير المملوك وبهذا اجاب القاضي الماوردي وغيره ولكن الاشهر انه لا فرق ولو ركب الدابة لا للرد بطل حقه وإن ركبها للرد أو للسقي فوجهان (أظهرهما) البطلان ايضا لانه ضرب انتفاع كما لو وقف على عيب الثوب فلبسه للرد نعم لو كانت جموحا بعسر قودها وسوقها فيعذر في الركوب (والثاني) وبه قال ابو حنيفة وابن سريج في جوابات جامع الصغير انه لا يبطل لانه اسرع للرد وعلى الاول لو كان قد ركبها للانتفاع فاطلع على عيب بها لم يجز استدامته الجزء: 8 ¦ الصفحة: 349 وإن توجه للرد ولو كان لابسا فاطلع على عيب الثوب في الطريق فتوجه للرد ولم ينزع فهو معذور لان نزع الثوب في الطريق غير معتاد كذا قاله الماوردى ولو علف الدابة وسقاها في الطريق لم يضر وكذا لو حلب لبن البهيمة في الطريق لانه مما حدث في ملكه ولو كان عليه سرج أو أكاف فتركهما عليها بطل حقه لانه استعمال وانتفاع ولولا ذلك لاحتاج إلى حمل أو تحميل ويعذر بترك العذار أو اللجام لانهما خفيفان ولا يعد تعليقهما على الدابة انتفاعا ولان القرد يعسر دونهما وسئل الشيخ أبو حامد عما لو أنعلها في الطريق فقال ان كانت تمشي بلا نعل بطل حقه والا فلا * ولك أن تعلم قوله في الكتاب ويترك الانتفاع - بالواو - وكذا قوله وينزل عن الدابة وقوله ويضع لان القاضي الروياني نقل جواز الانتفاع في الطريق مطلقا حتى روي عن أبيه جواز وطئ الجارية الثيب (وقوله) الا أن يعسر عليه القود راجع إلى قوله من قبل أن كان راكبا وأن تخلل بينهما كلام آخر والله أعلم * قال (الرابع العيب الحادث مانع من الرد وطريق دفع الظلامة أن يضم أرش العيب الحادث إلى المبيع ويرده أو يغرم البائع له ارش العيب القديم وإن تنازعا في تعيين احد الملكين فالاصح ان طالب ارش العيب القديم أولى بالاجابة لان ارش العيب الحادث غرم وخيل لم يقتضه العقد) * إذا حدث بالمبيع عيب في يد المشتري بجناية أو آفة ثم اطلع على عيب قديم فلا يمكن الرد قهرا لما فيه من الاضرار بالبائع ولا تكليف المشتري القناعة به لما فيه من الاضرار به ولكن يعلم المشتري البائع بالحال فان رضي به معيبا قيل للمشتري اما أن ترده وأما أن تقنع به معيبا ولا شئ وان لم يرض فلا بد من أن يضم المشتري ارش العيب الحادث إلى المبيع ليرده أو ان يغرم البائع للمشترى ارش العيب القديم ليمسكه رعاية للجانبين فان توافقا على أحد هذين المسلكين فذاك وان تنازعا فدعا احدهما إلى الرد مع ارش العيب الحادث ودعا الامر إلى الامساك وغرامة ارش العيب القديم فحاصل ما اشتمل كلام الاصحاب عليه وجوه اختصرها الامام (احدها) أن المتبع راى المشتري ويجبر البائع على ما يقوله لان الاصل ان لا يلزمه تمام الثمن الا بمبيع سليم فإذا تعذر ذلك فوضت الخيرة إليه ولان البائع ملبس بترويج المبيع فكان رعاية جانب المشتري أولى ويروي هذا الوجه عن مالك واحمد وعن أبي ثور أنه نصفه في القديم (والثاني) ان المتبع رأى البائع لانه اما غارم أو آخذ ما لم يرد العقد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 350 عليه (والثالث) وهو الاصح أن المتبع رأى من يدعو إلى الامساك والرجوع بارش العيب القديم سواء كان هو البائع أو المشتري لما فيه من تقرير العقد وأيضا فالرجوع بأرش العيب القديم يستند إلى أصل العقد لان قضيته الا يستقر الثمن بكماله الا في مقابلة السليم وضم ارش العيب الحادث ادخال شئ جديد لم يكن في العقد فكان الاول اولى فعلى هذا لو قال البائع رده مع ارش العيب الحادث فللمشتري ان يأتي ويغرم ارش القديم وما ذكرناه من اعلام المشترى البائع يكون على الفور حتى لو اخره من غير عذر بطل حقه من الرد والارش الا ان يكون العيب الحادث قريب الزوال غالبا كالرمد والحمى فلا يعتبر الفور في الاعلام على احد القولين بل له انتظار زواله ليرده سليما عن العيب الحادث من غير ارش ومهما زال الشئ الحادث بعد ما اخذ المشتري ارش العيب القديم فهل له الفسخ ورد الارش فيه وجهان (أحدهما) لا واخذ ارش اسقاط للرد (والثاني) نعم والارش للحيلولة ولو لم يأخذه ولكن قضى القاضي بثبوته فوجهان بالترتيب وأولى بجواز الفسخ * ولو تراضيا ولا قضاء فوجهان بالترتيب واولى بالفسخ وهو الاصح في هذه الصورة واما بعد الاخذ فالاصح المنع وكذا بعد الحكم عند صاحب التهذيب * ولو عرف العيب القديم بعد زوال الحادث رد وفيه وجه ضعيف ولو زال العيب القديم قبل اخذ ارشه لم ياخذه وان زال بعد اخذه ورده ومنهم من جعله على وجهين كما لو ثبت سن المجني عليه بعد اخذ الدية هل يرد الدية * واعلم ان كل ما يثبت الرد على البائع لو كان في يده يمنع الرد إذا حدث في يد المشتري ومالا رد به على البائع لا يمنع الرد إذا حدث في يد المشتري الا في الاقل فلو خصى العقد ثم عرف عيبا قديما فلا رد وان زادت قيمته ولو نسي القرآن أو الحرفة ثم عرف به عيبا فلا رد لنقصان القيمة ولو زوجها ثم عرف بها عيبا فكذلك قال الروياني إلا أن يقول الزوج ان ردك المشتري بعيب فانت طالق كان ذلك قبل الدخول فله الرد لزوال المانع بالرد * ولو عرف عيب الجارية المشتراة من ابنه أو أبيه بعد ما وطئها وهي ثيب فله الرد وإن حرمت على البائع لان القيمة لا تنقص بذلك وكذا لو كانت الجارية رضيعة فارضعتها أم البائع أو ابنته في يد المشتري ثم عرف بها عيبا واقرار الرقيق على نفسه في يد المشتري بدين المعاملة أو بدين الاتلاف مع تكذيب المولى لا يمنع من الرد بالعيب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 351 القديم وان صدقه المولى على دين الاتلاف منع فان عفا المقر له بعد ما أخذ المشتري الارش هل له الفسخ ورد الارش فيه وجهان جاريان فيما إذا أخذ الارش لرهينة العبد أو كتابة أو إبلة أو غصبه ونحوها ان مكناه من ذلك ثم زال المانع من الرد قال في التهذيب (أصحهما) أنه لا فسخ * (فرع) حدث في يد المشتري نكتة بياض بعين العبد ووجد نكتة قديمة ثم زالت احديهما فقال البائع الزائلة القديمة فلا رد ولا أرش وقال المشتري بل الحادثة ولي ارد فيحلفان على ما يقولان فان حلف احدهما دون الاخر قضى بموجب يمينه وان حلفا استفاد البائع بيمينه دفع الرد واستفاد المشتري بيمينه أخذ الارش فان اختلفا في الارش فليس له الاقل الا لانه المستيقن (وقوله) في الكتاب (فالاصح) أن طالب ارش القديم يعنى من الاوجه الثلاثة ويجوز أن يعلم قوله أولى بالميم والالف لما حكينا من مذهبهما والله أعلم * قال (وإن كان المبيع حليا قوبل بمثل وزنه وضم الارش إليه إذا استراد جزء من الثمن للعيب القديم يوقع في الربا قال ابن سريج بفسخ العقد لتعذر إمضائه ولا برد الحلي بل يقوم بالذهب ان كان من فضة أو على العكس حذارا من ربا الفضل وهو الاصح (وقيل) أنه لا يبالي بذلك إذ المحذور الزيادة في المقابلة في ابتداء عقده) * إذا اشترى حليا من ذهب أو فضة وزنه مائة مثلا بمائة من جنسه ثم اطلع على عيب قديم وقد حدث عنده عيب آخر ففيه ثلاثة أوجه (احدها) وبه قال ابن سريج انه لا يرجع بالارش لانه لو أخذ الارش لنقص الثمن عن المائة فتصير المائة مقابلة بما دونها وذلك ربوا ولا يرده مع ار ش العيب الحادث لان المردود حينئذ يزيد على المائة المستردة وذلك ربوا فبفسخ العقد لتعذر مصابه ولا يرد الحلي على البائع لتعذر رده دون الارش ومع الارش فيجعل بمثابة مالو تلف ويغرم المشتري قيمته من غير جنسه معيبا بالعيب القديم سليما عن العيب الحادث (والثاني) وبه قال الشيخ أبو حامد انه يفسخ البيع ويرد الحلي مع ارش النقصان الحادث ولا يلزم الربا فان المقابلة بين الحلي والثمن وهما متماثلان والعيب الحادث مضمون عليه كعيب المأخوذ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 352 على جهة السوم فعليه غرامته (والثالث) عن صاحب التقريب والداركى انه يرجع بارش العيب القديم كما في غير هذه الصورة والمماثلة في مال الربا انما تشترط في ابتداء العقد وقد حصلت والارش حق ثبت بعد ذلك لا يقدح في العقد السابق (واعلم) ان الوجه الاول والثاني متفقان على انه لا يرجع بارش العيب القديم وانه يفسخ العقد وانما اختلافهما في انه يرد الحلي مع ارش النقص أو يمسكه ويرد قيمته (واما) صاحب الوجه الثالث فقياسه تجويز الرد مع الارش ايضا كما في سائر الاموال وإذا اخذ الارش فقد قيل يجب ان يكون من غير جنس العوضين كيلا يلزم ربا الفضل (والاظهر) انه يجوز ان يكون من جنسهما لان الجنس لو امتنع اخذه لامتنع اخذ غير الجنس لانه يكون بيع مال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 353 الربا بجنسه مع شئ آخر وذلك من صور مدعجوة * ثم ان صاحب الكتاب رآى الاصح الوجه المنسوب إلى ابن سريج وهو غير مساعد عليه بل اختيار القاضي الطبري وصاحب المهذب والعراقيين انما هو الثاني واختيار الامام وغيره الثالث * وذكر الامام أن أبعد الوجوه ما قاله ابن سريج (وقوله) فضم الارش إليه أو استرداد جزء من الثمن يوقع في الربا قبل ذكر الخلاف إنما كان يحسن كل الحسن أن لو كان ذلك متفقا عليه وكان الاختلاف في طريق الخلاص وليس كذلك بل صاحب الوجه الثاني لا يرى ضم الارش إليه موقعا في الربا وصاحب الثالث لا يرى الاسترداد موقعا فيه والاحسن في النظم أن يذكر قول ابن سريج اولا ويعلل تعذر الامضاء بذلك (وقوله) وقيل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 354 لا يبالي بذلك يمكن تنزيله على الوجه الثاني وعلى الثالث ولو عرف العيب القديم بعد تلف الحلى عنده فالذي أورده صاحب الشامل والتتمة انه يفسخ العقد ويسترد الثمن ويغرم قيمة التالف ولا يمكن أخذ الارش للربا وفيه وجه آخر أنه يجوز أخذ الارش قال في التهذيب وهو الاصح وعلى هذا ففي اشتراط كونه من غير الجنس ما مر ولا يخفي ان المسألة لا تختص بالحلي والنقدين بل تجرى في كل مال من أموال الربا بيع بجنسه والله أعلم * قال (وإذا أنعل الدابة فاراد ردها بالعيب فلينزع النعل فان كان النزع يعيبه فليسمح بالنعل والا فليس له على البائع أرش ولا قيمة النعل وان صبغ الثوب بما زاد في قيمته فطلب قيمة الصبغ له الجزء: 8 ¦ الصفحة: 355 وجه ولكن ادخال الصبغ وهو دخيل في ملك البائع كادخال ارش العيب الحادث) * في الفصل صورتان (الاولى) إذا أنعل الدابة المشتراة ثم وقف على عيب قديم بها ينظر ان لم يعبها نزع النعل فله النزع والرد وان لم ينزع والحالة هذه لم يجب على البائع القبول وان كان النزع يخرم ثقب المسامير ويتعيب الحافر به فنزع بطل حقه من الرد والارش وكان تعيبه بالاختيار قطعا للخيار وفيه احتمال للامام ولو ردها مع النعل اجبر البائع على القبول وليس للمشتري طلب قيمة النعل فانه حقير في معرض رد الدابة ثم ترك النعل من المشترى تمليك حتى يكون للبائع لو سقط أو اعراض حتى يكون للمشتري فيه وجهان اشبههما الثاني. (الثانية) لو صبغ الثوب بما زاد في قيمته ثم عرف عيبه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 356 فان رضى بالرد من غير ان يطالب بشئ فعلى البائع قبوله ويصير الصبغ ملكا له فانه صفة للثوب لا تزايله وليس كالنعل هذا لفظ امام الحرمين قال ولا صائر إلى انه يرد الثوب ويبقى شريكا بالصبغ كما يكون مثله في المغصوب والاحتمال يتطرق إليه وان أراد الرد وأخذ قيمة الصبغ ففي وجوب الاجابة على البائع وجهان (أظهرهما) لا يجب لكن يأخذ المشتري الارش ولو طلب المشتري أرش العيب وقال البائع رد الثوب لا غرم لك قيمة الصبغ ففيمن يجاب منهما وجهان (الذي) أورده ابن الصباغ والمتولي ان المجاب البائع ولا أرش للمشتري * ولما حكى الامام الخلاف في الطرفين ذكر ان الصبغ الزائد قد جرى مجرى ارش العيب الحادث في طرفي المطالبة ومعناه أنه إذا قال البائع رد مع الارش الجزء: 8 ¦ الصفحة: 357 وقال المشتري بل أمسك وآخذ الارش ففيمن يجاب وجهان * وكذا إذا قال المشتري أرده مع الارش وقال البائع بل اغرم الارش وهذا ظاهر للمتأمل في الوجوه الثلاثة المذكورة هناك إذا أفرد أحد الجانبين بالنظر ووجه المشابهة بين الصبغ الزائد وأرش العيب الحادث ما أشار إليه صاحب الكتاب وهو ان ادخال الصبغ في ملك البائع مع أنه دخيل في العقد كادخال الارش الدخيل ثم ظاهر لفظ الكتاب يقتضي عود الوجوه الثلاثة هاهنا حتى يقال المجاب منهما في وجه من يدعو إلى فضل الامر بالارش القديم وقد صرح به في الوسيط ولكن رواية الوجه الثالث لا تكاد توجد لغيره وبتقدير ثبوته فقد بينا ثم أن الاصح الوجه الثالث وههنا قضية ايراد الائمة انه لا يجاب المشتري إذا طلب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 358 الارش كما مر (وقوله) فطلب قيمة الصبغ له وجه المعنى الذي ينبغي أن تنزل عليه هذه الكلمة ان طلب قيمة الصبغ ليس كلطلب قيمة النعل فان النعل تابع بالاضافة إلى الدابة حقير والصبغ بخلافه فان هذا الطلب متجه وذاك مستنكر * ولو قصر الثوب ثم وقف على العيب فيبني على أن القصارة عين أو أثر (إن قلنا) بالاول فهى كالصبغ (وان قلنا) بالثاني رد الثوب ولا شئ له كالزيادات المتصلة وعلى هذا فقس نظائره والله أعلم * قال (ولا يرد البطيخ (ح و) والجوز والبيض واللوز بعد السكر وان وجده معيبا بل يأخذ ارش العيب وقيل ان له الرد (م ح وز) وضم أرش الكسر إليه) * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 359 إذا اشترى ما ماكوله في جوفه كالبطيخ والرانج والرمان والجوز واللوز والفندق والبيض فكسره ووجده فاسدا ينظر ان لم يكن لفاسده قيمة كالبيضة المذرة التي لا تصلح لشئ والبطيخة الشديدة التغير رجع المشتري بجيمع الثمن نص عليه وكيف سبيله قال معظم الاصحاب تبين فساد البيع لوروده على غير متقوم وعن القفال في طائفة انه لا يتبين الفساد لكنه على سبيل استدراك الظلامة فكما يرجع بجزء من الثمن عند انتقاص جزء من المبيع يرجع بكله عند فوات كل المبيع وتظهر ثمرة هذا الخلاف في أن القشور الباقية بمن تختص حتى يكون عليه تطهير الموضع عنها * وإن كان لفاسده قيمة كالرانج وبيض النعام والبطيخ إذا وجده حامضا أو مدود بعض الاطراف فللكسر حالتان (إحداهما) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 360 أن لا يوقف على ذلك الفساد إلا بمثله ففيه قولان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة والمزني أنه ليس الرد قهرا كما لو عرف عيب الثوب بعد قطعه وعلى هذا هو كسائر العيوب الحادثة فيرجع المشتري بارش العيب القديم أو يضم ارش النقصان إليه ويرده كما سبق (وقوله) في الكتاب بل يأخذ الارش ان لم يتراضيا على الرد مع الارش لانه لا يعدل عنه بحال (والثاني) له ذلك وبه قال مالك وكذا أحمد في رواية لانه نقص لا يعرف العيب الا به فلا يمنع الرد كالمصراة وإيراد الكتاب يقتضي ترجيح القول الاول وبه قال صاحب التهذيب لكن القاضي الماوردي والشيخ أبا حامد ومن تابعه رجحوا الثاني وبه قال القاضي الروياني وغيره * وإذا فرعنا على الثاني فهل يغرم ارش الجزء: 8 ¦ الصفحة: 361 الكسر فيه قولان (أحدهما) نعم وهو الذى أورده في الكتاب كما يرد المصراة ويغرم (والثاني) لا لانه لا يعرف العيب الا به فهو معذور فيه والبائع بالبيع كانه سلطه عليه وهذا أصح عند صاحب التهذيب وغيره (فان قلنا) بالاول غرم ما بين قيمته صحيحا فاسد اللب ومكسورا فاسد اللب ولا نظر إلى الثمن (الحالة الثانية) أن يمكن الوقوف على ذلك الفساد باقل من ذلك الكسر فلا رد كما في سائر العيوب وعن أبي اسحق أن بعض الاصحاب طرد القولين * إذا عرفت ذلك فكسر الجوز ونحوه وثقب الرانج من صور الحالة الاولى وكسر الرانج وترضيض بيض النعام من صور الحالة الثانية وكذا تقوير البطيخ الحامض إذا أمكن معرفة حموضته بغرز شئ فيه وكذا التقوير الكبير الجزء: 8 ¦ الصفحة: 362 إذا أمكن معرفتها بالتقوير الصغير والتدويد لا يعرف الا بالتقوير وقد يحتاج إلى الشق ليعرف وقد يستغني في معرفة حال البيض بالقلقلة عن الكسر وليست الحموضه بعيب في الرمان بخلاف البطيخ فان شرط في الرمان الحلاوة فبان حامضا بالغرز رده وان بان بالشق فلا * (فرع) إذا اشترى ثوبا مطويا وهو مما ينقص بالنشر فنشره ووقف على عيب به لا يوقف عليه الا بالنشر فيه القولان كذا أطلقه الاصحاب على طبقاتهم مع جعلهم بيع الثوب المطوي من صور بيع الغائب ولم يتعرض الائمة لهذا الاشكال فيما رأيته الا من وجهين (أحدهما) ذكر إمام الحرمين أن هذا الفرع مبني على تصحيح بيع الغائب (والثاني) قال صاحب الحاوي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 363 وغيره ان كان مطويا أكثر من طاقين لم يصح البيع ان لم نجوز خيار الرؤية وان كان مطويا على طاقين يصح البيع لانه يرى جميع الثوب من جانبه وهذا حسن لكن المطوى على طاقين لا يرى من جانبه إلا أحد وجهى الثوب وفى الاكتفاء به تفصيل وخلاف قد سبق وراء ما ذكره تنزيلان (أحدهما) أن يفرض رؤية الثوب قبل الطي والطي قبل البيع ويستمر الفرع (والثاني أن ما ينقص بالنشر مرة ينتقص بالنشر مرتين فوق ما ينتقص به مرة واحدة فلو نشر مرة وبيع وأعيد طيه ثم نشره المشترى وزاد النقصان بذلك انتظم الفرع والله اعلم * قال (وإذا اشترى عبدا من رجلين فله أن يفرد أحدهما (ح) برد نصيبه وإذا اشترى رجلان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 364 عبدا من واحدا فلاحدهما أن يفرد نصيبه بالرد على أصح القولين) * (المبيع في الصفقة الواحدة اما شئ واحد أو شيئان فان كان الثاني كما لو اشترى عبدين فخرجا معيبين فله ردهما وكذا لو خرج أحدهما معيبا واما أفراد المعيب بالرد فقد ذكرناه في تفريق الصفقة * وان كان لاول كما لو اشترى دارا أو عبدا فخرج معيبا فليس له رد بعضه ان كان الباقي قائما في ملكه لما فيه من تشقيص ملك البائع عليه فان رضى البائع جاز في أصح الوجهين وان كان الباقي زائلا كما إذا عرف العيب بعد بيع بعض المبيع فقد حكى الشيخ أبو على في رد الباقي طريقين (أحدهما) أنه على قولين بناء على تفريق الصفقة (وأصحهما) القطع بالمنع كما لو كان الباقي قائما في ملكه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 365 وعلى هذا فهل يرجع بالارش (أما) للقدر المبيع فكما ذكرنا إذا باع الكل (وأما) للقدر الباقي فوجهان قال في التهذيب (أصحهما) أنه يرجع لتعذر الرد ولا ينتظر عود الزائل ليرد الكل كما لا ينتظر زوال العيب الحادث والوجهان جاريان فيما إذا اشترى عبدين وباع أحدهما ثم عرف العيب ولم نجوز رد الباقي هل يرجع بالارش ولو اشترى ومات وخلف ابنين فوجدا به عيبا (فالاصح) وهو قول وهو قول ابن الحداد أنه لا ينفرد احدهما بالرد لان الصفقة وقعت متحدة ولهذا لو سلم احد الابنين نصف الثمن لم يلزم البائع تسليم النصف إليه وفيه وجه أنه ينفرد لانه رد جميع ما ملك * هذا كله فيما إذا اتحد المتعا قدان (إما) إذا اشترى رجل عبدا من رجلين وخرج معيبا فله أن يفرد نصيب أحدهما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 366 بالرد لان تعدد البائع يوجب تعدد العقد وأيضا لا يتشقص على المردود عليه ما خرج عن ملكه * ولو اشترى رجلان عبدا من واحد فقولان (أصحهما) أن ينفرد بالرد لانه رد جميع ما ملك كما ملك وبهذا قال أحمد وكذا مالك في رواية (والثانى) يحكى عن رواية أبى مور وبه قال أبو حنيفة أنه ليس له الانفراد لان العبد خرج عن ملك البائع كاملا والان يعود إليه بعضه وبعض الشئ لا يشترى بما يخصه من الثمن لو بيع كله * (التفريع) ان جوزنا الانفراد فانفرد أحدهما فتبطل الشركة بينهما ويخلص للممسك ما أمسك وللراد ما استرد أو تبقى الشركة بينهما فيما أمسك الممسك واسترده الراد حكى القاضى الماوردى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 367 فيه وجهين (أصحهما) أولهما * وان منعنا الانفراد فذاك فيما ينتقص بالتبعيض (وأما) ما لا ينتقص كالحبوب ففيه وجهان مبنيان على أن المانع ضرر التبعيض أو اتحاد الصفقة * ولو أراد الممنوع من الرد الارش قال الامام ان حصل اليأس من امكان رد نصيب الاخر بان أعتقه وهو معسر فله أخذ الارش وان لم يحصل نظر ان رضى صاحبه بالعيب فيبنى على أنه لو اشترى نصيب صاحبه وضمه إلى نصيبه واراد ان يرد الكل ويرجع بنصف الثمن هل يجبر على قبوله كما في مسألة الغل وفيه وجهان (ان قلنا) لا أخذ الارش (وان قلنا) نعم فكذالك في أصح الوجهين لانه توقع بعيد وان كان صاحبه غائبا لا يعرف الحال في الارش وجهان من جهة الحيلولة الناجزة ولو اشترى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 368 رجلان عبدا من رجلين كان كل واحد منهما مشتريا ربع العبد من كل واحد من البائعين فلكل واحد رد الربع إلى أحدهما * ولو اشترى ثلاثة من ثلاثة كان كل واحد منهم مشتريا تسع العبد من كل واحد من الباعة * ولو اشترى رجلان عبدين من رجلين فقد اشترى كل واحد من واحد ربع كل واحد فلكل واحد رد جميع ما اشترى من كل واحد عليه * ولو رد أحد العبدين وحده ففيه قولا التفريق * لو اشترى بعض عبد في صفقة وباقيه في صفقة اما من البائع الاول أو غيره فله رد احد البعضين خاصة لتعدد الصفقة ولو علم بالعيب بعد العقد الاول ولم يمكنه الرد فاشترى الباقي فليس له رد الباقي وله رد الاول عند الامكان والله اعلم * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 369 قال (وإذا تنازعا في قدم العيب وحدوثه فالقول قول البائع إذ الاصل لزوم العقد فيحلف انى بعته واقبضتة وما يوجب) * إذا وجد بالمبيع عيبا فقال البائع عيبا انه حدث عند المشترى وقال المشترى بل كان عندك نظر ان كان العيب مما لا يحتمل حدوثه بعد البيع كالاصبع الزائدة وشين الشجة المتدملة والبيع جرى امس فالقول قول المشترى من غير يمين وان لم يحتمل تقدمه كالجراحة الطرية وقد جرى البيع والقبض منذ سنة فالقول قول البائع من غير يمين وان كان مما يحتمل حدوثه وقدمه كالبرص وهو المراد من مسألة الكتاب فالقول قول البائع مع يمينه لان الاصل لزوم العقد واستمراره وكيف يحلف ينظر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 370 في جوابه لدعوى المشترى فإذا ادعى المشترى بأن بالمبيع عيبا كان قبل البيع أو قبل القبض وأراد الرد فقال في الجواب ليس له الرد على بالعيب الذى يذكره أو لا يلزمنى قبوله حلف على ذلك ولا يكلف التعرض لعدم العيب يوم البيع ولا قبل القبض لجواز أنه أقبضه معيبا وهو عالم به أو انه رضي بعد البيع ولو نطق به لصار مدعيا مطالبا بالبينة ولو قال في الجواب ما بعته الا سليما أو ما أقبضته الا سليما فهل يلزمه أن يحلف كذلك أو يكفيه الاقتصار على أنه لا يستحق الرد أو لا يلزمنى قبوله فيه وجهان (أحدهخما) أنه يكفيه الجواب المطلق كما لو اقتصر عليه في الجواب (وأظهرهما) أنه يلزمه التعرض لما تعرض له في الجواب لتكون اليمين مطابقة للجواب ولو كان له غرض في الاقتصار على الجواب المطلق لوجب الاقتصار عليه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 371 في الجواب وهذا ما أورده صاحب التهذيب وغيره وهذا التفصيل والخلاف جاريان في جميع الدعاوى والاجوبة * إذا تقرر ذلك فاعلم أن لفظ الشافعي رضي الله عنه في المسألة أن القول قول البائع مع يمينه على البت لقد باعه بريئا من العيوب واعترض المزني فقال ينبغى أن يحلف لقد أقبضته بريئا من العيب لان ما يحدث قبل القبض يثبت الرد كالسابق على البيع * وتكلم الاصحاب على اعتراضه بحسب الخلاف المذكور فمن اعتبر كون اليمين وفق الجواب قال أراد الشافعي رضي الله عنه ما إذا ادعي المشترى عيبا سابقا على الرد واراد الرد به وقال البائع في الجواب بعته وما به هذا العيب فيحلف كذلك * ولو قال المشترى قبضته معيبا ونفاه البائع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 372 في الجواب حلف كما ذكره المزني ولو اقتصر في الجواب على أنه لا يستحق الرد لم يلزمه ذكر هذا ولا ذك * ومن قال تكفى اليمين على نفى الاستحقاق بكل حال قال لم يقصد الشافعي رضى الله عنه أن الان على ماذا يحلف ولاى وقت يتعرض ولكن أراد أن يتبين أنه يحلف على البت فلا يقول مثلا بعته وما أعلم به عيبا ولكن يقول بعته وما به عيب ويجوز اليمين على البت إذا اختبر حال العبد واطلع على خفايا أمره كما يجوز بمثله الشهادة على الاعسار وعدالة الشهود وغيرهما * وعند عدم الاختبار يجوز الاعتماد على ظاهر السلامة إذا لم يعرف ولا ظن خلافه (وقوله) في الكتاب بعته وأقبضته وما به عيب محمول على ما إذا نفى في جواب المشترى العيب في الحالتين واعتبرنا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 373 موافقة اليمين للجواب لفظا ومعني والا فمدار الرد التعيب عند القبض حتى لو كان معيبا عند البيع وقد زال العيب فلا رد له بما كان بل مهما زال العيب قبل العلم أو بعده وقبل الرد سقط حق الرد * ولو زعم المشتري أن بالمبيع عيبا وأنكره البائع فالقول قوله لان الاصل السلامة ودوام العقد ولو اختلفا في بعض الصفات أنه هل هو عيب فالقول قول البائع أيضا مع يمينه وهذا إذا لم يعرف الحال من غيرهما قال في التهذيب فان قال واحد من أهل العلم به انه عيب ثبت الرد به * واعتبر صاحب التتمة شهادة اثنين * ولو ادعي البائع علم المشتري بالعيب أو تقصيره في الرد فالقول قول المشتري والله أعلم * قال (ولا يمتنع الرد بوطئ الثيب (ح) والاستخدام ولا بالزوائد (ح) المنفصلة بل تسلم (م) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 374 الزوائد للمشتري إن حصلت بعد القبض وكذلك لو حصلت قبل القبض على أقيس الوجهين * والحمل الموجود عند العقد يسلم ايضا للمشتري على اصح القولين) * أصل مسائل الفصل أن الفسخ يرفع العقد من حينه لا من أصله لان العقد لا ينعطف حكمه على ما مضي فكذلك الفسخ * هذا هو المذهب الصحيح وفيما إذا انفسخ قبل القبض وجه انه يرد العقد من اصله لان العقد ضعيف بعد فإذا فسخ فكأنه لا عقد وفي التتمة ذكر وجه انه يرفع العقد من اصله مطلقا تخريجا من القول بوجوب مهر المثل إذا فسخ النكاح بعيب حدث بعد المسيس * إذا عرف ذلك فالمسائل ثلاث (أحداها) لا خلاف ان الاستخدام لا يمنع من الرد بالعيب وأما الوطئ فالجارية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 375 اما بكر أو ثيب فان كانت ثيبا فوطئ المشتري لا يمنع الرد بالعيب وإذا رد لم يضم إليه مهرا وبه قال مالك وهو رواية عن احمد وقال أبو حنيفة يمنع * لنا انه معنى لا يوجب نقصا ولا يشعر برضى فاشبه الاستخدام * ووطئ البائع والاجنبي بالشبهة كوطئ المشتري لا يمنع الرد ووطئهما عن طواعية منها زنا وذلك عيب حادث هذا إذا وطئت بعد القبض فان وطئها المشتري قبل القبض لم يمنع الرد ولا يصير قابضا لها ولا مهر عليه ان سلمت وقبضها وان تلفت قبل القبض فهل عليه المهر للبائع فيه وجهان مبنيان على أن العقد إذا انفسخ بتلف قبل القبض ينفسخ من أصله أو من حينه وفيه وجهان (أصحها) الثاني وبه قال ابن سريج * وان وطئها أجنبي فهي زانية وهو عيب حدث قبل القبض الجزء: 8 ¦ الصفحة: 376 وان كانت مكرهة فللمشترى المهر ولا خيار له بهذا الوطئ ووطئ البائع كوطئ الاجنبي لكن لا مهر عليه ان قلنا ان جناية البائع قبل القبض كالافة السماوية (وأما) البكر فافتضاضها بعد القبض نقص حادث وقبله جناية على المبيع قبل القبض فان افتضها أجنبي بغير آلة الافتضاض فعليه ما نقص من قيمتها وان أفتض بآلته فعليه المهر وارش البكارة هل يدخل فيه أو يفرد فيه وجهان (اصحهما) يدخل فعليه مهر مثلها بكرا (والثاني) يفرد فعليه ارش البكارة ومهر مثلها ثيبا ثم المشتري ان أجاز العقد فالكل له والا فقدر أرش البكارة للبائع لعودها إليه ناقصة والباقي للمشتري * وان افتضها البائع فان اجاز المشتري فلا شئ على البائع ان قلنا ان جنايته كالافة السماوية وان قلنا انها كجناية الاجنبي فالحكم كما في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 377 الاجنبي وان فسخ المشتري فليس على البائع ارش البكارة وهل عليه مهر مثلها ثيبا ان افتض بآلته يبني على أن جنايته كالافة السماوية أم لا وان افتضها المشتري استقر عليه من الثمن بقدر ما نقص من قيمتها فان سلمت حتى قبضها فعليه الثمن بكماله وان تلفت قبل القبض فعليه بقدر نقصان الافتضاض من الثمن وهل عليه مهر مثل ثيب ان افتضها بآلة الافتضاض يبني على أن العقد ينفسخ من أصله أو من حينه هذا هو الصحيح وفيه وجه أن افتضاض المشتري قبل القبض كافتضاض الاجنبي * (المسألة الثانية) الزيادة في المبيع ضربان متصلة ومنفصلة (اما) المتصلة كالسمن وتعلم العبد الحرفة والقرآن وكبر الشجرة فهي تابعة لرد الاصل ولا شئ على البائع بسببها (وأما) المنفصلة كما إذا أجر المبيع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 378 وأخذ أجرته وكالولد والثمرة وكسب العبد ومهر الجارية إذا وطئت بالشبهة فانها لا تمنع الرد بالعيب وتسلم للمشترى وبه قال أحمد * وقال ابو حنيفة الولد والثمرة يمنعان الرد بالعيب والكسب والغلة لا يمنعانه لكن ان رد قبل القبض ردهما مع الاصل وان رد بعده بقيا له * وقال مالك يرد مع الاصل الزيادة التي هي من جنس الاصل وهي الولد ولا يرد ما كان من غير جنسه كالثمرة * لنا ما روي (أن مخلد بن خفاف ابتاع غلاما استغله ثم اصاب به عيبا فقضى له عمر بن عبد العزيز برده وغلته فاخبره عروة عن عائشة رضى الله عنها إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في مثل هذا ان الخراج بالضمان فرد عمر رضي الله عنه قضاءه وقضى لمخلد بالخراج) ومعنى الخبر ان ما يخرج من المبيع من فائدة وغلة فهو للمشتري الجزء: 8 ¦ الصفحة: 379 في مقابلة أنه لو تلف كان من ضمانه ولا فرق بين الزوائد الحادثة قبل القبض والزوائد الحادثة بعده مهما كان الرد بعد القبض وان كان الرد قبله ففي الزوائد وجهان بناء على ان الفسخ والحالة هذه رفع للعقد من اصله أو من حينه (والاصح) أنها تسلم للمشتري ايضا (وقوله) في الكتاب وكذلك ان حصلت قبل القبض على أقيس الوجهين يقتضي كون الزوائد الحاصلة قبل القبض على وجهين وان كان الرد بعد القبض لكنه ليس كذلك كذا قاله الامام وغيره وموضع الوجهين ما إذا كان الرد قبل القبض فاعرف ذلك واعلم أنه لو نقصت البهيمة أو الجارية بالولادة امتنع الرد للنقص الحادث وان لم يكن الولد مانعا وتكلموا في افراد الجارية بالرد وان لم تنقص بالولادة من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 380 جهة أنه تفريق بين الام والولد فقال قائلون لا يجوز الرد ويتعين الارش الا ان يكون الوقوف على العيب بعد بلوغ الولد سنا لا يحرم بعده التفريق وقال آخرون لا يحرم التفريق ههنا للحاجة وسنذكر نظيره في الرهن (المسألة الثالثة) عرفت حكم الولد الحادث بعد البيع (فاما) إذا اشترى جارية أو بهيمة حاملا ثم وجد بها عيبا فان كان حاملا بعد ردها كذلك وان وضعت الحمل ونقصت بالولادة فلا رد وان لم تنقص ففي رد الولد معها قولان بناء على أن الحمل هل يعرف ويأخذ قسطا من الثمن أم لا والاصح نعم ويخرج على هذا الخلاف أنه هل للبائع حبس الولد إلى استيفاء الثمن وانه لو هلك قبل القبض هل يسقط من الثمن بحصته وانه هل للمشتري بيع الولد قبل القبض فان قلنا له قسط الجزء: 8 ¦ الصفحة: 381 من الثمن جاز الحبس وسقط الثمن ولم يجز البيع والا انعكس الحكم * ولو اشترى نخلة عليها طلع غير مؤبر ووجد بها عيبا بعد التأبير ففي الثمرة طريقان (أظهرهما) أنه على القولين في الحمل وتشبيها للثمرة في الكمام بالحمل في البطن (والثاني) القطع بانها تأخذ قسطا من الثمن لانها مشاهدة متيقنة ولو اشترى جارية أو بهيمة حائلا فحبلت ثم اطلع على عيب فان نقصت بالحمل فلا رد ان كان الحمل في يد المشتري وان لم تقص أو كان الحمل في يد البائع فله الرد وحكم الولد مبني على الخلاف السابق (ان قلنا) أنه يعرف ويأخذ قسطا من الثمن يبقى للمشتري فيأخذه إذا انفصل * وحكى القاضي الماوردي وجها أنه للبائع لاتصاله بالام عند الرد (وان قلنا) إنه لا يعرف ولا يأخذ قسطا فهو للبائع ويكون تبعا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 382 للام عند الفسخ كما يكون تبعا لها عند العقد واطلق بعضهم القول بان الحمل الحادث نقص (أما) في الجوارى فلانه يوثر في الجمال والنشاط (وأما) في البهائم فلانه ينقص لحم المأكول ويخل بالحمل عليها والركوب * ولو اشترى نخلة واطلعت في يده ثم اطلع على عيب فلمن الطلع فيه وجهان * ولو كان على ظهر الحيوان صوف عند البيع فجزه ثم عرف به عيبا رد الصوف معه فان استجز ثانيا وجزه ثم عرف العيب لم يرد الثاني لحدوثه في ملكه وان لم يجز رده تبعا * ولو اشترى أرضا فيها اصول الكراث ونحوه وادخلناها في البيع فنبت في يد المشتري ثم عرف بالار ض عيبا يردها ويبقى النابت للمشتري فانها ليست تبعا للارض الا ترى ان الظاهر منها في ابتداء البيع لا يدخل فيه والله أعلم * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 383 قال (والاقالة فسخ (م) على الجديد الصحيح ولا يتوقف الرد بالعيب على حضور الخصم وقضاء القاضي (ح)) * الاقالة بعد البيع جائزة بل إذا ندم احدهما على الصفقة استحب للاخران يقيله روى انه صلى الله عليه وسلم قال (من أقال أخاه المسلم صفقة كرهها أقال الله عثرته يوم القيامة) والاقالة ان يقول الجزء: 8 ¦ الصفحة: 384 المتبايعان تقايلنا أو تفاسخنا أو يقول احدهما أقلت ويقول الاخر قبلت وما أشبه ذلك وفي كونها بيعا أو فسخا قولان (أحدهما) وبه قال مالك أنها بيع لانها نقل ملك بعوض بايجاب وقبول فاشبهت التولية (وأصحهما) أنها فسخ إذ لو كانت بيعا لصحت مع غير البائع وبغير الثمن * وذهب بعضهم إلى أن القولين في لفظ الاقالة فاما إذا قالا تفاسخنا فهو فسخ لا محالة (واعلم) أن القول الثاني منصوص في الجديد وأما الاول فمنهم من حكاه وجها والاكثرون نقلوه عن نصه في القديم وعن أبي حنيفة ان الاقالة فسخ في حق المتعاقدين بيع في حق غيرهما * (التفريع) ان كانت بيعا تجدد بها الشفعة وان كانت فسخا فلا خلافا لابي حنيفة * ولو تقايلا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 385 في الصرف وجب التقابض في المجلس ان كانت بيعا وان كانت فسخا فلا وتجوز الاقالة قبل قبض المبيع ان كانت فسخا وان كانت بيعا فهي كبيع المبيع من البائع قبل القبض وتجوز في السلم قبل القبض ان كانت فسخا وان كانت بيعا فلا ولا تجوز الاقالة بعد تلف المبيع ان كانت بيعا وان كانت فسخا فوجهان (احدهما) المنع كالرد بالعيب (وأصحها) الجواز وهو اختيار أبي زيد كالفسخ بالتحالف فعلى هذا يرد المشتري على البائع مثل المبيع ان كان مثليا وقيمته ان كان متقوما * ولو اشترى عبدين وتلف أحدهما ففي الاقالة في الثاني وجهان بالترتيب إذ القائم تصادفه الاقالة فيستتبع التالف * وإذا تقايلا والمبيع في يد المشتري بعد لم ينفذ تصرف البائع فيه ان كانت بيعا ونفذ ان كانت فسخا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 386 فان تلف في يده انفسخت الاقالة ان كانت بيعا وبقى البيع بحاله وان كانت فسخا فعلى المشتري الضمان لانه مقبوض على حكم العو ض كالمأخوذ قرضا أو سوما والواجب فيه ان كان متقوما أقل القيمتين من يوم العقد والقبض ولو تعيب في يده فان كان بيعا تخير البائع بين ان يجيز الاقالة ولا شئ له وبين أن يفسخ ويأخذ الثمن وان كان فسخا غرم أرش العيب ولو استعمله بعد الاقالة فان جعلناها بيعا فهو كالمبيع يستعمله البائع وان جعلناها فسخا فعليه الاجرة ولو عرف البائع بالمبيع عيبا كان قد حدث في يد المشتري قبل الاقالة فلا رد له ان كانت فسخا وان كانت بيعا فله رده ويجوز للمشتري حبس المبيع لا سترداد الثمن على القولين * ولا يشترط ذكر الثمن في الاقالة ولا تصح الا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 387 بذلك الثمن فلو زاد أو نقص فسدت وبقى البيع بحاله حتى لو اقاله على أن ينظره بالثمن أو على أن يأخذ الصحاح عن المكسرة لم يجز ويجوز للورثة الاقالة بعد موت المتبايعين ويجوز الاقالة في بعض المبيع كما تجوز في كله قال الامام رحمه الله هذا إذا لم تلزم جهالة اما إذا اشترى عبدين وتقايلا في احدهما مع بقاء الثاني لم يجز على قولنا انه بيع للجهل بحصة كل واحد منهما * وتجوز الاقالة في بعض المسلم فيه ايضا لكن لو اقاله في البعض ليعجل له الباقي أو عجل المسلم إليه البعض ليقيله في الباقي فهي فاسدة (وأما) قوله ولا يتوقف الرد بالعيب إلى آخره فقد ذكرته من قبل وتختم الباب بفروع * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 388 (أحدها) الثمن المعين إذا خرج معيبا يرد بالعيب كالمبيع وان لم يكن معيبا فيستبدل ولا يفسخ العقد سواء خرج معيبا بخشونة أو سواد أو ظهر أن سكته مخالفة لسكة النقد الذي تناوله العقد أو خرج نحاسا أو رصاصا * ولو تصارفا وتقابضا ثم وجد أحدهما بما قبضه خللا فله حالتان (إحداهما) ان يرد العقد على معينين فان خرج أحدهما نحاسا فالعقد باطل لانه بان أنه غير ما عقد عليه وقيل إنه صحيح تغليبا للاشارة وهذا إذا كان له قيمة فان لم يكن لم يجئ فيه هذا الخلاف وان خرج بعضه بهذه الصفة بطل العقد فيه وفي الباقي قولا تفريق الصفقة إن لم تبطل فله الخيار فان أجاز والجنس مختلف بان تبايعا فضة بذهب جاء القولان في أن الاجازة بجميع الثمن أو بالحصة وان كان الجنس متفقا فالاجازة بالحصة لا محالة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 389 لامتناع الفضل * وان خرج أحدهما خشنا أو أسود فلمن أخذه الخيار ولا يجوز الاستبدال وان خرج بعضه كذلك فله الخيار أيضا وهل له الفسخ في المعيب والاجازة في الباقي فيه قولا التفريق فان جوزنا فالاجازة بالحصة لان العقد صح في الكل فإذا ارتفع في البعض كان بالقسط (الحالة الثانية) أن يرد على ما في الذمة ثم يحضرا ويتقابضا فان خرج أحدهما نحاسا وهما في مجلس العقد استبدل وإن تفرقا فالعقد باطل لان المقبو ض غير ما ورد عليه العقد وان خرج خشنا أو اسود فان لم يتفرقا بعد فهو بالخيار بين الرضا به وبين الاستبدال وان تفرقا فهل له استبداله فيه قولان (أحدهما) لا لانه قبضه بعد التفرق (وأصحهما) نعم كالمسلم فيه إذا خرج معيبا وهذا لان القبض الاول صحيح إذ لو رضي به جاز والبدل مأخوذ فقام مقام الجزء: 8 ¦ الصفحة: 390 الاول ويجب أخذ البدل قبل التفرق عن مجلس الرد * وان خرج البعض كذلك وقد تفرقا فان جوزنا الاستبدال استبدله والا فهو بالخيار بين فسخ العقد في الكل والاجازة وهل له الفسخ في ذلك القدر والاجازة في الباقي فيه قولا التفريق * ورأس مال السلم حكمه حكم عوض الصرف ولو وجد أحد المتصارفين بما أخذ عيبا بعد تلفه أو تبايعا طعاما بطعام ثم وجد أحدهما بالمأخوذ عيبا بعد تلفه نظر إن ورد العقد على معينين أو على ما في الذمة وعين وقد تفرقا ولم نجوز الاستبدال فان كان الجنس مختلفا فهو كبيع العرض بالنقد وان كان متفقا ففيه الخلاف الذي سبق في مسألة الحلي وان ورد على ما في الذمة ولم يتفرقا بعد غرم ما تلف عنده ويستبدل وكذا ان تفرقا وجوزنا الاستبدال * ولو وجد المسلم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 391 إليه برأس مال السلم عيبا بعد تلفه عنده فان كان معينا أو في الذمة وعين وقد تفرقا ولم نجوز الاستبدال فيسقط من المسلم فيه بقدر نقصان العيب من قيمة راس المال وان كان في الذمة وهما في المجلس يغرم التالف ويستبدل وكذا لو كان بعد التفرق إذا جوزنا الاستبدال * (الثاني) باع عبدابالف وأخذ بالالف ثوبا ثم وجد المشترى بالعبد عيبا ورده فعن القاضي أبي الطيب أنه يرجع بالثوب لان الثوب إنما ملكه بالثمن فإذا فسخ البيع سقط الثمن عن ذمة المشتري فيفسخ بيع الثوب به وقال الاكثرون يرجع بالالف لان الثوب مملوك بعقد آخر ولو مات العبد قبل القبض وانفسخ البيع قال ابن سريج يرجع بالالف دون الثوب لان الانفساخ بالتلف يقطع العقد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 392 ولا يرفعه من أصله وهو الاصح وفيه وجه آخر * (الثالث) باع عصيرا حلوا فوجد المشتري به عيبا بعد ما تخمر فلا سبيل إلى رد الخمر لكن يأخذ الارش فان تخلل فللبائع أن يسترده ولا يدفع الارش * ولو اشترى ذمي خمرا من ذمي ثم أسلما وعرف المشتري بالخمر عيبا استرد جزءا من الثمن على سبيل الارش ولا رد ولو أسلم البائع وحده فلا رد أيضا ولو أسلم المشتري وحده فله الرد قاله ابن سريج وعلله بأن المسلم لا يتملك الخمر والن يزيل يده عنه * (الرابع) مؤنة رد المبيع بعد الفسخ بالعيب على المشتري ولو هلك في يده ضمنه * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 393 (الخامس) لو اختلفا في الثمن بعد رد المبيع فعن أبي الحسين أن ابن أبي هريرة قال أعيتني هذه المسألة والاولى أن يتحالفا وتبقى السلعة في يد المشتري وله الارش على البايع قيل له إذا لم يتبين الثمن كيف يعرف الارش قال احكم بالارش من القدر المتفق عليه قال أبو الحسين وحكى أبو محمد الفارسى عن أبي اسحق أن القول قول البائع لانه الغارم كما لو اختلفا في الثمن بعد الاقالة وهذا هو الصحيح * ولو دفعت الحاجة إلى الرجوع بالارش فاختلفا في الثمن فالقول قول البائع أو المشتري روى القاضي ابن كج فيه قولين والاصح الاول * (السادس) أوصي إلى رجل ببيع عبده أو ثوبه وشراء جارية بثمنه واعتاقها ففعل الوصي ذلك ثم وجد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 394 المشتري عيبا بالعبد فله رده على الوصي ومطالبته بالثمن كما يرد على الوكيل والوصي ببيع العبد المردود ويدفع الثمن إلى المشتري ولو فرض الرد بالعيب على الوكيل فهى للوكيل بيعه ثانيا فيه وجهان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة نعم كالوصي ليتم البيع على وجه لا يرد عليه (واصحهما) لا لانه امتثل المأمور وهذا ملك جديد فيحتاج فيه إلى اذن جديد ويخالف الايصاء فانه تولية وتفويض كلي * ولو وكله بأن يبيع بشرط الخيار للمشترى فامتثل ورد المشتري (فان قلنا) ملك البائع لم يزل فله بيعه ثانيا (وان قلنا) زال وعاد فهو كالرد بالعيب ثم إذا باعه الوصي ثانيا نظر ان باعه بمثل الثمن الاول فذاك وان باعه بأقل فالنقصان على الوصي أو في ذمة الموصي فيه وجهان (أصحهما) الاول وبه قال ابن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 395 الحداد لانه انما أمره بشراء الجارية بثمن العبد لا بالزيادة عليه وعلى هذا لو مات العبد في يده كما رد غرم جميع الثمن ولو باعه باكثر من الثمن الاول فان كان ذلك لزيادة قيمة أو رغبة راغب دفع قدر الثمن إلى المشتري والباقي للوارث وان لم يكن كذلك فقد بان أن البيع الاول باطل للغبن * ويقع عتق الجارية عن الوصي بأن اشترى الجارية في الذمة فان اشتراها بعين ثمن العبد لم ينفذ الشراء ولا الاعتاق وعليه شراء جارية أخرى بهذا الثمن واعتاقها عن الموصى هكذا أطلقه الاصحاب ولا بد فيه من تقييد وتأويل لان بيعه بالعين وتسليمه عن علم وبصيرة بالحال خيانة والامين ينعزل بالخيانة فلا يتمكن من شراء جارية أخرى والله أعلم * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 396 قال (النظر الثالث في حكم العقد قبل القبض وبعده ولابد من بيان حكم القبض وصورته ووجوبه (اما) الحكم فهو انتقال الضمان إلى المشتري والتسلط على التصرف إذ المبيع قبل القبض في ضمان البائع (م) ولو تلف انفسخ العقد واتلاف المشتري قبض منه واتلاف الاجنبي لا يوجب الانفساخ على اصح القولين ولكن يثبت الخيار للمشتري واتلاف البائع كاتلاف الاجنبي على الاصح) * مقصود هذا النظر بيان حكم المبيع قبل القبض وبعده على ما فصلناه في أول البيع وتكلم حجة الاسلام رحمه الله فيه في ثلاثة أمور (أحدها) حكم القبض وثمرته (والثاني) أن القبض بم يحصل (والثالث) وجوبه والاجبار عليه (أما) الاول فللقبض حكمان (احدهما) انتقال الضمان إلى المشتري فان المبيع قبل القبض من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 397 ضمان البائع ومعناه أنه لو تلف انفسخ العقد وسقط الثمن * وعن مالك وأحمد فيما رواه ابن الصباغ أنه إذا لم يكن المبيع مكيلا ولا موزونا ولا معدودا فهو من ضمان المشتري ومنهم من أطلق رواية الخلاف عنهما * لنا انه قبض مستحق بالبيع فإذا تعذر انفسخ البيع كما لو تفرقا في عقد الصرف قبل التقابض * إذا تقرر ذلك فلو أبرأ المشتري البائع عن ضمان المبيع قبل القبض هل يبرأ حتى لو تلف لا ينفسخ العقد ولا يسقط الثمن نقل صاحب التهذيب فيه قولين (أصحهما) أنه لا يبرأ وحكم العقد لا يتغير ثم إذا انفسخ البيع كان المبيع هالكا على ملك البائع حتى لو كان عبدا كان مؤنة تجهيزه على البائع وكيف التقدير أنقول بانتقال الملك إليه قبل الهلاك أو يرتفع العقد من أصله فيه وجهان أخرجهما ابن سريج الجزء: 8 ¦ الصفحة: 398 (أصحهما) وهو اختياره واختيار ابن الحداد أنه لا يرتفع من أصله كما في الرد بالعيب والزوائد الحادثة في يد البائع من الولد واللبن والبيض والكسب وغيرهما تخرج على هذين القولين وقد ذكرنا نظيرهما في الرد بالعيب قبل القبض وطردهما طاردون في الاقالة إذا جعلناها فسخا وخرجوا عليهما الزوائد (والاصح) فيها جميعا أنها للمشتري وتكون أمانة في يد البائع ولو هلكت والاصل باق فالبيع باق بحاله ولاخيار للمشتري وفي معنى الزوائد الركاز الذي يجده العبد وما وهب منه فقبله وقبضه وما اوصى له فقبله هذا حكم التالف بالافة السماوية (أما) إذا أتلف المبيع قبل القبض فله ثلاثة أقسام (الاول) أن يتلفه المشتري فهو قبض منه على المذهب لانه أتلف ملكه فاشبه مااذا أتلف المالك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 399 المغصوب في يد الغاصب يبرأ الغاصب من الضمان ويصير المالك مستردا بالاتلاف وحكى الشيخ ابو علي وغيره وجها أن اتلافه ليس بقبض ولكن عليه القيمة للبائع ويسترد الثمن ويكون التلف من ضمان البائع هذا عند العلم (أما) إذا كان جاهلا بان قدم البائع الطعام المبيع إلى المشتري فاكله هل يجعل قابضا قال القاضي حسين رحمه الله فيه وجهان تفريعا على القولين فيما إذا قدم الغاصب الطعام المغصوب إلى المالك فاكله جاهلا هل يبرأ الغاصب ان لم نجعله قابضا فهو كما لو اتلف البائع (والثاني) أن يتلفه اجنبي ففيه طريقان (أظهرهما) أنه على قولين (احدهما) انه كالتلف بآفة سماوية لتعذر التسليم (واصحهما) وبه قال ابو حنيفة وأحمد انه ليس كذلك ولا ينفسخ البيع لقيام القيمة مقام الجزء: 8 ¦ الصفحة: 400 المبيع لكن للمشتري الخيار ان شاء فسخ واسترد الثمن ويغرم البائع الاجنبي وان شاء اجاز وغرم الاجنبي (والثاني) القطع بالقول الثاني ويحكى هذا عن ابن سريج (وإذا قلنا) به فهل للبائع حبس القيمة لاخذ الثمن فيه وجهان (احدهما) نعم كما يحبس المرتهن قيمة المرهون (واظهرهما) لا لان الحبس غير مقصود بالعقد حتى ينتقل إلى البدل بخلاف الرهن ولهذا لو اتلف الراهن المرهون غرم القيمة والمشتري إذا اتلف المبيع لا يغرم القيمة ليحبسها البائع وعلى الاول لو تلفت القيمة في يده بآفة سماوية هل ينفسخ البيع لانها بدل المبيع فيه وجهان (أظهرهما) لا (والثالث) ان يتلفه البائع فطريقان (اظهرهما) انه على قولين (اصحهما) انفساخ البيع كما في الافة السماوية لان المبيع مضمون الجزء: 8 ¦ الصفحة: 401 عليه بالثمن فإذا اتلفه سقط الثمن وبهذا قال ابو حنيفة (والثاني) المنع كاتلاف الاجنبي لانه جنى على ملك غيره فعلى هذا ان شاء المشترى فسخ البيع وسقط الثمن وان شاء اجاز وغرم القيمة البائع وادى الثمن وقد يقع ذلك في اقوال التقاص (والثاني) القطع بالقول الاول فان لم نحكم بالانفساخ عاد الخلاف في حبس القيمة * وعن الشيخ ابى محمد القطع بانه لا حبس ههنا لتعديه باتلاف العين * ولو باع شقصا من عبد واعتق باقيه قبل القبض وهو موسر عتق كله وانفسخ البيع وسقط الثمن ان جعلنا اتلاف البائع كالافة السماوية وان جعلناه كاتلاف الاجنبي فللمشترى الخيار ولو استعمل البائع المبيع قبل القبض فلا اجرة عليه ان جعلنا اتلافه كالافة السماوية والا فعليه الاجرة * واتلاف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 402 الاعجمي والصبى الذي لا يميز بأمر البائع أو المشترى كاتلافهما واتلاف المميز بامرهما كاتلاف الاجنبي وذكر القاضى الحسين رحمه الله ان أذن المشتري للاجنبي في الاتلاف يلغو وإذا أتلف فله الخيار وانه لو أذن البائع في الاكل والاحراق ففعل كان التلف من ضمان البائع بخلاف ما إذا أذن للغاصب ففعل يبرأ لان الملك ثم مستقر * ورأيت في فتاوى القفال أن اتلاف عبد البائع كاتلاف الاجنبي وكذا اتلاف عبد المشتري بغير اذنه فان أجاز جعل قابضا كما لو أتلفه بنفسه وان فسخ اتبع البائع الجاني وانه لو كان المبيع علفا فاعتلفه حمار المشترى بالنهار ينفسخ البيع وان اعتلفه بالليل لا ينفسخ وللمشتري الخيار فان أجاز فهو قابض والا طالبه البائع بقيمة ما أتلفه حماره وفى بهيمة البائع اطلق القول بأن اتلافها كالافة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 403 السماوية قيل له هلا فرقت أيضا بين الليل والنهار فقال هذا موضع التروي * ولو صال العبد المبيع على المشتري في يد البائع فقتله دفعا فعن الشيخ أبي على أنه لا يستقر الثمن عليه وعن القاضي أنه يستقر لانه أتلفه في غرض نفسه * ولو أخذ المشتري المبيع بغير اذن البائع فللبائع الاسترداد إذا ثبت له حق الفسخ وان أتلفه في يد المشتري ففيه قولان عن رواية صاحب التقريب (أحدهما) أن عليه القيمة ولا خيار للمشترى لاستقرار العقد بالقبض وان كان ظالما فيه (والثاني) أنه يجعل مستردا بالاتلاف كما أن المشتري قابض بالاتلاف وعلى هذا فينفسخ البيع أو يثبت الخيار للمشتري قال الامام رحمه الله الظاهر الثاني (واعلم) أن وقوع الدرة في البحر قبل القبض بمثابة التلف ينفسخ به البيع وكذا انفلات الطير والصيد المتوحش الجزء: 8 ¦ الصفحة: 404 قاله في التتمة * ولو غرق البحر الارض المشترأة أو وقع عليها صخور عظيمة من جبل بجنبها أو لبسها رمل فهى بمثابة التلف أو أثرها ثبوت الخيار فيه وجهان الاشبه الثاني * ولو ابق العبد قبل القبض أو ضاع في انتهاب العسكر لم ينفسخ البيع لبقاء المالية ورجاء العود وفيه وجه أنه ينفسخ كما في التلف * ولو غصبه غاصب فليس إلا الخيار فان أجاز لم يلزمه تسليم الثمن وان سلمه فعن القفال انه ليس له الاسترداد لتمكنه من الفسخ وان أجاز ثم أراد الفسخ فله ذلك كما لو انقطع المسلم فيه فاجاز ثم أراد الفسخ لانه يتضرر كل ساعة وحكى عن جواب القفال مثله فيما إذا أتلف الاجنبي المبيع قبل القبض واجاز المشترى ليتبع الجاني ثم أراد الفسخ وقال القاضي في هذه الصورة وجب أن لا يمكن من الرجوع لانه رضى بما في ذمة الاجنبي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 405 فاشبه الحوالة * ولو جحد البائع العين قبل القبض فللمشتري الفسخ لحصول التعذر (وأما) لفظ الكتاب فقوله أما الحكم فهو انتقال الضمان إلى المشتري والتسليط على التصرف ترجمة لحكمي القبض معا وشرح الحكم الثاني وتفصيله يبتدئ من قوله وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما قبل ذلك يتعلق بالحكم الاول (وقوله) في ضمان البائع معلم - بالميم والالف - وكذا قوله انفسخ العقد وقوله قبض منه - بالواو - وقوله على أصح القولين - بالواو - للطريقة الجازمة وقوله كاتلاف الاجنبي على الاصح جواب على طريقة اثبات القولين فيجوز اعلام الاصح - بالواو - واعلام قوله كاتلاف الاجنبي - بالحاء - لما سبق ثم قضية ما ذكروه أن يكون الاصح في اتلاف البائع ثبوت الخيار لا الانفساخ لان الامر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 406 كذلك في اتلاف الاجنبي لكن جمهور الاصحاب رحمهم الله على أن الانفساخ اصح فاعرف ذلك * (فرع) منقول عن فتاوى القاضي * باع عبدا من رجل ثم باعه من آخر وسلمه إليه وعجز عن انتزاعه وتسليمه إلى الاول فهذا جناية منه على المبيع فينزل منزلة الجناية الحسية حتى ينفسخ البيع في قول ويثبت للمشتري الخيار في الثاني بين أن يفسخ وبين أن يجيز ويأخذ القيمة من البائع ولو أنه طالب البائع بالتسليم وزعم قدرته عليه وقال البائع أنا عاجز حلف عليه فان نكل حلف المدعى على أنه قادر ثم حبس إلى أن يسلم أو يقيم بينته على عجزه ولو ادعى المشتري الاول على الثاني العلم بالحال فانكر حلفه فان نكل حلف هو وأخذه منه * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 407 قال (وان تعيب المبيع بآفة سماوية قبل القبض فللمشتري الخيار فان اجاز يجيز بكل الثمن ولا يطالب بالارش إلا أن يكون التعيب بجناية أجنبي فيطالبه بالارش وكذا ان كان بجناية البائع على الاصح) * ذكرنا حكم التلف والاتلاف الكليين قبل القبض فاما إذا طرأ عيب أو نقصان نظر ان كان بآفة سماوية كما إذا عمى العبد أو شلت يده أو سقطت فللمشتري الخيار ان شاء فسخ والا أجاز بجميع الثمن ولا ارش له مع القدرة على الفسخ وان كان بجناية جان عادت الاقسام الثلاثة (أولها) أن يكون الجاني المشتري فإذا قطع يد العبد مثلا قبل القبض فلا خيار له لحصول النقص الجزء: 8 ¦ الصفحة: 408 بفعله بل يمتنع بسببه الرد بسائر العيوب القديمة أيضا ويجعل قابضا لبعض المبيع حتى يستقر عليه ضمانه وإن مات العبد في يد البائع بعد الاندمال فلا يضمن اليد المقطوعة بارشها المقدر ولا بما نقص من القيمة بالقطع وانما يضمنها بجزء من الثمن كما يضمن الكل بالثمن وفي مقداره وجهان (أصحهما) وبه قال ابن سريج وابن الحداد أنه يقوم العبد صحيحا ثم يقوم مقطوعا ويعرف التفاوت بينهما فيستقر عليه من الثمن بمثل تلك النسبة (بيانه) إذا قوم صحيحا بثلاثين ومقطوعا بخمسة عشر فعليه نصف الثمن ولو قوم مقطوعا بعشرين فعليه ثلث الثمن (والثاني) ويحكى عن القاضي أبي الطيب أنه يستقر من الثمن بنسبة أرش اليد من القيمة وهو النصف وعلى هذا لو قطع يديه واندملتا ثم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 409 مات العبد في يد البائع وجب على المشتري تمام الثمن وهذا كله تفريع على المذهب الصحيح وهو أن اتلاف المشتري قبض منه وعلى الوجه المنسوب إلى رواية الشيخ أبي علي أنه لا يجعل قابضا لشئ من العبد وعليه ضمان اليد بارشها المقدر وهو نصف القيمة كالاجنبي وقياسه أن يكون له الخيار (وثانيها) إذا قطع أجنبي يده قبل القبض فللمشتري الخيار ان شاء فسخ وتبع البائع الجاني وان شاء أجاز البيع بجميع الثمن وغرم الجاني قال القاضي الماوردي وإنما يغرمه إذا قبض العبد اما قبله فلا لجواز موت العبد في يد البائع وانفساخ البيع ثم الغرامة الواجبة على الاجنبي نصف القيمة أو ما نقص من القيمة بالقطع فيه قولان جاريان في جراح العبد مطلقا والاصح الاول (وثالثها) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 410 إذا قطع البائع يد العبد قبل التسليم فان جعلنا جنايته كالافة السماوية فللمشتري الخيار ان شاء فسخ واسترد الثمن وإن شاء أجاز بجميع الثمن وان جعلناها كجناية الاجنبي فله الخيار أيضا ان فسخ فذاك وان أجاز رجع بالارش على البائع وفي قدره القولان المذكوران في الاجنبي وصاحب الكتاب جعل القول الصائر إلى أن جناية البائع كجناية الاجنبي أصح لكن معظم الاصحاب على ترجيح القول المقابل له (وقوله) الا أن يكون التعيب بجناية أجنبي استثناء منقطع فانه لا يدخل فيما قبله حتى يحمل على حقيقة الاستثناء * (قال وتلف أحد العبدين يوجب الانفساخ في ذلك القدر (و) وسقوط قسطه من الثمن * والسقف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 411 من الدار كأحد العبدين لا كالوصف على الاظهر) * إذا اشترى عبدين وتلف أحدهما قبل القبض انفسخ البيع فيه وفي الثاني قولا تفريق الصفقة فان قلنا لا يفسخ وأجاز فبكم يجيزه قد ذكرناه في باب التفريق وفيه ما يقتضي اعلام قوله قسطه من الثمن - بالواو - وقد أورد المسألة في الكتاب وإنما أعادها ههنا ليتبين أن المسألة الثانية دائرة بين هذه المسألة وبين صور العيب فلذلك تردد الاصحاب فيها (وصورتها) أن يحترق سقف الدار المبيعة قبل القبض أو يتلف بعض أبنيتها وفيه وجهان (أحدهما) أنه كتعيب المبيع مثل عمى العبد وسقوط يده وما أشبههما (وأظهرهما) أنه كتلف أحد العبدين حتى ينفسخ البيع فيه وفي الباقي الخلاف لان السقف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 412 يمكن إفراده بالبيع بتقدير الانفصال بخلاف يد العبد (وقوله) لا كالوصف فيه اشارة إلى أن النقصان ينقسم إلى فوات صفة وهو العيب والى فوات جزء وذلك ينقسم إلى ما لا ينفرد بالقيمة المالية كيد العبد وهي في معنى الاتباع والاوصاف والى ما يفرد كاحد العبدين واحد الصاعين وذكر بعض المتأخرين أنه إذا احترق من الدار ما يفوت الغرض المطلوب منها ولم يبق الا طرف ينفسخ البيع في الكل ويجعل فوات البعض في مثل ذلك كفوات الكل * قال (وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض ولا يقاس على البيع العتق (و) والهبة (و) والرهن وكذلك لا يقاس عليه والاجارة التزويج على الاصح) * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 413 الحكم الثاني للقبض التسلط على التصرف فلا يجوز بيع المبيع قبل القبض عقارا كان أو منقولا لا باذن البائع ولا دونه لا قبل أداء الثمن ولا بعده خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال يجوز بيع العقار قبل القبض ولمالك رحمه الله حيث جوز بيع غير الطعام قبل القبض وكذا بيع الطعام إذا اشتراه جزافا ولاحمد رحمه الله حيث جوز بيع ما ليس بمكيل ولا موزون ولا معدود ولا مذروع قبل القبض ويروى عن مالك وأحمد رحمهما الله ما بينه وبين هذه الرواية بعض التفاوت * لنا ما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال - من ابتاع طعاما فلا ببيعه حتى يستوفيه) وقال ابن عباس رضى الله عنهما (أما الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الطعام ان يباع حتى يستوفي قال ولا أحسب كل شئ الا مثله) وروى انه صلى الله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 414 عليه وسلم (نهى عن بيع ما لم يقبض وربح ما لم يضمن) وروى أنه لما بعث عتابا إلى مكة قال (أنههم عن بيع ما لم يقبضوا وربح ما لم يضمنوا) وذكر الاصحاب من طريق المعنى سببين (أحدهما) أن الملك قبل القبض ضعيف لكون المبيع من ضمان البائع وانفساخ البيع لو تلف فلا يفيد ولاية التصرف (والثاني) أنه لا يتوالى ضمانا عقدين في شئ واحد ولو نفذنا البيع من المشتري لافضى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 415 الامر إليه لان المبيع مضمون على البائع للمشترى وإذا نفذ منه صار مضمونا عليه للمشترى الثاني فيكون الشئ الواحد مضمونا له وعليه في عقدين والاعتماد على الاخبار والا فللمعترض ان يقول تعنون بضعف الملك الانفساخ لو فرض تلف أو شيئا آخر ان عنيتم شيئا آخر فهو ممنوع وان عنيتم الاول فلم قلتم ان هذا القدر يمنع صحة البيع (وأما) الثاني فلا يعرف لكون المبيع من ضمانه معنى سوى انه لو تلف ينفسخ البيع ويسقط الثمن فلم لا يجوز أن يصح البيع ثم لو تلف في يد البائع ينفسخ البيعان ويسقط الثمنان ويتبين أنه هلك في يده * إذا تقرر ذلك فهل لاعتاق كالبيع فيه وجهان (أحدهما) ويحكى عن ابن خيران نعم لانه ازالة ملك كالبيع (وأصحهما) لا بل يصح الاعتاق ويصير الجزء: 8 ¦ الصفحة: 416 قابضا به لقوة العتق وغلبته ولهذا يجوز اعتاق الابق دون بيعه هذا إذا لم يكن للبائع حق الحبس بان كان الثمن مؤجلا أو حالا وقد اداه المشترى فإذا ثبت حق الحبس فمنهم من ينزله منزلة اعتاق الراهن (والصحيح) أنه ينفذ كما في الحالة الاولى بخلاف اعتاق الراهن لان الراهن لان الراهن حجر على نفسه بالرهن والرهن انشئ ليحبسه المرتهن * ولو وقف المبيع قبل القبض ففي التتمة انه يبنى على أن الوقف هل يفتقر إلى القبول (إن قلنا) نعم فهو كالبيع (وان قلنا) بالثاني فهو كالاعتاق وبهذا أجاب صاحب الحاوى وقال انه يصير قابضا حتى لو لم يرفع البائع يده عنه يصير مضمونا بالقيمة وكذا قال في اباحة الطعام للفقراء والمساكين إذا كان قد اشتراه جزافا والكتابة كالبيع في أصح الوجهين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 417 إذ ليس لها قوة العتق وغلبته والاستيلاد كالعتق * وفي هبة المبيع قبل القبض ورهنه وجهان ويقال قولان (أحدهما) انهما صحيحان لان التسليم غير لازم فيهما بخلاف البيع وهذا ما أورده في الكتاب (وأصحهما) عند عامة الاصحاب المنع لضعف الملك فانه كما يمنع البيع يمنع الهبة الا ترى أنه لا يصح رهن المكاتب وهبته كما لا يصح بيعه وقطع بعضهم بمنع الرهن إذا كان محبوسا بالثمن وإذا صححناهما فنفس العقد ليس بقبض بل يقبضه المشتري من البائع ثم يسلمه من المتهب أو المرتهن ولو أذن للمتهب أو المرتهن حتى قبضه ففي التهذيب انه يكفي ذلك ويتم به البيع والهبة والرهن بعده وقال أقضى القضاة الماوردي لا يكفي ذلك للبيع وما بعده ولكن ينظر ان قصد قبضه للمشتري صح قبض الجزء: 8 ¦ الصفحة: 418 البيع ولا بد من استنئناف قبض للهبة ولا يجوز أن يأذن له في قبضه من نفسه لنفسه وان قصد قبضه لنفسه لم يحصل القبض للبيع ولا للهبة فان قبضها يجب أن يتأخر عن تمام البيع والاقراض والتصدق كالهبة والرهن ففيهما الخلاف * وفي إجارة المبيع قبل قبضه وجهان (أحدهما) يصح لان مورد عقد الاجارة غير مورد عقد البيع فلا يتوالى ضمانا عقدين من جنس واحد (والثاني) لا يصح لضعف الملك ولان التسليم مستحق فيها كما في البيع (والاصح) عند المعظم الثاني وعند صاحب الكتاب الاول * وفي تزويج المشتري الجارية قبل القبض مثل هذين الوجهين لكن الاصح في التزويج الصحة بالاتفاق ومنهم من أشار إلى وجه ثالث فارق بين أن يكون للبائع حق الحبس فلا يصح التزويج لانه منقص الجزء: 8 ¦ الصفحة: 419 وبين أن لا يكون فيصح وطرد مثله في الاجارة إذا كانت منقصة وإذا صححنا التزويج فوطئ الزوج لا يكون قبضا وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه قبض وكما لا يجوز بيع المبيع قبل القبض لا يجوز جعله اجرة في اجارة وعوضا في صلح وكذا لا يجوز السلم والاشراك والتولية وعن مالك أنه يجوز الاشراك والتولية وحكاه الشيخ ابو علي عن بعض الاصحاب * وجميع ما ذكرناه فيما إذا تصرف مع غير البائع (أما) إذا باع من البائع فوجهان (أحدهما) الجواز كبيع المغصوب من الغاصب (وأصحهما) المنع كالبيع من غيره والوجهان فيما إذا باع بغير جنس الثمن أو بزيادة أو نقصان أو تفاوت صفة والا فهو إقالة بصيغة البيع قاله في التتمة * ولو وهب منه أو رهن فطريقان (أحدهما) القطع بالمنع لانه لا يجوز أن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 420 يكون نائبا من المشتري في القبض (وأصحهما) فيما نقل صاحب التهذيب أنه على القولين فان جوزنا فإذا أذن له في القبض عن الهبة أو الرهن ففعل اجزأ ولا يزول ضمان البيع في صورة الرهن بل إذا تلف ينفسخ العقد ولو رهنه من البائع بالثمن فقد مر حكمه * (فرع) لابن سريج * باع عبدا بثوب وقبض الثوب ولم يسلم العبد له بيع الثوب وليس للاخر بيع العبد فلو باع الثوب وهلك العبد في يده بطل العقد فيه ولا يبطل في الثوب ويغرم قيمته لبائعه ولا فرق بين أن يكون هلاك العبد بعد تسليم الثوب أو قبله لخروجه عن ملكه بالبيع ولو تلف العبد والثوب في يده غرم لبائع الثوب القيمة ورد على مشتريه الثمن * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 421 قال (وبيع الميراث والوصية والملك العائد بالفسخ قبل القبض والاسترداد جائز وانما المانع يد تقتضي ضمان العقد ولذلك لا يجوز بيع الصداق قبل القبض إذا قلنا إنه مضمون على الزوج ضمان العقد وكذلك في بدل الخلع والصلح عن دم العمد) * المال المستحق للانسان عند غيره قسمان عين في يد غيره ودين في ذمته (أما) الثاني فيأتي في الفصل التالي لهذا الفصل (وأما) القسم الاول فماله في يد الغير إما أن يكون أمانة أو مضمونا (الضرب الاول) الامانات فيجوز للمالك بيعها لتمام الملك عليها وحصول القدرة على التسليم وهي كالوديعة في يد المودع ومال الشركة والقرا ض في يد الشريك والعامل والمال في يد الوكيل بالبيع ونحوه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 422 وفي يد المرتهن بعد انفكاك الرهن وفي يد المستاجر بعد انقضاء المدة والمال في يد القيم بعد بلوغ الصبي رشيدا وما اختطبه العبد واكتسبه وقبله بالوصية قبل أن يأخذه السيد * ولو ورث مالا فله بيعه قبل قبضه الا إذا كان المورث لا يملك بيعه أيضا مثل ما اشتراه ولم يقبضه * ولو اشترى من مورثه شيئا ومات المورث قبل التسليم فله بيعه سواء كان على المورث دين أو لم يكن وحق الغريم يتعلق بالثمن فان كان له وارث آخر لم ينفذ بيعه في قدر نصيب الاخر حتى يقبضه * ولو أوصى له بمال فقبل الوصية بعد موت الموصي فله بيعه قبل أخذه ولو باعه بعد الموت وقبل القبول جاز (ان قلنا) الوصية تملك بالموت (وان قلنا) تملك بالقبول أو هو موقوف فلا (الضرب الثاني) المضمونات وهي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 423 ضربان مضمون بالقيمة ومضمون بعوض في عقد معاوضة (الضرب الاول) المضمون بالقيمة وهذا الضمان يسمى ضمان اليد فيصح بيعه قبل القبض أيضا لتمام الملك فيه فانه لو تلف تلف على ملكه ويدخل فيه ما صار مضمونا بالقيمة بعقد مفسوخ وغيره حتى لو باع عبدا فوجد المشتري به عيبا وفسخ البيع كان للبائع بيع العبد وإن لم يسترده قال في التتمة الا إذا لم يرد الثمن فان للمشتري حبسه إلى استرجاع الثمن * ولو فسخ السلم لانقطاع المسلم فيه فللمسلم بيع راس المال قبل استرداده وكذا للبائع بيع المبيع إذا فسخ بافلاس المشتري ولم يسترده بعد * ويجوز بيع المال في يد المستعير والمستام وفي يد المشتري والمنهب في الشراء والهبة الفاسدين وكذا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 424 بيع المغصوب من الغاصب (الضرب الثاني) المضمون بعوض في عقد معاوضة فلا يصح بيعه قبل القبض لتوهم الانفساخ بتلفه وذلك كالمبيع والاجرة والعوض المصالح عليه عن المال * وفي بيع المراة الصداق قبل القبض قولان مبنيان على أن الصداق مضمون في يد الزوج ضمان اليد أو ضمان العقد وموضع بيانهما كتاب الصداق (والاصح) أنه مضمون ضمان العقد والقولان جاريان في بيع الزوج بدل الخلع قبل القبض وبيع العافي عن القود المال المعقود عليه قبل القبض لمثل هذا المأخذ والله أعلم * ووراء ما ذكرنا صورة اخرى إذا تأملتها لم يخف عليك أن كل واحدة منها من أي ضرب هي (فمنها) حكى صاحب التلخيص عن نص الشافعي رضى الله عنه أن الارزاق التي يخرجها السلطان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 425 للناس يجوز بيعها قبل القبض (فمن) الاصحاب من قال هذا إذا افرزه السلطان فتكون يد السلطان في الحفظ يد المفرز له ويكفي ذلك لصحة البيع (ومنهم) من لم يكتف بذلك وحمل النص على ما إذا وكل وكيلا بقبضه فقبضه الوكيل ثم باعه الموكل والا فهو بيع شئ غير مملوك وهذا ما أورده القفال في الشرح (ومنها) بيع أحد الغانمين نصيبه على الاشاعة قبل القبض صحيح إذا كان معلوما كما إذا كانوا خمسة فالخمس لاهل الخمس والباقي على خمسة أسهم فيكون نصيب الواحد أربعة من خمسة وعشرين وهذا إذا حكمنا بثبوت الملك في الغنيمة وفيما تملك به الغنيمة خلاف يذكر في موضعه (ومنها) إذا رجع فيما وهب لولده له بيعه قبل استرداده وقال القاضي ابن كج ليس الجزء: 8 ¦ الصفحة: 426 له ذلك (ومنها) الشفيع إذا تملك الشقص قال في التهذيب له بيعه قبل القبض وقال في التتمة ليس له ذلك لان الاخذ بالشفعة معاوضة وللموقوف عليه أن يبيع الثمرة الخارجة من الشجرة الموقوفة قبل أن يأخذها (ومنها) إذا استأجر صباغا ليصبغ له ثوبا وسلمه إليه فليس للمالك بيعه ما لم يصبغه لان له أن يحبسه إلى أن يعمل ما يستحق به العوض وإذا صبغه فله بيعه قبل الاسترداد إن وفي الاجرة والا فلا لانه يستحق حبسه إلى استيفاء الاجرة ولو استأجر قصار القصارة ثوب وسلمه إليه فلا يجوز بيعه ما لم يقصره وإذا قصره فيبني على ان القصارة عين فتكون كمسالة الصبغ أو أثر فله البيع إذ ليس للقصار الحبس وعلى هذا قياس صوغ الذهب ورياضة الدابة ونسج الغزل (ومنها) إذا قاسم شريكه فبيع   مسالة بيع ما وهبه لولده قبل استرداده ليست في النسخة التى بايدينا ولكنها موجودة بنسخة أخرى نقلناها برمتها اه مصححه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 427 ما صار له قبل القبض من الشريك يبني على أن القسمة بيع أو افراز (ومنها) إذا اثبت صيدا بالرمي أو وقع في شبكته فله بيعه وان لم يأخذه ذكره صاحب التلخيص في هذا الموضع قال القفال وليس هو مما نحن فيه فانه إذا أثبته كان في قبضته حكما * (فرع) تصرف المشتري في زوائد المبيع قبل القبض مثل الولد والثمرة بيي على أنه تعود إلى البائع لو عرض انفساخ أولا تعود إن عادت لم يتصرف فيها كما في الاصل والا تصرف * ولو كانت الجارية حاملا عند البيع وولدت قبل القض ان قلنا الحمل يقابله قسط من الثمن لم يتصرف فيه والا فهو كالولد الحادث بعد البيع * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 428 قال (والمبيع سواء كان منقولا أو عقارا) (ح) فيمتنع (م) بيعه قبل القبض وان كان دينا كالمسلم فيه فكمثل (م) وكل دين ثبت لا بطريق المعاوضة بل بقرض أو باتلاف فيجوز الاستبدال عنه ولكن بشرط قبض البدل في المجلس على الاصح ولا يجوز بيع الدين من غير من عليه الدين على الاصح والاظهر منع الحوالة بالمسلم فيه وعليه لان في الحوالة معنى الاعتياض ويجوز (و) أن يستبدل عن النقد بالنقد وان كان ثمنا (و) للحديث هذا إذا لم يكن معينا فان عين تعين (ح) وامتنع (ح) الاستبدال عنه وانفسخ العقد بتلفه (ح) * قوله والمبيع سواء كان منقولا أو عقارا فيمتنع بيعه قبل القبض كانه قصد به التعرض لمذهب أبي حنيفة رحمه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 429 الله في العقار والتدرج به إلى ذكر ما إذا كان المبيع دينا والا فقد سبق ما يعرف منه امتناع بيع المبيع قبل القبض وشرح الفصل يحوج إلى تقديم وتأخير في مسائله فلا نبال بذلك (واعلم) ان من مسائل القسم الاول وهو أن يكون المستحق عينا في يد الغير ما إذا باع متاعا بدراهم أو دنانير معينة فليس للبائع التصرف فيهما قبل القبض وذلك لان الدراهم والدنانير متعينان بالتعيين كالمبيع فلا يجوز للمشتري ابدالها بمثلها ولو تلفت قبل القبض انفسخ البيع ولو وجد البائع بها عيبا لم يستبدلها بل يرضى بها أو يفسخ العقد وبهذا قال أحمد وقال أبو حنيفة لاتتعين ويجوز ابدالها بمثلها وإذا تلفت قبل القبض لا ينفسخ العقد وإذا وجد بها عيبا فله الاستبدال * لنا القياس على طرف البيع وايضا فان الدراهم والدنانير تعينان في الغصب والوديعة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 430 فكذلك ها هنا. ولو أبدلها بمثلها أو * بغير جنسها برضى البائع فهو كبيع المبيع من البائع (القسم الثاني) الدين في ذمة الغير وهو على ثلاثة اضرب لانه إما ان يكون مثمنا أو ثمنا أو لامثمنا ولاثمنا وقبل الشروع في هذه الاضرب نذكر اصلا وهو ان الثمن ماذا والمثمن ماذا وجملة ما قيل فيه ثلاثة أوجه (أحدها) أن الثمن ما الصق به الباء لان هذه الباء تسمى باء التثمين ويحكى هذا عن القفال (والثاني) ان الثمن هو النقد لان أهل العرف لا يطلقون اسم الثمن على غيره والمثمن ما يقابل ذلك على اختلاف الوجهين (والثالث) وهو الاصح ان الثمن هو النقد والمثمن ما يقابله فان لم يكن في العقد نقد أو كان العوضان نقدين فالثمن ما الصق به الباء والمثمن ما يقابله * ولو باع احد النقدين بالاخر فعلى الوجه الثاني لا مثمن فيه ولو باع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 431 عرضا بعرض فعلى الوجه الثاني لا ثمن فيه وانما هو مقابضة ولو قال بعتك هذه الدراهم بهذا العبد فعلى الوجه الاول العبد ثمن والمثمن الدراهم وعلى الثاني والثالث في صحة العقد وجهان كالسلم في الدراهم والدنانير لانه جعل الثمن مثمنا فان صححنا فالعبد مثمن * ولو قال بعتك هذا الثوب بعبد ووصفه صح العقد فان قلنا الثمن ما الصق به الباء فالعبد ثمن ولا يجب تسليم الثوب في المجلس وان لم نقل بذلك ففي وجوب تسليم الثوب وجهان في وجه لا يجب إذ لم يجر بينهما لفظ السلم وفي وجه يجب اعتبارا بالمعنى * إذا عرفت هذه المقدمة (فالضرب الاول) المثمن وهو المسلم فيه فلا يجوز الاستبدال عنه ولابيعه من غيره روى عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 432 " من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره " وأيضا فان المبيع مع تعينه لا يجوز بيعه قبل القبض فالمسلم فيه مع كونه مرسلا في الذمة أولى وهل للحوالة مدخل في المسلم فيه (إما) به بأن يحيل المسلم إليه المسلم بحقه على من له عليه دين قرض أو اتلاف (وإما) عليه بان يحيل المسلم من له عليه دين قرض أو اتلاف على المسلم إليه فيه ثلاثة أوجه (أصحها) لا لما فيه من تبديل المسلم فيه بغيره (والثاني) نعم تخريجا على أن الحوالة استيفاء وايفاء لا اعتياض (والثالث) لا تجوز الحوالة عليه لانها بيع سلم بدين وتجوز الحوالة به على القرض ونحوه لان الواجب على المسلم إليه توفير الحق على المسلم وقد فعل هكذا حكى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 433 الوجه الثالث امام الحرمين وهو حاصل ما رواه القاضي ابن كج عن أبى علي الطبري وأبي الحسين بعد رواية الوجه الثاني عن ابن الوكيل وعكس صاحب الكتاب رحمه الله الوجه الثالث في الوسيط وقال تجوز الحوالة عليه ولا تجوز به ولا اخاله ثابتا * (الضرب الثاني) الثمن فإذا باع بدراهم أو دنانير في الذمة ففي الاستبدال عنها قولان (القديم) أنه لا يجوز لمطلق النهي عن بيع ما لم يقبض وايضا فانه عوض في معاوضة فاشبه المسلم فيه (والجديد) الجواز لما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال " كنت أبيع الابل بالبقيع بالدنانير وآخذ مكانها الورق وأبيع بالورق وآخذ مكانها الدنانير فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فقال لا بأس به بالقيمة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 434 ويروى أنه قال لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شئ " وعن القاضي أبى حامد وأبى الحسين رحمهما الله القطع بالقول الثاني * وإذا باع شيئا بغير الدراهم والدنانير في الذمة فجواز الاستبدال عنه يبنى على أن الثمن ما ألصق به باء التثمين أو غيره (إن قلنا) انه هو فيجوز الاستبدال عنه كالنقدين وادعى في التهذيب أنه المذهب (وان لم نقل) بذلك فلا يجوز لان ما ثبت في الذمة مثمنا لا يجوز أن يستبدل عنه والاجرة كالثمن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 435 والصداق وبدل الخلع كذلك ان قلنا إنهما مضمونان ضمان عقد والا فهما كبدل الاتلاف (التفريع) ان منعنا الاستبدال عن الدراهم فذاك في استبدال العروض عنها فاما استبدال نوع عنها عن نوع أو استبدال الدنانير عن الدراهم ففيه وجهان عن صاحب التقريب لاستوائهما في مقصود الرواج وان جوزنا الاستبدال عنها وهو الصحيح فلا فرق بين بدل وبدل ثم ينظر ان استبدل عنها ما يوافقها في علة الربا كما إذا استبدل عن الدراهم الدنانير فيشترط قبض البدل في المجلس وكذا إذا استبدل عن الحنطة المبيع بها شعيرا ان جوزنا ذلك ففي اشتراط تعين البدل عند العقد وجهان (أحدهما) يشترط والا فهو بيع دين بدين (وأصحهما) أنه لا يشترط كما لو تصارفا في الذمة ثم عينا وتقابضا في المجلس * وان استبدل عنها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 436 ما لا يوافقها في علة الربا كما إذا استبدل عن الدراهم طعاما أو ثيابا نظر ان عين البدل جاز وهل يشترط قبضه في المجلس فيه وجهان (أحدهما) نعم وهو اختيار الشيخ أبي حامد ويحكى عن أبي اسحق لان أحد العوضين دين فيشترط قبض الثاني كرأس مال السلم (وأصحهما) عند الامام وصاحب التهذيب أنه لا يشترط كما لو باع ثوبا بدرهم في الذمة لا يشترط قبض الثوب في المجلس ويحكي هذا عن ابن سريج * وان لم يعين البدل ولكن كان موصوفا في الذمة فعلى ما سبق من الوجهين (ان جوزنا) فلا بد من التعيين في المجلس وفي اشتراط القبض الوجهان * (الضرب الثالث) ما ليس بثمن ولا مثمن كدين القرض والاتلاف فيجوز الاستبدال عنه بلا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 437 خلاف كما لو كان في يده عين مال بغصب أو عارية يجوز بيعه منه ويفارق المسلم فيه فانه غير مستقر لجواز أن يطرأ ما يقتضي انفساخ السلم وهذا مستقر * ثم الكلام في اعتبار التعيين والقبض على ما سبق * وفي الشامل ان القرض إنما يستبدل عنه إذا استهلكه اما إذا بقى في يده فلا لانا إن قلنا ان القرض يملك بالقبض فبدله غير مستقر في الذمة لان للمقرض ان يرجع في عينه وان قلنا يملك بالتصرف فالمستقرض متسلط عليه وذلك يوجب ضعف ملك المقرض فلا يجوز الاعتياض عنه والله أعلم * ولا يجوز استبدال المؤجل عن الحال ويجوز العكس وكان من عليه المؤجل قد عجله (واعلم) أن الاستبدال بيع ممن عليه الدين وقد تبين حكمه فاما بيعه من غير من عليه كما إذا كان علي إنسان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 438 مائة فاشترى من آخر عبدا بتلك المائة فقولان (أحدهما) أنه يجوز كبيعه ممن عليه (وأصحهما) المنع لعدم القدرة على التسليم وعلى الاول يشترط أن يقبض مشترى الدين الدين ممن عليه وان يقبض بائع الدين العوض في المجلس حتى لو تفرقا قبل قبض أحدهما بطل العقد * ولو كان له دين على إنسان ولاخر مثله على ذلك الانسان فباع أحدهما ماله عليه بما لصاحبه وقبل الاخر لم يصح إن اتفق الجنس أو اختلف (لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ) (وقوله) في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 439 الكتاب وكل دين ثبت لا بطريق المعاوضة بل بقرض أو اتلاف لا شبهة أن دين الاتلاف ثبت لا بطريق المعاوضة (وأما) دين القرض فسيأتي في فصل القرض أنه ليس على سبيل المعاوضات أيضا (وقوله) ولكن يشترط قبض البدل في المجلس على الاصح أي من الوجهين وترجيح وجه الاشتراط خلاف ما ذكرنا عن اختيار الامام وصاحب التهذيب لكنه متأيد بظاهر نصه في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 440 المختصر وبه قال جماعة من الاصحاب (وقوله) ويجوز أن يستبدل عن النقد النقد وإن كان ثمنا أي إستبدال أحد النقدين عن الاخر لا يختص بدين القرض والاتلاف بل يجرى في الثمن أيضا وليعلم قوله وإن كان ثمنا - بالواو - للقول الاخر وأراد بالحديث ما رويناه عن ابن عمر رضى الله عنهما * قال (اما صورة القبض فيحكم فيه بالعادة ففي العقار يكفي فيه التخلية وفى المنقول يكفى فيه النقل ولا يكفى التخلية (م ح) وقد قيل يحصل انتقال الضمان بالتخلية وما يشترى مكايلة فتمام القبض فيه بالنقل والكيل فإذا اشترى مكايلة فلا بد لكل بيع (و) من كيل جديد ليتم القبض للحديث) * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 441 قد تم بيان الامر الاول وهو حكم القبض وثمرته وهذا أول الشروع في الامر الثاني وهو أن القبض بم يحصل والقول الجملى فيه أن الرجوع فيما يكون قبضا إلى العادة ويختلف بحسب اختلاف المال وتفصيله أن المال إما أن يباع من غير اعتبار وتقدير فيه أو يباع معتبرا فيه تقدير (الحالة الاولى) أن لا يعتبر فيه تقدير اما لعدم إمكانه أو مع الامكان فينظر إن كان المبيع مما لا ينقل كالدور والاراضي فقبضه بالتخلية بينه وبين المشترى وتمكينه من اليد والتصرف بتسليم المفتاح إليه ولا يعتبر دخوله وتصرفه فيه ويشترط كونه فارغا عن أمتعة البائع فلو باع دارا فيها أمتعة للبائع توقف التسليم على تفريغها وكذا لو باع سفينة مشحونة بامتعة لكون البائع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 442 مستعملا للمبيع منتفعا به * ولو جمع البائع متاعه في بيت من الدار وخلى بين المشترى وبين الدار حصل القبض فيما عدا ذلك البيت * وفى اشتراط حضور المتبايعين عند المبيع ثلاثة أوجه منقولة في التهذيب (أحدهما) يشترط فان حضرا عنده وقال للمشترى دونك هذا ولا مانع حصل القبض وإلا فلا (والثانى) أنه يشترط حضور المشترى عنده دون البائع ليأتي اثبات اليد عليه (والثالث) وهو الاظهر أنه لا يشترط حضور واحد منهما لان ذلك قد يشق فإذا خلى بينه وبين المبيع فقد أتى بما عليه فليتصرف وعلى هذا فهل يشترط أن يمضى زمان إمكان المضي إليه فيه وجهان (الاصح) الاشتراط وفى معنى العقار الشجر الثابت والثمر المبيعة على الشجرة قبل أوان الجذاذ * وان كان المبيع من جملة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 443 المنقولات فالمذهب المشهور وبه قال أحمد أنه لا يكفي فيه التخلية بل لا بد من النقل والتحويل * وقال مالك وأبو حنيفة أنه يكفى التخلية كما في العقار وعن رواية حرملة قول مثله وفيه وجه آخر أن التخلية كافية لنقل الضمان إلى المشترى غير كافية للتسلط على التصرف لان البائع أتى بما عليه والمقصر المشترى حيث لم ينقل فليثبت ما هو حق البائع * وجه ظاهر المذهب ما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال " كنا نشترى الطعام من الركبان جزافا فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه " وأيضا فان العادة في قبض المنقول النقل فعلى هذا يأمر العبد بالانتقال من موضعه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 444 ويسوق الدابة أو يقودها * وإذا كان المبيع في موضع لا يختص بالبائع كموات ومسجد وشارع أو في موضع يختص بالمشترى فالنقل من حيز إلى حيز كاف * وان كان في دار البائع أو في بقعة مخصوصة به فالنقل من زاوية إلى زاوية أو من بيت من الدار إلى بيت آخر بدون إذن البائع لا يكفى لجواز التصرف ولكن يكفى لدخوله في ضمانه وإن نقل باذنه حصل القبض وكأنه استعار ما نقل إليه المال * ولو اشترى الدار مع أمتعة فيها صفقة واحدة فخلى البائع بينه وبينها حصل القبض في الدار وفى الامتعة وجهان (أصحهما أنه لا بد فيها من النقل كما لو بيعت وحدها (والثانى) أن القبض يحصل فيها أيضا تبعا وبهذا اجاب الماوردى وزاد فقال لو اشترى صبرة ولم ينقلها حتى اشترى الارض التى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 445 عليها الصبرة وخلى البائع بينه وبينها حصل القبض في الصبرة * ولو لم يتفقا على القبض ولكن جاء البائع بالمبيع وامتنع المشتري من قبضه أجبره الحاكم عليه فان أصر امر الحاكم من يقبضه عنه كما لو كان غائبا * ولو جاء البائع بالمبيع فقال المشتري ضعه فوضعه بين يديه حصل القبض وان وضعه بين يديه ولم يقل المشتري شيئا أو قال لا اريده فوجهان (أحدهما) انه لا يحصل القبض كما لا يحصل به الايداع (وأصحهما) يحصل لوجوب التسليم كما لو وضع الغاصب المغصوب بين يدي المالك يبرأ عن الضمان فعلى هذا للمشتري التصرف فيه ولو تلف فهو من ضمانه لكن لو خرج مستحقا ولم يجر الا وضعه بين يديه فليس للمستحق مطالبة المشتري بالضمان لان هذا القدر لا يكفي لضمان الغصب * ولو وضع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 446 المديون الدين بين يدي مستحق الدين ففي حصول التسليم خلاف مرتب على البيع وهذه الصورة أولى بعدم الحصول لعدم تعين الملك * وهل للمشتري الاستقلال بنقل المبيع ان كان قد وفى الثمن أو كان الثمن موجلا فنعم كما أن للمرأة قبض الصداق بدون اذن الزوج إذا سلمت نفسها والا فلا وعليه الرد لان البائع مستحق الحبس لاستيفاء الثمن ولا ينفذ تصرفه فيه لكن يدخل في ضمانه * (فرع) دفع ظرفا إلى البائع وقال اجعل المبيع فيه ففعل لا يحصل التسليم إذا لم يوجد من المشتري ما هو قبض والظرف غير مضمون عليه لانه استعمله في ملك المشتري باذنه وفي مثله في السلم يكون الظرف مضمونا على المسلم إليه لانه استعمله في ملك نفسه * ولو قال للبائع أعرني ظرفك واجعل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 447 المبيع فيه ففعل لا يصير المشتري قابضا ايضا (الحالة الثانية) أن يباع الشئ مع اعتبار تقدير فيه كما إذا اشترى ثوبا أو ارضا مذارعة أو متاعا موازنة أو صبرة حنطة مكايلة أو معدودا بالعدد فلا يكفي للقبض ما مر في الحالة الاولى بل لا بد مع ذلك من الذرع أو الوزن أو الكيل أو العد وكذا لو اسلم في آصع أو امناء من طعام لا بد في قبضه من الكيل أو الوزن فلو قبض جزافا ما اشتراه مكايلة دخل المقبوض في ضمانه واما تصرفه فيه بالبيع ونحوه فان باع الكل لم يصح لانه قد يزيد على القدر المستحق * وإن باع ما يستيقن انه له فوجهان (عن أبي اسحق) انه يصح (وقال) ابن أبي هريرة وساعده الجمهور لا يصح لعدم القبض الجزء: 8 ¦ الصفحة: 448 المستحق بالعقد * وقبض ما اشتراه كيلا بالوزن ووزنا بالكيل كقبضه جزافا * ولو قال الدافع خذه فانه كذا فاخذه مصدقا له فالقبض فاسد ايضا حتى يجرى اكتيال صحيح فان زاد رد الزيادة وان نقص أخذ الباقي * ولو تلف المقبوض فزعم الدافع أنه كان قدر حقه أو أكثر وزعم المدفوع إليه انه كان دون حقه أو قدره فالقول قوله قال الشيخ أبو حامد وغيره ومعنى التصديق المذكور في صورة المسألة أن يحمل خبره على الصدق ويأخذه بناء عليه فاما إذا أقر بجريان الكيل لم يسمع منه خلافه وفسر إمام الحرمين البيع مكايلة بأن يقول بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم وهو من صورها (ومنها) أن يقول بعتكها على أنها عشرة آصع (ومنها) أن يقول بعتك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 449 عشرة آصع منها وهما يعلمان صيعانها أو لا يعلمان إذا جوزنا ذلك * وإذا اعتبر في المبيع كيل أو وزن فليس على البائع الرضا بكيل المشتري وعلى المشتري الرضا بكيل البائع بل يتفقان على كيال فان لم يتراضيا نصب الحاكم أمينا يتولاه ذكره في الحاوي * ولو كان لزيد طعام على رجل سلما ولاخر مثله على زيد فاراد زيد أن يوفى ما عليه مما له على الآخر فقال اذهب إلى فلان واقبض لنفسك مالى عليه فقبضه فهو فاسد وكذا لو قال احضر معي لا قبضه واكتاله لك وفعل لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ومسندا أنه " نهى عن بيع الطعام حتى يجرى فيه الصاعان يعني صاع البائع وصاع المشتري " وعلى هذا الخبر بناء مسائل الباب * وإذا فسد القبض فالمقبوض مضمون على الاخذ وهو تبرأ ذمة الدافع عن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 450 حق زيد فيه وجهان (اصحهما) نعم وهما مبنيان على القولين فيما إذا باع نجوم الكتابة وقبضها المشتري هل يعتق المكاتب (فان قلنا) لا يبرأ فعلى القابض رد المقبوض إلى الدافع * ولو قال زيد اذهب إليه واقبضه لي ثم اقبضه مني لنفسك بذلك الكيل أو قال احضر معي لاقبضه لنفسي ثم تأخذه أنت بذلك الكيل ففعل فقبضه لزيد في الصورة الاولى وقبض زيد لنفسه في الصورة الثانية صحيح وتبرأ ذمة الدافع عن حقه والقبض الاخر فاسد والمقبوض مضمون عليه وفي قبضه لنفسه في الصورة الاولى وجه آخر أنه صحيح وسنذكره في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 451 نظائره ويؤيده أنه لو كان المبيع في يد المشتري عند البيع صح قبضه لنفسه على تفصيل سيأتي في الرهن فان حجة الاسلام ذكر طرفا منه هناك * ولو اكتال زيد وقبضه لنفسه ثم كاله على مشتريه واقبضه فقد جرى الصاعان وصح القبضان ثم ان كان وقع في الكيل الثاني زيادة أو نقصان ينظر ان كان قدر ما يتفق بين الكيلين فالزيادة لزيد والنقصان عليه ولا رجوع له وان كان كثيرا تبين ان في الكيل الاول غلطا أو تغليطا فيرد زيد الزيادة ويرجع بالنقصان * ولو ان زيد لما اكتاله لنفسه لم يخرجه من المكيال وسلمه كذلك إلى مشتريه فوجهان (أحدهما) انه لا يصح القبض الثاني حتى يخرجه ويبتدئ كيلا (وأظهرهما) عند الاكثرين ان استدامته في المكيال كابتداء الكيل وهذه الصورة كما تجري في ديني السلم تجري ايضا فيما إذا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 452 كان أحدهما مستحقا بالسلم والآخر بقرض أو اتلا ف * ونختم شرح الفصل بكلامين في شرح لفظ الكتاب (أحدهما) قوله فتمام القبض فيه بالنقل والكيل لفظ التمام انما كان يحسن ان لو اقتصر على ذكر الكيل ليكون ذلك اشارة إلى النقل الكافي فما سبق غير كاف ها هنا بل لا بد من تتمة له وهو الكيل اما إذا وقع التعرض للامرين جميعا فلفظ التمام مستغني عنه (والثاني) قوله فلو اشترى مكايلة وباع مكايلة يمكن تنزيله على صورة لسلم ويمكن ان يكون شراء المعين وبيعه مرادا ولكن البيع حينئذ يقع بعد ما اكتاله لنفسه والا فهو باطل لكونه قبل القبض وظاهر قوله فلا بد من كيل جديد يوافق الوجه الذاهب إلى ان استدامته في المكيال غير كافية (وقوله) ولا تكفى التخلية يجوز اعلامه - بالحاء والميم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 453 والواو - لما رواه حرملة (وقوله) يحصل انتقال الضمان بالتخلية بالالف * (فرع) مؤنة الكيل الذي يفتقر إليه القبض على البائع كمؤنة احضار المبيع الغائب ومؤنة وزن الثمن على المشتري لتوقف التسليم عليه ومؤنة نقد الثمن على البائع أو على المشتري حكى صاحب الحاوي فيه وجهين * قال (وليس لاحد (و) ان يقبض لنفسه من نفسه فيتولى الطرفين الا الوالد يقبض لولده من نفسه ولنفسه من ولده كما يفعل ذلك في طرفي البيع) * للمشتري ان يوكل بالقبض كما له ان يوكل بالعقد وكذا للبائع ان يوكل بالاقباض الجزء: 8 ¦ الصفحة: 454 ويعتبر في ذلك امران (أحدهما) ان لا يوكل المشتري من يده البائع كعبده ومستولدته ولا باس بتوكيل ابنه وأبيه ومكاتبه وفي توكيل عبده المأذون في التجارة وجهان (اصحهما) انه لا يجوز * ولو قال للبائع وكل من يقبض لى منك ففعل جاز ويكون وكيل المشتري وكذا لو وكل البائع بان يامر من يشتري منه للموكل (والثاني) الا يكون القابض والمقبض واحدا فلا يجوز ان يوكل البائع رجلا بالاقباض ويوكله المشتري بالقبض كما لا يجوز ان يوكله هذا بالبيع وذاك بالشراء ليتولي الطرفين * ولو كان عليه طعام أو غيره من سلم أو غيره فدفع إلى المستحق دراهم وقال اشتريها مثل ما تستحقه واقبضه لى ثم اقبضه لنفسك ففعل صح الشراء والقبض للموكل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 455 ولم يصح قبضه لنفسه لاتحاد القابض والمقبض وامتناع كونه وكيلا لغيره في حق نفسه هذا هو المشهور * وحكى المسعودي وجها انه يصح قبضه لنفسه وانما الممتنع ان يقبض من نفسه لغيره * ولو قال اشتر بهذه الدراهم لي واقبضه لنفسك ففعل صح الشراء ولم يصح قبضه لنفسه لان حق الاسنان لا يتمكن الغير من قبضه لنفسه ويكون المقبوض مضمونا عليه وهل تبرأ ذمة الدافع عن حق الموكل فيه ما مر من الوجهين ولو قال اشتر لنفسك فالتوكيل فاسد إذ كيف يشتري بمال الغير لنفسه وتكون الدراهم امانة في يده لانه لم يقبضها ليمتلكها فان اشترى نظر ان اشترى في الذمة وقع عنه وادى الثمن من ماله وان اشترى بعينها فهو باطل وذكر ابن سريج وجها أنه صحيح * ولو أذن لمستحق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 456 الحنطة أن يكتال من الصبرة حقه ففيه وجهان (أصحهما) أنه لا يجوز لان الكيل أحد ركني القبض وقد صار نائبا فيه من جهة البائع متأصلا لنفسه (والثاني) يجوز لان المقصود منه معرفة المقدار والمقبض هو البائع ويستثنى عن الشرط الثاني ما إذا اشترى الاب لابنه الصغير من مال نفسه أو لنفسه من مال ابنه الصغير فانه يتولى طرفي القبض كما يتولى طرفي البيع وهل يحتاج إلى النقل والتحويل في المنقول روى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 457 القاضي الماوردي فيه وجهين (والاظهر) اعتباره كما يعتبر الكيل إذا باع بالكيل (وقوله) في الكتاب وليس لاحد ان يقبض من نفسه لنفسه يجوز اعلامه بالواو لما رواه المسعودي ثم هذا اللفظ غير مجرى على اطلاقه لما ستعرفه فيما إذا كان المبيع في يد المشتري (وقوله) الا الوالد يقبض لولده من نفسه استثناء منقطع والا فهو غير داخل في قبض الانسان لنفسه من نفسه هذا تمام الكلام الجزء: 8 ¦ الصفحة: 458 في صورة القبض * وينبغي أن نتذكر الان ما مر ان اتلاف المشتري المبيع قبض وان لم توجد فيه هذه الصورة وقبض الجزء الشائع انما يحصل بتسليم الجميع ويكون ما عدا المبيع أمانة في يده ولو طلب القسمة قبل القبض قال في التتمة يجاب إليه (أما) إذا جعلنا القسمة افرازا فظاهر (وأما) إذا جعلناها بيعا فان الرضى غير معتبر فيه لان الشريك يجبر عليه وإذا لم يعتبر الرضى جاز أن لا يعتبر القبض كما في الشفعة * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 459 قال (وأما وجوب التسليم يعم الطرفين والبداءة بالبائع (ح م) في قول وبالمشتري في قول ويتساويان (م ح) في أعدل الاقوال فمن ابتدأ اجبر صاحبه فان سلم البائع طالب المشتري بالثمن من ساعته فان كان ماله غائبا اشهد على وقف ماله أي حجر عليه (و) فان وفى اطلق الوقف عنه وان لم يكن له مال فهو مفلس والبائع أحق (ح) بمتاعه هذا لفظ الشافعي رضي الله عنه وهذا حجر سببه مسيس الحاجة إليه خيفة فوات الجزء: 8 ¦ الصفحة: 460 أمواله بتصرفه وذلك عند امتناع الفسخ بالفلس وقيل بانكار الحجر لكنه خلاف نص الشافعي رضي الله عنه) * الامر الثالث وجوب التسليم * لا شك أن على كل واحد من المتبايعين تسليم العوض الذي استحقه الاخر ليكن لو اختلفا فقال البائع لا أسلم المبيع حتى أقبض الثمن وقال المشتري لا أؤدى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 461 الثمن حتى أقبض المبيع ففيه أربعة أقوال (أحدها) ان الحاكم يجبرهما على التسليم فيأمر كل واحد منهما باحضار ما عليه فإذا أحضرا سلم الثمن إلى البائع والمبيع إلى المشتري لا يضره بايهما ابدا أو يأمرهما بالوضع عند عدل ليفعل العدل ذلك ووجهه ان كل واحد منهما يستحق قبض ما عند الاخر فلا سبيل إلى تكليف الابقاء فيؤمر بايفائه كما لو كان لكل واحد منهما وديعة عند الاخر وتنازعا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 462 هكذا (والثاني) أنه لا يجبر واحدا منهما ولكن يمنعهما من التخاصم فإذا سلم احدهما ما عليه اجير الاخر * ووجهه ان على كل واحد إيفاء واستيفاء ولا سبيل إلى تكليف الايفاء قبل الاستيفاء (والثالث) وبه قال مالك وأبو حنيفة انه يجبر المشتري على تسليم الثمن أولا لان حقه متعين في المبيع وحق البائع غير متعين في الثمن فيؤمر بالتعيين (والرابع) وبه قال أحمد وهو الاصح يجبر البائع على تسليم المبيع أولا لانه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 463 لا يخاف هلاك الثمن فملكه مستقر فيه وتصرفه فيه بالحوالة والاعتياض نافذ وملك المشتري في المبيع غير مستقر فعلى البائع التسليم ليستقر * وفي المسألة طريقة أخرى وهي القطع بالقول الرابع وحمل الاول والثاني على حكاية مذهب الغير وما روى عن نصه في الام واستغربه (وأما) الثالث فهو من تخريج بعضهم وليس منصوصا عليه * واختار الشيخ أبو حامد هذه الطريقة * ومنقول المزني في المختصر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 464 يمكن تنزيله على القول الرابع وبه قال الاكثرون ويمكن تنزيله على الاول وبه قال المسعودي وهذا كله فيما إذا كان الثمن في الذمة (فان) كان معينا سقط القول الثالث وان تبايعا عرضا بعرض سقط القول الجزء: 8 ¦ الصفحة: 465 الرابع ايضا * وبقى قولان (أحدهما) أنهما يجبران (والثاني) لا يجبران ويشبه أن يكون الاول أظهر وبه قال أحمد وهو الذي أورده في الشامل * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 466 (التفريع) إن قلنا يجبر البائع على تسليم المبيع أولا أو قلنا لا يجبر ولكنه تبرع وابتدأ بالتسيلم أجبر المشتري على تسليم الثمن في الحال إن كان حاضرا في المجلس وإلا فللمشترى حالتان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 467 (إحداهما) أن يكون موسرا فان كان ماله في البلد حجر عليه إلى أن يسلم الثمن كيلا يتصرف في أملاكه بما يفوت حق البائع وحكى صاحب الكتاب هاهنا وفي الوسيط وجها أنه لا يحجر عليه ويمهل إلى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 468 أن يأتي بالثمن ولم أر لغيره نقل هذا الوجه على هذا الاطلاق (فان قلنا) بالمذهب المشهور ففيم يحجر عليه قال عامة الاصحاب يحجر عليه في المبيع وفي سائر أمواله ومنهم من قال لا يحجر عليه في سائر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 469 أمواله إن كان ماله وافيا بديونه وهذا ما أورده صاحب التهذيب وعلي هذا فهل يدخل المبيع في الاحتساب فيه وجهان (أشبههما) أنه يدخل * وان كان ماله غائبا عن البلد فينظر إن كان على مسافة القصر فلا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 470 يكلف البائع الصبر إلى إحضاره وفيما يفعل وجهان (أحدهما) أنه يباع في حقه ويؤديه من ثمنه (والاظهر) عند الاكثرين أن له أن يفسخ البيع لتعذر تحصيل الثمن كما لو أفلس المشتري بالثمن فان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 471 فسخ فذاك وإن صبر إلى الاحضار فالحجر على ما سبق * وحكى الامام عن ابن سريج أنه لافسخ ولكن يرد المبيع إلى البائع ويحجر على المشتري ويمهل إلى الاحضار وادعى في الوسيط أنه الصحيح * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 472 وإن كان دون مسافة القصر فهو كما لو كان في البلد أو كما لو كان على مسافة القصر فيه وجهان (الحالة الثانية) أن يكون معسرا فهو مفلس والبائع أحق بمتاعه وفيه وجه أنه لا فسخ ولكن تباع السلعة ويوفي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 473 من ثمنها حق البائع فان فضل شئ فهو للمشتري والمنصوص الاول (وأما) لفظ الكتاب فقوله والبداءة بالبائع معلم - بالميم والحاء - وكذا قوله ويتساويان (وقوله) وبالمشتري - بالالف - ويجوز أن يعلم لفظ الاقوال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 474 - بالواو - إشعارا بالطريقة النافية للخلاف (وقوله) هذا لفظ الشافعي رضي الله عنه ليس هو هو لكنه قريب منه ولفظه في المختصر (فان غاب ماله اشهد على وقف ماله وأشهد على وقف السلعة فإذا دفع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 475 اطلق عنه الوقف فان لم يكن له مال فهو مفلس والبائع أحق بسلعته) واعلم أن هذا النص ظاهر في أنه إذا حجر عليه يحجر في السلعة المبيعة وفي سائر الاموال سواء كانت وافية بالديون أو لم تكن ويمكن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 476 الاحتجاج به لما نقله الامام عن ابن سريج وهو أنه لا فسخ عند الغيبة فانه لم يثبت في الغيبة الا الحجر وخص أحقيته بالمتاع بحالة الافلاس (وقوله) وذلك عند امتناع الفسخ بالفلس أراد به أنه لا حجر عند الجزء: 8 ¦ الصفحة: 477 إمكان الفسخ بالفلس وادعى في الوسيط الوفاق فيه لكن ذكرنا أن من أثبت الفسخ عند الغيبة قال ان اختار الصبر إلى الاحضار يحجر عليه وجميع ما ذكرنا من الاقوال والتفريع جاء فيما إذا اختلف المكرى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 478 والمكترى في البداءة بالتسليم بلا فرق * ثم ها هنا أمر مهم لا بد من ذكره وهو أن طائفة توهمت أن الخلاف في البداءة بالتسليم خلاف في أن البائع هل له حق الحبس أم لا (ان قلنا) البداءة بالبائع فليس الجزء: 8 ¦ الصفحة: 479 له حبس المبيع إلى استيفاء الثمن والا فله ذلك ونازع الاكثرون فيه وقالوا هذا الخلاف مفروض فيما إذا كان نزاعهما في مجرد البداءة وكان كل واحد منهما يبذل ما عليه ولا يخاف فوت ما عند صاحبه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 480 فاما إذا لم يبذل البائع المبيع وأراد حبسه خوفا من تعذر تحصيل الثمن فله ذلك بلا خلاف وكذلك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 481 للمشتري حق حبس الثمن خوفا من تعذر تحصيل المثمن نص على ذلك الشيخ ابو حامد وأقضى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 482 القضاة الماوردي رحمهما الله * والمثبتون من المتأخرين قالوا انما يحبس البائع المبيع إذا كان الثمن حالا أما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 483 المؤجل فليس له حبسه لاستيفائه لرضاه بتأخيره ولو لم يتفق التسليم حتى حل الاجل فلا حبس ايضا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 484 ولو تبرع بالتسليم لم يكن له رده إلى حبسه وكذا لو أعاره من المشتري في أصح الوجهين ولو أودعه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 485 إياه فله ذلك ولو صالح من الثمن على مال لم يسقط حق الحبس لاستيفاء العوض * ولو اشترى بوكالة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 486 اثنين شيئا ووفي نصف الثمن عن أحدهما لم يجب على البائع تسليم النصف بناء على ان الاعتبار بالعاقد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 487 ولو باع بوكالة اثنين فإذا أخذ نصيب احدهما من الثمن فعليه تسليم النصف هكذا ذكره في التهذيب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 488 وفيه كلامان (أحدهما) ان العبد المشترك بين الرجلين إذا باعه مالكاه ففي انفراد احدهما بأخذ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 489 نصيبه من الثمن وجهان وكان أخذ الوكيل لاحدهما مبني على ثبوت الانفراد لو باعا بأنفسهما (والثاني) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 490 انا إذا قلنا ان لاعتبار في تعدد الصفقة واتحادها بالعاقد فينبغي ان يكون تسليم النصف على الجزء: 8 ¦ الصفحة: 491 الخلاف فيما إذا أخذ البائع بعض الثمن هل عليه تسليم قسطه من المبيع وفيه وجهان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 492 ذكرناهما في باب التفريق والله أعلم * الجزء: 8 ¦ الصفحة: 493 هذا وليعلم المطلع على هذا السفر الجليل انه ضاق المقام في هذا الجزء عن ان ندون به باقي كتاب البيوع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 494 من شرح العزيز على متن الوجيز للامام الامجد والعلامة الاوحد الامام الرافعي رحمه الله رحمة واسعة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 495 ولقد ألجأتنا الضرورة حتى وقفنا على موقف كان لا يحسن الوقوف عليه فالى هنا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 496 نختم هذا الجزء ونفتتح الجزء التالي ان شاء الله تعالى بقول المصنف النظر الرابع في موجب ألفاظ الكتاب المطلقة وتأثيرها باقتران العرف والله ولي التوفيق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 497 فتح العزيز - عبد الكريم الرافعي ج 9 فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 9 الجزء: 9 فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ..الجزء التاسع دار الفكر بسم الله الرحمن الرحيم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 1 قال * (النظر الرابع الكتاب في موجب الالفاظ المطلقة وتأثيرها باقتران العرف وهى ثلاثة أقسام (الاول) ما يطلق في العقد * فمن اشترى شيئا بمائة فقال لغيره وليتك هذا العقد فقبل انتقل الملك إليه بالمائة وسلم الزوائد للاول وتتجدد الشفعة بجريان هذا البيع (و) ولو حط عن المائة لحق الحط (و) المشترى الثاني لانه في حق الثمن كالبناء) * عرفت في أول البيع أن كلام هذا النظر فيما يقع والالفاظ المتأثرة بالقرائن المنضمة إليها تنقسم إلى راجعة إلى مطلق العقد وإلى راجعة إلى الثمن خاصة (أما) القسم الاول فمقصوده بيان لفظين يشتمل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 2 الفصل علي إحداهما وهى التولية والتولية أن يشترى شيئا ثم يقول لغيره وليتك هذا العقد فيجوز ويشترط قبوله في المجلس علي قاعدة التخاطب بأن يقول قبلت أو توليت ويلزمه مثل الثمن الاول جنسا وقدرا ووصفا ولا يشترط ذكره إذا علماه فان لم يعلمه المشترى أعلمه أولا ثم ولاه العقد وهذا العقد بيع يشترط فيه القدرة علي التسليم والتقابض إذا كان صرفا وسائر الشروط ولا يجوز قبل قبض المبيع على ما مر في النظر الثالث والزوائد المنفصلة قبل التولية تبقى للمولى ولو كان المبيع شقصا مشفوعا وعفي الشفيع تجددت الشفعة بالتولية * ولو حط البائع بعد التولية بعض الثمن انحط عن المولى أيضا ولو حط الكل فكذلك لانه وإن كان بيعا جديدا فخاصيته وفائدته التنزيل على الثمن الاول * وعن القاضى الحسين أن الوجه التردد في جميع هذه الاحكام فعلى رأى يجعل المولى نائبا عن المولى فتكون الزوائد للمولى ولا تتجدد الشفعة ويلحق الحط المولى وعلى رأى تعكس هذه الاحكام ونقول هي بيع جديد وظاهر المذهب الفرق بين الزوائد والشفعة وبين الحط وعلى هذا لوحط البعض قبل التولية لم تجز التولية إلا بالباقي ولو حط الكل لم تصح التولية ومن شرط التولية أن يكون الثمن مثليا ليأخذ المولى مثل ما بذل فلو اشتراه بعرض لم يجز فيه التولية * قال في التتمة إلا إذا انتقل ذلك العرض من البائع إلى إنسان فولاه العقد * قال ولو اشتراه بعرض وقال قام على بكذا وقد وليتك العقد بما قام على أو أرادت المرأة عقد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3 التولية على صداقها بلفظ القيام أو أراد الرجل التولية على ما أخذه من عوض الخلع ففى جميع ذلك وجهان * ولو أخبر المولى عما اشترى به وكذب فمنهم من قال هو كالكذب في عقد المرابحة وسيأتى ومنهم من قال يحط قدر الخيانة قولا واحدا * قال (ولو قال أشركتك في هذا العقد على المناصفة كان تولية في نصف المبيع ولو لم يذكر المناصفة فالاصح التنزيل على الشطر) * اللفظة الثانية الاشتراك وهو أن يشترى شيئا ثم يشرك غيره فيه ليصير بعضه له بقسطه من الثمن ثم إن نص على المناصفة أو غيرها فذاك وإن أطلق الاشتراك فوجهان (أحدهما) أنه يفسد العقد للجهل بمقدار العوض كما لو قال بعتك بمائة ذهبا وفضة (والثانى) يصح ويحمل على المناصفة كما لو أقر بشئ لزيد وعمر ويحمل على المناصفة (والاول) هو الذى أورده في التهذيب (والثانى) أصح عند صاحب الكتاب وهو ما أورده في التتمة والاشراك في البعض كالتولية في الكل في الاحكام التى ذكرنا * قال (القسم الثاني ما يطلق في الثمن من ألفاظ المرابحة فإذا قال بعت بما اشتريت وربح ده الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4 يازده وكان قد اشترى بمائة استحق مائة وعشرة ولو قال بحط ده بازده وكان قد اشترى بمائة وعشرة استحق مائة (و) * بيع المرابحة جائز من غير كراهة وهو عقد بنى الثمن فيه على ثمن المبيع الاول مع زيادة مثل أن يشترى شيئا بمائة ثم يقول لغيره بعت هذا بما اشتريته وربح ده بازده أو بربح درهم لكل عشرة أو في كل عشرة ويجوز أن يضم إلى رأس المال شيئا ثم يبيعه مرابحة مثل أن يقول اشتريته بمائة وقد بعتكه بمائتين وربح ده بازده وكأنه قال بعت بمائتين وعشرين * وكما يجوز البيع مرابحة يجوز محاطة مثل أن يقول بعت بما اشتريت بحط ده بازده وفى القدر المحطوط وجهان (أحدهما) أنه يحط من كل عشرة واحد كما زيد في المرابحة على كل عشرة واحد (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يحط من كل أحد عشر واحد لان الربح في المرابحة جزء من أحد عشر فليكن كذلك الحط في المحاطة وليس في حط واحد من العشرة رعاية لنسبة ده بازده * فإذا كان قد اشترى بمائة فالثمن على الوجه الاول الجزء: 9 ¦ الصفحة: 5 تسعون وعلى الثاني تسعون وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم حطا لتسعة من تسعة وتسعين ولجزء من أحد عشر جزءا من الدرهم الباقي * ولو كان أشترى بمائة وعشرة فالثمن الآن على الوجه الاول تسعة وتسعون وعلى الثاني مائة وعلى هذا القياس وصور كثير من العراقيين وغيرهم المسألة فيما إذا قال بعت بما اشتريت بحط درهم من كل عشرة وأوردوا فيها الوجهين * قال إمام الحرمين وهو غلط فان في هذه الصيغة تصريحا بحط واحد من كل عشرة فلا معنى للتردد فيه وإنما موضع التردد لفظ ده بازده وهذا اعتراض بين * وذكر القاضى الماوردى وغيره أنه إذا قال بحط درهم من كل عشرة فالمحطوط واحد من عشرة ولو قال بحط درهم لكل عشرة فالمحطوط واحد من أحد عشر * قال (ولو قال بعتك بما قام على استحق مع الثمن ما بذله من أجرة الدلال والكيال وكراء البيت ولا يستحق ما أنفقة في علف الدابة ولا أجرة مثله إن كان يعمل بنفسه أو كان البيت ملكه لانه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 6 ليس من خرج التجارة) * بيع المرابحة يفرض بعبارات أكثرها دورانا على الالسن ثلاث (إحداهما) بعت بما اشتريت أو بما بذلت من الثمن وربح كذا (والثانية) بعت بما قام على وربح كذا ويختلف حكم العبارتين في الداخل تحنهما وفيما يجب الاخبار عنه كما سنفصله من بعد فإذا قال بعت بما اشتريت لم يدخل فيه سوى الثمن وإذا قال بما قام على دخل فيه مع الثمن أجرة الكيال والدلال والحمال والحارث والقصار والرفا والصباغ وقيمة الصبغ وأجرة الختان وتطيين الدار وسائر المؤنات التى تلزم للاسترباح وألحق بها كراء البيت الذى فيه المباع * قال الامام لان التربص ركن في التخاير وانتظار الاسعار (وأما) المؤنات التى يقصد بها استبقاء الملك دون الاسترباح كنفقة العبد وكسوته وعلف الدابة فلا تدخل فيه ويقع في ذلك مقابلة المنافع والفوائد المستوفاة من المبيع وفي التتمة حكاية وجه أنها تدخل أيضا والمشهور الاول نعم العلف الزائد للتسمين يدخل فيه ذكره القاضي حسين وغيره وأجرة الطبيب إن اشتراه مريضا كأجرة القصار ونحوها لازدياد قيمته بزوال المرض وإن حدث المرض في يده فهى كالنفقة وفي مؤنة السائس تردد عند الامام (والاظهر) إلحاقها بالعلف * ولو قصر الثوب بنفسه أو كال أو حمل أو طين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 7 الدار بنفسه لم تدخل الاجرة فيه لان السلعة لا تعد قائمة عليه إلا بما بذل وكذا لو كان البيت ملكه وكذا لو تطوع متطوع بالعمل أو باعارة البيت فان أراد اشتراك ذلك فسبيله أن يقول اشتريت أو قام على بكذا وعملت فيه ما أجرته كذا وقد بعتك بهما وربحت كذا * (والعبارة الثالثة) أن يقول بعتك برأس المال وربح كذا فالمذهب الظاهر أنه كما لو قال بما اشتريت لان السابق إلي الافهام من رأس المال الثمن وعن القاضي أبى الطيب أنه كما لو قال بما قام على وهو اختيار ابن الصباغ * وذكر صاحب التتمة أن المكس الذى يأحذه السلطان يدخل في لفظه القيام وان في دخول الفداء إذا جنى العبد ففداه وجهين والذى أورده الاكثرون أنه لا يدخل فداء الجناية ولا ما أعطاه واسترد به المغصوب في شئ من الالفاظ والعبارات الثلاث تجرى في المحاطة جريانها في المرابحة * قال (فلو كان مقدار ما اشترى به أو ما قام عليه مجهولا للمشترى الثاني عند العقد بطل (و) عقده) * ينبغى أن يكون رأس المال أو ما قامت به السلعة عليه معلوما عند المتبايعين في بيع المرابحة فان تبايعا وأحدهما جاهل به ففي صحة العقد وجهان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه لا يصح للجهل بالثمن كما في غير المرابحة وعلى هذا فلو أزيلت الجهالة في المجلس لم ينقلب العقد صحيحا وفيه وجه أنه ينقلب صحيحا وبه قال أبو حنيفة (والثاني) أنه يصح لان الثمن فيه مبنى على الثمن في العقد الاول الجزء: 9 ¦ الصفحة: 8 الرجوع إليه سهل فصار كالشفيع يطلب الشفعة قبل الاحاطة بمبلغ الثمن يجوز لسهولة معرفته وعلى هذا ففي اشتراط إزالة الجهالة في المجلس وجهان * ومهما كان الثمن دراهم معينة غير معلومة الوزن ففى جواز بيعه مرابحة الخلاف المذكور (والاصح) المنع حتى يعرف * وإذا تأملت ما ذكرنا تبين لك أن قوله للمشترى الثاني ليس لتخصيص الحكم بالمشترى بل لو كان مجهولا للبائع لكان الحكم كذلك * قال (ويجب (ح) على البائع حفظ الامانة بالصدق في قدر ما اشترى به وبالاخبار عما طرأ في يده من عيب منقص أو جناية (ح) ولا يلزمه الاخبار عن الغبن (و) في العقد ولا عن البائع وإن كان ولده (ح و) ويجب ذكر تأجيل الثمن) * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 9 بيع المرابحة مبنى على الامانة لاعتماد المشترى نظر البائع واستقصاه ورضاه لنفسه ما رضيه البائع مع زيادة يبذلها فعلى البائع الصدق في الاخبار عما اشترى به وعما قام به عليه ان كان يبيع بلفظ القيام * ولو اشتري بمائة وخرج عن ملكه ثم اشتراه بخمسين فرأس ماله خمسون ولا يجوز ضم الثمن الاول إليه * ولو اشتراه بمائة وباعه بخمسين ثم اشتراه ثانيا بمائة فرأس ماله مائة ولا يجوز أن يخبر بمائة وخمسين من قبل خسارته خمسين * ولو اشتراه بمائة وباعه بمائة وخمسين ثم اشتراه بمائة فان كان يبيعه مرابحة بلفظ رأس المال أو بلفظ ما اشتريت أخبر بمائة ولا يلزمه أن يحط منه ربح البيع الاول كما لم يجز في الصورة الاولى ضم الخسران إلى المائة * وعن أبى حنيفة وأحمد أنه يجب حط ربح البيع الاول * وإن باعه بلفظ قام على فوجهان (أحدهما) ويحكى عن ابن سريج أنه لا يخبر إلا بخمسين فان أهل العرف يعدون السلعة والحالة هذه قائمة عليه بذلك (وأصحهما) أنه يخبر بمائة لان الملك الاخير قائم عليه بمائة * ويكره أن يواطئ وكيله ببيع ما اشتراه منه ثم يشتريه بأكثر ليخبر به في المرابحة ولو فعل قال ابن الصباغ يثبت للمشترى الخيار وخالفه غيره * ولو اشترى سلعة ثم قبل لزوم العقد ألحقا بالثمن زيادة أو نقصانا وصححناه فالثمن ما استقر عليه العقد وإن حط عنه بعض الثمن بعد لزوم العقد وباع بلفظ ما اشتريت لم يلزمه حط المحطوط عنه خلافا لابي حنيفة وإن باعه بلفظ قام على لم يخبر إلا بالباقي فان حط الكل لم يجز بيعه مرابحة بهذا اللفظ ولو حط عنه بعض الثمن بعد جريان المرابحة لم يلحق الحط المشترى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 10 منه * وعن الشيخ أبي محمد وجه أنه يلحق كما في التولية والاشراك * ولو اشتري شيأ بعرض وباعه مرابحة بلفظ الشراء أو بلفظ القيام ذكر أنه اشتراه بعرض قيمته كذا ولا يقتصر علي ذكر القيمة لان البائع بالعرض يشدد فوق ما يشدد البائع بالنقد * ولو اشتراه بدين على البائع فان كان مليا غير مماطل لم يجب الاخبار عنه وإن كان مماطلا وجب لانه يشترى من مثله بالزيادة للتخلص من التقاصى * ويجوز أن يبيع مرابحة بعض الشئ الذى اشتراه ويذكر قسطه من الثمن وكذا لو اشترى قفيزى حنطة ونحوها وباع احداهما مرابحة * ولو اشترى عبدين أو ثوبين وأراد بيع أحدهما مرابحة فسبيله أن يعرف قيمة كل واحد منهما يوم الشراء ويوزع الثمن على القيمتين ثم يبيعه بحصته من الثمن وقال أبو حنيفة لا يجوز بيع أحدهما مرابحة لان التوزيع بالقيمة تخمين ثم في الفصل صور (إحداها) يجب الاخبار عن العيوب الطارئة في يده سواء حدث العيب بآفة سماوية أو بجنايته أو بجناية أجنبي لان المشترى يبنى العقد على العقد الاول ويتوهم بقاء المبيع على ما كان ولا فرق بين ما ينقص العين وما ينقص القيمة كما في الرد وعن أبى حنيفة أنه لا يجب الاخبار عن العيب الحادث بالآفة السماوية * ولو اطلع على عيب قديم واختار امساكه ذكره في بيع المرابحة ولو تعذر رده لعيب حادث وأخذ الارش فان باعه مرابحة بلفظ قام على حط الارش وان باعه بلفظ ما اشتريت ذكر ما جرى به العقد ويجب أن يذكر أيضا العيب واسترداد الارش فان الارش المسترد جزء من الثمن * ولو أخذ أرش الجناية ثم باعه فان باع بلفظ ما اشتريت ذكر الثمن وأخبر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 11 بالجناية وإن باع بلفظ قام على فوجهان (أحدهما) أنه نازل منزلة الكسب والزيادات والمبيع قائم عليه بتمام الثمن (وأصحهما) أنه يحط الارش من الثمن كارش العيب والمراد من الارش هاهنا قدر النقصان لا المأخوذ بتمامه فإذا قطعت يد العبد وقيمته مائة فنقص منها ثلاثون يأخذ خمسين ويحط من الثمن ثلاثين لا خمسين وحكى الامام وجها آخر أنه يحط جميع المأخوذ من الثمن * ولو نقص من القيمة أكثر من الارش المقدر حط ما أخذ من الثمن وأخبر عن قيامه عليه بالباقي وأنه نقص من قيمته كذا (الثانية) إذا كان قد اشتراه بغبن فهل يلزمه الاخبار عنه فيه وجهان (أصحهما) عند الامام وهو المذكور في الكتاب أنه لا يلزم لانه باع ما اشترى كما اشترى (والثانى) يلزم لان المشتري منه اعتمد على نظره ويعتقد أنه لا يحتمل الغبن فليخبره ليكون على بصيرة من أمره وقضية كلام الاكثرين ترجيح هذا الوجه لامرين (أحدهما) أنهم قالوا لو اشتراه بدين من مماطل وجب الاخبار عنه لان الغالب أنه يشترى من مثله بالزيادة وقد مر ذلك (والثانى) أنهم قالوا لو اشترى من ابنه الطفل وجب الاخبار عنه لان الغالب في مثله الزيادة في الثمن نظرا للطفل واحترازا عن التهمة فإذا وجب الاخبار عند طن الغبن فلان يجب عند تعيينه كان أولى وإن اشتراه من ولده البالغ أو من أبيه فاصح الوجهين باتفاق الائمة لا يجب الاخبار عنه كما لو اشترى من وزجته أو مكاتبه وفي الشامل ما يقتضى ترددا في المكاتب وعند أبى حنيفة وأحمد إذا اشتراه من ابنه أو أبيه وجب الاخبار عنه (الثالئة) إذا اشتراه بثمن مؤجل وجب الاخبار عنه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 12 للتفاوت الظاهر بين المؤجل والمعجل في المالية وفي البيان حكاية وجه غريب أنه لا يجب التعرض له (الرابعة) لا يجب الاخبار عن وطئ الثيب ولا عن مهرها الذى تأخذه ولا عن الزيادات المنفصلة كالولد واللبن والصوف والثمرة ولو كانت حاملا يوم الشراء أو كان في ضرعها لبن أو على ظهرها صوف أو على النخلة طلع فاستوفاها حط بقسطها من الثمن وهذا في الحمل مبنى على أنه يقابله قسط من الثمن * قال (فان كذب في شئ من ذلك ففى استحقاق حط قدر التفاوت قولان فان قلنا لا يحط فله الخيار لكونه مظلوما بالتلبيس إلا إذا كان عالما بكذبه والاصح أن الاخيار للبائع ان قلنا يحط ولا للمشتري) * إذا قال اشتريته بمائة وباعه مرابحة ثم بان أنه اشتراه بتسعين إما باقراره أو بالبينة فالبيع صحيح على المذهب لان غاية ما فيه التغرير والتدليس وذاك لا يمنع صحة البيع كما لو روج عليه معيبا وعن رواية القاضي أبى حامد وغيره وجه أنه لا يصح لكون الثمن مجهولا عند العقد ويحكى هذا عن مالك * وإذا قلنا بظاهر المذهب فلا يخلو كذبه في هذا الاخبار إما أن يكون خيانة أو غلطا أما في الحالة الاولى فقولان منصوصان في اختلاف العراقيين (اصحهما) وهو المنقول في المختصر وبه قال أحمد إنا نحكم بانحطاط الزيادة وحصتها من الربح لانه تمليك باعتبار الثمن الاول فيحط الزائد عليه كما في الشفعة (والثانى) وبه قال أبو حنيفة أنا لا نحكم لانه سمى ثمنا معلوما وعقد به العقد فليجب وان كان ملبسا (وأما) في الحالة الثانية فالمنصوص القول الاول والثانى مخرج من مثله في الحالة الاولى * (التفريع) ان حكمنا بالانحطاط فهل للمشترى الخيار نقل المزني أنه يثبت وقال في اختلاف العراقيين لا يثبت فمن الاصحاب من قال في المسألة قولان (أظهرهما) انه لا خيار له لانه قد رضى بالاكثر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 13 فاولى أن يرضى بالاقل (والثانى) وبه قال أبو حنيفة أنه يثبت الخيار لانه إن بان كذبه بالاقرار لم يؤمن كذبه ثانيا وثالثا وإن بان بالبينة فقد تخالف الظاهر والباطن وأيضا فقد يكون له غرض في الشراء بذلك المبلغ لتحلة قسم وانفاذ وصية ونحوهما ومنهم من حمل النص الاول على ما إذا تبين كذب البائع بالبينة والثانى على ما إذا تبين باقراره والفرق أنه إذا ظهر بالبينة خيانته لم تؤمن خيانته من وجه آخر والاقرار يشعر بالامانة وبذل النصح والطريقة الاولى أظهر (فان قلنا) لا خيار له فامسك بما يبقي بعد الحط فهل للبائع الخيار فيه وجهان وقيل قولان (أحدهما) نعم لانه لم يسلم له ما سماه في العقد (وأظهرهما) لا إذ يبعد ان يصير تلبيسه أو غلطه سببا لثبوت الخيار له ومنهم من خص الوجهين بصورة الخيانة وقطع بثبوت الخيار عند الغلط فأن حكمنا بعدم الانحطاط فللمشترى الخيار لان البائع قد غره إلا أن يكون عالما بكذب البائع فيكون كما لو اشترى معيبا وهو عالم بعيبه وإذا أثبت الخيار فلو قال البائع لا تفسخ فانى أحط الزيادة عنك ففى سقوط خياره وجهان وجميع ما ذكرناه فيما إذا كان المبيع باقيا أما إذا ظهر الحال بعد هلاك المبيع فان القاضى الماوردى ذكر انه تنحط الخيانة وحصتها من الربح قولا واحدا والظاهر جريان القولين في الانحطاط (فان قلنا) بالانحطاط فلا خيار للمشترى لان البائع قد لا يزيد القيمة فالفسخ ورد القيمة يضربه (وأما) البائع فان لم يثبت له الخيار عند بقاء السلعة فكذلك هاهنا وإن أثبتناه ثم ثبت هاهنا كما لو وجد بالعبد عيبا والثوب الذى هو عرضه تالف * (وإن قلنا) بعدم الانحطاط فهل للمشترى الفسخ فيه وجهان (أظهرهما) كما لو عرف العيب بعد تلف المبيع ولكن يرجع بقدر التفاوت وحصته من الجزء: 9 ¦ الصفحة: 14 الربح كما يرجع بارش العيب وعن أبى حنيفة انه لا يفسخ ولا يرجع بشئ * ولو كان قد اشتراه بثمن مؤجل وحال فلم يتبين كونه مؤجلا لم يثبت الاجل في حق المشتري الثاني ولكن له الخيار وكذلك إذا ترك ذكر شئ آخر مما يجب ذكره * (وقوله) في الكتاب فان كذب في شئ من ذلك ففى استحقاق حط قدر التفاوت قولان يقتضى اثبات الخلاف فيما إذا أخبر عن سلامة المبيع وكان معيبا أو عن حلول الثمن وكان مؤجلا كما لو أخبر عن القدر كاذبا وقد صرح في الوسيط بذلك فيما إذا لم يخبر عن العيب فضلا عن أن يخبر عن السلامة كاذبا ولكن لم أر لغير المصنف رحمه الله تعرضا لذلك فان ثبت الخلاف فالسبيل على قول الحط النظر إلى القيمة وتقسيط الثمن عليها والله أعلم * (قال ولو كذب بنقصان الثمن وصدقه المشترى فالاصح أن لا تلحقه الزيادة إذ العقد لا يحتمل الزيادة ولكن للبائع الخيار إن صدقه المشترى * وان كذبه فلا تسمع بينته ودعواه لانه على نقيض ما سبق منه * وان ذكر وجها مخيلا في الغلط فتسمع دعواه علي رأى لبعض الاصحاب متجه) * تكلمنا فيما إذا كذب المشتري في قدر الثمن بالزيادة غلطا أو خيانة أما إذا كذب بالنقصان بان قال كان الثمن أو رأس المال أو ما قامت به السلعة على مائة وباع مرابحة ثم عاد وقال غلطت وانما هو مائة وعشرة فننظر إن صدقه المشترى ففيه وجهان (أحدهما) أنه يصح البيع كما لو غلط بالزيادة (واصحهما) عند الامام وصاحب التهذيب انه لا يصح لتعذر امضائه فان العقد لا يحتمل الزيادة وأما النقصان فهو معهود بدليل الارش (فان قلنا) بالاول فاصح الوجهين أن الزيادة لا تثبت ولكن للبائع الخيار (والثانى) أنها تثبت مع ربحها وللمشترى الخيار (وقوله) في الكتاب فالاصح أن العقد لا يحتمل الزيادة إلى آخره أراد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 15 به الوجهين الاخيرين المفرعين على وجه الصحة وذلك جواب منه بالصحة وهو الذي أورده القاضى الماوردى (وقوله) آخرا إن صدقه المشترى تكرار غير محتاج إليه فانه تبين ذلك في التصوير أولا * وان كذبه المشترى فهذا يفرض على وجهين (أحدهما) أن لا يبين للغلط وجها مخيلا فلا يقبل قوله ولو أقام عليه بينة لا تسمع دعواه لان اعترافه بان الثمن مائة يكذب قوله الثاني وبينته * فلو زعم أن المشترى عارف بصدقه والتمس تحليفه على أنه لا يعرف ذلك فوجهان في أنه هل يجاب (أحدهما) لا يجاب كما لا تسمع بينته (والثانى) يجاب لانه ربما يقر عند عرض الثمن عليه فعلى هذا إن نكل هل ترد اليمين على المدعي فيه وجهان بناء على أن اليمين المردودة بعد نكول المدعى عليه كالاقرار من جهة المدعي عليه أو كالبينة من جهة المدعى وهذا أصل يشرح في موضعه * فعلى الاول يرد وعلى الثاني لاثم إذا قلنا بتحليف المشترى فانما يحلف على نفي العلم فان حلف أمضى العقد على ما حلف عليه وإن نكل ورددنا اليمين فالبائع يحلف على القطع وإذا حلف فللمشترى الخيار بين إمضاء العقد بما حلف عليه وبين الفسخ كذا أطلقوه وقضية تنزيله منزلة إقرار المدعى عليه أن يعود فيه ما ذكرنا في حالة التصديق (والثانى) أن يتبين للغلط وجها مخيلا مثل أن يقول ما كنت اشتريته بنفسى وإنما اشتراه وكيلى وأخبرني أن الثمن مائة فبان خلافه أو ورد على كتاب منه فبان مزورا أو أن يقول راجعت جريدتي فغلطت من ثمن متاع إلى غيره فتسمع دعواه للتحليف لان بيان هذه الاعذار يحرك ظن صدقه ومنهم من طرد الخلاف في التحليف وسماع البينة يترتب على التحليف ان قلنا لا تحليف فالبينة أولى ألا تسمع وان قلنا له التحليف ففى البينة وجهان (والاظهر) أنها تسمع أيضا وقوله في الكتاب فلا تسمع بينته ودعواه جواب على أنه ليس له التحليف والا فالتمكين من التحليف يتضمن سماع البينة والاصغاء الجزء: 9 ¦ الصفحة: 16 إليها وعلى مقابلته قوله فتسمع دعواه على رأى يشعر بسماع البينة وجواز التحليف والله أعلم * (فرع) قوله في المرابحة بعتك بكذا يقتضي أن يكون الربح من جنس الثمن الاول ولكن يجوز أن يجعل الربح من غير جنس الاصل ولو قال اشتريت بكذا أو بعتك به وربح درهم على كل عشرة فالربح يكون من نقد البلد لاطلاقه الدرهم والاصل مثل الثمن سواء كان من نقد البلد أو غيره * (فرع) لو أتهب بغير عوض لم يجز بيعه مرابحة الا أن يبين القيمة ويبيع بها مرابحة وان اتهب بشرط الثواب ذكره وباع به مرابحة وإذا أجر دارا بعبد أو نكحت على عبد أو خالع زوجته عليه أو صالح عن الدم عليه لم يجز بيع العبد مرابحة بلفظ الشراء ويجوز بلفظ قام على وبذكره في الاجارة أجرة مثل الدار وفي النكاح والخلع مهر المثل وفى الصلح عن الدم الدية * وأعلم أن الائمة اطبقوا على تصوير المرابحة فيما إذا قال بعت بما اشتريت وربح كذا أو بما قام علي ولم يذكروا فيه خلافا وفيما إذا أوصي لانسان بنصيب ابنه ذكروا وجها أنه لا يصح إذا قال بمثل نصيب ابني فكأنهم اقتصروا ههنا على إيراد ما هو الاصح والا فلا فرق بين البابين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 17 (قال القسم الثالث ما يطلق في المبيع وهى ستة الفاظ (الاول) لفظ الارض وفى معناها العرصة والساحة والبقعة ولا تندرج تحتها الاشجار والبناء على أصح القولين إلا إذا قال بعت الارض (و) بما فيها) * ذكر في هذا القسم الفاظا تمس الحاجة إلى معرفعة ما يندرج فيها وما لا يندرج (منها) الارض والعرصه والساحة والبقعة فإذا قال بعتك هذه الارض وكان فيها أبنية وأشجار نظران قال دون ما فيها من البناء والشجر لم تدخل هي في البيع وان قال بعتكها بما فيها دخلت الابنية والاشجار وكذا لو قال بعتكها بحقوقها على المشهور وحكي الامام وجها أنها لا تدخل وحقوق الارض الممر ومجري الماء وما أشبههما وان أطلق فنصه ههنا أنها تدخل ونص فيما لو رهن الارض وأطلق انها لا تدخل وللاصحاب فيها طرق (أحدها) ان فيهما قولين بالنقل والتخريج (وجه) الدخول انها للدوام والثبات في الارض فأشبهت أجزاء الارض ولهذا يلحق بها في الاخذ بالشفعه (ووجه) المنع خروجها عن مسمى الارض (والثانى) تقرير النصين والفرق ان البيع قوى لازالة الملك فيستتبع الشجر والبناء والرهن بخلافه ولهذا يكون النماء الحادث من أصل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 18 المبيع للمشترى ولم يكن النماء الحادث من أصل المرهون مرهونا (والثالث) ويحكي عن ابن سريج القطع بعدم الدخول في البيع والرهن جميعا ونصه ههنا محمول على ما إذا قال بحقوقها وكذا الحكم في الرهن لو قال بحقوقها وما الاظهر من هذا الخلاف (ذكر) صاحب الكتاب ان الاصح انها لا تدخل اقتدء بامام الحرمين ولا شك أنه أوضح في المعني لكن عامة الاصحاب رحمهم الله على ان ظاهر المذهب دخولها ورأوا أصح الطرق تقرير النصين والله أعلم * قال (وأصول البقول كالاشجار والزورع لا تندرج قطعا ولا البذر وان كان كامنا (والاصح) أنها لا تمنع صحة بيع الارض كما لو باع دارا مشحونة بأمتعة نعم إن جهل المشترى فله الخيار لتضرره بتعطيل المنفعة (والاصح) انه يدخل في ضمان المشترى (ح) ويده بالتسليم إليه وان تعذر انتفاعه بسبب الزرع) * في الفصل مسألتان (إحداهما) الزرع ضربان (الاول) ما لا تؤخذ ثمرته وفائدته مرة بعد أخرى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 19 وانما يؤخذ دفعة واحدة كالحنطة والشعير فلا يدخل في مطلق بيع الارض لانه ليس للثبات والدوام وكان كمنقولات الدار ويصح بيع الارض وان كانت مزروعة على اصح الطريقين كما لو باع دارا مشحونة بأمتعة ولا يخرج على الخلاف في بيع الدار المستأجرة لان يد المستأجر حائلة ثم (ومنهم) من خرجه علي القولين * قال الجمهور ولو كان في معني تلك الصورة لوجب أن يقطع بالفساد لان مدة بقاء الزرع مجهولة وإذا قلنا بالصحيح فللمشترى الخيار ان كان جاهلا بالحال بأن كانت رؤية الارض سابقة علي البيع وان كان عالما فلا خيار له وهل نحكم بصيرورة الارض في يد المشترى ودخولها في ضمانه إذا خلى البائع بينه وبينها فيه وجهان (أحدهما) لا لانها مشغولة بملك البائع كما ذكرنا فيما إذا كانت الدار المبيعة مشحونة بأمتعة البائع فيما قبل (وأظهرهما) نعم لحصول التسليم في الرقبة وهى المبيعة ويخالف صورة الاستشهاد لان التفريع ثم متأت في الحال على أن الامام أورد في تلك الصورة وجها أيضا وادعى أنه ظاهر المذهب وإذا كان في الارض جزر أو فجل أو سلق أو ثوم لم تدخل في بيع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 20 الارض كالحنطة والشعير وكل زرع لا يدخل في البيع لا يدخل وان قال بعت الارض بحقوقها يحكى ذلك عن الشيخ أبى حامد ورأيته لمنصور التميمي في المستعمل أيضا ولا يؤمر البائع بقطع الزرع الذى يبقي له في الحال بل له ابقاؤه إلى أوان الحصاد خلافا لابي حنيفة وعند وقت الحصاد يؤمر بالقطع والتفريغ وعليه تسوية الارض وقلع العروق التى يضر بقاؤها بالارض كعروق الذرة تشبيها بما إذا كان في الدار أمتعة لا يتسع لها باب الدار ينقض وعلى البائع ضمانه (الضرب الثاني) ما تؤخذ ثمرته وفائدته مرة بعد أخرى في سنتين أو أكثر كالكرسف الحجازى والنرجس والبنفسج فالظاهر من ثمارها عند بيع الارض يبقى للبائع وفى دخول الاصول الخلاف الذي سبق في الاشجار وفى النرجس والبنفسج وجه أنهما من الضرب الاول * وما يجز مرارا كالقت والقصب والهندبا والنعناع والكرفس والطرخون تبقي جزتها الظاهرة عند البيع للبائع وفي دخول الاصول الخلاف وعن الشيخ أبى محمد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 21 القطع بأنها تدخل في بيع الارض لانها كامنة فيها نازلة منزلة اجزائها بخلاف الاشجار فيجوز أن نعلم لذلك قوله في الكتاب (وأصول البقول كالاشجار) بالواو وإذا قلنا بدخولها فليشترط على البائع قطع الجزة الظاهرة لانها تزيد ويشتبه المبيع بغيره ولا فرق بين أن يكون ما ظهر بالغا أو ان الجز أولا يكون قال في التتمة إلا القصب فانه لا يكلف بقطعه الا أن يكون ما ظهر قدرا ينتفع به ولو كان في الارض اشجار خلاف ما يقطع من وجه الارض فهى كالقصب (المسألة الثانية) لو كانت الارض المبيعة مبذورة ففى البذر الكامل مثل التفصيل المذكور في الزروع فالبذر الذى لا ثبات لنباته ويؤخذ دفعة واحدة لا يدخل في بيع الارض ويبقى إلى أوان الحصاد وللمشترى الخيار ان كان جاهلا به فان تركه البائع له سقط حق خياره وعليه القبول ولو قال آخذه وأفرغ الارض سقط خياره أيضا ان أمكن ذلك في زمان يسير * والبذر الذى يدوم نباته كنوي النخل والجوز واللوز وبذر الكراث الجزء: 9 ¦ الصفحة: 22 ونحوه من البقول حكمه في الدخول تحت بيع الارض حكم الاشجار وجميع ما ذكرنا في المسألتين مفروض فيما إذا أطلق بيع الارض فأما إذا باعها مع الزرع أو البذر فانا نورده في خلال اللفظ السادس إن شاء الله تعالى * قال (والحجارة ان كانت مخلوقة في الارض اندرجت وان كانت مدفونة فلا وعلى البائع النقل والتفريغ وتسوية الحفر فان كانت تتعيب به الارض أو تتعطل به منفعة في مدة النقل فله الخيار عند الجهل فان أجاز فالاظهر أن له طلب أجرة المنفعة في هذه المدة وفي مدة بقاء الزرع وكذلك له طلب أرش التعيب فان ترك البائع الحجارة بطل خيار المشترى لانه غير متضرر بالبقاء ثم لا يملكه بمجرد الاعراض (و) الا إذا جري لفظ الهبة وشرطها) * الحجارة أن كانت مخلوقة في الارض أو مثبتة دخلت في بيع الارض * وان كانت تضر بالزرع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 23 والغرس فقد ذكرنا في عداد العيوب أنه عيب إذا كانت الارض مما تقصد لذلك وفيه وجه أنه ليس بعيب وانما هو فوات فضيلة وان كانت مدفونة فيها لم تدخل في البيع كالكنوز والاقمشة في الدار ثم لا يخلو (أما) أن يكون المشتري عالما بالحال أو جاهلا (فان) كان عالما فلا خيار له في فسخ العقد وان تضرر يقلع البائع وله اجبار البائع على القلع والنقل تفريغا لملكه بخلاف الزرع فان له أمدا ينتظر ولا أجرة للمشتري في مدة القلع والنقل وان طالت كما لو اشتري دارا فيها أقمشة وهو عالم بها لا أجرة له في مدة النقل والتفريغ ويجب على البائع إذا نقل تسوية الارض * وان كان جاهلا فللحجارة مع الارض أربعة أحول (الحالة الاولى) أن لا يكون في قلعها ولا في تركها ضرر بان لم يحوج النقل وتسوية الارض إلى مدة لمثلها اجرة ولم تنقص الارض بها فللبائع النقل وعليه تسوية الارض ولا خيار للمشتري وله اجبار البائع على النقل وحكى الامام وجها أنه لا يجبر والخيرة للبائع والمذهب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 24 الاول (الحالة الثانية) أن لا يكون في قلعها ضرر ويكون في تركها ضرر فيؤمر البائع بالنقل ولا خيار للمشترى كما لو اشترى دارا فلحق سقفها خلل يسير يمكن تداركه في الحال أو كانت منسدة البالوعة فقال البائع أنا أصلحه وأتقنها فلا خيار للمشترى (الثالثة) أن يكون القلع والترك جميعا مضرين فللمشترى الخيار سواء جهل أصل الاحجار أو كون قلعها مضرا ولا يسقط خياره بأن يترك البائع الاحجار لما في نقلها من الضرر وهل يسقط بأن يقول للمشترى لا تفسخ لاغرم لك أجرة المثل لمدة النقل فيه وجهان (عن) روايه صاحب التقريب (أصحهما) لا كما لو قال البائع لا تفسخ البيع بالعيب لاغرم لك الارش ثم إن أجاز المشترى البيع فعلي البائع النقل وتسوية الارض سواء كان النقل قبل القبض أو بعده وهل تجب أجرة المثل لمدة النقل إن كان النقل قبل القبض فيبني على أن جناية البائع قبل القبض كآفة سماوية أو كجناية الاجنبي (إن قلنا) بالاول لم تجب (وإن قلنا) بالثاني فهو كما لو نقل بعد القبض وان كان النقل بعد القبض فوجهان (أصحهما) عند الشيخ أبى حامد أنها الجزء: 9 ¦ الصفحة: 25 لا تجب لان اجازته رضي بتلف المنفعة في مدة النقل (وأصحهما) على ما يقتضيه كلام الاكثرين وبه قال أبو إسحق أنها تجب كما لو جني على المبيع بعد القبض عليه ضمانه وقد يختصر فيقال في وجوب الاجرة ثلاثة أوجه (ثالثها) وهو الاظهر الفرق بين أن يكون النقل قبل القبض فلا تجب أو بعده فتجب ويجرى مثل هذا الخلاف في وجوب الارش لو بقى في الارض بعد التسوية نقصان وعيب وفي مأخذ الخلاف في الارش ولزوم التسوية مزيد كلام مذكور في الغصب (الرابعة) أن يكون في قلعها ضرر ولا يكون في تركها ضرر فللمشترى الخيار فان أجاز ففى الاجرة والارش ما مر ولا يسقط خياره بأن يقول للبائغ اقلع واغرم الاجرة أو أرش النقص قاله في التهذيب ويجئ فيه مثل الخلاف المذكور في الحالة الثالثة ولو رضى بترك الاحجار في الارض سقط خيار المشترى إبقاء للعقد ثم ينظر إن اقتصر على قوله تركتها إلى المشترى فهو تمليك أو مجرد إعراض لقطع الخصومة فيه وجهان كالوجهين في ترك النقل على الدابة المردودة بالعيب (أحدهما) أنه تمليك ليكون سقوط الخيار في الجزء: 9 ¦ الصفحة: 26 مقابلة ملك حاصل (وأظهرهما) وهو الذي ذكره في الكتاب أنه قطع للخصومة لا غير (فان قلنا) بالاول فلو قلعها المشترى يوما فهي له ولو بدأ البائع في تركها لم يمكن الرجوع (وان قلنا) بالثاني فهي للبائع ولو أراد الرجوع قال الاكثرون له ذلك ويعود خيار المشترى وقال الامام لا رجوع ويلزمه الوفاء بالترك وان قال وهبتها منك فان رآها من قبل واجتمعت شرائط الهبة حصل الملك ومنهم من طرد الخلاف لانه لا يبغى حقيقة الهبة وانما يقصد دفع الفسخ وان لم تجتمع شرائط الهبة ففي صحتها للضرورة وجهان (إن) صححناها ففي افادة الملك ما ذكرنا في لفظ الترك * واعلم أن جميع ما ذكرنا فيما إذا كانت الارض بيضاء أما إذا كان فيها غراس فينظر إن كانت حاصلة يوم البيع واشتراها مع الارض فنقصان الاشجار وتعيبها بالاحجار كتعيب الارض في إثبات الخيار وسائر الاحكام وان أحدثها المشترى بعد الشراء فينظر ان أحدثها عالما بالاحجار فللبائع قلعها وليس عليه نقصان ضمان الغراس وان أحدثها جاهلا ففي ثبوت الخيار وجهان (وجه) الثبوت ان الضرر ناشئ من إيداعه الاحجار الجزء: 9 ¦ الصفحة: 27 في الارض (والاصح) إنه لا يثبت لرجوع الضرر إلى غير المبيع فان كانت الارض تنقص بالاحجار أيضا نظر إن لم يورث الغرس وقلع المغروس نقصانا في الارض فله القلع والفسخ وان أورث الغراس أو القلع نقصانا فلا خيار في الفسخ إذ لا يجوز له رد المبيع ناقصا ولكن يأخذ الارض وإذا قلع البائع الاحجار فانتقص الغراس فعليه أرش النقص بلا خلاف ولو كان فوق الاحجار زرع اما للبائع أو للمشترى ففى التهذيب أنه يترك إلى أوان الحصاد لان له غاية منتظرة بخلاف الغراس ومنهم من سوى بينه وبين الغراس * إذا تقرر فقه الفصل فالحاجة بعده إلى معرفة ما ذكر في الكتاب واحلال كل شئ محله (أما قوله) وعلى البائع النقل والتفريغ وتسوية الحفر فاعلم ان الجمع بين النقل والتفريغ ضرب ايضاح والا فنقل الحجارة عن الموضع دون التفريغ محال ثم الكلام مجرى على اطلاقه في صورة العلم باشتمال الارض على الاحجار المدفونة وكذا في صورة الجهل حيث لا يثبت الخيار وحيث ثبت فكذلك إن أجاز المشترى (وأما) إذا فسخ فلا يخفى أنه لا يكلف بالنقل وتسوية الحفر ثم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 28 تكلم الامام في أنهم لم أوجبوا تسوية الحفر على البائع وعلى الغاصب إذا حفر في الارض المغصوبة ولم يوجبوا على من هدم الجدار أن يعيده وانما أوجبوا الارش وأجاب عنه بأن طم الحفر لا يكاد يتفاوت وهيآت الابنية تختلف وتتفاوت فشبه ذلك بذوات الامثال وهذا بذوات القيم حتى لو رفع لبنة أو لبنتين من رأس الجدار وأمكن الرد من غير اختلاف في الهيئة كان ذلك كطم الحفيرة فهذا ما ذكره وفي وجوب الاعادة على هادم الجدار خلاف يذكر في كتاب الصلح (وقوله) فله الخيار عند الجهل محمول على الحالة الثالثة والرابعة (فأما) في الاولى والثانية فقد عرفت أنه لا خيار وقوله فالاظهر أن له طلب أجرة المنفعة في هذه المدة وفي مدة بقاء الزرع (أما) أجرة مدة النقل فقد تكلمنا فيها وبينا أن الاظهر الفرق بين أن يكون النقل قبل القبض أو بعده (وأما) في مدة بقاء الزرع فوجهان (عن) رواية صاحب التقريب الذى أورده المعظم أنه لا تجب الاجرة وتفع تلك المدة مستتناه كما لو باع دارا مشحونة بأقشمة لا يستحق المشترى الاجرة لمدة التفريغ (والثانى) وهو الاظهر عند صاحب الكتاب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 29 أنها تجب ولفظ المنفعة في قوله أجرة المنفعة حشو لا يضر اسقاطه إذ ليس الاجرة إلا عوض المنفعة (وقوله) وان ترك البائع الحجارة بطل خيار المشترى مصور في الحالة الرابعة لا غير لانه لا خيار للمشترى في الاولي والثانية حتى بفرض سقوطه (وأما) في الثالثة فقد ذكرنا أن ترك الحجارة لا يسقط الخيار وقوله لانه غير متضرر بالبقاء فيه إشارة إلى التصوير في الحالة المذكورة (وقوله) ثم لا يملكه بمجرد الاعراض معلم بالواو (وقوله) الا إذا جرى لفظ الهبة استثناء منقطع ويجوز أن يعلم قوله وشرطها بالواو للوجه الذى ذكرناه في أنه لا تعتبر اجتماع الشروط * قال (اللفظ الثاني الباغ وفى معناه البستان وهو مستتبع للاشجار ولا يتناول البناء على الاظهر (وأما) اسم القربة والدسكرة فيتناول البناء والشجر) * إذا قال بعتك هذا الباغ والبستان دخل في البيع الارض والاشحار والحائط وفي دخول البناء الذى فيه ما سبق في دخوله تحت الارض وفي العريش الذى توضع عليه القضبان تردد للشيخ أبى محمد والظاهر عند الامام دخوله وذكروا أن لفظ الكرم كلفظ البستان ولكن العادة في نواحينا إخراج الحائط عن مسمى الكرم وادخاله في مسمى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 30 البستان ولا يبعد أن يكون الحكم علي ما استمر الاصطلاح به ولو قال هذه الدار بستان دخلت الابنية والاشجار جميعا ولو قال هذا الحائط بستان أو هذه المحوطة دخل الحائط المحيط وما فيه من الاشجار وفي البناء الخلاف السابق هكذا ذكره في التهذيب ولا يتضح في لفظ المحوطة فرق بين الابنية والاشجار فليدخلا أو ليكونا على الخلاف ولو قال بعتك هذه القرية دخل في البيع الابنية والساحات التى تحيط بها الصور وفى الاشجار وسطها الخلاف. اختيار الامام وصاحب الكتاب دخولها بخلاف اختيارهما في لفظ الارض (وأما) المزارع فلا تدخل في البيع الا ترى أنه لو حلف أنه لا يدخل القرية لم يحنث بدخوله المزارع ولو قال بعتكها بحقوقها لم تدخل أيضا بل لابد من نص على المزارع وفى النهاية أنها تدخل وذكر القاضى ابن كج أنها تدخل إذا قال بحقوقها وهما غريبان والله أعلم * قال (اللفظ الثالث الدار ولا يندرج تحته المنقولات إلا مفتاح الباب استتناه صاحب التلخيص ويندرج تحته الثوابت وما أثبت من مرافق الدار للبقاء كالابواب والمغاليق تندرج وفي الاشجار الجزء: 9 ¦ الصفحة: 31 وحجر الرحي والاجانات المثبتة خلاف وفى معناها الرفرف والسلاليم المثبتة بالمسامير) * إذا قال بعتك هذه الدار دخل في المبيع الارض والابنية على تنوعها حتى يدخل الحمام المعدود من مرافقها وحكي عن نصه أن الحمام لا يدخل وحملوه على حمامات الحجاز وهى بيوت من خشب تنقل ولو كان في وسطها أشجار ففى دخولها ما سبق في دخولها تحت بيع الارض ونقل الامام في دخولها ثلاثة أوجه (ثالثها) الفرق بين أن يكثر بحيث يجوز تسمية الدار بستانا فلا يدخل في لفظ الدار وبين أن لا تكون كذلك فتدخل (وأما) الآلات في الدار فهى علي ثلاثة أنواع (أحدها) المنقولات كالدلو والبكرة والرشا والمجارف والسررو الرفوف الموضوعة على الاوتاد والسلاليم التى لم تسمر ولم تطين والاقفال والكنوز والدفاين فلا يدخل شئ منها في البيع نعم في مفتاح المغلاق المثبت وجهان (أحدهما) أنه كسائر المنقولات (وأصحهما) ويحكى عن صاحب التلخيص أنه يدخل لانه من توابع المغلاق المثبت وفي ألواح الدكاكين مثا هذين الوجهين لانها أبواب لها وان كانت تنقل وتردد في الفوقاني من حجر الرحى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 32 مثل هذين الوجهين ان أدخلنا التحتاني والاصح الدخول والثانى ما أثبت تتمة للدار ليدوم فيها ويبقي كالسقوف والابواب المنصوبة وما عليها من المغاليق والحلق والسلاسل والضبات تدخل في البيع فانها معدودة من أجزاء الدار (الثالث) ما أثبت على غير هذا الوجه كالرفوف والدنان والاجانات المثبتة والسلاليم المسمرة والاوتاد المثبتة في الارض والجدران والتحتاني من حجر الرحى وخشب القصار ومعجن الخباز ففى جميع ذلك وجهان (أصحهما) أنها تدخل لثباتها واتصالها (والثاني) لا تدخل لانها انما أثبتت لسهولة الارتفاق بها كى لا تتزعزع وتتحرك عند الاستعمال واشار الامام إلى القطع بدخول الحجرين في بيع الطاحونة وبدخول الاجانات المثبتة إذا باع باسم المدبغة والمصبغة وان الخلاف في دخولها تحت بيع الدار وفى التتمة أن أصل الخلاف في هذه المسائل الخلاف في تجويز الصلاة إلى العصا المغروزة في سطح الكعبة إن جوزنا فقد عددناها من البناء فتدخل والا فلا وهذا يقتضى التسوية بين اسم الدار والمدبغة (وقوله) في الكتاب وتندرج تحته الثوابت وما أثبت من مرافق الدار كأنه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 33 يعنى بالثوابت ما هو ثابت في نفسه من غير اثبات أو ما هو من ضرورات الدار وبما أثبت من المرافق ما سواها * (فروع) (أحدها) لا يدخل مسيل الماء في بيع الارض وكذا لا يدخل فيه شربها من القناة أو النهر المملوكين إلا أن يشرط أو يقول بحقوقها وحكى أبو عاصم العبادي وجها أنه لا يكفى ذكر الحقوق وإذا كان في الدار المبيعة بئر ماء دخلت في المبيع والماء الحاصل في البئر لا يدخل أما إذا لم نجعله مملوكا فظاهر وأما إذا جعلناه مملوكا فلانه نماء ظاهر فأشبه الثمار المؤبرة وفى النهاية حكاية وجه أنه يدخل إذا جعلناه مملوكا وينزل منزلة الثمار التى لم تؤبر لانه العرف فيه وان شرط دخوله في البيع صح على قولنا أن الماء مملوك بل لا يصح البيع دون هذا الشرط والا اختلط ماء المشترى بماء البائع وانفسخ البيع وذكر الخلاف في الماء وتفاريعه مؤخر إلى احياء الموات (الثاني) لو كان في الارض أو الدار معدن ظاهر كالنفط والملح والغاز والكبريت فهو كالماء وإن كان باطنا كالذهب والفضة دخل في البيع ألا أنه لا يجوز بيع ما فيه معدن الذهب والفضة من جهة الربا وفي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 34 بيعه بالفضة قولان للجمع في الصفقة الواحدة بين البيع والصرف (الثالث) باع دارا في طريق غير نافذ دخل حريمها في البيع وفى دخول الاشجار الخلاف الذى سبق وان كان في طريق نافذ لم يدخل الحريم ولا الاشجار في البيع بل لا حريم لمثل هذه الدار على ما سنذكر في أحياء الموات * قال * (اللفظ الرابع العبد ولا يتناول مال العبد (وان قلنا) أنه يملك بالتمليك وفي ثيابه التى عليه ثلاثة أوجه وفي (الثالث) يندرج ساتر العورة دون غيره والوجه الصحيح تحكيم العرف) * العبد إذا ملكه سيده مالا هل يملكه فيه قولان مذكوزان بتوجيههما في باب معاملات العبيد * إذا عرف ذلك فلو ملكه سيده مالا ثم باعه وشرط المال لنفسه فلا كلام وان أطلق بيعه لم يتبعه المال أيضا (أما) إذا قلنا أنه لا يملك فظاهر (وأما) إذا قلنا أنه يملك فلان اللفظ لا يتناول المال وهو بسبيل من الرجوع فيه وكان ترك التعرض للمال رجوعا * وان باعه مع المال (فان قلنا) أنه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 35 لا يملك ما ملكه اعتبر فيه شرائط المبيع حتى لو كان مجهولا أو غائبا لم يصح البيع وكذا لو كان ذهبا والثمن فضة أو بالعكس فهو على قول الجمع بين البيع والصرف (وان قلنا) أنه يملك فقد نص أن المال ينتقل إلى المشترى مع العبد وأنه لا بأس بكونه مجهولا أو غائبا ولم يحتمل ذلك عن أبى سعيد الاصطخرى أن المال تابع وقد يحتمل في البائع ما لا يحتمل في الاصل ألا ترى أن الجهل في الحمل واللبن التابعين محتمل وكذا الجهل بحقوق الدار * وعن ابن سريج وأبى اسحق أن المال ليس بمبيع لا أصلا ولا تبعا ولكن شرطه للمبتاع يبقيه له على العبد كما كان فللمشترى انتزاعه منه كما كان للبائع الانتزاع فعلى هذا لو كان المال ربويا والثمن من جنسه فلا بأس وعلى الاول لا يجوز ذلك ولا يحتمل الربا في البائع كما في الاصل وأصح المعنين عند الاصحاب الثاني * هذه إحدى مسألتي الفصل (والثانية) الثياب التى على العبد هل تدخل في بيعه فيه وجهان (أحدهما) لا تدخل أقتصار اعلى اللفظ كما أن السرج لا يدخل في بيع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 36 الدابة (والثانى) تدخل وعلى هذا فوجهان (أحدهما) أن ما عليه من الثياب تدخل اعتبارا بالعرف وبه قال أبو حنيفة (والثانى) يدخل ساتر العورة دون غيره (وقوله) في الكتاب والوجه الصحيح تحكيم العرف ربما أشعر بوجه رابع لكن المنقول ليس إلا الوجوه الثلاثة فهو إذن ترجيح لوجه دخول ما عليه من الثياب لكن صاخب التهذيب وغيره رجحوا الوجه السائر إلى أن شيئا منها لا يدخل في البيع وكذا قالوا في عذار الدابة (وأما) نعلها فيدخل وكذا برة الناقة إلا أن يكون من ذهب أو فضه * قال (اللفظ الخامس الشجر ويندرج تحته الاغصان والاوراق حتى ورق الفرصاد على الاصح وكذا العروق ويستحق الابقاء مغروسا ولا يستحق المغرس على الاصح من القولين ولكن يستحق منفعتها للابقاء) * في الفصل مسألتان (إحداهما) أغصان الشجرة تدخل في مطلق بيعها لانها معدودة من أجزاء الجزء: 9 ¦ الصفحة: 37 الشجرة نعم لا يدخل الغصن اليابس في بيع الشجرة الرطبة لان العادة فيه القطع كما في الثمار قال في التهذيب ويحتمل أن يدخل كالصوف على ظهر الغنم وتدخل العروق أيضا في مطلق بيع الشجرة وكذلك الاوراق إلا أن شجرة الفرصاد إذا بيعت في الربيع وقد خرجت أوراقها ففى دخولها تحت البيع وجهان (أصحهما) تدخل كما في غير وقت الربيع وكما في سائر الاشجار (وقال) أبو إسحق لا تدخل لانها كثمار سائر الاشجار وفى أوراق شجر النبق ذكر طريقين في التتمة (أظهرهما) أنها كاوراق غيرها من الاشجار (والثانى) أنها كاوراق الفرصاد لانها تلتقط ليغسل بها الرأس (الثانية) لو باع شجرة يابسة فعلى المشترى تفريغ الارض عنها للعادة (قال) في التتمة فلو شرط ابقاءها فسد البيع كما لو اشترى الثمرة بعد التأبير وشرط عدم القطع عند الجذاذ ولو باعها بشرط القلع أو القطع جاز وتدخل العروق في البيع عند شرط القلع ولا تدخل عند شرط القطع بل تقطع عن وجه الارض وان كانت الشجره رطبة فباعها بشرط الابقاء أو شرط القلع اتبع الشرط ولو أطلق جاز الابقاء أيضا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 38 للعادة كما لو اشترى بناء يستحق ابقاءه وهل يدخل المغرس في البيع وجهان. وقال الامام وصاحب الكتاب رحمهما الله قولان (أحدهما) ويحكي عن أبى حنيفة نعم لانه يستحق منفعته لا إلى غاية وذلك لا يكون إلا على سبيل الملك ولا وجه لتملكه إلا دخوله في البيع (وأصحهما) لا لان أسم الشجرة لا يتناوله وقد يستحق غير المالك المنفعة لا إلى غاية كما لو أعار جداره ليضع غيره الجذغ عليه فعلى الوجه الاول لو انقلعت الشجرة أو قلعها المالك كان له أن يغرس بدلها وله أن يبيع المغرس وعلى الثاني ليس له ذلك ويجرى الخلاف فيما لو اشترى أرضا وشرط البائع لنفسه شجرة منها ان المغرس يبقي له أم لا * قال (وان كان عليها ثمرة مؤبرة لم تندرج تحته وغير المؤبرة تندرج (ح) وفى معني المؤبرة كل ثمرة بارزة ظهرت للناظرين وإذا تأبر بعض الثمار حكم بانقطاع التبعية في الكل نظرا إلى وقت التأبير لعسر تتبع العناقيد هذا إذا اتحد النوع وشملت الصفقة فان اختلفا أو أحدهما ففيه خلاف المقصود) * بيان أن الثمرة متى تندرج في بيع الشجرة ومتى لا تندرج * والاصل في الباب ما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما الجزء: 9 ¦ الصفحة: 39 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من باع نخلة بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع) وروى أن رجلا ابتاع نخلا من آخر واختلفا فقال المبتاع أنا أبرته بعدما ابتعت وقال البائع أنا أبرته من قبل البيع فتحاكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى بالثمرة لمن أبر منهما) * وأول ما يحتاج إلى معرفته تفسير التأبير * اعلم أن النخيل فحول وأناث ومعظم المقصود من طلع الفحول استصلاح الاناث بها والذى يبدو منها اولا أكمة صغيرة ثم   (حديث) من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع. الشافعي عن ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه رواه مسلم واتفقا عليه من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر بلفظ قد أبرت وأخرجه الشافعي أيضا عن مالك قال الشافعي هذا الحديث ثابت عندنا وبه نأخذ (تنبيه) وقع في بعض تنسخ الرافعي قبل ان تؤبر وهو غلط من الناسخ وكذا عزاه ابن الرفعة في المطلب للمختصر فوهم وقد ذكره امام الحرمين في النهاية على المختصر على الصواب * (حديث) روي أن رجلا ابتاع نخلا من آخر واختلفا فقال المبتاع أنا أبرته بعد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 40 تكبر وتطول حتى تصير كأذن الحمر فإذا كبرت تشققت فتظهر العناقيد في أوساطها فيذر فيها طلع الفحول ليكون الحاصل من رطبها اجود فالتشقيق ودر طلع الفحول فيها هو التأبير وقد يسمى تلقيحا أيضا ثم الاكثرون يسمون الكمام الخارج كله طلعا والامام خص اسم الطلع بما يظهر من النور على العنقود من تشقق الكمام ثم المتعهدون للنخيل لايؤبرون جميع الاكمة ولكن يكتفون بتأبير البعض والباقي ينشق بنفسه وينبث ريح الفحول إليه وقد لا يؤبر في الحائط شئ وتتشقق الاكمة بنفسها إذ كبرت الا أن رطبه لا يجئ جيدا وكذلك الخارج من الفحول ينشق بنفسه ولا يشقق غالبا * إذا تقرر ذلك فإذا باع نخلة عليها ثمرة وشرطاها للبائع لم تندرج في بيع النخلة وان شرطاها   = ما بتعت وقال البائع أنا أبرته قبل البيع فتحاكما إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقضى بالثمرة لمن أبر منهما. البيهقي في المعرفة من طريق الشافعي من مرسل عطاء وعزاه ابن الطلاع في الاحكام إلى الدلائل للاصيلي مسندا عن ابن عمر * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 41 للمشترى اندرجت وان أطلقا وهى مسألة الكتاب نظر ان كانت مؤبرة لم تندرج في البيع وكذا لو لم تؤبر وتشققت الاكمة بنفسها اعتبارا لظهور المقصود وان لم تؤبر ولا تشققت هي اندرجت في البيع وبه قال مالك وأحمد (وقال) أبو حنيفة تبقى الثمار للبائع أبرت أو لم تؤبر * لنا ما سبق من الخبر وأيضا فان لها حالة كمون وظهور بأصل الخلقة فيتبع الاصل في حالة الكمون اعتبارا بحال البهيمة والجارية ولو باع الفحول من النخيل بعد تشقق طلعها لم يندرج الطلع في البيع وان لم يتشقق فوجهان (أظهرهما) الاتدراج كما في طلع الاناث (والثانى) لا يندرج لان طلع الفحل يؤكل على الجزء: 9 ¦ الصفحة: 42 هيئته ويطلب لتلقيح الاناث به وليس له غاية منتظرة بعد ذلك فكان ظهوره كظهور ثمرة لا قشر لها بخلاف طلع الاناث فانه يعني بثمرته فاعتبر ظهورها * ثم الكلام في أمرين (أحدهما) ما عدا النخيل من الاشجار أقسام (أولها) ما يفصل منه الورق كشجر الفرصاد وقد ذكرنا حكمه (قال) في البيان وشجر الحنا ونحوه يجوز أن يلحق بشجر الفرصاد ويجوز أن يقال إذا ظهر ورقه فهى للبائع بلا خلاف لانه لا ثمرة لها سوى الورق وللفرصاد ثمرة مأكولة (وثانيها) ما يقصد منه الورد وهو على ضربين (أحدهما) ما يخرج في كمام ثم ينفتح كالورد الاحمر فإذا بيع أصله بعد خروجه وتفتحه فهو للبائع كطلع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 43 النخل المتشقق وان بيع بعد خروجه وقبل تفتحه فهو للمشترى كالطلع قبل التشقق وعن الشيخ أبى حامد أنه يكون للبائع أيضا (والثانى) ما يخرج ورده ظاهرا كالياسمين فان خرج ورده فهو للبائع والا فللمشترى (وثالثها) ما يقصد منه الثمرة وهو على ضربين (أحدهما) ما تخرج ثمرته بارزة بلا قشر ولا كمام كالتين فهو كالياسمين والحق العنب بالتين وان كان لكل حبة منه قشر لطيف يتشقق ويخرج منها نور لطيف لان مثل ذلك موجود في ثمر النخل بعد التأبير ولا عبرة به (والثانى) ما لا يكون كذلك وهو على ضربين (أحدهما) ما تخرج ثمرته في نور ثم يتنائر النور فتبرز الثمرة بلا حائل كالمشمش الجزء: 9 ¦ الصفحة: 44 والتفاح والكمثرى وما أشبهها فان باع الاصل قبل انعقاد الثمرة فانها تنعقد على ملك المشترى وان كان النور قد خرج وان باعه قبل الانعقاد وتناثر النور فهى للبائع وان باعه بعد الانعقاد قبل تناثر النور فوجهين (أحدهما) أنها للمشترى تنزيلا للاستتار بالنور منزلة استتار ثمر النخل بالكمام (والثانى) أنها للبائع تنزيلا لها منزلة استتارها بعد التأبير بالقشر الابيض وهذا أرجح عند أبى القاسم الكرخي وصاحب التهذيب لكن الاول هو المحكى عن نصه في البويطي وعن أبى اسحق واختاره ابن الصباغ والقاضى الرويانى والله أعلم (والثانى) ما يبقي له حائل على الثمرة المقصودة وله ضربان (أحدهما) ماله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 45 قشرة واحدة كالرمان * فإذا بيع أصله وقد ظهر الرمان بقشره فهو للبائع ولا اعتبار بقشره لان ابقاءه من مصلحته وان لم تظهر فالذي يظهر يكون للمشترى (والثانى) ماله قشرتان كالجوز واللوز والفستق والرانج فان باعها قبل خروجها فانها تخرج علي ملك المشترى وان باعها بعد الخروج فتبقي على ملك البائع ولا يعتبر في ذلك تشقق القشرة العليا على أصح الوجهين (والثانى) يعتبر وبه قال الشيخ أبو حامد وطبقته * واعلم أن أشجار الضربين الاخيرين (منها) ما يخرج ثمره في قشره من غير نور كالجوز الجزء: 9 ¦ الصفحة: 46 والفستق (ومنها) ما يخرج في نور ثم يتناثر عنه كالرمان واللوز وما ذكرنا من الحكم فيما إذا بيع الاصل بعد تناثر النور عنه فان بيع قبله عاد فيه الكلام السابق * (فرع) الكرسف وهو القطن نوعان (أحدهما) ماله ساق تبقى سنين وتثمر كل سنة وهو كرسف الحجاز والبصرة والشام فهو كالنخل أن بيع أصله قبل خروج الجوزق أو بعده وقبل تشققه فالحاصل للمشترى وان بيع بعد التشقق فهو للبائع (والثانى) ما لا يبقى أكثر من سنة فهو كالزرع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 47 فان باعه قبل خروج الجوزق أو بعده وقبل تكامل القطن فلابد من شرط القطع ثم ان لم يتفق القطع حتى خرج الجوزق فهو للمشترى لحدوثه من عين ملكه (قال) في التهذيب وان باعه بعد تكامل القطن فان تشقق الجوزق صح البيع مطلقا ودخل القطن في البيع بخلاف الثمرة المؤبرة لا تدخل في بيع الشجرة لان الشجرة مقصودة لثمار سائر الاعوام ولا مقصود هنا سوى الثمرة الموجودة وان لم يتشقق لم يجز البيع في أصح الوجهين لان المقصود مستتر بما ليس من صلاحه بخلاف الجوز واللوز في القشرة السفلى (الامر الثاني) لا يشترط لبقاء الثمرة على ملك البائع التأبير في كل كمام وعنقود لما الجزء: 9 ¦ الصفحة: 48 في بيع ذلك من العسر بل إذا باع نخلة أبر بعض طلعها بقي الكل للبائع وجعل غير المؤبر تابعا للمؤبر وذلك أولى من أن يعكس فيجعل المؤبر تابعا لغير المؤبر لان المؤبر ظاهر واتباع الباطن الظاهر أولى كما أن باطن الصبرة تبع لظاهرها في الرؤية ولان الباطن صائر إلى الظهور بخلاف العكس * ولو باع نخلات طلع بعضها مؤبر وطلع البعض غير مؤبر فلها حالتان (إحداهما) أن يكون في بستان واحد فينظر إن اتحد النوع وباعها صفقة واحدة فالحكم كما في النخلة الواحدة إذا أبر بعض ثمرها دون بعض وان أفرد ما لم يؤبر طلعه فوجهان (أحدهما) أنه يبقى للبائع أيضا لدخول الجزء: 9 ¦ الصفحة: 49 وقت التأبير والاكتفاء به عن نفس التأبير (وأصحهما) أنه يكون للمشترى لانه ليس في المبيع شئ مؤبر حتى يجعل غير المؤبر تبعا له فيبقي تبعا للاصل وان اختلف النوع فوجهان (احدهما) وبه قال ابن خيران أن غير المؤبر يكون للمشترى والمؤبر للبائع لان لاختلاف النوع تأثيرا بينا (في اختلاف الايدى وقت التأبير) (وأصحهما) أن الكل يبقي للبائع كما لو اتحد النوع دفعا لضرر اختلاف الايدي وسوء المشاركة (الحالة الثانية) أن يكون في بستانين فحيث قلنا في البستان الواحد إن كل واحد من المؤبر وغير المؤبر يفرد بحكمه فهاهنا أولى وحيث قلنا بأن غير المؤبر يتبع المؤبر فهاهنا   ما بين القوسين ساقط في بعض النسخ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 50 وجهان (أصحهما) أن كل بستان يفرد بحكمه والفرق أن لاختلاف البقاع تأثيرا في وقت التأبير وأيضا فانه يلزم في البستان الواحد ضرر اختلاف الايدى وسوء المشاركة ولان للخطة الواحدة من التأثير في الجمع ما ليس للخطتين ألا ترى أن خطة المسجد تجمع بين الامام والمأموم وان اختلف البناء وتباعدت المسافة بينهما ولا فرق بين أن يكون البستانان متلاصقين أو متباعدين * (فروع) أحدها إذا باع نخلة وبقيت الثمرة له ثم خرج طلع آخر من تلك النخلة أو من نخلة أخرى حيث يقتضى الحكم اشتراكهما في الحال ففيه وجهان (أصحهما) أن الطلع الجديد للبائع أيضا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 51 لانه من ثمرة العام (وقال) ابن أبى هريرة أنه للمشترى لانه حدث من ملكه بعد البيع (الثاني) لو جمع في صفقة واحدة بين فحول النخل وإناثها كما لو جمع بين نوعين من الاناث (الثالث) قال في التهذيب تشقق بعض الجوزق من الكرسف كتشقق الكل وما تشقق من الورد يبقي للبائع وما لم يتشقق يكون للمشترى وان كانا على شجرة واحدة ولا يتبع البعض البعض بخلاف ثمر النخل لان المتشقق لا يقطع بل يترك إلى إدراك الكل وما تشقق من الورد يجتني ولا يترك إلى تشقق الباقي وذكر أيضا أن التين والعنب إن ظهر بعضه دون بعض فما ظهر يكون الجزء: 9 ¦ الصفحة: 52 للبائع وما لم يظهر يكون للمشترى وهذه الصورة الاخيرة محل التوقف والله أعلم * (وأما) لفظ الكتاب (فقوله) وغير المؤبر يندرج يحتاج إلى قيد آخر وهو أن لا يتشقق بنفسه إذ لو تشقق لما اندرج وان لم يؤبر على أن بعضهم فسر التأبير بما يدخل فيه التشقيق والتشقق فعلى ذلك الاصطلاح يستمر الكلام على ظاهره (وقوله) كل ثمرة ظهرت للناظرين أي إما في إبتداء الوجود كالتين أو بالتفتح كالورد أو بالخروج من النور على التفصيل السابق (وقوله) نظرا إلى وقت التأبير هذا التوجيه يقتضى أن يكون احد البستانين تابعا للآخر لدخول وقت التأبير لكن الظاهر خلافه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 53 على ما مر فهو إذا محمول على نخيل البستان الواحد وفى قوله هذا أذا اتحد النوع وشملت الصفقة مثل هذا الكلام المعني وان اتحد البستان إلا أن يجاب بالوجه الآخر * قال * (وليس لمشترى الاشجار أن يكلف البائع قطع الثمار بل له (ح) الابقاء إلى أوان القطاف للعرف ولكل واحد أن يسقى الاشجار إذا كان يحتاج إليه إن لم يكن يتضرر صاحبه وان تقابل الضرران فأيهما أولى به فيه ثلاثة أوجه (أصحها) أن المشترى أولى إذا التزم البائع سلامة الاثمار له وفي (الثالث) يتساويان فيفسخ العقد لتعذر الامضاء إن لم يصطلحا ومهما لم تتضرر الثمار بالسقي وتضرر الشجر بترك السقى فعلى البائع السقى أو القطع) * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 54 في الفصل صور (إحداها) إذا باع الشجرة وبقيت الثمرة للبائع فان شرط القطع في الحال لزمه القطع وان أطلق فليس للمشترى أن يكلفه القطع في الحال بل له الابقاء إلى أوان الجذاذ في النخل والقطاف في العنب وبه قال مالك وأحمد (وقال) أبو حنيفة يلزمه القطع في الحال ولو شرط الابقاء فسد * لنا أن مطلق العقد محمول على المعتاد والمعتاد في الثمار الابقاء حتى لو كانت الثمرة من نوع يعتاد قطعها قبل النضج يكلف القطع وإذا جاء وقت الجذاذ لا يمكن من أن يأخذها علي التدريج ولا يؤخر إلى نهاية النضج (واعلم) أنه حكي اختلاف القول في جواز ابقاء الثمار في صورتين (إحداهما) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 55 لو تعذر السقى لانقطاع الماء وعظم ضرر النخيل بابقاء الثمار ففيه قولان منقولان عن الام (قال) أبو القاسم الكرخي (أصحهما) أنه ليس له الابقاء دفعا للضرر عن المشترى (الثانية) لو أصاب الثمار آفة سماوية ولم يكن في إبقائها فائدة هل له الابقاء عن رواية صاحب التقريب فيه قولان (الصورة الثانية) سقي الثمار عند الحاجة على البائع وعلى المشترى تمكينه من دخول البستان ليسقى فان لم يأتمنه نصب الحاكم أمينا للسقي ومؤنته على البائع وإذا كان السقى ينفع الثمار والاشجار معا فلكل واحد من البائع والمشترى السقى وليس للآخر منعه وان كان يضربهما معا فليس لاحدهما السقى إلا برضى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 56 الآخر وان أضر بالثمار ونفع الاشجار فأراد المشترى أن يسقى ونازعه البائع فوجهان (قال) ابن أبى هريرة للمشترى السقي ولا يبالى برضى البائع لانه قد رضى به حين أقدم على هذا العقد (وقال) أبو إسحاق يفسخ العقد لتعذر امضائه إلا باضرار أحدهما فان سامح أحدهما الآخر أقر وهذا أظهر وان أضر بالاشجار ونفع الثمار وتنازعا جري الوجهان فعند ابن أبى هريرة للبائع السقى (وقول) أبى اسحق لا يختلف فهذا ما نقله الجمهور واقتصروا عليه * وحكى الامام وصاحب الكتاب في الصورتين ثلاثة أوجه (أحدها) أنه يجاب المشترى إلى مطلوبه لانه التزم سلامة الاشجار للبائع (وثانيها) أنه يجاب البائع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 57 لاستحقاقه ابقاء الثمار (والثالث) يتساويان وترجيح الوجه الاول مما لم أره إلا لصاحب الكتاب * ولو كان السقى يضر باحدهما وترك السقى يمنع حصول زيادة في جانب الثاني ففى التحاقه بتقابل الضرر احتمالان عند الامام (الصورة الثالثة) لو لم يسق البائع وتضرر المشترى ببقاء الثمار لامتصاصها رطوبة الاشجار أجبر على السقى أو القطع فان تعذر السقي لانقطاع الماء ففيه القولان السابقان والله أعلم * قال (اللفظ السادس بيع الثمار * وموجب إطلاقه استحقاق الابقاء إلى القطاف فان كان بعد بدو الصلاح صح بكل حال وموجب الاصلاق التبعية (ح) وإن كان قبله بطل (ح) الا بشرط القطع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 58 لانها تتعرض للعاهات فلا يوثق بالقدرة على التسليم إلى القطاف وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم (عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة) ولو اشتراها صاحب الشجرة فلا يجب شرط القطع (و) ولو باع الشجرة وبقيت الثمار له لم يجب شرط القطع لان المبيع هو الشجر ولا خوف فيه ولو باع الشجرة مع الثمرة فلا يشترط القطع لفقد العلة المذكورة ولو اطرد عرف قوم بقطع الثمار ففى الحاق العرف الخاص بالعام خلاف) * قد ذكر في اللفظ الخامس حكم بيع الاشجار دون التعرض للثمار والغرض الآن الكلام في بيع الثمار دون التعرض للاشجار وهى إما أن تباع بعد بدو الصلاح أو قبله (الحالة   (حديث) أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة رواه الشافعي وغيره وقد تقدم * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 59 الاولى) إذا بيعت بعد بدو الصلاح جاز مطلقا وبشرط ابقائها إلى وقت الجذاذ وبشرط القطع سواء كانت الاصول للبائع أو للمشترى أو لغيرهما لما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها " والحكم بعد الغاية يخالف الحكم قبلها * ثم عند الاطلاق يجوز الابقاء إلى أوان الجذاذ للعرف وشرط التبعية تصريح بما هو من مقتضيات العقد وساعدنا مالك وأحمد على ما ذكرناه وعند ابى حنيفة لا يجوز البيع بشرط الابقاء ويلزم القطع في الحال في صورة الاطلاق ولا يجوز ان يبيع الثمار بعد بدو الصلاح مع ما يحدث بعدها خلافا لمالك (الحالة الثانية) إذا بيعت   (حديث) أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها متفق عليه من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر وأخرجه عن الشافعي في رواية لمسلم حتى يبدو صلاحه حمرته وصفرته وفي رواية له قال ما صلاحه قال تذهب عاهته وفي رواية لها قيل لابن عمر وأخرجه مسلم عن جابر وأبي هريرة وفي البخاري عن سهل ابن أبي حثمة وغيره عن زيد ابن ثابت وفيه قصة * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 60 قبل بدو صلاحها (فاما) أن تباع مفردة عن الاشجار أو معها (الحالة الاولى) أن تباع مفردة عن الاشجار فالاشجار تصور على وجهين (أحدهما) أن تكون للبائع أو لغير المتعاقدين فلا يجوز بيع الثمار مطلقا ولا بشرط الابقاء ويجوز بشرط القطع (أما) الجواز بشرط القطع فمجمع عليه واما انه لا يجوز مطلقا وبشرط الابقاء فلما سبق من الخبر فان ظاهره يمنع من مطلق البيع خرج البيع المشروط بالقطع بالاجماع فيعمل به فيما عداه والمعني الفارق بين ما بعد بدو الصلاح وقبله أن الثمار بعد بدو الصلاح تأمن من العاهات والجوائح غالبا لكبرها وغلظ نواها وقبل بدو الصلاح تسرع إليها الجزء: 9 ¦ الصفحة: 61 العاهات لضعفها فإذا تلفت لم يبقى شئ في مقابلة الثمن وكان ذلك من قبل أكل المال بالباطل والى هذا المعني أشار باللفظ المروى في الكتاب وهو أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة * وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال " أرأيت إذا منع الله الثمرة فبم يستحل أحدكم مال أخيه " (فاما) إذا شرط القطع فيتبين أن غرضه هو الحصرم والبلح وأنه حاصل هذا هو المعنى المشهور وحكى الامام مع ذلك معني آخر عن بعض الاصحاب وهو أن الثمار قبل بدو الصلاح تكبر أجزاؤها كبرا ظاهرا وتلك الاجزاء   (حديث) انه صلى الله عليه وسلم قال أرايت إذا منع الله الثمرة فبم يستحل أحدكم مال أخيه * متفق عليه من حديث أنس وقد بينت في المدلج أن هذه الجملة موقوفة من قول أنس وان دفعها وهم وبيانها عند مسلم * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 62 من أجزاء الشجرة بامتصاصها رطوباتها فيتعذر الابقاء لذلك كما يتعذر البيع بشرط أن يأكل العبد المبيع من مال البائع وساعدنا مالك وأحمد على قولنا * وقال أبو حنيفة لا يصح البيع بشرط الابقاء ويصح مطلقا ويؤمر بقطعه في الحال وهذا ذهاب إلى أن مقتضى الاطلاق القطع إذ به يحصل التسليم وعندنا مقتضى الاطلاق الابقاء بناء على العادة العامة كما تنزل الدراهم المطلقة في العقد على النقد الغالب والاجارة المطلقة على المنازل المعهودة في الطريق والتسليم يجب بحسب العادة ألا ترى أنه لو باع دارا فيها أمتعة كثيرة لا يلزمه نقلها في جنح الليل ولا أن يجمع كل حمال في البلد لتعجيل التسليم ولكن ينقل على العادة ثم ههنا فروع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 63 * (أحدها) * وقد ذكره في الكتاب لو كان في البلاد الشديدة البرد كروم لا تنتهى ثمارها إلى الحلاوة واعتاد اهلها قطعها حصرما ففى بيعها وجهان (عن) القفال أنه يصح من غير شرط القطع تنزيلا لعادتهم الخاصة منزل العادات العامة وقد ذكرنا أن العقد المطلق محمول على المعتاد فيكون القطع المعهود كالمشروط وامتنع الاكثرون من ذلك ولم يروا تواطؤ قوم مخصوصين بمثابة العادات العامة وهذا الخلاف يجرى فيما لو جرت عادة قوم بانتفاع المرتهن بالمرهون حتى تنزل عادتهم على رأى منزلة شرط الانتفاع ويحكم بفساد الرهن واشار امام الحرمين رحمه الله الي تخريج ذلك على مسألة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 64 السر والعلانية (الثاني) إذا باع بشرط القطع وجب الوفاء به ولو تراضيا على الترك فلا بأس وكان بدو الصلاح ككبر العبد الصغير وعن أحمد أنه يبطل البيع وتعود الثمرة إلى البائع (الثالث) قال في التتمة إنما يجوز البيع بشرط القطع إذا كان المقطوع منتفعا به كالحصرم واللوز ونحوهما (فاما) ما لا منفعة فيه كالجوز والكمثرى فلا يجوز بيعه بشرط القطع أيضا (الوجه الثاني) أن تكون الاشجار للمشترى مثل أن يبيع الشجرة من انسان بعد ظهور الثمرة وتبقى الثمرة له علي ما مر ثم يبيع الثمرة من مالك الشجرة أو يوصي بالثمرة لانسان ثم يبيع الموصى له الثمرة من الوارث فهل يشترط شرط القطع فيه وجهان (أصحهما) عند الجمهور نعم لشمول الخبر والمعني فان المبيع هو الثمرة ولو تلفت لم يبق في الجزء: 9 ¦ الصفحة: 65 مقابلة الثمر شئ ولكن يجوز له الابقاء ولا يلزمه الوفاء بالشرط ههنا إذ لا معني لتكليفه قطع ثماره من أشجاره (والثانى) وهو الذى أورده في الكتاب أنه لا حاجة إلى شرط القطع لانه يجمعها مالك واحد فاشبه ما لو اشتراهما معا وسيأتى ذلك ولو باع الشجرة وعليها ثمرة مؤبرة فبقيت للبائع فلا حاجة إلى شرط القطع لان المبيع هو الشجرة وهى غير متعرضة للعاهات والثمار مملوكة له بحكم الدوام ولو كانت الثمرة غير مؤبرة فاستثناها لنفسه فهل يجب شرط القطع فيه وجهان (أحدهما) نعم لان الثمار والحالة هذه مندرجة لولا الاستثناء فكان كملك مبتدأ (وأصحهما) أنه لا يجب لانه في الحقيقة استدامة ملك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 66 فعلى هذا له الابقاء إلى وقت الجذاذ ولو صرح بشرط الابقاء جاز وعلى الاول لا يجوز (الحالة الثانية) ان تباع الثمار مع الاشجار فيجوز من غير شرط القطع بل لا يجوز شرط القطع فيه اما انه يجوز من غير شرط القطع فلما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (من باع نخلة بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع الا أن يشترط المبتاع جواز شرط الثمرة للمبتاع مع الاصل مطلقا) والمعني فيه أن الثمرة ههنا تتبع الاصل والاصل غير متعرض للعاهة وقد يحتمل في الشئ إذا كان تابعا ما لا يحتمل فيه إذا افرد بالتصرف كالحمل في البطن واللبن في الضرع (وأما) أنه لا يجوز شرط القطع فيه فلما فيه من الحجر عليه في ملكه * ثم نتكلم في عباراة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 67 الكتاب (قوله) صح بكل حال معلم بالحاء لانه يتناول البيع بشرط التبعية وقد سبق أن أبا حنيفة لا يجوزه (وقوله) موجبا لاطلاق التبعية مستغني عنه لان في قوله وموجب اطلاقه استحقاق الابقاء إلى القطاف ما يغني عنه ثم هو معلم بالحاء وكذا قوله بطل الا بشرط القطع لما مر (وقوله) لانها تتعرض للعاهات فلا يوثق بالقدرة على التسليم إلى القطاف اراد به ان تمام التسليم انما يحصل بالقطاف وهو بعرض الجوائح والآفات قبل ذلك فالقدرة على التسليم إذا غير موثوق بها لكن في كون الامر كذلك مزيد كلام ستعرفه في مسألة الجوائح وما بعدها وقوله لفقد العلة المذكورة أراد به أن تمام التسليم ههنا يحصل بالتخلية ولا يتوقف على القطاف لكون الاصول مملوكة له (وقوله) ففى الحاق العرف الخاص بالعام خلاف ليس فيه تصريح بحكم المسألة لكن فيه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 68 اشارة إلى مأخذها معناه في الاستغناء عن شرط القطع خلاف وجه الاستغناء حمل المطلق على القطع المعهود كما يحمل المطلق على الابقاء المعهود ذهابا إلى أن المعهود بالعرف الخاص كالمعهود بالعرف العام * قال (ثم اتفقوا علي أن (ح) وقت بدو الصلاح كاف كما في التأبير ولكن بشرط اتحاد الجنس وكذلك ينبغى أن يتحد النوع والبستان والملك والصفقة فلو اختلف شئ من ذلك ففيه خلاف وصلاح الثمار أن يطيب أكلها ويأخذ الناس في الاكل وذلك بظهور مبادئ الحلاوة) * في الفصل قاعدتان لابد من معرفتهما في الباب (الاولى) لا يشترط للاستغناء عن شرط القطع بدو الصلاح الجزء: 9 ¦ الصفحة: 69 في كل عنقود بل إذا باع ثمار شجرة بدا الصلاح في بعضها صح من غير شرط القطع ولو باع ثمار اشجار بدا الصلاح في بعضها نظر ان اختلف الجنس لم يعتبر بدو الصلاح في أحد الجنسين حكم الجنس الآخر حتى لو باع الرطب والعنب صفقة واحدة ولم يبد الصلاح في أحدهما وجب شرط القطع فيه وان اتحد الجنس فالنظر في اتحاد النوع واختلافه وبتقدير الاتحاد فالنظر في اتحاد البستان وتعدده وبتقدير الاتحاد فالنظر في بيعها صفقة واحدة وأفراد ما لم يبدو الصلاح فيه بالبيع وحكم الاقسام على ما مر في البابين بلا فرق حتى أن الاصح أنه لا يبيعه عند الافراد وأنه لا أثر لاختلاف النوع وأنه لا يتبع بستان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 70 بستانا وبهذا قال أحمد وعن مالك أن البستان يتبع البستان إذا تجاورا وربما نقل عنه الضبط ببساتين البلدة الواحدة هذه إحدى القاعدتين بقى قوله والملك (أعلم) أن المصنف رحمه الله حكي خلافا في اشتراط اتحاد الملك وربما يشير إليه كلام الامام ولابد من البحث عن موضعه وكيفيته فنقول: إذا بدا الصلاح في ملك غيره ولم يبدو في ملكه لم يخل (أما) أن يكونا في بستان واحد أو في بستانين (فان) كانا في بستان واحد وباع ملكه فقد ذكرنا وجهين فيما لو كان الكل ملكه وأفرد ما لم يبدو فيه الصلاح بالبيع وهل يعطى له حكم ما بدا فيه الصلاح حتى يستغنى فيه عن شرط القطع أم لا وهو المراد من الخلاف في اعتبار اتحاد الصفقة فان ثبت الخلاف في اعتبار اتحاد الملك والحالة هذه فسبيله أن يقال (أحد) الوجهين أن الحكم كما لو كان ما بدا فيه الصلاح الجزء: 9 ¦ الصفحة: 71 ملكه فيطرد الوجهان (والثانى) القطع بالمنع وان كانا في بستانين فقد نقل الامام القطع بأنه لا عبرة به ولا نظر إلي بدو الصلاح في بستان غير البائع لكنا إذا لم نفرق فيما بدا فيه الصلاح من ذلك البستان ولم يدخل في البيع بين أن يكون ملك البائع أو ملك غيره فقياسه ان لا يفرق فيما بدا فيه الصلاح في بستان آخر أيضا إذا لم يشترط اتحاد البستان والله أعلم * ثم حيث ثبت الخلاف في اعتبار اتحاد الملك ههنا فهو جائز في التأبير أيضا وان لم يجر ذكره ثم والظاهر أنه غير معتبر في الموضعين (والثانية) بدو الصلاح في الثمار بظهور الجزء: 9 ¦ الصفحة: 72 النضج ومبادئ الحلاوة وزوال العفوصة أو الحموضة المفرطين وذلك فيما لا يتلون بان يتموه ويتلبن وفيما يتلون بأن يحمر أو يصفر أو يسود (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتي تزهى قيل يارسول الله وما تزهى قال تحمر أو تصفر) واعلم ان هذه الاوصاف وان كان يعرف بها بدو الصلاح في الثمار لكنها ليست ولا واحد منها بشرط في تفسير بدو الصلاح لان القثاء لا يفرض فيه نضج ولا حلاوة وليس فيه عفوصة ولا حموضة حتى تزول بل يستطاب أكله في الصغر كما يستطاب في الكبر ولذلك قال في الكتاب بأن يطيب   (حديث) نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى تزهى فقيل يارسول الله وما تزهى قال تحمر. أو تصفر: متفق عليه ولفظ مسلم حتى تحمار وتصفار وللبخاري عن جابر بلفظ حتى تشقح قيل وما تشقح قال تحمار وتصفار ويوكل منها وبين في مسلم ان السائل عن ذلك غير سعيد بن ميناء رواية عن جابر وللبزار باسناد صحيح عن طاووس عن ابن عباس بلفظ نهى عن بيع الثمار حتى تطعم (تنبيه) تزهى من ازهي وتزهو من زها وكلاهما مسموع حكاهما الجوهري الجزء: 9 ¦ الصفحة: 73 أكلها ويأخذ الناس في الاكل فاعتبر مع طيب الاكل أخذ الناس فيه وذلك في القثاء بأن يكبر بحيث يجتني في الغالب ويؤكل وفى الصغر (؟) تؤكل على سبيل الندور وأيضا فان بدو الصلاح في الزرع يحصل عند اشتداد الحب ولا يفرض فيه عفوصة ولا حموضة ولا نضج وحلاوة على أن اعتبار الاكل غير معتبر في تفسير مطلق بدو الصلاح أيضا لان صاحب التهذيب ذكر أن بيع أوراق الفرصاد قبل تناهيها لا يجوز الا أن يشترط القطع وبعده يجوز مطلقا ويشترط القطع فجعل تناهي الورق صلاحا له وانه غير مأكول * إذا تقرر ذلك فلو قال قائل بدو الصلاح في هذه الاشياء الجزء: 9 ¦ الصفحة: 74 صيرورتها إلى الصفة التى تطلب غالبا لكونها على تلك الصفة لكان قد ذكر عبارة شاملة والله أعلم * قال (وبيع البطيخ ان كان مع الاصول (و) يتقيد بشرط القطع قبل الصلاح الا إذا بيع مع الارض وبيع أصول البقل لا يتقيد به إذ لا يتعرض للآفة) * بيع البطيخ قبل بدو صلاحه لا يجوز من غير شرط القطع وان بدا الصلاح في كله أو بعضه نظر إن كان يخاف خروج غيره فلابد من شرط القطع أيضا لانه إذا وجب شرطه خوفا من الجائحة التى الغالب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 75 فيها العدم فلان يجب خوفا من الاختلاط الذى الغالب فيه الوجود كان أولى فان شرط القطع ثم لم يتفق حتى خرج غيره واختلط المبيع بغير المبيع ففى انفساخ البيع قولان نذكرهما في نظائرها * وان كان لا يخاف خروج غيره جاز بيعه من غير شرط القطع هذا إذا أفرد البطيخ بالبيع ووراءه حالتان (احداهما) لو أفرد أصوله بالبيع ذكر العراقيون وغيرهم انه يجوز ولا حاجة إلى شرط القطع إذا لم يخف الاختلاط كبيع الزرع الذى اشتد حبه ثم الحمل الموجود يبقى للبائع وما يحدث بعده يكون للمشترى وان خيف اختلاط الحملين فلابد من شرط القطع فان شرط الجزء: 9 ¦ الصفحة: 76 ولم يتفق القطع حتي وقع الاختلاط ففيه طريقان سنذكرهما في نظيرهما * ولو باع الاصول قبل خروج الحمل فلابد من شرط القطع أو القلع كالزرع الاخضر وإذا اشترط ثم اتفق بقاؤه حتى خرج الحمل فهو للمشترى (الثانية) لو باع البطيخ من أصوله فجواب الامام وصاحب الكتاب انه لابد من شرط القطع بخلاف ما إذا باع الثمرة مع الشجرة لان الشجرة غير متعرضة للجائحة والبطاطيخ مع أصولها متعرضة لها فلو باعها مع الارض استغني عن شرط القطع وكان الارض ههنا كالاشجار ثم * وقضية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 77 ما نقلناه في بيع الاصول وحدها إذا لم يخف الاختلاط انه لا حاجة إلى شرط القطع فليعلم قوله يتقيد بشرط القطع بالواو لذلك وقوله وبيع أصول البقل إلى آخره منازع فيه أيضا وسأذكره في الفصل التالى لهذا والباذنجان وشجره كالبطيخ في الاحوال الثلاث * (فرع) لابن الحداد رحمه الله * لو باع نصف الثمار على رؤس الاشجار مشاعا قبل بدو الصلاح لم يصح وعللوه بان البيع والحالة هذه يفتقر إلى شرط القطع ولا يمكن قطع النصف الا بقطع الكل فتضرر البائع بنقصان غير المبيع أشبه ما إذا باع نصفا معينا من سيف وما ذكروه من ان قطع النصف لا يمكن الا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 78 بقطع الكل انما يستمر بتقدير دوام الاشاعة وامتناع القسمة أما إذا جوزنا قسمة الثمار في حال الرطوبة بناء على انها افراز فيمكن قطع النصف من غير قطع الكل بأن يقسم أولا فليكن منع البيع مبنيا على القول بامتناع القسمة لا مطلقا وعلى هذا يدل كلام ابن الحداد * قال القاضى أبو الطيب وهو الصحيح * ولو باع نصفها مع نصف النخل صح وكانت الثمار تابعة * ولو كانت الشجرة لواحد والثمرة لآخر فباع صاحب الثمرة نصفها من صاحب الثمرة فوجهان بناء على الخلاف في اشتراط القطع ههنا ولو كانت الثمار والاشجار مشتركة بين رجلين فاشترى أحدهما نصيب صاحبه من الثمرة لم يجز ولو اشترى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 79 نصيب صاحبه من الثمرة بنصيبه من الشجرة لم يجز مطلقا ويجوز بشرط القطع لان جملة الثمار تصير لمشترى الثمرة وجملة الاشجار للآخر وعلى مشترى الثمرة قطع الكل لانه بهذه المعاملة التزم قطع النصف المشترى بالشرط والتزم تفريغ الاشجار لصاحبه وبيع الشجرة على أن يفرغها للمشترى جائز وكذا لو كانت الاشجار لاحدهما والثمرة بينهما فاشترى صاحب الشجرة نصيب صاحبه من الثمرة بنصف الشجرة على شرط القطع جاز * قال (ولابد من الاحتياط في أمرين (أحدهما) أن تكون الثمار بادية الا على قول تجويز بيع الغائب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 80 أو فيما صلاحه في ابقائه في الكمام كالرمان * وفى استتار الحنطة بالسنبلة والارزة بالقشرة والباقلاء والجوز بالقشرة العليا خلاف (م ح) منشؤه أن الصلاح هل يتعلق ببقائه فيها) * لا يجوز بيع الزرع الاخضر الا بشرط القطع لما سبق في الثمار فان باعه مع الارض جاز تبعا وكذلك لا يجوز بيع البقول في الارض دون الارض الا بشرط القطع أو القلع سواء كان مما يجز مرارا أو لا يجز الا مرة واحدة هكذا أورده صاحب التهذيب وغيره وهو خلاف قوله في الكتاب (وبيع أصول البقل لا يتقيد به) فاعلمه وأعلمه * ولو باع الزرع بعد اشتداد الحب فهو كما لو باع الثمار بعد بدو الصلاح فلا حاجة إلى شرط القطع ولكن يشترط ظهور المقصود فلو باع ثمرة لا كمام لها كالتين والعنب والكمثرى جاز سواء الجزء: 9 ¦ الصفحة: 81 باعها على الشجرة أو على وجه الارض ولو باع الشعير أو السلت مع السنابل جاز بعد الحصاد وقبله لان الحبات ظاهرة في السنبلة ولو كان للثمرة أو الحب كمام لا يزال الا عند الاكل كالرمان والعلس فكمثل ما له كمامان يزال أحدهما ويبقى الآخر إلى وقت الاكل كالجوز واللوز والرانج يجوز بيعه في القشرة السفلى ولا يجوز في العليالا على رأس الشجر ولا على وجه الارض لتستر المقصود بما ليس من صلاحه وفيه قول أنه يجوز ما دام رطبا في القشرة العليا وبه قال ابن القاص والاصطخري لتعلق الصلاح به من حيث انه يصون القشرة السفلى ويحفظ رطوبة اللب وبيع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 82 الباقلا في القشرة العليا على هذا الخلاف وادعي الامام أن الاظهر فيه الصحة لان الشافعي رضى الله عنه أمر بعض أعوانه بان يشتري له الباقلا الرطب * وما لا يرى حباته في السنبلة كالحنطة والعدس والسمسم لا يجوز بيعه في السنبلة دون السنبلة ومعها قولان والقديم) الجواز لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الحب حتى يشتد) وقد اشتد (الجديد) المنع لتستر المقصود بما لا يتعلق به الصلاح كبيع تراب الصاغة والكدس بعد الدياسة وقبل التنقية والارز كالشعير يباع في السنابل لانه يدخر في قشره وبهذا قال ابن القاص وأبو علي الطبري ومنهم من قال هو كالحنطة * ولا يجوز بيع الجزر والثوم والبصل   (حديث) نهى عن بيع الحب حتى يشتد تقدم في أوائل البيوع عن أنس * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 83 والفجل والسلق في الارض لتستر المقصود ويجوز بيع أوراقها الظاهرة بشرط القطع وبيع القنبيط في الارض لظهوره وكذا نوع من السلجم يكون ظاهرا ويجوز بيع اللوز في القشرة العليا قبل انعقاد السفلى لانه مأكول كله كالتفاح وهل القول بالمنع في صور الفصل مقطوع به أم هو مفرع على قول منع بيع الغائب * ذكر الامام أنه مفرع عليه أما إذا جوزنا بيع الغائب صح البيع فيها جميعا وعلى هذا جرى في الكتاب حيث قال الا على قول تجويز بيع الغائب وفى التهذيب أن المنع في بيع الجزر وما معناه في الارض ليس مبنيا على بيع الغائب لانه في بيع الغائب يمكن رد المبيع بعد رؤيته في الجزء: 9 ¦ الصفحة: 84 بصفته وهاهنا لا يمكن وعند ابى حنيفة ومالك واحمد يصح البيع في جميع صورة الفصل * وإذا قلنا بالمنع فلو باع الجوز مثلا في القشرة العليا مع الشجرة أو باع الحنطة في سنبلها مع الارض فطريقان (احدهما) ان البيع باطل في الجوز والحب وفى الشجرة والارض قولا تفريق الصفقة (واصحهما) القطع بالمنع في الكل للجهل بأحد المقصودين وتعذر التوزيع * ولو باع ارضا مبذورة مع البذر فقد قيل يصح البيع في البذر تبعا للارض والمذهب بطلان البيع فيه ئم في الارض الطريقان ومن قال بالصحة في الارض لا يذهب إلى التوزيع بل يوجب جميع الثمن بناء على احد القولين فيما لو باع ماله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 85 ومال غيره وصححنا البيع في ماله وخيرناه فانه إذا اجاز يجيز بجميع الثمن والله أعلم * قال (الثاني ان يحذر من الربا فلو باع الحنطة في سنبلها بحنطة فهى المحاقلة (م) المنهى عنها وهى ربا إذ لا يمكن الكيل في السنابل * وكذا لو باع الرطب بالتمر ايضا فهى المزابنة المنهى عنها (م)) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 86 نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن المحاقلة والمزابنة) فالمحاقلة هي بيع الحنطة في سنبلها بالحنطة الصافية على وجه الارض والمزابنة هي بيع الرطب على رأس النخل بالتمر على وجه الارض روى عن جابر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن المحاقلة والمزابنة) فالمحاقلة أن يبيع الرجل الزرع بمائه فرق من الحنطة والمزابنة أن يبيع التمر على رؤس النخل بما به فرق من تمر فهدا التفسيران   (حديث) نهى عن المحاقلة والمزابنة يأتي * (حديث) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن المحاقلة والمزابنة والمحاقلة أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق من الحنطة المزابنة أن يبيع التمر على رؤس النخل بمائة فرق من تمر: الشافعي في المختصر عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء عنه قال ابن جريج قلت لعطاء افسر لكم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 87 كان من النبي صلى الله عليه وسلم فذاك وان كان من الراوى فهو أعرف بتفسير ما رواه والمحاقلة مأخوذة من الحقل وهى الساحة التى تزرع سميت محاقلة لتعلقها بزرع في حقل والمزابنة مأخوذة من الزبن وهو الدفع سميت بذلك لانها مبنية علي التخمين والغبن فيها مما يكثر فيريد المغبون دفعه والغابن امضاه فيتدافعان والمعني أن كل واحد يبيع مال الربا بجنسه من غير تحقيق المساواة في المعيار الشرعي لان المعيار فيهما الكيل ولا يمكن كيل الحنطة في السنابل ولا كيل الرطب على رؤس النخل والتخمين بالخرص لا يغني كما لو كان كل واحد منهما علي وجه الارض وفى المحاقلة شيئان آخران   جابر المحاقلة كما أخبرتني قال نعم وهو متفق عليه من حديث سفيان نحوه واتفقا عن مالك عن نافع عن ابن عمر بلفظ نهى عن المزابنة بيع التمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا وأخرجه عنه الشافعي في الام قال الشافعي وتفسير المحاقلة والمزابنة في الاحاديث يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه عليه وسلم منصوصا ويحتمل أن يكون من رواية من رواه انتهى * وفي الباب عن أبي سعيد وابن عمر وابن عباس وأنس وأبي هريرة وكلها في الصحيحين أو أحدهم وعن رافع بن خديج في النسائي وسهل ابن سعد في الطبراني (تنبيه) المحاقلة مأخوذة من الحقل جمع حقلة قاله الجوهري وهي الساحات جمع ساحة * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 88 (أحدهما) أنه يبيع الحنطة والتبن بالحنطة (والثانى) أن المقصود مستتر بما ليس من صلاحه ولو باع الشعير في سنبله بالحنطة على وجه الارض أو الرطب على رأس النخل بجنس آخر من الثمار على الشجر أو على وجه الارض فلا بأس لكن يتقابضان بالتسليم فيما على وجه الارض وبالتخلية فيما على الشجر ولو باع الزرع قبل ظهور الحب بالحب فلا بأس أيضا لان الحشيش غير مطعوم ويجوز أن يعلم قوله فهى المحاقلة وقوله فهى المزابنة - بالميم - لان عن مالك أن المحاقلة هي أكتراء الارض ببعض ما يخرج منها الجزء: 9 ¦ الصفحة: 89 من الثلث أو الربع أو غيرهما والمزابنة هي ضمان الصبرة بقدر معلوم بأن يقول أضمن لك صبرتك بكذا صاعا ان زاد فلى وان نقص فعلى ويستثنى عن المزاينة ما نذكره على الاثر * قال (ولا خبر في التخمين بالخرص الا فيما دون خمسة أوسق (ح) إذا باعها خرصا بما تعود إليه على تقدير الجفاف وهى العرايا (م ح) التى أرخص فيها * والاظهر الجواز في قدر خمسة أوسق * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 90 وميل المزني رحمه الله تعالى إلى تخصيص الجواز بما دون خمسة أوسق لتردد الراوي فيه * فلو زاد على خمسة أوسق في صفقات جاز (ح) وكذا إذا تعدد المشترى واتحد البائع * ولو اتحد المشترى وتعدد البائع ففيه خلاف * ووجه الفرق النظر إلى جانب من حصل الرطب في ملكه لان الرطب محل الخرص الذى هو خلاف القياس * هذا في الرطب بالتمر * فأما في الرطب بالرطب ففيه خلاف وكذا في غير المحاويج إذا تعاطوا (ح) العرايا) * عن جابر رضى الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة وهى بيع التمر بالتمر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 91 الا أنه رخص في العرية) بيع العرايا جائز وهو أن يبيع رطب نخلة أو نخلتين باعتبار الخرص بقدر كيله من التمر سميت عرية لانه عرى أي أفرد نخلة أو نخلتين ببيع رطبها وذهب مالك وأبو حنيفة إلى أن العرية أن يفرد نخلة أو نخلتين فيهب ثمرتها لرجل حتى تجتني كل يوم ثم تنثرم بدخوله حائطه فعند مالك يشتريها منه بخرصها تمرا ولا يجوز ذلك لغير رب البستان وعند أبى حنيفة له أن يستردها منه وله أن يعطيه بخرصها تمرا وساعدنا أحمد على تفسير العرية الا أن عنه رواية أن الرطب يباع بمثله تمرا * لنا ما روى عن سهل بن أبى حثمة رضى الله عنه (أن   (حديث) جابر نهى عن المزابنة وهي بيع التمر التمر الا انه رخص في العرية. الشافعي عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء عنه واتفق الشيخان عليه عن ابن عيينة * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 92 رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع التمر بالتمر الا أنه رخص في العرية أن تباع بخرصها تمرا يأكلها أهلها رطبا) ولا يجوز العرايا من غير خرص وسبيل الخرص ما ذكرناه في الزكاة ويجب التقابض في المجلس بتسليم التمر إلى البائع بالكيل وتخلية البائع بينه وبين النخلة وان كان التمر غائبا عنهما أو كانا غائبين عن النخل فأحضراه أو حضر عندها جاز ثم ان لم يظهر تفاوت بين التمر المجعول عوضا وبين ما في الرطب من التمر بأن أكل الرطب في الحال فذاك وان ظهر تفاوت نظر ان كان قدر ما يقع بين الكيلين لم يضر وان كان أكثر فالعقد باطل وفيه وجه   (حديث) سهل بن ابي حثمة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع التمر بالتمر الا انه رخص في العرية ان تباع بخرصها تمرا ياكلها اهلها رطباء الشافعي واحمد والشيخان وغيرهما عنه * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 93 أنه يصح في الكثير بقدر القليل ولمشترى الكثير الخيار إذا لم يسلم له الجميع ويجوز بيع العرايا في العنب كما يجوز في الرطب وفى سائر الثمار قولان (أصحهما) المنع لانها متفرقة مستورة بالاوراق فلا يتأتى الخرص فيها وثمرة النخيل والكروم متدلية ظاهرة ثم في الفصل ثلاث مسائل (احداها) في القدر الذى يجوز فيه بيع العرايا ويجوز بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق من التمر ولا يجوز فيما زاد عليها وفى الخمسة قولان (أحدهما) وهو منقول المزني انه يجوز لاطلاق خبر سهل بن أبى حثمة رضى الله عنه (والثانى) وهو مختار المزني المنع لان النهى عن المزابنة معلوم محقق والرخصة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 94 في قدر الخمسة مشكوك فيه وذلك لان الشافعي رضى الله عنه روى عن مالك عن داود بن الحصين عن أبى سفيان مولى بن أبى أحمد عن أبى هريرة رضى الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق الشك من داود) فيستصحب المعلوم المحقق والقول الاول أظهر عند صاحب الكتاب والثانى أظهر عند صاحب التهذيب والقاضى الرويانى وغيرهما وهو مذهب أحمد والقدر الذي يمنع من بيع العرايا فيه انما يمنع في الصفقة الواحدة (أما) لو باع قدرا كبيرا في صفقات فلا منع وكذا لو باع صفقة واحدة من رجلين ما يخص كل واحد منهما   (حديث) روي الشافعي عن مالك عن داود وهو ابن الحصين عن ابي سفيان مولى ابن ابي احمد عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ارخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة اوسق أو في خمسة اوسق شك داود. هو في الام والمختصر كذلك ورواه البخاري عن عبد الله بن عبد الوهاب الحجي سمعت مالكا وسأله عبيد الله بن الربيع احدثك داود عن ابي سفيان عن ابي هريرة فذكره دون ما في آخره وذكر في كتاب الشرب من صحيحه ذلك ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 95 القدر الجائز خلافا لاحمد في المسألتين ولو باع رجلان من واحد فوجهان (أصحهما) ان الحكم كما لو باع واحد من رجلين لان تعدد الصفقة بتعدد البائع أظهر من تعددها بتعدد المشترى كما ذكرنا في الرد بالعيب (والثانى) وبه قال صاحب التلخيص لا يجوز الزيادة على خمسة أوسق نظرا إلى مشترى الرطب لانه محل الخرص الذى هو خلاف قياس الربويات فلا ينبغى أن يدخل في ملكه أكثر من القدر المحتمل دفعة واحدة ولو باع رجلان من رجلين صفقة واحدة لم يجز في أكثر من عشرة أوسق ويجوز فيما دونها وفى العشرة قولان (الثانية) جميع ما ذكرناه في بيع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 96 الرطب بالتمر أما لو باع الرطب على النخل بالرطب على النخيل خرصا فيهما أو بالرطب على وجه الارض كيلا فيه ففي جوازه أوجه (أصحها) وبه قال الاصطخرى لا يجوز لان الرخصة انما تثبت للحاجة إلى تحصيل الرطب ومالك الرطب مستغني عنه أو حاجته إليه أدنى فلا يلحق بصورة الرخصة (والثانى) وبه قال ابن خيران انه يجوز لانه ربما يشتهى ما عند غيره (والثالث) انه ان اختلف النوعان جاز والا فلا ويحكي هذا عن أبى اسحق وحكي الشيخ أبو حامد وآخرون عنه تخصيص هذا التفصيل بما إذا كان علي النخيل والمنع فيما إذا كان احدهما على وجه الارض والفرق أنه قد يزيد النوع الذي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 97 عند صاحبه ويريد أن يأكله رطبا على التدريج وما على وجه الارض لا يمكن أن يؤكل رطبا على التدريج لانه يفسد أو يجف ولو باع الرطب على وجه الارض بالرطب على وجه الارض لم يجز لانه ليس في معنى صورة الرخصة من حيث أن أحد المعاني فيها أن يأكله طريا على التدريج وهذا لا يتحقق فيما على وجه الارض. وذكر القفال في شرح التلخيص انه على الخلاف لانه إذا جاز البيع وأحدهما أو كلاهما على رأس النخل خرصا واحتملت الجهالة فلان يجوز مع تحقق الكيل في الجانبين كان اولى (الثالثة) فيمن يجوز له بيع العرايا ويجوز ذلك لمحاويج الناس وفى اغنيائهم قولان (اصحهما) الجواز لاطلاق الالفاظ التى رويناها (والثاني) لا يجوز ذكره الجزء: 9 ¦ الصفحة: 98 في اختلاف الحديث وبه قال احمد والمزنى لما روى عن زيد ابن ثابت رضى الله عنه (انه سمى رجالا محتاجين من الانصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه مع الناس وعندهم فضول قوتهم من التمر فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر ومن قال بالاول قال هذه حكمة شرعية ثم قال يعم الحكم كما في الرمل والاضطباع في الطواف ونظائرهما ومنهم من بنى الحلاف في هذه المسائل على ان الخرص أصل بنفسه يقام مقام الكيل أو ليس كذلك ويتبع مورد النص والله أعلم *   (حديث) زيد بن ثابت انه سمي رجالا محتاجين من الانصار شكوا الي رسول الله صلى الله عليه وسلم ن الرطب يأتي ولا نقد بأديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه مع الناس وعندهم فضول قوت من تمر فرخص لهم ان يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر. هذا الحديث ذكره الشافعي في الام والمختصر بغير اسناد فقال قيل لمحمود بن لبيد أو قال محمود بن لبيد لرجل من اصحاب رسول الله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 99 قال * (وإذا اجتاحت الآفة الثمار قبل القطاف وبعد التخلية فهى من ضمان البائع على أحد القولين * وميل الجديد إلى أنه ليس من ضمانه (م) * وما فات بآفة السرقة ليس من ضمانه علي الاصح * ويجب على البائع أن يسقى الاشجار لتربية الثمار فان ترك السقى ففسدت الثمار فهى من ضمانه * فان لم تفسد بل فاتت ففى انفساح العقد خلاف * كما في موت العبد المقبوض بمرض تقدم على القبض) * الكلام من هذا الموضع إلى رأس النظر الخامس في أحكام الثمار المبيعة على رأس الاشجار وما يعرض لها ضمن العوارض الجوائح كالحر والبرد والجراد والحريق ونحوها وقد قدم امام الحرمين   = صلي الله عليه وسلم اما زيد بن ثابت واما غيره ما عراياكم هذه. قال فلان وفلان وسمي رجالا محتاجين فذكره. وذكره في اختلاف الحديث فقال والعرايا التي ارخص فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر محمود بن لبيد قال سألت زيد بن ثابت فقلت ما عراياكم هذه فذكر نحوه وذكره البيهقي في المعرفة عن الشافعي معلقا يضا وقد انكره محمد بن داود على الشافعي ورد عليه ابن سريج انكاره الجزء: 9 ¦ الصفحة: 100 على بيان حكمها أصلين لا غنى عن معرفتهما وينفعان في أثناء المسألة (أحدهما) انه إذا باع الثمار بعد بدو الصلاح يلزمه سقى الاشجار قبل التخلية وبعدها قدر ما ينمو به الثمار ويسلم عن التلف والفساد * واحتج له بأن التسليم واحب عليه والسقى من تتمة التسليم كالكيل في المكيلات والوزن في الموزونات فيكون على البائع فلو شرط كونه على المشترى بطل العقد لانه على خلاف قضيته (والثانى) ان المشتري يتسلط على التصرف في الثمار بعد جريان التخلية من كل وجه إذا تقرر ذلك فللجوائح حالتان (أحدهما) أن تعرض قبل التخلية فهى من ضمان البائع فان تلف   = ولم يذكر له اسنادا وقال ابن جزم لم يذكر الشافعي له اسنادا فبطل ان يكون فيه حجة وقال الماوردي لم يسنده الشافعي لانه نقله من السير (تنبيه) قال الشيخ الموفق في الكافي بعد أن ساق هذا الحديث متفق عليه وهو وهم منه * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 101 جميع الثمار انفسخ العقد ولو تلف بعضها انفسخ فيه وفي الباقي قولا التفريق (والثانية) أن تعرض بعد التخلية فينظران باعها بعد بدو الصلاح ففيه طرق وأحدها فيه قولين (أحدهما) ان الجوائح من ضمان البائع وبه قال أحمد لما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم (أمر بوضع الجوائح) (وأصحهما) وهو الجديد وبه قال أبو حنيفة انها من ضمان المشترى لان القبض حصل بالتخلية فصار كما لو هلك بعد القطاف والخبر محمول على الاستحباب ويشعر به ما روي (أن رجلا ابتاع ثمرة فأذهبتها الجائحة   (حديث) ان النبي صلى الله عليه وسلم امر بوضع الجوائح. مسلم عن جابر وفي لفظ للنسائي ان النبي صلى لله عليه وسلم وضع الجوائح * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 102 فسأله أن يضع عنه فأبى أن لا يفعل فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يأبى أن لا يفعل خيرا فأخبر البائع بما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمح به للمبتاع) وتأيد القول الاول بالاصل الاول والثانى بالثاني ولا فرق على القولين بين ان يقل أو يكثر وقال مالك يوضع الثلث فصاعدا ولا يوضع ما دونه. وان باع الثمار قبل بدو الصلاح بشرط القطع ولم يقطعها حتى أضاعتها الجائحة ففيه ثلاثة طرق (اظهرها) انه على القولين (والثانى) انها من ضمان المشترى قولا واحدا لتفريطه   (حديث) ان رجلا ابتاع تمرة فاذهبتها الجائحة فسأله ان يضع عنه فابى ان لا يفعل فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال يابى ان لا يفعل خيرا فاخبر البائع بما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فسمح به للمبتاع. الشافعي عن مالك عن ابي الرجال عن امه عمرة به نحوه مرسل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 103 بترك القطع وأيضا فلانه لا علقة بينهما إذ لا يجب السقى على البائع والحالة هذه ويحكى هذا عن القفال (والثالث) انها من ضمان البائع قولا واحدا لانه إذا شرط القطع كان القبض فيه بالقطع والنقل ويتفرع على كونها من ضمان البائع أمور (الاول) أن المحكوم بكونه من ضمان البائع ما تلف قبل أوان الجذاذ أما ما تلف بعد أوان الجذاذ وامكان النقل ففيه قولان ويقال وجهان (أحدهما) انها من ضمان المشترى لتقصيره بالترك (والثانى) من ضمان البائع أيضا لان التسليم لا يتم ما دامت الثمار متصلة بملك البائع ويشبه   = والبيهقي من طريق حارثة بن ابي الرحال عن ابيه عن عمرة عن عئشة موصولا وقال حارثة ضعيف وهو في الصحيحين من طريق يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة مختصرا * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 104 أن يكون الاول أرجح * قال الامام وموضع الخلاف ما إذا لم يكن التأخير بحيث يعد تقصيرا وتضييعا كاليوم واليومين فان كان كذلك فلا مساغ للخلاف (الثاني) لو تلف بعض الثمار فالحكم على هذا القول كما لو تلف قبل التخلية ولو عابت الثمار بالجوائح ولم تتلف ثبت الخيار على هذا القول كما لو عابت قبل التخلية وعلى الجديد لا يثبت (الثالث) لو ضاعت الثمار بغصب أو سرقة فوجهان (أحدهما) انها من ضمان البائع أيضا بناء على ان التسليم لا يتم الا بالتخلية (والثانى) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 105 انها من ضمان المشترى لتمكنه من الاحتراز عنه بنصب الحافظين وأيضا فان الرجوع على الجاني بالضمان متيسر وهذا أصح عند صاحب الكتاب والاكثرين فمن يقول به يقطع بأن المغصوب والمسروق من ضمان المشترى والقائل الاول يجعلهما على القولين وهو ما أورده العراقيون واعلم أن ما ذكرناه من القولين في الآفات السماوية التى لا نسبة لها إلى البائع بحال فأما إذا ترك السقى وعرضت في الثمار آفة بسبب العطش فنتكلم أولا فيما إذا تلفت به ثم فيما إذا تعيبت وان كان ترتيب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 106 الكتاب عكسه (أما) إذا تلفت ففيه طريقان (أحدهما) ان في انفساخ البيع قولين أيضا يحكي هذا عن أبى على الطبري (وأصحهما) القطع بالانفساخ لاستناد هذه الآفة إلى ترك السقى المستحق بالعقد قبل التخلية وما يستند ألى سبب سابق على القبض قد ينزل منزلة ما لو سبق بنفسه كما ذكرنا في القتل بالردة السابقة والقطع بالسرقة السابقة وموت العبد من المرض المتقدم على القبض (فان قلنا) بعدم الانفساخ فعلى البائع الضمان من القيمة والمثل وانما يجب ضمان ما تلف ولا ينظر إلى ما كان ينتهى إليه لولا العارض (وأما) إذا فسدت بالتعيب فللمشترى الخيار وان جعلنا الجوائح من ضمانه قال الجزء: 9 ¦ الصفحة: 107 الامام لان الشرع الزم البائع بتنمية الثمار بالسقى فالتعيب الحادث بترك السقى كالعيب المتقدم على القبض ولو أفضي التعيب إلى التلف نظران لم يشعر به المشتري حتى تلف عاد الخلاف في الانفساخ ولزم الضمان على البائع ان قلنا بعدم الانفساخ ولا خيار بعد التلف هكذا ذكره الامام وان شعر به ولم يفسخ حتى تلفت فيغرم البائع في وجه لعدوانه ولا يغرم في آخر لتقصير المشترى بترك الفسخ مع القدرة عليه * (فرع) لو باع الثمار مع الاشجار فتلفت الثمار بجائحة قبل التخلية بطل العقد فيها وفى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 108 الاشجار قولان وان تلفت بعد التخلية فهى من ضمان المشترى قولا واحدا لان العلائق منقطعة ههنا والثمرة متصلة بملك المشترى * (فرع) لو اشترى طعاما مكايلة وقبضه جزافا فهلك في يده ففى انفساخ العقد وجهان لبقا علقة الكيل بينهما * قال (وان باع الفثاء أو ما يغلب عليه التلاحق وعسر التسليم بطل على الاصح * فان كان نادرا واتفق ذلك قبل القبض انفسخ العقد على قول * ولعل الاظهر أنه لا ينفسخ * ولكن للمشترى الخيار (و) إن لم يهب البائع ما تجدد منه * فان وهب سقط خياره * وان كان ذلك بعد التخلية فان قلنا ان الجوائح من ضمانه فهو كما قبل التخلية) * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 109 ومن العوارض اختلاط الثمار المبيعة بغيرها لتلاحقها (أما) الاختلاط الذى يبقى معه التمييز فلا اعتبار به (وأما) غيره فإذا باع الثمرة بعد بدو الصلاح والشجر يثمر في السنة مرتين فينظر ان كان ذلك مما يغلب التلاحق فيه وعلم أن الحمل الثاني يختلط بالاول كالتين والبطيخ والقثاء والباذنجان لم يصح البيع الا بشرط ان يقطع المشترى ثمرته عند خوف الاختلاط وفيه قول أو وجه أنه موقوف ان سمح البائع بما حدث تبين انعقاد البيع وإلا تبين انه لم ينعقد من أصله والاصح الاول لما مر في بيع البطيخ ثم إذا شرط القطع ولم يتفق حتى حصل التلاحق والاختلاط فالحكم كما لو اتفق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 110 التلاحق فيما يندر فيه التلاحق فان كان مما يندر فيه التلاحق وعلم عدم الاختلاط أو لم يعلم أنه كيف يكون الحال فيصح البيع مطلقا وبشرط القطع والتبقية وان حصل الاختلاط فله حالتان (احداهما) أن يحصل قبل التخلية فقولان (احدهما) أنه ينفسخ البيع لتعذر تسليم المبيع قبل القبض (وأظهرهما) على ما رآه المصنف وهو اختيار المزني أنه لا ينفسخ لبقاء عين المبيع وامكان امضاء البيع فعلى هذا يثبت للمشترى الخيار لانه أعظم من اباق العبد المبيع وعن صاحب التقريب حكاية قول أنه لا خيار أيضا وان الاختلاط قبل القبض كالاختلاط بعده والمذهب الاول ثم ان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 111 قال البائع اسمح بترك الثمرة الجديدة للمشترى ففى سقوط خياره وجهان (أحدهما) لا يسقط لما في قوله من المنة (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يسقط كما سبق في الاعراض عن نعل الدابة المردودة بالعيب ولو باع الثمرة قبل بدو الصلاح بشرط القطع ثم لم يتفق القطع حتى حصل الاختلاط جرى القولان في الانفساخ وهما جاريان فيما إذا باع حنطة فانهال عليها مثلها قبل القبض وكذا في المائعات ولو اختلط الثوب بأمثاله أو الشاة المبيعة بأمثالها فقد قال في التتمة المذهب ههنا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 112 انفساخ البيع لانه يورث الاشتباه وأنه مانع من صحة البيع لو فرض في الابتداء وفي الحنطة غاية ما يلزم الاشاعة وأنها غير مانعة وفيه وجه أنه لا ينفسخ لامكان تسليمه بتسليم الكل ولو باع جرة من القث بشرط القطع ولم يقطعها حتى طالت وتعذر التمييز جرى القولان ومنهم من قطع بعدم الانفساخ ههنا تشبيها لطولها بكبر الثمرة والشجرة وسمن الحيوان وهو ضعيف لان البائع يجبر على تسليم الاشياء المذكورة بزيادتها وههنا لا يجبر على تسليم ما زاد (والثانية) أن يحصل بعد التخلية ففيه طريقان (أحدهما) وبه قال المزني القطع بعدم الانفساخ كما لو كان المبيع حنطة فأنهالت عليها حنطة أخرى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 113 بعد القبض (والثانى) أنه على القولين في الحالة الاولى بخلاف مسألة الحنطة لان هناك قد تم التسليم وانقطعت العلائق بينهما وفى الثمار لم تنقطع العلائق لان البائع يدخل الحائط للسقي وتعهد النخيل وغير ذلك ويمكن بناء الطريقين على ما ذكره الامام وصاحب الكتاب وهو أن حكم المسألة مأخوذ من الخلاف في الجوائح ان جعلناها من ضمان المشترى أجبنا بالطريقة الاولى وان جعلناها من ضمان البائع أجبنا بالثانية الا أن قضية هذا البناء أن يكون القطع بعدم الانفساخ أظهر وعامة الاصحاب على ترجيح طريقة القولين وإذا قلنا بعدم الانفساخ فان تصالحا وتوافقا على شئ فذاك والا فالقول قول الجزء: 9 ¦ الصفحة: 114 صاحب اليد في قدر حق الآخر ومن صاحب اليد في صورة الثمار فيه وجهان بناء على أن الجوائح من ضمان البائع والمشترى ووجه ثالث وهو أنها في يدهما جميعا وفى صورة الحنطة صاحب اليد هو المشتري فالقول قوله في قدر حق البائع فان كان المشتري قد أودعه الحنطة بعد القبض ثم حصل الاختلاط فالقول قول البائع في قدر حق المشترى والله أعلم * وإذا تأملت ما ذكرناه علمت قوله في الكتاب انفسخ البيع بالزاى وقوله للمشترى الخيار بالواو وكذا قوله سقط خياره ثم ههنا مسألة أخرى لابد من ذكرها وهى أن يبيع شجرة عليها ثمرة تبقى للبائع وهى مما يثمر في السنة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 115 مرتين ويغلب عليها التلاحق فلا يصح البيع الا بشرط ان يقطع البائع ثمرته عند خوف الاختلاط ويجئ فيه الخلاف المذكور فيما إذا كان المبيع الثمرة ثم إذا تبايعا بهذا الشرط ولم يتفق القطع حتى حصل الاختلاط أو كانت الشجرة مما يندر فيها التلاحق أو الاختلاط فااتفق ذلك نقل المزني قولين في الانفساخ وللاصحاب طريقان (فعن) أبي على ابن خيران والطبري القطع بعدم الانفساخ وتخطئة المزني فيما نقل لان الاختلاط وتعذر التسليم لم يوجد في المبيع بخلاف ما إذا كان المبيع الثمار وأثبت الاكثرون القولين ونقلوهما عن نصه في الام وقالوا الاختلاط وان لم يوجد في المبيع لكنه وجد في المقصود الجزء: 9 ¦ الصفحة: 116 بالعقد وهو الثمرة الحادثة فانها مقصود المشترى من الشراء فجاز أن يجعل كالمبيع فان قلنا بعدم الانفساخ نظران سمح البائع بترك الثمرة القديمة أجبر المشترى على القبول وان رضى المشترى بترك الثمرة الحادثة أجبر البائع على القبول وأقر العقد ويشبه أن يجئ في الاجبار على القبول خلاف وان استمرا على النزاع فالمثبتون للقولين قالوا انفسخ العقد بينهما كما لو كان المبيع الثمرة والقاطعون قالوا لا فسخ بل ان كانت الثمرة والشجرة في يد البائع فالقول قوله في قدر ما يستحقه المشترى مع يمينه وان كانتا في يد المشترى فالقول قوله في قدر ما يستحقه البائع قال صاحب التهذيب وهذا هو القياس لان الفسخ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 117 لا يفيد رفع النزاع لبقاء الثمرة الحادثة للمشترى وان قلنا بالانفساخ استرد المشترى الثمن ورد الشجرة مع جميع الثمار ذكره صاحب التتمة * قال (النظر الخامس من كتاب البيع) * (في مداينة العبيد والتحالف وفيه بابان) الاول (في معاملة العبيد والنظر في المأذون له في التجارة وغيره أما المأذون فالنظر فيما يجوز له الجزء: 9 ¦ الصفحة: 118 وفى العهدة وفيما يقضى منه ديونه (أما) ما يجوز له فكل ما يندرج تحت اسم التجارة أو كان من لوازمه فلا ينكح ولا يؤاجر (ح) نفسه ولا يتعدى (ح) النوع الذى رسم له الاتجار فيه * ولا يأذن (ح) لعبيده في التجارة الا بتوكيل معين * ولا يتخذ (ح) الدعوة للمجهزين * ولا يعامل سيده (ح) ولا يتصرف (ح) فيما اكتسب باحتطاب واصطياد واتهاب ثم لا ينعزل (ح) بالاباق * ولا يستفيد (ح) الاذن بالسكوت وإذا ركبته الديون لم يزل (ح) ملك سيده عما في يده ويقبل اقراره (ح) بالدين لابيه وابنه) * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 119 أوضحنا في أول كتاب البيع أن كلام هذا النظر في مداينة العبيد واختلاف المتبايعين وفيهما بابان (الاول) في مداينتهم والمراد من المداينة الاستقراض والشراء بالتسمية وليس الباب مقصورا على بيان ذلك بل هو واف بأحكام سائر معاملاتهم لكنهم تبركوا بترجمة الشافعي رضى الله عنه والعبد إما مأذون في التجارة أو غيره * القسم الاول المأذون في التجارة والكلام فيه يقع في ثلاثة أمور (أحدها) فيما يجوز له من التصرفات وما لا يجوز (وثانيها) في أن الطلب في الديون الواجبة بمعاملاته على من تتوجه (وثالثها) في أنها من أين تؤدي (أما الاول) فاعلم أنه يجوز للسيد أن يأذن لعبده في التجارة وفى سائر التصرفات كالبيع والشراء اجماعا ولانه صحيح العبارة ومنعه من التصرف لحق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 120 السيد فإذا أمره به فقد ارتفع المانع ويستفيد المأذون في التجارة بهذا الاذن كل ما يندرج تحت اسم التجارة أو كان من لوازمها وتوابعها كالنشر والطى وحمل المتاع إلى الحانوت والرد بالعيب والمخاصمة في العهدة ونحوها ولا يستفيد به غير ذلك وهذا القول الجملى تفصله صور (منها) ليس للمأذون في التجارة أن ينكح كما أنه ليس للمأذون في النكاح أن يتجر لان كل واحد منهما غير متناول باسم الآخر (ومنها) ليس له أن يؤاجر نفسه لانه لا يملك التصرف في رقبته فكذلك في منفعته وعن الحليمى حكاية وجه أنه يملك ذلك وهو قول أبى حنيفة وهل له ايجار أموال التجارة كالعبيد والدواب فيه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 121 وجهان (أحدهما) لا كما لا يؤاجر نفسه (وأصحهما) نعم لان التجار قد يعتادون ذلك ولان المنفعة من فوائد المال فيملك العقد عليها كالصوف واللبن (ومنها) لو أذن له السيد في التجارة في نوع من المال لا يصير مأذونا في سائر الانواع وكذا لو أذن في التجارة شهرا أو سنة لم يكن مأذونا بعد تلك المدة خلافا لابي حنيفة فيهما وسلم انه لو دفع إليه الفا ليشترى به شيئا لا يصير مأذونا في التجارة ولو دفع إليه الفا وقال اتجر فيه فله أن يشترى بعين ما دفع إليه وبقدره في ذمته ولا يزيد عليه ولو قال اجعله رأس مالك وتصرف واتجر فله أن يشترى بأكثر من القدر المدفوع إليه (ومنها) ليس للمأذون في الجزء: 9 ¦ الصفحة: 122 التجارة أن يأذن لعبده في التجارة خلافا لابي حنيفة ولو أذن له السيد في ذلك ففعل جاز ثم ينعزل مأذون المأذون بعزل السيد سواء انتزعه من يد المأذون أو لم ينترعه خلافا لابي حنيفة فيما إذا لم ينتزعه وهل له أن يوكل عبده في آحاد التصرفات فيه وجهان (أصحهما) عند الامام وهو الذى أورده في الكتاب نعم لانها تصدر عن نظره وإنما الممتنع أن يقيم غيره مقام نفسه (والثانى) لا لان السيد لم يرض بتصرف غيره وهذا قضية ما أورده في التهذيب (ومنها) ألا يتخذ الدعوة للمجهزين والا يتصدق ولا ينفق على نفسه من مال التجارة لانه ملك السيد وعند أبى حنيفة له ذلك (ومنها) لا يعامل سيده الجزء: 9 ¦ الصفحة: 123 بيعا وشراء لان تصرفه لسيده بخلاف المكاتب يتصرف لنفسه وقال أبو حنيفة له أن يعامل سيده وربما قيد ذلك بما إذا ركبته الديون (ومنها) ما اكتسبه المأذون من الاحتطاب والاصطياد والاتهاب وقبول الوصية والاخذ من المعدن هل ينضم إلى مال التجارة حتى يتصرف فيه فيه وجهان (أحدهما) وهو الذى أورده الفورانى والامام وصاحب الكتاب لا لانه لم يحصل بجهة التجارة ولا سلمه لسيده إليه ليكون رأس المال (والثاني) نعم لانه من جملة أكسابه وهذا أصح عند صاحب التهذيب (ومنها) العبد المأذون لا ينعزل بالاباق بل له التصرف في البلد الذى خرج إليه إلا إذا خص السيد الاذن بهذا البلد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 124 وقال أبو حنيفة يصير محجورا عليه * لنا أن الاباق عصيان فلا يوجب الحجر كما لو عصى السيد من وجه آخر ولو أذن لجاريته في التجارة ثم استولدها ففيه هذا الخلاف ولا خلاف في أن له أن يأذن لمستولدته في التجارة (ومنها) إذا رأى عبده يبيع ويشترى فسكت عنه لم يصر مأذونا له في التجارة خلافا لابي حنيفة * لنا القياس على ما لو رآه ينكح فسكت عليه لا يكون سكوته إذنا في النكاح (ومنها) إذا ركبته الديون لم يزل ملك سيده عما في يده فلو تصرف فيه ببيع أو هبة أو اعتاق بأذن المأذون والغرماء جاز ويكون الدين في ذمة العبد وان أذن العبد دون الغرماء لم يجز وان أذن الغرماء دون العبد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 125 فوجهان وعن أبى حنيفة أنه إذا ركبته الديون يزول ملك سيده عما في يده ولا يدخل في ملك الغرماء (ومنها) اقرار المأذون بديون المعاملة مقبول على ما سيأتي في باب الاقرار ولا فرق بين أن يقربها لاجنبي أو لابنه أو ابنته وقال أبو حنيفة لا يقبل اقراره لهما وهذا الخلاف كالخلاف في اقرار المريض لوارثه (وأما) اقرار المأذون لغير دين المعاملة واقرار غير المأذون فالكلام فيهما منه ما هو مذكور في الاقرار ومنه ما هو مذكور في السرقة وسينتهي الشرح اليهما إن شاء الله تعالى * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 126 قال (ولا يكتفى بقوله (ح) إني مأذون بل لابد من سماع من السيد أو بينة عادلة * ويكتفى بالشيوع على أحد الوجهين * ويكتفى بقوله في الحجر) * من عامل المأذون وهو لا يعرف رقه فتصرفه صحيح ولا يشترط علمه بحاله ذكره في النهاية ومن عرف رقه لم يجر له أن يعامله حتى يعرف إذن السيد ولا يكفى قول العبد أنا مأذون لان الاصل عدم إذن المستحق فأشبه ما إذا زعم الراهن إذن المرتهن في بيع المرهون * وقال أبو حنيفة يكفى قول العبد كما يكفى قول الوكيل قال الاصحاب ليس هما سواء لان في الوكيل لا حاجة إلى دعوى الوكالة بل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 127 يجوز معاملته بناء على ظاهر الحال وان لم يدع شيئا وههنا بخلافه وإنما يعرف كونه مأذونا إما بسماع الاذن من السيد أو ببينة تقوم عليه ولو شاع في الناس كونه مأذونا فوجهان (أصحهما) أنه يكتفي به أيضا لان اقامة البينة لكل معامل مما يعسر ولو عرف كونه مأذونا ثم قال حجر على السيد لم يعامل فان قال السيد لم أحجر عليه فوجهان (أصحهما) انه لا يعامل أيضا لانه العاقد والعقد باطل بزعمه (والثانى) وبه قال أبو حنيفة أنه يجوز معاملته اعتمادا على قول السيد ولو عامل المأذون من عرف رقه ولم يعرف اذنه ثم بان كونه مأذونا فهو ملحق عند الائمة بما إذا باع مال أبيه على ظن أنه حى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 128 فإذا هو ميت ويقرب منه قولان حكاهما الحليمى فيما إذا كذب مدعى الوكالة ثم عامله فظهر صدقه في دعوى الوكالة * (فرع) لو عرف كونه مأذونا فعامله ثم امتنع من التسليم إلى أن يقع الاشهاد على الاذن فله ذلك خوفا من خطر انكار السيد كما لو صدق مدعي الوكالة بقبض الحق ثم امتنع من التسليم حتى يشهد الموكل على الوكالة * (فرع) حكى في التتمة قولين في جواز معاملة من لا يعرف رقه وحريته (أظهرهما) الجواز لان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 129 الاصل والغالب في الناس الحرية (والثانى) المنع لان الاصل بقاء الحجر وما حكيناه عن النهاية في صدر الفصل كأنه جواب على الاظهر والله تعالى أعلم * قال (أما العهدة فهو مطالب (و) بديون معاملته * وكذا سيده على الاظهر * وقيل السيد لا يطالب أصلا * وقيل يطالب إن لم يكن في يد العبد وفاء * ويطرد هذا الخلاف في عامل القراض مع رب المال * وقيل يطرده أيضا في الموكل إذا سلم إلى وكيله الفا معينة * وان عتق العبد طولب به * فان غرمه ففى رجوعه إلى السيد وجهان) * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 130 القول في لفظ العهدة وتفسيرها موضعه غير هذا (وأما) فقه الفصل فإذا باع المأذون سلعة وقبض الثمن فاستحقت السلعة وقد تلف الثمن في يد العبد فللمشترى الرجوع ببدله على العبد لانه المباشر للعقد وفى وجه لا رجوع علي العبد لان يده يد السيد وعبارته مستعارة في الوسط وفى مطالبة السيد ثلاثة أوجه رتبها الامام (أصحها) أنه يطالب أيضا لان العقد له فكأنه البائع والقابض للثمن (والثانى) لا يطالب لان السيد بالاذن قد أعطاه استقلالا فشرط من يعامله قصر الطمع على يده وذمته (والثالث) أنه إن كان في يد العبد وفاء فلا يطالب السيد لحصول غرض المشترى وإلا فيطالب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 131 وعن ابن سريج انه إن كان السيد قد دفع إليه عين مال وقال بعها أو خذ ثمنها واتجر فيه أو قال اشتر هذه السلعة وبعها واتجر في ثمنها ففعل ثم ظهر الاستحقاق وطالبه المشترى بالثمن فله أن يطالب السيد بقضاء الدين عنه لانه أوقعه في هذه الغرامة وان اشتري باختياره سلعة وباعها ثم ظهر الاستحقاق فلا ولو اشترى المأذون شيئا للتجارة ففى مطالبة السيد بالثمن الا وجه والوجه الاول والثانى جاريان في عامل القراض مع رب المال لتنزيل رب المال العهدة على المال المعين ولو أن الرجل سلم إلى وكيله الفا وقال اشتر لى عبدا وأد هذا في ثمنه فاشترى الوكيل ففي مطالبته الموكل بالثمن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 132 طريقان (أحدهما) أنه يطالب ولا حكم لهذا التعيين مع الوكيل لان الوكيل سفير محض والمأذون مستخدم يلزمه الامتثال والتزام ما ألزمه السيد ذمته (وأقيسهما) طرد الوجهين فيه وإذا توجهت الطلبة على العبد لم تندفع بعتقه لكن في رجوعه بالمغرم بعد العتق وجهان (أحدهما) يرجع لانقطاع استحقاق السيد بالعتق (وأظهرهما) لا يرجع لان المؤدى بعد العتق كالمستحق بالتصرف السابق علي الرق وهذا كالخلاف في أن السيد إذا أعتق العبد الذى آجره في اثناء مدة الاجارة هل يرجع بأجرة مثله للمدة الواقعة بعد العتق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 133 قال * (ولو سلم إلى عبده ألفا ليتجر به فاشترى بعينه شيئا وتلف الالف انفسخ العقد * وان اشترى في الذمة فثلاثة أوجه (الثالث) أن للمالك الخيار إن شاء فسخ وان شاء أجاز وأبدل الالف) * إذا سلم إلى عبده الفا ليتجر به فاشترى بعينه شيئا ثم تلف الالف في يده انفسخ العقد كما لو تلف المبيع قبل القبض وان اشترى في الذمة على عزم صرف الالف إلى الثمن ففى المسألة وجهان (أحدهما) انه ينفسخ أيضا لانه حصر اذنه في التصرف في ذلك الالف وقد فات محل الاذن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 134 (وأصحهما) أنه لا ينفسخ وعلى هذا فوجهان (أحدهما) أنه يجب للسيد ألف آخر لان العقد وقع له والثمن غير متعين فعليه الوفاء باتمامه (والثانى) أنه لا يلزمه ذلك ولكنه ان أخرج الفا آخر أمضى العقد والا فللبائع فسخ العقد ويشبه أن يكون هذا أظهر وهو اختيار الشيخ أبى محمد وإذا ترك الترتيب حصل في المسألة ثلاثة أوجه كما ذكر في الكتاب ووراءها وجه رابع وهو أن الثمن يكون في كسب العبد والوجهان في الاصل كالوجهين فيما إذا دفع الفا قراضا إلى رجل فاشتري شيئا في الذمة وتلف الالف عنده هل على رب المال الف آخر أو ينقلب العقد إلى العامل (ان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 135 قلنا) بالاول فعلى السيد الف آخر (وان قلنا) بالثاني انفسخ العقد وإذا قلنا على السيد الف آخر فهل يتصرف العبد فيه بالاذن السابق أم لابد من اذن جديد فيه وجهان وهما كالوجهين في أنه إذا أخرج الفا آخر في صورة القراض فرأس المال الف أو الفان (ان قلنا) الف فلابد من اذن جديد (وان قلنا) ألفان كفى الاذن السابق قال الامام قدس الله روحه والالف الجديد انما يطالب به البائع دون العبد ولا شك أن العبد لا يمد يده إلى الف من مال السيد وانه لا يتصرف فيما تسلمه البائع وانما تظهر فائدة الخلاف فيما إذا ارتفع العقد بسبب من الاسباب ورجع الالف والله أعلم * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 136 قال (أما قضاء ديونه فمن مال التجارة * لا من رقبته (ح) * وفى تعلقه باكتسابه من الاحتطاب وغيره وجهان) * الامر الثالث أن ديون التجارة من أين تؤدى ولا شك أن ديون معاملات المأذون مؤداة مما في يده من مال التجارة سواء فيه الارباح الحاصلة بتجاراته ورأس المال وهل يؤدى من اكتسابه بغير طريق التجارة كالاصطياد والاحتطاب فيه وجهان (أحدهما) لا كسائر أموال السيد (وأصحهما) نعم كما يتعلق به المهر وثبوت النكاح ثم ما فضل من ذلك يكون في ذمته إلى أن يعتق وهل يتعلق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 137 بما يكتسبه بعد الحجر فيه وجهان قال في التهذيب (أصحهما) أنها لا تتعلق به ولا تتعلق برقبته ولا بذمة السيد (أما) أنها لا تتعلق برقبته فلانه دين لزمه برضاء من له الدين فوجب أن لا يتعلق برقبته كما لو استقرض بغير إذن السيد وخالفنا أبو حنيفة فيه (وأما) أنه لا يتعلق بذمة السيد فلان ما لزمه بمعاوضة مقصودة باذنه وجب أن تكون متعلقة بكسب العبد كالنفقة في النكاح ولو كان للمأذونة أولاد لم تتعلق الديون بهم خلافا لابي حنيفة في الذين ولدوا بعد الاذن في التجارة ولو اتلف السيد ما في يد المأذون من أموال التجارة فعليه ما أتلف بقدر الدين ولو أنه قتل المأذون وليس في يده مال لم يلزم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 138 قضاء الدين * هذه مسائل الكتاب وما يناسبها وفي المأذون فروع كثيرة تذكر في مواضع متفرقة والذى نورده في هذه الخاتمة أنه لو تصرف فيما في يد المأذون ببيع أو هبة أو اعتاق ولا دين على العبد فهو جائز وفى وجه يشترط أن يقوم عليه حجرا وإن كان عليه دين فقد سبق حكم تصرفه وإذا باع العبد أو أعتقه صار محجورا عليه في أصح الوجهين وفى قضاء ديونه مما يكتسبه في يد المشترى الخلاف المذكور فيما يكتسبه بعد الحجر عليه * واعلم أن المسائل الخلافية بيننا وبين أبى حنيفة في المأذون يبنى أكثرها على أنه يتصرف لنفسه أو لسيده فعنده يتصرف لنفسه وعندنا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 139 لسيده ولذلك نقول إنه لا يبيع نسيئة ولا بدون ثمن المثل ولا يسافر بمال التجارة إلا باذن السيد ولا يتمكن من عزل نفسه بخلاف الوكيل * (فرع) لو أذن لعبده في التجارة مطلقا ولم يعين مالا فعن ابى طاهر الزيادي أنه لا يصح هذا الاذن وعن غيره أنه يصح وله التصرف في أنواع الاموال هذا تمام القسم الاول * قال (وأما غير المأذون فلا يتصرف بما يضر سيده كالنكاح فانه لا ينعقد دون إذنه * والا قيس جوازاتها به * وقبوله الوصية فيدخل في ملك سيده كما يدخل باحتطابه * ويخلع زوجته * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 140 ولا يصح (ز) ضمانه وشراؤه على الاصح لانه عاجز عن الوفاء بالملتزم * وقيل إنه يصح كما في المفلس * ولا يملك العبد بتمليك السيد (م) على القول الجديد) * القسم الثاني غير المأذون في التجارة وهو قد يكون مأذونا في غير التجارة وقد لا يكون مأذونا أصلا والمسائل الداخلة في هذا القسم منتشرة في الابواب والتى أوردها في هذا الموضع خمس (إحداها) ليس للعبد أن ينكح بغير إذن السيد لانه لو جاز نكاحه لكان له أن يطأ متى شاء وأنه يورث ضعف البنية ويتضرر به السيد هذا حكم كل تصرف يتعلق برقبة العبد (الثانية) الهبة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 141 من عبد الانسان والوصية له هبة ووصية للسيد وفى صحة قبوله فيهما من غير إذن السيد وجهان (احدهما) وبه قال الاصطخرى المنع لعدم رضاه بثبوت الملك (وأصحهما) الصحة لانه اكتساب لا يعقب عوضا فاشبه الاحتطاب والاصطياد بغير إذنه وأيضا فان العبد إذا خالع زوجته صح وثبت العوض ويدخل في ملك السيد قهرا فكذلك ههنا وصورة الوصية قد ذكرها صاحب الكتاب في الوصية (الثالثة) في صحة ضمانه بغير إذن السيد وجهان معادان في كتاب الضمان وشرحهما بذلك الموضع اليق (الرابعة) هل يصح شراؤه دون إذن السيد فيه طريقان (أظهرهما) أن فيه وجهين (أحدهما) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 142 وبه قال ابن أبى هريرة نعم لانه يعتمد الذمة ولا حجر على ذمته (وأصحهما) لا وبه قال أبو إسحق والاصطخري لانه لو صح فأما أن يثبت الملك له وليس هو أهلا لان يملك أو لسيده وذلك إما بعوض يلزمه أو بعوض يكون في ذمة العبد والاول ما رضى به السيد والثانى ممتنع لما فيه من حصول أحد العوضين لغير من يلتزم الثاني وبنوا الوجهين علي القولين في أن المفلس المحجور عليه إذا اشترى شيئا هل يصح ووجه الشبه أن كل واحد منهما صحيح العبارة وإنما حجر عليه لحق الغير (والطريق الثاني) القطع بالبطلان ويفارق المفلس لانه أهل للتمليك * (التفريع) ان صححنا شراءه فمنهم من قال إن الملك للسيد والبائع ان علم رقه لم يطالبه بشئ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 143 حتى يعتق وان لم يعلم فهو بالخيار بين الصبر إلى العتق وبين أن يفسخ ويرجع إلى عين ماله ومنهم من قال الملك للعبد والسيد بالخيار بين أن يقره عليه وبين أن ينتزعه من يده وللبائع الرجوع إلى عين المبيع ما دام في يد العبد لتعذر تحصيل الثمن كما لو أفلس المشترى بالثمن وان تلف في يده فليس له إلا الصبر إلى أن يعتق وإن انتزعه السيد فهل للبائع الرجوع فيه وجهان الذى أورده الاكثرون أنه لا يرجع كما لو زال يد المشترى عما اشتراه ثم أفلس بالثمن وفى التتمة أن الصحيح أنه يرجع أيضا بناء علي أن الملك يحصل للسيد ابتداء لا بالانتزاع وان افسدنا شراءه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 144 فللمالك استرداد العين ما دامت باقية سواء كانت في يد العبد أو في يد السيد وان تلفت في يد العبد تعلق الضمان بذمته وان تلفت في يد السيد فللبائع مطالبته بالضمان وإلا ليس له مطالبة العبد بعد العتق ولا يجب على السيد الضمان بأن رآه فلم يأخذه من يد العبد ولو أدى الثمن من مال السيد فله استرداده والاستقراض في جميع ما ذكرناه كالشراء وللعبد اجارة نفسه باذن السيد وكذا له بيع نفسه ورهنها في أصح الوجهين ولو اشترى العبد أو باع لغيره وكالة بغير إذن السيد ففيه وجهان ذكر في التتمة انهما مبنيان على الخلاف فيما لو اشترى لنفسه والاصح المنع لما الجزء: 9 ¦ الصفحة: 145 فيه من تعلق العهدة بالوكيل وقوله في الكتاب ولا يصح ضمانه وشراؤه يجوز إعلامه بالحاء لان أبا حنيفة يصحح شراءه وايراد الوسيط يدل على أن المراد من قوله على الاصح الاصح من الطريقين (وقوله) في الكتاب وقيل انه يصح كما في المفلس اشارة إلى الطريق الثاني. المعنى يصح في قول كما في المفلس (وقوله) لانه عاجز عن الوفاء بالملتزم وجهه في الضمان ظاهر فان الاداء في الحال متعذر عليه وأما في الشراء فهو مبني على أن للسيد أخذ المبيع منه فلا يبقى للثمن متعلق في الحال (الخامسة) العبد هل يملك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 146 بتمليك السيد فيه قولان (القديم) نعم وبه قال مالك لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (من باع عبدا وله مال أضاف المال إليه) والجديد لا وبه قال أبو حنيفة كما لا يملك بالارث وتمليك غير السيد   (باب معاملات العبيد) (حديث) من باع عبدا وله مال الحديث: متفق عليه من حديث ابن عمر ولابي داود وابن حبان عن جابر نحوه وللبيهقي من حديث عبادة بن الصامت نحوه * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 147 ولانه مملوك فأشبه البهيمة وعن احمد روايتان كالقولين (فان قلنا) بالقديم فللسيد الرجوع عنه متى شاء وليس للعبد التصرف فيه الا باذن السيد وله أن يشترى الجارية التى ملكها أباه ان أذن له فيه وعن الاستاذ أبى اسحق منعه لضعف الملك وان لم يأذن له في الشراء فليس له ذلك وفيه وجه ولو كان له عبدان فملك كل واحد منهما صاحبه فالحكم للتمليك الثاني وهو رجوع عن الاول فان وقعا دفعة واحدة من وكيلين تدافعا والله أعلم * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 148 (الباب الثاني في التحالف) قال * (والنظر في سببه وكيفيته وحكمه (أما) السبب فهو التنازع في تفصيل العقد وكيفيته بعد الاتفاق على الاصل كالخلاف في قدر العوض (ح) وجنسه وقدر الاجل (ح) وأصله (ح) وشرط الكفيل (ح) والخيار (ح) والرهن (ح) وغيره * فموجبه التحالف سواء كانت   (باب اختلاف المتبايعين) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 149 السلعة قائمة أو هالكة (ح م) جرى مع العاقد أو مع ورثته * قبل القبض أو بعده (ح) لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادا ") *   (قوله) وفي رواية إذا اختلف المتبايعان تحالفا وفي رواية أخرى تحالفا أو ترادا أما رواية التحالف فاعترف الرافعي في التذنيب أنه لا ذكر لها في شئ من كتب الحديث وإنما توجد في كتب الفقه وكانه عني الغزالي فانه ذكرها في الوسيط وهو تبع امامه في الاساليب وأما رواية التراد فرواها مالك بلاغا عن ابن مسعود ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه باسناد منقطع وقال الطبراني في الكبير. نا محمد بن هشام المستملي نا عبد الرحمن بن صالح نا فضيل بن عياض نا منصور عن ابراهيم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 150 الاصل في الباب ما روى عن ابن مسعود رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال   = عن علقمة عن عبد الله مرفوعا البيعان إذا اختلفا في البيع ترادا رواته ثقات لكن اختلف في عبد الرحمن بن صالح وما أظنه حفظه فقد جزم الشافعي أن طرق هذا الحديث عن ابن مسعود ليس فيها شئ موصول وذكر الدارقطني علله فلم يعرج على هذه الطريق وله طريق أخرى عند أبي داود والنسائي والحاكم والبيهقي من طريق عبد الرمن بن قيس بن محمد بن الاشعث عن أبيه عن جده قال قال عبد الله بن مسعود فذكر الحديث وصححه من هذا الوجه الحاكم وحسنه البيهقي وقال ابن عبد البر هو منقطع إلا أنه مشهور الاصل عند جماعة العلماء تلقوه وبنوا عليه كثيرا من فروعه وأعله ابن حزم بالانقطاع وتابعه عبد الحق وأعله بن القطان بالجهالة في عبد الرحمن وأبيه وجده وله طريق اخري رواها الدارقطني من طريق القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال باع عبد الله بن مسعود سببا من سبي الامارة بعشرين الفا يعني من الاشعث بن قيس فذكر القصة والحديث ورجاله ثقات إلا أن عبد الرحمن اختلف في سماعه من أبيه * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 151 (إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع والمبتاع بالخيار ومعناه أن المبتاع بالخيار بين امساكه بما حلف عليه البائع وبين أن يحلف على ما يقوله للرواية الاخرى (إذا اختلف المتبايعان تحالفا) وفي رواية (إذا اختلف   (حديث) ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع والمبتاع بالخيار. الشافعي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن اسماعيل بن أمية عن عبد الملك بن عمير عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال أتى عبد الله بن مسعود فقال حضرت النبي صلى الله عليه وسلم فامر بالبائع أن يستحلف ثم يخير المبتاع إن شاء ترك رواه أحمد عن الشافعي والنسائي والدارقطني من طريق أبي عبيدة أيضا وفيه انقطاع على ما عرف من اختلافهم في صحة سماع أبي عبيدة من أبيه واختلف فيه على اسماعيل بن أمية ثم عن ابن جريج في تسمية والد عبد الملك هذا الراوي عن أبي عبيدة فقال يحيى بن سالم عن اسماعيل بن أمية عبد الملك بن عمير كما قال سعيد بن سالم ووقع في النسائي عبد الملك بن عبيد ورجح هذا أحمد والبيهقي وهو ظاهر كلام البخاري وقد صححه ابن السكن والحاكم وروي الشافعي في المختصر عن سفيان عن ابن عجلان عن عون بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود عن ابن مسعود نحوه بلفظ الباب وفيه نقطاع ورواه الدارقطني من طريق القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن جده وفيه اسماعيل بن عياش عن موسى ابن عقبة * (قوله) وفي رواية إذا اختلفا المتبايعان والسلعة قائمة ولا بينة لاحدهما تحالفا رواها عبد الله بن أحمد في زيادات المسند من طريق القاسم بن عبد الرحمن عن جده ورواها الطبراني والدارمي من هذا الوجه فقال عن القاسم عن أبيه عن ابن مسعود وانفرد بهذه الزيادة وهي قوله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 152 المتبايعان ولابينة لاحدهما تحالفا * إذا عرفت ذلك فكلام الباب يقع في ثلاثة فصول (أحدها) في السبب المحوج إلى التحالف ومتى تبايع اثنان ثم وقع بينهما اختلاف فذلك إما أن يكون مع الاتفاق على عقد صحيح أولا معه القسم الاول أن يختلفا مع الاتفاق على عقد صحيح مثل أن يختلفا في قدر الثمن فيقول البائع بعتك هذا بمائة فيقول المشترى بخمسين فينظران كان لاحدهما بينة قضى بها وان أقام كل واحد   = والسلعة قائمة عن أبي ليلى وهو محمد بن عبد الرحمن الفقيه وهو ضعيف سئ الحفظ وأما قوله فيه تحالفا فلم يقع عند أحد منهم وإنما عندهم والقول قول البائع أو يرادان * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 153 منهما بينة على ما يقوله سمعا من حيث ان كل واحد منهما مدع ثم ان قلنا بالتساقط فكان لا بينة والا توقفنا إلى ظهور الحال وان لم يكن لواحد منهما بينة فيتحالفان لان كل واحد منهما مدع ومدعى عليه فالبائع مدع زيادة الثمن ومدعى عليه في تمليك السلعة بالاقل والمشترى بالعكس فإذا لم يكن بينة حلف كل واحد منهما ولا فرق في ذلك بين أن تكون السلعة قائمة أو هالكة وقال أبو حنيفة إنما يتحالفان عند قيام السلعة أما إذا هلكت فالقول قول المشترى مع يمينه وعن أحمد روايتان كالمذهبين وعن مالك مثل ذلك ورواية المنذر هي أنه ان كان قبل القبض تحالفا وان كان بعده فالقول قول المشترى لنا ما سبق من اطلاق الاخبار وقياس حالة الهلاك على حالة البقاء لا فرق أيضا بين أن يقع الاختلاف الجزء: 9 ¦ الصفحة: 154 بين المتبايعين أو ورثتهما بعدهما وقال أبو حنيفة إن كان المبيع غير مقبوض تحالفا والا فالقول قول ورثة المبتاع * ولو اختلفا في جنس الثمن أو بعض صفاته فهو كالخلاف في القدر وكذا الاختلاف في قدر المبيع بأن يقول البائع بعتك هذا العبد ويقول المشترى هذا العبد وهذا الثوب والاختلاف في قدر المبيع والثمن بأن يقول البائع بعتك هذا العبد بألف ويقول المشترى بعتنيه وهذه الجارية بالفين ولو قال البائع بعتك هذا العبد فقال المشترى بعتني هذه الجارية ولم يختلفا في الثمن نظران كان الثمن معينا تحالفا كما لو اختلفا في جنس الثمن وان كان الثمن في الذمة فوجهان (أحدهما) أنهما يتحالفان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 155 أيضا كما لو كان معينا وبهذا أجاب ابن الحداد واختاره القاضى أبو الطيب وابن الصباغ رحمهم الله والثانى أنه لا تحالف لان المبيع مختلف فيه والثمن ليس بمعين حتى يربط به العقد ويحكى هذا عن الشيخ أبى حامد واختاره الامام وصاحب التتمة ونظير المسألة من الصداق أن يقول الزوج أصدقتك أباك فقالت بل أمي وقد أوردها صاحب الكتاب في آخر كتاب الصداق ورأى الاصح التحالف فان قلنا لا تحالف حلف كل واحد منهما علي نفى ما يدعيه صاحبه ولم يجمع أحدهما في اليمين بين النفى والاثبات ولا يتعلق بينهما فسخ ولا انفساخ ولو كانت المسألة بحالها وأقام كل واحد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 156 منهما بينة على ما ذكره سلمت الجارية للمشترى وأما العبد فقد أقر البائع بيعه وقامت البينة عليه أو لم تقم فان كان في يد المشترى أقر عنده وان كان في يد البائع فوجهان (أحدهما) أنه يسلم إلى المشترى ويجبر على قبوله والثانى لا يجبر لانه ينكر ملكه فيه فعلى هذا يقبضه الحاكم وينفق عليه من كسبه فان لم يكن له كسب ورأى الحظ في بيعه وحفظ ثمنه فعل ولو أنفقا على المبيع والثمن واختلفا في شرط الخيار أو قدره أو شرط الرهن بالثمن أو الكفيل أو شرط الاجل أو قدره جرى التحالف أيضا خلافا لابي حنيفة وأحمد حيث قالا الاختلاف في شروط العقد لا يقتضى التحالف ولكن القول قول من منعها * لنا اطلاق الاخبار السابقة والرواية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 157 المذكورة في الكتاب ولا تخفي المواضع المستحقة للعلامات من الفاظ الكتاب * قال (ويجرى في كل معاوضة * كالصلح عن دم العمد والخلع والنكاح والاجارة والمساقاة والقراض والجعالة ولكن أثره في بدل الدم والبضع الرجوع إلى بدل المثل لا فسخ الخلع والنكاح * ولو قال وهبت هذا منى فقال لا بل بعته فالقول قوله في انه ما وهب * ولم يتحالفا إذ لم يتفقا على عقد) * في الفصل مسألتان (احداهما) ان التحالف لا يختص بالمبايعات بل يجرى في سائر عقود الجزء: 9 ¦ الصفحة: 158 المعاوضات من السلم والاجارة والمساقاة والقراض والجعالة والصلح عن الدم والخلع والصداق والكتابة طردا للمعنى ثم في البيع ونحوه يفسخ العقد بعد التحالف أو ينفسخ ويترادان كما سيأتي وفى الصلح عن الدم لا يعود استحقاق بل ان التحالف في الرجوع إلى الدية فكذلك لا يرتد البضع ولكن في النكاح ترجع المرأة إلى مهر المثل وفى الخلع يرجع إليه الزوج وسيعود ذكر هذا الكلام في كتابيهما ثم ذكر الامام قدس الله روحه في هذا الموضع اشكالا فقال أي معنى للتحالف في القراض مع انه جائز وكل واحد منهما بسبيل من فسخه بكل حال وايد ذلك بأن القاضى الحسين منع من التحالف في البيع في زمان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 159 الخيار ومكانه لامكان الفسخ بسبب الخيار واجاب بان التحالف ما وضع للفسخ ولكن عرضت الايمان رجاء أن ينكف الكاذب ويتقرر العقد بيمين الصادق فإذا لم يتفق ذلك واصرا فسخ العقد للضرورة ونازع القاضى فيما ذكره لاشكالات قررها ثم مال بالآخرة إلى موافقته ورأى في القراض ان يفصل فيقال التحالف قبل الخوض في العمل لا معنى له واما بعده فالنزاع يؤل إلى مقصود لا خيرة فيه من ربح أو اجر مثل فيتحالفان والجعالة كالقراض (المسألة الثانية) لو قال بعتك هذا بالالف فقال الجزء: 9 ¦ الصفحة: 160 بل وهبتنيه فلا تحالف إذ لم يتفقا على عقد ولكن يحلف كل واحد منهما علي نفى ما يدعيه صاحبه فإذا حلفا فعلى مدعى الهبة رده بزوائده هذا هو المشهور ووراءه شيئان (أحدهما) عن صاحب التقريب رواية قول أن القول قول مدعى الهبة لانه مالك باتفاقهما وصاحبه يدعي عليه والاصل براءة ذمته عنه (الثاني) أطلق في التتمة وجها أنهما يتحالفان وادعى انه الصحيح ولو قال بعتك هذا بألف فقال بل وهبتنيه حلف كل واحد منهما على نفى ما يدعيه صاحبه ورد الالف واسترد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 161 العين ولو قال رهنتكه بألف استقرضته؟ فقال بل بعتنيه بألف فالقول قول المالك مع يمينه وترد الالف ولا يمين على الآخر ولا يكون رهنا لانه لا يدعيه قاله في التهذيب * قال (ولو تنازعا في شرط مفسد فكذلك * والاصح أن القول قول من ينكر الشرط الفاسد * ولو رد المبيع عليه بعيب فقال هذا ليس ما قبضته منى فالقول قوله * وان جرى ذلك في المسلم فيه ففيه خلاف من حيث إنه لم يعترف له بقبض صحيح * وقال ابن سريج ان كان بحيث الجزء: 9 ¦ الصفحة: 162 لو رضي به لوقع عن جهة الاستحقاق لرجوع التفاوت إلى الصفة فهو كالمبيع لان القبض صحيح فيه لو رضى به) * القسم الثاني أن يختلفا من غير الاتفاق على عقد صحيح بأن يدعى أحدهما صحة العقد والآخر فساده كما إذا قال بعتك بألف فقال المشترى بل بألف وزق خمر وقال أحدهما شرطنا في العقد شرطا مفسدا وأنكر الآخر فلا تحالف وفيمن القول قوله وجهان (أصحهما) عند صاحب التهذيب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 163 أن القول قول من يدعى الفساد مع يمينه لان الاصل عدم العقد الصحيح وبقاء الملك للمالك وصار كما لو اختلفا في أصل البيع (واصحهما) عند المصنف وهو اختيار الشيخ أبى حامد وابن الصباغ أن القول قول من يدعى الصحة لان الظاهر من العقود الجارية بين المسلمين الصحة واحتج لهذا الوجه بنصه في البويطى فيمن أسلم إلى رجل في طعام واختلفا فادعى المسلم إليه أنه شرط فيه الخيار وأنكره المسلم أن القول قول المسلم مع يمينه وأيضا فلو قال هذا الذى بعتنيه حر الاصل وقال البائع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 164 بل هو مملوك فالقول قول البائع وذكر الائمة تخريج الوجهين على أصلين (أحدهما) عن القاضى أبى الطيب أن أصل الوجهين قولان للشافعي رضى الله عنه فيمن تكفل برجل ثم اختلفا فقال تكفلت على أن الخيار ثلاثا وأنكر المكفول له أن القول قول الكفيل أو المكفول له (والثانى) عن القفال ان اصلهما القولان فيمن قال لفلان على الف من ثمن الخمر هل يؤاخذ بأول كلامه ام يقبل قوله من ثمن الخمر (ان قلنا) بالثاني فالقول قول من يدعى الفساد (وان قلنا) بالاول فالقول الجزء: 9 ¦ الصفحة: 165 قول من يدعي الصحة ولمخرج ان يخرج الوجهين على قولى تقابل الاصل والظاهر ولو قال بعتك بألف فقال بل بخمر أو بثمن مجهول ففي التهذيب نقل طريقين (اظهرهما) طرد الوجهين (والثانى) القطع بالفساد لانه لم يقر بشئ ملزم وإذا فرعنا على ان القول قول من يدعى الصحة فلو قال بعتك بالف فقال بل بخمسمائة وزق خمر وحلف البائع على نفي سبب الفساد صدق فيه وبقى التنازع في قدر الثمن فيتحالفان * ثم الفصل يشتمل على مسألة أخرى في اختلاف المتبايعين من وجه آخر وهى أن يشترى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 166 عبدا مثلا ثم يجئ بعبد ويريد رده بعيب فيه فيقول البائع ليس هذا ما ابتعته وقبضته مني فالقول قول البائع لان الراد يريد الفسخ والاصل مضيه علي السلامة ولو فرض ذلك في التسلم أو قال ليس هذا على الوصف الذى أسلمت اليك فيه ففيه وجهان (أحدهما) أن القول قول المسلم إليه مع يمينه كما أن القول قول البائع وبهذا أجاب في التنبيه (وأصحهما) أن القول قول المسلم لان اشتغال ذمته بمال السلم معلوم والبراءة غير معلومة ويفارق صورة البيع لانهما اتفقا على قبض ما ورد عليه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 167 الشراء وتنازعا في سبب الفسخ والاصل استمرار العقد والوجهان جاريان في الثمن في الذمة أن القول قول القابض أو الدافع وعن ابن سريج وجه ثالث وهو أنه يفرق بين ما يمنع صحة القبض وبين العيب الذى يمنعها فإذا كان الثمن دراهم في الذمة وفرض هذا النزاع وكان ما أراد البائع رده زيوفا ولم يكن ورقا فالقول قول البائع لانكار أصل القبض الصحيح وان كانت ورقا لكنها رديئة النوع لخشونة أو اضطراب سكة فالقول قول المشترى لان أصل القبض قد تحقق ولو رضى به لوقع المقبوض الجزء: 9 ¦ الصفحة: 168 عن الاستحقاق ولا يخفى مثل هذا التفصيل في المسلم فيه ولك أن تقول المعنى الفارق في المسلم فيه ظاهر فان الاعتياض عنه غير جائز ولكن في الثمن لو رضى بالمقبوض لوقع عن الاستحقاق وان لم يكن ورقا متى كانت له قيمة لان الاستبدال عن الثمن جائز علي الصحيح وقوله في الكتاب لرجوع التفاوت إلى الصفة أراد صفات الجودة والرداءة فان أخذ الردئ عن الجيد جائز وانما المانع من الاخذ تغاير الجنس ولو كان الثمن معيبا فهو كالمبيع فإذا وقع فيه هذا الاختلاف فالقول قول المشترى مع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 169 يمينه قال في التهذيب لو كان المعين نحاسا لا قيمة له فالقول قول الراد لانه يدعى بقاء ملكه وفساد العقد ولك أن تقول ينبغى أن يكون هذا علي الخلاف فيما إذا ادعى أحدهما صحة العقد والآخر فساده ولو اشترى طعاما كيلا وقبضه بالكيل أو وزنا وقبضه بالوزن أو أسلم فيه وقبضه ثم جاء وأدعى نقصانا فيه نظر ان كان قدر ما يقع مثله في الكيل والوزن قبل والا فقولان عن رواية الربيع (أحدهما) أن القول قول القابض مع يمينه لان الاصل بقاء حقه ويحكى هذا عن أبى حنيفة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 170 ورجحه صاحب التهذيب (والثانى) ويحكى عن مالك أن القول قول الدافع مع يمينه لانهما اتفقا على القبض والقابض يدعى الخطأ فيه فيحتاج إلى البينة كما لو اقتسما ثم جاء أحدهما وادعي الخطأ فيه يحتاج إلى البينة وهذا أصح عند القاضى أبى الطيب وغيره * ولو اختلف المتبايعان في القبض فالقول قول المشترى ولو باع عصيرا وحصل القبض فوجد خمرا فقال البائع تخمر في يدك وقال المشتري بل سلمته خمرا والقبض فاسد وأمكن الامران جميعا فقولان (أحدهما) أن القول قول الجزء: 9 ¦ الصفحة: 171 البائع لان الاصل بقاء الحلاوة (والثانى) أن القول قول المشترى لان الاصل عدم القبض الصحيح ولو قال أحدهما انه كان خمرا عند البيع فهذا يدعى فساد العقد والآخر يدعي صحته وقد سبق حكمه وبهذا يقاس ما لو باعه لبنا فأخذه المشترى في ظرف ثم وجدت فيه فأرة وتنازعا في نجاسته عند القبض وعند البيع ولو قال المشترى بعت العبد بشرط انه كاتب وأنكره البائع فوجهان (أحدهما) أن القول قول البائع كما لو اختلفا في العيب (والثانى) أنهما يتحالفان كما الجزء: 9 ¦ الصفحة: 172 لو اختلفا في الاجل أو الخيار قال في التتمة وهذا أصح ولو كان الثمن مؤجلا واختلفا في انقضاء الاجل فالاصل بقاؤه * قال (أما كيفية اليمين فالبداءة (ح) بالبائع * وفى السلم بالمسلم إليه * وفى الكتابة بالسيد لانهما في رتبة البائع * وفى الصداق بالزوج لانه في رتبة بائع الصداق وأثر التحالف يظهر فيه لا في البضع * وقيل انه يبدأ بالمشتري وهو مخرج * وقيل يتساويان فيتقدم بالقرعة أو برأى القاضى * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 173 ثم يحلف يمينا واحدا ويجمع بين النفى والاثبات * ويقدم (و) النفى فيقول والله ما بعته بألف بل بعته بألفين * فان حلف البائع عليهما ونكل المشترى عن أحدهما قضى عليه * وفيه قول مخرج أنه لا يجمع في يمين واحدة بين النفى والاثبات بل يحلف البائع على النفي ثم المشترى على النفى ثم البائع على الاثبات ثم المشترى على الاثبات فيتعدد اليمين) * الفصل الثاني في كيفية التحالف وقاعدته أن يحلف كل واحد من المتعاقدين على إثبات الجزء: 9 ¦ الصفحة: 174 ما يقوله ونفى ما يقوله صاحبه ثم فيه مسألتان (إحداهما) فيمن يبدأ به من المتعاقدين وقد نص في البيع انه يبدأ بالبائع وفى المسلم انه يبدأ بالمسلم إليه وفى الكتابة بالسيد وهذه النصوص متوافقة وفى الصداق انه يبدأ بالزوج وظاهره يخالف سائر النصوص لان الزوج شبيه بالمشترى ونص في الدعاوى أنه إن بدأ بيمين البائع خير المشترى وإن بدأ بيمين المشترى خير البايع وهذا يشعر بالتسوية والتخيير وللاصحاب طريقان (أظهرهما) أن المسألة على ثلاثة أقوال (أظهرهما) أن البداية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 175 بالبائع وبه قال أحمد واحتجوا له بأن جانبه أقوى لان ملكه على الثمن يتم بالعقد وملك المشترى على المبيع لا يتم بالعقد ولان المبيع يعود إليه بعد التحالف (والثانى) ان البداية بالمشترى وبه قال أبو حنيفة لان البائع يدعى عليه زيادة ثمن والاصل براءة ذمته عنها فتقوى بذلك جانبه (والثالث) أنه لا بداية بل يتساويان لان كل واحد منهما مدع ومدعي عليه فلا ترجيح وعن الشيخ أبى حامد ان هذا أقيس وان كان الاول ظاهر المذهب وعلى هذا فوجهان (أظهرهما) أن الحاكم مخير الجزء: 9 ¦ الصفحة: 176 في ذلك يبدأ بمن اتفق (والثانى) أنه يقرع بينهما كما يقرع بين المتساويين إلى مجلسه (والطريق الثاني) القطع بان البداية بالبائع ومن قال بهذا قطع بأن البداية في اختلاف الزوجين بالزوج على ما نص عليه وقرره من وجهين (احدهما) أن أثر تحالف الزوجين إنما يظهر في الصداق دون البضع والزوج هو الذى ينزل عن الصداق فكان كالبائع له (والثانى) أن تقديم البائع إنما كان لقوة جانبه بحصول المبيع له بعد التحالف وفى النكاح يبقى البضع للزوج (وأما) نصه في كتاب الدعاوى فستعرف تأويله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 177 (وإذا قلنا) بطريقة اثبات الخلاف فان قدمنا البائع لم يخف من ينزل منزلته في سائر العقود وفي الصداق ويأتى وجهان (أحدهما) أن البداية بالمرأة لما مر وان قدمنا المشترى نقله صاحب التهذيب وغيره وأوفقهما للنص أن البداية بالزوج لما مر وإن قدمنا المشترى فالقياس انعكاس الوجهين والله أعلم * ثم ههنا أمران مهمان (أحدهما) أن جميع ما ذكرناه في الاستحباب دون الايجاب والاشتراط نص عليه الشيخ أبو حامد وصاحب التهذيب والتتمة وهو أحد ما حمل عليه نصه في الدعاوي (والثانى) أن تقديم أحد الجانبين مخصوص بما إذا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 178 باع عرضا بثمن في الذمة (فاما) إذا تبادلا عرضا بعوض فلا تتجه الا التسوية ذكره الامام وينبغى أن يخرج ذلك على أن الثمن ماذا وقد سبق الخلاف فيه (المسألة الثانية) في تعدد اليمين وصفتها ظاهر نص الشافعي رضى الله عنه الاكتفاء بيمين واحدة من كل واحد من المتعاقدين يجمع فيها بين النفي والاثبات فيقول البائع ما بعت بخمسمائة وإنما بعت بألف ويقول المشترى ما اشتريت بألف وإنما اشتريت بخمسمائة ولو كان في يد رجلين دار فادعي كل واحد منهما أن جميعها له فالنص أن كل واحد منهما الجزء: 9 ¦ الصفحة: 179 يحلف على مجرد نفى استحقاق صاحبه ما في يده فلو حلف أحدهما ونكل الآخر فالحالف يحلف يمينا أخرى للاثبات وللاصحاب فيهما طريقان (أصحهما) تقرير النصين والفرق أن منفى كل واحد منهما في ضمن مثبته لان العقد واحد بالاتفاق والتنازع في صفته فكان الدعوى واحدة فجاز التعرض في اليمين الواحدة للنفي والاثبات وفى مسألة الدار منفى كل واحد منهما ممتاز عن مثتبه فلا معنى ليمينه على الاثبات قبل نكول صاحبه (والثانى) التصرف بتخريج قول من مسألة الدار فيما نحن فيه ووجهه الجرى على الجزء: 9 ¦ الصفحة: 180 قياس الخصومات فان يمين الاثبات لا يبدأ بها في غير القسامة وهل يتصرف بتخريج قول ما نحن فيه في مسألة الدار أيضا (قال) كثيرون نعم حتى يكون فيهما قولان بالنقل والتخريج (وقال) الشيخ أبو حامد والامام لا وهو الحق لان كل واحد منهما لا يحتاج فيما في يده إلى الاثبات واليمين على الاثبات يمين الرد فكيف يحلف الاول يمين الرد وصاحبه لم ينكل بعد وكيف يحلفها الثاني وقد حلف صاحبه (التفريع) ان اكتفينا بيمين واحدة يجمع فيها بين النفى والاثبات فإذا حلف أحدهما الجزء: 9 ¦ الصفحة: 181 ونكل عن الثاني قضى للحالف سواء نكل عن النفى والاثبات جميعا أو عن أحدهما والنكول عن البعض كهو عن الكل فينبغي أن يقدم النفي على الاثبات لان النفى هو الاصل في الايمان وعن الاصطخرى أن الاثبات مقدم لانه المقصود وهذا الخلاف في الاستحباب أو الاستحقاق (والاظهر) الاول ونقل الامام الثاني (وان قلنا) يحلف أولا على مجرد النفى فلو أضاف إليه الاثبات كان لغوا وإذا حلف من وقعت البداية به على النفى عرضت اليمين على الثاني فان نكل حلف الاول على الاثبات وقضى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 182 له وان نكل عن الاثبات لم يقض له لاحتمال صدقه في نفى ما يدعيه صاحبه وكذبه فيما يدعيه ثم عن الشيخ أبى محمد أنه كما لو تحالفا لان نكول المردود عليه عن يمين الرد نازل في الدعاوى منزلة حلف الناكل أولا ولو نكل الاول عن اليمين حلف الاخر على النفى والاثبات وفضى له * ولو حلفا على النفي فوجهان (أصحهما) وبه قال الشيخ أبو محمد أنه يكفى ذلك ولا حاجة بعده إلى يمين الاثبات لان المحوج إلى الفسخ جهالة الثمن وقد حصلت (والثانى) أنه تعرض يمين الاثبات عليهما فان حلفا تم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 183 التحالف وان نكل أحدهما قضى للحالف والقول في أنه يقدم يمين النفى أو الاثبات يقاس بما ذكرنا على تقدير الاكتفاء بيمين واحدة ولو عرضت اليمين عليهما فنكلا جميعا ففيه وجهان للامام (أحدهما) أن تناكلهما كتحالفهما كما أنه إذا تداعي رجلان مولودا كان ذلك كتحالفهما (والثانى) أنه يوقف الامر وكأنهما تركا الخصومة والله أعلم * وقوله في الكتاب في المسألة الاولى وقيل إنه يبدأ بالمشترى وهو مخرج انما ذكر ذلك لانه مأخوذ من نصه في الصداق يجوز اعلام قوله وقيل في الموضعين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 184 بالواو للطريق القاطعة بأن البداية بالبائع (وقوله) فالبداية بالبائع معلم بالحاء (وقوله) يبدأ بالمشترى بالالف (وقوله) يتساويان بهما (وقوله) فيتقدم بالقرعة أو برأي القاضى ليس للتخيير وإنما أراد به الوجهين اللذين قدمناهما (وقوله) ويقدم النفى في المسألة الثانية معلم بالواو (وقوله) بل يحلف البائع على النفى إلى آخره مفرع على إن البداية بالبائع * قال (أما حكم التحالف فهو إنشاء الفسخ إذا استمرا على النزاع * وفيه قول مخرج أنه ينفسخ * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 185 ثم القاضى يفسخ * أو من (و) أراد من المتعاقدين فيه وجهان) * (الفصل الثالث) في حكم التحالف وثمرته * إذا تحالفا ففى العقد وجهان (أحدهما) أنه ينفسخ كما ينفسخ النكاح بتحالف المتلاعنين ولان التحالف يحقق ما قالاه ولو قال البائع بعت بألف فقال المشترى اشتريت بخمسمائة لم ينعقد فكذلك ههنا (وأصحهما) وهو المنصوص انه لا ينفسخ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 186 لان البينة أقوي من اليمين ولو أقام كل واحد منهما بينة على ما بقوله لا ينفسخ العقد فباليمين أولى أن لا ينفسخ * (التفريع) إن قلنا بالاول فلو تفارا على أحد اليمين لم يعد نافذا بل لابد من تجديد عقد وهل ينفسخ المال أو يتعين ارتفاعه من أصله فيه وجهان (أظهرهما) أولهما لنفوذ تصرفات المشترى قبل الاختلاف ويحكى الثاني عن ابى بكر الفارسى (وان قلنا) بالاصح فالحاكم يدعوهما بعد التحالف إلى الموافقة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 187 فينظر هل يعطى المشترى ما يقوله البائع من الثمن فان فعل اجبر البائع عليه والا نظر هل يقنع البائع بما يقوله المشترى فان فعل فذاك والا فحينئذ يحتاج إلى فسخ العقد ومن الذى يفسخه فيها وجهان احدهما الحاكم كالفسخ بالعنة لانه فسخ مجتهد فيه واظهرهما ان للمتعاقدين ايضا ان يفسخا ولاحدهما أن ينفرد به كالفسخ بالعيب قال الامام (وإذا قلنا) الحاكم هو الذى يفسخ فذلك إذا استمرا على النزاع ولم يفسخا أو التمسا الفسخ فاما إذا اعرضنا عن الخصومة ولم يتوافقا على شئ ولا فسخا ففيه تردد ثم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 188 إذا فسخ العقد ارتفع في الظاهر وهل يرتفع في الباطن ثلاثة أوجه (احدهما) لا لان سبب الفسخ تعذر امضاؤه لعدم الوقوف على الثمن وانه أمر يتعلق بالظاهر (والثانى) نعم كالفسخ يتعلق بالعيب (والثالث) ان كان البائع صادقا فنعم لتعذر وصوله إلى حقه كما لو فسخ بافلاس المشترى وان كان كاذبا فلا يمكنه من الوصول إلى ما ثبت له وهل يجرى مثل هذا الخلاف إذا فرعنا على انفساخ العقد بنفس التحالف أم يجزم بالارتفاع باطنا أيضا اختلفوا فيه وإذا قلنا بالارتفاع باطنا ترادا وتصرف كل واحد منهما فيما الجزء: 9 ¦ الصفحة: 189 عاد إليه وان منعناه لم يجز لهما التصرف لكن لو كان البائع صادقا فقد ظفر بمال من ظلم لما استرد المبيع فله بيعه أما بالحاكم في أحد الوجهين أو بنفسه في أصحهما واستيفاء حقه من ثمنه * واعلم ان جميع ما ذكرناه مفرغ في قالب واحد وهو ان يكون اختلافهما في قدر الثمن وللامام عبارة نحو هذه الصورة وسائر صور الاختلاف وهي ان الفسخ ان صدر مع المحق فالوجه تنفيذه باطنا وان صدر من المبطل فالوجه منعه وإن صدر منهما جميعا فلا لاشك في الانفساخ باطنا وليس ذلك موضع الخلاف قال المصنف الجزء: 9 ¦ الصفحة: 190 في الوسيط كما لو تقايلا وإذا صدر من المبطل ولم ينفذه باطنا فطريق الصادق اثناء الفسخ وان اراد الملك فيما عاد إليه وان صدر من القاضى فالظاهر الانفساخ باطنا لينتفع به المحق قال (ثم يرد عين المبيع عند التفاسخ ان كان قائما والا فقيمته عند التلف اعتبارا بقيمته يوم التلف على الاصح * وقيل يعتبر يوم القبض * ولو كان المبيع عبدين وتلف أحدهما ضم قيمة التالف إلى القائم * ولو كان تعيب في يده ضم أرش العيب إليه * وان كان آبقا أو مكاتبا أو مرهونا أو مكرى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 191 غرم القيمة * وإذا ارتفعت الموانع ففي رد العين واسترداد القيمة خلاف) * إذا انفسخ البيع بالتحالف أو فسخ فعلى المشترى رد المبيع ان كان قائما بحاله لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (قال إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادا) ويسلم له الولد والثمرة والكسب والمهر وان كان تالفا فعليه قيمته سواء كانت أكثر من الثمن الذى يدعيه البائع أو اقل وفى القيمة المعتبرة وجوه وقال الامام أقوال (أصحها) عند المصنف ان الاعتبار بقيمة يوم التلف لان مورد الفسخ العين لو بقيت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 192 والقيمة خلف عنها فإذا فات الاصل فحينئذ ينظر إليها (والثانى) أنه يعتبر قيمة يوم القبض لانه وقت دخول المبيع في ضمانه ثم ما يعرض من زيادة أو نقصان فهو في ملكه ولم يذكر في الكتاب سوى هذين (والثالث) أنه يعتبر أقل القيمتين لانها إن كانت يوم العقد أقل فالزيادة حدثت في ملك المشترى وإن كانت يوم القبض أقل فهو يوم دخوله في ضمانه وقد ذكرنا نظير هذه الثلاثة في القيمة التى نعتبرها لمعرفة الارش (والرابع) وقد أورده مع الاول في التهذيب ان الاعتبار بأقصى القيم من يوم القبض الجزء: 9 ¦ الصفحة: 193 إلى يوم التلف لان يده يد ضمان فتعتبر أعلا القيم قال الشيخ أبو على هذا الخلاف ناظر إلى أن العقد يرتفع من أصله أو من حينه (إن قلنا) بالاول فالواجب أقصى القيم (وإن قلنا) بالثاني اعتبرنا قيمة يوم التلف * ولو اشترى عبدين وتلف أحدهما ثم اختلفا وتحالفا هل يرد العبد الباقي فيه الخلاف المذكور في مثله وإذا وجد الباقي معيبا (إن قلنا) يرد فيضم قيمة التالف إليه وفي القيمة المعتبرة الاوجه ولعل باحثا يقول لم كان الاصح ههنا غير الاصح في القيمة المعتبرة لمعرفة الارش الجزء: 9 ¦ الصفحة: 194 (والجواب) يجوز أن يكون السبب فيه ما أشار إليه الامام وهو أن النظر إلي القيمة ثم ليس ليغرم ولكن ليعرف منها الارش الذى هو جزء من الثمن وكذلك العوض فيما إذا تلف أحد العبدين ووجد عيبا بالباقي وجوزنا افراده بالرد يوزع الثمن على قيمة التالف والباقي وههنا المغرم القيمة فكان النظر إلى حالة الاتلاف أليق وإن كان المبيع قائما الا انه قد تعيب رده مع الارش وهو قدر ما نقص من القيمة لان الكل مضمون على المشترى بالقيمة فيكون البعض مضمونا ببعض الجزء: 9 ¦ الصفحة: 195 القيمة بخلاف ما لو تعيب المبيع في يد البائع وأفضى الامر إلى الارش يجب جزء من الثمن لان الكل مضمون على البائع بالثمن فكذلك البعض قال الشيخ أبو على وهذا أصل مطرد في المسائل ان كل موضع لو تلف الكل كان مضمونا على الشخص بالقيمة فإذا تلف البعض كان مضمونا عليه ببعض القيمة كالمغصوب وغيره الا في صورة وهي إذا عجل زكاة ماله ثم تلف ماله قبل الحول وكان ما عجل تالفا يغرم المسكين القيمة ولو كان معيبا ففى الارش وجهان * وهذه المسألة قد بيناها الجزء: 9 ¦ الصفحة: 196 أو الارش فالقول قول المشترى لانه الغارم ولو كان العبد المبيع قد أبق من يد المشترى حين تحالفا لم يمتنع الفسخ فان الاباق لا يزيد على التلف ويغرم المشترى قيمته لتعذر الوصول إليه وكذا لو كاتبه كتابة صحيحة ولو رهنه فالبائع بالخيار بين أخذ القيمة وبين الصبر إلى انفكاك الرهن ولو أجره فيبنى على إن بيع المستأجر هل يجوز (ان قلنا) لا فهو كما لو رهنه (وان قلنا) نعم فللبائع أخذه لكنه يترك عند المستأجر إلى انقضاء المدة والاجرة المسماة للمشترى وعليه للبائع أجرة المثل للمدة الباقية * وان كان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 197 في موضعها وميل الشيخ إلى طرد الاصل فيها * ثم التلف قد يكون حقيقيا وقد يكون حكميا كما لو كان المشترى قد وقف المبيع أو أعتقه أو باعه أو وهبه وأقبضه فتجب القيمة وهذه التصرفات ماضية على الصحة وعن أبى بكر الفارسى أنه يتبين بجريان التحالف فسادها وترد العين * والتعيب أيضا قد يكون حقيقيا وقد يكون حكميا كما لو زوج الجارية المبيعة أو العبد المبيع فعليه ما بين قيمتها مزوجة وخلية وتعود إلى البائع والنكاح بحاله * وعن الفارسى أنه يبطل النكاح أيضا * ومهما اختلفا في قدر القيمة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 198 قد آجره من البائع فله أخذه لا محالة وفى انفساخ الاجارة وجهان كما لو باع الدار المكراة من المكترى (ان قلنا) لا ينفسخ فعلي البائع المسمى للمشترى وعلى المشترى اجرة مثل المدة الباقية للبائع وإذا غرم القيمة في هذه الصورة ثم ارتفع السبب الحائل وأمكن الرد هل تسترد القيمة وترد العين يبنى ذلك على أنه قبل ارتفاع الحائل ملك من (أما) الآبق ففيه وجهان (أحدهما) أنه يبقى للمشترى والفسخ لا يرد على الآبق كالمبيع وانما هو وارد على القيمة (وأصحهما) انه في اباقه ملك للبائع والفسخ وارد عليه وانما وجبت القيمة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 199 للحيلولة (واما) المرهون والمكاتب ففيهما طريقان (احدهما) طرد الوجهين (واظهرهما) وبه قال الشيخ ابو محمد القطع ببقاء الملك للمشترى كما ان المشترى إذا افلس بالثمن والعبد آبق يجوز للبائع الفسخ والرجوع إليه ولو كان مرهونا أو مكاتبا ليس له ذلك * وام المكرى إذا منعنا بيعه فهو كالمرهون والمكاتب والآبق لان حق المكرى يتعلق بمورد البيع والفسخ وهو فيه احتمالان للامام (فإذا قلنا) ببقاء الملك للمشتري فالفسخ وارد على القيمة كما في صورة التلف فلا رد ولا استرداد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 200 وان قلنا بانقلابه إلى البائع ثبت الرد والاسترداد عند ارتفاع الحيلولة والله أعلم * ونختم الباب بفروع (أحدها) لو اختلف المتبايعان ثم حلف كل واحد منهما بعد التحالف أو قبله بحرية العبد المبيع ان لم يكن الامر كما قال فلا يعتق العبد في الحال لانه ملك المشترى وهو صادق بزعمه ثم ان فسخ العقد أو عاد العبد إلى البائع بسبب آخر عتق عليه لان المشترى كاذب بزعمه والعبد قد عتق عليه فهو كمن أقر بحرية العبد ثم اشتراه ولا يعتق في الباطن ان كان البائع كاذبا ويعتق على المشترى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 201 ان كان صادقا وولاء هذا العبد موقوف لا يدعيه البائع ولا المشترى ولو صدق المشترى البائع حكم بعتقه عليه ويرد الفسخ ان تفاسخا كما لو رد العبد بعيب ثم قال كنت أعتقته يرد الفسخ ويحكم بعتقه ولو صدق البائع المشترى نظر ان حلف البائع بالحرية أولا ثم المشترى فإذا صدقه البائع عقب يمينه ثم عاد العبد إليه لم يعتق لانه لم يكذب المشترى بعد ما حلف بالحرية حتى يجعل مقرا بعتقه وان حلف المشترى بحريته أولا ثم حلف البائع ثم صدقه عتق إذا عاد إليه لان حلفه بعد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 202 حلف المشترى تكذيب له واقرار بالحرية ولو كانت المسألة بحالها لكن المبيع بعض العبد فإذا عاد إلى ملك البائع عتق ذلك القدر عليه ولم يقوم عليه الباقي لانه لم يحصل العتق بمباشرته بل باقراره على غيره فصار كما لو خلف اثنين وعبدا فقال أحدهما اعتق ابى هذا العبد وأنكره الآخر يعتق نصيب المقر ولا يقوم عليه الباقي وهذا الفرع من مولدات ابن الحداد رحمه الله (الثاني) إذا جرى البيع بين وكيلين واختلفا ففى تحالفهما وجهان (وجه) المنع ان غرض اليمين ليخاف الظالم فيقر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 203 واقرار الوكيل على موكله غير مقبول (الثالث) لو كان المبيع جارية ووطئها المشتري ثم اختلفا وتحالفا ان كانت ثيبا فلا شئ عليه مع ردها وان كانت بكرا ردها مع أرش البكارة لانه نقصان جزء وإذا ترافع المتنازعان إلى مجلس الحكم ولم يتحالفا بعد فهل للمشترى وطئ الجارية فيه وجهان (أصحهما) نعم لبقاء ملكه وبعد التحالف وقبل الفسخ وجهان مرتبان وأولى بالتحريم لاشرافه على الزوال (الرابع) لو تقابل المتبايعان أو رد المشترى المبيع بعيب بعد قبض البائع الثمن واختلفا في قدر الثمن فالقول قول الجزء: 9 ¦ الصفحة: 204 البايع مع يمينه لان العقد قد ارتفع والمشترى يدعي زيادة والاصل عدمها * ( كتاب السلم والقرض وفيه بابان * الاول في شرائطه) (قال والمتفق عليه منها خمسة (الاول) تسليم رأس المال في المجلس جبرا للغرر في الجانب الآخر ولو كان في الذمة فعين في المجلس فهو كالتعيين في العقد * وكذلك في الصرف * وفي مثل ذلك   كتاب السلم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 205 في بيع الطعام بالطعام خلاف ومهما فسخ السلم استرد عين رأس المال وان كان قد عين بعد العقد علي الاصح) * قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى) الآية وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن المراد منه السلم وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في التمر السنة والسنتين وربما قال والثلاث فقال من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم " وجمع في هذا   قوله عن ابن عباس أن المراد بقوله تعالى إذا تداينتم بدين إلى اجل مسمى السلم الشافعي والطبراني والحاكم والبيهقي من طريق قتادة عن أبي حسان الاعرج عن ابن عباس قال أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمي مما أحل الله في الكتاب واذن فيه قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم الآية وقد علقه البخاري وأوضحته في تعليق التعليق * حديث أنه صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في التمر السنة والسنتين وربما قال والثلاث الجزء: 9 ¦ الصفحة: 206 الكتاب بين السلم والقرض لتقاربهما واشتراكهما لفظا ومعنى (أما) اللفظ فلان كل واحد منهما يسمى سلفا (وأما) المعنى فلان كل واحد منهما اثبات مال في الذمة مبذول في الحال وذكروا في تفسير السلم عبارات متقاربة (منها) أنه عقد على موصوف في الذمة ببدل يعطى عاجلا (ومنها) أنه اسلاف عوض حاضر في عوض موصوف في الذمة (ومنها) أنه تسليم عاجل في عوض لا يجب تعجيله * وعلم أن السلم بيع   فقال من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أحل معلوم. الشافعي عن ابن عيينة عن ابن عبد الله بن كثير عن أبي المنهال عن ابن عباس ولفظه في التمر السنة والسنتين وربما قال السنتين والثلاث واتفقا عليه من حديث سفيان * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 207 على ما مر وقد سبق القول فيما يعتبر لصحة البيع. والسلم يختص بامور عقد الباب الاول لبيانها وانما قال والمتفق عليه منها خمسة لان معظم الائمة جعلوا شرائط السلم سبعا وضموا إلى الخمس العلم بقدر رأس المال وبيان موضع التسليم وفيهما اختلاف قول كما سيأتي وقد أدرجهما حجة الاسلام في أثناء الكلام لكن لم يفردهما بالترجمة وقد تعد أكثر من السبع وحقيقة الامر في مثل ذلك لا تختلف (الشرط الاول) تسليم رأس المال في مجلس العقد. واحتج لاشتراطه بان المسلم فيه دين في الذمة فلو أخر تسليم رأس الجزء: 9 ¦ الصفحة: 208 المال عن المجلس لكان ذلك معنى في بيع الكالئ بالكالئ لان تأخير التسليم نازل منزلة الدينية في الصرف وغيره (وقوله) في الكتاب جبرا للغرر في الجانب الآخر أراد به أن الغرر في المسلم فيه احتمل للحاجة فجبر ذلك بتأكيد العوض الثاني بالتعجيل كي لا يعظم الغرر في الطرفين * إذا تقرر ذلك فلو تفرقا قبل قبض رأس المال بطل العقد وبه قال أبو حنيفة واحمد * وقال مالك ان تأخر التسليم مدة يسيرة كاليوم واليومين لم يضر وان تأخر مدة طويلة بطل العقد ولو تفرقا قبل تسليم بعضه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 209 بطل العقد فيما لم يقبض وسقط بقسطه من المسلم فيه والحكم في المقبوض كما لو اشترى شيئين فتلف أحدهما قبل القبض * ويجوز أن يجعل رأس المال منفعة عبد أو دار مدة معلومة وتسليمها بتسليم العين ولا يشترط تعيين رأس المال عند العقد * ولو قال أسلمت اليك دينارا في ذمتي في كذا ثم عين وسلم في المجلس جاز وكذلك في الصرف * ولو باع دينارا بدينار أو بدراهم في الذمة ثم عين وسلم في المجلس جاز * ولو باع طعاما بطعام في الذمة ثم عين وسلم في المجلس فوجهان (أحدهما) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 210 المنع لان الوصف فيه يطول بخلاف الصرف فان الامر في النقود أهون ولهذا يكفى فيها الاطلاق ولا يكفى في العروض (والثانى) الجواز ويصفه كما يصف المسلم فيه والاشبه بكلام الشيخ أبى علي والائمة أن هذا أظهر وظني أنه تقدم ذكر هذا الخلاف أو نظيره * ولو قبض رأس المال ثم أودعه المسلم إليه قبل التفرق جاز ولو رده عليه بدين كان له عليه قال أبو العباس الرويانى لا يصخ لانه تصرف فيه قبل انبرام ملكه عليه فإذا تفرقا فعن بعض الاصحاب أنه يصح السلم بحصول القبض الجزء: 9 ¦ الصفحة: 211 وانبرام لملك ويستأنف اقباضه للدين ولو كان له في ذمة الغير دراهم فقال اسلمت اليك الدراهم التى في ذمتك في كذا نظر أن شرط الاجل فيه فهو باطل لانه بيع الدين بالدين وان كان حالا ولم يسلم المسلم فيه قبل التفرق فكمثل وان احضره وسلمه فوجهان (احدهما) يصح كما لو صالح من تلك الدراهم على دنانير وسلمها في المجلس (وأظهرهما) المنع لان قبض المسلم فيه ليس بشرط وان كان السلم حالا فلو وجد لكان متبرعا به وأحكام البيع لا تبنى على الجزء: 9 ¦ الصفحة: 212 التبرعات ألا ترى أنه لو باع طعاما بطعام إلى أجل ثم تبرعا بالاحضار لم يجز * وأطلق صاحب التتمة الوجهين في أن تسليم المسلم إليه في المجلس وهو حال هل يغنى عن تسليم رأس المال (والاظهر) المنع ولا يجوز أن يحيل المسلم برأس المال على غيره وان قبضه المسلم إليه من المحال عليه في المجلس لان بالحوالة يتحول الحق إلى ذمة المحال عليه فهو يؤديه من جهة نفسه لا من جهة المسلم ولو قبضه المسلم وسلمه إلى المسلم إليه جاز * ولو قال للمحال عليه سلمه إليه ففعل لم يكف لصحة السلم لان الانسان في ازالة ملكه لا يصير وكيلا للغير لكن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 213 يجعل المسلم إليه وكيلا عن المسلم في قبض ذلك * ثم السلم يقتضى قبضا ولا يمكنه أن يقبض من نفسه ولو أحال المسلم إليه برأس المال الذى على المسلم فتفرقا قبل التسليم فالعقد باطل وان جعلنا الحوالة قبضا لان المعتبر في السلم القبض الحقيقي * ولو احضر رأس المال فقال المسلم إليه سلمه إليه ففعل صح ويكون المحتال وكيلا عن المسلم إليه في القبض * ولو كان رأس المال دراهم في الذمة فصالح عنها على مال لم يصح وان قبض ما صالح عليه * ولو كان عبدا فاعتقه المسلم إليه قبل القبض لم يصح الجزء: 9 ¦ الصفحة: 214 ان لم نصحح اعتاق المشترى قبل القبض وان صححناه فوجهان (وجه) الفرق أنه لو نفد لصار قابضا من طريق الحكم وانه غير كاف في السلم بدليل الحوالة فعلى هذا ان تفرقا قبل قبضه بطل العقد وان تفرفا بعده صح وفى نفوذ العتق وجهان ومتى فسخ السلم بسبب يقتضيه وكان رأس المال معينا في ابتداء العقد وهو باق رجع المسلم إليه وان كان تالفا رجع إلى بدله وهو المثل أو القيمة وان كان رأس المال موصوفا في الذمة ثم عجل في المجلس وهو باق فهل له المطالبة بعينه أم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 215 للمسلم إليه الاتيان ببدله فيه وجهان (وجه) الثاني أن العقد لم يتناول الملك (العين ووجه) الاول وهو الاصح أن المعين في المجلس كالمعين في العقد * (فرع) وإذا وجدنا رأس المال في يد المسلم إليه واختلفا فقال المسلم أقبضتكه بعد التفرق وقال المسلم إليه بل قبله وأقام كل واحد منهما بينة على ما قاله فبينة المسلم إليه أولى لانها نافلة يحكى ذلك عن ابن سريج * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 216 قال (وأصح القولين وهو اختيار المزني أن رأس المال ان كان جزافا غير مقد جاز العقد (ح) كما يجوز في البيع وكما يجوز مع الجهل بقيمته) * عرفت أن رأس المال يجوز أن يكون في الذمة ثم يسلم في المجلس ويجوز أن يكون معينا في العقد فعلى التقدير الاول لابد من معرفة قدره وذكر صفاته إذا كان عرضا وعلى التقدير الثاني هل تكفى معاينته فيه قولان (أحدهما) لا بل لابد من بيان صفاته ومعرفة مقداره بالكيل في المكيلات والوزن في الموزونات والذرع في المذروعات لانه أحد العوضين في السلم فلا يجوز أن يكون جزافا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 217 كالعوض الثاني وأيضا فان السلم لا يتم في الحال وانما هو عقد منتظر تمامه بتسليم المسلم فيه وربما ينقطع ويكون رأس المال تالفا فلا يدرى إلى ماذا يقع الرجوع وبهذا القول قال مالك واحمد واختاره أبو إسحاق (وأصحهما) وبه قال المزني أن المعاينة كافية واحتمال الفسخ ثابت في البيع كما في السلم هذا في المثليات * ولو كان رأس المال متقوما وضبطت صفاته بالمعاينة ففى اشتراط معرفة قيمته طريقان (منهم) من طرد القولين (والاكثرون) قطعوا بصحة السلم ولا فرق على القولين بين السلم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 218 الحال والمؤجل (ومنهم) من خصص القولين بالسلم المؤجل وقطع في الحال بأن المعاينة كافية كما في البيع ثم موضع القولين ما إذا تفرقا قبل العلم بالقدر والقيمة أما إذا علما ثم تفرقا فلا خلاف في الصحة وبني كثير من الاصحاب على هذين القولين أنه هل يجوز أن يجعل رأس مال السلم ما لا يجوز السلم فيه ان قلنا بالاصح فيجوز وإلا فلا * قال الامام وليس ذلك على هذا الاطلاق بل الدرة الثمنية إذا عرفا قيمتها وبالغا في وصفها وجب أن يجوز جعلها رأس مال لان منع السلم فيها من الاعزار في الوصف الجزء: 9 ¦ الصفحة: 219 يشبه عزة الوجود ولا معنى لاشتراط عموم الوجود في رأس المال وإذا جوزنا السلم ورأس المال جزاف ثم اتفق الفسخ وتنازعا في قدره فالقول قول المسلم إليه لانه غارم (وقوله) في الكتاب وأصح القولين يجوز اعلامه بالواو لان السلم اما حال أو مؤجل أما الحال ففيه طريقة قاطعة بالصحة وأما المؤجل ففى كتاب القاضى ابن كج طريقة قاطعة بالمنع (وقوله) جاز العقد معلم بالميم والالف ويجوز اعلامه بالحاء أيضا لان عنده ان كان رأس المال مكيلا أو موزونا وجب ضبط صفاته وان كان مذروعا أو معدودا فلا يجب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 220 (وقوله) وكما يجوز مع الجهل بقيمته جواب على طريقة الاكثرين * قال (الشرط الثاني) أن يكون المسلم فيه دينا * فلا ينعقد في عين لان لفظ السلم للدين * وهل ينعقد بيعا فيه قولان * وكذلك لو قال بعت بلا ثمن هل ينعقد هبة * (والاصح) الابطال لتهافت اللفظ * ولو أسلم بلفظ الشراء انعقد * وهل ينعقد سلما ليجب تسليم رأس المال في المجلس فعلى وجهين * منشؤهما تقابل النظر إلى اللفظ والمعنى) * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 221 يشترط في المسلم فيه أن يكون دينا لان لفظ السلف والسلم موضوع للدين ولو استعمل لفظ السلم في العين فقال أسلمت اليك هذا الثوب في هذا العبد فليس ما جاء به سلما وفى انعقاده بيعا قولان (احدهما) ينعقد نظرا إلى المعني (وأظهرهما) لا لاختلال اللفظ * ولو قال بعت هذا بلا ثمن أو على أن لا ثمن لى عليك فقال اشتريت وقبضه هل يكون هبة فيه مثل هذين القولين عن رواية القاضى وهل يكون المقبوض مضمونا على القابض فيه وجهان * ولو قال الجزء: 9 ¦ الصفحة: 222 بعت هذا ولم يتعرض للثمن أصلا لم يكن ذلك تمليكا والمقبوض مضمون (ومنهم) من طرد فيه الوجهين * ولو أسلم بلفظ الشراء فقال اشتريت منك ثوبا أو طعاما صفته كذا بهذه الدراهم فقال بعته منك انعقد لان كل سلم بيع فإذا استعمل لفظ البيع فيه فقد استعمله في موضعه بخلاف استعمال لفظ السلم في البيع إذ ليس كل بيع بسلم وإذا انعقد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 223 فهو سلم اعتبارا بالمعنى أو بيع اعتبارا باللفظ فيه وجهان (الاصح) على ما ذكره صاحب التهذيب وغيره أن الاعتبار باللفظ فعلى هذا لا يجب تسليم الدراهم في المجلس ويثبت فيه خيار الشرط وهل يجوز الاعتياض عن الثوب فيه قولان كما في الثمن (ومنهم) من قطع بالمنع لانه مقصود الجنس كالمبيع وفى الاثمان الغالب قصد المالية لا قصد الجنس (وان قلنا) الاعتبار بالمعني وهو الصحيح عند ابن الصباغ فهو سلم حتى يجب تسليم الدراهم في المجلس ولا يثبت فيه خيار الشرط ولا يجوز الجزء: 9 ¦ الصفحة: 224 الاعتياض عن الثوب ولو قال اشتريت ثوبا صفته كذا في ذمتك بعشرة دراهم في ذمتي فان جعلناه سلما وجب تعين الدراهم وتسليمها في المجلس وان جعلناه بيعا لم يجب * قال (ولا يشترط (ح) في المسلم فيه كونه مؤجلا * ويصح سلم الحال (ح م) ولكن يصرح بالحلول * فان أطلق فهو محمول على الاجل لاقتضاء العادة الاجل * فان أطلق ثم ذكر الاجل قبل التفرق جاز نص عليه) * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 225 السلم الحال الصحيح خلافا لابي حنيفة ومالك وأحمد * لنا أن في الاجل ضرب من الغرر لانه ربما يقدر في الحال ويعجز عند المحل فإذا جاز مؤجلا فهو حالا أجوز وعن الغرر أبعد * إذا عرف ذلك فلو صرح بالحلول أو التأجيل فذاك وان أطلق فوجهان وقيل قولان (أحدهما) أن العقد يبطل لان مطلق العقود يحمل علي المعتاد والمعتاد في السلم التأجيل وإذا كان كذلك فيفسد ويكون كما لو ذكر أجلا مجهولا (والثانى) يصح ويكون حالا كالثمن في البيع المطلق وبالوجه الاول أجاب صاحب الكتاب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 226 لكن الاصح عند الجمهور هو الثاني وبه قال في الوسيط وفى بعض نسخ الكتاب بدل قوله فهو مجهول علي النص فهو محمول على الاجل وهما متقاربان في الغرض وأما النص فيمكن تنزيله على ما حكى عن الشافعي رضى الله عنه انه قال ويذكره حالا أو مؤجلا فاعتبر ذكر الحلول كالتأجيل ولو أطلقا العقد ثم ألحقا به أجلا في مجلس العقد فالنص لحوقه وهو المذهب ويجئ في الخلاف الذي تقدم في سائر الالحاقات * ولو صرحا بالتأجيل في متن العقد ثم اسقطاه في المجلس سقط وصار العقد حالا ذكره الجزء: 9 ¦ الصفحة: 227 المسعودي وغيره واعلم أن في نصه على لحوق الاجل الملحق في المجلس دليلا ظاهرا على صحة العقد عند الاطلاق والا فالعقد الفاسد كيف ينقلب صحيحا وكيف يعتبر مجلسه * وهذا أصل بني عليه مسألة وهى أن الشرط الفاسد للعقد إذا حذفاه في المجلس هل ينحذف وينقلب العقد صحيحا أم لا ظاهر المذهب أنه لا ينحذف ولا ينقلب العقد صحيحا وقد ذكرناه من قبل وعن صاحب التقريب وجه انهما لو حذفا الاجل المجهول في المجلس انحذف وصار العقد صحيحا واختلفوا في جريان هذا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 228 الوجه في سائر المفسدات كالخيار والرهن الفاسدين وغيرهما فمنهم من أجراه قال الامام والاصح تخصيصه بالاجل لان بين الاجل والمجلس مناسبة لا توجد في سائر الامور وهى أن البائع لا يملك مطالبة المشترى بالثمن في المجلس كما لا يملكها في مدة الاجل فلم يبعد اصلاح الاجل في المجلس واختلفوا أيضا في أن زمان الخيار المشروط هل يلحق بالمجلس في حذف الاجل المجهول تفريعا على هذا الوجه والاظهر أنه لا يلحق به * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 229 قال (ثم لا يجوز تأقيت الاجل بالحصاد والدياس (م) وما يختلف وقته * ويجوز (وح) بالنيروز والمهرجان * وكذا بفصح (و) النصاري وفطر اليهود (و) إن كان يعلم دون مراجعتهم * وفى قوله نفر الحجيج * أو إلى جمادى وجهان * والاصح صحته * والتنزيل على الاول * ولو قال إلى ثلاثة أشهر احتسب بالاهلة (ح) الا شهرا واحدا انكسر في الابتداء فيكمل ثلاثين * ولو قال إلى الجمعة أو رمضان حل بأول جزء منه * ولو قال في الجمعة أو في رمضان فهو مجهول لانه جعله ظرفا * ولو قال إلى أول الشهر أو إلى آخره فالمشهور البطلان لانه يعبر به عن جميع النصف الاول والنصف الاخير) * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 230 غرض الفصل أنهما إذا ذكرا أجلا في السلم وجب ان يكون معلوما قال صلى الله عليه وسلم (إلى اجل معلوم) وفيه صور (احداها) لا يجوز تأقيته بما يختلف وقته كالحصاد والدياس وقدوم الحاج خلافا لمالك لنا ان ذلك يتقدم تارة ويتأخر اخرى فاشبه مجئ المطر ولو قال إلى العطاء لم يجزان اراد وصوله وان اراد وقت خروجه وقد عين السلطان له وقتا جاز بخلاف ما إذا قال إلى وقت الحصاد إذ ليس له وقت معين ولو قال إلى الصيف أو إلى الشتاء لم يجز الا ان يريد الوقت ويجوز إعلام الجزء: 9 ¦ الصفحة: 231 (قوله في) الكتاب وما يختلف وقته بالواو لان القاضى ابا القاسم ابن كج ذكر ابن خزيمة يجوز التأقيت بالميسرة لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (اشترى من يهودى شيئا إلى الميسرة) (الثانية) التأقيت بشهور الفرس والروم جائز كالتأقيت بشهور العرب لانها معلومة مضبوطة وكذا التأقيت بالنيروز والمهرجان لانهما يومان كالعيد وعرفة وعاشوراء وفي النهاية نقل وجه انه لا يجوز التأقيت بهما ووجهه الامام بأن النيروز والمهرجان يطلقان على الوقتين الذين تنتهى الشمس فيهما إلى اوائل برجى   حديث انه اشترى من يهودي إلى ميسرة. الترمذي والنسائي والحاكم من حديث عكرمة عن عائشة وفيه قصة قال الحاكم صحيح على شرط البخاري ورواه احمد من طريق الربيع بن أنس عن أنس بن ملك باسناد ضعيف قال أبو حاتم هو منكر وهو عند الطبراني في الاوسط من طريق عاصم الاحول عن انس (تنبيه) أعل ابن المنذر فيما نقله ابن الصباغ في الشامل حديث عائشة بحرى بن عمارة وقال إنه رواه عن شعبة وقد قال فيه احمد بن حنبل انه صدوق الا ان فيه غفلة قال ابن المنذر وهذا لم يتابع عليه فأخاف أن يكون من غفلاته اه وهذا في الحقيقة من غفلات المعلل ولم يتفرد به الجزء: 9 ¦ الصفحة: 232 الحمل والميزان وقد يتفق ذلك ليلا ثم ينحبس مسير الشمس كل سنة بمقدار ربع يوم وليلة * ولو وقتا بفصح النصارى نص الشافعي رضى الله عنه على أنه لا يجوز فأخذ بعض الاصحاب باطلاقه اجتنابا عن التأقيت بمواقيت الكفار وعامتهم فصلوا فقالوا ان اختص بمعرفة وقته الكفار فالجواب ما ذكره لانه لا اعتماد على قولهم وإن عرفه المسلمون أيضا جاز كالنيروز والمهرجان ثم اعتبر معتبرون فيهما جميعا معرفة المتعاقدين والاكثرون اكتفوا بمعرفة الناس وسواء اعتبر معرفتهما أم لا * فلو   حري بل لم نره من روايته انما رواه شعبة عن والده عمارة عن عكرمة وكان حري حاضرا في المجلس بينه الترمذي والبيهقي * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 233 عرفا كفى وفيه وجه أنه لابد من معرفة عدلين من المسلمين سواهما لانهما قد يختلفان فلابد من مرجع وفى معني الفصح سائر أعياد أهل الملل كفطر اليهود ونحوه (الثالثة) لو وقتا بنفر الحجيج وقيدا بالاول أو الثاني جاز وان أطلقا فوجهان (أحدهما) أن الاجل فاسد لتردد المحل بين النفرين (وأصحهما) ويحكى عن نصه أنه صحيح ويحمل على النفر الاول لتحقق الاسم به وعلى هذا الخلاف التوقيت بشهر ربيع أو جمادي أو بالعيد * ولا يحتاج إلى تعيين السنة إذا حملنا المذكور على الاول الجزء: 9 ¦ الصفحة: 234 وحكى عن الحاوى أن التوقيت بالنفر الاول أو الثاني لاهل مكة جائز لانه معروف عندهم ولغيرهم وجهان وأن في التوقيت بيوم لاهل مكة وجهين أيضا لانه لا يعرفه إلا خواصهم وهذا غير فقيه لانا ان اعتبرنا علم المتعاقدين فلا فرق وإلا فهي مشهورة في كل ناحية عند الفقهاء وغيرهم (الرابعة) لو أجلا إلى سنة أو سنتين فمطلقه محمول علي السنين الهلالية فان قيدا بالفارسية أو الرومية أو الشمسية تعبد بالمذكور * ولو قال بالعدد فهو ثلثمائة وستون يوما وكذا مطلق الاشهر محمول على الجزء: 9 ¦ الصفحة: 235 الشهور الهلالية ثم نظر ان جرى العقد في أول الشهر اعتبر الجميع بالاهلة تامة كانت أو ناقصة وان جرى بعد مضى بعض الشهر عد الباقي منه بالايام واعتبرت الشهور بعده بالاهلة ثم يتمم المنكسر بالعدد ثلاثين وانما كان كذلك لان الشهر الشرعي هو ما بين الهلالين الا أن في الشهر المنكسر لابد من الرجوع إلى العدد كيلا يتأخر ابتداء الاجل عن العقد وفيه وجه أنه إذا انكسر الشهر انكسر الجميع فيعتبر الكل بالعدد ويحكى هذا عن أبى حنيفة (والمذهب) الاول * وضرب الامام مثلا للتأجيل بثلاثة أشهر مع فرض الجزء: 9 ¦ الصفحة: 236 الانكسار فقال عقدوا وقد بقى لحظة من صفر ونقص الربيعان وجمادى فيحسب الربيعان بالاهلة ويضم جمادى إلى اللحظة الباقية من صفر ويكملان بيوم من جمادى الآخرة سوى لحظة ثم قال كنت أود في هذه الصورة أن يكتفي بالاشهر الثلاثة فانها جرت عربية كوامل وما تمناه هو الذى نقله أبو سعد المتولي وغيره وقطعوا بحلول الاجل بانسلاخ جمادى في الصورة المذكورة وان العدد انما يراعى فيما إذا جرى العقد في غير اليوم الاخير وهو الصواب والله أعلم (الخامسة) لو قال إلى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 237 الجمعة أو إلى رمضان حل بأول جزء منه لتحقق الاسم به وربما يقال بانتهاء يوم الجمعة وانتهاء شعبان والمقصود واحد ولو قال محله في الجمعة أو في رمضان فوجهان (عن ابن أبى هريرة) أنه يجوز ويحمل على الاول كما لو قال أنت طالق في يوم كذا (وأصحهما) المنع لانه جعل اليوم أو الشهر ظرفا فكأنه قال محله وقت من أوقات يوم كذا وفرقوا بينه وبين الطلاق بان الطلاق يجوز تعليقه بالمجاهيل والاغرار بخلاف السلم قال ابن الصباغ نعم لكن لو كان هذا من ذلك القبيل لوقع في الجزء الجزء: 9 ¦ الصفحة: 238 الاخير دون الاول وهذا أحسن والفرق مشكل * ولو قال إلى أول شهر كذا أو آخره فعن عامة الاصحاب بطلانه لان اسم الاول يقع على جميع النصف فلابد من البيان والا فهو مجهول وقال الامام وصاحب التهذيب وجب أن يصح ويحمل على الجزء الاول من كل نصف على قياس مسألة النفر وأيضا فانه إذا أجل إلى يوم حمل على أوله وان كان اسم اليوم عبارة عن جميع الاجزاء وأيضا فان الامر في الطلاق على ما ذكراه وأيضا فانه لو قال إلى شهر كذا حمل على أول جزء منه (وقوله) إلى أول الجزء: 9 ¦ الصفحة: 239 شهر كذا أقرب إلى هذا المعني مما إذا أطلق ذكر الشهر * قال الامام وقد يحمل الفطر الاول على الجزء الاول والآخر على الجزء الآخر وسينتهي إلى وجه كما أشار إليه في الطلاق * (فرع) لو أسلم في جنس واحد إلى أجلين أو آجال دفعة واحدة كما لو أسلم في وقر حنطة يسلمه بنجمين أو أسلم في جنسين إلى أجل كما لو أسلم في حنطة وشعير إلى شهر ففي الصورتين قولان (أحدهما) البطلان لانه ربما يتعذر تسليم بعض النجوم أو بعض الاجناس فيرتفع العقد فيه ويتعدى إلى الباقي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 240 فيصير التنجيم شرطا متضمنا رفع العقد (وأصحهما) الصحة كما لو باع بثمن منجم أو بجنسين والخلاف ناظر إلى أن الصفقة هل تفرق * واعلم أن الكلام في أن التأجيل ليس بشرط في السلم وفى أن شرط الاجل ماذا لا اختصاص له بهذا الموضع وربما كان ذكره بعد الفراغ من الشروط كلها أليق * قال (الشرط الثالث أن يكون المسلم فيه مقدورا على تسليمه * فلا يصح السلم في منقطع لدى المحل * ولا يضر الانقطاع قبله (ح) ولا بعده * ولا يكفى الوجود في قطر آخر لا يعتاد نقله إليه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 241 في غرض المعاملة * ولو أسلم في وقت الباكورة في قدر كثير يعسر تحصيله ففيه وجهان * ولو طرأ الانقطاع بعد انعقاد السلم فأصح القولين أنه لا ينفسخ * بل له الخيار كما في اباق العبد المبيع * ولو تبين العجز قبل المحل ففى تنجيز الخيار أو تأخره إلى المحل قولان) * هذا الشرط ليس من خواص السلم بل يعم كل بيع على ما مر وانما تعتبر القدرة على التسليم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 242 عند وجوب التسليم وذلك في البيع والسلم الحال في الحال وفى السلم المؤجل عند المحل فلو أسلم في منقطع لدي المحل كما لو جعل محل الرطب السالم يصح وكذا لو أسلم فيما يندر وجوده كلحم الصيد حيث يعز فيه الصيد وإن كان يغلب على الظن وجوده لكن لا يتوصل إلى تحصيله الا بمشقة عظيمة كالقدر الكثير من الباكورة ففيه وجهان (أقربهما) إلى كلام الاكثرين البطلان لانه عقد غرر فلا يحتمل فيه معاناة المشاق العظمية (وأقيسهما) عند الامام الصحة لان التحصيل ممكن وقد التزمه المسلم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 243 إليه * ولو أسلم في شئ ببلد لا يوجد مثله فيه ويوجد في غيره قال في النهاية إن كان قريبا منه صح وان كان بعيدا لم يصح قال ولا تعتبر مسافة القصر ههنا وانما التقريب فيه أن يقال ان كان يعتاد نقله إليه في غرض المعاملة لا في معرض التحف والمصادرات صح السلم والا فلا ويجئ في آخر الفصل ما ينازع في الاعراض عن مسافة القصر * ولو كان المسلم فيه عام الوجود عند المحل فلا بأس بانقطاعه قبله أو بعده وعند أبى حنيفة يشترط عموم الوجود من وقت العقد إلى المحل * واحتج الجزء: 9 ¦ الصفحة: 244 الشافعي رضى الله عنه بالحديث المذكور في أول الباب (وهو أنهم كانوا يسلفون في الثمار السنة والسنتين) والثمار لا تبقى هذه المدة بل تنقطع * وإذا أسلم فيما يعم وجوده ثم انقطع عند المحل لجائحة فقولان (أحدهما) أنه ينفسخ العقد كما لو تلف المبيع قبل القبض (وأصحهما) وبه قال ابو حنيفة لا ينفسخ لان المسلم فيه يتعلق بالذمة فأشبه ما إذا أفلس المشترى بالثمن لا ينفسخ العقد ولكن للبائع الخيار ولان هذا العقد ورد على مقدور في الظاهر فعروض الانقطاع كاباق العبد المبيع وذلك لا يقتضى الا الخيار الجزء: 9 ¦ الصفحة: 245 فكذلك ههنا المسلم يتخير أن يفسخ العقد أو يصبر إلى وجود المسلم فيه ولا فرق في جريان القولين بين أن لا يوجد المسلم فيه عند المحل أصلا وبين أن يكون موجودا فيسوف المسلم إليه حتى ينقطع وعن بعض الاصحاب أن القولين في الحالة الاولى (أما) في الثانية فلا ينفسخ العقد بحال لوجود المسلم فيه وحصول القدرة فان أجاز ثم بدا له مكن من الفسخ كزوجة المولى إذا رضيت بالمقام ثم ندمت ووجهه الامام بأن هذه الاجازة انظار والانظار تأجيل والاجل لا يلحق العقد بعد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 246 لزومه وقد يتوقف الناظر في كونها انظار أو يميل إلى انها اسقاط حق ورضى بما عرض كأجازة زوجة العنين ويجوز أن يقدر فيه وجهان لان الامام حكى وجهين في أنه لو صرح باسقاط حق الفسخ هل يسقط قال والصحيح أنه لا يسقط * ولو قال المسلم إليه للمسلم لا تصبر وخذ رأس مالك فللمسلم أن لا يجيبه وفيه وجه * ولو حل الاجل بموت المسلم إليه في اثناء المدة والمسلم فيه منقطع جرى القولان ذكره في التتمة قال وكذا لو كان موجودا عند المحل وتأخر التسليم لغيبة أحد المتعاقدين ثم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 247 حضر والمسلم فيه منقطع * ولو انقطع بعض المسلم فيه فقد ذكرنا حكمه في تفريق الصفقة * ولو أسلم في شئ عام الوجود عند المحل ثم عرضت آفة علم بها انقطاع الجنس لدى المحل فيتنجز حكم الانقطاع في الحال أو يتأخر إلى المحل فيه وجهان (أحدهما) يتنجز حتى ينفسخ العقد على قول ويثبت الخيار على الثاني لتحقق العجز في الحال (وأظهرهما) لا لانه لم يجئ وقت وجوب التسليم وهذا الخلاف مأخوذ من الخلاف فيما إذا حلف ليأكلن هذا الطعام غدا فتلف قبل الغد يحنث في الحال أو يتأخر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 248 الحنث إلى الغد (وقوله) في الكتاب ففي تنجيز الخيار أو تأخيره تفريع على أن الثابت بالانقطاع الخيار دون الانفساخ وعلى القول الآخر يتنجز الانفساخ واللفظ العام ما سبق واطلاقه القولين في المسألة اتباع للامام والوجه الحمل على القولين المخرجين وحينئذ لا يبقي بينهما وبين الوجهين كثير فرق (فان قيل) فبم يحصل الانقطاع (قيل) إن لم يوجد المسلم فيه أصلا بأن كان ذلك الشئ ينشأ في تلك البلدة وقد أصابته جائحة مستأصلة فهذا انقطاع حقيقي وفى معناه ما لو كان يوجد في غير تلك البلدة ولكن لو نقل إليها الجزء: 9 ¦ الصفحة: 249 لفسد وما إذا لم يوجد إلا عند قوم محصورين وامتنعوا من بيعه ولم كانوا يبيعونه بثمن غال وجب تحصيله ولم يكن ذلك انقطاعا وإن أمكن نقل المسلم فيه من غير تلك البلدة إليها وجب نقله إن كان في حد القرب وبم يضبط (أما) صاحب التهذيب في آخرين فانهم نقلوا وجهين (أقربهما) أنه يجب نقله مما دون مسافة القصر (والثانى) من مسافة لو خرج إليها بكرة أمكنه الرجوع إلى أهله ليلا (وأما) الامام فانه جرى على الاعراض عن مسافة القصر وقال إن أمكن النقل على عسر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 250 (فالاصح) أن السلم لا ينفسخ قطعا ومنهم من طرد فيه القولين * قال (وأصح القولين أنه لا يشترط تعيين مكان التسليم بل ينزل المطلق على مكان العقد) * السلم اما مؤجل أو حال أما المؤجل فقد حكى عن نص الشافعي رضى الله عنه اختلاف في أنه هل يجب تعيين مكان التسليم وانقسم الاصحاب إلى نفاة للخلاف ومثبتين (أما) النفاة فعن أبى إسحق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 251 المروزى أنه ان جرى العقد في موضع يصلح للتسليم فلا حاجة إلى التعيين وإن جري في موضع غير صالح فلا بد من التعيين وحمل النصين على الحالين * وعن ابن العاص أن المسلم فيه ان كان لحمله مؤنة وجب التعيين والا فلا وحمل النصين على الحالين وبهذا قال أبو حنيفة وهو اختيار القاضى أبى الطيب فهذان طريقان (وأما) المثبتون فلهم طرق (احدها) وبه قال صاحب الافصاح والقاضى أبو حامد ان المسألة على قولين مطلقا (والثانى) أنه ان لم يكن الموضع صالحا وجب التعيين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 252 لا محالة وان كان صالحا فقولان (والثالث) ان لم يكن لحمله مؤنة فلا حاجة إلى التعيين وان كان له مؤنة فقولان (والرابع) ان كان لحمله مؤنة فلا بد من التعيين وإلا فقولان وهذا اصح الطرق عند الامام * ويروي عن اختيار القفال ووجه اشتراط التعيين ان الاغراض تتفاوت بتفاوت الامكنة فلابد من التعيين قطعا للنزاع كما لو باع بدراهم وفى البلد نقود مختلفة ووجه عدم الاشتراط وبه قال احمد القياس على البيع فأنه لا حاجة فيه إلى تعيين مكان التسليم ووجه الفرق بين الموصع الصالح الجزء: 9 ¦ الصفحة: 253 وغير الصالح اطراد العرف بالتسليم في الموضع الصالح واختلاف الاغراض في غيره ووجه الفرق بين ما لحمله مؤنة وغيره قريب من ذلك والفتوى من هذا كله على وجوب التعيين إذا لم يكن الموضع صالحا أو كان لحمله مؤنة وعدم الاشتراط في غيرها تبين الحالتين ومتى شرطنا التعيين فلو لم يعين فسد العقد وان لم نشرطه فان عين تعين وعن احمد رواية ان هذا الشرط يفسد السلم وان لم يعين حمل على مكان العقد * وفى التتمة انه إذا لم يكن لحمله مؤنة سلمه في أي موضع صالح شاء وذكر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 254 وجها فيما إذا لم يصلح الموضع للتسليم انه يحمل على أقرب موضع صالح * ولو عين موضعا للتسليم فخرب وخرج عن صلاحية التسليم ففيه ثلاثة اوجه ذكرها القاضى ابن كج (احدها) أنه يتعين ذلك الموضع (والثاني) لا وللمسلم الخيار (والثالث) يتعين اقرب موضع صالح (وأما) السلم الحال فلا حاجة فيه إلى تعيين مكان التسليم كالبيع ويتعين مكان العقد لكن لو عينا موضعا آخر جاز بخلاف البيع لان السلم يقبل التأجيل فيقبل شرطا يتضمن تأخير التسليم بالاحصار والاعيان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 255 لا تحتمل التأجيل فلا تحتمل شرطا يتضمن تأخير التسليم وحكم الثمن في الذمة حكم المسلم فيه وان كان معينا فهو كالمبيع قال في التهذيب ولا نعنى بمكان العقد ذلك الموضع بعينه بل تلك المحلة والله أعلم * قال (الشرط الرابع أن يكون معلوم المقدار بالوزن أو الكيل * قال رسول الله صلى الله عليه وسلم * من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم * ولا يكفي العد في المعدودات الجزء: 9 ¦ الصفحة: 256 بل لابد من ذكر الوزن في البطيخ والبيض والباذنجان والرمان وكذا الجوز واللوز ان عرف نوع لا يتفاوت في القشور غالبا ويجمع في اللبن بين العد والوزن) * يشترط أن يكون المسلم فيه معلوم القدر للخبر والاعلام تارة تكون بالكيل وأخرى بالوزن أو العدد أو الذرع (وقوله) في الحديث في كيل معلوم ووزن معلوم ينبغى أن يعرف فيه شيئان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 257 (أحدهما) أنه ليس أمرا بالجمع بين الكيل والوزن بل الجمع قد يكون مبطلا كما لو أسلم في ثوب ووصفه وقال وزنه كذا أو أسلم في مائة صاع حنطة على أن يكون وزنها كذا لانه يورث عزة الوجود قال الشيخ أبو حامد لكن لو ذكر وزن الخشب مع الصفات المشروطة جاز لانه لو كان زائدا أمكن نحته حتى يعود إلى القدر المشروط * إذا تقرر ذلك فالمراد من الخبر الامر بالكيل في المكيلات والوزن في الموزونات (الثاني) هذا الامر ورد على العادة الغالبة في النوعين لا للتعيين فيجوز دكر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 258 الوزن في المكيلات والكيل في الموزونات التى يتأتى فيها الكيل بخلاف الربويات لان المقصود ههنا معرفة المقدار وكل واحد منهما معروف وثم نص الشارع على طريق المماثلة فوجب الاتباع وعن أبى الحسين ابن القطان أن بعض الاصحاب منع من السلم كيلا في الموزونات والمشهور الاول لكن امام الحرمين حمل ما أطلقه الاصحاب علي ما يعتاد الكيل في مثله ضابطا (أما) لو أسلم في فتات المسك والعنبر ونحوهما كيلا لم يصح لان للقدر اليسير منه مالية كبيرة والكيل لا يعد ضابطا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 259 فيه * ثم الفصل صورتان (إحداهما) السلم في البطيخ والقثاء والرمان والسفرجل والباذنجن والرانج والبيض جائز والمعتبر فيها الوزن دون الكيل لانها تتجافى في المكيال ودون العدد لكثرة التفاوت فيه والناس يكتفون بالعدد تعويلا على العيان وتسامحا وكذا لا يجوز السلم في الجوز واللوز عددا ويجوز وزنا وفى الكيل وجهان نقلهما صاحب البيان المذكور منهما في الشامل الجواز وكذا في الفستق والفندك * واستدرك الامام فقال قشور الجوز واللوز مختلفة فمنها غلاظ ومنها رقاق والغرض الجزء: 9 ¦ الصفحة: 260 يختلف باختلافها فليمتنع السلم فيها بالوزن أيضا وليحمل ما أطلقه الاصحاب على النوع الذى لا تختلف قشوره في الغالب * وعن أبي حنيفة أنه يجوز السلم عددا في البيض والجوز ولا يجوز السلم في البقول جزما لاختلافها وانما السلم فيها بالوزن ولا يجوز السلم في البطيخة الواحدة والسفرجلة الواحدة ولا في عدد منها لانه يحتاج إلى ذكر حجمها ووزنها وذلك يورث عزة الوجود (وقوله) في الكتاب ولا يكفى العد في المعدودات يجوز اعلامه بالحاء لما حكيناه عنه ثم هو غير مجرى على اطلاقه لان التقدير الجزء: 9 ¦ الصفحة: 261 في الحيوانات انما يكون بالعد دون الوزن والكيل (وقوله) بل لابد من ذكر الوزن بعد قوله ولا يكفى العد قد يوهم الحاجة إلى ذكر الوزن مع العد وليس كذلك بل هو مفسد كما سبق والمراد أن المعتبر الوزن ولا نظر إلى العد (الثانية) يجمع في اللبن بين العد والوزن فيقول كذا لبنة وزن كل واحدة كذا لانها تضرب عن اختيار فالجمع فيها بين العد والوزن لا يورث عزة ثم الامر فيها على التقريب دون التحديد * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 262 قال (ولو عين مكيالا لا يعتاد كالكوز فسد العقد * وان كان يعتاد فسد الشرط وصح العقد على الاصح لانه لغو * ولو أسلم في ثمرة بستان بعينه بطل لانه ينافى الدينية * وان أضافه إلى ناحية كمعقلي البصرة جاز إذ الغرض منه الوصف) * في الفصل مسألتان (احداهما) لو عين للكيل ما لا يعتاد الكيل به كالكوز فسد السلم لان ملاه مجهول القدر ولان فيه غرر لا حاجة إلى احتماله فانه قد يتلف قبل المحل وفى البيع لو قال الجزء: 9 ¦ الصفحة: 263 بعتك ملء هذا الكوز من هذه الصبرة فوجهان بناء على المعنيين (والاصح) الصحة اعتمادا على المعني الثاني * ولو عين في البيع أو السلم مكيالا معتادا فهل يفسد العقد فيه وجهان (أحدهما) نعم لتعرضه للتلف (وأصحهما) لا ويلغو الشرط كسائر الشروط الذى لا غرض فيها والسلم الحال كالمؤجل أو كالبيع فيه وجهان (جواب) الشيخ أبى حامد منهما انه كالمؤجل لان الشافعي رضى الله عنه قال لو أسلم في ملء هذه الجرة خلا لم يصح لانها قد تنكسر فلا يمكن التسليم كذلك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 264 ههنا * ولو قال أسلمت اليك في ثوب كهذا الثوب أو في مائة صاع من الحنطة كهذه الحنطة فقد قال العراقيون لا يصح لابه ربما يتلف ذلك المحضر كما في مسألة الكوز وفى التهذيب أنه يصح ويقوم مقام الوصف * ولو أسلم في ثوب ووصفه ثم أسلم في ثوب آخر بتلك الصفة جاز إن كانا ذاكرين لتلك الاوصاف (الثانية) لو أسلم في حنطة ضيعة بعينها أو ثمرة بستان بعينه أو قرية صغيرة لم يجز وعللوه بشيئين (أحدهما) أن تلك البقعة قد تصيبها جائحة فتنقطع ثمرته وحنطته فاذن في الجزء: 9 ¦ الصفحة: 265 التعيين غرر لا ضرورة إلى اجتماله (والثانى) وهو المذكور في الكتاب أن التعيين ينافى الدينية من حيث إنه يضيق مجال التحصيل والمسلم فيه ينبغى أن يكون دينا مرسلا في الذمة ليتيسر أداؤه * وإن أسلم في ثمرة ناحية أو قرية كبيرة نظر إن أراد المسلم فيه تنوع المسلم فيه كمعقلي البصرة جاز فانه مع معقلى بغداد صنف واحد لكن كل واحد منهما يمتاز عن الآخر بصفات وخواص فالاضافة إليها تفيد فائدة الاوصاف وإن لم تفد تنويعا فوجهان (أحدهما) انه كتعيين المكيال لخلوه عن الفائدة (وأصحهما) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 266 الصحة لانه لا ينقطع غالبا ولا يتضيق به المجال * قال (الشرط الخامس معرفة الاوصاف * فلا يصح السلم إلا في كل ما ينضبط منه كل وصف تختلف به القيمة اختلافا ظاهرا لا يتغابن الناس بمثله في السلم * ولا يصح في المختلطات المقصودة الا دكان كالمرق والحلاوي والمعجونات * والخفاف والقسى والنبال * والاصح أنه يصح في العتابى والخز وان اختلف اللحمة والسدي لانه في حكم الجنس الواحد كالشهد (و) واللبن * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 267 وكذلك ما لا يفسد خلطه كالخبز وفيه الملح * والجبن واللبن وفيه الانفحة * وكذا دهن البنفسج والبان * وفى خل الزبيب والتمر وفيه الماء تردد) * أقدم فقه الفصل ثم أتكلم في الضبط الذي حاوله (أما) الفقه فهو أن معرفة أوصاف المسلم فيه بذكرها في العقد شرط فلا يصح السلم فيما لا تنضبط أوصافه أو تنضبط واهملا بعض ما يجب ذكره لان البيع لا يحتمل جهالة المعقود عليه وهو عين فلان لا يحتملها السلم وهو دين كان أولى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 268 ولتعذر الضبط أسباب (منها) الاختلاط والمختلطات أربعة أنواع لان الاختلاط اما أن يقع بالاختيار أو خلقة والاول اما أن يتفق وجميع اخلاطها مقصودة أو يتفق والمقصود واحد والاول اما أن يكون بحيث يتعذر ضبط اخلاطه أو بحيث لا يتعذر (النوع الاول) المختلطات المقصودة الاركان التى لا تنضبط أقدار اخلاطها وأوصافها كالهرائس ومعظم المرق والحلاوى والمعجونات والحوارشات والغالية المركبة من المسك والعنبر والعود والكافور فلا يصح السلم في شئ منها للجهل بما هو متعلق الاغراض وكذا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 269 الخفاف والنعال لاشتمالها على الظهارة والبطانة والحشو لان العبارة تضيق عن الوفاء بذكر أطرافها وانعطافاتها وفى البيان أن الصيمري حكي عن ابن سريج جواز السلم فيها وبه قال أبو حنيفة وكذا القسى لا يجوز السلم فيها لاشتمالها علي الخشب والعظم والعصب (وأما) النبل فقد نقل فيه اختلاف نص واتفقوا علي أنه لا خلاف فيه واختلاف النص محمول على اختلاف أحواله فلا يجوز السلم فيه بعد التخريط والعمل عليه (أما) إذا كان عليه عصب وريش ونصل فللمعنيين (أحدهما) أنه من المختلطات الجزء: 9 ¦ الصفحة: 270 (والثانى) اختلاف وسطه وطرفيه دقة وغلطا وتعذر ضبطه وانه من أي موضع يأخذ من الدقة في الغلظ أو بالعكس ولم تأخذ وأما إذا لم يكن فللمعنى الثاني ويجوز السلم قبل التخريط والعمل عليه لتيسر ضبطه والمغازل كالنبال والترياق المخلوط كالغالية فان كان نباتا واحدا أو حجرا جاز السلم فيه (النوع الثاني) المختلطات المقصودة الاركان التى تنضبط اقدارها وصفاتها كالثياب العتابية والخزوز المركبة من الابريسيم والوبر وفى السلم فيه وجهان (أحدهما) المنع كالسلم في الغالية والمعجونات الجزء: 9 ¦ الصفحة: 271 (وأصحهما) عند المصنف ومعظم العراقيين الجواز لان قدر كل واحد من اخلاطها مما يسهل ضبطه ويحكى هذا عن نص الشافعي رضى الله عنه وبه أجاب القاضى ابن كج ويخرج على الوجهين السلم في الثوب المعمول عليه بالابرة بعد النسج من غير جنس الاصل كالابريسم على القطن أو الكتان وان كان تركيبها بحيث لا تنضبط أركانها فهي كالمعجونات (النوع الثالث) المختلطات التى لا يقصد منها إلا الخليط الواحد كالخبز وفيه الملح لكنه غير مقصود في نفسه وانما يراد منه اصلاح الخبز وفى السلم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 272 فيه وجهان (أصحهما) عند الامام أنه جائز وبه قال أحمد وهو الذي أورده في الكتاب لان الملح مستهلك فيه والخبز في حكم الشئ الواحد (والثانى) وهو الاصح عند الاكثرين المنع لوجهين (أحدهما) الاختلاط واختلاف الغرض بحسب كثرة الملح وقلته وتعذر الضبط (والثانى) تأثير النار فيه * وفى السلم في الجبن مثل هذين الوجهين لكن الجمهور مطبقون على ترجيح وجه الجواز كأنهم اعتمدوا في الخبز المعنى الثاني ورأوا أن عمل النار في الخبز يختلف وفى الجبن بخلافه والله أعلم * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 273 والوجهان جاريان في السمك الذى عليه شئ من الملح وفى خل التمر والزبيب وجهان أيضا (أحدهما) واليه ميل الصيمري والامام منع السلم فيهما لما فيهما من الماء كما لا يجوز السلم في المخيض (وأظهرهما) عند الاكثرين الجواز لانه لا غنية به عن الماء فان قوامه به بخلاف المخيض إذ لا مصلحة له في الماء والاقط كالجبن وفى التتمة أن المصل كالمخيض لما فيه من الدقيق والادهان المطيبة كدهن البنفسج والبان والورد إن خالطها شئ من جرم الطيب لم يجز السلم فيها وان تروح السمسم بها ثم اعتصر جاز * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 274 (النوع الرابع) المختلطات خلقة ومثلها الامام بالشهد واللبن وعد الشهد من المختلطات أظهر من عد اللبن منها لان في ركني الشهد امتيازا ظاهرا واللبن شئ واحد الا أنه بعرض أن يحصل منه شيئان مختلفان وفى السلم في الشهد وجهان (احدهما) المنع لان الشمع فيه وقد يقل وقد يكثر فأشبه سائر المختلطات وهذا ما رواه القاضى ابن كج عن نصه (وأصحهما) الجواز لان اختلاطه خلقي فأشبه النوى في التمر وكما يجوز السلم في الشهد يجوز في كل واحد من ركنيه (واما) اللبن فلا خلاف في جواز السلم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 275 فيه (وقوله) في اول الفصل فلا يصح السلم إلى قوله لا يتغابن الناس بمثله في السلم هكذا هو في بعض النسخ وفى بعضها ما لا يتغابن الناس بمثله وهما صحيحان ومعني الاول لا يحتمل الناس اهمال مثل ذلك الاختلاف والنقصان ومعنى الثاني انه لا بأس بأن لا تنضبط منه الاوصاف التى لا يبالى بها ويحتمل فواتها * ثم اعلم ان من الاصحاب من يقول يجب التعرض للاوصاف التى يختلف بها الغرض ومنهم من يعتبر الاوصاف التى تختلف بها القيمة (ومنهم) من يجمع بينهما وليس شئ منها معمولا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 276 باطلاقه لان كون العبد ضعيفا في العمل وقويا وكاتبا وأمينا وما أشبه ذلك أوصاف يختلف بها الغرض والقيمة ولا يجب التعرض لها ثم (قوله) لا يصح السلم الا في كذا يقتضى صحة السلم في كذا لان الاستثناء من النفي اثبات وليس ذلك على الاطلاق بل لو انضبط منه كل وصف تختلف به القيمة ولكن كان عزيز الوجود لا يصح السلم فيه قال (وأما ما يقبل الوصف ولكن يفضى الاطناب فيه إلى عزة الوجود كاللآلئ الكبار الجزء: 9 ¦ الصفحة: 277 واليواقيت والجارية الحسناء مع ولدها إلى غير ذلك مما يعز وجوده فان ذلك يوجب عسرا في التسليم فلا يجوز السلم فيه) * قد سبق أن السلم فيما يندر وجوده لا يجوز لانه عقد غرر فلا يحتمل إلا فيما يوثق بتسليمه ثم الشئ قد يكون نادر الوجود من حيث جنسه كلحم الصيد في موضع العزة وقد لا يكون كذلك إلا أنه بحيث إذا ذكرت أوصافه التي بينا أنه يجب التعرض لها عز وجوده لندرة اجتماعها وفى هذا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 278 القسم صورتان (إحداهما) لا يجوز السلم في اللآلئ الكبار واليواقيت والزبرجد والمرجان لانه لابد فيها من التعرض للحجم والشكل والوزن والصفاء لعظم تفاوت القيمة باختلاف هذه الاوصاف واجتماع المذكور فيها نادر ويجوز في اللآلئ الصغار إذا عم وجودها كيلا ووزنا وبم ضبط النوعين * قال قائلون ما يطلب للتداوي فهو صغير وما يطلب للتزين فهو كبير * وعن الشيخ أبى محمد أن ما وزنه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 279 سدس دينار يجوز السلم فيه وإن كان يطلب منه التزبن لعموم وجوده والوجه أن يكون اعتبار السدس بالتقريب (الثانية) لو أسلم في جارية وولدها أو جارية وأختها أو عمتها أو شاة وسخلتها لم يجز لان اجتماع الجارية الموصوفة بالصفات المشروطة نادر هكذا أطلقه الشافعي رضى الله عنه وعامة الاصحاب رضى الله عنهم وفصل الامام فقال لا يمتنع ذلك في الزنجية التى لا تكثر صفاتها ويمتنع في السرية التى تكثر صفاتها وإلى هذا التفصيل أشار في الكتاب بقوله والجارية الحسناء وهذا مفرع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 280 على أن الصفات التى يجب التعرض لها تختلف باختلاف الجوارى ولم تفصل الائمة القول فيه كما ستعرفه لكن في موضع السلم اشكال على الاطلاق لانهم حكوا عن نصه أنه لو شرط كون العبد كاتبا أو الجارية ماشطة جاز ولمدع أن يدعي ندرة اجتماع صفة الكتابة والمشط مع الصفات التي يجب التعرض لها بل قضية ما أطلقوه تجويز السلم في عبد وجارية بشرط كون هذا كاتبا وتلك ماشطة وكما يندر كون أحد الرقيقين ولدا للآخر مع اجتماع الصفات المشروطة فيهما فكذا يندر كون أحدهما الجزء: 9 ¦ الصفحة: 281 كاتبا والآخر ماشطا مع اجتماع تلك الصفات فلنسو بين الصورتين في المنع والتجويز * ولو أسلم في جارية وشرط كونها حاملا فطريقان (أظهرهما) المنع وعللوه بان اجتماع الحمل مع الصفات المشروطة نادر وهذا يؤيد الاشكال الذى أوردناه (والثانى) وبه قال أبو إسحق وأبو علي الطبري وابن القطان أنه على قولين بناء على أن الحمل هل له حكم أم لا (ان قلنا) نعم جاز والا فلا لانه لا يعرف حصوله وهما كالقولين في الشراء بهذا الشرط * ولو شرط كون الشاة المسلم فيها لبونا فقولان منصوصان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 282 وقد ذهب الشيخ أبو حامد إلى ترجيح قول الجواز كما مر في شراء الجارية بشرط أنها لبون لكن قضية توجيه أظهر الطريقين في صورة الحمل تقتضي ترجيح المنع ههنا أيضا وبه أجاب صاحب التهذيب * قال (ويجوز السلم في الحيوان (ح) للاخبار والآثار فيه فيتعرض للنوع واللون والذكورة والانوثة والسن فيقول عبد تركي أسمر ابن سبع طويل أو قصير أو ربع * ثم ينزل كل شئ على أقل الدرجات الجزء: 9 ¦ الصفحة: 283 ولا يشترط وصف آحاد الاعضاء إذ يفضي اجتماعها إلى عزة الوجود * وفى الكحل والدعج وتكلثم الوجه والسمن في الجارية * وما لا يعز وجوده ولكن قد يعد استقصاء فيه تردد * وكذا في ذكر الملاحة ويقول في البعير ثنى أحمر من نعم بنى فلان غير مودون أي غير ناقص الخلقة * ويتعرض في الخيل للون والسن والنوع * ولا يجب التعرض للشيات كالطغر واللطيم * ويتعرض في الطيور للنوع والكبر والصغر من حيث الجثة) * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 284 يجوز السلم في الحيوان وبه قال مالك واحمد خلافا لابي حنيفة لما روى عن عبد الله بن عمرو ابن العاص قال (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اشترى بعيرا ببعيرين إلى أجل   حديث عبد الله بن عمرو أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اشتري له بعيرا ببعيرين إلى أجل أخرجه أبو داود وقد تقدم في الربا * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 285 وعن علي رضى الله عنه " أنه باع بعيرا له بعشرين بعيرا إلى أجل " وعن ابن عمر (أنه اشترى راحلة باربعة أبعرة يوفيها صاحبها بالربذة) وهذه ونحوها هي الاخبار والآثار التى أجمل ذكرها في   حديث ابن عمر أنه اشترى راحلة باربعة أبعرة يوفيها صاحبها بالربذة: علقه البخاري ورواه مالك في الموطأ عن نافع عن بن عمر والشافعي عن مالك كذلك (تنبيه) روى عن ابن عمر ما يعارض هذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه أنه سأل ابن عمر عن بعير ببعيرين فكرهه ورواه ابن أبي شيبة عن ابن أبي زائدة عن ابن عون عن ابن سيرين قلت لابن عمر البعير بالبعيرين إلى أجل فكرهه ويمكن الجمع بانه كان يرى فيه لجواز وإن كان مكروها على التنزيه لا على التحريم وروي الحاكم والدارقطني من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السلف في الحيوان وفي اسناده اسحق بن ابراهيم بن جوثى وهاه ابن حبان * حديث علي أنه باع بعيرا بعشرين بعيرا إلى أجل مالك في الموطأ عن صالح عن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 286 الكتاب * ثم الحيوان أنواع (فمنها) الرقيق فإذا أسلم فيه وجب التعرض لامور (أحدها) النوع فيبين أنه تركي أو رومى أو هندي وهل يجب التعرض لصنف النوع ان كان فيه اختلاف فيه قولان (أظهرهما) الوجوب (والثانى) اللون فيبين أنه أبيض أو أسود ويصف البياض بالسمرة أو الصفرة والسواد   االحسن بن محمد بن علي عن علي وفيه انقطاع بن الحسن وعلي وقد روي عنه ما يعارض هذا روى عبد الرزاق من طريق ابن المسيب عن علي أنه كره بعيرا ببعيرين نسيئة وروى ابن أبي شيبة نحوه عنه * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 287 بالصفاء أو الكدورة وهذا إذا اختلف لون الصنف المذكور فان لم يقع فيه اختلاف أغني ذكره عن اللون (والثالث) الذكورة والانوثة (والرابع) السن فيقول محتلم أو ابن ست أو سبع ثم الامر في السن على التقريب حتى لو شرط كونه ابن سبع مثلا بلا زيادة ولا نقصان لم يجز لندرة الظفر به والرجوع في الاحتلام إلى قول العبد وفى السن يعتمد قوله ان كان بالغا وقول سيده إن ولد في الاسلام والا فالرجوع إلى النحاسين فتعتبر ظنونهم (والخامس) القد فيبين أنه طويل أو قصير أو ربعة لان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 288 القيمة تتفاوت بها تفاوتا ظاهرا * واعلم قوله في الكتاب طويل أو قصير - بالواو - لان الامام نقل عن العراقيين أنه لا يعتبر ذكر القد وتابعه صاحب الكتاب في الوسيط لكن كتب العراقيين مشحونة بأنه يجب ذكره ولم يتعرضوا لخلاف فيه والله أعلم * واعتبروا التعرض لامر سادس وهو الجودة وهذا لا يختص بالرقيق ولا بالحيوان وستعرف حكمه من بعد (وقوله) ثم ينزل كل شئ على اقل الدرجات معناه أنه إذا أتى بما يقع عليه اسم الوصف المشروط كفى ووجب القبول لان الرتب لا نهاية لها وهذا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 289 كما ذكرنا فيما إذا باع العبد بشرط أنه كاتب أو خباز والمسألة لا اختصاص لها بهذا الموضع بل تعم كل مسلم فيه * ولا يشترط وصف كل عضو على حياله باوصافه المقصودة وان تفاوت بها الغرض والقيمة لان ذلك يورث عزة الموصوف لكن في التعرض للاوصاف التى يعتني بها أهل البصر وترغب بها في الارقاء كالكحل والدعج وتكلثم الوجه وسمن الجارية وما أشبهها وجهان (أحدهما) وبه قال الشيخ أبو محمد أنه يجب لانها مقصودة ولا يورث ذكرها العزة (وأظهرهما) أنه لا يجب لان الناس الجزء: 9 ¦ الصفحة: 290 يتسامحون باهمالها ويعدون ذكرها استقصاء وعن القفال تردد رأى في الملاحة بناء علي أنها من حملة المعاني أو المرجع بها إلى يميل إليه طبع كل أحد (والاظهر) أنه لا يعتبر * واعلم أن الشافعي ذكر في السلم في العبد أنه يقول خماسى أو سداسي وانه يصف سنه واختلفوا في التفسير فمنهم من قال أراد أراد بالخماسي والسداسى التعرض للقد يعنى خمسة أشبار أو ستة (ومنهم) من قال أراد به السن يعنى ابن خمس أو ست فمن قال بالاول حمل قوله يصف سنه على المعني الثاني ومن قال بالثاني حمل قوله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 291 يصف سنه على الاسنان المعروفة أي يذكر أنه مفلج الاسنان أو غيره وذلك من طريق الاولى دون الاشتراط كالتعرض لجعودة الشعر أو سبوطته * وحكى المسعودي أن الخماسي والسداسي صنفان من عبيد النوبة معروفان عندهم * (فرع) ذكر الشيخ أبو حامد في آخرين أنه لا يجب ذكر الثيابة والبكارة في الجارية وعن الصيمري أنه يجب وبه أجاب صاحب المهذب وهو الاولى (آخر) لو شرط كون العبد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 292 يهوديا أو نصرانيا جاز كشرط كونه خبازا * ولو شرط كونه ذا زوجة وكون الجارية ذات زوج فعن الصيمري أنه جائز وزعم أن ذلك مما لا يندر وعنه أنه لو شرط كونه سارقا أو زانيا أو قاذفا جاز أيضا بخلاف ما لو شرط كون الجارية مغنية أو عوادة وفرق بانها صناعة محظورة وتلك أمور تحدث كالعمى والعور وقطع اليد وهذا فرق لا يقبله ذهنك (ثالث) لو أسلم جارية صغيرة في كبيرة فعن أبى اسحق أنه لا يجوز لانها قد تكبر وهى بالصفة المشروطة فيسلمها بعد أن يطأها فتكون في معنى استقراض الجزء: 9 ¦ الصفحة: 293 الجوارى (والصحيح) الجواز كاسلام صغار الابل في كبارها وهل يتمكن من تسلمها عما عليه فيه وجهان لاتحاد الثمن والمثمن (إن قلنا) يتمكن فلا مبالاة بالوطئ كوطئ الثيب وردها بالعيب * ومن أنواع الحيوان الابل ولابد من التعرض فيها لامور (أحدها) الذكورة والانوثة (وثانيها) السن فيقول ابن مخاض أو ابن لبون أو ثني (وثالثها) اللون فيقول أحمر أو أسود أو أزرق (ورابعها) النوع مثل أن يقول من نعم بني فلان ونتاجهم وهذا فيما إذا كثر عددهم وعرف بهم نتاج كطي وبني؟ قيس الجزء: 9 ¦ الصفحة: 294 فأما النسبة إلى الطائقة القليلة فهى كتعيين البستان في الثمار * ولو اختلف نتاج بني فلان وكان فيها أرحبية ومهرية ومجيدية فأظهر القولين أنه لابد من التعيين (وأما) قوله غير مود نقى من العيوب سبط الخلق محفر الجنبين والمودى غير ناقص الخلقة والسبط المديد القامة الوافر الاعضاء ومحفر الجنبين عظيمها وواسعها واتفق الاصحاب على أن ذكر هذه الامور ليست بشرط وانما هو ضرب من التأكيد (ومنها) الخيل فيجب التعرض فيها لما يجب التعرض له في الابل ولو ذكر معه الشيئان كالاغرر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 295 والمحجل واللطيم كان أولى ولو أهملهما جاز وحمل قوله اشقر أو ادهم على البهيم وكذا القول في البغال والحمير والبقر والغنم ومالا يتبين نوعه بالاضافة إلى قوم يتبين بالاضافة إلى بلد وغيره (ومنها) الطيور ويجوز السلم فيها كالنعم وغيرها وقال في المهذب لا يجوز لانه لا يضبط سنها ولا يعرف قدرها بالدرع فعلى المشهور يوصف منها النوع والصغر والكبر من حيث الجثة ولا يكاد يعرف سنها فان عرف وصف به * ويجوز السلم في السمك والجراد حيا وميتا عند عموم الوجود ويوصف كل جنس من الحيوان يما يليق به * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 296 قال (ويقول اللحم لحم بقر أو غنم ضأن أو معز ذكر أو أنثى خصى أو غير خصى رضيع أو فطيم معلوفة أو راعية من الفخذ أو من الجنب * ولا يشترط نزع العظم) السلم في اللحم جائز خلافا لابي حنيفة * لنا أنه يمكن ضبط صفاته فأشبه النمار ويجب فيه بيان أمور (أحدها) الجنس فيقول لحم ابل أو بقر أو غنم (والثانى) النوع فيقول لحم بقر أهلى أو جواميس ولحم ضأن أو معز (والثالث) الذكورة والانوثة وإذا بين الذكورة فليبين أنه خصى أو غير خصى (والرابع) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 297 السن فيقول صغير أو كبير ومن الصغير رضيع أو فطبم ومن الكبير جذع أو نثى (والخامس) يبين أنه من راعية أو معلوفة لان كل واحد من النوعين مطلوب من وجه قال الامام ولا اكتفاء بالعلف بالمرة والمرات حتى ينتهي إلى مبلغ مؤثر في اللحم (فان قلت) اطلق الاصحاب قولهم باعتبار هذا الامر ولفظ الشافعي رضى الله عنه في المختصر ويقول في لحم البعير خاصة بغير واع فكيف الجمع (فالجواب) أن النص محمول على عادتهم فانهم كانوا لا يعلفون الا الابل فلم يفتقروا إلى التقييد في الجزء: 9 ¦ الصفحة: 298 غير الابل فأما حيث جرت العادة بعلف غيره فلابد من بيانه (والسادس) يبين موضعه اهو من الفخذ أو الجنب أو الكتف لاختلاف الاغراض وفى كتب العراقيين اعتبار أمر شائع وهو بيان السمن والهزال ولا يجوز شرط الاعجف لان العجف هزال عن علة وشرط العيب مفسد على ما سيأتي * ويجوز في اللحم المملح والقديد إذا لم يكن عليه عين الملح فان كان فقد مر الخلاف في نظيره ثم إذا أطلق السلم في اللحم وجب قبول ما فيه من العظم على العادة وان شرط نزع العظم جاز ولم يجب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 299 قبوله * ويجوز السلم في الشحم والالية والكبد والطحال والكلية والرئة * وإذا أسلم في لحم الصيد ذكر ما يجب ذكره في سائر اللحوم لكن الصيد الذكر لا يكون الا فحلا وراعيا فلا حاجة إلى التعرض للامرين قال الشيخ أبو حامد والمقتدون به ويبين أنه صيد بأحبولة أو بسهم أو بجارحة ويبين انها كلب أو فخذ لان صيد الكلب أطيب لطيب نكهته وفى لحم الطير والسمك يبين الجنس والنوع والصغر والكبر من حيث الجثة ولا حاجة إلى ذكر الذكورة والانوثة الا إذا أمكن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 300 التميز وتعلق به الغرض ويبين موضع اللحم إذا كان الطير والسمك كثيرين ولا يلزم قبول الرأس والرجل من الطير والذنب من السمك * قال * (ولا يسلم في المطبوخ والمشوى إذا كان لا يعرف قدر تأثير النار فيه بالعادة) * لا يجوز السلم في اللحم المطبوخ والمشوى لاختلاف الغرض باختلاف تأثير النار فيه وتعذر الضبط وفى السلم في الخبز وجهان ذكرناهما في فصل المختلطات وجه الجواز أن لتأثير النار فيه نهاية مضبوطة كالسمن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 301 والدبس والسكر والفانيذ كالخبز فيجرى في ثلثها الوجهان وأشار الامام إلى طريقة قاطعة بجواز السلم في السكر والفانيذ وفي اللبا الوجهان (اختيار) الشيخ أبى حامد المنع (واختيار) القاضى أبى الطيب الجواز فأما ما جفف ولم يطبخ فيجوز السلم فيه بلا خلاف ويقرب من صور الخلاف تردد صاحب التقريب في السلم في الماء ورد لاختلاف تأثير النار فيما يتصعد ويقطر واستبعد إمام الحرمين وجه المنع فيها الجزء: 9 ¦ الصفحة: 302 جميعا ولا عبرة بتأثير الشمس بل يجوز السلم في العسل المصفي بالشمس وفى العسل المصفى بالنار الوجهان في الدبس ونحوه ومما يوجه به المنع أن النار تعيبه وتسرع الفساد إليه * قال (وفى السلم في رؤس الحيوانات بعد التنقية من الشعور قولان لترددها بين الحيوانات والمعدودات * والاصح في الاكارع الجواز لقلة الاختلاف في أجزائها) * في السلم في رؤس الحيوانات المأكولة قولان (أحدهما) الجواز وبه قال مالك واحمد كالسلم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 303 في جملة الحيوان وكالسلم في لحم الفخذ وسائر الاعضاء (وأظهرهما) المنع وبه قال أبو حنيفة لاشتمالها على ابعاض مختلفة كالمناخر والمشافر وغيرها وتعذر ضبطها ويخالف السلم في الحيوان فان المقصود جملة الحيوان من غير تجريد النظر إلى آحاد الاعضاء ويخالف السلم في لحوم سائر الاعضاء فان لحم سائر الاعضاء اكثر من عظمها والرأس على العكس والاكارع كالرؤس ورأى صاحب الكتاب الجواز فيها اصح لانها اقرب إلى الضبط لكن الجمهور علي الاول وعن القاضى ابى الطيب الدمر إلى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 304 القطع بالمنع فيها (فان قلنا) بالجواز فيهما فذلك بشروط (أحدها) أن تكون منقاة من الصوف والشعر فأما السلم فيها من غير تنقية فلا يجوز لتستر المقصود بما ليس بمقصود (والثانى) أن توزن فأما بالعدد فلا لاختلافها في الصغر والكبر (والثالث) أن تكون نية فأما المطبوخة والمشوية فلا سلم فيها بحال وفى كتاب القاضى ابن كج اعتبار شرط آخر وهو أن تكون المشافر والمناخر منحاة عنها وهذا لا اعتماد عليه (وقوله) : الكتاب لترددها بين الحيوانات والمعدودات اشارة إلى توجيه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 305 القولين فوجه الجواز الشبه بالحيوانات ووجه المنع أن الوزن لا يكفى فيها لكون الكبر مقصودا منها فنلحق بالمعدودات ولا يجوز السلم فيها بالعد كما سبق وفى لفظ المختصر إيماء إلى هذا الكلام فانه قال وأرى الناس تركوا وزن الرؤس لما فيها من الصوف وأطراف المشافر والمناخر وما أشبه ذلك لانه لا يؤكل * قال (ويجوز السلم في اللبن والسمن والزبد والمخيض والوبر والصوف والقطن والابريسم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 306 والغزلي المصبوغ وغير المصبوغ وكذا في الثياب بعد ذكر النوع والدقة والغلظ والطول والعرض وكذا في الحطب والخشب والحديد والرصاص وسائر اصناف الاموال إذا اجتمعت الشرائط التى ذكرناها) * في الفصل صور (احداها) يجوز السلم في اللبن ويبين فيه ما يبين في اللحم سوى الامر الثالث والسادس ويبين نوع العلف لاختلاف الغرض بذلك ولا حاجة إلى ذكر اللون ولا إلى ذكر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 307 الحلاوة فان المطلق ينصرف إلى الحلو بل لو أسلم في اللبن الحامض لم يجز لان الحموضة عيب فيه ولو أسلم في لبن يومين أو ثلاثة فانما يجوز إذا بقى حلوا في تلك المدة وفى السلم في السمن ما يبين في اللبن ويذكر أنه أبيض أو أصفر * وهل يحتاج إلى التعرض للحديث والعتيق قال الشيخ أبو حامد لا بل العتيق معيب لا يصح السلم فيه وقال القاضى أبو الطيب العتيق المتغير هو المعيب لا كل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 308 عتيق فيجب البيان * وفى الزبد يذكر مثل ما في السمن ويذكر أنه زبد يومه أو أمسه * ويجوز السلم في اللبن كيلا ووزنا لكن لا يكال حتى تسكن الرغوة ويوزن قبل سكونها وكذا السمن يكال ويوزن إلا إذا كان جامدا يتجافى في المكيال فيتعين الوزن وليس في الزبد الا الوزن وكذا في اللباء المجفف وقبل الجفاف هو كاللبن * وإذا جوزنا السلم في الجبن وجب بيان نوعه وبلده وانه رطب أو يابس (وأما) قوله والمخيض فاعلم ان المخيض الذى فيه ماء لا يجوز السلم فيه نص عليه الشافعي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 309 رضى الله عنه وقد أدرجناه في أثناء المختلطات فالذي ذكره محمول على ما إذا مخض اللبن من غير ماء وحينئذ فوصفه بالحموضة لا يضر لان الحموضة مقصودة فيه (الثانية) إذا أسلم في الصوف قال صوف بلد كذا لاختلاف الغرض به ويبين لونه وطوله وقصره وانه خريفى أو ربيعي فالخريفي أنظف وانه من ذكور أو اناث فصوف الاناث أشد نعومة واستغنوا بذلك عن ذكر اللبن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 310 والخشونة ولا يقبل الا نقيا من الشوك والبعر وان شرط كونه مغسولا جاز الا أن يعيبه الغسل * والوبر والشعر كالصوف والطريق فيهما الوزن (الثالثة) يبين في القطن بلده ولونه وكثرة لحمه وقلته والخشونة والنعومة وكونه عتيقا أو حديثا ان اختلف الغرض به والمطلق يحمل على الجاف وعلى ما فيه الحب ويجوز في الحليج وفى حب القطن ولا يجوز في الجورق قبل التشقق وأما بعده ففى التهذيب أنه يجوز وقال في التتمة ظاهر المذهب أنه لا يجوز لاستتار المقصود بما لا مصلحة فيه وهذا ما أطلق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 311 العراقيون حكاية عن النص (الرابعة) يبين في الابريسم بلده ولونه ودقته وغلظه ولا حاجة إلى ذكر الخشونة والنعومة * ولا يجوز السلم في القز وفيه الدود حية كانت أو ميتة لانها تمنع معرفة القز وبعد خروج الدود يجوز * وإذا أسلم في الغزل ذكر ما يذكر في القطن ويذكر الدقة والغلظ أيضا * ويجوز السلم في غزل الكتان أيضا ويجوز شرط كونه مصبوغا ولابد من بيان الصبغ (الخامسة) إذا أسلم في الثياب بين الجنس انه من ابريسم أو كتان أو قطن والنوع والبلد الذي ينسج الجزء: 9 ¦ الصفحة: 312 فيه ان اختلف به الغرض وقد يغني ذكر النوع عنه وعن الجنس أيضا ويبين الطول والعرض والغلظ والدقة والصفاء فيه والرقة والنعومة والخشونة * ويجوز في المقصور والمطلق محمول على الخام ولا يجوز في اللبيس لانه لا ينضبط ويجوز فيما صبغ غزله قبل النسج كالبرود والمشهور في كتب الاصحاب أنه لا يجوز في المصبوغ بعد النسج ووجهوه بشيئين (أحدهما) أن الصبغ عين تزاينه وهو مجهول المقدار والغرض يختلف باختلاف اقداره (والثانى) أنه يمنع معرفة النعومة والخشونة وسائر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 313 صفات الثوب وحكى الامام عن طائفة منهم شيخه أنه يجوز وبه قال صاحب الحاوى وهو القياس ولو صح التوجيهان لما جاز السلم في المنسوج بعد الصبغ أيضا وفى الغزل المنسوج أيضا * وعن الصيمري تجويز السلم في القميص والسراويلات إذا ضبطت طولا وعرضا وضيقا وسعة (السادس) الخشب أنواع منها الحطب فإذا أسلم فيه ذكر نوعه وغلظه ودقته وانه من نفس الشجر أو أغصانه ووزنه ولا يجب التعرض للرطوبة والجفاف والمطلق محمول على الجاف ويجب قبول المعوج والمستقيم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 314 (ومنها) ما يطلب للبناء كالجذوع فيبين فيها النوع والطول والغلظ والدقة ولا حاجة إلى ذكر الوزن خلافا للشيخ أبي محمد ولو ذكر جاز بخلاف الثياب قال الشيخ أبو حامد لانه يمكن أن ينحت منها ما يزيد على القدر المشروط * ولا يجوز السلم في المخروط لاختلاف أعلاه وأسفله (ومنها) ما يطلب ليتخذ منه القسى والسهام فيذكر فيها النوع والدقة والغلظ وزاد بعضهم التعرض لكونه سهليا أو جبليا لان الجبلى أصلح لها ومنهم من اعتبر التعرض للوزن أيضا فيه وفى خشب البناء (السابعة) إذا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 315 أسلم في الحديد ذكر نوعه وانه ذكر أو أنثى ولونه وخشونته ولينه وفى الرصاص يذكر نوعه من قلعي وغيره وفى الصعر من شبه وغيره ولونهما وخشونتهما ولينهما ولابد من الوزن في جميع ذلك وكل شئ لا يتأتى ونرد بالقبان يوزن بالعرض علي الماء هذا شرح الصور التى نص عليها صاحب الكتاب ونردفها بصور على سبيل الاختصار فنقول السلم في المنافع كتعليم القرآن وغيره جائز ذكره الرويانى ويجوز السلم في الدراهم والدنانير على أصح الوجهين لانه مال يسهل ضبطه (والثانى) وبه قال أبو حنيفة أنه لا يجوز الجزء: 9 ¦ الصفحة: 316 وعلى الاول يشترط أن يكون رأس المال غير الدراهم والدنانير * ويجوز السلم في أنواع العطر العامة الوجود كالعنبر والمسك والكافور ويذكر وزنها ونوعها فيقول عنبر أشهب أو غيره قطع أو فتات ويجوز السلم في الزجاج والطين والجص والنورة وحجارة الارحية والابنية والاوانى ويذكر نوعها وطولها وعرضها وغلظها ولا حاجة إلى ذكر الوزن ولا يجوز في البرام المعمولة ولا في الكيزان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 317 والخباب والطشوش والمنابر والقماقم والطناجر لندرة اجتماع الوزن مع الصفات المشروطة ولتعذر ضبطها نعم ما يعيب منها في الغالب يجوز السلم فيه لانه لا يختلف وكذا في الاسطال المربعة كما يجوز في مربعات الصرم وقطع الجلود وزنا ولا يجوز في الجلود على هيئتها لتفاوتها دقة وغلظا وتعذر ضبطها ويجوز السلم في الكاغد عددا ويبين فيه النوع والطول والعرض * وفى اللبن والآجر وفى الآجر وجه لتأثير النار فيه * ولا يجوز السلم في العقار لانه يحتاج فيه إلى بيان المكان وإذا بين تعين * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 318 ولا يجوز في العلس والارز لاستتارهما بالكمام ويجوز في الدقيق وعن الداركى أنه لا يجوز * وإذا أسلم في التمر بين النوع فيقول معقلى أو برنى والبلد فيقول بغدادي أو بصرى واللون وصعر الحبات وكبرها وكونه حديثا أو عتيقا ولا يجب تقدير المدة التى مضت عليه والحنطة وسائر الحبوب كالتمر * وفى الرطب يبين جميع ذلك سوى الحديث والعتيق وفى الوسيط أنه يجب التعرض لذلك في الرطب ولا حاجة إليه في البر والحبوب وهو خلاف النص وما عليه عامة الاصحاب * وفى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 319 العسل يبين أنه جبلى أو بلدي صيفي أو خريفى أبيض أو أصفر ولا حاجة إلى ذكر الحديث والعتيق لانه لا يختلف الغرض به ويقبل مارق بسبب الجز ولا يقبل مارق رقة عيب والله أعلم * وهذا باب لا ينحصر فاغتن بالمذكور عن المتروك * قال * (فان شرط الجودة جاز ونزل على أقل الدرجات وان شرط الاجود لم يجز إذ لا يعرف أقصاه * وان شرط الرداءة فكذلك لا يجوز فان شرط الاردأ جاز على الاصح لان طلب الاردإ عناد محض فلا يثور به نزاع * والوصف الذى به التعريف ينبغى أن يكون بلغة يعرفها غير المتعاقدين) * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 320 مضمون الفصل مسألتان (إحداهما) ذهب العراقيون من مشايخنا إلى اشتراط التعرض للجودة أو الرداءة في كل ما يسلم فيه وعللوه بان القيمة والاغراض تختلف بهما وظاهر النص يوافق ما ذكروه وقال غيرهم لا حاجة إلى غيره ويحمل الطلق على الجيد وهو الاظهر وايراد الكتاب يوافقه وسواء قلنا بالاشتراط أو لم نقل فإذا شرط الجودة نزل على أقل الدرجات كما إذا شرط صفة اخرى * ولو شرط الاجود لم يجز لان أقصاه غير معلوم فكأنه شرط شيئا مجهولا وأيضا فانه ما من شئ يأتي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 321 به الا والمسلم يطالبه بما هو أجود منه تمسكا باللفظ فيدوم النزاع بينهما * وان شرط الرداءة فقد أطلق في الكتاب أنه لا يجوز وفصل كثيرون فقالوا شرط رداءة النوع يجوز لانضباطه وشرط رداءة العيب والصفة لا يجوز لانها لا تنضبط وما من ردئ الا وهناك ما هو خير منه وان كان رديئا فيفضى إلى النزاع * واعلم أن نوع المسلم فيه لابد من التعرض له علي ما سبق فان لم ينص علي النوع وتعرض للردئ تعريفا للنوع فذلك محتمل لا محالة وان نص على النوع فذكر الرداءة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 322 حشو (وأما) رداءة الصفة فالذي حكيناه عن العراقيين يقتضى تجويز اشتراطه لانهم ذكروها في مقابلة الجودة ولا شك أنهم لم يريدوا بها جودة النوع ولهم أن يعترضوا فيقولوا هب أن رداءة الصفة لا تنضبط لكن الجودة أيضا كذلك وقد نزلناها على أقل الدرجات فلم لا تفعل في الرداءة مثله وان شرط الاردأ ففيه قولان ويقال وجهان (أحدهما) وهو المنصوص في المختصر أنه لا يجوز لانه لا يوقف الجزء: 9 ¦ الصفحة: 323 على أقصاه كما في الاجود (وأصحهما) الجواز لانه إذا أتى بردئ لم يطالبه المسلم بما هو أردأ منه وان طالبه به كان معاندا فيمنع منه ويجبر على قبوله * ولك أن تعلم قوله في الكتاب وان شرط الجودة لم يجز بالواو لان في تعليق الشيخ أبى حامد أن من اصحابنا من خرج قولا أنه جائز وكذلك قوله فكذلك لا يجوز لما قدمناه (الثانية) صفات المسلم فيه المذكورة في العقد تنقسم إلى مشهورة عند الناس والى غير مشهورة وذلك قد يكون لدقة معرفتها كما في الادوية والعقاقير وقد يكون الجزء: 9 ¦ الصفحة: 324 لغرابة الالفاظ المستعملة فيها فلابد من معرفة المتعاقدين بها فلو جهلاها أو أحدهما لم يصح العقد وهل يكفى معرفتهما فيه وجهان (أظهرهما) لا وهو المنصوص بل لابد من أن يعرفها غيرهما ليرجع إليه عنه تنازعهما (والثانى) أنه يكفى معرفتهما والنص محمول على الاحتياط * فهذا شرط آخر للسلم * وهل تعتبر فيها الاستفاضة أم يكفى معرفة عدلين سواهما فيه وجهان (أظهرهما) الثاني ويجرى الوجهان فيما إذا لم يعرف المكيال المذكور الا عدلان * واعلم أن جميع ما ذكرناه الآن من الجزء: 9 ¦ الصفحة: 325 معرفة المتعاقدين وغيرهما يخالف ما قدمنا في مسألة فصح النصارى من نقض الوجوه ولعل الفرق أن الجهالة هناك راجعة إلى الاجل وههنا راجعة إلى المعقود عليه فجاز أن يحتمل من نيل الجهالة ما لا يحتمل من هذه والله تعالى أعلم * (الباب الثاني في أداء المسلم فيه والقرض) قال (أما المسلم فيه فالنظر في صفته وزمانه ومكانه (أما صفته) فان أتى بغير جنسه لم يقبل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 326 لانه اعتياض وذلك غيره جائز في المسلم فيه * وان كان من جنسه ولكنه أجود وجب قبوله وان كان أردأ منه جاز قبوله ولم يجب * وان أتى بنوع آخر بأن أسلم في الزبيب الابيض فجاء بالاسود ففى جواز القبول وجهان إذ يكاد أن يكون اعتياضا) * قوله والقرض معطوف على الاداء لا على المسلم فيه لانه لم يقصر الكلام في القرض على ادائه بل تكلم في فصول منها الاداء * إذا عرفت ذلك فاعلم أن الاعتياض عن المسلم فيه قبل القبض الجزء: 9 ¦ الصفحة: 327 غير جائز لما مر في النظر الثالث من كتاب البيع فلا يجوز أن يستبدل عنه غير جنسه * وان لم يختلف الجنس فاما أن لا يختلف النوع أيضا أو يختلف (الحالة الاولى) أن لا يختلف فينظر ان أتى بالمسلم فيه على الصفة المشروطة وجب قبوله وان أتى به على صفة أجود مما شرط جاز قبوله وفى الوجوب وجهان (أحدهما) لا يجب لما فيه من المنة (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يجب لان إتيانه به يشعر بأنه لا يجد سبيلا إلى ابراء ذمته بغيره وذلك يهون أمر المنة وان أتى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 328 به أراد أمما شرط جاز القبول ولم يجب (الحالة الثانية) أن يختلف كما لو أسلم في التمر المعقلى فجاء بالبرنى أو في الذبيب الابيض فجاء بالاسود أو في الثوب الهروي فجاء بالمروى فلا يجب علي المسلم قبوله لاختلاف الاغراض باختلاف الانواع (ومنهم) من حكي وجها آخر أنه يجب تمسكا بقول الشافعي رضى الله عنه وأصل ما يلزم السلف قبول ما أسلف فيه أن يأتيه به من جنسه (فان قلنا بالاول) فهل يجوز قبوله فيه وجهان (أظهرهما) وبه قال الشيخ أبو حامد لا لانه يشبه الاعتياض كما لو اختلف الجزء: 9 ¦ الصفحة: 329 الجنس (والثانى) نعم كما لو اختلفت الصفة * وذكروا خلافا في أن التفاوت بين التركي والهندي من العبيد تفاوت جنس أو تفاوت نوع (والصحيح) الثاني وفى أن التفاوت بين الرطب أو التمر وما يسقي بماء السماء وما يسقي بغيره تفاوت نوع أو صفة والاشبه الاول * (فرع) ما أسلم فيه كيلا لا يجوز قبضه وزنا وبالعكس وعند الكيل لا يزلزل المكيال ولا يوضع الكف علي جوانبه (آخر) إذا أسلم في الحنطة وجب تسليمها نقية من الزوان والمدر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 330 والتراب فان كان فيها شئ قليل من ذلك وقد اسلم كيلا جاز وان اسلم وزنا لم يجز ويجب تسليم التمر جافا والرطب صحيح غير منشدخ * قال (اما الزمان فلا يطالب به قبل المحل ولكن ان جاء به قبله وله في التعجيل غرض بأن كان بالدين رهن أو ضامن أو كان يظهر (و) خوف الانقطاع وجب القبول كما يجب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 331 قبول النجوم من لمكاتب قبل المحل * وان لم يكن له غرض سوي البراءة نظر فان كان للممتنع غرض بأن كان في زمان نهب أو غارة أو كانت دابة يحذر من علفها فلا يجبر وان لم يكن من الجانبين غرض فقولان في الاجبار) * السلم اما مؤجل أو حال فان كان مؤجلا فلا يخفى انه لا مطالبة بالمسلم فيه قبل المحل والا لبطل فائدة التأجيل * ولو اتى المسلم إليه به قبل المحل وامتنع المسلم من قبوله فترتيب صاحب الكتاب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 332 يخالف ترتيب الجمهور فنذكر ما ذكروه ثم نعود إلى ما أورده * قال الجمهور ان كان له في الامتناع كما إذا كان وقت نهب أو كان المسلم فيه حيوانا يحذر من علفه أو ثمرة أو لحما يريد أكله عند المحل طريا أو كان مما يحتاج إلى مكان مؤنة كالحنطة والقطن الكثيرين فلا يجبر على القبول لتضرره وان لم يكن غرض في الامتناع فان كان للمؤدى غرض في التعجيل سوى براءة الذمة كما لو كان به رهن يريد فكاكه أو ضامن يريد براءته يجبر على القبول كالمكاتب يعجل النجوم ليعتق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 333 يجبر السيد على قبولها وهل يلتحق بهذه الاعذار خوفه من انقطاع الجنس قبل الحلول فيه وجهان المذكور منهما في الكتاب انه يلحق لما في التأخير من خطر انفساخ العقد أو ثبوت حق الفسخ * وان لم يكن للمؤدى غرض سوي البراءة فقولان (احدهما) انه لا يجبر المستحق على القبول لان التعجيل كالتبرع بمزيد فلا يكلف تقلد المنة (وأصحهما) وهو المنصوص في المختصر انه يجبر لان براءة الذمة غرض ظاهر وليس للمستحق غرض في الامتناع فيمنع من التعنت * وان تقابل غرض الجزء: 9 ¦ الصفحة: 334 الممتنع والمؤدى فقد حكى الامام فيه طريقين (أحدهما) انهما يتساقطان (وأصحهما) أن المرعى جانب المستحق وحكى أيضا عن بعضهم طرد القولين فيما إذا كان للمعجل غرض في التعجيل ولم يكن للمتنع غرض في الامتناع وهو غريب (وأما) صاحب الكتاب فانه راعى جانب المؤدى اولا فقال ان كان له غرض في التعجيل يجبر الممتنع علي القبول والا فان كان له غرض في الامتناع فلا يجبر والا فقولان ولا يخفى مخالفته لطريقة الجمهور فان ذكره الجزء: 9 ¦ الصفحة: 335 عن ثبت فهو منفرد بما نقل والا فقد التبس الامر عليه والله أعلم * وحكم سائر الديون المؤجلة فيما ذكرنا حكم المسلم فيه (وأما) السلم الحال فالمطالبة فيه متوجهة في الحال ولو أتى المسلم إليه بالمسلم فيه وأبي المسلم قبوله نظران كان للمعجل غرض سوى البراءة أجبر على القبول والا فطريقان (أحدهما) أنه على القولين وجه عدم الاجبار انه يقول الحق لى فلى ان أؤخره إلى أن أشاء (وأصحهما) أنه يجبر على القيول أو الابراء وحيث ثبت الاجبار فلو أصر على الامتناع اخذه الحاكم له الجزء: 9 ¦ الصفحة: 336 روى (أن أنسا كاتب عبدا له على مال فجاء العبد بالمال فلم يقبله أنس فاتى العبد عمر رضى الله عنه فأخذه منه ووضعه في بيت المال * قال (أما المكان فمكان العقد فلو ظفر به في غيره وكان في النقل مؤنة لم يطالب به * ولكن يطالب (و) بالقيمة للحيلولة ثم لا يكون عوضا إذ يبقى استحقاق الدين * وان لم يكن مؤنة طالب به * وفى مطالبة الغاصب بالمثل في موضع آخر مع لزوم المؤنة خلاف تغليظا عليه) *   حديث أن أنسا كاتب عبدا له على مال فجاء العبد بالمال فلم يقبله أنس فأتي العبد عمر فأخذه منه ووضعه في بيت المال. هذا الاثر الذي ذكره الشافعي في الام بلا اسناد وقد رواه البيهقي من طريق أنس بن سيرين عن أبيه قال كاتبني أنس على عشرين الف درهم فكنت فيمن فتح تستر فاشتريت رقة فربحت فيها فأتيت أنسا بكتابتي فذكره " * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 337 إذا عين في السلم مكان التسليم أو لم يعين وقلنا يتعين مكان العقد وجب التسليم فيه فلو ظفر المسلم به في غير ذلك المكان نظران كان لنقله مؤنة لم يطالب به وهل يطالب بالقيمة للحيلولة فيه وجهان (أحدهما) لا لان أخذ العوض عن المسلم فيه قبل القبض غير جائز (والثانى) نعم لوقوع الحيلولة بينه وبين حقه وهذا ما أورده صاحب الكتاب في هذا الموضع لكنه اعاد المسألة في باب الغصب وذكر فيها الخلاف (والاصح) في المذهب هو الوجه الاول ولم يورد العراقيون وصاحب التهذيب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 338 سواه وإذا فرعنا عليه فللمسلم الفسخ واسترداد رأس المال كما لو انقطع المسلم فيه * وان لم يكن لنقله مؤنة كالدراهم والدنانير فله مطالبته به وأشار الامام إلى خلاف فيه * ولو ظفر المالك بالغاصب في غير مكان الغصب أو الاتلاف فهل يطالبه بالمثل حكى فيه خلافا ههنا وذكر في الغصب أنه لا يطالب الا بالقيمة وهو الاظهر ولنشرح المسألة ثم ان شاء الله تعالى (وقوله) في أول الفصل أما مكانه فمكان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 339 العقد عند الاطلاق محمول على ما إذا عينا مكان العقد أو أطلقا ولم يشترط تعيين المكان (وقوله) ثم لا يكون عوضا إذ يبقى استحقاق الدين أراد به أن القيمة المأخوذة لا تكون عوضا عن المسلم فيه بل يبقى استحقاق المسلم فيه بحاله حتى إذا عاد لى مكان التسليم يطالبه به ويرد القيمة ولمن نص ظاهر المذهب أن يقول لو صح هذا الكلام لوجب أن يحكم بمثله في انقطاع المسلم فيه * ولو أتي المسلم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 340 إليه بالمسلم فيه في غير مكان التسليم وأبى المستحق قبوله فان كان لنقله مؤنة أو كان الموضع مخوفا لم يجبر والا فوجهان بناء على القولين في التعجيل قبل المحل فان رضي وأخذه لم يكن له أن يكلفه مؤنة النقل * قال (أما القرض فاداؤه كالمسلم فيه ولكن يجوز الاعتياض عنه * ويجب المثل في المثليات وفى ذوات القيم وجهان أشبههما بالحديث أن الواجب المثل * استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 341 بكرا ورد بازلا والقياس القيمة) * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 342 الاقراض مندوب إليه لما فيه من الاعانة على البر وكشف كربة المسلم وفى الفصل مسائل (احداها) أداء القرض في الصفة والزمان والمكان كما ذكرنا في المسلم فيه نعم لو ظفر بالمستقرض في غير مكان الاقراض وكان المال مما لنقله مؤنة فلا خلاف في جواز مطالبته بالقيمة ثم إذا أخذها في مكان الاقراض فهل له رد القيمة والمطالبة بالمثل وهل للمستقرض مطالبته برد القيمة فيه وجهان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 343 والقيمة التي يطالبه بها هي قيمة بلد الاقراض يوم المطالبة وكذا في السلم يطالب بقيمة بلد العقد عند من جوز المطالبة بالقيمة (الثانية) يجوز الاعتياض عن المقرض وقد ذكر هذه المسألة مرة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 344 (الثالثة) ستعرف في الغصب أن المال ينقسم إلى مثلى والى متقوم فإذا استقرض مثليا رد مثله وإذا استقرض متقوما فوجهان (اقيسهما) واختاره الشيخ ابو حامد أنه يرد القيمة كما لو أتلف متقوما على الجزء: 9 ¦ الصفحة: 345 انسان تلزمه القيمة (وأظهرهما) أنه يرد المثل من حيث الصورة واختاره الاكثرون لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم (استقرض بكرا ورد بازلا) والبكر الفتى من الابل والبازل الذي له ثمانى سنين وروي أنه صلى الله عليه وسلم (استسلف بكرا فأمر برد مثله) (فان قلنا) بالاول فالاعتبار بقيمة يوم القبض ان قلنا   (باب القرض) حديث أنه صلى الله عليه وسلم استقرض بكرا ورد بازلا: هذا اللفظ تبع فيه الغزالي في الوسيط وهو تبع الامام في النهاية وزاد أنه صح والذي في الصحيحين عن أبي هريرة كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حق فاغلظ له فهم به اصحابه فقال دعوه فان لصاحب الحق مقالا فقال لهم اشتروا له سنا فاعطوه اياه فقالوا انا لا نجد الا سنا هو خير من سنه قال فاشتروه فاعطوه اياه فان من خيركم أو خيركم أحسنكم قضاء وأخرج مسلم عن أبي رافع أنه صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا فقدمت عليه ابل من الصدقة فامر أبا رافع أن يعطي الرجل بكره فرجع إليه أبو رافع فقال لم أجد فيها الا خيارا رباعيا فأمره أن يعطيه الحديث وقد ذكره الرافعي بعد (تنبيه) البكر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 346 يملك القرض في القبض (وان قلنا) يملك بالتصرف فبالاكثر من يوم القبض إلى يوم التصرف وفيه وجه أن الاعتبار بيوم القبض وإذا اختلفا في قدر القيمة أو في صفة المثل فالقول قول المستقرض *   الصغير من الابل والرباعي بفتح الراء ماله ست سنين وأما البازل فهو ماله ثمان سنين ودخل في التاسعة فتبين أنهم لم يوردوا الحديث لفظه ولا بمعناه وقد أخرج النسائي والبزار من حديث العرباض بن سارية قال بعت من النبي صلى الله عليه وسلم بكرا فأتيته أتقاضاه فقلت اقضني ثمن بكري قال لا أقضيك الا بختية فدعاني فاحسن قضائي ثم جاء أعرابي فقال اقضني بكري فقضاه بعيرا الحديث " الجزء: 9 ¦ الصفحة: 347 قال (ثم النظر في ركن القرض وشرطه وحكمه (أما ركنه) فمن جهة اللفظ صيغة دالة عليه كقوله أقرضتك وفى اشتراط القبول وجهان (وجه) المنع ان هذه اباحة اتلاف بعوض وهى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 348 مكرمة ولذلك بجوز الرجوع (م) عنه في الحال * ولا يجوز (م) شرط الاجل فيه * وأما المقرض فكل ما جاز السلم فيه جاز قرضه الا الجواري ففيها قولان منصوصان والقياس الجواز * وما لا يجوز الجزء: 9 ¦ الصفحة: 349 السلم فيه ان قلنا انه يرد في المتقومات القيمة فيصح أيضا اقراضه) * عد حجة الاسلام رحمه الله أركان القرض ثلاثة كما فعل في البيع وهى الصبغة والقرض والمقرض الجزء: 9 ¦ الصفحة: 350 لكن أهمل ههنا ذكر المقترض لوضوح حاله والعلم بانه لا يصح الاقراض الا من جائز التصرف ويعتبر فيه أهلية التبرع لان القرض تبرع أو فيه شائبة التبرع ألا ترى أنه لا يقرض الولى مال الطفل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 351 الا لضرورة ولذلك لا يجوز شرط الاجل لان المتبرع ينبغى أن يكون بالخيار في تبرعه وانما يلزم الاجل في المعاوضات (وأما) الصيغة فالايجاب لابد منه وهو أن يقول أقرضتك أو أسلفتك أو خذ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 352 هذا بمثله أو خذه واصرفه في حوائجك ورد بدله أو ملكتك على أن ترد بدله * ولو اقتصر على قوله ملكتك كان هبة فان اختلفا في ذكر البدل فالقول قول المخاطب * وأما القبول ففي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 353 اشتراطه وجهان (أصحهما) ولم يورد المعظم سواه أنه يشترط كما في البيع وسائر التمليكات (والثانى) لا يشترط لان القرض إباحة اتلاف على شرط الضمان فلا يستدعى القبول وادعي الامام أن هذا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 354 أظهر وقرب هذا الخلاف من الخلاف في أن القرض يملك بالقبض أو بالتصرف وقوله في الكتاب وهى مكرمة أراد به أن سبيله سبيل الميراث والتبرعات لا سبيل المعاوضات والمعاملات أو فيه شائبة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 355 من هذه وشائبة من هذه ولهذا لم يجب التقابض فيه إذا كان المقرض ربويا * واحتج في الكتاب لهذا الاصل بشيئين (أحدهما) أن للمقرض الرجوع عنه في الحال وهذا سنذكره من بعد (والثانى) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 356 أنه لا يجوز شرط الاجل فيه ولا يلزم بحال وقال مالك يثبت الاجل في القرض ابتداء وانتهاء (أما) ابتداء فبأن يقرضه مؤجلا (واما) انتهاء فبان يقرضه حالا ثم يؤجله (وأما) المقرض فالاموال ضربان (أحدهما) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 357 ما يجوز السلم فيه فيجوز اقراضه حيوانا كان أو غيره نعم في اقراض الجوارى قولان (أحدهما) ويحكى عن المزني أنه جائز وهو القياس عند الامام وصاحب الكتاب إلحاقا للجواري بالعبيد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 358 (وأظهرهما) المنع لنهى السلف عن اقراض الولائد قال الاصحاب وهما مبنيان على الخلاف في أن القرض بما يملك وفى كيفية البناء طريقان قال قائلون (ان قلنا) يملك بالقبض جاز اقراضها والا فلا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 359 لما في اثبات اليد من غير المالك من خوف الوقوع في الوطئ * وعن الشيخ أبى على أما ان قلنا يملك بالقبض لم يجز اقراضها لانه إذا ملكها فربما يطؤها ثم يستردها المقرض فيكون ذلك في صورة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 360 اعارة الجوارى للوطئ وان قلنا لا يملك بالقبض فيجور لانه إذا لم يملكها لم يطأها وفيما حكى عن نصه في الجديد رمز إلى هذه الطريقة (وقوله) في الكتاب قولان منصوصان اقتدى فيه بالامام وكلام الجزء: 9 ¦ الصفحة: 361 غيرهما لا يتعرض لكونهما منصوصين بل العراقيون رووا عن نصه قديما وجديدا المنع ونقلوا الجواز عن بعض الاصحاب نقل الوجوه ويشبه أن يكون مخرجا علي الاصل المذكور وكيف ما كان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 362 فالخلاف مخصوص بالجارية التى تحل للمستقرض (فاما) المحرمة بنسب أو رضاع أو مصاهرة فلا خلاف في جواز اقراضها منه (الضرب الثاني) ما لا يجوز السلم فيه كاللآلئ الكبار وغيرها فجواز الجزء: 9 ¦ الصفحة: 363 اقراضه مبني على أن الواجب في المتقومات المثل أو القيمة (ان قلنا) بالاول لم يجز لتعذر ضبطه حتى يوجد مثله (وان قلنا) بالثاني جاز * وفى اقراض الخبز وجهان كما في السلم فيه (أحدهما) لا يجوز الجزء: 9 ¦ الصفحة: 364 وبه قال أبو حنيفة وهو الاصح عند صاحب التهذيب (والثانى) يجوز وبه قال احمد للحاجة العامة واطباق الناس عليه وهذا ما اختاره ابن الصباغ وغيره ولا بأس لو رتب فقيل ان جوزنا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 365 السلم فيه جاز قرضه والا فوجهان للحاجة وقد أشار صاحب البيان إلى هذا الترتيب ثم ذكر ان جوزنا قرضه وجب رد مثله وزنا ان قلنا يجب في المتقومات المثل من حيث الصورة (وان قلنا) يجب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 366 فيها القيمة فالواجب القيمة فان شرطنا رد المثل ففى جوازه وجهان ويجب أن يكون المقرض معلوم القدر ليتأتى قضاؤه ويجوز اقراض المكيل وزنا والموزون كيلا كما في السلم وعن القفال أنه لا يجوز الجزء: 9 ¦ الصفحة: 367 اقراض المكيل بالوزن بخلاف السلم فانه لا يسوى بين رأس المال والمسلم فيه وزاد فقال لو أتلف مائة من من الحنطة ضمنها بالكيل * ولو باع شقصا مشفوعا بمثله بمائة من من الحنطة ينظر كما هي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 368 بالكيل فيأخذه الشفيع بمثلها كيلا (والاصح) في الكل الجواز هذا تمام الكلام في أركان القرض * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 369 قال (أما شرطه فهو أن لا يجر القرض منفعة * فلو شرط زيادة قدر أو صفة فسد ولم يفسد جواز التصرف ولو شرط رد المكسر عن الصحيح * أو تأخير القضاء (م) لغا شرطه وصح القرض الجزء: 9 ¦ الصفحة: 370 علي الاصح لانه عليه لا له * ولو شرط رهنا أو كفيلا به جاز فانه إحكام عينه ولو شرط رهنا بدين آخر فسد ولو قال اقرضتك بشرط أن أقرضك غيره صح ولم يلزمه الوعد بخلاف البيع فانه يفسد بمثله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 371 إذ يصير ذلك القرض جزأ من العوض المقصود) * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 372 عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه نهى عن قرض جر منفعة) وروى أنه قال (كل قرض جر منفعة فهو ربا) فلا يجوز أن يقرضه بشرط أن يرد الصحيح عن المكسر أو الجيد عن الردئ ولو شرط   (حديث) أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة وفي رواية كل قرض جر منفعة فهو ربا قال عمر بن بدر في المغنى لم يصح فيه شئ وأما امام الحرمين فقال انه صح وتبعه الغزالي وقد رواه الحرث بن أبي أسامة في مسنده من حديث على باللفظ الاول وفي اسناده سوار بن مصعب وهو متروك ورواه البيهقي في المعرفة عن فضالة بن عبيد موقوفا بلفظ كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا ورواه في السنن الكبرى عن ابن مسعود وأبي بن كعب وعبد الله بن سلام وابن عباس موقوفا عليهم * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 373 زيادة في القدر فكذلك ان كان المال ربويا والا فوجهان (أحدهما) يجوز لما روى عن عبد الله ابن عمرو بن العاص قال (أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أجهز جيشا فنفذت الابل فأمرني أن آخذ بعيرا ببعيرين إلى أجل) (وأصحهما) المنع لما سبق وهذا الحديث محمول على السلم ألا ترى أنه قال   (حديث) عبد الله ابن عمرو أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أجهز جيشا فنفدت الابل فأمرني أن آخذ بعيرا ببعيرين إلى أجل تقدم في الربا * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 374 إلى أجل والقرض لا يقبل الاجل * ولو شرط رده ببلد آخر لم يجز لما فيه من دفع خطر الطريق * وإذا جرى القرض بشئ من هذه الشروط كان فاسدا للخبر وكما لو باع بشرط فاسد وفى البيان نقل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 375 وجه أنه لا يفسد لانه عقد مسامحة وارفاق * ولو أقرض من غير شرط ورد المستقرض ببلد آخر وأجود أو أكثر جاز قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خياركم أحسنكم قضاء) ولا فرق بين الربويات وغيرها   (حديث) خياركم أحسنكم قضاء تقدم من حديث أبي هريرة قريبا * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 376 ولا فرق بين ان يكون الرجل مشهورا برد الزيادة أو لا يكون وفيه وجه أنه لا يجوز رد الزيادة في الربوبات ووجه أنه لا يجوز اقرض المشهور برد الزيادة تنزيلا للمعتاد منزلة المشروط ثم في الفصل صور (احداها) لو أقرضه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 377 بشرط أن يرد عليه ارداء أو يرد المكسر عن الصحيح لغا الشرط وهل يفسد العقد فيه وجهان (احدهما) نعم لانه على خلاف قضية العقد كشرط الزيادة (وأصحهما) لا لان المنهى عنه جر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 378 المقرض النفع إلى نفسه وهاهنا لا نفع له في الشرط وانما النفع للمستقرض وكأنه زاد في المسامحة ووعده وعدا حسنا وايراد بعضهم يشعر بالخلاف في صحة الشرط * ولو شرط تأخير القضاء وضرب له الجزء: 9 ¦ الصفحة: 379 اجلا نظر ان لم يكن للمقرض فيه غرض فهو كشرط رد المكسر عن الصحيح وان كان له فيه غرض بأن كان زمان نهب والمقرض ملئ فهو كالتأجيل لغير غرض أو كشرط رد الصحيح عن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 380 المكسر فيه وجهان (أظهرهما) الثاني (الثانية) يجوز أن يقرضه بشرط الرهن أو الكفيل وكذا بشرط أن يشهد أو يقربه عند الحاكم لان هذه التوثيقات لاحكام عين القرض لا أنها منافع زائدة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 381 ولو شرط رهنا بدين آخر فهو كشرط زيادة الصفة وستعود هذه الصورة مفصلة ان شاء الله تعالى في كتاب الرهن (الثالثة) لو اقرضه بشرط أن يقرضه مالا آخر صح ولم يلزمه ما شرط بل هو الجزء: 9 ¦ الصفحة: 382 وعد وعده وكذا لو وهب منه ثوبا بشرط أن يهب منه غيره ويخالف ما إذا باع بشرط قرض أو هبة أو بيع آخر حيث يفسد البيع لانهما جعلا رفق القرض أو الهبة أو البيع الآخر مع العشرة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 383 المذكورة مثلا ثمنا والشرط لغو فيسقط بسقوطه بعض الثمن ويصير الباقي مجهولا وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع وسلف) وفسروه بأن يبيع شيئا بشرط أن يقرضه المشترى وفي المسألة وجه   (حديث) أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن سلف وبيع. البيهقي وغيره من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقد تقدم * (قوله) نهى السلف عن اقراض الولائد وكانه تبع امام الحرمين فانه كذا قال بل زاد أنه صح عنهم وأما الغزالي في الوسيط فعزاه إلى الصحابة وقد قال ابن حزم ما نعلم هذا أصلا من كتاب ولا من رواية صحيحة ولا سقيمة ولا من قول صاحب ولا من جماع ولا من قياس * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 384 أن الاقراض كالبيع بشرط الاقراض (وقوله) في الكتاب فلو شرط زيادة قدر أو صفة فسد يجوز أن يريد به فسد الشرط ولم يفد القرض جواز التصرف ويجوز أن يريد به فسد القرض ولم يفد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 385 جواز التصرف وعلى التقديرين يجوز أن يكون معلما بالواو (أما) على التقدير الاول فلانه أطلق الكلام اطلاقا وقد حكينا وجها في جواز شرط زيادة القدر في غير الربويات (وأما) علي التقدير الجزء: 9 ¦ الصفحة: 386 الثاني فللوجه المنقول عن البيان (وقوله) أو تأخير القضاء لغا شرطه شرط تأخير القضاء هو التأجيل وقد ذكره مرة أنه لا يجوز شرط الاجل فيه إلا أنه اعاده مع نظيره ليقين أن فسادهما لا يفسد القرض (وقوله) صح القرض معلم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 387 بالواو ولما نقلناه آخرا * قال (وأما حكمه فهو التملك ولكن بالقبض أو بالتصرف فيه قولان (أقيسهما) أنه بالقبض لانه لا يتقاعد عن الهبة وللعوض فيه مدخل وعلى هذا الاصح أنه لو أراد الرجوع في الجزء: 9 ¦ الصفحة: 388 عينه جاز لانه أقرب إلى حقه من بدله وله المطالبة ببدله للخبر (وان قلنا) يملك بالتصرف فقيل انه كل تصرف يزيل الملك فيخرج عنه الرهن والتزويج وقيل انه كل تصرف يتعلق بالرقبة فيخرج الجزء: 9 ¦ الصفحة: 389 عنه الاجارة وقيل كل تصرف يستدعى نفوذه الملك فيخرج عنه الرهن إذا رهن المستعار جائز) * لاشك أن المستقرض يتملك ما استقرضه ولكن فيما يملك به قولان متفرعان من كلام الشافعي رضي الله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 390 عنهما (اصحهما) انه يملك بالقبض لانه إذا قبضه ملك التصرف فيه من جميع الوجوه ولو لم يملكه لما ملك التصرف فيه ولان الملك في الهبة يحصل بالقبض ففى القرض أولى لان للعوض مدخلا فيه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 391 (والثاني) أنه يملك بالتصرف لانه ليس بتبرع محض إذ يجب فيه البدل وليس على حقائق المعاوضات كما سبق فوجب أن يكون تملكه بعد استقرار بدله * الجزء: 9 ¦ الصفحة: 392 (التفريع) (إن قلنا) يملك بالقبض فهل للمقرض أن ترجع فيه ما دام باقيا في يد المستقرض بحاله فيه وجهان (احدهما) لا صيانة لملكه وله أن يؤدى حقه من موضع آخر وهذا ما ذكره الجزء: 9 ¦ الصفحة: 393 في التهذيب (وأظهرهما) عند الاكثرين ان له ذلك لانه يتمكن من تغريمه بدل حقه عند الفوات فلان يتمكن من مطالبته بعينه كان أولى ولا يبعد أن يرجع فيما ملكه غيره كما يرجع الواهب في الجزء: 9 ¦ الصفحة: 394 الهبة (وقوله) في الكتاب وله المطالبة ببدله للجبز ليس مسألة أخرى بل المعني أن له المطالبة ببدل ملكه عند فواته جبرا لحقه فأولى أن يكون له المطالبة بما كان عين ملكه وكثيرا ما يقرؤن قوله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 395 للجبر للخبر وظني القريب من اليقين أنه خطأ لانه ليس في كتب المصنف ولا في كتب غيره ذكر خبر يستدل به على أن للمقرض المطالبة ببدل القرض مع بقاء عينه (وأما) للجبر فهو مناسب للمعني الجزء: 9 ¦ الصفحة: 396 المذكور وهو الذى أورده الامام والمصنف في الوسيط وغيره * وعن مالك أنه ليس للمقرض الرجوع فيما أقرضه حتى يقضى المستقرض وطره منه أو يمضي زمان يسع لذلك * ولو رد المستقرض عين ما أخذه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 397 فعلي المقرض لا محالة (وان قلنا) انه يملك بالتصرف فمعناه أنه إذا تصرف تبين لنا ثبوت الملك قبله ثم في ذلك التصرف وجوه (أظهرها) أنه كل تصرف يزيل الملك (والثانى) كل تصرف الجزء: 9 ¦ الصفحة: 398 يتعلق بالرقبة (والثالث) كل تصرف يستدعى الملك فعلى الوجوه يكفى البيع والهبة والاعتاق والاتلاف ولا يكفى الرهن والتزويج والاجارة وطحن الحنطة وخبز الدقيق وذبح الشاة على الوجه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 399 الاول ويكفي ما سوي الاجارة على الثاني وما سوى الرهن على الثالث لانه يجوز أنه يستعير للرهن شيئا فيرهنه كما سيأتي (وقوله) رهن المستعار جائز يعني المستعار للرهن لا مطلق المستعار وعن الشيخ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 400 أبى محمد عبارة أخرى وهي أن التصرف الذى يملك به القرض هو الذى يقطع رجوع الواهب والبائع عند افلاس المشترى وإذا فرعنا على الوجه الاول فهل يكفي البيع بشرط الخيار (ان قلنا) انه لا يزيل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 401 الملك فلا (وان قلنا) انه يزيله فوجهان لانه لا يزيل صفة اللزوم ومن فروع القولين أنه إذا كان المقرض حيوانا وقلنا انه يملك بالقبض فنفقته علي المستقرض (وإن قلنا) يملك بالتصرف فهى على الجزء: 9 ¦ الصفحة: 402 المقرض إلى ان يتصرف المستقرض ولو استقرض من يعتق عليه عتق عليه إذا قبضه على القول الاول الجزء: 9 ¦ الصفحة: 403 ولم يعتق على الثاني قال صاحب التهذيب ويجوز أن يقال يعتق ويحكم بالملك قبيله والله أعلم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 404 فتح العزيز - عبد الكريم الرافعي ج 10 فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 10 الجزء: 10 فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ * * الجزء العاشر دار الفكر بسم الله الرحمن الرحيم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 1 (كتاب الرهن) قال (الباب الاول في أركانه وهى أربعة * الراهن والمرهون والمرهون به وصيغة الرهن (الركن الاول) المرهون وفيه ثلاثة شرائط (الاولى) أن يكون عينا فلا يجوز رهن الدين؟ * لان الرهن عبارة عن وثيقة دين في عين * وإذا كان عينا لم يشترط (ح) فيه الافراز بل يصح رهن الشائع ويكون على المهايأة كما في شركاء الملك) * أصل الرهن مجمع عليه والكتاب والسنة متعرضان له قال تعالى (فرهن مقبوضة) (ورهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه من يهودى فتوفى وهى مرهونة عنده * ووجه إدراج حجة الاسلام كلام الكتاب في الابواب الاربعة أن الرهن اما صحيح أو فاسد والصحيح منه إما جائز أو لازم وكيفما كان فقد يتفق المتعاقدان على كيفية العقد الجاري بينهما وقد يتنازعان فيه فالباب (الاول) فيما يعتبر في صحته (والثانى) في الرهن الجائز وأحكامه (والثالث) في اللازم وأحكامه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 2 (والرابع) في التنازع * وقد عد أركان الرهن أربعة الراهن والمرهون به والصيغة والعاقد ولو جمع بين المرهون والمرهون به وجعل ما يتعلق به العقد ركنا كما فعل في البيع وكما جعل من يصدر منه العقد ركنا لجاز * ولو فصل الثمن عن المبيع كما فعل ههنا لجاز ومثل هذا يرجع إلى مجرد رسم وترتيب والمقصود لا يختلف (الاول) المرهون وله شروط (أحدها) أن يكون عنيقا أما الدبن ففى جواز رهنه وجهان (أحدهما) الجواز تنزيلا لما في الذمم منزلة الاعيان ألا ترى أنه يجوز شراء ما في الذمة وبيعه سلما (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب المنع لان الدين غير مقدور على تسليمه * ومنهم من رتب هذا الخلاف على الخلاف في بيع الدين والرهن أولى بالمنع لانه لا يلزم الا بالقبض والقبض لا يصادف ما تناوله العقد ولا مستحقا بالعقد والقبض في البيع يصادف مستحقا بالعقد لان البيع سبب الاستحقاق ولا يشترط كون المرهون مفروزا بل يصح المرهون الشائع سواء رهن من شريكه أو غيره وسواء كان ذلك مما يقبل القسمة أو لا يقبلها وبه قال مالك وأحمد وعند أبي حنيفة لا يجوز رهنه من غير الشريك وفى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 3 رهنه من الشريك روايتان * لنا الحاق الرهن بالبيع والشائع بالمعزوز * ولو رهن نصيبه من بيت معين من الدار المشتركة باذن الشريك صح وبغير إذنه وجهان عن ابن سريح (أصحهما) عند الامام أنه يصح كما يصح بيعه (والثانى) لا لانه ربما تتفق القسمة ويقع هذا البيت في نصيب صاحبه فيكون قد رهن ملك غيره ويخلف البيع فانه إذا باع زال ملكه عن البيت واستحالت المقاسمة معه وهذا أرجح عند صاحب التهذيب وادعى أن الحكم في البيع مثله (وإذا قلنا بالوجه الاول) واتفقت القسمة كما قررناه فهو كتلف المرهون أو يغرم قيمته فيه احتمالان للامام (أوجههما) الثاني إضافة للفوات إليه وكيف ينزل منزلة الآفة السماوية وقد حصل له في قطر آخر من الدار مثل ما كان له في ذلك البيت وعن الامام محمد بن يحيى توسط بين الاحتمالين وهو أنه ان كان مختارا في القسمة غرم القيمة وان كان مجبرا فهو كالفوات * ثم القبض في الرهن المشاع بتسليم الكل فإذا حصل القبض جرت المهايأة بين المرتهن والشريك في الرهن جريانها بين الشريكين ولا بأس بتبعيض اليد بحكم الشيوع كما لا بأس به لاستيفاء * الراهن المنافع * واعلم أن لفظ العين الذى توجم به هذا الشرط يطلق بالمعنى المقابل للدين ويطلق بالمعنى المقابل للمنفعة وكل واحد من المعنيين معتبر في المرهون (أما) بالمعنى الاول فقد عرفته (وأما) بالثاني فقد ذكر ابن الصباغ وغيره أنه لو رهن بالدين سكنى دار مدة لم يصح لانه إن كان الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4 مؤجلا فالمنافع تتلف إلى حلول الاجل وان كان حالا فبقدر ما يتأخر قضاء الدين بتلف جزء من المرهون فلا يحصل الاستيثاق * قال (الثانية ان لا يمتنع اثبات يد المرتهن عليه كرهن المصحف (ح) والعبد (ح) المسلم من الكافر فيه خلاف مرتب على البيع وكذا رهن الجارية الحسناء ممن ليس بعدل فهو مكروه ولكن ان جرى فالاصح صحته) * فقه الشرط صورتان (الاولى) في رهن العبد المسلم من الكافر طريقان (أحدهما) وبه قال ابو اسحق والقاضي أبو حامد أنه على القولين في بيعه منه ان صححناه في يدى عدل من المسلمين (والثاني) وبه قال صاحب الافصاح القطع بجوازه لانه لا يد فيه للكافر ولا انتفاع وانما هو مجرد استيثاق والظاهر جوازه أثبت الخلاف أملا ورهن المصحف منه يترتب على رهن العبد ورهن السلاح من الحربي يترتب على بيعه منه (الثانية) عن الشيخ ابي علي رواية قول أن رهن الجارية الحسناء لا يجوز إلا أن تكون محرما للمرتهن والمذهب المشهور جواز رهن الجواري مطلقا ثم ان كانت صغيرة لا تشتهي بعد فهي كالعبد والا فان رهنت من محرم أو امرأة فذاك وان رهنت من رجل أجنبي فان كان ثقة وعنده الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5 زوجته أو جاريته أو نسوة يؤمن معهن من الالمام بها فلا بأس أيضا والا فلتوضع عند محرم لها أو امرأة ثقة أو عدل بالصفة المذكورة في المرتهن فان شرط وضعها عند غير من ذكرنا فهو شرط فاسد لما فيه من الخلوة بالاجنبية وخوف الفتنة والحق الامام بالصغر الحسنة مع دمامة الصورة لكن الفرق بينهما بين * ولو كان المرهون خنثى فهو كما لو كان جارية الا أنه لا يوضع عند المرأة (وقوله) في الكتاب ممن ليس بعدل يشعر بجواز الرهن من العدل بلا كراهة ولفظ الوسيط كالمصرح بذلك لكن المعظم ما قنعوا بالعدالة وشرطوا أن يكون معها ذا أهل كما سبق * وإذا عرفت الصورتين عرفت أن اعتبار هذا الشرط مختلف فيه وفى العبارة المذكورة لترجمته نظر والله أعلم * فال (الثالثة أن تكون العين قابلة للبيع عند حلول الاجل * فلا يجوز رهن أم الولد * والوقف * وسائر راضى العراق من عبادان إلى الموصل طولا * ومن القادسية إلى حلوان عرضا * فانه وقف على أعتقاد الشافعي رضى الله عنه أوقفها عمر رضى الله عنه على المسلمين بعد تملكها عنوة * وقال ابن سريج هي ملك) * مقصود الرهن أو من مقاصده استيفاء الحق من ثمن المرهون عند الحاجة فيشترط قبوله للبيع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 6 وما لا يجوز بيعه كالحر وأم الولد والمكاتب والوقف لا يجوز رهنه وذكر الشافعي رضى الله عنه والاصحاب رحمهم الله ههنا طرفا من الكلام في أرض الخراج ولا شك أنه دخيل في الباب وفى السير عودة إليه فنؤخره إليه وتقتصر الآن على حظ الرهن منه فنقول: سواد العراق وقف على المسلمين على الاظهر وكل أرض هي كذلك لا يجوز رهنها كسائر الوقوف وأبنيتها وأشجارها ان كانت من تربتها وغروسها التى كانت قبل الوقف فهى كالارض وان أحدثت فيها من غيرها جاز رهنها فان رهنت مع الارض فهو من صور تفريق الصفقة في الرهن في وكذا رهن الارض مطلقا (ان قلنا) إن البناء والغراس يدخلان فيه وإذا صح الرهن في البناء والغراس فلا خراج على المرتهن وإنما هو على الراهن فانه مضروب على الارض فان أداه للمرتهن بغير اذنه فهو متبرع وإن أداه باذنه وبشرط الرجوع رجع وإن لم يشترط الرجوع فوجهان جاريان في اداء دين الغير باذنه مطلقا وظاهر النص الرجوع (وقوله) عند حلول الاجل أي إذا كان الدين مؤجلا فان كان حالا فالشرط أن يكون قابلا للبيع في الحال (وقوله) وسائر أراضي العراق أي جميعها وقد مر نظيره * قال (ويجوز رهن الام دون ولدها إذ لا تفرقة في الحال * وعند البيع تباع الام دون الولد على رأي * ويقال هذه تفرقة ضرورية * وعلى رأي تباع معه * ثم يختص المرتهن بقيمة الام فتقوم الام الجزء: 10 ¦ الصفحة: 7 منفردة فإذا هي مائة ومع الولد فهى مائة وعشرون فنقول حصة الولد سدس كيفما اتفق البيع * وقيل ان الولد أيضا يقدر قيمته مفردا حتى نقل قيمته فتكون عشرة مثلا فيقال هو جزء من أحد عشر جزأ فيقسم على هذه النسبة) * التقريق بين الام وولدها الصغير ممنوع منه وفى إفساده البيع قولان سبقا ويصح رهن أحدهما دون الآخر قال الشافعي رضى الله عنه لان ذلك ليس بتفرقة بينهما قيل معناه أن الرهن لا يوجب تفرقة لان الملك فيهما باق للراهن والمنافع له فيكنه أن يأمرها بتعهد الولد وحضانته وإذا كان كذلك وجب تصحيح الرهن * ثم ما يتفق بعده من بيع وتفريق فهو من ضرورة الجاء الرهن إليه وقيل معناه أنه لا تفرقة في الحال وإنما التفرقة يقع عند البيع وحينئد يحذر منها بأن يبيعهما معا ومن قال بالاول لم يبال بأفراد أحدهما عن الآخر بالبيع إذا وقعت الحاجة إلى البيع (والاصح) التفسير الثاني وأنهما يباعان جميعا ويوزع الثمن على قيمتهما وكيف يوزع قدم الامام على بيانه مسألة هي مقصودة في نفسها فنأتم به في تقديمها ثم نعود إلى هذه (أما) تلك المسأله فهى ما إذا رهن أرضا بيضاء ثم نبت فيها نخيل ولها حالتان (أحدهما) أن يرهن الارض ثم يدفن فيها النوي الجزء: 10 ¦ الصفحة: 8 أو يحملها السيل أو الطير إليها فتنبت فهى للراهن ولا يجبر في الحال على قلعها فلعله يؤدي الدين من موضع آخر فإذا مست الحاجة إلى بيع الارض نظر إن وفى ثمن الارض لو بيعت وحدها بالدين بيعت وحدها ولم تقلع النخيل وكذا لو لم تف به الا قيمة الارض وفيها الاشجار كقيمتها بيضاء وإن لم تف به ونقصت قيمتها بالاشجار فللمرتهن قلعها لبيع الارض بيضاء إلا أن يأذن الراهن في بيعها مع الارض فيباعان ويوزع الثمن عليهما * هذا إذا لم يكن الراهن محجورا بالافلاس فان كان كذلك فلا قلع بحال التعلق حق الغرماء بها بل يباعان ويوزع الثمن عليهما فما يقابل الارض يختص به المرتهن وما يقابل الاشجار يقسم بين الغرماء فان انتقصت فيمة الارض بسبب الاشجار حسب النقصان على الغرماء لان حق المرتهن في أرض فارغة وإنما منع من القلع لرعاية جانبهم فلا يهمل جانبه بالكلية (الحالة الثانية) أن تكون النوي مدفونة في الارض يوم الرهن ثم تنبت فان كان المرتهن جاهلا بالحال فله الخيار في فسخ البيع الذي شرط فيه هذا الرهن فان فسخ فذاك وإلا فهو كما لو كان عالما وان كان عالما فلا خيار * وإذا بيعت الارض مع النخيل وزع الثمن عليهما والمعتبر في الحالة الاولى قيمة ارض فارغة وفى الثانية قيمة ارض مشغولة لانها كانت كذلك يوم الرهن * وفى كيفية اعتبار قيمة الاشجار وجهان نقلهما الامام في الحالتين (أظهرهما) أن الارض تقوم وحدها فإذا قيل هي مائة قومت مع الاشجار فإذا هي مائة وعشرون فالزيادة بسبب الاشجار عشرون وهى سدس المائة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 9 والعشرين فيراعى في ثمنها نسبة الاسداس (والثانى) انا كما قومنا الارض وحدها نقوم الاشجار وحدها ثانية فإذا قيل هي خمسون عرفنا أن النسبة بالاثلاث * واعلم أن في المثال المذكور لايضاح الوجهين تكون قيمة الارض ناقصة بسبب الاجتماع لانا فرضنا قيمتها وحدها مائة وقيمة الاشجار وحدها ثابتة خمسين وقيمة المجموع مائة وعشرين * عدنا إلي مسألة الام والولد * فإذا بيعا معا فأردنا التوزيع قال الامام فيه طريقان (أحدهما أن التوزيع عليهما كالتوزيع على الارض والاشجار فتعتبر قيمة الام وحدها وفى الولد الوجهان (والثانى) أن الام لا تقوم وحدها بل تقوم مع الولد خاصة لانها رهنت وهى ذات ولد والارض وهنت بلا أشجار وهذا ما أورده الاكثرون نعم لو حدث الولد بعد الرهن والتسليم من نكاح أو زنا وبيعا معا فللمرتهن قيمة جارية لا ولد لها وصاحب الكتاب اقتصر على رواية الطريق الاول لكن نقله الوجه الثاني ههنا وفى الوسيط يخالف منقول الامام لانه قال تقدر قيمة الولد أيضا مفردا والوجه ما نقله الامام كما تقدر قيمة الاشجار ثابتة لا مقلوعة؟ (وقوله) حتى تقل قيمته أي هكذا يكون لكونه ضائعا وتمثيله المسألة بما إذا كانت قيمة الولد عشرة يناسب ما نقله ومثل في الوسيط بما إذا كانت قيمة الولد خمسين وليس ذلك مع كون قيمتهما مائة وعشرين على ما فرضه الامام في الوجه الاول فإذا كانت وحدهما مائة وكانت مع الولد مائة وعشرين استحال أن يكون الولد وحده خمسين لضياعه * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 10 قال (ورهن ما يتسارع إليه الفساد يدبن مؤجل قبل حلول أجله صحيح ان شرط البيع وجعل الثمن رهنا * وان شرط منعه فباطل * وان أطلق فقولان * ولا خلاف أنه لو طرأ ما يعرضه للفساد أنه يباع ويجعل بدله رهنا) * إذا رهن شيئا رطبا يتسارع إليه الفساد نظر إن أمكن تجفيفه كالرطب والعنب صح رهنه وجفف وان لم يمكن كالثمرة التى لا يجفف والمرقة والريحان والجمد فرهنه ان كان بدين حال يصح ثم أن بيع في الدين أو قضى الدين من موضع آخر فذاك والا بيع وجعل الثمن رهنا كيلا يضيع ولا تفوت الوثيقة فلو تركه المرتهن حتى فسد قال في التهذيب ان كان الراهن أذن له في بيعه ضمن والا لم يضمن ويجوز أن يقال عليه رفع الامر إلى القاضي ليبيعه * وان كان رهنه بمؤجل فله ثلاثة أحوال (إحداهما) أن يعلم حلول الاجل قبل فساده فهو كرهنه بدين حال (والثانية) أن يعلم عكسه فان شرط في الرهن بيعه عند الاشراف على الفساد وجعل ثمنه رهنا صح ولزم الوفاء بالشرط وان شرط ألا يباع بحال قبل حلول الاجل فهو فاسد مفسد للرهن لمناقضته مقصود الوثيقة وان لم يشترط هذا ولا ذاك فقولان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة وأحمد يصح الرهن ويباع عند تعرضه للفساد كما لو شرطه لان الظاهر أنه لا يقصد فساد ماله (والثانى) لا يصح لانه مرهون لا يمكن استيفاء الحق منه عند المحل والبيع قبله ليس من مقتضيات الرهن وهذا أصح عند أصحابنا العراقيين وميل من سواهم إلى الاول وهو الموافق لنصه في الجزء: 10 ¦ الصفحة: 11 المختصر (والثالثة) أن لا يعلم واحد من الامرين وكإنا محتملين ففى جواز الرهن المطلق قولان مرتبان على القولين في القسم الثاني والصحة ههنا أظهر * ولو رهن ما لا يتسارع إليه الفساد فطر أما عرضه للفساد قبل حلول الاجل كما إذا ابتلت الحنطة وتعذر التجفيف فلا ينفسخ الرهن بحال وان منع الصحة في الابتداء على قول كما أن إباق العبد يمنع صحة العقد وإذا طرأ لم يوجب الانفساخ * ولو طرأ ذلك قبل قبض المرهون ففى الانفساخ وجهان كما في عروض الجنون والموت وإذا لم ينفسخ يباع ويجعل الثمن رهنا مكانه قال (ويجوز رهن العبد المرتد كما يجوز بيعه ورهن العبد الجاني يبني على جواز بيعه ونص الشافعي رضى الله عنه أن رهن المدبر باطل وفيه قول مخرج منفاس أنه صحيح وكذا رهن المعاق عتقته علي صفة وقيل إنه باطل إذا لا يقوى الرهن علي دفع عتق جرى سببه) * في الفصل أربع صور (احداها) رهن العبد المرتد كبيعه وقد مر والمذهب صحتهما ثم إن كان المرتهن عالما بردته فلا خيار له في فسخ البيع المشروط فيه الرهن وان كان جاهلا فله الخيار فان قبل قبل القبض فله فسخ البيع وان قبل بعده فهو من ضمان من؟ فيه وجهان مقرران في البيع فان جعلناه من ضمان الراهن فللمرتهن فسخ البيع وان جعلناه من ضمان المرتهن فهو كما لو مات في يده فلا فسخ ولا ارش * ورهن العبد المحارب كبيعه (وقوله) ويجوز رهن العبد المرتد كما يجوز بيعه معلمان بالواو لما قدمناه وبالزاى لان الموافق الجزء: 10 ¦ الصفحة: 12 ابن طاهر روي عن المزني المنع منهما (الثانية) رهن العبد الجاني مرتب على بيعه ان لم يصح بيعه فرهنه أولى وإن صح ففى رهنه قولان وفرقوا بينهما بان الجناية العارضة في دوام الرهن تقتضي تقديم حق المجني عليه فإذا وجدت أولا منعت من ثبوت حق المرتهن * (التفريع) ان لم يصح الرهن ففداه السيد أو أسقط المجني عليه حقه فلا بد من استئناف رهن وإن صححناه فقد قال المسعودي إنه يكون مختارا للفداء كما سبق في البيع وبمثله أجاب الامام لكن ابن الصباغ قال لا يلزمه الفداء بخلاف ما في البيع والعتق لان محل الجنابة باق ههنا والجناية لا تنافى الرهن ألا تري انه لو جنى وهو مرهون تعلقت الجناية به ولا يبطل الرهن وإذا صححنا الرهن والواجب القصاص ومنعناه والواجب المال فرهن والواجب القصاص ثم عفا المستحق على مال فيبطل الرهن من أصله أو هو كجناية تصدر من المرهون حتى يبقى الرهن لو لم يبع في الجناية فيه وجهان (اختار) الشيخ أبو حامد أولهما وإذا قيل به فلو كان قد حفر بئرا في محل عدوان فتردى فيها انسان بعد ما رهن ففى تبين الفساد وجهان والفرق أنه في الصورة الاولى رهن وهو جان وههنا بخلافه (الثالثة) قال الشافعي رضى الله عنه ولو دبره ثم رهنه كان الرهن مفسوخا أي باطلا وللاصحاب في رهن المدبر طرق (أحدها) وبه قال ابن سريج انه على قولين مبنيين على أن التدبير وصية أو تعليق عتق بصفة (إن قلنا) بالاول صح الرهن (وإن قلنا) بالثاني لم يصح على الاصح كما لو رهن المعلق عتقه بصفة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 13 يحتمل أن تتقدم على المحل ويحتمل ان تتأخر (والثاني) القطع بالمنع لان السيد قد يموت فجأة فيبطل مقصود الرهن ولا يقف على موته ليبيعه قبله ومن قال بهذا قال التدبير وإن جعل وصية فهو آكد من سائر الوصايا بدليل أنه يتنجز بالموت والرهن ليس بصريح في الرجوع فجاز أن يؤثر في سائر الوصايا ولا يؤثر في التدبير (والثالث) القطع بجواز رهنه كبيعه * (التفريع) إن صححنا الرهن بناء على أنه وصية فيبطل التدبير ويكون بالرهن راجعا عنه وهو اختيار المزني وان أبطلناه بناء على أنه تعليق عتق بصفة فالتدبير باق بحاله ولا يحصل الرجوع الا بتصرف مزيل للملك وكذا الحكم ان قلنا بالطريقة الثانية (وان قلنا) بالثالثة فالتدبير باق أيضا وهو مرهون مدبر فان قضي الراهن الدين من غيره فذاك وان رجع في التدبير وباعه في الدين بطل؟ التدبير وان امتنع من الرجوع فيه ومن بيعه فان كان له مال آخر أجبر على قضائه منه وإلا فوجهان عن أبى اسحق (أصحهما) انه يباع في الدين ويفسخ التدبير (والثانى) انه يحكم بفساد الرهن ومن قال بهذا حمل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 14 قول الشافعي رضى الله عنه وكان الرهن مفسوخا عليه * بقي الكلام في أن أظهر الطرق ماذا وفى أن الاظهر من صحة الرهن وفساده ماذا (أما) الاول فالحق ما ذكره صاحب الشامل وهو أن الطريق الاول أقرب الي القياس (والثاني) أقرب إلى النص (والثالث) أبعد الثلاثة (أما) كون الاول أقرب إلى القياس فلان في كون التدبير وصية أو تعليق عتق بصفة قولين معروفين وقضية كونه وصية صحة الرهن (وأما) كون الثاني أقرب إلى النص فلان كلامه في الام كالصريح في القطع بالمنع لانه قال ولو دبره ثم رهنه كان الرهن مفسوخا ولو قال رجعت عن التدبير ثم رهنه فقولان فخص القولين بما بعد الرجوع (وأما) الثاني فعامة الاصحاب مائلون إلى ترجيح البطلان كما نص عليه وربما وجهوه بأن العتق مستحق بالتدبير فلا يقوي الرهن على دفعه واختار الامام وصاحب الكتاب ترجيح الصحة قال الامام أما إذا قلنا إنه وصية فظاهر (وأما) إذا قلنا إنه تعليق عتق بصفة فلانه مع ذلك محسوب من الثلث بخلاف العتق المعلق النازل في حياة المعلق والدين محسوب من رأس المال * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 15 ولو مات ولم يخلف إلا هذا العبد والدين مستغرق ولا رهن لصرفناه إلى الدين ولم نبال ارتفاع العتق فلا معنى لمنعه من الرهن لغرض العتق (وقوله) في الكتاب وفيه قول مخرج إنما سماه مخرجا لان المنصوص البطلان وهذا مخرج من أن التدبير وصية وطريقة القولين هي التى أوردها في الكتاب ويجوز الاعلام بالواو لغيرهما (الرابعة) المعلق عتقه بصفة نصوره على وجوه (أحدهما) أن يرهن بدين حال أو مؤجل يتيقن حلوله قبل وجود الصفة فهو صحيح ويباع في الدين فلو لم يتفق الجزء: 10 ¦ الصفحة: 16 بيعه حتى وجدت الصفة فيبنى على القولين في أن أمر الاعتبار في العتق المعلق بحالة التعليق أم بحالة وجود الصفة (ان قلنا) بالاول عتق وللمرتهن فسخ البيع المشروط فيه الرهن ان كان جاهلا (وان قلنا) بالثاني فهو كاعتاق المرهون وسيأتي (والثاني) أن يرهن بدين مؤجل يتيقن وجود الصفة قبل حلوله ففيه طريقان (عن صاحب الافصاح) أنه على القولين في رهن ما يتسارع إليه الفساد فعلى قول يباع إذا قرب أوان وجود الصفة ويجعل ثمنه رهنا قال الامام وهذا البناء إنما ينتظم إذا قلبا بنفوذ العتق المعلق قبل الرهن عند وجود الصفة حالة الرهن (أما) إذا لم نقل بذلك فلا نخاف تسارع الفساد إليه وفوات الوثيقة فيوجه الخلاف بشئ آخر وهو أن الرهن هل يصلح دافعا للعتق المستحق بالتعليق فتارة نقول نعم كالبيع وأخرى نقول لا لضعفه (والطريق الثاني) وهو المشهور القطع بالمنع لفوات مقصود الرهن قبل المحل وليس ذلك كرهن ما يتسارع إليه الفساد لان الظاهر من حال صاحب الطعام الرضا بالبيع عند خوف الفساد كيلا يضيع والظاهر من حال المعلق امضاء العتق (والثالث) ان لا يتيقن واحد من الامرين بل يجوز تقديم الصفة على حلول الدين وبالعكس فقولان (أصحهما) المنع لما فيه من الغرر (والثانى) وبه قال أبو حنيفة وأحمد أنه يصح لان الاصل استمرار الرق وقال القاضى أبو الطيب هذا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 17 مخرج من تجويز رهن المدبر بناء على أن التدبير تعليق عتق بصفة وعن صاحب الافصاح طريقة قاطعة بالمنع ههنا فهذا كلام الاصحاب في المسألة وقد عرفت منه فتواهم بالبطلان وايراد صاحب الكتاب يقتضي ترجيح الصحة ههنا والله أعلم * قال (ويصح الثمار بعد بدو الصلاح (والاصح) جوازه أيضا قبل بدو الصلاح وان لم يشترط القطع ولكن عند البيع يشترط القطع * وقيل لا يجوز الا بالتصريح بالاذن في شرط القطع عند البيع) * إذا رهن الثمار على الاشجار فاما أن يرهنها مع الاشجار أو وحدها (الحالة الاولى) أن يرهنها مع الاشجار فينظر ان كانت الثمرة مما يمكن تجفيفها صح الرهن سواء بدا الصلاح فيها أو لم يبد وسواء كان الدين حالا أو مؤجلا وإن كانت مما لا يمكن تجفيفها ولم نصحح رهن ما يتسارع إليه الفساد فطريقان (أشبههما) أنه لا يصح في الثمار وفى الاشجار قولا تفريق الصفقة (والثاني) يصح فيهما قولا واحدا وتكون الثمار تابعة للاشجار (الحالة الثانية) أن يرهنها وحدها فان لم يمكن تجفيفها فهو كرهن ما يتسارع إليه الفساد علي وجه الارض وإن أمكن تجفيفها فاما الجزء: 10 ¦ الصفحة: 18 أن يرهن قبل بدو الصلاح أو بعده (القسم الاول) أن يرهن قبل بدو الصلاح فان رهنها بدين حال وشرط قطعهما وبيعها أو بيعها بشرط القطع جاز وان أطلق فقولان (أحدهما) لا يجوز كما لا يجوز بيعها مطلقا (وأصحهما) الجواز لان حق المرتهن لا يبطل باجتياحها وحق المشتري يبطل وأيضا فان الحلول قرينة نازلة منزلة شرط القطع * وان رهنها بدين مؤجل نظر ان كان يحل مع بلوغ الثمار أو ان الادراك أو بعده فهو كما لو كان حالا وان كان يحل قبل بلوغها أو ان الادراك فان رهنها مطلقا فقولان (أصحهما) أنه لا يصح لان العادة في الثمار الا بقاء إلى الادراك فأشبه مالو رهن شيئا على أن لا يبيعه عند المحل الا بعد أيام (والثاني) يصح لان مقتضى الرهن البيع عند المحل فكأنه شرط بيعه عند المحل * وان رهنها بشرط القطع عند المحل فطريقان (منهم) من طرد القولين ووجه المنع التشبيه بما إذا باع بشرط القطع بعد مدة (ومنهم) من قطع بالجواز واليه أشار الشيخ أبو حامد وصاحب التهذيب * وعن صاحب القريب طريقة قاطعة بالمنع فيما إذا رهنها مطلقا كما إذا باعها (والقسم الثاني) أن يرهن بعد بدو الصلاح فيجوز بشرط القطع ومطلقا ان رهنها بدين حال أو مؤجل هو في معناه وان رهنها بمؤجل يحل قبل بلوغها أو ان الادراك فعلى ما ذكرنا في القسم الاول * إذا وقفت على هذا التفصيل عرفت أن مطلق قوله في الكتاب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 19 ويصح رهن الثمار بعد بدو الصلاح علي ماذا يجب تنزيله (وقوله) وقبل هو القول الثاني * ومتى صح رهن الثمار على الاشجار فمونة السقى والجذاذ والتجفيف على الراهن دون المرتهن فان لم يكن له شئ باع الحاكم جزءا منها وأنفقه عليها * ولو توافق الراهن والمرتهن على ترك السقى جاز بخلاف علف الحيوان وحكى الروبانى عن بعض الاصحاب انه يجبر عليه كما يجبر على علف الحيوان وادعى انه الاصح وإذا أراد أحدهما قطع الثمرة قبل أوان الجذاذ فللاخر أن يمتنع منه وبعد أو ان الجذاذ ليس له ذلك بل يباع في الدين ان حل وإلا أمسكه رهنا * (فرعان) (أحدهما) الشجرة التى تثمر في السنة مرتين يجوز رهن ثمرتها الحاصلة بالدين الحال والمؤجل الذي يحل قبل خروج الثمرة الثانية وقبل اختلاطها بالاولى وإلا فان شرط أن لا تقطع عند خروج الثانية لم يصح وان شرط قطعها صح وان أطلق فقولان فان صححا أو رهن بشرط القطع ثم لم يتفق القطع حتى حصل الاختلاط ففى بطلان الرهن قولان كالقولين الجزء: 10 ¦ الصفحة: 20 في البيع إذا عرضت هذه الحالة قبل القبض والرهن بعد القبض كالبيع قبله لان المرتهن إنما يتوثق بعد القبض فهو والمرهون عنده كالبائع والمبيع محبوس عنده (فان قلنا) يبطل الرهن فذاك (وان قلنا) لا يبطل فلو أنفق قبل القبض بطل وفيه وجه سيأتي نظيره فيما إذا تخمر العصير قبل القبض وان لم يبطل فان رضى الراهن بأن يكون الكل رهنا أو توافقا على أن يكون الصف من الجملة مثلا رهنا فذاك وإن تنازعا في قدر المرهون فالقول قول الراهن مع يمينه كما لو اختلطت الحنطة المرهونة بحنطة أخرى للراهن * وقال المزني القول قول المرتهن مع يمينه لان اليد له كما لو تنازعا في ملك * وأجاب الاصحاب بأن اليد تدل على الملك دون الرهن ألا ترى أنه لو قال من في يده المال رهنتنيه وأنكر المالك كان القول قوله وذكر الرويانى في مسألة الحنطة ان طرد الخلاف محتمل لتعذر الفرق (الثاني) إذا رهن زرعا بعد اشتداد الحب نظر ان كان تري حباته من السنبلة صح وإلا فقولان كما في البيع (والاصح) المنع * ولو رهنه وهو بقل فهو كما لو رهن الثمرة قبل بدو الصلاح وعن صاحب التلخيص أنه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 21 لا يجوز إذا كان الدين مؤجلا قولا واحدا وان صرح بشرط القطع عند المحل لان الزرع لا يجوز بيعه إذا تسنبل وقد يتفق الحلول في تلك الحالة ولان زيادة الزرع بالطول فهى كثمرة تحدث وتختلط بالمرهون وزيادة الثمرة بكبر الحبة فهى كالسمن * قال (فان قيل هل يشترط أن يكون المرهون ملكا للراهن (قلنا) لا فقد نص الشافعي على أنه لو استعار الرهن جاز * وفى تغليب حقيقة الضمان أو العارية تردد قول * والاولى أن يقال هو فيما يدور بين الراهن والمرتهن رهن محض وفيما بين المعير والمستعير رارية * وفيما بين المعير والمرتهن حكم الضمان أغلب فيرجع فيه مادام في يد الراهن * ولا يرجع بعد القبض على الاصح لانه ضمن له الدين في عين ملكه ويقدر على اجبار الراهن على فكه بأداء الدين لانه معير في حقه ان كان الدين حالا * وان كان مؤجلا فقولان * ولا يباع في حق المرتهن إلا إذا أعسر الراهن * ولو تلف في يد المرتهن فلا ضمان على أحد على الاصح * وان تلف في يد الراهن ضمن لانه مشتعير ولا صح الجزء: 10 ¦ الصفحة: 22 أنه يشترط في هذه الاعارة ذكر قدر الدين وجنسه ومن يرهن عنده لان معنى الضمان ظاهر فيه والغرض يختلف به) * لما كان حجة الاسلام يتكلم في هذا الركن في شرائط المرهون بحث عن أنه هل يشترط كون المرهون ملكا للراهن والجواب الجملى أنه ليس بشرط على المذهب والتفصيلي أنه إذا استعار عبد الغير ليرهنه بدينه فرهنه فسبيل هذا العقد سبيل العارية أو الضمان فيه قولان (أحدهما) سبيل العارية لانه قبض مال الغير باذنه لينتفع به ضرب انتفاع بأشبه أو استعاره للخدمة (وأصحهما) أن سبيله سبيل الضمان ومعناه أنه ضمن دين الغير في رقبة ماله كما لو أذن لعبده في ضمان دين غيره يصح وتكون ذمته فارغة وكما ملك أن يلزم ذمته دين الغير وجب أن يملك التزامه في عين ماله لان كل واحد منهما محل حقه وتصرفه * ولو قال المديون لغيره ارهن عبدك بدينى من فلان فهو كما لو قبضه ورهنه (وقوله) في الكتاب وفى تغليب حقيقة الضمان أو العارية تردد قول أشار به إلى ما ذكره الامام من أن في العقد شبها من الجزء: 10 ¦ الصفحة: 23 هذا وشبها من ذاك وليس القولان في أنه يتمحض عارية أو ضمانا وانما هما في أن المغلب أيهما (وقوله) والاولى أن يقال هو فيما يدور بين الراهن والمرتهن لبس للاشعار بتردد في هذه القضية ولكن أراد أنه لا ينبغى أن نحكم بتغليب أحد الطرفين على الاطلاق بل نفصل التفصيل الذي ساقه (وقوله) وفيما بين المعير والمستعير إلى آخره غير مساعد عليه بل على قول الضمان المعير ضامن في عين ماله والمستعير مضمون عنه وليس ما بين المعير والمستعير عارية محضة على ما سنبين في التفريع ان شاء الله تعالى وذكر في الوسيط ان القولين مستخرجان من تردد الشافعي رضى الله عنه في أحكام المسألة لكن الشيخ أبا حامد في آخرين نقلوهما عن الرهن الصغير منصوصين ثم لهما فروع كثيرة ذكر بعضها في الكتاب فنشرحه ونضم إليه ما يتفق (فمنها) أن على القولين جميعا هذا التصرف جائز ويخالف ما لو باع مال الغير لنفسه لان البيع معاوضة فلا يملك الثمن من لا يملك المثمن والرهن استيثاق يحصل بما لا يملك كما يحصل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 24 بالكفالة والاشهاد وعن ابن سريج أنا إذا جعلناه عارية لم يصح هذا التصرف لان الرهن ينبغى أن يلزم بالقبض والعارية لا تلزم فعلى هذا يشترط في الرهن كون المرهون ملكا للراهن والصحيح) الاول الكلام في أن هذه العارية هل تلزم سيأتي ان شاء الله تعالى * ثم العارية قد تلزم كما إذا أعار بقعة لدفن ميت ودفن فيها (ومنها) لو أذن في رهن عبده ثم رجع عنه قبل الرهن أو بعده وقبل أن يقبضه المرتهن كان له ذلك (أما) على قول العارية فظاهر (وأما) على قول الضمان فلانه بعد لم يلزم ألا ترى أن المستعير مخير في فسخ الرهن قبل القبض وإذا لم يلزم في حقه وهو المديون فأولى أن لا يلزم في حق غيره (وأما) بعد قبض المرتهن فلا رجوع على قول الضمان وعلى قول العارية وجهان (أحدهما) وبه قطع الشيخ أبو محمد أن له أن يرجع جريا على مقتضى العارية (واظهرهما) وبه قال القاضى لا يرجع والا لم يكن لهذا الرهن معنى ولا يحصل به توئق * وعن صاحب التقريب انه إذا كان الدين مؤجلا ففى جواز الرجوع قبل حلول الاجل وجهان لاقبيه الاذن بمدة كما لو أعار للغراس مدة * ومتى حكمنا بالرجوع فرجع وكان الرهن مشروطا في بيع فللمرتهن فسخ البيع إذا كان جاهلا بالحال (ومنها) هل للمالك الجزء: 10 ¦ الصفحة: 25 اجبار الراهن على فك الرهن (أما) من قال له أن يرجع ويسترد المال متى شاء بناء على قول العارية فلا حاجة عنده إلى هذا (وأما) من لم يقل بذلك فأن قلنا انه عارية فله اجباره على الفك (وان قلنا) انه ضمان فان كان الدين حالا فكذلك لاستخلاص ملكه المشغول بوثيقة الرهن ولا يحرج على الخلاف في أن الضامن هل يملك اجبار الاصيل على الاداء لتبرئة ذمته بسببها للشغل الذى اثبته باداء الدين وان كان مؤجلا فليس له اجباره عليه كمن ضمن دينا مؤجلا لا يطالب الاصيل بتعجيله لتبرأ ذمته * ثم إذا حل الاجل وامهل المرتهن الراهن فللمالك أن يقول إما أن ترده إلى أو تطالبه بالدين ليؤدي فينفك الرهن كما إذا ضمن دينا مؤجلا ومات الاصل للضامن أن يقول اما أن تطالب بحقك من التركة أو تبرئني (وقوله) في الكتاب لانه معير في حقه ان كان الدين حالا هذا التعليل يقتضى القدرة على الاجبار سواء كان الدين حالا أو مؤجلا كما عرفته فكان الاحسن أن يقدم ويؤخر فيقول انه يقدر عليه ان كان الدين حالا لانه معير في حقه وان كان مؤجلا فقولان وايراد الوسيط قريب من ذلك * ثم وجه أحد القولين بانه معير (والثانى) بأن فيه الزام أداء الدين قبل لزومه (ومنها) إذا حل أجل الدين أو كان حالا قال الامام (ان قلنا) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 26 انه ضمان فلا يباع في حق المرتهن ان قدر الراهن على أداء الدين الا باذن مجدد وان كان معسرا فتباع وان سخط المالك (وان قلنا) انه عارية فلا يباع الا باذن مجدد سواء كان الراهن موسرا أو معسرا قال وقياس طريق القاضى حيث حكم بلزوم الرهن على قول العارية تجويز بيعه عند الاعسار من غير مراجعة كما على قول الضمان وتابعه المصنف على ما ذكره ليعلم قوله الا إذا أعسر الراهن لما حكاه على قول العارية ولك أن تقول الرهن وان صدر من المالك فانه لا يسلط على البيع الا باذن جديد فان رجع ولم يأذن فحينئذ يباع عليه على ما سيأتي إن شاء الله تعالى فإذا المراجعة لابد منها * ثم إذا لم ياذن في البيع فقياس المذهب أن يقال ان قلنا انه عارية فيعود الوجهان في أنه هل يمكن من الرجوع (وان قلنا) انه ضمان ولم يؤد الدين الراهن فلا يمكن من الاباء ويباع عليه معسرا كان الراهن أو موسرا كما لو ضمن في ذمته يطالب موسرا كان الاصيل أو معسرا * ثم إذا اتفق بيعه في الدين نظر ان بيع بقدر قيمته يرجع المالك على الراهن على القولين وان بيع باقل قدرا تغابن الناس بمثله فعلى قول العارية يرجع بتمام القيمة وعلى قول الضمان لا يرجع الا بما بيع لانه لم يفض الضامن من الدين الا ذلك القدر وان بيع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 27 بأكثر من القيمة يرجع بما بيع على قول الضمان وعلى قول العارية وجهان (ذهب الاكثرون) إلى أنه لا يرجع الا بالقيمة لان العارية بها تضمن (وقال) القاضى أبو الطيب يرجع بما بيع لانه ثمن مكله وقد صرف إلى دين الراهن وهذا أحسن واختاره ابن الصباغ والامام والقاضى الرويانى (ومنها) لو تلف في يد المرتهن (ان قلنا) انه عارية فعلى الراهن الضمان كما لو تلف في يده (وان قلنا) انه ضمان فلا شئ لانه لم يسقط الحق عن ذمته ولا شئ على المرتهن بحال لانه يمسكه رهنا لا عارية * وان تلف في يد الراهن فقد أطاق في الكتاب أنه يضمن لانه مستعير وفى تعليق الشيخ أبى حامد بناؤه على القولين كما لو تلف في يد المرتهن * ولو جنى في يد المرتهن فيبيع في الجناية (فان قلنا) انه عارية فعلى الراهن القيمة وقال الامام هذا (إذا قلنا) أن العارية تضمن ضمان المغصوب والا فلا شئ عليه (وان قلنا) انه ضمان فلا شئ عليه في هذه الصورة وأشار في المختصر إلى القولين والى ترجيح قول الضمان فقال رضى الله عنه فلو أذن له في الرهن فرهنه فجنى فبيع في الجناية فأشبه الامرين أنه غير ضامن (ومنها) إذا قلنا انه ضامن وجب بيان جنس الدين وقدره وصفته في الحلول والتأجيل وغيرهما لاختلاف أغراض الضمان بذلك وذكر أبو علي الجزء: 10 ¦ الصفحة: 28 الزجاحى أنه أجاز في القديم السكوت عن ذكر الحلول والتأجيل وهل يجب بيان من يرهن عنده عن صاحب التقريب فيه وجهان (والاصح) الوجوب وعلى القولين إذا عين شيئا من ذلك لم تجز مخالفته نعم لو عين قدرا جاز أن يرهن بما دونه ولو زاد فمنهم من قال يبطل في الزائد وفى المأذون قولا تفريق الصفقة والصحيح البطلان في الكل للمخالفة كما لو باع الوكيل بالغبن الفاحش لا نقول يصح البيع في القدر الذي يساوى الثمن * وإذا قال المستعير أعرني لارهنه بألف أو من فلان فأعاره كان ذلك كتقييد المغير بنفسه على أظهر الوجهين تنزيلا للاسعاف على الالتماس (ومنها) لو أعتقه المالك (فان قلنا) إنه ضمان فقد حكى الامام عن القاضى أنه ينفذ وتوقف فيما ذكره وذكر في التهذيب أنه كاعتاق المرهون وان قلنا) إنه عارية فعن القاضى أنه على الخلاف من اعتاق المرهون وهذا بناء على لزوم هذا الرهن على قول العارية وفى التهذيب أنه يصح ويكون رجوعا وهو بناء على عدم اللزوم (ومنها) لو قال مالك العبد ضمنت ما لفلان عليك في رقبة عبدي هذا قال القاضى يصح ذلك على قول الضمان ويكون كالاعارة للرهن قال الامام وفيه تردد من جهة أن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 29 المضمون له لم يقبل ويجوز أن يعتبر القبول في الضمان المتعلق بالاعيان تقريبا له بالمرهون (وان قلنا) انه لا يعتبر في الضمان المطلق في الذمة * (فرع) لو قضى المالك الدين من مال نفسه انفك الرهن ثم رجوعه على الراهن يتعلق بكون القضاء باذن الراهن أو عدمه وسيأتى ذلك في باب الضمان فان احتلفا؟ في الاذن فالقول قول الراهن ولو شهد المرتهن للمالك قبلت شهادته لانه لا يجربه نفعا ولا يدفع ضررا ولو رهن عبده بدين الغير دون اذنه جاز ولو بيع فيه فلا رجوع * قال (الركن الثاني المرهون به وله ثلاثة شرائط أن يكون دينا ثابتا لازما * فلا يرهن بعين * لم يثبت بعد كقوله رهنتك بما تقرضه مني أو بالثمن الذي التزمه بالشراء منك * ولو قال بعت منك العبد بألف وارتهنت الثوب به فقال اشتريت ورهنت جاز على الاصح * لان شرط الرهن في البيع جائز للحاجة فمزجه به أولى وآكد * ولكن ليتقدم من الخطابين والجوابين لفظ البيع * وليتأخر لفظ الرهن حتى يتأخر تمام الرهن عند تمام البيع) * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 30 يشترط في المرهون ثلاثة أمور (أحدهما) أن يكون دينا (أما) الاعيان المضمونة في يد الغير اما بحكم العقد كالبيع أو بحكم ضمان اليد كالمغصوب والمستعار والماخوذ على جهة السوم فالاصح انه لا يجوز بها لان عرض الرهن بيع المرهون واستيفاء الحق من ثمنه عند الحاجة ويستحيل استيفاء تلك الاعيان من ثمن المرهون ونقل الامام وجها انه يجوز الرهن بها بناء على تجويز ضمان الاعيان المضمونة والفرق على قول المذهب أن الضمان التزام في الذمة فلو لم تتلف العين بالمضمونة لم يجز الالتزام ضررا وفى الرهن دوام الحجر في المرهون يجز ضررا ظاهرا وعن مالك أن الرهن بالاعيان المضمونة جائز وعند أبى حنيفة انه يجوز بكل عين تضمن بالمثل أو القيمة والثانية كونه ثابتا (أما) الذى لم يثبت بعد فلا يجوز الرهن به كما إذا رهنه بما يستقرضه منه أو بثمن ما يشتريه منه لانه وثيقة حق فلا تتقدم على الحق كالشهادة وبهذا قال أحمد * وقال أبو حنيفة ومالك انه جائز وحكاه القاضى ابن كج وجها عن بعض الاصحاب إذا عين استقرضه (منهم) من قال لو تراهنا بالثمن ثم لم يتفرقا حتى تبايعا صح الرهن الحاقا للحاصل في المجلس بالمقترن بالايجاب والقبول وعلى المذهب لو ارتهن قبل ثبوت الحق وقبضه كان مأخوذا على جهة سوم الرهن فإذا استقرض أو اشتري لم يصر رهنا الا بعقد جديد نص عليه الشيخ ابو حامد وغيره وفيه وجه أنه يصير رهنا * ولو امتزج الرهن بسبب ثبوت الدين بان قال بعتك هذا العبد بالف وارتهنت هذا الثوب فقال المشتري اشتريت ورهنت أو قال أقرضتك هذه الدراهم وارتهنت بها عبدك فقال استقرضتها ورهنته فوجهان (أصحهما) وهو ظاهر النص صحة الرهن لان شرط الرهن في البيع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 31 والقرض جائز لحاجة الوثيقة فكذلك مزجه بهما بل أولى لان الوثيقة ههنا آكد فان الشرط ربما لا يفى به (والثانى) أنه فاسد وبه قال ابو اسحق وهو القياس لان أحد شقي الرهن متقدم على ثبوت الدين واحتج له بانه لو قال لعبده كاتبتك على الف درهم وبعت منك هذا الثوب بكذا فقال قبلت الكتابة والبيع لا يصح البيع وأجيب عنه بفرقين (احدهما) أن العبد لا يصير أهلا للمعاملة مع مولاه حتى تتم الكتابة (والثاني) أن الرهن من مصالح البيع والبيع ليس من مصالح الكتابة * ولو قال البائع ارتهنت وبعت وقال المشترى اشتريت ورهنت لم يصح لتقدم احد شقى الرهن على احد شقى البيع وكذا لو قال ارتهنت وبعت وقال المشترى ارهنت واشتريت لتقدم شقى الرهن على أحد شقى البيع وبهذا قال في الكتاب لكن يتقد الخطابين والجوابين إلى آخره معناه أن شرط الصحة تقدم خطاب البيع على خطاب الرهن وتقدم جواب البيع على جواب الرهن وان شئت قلت الشرط أن يقع أحد شقى الرهن بين شقى البيع والآخر بعد شقى البيع * ولو قال بعنى عبدك بكذا ورهنت به هذا الثوب فقال البائع بعت وارتهنت فيبنى على الخلاف في مسألة الاستيجاب والايجاب * ولو قال البائع بتعك بكذا على أن ترهننى دارك به فقال المشترى اشتريت ورهنت فوجهان قال بعضهم يتم العقد بما جرى وذكر في التتمة أنه ظاهر النص وقال القاضى لا يصح بل يشترط أن يقول بعده ارتهنت أو قبلت لان الذي وجد منه شرط ايجاب الرهن لااستيجابه كما لو قال افعل كذا لتبيعني لا يكون مستوجبا للبيع وهذا أصح عند صاحب التهذيب وللاول أن يقول الصورة المشبه بها لا تناظر هذه لانه لم يصرح في تلك الجزء: 10 ¦ الصفحة: 32 الصورة بالالتماس وانما أخبر عن السبب الداعي له إلى ذلك الفعل وهو الرغبة في البيع وههنا باع وشرط عليه الرهن وهو مشتمل على الالتماس أو أبلغ منه الا ترى أن أبا العباس الروياني حكى في الجرجانيات وجها أن شرط الرهن في البيع يغني عن استئناف رهن بعد البيع ويكون الشرط بمنزلة اللايجاب ولقبول ويجوز اعلام قوله في الكتاب وليتقدم وليتأخر بالواو للوجه المنقول عن رواية ابن كج وللوجه القائل بوقوع البيع في مجلس الرهن * قال (وكل دين لا مصير له إلى اللزوم كنجوم الكتابة لا يصح الرهن به * وما هو لازم أو مصيره إلى اللزوم كالثمن في مدة الخيار جاز الرهن به * وما أصله على الجواز لكن قد يصير إلى اللزوم كالجعل في الجعالة فيه وجهان * والاصح المنع لان سبب وجوده لم يتم قبل العمل فكأنه غير ثابت) * الامر الثالث كونه لازما والديون الثابتة ضربان (أحدهما) مالا مصير له إلى اللزوم بحال كنجوم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 33 الكتابة فلا يصح الرهن به لان الرهن للتوثيق والمكاتب بسبيل من اسفاط النجوم متى شاء فلا معنى لتوثيقها وعند أبى حنيفة يصح الرهن بها (والثاني) غيره وهو مالازم في حال الرهن أو غيره (والاول) يصح الرهن به سواء كان موصوفا بحالة الجواز أو لم يكن وسواء كان مستقرا كالقرض وارش الجناية أو ثمن المبيع المقبوض أو غير مستقر كالثمن قبل قبض المبيع الاجرة قبل استيفاء المنفعة والصداق قبل الدخول (وأما) الثاني فينظر ان كان الاصل في وصفه اللزوم كالثمن في مدة الخيار صح الرهن به أيضا لقرب حاله من اللزوم وأيضا فان شرط الرهن في البيع جائز مع أن الثمن غير ثابت بعد فههنا أولى قال الامام وهذا يتفرع على أن الخيار لايمنع نقل الملك في الثمن إلى البائع وأما إذا جعلناه مانعا فالظاهر منع الرهن لوقوعه قبل ثبوت الدين ولا شك في أنه لا يباع المرهون في الثمن ما لم تمض مدة الخيار * وان كان الاصل في وصفه الجواز كالجعل في الجعالة فوجهان (أحدهما) يصح الرهن به لانتهاء الامر فيه إلى اللزوم كالثمن في مدة الخيار (وأصحهما) المنع لان الموجب للجعل هو العمل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 34 وبه يتم الموجب فكأنه لا ثبوت له قبل العمل وموضع الوجهين ما بعد الشروع في العمل وقبل تمامه (أما) التقييد بما بعد الشروع فلانه لا ثبوت للجعل قبل الشروع بحال وكيف يتخيل ذلك وليس ثم مستحق معين (وأما) التقييد بما قبل التمام فلان الجعل بعده لازم ثم لبان أو يبنى الوجهين على الوجهين في جواز رجوع المالك بعد الشروع في العمل ويقول ان لم نجوز الرجوع فقد لزم الجعل من قبله فيصح الرهن به فان لم يصح الرهن به * والرهن بعوض المسابقة يبنى على أنها إجارة أو جعالة (ان قلنا) بالاول فالرهن به كالرهن بالاجرة (اون قلنا) بالثاني فهو كالرهن بالجعل * (فرع) يجوز الرهن بالمنافع المستحقة بالاجارة ان وردت على الذمة وتباع عند الحاجة وتحصل المنفعة من ثمنه وان كانت اجارة عين لم يجز لفوات الشرط الاول * (فرع) لا يجوز رهن الغلال بالزكاة ولا العاقلة بالدية قبل تمام الخول لفوات الشرط الثاني ويجوز بعده واعلم أن التوثيق بالرهن والضمان شديد التقارب فما يجوز الرهن به يجوز ضمانه وبالعكس الجزء: 10 ¦ الصفحة: 35 الا أن ضمان العهدة جائز ولا يجوز الرهن بها هذا ظاهر المذهب والفرق ما مر ومنهم من سوى بينهما في العهدة أيضا ووفى بتمام التلازم أما في طرف الاثبات فعن القفال وجه أنه يجوز الرهن بها كالضمان (واما) في طرف النفى فيأتي في باب الضمان * قال ولا يشترط في الدين أن لا يكون به رهن بل تجوز الزيادة في قدر المرهون بدين واحد * وفى الزيادة في الدين على مرهون واحد * قولان * واختيار المزني جوازه (ح)) * ليس من شرط الدين أن لا يكون به رهن بل يجوز أن يرهن بالدين الواحد رهنا بعد رهن ثم هو كما لو رهنهما معا ولو كان الشئ مرهونا بعشرة وأقرضه عشرة أخرى على أن يكون مرهونا بها أيضا فقولان (القديم) وبه قال مالك والمزنى أنه جائز كما تجوز الزيادة في الرهن بدين واحد (والجديد) وبه قال أبو حنيفة أنه لا يجوز كما لا يجوز رهنه عند غير المرتهن وان وفى بالدينين جميعا فان أراد توثيقهما فسخا ولب؟ نأ؟ فا رهنا بالعشرين ويفارق الزيادة في الرهن بدين واحد لان الجزء: 10 ¦ الصفحة: 36 الدين شغل الرهن ولا ينعكس فالزيادة في الرهن شغل فارغ والزيادة في الدين شغل * ونقل القاضي ابن كج وغيره أن له في الجديد قولا آخر كالقديم وسواء كان كذلك أم لا فالاصح المنع * ولو جنى العبد المرهون ففداه المرتهن باذن الراهن على أن يكون العبد مرهونا بالفداء والدين الاول نص في المختصر على جوازه وللاصحاب طريقان (أظهرهما) القطع بالجواز لانه من مصالح الرهن من حيث إنه يتضمن استيفاءه (والثاني) أنه على القولين وبناهما بانون على أن المشرف على الزوال إذا استدرك وصين عن الزوال يكون استدراكه كازالته وإعادته إو هو؟ حض استدامة وفيه خلاف (إن قلنا) بالاول فكأنهما فكا الرهن واستأنفا (وان قلنا) بالثاني ففيه القولان وعلى هذا الاصل خرجوا الخلاف فيما إذا كان على الشجرة ثمرة غير مؤبرة فباعها واستثنى الثمار لنفسه هل يحتاج إلى شرط القطع وقد سبق * ولو اعترف الراهن بان المرهون بعشرين ثم ادعى أنه رهن أولا بعشرة ثم رهن بعشرة أخري ونازعه المرتهن فان فرعنا على القديم فلا ثمرة لهذا الاختلاف (وان قلنا) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 37 بالجديد فالقول المرتهن مع يمينه لان اعتراف الراهن يقوى جانبه ظاهرا * ولو قال المرتهن في جوابه فسخنا الرهن الاول واستأنفنا بالعشرين رهنا فالقول قول المرتهن لاعتضاد جانبه بأقرار صاحبه أو قول الراهن لان الاصل عدم الفسخ فيه وجهان ميل الصيد لاتى إلى أولهما (ولاصح) عند صاحب التهذيب الثاني الثاني ورتب عليه فقال لو شهد شاهدان أنه رهن بالف ثم الفين فلا يحكم انه رهن بالفين ما لم يصرح الشهود بان الثاني كان بعد فسخ الاول * ولو رهنه بعشرة ثم استقرض عشرة أخرى ليكون رهنا بهما واشهد شاهدين أنه مرهون بالعشرين فان لم يعلم الشاهدان كيفية الحال شهدا بما سمعا وحكم الحاكم بأنه مرهون باالعشرين نعم لو قال عند الاشهاد كان مرهونا بعشرة فجعلته رهنا بعشرين ونقل الشاهدان ما سمعاه فهل يحكم بكونه رهنا بالعشرين إذا كان الحاكم ممن يذهب إلى القول الجديد حكى الامام عن صاحب التقريب فيه وجهين * وان عرفا كيفية الحال نظر ان كانا يعتقدان جواز الالحاق فهل لهما أن يشهدا بانه مرهون بالعشرين أو يشهدان بما عليه الامر في الباطن فيه وجهان وان الجزء: 10 ¦ الصفحة: 38 كانا يعتقدان امتناع الالحاق لم يشهدا الا بما جري في الباطن وفيه شئ بعيد وهذا التفصيل فيما إذا كانا يشهدان على نفس الرهن وفيه صور الجمهور (أما) إذا كانا يشهدان على اقرار الراهن فالوجه تجويزه مطلقا * قال (الركن الثالث الصيغة، ولا يخفى اشتراط الايجاب والقبول فيه * وكل شرط قرن به مما بوافق مقتضى مطلقة * أولا يتعلق به غرض أصلا فلا يقدح * وما يغير موجبه كشرط المنع من معه في حقه فهو مفسد * وما لا يغير مطلقه ولكبر يتعلق به غرض كقوله بشرط أن ينتفع به المرتهن فقولان في فساد الرهن) * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 39 الايجاب والقبول معتبران في الرهن اعتبارهما في البيع والحلاف المذكور ثم في المعاطاة والاستيجاب والايجاب عائد برمته ههنا ثم اعلم أن الرهن ينقسم الي ما شرط في عقد كما لو باع أو أجر بشرط الرهن بالثمن أو الاجرة أو أسلم بشرط الرهن بالمسلم فيه أو سمح؟ بشرط الرهن بالصداق والى مالا يشترط ويسمي رهن التبرع والرهن المبتدأ في القسم الاول إذا قال بعتك دارى بكذا على ان ترهننى به عبدك فقال اشتريت ورهنت فقد قدمنا خلافا في أنه يتم الرهن أم لا بد وان يقول الجزء: 10 ¦ الصفحة: 40 بعده ارتهنت فعلى الاول يقوم الشرط مقام القبول كما يقوم الاستيجاب مقامه ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب اشتراط الايجاب والقبول بالواو للخلاف المذكور في المعاطاة ولما حكيناه عن الجرجانيات أن التشارط يغنى عن الايجاب والقبول * ثم يتعلق بالصيغة مسائل يشتمل الفصل على واحدة منها وهى أن الشروط في الرهن على ضربين (أحدهما) ما هو من قضايا الرهن فلا يضر التعرض له لا في رهن البرع ولا في الرهن المشروط في العقد وانما هو تصريح بمقتضى الرهن وذلك كقوله على أن يباع في دينك الجزء: 10 ¦ الصفحة: 41 وقت الحاجة أو يتقدم به عند تزأحم الغرماء أولا أبيعه الا بأذك (والثانى) ما ليس من قضاياه وهو الذي يتعلق بمصلحة العقد كالاشهاد أو الذي لا يتعلق به غرض كقوله بشرط أن لا يأكل الا الهريسة والحكم فيها على ما سبق في البيع واما غيرهما فهو على نوعين (أحدهما) ما يفع المرتهن ويضر الراهن كما إذا رهن عبدا بشرط أن برهن منه غيره أو بشرط أن لا ينفك الرهن بعد اداء الدين شهرا أو يكون منافع المرهون أو زاوائده مملوكة للمرتهن فالشرط فاسد ثم ان كان الرهن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 42 رهن تبرع فقولان (اصحهما) انه فاسد ايضا لما فيه من تغبير قضية العقد (والثانى) وبه قال أبو حنيفة انه لا يفسد لان الرهن تبرع من الراهن وهذا الشرط فيه تبرع آخر واحد التبرعين لا يبطل ببطلان الثاني كما لو اقرضة الصحاح بشرط رد المكرة يلغو الشرط ويصح لقرض * وان كان الرهن مشروطا في بيع نظران لم يحز الشرط جهالة الثمن كما إذا شرط في البيع رهنا عن انه يبقى محبوسا عنده بعد اداء الثمن شهرا ففى إفساد الرهن القولان في رهن البرع فان فسد نفى فساد البيع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 43 القولان في أن الرهن وسائر العقود المسقلة إذا شرطت في البيع على نعت الفساد هل تفسد البيع وقد ذكرناهما في باب البياعات المنهى عنها (فان قلنا) بصحة البيع فللبائع الخيار صح الرهن أو فسد لانه ان صح لا يسلم له الشرط وان لم يصح فلا يسلم له أصل الرهن ولو حاز الشرط جهالة الثمن كما إذا شرط في البيع رهنا وشرط أن يكون منافعه وزوائده المرتهن فالبيع باطل لان المشروط استحقاقه جزأ من الثمن وهو مجهول وإذا بطل البيع بطل الرهن والشرط لا محالة هذا ما نقله الربيع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 44 واتفق عليه الجماهير * ووراءه كلامان (أحدهما) نقل المزني في المسألة أن للبائع الخيار في فسخ البيع واثباته وحسبت انه ذهب إلى تصحيح العقد إذا حذف منه الشرط الفاسد واعترض عليه بأنه خلاف أصله في ان الفاسد لاخيار فيه والاصحاب خطؤه في نتله؟ وحسبانه (والثاني) أن القاضى ابن كج حكى طريقة أخرى في أن في فساد الرهن قولين وان فسد ففى فساد البيع قولان كما سبق وكلام ثالث الجزء: 10 ¦ الصفحة: 45 حسن استدركه أصحابنا العراقيون وهو أن الحكم بالبطلان فيما إذا أطلق وقال متك هذا العبد بألف لترهن به دارك وتكون منفعتها لى فأما إذا قيد وقال تكون منفعتها لى سنة أو شهرا فهذا جمع بين البيع والاجارة في صفقة واحدة وقد سبق حكمه (النوع الثاني) ما ينفع الراهن ويضر المرتهن كما لو قال رهنتك بشرط أن لا تبيعه عند المحل أو لا تبيعه بعد المحل إلا إذا مضى شهر أو الا بما أرضى أو بأكثر الجزء: 10 ¦ الصفحة: 46 من ثمن المثل فهو فاسد مفسد للرهن وفى كتاب القاضى ابن كج ان ابن خيران قال يجئ في افساد الرهن القولان المذكوران في النوع الاول وهو غريب والفرق على المذهب أن ما ينفع المرتهن يزيد في الوثيقة ويؤكد ما وضع العقد له وما نصره يحل به فان كان الرهن مشروطا في بيع عاد لقول في فساده بفساد الرهن المشروط فان لم يفسد فللبائع الخيار * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 47 قال (وإذا قال رهنتك الاشجار بشرط أن تحدث الثمار مرهونة ففى صحة الشرط قولان * ولو شرط عليه رهن في بيع فاسد فظن لزوم الوفاء به فرهن فله (و) والرجوع عنه * كما لو ظن أن عليه دينا فأداه ثم تبين خلافه) * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 48 في الفصل مسألتان (الاولى) زوائد المرهون غير مرهونة عند اطلاق الرهن كما سيأتي لكن لو رهن الشجرة بشرط أن تحدث الثمرة مرهونة أو الشاة بشرط أن يحدث النتاج مرهونا فقولان (قال في القديم) والرهن اللطيف يصح الشرط ويتعدى الرهن إلى الزاوئد لان الرهن عند الاطلاق الجزء: 10 ¦ الصفحة: 49 انما لا يسري إلى الزوائد لضعفه فإذا قوي بالشرط سري (وقال) في الام لا يصح وهو الاصح لانها معدومة مجهولة فلا يصح الرهن فيها ومنهم من قطع بهذا وأول الاول حكاه القاضى ابن كج رحمه الله * (التفريع) ان صححناه ففى اكتساب العبد إذا شرط كونه مرهونا وجهان للشيخ أبى محمد والاظهر المنع لانها ليست من أجزاء الاصل (وان أفسدناه) ففى صحة الرهن خلاف له مخرجان (أحدهما) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 50 القولان في فساد الرهن لفساد الشرط الذي ينفع المرتهن (وثانيهما) أنه جمع في هذا الرهن بين معلوم ومجهول فيجئ فيه الخلاف الذى في تفريق الصفقة فان كان الرهن بهذا الشرط مشروطا في بيع فان صححنا الشرط أو أفسدناه وصححنا الرهن صح البيع وللبائع الخيار وإلا ففى البيع القولان في ان إفساد الرهن المشروط في البيع هل يفسد البيع وإذا اختصرت قلت في المسألة أربعة أقوال الجزء: 10 ¦ الصفحة: 51 صحة الشرط والرهن والبيع وصحة البيع دونهما وصحتهما دون الشرط وبطلان الكل * ولو رهن وشرط كون المانع مرهونة فالشرط باطل ولا يجري فيها القولان المذكوران في الزوائد * (فرع) لو اقرض بشرط أن يرهن به شيئا وتكون منافعه مملوكة للمقرض فالقرض فاسد لانه جر منفعة وإذا بطل بطل الرهن وان شرط كون المنافع مرهونة أيضا فالشرط فاسد والقرض صحيح لانه لايجر منفعة وفى صحة الرهن القولان اه (المسألة الثانية) لو قال أقرضتك هذا الالف بشرط أن ترهن به وبالالف الذي لى عليك كذا أو بذلك الالف وحده فالقرض فاسد على ما مر في بابه * ولو قال المستقرض أقرضنى ألفا على أن أرهن به وبالالف القديم الذي لك علي كذا أو بذلك الالف كذا فقد نقل الامام فيه ترددا بناء على أن القول من المستقرض غير معتبر والاصح اعتباره والتسوية بين أن يصدر الشرط من المقرض ويقبله المستقرض وبين عكسه وكذا لو باع بشرط أن يرهن بالثمن والدين القديم أو بذلك الدين رهنا فالبيع باطل كما تقدم * إذا تذكرت ذلك فلو رهن المستقرض أو المشترى كما شرط لم يخل اما أن يعلم فساد ما شرط أو يظن صحته فان علم الفساد فينظر ان رهن بالالف القديم صح وان رهن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 52 بهما لم يصح بالالف الذي فسد قرضه لانه لم يملكه وانما هو مضمون في يده للمقرض والاعيان لا يرهن بها وفى صحته بالالف القديم قولا تفريق الصفقة فان صح لم يوزع بل كان الكل مرهونا بالالف القديم لان وضع الرهن على توثيق كل بعض من ابعاض الدين بجميع المرهون ولو تلف الالف الذى فسد القرض فيه في يده صار دينا في ذمته وصح الرهن بالالفين حينئذ (وأما) عند ظن الصحة فإذا رهن بالالف القديم فعن القاضى انه لا يصح الرهن كما لو أدي الفا على ظن أنه عليه فتبين خلافه له الاسترداد ويتبين بطلان الاداء وعن الشيخ أبي محمد وغيره صحته بخلاف صورة الاستشهاد لان أداء الدين يستدعى سبق ثبوته وصحة الرهن لا تستدعى سبق الشرط * ولو رهن بالالفين وقلنا ان الصفقة تفرق فصحته بالالف القديم على هذا الحلاف وكذا لو باع بشرط بيع آخر فأنشأ البيع الثاني ظانا صحة الشرط وقد ذكرا هذه الصورة في موضعها وهذه الصورة والخلاف فيها تشبه بما إذا باع مال أبيه على ظن أنه حى فكان ميتا على رأي يجعل ظنه مانعا صحة الاقدام لانه ربما لم يبع لو عرف حقيقة الحال (وقوله) في الكتاب ولو شرط عليه رهن في بيع فاسد أراد به صورة خلاف الشيخ والقاضى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 53 على ما بينه في الوسيط لكنه اقتصر ههنا على جواب القاضى والمعني شرط عليه رهن في بيع فاسد بدين قديم (وقوله) فظن لزوم الوفاء به ليس المراد اللزوم الذي يفيد الاجبار فان الرهن المشروط لا يجير عليه بحال ولكن المراد صحة الشرط ولوازمها (وقوله) فله الرجوع يشعر بالصحة وتفويض الامر فيه إلى خيرة الراهن وهذا الظاهر غير معمول به بل أحد القائلين يلغيه والثانى يجعل سبيله سبيل سائر الرهون حتى يلزم ولا يتمكن الراهن من الرجوع عنه * قال (ولو قال رهنتك الارض ففى اندراج الاشحار تحته * وكذا في اندراج الاس تحت الجدار * وفى اندراج المغرس تحت الشجرة قولان * وكذا في الثمار غير المؤبرة وفى الجنين واللبن في الضرع خلاف * وكذا في الصوف المستجز على ظهر الحيوان * وفى الاغصان الخلاف * ووجه الاخراج من اللفظ ضعف الرهن عن الاستتباع) * نظر الفصل في جملة من الالفاظ المطلقة في المرهون وتمس الحاجة إلى البحث عما يدخل فيها ويخرج وحاصله صور (احدها) في اندراج الابنية والاشجار التى في الارض تحت رهن الارض مطلقا الخلاف الذي ذكرناه في البيع (الثانية) في دخول المغرس تحت رهن الشجر خلاف مرتب على الجزء: 10 ¦ الصفحة: 54 الخلاف في البيع والرهن أولى بالمنع لضعفه وفى معناه دخول الاس تحت الجدار وتدخل الثمرة المؤبرة تحت رهن الشجرة بحال وفى غير المؤبرة قولان وقال في الوسيط وجهان (أحدهما) تدخل كما في البيع (وأصحهما) أنها لا تدخل لان الثمار الحادثة بعد استقرار العقد لا يثبت فيها حكم الرهن فالموجودة عند العقد أولى وبهذا يفارق البيع (ومنهم) من قطع بعدم الدخول ونفى الخلاف * وعن أبى حنيفة تدخل الثمار في الرهن بكل حال بناء على أن رهن الشجرة دون الثمرة لا يصح ويجوز أن يعلم قوله وكذا في الثمار غير المؤبرة - بالواو - للطريقة المذكورة بل يجوز اعلام قوله قولان - بالواو - أيضا لان منهم من نفى الخلاف في المسائل كلها اما في اندراج الاشجار تحت رهن الارض فقد سبق في المبيع وأما في الاس والمغرس فللطريقة المتولدة من ترتيب الخلاف على الخلاف في البيع وقد صرح بنقلها المتولي ولا يدخل البياض بين الاشجار تحت رهن الاشجار ان كان بحيث يمكن افراده بالانتفاع وان لم ينتفع به الا بتبعية الاشجار فكذلك على أشهر الطريقين * وعن صاحب التقريب والشيخ أبى محمد أنه على الوجهين في المغارس * ويدخل في رهن الاشجار الاغصان والاوراق نعم التى تفصل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 55 غالبا كاغصان الخلاف وورق الآس والفرصاد فيها القولان المذكوران في الثمار التى لم تؤثر (الثالثة) في اندراج الجنين تحت رهن الحيوان الحامل خلاف نعود لشرحه بعد والغرض من ذكره ههنا التنبيه علي تقارب مأخذ الخلاف فيه والخلاف في الثمار غير الموبرة وأحد الخلافين مرتب على الآخر والجنين أولا بالاندراج لانه لا يقبل التصرف على الانفراد فبالحرى أن يكون تبعا وفى اللبن في الضرع طريقان عن أبى الحسين القطع بأنه لايدخل والمشهور انه على الخلاف * ثم هو عند بعضهم في مرتبه الجنين وعند آخرين في مرتبة الثمار لتيقن وجوده وسواء أثبت الخلاف أم لا فالظاهر أنه لايدخل في الرهن وهو الذي أورده في التهذيب * وفى الصوف على ظهر الحيوان طريقان (أحدهما) القطع بدخوله الحاقا بالاجزاء والاعضاء نقله في التتمة (وأظهرهما) انه على قولين (أحدهما) الدخول كالاغصان والاوراق في الشجر (وأصحهما) المنع كما في الثمار لان العادة فيه الجز ونقل بعضهم بدل القولين وجهين وزاد وجها ثالثا وهو الرفق بين الصوف القصير الذى لا يعتاد جزه وبين المنتهى الي حد يجز والمستجز بكسر الجيم - البالغ أو ان الجز (وقوله) ووجه الاخراج من اللفظ ضعف الرهن عن الاستتباع أي في كل صوره فاق الرهن فيها البيع * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 56 (فروع) لو قال رهنتك هذا الحق بما فيه أو هذه الخريطة بما فيها وما فيهما معلوم مرئي صح الرهن في الظرف والمظروف والا لم يصح الرهن في المظروف وفى الحق والخريطة قولا تفريق الصفقة وما نص عليه في المختصر من الصحة في الحق وعدمها في الخريطة فسببه انه وضع المسألة في حق له قيمة يقصد مثله بالرهن وفى خريطة ليست لها قيمة تقصد بالرهن وحينئذ يكون المقصود ما فيها وان كان اللفظ مضافا اليهما جميعا وما فيهما بحيث لا يصح الرهن فيه يبطل فيهما جميعا وفى وجه يصح الرهن فيهما جميعا وان كانت قليلة القيمة اعتبارا باللفظ ولو عكست التصوير في الحق والخريطة كان الحكم بالعكس مما نص عليه ولا فرق ولو قال رهنتك الظرف دو ما فيه صح الرهن فيه مهما كانت له قيمة وان قلت لانه إذا افرده فقد وجه الرهن نحوه وجعله المقصود وان رهن الظرف ولم يتعرض لما فيه نفيا أو اثباتا فان كان بحيث يقصد بالرهن وحده فهو المرهون لاغير وان كان لا يقصد منفردا لكنه متمول فالمرهون الظرف وحده أو مع المظروف فيه وجهان حكاهما الامام (اصحهما) أولهما ويحئ على قياسه وجهان فيما إذا لم يكن متمولا ان لرهن ينزل على المظروف أو يلغى * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 57 قال (الركن العاقد فلا يصح الا ممن يصح منه البيع * وفيه زيادة شرط وهو كونه من أهل التبرع * ولذلك لا يصح لولى الطفل أن يرهن ماله الا لمصلحة ظاهرة * وهو أن يشتري بمائة ما يساوي مائتين ولا يساوي المرهون أكثر من مائة حتى لو تلف لم يكن فيه مالا يجبره المشتري * الا إذا كان في وقت يجوز فيه الايداع خوفا من التهب فيجوز الرهن * وكذا المكاتب (و) والمأذون (و) ويجوز للولى الارتهان عند عسر استيفاء الحق أو تأجيله مهما باع بنسيئة مع الغبطة * ويجوز ان يرهن ستاره لحاجة ظاهرة في القوت حتى لا يفتقر إلى بيعه) * جتبر في المتعاقدين التكليف كما في البيع لكن الرهن تبرع فان صدر من أهل التبرع في ساله فذاك والا فالشرط وقوعه على وفق المصلحة والاحتياط إذ مقصود هذه التوطئة التدرج إلى الكلام في ثلاثة فصول (أولها) رهن الولى مال الصبى والمجنون والمحجور عليه بالسفه وارتهانه لهم مشترط بالمصلحة والاحتياط فمن صور الرهن على وجه المصلحة أن يشتري للطفل ما يساوى مائتين بمائة نسيئة ويرهن به ما يساوي مائة من ماله فيجوز لانه إذا لم يعرض تلف ففيه غبطة ظاهرة وان تلف المرهون الجزء: 10 ¦ الصفحة: 58 كان في المشتري ما يخبره ولو لم يساعد البائع إلا برهن ما يزيد على مائة أعرض عن هذه العاملة لان الرهن يمنع من التصرف وربما يتلف فيتضرر به الطفل نعم لو كان المرهون مالا يتلف في العادة كالعقار فعن الشيخ أبى محمد الميل إلى تجويزه قال الامام وهو منقاس لكنه خلاف ظاهر المذهب (ومنها) إذا كان الزمان زمان نهب أو وقع حريق وخاف الولى على ماله فله أن يشتري عقارا ويرهن بالثمن شيئا من ماله إذا لم يتهيأ أداؤه في الحال ولم يبع صاحب العقار عقاره الا بشرط الرهن وذلك لان الايداع المجرد في مثل هذه الحالة جائز ممن لا يمتد النهب إلى يده فهذه أولى * ولو استقرض شيئا والحالة هذه ورهن به لم يجز قاله الصيدلانى لانه يخاف التلف على ما يستقرضه خوفه على ما يرهنه وأنت بسبيل من أن تقول إذا لم يجد من يأخذه وديعة ووجد من يأخذه رهنا وكان المرهون أكثر من قيمة من الفرض وجب أن يجوز له الرهن (ومنها) أن يستقرض الولي له لحاجته الي النفقة أو الكسوة أو توفية ما يلزمه أولا صلاح ضياعه ومرمتها ارتقاء بالارتفاع علاته أو لحلول مائه من الدين المؤجل أو النفاق؟ متاعه الكاسد فان لم يرتقب شيئا من ذلك فيبيع ما تعذر رهنه أولى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 59 من الاستقراض (وأما) الارتهان فمن صور المصلحة فيه أن يتعذر على الولى استيفاء دين الصبى فيرتهن به إلى أن يتيسر الاستيفاء (ومنها) أن يكون دينه مؤجلا اما بأن ورثه كذلك أو باع الولى ماله نسيئة بالغبطة ولا يجوز الاكتفاء بيسار المشترى بل لابد من الارتهان بالثمن وفى النهاية رمز إلى خلاف ذلك أخذا من جواز ابضاع ماله وإذا ارتهن جاز ان يرتهن بجميع الثمن وفيه وجه انه لابد وان يستوفى ما يساوي المبيع نقدا وانما يرتهن ويؤجل بالاضافة إلى الفاضل (ومنها) ان يقرض ماله أو يبيعه لضرورة نهب ويرتهن به أو بالثمن قال الصيدلانى والاولي الا يرتهن إذا كان المرهون مما يخاف تلفه لانه قد يتلف ويرفع الامر إلى حاكم يرى سقوط الدين بتلف الرهن وحيث جاز للولى الرهن فالشرط ان يرهن من أمين يجوز الايداع منه ولا فرق في جميع ذلك بين الاب والجد والوصى والحاكم وأمينه نعم حيث يجوز الرهن والارتهان فللاب والجد أن يعاملا نفسهما ويتوليا الطرفين وليس لغيرهما ذلك وإذا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 60 وإذا تولى الاب الطرفين فكيفية القبض سنذكرها في رهن الوديعة من المودع (والفصل الثاني) رهن المكاتب وارتهانه جائز ان بشرط النظر والمصلحة كما ذكرنا في حق الطفل (ومنهم) من قال لا يجوز الرهن استقلالا وباذن السيد قولان بناء على أن الرهن تبرع وتفصيل صور الارتهان كما في الفصل الاول وفيه وجه آخر أنه لا يجوز له الاستقلال بالبيع نسيئة بحال وباذن السيد يخرج على الخلاف في تبرعاته (الفصل الثالث) في المأذون فان دفع إليه السيد مالا ليتجر فيه فهو كالمكاتب إلا من وجهين (أحدهما) أن رهنه أولى بالمنع من جهة أن الرهن ليس من عقود التجارات وشبهه الامام باجارة الرقاب وفى نفوذها منه خلاف سبق في موضعه (والثاني) أن له البيع نسيئة باذن السيد بلا خلاف * وان قال له انجر بجاهك ولم يدفع إليه مالا فله البيع والشراء في الذمة حالا ومؤجلا وكذا الرهن والارتهان إذ لا ضرر فيه على السيد فان فضل في يده مال كان كما لو دفع إليه مالا (وقوله) في الكتاب إلا لمصلحة ظاهرة يجوز اعلامه بالواو لان القاضى ابن كج حكى وجها أنه لا يجوز رهن مال الطفل بحال من الاحوال (وقوله) الا إذا كان في وقت يجوز فيه الايداع هذا الاستثناء في نظم الكتاب يرجع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 61 إلى اشتراط مساواة قيمة المرهون للدين فانه يجوز أن يكون في زمان النهب أكثر من الدين بل هو عذر يجوز الرهن على ما نلخص (وقوله) وكذا المكاتب والمأذون معلمان بالواو * (الباب الثاني في القبض والطوارئ قبله) قال (والقبض ركن في الرهن لا يلزم (م) الا به * وكيفيته في المنقول والعقار ما ذكرنا في البيع * ولا يصح إلا من مكلف * ويجوز للموتهن أن ينيب غيره إلا عبد الراهن وومتولدته لان يدهما يد الراهن * ويستنيب مكاتب الراهن * وفى عبده المأذون خلاف) * كلام الباب يقع في قسمين (أحدهما) بيان اعتبار القبض وانه بم يحصل وممن يصح (أما) الاعتبار الاول فان الفبض ركن في لزوم الرهن فلو رهن ولم يقبض كان له ذلك نعم لو كان مشروطا في بيع فللبائع الخيار وقال مالك يلزم الرهن بنفسه وعن أحمد مثله الا في المكيلات والموزونات * لنا أنه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 62 عقد إرفاق يحتاج إلى القبول فلا يلزم إلا بالقبض كالقرض (وأما) انه بم يحصل فسبيله في العقار المنقول ما تقرر في البيع ويعود الخلاف المذكور في أن التخلية هل تكفى في المنقول ام لابد من النقل وعن القاضى القطع بأنه لا يكفى التخلية في الرهن لان القبض مستحق في البيع وههنا بخلافه ويتعلق بهذا الاصل فروع مذكورة في الفصل الذي بعد هذا الفصل (وأما) انه ممن يصح فهو الذي يصح منه العقد وتجرئ النيابة في القبض جريانها في العقد لكن لا يجوز للراهن انابة المرتهن لان الواحد لا يتولى طرفي القبض كما بينا في البيع وكما لا ينيبه لا ينيب عبده ولا مدبره ولا أم ولده لان يدهم يده ولا بأس بانابة مكاتبه لاستقلاله باليد والتصرف وفى عبده المأذون وجهان (أحدهما) الجواز لانفراده باليد والتصرف (وأصحهما) المنع فانه عبده القن وهو متمكن من الحجر عليه وهذا كله قد أشرنا إليه في البيع وعن الشيخ أبى على حكاية وجه ثالث الجزء: 10 ¦ الصفحة: 63 وهو أن المأذون إن لم تركبه الديون لم يجز انابته وان ركبته جاز لانقطاع سلطنة السيد عما في يده ومشابهته المكاتب * قال (ولو رهن من المودع نص أنه يفتفر إلى إذن جديد * وفي الهبة من المودع نص انه يلزم * فقيل قولان بالنقل والتخريج * وقيل بالفرق لضعف الرهن * ثم لابد (و) من مضي زمان يمكن المسير فيه إلى المبيت الذى فيه الرهن حتي يلزم * ونص الشافعي رضى الله عنه أنه لا يكون يبضا ما لم يصل إلى بيته * وقيل ان ذلك انما يشترط عند التردد في بقائه ليتيقن وجوده * والاصح (و) أنه لو باع من المودع دخل في ضمانه بمجرد البيع) * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 64 في الفصل مسألتان (احداهما) لو أودع مالا عند انسان ثم رهنه منه فظاهر نصه انه لابد من اذن جديد في القبض ولو وهبه منه فظاهر نصه انه يحصل القبض من غير إذن جديد وللاصحاب فيهما طريقان مشهوران وثالث غريب (أظهر) المشهورين أن فيهما قولين (أحدهما) أنه لا حاجة في واحد من العقدين إلى الاذن في القبض بل انشاؤهما مع الذي في يده المال يتضمن الاذن في القبض (وأصحهما) انه لابد منه وبه قال أبو إسحق لان اليد الثابنة كانت غير جهة لرهن ولم يجز تمرض للقبض بحكم الرهن (والثاني) تقرير النصين والفرق أن الهبة عقد تمليك ومقصوده الانتفاع والانتفاع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 65 لا يتم الا بالقبض والرهن ثوئيق؟ وانه حاصل دون القبض ولهذا لو شرط في الرهن كونه في يد ثالث جاز ولو شرط مثله في الهبة فسد وكانت الهبة ممن المال في يده رضى بالقبض (والثالث) الغريب حكاه القاضي ابن كج عن ابن خيران القطع باعتبار الاذن الجديد فيهما ومحاولة تأويل نصه في الهبة وسواء شرط إذن جديد في القبض أو لم يشترط فلا يلزم العقد ما لم يمض زمان يتأتى فيه القبض لكن إذا شرط الاذن فهذا الزمان يعتبر من وقت الاذن فان لم يشترطه فهو معتبر من وقت العقد وقال حرملة لا حاجة إلى مضي هذا الزمان ويلزم العقد بنفسه والمذهب الاول لانا نجعل دوام الجزء: 10 ¦ الصفحة: 66 اليد كابتداء القبض فلا أقل من زمان يتصور فيه ابتداء القبض فعلى هذا لو كان المرهون منقولا غائبا اعتبر مضي زمان يمكن المصير إليه ونقله وهل يشترط مع ذلك نفس المصير إليه ومشاهدته فيه وجهان (أحدهما) نعم ليتعين حصوله وثبوته وهذا ظاهر النص (وأصحهما) لا ويكتفي بأن الاصل بقاؤه واختلفوا في محل النص منهم من جعله احتياطا ومنهم من حمله على ما إذا كان المرهون مما يتردد في بقائه في يده بأن كان حيوانا غير مأمون الانقلاب (أما) إذا نفيه فلا حاجة إليه ومن قال بهذا جعله وجها ثالثا فارقا فان شرطنا الحضور والمشاهدة فهل يشترط النقل أيضا فيه وجهان (أحدهما) نعم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 67 لان قبض المنقول به يحصل (والثانى) وهو أصحهما وقطع به طوائف من الاصحاب انه لا يشترط لان النقل انما يعتبر ليخرج من يد المالك وهو خارج ههنا وإذا شرطنا وراء مضى المدة شيئأ اما الحضور وحده أو مع النقل فهل يجوز أن يوكل فيه حكى الامام فيه وجهين (أصحهما) الجواز كما في ابتداء القبض ووجه المنع أن ابتداء القبض وهو النقل وجد من المودع فليصدر بثمنه منه * (فرعان) الاول لو ذهب إلى موضع المرهون فوجده قد خرج من يده نظر ان أذن له في القبض بعد العقد فله اخذه حيث وجده وان لم يأذن له لم يأخذه حتى يقبضه الراهن سواء شرطنا الاذن الجديد أو لم نشرطه هكذا قاله أبو الفضل بن عبدان وكأنه صور فيما إذا علم بخروجه من يده قبل العقد (أما) إذا خرج بعده ولم نشترطه لاذن الجديد فقد جعلنا الرهن ممن في يده إذنا في القبض فليكن بمثابة مالو استأنف اذنا (الثاني) إذا رهن الاب مال الطفل من نفسه أو ماله من الطفل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 68 ففى اشتراط مضى زمان يمكن فيه القبض وجهان كالوجهين في اشتراط لفظي الايجاب والقبول وقد ذكرناهما في البيع * ان شرطناه فهو كما لو رهن الوديعة من المودع فيعود الاختلاف المذكور وقصد الآن قبضا واقباضا نازل منزلة الاذن الجديد هناك (المسألة الثانية) إذا باع المالك الوديعة أو العارية ممن في يده فهل يعتبر زمان امكان القبض لجواز التصرف وانتقال الضمان فيه وجهان (أصحهما) نعم ثم القول في اشتراط المشاهدة واشتراط النقل كما في الرهن والهبة (والثانى) لا لان البيع يفيد الملك فلا معني مع اجتماع الملك واليد لاعتبار شئ آخر وهل يحتاج الي الاذن في القبض تفريعا على الوجه الاول نظر ان كان الثمن حالا ولم يوفه لم يحصل القبض إلا إذا أذن البائع فيه فان وفاه أو كان مؤجلا فعن الشيخ أبى على رواية طريق انه كالرهن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 69 (والمشهور أنه لا يحتاج إليه والفرق أن البيع يوجب القبض) فدوام اليد يقع عن القبض المستحق ولا استحقاق في الرهن * ونعود إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله) قولان بالنقل والتخريج المشهور عند مثبتى القولين في العقدين انهما حاصلان عن ضرب أحد النصين بالآخر على ما هو سبيل النقل والتخريج وروى ابن عبدان أنه نص في الهبة على قولين فعلى هذا التصرف مخصوص بالرهن (وقوله) لضعف الرهن أراد به ما ذكرنا من تقاعده عن افادة الملك (وقوله) ثم لابد من مضى زمان معلم - بالواو - لوجه حرملة (وقوله) يمكن المسير ولم يسر يتنظم فيهما السين والصاد ولفظ الشافعي رضي الله عنه في المختصر الصاد (وقوله) والاصح أنه لو باع من المودع إلى آخره يمكن حمله على الخلاف المذكور في أن مضى الزمان هل يعتبر لكن الاقرب أنه أراد الخلاف المذكور في أن الاذن الجديد هل يعتبر لان ايراده في الوسيط مشعر به وأيضا فانه لو حمل على الاول لكان اختياره على خلاف اختيار المعظم لما ذكرنا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 70 أنهم اعتبروا الزمان وعلى هذا فقوله مجرد البيع لم يرد به التجرد المطلق وأنما أراد البيع المجرد عن الاذن الجديد والله تعالى اعلم * قال (ولو رهن من الغاصب لم يبرأ (م ح ز) من ضمان الغصب * كما لو تعدي في المرهون يجتمع الضمان والرهن * ولو أودع من الغاصب يبرأ * وفى براءته بالاجازة وتوكيله بالبيع وجهان وكذلك في براءة المستعير * وكذا لو صرح بابراء العاصب مع بقائه في يده) * إذا رهن المالك ماله من الغاصب أو المستعير أو المستأجر أو الوكيل صح الرهن والقول في افتقار لزومه إلى مضى زمان يتأتى فيه القبض والى اذن جديد في القبض على ما ذكرنا في رهن الوديعة من المودع ومنهم من قطع في الغصب بافتقاره إلى اذن جديد لان يده غير صادرة عن اذن المالك أصلا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 71 ثم الرهن من الغاصب لا يبرئه عن ضمان الغصب وان تم ولزم خلافا لابي حنيفة وهو اختيار المزني واحتج الاصحاب بأن الدوام أقوى من الابتداء ودوام الرهن لايمنع ابتداء الضمان فان المرتهن إذا تعدي في المرهون يصير ضامنا ويبقى الرهن بحاله فلان لا يرفع ابتداء الرهن دوام الضمان كان أولى * إذا تقرر ذلك فلو أن المرتهن أراد البراءة عن الضمان فليرده إلى الراهن ثم له الاسترداد بحكم الرهن ولو امتنع الراهن من قبضه فله أن يجبره عليه قال الامام وفى كلام الشيخ أبى على ما يدل على أن للراهن أن يجبره على رده ثم يرده هو عليه ولكن القياس وبه قال القاضى انه ليس له ذلك إذ لا غرض له في تبرئة ذمة المرتهن * ولو أودع الغاصب المال المغصوب فوجهان (أحدهما) أنه لا يبرأ من الضمان كما في الرهن منه (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يبرأ لان مقصود الايداع الائتمان الجزء: 10 ¦ الصفحة: 72 والضمان والامانة لا يجتمعان ولهذا لو تعدى المودع في الوديعة ارتفعت الوديعة ويخالف الرهن لان الغرض منه التوثيق الا أن الامانة من مقتضاه وهو مع الضمان قد يجتمعان على مابينا * ولو أجر العين المغصوبة منه فوجهان مرتبان على الايداع والاجارة أولى أن لا تفيد البراءة وهو الظاهر لانه ليس الغرض منها الائتمان بخلاف الوديعة * ولو وكله ببيع العبد المغصوب أو اعتاقه فوجهان مرتبان على الاجارة وأولى بعدم افادة البراءة لان في عقد الاجارة تسليطا على القبض والامساك والتوكيل بخلافه ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب وجهان في مسألتي الاجارة والتوكيل - بالواو - للطريقة القاطعة بالمنع المتولدة من ترتيب الخلاف على الخلاف واليها أشار الاكثرون وفى معني الاجارة والتوكيل ما إذا قارضه على المال المغصوب أو كانت جارية فزوجها منه * ولو صرح بابراء الغاصب عن ضمان الغصب والمال باق في يده ففى براءته وصيرورة يده يد أمانة وجهان مبنيان على القولين في الابراء الجزء: 10 ¦ الصفحة: 73 عما لم يجب ووجد سبب وجوبه لان الغصب سبب وجوب القيمة عند التلف (والظاهر) عدم حصول البراءة * وربما استشهد من قال بعدم البراءة في الصورة السابقة بهذه الصورة فقال انشاء عقود الامانات ليس بآكد من التصريح بالابراء فإذا لم تحصل البراءة به فتلك العقود أولى (وأما قوله) وكذا في براءة المستعير فصورته ما إذا رهن المعير العارية من المستعير ولزم الرهن كما سبق ففى البراءة عن ضمان العارية وجهان عن حكاية صاحب التقريب (أصحهما) أنه لا يبرأ كما لا يبرأ عن ضمان الغصب (والثانى) يبرأ لان ضمان العارية اخف أمرا من ضمان الغصب لان اليد فيها مستندة إلى رضي المالك * ورهن المقبوض على سبيل السوام والشراء الفاسد من المستام والمشتري كرهن العارية من المستعير * قال (أما الطوارئ قبل القبض * فكل ما يزيل الملك فهو رجوع * والتزويج ليس برجوع * واجارته جوع (ان قلنا) إنها تمنع من البيع * والتدبير رجوع على النص * وعلى التخريج لا) * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 74 القسم الثاني من الباب القول في الطوارئ التي يتأثر العقد بطروها قبل القبض وهى ثلاثة أنواع (الاول) ما ينشئه الراهن من النصرفات وكل ما يزيل الملك كالبيع والاعتاق والاصداق وجعله أجرة في اجارة فإذا وجد قبل القبض فهو رجوع عن الرهن وفى معناه الرهن والهبة من غيره مع القبض وكتابة العبد ووطئ الجارية من الاحبال والوطئ من غير احبال ليس برجوع وكذا التزويج إذ لاتعلق له بمورد الرهن بل رهن المزوجة ابتداء جائز (وأما) الاجارة ان قلنا ان رهن المكري وبيعه جائز فهو كالتزويج وإلا فهى رجوع وحكى الامام وجها آخر أنها ليست برجوع بحال كما لو دبر العبد المرهون والنص أنه رجوع وخرج الربيع قولا أنه ليس برجوع ولهذا مأخذان (احدهما) البناء على النص والتخريج في رهن المدبر (والثانى) توجيه التخريج باسكان الرجوع عن التدبير ووجه النص وهو الاظهر بمنافاة مقصود التدبير لمقصود الرهن واشعاره بالرجوع ولا يخفى عليك بعد معرفة هذه الصور ان (قوله) في الكتاب وما لا يزيل كالتزويج ليس بوجوع غير معلول به على اطلاقه (وان قوله) وجارته رجوع يجوز اعلامه - بالواو - والله تعالى أعلم * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 75 قال (والنص أنه ينفسخ بموت الراهن ولا ينفسخ بموت المرتهن * فقيل قولان بالنقل والتخريج لتردد الرهن بين البيع الجائز والوكالة * وقيل بالفرق لان ركن الرهن من جانب الراهن المعين وهو متعلق حق الورثة والغرماء * وركنه من جانب المرتهن دينه وهو باق بحاله بعد وفاته والاظهر أنه لا ينفسخ بجنون العاقدين * وبالحجر عليهما بالتبذير) * (والنوع الثاني) ما يعرض للمتعاقدين من الحالات وفيه ثلاث صور (إحداها) نص في المختصر أن الرهن لا يبطل بموت المرتهن قبل القبض ونقل نص أنه يبطل بموت الراهن وفيهما طرق (أظهرهما) أن في موتهما قولين نقلا وتخريجا (أحدهما) أنه يبطل بموت كل واحد منهما لانه عقد جائز والعقود الجائزة ترتفع بموت العاقدين كالوكالة (وأصحهما) أنه لا يبطل لان مصيره إلى اللزوم فلا يتأثر بموتهما كالبيع في زمان الخيار (والثانى) تقرير النصين وبه قال أبو إسحق وفرقوا بأن المرهون بعد موت الراهن ملك الورثة ومتعلق حق الغرماء ان كان له غريم أخر وفى استيفاء الرهن اضرار بهم وفى صورة موت المرتهن يبقي الدين كما كان وانما ينتقل الاستحقاق فيه الي الورثة وهم محتاجون إلى الوثيقة حاجة مورثهم (والثالث) القطع بعدم البطلان سواء مات الراهن أو المرتهن وبه قال القاضى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 76 أبو حامد * ومن قال بهذا أول ما نقل في موت الراهن * وإذا أبقينا الرهن قام ورثة الراهن مقامه في الاقباض وورثة المرتهن مقامه في القبض ووراء هذا في المسألة شيئان (أحدهما) اختلف المثبتون للقولين في موضعهما فقال ابن أبى هريرة موضع القولين رهن التبرع (وأما) الرهن المشروط في البيع فانه لا يبطل بالموت قطعان لتأكده بالشرط واقترانه بالبيع اللازم فلا يبعد أن يكتسب منه صفة اللزوم وقال أبو الطيب بن سلمة القولان جاريان في النوعين وهو المشهور وسواء قلنا بالبطلان أو قلنا إنه لا يبطل ولم يتحقق الوفاء بالرهن المشروط فيثبت الخيار في البيع (والثانى) لك أن تستخرج الخلاف في طرف موت الراهن من أصل سيأتي وهو أن التركة التى تعلقت بها الديونه حكمها حكم المرهون أم لا (إن قلنا) نعم فقد أخذ جميع التركة حكم المرهون ولغا العقد السابق (وان قلنا) لابقى الرهن لظهور فائدته ويجوز أن يعكس فيقال ان قلنا يأخذ حكم المرهون بقي الرهن لتأكده بما عرض وان قلنا لالغا العقد السابق كيلا يتضرر الورثة * (الصورة الثانية) لوجن أحد المتعاقدين الجزء: 10 ¦ الصفحة: 77 أو أغمى عليه قبل القبض ترتب ذلك على الموت (إن قلنا) لا يؤثر الموت فالجنون أولي (وإن قلنا) يؤثر ففى الجنون وجهان (فإذا قلنا) لا يبطل الرهن فان جن المرتهن قبض الرهن من ينصبه القاضى قيما في ماله فان لم يقبضه الراهن وكان الرهن مشروطا في بيع فعل ما فيه الحظ من الفسخ والاجازة * وان جن الراهن فان كان الرهن مشروطا في بيع وخاف القيم فسخ؟ المرتهن لو لم يسلمه والحظ في الامضاء سلمه وان لم يخف أو كان الحظ في الفسخ لم يسلمه وكذا لو كان الرهن رهن تبرع هكذا اطلقوه وهو محمول على ما إذا لم تكن ضرورة ولا غبطة لانهما يجوزان رهن مال المجنون ابتداء فالاستدامة أولي (الثالثة) لو طرأ الحجر على أحدهما لسفه أو فلس فهو لو كما طرأ الجنون لكن الخلاف فيه بالترتيب لان السفه لا يوجب سقوط العبارة رأسا والجنون بوجه * قال (وفى انفساخه بانقلاب العصير خمرا * وباباق العبد وجنايته وجهان أيضا * ولا يجوز اقباضه وهو خمر فلو انقلب خمرا بعد القبض خرج عن كونه مرهونا * فإذا عاد خلا عاد مرهونا (و) *) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 78 (النوع الثالث) ما يعرض في المرهون وفيه صور (إحداهما) أنه لورهن عصيرا وأقبضه فانقلب في يد المرتهن خمرا فلا نقول بانها مرهونة وللاصحاب عبارتان قالت شرذمة يتوقف أن عاد خلا بان أن الرهن لم يبطل والابان انه يبطل وقال الجمهور يبطل الرهن لخروجه عن كونه الا ولا خيار للمرتهن ان كان الرهن مشروطا في بيع لحدوثه في يده ثم إذا عاد خلا يعود الرهن كما يعود الملك وحكى القاضى ابن كج عن أبى الطيب بن سلمة أنه يجئ فيه قول آخر أنه لا يعود الرهن إلا بعقد جديد وادعى انه مذهب أبي حنيفة وكان هذا النقل لم يبلغ القاضى الحسين فقال على سبيل الاحتمال يجوز أن يجعل هذا على قياس عود الخبث ويخرج فيه مثل ذلك الخلاف (والمذهب الاول) وهو عود الرهن وتبين بذلك أنهم لم يريدوا؟ ببطلان الرهن اضمحلال أثره بالكلية وانما أرادوا ارتفاع حكمه مادامت الخمرية * ولو رهن شاة فماتت في يد المرتهن فدبغ جلدها فوجهان (أحدهما) وبه قال ابن خيران واختاره القاضى الروياني أنه يعود الرهن كما لو انقلبت الخمر خلا (وأظهرهما) عند الجزء: 10 ¦ الصفحة: 79 الاكثرين لا يعود لان ماليته مجلوبة بالصنعة والمعالجة وليس العائد ذلك المالك * ولو انقلب العصير المرهون خمرا قبل القبض ففى بطلان الرهن البطلان الكلى وجهان (أحدهما) نعم لاختلال المحل في حال ضعف الرهن وجوازه (والثانى) لا كما لو تخمر بعد القبض وقبضه ايرا - الائمة ترجيح هذا الوجه لانهم قرنوا هذا الخلاف من الخلاف في صورة عروض الجنون أو بنوه عليه فقالوا ان ألحقنا الرهن بالوكالة بطل بعروض الجنون وانقلابه خمرا قبل القبض وان ألحقناه بالبيع الجائز لم يبطل وقد مر أن الثاني أظهر قال في التهذيب وعلى الوجهين لو كان الرهن مشروطا في بيع ثبت للمرتهن الخيار لان الخل انقص من العصير ولا يصح الاقباض في حال الشدة ولو فعل وعاد خلا فعلى الوجه الثاني لابد من استئناف قبض وعلى الاول لابد من استئناد عقد * ثم القبض فيه على ما ذكرنا في انقلاب العصير المرهون خمرا قبل القبض * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 80 (فرع) إذا انقلب المبيع خمرا قبل القبض فالكلام في انقطاع البيع وعوده إذا عاد خلا على ما ذكرنا في انقلاب العصير المرهون خمرا بعد القبض (الصورة الثانية) إذا جنى العبد المرهون قبل القبض وتعلق الارش برقبته وقلنا رهن الجاني ابتداء فاسد فعن الشيخ أبى على أن في بطلان الرهن وجهين الحاقا للجناية بتخمير العصير والجامع عروض الحالة المانعة من ابتداء الرهن قبل استحكام العقد وهذه الصورة أولى بانه لا يبطل الرهن فيها لدوام الملك في الجاني بخلاف الخمر (الثالثة) إذا أبق العبد المرهون قبل القبض قال الامام يلزم على مساق ما سبق تخريج وجهين فيه لانتهاء المرهون إلى حالة يمنع ابتداء الرهن فيها (وقوله) في الكتاب وجنايته وجهان يجوز أعلامه بالواو لان الخلاف في صورة الجناية يتفرع على منع رهن الجاني (أما) إذا جوزناه لا يأتي هذا الخلاف بحال (وقوله) عاد مرهونا معلم بالواو لما قدمناه * قال (والتخليل بالقاء الملح فيه (ح) حرام لحديث أبى طلحة * وبالامساك غير محرم * وكذا بالنقل من ظل إلى شمس على الاصح) * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 81 أشار في المختصر إلى منع التخليل في هذا الموضع وتأسى به أكثر الاصحاب فذكروا مسائله ههنا وأول ما ينبغى أن يعرف أن الخمر قسمان خمر محترمة وهى التى اتخذ عصيرها لتصير خلا وانما كانت محترمة لان اتخاذ الخل جائز بالاجماع ولن ينقلب العصير إلى الحموضة الا بتوسط الشدة فلو لم تحترم واريقت في تلك الحالة لتعذر ايجاد الخل وخمرة غير محترمة وهى التي اتخذ عصيرها لغرض الخمرية وفى كل واحد من القسمين ثلاث مسائل (احداها) تخليل الخمر بطرح العصير أو الخل أو الخبز الحار أو غيرها فيها حزام والخل الحاصل نجس وبه قال أحمد خلافا لابي حنيفة وعن مالك روايتان (احداهما) كمذهبنا (والاخرى) انه يكره ولكن لو فعل جاز * لنا ما روى عن أنس رضى الله عنه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 82 قال (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتخذ الخمر خلا قال لا) وروى أن أبا طلحة رضى الله عنه (سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عندي خمور لايتام فقال ارقها فقال أفأخللها قال لا) وإذا حرم التخليل كان الخل الحاصل نجسا لان الفعل الحرام لا يستباح به الغير المحظور كاصطياد المحرم وأيضا فان المطروح في الخمر ينجس بملاقاتها وتستمر نجاسته إذ لا مزيل لها ولا ضرورة إلى الحكم بانقلابه طاهرا بخلاف آخر الدن ولا فرق في هذه المسألة بين المحترمة وغيرها وحكى الامام عن بعض الاصحاب جواز تخليل المحترمة لانها غير مستحقة للاراقة والمذهب الاول وفى حديث أبى طلحة رضى الله عنه   (حديث) أنس سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتخذ الخمر خلا قال لا مسلم من حديثه * (حديث) أن أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عندي خمور لا يتام فقال أرقها قال الا أخللها قال لا: أحمد وأبو داود والترمذي من حديث أنس وقد روى من حديث أنس عن أبى طلحة وأصله في مسلم (تنبيه) روى البيهقى من حديث جابر مرفوعا ما أفقر أهل بيت من آدم فيه خل وخير خلكم خل خمركم وفي سنده المغيرة بن زياد وهو صاحب مناكير وقد وثق والراوي عنه حسن بن قتيبة؟ قال الدارقطني متروك وزعم الصغانى أنه موضوع وتعقبته عليه وقال ابن الجوزى في التحقيق لا أصل له قال البيهقى أهل الحجاز يسمون خل العنب خل الخمر * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 83 كانت تلك الخمور محترمة لانها كانت مباحه متخذة قبل ورود التحريم وهل يفرق بين الطرح بالقصد وبين أن يتفق بغير قصد كطرح ريح فيه اختلاف للاصحاب مبني على أن المعني تحريم التخليل أو نجاسة المطروح فيه والا ظهر أن لا فرق هذا إذا كان الطرح في حال التخمير أما إذا طرح في العصير بصلا أو ملحا واستعجل به الحموضة بعد الاشتداد فوجهان (أحدهما) انه إذا تخلل كان طاهرا لان ما لاقاه إنما لافاه قبل التخمير فطهر بطهارته كأجزاء الدن (والثانى) لا لان المطروح فيه ينجس عند التخمير وتستمر نجاسته بخلاف اجزاء الدن للضرورة قال في التهذيب وهذا أصح ولو طرح العصير على الخل وكان العصير غالبا ينغمر الخل فيه عند الاشتداد فهل يطهر إذا انقلب خلا فيه هذان الوجهان ولو كان الغالب الخل وكان يمنع العصير من الاشتداد فلا بأس (المسألة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 84 الثانية) امساك الخمر المحترمه إلى أن تصير خلا جائز والتى لا تحترم تجب اراقتها لكن لو لم يرقها حتى تخللت فهى طاهرة أيضا لان النجاسة والتحريم انما ثبتا للشدة وقد زالت هذا ما به الفتوى وحكى الامام رضى الله عنه عن بعض الخلافيين انه لا يجوز امساك الخمرة المحترمة بل يعرض عن العصير إلى أن يصير خلا فان أتفقت منا اطلاعه وهو خمر ارقناه وذكر الحناطي وجها انه لو أمسك التى لا تحترم حتى تخللت لم تحل ولم تطهر لان امساكها حرام فلا يستفاد به نعمة ومتى عادت الطهارة بالتخلل فتطهر اجزاء الظرف أيضا للضرورة وفى البيان أن الداركى قال ان كان الظرف بحيث لا يتشرب شيئا من الخمر كالقوارير طهر وان كان مما يتشرب لم يطهر ولنذهب الاول وكما يطهر ما يلاقى الخل بعد التخليل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 85 يطهر ما فوقه الذي أصابته الخمر في حالة الغليان ذكره القاضى الحسين وأبو الربيع الايلافى (الثالثة) لو كان ينقلها من الظل إلى الشمس أو يفتح رأسها ليصيبها الهواء استعجالا للحموضة فوجهان (أحدهما) لا تطهر كما لو طرح فيها شيئا وبهذا قال أبو سهل الصعلوكى (وأصحهما) أنه يطهر لزوال الشدة من غير نجاسة تخلفها وهذا في غير المحترمة وفى المحترمة؟ أولى بالجواز * واعلم أنه ليس في لفظ الكتاب تعرض لانقسام الخمر إلى محترمة وغيرها (وقوله) التخليل بالقاء الملح فيه حرام يمكن اجراؤه فيه على اطلاقه على ما بيناه لان الامساك حرام في غير المحترمة والاراقة واجبة والكلام في انه لو اتفق الامساك وتخللت هل تطهر هذا هو المشهور والذي في طريق الصيدلانى من تجوز الامساك على قصد أن لا يصير الجزء: 10 ¦ الصفحة: 86 خلا وعدم وجوب الاراقة فهو مما يستغرب فإذا هو مخصوص بالمحترمة لكنه غير مستحسن من جهة النظم لانه علي خلاف ما قبله وما بعده وليس في اللفظ ما يدل عليه * (فرع) عن الشيخ أبى علي ذكر تردد في بيع الخمرة المحترمة بناء على التردد في طهارتها وقد حكيناه في باب النجاسات والعناقيد إذا استحالت أجواف حباتها خمرا فعن القاضي وغيره ذكر وجهين في جواز بيعها اعتمادا على طهارة طاهرها في الحال وتوقع فائدتها في المآل وطردوهما في البيضة المستحيل باطنها دما والمذهب المنع * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 87 * (الباب الثالث في حكم المرهون بعد القبض) * < قال (وهو وثيقة لدين المرتهن في عين الرهن تمنع الراهن من كل ما يقدح فيه والنظر في أطراف ثلاثة (الاول) جانب الراهن * وهو ممنوع عن كل تصرف قولى يزيل الملك كالبيع والهبة * أو يزاحم حقه كالرهن من غيره * أو ينقص كالتزويج * أو يقلل الرغبة كالاجارة التي لا تنقضي مدتها قبل حلول الدين) * صدر الباب يشير إلى مقدمة مرشده إلى ضبط الاطراف التي يتضمنها والى جهة اقتضاء الدين لها وهى أن الرهن وثيقة لدين المرتهن في غير الرهن أو بدله وانما تحصل الوثيقة بالحجر عن الراهن وقطع سلطنة كانت له ليتحرك للاداء وتجدد سلطة المرتهن لم يكن ليتوسل بها إلى الاستيفاء ثم هذه الوثيقة ليست دائمة بل لها غاية ينتهى عندها وكلام الباب فيما ينقطع من سلطنة الراهن وفيما يحدث من سلطنة المرتهن وفى غاية الرهن فهى ثلاثة أطراف والذي يشتمل عليه الفصل من الطرف الاول ان الراهن يمنع من كل تصرف يزيل الملك وتنقل لمال الغير كالبيع والهبة ونحوهما لانا لو صححناها لفاتت الوثيقة ومنع مما يزاحم المرتهن في مقصود الرهن وهو الرهن من غيره ومن كل تصرف ينقص المرهون وتعلل؟ الرغبة فيه كالتزويج فان الرغبة في الجارية الخلية فوق الرغبة في المزوجة وعند أبى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 88 حنيفة يجوز التزويج (واما) الاجارة فينظر فان كان الدين حالا أو كان مؤجلا لكنه يحل قبل انقضاء مدة الاجارة فعن بعض الاصحاب فيما رواه ابن القطان بناء صحة الاجارة على القولين في جواز بيع المستأجر ان جوزناه صحت الاجارة والا فالمشهور بطلانها قطعا (أما) إذا لم نجوز بيع المستأجر فظاهر (وأما) إذا جوزناه فلان الاجارة تبقى وان صح البيع وذلك مما يقلل الرغبة ثم القائلون بالمنع لم يفصل الجمهور منهم وقال في التتمة يبطل في الاجل وفى الزائد على الاجل قولا تفريق الصفقة * وان كان الاجل يحل مع انقضاء مدة الاجارة أو بعدها صحت الاجارة ثم لو أتفق حلول الدين قبل انقضائها بموت الراهن فوجهان (أحدهما) أن تنفسخ الاجارة رعاية لحق المرتهن فانه أسبق ويضارب المستأجر الجزء: 10 ¦ الصفحة: 89 بالاجرة المدفوعة مع الغرماء (والثانى) وهو اختيار أبى الحسين أن المرتهن يصبر إلى انقضاء مدة الاجارة كما يصبر الغرماء إلى انقضاء العدة لتستوفى المعتدة حق السكني جمعا بين الحقين وعلى هذا يضارب المرتهن بدينه مع الغرماء في الحال * ثم إذا انقضت المدة وبيع المرهون قضى باقى دينه فان فضل شئ فهو للغرماء * هذا كله فيما إذا أجر المرهون من غير المرتهن (أما) إذا أجره منه فيجوز ولا يبطل به الرهن وكذا لو كان مكري منه ثم رهنه منه يجوز فلو كانت الاجارة قبل تسليم الرهن ثم سلمه عنهما جميعا جاز ولو سلم عن الرهن وقع عنهما جميعا لان القبض في الاجارة مستحق كذا قاله في التهذيب ولو سلمه عن الاجارة لم يحصل قبض الرهن وعند أبى حنيفة الرهن والاجارة لا يجتمعان والمتأخر منهما يرفع المتقدم ويبطله * لنا أن الاعارة من المرتهن لا تبطل الرهن فكذا الاجارة (وقوله) في الكتاب كل تصرف قولى أفهم بالقول ان ما يمنع منه الرهن من التصرفات بعضها قولى وبعضها ليس بقولى فانه قدم التصرفات القولية ثم تعرض لغيرها كالوطئ ويجوز اعلام قوله كالاجارة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 90 التى لا تنقضي مدتها قبل حلول الدين بالواو للطريقة التى قدمناها وفى هذه اللفظة شئ فان الاجارة التى لا تنقضي مدتها قبل حلول الدين تارة تنقضي مدتها بعد حلول الدين وتارة معه والثانية صحيحة فكان الاولى أن يقول كالاجارة التى لا تنقضي مدتها بعد حلول الدين واعلم أن ما قدمناه من منع الراهن من البيع ونحوه من التصرفات والحكم بابطالها هو المذهب الجديد وعلى القديم الذي يجوز وقف العقود تكون هذه التصرفات موقوقة على الانفكاك وعدمه ومال الامام إلى شئ آخر وهو يخريجها؟ على الخلاف في بيع المفلس ماله وسيأتى ذلك ان شاء الله تعالى * قال (وفى الاعتاق (ح) ثلاثة أقوال يفرق في الثالث بين الموسر والمعسر * فان نفذنا غرمناه وان لم ينفذ فالاقيس أن لا يعود العتق ان اتفق فكاك الرهن * وحكم التعليق مع الصفة في دوام الرهن حكم الانشاء * فان وجدت الصفة بعد فكاك الرهن نفذ على الاصح) * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 91 الفصل يتضمن مسألتين (مسألة) في اعتاق الراهن العبد المرهون منجزا (ومسألة) في تعليق اعتاقه (أما) الاولى فالمنقول عن القديم ومختصر المزني الجزم بأنه لا ينفذ ان كان الراهن معسرا وقولان ان كان موسرا وعن الجديد الجزم بنفوذه ان كان موسرا وان كان معسرا فقولان فإذا ضرب البعض بالبعض خرجت ثلاثة أقوال (أحدها) انه لا ينفذ بحال لان الرهن عقد لازم حجر به الراهن على نفسه فلا يتمكن من ابطاله مع بقاء الدين (والثاني) ينفذ لانه اعتاق صادف الملك فأشبه اعتاق المستأجر والزوجة وبه قال أبو حنيفة وأحمد الا أن أبا حنيفة يقول يستبقى العبد في قيمته ان كان الراهن معسرا (والثالث) وهو الاصح وبه قال مالك انه ان كان موسرا نفذوا لا فلا تشبيها لسريان العتق إلى حق المرتهن بسريانه من نصيب أحد الشريكين إلى الآخر والمعني فيه ان حق الوثيقة لا يتعطل ولا يتأخر إذا كان موسرا * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 92 (التفريع) ان قلنا لا ينفذ فالرهن بحاله فلو انفك بابراء أو غيره فقولان أو وجهان (أظهرهما) انه لا يحكم بنفوذه أيضا لانه لا يملك اعتاقه فأشبه ما إذا أعتق المحجور عليه بالسفه ثم زال الحجر (والثانى) يحكم بنفوذه لان المانع من النفوذ في الحال حق المرتهن وقد زال وقطع قاطعون بالثاني والخلاف فيه كالخلاف فيما إذا أعتق المحجور عليه بالفلس عبدا ثم انفك الحجر عنه ولم يتفق بيع ذلك العبد هل يعتق وان بيع في الذين ثم ملكه يوما لم يحكم بالعتق ومنهم من طرد فيه الخلاف المذكور في الصورة الاولى وعن مالك أنه يحكم بنفوذ العتق في الصورتين وان قلنا ينفذ العتق مطلقا فعلى الراهن قيمته باعتبار يوم الاعتاق ثم ان كان موسرا أخذت منه في الحال وجعلت رهنا مكانه وان كان معسرا انظر إلى اليسار فإذا أيسر أخذت منه وجعلت رهنا ان لم يحل الحق بعد وان حل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 93 طولب به ولا معنى للرهن هكذا قاله أصحابنا العراقيون ولك أن تقول كما أن ابتداء الرهن قد يكون بالحال وقد يكون بالمؤجل فكذلك قد تقتضي المصلحة أخذ القيمة رهنا وان حل الحق إلى أن يتيسر استيفاؤه وبتقدير صحة التفصيل الذى ذكروه وجب أن يجرى مثله في القيمة التى تؤخذ من الموسر ثم قال الامام ومهما بدل القيمة على قصد المغرم صارت رهنا ولا حاجة إلى عقد مستأنف والاعيان مقصد المؤدى ومتى كان المعتق موسرا أو التفريع على القول الثاني أو الثالث ففى وقت نفوذ العتق طريقان (أحدهما) وهو الذى أورده القاضى ابن كج أنه على الاقوال في وقت نفوذ العتق في نصيب الشريك إذا أعتق الشريك نصيبه ففى قول يتعجل وفى قول يتأخر إلى أن يغرم القيمة وفى قول يتوقف فإذا غرم أنفذنا العتق يقينا (وأظهرهما) القطع بنفوذه في الحال والفرق أن العتق ثم يسرى إلى ملك الغير ولابد من تقدير انتقاله إلى المعتق فجاز أن يقول انما ينتقل إذا استقر ملك الشريك ويده على العوض واعتاق الراهن يصادف ملكه * (وأما المسألة الثانية) فينظر ان علق عتق المرهون بفكاك الرهن نفذ عند الفكاك لان مجرد التعليق لا يضر بالمرتهن وحين ينزل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 94 العتق لا يبقى له حق وان علق بصفة أخرى فان وجدت قبل فكاك الرهن ففيه الاقوال المذكورة في التنجيز وان وجدت بعده فوجهان (أصحهما) النفوذ لانه لا يبطل حق المرتهن (والثانى) لا ينفذ أيضا لا للتعليق مطلقا كالتنجيز في قول والوجهان شبتهان بالخلاف فيما إذا قال العبد لزوجته ان فعلت كذا فأنت طالق ثلاثا ثم عتق ثم فعلته هل تقع الطلقة الثالثة لكن ذلك الخلاف جار وان علق بالعتق فقال ان عتقت فأنت طالق ثلاثا فلا خلاف في تعليق العتق بالفكاك أنه ينفذ عند الفكاك قال الامام والفارق أن الطلقة الثالثة ليست مملوكة للعبد ومحل العتق مملوك للراهن وانما منع لحق المرتهن ولعلك لاتنقاد لهذا الفرق وتقول العتق غير مملوك للراهن كما أن الطلقة الثالثة غير مملوكة للعبد ومحل الطلاق مملوك للعبد كما أن محل العتق مملوك للراهن فلا فرق والله أعلم * (فرعان) أحدهما لو رهن نصف عبده ثم أعتق نصفه نظر ان أضاف العتق إلى النصف المرهون ففيه الخلاف وان أضافه إلى النصف الآخر أو أطلق عتق ما ليس بمرهون وهل يسرى إلى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 95 المرهون ان جوزنا اعتاق المرهون فنعم والا فوجهان (أصحهما) انه يسرى أيضا لان أقصى مافى الباب تنزيل المرهون منزلة ملك الغير والعتق يسرى إلى ملك الغير وعلى هذا هل يفرق بين الموسر والمعسر قال في النهاية قال المحققون نعم وفى التتمة انه يسرى سواء كان له مال آخر اولم يكن لانه ملكه (الثاني) في وقف المرهون طريقان (أحدهما) أنه كالعتق لما فيه من الغرر والتعليق الذى لا يقبل النقض (وأظهرهما) القطع بالمنع ويفارق العتق لقوة العتق بالسراية وغيرها وقال المتولي (ان قلنا) الوقف لا يحتاج إلى القبول فهو كالعتق (وإن قلنا) يحتاج إليه فيعتق بالمنع وهذه طريقة ثالثة والله أعلم * قال (ويمنع من الوطئ خيفة الاحبال المنقص * والاحوط (و) حسم الباب وان كانت صغيرة (و) أو آيسة (و) * فان فعل فالولد نسيب * والاستيلاد مرتب (و) على العتق وأولى بالنفوذ لانه فعل * وقيل بنقيضه لان العتق منجز * ثم إذا انفك فالاصح عود الاستيلاد) * عرفت من قبل أن المذهب الصحيح جواز رهن الجوارى على الاطلاق وعلى هذا فلو كانت الجارية المرهونة بكرا فليس للراهن وطؤها بحال لان الافتضاض ينقص قيمتها وان كانت ثيبا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 96 فكذلك في سن تحبل لانهار ربما حبلت فتفوت الوثيقة أو تتعرض للهلاك في الطلق ولنقصان الولادة فليس له أن يقول أطأ وأعزل لان الماء قد يسبق وان كانت في سن لا تحبل لصغر أو إياس فوجهان (قال) أبو إسحق له أن يطأها كسائر الانتفاعات التى لا تضر بالمرتهن وهذا اختيار القاضى ابن كج وقال ابن أبى هريرة والاكثرون يمنع من وطئها احتياطا لجسم الباب إذ العلوق ليس له وقت معلوم وهذا كما أن العدة تجب على الصغيرة والآيسة وان كان القصد الاصلى استبراء الرحم ويجرى الوجهان فيما إذا كانت حاملا من الزنا لانه لا يخاف من وطئها الحبل نعم غشيان مثل هذه المرأة مكروه على الاطلاق فلو خالف ما ذكرناه ووطئ فلا حد ولامهر ولكن عليه ارش البكارة إذا افتض أما أنه لاحد ولامهر فلانه أصاب ملكه ويخالف مالو وطئ المكاتبة حيث يغرم المهر لها لان المكاتبة قد استقلت الجزء: 10 ¦ الصفحة: 97 واضطرب الملك فيها اوزال ولهذا لو وطئها أجنبي كان المهر لها ولو وطئ المرهونة أجنبي كان المهر للسيد وأما وجوب ارش البكارة فلان لافتضاض إتلاف جزء ثم ان شاء جعله رهنا وان شاء صرفه إلى أداء الدين وإذا أولدها فالولد نسيب حرولا قيمة عليه لان المرتهن لاحق له في ولد المرهونة بحال وهل تصير أم ولد له فيها الاقوال المذكورة في الاعتاق ثم منهم من جعل الخلاف بالترتيب واختلفوا في كيفيته فقال أبو إسحق والاكثرون الاستيلاد أولى بالنفوذ لانه فعل والافعال أقوى وأشد نفوذا ولهذا ينفذ استيلاد المجنون والمحجور عليه ولا ينفذ إعتاقهما وينفذ استيلاد المريض من رأس المال واعتقاه من الثلث وقال آخرون الاستيلاد أولى بعدم النفوذ لانه لا يفيد حقيقة العتق وانما يثبت به حق العتق وحق العتق دون حقيقة العتق المنجزة فكان العتق أولى بالنفوذ ومنهم من امتنع من الترتيب وسوى بينهما التعارض المعنيين وبه قال الشيخ أبو حامد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 98 ويخرج من هذه الاختلافات ثلاثة طرق كما أفصح بها صاحب التتمة (أظهرها) طرد الخلاف (والثانى) القطع بنفوذ الاستيلاد (والثالث) القطع بعدمه * (التفريع) ان قلنا ينفذ الاستيلاد فعليه القيمة والحكم على ما مر في العتق وان قلنا لا ينفذ فالرهن بحاله فلو حل الحق وهى حامل بعد لم يجز بيعها لانها حامل بحر وفيه وجه آخر وقد ذكرنا ذلك في البيع فإذا ولدت فلا تباع حتى تسقى ولدها اللبأ وإذا سقته ولم توجد مرضعة فلا تباع حتى توجد مرضعة خوفا من أن يسافر بها المشترى لو بيعت فيهلك الولد وإذا وجدت مرضعة فتباع الجارية ولا يبالى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 99 بالتفريق بين الام والولد للضرورة فان الولد حر وبيعه ممتنع * ثم ان كان الدين يستغرق قيمتها بيع؟ كلها والا بيع منها بقدر الدين وان أفضى التشقيص إلى نقصان رعاية لحق الاستيلاد ويخالف ما إذا اتفق مثل ذلك في العبد القن بأن كانت قيمته مائة وهو مرهون بخمسين وكان لا يشترى نصفه إلا بأربعين ويشترى الكل بمائة حيث يباع الكل دفعا للضرر عن المالك وان لم يوجد من يشترى البعض بيع الكل للضرورة * وإذا بيع منها بقدر الدين انفك الرهن عن الباقي واستقر الاستيلاد وتكون النفقة على المشترى والمستولد بحسب النصيبين والكسب بينهما كذلك ومهما عادت إلى ملكه بعد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 100 ما بيعت في الدين فهل يحكم بنفوذ الاستيلاد فيه طريقان (أظهرهما) أنه على قولين كما لو استولد جارية الغير بالشبهة ثم ملكها اختار المزني أنه لا يحكم به (والمذهب) المنصوص انه يحكم وفى مثل هذه الصورة في الاعتاق ذكرنا أن الاظهر عدم نفوذ العتق والفرق ان الاعتاق قول يقتضى العتق في الحال فإذا رد لغا بالكلية والاستيلاد فعل لا يمكن رده وانما منع حكمه في الحال لحق الغرماء فإذا زال حق الغير عمل عمله (والطريق الثاني) القطع بنفوذ الاستيلاد لوقوعه في الملك بخلاف استيلاد جارية الغير بالشبهة * ولو انفك الرهن عنها ولم يتفق بيعها بعد الاستيلاد ومنهم من خرجه على الخلاف المذكور فيما إذا بيعت ثم عادت إليه وعلى الخلاف المذكور في نظيره من الاعتاق (والمذهب) الاول ويفارق مااذا بيعت وعادت لان الملك ههنا هو الملك الذى تصرف فيه ويفارق الاعتاق لما سبق الجزء: 10 ¦ الصفحة: 101 وليس للراهن أن يهب هذه الحاربة للمرتهن وانما تباع في الحق للضرورة وهذا معنى قول الائمة ان الاستيلاد ثابت في حق الراهن والخلاف في أنه أنه هل يثبت في حق المرتهن والله أعلم * (وقوله) في الكتاب مرتب على العتق يجوز اعلامه بالواو للطريقة الثانية للترتيب وكذا قوله والاصح عود الاستيلاد للطريقه النافية للخلاف وليس لفظ العود ههنا مستعملا في حقيقته فانه يستدعى ثبوتا في الابتداء وزوالا وليس الاستيلاد كذلك * قال (ولو ماتت بالطلق فعليه القيمة لانه مهلك بالاحبال * وكذا إذا وطئ أمة الغير بشبهة ولا يضمن الزوج زوجته به * وكذلك الزانى بالحرة لان الاستيلاد كأنه اثبات يد وهلاك تحت اليد المستولية علي الرحم والحرة لا تدخل تحت اليد والا فمجرد السبب ضعيف * ولذلك قيل على رأى يجب أقصى القيم من يوم الاحبال إلى الموت * وقيل يعتبر يوم الاحبال * وقيل يوم (ح) الموت الجزء: 10 ¦ الصفحة: 102 ولا يمنع من الانتفاع (ح) بسكنى الدار * أو استكساب العبد * أو استخدامه * أو انزاء الفحل على الاناث ان لم ينقص قيمته) * إذا ماتت الجارية التى أولدها الراهن بالولادة والتفريع على أن الاستيلاد غير نافذ فعليه قيمتها لتكون رهنا مكانها لانه تسبب إلى إهلاكها بالاحبال لاعن استحقاق والضمان كما يجب بالمباشرات يجب بالاسباب كحفر البئر ونحوه وعن أبى على الطبري وغيره وجه أنه لا تجب عليه القيمة لان إضافة الهلاك إلى الوطئ بعيدة واحالته على علل وعوارض تقتضي شدة الطلق أقرب وأظهر والمذهب المشهور الاول * ولو أولد أمة الغير بالشبة وماتت بالولادة ففي وجوب القيمة هذا الخلاف ولو كانت حرة ففى وجوب الدية وجهان (قال) الامام أقيسهما الوجوب لان طريق وجوب الضمان لا يختلف بالرق والحرية (وأشهرهما) المنع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 103 لان الوطئ سبب ضعيف وانما أوجبنا الضمان في الامة لان الوطئ استيلاء عليها والعلوق من آثاره فادمنا به اليد والاستيلاء كما إذا نفر المحرم صيدا فبقى نفاره إلى التغير والهلاك والحرة لا تدخل تحت اليد والاستيلاء ولو أولد امرأة بالزنا وهى مكرهة فماتت بالولادة فقد روي الشيخ أبو حامد في وجوب الضمان قولين حرة كانت أو أمة (أحدهما) يجب لما سبق (وأصحهما) المنع لان الولادة في الزنا لاتنضاف إلى وطئه لان الشرع قطع سبب الولد عنه ولا خلاف في عدم وجوب الضمان عند موت الزوجة من الولادة لتولد الهلاك عن مستحق وحيث أوجبنا الضمان في الحرة فهو الدية مضروبة على العاقلة وحيث أوجبنا القيمة فالاعتبار بأية قيمة فيه ثلاثة أوجه (أحدها) باقصى القيم من يوم الاحبال إلى الموت تنزيلا له منزلة الاستيلاد والغصب (وثانيها) وبه قال ابن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 104 أبى هريرة بقيمة يوم الموت لان التلف حينئذ متحقق (وأصحهما) بقيمة يوم الاحبال لانه سبب التلف فصار كما لو جرح عبدا قيمته مائة وبقى مثخنا حتى مات وقيمته عشرة فان الواجب مائة ويقال ان ابن أبى هريرة ألزم هذه المسألة فمنعها وطرد قياسه ولا يخفى بعده * ولو لم تمت الجارية ونقصت قيمتها بالولادة فعليه الارش ليكون رهنا معها وله ان يصرف القيمة أو الارش إلى قضاء الحق ولا يرهن * قال (ولا يمنع من الانتفاع (ح) بسكنى الدار أو استكساب العبد أو استخدامه أو انزاء الفحل علي الاناث ان لم ينقص قيمته) * افتتح الكلام في نوع آخر من تصرفات الراهن وهو ما سوى الوطئ من الانتفاعات وجملته أن المنافع التى لا يضر استيفاؤها بالمرتهن لا تعطل من المرهون بل هي مستوفاة للراهن خلافا لابي حنيفة حيث قال هي معطلة وروى في الشامل عن مالك مثل مذهبنا وعن أحمد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 105 اختلاف رواية * لنا ماروى أنه صلى الله عليه وسلم قال (الظهر يركب إذا كان مرهونا وعلى الذى يركبه نفقته) وروى أنه قال (الراهن محلوب ومركوب) وفى الفصل صور (احداها) يجوز السكني في الدار وركوب الدابة واستكساب العبد ولبس الثوب المرهونة إلا إذا كان مما ينقص باللبس (الثانية) الفحل المرهون يجوز انزاؤه على الاناث كالركوب إلا إذا أثر ذلك في القيمة والانثى يجوز الانزاء عليها كذلك ان كان يحل الدين قبل ظهور الحمل أو تلد قبل حلول الدين فأن كان يحل بعد ظهور الحمل وقبل الولادة فان قلنا الحمل لا يعرف جاز أيضا لانها تباع مع الحمل وان قنا بفرق وهو الصحيح لم يجز لانه لا يمكن بيعها دون الحمل والحمد غير مرهون (الثالثة) لبس للراهن أن يبني في الارض المرهونة ولا أن يغرس لانه ينقص قيمة الارض   (حديث) الظهر يركب إذا كان مرهونا وعلى الذى يركبه نفقته البخاري ن م حديث الشعبي؟ عن أبى هربرة به وأتم منه ولفظه الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذى يركب ويشرب النفقة ورواه ابو داود بلفظ يحلب مكان يشرب * (حديث) الرهن مركوب ومحلوب الدارقطني والحاكم من طريق الاعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة واعل بالوقف وقال ابن أبى حاتم قال أبى رفعه مرة ثم ترك الرفع بعدور جح الدارقطني ثم البيهقي رواية الشافعي عن سفيان عن الاعمش عن أبى صالح عن ابى هريرة * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 106 وفي النهاية ذكر وجه أنه يجوز ان كان الدين مؤجلا وزرع ما ينقص قيمة الارض لاستيفاء قوتها ممنوع وما لا ينقص ان كان بحيث يحصد قبل حلول الاجل فلا منع منه ثم ان تأخر الادراك لعارض ترك إلى الادرك وان كان بحيث يحصد بعد الحلول أو كان الدين حالا منع منه لنقصان الرغبة في الارض المزروعة وعن الربيع حكاية قول أنه لايمنع منه لكن يجبر على القلع عند الحلول إن لم يف بيعها مزروعة دون الزرع بالدين وفى هذا إلتفات إلى أن الارض المزروعة هل يجوز بيعها أم لا ولو خالف ما ذكرناه فغرس أو زرع حيث منعناه منه فلا يقلع قبل حلول الاجل فلعله يقضى الدين من موضع آخر وفيه وجه أنه يقلعه وبعد حلول الدين ومساس الحاجة إلى البيع يقلع ان كانت قيمة الارض لاتفى بدينه وتزداد قيمتها بالقلع نعم لو صار الراهن محجوزا عليه بالافلاس ففى القلع وجهان بخلاف مالو نبت النخل من النوى في حميل السيل حيث جزمنا بأنه لا يقلع في مثل هذه الحالة لانا منعناه ههنا فخالف كذا قاله الامام * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 107 قال (ويمنع عن المسافرة به لعظم الحيلولة كما يمنع زوج الامة عن السفر بها * بخلاف الحر فانه يسافر بزوجته * وان أمكن استكساب العبد في يده لم ينتزع من يده جمعا بين الحقين * ومهما انتزع فعليه الاشهاد * إلا أن يكون عدالته ظاهرة ففى تكليفه ذلك خلاف) * أصل الفصل أن اليد على المرهون مستحقة المرتهن فانها الركن الاعظم وفى التوثق مما لا منفعة به مع بقاء عينه كالنقود والحبوب لا تزال يد المرتهن عنه وإن أمكن تحصيل الغرض مع بقائه في يد المرتهن يصار إليه جمعا بين الحقين وإنما تزال يده عند اشتداد الحاجة إليه * إذا عرفت ذلك فان كان العبد محترفا وتيسر استكسابه هناك ولم يخرج من يده إن أراد الراهن الاستكساب وان أراد استخدام أو الركوب أو شيئا من الانتفاعات التى يحوج استيفاؤها إلى إخراجه من يده فعن رواية صاحب التقريب قول قديم أنه لا يخرج من يده ولانوهن وثيقته والمشهور أنه يخرج ثم ينظر إن استوفى تلك المنافع باعارة من عدل أو إجارة بالشرط الذى سبق فله ذلك وأن أراد استيفاءها بنفسه قال في الام له ذلك ومنع منه في القديم فحمل حاملون الاول على الثقة المأمون جحوده والثانى على غيره فأجراهما مجرون قولين مطلقين ووجهوا الثاني بما يخاف من جحوده وخيانته لو سلم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 108 إليه والاول بان ماله استيفاؤه بغيره له استيفاؤه بنفسه ويشبه أن يكون هذا اظهر ويتفرع عليه ما نقله امام الحرمين وصاحب الكتاب وهو أنه ان وثق المرتهن بالتسليم فذاك والا أشهد عليه شاهدين أنه يأخذه للانتفاع فان كان مشهور العدالة موثوقا به عند الناس فوجهان (اشبههما) أنه يكتفى بظهور حاله ولا يكلف الاشهاد في كل اخذه لما فيه من المشقة ويزداد في أخذ الجارية للاستخدام نظر آخر وهو أن الراهن انما يمكن منه إذا أمن غشيانه اياها بأن كانت محر ماله أو كان ثقة وله اهل كما تقدم نظيره ثم ان كان اخراج المرهون من يد المرتهن لمنفعة يدام استيفاؤها فذاك فان كان لمنفعة تستوفى في بعض الاوقات كالاستخدام والركوب فتستوفى نهارا وترد إلى المرتهن ليلا * وليس للراهن أن يسافر بالمرهون بحال طال سفره أم قصر لما فيه من الخطر والحيلولة القوية من غير ضرورة ولمثل هذا منع زوج الامة من المسافرة بها وانما جاز لسيدها أن يسافر بها لحقه المتعلق بالرقبة ولئلا يتكاسل في تزويجها ويجوز للحر أن يسافر بزوجته رعاية لمصالح النكاح التى لها فيها الجزء: 10 ¦ الصفحة: 109 الحظ * الوافر واعلم أن لفظ الكتاب ههنا وفى الوسيط يدل على أنه لا ينزع العبد من يد المرتهن إذا أمكن استكسابه وان طلب الراهن منه الخدمة ولم يتعرض الاكثرون لذلك وقضية كلامهم أن له أن يستخذم مع إمكان الاستكساب والله تعالى أعلم * (فرع) لا تزال يد البائع عن العبد المحبوس بالثمن للانتفاع لان ملك المشترى غير مستقر قبل القبض وملك الراهن مستقر وهل يستكسب في يده للمشترى أم تعطل منافعه فيه اختلاف للاصحاب * قال (وكل ما منع منه فإذا أذن المرتهن جاز لان الحق لا يعدوهما * ثم إذا أذنه في العتق سقط الغرم عنه * وفى البيع قبل حلول الاجل يمنع (ح) تعلقه بالثمن * وله الرجوع قبل البيع وكذا إذا أذن في الهبة ووهب ولم يقبض فله الرجوع * ولو شرط في الاذن في البيع جعل المثن رهنا لم يجز ذلك في الاصح لانه نقل للوثيقة * ولو شرط أن يعجل حقه من الثمن فسد الاذن (و) لانه أذن بعوض فاسد * بخلاف مالو شرط لوكيله أجرة من ثمن ما يبيعه إذ ليس العوض ههنا في مقابلة الاذن) * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 110 الفصل يشتمل على قاعدتين (إحداهما) التصرفات التى يمنع منها الراهن لحق المرتهن إذا اقترنت باذن المرتهن نفذت فإذا أذن له في الوطئ حل له الوطئ ثم إن وطئ ولم يحبل فالرهن بحاله وان أحبل أو أعتق أو باع بالاذن نفذت هذه التصرفات وبطل الرهن * ويجوز أن يرجع المرتهن عن الاذن قبل تصرف الراهن كما يجوز للمالك أن يرجع قبل تصرف الوكيل فإذا رجع فالتصرف بعده كما لو لم يكن إذن ولو أذن في الهبة والاقباض ورجع قبل الاقباض صح وامتنع الاقباض لان تمام الهبة بالاقباض ولو أذن في البيع فباع الراهن بشرط الخيار فرجع المرتهن فوجهان (أحدهما) يصح رجوعه لان العقد لم يلزم بعد كالهبة قبل الاقباض (وأصحهما) المنع لان مبنى البيع على اللزوم والخيار دخيل وانما يظهر أثره في حق من له الخيار وفى الهبة الركن الاقوى انما هو الاقباض * ولو الجزء: 10 ¦ الصفحة: 111 رجع المرتهن ولم يعلم به الراهن فتصرف ففى نفوذه وجهان مبنيان على أن الوكيل هل ينعزل بالعزل قبل بلوغ الخبر (الاصح) الانعزال * ومهما أحبل أو أعتق أو باع وقال فعلته بالاذن وأنكر المرتهن فالقول قوله مع يمينه لان الاصل عدم الاذن وبقاء الرهن فان حلف فهو كما لو تصرف بغير اذنه وان نكل فحلف الراهن فهو كما لو تصرف باذنه فان نكل فهل يرد اليمين على الجارية أو العبد فيه طريقان (إحداهما) وبه قال ابن القطان فيه قولان كما لو نكل الوارث عن يمين الرد هل يحلف الغرماء (وأشبههما) وبه قال أبو إسحق وأبو حامد القطع بالرد لان الغرماء يثبتون الحق للميت الجزء: 10 ¦ الصفحة: 112 أولا والجارية والعبد يثبتان لانفسهما ولو وقع هذا الاختلاف بين المرتهن وورثة الراهن حلفوا يمين الرد على البت وهل يثبت اذن المرتهن برجل وامرأتين حكى القاضى ابن كج فيه وجهين والقياس المنع كالوكالة والوصاية ولو حصل عند الجارية المرهونة ولد فقال الراهن قد وطئتها باذنك فأتت بهذا الولد منى وهي أم ولد وقال المرتهن بل هو من زوج أو زنا فالقول قول الراهن بعد أن يسلم له المرتهن أربعة أمور (أحدها) الاذن في الوطئ (والثاني) أنه وطئ (والثالث) أنها ولدت (والرابع) أنه مضى مدة امكان الولد منه فان لم يسلم الاذن فقد ذكرنا أن القول قوله وان لم يسلم أنه وطئ وسلم الاذن فوجهان (الذى) ذكره المعظم أن القول قوله أيضا لان الاصل عدم الوطئ وبقاء الرهن (وقال) القاضى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 113 ابن كج والامام الاصح أن القول قول الراهن لانه أخبر عما ما يقدر على انشائه وان سلمهما وقال ما ولدته ولكن التقطته فالقول قوله وعلى الراهن البينة على الولادة أيضا ولو سلم الولادة وانكر مضى الامكان فالقول قوله أيضا ومهما سلم الامور الاربعة فالقول قول الراهن من غير يمين لانه إذا أقر بأن الولد منه لم يقبل رجوعه فكيف يحلف عليه ولو لم يتعرض المرتهن لهذه الامور منعا وتسليما واقتصر على انكار الاستيلاد فالقول قوله أيضا وعلى الراهن اثبات هذه الوسائط (الثانية) إذا أعتق أو وهب باذن المرتهن بطل حقه من الرهن سواء كان الدين حالا أو مؤجلا وليس عليه أن يجعل قيمته رهنا مكانه ولو باع ما يلزمه والدين مؤجل فكذلك خلافا لابي حنيفة حيث قال يلزمه أن يرهن ثمنه مكانه أو يقضى الدين * لنا القياس على الاعتاق والهبة ولو كان الدين حالا قضى حقه من ثمنه وحمل إذنه المطلق على البيع في عرضه لمجئ وقته ولو أنه في البيع بشرط أن يجعل الثمن رهنا مكانه فقولان سواء كان الدين حالا أو مؤجلا (أحدهما) يصح الاذن والبيع وعلى الراهن الوفاء بالشرط وبهذا قال أبو حنيفة والمزنى وأصحاب أحمد لان الرهن قد ينتقل من العين إلى البدل شرعا كما لو أتلف المرهون فجاز أن ينتقل إليه شرطا (وأصحهما) عند المحاملى وصاحب الكتاب أنها فاسدة (أما) الشرط فلان الثمن مجهول عند الاذن فأشبه ما إذا أذن بشرط أن يرهن به مالا آخر مجهولا وإذا بطل الشرط بطل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 114 الاذن فأنه وقف الاذن على حصول الوثيقة في البدل وإذا بطل الاذن بطل البيع ولو أذن في الاعتاق وشرط جعل القيمة رهنا أو في الوطئ بهذا الشرط ان أحيل ففيه القولان ولو أذن في البيع بشرط أن يعجل حقه من ثمنه وهو مؤجل فالمنصوص فساد الاذن والبيع لفساد الشرط * وقال أبو حنيفة والمزنى وأصحاب أحمد يصح الاذن والبيع ويجعل الثمن رهنا مكانه وعن أبى اسحق تخريج قول من المسألة السابقة واحتج المزني بأن فساد الشرط لا يوجب فساد الاذن والبيع ألا ترى أنه لو وكل وكيلا ببيع عبده على أن له عشر ثمنه يصح الاذن والبيع مع أن الشرط فاسد لكون الاجرة مجهولة ويرجع الوكيل إلى أجرة المثل وأجاب الاصحاب بأن الموكل لم يجعل لنفسه في مقابلة الاذن شيئا وانما شرط للوكيل جعلا مجهولا فاقتصر الفساد عليه وههنا المرتهن شرط لنفسه شيئا في مقابلة إذنه وهو تعجيل الحق فإذا فسد فسد ما يقابله ولهذا المعنى قدح قادحون في تخريج أبى اسحق وقالوا الشرط صحيح في المسألة الاولى على قول فصح الاذن المقابل له وههنا المرتهن شرط لنفسه شيئا في مقابلة إذنه وهو تعجيل الحق فالشرط فاسد بالاتفاق فلا يمكن تصحيح ما يقابله ولو اختلفا فقال المرتهن أذنت في البيع بشرط أن ترهن الثمن وقال الراهن بل أذنت مطلقا فالقول قول المرتهن كما لو اختلفا في أصل الاذن * ثم ان كان الاختلاف قبل البيع فليس له البيع وان كان بعده وحلف المرتهن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 115 فان صححنا الاذن فعلى الراهن رهن الثمن والا فان صدق المشترى المرتهن فالبيع مردود وهو مرهون كما كان وان كذبه نظر ان أنكر أصل الرهن حلف وعلى الراهن أن يرهن قيمته وان أقر بكونه مرهونا وادعى مثل ما ادعاه الراهن فعليه رد المبيع ويمين المرتهن حجة عليه أيضا قال الشيخ أبو حامد ولو أقام المرتهن بينة على أنه كان مرهونا فهو كما لو أقر المشترى به والله أعلم (وقوله) في الكتاب لانه نقل للوثيقة ليس تعليلا لقول المنع خاصة وانما أشار به إلى كلام ذكره الامام وهو أن الخلاف في المسألة يترتب على الخلاف في رهن ما يتسارع إليه الفساد بالددين المؤجل فان منعناه بذلك لصرنا إلى امتناع نقل الوثيقة من عين إلى عين فعلى هذا لا يجوز الاذن بشرط النقل وان صححناه وقد احتملنا نقل الوثيقة فيجوز شرطه فهذا ما أراده إلا أن لك أن تمنع قوله إذا منعنا رهنه بالدين المؤجل فذلك لمصيرنا إلى امتناع نقل الوثيقة من عين إلى عين ونقول بل ذلك لامتناع النقل من غير التعرض للنقل ولهذا يصح رهنه بالدين المؤجل بشرط البيع عند الاشراف على الفساد وههنا وجد التعرض للنقل * (فرع) منقول عن الام لو أذن المرتهن للراهن في ضرب العبد المرهون فهلك في الضرب فلا ضمان عليه لتولده من مأذون فيه كما لو أذن في الوطئ وأحبل بخلاف ما إذا ضرب الزوج زوجته الجزء: 10 ¦ الصفحة: 116 أو الامام انسانا تعزيرا لان المأذون فيه هناك ليس مطلق الضرب وانما هو ضرب التأديب وههنا أيضا لو قال أدبه فضربه حتى هلك فعليه الضمان * قال (والتركة إذا تعلقت بالديون أنها كالمرهون في منع التصرف فيه * وقيل انه كالعبد الجاني * فان منع منه فظهر دين يرد العوض بالعيب بعد تصرف الورثة ففى بيعه بالنقص خلاف) * لا شك في أن الديون على المتوفى تتعلق بتركته وفى كون ذلك التعلق مانعا أو أمن الارث خلاف ذكرناه في الزكاة وبينا أن الاصح أنه لا يمنع وعلى هذا في كيفيته قولان ويقال وجهان (أحدهما) أنه كتعلق الارش برقبة الجاني لان كل واحد منهما يثبت شرعا من غير اختيار المالك (والثاني) أنه كتعلق الدين بالمرهون لان الشارع انما أثبت هذا التعلق نظر للميت لتبرأ ذمته فاللائق به الا يسلط الوارث عليه وهذا أظهر فيما ذكره الامام وغيره فلو أعتق الوارث أو باع وهو معسر لم يصح سواء جعلناه كالعبد الجاني أو كالمرهون ويجئ في هذا الاعتاق خلاف وان كان موسرا نفذ في وجه بناء على أن التعلق كتعلق الارش ولم يبعد في وجه بناء على أن التعلق كتعلق الدين بالمرهون وحكى الشيخ ابو علي وجها ثالثا وهو أنهما موقوفان ان قضى الوارث الدين تبينا النفوذ والا فلا ولا فرق بين أن يكون الدين مستغرقا للتركة أو أقل منها الجزء: 10 ¦ الصفحة: 117 على أظهر الوجهين كما هو قياس الديون والرهون (والثانى) أنه ان كان الدين أقل فقد تصرف الوارث إلى أن لا يبقي الا قدر الدين لان الحجر في مال كثير بشئ حقير بعيد وإذا حكمنا ببطلان تصرف الوارث فلو لم يكن في التركة دين ظاهر فتصرف ثم ظهر دين بان كان قد باع شيئا وأكل ثمنه فرد بالعيب ولزم رد الثمن أو تردى مترد في بئر كان قد احتفرها عدوانا فوجهان (أحدهما) أنه يتبين فساد التصرف الحاقا لما ظهر من الدين بالدين المقارن لتقدم سببه (وأظهرهما) أنه لا يتبين لانه كان مسوغا لهم طاهرا فعلى هذا ان أدى الوارث الدين فذك والا فوجهان (أظهرهما) أنه يفسخ ذلك التصرف ليصل المستحق إلى حقه (والثانى) لا يفسخ ولكن يطالب الوارث بالدين ويجعل كالضامن وعلى كل حال فللوارث ان يمسك عين التركة ويؤدى الديون من خالص ماله نعم لو كانت الديون أكثر من التركة فقال الوارث أخذها بقيمتها والتمس الغرماء بيعها على توقع زيادة راغب فوجهان بنوهما على أن السيد يفدى العبد الجاني بأرش الجناية أو بأقل الامرين من قيمته وأرش الجناية والاصح أن المجاب هو الوارث لان الظاهر أنها لا تشترى بأكثر من القيمة وفى تعلق حقوق الغرماء بزوائد التركة كالكسب والنتاج خلاف يتفرع على ما مر أن الدين هل يمنع الميراث إن منعه نبت التعلق والا فلا (وقوله) ففى بيعه بالنقص خلاف أراد به أنا هل نتبين الفساد على الجزء: 10 ¦ الصفحة: 118 ما هو مبين الوسيط ويمكن حمله على الخلاف في أنا هل نفسخه تفريعا على الصحة واللفظ أقرب إليه ولا يخفى أنه ليس لهذا الفصل كبير تعلق بباب الرهن ولا شبه منه بهذا الموضع لكن صاحب الكتاب اقتدى بامام الحرمين في إبداع هذا الباب إلا أنه رسمه فرعا في آخره * قال (الطرف الثاني * جانب المرتهن * وهو مستحق إدامة اليد ولا تزال يده الا لاجل الانتفاع (ح) نهارا ثم يرد عليه ليلا * ولو شرط التعديل على يد ثالث ليثقوا كل واحد به جاز * ثم ليس للعدل تسليمه إلى أحدهما دون إذن صاحبه * فان فعل ضمن للآخر * ولو تغير حاله بالفسق أو بالزيادة فيه فلكل واحد طلب التحويل منه إلى عدل آخر) * اليد في الرهن بعد لزومه مستحقة للمرتهن فان قوام التوثق بها ولا تزال يده للانتفاع كما سبق ثم يرد إليه ليلا وان كان العبد ممن يعمل بالليل كالحارس فيرد إليه نهارا ولو شرطا في الابتداء وضعه في يد ثالث جاز فربما لا يثق أحدهما بالآخر يثقان به لو شرط وضعه عند اثنين فان نصا على أن لكل واحد منهما الانفراد بالحفظ أو على أن يحفظاه معا في حرز اتبع الشرط وان أطلقا فوجهان لابن سريج (أصحهما) أنه ليس لاحدهما أن ينفرد بالحفظ كما لو أوصي إلى رجلين أو وكل رجلين بشئ لا يستقل أحدهما فعلي هذا يجعلانه في حرز لهما (والثانى) يجوز الانفراد كيلا يشق عليهما فعلى هذا ان اتفقا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 119 على كونه عند أحدهما فذاك وان تنازعا والرهن مما ينقسم قسم وحفظ كل واحد نصفه وان كان مما لا ينقسم حفظه هذا مدة وهذا مدة ولو قسماه بالتراضي والتفريع على الوجه الثاني ثم أراد أحدهما أن يرد مافى يده على صاحبه ففى جوازه وجهان لابن سريج وجه المنع أن المشقة قد اندفعت بما جرى وإذا أراد العدل وضع الراهن عنده رده اليهما أو إلى وكيلهما فان كان غائبين ولا وكيل فهو كرد الوديعة وسيأتى وليس له دفعة إلى أحدهما دون إذن الآخر فان فعل ضمن واسترد منه ان كان باقيا وان تلف في يد المدفوع له نظر ان دفعه إلى الراهن رجع المرتهن بكمال قيمته وان زادت على حقه ليكون رهنا مكانه ويغرم من شاء من العدل والراهن والقرار على الراهن فان غرم العدل فله ان يكلف الراهن قضاء الدين لفك المأخوذ منه وان دفعه إلى المرتهن فللراهن أن يغرم من شاء من العدل والمرتهن قيمته ليكون رهنا والقرار على المرتهن فان كان الحق حالا والدين من جنس القيمة وقع الكلام في التقاض ولو غصب المرتهن الرهن من يد العدل ضمن فلو رده إليه برئ وحكى الامام في النهاية وجها أنه لا يبرأ إلا بالرد إلى المالك أو بأذن جديد للعدل في أخذه والمذهب الاول وكذلك الجواب لو غصب الوديعة من المودع أو العين المكراة من المكترى أو الرهن من المرتهن ثم رد إليهم ولو غصب اللقطة من الملتفط لم يبرأ بالرد إليه ولو غصب من المستعير أو المستام ثم رد فوجهان لانهما مأذونان من الجزء: 10 ¦ الصفحة: 120 جهة المالك لكنهما ضامنان ولو اتفق المتراهنان علي نقل الرهن إلى يد عدل آخر جاز فأن طلبه أحدهما فلا يجاب إلا أن يتغير حاله بفسق أو بضعف عن الحفظ أو يحدث بينه وبين أحدهما عداوة فيطلب نقله فحينئذ ينقل إلى يد آخر يتفقان عليه فأن تشاحا وضعه الحاكم عند من يراه فلو كان من وضعاه عنده فاسقا في الابتداء فازداد فسقا فهو كما لو كان عدلا ففسق وكذا لو مات وأراد أحدهما اخراجه من يد وارثه وكذا لو كان في يد المرتهن فتغير حاله أو مات كان للراهن نقله وفى النهاية نقل وجه أنه إذا مات المرتهن لا تزال يد ورثته ولكن إذا لم يرض الراهن بيدهم ضم القاضى إليهم مشرفا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 121 وإذا ادعى العدل هلاك الرهن في يده أو رده فالقول قوله مع يمينه كالمودع ولو أتلف الرهن عمدا أخذت منه القيمة ووضعت عند آخر ولو أتلفه مخطئا أو أتلفه غيره أخذت القيمة ووضعت عنده هكذا ذكره الاكثرون وفرقوا بينه وبين ما إذا كان مأذونا في بيعه حيث لا يتمكن من بيع القيمة المأخوذة بان الجزء: 10 ¦ الصفحة: 122 المأذون في بيع شئ لا يكون ماذونا في بيع بدله والمستحفظ في شئ يكون مستحفظا في بدله وهذا غير محل الكلام ولضعفه ذهب الامام إلى أنه لابد من استحفاظ جديد وقياسه أن يقال لو كان الرهن في يد المرتهن فاتلف وأخذ بدله كان للراهن الا يرضى بيده في البدل (وقوله) في الجزء: 10 ¦ الصفحة: 123 الكتاب فان تغير حاله بالفسق لا يمكن صرف الكناية فيه إلى العدل في قوله ثم ليس للعدل تسليمه لان العدل لا يكون فاسقا حتى يتغير حاله بالزيادة فيه بل هي منصرفة إلى الثالث في قوله علي يد ثالث وما أشبه ذلك * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 124 قال (وللمرتهن استحقاق البيع تقدما به على الغرماء عند حلول الدين ولكن لا يستقل به دون اذن الراهن * بل يرفع إلى القاضى حتى يطالب الراهن أو يكلفه البيع * ولو أذن للعدل وقت الرهن في البيع لم يجب مراجعته ثانيا على الاصح * ولو ضاع الثمن في يد العدل فهو أمانة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 125 فان سلم إلى المرتهن باذن الراهن ولكن أنكرا تسليمه فهو ضامن * فان صدقه الراهن ففى ضمانه لتقصيره في الاشهاد خلاف * ولا يبيع العدل الا بثمن المثل * فان طلب بزيادة في مجلس العقد حول العقد إلى الطالب) * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 126 المرتهن يستحق بيع المرهون عند الحاجة ويتقدم بثمنه علي سائر الغرماء وانما يبيعه الراهن أو وكيله باذن المرتهن فلو لم يأذن المرتهن وإن أراد الراهن بيعه وأبى المرتهن قال له القاضي ائذن في بيعه وخذ حقك من ثمنه أو ابراه وإن طلب المرتهن البيع وابى الراهن ولم يقبض الدين أجبره الحاكم على قضائه أو الجزء: 10 ¦ الصفحة: 127 البيع إما بنفسه أو بوكيله فان أصر باعه الحاكم وعند أبى حنيفة لا يبيعه ولكن يحبس الراهن حتى يبيع ولو كان الراهن غائبا أثبت الحال عند الحاكم حتى يبيعه فان لم تكن بينة أو لم يكن في البلد حاكم فله بيعه بنفسه كما أن من ظفر بغير جنس حقه من مال المديون وهو جاحد ولابينة له أن يبيع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 128 ويأخذ حقه من ثمنه ثم في الفصل مسائل (احداها) لو أذن الراهن للمرتهن في بيعه بنفسه فباع في غيبة الراهن فوجهان (أحدهما) وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد أنه يصح البيع كما لو أذن له في بيع مال آخر (وأصحهما) المنع لانه يبيعه لغرض نفسه فيكون متهما في الاستعجال وترك النظر وان باعه بحضوره صح لانقطاع التهمة هذا ظاهر النص حيث قال ولو شرط للمرتهن إذا حل الحق أن يبيعه لم يجز أن يبيع لنفسه الا بأن يحضر رب الرهن وفيه وجه أنه لا يصح أيضا لانه توكيل فيما يتعلق بحقه فعلى هذا لا يصح توكيله ببيعه أصلا ويتفرع عليه أنه لو شرط ذلك في ابتداء الرهن فان كان الرهن مشروطا في بيع فالبيع باطل وان كان رهن تبرع فعلى القولين في الشروط الفاسدة التابعة للمرتهن أنها هل تبطل الرهن وعلى الاول وهو المذهب في نص لفظ الرهن في الاذن تفصيل مذكور في الكتاب من بعد * واذن الوارث لغرماء الميت في بيع التركة كاذن الراهن للمرتهن وكذا اذن السيد للمجني عليه في بيع العبد الجاني قاله الشيخ أبو حامد والله أعلم * واعلم أن صاحب الكتاب قدر صحة البيع في المرتهن مفروغا منه متفقا عليه وتكلم في أنه لا يستقبل به المرتهن كذلك ساق الامام وأول النص الذى سبق على شئ آخر سنذكره ان شاء الله تعالى (الثانية) إذ وضعا الرهن عند عدل بشرط أن يبيعه عند المحل جاز ثم في اشتراط مراجعة الراهن وتجديد اذنه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 129 عند البيع وجهان (أحدهما) وبه قال ابن أبى هريرة يشترط لانه قدر يكون له غرض في استبقاء المرهون ويريد قضاء الحق من غيره (وأصحهما) عند الامام وصاحب الكتاب وبه قال أبو إسحق لا يشترط لان الاصل دوام الاذن الاول (وأما) المرتهن فجواب العراقيين أنه لابد من مراجعته ويحصل اذنه ثانيا ولم يجروا فيه الخلاف ووجهوه بان المرهون انما يباع لا يصال حقه إليه وذلك يستدعى مطالبته بالحق فراجع ليعرف أنه مطالب أو ممهل أو مبرأ وقال الامام لا خلاف في أن المرتهن لا يراجع لان غرضه تقوية الحق بخلاف الراهن فانه قد يستبقى العين لنفسه فتأمل بعد احدى الطريقين عن الاخرى ولو عزل الراهن العدل قبل البيع انعزل وبه قال أحمد كسائر الوكلاء في سائر الاعمال * وقال مالك وأبو حنيفة لا ينعزل ولو عزله المرتهن فوجهان (أحدهما) وهو ظاهر النص أنه ينعزل كما لو عزله الراهن لانه يتصرف لهما جميعا (وأظهرهما) وبه قال أبو إسحق لا ينعزل لانه وكيل الراهن إذ المرهون له واذن المرتهن شرط جواز التصرف ولا كلام في أنه لو منعه من البيع لم يبع وكذلك لو مات أحدهما (وإذا قلنا) لا ينعزل بعزل المرتهن فلو عاد إلى الاذن جاز البيع ولم يشترط تجديد توكيل من الراهن قال في الوسيط ومساق هذا أنه لو عزله الراهن ثم عادو وكل افتقر إلى تجديد اذن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 130 للمرتهن ويلزم عليه أن يقال لا يعتد باذن المرتهن قبل توكيل الراهن ولا بأذن المرأة للوكيل قبل توكيل الولى اياه والكل محتمل (والثالثة) إذا باع العدل وأخذ الثمن فهو أمين والثمن من ضمان الراهن إلى أن يتسلمه المرتهن وبه قال أحمد خلافا لابي حنيفة ومالك حيث قالا هو من ضمان المرتهن * لنا أن الثمن ملك الراهن والعدل أمينه فما تلف في يده يكون من ضمان المالك ولو تلف الثمن في يد العدل ثم خرج الرهن مستحقا فالمشترى بالخيار بين أن يرجع بالثمن على العدل وبين أن يرجع على الراهن * ولو كان العدل قد باع بأذن الحاكم لموت الراهن أو غيبته وتلف الثمن وخرج المرهون مستحقا فللمشترى الرجوع في مال الراهن ولا يكون العدل طريقا للضمان في أصح الوجهين لانه نائب الحاكم والحاكم لا يطالب فكذلك نائبه (والثانى) يكون طريقا كالوكيل والوصى * وإذا ادعى العدل تلف الثمن في يده قبل قوله مع يمينه فان ادعي تسليمه إلى المرتهن وأنكر المرتهن فالقول قول المرتهن مع يمينه * وعن أبى حنيفة أن القول قول العدل مع يمينه وإذا حلف المرتهن أخذ حقه من الراهن ويرجع الراهن على العدل وان كان قد أذن له في التسليم نعم لو أذن أولا وصدقه في التسليم فوجهان (أظهرهما) أنه يضمن ايضا لتقصيره بترك الاشهاد (والثانى) لا لاعتراف الراهن بانه امتثل ما أمره به والمرتهن ظالم فيما يأخذه وبهذا قال ابن الوكيل والوجهان فيما إذا أطلق الاذن في الجزء: 10 ¦ الصفحة: 131 التسليم (فاما) إذا شرط عليه الاشهاد فتركه ضمن بلا خلاف وإذا ضمن بترك الاشهاد فلو قال اشهدت وماتت شهودي وصدقه الراهن فلا ضمان وان كذبه فوجهان نشرحهما مع ما يناسب هذه الصورة في الضمان ان شاء الله تعالى (الرابعة) إذا جاز للعدل البيع لم يبع الا بثمن المثل أو بما دونه في قدر ما تتغابن به الناس وليكن ذلك من نقد البلد حالا فان أجل بشئ من هذه الشروط لم يصح البيع وعن القاضى أبى حامد حكاية وجه أنه لو باع نسيئة صح ولا اعتبار به ولو سلم إلى المشترى صار ضامنا ثم للمبيع حالتان (احداهما) أن يكون باقيا فيستردد ويجوز للعدل بيعه بالاذن السابق وان صار مضمونا عليه فإذا باعه وأخذ الثمن لم يكن الثمن مضمونا عليه لانه لم يتعد فيه (الثانية) أن يهلك في يده فان كان قد باع بغير نقد البلد أو نسيئة فالراهن بالخيار في تغريم من شاء من العدل أو المشترى كمال قيمته وان باع بدون ثمن المثل فقولان (أصحهما) وبه قيل أبو إسحق ان الحكم كذلك لانه أخرجه من يده على وجه غير متبوع (والثانى) أنه ان غرم العدل حط النقصان الذى كان محتملا في الابتداء مثاله لو كان ثمن مثله عشرة وكان يتغابن فيه بدرهم فباعه بثمانية يغرم تسعة ويأخذ الدرهم الباقي من المشترى هكذا نقلوه وغالب الظن طرد هذا الخلاف في البيع بغير نص نقد البلد والنسيئة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 132 وان اتفق النص على القولين في الغبن ويؤيده أن صاحب التهذيب في آخرين جعلوا كبقية تغريم الوكيل إذا باع على أحد هذه الوجوه وسلم على الخلاف وسووا بين الصور الثلاث ومعلوم أنه لا فرق بين العدل في الرهن وبين سائر الوكلاء وعلى كل حال فالقرار على المشترى لحصول الهلاك عنده * (فرع) لو قال أحد المتراهنين بعه بالدراهم وقال الآخر بالدنانير لم يبع بواحد منهما لاختلافهما في الاذن لكن يرفعان الامر إلى الحاكم ليبيع بنقد البلد ثم ان كان الحق من جنس نقد البلد فذاك وإلا صرف نقد البلد إليه ولو رأى الحاكم أن يبيعه بجنس حق المرتهن جاز (الخامسة) إذا باع بثمن المثل ثم زاد راغب قبل التفرق فليفسخ العقد ولبيعه منه فان لم يفعل فوجهان (أحدهما) أن البيع لا ينفسخ لان حصول الزيادة غير موثوق به (وأصحهما) الانفساخ لان مجلس العقد كحالة العقد وليس له أن يبيع بثمن المثل وهناك من يبذل زيادة فعلى هذا لو بدا للراغب نظر إن كان قبل التمكن من البيع منه فالبيع الاول بحاله وان كان بعده فقد ارتفع ذلك البيع فلا بد من بيع جديد وفى طريقة الصيدلانى أنه إذا بدا له بان بان البيع بحاله كما لو بذل الابن الطاعة لابيه في الحج وجعلناه مستطيعا به ثم رجع من الطاعة قبل أن يحج أهل بلده فأنا نتبين عدم الوجوب ولو لم ينفسخ العقد في البيع الاول وباع من الراغب ففى كونه فسخا لذلك البيع ثم في صحته في نفسه خلاف سبق في البيع وأشار الامام في المسألة إلى شئ آخر وهو أن الوكيل بالبيع لو باع ثم فسخ البيع هل يمكن من البيع مرة أخرى فيه خلاف الجزء: 10 ¦ الصفحة: 133 والامر بالبيع من الراغب ههنا جواب على أنه يتمكن منه أو مفروض فيما إذا صرح بالاذن بذلك وأكثر هذه المسائل يطرد في جميع الوكالات * قال (وعلى الراهن مؤنة المرهون * وأجرة الاصطبل * وعلف الدابة * وسقى الاشجار * ومؤنة الجذاذ من خاص ماله على الاصح وقيل انه يباع فيه جزء من المرهون * فان كان بحيث تهلكه النفقة يباع كما يفعل بما يتسارع إليه الفساد * ولا يمنع الراهن من الفصد والحجامة والختان * ويمنع من قطع سلعة فيه خطر) * مؤونات الرهن التى بها يبقى الرهن كنفقة العبد وكسوته وعلف الدابة على الراهن لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا يغلق الرهن من راهنه له غرمه وعليه غنمه) قوله من راهنه أي من ضمان راهنه وفى معناه سقى   (حديث) لا يغلق الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه. ابن حبان في صحيحه والدارقطني والحاكم أو البيهقى من طريق زياد بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة مرفوعا لا يغلق الرهن له غنمه وعليه غرمه وأخرجه ابن ماجه من طريق اسحاق بن راشد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يغلق الرهن انتهى من سنن ابن ماجه وأخرجه الحاكم من طرق عن الزهري موصولة أيضا ورواه الاوزاعي ويونس وابن أبى ذئب عن الزهري عن سعيد مرسلا ورواه شافعي عن ابن أبى فديك وابن أبى شيبة عن وكيع وعبد الرزاق عن الثوري كلهم عن أبى ذئب كذلك ولفظه لا يغلق الرهن من صاحبه الذى رهنه له غنمه وعليه غرمه قال الشافعي غنمه زيادته وغرمه هلاكه وصحح أبو داود والبزار والدارقطني وابن القطان إرساله وله طرق في الدارقطني البيهقي كلها ضعيفة وصحح ابن عبد البر الجزء: 10 ¦ الصفحة: 134 الاشجار والكروم ومؤونة الجذاذ وتجفيف الثمار وأجرة الاصطبل والبيت الذى يحفظ فيه المتاع المرهون إذا لم يتبرع به المرتهن أو العدل وأجرة من يرد العبد من الاباق وما أشبه ذلك ثم حكى الامام والمتولي وجهين في أن هذه المؤنات هل يجبر الراهن عليها حتى يقوم بها من خالص ماله (أصحهما) الاجبار استبقاء لوثيقة المرتهن (والثانى) عن الشيخ أبى محمد وغيره أنه لا يجبر عند الامتناع ولكن يبيع القاضى جزءا من المرهون بحسب الحاجة * وقد قرع الامام على هذا أن النفقة لو كانت تأكل الرهن قبل الاجل ألحق بما يفسد قبل الاجل فيباع ويجعل ثمنه رهنا ولك أن تقول هذا اما أن يحلق بما لا يتسارع إليه الفساد ثم عرض ما أفسده أو بما يتسارع إليه الفساد لا وجه للاول لان العارض ثم اتفاقي غير متوقع والحاجة إلى هذه المؤنات معلومة محققة وان كان الثاني لزم اثبات الخلاف المذكور في رهن ما يتسارع إليه الفساد في رهن كل ما يحتاج إلى نفقة أو مكان يحفظ فيه وأنه بعيد وبه يظهر ضعف الوجه من أصله وإذا قلنا بالاصح فلو لم يكن للراهن شئ أو لم يكن حاضرا باع بالحاكم جزءا من المرهون واكترى به بيتا يحفظ فيه الرهن هكذا قاله الائمة وقد مر في مؤنة السقى والجذاذ والتجفيف مثله وأما المؤنات الدائمة فيشبه أن يقال حكمها حكم مالو هرب الجمال وترك الجمال المكتراة أو الجزء: 10 ¦ الصفحة: 135 عجز عن الانفاق عليها هذه احدى مسألتي الفصل (والثانية) أنه لا يمنع الراهن من أن يفعل بالمرهون ما فيه منفعته كفصد العبد وحجامته وتوديج الدابة وبزغها والمعالجة بالادوية والمراهم لكن لا يجبر عليها بخلاف النفقة وأجرى صاحب التتمة الوجهين في المداواة ثم ان كانت المداواة فيما يرجى نفعه ولا يخاف منه غائلة فذاك وان كان يخاف فعن أبى اسحق أن للمرتهن المنع منه وقال أبو على الطبري لايمنع ويكتفى بأن الغالب منه السلامة واختاره القاضى أبو الطيب ويجرى الخلاف في قطع اليد المتأكلة إذا كان في قطعها وتركها خطر فان كان الخطر في الترك دون القطع فله القطع وليس له قطع سلعة وأصبع لاخطر في تركها إذا خيف منه ضرر فان كان الغالب السلامة ففيه الخلاف وله أن يختن العبد والامة في وقت اعتدال الهواء ان كان يندمل قبل حلول الاجل لانه أمر لابد منه والغالب فيه السلامة وان لم يندمل وكان فيه نقص لم يجزو كذلك لو كان به عارض يخاف الجزء: 10 ¦ الصفحة: 136 معه من الختان ووراء هذه صورتان (إحداهما) له تأبير النخل المرهونة ولو ازدحمت وقال أهل البصر تحويلها أنفع جاز تحويلها وكذا لو رأى قطع بعض لصلاح الاكثر ثم ما يقطع منها لو يجف يبقى مرهونا بخلاف ما يحدث من السعف ويجف فان الراهن يختص بها وينزل منزلة الثمار وما كان ظاهرا منها عند الرهن قال في التتمة فهو مرهون وقال في الشامل لافرق (الثانية) لا يمنع من رعى الماشية في وقت الامن وتاوي ليلا إلى يد المرتهن أو العدل وإذا أراد الراهن أن يبعد في طلب النجعة وبالقرب ما يبلغ منها مبلغا فللمرتهن المنع والا فلا منع وتأي إلى يد عدل ينفقان عليه أو ينصبه الحاكم وان أراد المرتهن ذلك وليس بالقرب ما يكفى فلا منع وكذا لو أراد نقل المتاع من بيت غير محرز إلى محرز ولو بيعا بهما المكان وأرادا الانتقال نظر ان انتقلا إلى أرض واحدة فلا اشكال والا جعلت الماشية مع الراهن وحتاط ليلا كما سبق (وقوله) في الكتاب وأجرة الاصطبل معلم بالحاء لان عنده مؤنة البيت والاصطبل علي المرتهن ان لم يزد الرهن على قدر الدين فان زاد فقسط الزيادة على الراهن وبمثله أجاب في المداواة وأجرة رد الآبق (وقوله) على الاصح يتعلق به من خالص ماله لا بأصل لزوم المؤنة عليه فالمقابل للاصح قوله وقيل يباع إلى آخره * قال (والمرهون أمانة (ح) في يده * ولا يسقط (ح) بنلفه شئ من الدين * ولو أذن له في الغراس بعد شهر فهو بعد الغراس عارية مضمونة * وان شرط أن يكون مبيعا منه بعد شهر بالدين فهو بعد الشهر مضمون لانه مبيع بيعا فاسدا * وللفساد حكم الصحة في ضمان العقود * لو ادعى المرتهن تلفا أو ردا فهو كالمودع عند المراوزة * والقول قوله * وطردوا ذلك في المستأجر * وكل يد هي غير مضمنة * وقال العراقيون يختص ذلك بالوديعة وبالوكيل بغير أجرة * ومن عداهما يطلب بالبينة قياسا لان المودع وقع الاعتراف بصدقه وأمانته دون غيره * والمرتهن من الغاصب عند المراوزة كالمودع من الغاصب يطالب ولا يستقر الضمان عليه وان تلف في يده * وكذا المستأجر بخلاف المستعير والمستام * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 137 وعند العراقيين في مطالبتهم وجهان * ثم في قرار الضمان بعد المطالبة وجهان آخران) * في الفصل أصلان وفروع (أحد) الاصلين أن المرهون أمانة في يد المرتهن لا يسقط بتلفه شئ من الدين ولا يلزمه ضمانه إلا إذا تعدى فيه وبهذا قال أحمد * وقال أبو حنيفة هو مضمون بالاقل من قيمته أو الدين فان كانت قيمته أقل سقط بتلفه من الدين بقدر قيمته والا سقط الدين ولا يضمن الزيادة وقال مالك ما يظهر هلاكه كالحيوان والعقار والاشجار أمانة وما يخفي هلاكه كالنقود والعروض مضمون بالدين لانه يتهم فيه * لنا أن بعض المرهون أمانة فكذلك كله كالوديعة وأيضا فان الرهن شرع وثيقة الدين فهلاك محله لا يسقطه كموت الكفيل وإذا برئ الراهن عن الدين باداء أو ابراء أو حوالة كان الرهن أمانة أيضا في يد المرتهن ولا يصير مضمونا عليه الا إذا امتنع من الرد بعد المطالبة وقال ابن الصباغ ينبغى أن يكون المرتهن بعد الابراء كمن طير الريح ثوبا إلى داره حتى يعلم المرتهن به أو يرده لانه لم يرض بيده إلا على سبيل الوثيقة (والاصل الثاني) أن كل عقد يقتضى صحيحه الضمان فكذلك فاسده ومالا يقتضى صحيحه الضمان فكذلك فاسده (وأما) الطرف الاول فلان الصحيح إذا أوجب الضمان فالفاسد أولى باقتضائه (وأما) الثاني فلان من أثبت اليد أثبته عن اذن المالك ولم يلزم بالعقد ضمانا ولا يكاد يوجب التسليم والتسلم الا من معتقدي الصحة (وأما) الفروع فأربعة (أحدها) لو أعار المرهون من الجزء: 10 ¦ الصفحة: 138 المرتهن لينتفع به ضمنه وعند أبى حنيفة يخرج عن كونه مضمونا بناء علي أن العارية غير مضمونة ولو رهنه أرضا وأذن له في الغراس بعد شهر فهى بعد الشهر عارية وقبله أمانة حتى لو غرس قبله قلع ولو غرس بعده فسيأتي الحكم في العارية (وقوله) في الكتاب وهو بعد الغراس عارية يجب تأويله لانه بعد الشهر عارية غرس أو لم يغرس (وثانيها) لو رهن منه مالا على أنه إذا حل الاجل فهو مبيع منه أو على أن يكون مبيعا منه بعد شهر فالرهن والبيع فاسدان (أما) الرهن فلكونه مؤقتا (وأما) البيع فلكونه مشروطا ويكون المال أمانة في يده قبل دخول وقت البيع وبعده مضمونا لان البيع عقد ضمان ونقل وجها في النهاية أنه انما يصير مضمونا إذا أمسكه عن جهة البيع أما إذا أمسكه عن موجب الرهن فلا والمذهب الاول فلو كان أرضا فغرس فيه المرتهن أو بنى قبل دخول وقت البيع قلع مجانا وكذا لو غرس بعده وهو عالم بفساد البيع وان كان جاهلا لم يقلع مجانا لوقوعه باذن المالك وجهله بعدم الجواز فيكون الحكم كما لو غرس من المستعير ورجع المعير (وثالثها) إذا ادعى المرتهن تلف الرهن في يده قبل قوله مع يمينه وعن مالك أنه ان خفى هلاكه لم يقبل * وان ادعى رده إلى الراهن فطريقة العراقيين من أصحابنا أن القول قول الراهن مع يمينه ولا يقبل قول المرتهن الا ببينة لانه أخذه لمنفعة نفسه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 139 فأشبه المستعير ويخالف دعوى التلف لانه لا يتعلق بالاختيار فلا يتساعد فيه البينة قالوا وكذا الحكم في المستأجر إذا ادعى الرد * ويقبل قول المودع والوكيل بغير الجعل مع اليمين لانهما أخذا المال بمحض غرض المالك وقد أئتمنها فليصدقهما وفى الوكيل بالجعل والمضارب والاجير المشترك إذا لم يضمنه ذكرنا وجهين (أحدهما) أنهم مطالبون بالبينة لانهم أخذوا لغرض أنفسهم في الاجرة والربح (وأصحهما) أنه يقبل قولهم مع ايمانهم لانهم أخذوا العين لمنفعة المالك وانتفاعهم بالعمل في العين لا بالعين بخلاف المرتهن والمستأجر وهذه الطريقة هي التى سلكها أكثر الاصحاب سيما قدماؤهم وتابعهم القاضى الرويانى وذهب بعض الخراسانيين من المراوزة وغيرهم أن كل أمين يصدق في دعوى الرد كالمودع قالوا ولا عبرة بمنفعته في الاخذ كما لا عبرة بها في وجوب الضمان عند التلف بخلاف المستعير والمستام واعرف في لفظ الكتاب من الفرع شيئين (أحدهما) أنه سوى بين التلف والرد وساق الطريقين في دعواهما جميعا وليس كذلك بل الكل مطبقون على تصديقه في دعوى التلف وانما الاختلاف في الرد * واعلم أن قولنا يقبل قوله في التلف نريد به القبول في الجملة وله تفصيل نذكره في كتاب الوديعة إن شاء الله تعالى (والثانى) أنه لم يحك طريقة العراقيين بتمامها ولم يستوعب مواضع الوفاق والخلاف بالذكر ولفظه في تخصيص التصديق بالمودع والوكيل بغير جعل لا يستمر الا على أحد الوجهين الذين نقلوهما (وقوله) لان المودع وقع الاعتراف بصدقه وأمانته لا يتضح به الفرق إذ لابعد في أن يقال كل أمين يقع الاعتراف بصدقه وأمانته والذى ذكروه في الفرق أن الوديعة ائتمان محض لاغرض للآخذ فيها كما الجزء: 10 ¦ الصفحة: 140 مر (ورابعها) لو رهن الغاصب المغصوب من انسان فتلف في يد المرتهن فللمالك تضمين الغاصب وفى تضمين المرتهن طريقان قا العراقيون فيه وجهان لابن سريج (أحدهما) أنه لا يطالب بالضمان لان يده يد أمانة (وأصحهما) أنه يطالب لتفرغ يده على يد الغاصب وعدم ائتمان المالك إياه وعلى هذا فيستقر الضمان عليه أم يرجع على الغاصب فيه وجهان (أحدهما) يستقر لحصول التلف عنده فينزل التلف منزلة الاتلاف في المغصوبات (وأظهرهما) أنه يرجع لتغرير الغاصب إياه وعدم التعدي منه هذه طريقة وعن المروازة القطع بالمطالبة وعدم الاستقرار والطريقان جاريان في المتسأجز من الغاصب والمودع منه والمضارب والذى دفع المغصوب إليه ووكله ببيعه وكل ذلك فيما إذا جهلوا كونه مغصوبا فان علموا فهم غاصبون أيضا والمستعير منه والمستام فيطالبان ويستقر عليهما الضمان لان يد كل واحد منهما يد ضمان وهذه الصور تعود في الغصب (وقوله) في الكتاب وعند العراقيين في مطالبتهم وجهان يرجع إلى المرتهن والمستأجر والمودع دون المستعير والمستام (ومن) الفروع التى تندرج في الفصل أنه لو رهن بشرط أن يكون مضمونا على المرتهن يفسد الشرط والرهن ثم لا يكون مضمونا عليه (ومنها) لو قال خذ هذا الكيس واستوف حقك منه فهو امانة في يده قبل أن يستوفى حقه فإذا استوفى حقه منه كان مضمونا عليه ولو قال وفيه دراهم خذه بدراهمك وكانت الدراهم التى فيه مجهولة القدر أو كانت أكثر من دراهمه لم يملكه ودخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد وان كانت معلومة وبقدر حقه ملكها ولو قال خذ هذا العبد بحقك ولم يكن سليما فقبل ملكه وان لم يقبله وأخذه دخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 141 قال (والمرتهن ممنوع من كل تصرف قولا وفعلا فان وطئ فهو زان * وان ظن الاباحة فواطئ بالشبهة * فان أذن له الراهن وعلم التحريم فزان * وقيل مذهب عطاء في إباحة الجوارى بالاذن شبهة * وان ظن حلا فواطئ بالشبة * وفى وجوب المهر عليه وقيمة الولد عليه وجهان من حيث أن الاذن ضعيف الاثر في الوطئ بدليل المفوضة) * ليس للمرتهن في المرهون سوى حق الاستيثاق (أما) البيع وسائر التصرفات القولية الانتفاعات وسائر التصرفات العقلية فهو ممنوع من جميعها ولو وطئ الجارية المرهونه لم يخل إما أن يطأ بدون اذن الراهن أو باذنه (الحالة الاولى) ان يطأ بدون اذنه فهو كما لو وطئ غير المرهونة وان ظنها زوجته أو أمته فلا حد وعليه المهر والولد حر نسيب وعليه قيمته للراهن وان لم يظن ذلك ولم يدع جهلا فهو زان يلزمه الحد كما لو وطئ المستأجر الجارية المكراة ويجب المهر إن كانت مكرهة وان كانت مطاوعة لم يجب على الاصح وهذا الخلاف بتوجيهه مذكور في الغصب وان ادعى الجهل بالتحريم لم يقبل إلا أن يكون حديث العهد بالاسلام أو نشأ في بادية بعبدة عن بلاد المسلمين فقبل قوله لدفع الحد وحكى المسعودي في قبوله لثبوت النسب خلافا للاصحاب وأجرى مسألة في حرية الولد ووجوب المهر والاصح ثبوت الكل لان الشبة كما تدرأ الحد تثبت النسب والحرية وإذا سقط الحد وجب المهر (والثانية) أن يطأ باذنه فان علم أنه حرام فظاهر المذهب أنه يجب عليه الحد وفيه وجه أنه لا يجب لاختلاف العلماء فان عطاء بن أبى رباح رضى الله عنه كان يجوز وطئ الجارية باذن مالكها وان ادعي الجهل بالتحريم فوجهان (أحدهما) أنه لا يقبل إلا أن يكون حديث العهد بالاسلام أو من في معناه كما في الحالة الاولى (وأصحهما) وبه قال القاضى أبو الطيب أنه يقبل ويرفع الحد وان نشأ بين المسلمين لان التحريم بعد الاذن لما خفى على عطاء مع أنه من علماء التابعين لا يبعد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 142 خفاؤه على العوام وإذا اندفع الحد فهل يلزمه المهر (أما) إذا كانت مطاوعة فلا لانضمام اذن المستحق إلى طواعيتها (وأما) إذا كانت مكرهة فقولان (أحدهما) أنه لا يجب أيضا لان مستحق المهر قد أذن فاشبه ما لو زنت الحرة (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة يجب لان وجوب المهر حيث لا يجب الحد حق الشرع فلا يؤثر فيه الاذن كما أن المفوضة تستحق المهر بالدخول مع تفويضها وان كان قد أولدها بوطئه فالولد حر نسيب وفى وجوب قيمة الولد طريقان (أحدهما) أنه على القولين في المهر (وأصحهما) الوجوب جزما والفرق أن الاذن في الوطئ رضا باتلاف المنفعة وليس رضا بالاحبال جزما وأيضا فان الاذن لا أثر له في حرية الولد وانما الموجوب له ظن الواطئ فحسب ولا تصير الجارية أم ولد للمرتهن بحال وإن ملكها يوما من الدهر ففيه قولان إذا كانت الصورة صورة ثبوت النسب (وقوله) في الكتاب فهو زان يمكن اعلامه بالحاء لانه لا حد عليه في رواية عن أبى حنيفة (وقوله) فان ظن إباحته فوطئ بالشبهة غير مجرى على اطلاقة بل المراد ما إذا كان حديث العهد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 143 بالاسلام أو من في معناه (وأما) قوله وفى وجوب المهر وقيمة الولد وجهان ففيه نظران (أحدهما) أن الخلاف في المهر قولان لا وجهان وقد نص عليهما في المختصر (والثانى) أنه أجاب بطريقة اثبات الخلاف في القيمة والاصح عند الائمة الطريقة النافية للخلاف ويجوز إعلام القيمة بالواو إشارة إليها * (فرع) زعم المرتهن بعد الوطئ أن الراهن قد باعها منه أو وهبها وأقبضها فانكر الراهن فالقول قوله مع يمينه فان حلف فهى والولد رقيقان له ثم لو ملكها يوما من الدهر فهى أم ولد له والولد حر لا قراره السابق كما لو أقر بحرية عبد الغير ثم اشتراه فان نكل الراهن وحلف المرتهن فالولد حر وهى أم ولد له * قال (وهذه الاحكام تثبت في غير الرهن وبدله الواجب بالجناية على المرهون إذ يسرى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 144 إليه حق الرهن حتى لا ينفذ ابراء الرهن استقلالا ولا ابراء المرتهن إذ لا دين له * ولا يسري إلى الكسب والعقر (ح) والزيادات العينية (ح) كاللبن والولد (ح) والصوف والثمرة (ح) * فان كان الولد مجتنا حالة البيع والعقد كان تابعا * وان كان مجتنا في احدى الحالتين ففى تبعيته خلاف) * مقصود هذه البقية بيان ما يتعلق به حق الوثيقة وتثبت فيه أحكامها ولا شك في تعلقه بعين الرهن والكلام وراءها في بدل الرهن وزوائد المرهون * (الفصل الاول) في بدله * ومهما جنى على المرهون وأخذ من الجاني الارش انتقل حق الرهن إليه كما ينتقل الملك لقيامه مقام الاصل ويجعل في يد من كان الاصل في يده من المرتهن أو العدل والى ان يؤخذ هل يقال بانه مرهون (قال) قائلون لا لانه دين والديون لا تكون مرهونة فإذا تعين صار مرهونا والحالة المتخللة كتخمر العصير وتخلله بعده وقال آخرون هو مرهون كما كان لانه مال بخلاف الخمر ومنعوا خروجه عن كونه مرهونا بخروجه عن كونه عنبا وانما المسلم أنه لا يرهن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 145 الدين ابتداء والخصم في بدل المرهون انما هو الراهن لانه المالك كما لو جني على العبد المستأجر أو المودع يكون الخصم فيها المالك فلو قعد عن الخصومة فقولان في ان المرتهن هل يخاصم قال في التهذيب (اصحهما) عند الاصحاب وبه قال القفل انه لا يخاصم قال ورأيت بخط شيخي أن للمرتهن أن يدعى ويخاصم فيه وكذلك المستأجر إذا ادعى العين وقال لمن في يده انها ملك فلان اجرها منى وانما لا يدعى المستأجر القيمة لان حقه لا يتعلق بها قال وهو القياس وإذا خاصم فللمرتهن أن يحضر خصومته لتعلق حقه بما يأخذه ثم ان اقربه الجاني أو اقام الراهن البينة أو حلف بعد نكول المدعى عليه ثبتت الجناية وان نكل الراهن فهل يحلف المرتهن فيه قولان كما إذا نكل المفلس هل يحلف الغرماء وإذا تبنت الجناية فان كانت عمدا فللراهن ان يقبض ويبطل حق المرتهن وان عفا عن القصاص مطلقا ثبت المال ان قلنا مطلق العفو يوجب المال والا لم يجب وهو الاصح هكذا قاله صاحب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 146 التهذيب وان عفا على أن لا مال (فان قلنا) إن موجب العمد أحد الامرين لم يصح عفوه عن المال وان قلنا) أن موجبه القود (فان قلنا) إن مطلق العفو لا يوجب المال لم يجب شئ (وان قلنا) يوجبه فوجهان (أحدهما) يجب لحق المرتهن (وأصحهما) المنع لان القتل لم يوجبه وإنما يجب بعفوه المطلق أو بعفوه على المال وذلك نوع اكتساب منه وليس عليه الاكتساب للمرتهن وان لم يقبض في الحال ولم يعف ففى اجباره على أحدهما طريقان (أحدهما) يجبر ليكون المرتهن على ثبت من أمره (والثانى) ان قلنا موجب العمد أحد الامرين اجبر (وان قلنا) موجبه القود لم يجبر لانه يملك اسقاطه فتأخيره أولى بان يملكه * وان كانت الجناية خطأ أو عفا ووجب المال فعفا عن المال لم يصح عفوه لحق المرتهن وفيه قول أن العفو موقوف ويؤخذ المال في الحال لحق المرتهن فان انفك الرهن رد إلى الجاني وبان صحة العفو والا بان بطلانه ولو أراد الراهن أن يصالح عن الارش الواجب على جنس آخر لم يجز إلا باذن المرتهن فإذا أذن صح وكان المأخوذ مرهونا هكذا نقلوه ولك أن تقول قد مر أنه إذا أذن في البيع والدين مؤجل فباع يرتفع الرهن ولا يكون الثمن رهنا وأنه إذا اذن بشرط أن يكون الثمن رهنا ففي كونه رهنا قولان وقياسه أن يكون المصالح عليه كذلك لان الصلح بيع ولو أبرأ المرتهن الجاني لم يصح لانه ليس بمالك وهل يسقط حقه عن الوثيقة بهذا الابراء فيه وجهان (أحدهما) نعم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 147 ويخلص المأخوذ المراهن كما لو صرح باسقاط حق الوثيقة (وأصحهما) لا لانه لم يصح ابراؤه فلا يصح ما يتضمنه الابراء كما لو وهب المرهون من انسان لم يصح ولا يبطل الرهن * (الفصل الثاني) في زوائد المرهون وهي إما متصلة كسمن العبد وكبر الشجرة والثمرة فتتبع الاصل في الرهن أو منفصلة كالثمره والولد واللبن والبيض والصوف فلا يسرى إليها الرهن وبه قال أحمد وعند أبى حنيفة يسرى وقال مالك الولد مرهون والثمرة غير مرهونة * لنا القياس على ولد الجارية الجانية فان الارش لا يتعلق به بالاتفاق وكمان أن هذه الزوائد غير مرهونة فكذلك مهر الجارية إذا وطئت بالشبهة بل أولى لانه غير حاصل من نفس المرهون وعند أبى حنيفة هو مرهون ايضا ولا خلاف في أن كسب العبد المرهون ليس بمرهون هذا في الزوائد الحادثة بعد الرهن ولو رهن حاملا أو مست الحاجة إلى البيع وهى حامل بعد فيباع كذلك في الدين لانا ان قلنا الحمل يعلم فكأنه صرح برهنها والا فقد رهنا والحمل محض صفة ولو ولدت قبل البيع فهل الولد رهن فيه قولان مبنيان على أن الحمل هل يعلم (ان قلنا) لا فهو كالحادث بعد العقد (وان قلنا) نعم فهو رهن يباع مع الام كما لو رهن شيئين وزاد الشيخ أبو محمد فقال ان قلنا نعم ففى كونه مرهونا قولان لضعف الرهن عن الاستتباع وقد سبق نظائره فان قلنا الولد لا يكون مرهونا فلو صرح في العقد وقال رهنتها مع حملها قال الامام فيه تردد للاصحاب والظاهر أنه لا يكون مرهونا أيضا إذ لو جاز ذلك لجاز افراده ولو حبلت بعد الرهن وكانت حاملا عند الحاجة إلى البيع (فان قلنا) الحمل لا يعلم بيعت حاملا وهو كزيادة متصلة (وان قلنا) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 148 يعلم لم يكن الورد مرهونا وتعذر بيعها لان استثناء الحمل لا يمكن ولا سبيل إلى بيعها حاملا ويوزع الثمن على الام والحمل لان الحمل لا تعرف قيمته * فلو رهن نخلة فاطلعت فطريقان (احدهما) ان بيعها مع الطلع على قولين كما في الحمل (والثاني) القطع بان الطلع غير مرهون لانه يمكن افراده بالعقد فلا يجعل بيعا فإذا قلنا انه غير مرهون تباع النخلة ويستثني الطلع بخلاف الجارية الحامل ولو كانت مطلعة وقت الرهن ففى دخول الطلع ما سبق في الباب الاول فان أدخلناه فجاء وقت البيع وهو طلع بعد بيع مع النخل ولو أبرت فطريقان (احدهما) ان الحكم كما إذا ولدت الحامل (والثانى) القطع ببيعه مع النخل لانه معلوم مشاهد وقت الرهن (وقوله) في الكتاب والزيادات العينية أراد به الزيادات الحادثة من العين لا كالكسب والمهر (وقوله) حالة الرهن والبيع يقتضى اعتبار نفس العقد في مقارنة الولد وحدوثه بعده والامر على ما يدل عليه ظاهره وكذا القول في سائر الزوائد وحكى الامام وجها آخر أن الاعتبار بحالة القبض لان الرهن به يتم * (فرع) أرش الجنابة على المرهونة وافتضاض البكر مرهونان بدل جزء من المرهون وليسا من الزوائد * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 149 (فرع) لو ضرب الجارية المرهونة ضارب فالقت جنينا ميتا فعلى الضارب عشر قيمة الام ولا يكون مرهونا لانه بدل الولد وإن دخلها نقص لم يجب بسببه شئ آخر ولكن قدر أرش النقصان من العشر يكون رهنا وان القته حيا ومات ففيما يجب على الجاني قولان (أصحهما) قيمة الجنين حيا وأرش نقص الام ان انتفصت فعلى هذا القيمة للراهن والارش مرهون (والثانى) أكثر الامرين من أرش النقص أو قيمة الجنين فعلى هذا إن كان الارش أكثر فالمأخوذ رهن كله وان كانت القيمة أكثر فقدر الارش من المأخوذ رهن والبهيمة المرهونة إذا ضربت فالقت جنينا ميتا فلا شئ على الضارب سوى أرش النقصان ان نقصت ويكون رهنا * قال (الطرف الثالث في فك الرهن وهو حاصل بالتفاسخ * وفوات عين المرهون بآفة سماوية * ويلتحق به ما إذا جني العبد وبيع في الدين فانه فات بغير بدل * وكما يقدم حق المجني عليه علي حق المالك يقدم على حق المرتهن) * الرهن ينفك باسباب (أحدها) الفسخ منهما أو من المرتهن وحده فان الرهن جائز من جهته (والثانى) تلف المرهون بآفة سماويه ولو جني العبد المرهون لم يبطل الرهن بمجرد الجناية ولكن ينظر أتتعلق الجناية باجنبي أم بالسيد (القسم الاول) أن تتعلق باجنبي فيقدم حق المجني عليه لان حقه متعين في الرقبة وحق المرتهن متعلق بذمة الراهن وبالرقبة وأيضا فان حق المجني عليه متقدم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 150 على حق المالك فأولى أن يتقدم على حق المستوثق ثم ان أوجبت الجناية القصاص واقتص المجني عليه بطل الرهن وان أوجبت المال أو عفا على مال بيع العبد في الجناية وبطل الرهن أيضا حتى لو عاد إلى مالك الراهن لم يكن هنا إلا بعقد جديد * ولو كان الواجب دون قيمة العبد بيع منه بقدر الواجب وبقى الباقي رهنا فان تعذر بيع البعض أو انتقص بالتشقيص بيع الكل وما فضل من الثمن عن الارش يكون رهنا ولو عفى المجني عليه عن المال أو فداه الراهن بقي العبد رهنا كما كان وكذا لو فداه المرتهن ثم في رجوعه على الراهن ما ذكرناه في رهن أرض الخراج وعند أبى حنيفة ضمان جناية المرهون على المرتهن بناء على أن المرهون مضمون عليه فان فداه المرتهن بقى رهنا ولا رجوع له بالفداء وان فداه السيد أو بيع في الجناية سقط دين المرتهن ان كان بقدر الفداء أو دونه وهذا كله فيما إذا جنى العبد بغير اذن السيد أما إذا أمره السد بذلك نظر ان لم يكن مميزا أو كان أعجميا يعتقد وجوب طاعة السيد في كل ما يأمره به فالجاني هو السيد وعليه القصاص أو الضمان وهل يتعلق المال برقبته فيه وجهان يذكران في موضعهما والاظهر المنع (وإذا قلنا) يتعلق فبيع في الجناية فعلى السيد أن يرهن قيمته مكانه وإذا جنى مثل هذا العبد فقال السيد أنا أمرته بذلك لم يقبل قوله في حق المجني عليه بل يباع العبد فيها وعلى السيد القيمة لاقراره وان كان العبد مميزا يعرف أنه لا يطاع السيد فيه بالغا كان أو غير بالغ فهو كما لو لم يأذن السيد إلا أنه يأثم بما فعل وإذا عرفت ما ذكرناه لم يخف عليك أن قوله وبيع في الدين أراد به دين الجناية فان الغرض فيما إذا نسبت الجناية إلى السيد والا فلا يكون الفوات بغير بدل * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 151 قال (فان جنى على عبد السيد أو السيد نفسه فله القصاص كما للاجنبي * وليس له الارش والبيع إذ لا يستحق شيئا على عبد نفسه * ولو جنى على عبد أبيه وانتقل إليه بموته ففى استحقاقه الفك خلاف لانه في حكم الدوام * وان جني على آخر له مرهون من غير هذا المرتهن فله قتله * وان فات حق المرتهن فان عفا على مال تعلق حق مرتهن القتيل بالعبد * وان عفا بغير مال فهو كعفو المحجور عليه * ولو أوجب أرشا فلمرتهن القتيل أن يطلب بيعه في حقه * وان كان القتيل أيضا مرهونا عنده فهو فوات محض في حقه إلا أن يكون القتيل مرهونا بدين آخر يخالف هذا الدين فله بيعه وجعل ثمنه رهنا بالدين الآخر) * (القسم الثاني) أن تتعلق الجناية بالسيد وفيه مسائل (إحداها) إذا جنى العبد المرهون على طرف سيده عمدا فله القصاص للزخر والانتقام وهو احوج إلى ذلك من الاجانب فان اقتص بطل الرهن وان عفا على مال أو كانت الجناية خطأ فعن ابن سريج أنه يثبت المال ويتوصل الراهن به إلى فك الرهن (والمذهب) أنه لا يثبت لان السيد لا يثبت له على عبده مال ويبقى الرهن كما كان وان جنى على نفسه عمدا فللوارث القصاص فان عفا على مال أو كانت الجناية خطأ ففى ثبوت المال قولان منقولان عن الام (أحدهما) يثبت لان الجناية ههنا حصلت في ملك غير الوارث فجاز أن يثبت له المال كما ثبت للاجنبي (وأصحهما) أنه لا يثبت أيضا لانه لو ثبت لثبت على مملوكه والقولان عند الجزء: 10 ¦ الصفحة: 152 أبى هريرة والشيخ أبى حامد مبنيان على أن الديه تثبت للوارث ابتداء أم يتلقاها الوارث من القتيل (ان قلنا) بالاول ثبت المال لاستفادته في جناية على الغير (وان قلنا) بالثاني لا يثبت لانه لم يثبت للقتيل حق يتلقى منه وأبى الجمهور هذا البناء وقالوا قضية القولين أن لا يثبت شئ (أما) إذا قلنا بالتلقى فظاهر (وأما) إذا قلنا بالقول الآخر فلانه كما يمنع ابتداء اثبات المال للمالك في ماله دما واما يمتنع ابتداؤه للمالك ابتداء (الثانية) لو جنى على طرف من يرثه السيد كأبيه وابنه عمدا فله القصاص وله العفو على مال ولو جنى خطأ ثبت المال فان مات قبل الاستيفاء وورثه السيد فوجهان (أصحهما) عند الصيدلانى والامام أنه كما انتقل إليه سقط ولا يجوز أن يثبت له على عبده استدامة الدين كما لا يجوز له ابتداءه والثانى وهو الذى أورده العراقيون أنه لا يسقط وله بيعه فيه كما كان للمورث ويحتمل في الاستدامة مالا يحتمل في الابتداء وشبه الاصحاب الوجهين بالوجهين فيما إذا ثبت له دين على عبد غيره ثم ملكه يسقط أو يبقى حتى يتبعه به بعد العتق واستبعد الامام هذا التشبيه وقال كيف يكون الاستحقاق الطارئ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 153 على الملك بمثابة الملك الطارئ على الاستحقاق ثم أجاب بأن الدين إذا ثبت لغيره فنقله إليه بالارث إدامة لما كان كما أن ابقاء الدين الذى كان له على عبد الغير بعد ما ملكه إدامة لما كان فانتظم التشبيه من هذا الوجه والى هذا المعنى أشار صاحب الكتاب بقوله لانه في حكم الدوام * ولو كانت الجناية على نفس مورثه وكانت عمدا فللسيد الاقتصاص فان عفا على مال أو كانت خطأ بنى ذلك على أن الدية تثبت للوارث ابتداء أم يتلقاها عن المورث (ان قلنا بالاول) لم يثبت (وان قلنا) بالثاني فعلى الوجهين فيما إذا جنى على طرفه ثم انتقل إليه بالارث (الثالثة) لو قتل عبدا آخر للمراهن نظر ان لم يكن المقتول مرهونا فهو كما لو جنى على السيد والحكم في القن والمدبر وأم الولد سواء وان كان مرهونا أيضا فله حالتان (إحداهما) أن يكون مرهونا عند غير مرتهن القاتل فان قتل عمدا فللسيد الاقتصاص ويبطل الرهنان جميعا وان عفا على مال أو كان القتل خطأ وجب المال متعلقا برقبة العبد لحق مرتهن القتيل فان السيد لو أتلف المرهون لغرم حق المرتهن فلان يتعلق الغرم بعبده كان أولى وان عفا بغير مال (فان قلنا) موجب العمد أحد الامرين وجب المال ولم يصح عفوه عنه الا برضى المرتهن (وان قلنا) موجبه القود (فان قلنا) مطلق العفو لا يوجب المال لم يثبت شئ (وان قلنا) يوجبه فوجهان قال الجزء: 10 ¦ الصفحة: 154 في التهذيب (أصحهما) أنه لا يثبت أيضا لان القتل غير موجب على هذا التقدير فعفوه المطلق أو على مال نوع اكتساب للمرتهن وان عفا مطلقا (فان قلنا) مطلق العفو يوجب المال يثبت عليه المال كما لو عفا علي مال (وان قلنا) لا يوجبه صح العفو وبطل رهن مرتهن المقبول وبقى القاتل رهنا كما كان والحكم في عفو المفلس المحجور عليه كالحكم في عفو الراهن والراهن محجور عليه في المرهون كما أن المفلس محجور عليه في جميع أحواله ثم مهما وجب المال نظر ان كان الواجب أكثر من قيمة القاتل أو مثلها فوجهان (أحدهما) أنه ينقل القاتل إلى يد مرتهن القتيل ولا يباع لانه لا فائدة فيه (وأظهرهما) وهو اختيار القاضى الحسين أنه يباع ويجعل الثمن في يده لان حقه في مالية العبد لا في العين وأيضا فقد رغب راغب بزيادة فيتوثق مرتهن القاتل بتلك الزيادة وان كان أكثر من قيمة القاتل فعلى الوجه الاول ينقل من القاتل بقدر الواجب إلى مرتهن القتيل وعلى الثاني يباع منه قدر الواجب ويبقى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 155 الباقي رهنا فان تعذر بيع البعض أو نقص بالتشقيص بيع الكل وجعل الزائد على الواجب عند مرتهن القاتل * واعلم أن الوجهين انما يظهر ان فيما إذا طلب الراهن النقل وطلب مرتهن القتيل البيع ففى وجه يجاب هذا وفى وجه يجاب ذلك أما إذا طلب الراهن البيع ومرتهن القتيل النقل فالمجاب الراهن لانه لا حق لصاحبه في عينه ولو اتفق الراهن والمرتهنان على أحد الطريقين فهو المسلوك لا محالة ولو اتفق الراهن ومرتهن القتيل على النقل قال الامام ليس لمرتهن القاتل المنافسة فيه وطلب البيع وقضية التوجيه الثاني لاظهر الوجهين أن له ذلك (الحالة الثانية) أن يكون مرهونا عند مرتهن القاتل أيضا فان كان العبدان مرهونين بدين واحد بعد انتقصت الوثيقة ولا مستدرك كما لو مات أحدهما وان كان مرهونين بدينين نظر في الدينين أيختلفان حلولا وتأجيلا أم لا يختلفان (أما) في القسم الاول فله أن يتوثق لدين القتيل بالقتيل لانه ان كان الحال دين القاتل فقد يريد الوثيقة بالمؤجل ويطالب الراهن بالحال في الحال وان كان الحال دين المقتول فقد يريد استيفاءه من ثمنه في الحال وكذا الحكم لو كانا مؤجلين وأحد الاجلين أطول (وأما) القسم الثاني فينظر أبين الدينين اختلاف في القدر أم لا ان لم يكن بينهما اختلاف في القدر كعشرة وعشرة فان كان العبدان مختلفا القيمة وكانت قيمة القتيل أكثر لم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 156 تنقل الوثيقة وان كانت قيمة القاتل أكثر نقبل منه قدر قيمة القتيل إلى دين القتيل وبقى الباقي رهنا بما كان وان كانا متساويين في القيمة بقى القاتل مرهونا بما كان ولا فائدة في النقل وان كان بين الدينين اختلاف كعشرة وخمسة نظر ان تساوى العبدان في القيمة أو كان القتيل أكثرهما قيمة فان كان المرهون بأكثر الدينين القتيل فله توثيقه بالقاتل وان كان المرهون بأقلهما القتيل فلا فائدة في نقل الوثيقة وان كان القتيل أقلهما قيمة فان كان مرهونا بأقل الدينين فلا فائدة في نقل الوثيقة وان كان مرهونا بأكثرهما نقل من القاتل قدر قيمة القتيل إلى الدين الآخر وحيث قلنا بنقل التوثيق فيباع ويقام ثمنه مقام القتيل أو مقام عينه مقامه فيه الوجهان السابقان (وقوله) في الكتاب وله بيعه وجعل ثمنه رهنا بالدين الآخر يوافق أظهر الوجهين منهما (وقوله) بدين يخالف هذا الدين قد يبحث عنه فيقال ظاهره يقتضى تأثير اختلاف الدينين في الجنس كالاختلاف في القدر أو في الحلول والتأجليل وكذلك يقتضى تأثير اختلافهما في الاستقرار وعدم الاستقرر كما إذا كان أحدهما عوض ما يتوقع رده بالعيب أو صداقا قبل الدخول فهل الامر كذلك أم لا (الجواب) أما الاول فان صاحب الكتاب صرح في الوسيط بتأثير اختلاف الجنس وهو متجه في المعني لكن الشافعي رضى الله عنه نص على خلاف وبه قال الاصحاب على طبقاتهم وأما الثاني فان كان القاتل مرهونا بالدين المستقر فلا معنى لنقل الوثيقة وان كان مرهونا بالآخر ففى الشامل ان أبا اسحق حكى فيه وجهين والاكثرون لم يعتبروا سوى ما قدمناه من وجوه الاختلاف والله أعلم * (فرع) لو تساوى الدينان في الاوصاف وحكمنا بأن الوثيقة لا تنقل فلو قال المرتهن أنى لا آمنه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 157 وقد جنى فبيعوه وضعوا ثمنه مكانه هل يجاب إليه روي الامام فيه وجهين * (فرع) لو جني على مكاتب السيد ثم انتقل الحق إليه بموته أو عجزه فهو كما لو انتقل من المورث وقد مر * قال (وينفك الرهن أيضا بقضاء كل الدين * فان فضى بعضه بقى كل المرهون مرهونا ببقية الدين * وكذا إذا رهن عبدين وسلم أحدهما كان مرهونا بجملة الدين (ح) * وكذا لو تلف أحدهما إلا أن يتعدد العقد والصفقة أو مستحق الدين أو المستحق عليه فينفصل أحدهما عن الآخر ولا ينظر إلى تعدد الوكيل واتحاده * وفى النظر إلى تعدد الملك في المرهون المستعار من شخصين خلاف مهما قصد بقضائه فك نصيب أحدهما * وإذا مات الراهن فقضى أحد ابنيه نصف المدين لم ينفك (و) نصيبه * ولو تعلق دين باقرار الورثة بالتركة فقضى واحد نصيبه ففى انفكاك الحصة قولان) * (الثالث) من أسباب انفكاك الرهن براءة الذمة عن الدين بتمامه اما بالقضاء أو الابراء أو الحوالة أو الاقالة المسقطة للثمن المرهون به أو المسلم فيه المرهون به ولو اعتاض عن الدين عينا ارتفع الرهن أيضا لتحول الحق من الذمة إلى العين ثم لو تلفت العين قبل التسليم بطل الاعتياض ويعود الرهن كما عاد الدين قاله في التتمة ولا ينفك بالبراءة عن بعض الدين بعض الرهن كما أن حق الحبس الجزء: 10 ¦ الصفحة: 158 يبقى ما بقى شئ من الثمن ولا يعتق شئ من المكاتب ما بقى شئ من المال وهذا لان الرهن وثيقة لجميع الدين وكل جزء منه كالشهادة ولو رهن عبدين وسلم أحدهما كان المسلم مرهونا بجميع الدين خلافا لابي حنيفة رحمه الله أنه لو سلمهما ثم تلف احدهما كان الباقي رهنا بجميع الذين فيقس عليه ولو رهن دارا فانهدمت بعد القبض فالنقض والعرصة مرهونان بجميع الدين وانما الغرض انفكاك الرهن في بعض المرهون دون بعض بأحد امور (أولها) تعدد العقد كما ادارهن أحد نصفى العبد بعشرة في صفقة ونصفه الآخر في صفقة أخري (وقوله) وان تعدد العقد والصفقة لفظان مترادفان وقد يؤكد بمثلهما (والثانى أن يتعدد المستحق للدين كما إذا رهن رجل من رجلين بدينهما عبدا بينهما صفقة واحدة ثم برئت ذمته عن دين أحدهما بأداء أو ابراء ينفك من الرهن بقسط دينه خلافا لابي حنيفة حيث قال لا ينفك شىء حتي يؤدى دينهما جميعا ولا يخفى وجه قولنا في المسألة ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب أو مستحق الدين مع الحاء بالواو لان عن صاحب التقريب روايه وجه غريب أنه إذا اتحد جهة الدينين كما لو أتلف عليهما مالا أو ابتاع منهما لم ينفك شىء بالبراءة عن دين أحدهما وإنما ينفك إذا اختلفت الجهتان (والثالث) ان يتعدد من عليه الدين كما لو رهن رجلان من رجل بدينه عليهما فإذا أدى أحدهما نصيبه أو برأه المستحق انفك نصيبه وعن أبى حنيفة فيما رواه الصيدلانى وغيره أنه لا ينفك حتى يبرئا عن حقه جميعا وجوز هذا الرهن وان لم يجوز رهن المشاع (والرابع) لو وكل رجلان رجلا ليرهن عبدهما من زيد بدينه عليهما فرهن ثم قضى أحد الموكلين ما عليه فعن بعض الاصحاب تخريجه على قولين الجزء: 10 ¦ الصفحة: 159 سنذكرهما على الاثر والصحيح الجزم بأنه ينفك نصيبه ولا نظر إلى اتحاد الوكيل وتعدده قال الامام لان مدار الباب على اتحاد الدين وتعدده ومهما تعدد المستحق أو المستحق عليه فقد تعدد الدين ويخالف ما نحن فيه البيع والشراء حيث ذكرنا خلافا في أن الاعتبار في تعداد الصفقة واتحادها بالمتبايعين أو الوكيل لان الرهن ليس عقد ضمان حتى ينظر فيه إلى المباشر (الخامس) إذا استعار عبدا من مالكية لرهنه فرهنه ثم أدى نصف الدين وقصد به الشيوع من غير تخصيص بحصة لم ينفك من الرهن شئ وان قصد أداءه عن نصيب أحدهما بعينه لينفك نصيبه فقولان (أحدهما) لا ينفك كما لو استعاره من واحد (والثاني) ينفك كما لو رهن رجلان من رجل ثم أدى أحدهما نصيبه والمعنى فيه النظر إلى تعدد الملك وقطع النظر عن العاقد وفى عيون المسائل ما يدل على أن هذا أظهر القولين ولو كان لشخصين عبدان تماثلا القيمة فاستعارهما للرهن فرهنهما ثم قضى نصف الدين ليخرج أحدهما عن الرهن فطريقان (قيل) يخرج لانضمام تعدد المحل إلى تعدد المالك (والاصح) طرد القولين وإذا قلنا بالانفكاك فلو كان الرهن مشروطا في بيع فهل للمرتهن الخيار إذا كان جاهلا بأنه لمالكين فيه رأيان نسبهما الا كثرون إلى ابن سريج وحكاهما أبو بكر الفارسى قولين (أصحهما) أن له الخيار لان مقتضى الرهن المطلق أن لا ينفك الجزء: 10 ¦ الصفحة: 160 شئ منه إلا بعد أداء جميع الدين ولم يحصل ذلك ونقل المحاملى وغيره في أصل المسألة قولا ثالثا وهو أن المرتهن ان كان عالما بأن العبد لمالكين فللراهن فك نصيبه بأداء نصف الدين وان كان جاهلا لم يكن للراهن فكه إلا بأداء الكل قال الامام ولا نعرف لهذا وجها فان عدم الانفكاك لاتحاد الدين والعاقدين وهذا لا يختلف بالعلم والجهل وانما أثر الجهل الخيار على ما بيناه * ولو استعار من رجلين ورهن من رجلين كان نصيب كل واحد من المالكين مرهونا من الرجلين فلو أراد فك نصيب أحدهما بقضاء نصف دين كل واحد منهما فعلى القولين ولو أراد فك نصف العبد بقضاء دين أحدهما فله ذلك بلا خلاف ولو استعار اثنان من واحد ورهنا من واحد ثم قضى احدهما ما عليه انفك النصف لتعدد العاقد هذا هو المنقول وقد يخطر بالبال أنه إذا تعدد المالك واتحدد العاقد ينظر إلى تعدد المالك على رأى فلم لا ينظر إلى اتحاده إذا اتحد المالك وتعدد العاقد ويجوز أن يجاب عنه بأنا انما نلاحظ جانبه بما ينفعه لا بما يضره * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 161 (فرع) قال في التهذيب لو استعار ليرهن من واحد فرهن من اثنين أو بالعكس لا يجوز (أما) في الصورة الاولى فلانه لم يؤذن (وأما) بالعكس فلانه إذا رهن من اثنين ينفك بعض الرهن باداء دين أحدهما وإذا رهن من واحد لا ينفك شئ إلا باداء الجميع ونقل صاحب التتمة وغيره في الطرفين الجواز والاول أصح (والسادس) لو رهن عبدا بمائة ثم مات عن اثنين فقضى أحدهما حصته من الدين هل ينفك نصيبه من الرهن عن صاحب التقريب أنه على قولين (أحدهما) ينفك كما لو رهن في الابتداء اثنان (وأصحهما) وبه قطع قاطعون أنه لا ينفك لان الرهن في الابتداء صدر من واحد وأنه انما أثبت وثيقة قضيتها حبس كل المرهون إلى أداء كل الدين فوجب ادامتها ولو مات من عليه الدين وتعلق الدين بتركته فقضى بعض الورثة نصبيه من الدين قال الامام لا يبعد أن يخرج انفكاك نصيبه من الرهن علي قولين بناء على أن أحد الورثة لو أقر بالدين وأنكر الباقون هل يلزم المقر أداء جميع الدين من حصته من التركة وعلى هذا البناء فالاصح الانكفاك لان الجديد لا يلزمه أداء جميع الدين مما في يده من التركه وأيضا فان تعلق الدين بالتركة إذا مات الراهن (إما) أن يكون الجزء: 10 ¦ الصفحة: 162 كتعلق الرهن أو كتعلق الارش بالجاني (إن) كان الاول فهو كما لو تعدد الراهن (وان) كان الثاني) فهو كما لو جني العبد المشترك فادى احد الشريكين نصيبه ينقطع التعلق عنه (واعلم) أن الحكم بانفكاك نصيبه إنما يظهر إذا كان ابتداء التعلق مع ابتداء تعلق الملاك ولو كان الموت مسبوقا بالمرض فيكون التعلق سابقا على ملك الورثة فان للدين أثرا بينا في الحجر على المريض فيشبه أن يكون القول في انفكاك نصيبه كما مر في الصورة السابقة (وقوله) في الكتاب باقرار الورثة قيد قد ذكره ههنا وفي الوسيط وصورة المسألة غنية عنه فان التعلق لا يختلف بين أن يكون ثبوت الدين بالبينة أو بالاقرار ولم يتعرض صاحب النهاية لهذا القيد * قال (ومهما انفك نصيب أحدهما فله أن يستقسم المرتهن بعد اذن الشريك الراهن بناء على الاصح في أن حكم القسمة في مثل هذا حكم الاقرار لا حكم البيع) * إذا كان المرهون لماكين وانفك الرهن في يصيب أحدهما باداء أو ابراء وأراد الذى انفك نصيبه القسمة نظر ان كان المرهون مما ينقسم بالاجزاء كالمكيلات والموزونات قال الشافعي رضى الله عنه كان للذى انفك نصيبه أن يقاسم المرتهن باذن شريكه وان كان مما لا ينقسم بالاجزاء كالثياب والعبيد قال اصحابنا العراقيون لا يجاب إليه ومثاله أن يرهنا عبدين مشتركين متساويا القيمة وانفك الرهن عن نصف كل عبد فاراد من انفك نصيبه أن ينفرد بعبد وينحصر الرهن في عبد فأن كان المرهون ارضا مختلفة الاجزاء كالدار وطالب من انفك نصيبه القسمة قالوا على الشريك أن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 163 يساعد وفى المرتهن وجهان (أظهرهما) أن له أن يمتنع لما في القسمة من التشقيص وقلة الرغبات وهذا ما ضمنه العراقيون طرقهم وزاد آخرون منهم أصحاب القفال فقالوا تجويز القسمة حيث جوزناه مبنى على أن القسمة افراز حق فاما إذا جعلناها بيعا فهى بيع المرهون بغيره وهو فيمتنع ثم إذا جوزنا القسمة فسبيل الطالب أن يراجع الشريك فان ساعده فذاك والا رفع الامر إلى القاضى ليقسم ونقل الصيدلانى وجها أنه لا حاجة إلى اذن الشريك في المتماثلات لان قسمتها قسمة اجبار والمذهب الاول * فلو قاسم المرتهن وهو مأذون من جهة المالك أو الحاكم عند امتناع المالك جاز والا فلا وإذا منعناها فلو رضى المرتهن فالمفهوم من كلام المعظم صحتها وقال الامام لا يصح ولو رضى لان رضاه انما يؤثر في فك الرهن أما في بيع الرهن بما ليس برهن ليصير رهنا فلا وهذا اشكال قوى (وقوله) في الكتاب وله أن يستقسم المرتهن بعد اذن الشريك الآخر يوافق اللفظة التى نقلناها عن الشافعي رضى الله عنه والقسمة في الحقيقة انما تجرى مع الشريك لانه المالك لكن لما كان المرهون في يد المرتهن وكان فصل الامر معه أهون حسن القول بانه يقاسمه بذن المالك (وقوله) بناء على الاصح سيأتي في موضعه في أن حكم القسمة في مثل هذا حكم الافراز يعنى بقوله في مثل هذا المكيلات ولموزونات ونحوهما وفيه النص الجزء: 10 ¦ الصفحة: 164 الذى نقلناه وقد بين ذلك في الوسيط وكان في خاطره ههنا الا أنه أغفل ذكره ثم القول بأن الاصح فيها قول الافراز غير مساعد عليه كما سيأتي في موضعه ثم أطبقوا على تجويز القيمة ههنا وجعلوا تأثير قولنا إنها بيع في افتقارها إلى إذ المرتهن والله أعلم * ولو أراد الراهنان القسمة قبل انفكاك شئ من المرهون فعلى التفصيل الذى بيناه ولو رهن واحد من اثنين وقضى نصيب أحدهما ثم أراد القسمة ليمتاز ما بقى فيه الرهن ففى اشتراط رضى الذى بقى رهنه ما ذكرناه والله أعلم * قال (ولو قال للمرتهن بع المرهون لى واستوف الثمن لى ثم استوفه لنفسك ففى استيفائه لنفسه تردد من حيث اتحاد القابض والمقبض * وان قال بعه لى واستوف الثمن لنفسك فسد ستيفاؤه وكان مضمونا في يده لانه استيفاء فاسد فأشبه الصحيح في الضمان * ولو قال بع لنفسك بطل الاذن إذا كيف يبيع ملك غيره لنفسه * ولو قال بع مطلقا فالاصح صحته وتنزيله على البيع للراهن) * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 165 وجه انتظام هذه المسائل في هذا الموضع ان الدين تارة يقضي من غير المرهون وأثره الانفكاك على ما تقرر وتارة يقضى منه بأن يباع فيه وقد مر بيان أنه متى يباع ومن يبيعه وأنه لو أذن الراهن للمرتهن في بيعه ماذا حكمه ونتكلم الآن في صيغة اذنه ببيان صور (احداها) لو قال للمرتهن بع المرهون لى واستوف الثمن ثم استوفه لنفسك صح منه البيع والاستيفاء للراهن ثم لا يحصل الاستيفاء لنفسه بمجرد إدامة اليد والامساك لان قوله ثم استوف لنفسك مشعر باحداث فعل فيه فلابد اذن من اذن جديد لوكيل جديد على ما هو بيان القبض في المقدرات ولو كانت الصيغة ثم أمسكه لنفسك فلابد من احداث فعل أيضا أم يكفى مجرد الامساك حكى الامام فيه وجهين وقال أولهما أظهرهما ثم إذا استوفاه لنفسه ففيه وجهان ذكرناهما في نظائر المسألة في البيع لاتحاد القابض والمقبض فان صححناه برئت ذمة الراهن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 166 عن الدين والمستوفى من ضمانه وان أفسدناه وهو الاصح لم يبرأ ولكن يدخل المستوفى في ضمانه أيضا لان القبض الفاسد كالصحيح في اقتضاء الضمان (الثانية) لو قال بعه واستوف الثمن لنفسك صح البيع ولم يصح استيفاء الثمن لانه لما لم يصح قبض الراهن لا يتصور منه القبض لنفسه وههنا كما قبضه يصير مضمونا عليه (الثالثة) لو قال بعه لنفسك فقولان (أصحهما) أن الاذن باطل ولا يتمكن من البيع لانه لا يتصور أن يبيع الانسان مال غيره لنفسه (والثانى) حكاه صاحب التقريب أنه يصح اكتفاء بقوله بع والغاء لقوله لنفسك وأيضا فان السابق إلى الفهم منه الامر بالبيع لغرضه وهو التوسل به إلى وفاء الدين (الرابعة) لو أطلق وقال بعه ولم يقل لى ولا لنفسك فوجهان (أصحهما) صحة الاذن بالبيع ووقوعه للراهن كما لو قال لاجنبي بعه (والثانى) المنع وعللوه بمعنيين (أحدهما) أن البيع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 167 مستحق للمرتهن بعد حلول الحق والكلام مفروض فيه وإذا كان كذلك تقيد الاذن به وصار كأنه قال بعه لنفسك (والثاني) أنه متهم في ترك النظر استعجالا للوصول إلى الدين وعلى التعليلين لو كان الدين مؤجلا فقال بعه صح الاذن لعدم الاستحقاق والتهمة فان قال مع ذلك واستوف حقك من ثمنه جاءت التهمة ولو قدر له الثمن لم يصح على التعليل الاول ويصح علي الثاني وكذا لو كان الراهن حاضرا عند البيع قال الامام ومن قال بالمنع أول قوله في المختصر ولو شرط للمرتهن إذا حل الحق أن يبيعه لم يجز أن يبيع لنفسه إلا بأن يحضر رب الرهن وقال معناه إلا أن يخصره الراهن فيبيعه وهذا ما وعدت أن أذكره من تأويله والله أعلم * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 168 > * (الباب الرابع في النزاع بين المتعاقدتين) * < قال (وهو في أربعة أمور (العقد الاول) ومهما اختلفا فيه فالقول قول الراهن إذ الاصل عدم الرهن * فلو ادعى المرتهن أن النخيل التى في الارض مرهونة مع الارض فللراهن أن ينكر رهنها أو وجودها ويحلف ان لم يكذبه الحس في انكار الوجود فان كذبه واستمر على انكار الحس جعل نا كلا عن اليمين ورد على المرتهن الا أن يعدل إلى نفى الرهن فيحلف عليه * التنازع في باب الرهن يفرض في أمور (أحدها) أصل العقد فإذا قال رب الدين رهنتني كذا وأنكر المالك أو رهنتني عبدك فقال بل ثوبي فالقول قول الراهن مع يمينه لان الاصل عدم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 169 الرهن وكذا لو اختلفا في قدر المرهون به فقال الراهن رهنته بالف وقال المرتهن بل بألفين وبه قال أبو حنيفة وأحمد وعن مالك أن القول قول من قيمة المرهون أقرب الي ما يقوله * ولو اختلفا في قدر المرهون فكذلك القول قول الراهن ومن صورة أن يرهن ارضا فيها أشجار ثم قال الراهن رهنت الارض دون ما فيها وقال المرتهن بل بما فيها وكذا لو قال هذه الاشجار مرهونة منى كالارض وأنكر الراهن ولو قال رهنتها مع الارض يوم رهن الارض وقال الراهن ان هذه الاشجار أو بعضها لم تكن يوم رهن الارض وانما أحدثتها بعدها نظر ان كانت الاشجار بحيث لا يتصور وجودها يوم الرهن فالمرتهن كاذب والقول قول الراهن بلا يمين وان كانت بحيث لا يتصور حدوثها فالراهن كاذب ثم ان سلم في معارضتها أنه رهن الارض بما فيها كانت الاشجار مرهونة كما يقول المرتهن ولا حاجة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 170 إلى التحليف فيها وان زعم رهن الارض وحدها أو رهن ما سوى الاشجار المختلف فيها أو اقتصر على نفى الوجود فلا يلزم من كذبه في انكار الوجود كونها مرهونة فيطالب بجواب دعوى الراهن فان استمر علي انكار الوجود واقتصر عليه جعل نا كلا وردت اليمين على المرتهن وان رجع إلى الاعتراف بالوجود وأنكر رهنها قبل انكاره وعرض عليه اليمين لجواز كونه صادقا في نفي الرهن وان كذب في نفى الوجود * ولو كانت الاشجار بحيث تتحمل الوجود يوم رهن الارض والحدوث بعده قالقوا قول الراهن لما مر فإذا حلف هي كالشجرة الحادثة بعد الرهن في القلع وسائر الاحكام وقد بيناها من قبل وهذا كله تفريع على الاكتفاء منه بانكار الوجود وهو الصحيح لان في انكار الوجود يوم الرهن انكار ما يدعيه المرتهن وهو رهنها مع الارض وفيه وجه سيأتي في نظائر المسألة في الدعاوي أنه لابد من انكار الرهن صريحا * واعلم أن الحكم بتصديق الراهن في هذه الصورة مفروض فيما إذا كان اختلافهما في رهن تبرع (فاما) إذا اختلفا في رهن مشروط في بيع فالجواب أنهما يتحالفان كما في سائر كيفيات البيع إذا وقع فيه الاختلاف (وأما) لفظ الكتاب فقوله فالمراهن أن ينكر رهنها أو وجودها لدى الرهن معناه أنه يقع منه بكل واحد من الانكارين ويعتد به جوابا ولك أن تعلم قوله أو وجودها - بالواو - للوجه الذى حكيناه (وقوله) قبله فلو ادعي المرتهن أن النخل التى في الارض مرهونة مع الارض أي رهنها يوم رهن الارض والا فلو اقتصر على دعوى رهنها لم يكن انكار وجودها يوم رهن الارض يكتفى به الجواب إذ لا يلزم أن تكون موجودة يومئذ أن لا تكون مرهونة (وقوله) فان كذبه واستمر على انكار الحس أي اقتصر على كلامه الاول بعد ما طالبناه بجواب دعوى الرهن على ما أوضحته * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 171 قال (ولو ادعى على رجلين رهن عبدهما عنده فلاحدهما أن يشهد على الآخر إذا انفرد بتكذيبه * ولو ادعى رجلان على واحد فصدق أحدهما فهل له أن يشهد للمكذب فيه وجهان ينبنيان على أنه هل يشاركه فيما سلم له لو لم يشهد) * احدى صورتي الفصل أن يدعى رجل على رجلين أنهما رهنا منه عبدهما الفلاني بمائة واقبضاه فان أنكر المدعى عليهما الرهن أو الرهن والدين والدين جميعا فالقول قولهما مع اليمين فان صدق أحدهما دون الآخر فنصيب المصدق رهن بخمسين والقول في نصيب المكذب قوله مع يمينه فلو شهد المصدق للمدعى على شريكه المكذب قبلت شهادته لانها شهادة على الغير ليس فيها دفع ضرر ولاجلب نفع فإذا شهد معه آخر أو حلف المدعى معه ثبت الرهن في الكل ولو زعم كل واحد منهما أنه ما رهن نصيبه وأن شريكه رهن وشهد عليه فوجهان ويقال قولان (احدهما) وبه قال الشيخ أبو حامد أنه لاتقبل شهادة واتحد منهما لان المدعى يزعم أن كل واحد منهما كاذب ظالم بالجحود وطعن المشهود له في الشاهد يمنع قبول شهادته له (والثانى) تقبل وبه قال الاكثرون ولانهما ربما نسيا وان تعمدا فالكذبة الواحدة لا توجب الفسق ولهذا لو تخاصم رجلان في شئ ثم شهدا في حادثة تقبل شهادتهما وان كان أحدهما كاذبا في ذلك التخاصم فعلى هذا إذا حلف مع كل واحد منهما أو أقام شاهد آخر ثبت رهن الكل وعن أبي الحسن بن القطان الذى شهد أولا تقبل شهادته دون أن الذي شهد آخرا لانه انتهض خصما منتقما والثانية ادعى رجلان على واحد انك رهنتنا عبدك هذا بمائة واقبضناه فان صدقهما أو كذبهما لم يخف الحكم وان صدق أحدهما دون الآخر فنصف العبد مرهون عند المصدق ويحلف الآخر وهل تقبل شهادة المصدق علي المكذب للمكذب (أطلق) مطلقون انها لاتقبل وقال القاضى ابن كج تقبل وحكى الامام وصاحب الكتاب فيه وجهين بناء على أن الشريكين الجزء: 10 ¦ الصفحة: 172 إذا ادعيا حقا أو ملكا بابتياع أو غيره فصدق المدعى على أحدهما دون الآخر يستبد المصدق بالنصف المسلم أو يشاركه الآخر فيه وفيه وجهان (ان قلنا) إنه يستبد المصدق بالنصف قبلت شهادته للشريك والا فلا لانه يدفع بشهادته زحمة الشريك عن نفسه والكلام في الاصل المبنى عليه يذكر في الصلح ان شاء الله تعالى والذى ينبغى أن يفتى به فيما نحن فيه القبول ان كان الحال لا يقتضي الشركة والمنع أن اقتضت الشركة لانه دافع وذكر في التهذيب أنه ان لم ينكر الا الرهن قبلت شهادته للشريك وان أنكر الدين والرهن فحينئذ يفرق بين أن يدعى الارث أو غيره ولك أن تقول كما أن الاستحقاق في الدين يثبت بالارث تارة وبغيره أخرى فكذلك استحقاق الرهن فليجز التفصيل وان لم ينكر إلا الرهن * (فرع) منصوص عليه في رواية الربيع ادعى زيد وعمرو على ابى بكر أنهما رهنا عبدهما المشترك بينهما بمائة فصدق احد المدعيين ثبت ما ادعاه وكان له على كل واحد منهما ربع المائة ونصف نصيب كل واحد منهما مرهونا به وان صدق أحد الاثنين زيدا والآخر عمرا تبت الرهن في نصف العبد لكل واحد من المدعيين في ربعه فربع المائة لان كل واحد منهما يدعى على الاثنين نصف العبد ولم يصدقه إلا أحدهما ثم لو شهد أحد الاثنين على الآخر قبلت شهادته ولو شهد أحد المدعيين للآخر فعلى ما ذكرناه في الصورة الثانية والمسألة ظاهرة من جهة المعني لكن في فهمهما وتصورها تعقيد حكى الصيدلانى أن ابن سريج قال ما انتهيت إليها الا احتجت إلى الفكرة في تصورها حتى اثبتها على حاشية الكتاب * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 173 (فرع) منصوص عليه في المختصر ادعى رجلان على واحد فقال كل واحد منهما رهنتني عبدك هذا واقبضتنيه نظر ان كذبهما جميعا فالقول قوله ويحلف لكل واحد منهما يمينا وإن كذب أحدهما وصدق الآخر قضى بالرهن للمصدق وهل للمكذب تحليفه فيه قولان (أصحهما) لا قاله في التهذيب وهما مبنيان على أنه لو أقر بمال لزيد ثم أقر به لعمر وهل يغرم قيمته لعمر وفيه قولان وكذا لو قال رهنت هذا من زيد وأقبضته ثم قال لا بل رهنته من عمرو وأقبضته هل يغرم قيمته للثاني ليكون رهنا عنده (إن قلنا) يغرم فله تحليفه فربما يقر ويأخذ القيمة (وان قلنا) لا يغرم يبنى على أن النكول ورد اليمين بمثابة الاقرار أو البينة (إن قلنا) بالاول لم يحلف لان غايته أن ينكل فيحلف وذلك مما لا يفيده شيئا كما لو أقر (وان قلنا) بالثاني حلفه فان نكل فحلف اليمين المردودة ففيما يستفيد به وجهان (أحدهما) يقضى له بالرهن وينتزع من الاول وفاء بجعله كالبينة (وإصحهما) انه يأخذ القيمة من المالك لتكون رهنا عنده ولا ينتزع المرهون من الاول الجزء: 10 ¦ الصفحة: 174 لانا وان جعلناه كالبينة فانما نجعل ذلك بالاضافة إلى المتداعيين ولا نجعله حجة على غيرهما وان صدقهما جميعا نظر ان لم يدعيا السبق أو ادعاه كل واحد منهما وقال المدعى عليه لا أعرف السابق منكما وصدقاه فوجهان (أحدهما) أنه يقسم الرهن بينهما كما لو تنازعا ملكا في يد ثالث واعترف صاحب اليد لهما بالملك (وأصحهما) انه يحكم ببطلان العقد كما إذا زوج وليان من شخصين ولم يعرف السابق منهما وان ادعى كل واحد منهما السبق وان الراهن علم بصدقه وانه بقي علمه بالسبق فالقول قوله مع يمينه فان نكل ردت اليمين اليهما فان حلف أحدهما دون الآخر قضى له وان حلفا أو نكلا تغذر معرفة السابق وعاد الوجهان وان صدق أحدهما في السبق وكذب الآخر قضى للمصدق وهل يحلفه المذكب فيه القولان السابقان وحيث قلنا يقضى للمصدق فذلك إذا لم يكن العبد في يد المكذب فان كان فقولان الجزء: 10 ¦ الصفحة: 175 (أحدهما) وهو اختيار المزني أخيرا أن يده ترجح على تصديق الراهن الآخر وتقتضي له بالرهن (وأصحهما) أن المصدق مقدم لان اليد لادلالة لها على الرهن ألا ترى أنه لا تجوز الشهادة بها على الرهن ولو كان العبد في أيديهما معافا لمصدق مقدم في النصف الذى هو في يده وفى النصف الاخير قولان والاعتبار في جميع ما ذكرناه بسبق القبض لا بسبق العقد حتي لو صدق هذا في سبق العقد وهذا في سبق القبض فالمقدم الثاني * (فرع) دفع متاعا إلى رجل وأرسله إلى غيره ليستقرض منه الدافع ويرهن المتاع به ففعل ثم اختلفا فقال المرسل إليه استقرض مائة ورهن المتاع بها باذنك وقال المرسل لم آذن له الا في الجزء: 10 ¦ الصفحة: 176 خمسين نظر ان صدق الرسول المرسل فالمرسل إليه مدع عليهما على المرسل بالاذن وعلى الرسول بالاخذ فالقول قولهما في نفى ما يدعيه وان صدق المرسل إليه فالقول في نفى الزيادة قول المرسل ولا يرجع المرسل إليه على الرسول بالزيادة إن صدقه في الدفع إلى المرسل لانه مظلوم بقوله وان لم يصدقه رجع عليه هكذا ذكروه وفيه إشكال لان الرسول وكيل الرسل وبقبضه يحصل الملك للموكل حتى يغرم له ان تندي فيه ويسلمه إليه ان كان باقيا وإذا كان كذلك فرجوع المرسل إليه ان كان بناء على توجه العهدة على الوكيل فليرجع وان صدقه في دفع المال إلى المرسل كما يطالب البائع الوكيل بالشراء بالثمن وان صدقه في تسلم المبيع إلى الموكل وان كان الرجوع لان للمقرض أن يرجع في عين القرض مادام باقيا فهذا ليس بتعريض ورجوع ملف وانما يسترد عين المدفوع فيحتاج إلى اثبات كونه في يده ولا يكفى فيه عدم التصديق بالدفع إلى المرسل وان كان غير ذلك فلم يرجع إذا لم يصدقه ولم يوجد منه تعد عليه ولا على حقه والله أعلم قال (الامر الثاني في القبض والقول فيه أيضا قول الراهن * وكذا ان وجدناه في يد المرتهن إذا قال الراهن غصبته (و) * ولو قال أخذته وديعة أو عارية أو بجهة أخرى مع الاذن فوجهان وانه اعترف بقبض مأذون فيه من الراهن وأراد صرفه عنه * فلو أقيمت الحجة على إقراره بقبض الرهن فقال كنت غلطت فيه تعويلا على كتاب الوكيل أو إقامة على رسم القبالة (و) فله أن يحلف المرتهن على نفيه * وان قال تعمدت الكذب فلا يسمع (و) ولا يمكن من التحليف) * الامر الثاني مما يعرض فيه التنازع في القبض وفيه مسألتان (إحدهما) إذا تنازعا في قبض الجزء: 10 ¦ الصفحة: 177 المرهون نظر ان كان في يد الراهن وقت النزاع فالقول قوله مع يمينه كما في أصل الرهن وان كان في يد المرتهن وقال أقبضنيه عن الرهن وأنكر الراهن نظر ان قال غصبتنيه فالقول قوله أيضا لان الاصل عدم لزوم الرهن وعدم إذنه في القبض وان ادعى قبضه عن جهة أخرى مأذون فيها سوى الرهن فان قال أود عتكه أو أعرت أو اكتريت أو اكتريته من فلان ما كراه منك فوجهان (أحدهما) أن القول قول المرتهن لانهما اتفقا على قبض مأذون فيه وأراد الراهن أن يصرفه إلى جهة أخرى والظاهر خلافه لتقدم العقد المحوج إلى القبض (أصحهما) وهو المنصوص أن القول قول الراهن لان الاصل عدم اللزوم وعدم اذنه في القبض عن الرهن وفى النهاية حكاية وجه بعيد فيما إذا قال غصبتنيه أيضا أن القول قول المرتهن استدلالا باليد على الاستحقاق كما يستدل بها على الملك ويجرى مثل هذا التفصيل فيما إذا اختلف البائع والمشترى في القبض حيث كان للبائع حق الحبس؟ إلا أن الاظهر ههنا الحكم بحصول القبض إذا كان المبيع عند المشترى وادعي البائع أنه إعارة أو أودعه لتقوى اليد بالملك وهذا يتفرع على أن حق الحبس لا يبطل بالايداع والاعارة عند المشترى وفيه وجهان ولو سلم الراهن أنه اذن له في قبضه عن جهة الرهن ولكن قال رجعت قبل أن قبضته وقال المرتهن لم ترجع فالقول قوله لان الاصل عدم الرجوع ولو قال الراهن لم تقبضه بعد وقال المرتهن قبضته فقد نقل فيه اختلاف نص عن الام واتفق الاصحاب على تنزيلهما على حالين ان كان المرهون في يد الراهن فالقول قوله وان كان في يد المرتهن فالقول قوله لان اليد قرينة دالة على صدقة (الثانية) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 178 إقرار الراهن باقبضا المرهون مقبول ملزم لكن بشرط الامكان حتى لو قال رهنته اليوم دارى بهمدان واقبضتها إياه وهما بقزوين فهو لاغ ولو قامت الحجة على اقراره في محل الامكان فقال لم يكن إقراى على حقيقته فحلفوه أنه قبض نظر ان ذكر لاقراره تأويلاكما إذا قال كنت أقبضته بالقول وظننت أنه يكفى قبضا أو القى إلى كتاب عن سان وكيلى أنه أقبض ثم خرج مزورا أو قال أشهدت على رسم القبالة قبل تحقيق القبض فله تحليفه وان لم يذكر تأويلا فوجهان (عن) أبى اسحق أنه لا يمكن من التحليف ولا يلتفت إلى قوله الثاني لمناقضته الاول) وقال ابن خيران وغيره يمكن منه وهو ظاهر النص لانا نعلم أن الوثائق في الغالب يشهد عليها قبل تحقيق ما فيها فأى حاجة إلى تلفظه بذلك وهذا أصح عند العراقيين والاول أصح عند المراوزة وهذا إذا قامت الحجة على إقراره اما إذا أقر في مجلس القضاء بعد توجه الدعوى عليه فعن الشيخ أبى محمد عن القفال أنه لا يمكن من التحليف وان ذكر لاقراره تأويلا لا نه لا يكاد يقر عند القاضى الا عن تحقيق وقال غيره لافرق لشمول الانكار ولو شهد الشهود على نفس الاقباض فليس له التحليف بحال وكذا لو شهدوا على إقراره فقال ما أقررت لانه تكذيب للشهود * ولو كان الرهن مشروطا في البيع فقال المشترى وفيت وأقبضت ثم تلف الرهن فلا خيار لك في البيع وأقام على إقراره بالقبض حجة فأراد المرتهن تحليفه فهو كما ذكرنا في اقراره الراهن وطلبه يمين المرتهن وقس على هذا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 179 ما إذا قامت البينة على إقراره لزيد بألف فقال إنما أقررت وأشهدت ليقرضني ثم إنه لم يقرضنى فحلفوه وسائر النظائر (وقوله) في الكتاب فله أن يحلف المرتهن على نفيه قد أعلم بالواو لانه روى في الوسيط إذا كذب نفسه في إقراره ثلاثة أوجه المنع المطلق وتمكينه من التحليف مطلقا والفرق بين أن يذكر سببا وتأويلا وبين ان يقول كذبت عمدا ولا يعتذر لكن المنع المطلق قل من رواه (وقوله) على نفيه أي على نفى ما يدعيه من التأويل وليس ذلك على معنى أنه يتعين محلفا عليه بل له تحليفه على القبض كما مرو ينبغى أن يكون التحليف على نفى ما يدعيه من التأويل فيما إذا نازعه المرتهن في تأويله ونفاه أما إذا لم يتعرض له وأقتصر على قوله قبضت فيقنع منه بالحلف عليه وقوله فلا يسمع ولا يمكن من التحليف يجوز اعلامه بالواو لانه أراد ما إذا قال كذبت عمدا ولم يعتذر بشئ وقد بان الخلاف فيه * قال (الامر الثالث في الجناية فإذا اعترف الجاني وصدقه الراهن دون المرتهن أخذ الارش وفاز به * وان صدقه المرتهن أخذ الارش وكان رهنا عنده إلى قضاء الدين * فإذا أقضى من موضع آخر فهو مال ضائع لا يدعيه أحد * وان جنى العبد واعترف به المرتهن فالقول قول الراهن * ولو قال الجزء: 10 ¦ الصفحة: 180 الراهن أعتقته أو غصبته قبل أن رهنت أو كان قد جني وأضاف إلى معين مجنى عليه ففيه ثلاثة أقوال * كما في تنفيذ عتقه لانه مالك لا تهمة فيه * فان قلنا لا يقبل فيحلف المرتهن على نفى العلم * فان حلف هل يغرم الراهن للمقرله يبتني على قولى الغرم بالحيلولة * وان نكل يرد اليمين على الراهن أو على المقر له قولان * وكل واحد من المرتهن والمقر له مهما نكل فقد أبطل حق نفسه عن الغرم بنكوله * وان رددنا * على الراهن فنكل فهل للمقر له الحلف لكيلا يبطل حقه بنكول غيره فيه قولان * وان قلنا يقبل اقراره فهل للمرتهن تحليفه فيه وجهان * فان حلفناه فنكل وحلف المرتهن اليمين المردودة ففائدة حلفه تقرير العبد في يده أو أن يغرم الراهن له قولان * ولو كان المقر به الاستيلاد فيزيد أن المستولدة تحلف إذا نكل الراهن وان حرية الولد والنسب تثبت لا محالة) * الثالث مما يتنازعان فيه الجناية إما على المرهون أو به (أما) القسم الاول فإذا جني على العبد المرهون فجاء انسان وأقر بانه الجاني فان صدقه المتراهنان أو كذباه لم يخف الحكم وان صدقه الراهن وحده اخذ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 181 الارش وفاز به وليس للمرتهن التوثق به وان صدقه المرتهن وحده أخذ الارش وكان مرهونا فان اتفق قضاء الدين من غيره أو أبرأ المرتهن فوجهان (أصحهما) أنه يرد الارش إلى المقر (والثاني) يجعل في بيت المال لانه مال ضائع لا يدعيه أحد إذ المرتهن انقطعت علقته والراهن ينكر استحقاقه والمقر معترف بان أداءه كان واجبا عليه وللصورة أخوات تذكر في مواضعها ان شاء الله تعالى (القسم الثاني) الجناية من المرهون والنزاع في جنايته اما أن يقع بعد لزوم الرهن أو قبله (الحالة الاولى) ان يتنازعا في جنايته بعد لزوم الرهن فإذا أقر المرتهن بانه جنى وساعده العبد أو لم يساعده لم يقبل قوله على الراهن بل القول قول الراهن مع يمينه لان الملك له وضرر الجناية يعود إليه وإذا بيع في دين المرتهن لم يلزمه تسليم الثمن إليه باقراره السابق واحتجوا بان العبد ان لم يكن جانبا فلا حق فيه لغير المرتهن وان كان جانيا فلا يصح بيعه للمرتهن لتعلق حق المجني عليه به وإذا لم يصح بيعه كان الثمن باقيا على ملك المشترى ولو أقر الراهن بجنايته وأنكر المرتهن فالقول قوله لان الاصل عدم الجناية وبقاء الرهن وإذا بيع في الدين فلا شئ للمقرأ له علي الراهن لان الراهن لا يغرم جناية المرهون ولم يتلف بالرهن شيئا للمقر له لكون الرهن سابقا علي الجناية وليس كما لو أقر بجناية أم الولد حيث يغرم للمقر له وان سبق الاستيلاد الجناية لان السيد يغرم جناية أم الولد وذكر القاضى ابن كج وجها آخر أنه يقبل اقرار الراهن ويباع العبد في الجناية ويغرم الراهن للمرتهن (الحالة الثانية) أن يتنازعا في جنايته قبل لزوم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 182 الرهن وفيها مسألتان (احداهما) أقر الراهن بانه كان قد أتلف مالا أو جني على نفس جناية توجب المال فينظر ان لم يعين المجني على أو عينه ولكنه لم يصدقه ولم يدع ذلك فالرهن مستمر بحاله وان عينه وادعاه المجني عليه نظر ان صدقه المرتهن بيع في الجناية وللمرتهن الخيار ان كان ذلك الرهن مشروطا في بيع وان كذبه فاصح القولين وبه قال ابو حنيفة واختاره المزني أنه لا يقبل قوله صيانة لحق المرتهن (والثانى) يقبل لانه مالك فيما أقر به فلا تنقدح تهمة في إقراره وقال من نصر الاول فيه تهمة ومواطأة للمقر له والتدرج إلى دفع الرهن والقولان كالقولين فيما إذا أقر العبد بسرقة مال ونفذناه في القطع هل ننفذه في المال لانه بهذا الاقرار يضر بنفسه فلا ينفى التهمة ويجرى القولان فيما لو قال كنت غصبته أو اشتريته شراء فاسدا أو بعته قبل أن رهنته أو وهبته وأقبضته وفيما لو قال كنت أعتقته قال الشيخ أبو حامد ولا حاجة في هذه الصورة إلى تصديق العبد ودعواه بخلاف سائر الصور وفى الاقرار بالعتق قول ثالث أنه ان كان موسرا نفذ والا فلا تنزيلا للاقرار بالاعتاق منزلة الاعتاق ونقل امام الحرمين هذا القول الفارق في الصور كلها وجعلها على ثلاثة أقوال وتابعه المصنف * (التفريع) إن قلنا لا يقبل اقرار الراهن فالقول في بقاء الرهن قول المرتهن مع يمينه يحلف علي نفى العلم بالجناية وإذا حلف واستمر الرهن فهل يغرم الراهن للمجني عليه فيه قولان قال الائمة (أصحهما) أنه يغرم وهو اختيار المزني كما لو قتله لان حال بينه وبين حقه (والثانى) لا يغرم لانه أقر في رقبة العبد بما لم يقبل اقراره فكأنه لم يقر والقولان كالقولين فيما إذا أقر بالدار لزيد ثم أقر بها لعمرو هل يغرم؟ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 183 لعمر ويعبر عنهما بقولى الغرم للحيلولة لانه بالاقرار الاول حال بين من اعترف باستحقاقه ثانيا وبين حقه (فان قلنا) يغرم طولب في الحال ان كان موسرا وان كان معسرا فإذا أيسر وفيما يغرم المجني عليه طريقان (قال) أبو إسحق وطائفة أصح القولين أنه يغرم الاقل من قيمته وأرش الجناية (وثانيهما) أنه يغرم الارش بالغا ما بلغ وقال الاكثرون ومنهم أبو الحسن يغرم الاقل بلا خلاف كما أن أم الولد لا تفدى إلا بالاقل إذا جنت لامتناع البيع بخلاف العبد القن (وان قلنا) لا يغرم الراهن فان بيع في الدين فلا شئ عليه لكن لو ملكه يوما فعليه تسليمه في الجناية وكذا لو انفك الرهن عنه فهذا إذا حلف المرتهن فان نكل فعلى من ترد اليمين فيه قولان ويقال وجهان (أحدهما) على الراهن لانه المالك للعبد والخصومة تجرى بينه وبين المرتهن (وأصحهما) على المجني عليه لان الحق فيما أقر له والراهن لا يدعى لنفسه شيئا وهذا الخلاف عن الشيخ أبى محمد مبني على أنه لو حلف المرتهن هل يغرم الراهن للمجني عليه (ان قلنا) نعم يرد على المجني عليه لان الراهن لا يستفيد باليمين المردودة شيئا والمجني عليه يستفيد بها اثبات دعواه وسواء قلنا ترد اليمين على الراهن أو المجني عليه فإذا حلف المردود عليه بيع العبد في الجناية ولا خيار للمرتهن في فسخ البيع إن كان الرهن مشروطا في بيع لان اقرار الراهن إذا لم يقبل لا يفوت عليه شيئا وانما يلزم الفوات من النكول ثم ان كان الارش يستغرق قيمة العبد بيع كله والا بيع منه بقدر الارش وهل يكون الباقي رهنا فيه وجهان (أصحهما) لا لان اليمين المردودة كالبينة أو كاقرار المرتهن بانه كان الجزء: 10 ¦ الصفحة: 184 جانيا في الابتداء فلا يصح الرهن في شئ وإذا رددنا على الراهن فنكل فهل يرد الآن على المجني عليه فيه قولان ويقال وجهان (أحدهما) نعم لان الحق له فلا ينبغى أن يبطل بنكول غيره (وأشبههما) لا لان اليمين لا ترد مرة بعد مرة فعلى هذا نكول الراهن كحلف المرتهن في تقرير الرهن وهل يغرم الراهن للمقر له فيه القولان وان رددنا على المجني عليه فنكل قال الشيخ أبو محمد وغيره تسقط دعواه وتنتهى الخصومة وطرد العراقيون في الرد منه على الراهن الخلاف المذكور في عكسه وإذا لم يرد لم يغرم له الراهن قولا واحدا ويحال بالحيلولة على نكوله هذا تمام التفريع على أحد القولين في أصل المسألة وهو أن الراهن لا يقبل اقراره (أما) إذا قلنا إنه يقبل اقراره فهل يحلف أم يقبل قوله من غير يمين فيه قولان أو وجهان (أحدهما) أنه لا يحلف وهو اختيار القاضى أبى الطيب لان اليمين للزجر والتخويف ليرجع عن قوله ان كان كاذبا وههنا لا سبيل له إلى الرجوع (وأصحهما) عند الشيخ أبى حامد ومن نحا نحوه أنه يحلف لحق المرتهن وعلى هذا فيحلف على البيت لانه يحلف على الاثبات وسواء قلنا لا يحلف أو قلنا يحلف فيباع العبد في الجناية إما كله أو بعضه على ما مر وللمرتهن الخيار في فسخ البيع الذى شرط فيه هذا الرهن فان نكل حلف المرتهن لانا انما حلفنا الراهن لحقه فالرد يكون عليه وما فائدة حلفه فيه قولان حكاهما الصيدلاني وغيره (أصحهما) أن فائدته تقرير الرهن في العبد على ما هو قياس الخصومات (والثانى) أن فائدته أن يغرم الراهن قيمته ليكون رهنا مكانه ويباع العبد في الجناية باقرار الراهن وإن قلنا بالاول فهل يغرم الراهن للمقر له لانه بنكوله حال بنيه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 185 وبين حقه فيه ما سبق من القولين وان قلنا بالثاني فهل للمرتهن الخيار في فسخ البيع الذى شرط فيه هذا الرهن فيه وجهان ينظر في أحدهما إلى حصول الوثيقة في الثاني إلى غير المشروط لم يسلم وهو الاصح وان نكل المرتهن بيع العبد في الجناية ولا خيار له في البيع ولا غرم على الراهن وإذا عرفت تفريع القولين فيما لو اقر بالجناية فقس به تفريعهما وأقر بالبيع أو الغصب ونحوهما قبل الرهن ولو اقر بالعتق وقلنا إنه لا يقبل اقراره فالمنصوص أنه يجعل ذلك كانشاء الاعتاق حتى تعود فيه الاقوال لان من ملك الجزء: 10 ¦ الصفحة: 186 انشاء أمر قبل اقراره فيه ونقل الامام في نفوذه وجهين وإن حكمنا بنفوذ الانشاء لانه ممنوع من الانشاء تبرعا وان نفذناه إذا فعل وهذا كما أن اقرار السفيه بالطلاق مقبول كانشائه ولو أقر باتلاف مال ففى قبوله وجهان لانه ممنوع من الاتلاف شرعا ففى مسألة الاقرار بالخيار كلامان (أحدهما) جميع ما ذكرناه في المسألة مبنى على أن رهن الجاني لا يجوز اما إذا جوزناه فعن بعض الاصحاب أنه يقبل اقراره لا محالة حتى يغرم للمجني عليه ويستمر الرهن وقال آخرون يطرد فيه القولان ووجه عدم القبول أنه يحصل بلزوم الرهن لان المجني عليه يبيع المرهون لو عجز عن أخذ الغرامة من الراهن (والثانى) أنه لو أقر بجناية توجب القصاص لم يقبل اقراره على العبد ولو قال ثم عفا على مال كما لو أقر بما يوجب المال (المسألة الثانية) رهن الجارية الموطوءة جائز ولا يمنع من التصرف لاحتمال الحمل فإذا رهن جارية فأتت بولد ينظر إن كان الانفصال لدون ستة أشهر من يوم الوطئ أو لاكثر من اربع سنين فالرهن بحاله والولد مملوك له غير لاحق به وان كان لستة أشهر فاكثر إلى اربع سنين فقال الراهن هذا الولد منى وكنت وطئتها قبل لزوم الرهن نظر ان صدقه المرتهن أو قامت عليه به بينة فهى أم لود له والرهن باطل وللمرتهن فسخ البيع الذى شرط فيه رهنها وان كذبه المرتهن ولا بينة ففى قبول اقراره لثبوت الاستيلاد قولان كما لو أقر بالعتق ونظائره والتفريع كما مر وعلى كل حال فالولد حر ثابت النسب عند الجزء: 10 ¦ الصفحة: 187 الامكان ولو لم يصادف ولدا في الحال وزعم الراهن أنها ولدت منه قبل الرهن ففيه هذا التفصيل والخلاف (وقوله) في الكتاب وكل واحد من المرتهن أو المقر له مهما نكل فقد أبطل حق نفسه عن الغرم بنكوله هذا في حق المقر له مفرع على قول التغريم من قولى الغرم بالحيولة (أما) المرتهن فليس له غرم تفريعا على قولنا انه لا يقبل اقرار الراهن حتى يفرض بطلانه بنكوله نعم على قولنا يقبل اقرار الراهن ينتهى التفريع إلى أن يغرم له الراهن القيمة على رأى كما سبق وذلك هو الذى يبطل بنكوله فإذا كان الاحسن أن يذكر هذا بعد التفريع على القولين جميعا لافى آخر التفريع على الاول (وقوله) فهل للمرتهن تحليفه وجهان ذكرنا أن بعضهم رواهما قولين وان قوله قولان في المسألة بعدها يرويهما بعضهم وجهين والاولى أن يرويهما جميعا قولين أو وجهين أو يروى في الاولى قولين وفى الثانية وجهين فاما تفريع القولين على الوجهين فهو مما يستبعد (وقوله) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 188 مريدا ان المستولدة تحلف أي إذا فرعنا على أن المجني عليه يحلف في مسألة الجناية فههنا يحلف المستولدة فانها تقع في رتبته وفى العتق يحلف العبد * (فرع) لو أقر بجناية ينقص ارشها عن قيمة العبد ومبلغ الدين فالقول في مقدار الارش على الخلاف السابق ولا يقبل فيما زاد على ذلك لظهور التهمة وقيل بطرد الخلاف فيه * (فرع) لو باع عبدا ثم اقر بانه كان قد غصبه أو باعه أو بانه اشتراه شراء فاسدا لم يلتفت إلى قوله لانه اقرار في ملك الغير والاقرار في ملك الغير مردود ظاهر ويخالف اقرار الراهن فانه في ملكه وعن بعض الاصحاب اجزاء الخلاف فيه والمذهب الاول وحينئذ يكون القول قول المشترى فان نكل فالرد على المدعى أو على المقر البائع حكى القاضى ابن كج فيه قولين * ولو اجر عبدا ثم أقر بأنه كان قد باعه أو أجره أو أعتقه ففيه الخفا المذكور في الرهن لبقاء الملك * ولو كاتبه ثم أقر بما لا يصح معه الكتابة فان القاضى ابن كج أجرى الخلاف فيه وقال الشيخ ابو حامد وغيره لا يقبل بحال لان المكاتب بمنزلة من زال الملك عنه والله أعلم * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 189 قال (الامر الرابع فيما يفك الرهن فلو أذن المرتهن في البيع ثم ادعى الرجوع قبل البيع فالقول قوله (و) لان الاصل أن لا يبيع ولا رجوع فيتعارضان ويبقى أن الاصل استمرار العقد * ولو قال الراهن ما سلمته من المال كان عن جهة الدين الذى به الرهن فانفك وادعى المرتهن أنه عن جهة غيره فالقول قول الراهن * وكذا في كل ما يدعيه من قصوده في الاداء فانه أعرف بنية نفسه * ولو قال لم أنو عند التسليم أحد الدينين فعلى وجه يوزع على الجهتين * وعلى وجه يقال له اصرف الآن إلى ما شئت * وكذا في جميع نظائره) * الامر الرابع مما يتنازع فيه المتراهنان ما يفك الرهن وذكر فيه صورتين (احداهما) إذا أذان المرتهن في بيع الرهن وباع الراهن ورجع المرتهن عن الاذن ثم اختلفا فقال المرتهن رجعت قبل ان بعت فلم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 190 يصح بيعك وبقى المال رهنا كما كان وقال الراهن بل رجعت بعد البيع فوجهان (أظهرهما) عند الاكثرين أن القول قول الراهن لان الاصل عدم رجوع المرتهن في الوقت الذى يدعيه والاصل عدم بيع الرهن في الوقت الذى يدعيه فيتعارضان ويبقى أن الاصل استمرار الرهن (؟ الثاني) أن القول قول الراهن لتقوى جانبه بالاذن الذى سلمه المرتهن وتوسط في التهذيب بين الوجهين فقال ان قال الراهن أولا تصرفت باذنك ثم قال المرتهن كنت رجعت قبله فالقول قول الراهن مع يمينه وان قال المرتهن أولا رجعت عما أذنت فقال الراهن كنت تصرفت قبل رجوعك فالقول قول المرتهن مع يمينه لان الراهن حين أخبر لم يكن قادرا على الانشاء ولو أنكر الراهن أصل الرجوع فالقول قوله مع يمينه لان الاصل عدم الرجوع (الصورة الثانية) إذا كان عليه دينان باحدهما رهن دون الآخر فسلم إليه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 191 الفا ثم اختلفا فقال من عليه الدين سلمته عما به الرهن وقال المستحق بل عن الآخر فالقول قول الدافع مع يمينه لانه أعرف بقصده وكيفية أدائه ولا فرق بين أن يختلفا في مجرد النية أو في اللفظ أيضا بان يقول قد ذكرت أنه عن هذا الدين وخلفه الآخر وكذا الحكم لو كان باحدهما كفيل أو كان أحدهما حالا أو ثمن مبيع وهو محبوس به فقال سلمته عنه وأنكر صاحبه قال الائمة والاعتبار في أداء الدين بقصد المؤدى حتى لو ظن المستحق انه بودعه عنده وظن من عليه الدين الاداء تبرأ ذمته ويصير المؤدى ملكا للمستحق فان كان عليه دينان فادى عن أحدهما بعينه وقع عنه وان أدى عنهما يقسط على الدينين وان لم يقصد في الحال شيئا فوجهان (أحدهما) وبه قال ابن أبى هريرة أنه يوزع على الدينين إذ ليس أحدهما أولى من الآخر (وأظهرهما) وبه قال ابو اسحق انه يراجع حتى يصرفه اليهما أو إلى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 192 أيهما شاء كما إذا كان له مالان حاضر وغائب ودفع دراهم إلى المستحقين ذكاة وأطلق له صرفها إلى من شاء منهما وتردد الصيدلانى في حكاية الوجه الاول أنه يوزع على قدر الدينين أو على المستحقين بالسوية وعلى هذا القياس نظائر المسألة كما إذا تبايع مشتركان درهما بدرهمين وسلم الفضل من التزمه ثم اسلما إن قصد تسليمه عن الفضل فعليه الاصل وإن قصد تسليمه عن الاصل فلا شئ عليه وإن قصد تسليمه عنهما وزع عليهما وسقط ما بقى من الفضل وان لم يقصد شيئا ففيه الوجهان * ولو كان لزيد عليه مائة ولعمر ومثلها فوكلا وكيلا بالاستيفاء فدفع المديون إلى الوكيل لزيد أو لعمرو فذاك وان أطلق فعلى الوجهين ولو قال خذه وادفعه إلى فلان أو اليهما فهذا توكيل منه بالاداء وله التعبير ما لم يصل إلى المستحق ولو أبرأ مستحق الدينين المديون عن مائة وكل واحد منهما مائة نظر ان قصد أحدهما أو قصدهما فالامر على ما قصد وان اطلق فعلى الوجهين ولو اختلفا فقال المبرئ أبرأت عن الدين الخالى عن الرهن أو الكفيل وقال المديون بل عن الآخر فالقول قول المبرئ مع يمينه والله أعلم * هذا شرح ما أورده في باب النزاع وقد يختلف المتراهنان في أمور أخر (منها) ما اندرج فيما قبله من أبواب الرهن (ومنها) ما إذا اختلفا المتراهنان في قدم عيب الرهن وحدوثه إذا كان مشروطا وقد ذكرناه في كتاب البيع * ومن فروع هذا الباب ما إذا رهنه عصيرا ثم اختلفا بعد القبض فقال المرتهن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 193 قبضته وقد تخمر فلى الخيار في فسخ البيع المشروط فيه هذا الرهن وقال الراهن بل صار عندك خمرا فقولان (أصحهما) ان القول قول الراهن مع يمينه لان الاصل بقاء المبيع والمرتهن يتدرج بما يقوله إلى الفسخ (والثانى) وبه قال أبو حنيفة والمزنى أن القول قول المرتهن مع يمينه لان الاصل عدم القبض الصحيح ولو زعم المرتهن أنه كان خمرا يوم العقد وكان الشرط شرط رهن فاسد فمنهم من طرد القولين وعن ابن أبى هريرة القطع بأن القول قول المرتهن ومأخذ الطريقين أن فساد الرهن هل يوجب فساد البيع (ان قلنا) لا خرج على القولين (وان قلنا) نعم فالجواب ما قاله ابن أبى هريرة لانه ينكر أصل البيع والاصل عدمه ويمكن أن يخرج على الخلاف (وان قلنا) أن فساد الرهن يوجب فساد البيع على الخلاف فيما إذا اختلف التبايعان في شرط مفسد وقد مر ثم ههنا فائدتان (احداهما) خرج مخرجون القولين على أن المدعى من يدعى أمرا خفيا والمدعى عليه من يدعى أمرا جليا والمدعى من لو سكت ترك والمدعى عليه من لم لو سكت لم يترك هذا أصل معروف في موضعه (فان قلنا) بالاول فالمدعى الراهن لانه قد يدعى جريان القبض الصحيح والاصل عدمه فيكون القول قول المرتهن (وان قلنا) بالثاني فالمدعى المرتهن لانه لو سكت لترك والراهن لا يترك لو سكت فيكون القول قول   (قوله) روى أن عطاء بن أبى رباح كان يجوز وطئ الجارية المرهونة باذن مالكها قال عبد الرزق أنا ابن جريج أخبرني عطاء قال يحل الرجل وليدته لغلامه أو ابنه أو أخيه أو أبيه والمرأة لزوجها ما أحب أن يفعل ذلك وما بلغني عن ثبت وقد بلغني أن الرجل برسل وليدته إلى ضيفه ثم روى بسنده عن طاوس أنه قال هو احل من الطعام فان ولدت فولدها للذى أحلت له وهى لسيدها الاول وأنا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينا رأنه سمع طاوسا يقول قال ابن عباس إذا أحلت المرأة للرجل أو ابنته أو أخته له جاريتها فليصبها وهى لها وأنا معمر قال قيل لعمرو بن دينار في ذلك فقال لا تعار الفروج * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 194 الراهن (والثانية) استنبط القاضى الحسين من القولين الجواب في فرعين (أحدهما) سلم العبد المشروط رهنه ملفوفا في ثوب ثم وجد ميتا فقال الراهن مات عندك وقال المرتهن بل كان ميتا قال في المصدق منهما القولان (والثانى) اشترى مائعا وجاء بظرف فضه البائع فيه فوجدت فيه فأرة ميتة فقال البائع انها كانت في ظرفك وقال المشترى بل أقبضتنيه وفيه الفأرة فيمن يصدق القولان ولو زعم المشترى أنها كانت فيه يوم البيع فهذا اختلاف في أن العقد جرى صحيحا أو فاسدا * (خافمة) ليس للراهن أن يقول أحضر المرهون وأنا أؤدى دينك من مالى بل لا يلزمه الاحضار بعد الاداء أيضا وانما عليه التمكين كالمودع والاحضار وما يحتاج إليه من مؤنه على رب المال ولو احتاج إلى بيعه في الدين لم يكن عليه الاحضار أيضا بل يتكلف الراهن مؤنته ويحضره القاضى حتى يبيعه والله تعالى أعلم * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 195 قال > * (كتاب التفليس) *   (حديث) كعب بن مالك أنه صلى الله عليه وسلم حجر؟ على معاذو باع عليه ماله: الدارقطني والحاكم والبيهقي من الجزء: 10 ¦ الصفحة: 196 صلى الله عليه وسلم قال (إذا أفلس الرجل ووجد البائع سلعته بعينها فهو أحق بها من الغرماء) ويروى عنه أنه قال (في مفلس أتوه به هذا الذى قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه) ومن جهة المعنى أنه عقد معاوضة يدخله الفسخ بالاقالة فدخله الفسخ بتعذر العوض كما لو تعذر المسلم واحترزوا بالوصف عن الحوالة والخلع ثم ههنا مباحثات (إحداها) لاشك أن التعلق المانع من التصرف يفتقر ثبوته إلى توسط حجر القاضى عليه وهل الرجوع إلى   طريق هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه بلفظ حجر عن معاذ ماله وباعه في دين كان عليه وخالفه عبد الرزاق وعبد الله بن المبارك عن معمر فارسلاه ورواه أبوادود في المراسيل من حديث عبد الرزاق مرسلا مطولا وسمى ابن كعب عبد الرحمن قال عبد الحق المرسل أصح من المتصل وقال ابن الطلاع في الاحكام هو حديث ثابت وكان ذلك في سنة تسع وحصل لغرمائه خمسة أسباع حقوقهم فقالوا يا رسول الله بعه لنا قال ليس لكم إليه سبيل (تنبيه) قوله وباعه الضمير يعود عليه المال وأخرجه البيهقى من طريق الواقدي وزاد ان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه بعد ذلك إلى اليمن ليخبره وروى الطبراني في الكبيران النبي صلى الله عليه وسلم لما حج بعث معاذا إلى اليمن وأنه أول من اتجر في مال الله وفي الباب عن أبى سعيد أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال تصدقوا عليه فلم بلغ؟ وفاء دينه فقال خذو اما وجدتم وليس لكم الا ذلك أخرجه مسلم * (حديث) أبى هريرة إذا أفلس الرجل وقد وجد البائع سلعته بعينها فهو أحق بها من الغرماء: متفق عليه ومعظم اللفظ لمسلم من طريق بشير بن نهيك عنه ولهما من طريق أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحرث وغيره بلفظ من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس أو انسان قد أفلس فهو أحق به من غيره * (حديث) أبى هريرة أنه قال في مفلس أتوه به هذا الذى قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ايما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه الحديث * أبو داود والشافعي الجزء: 10 ¦ الصفحة: 197 عين المبيع كذلك أو هو مستغن عن الحجر ان كان الاول فما وجه قوله صلى الله عليه وسلم (أيما رجل مات أو أفلس) الحديث أثبت الاحقية بمجرد الافلاس وان كان الثاني فلم جعل صاحب الكتاب الرجوع حكما للحجر حيث قال ثم للحجر أحكام أربعة وهو أحدها وعلى هذا التقدير يكون الرجوع حكم الافلاس لا حكما للحجر (والجواب) الذى يدل عليه كلام الاصحاب ههنا تعريضا وتصريحا افتقار الرجوع إلى توسط الحجر كافتقار تعلق الديون بالمال ولفظ الكتاب مطابق له الا أن ما حكيناه في تفريع الاقوال عند اختلاف المتبايعين في البداية بالتسليم يشعر باستغنائه عن الحجر فراجعه إن لم تتذكر والمعتمد الاول والحديث يحتمل وجوها من الاأويل (منها) أن يريد بالافلاس الحجر فعبر بالسبب عن المسبب فان الافلاس سبب الحجر (ومنها) أن يضمر الحجر فيه (ومنها) أن يقال لفظ الحديث الاحقية وهذا اللفظ يصدق بالتمكين من الرجوع بسلوك الاسباب المفضية إليه ومن جملتها طلب الحجر فإذا مجرد الافلاس يفيد الاحقية (الثانية) فيما نقلناه عن الائمة في تفسير المفلس قيدان (أحدهما) المديونية (والآخر) ان   والحاكم من طريق ابن أبى ذئب عن أبى المعتمر عن عمر بن خلدة عنه أبو المعتمر قال أبو داود والطحاوى وابن المنذر هو مجهول ولم يذكر ابن أبى حاتم له الا راويا واحدا وهو ابن أبى ذئب وذكره ابن حبان في الثقات وهو للدار قطني والبيهقي من طريق أبى داود الطيالسي وروى ابن حبان والدارقطني وغيرهما من طريق الثوري في حديث أبى بكر عن أبى هريرة اللفظ الذى ذكره المصنف (فائدة) قال ابن عبد البر هذا الحديث لا يرويه غير أبى هريرة وحكى البيهقى مثل ذلك عن الشافعي ومحمد بن الحسن وفي اطلاق ذلك نظر لما رواه أبو داود والنسائي عن سمرة بلفظ من وجد متاعه عند مفلس بعينه فهو أحق به ولا بن حبان في صحيحه من طريق فليح عن نافع عن ابن عمر بلفظ إذا عدم الرجل فوجد البائع متاعه بعينه فهو أحق به * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 198 يكون ماله قاصرا عن الوفاء بالديون والقيد الاول لابد منه لجواز الحجر وأما الثاني فيجوز أن يقال إنه لا حاجة إليه بل مجرد الدين يكفى لجواز الحجر منعا له من التصرفات فيما عساه يحدث له باصطياد وانهاب؟ والظفر بركاز وغيرها فان كان كذلك فليفسر المفلس بالذى ليس له مال يفى بديونه لينتظم من لامال له أصلا ومن له مال قاصر وإنما يراد بالمفلس في المشهور من لا مال له فانه بمجرده لا يؤثر في هذه الاحكام بحال (الثالثة) قوله صلى الله عليه وسلم ايما رجل مات أو أفلس يقتضى ظاهره ثبوت الرجوع وان كان مال الميت وافيا بالديون فهذا الظاهر هل هو معمول به أم لا (الجواب) أثبت الاصطخرى الرجوع بمجرد الموت أخذا بهذا الظاهر والمذهب المنع لتيسر الوصول إلى الثمن كما في حال الحياة والخبر محمول على ما إذا مات مفلسا لانه روى في بعض الروايات * أنه صلى الله عليه وسلم قال (أيما رجل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 199 مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه ما لم يختلف وفاء) وإذا تقررت هذه التمهيدات فالكلام بعد في أنه متى يحجر عليه قال حجة الاسلام التماس الغرماء الحجر بالديون الحالة الزائدة علي قدر المال سبب لضرب الحجر على المفلس وفيه قيود (أولها) الالتماس ولابد منه وليس للقاضى أن يحجر عليه من غير التماس لان هذا الحجر لمصلحة الغرماء والمفلس وهم ناظرون لانفسهم فلا يتحكم الحاكم عليهم نعم لو كانت الديون لمجانين أو أطفال أو محجورين بالسفه لولى القاضى الحجر لمصلحتهم من غير التماس ولا يحجر لدين الغائبين لانه لا يستوفى مالهم في الذمم وانما تحفظ أعيان أموالهم (وثانيها) كون الالتماس من الغرماء وفيه مسألتان (احداهما) لو التمس بعضهم دون بعض نظران كان دين الملتمس قدرا يجوز الحجر عليه لذلك القدر أجيبوا ثم لا يختص الحجر بهم بل يعم أثره الكل وان لم يكن فوجهان (الاظهر) المنع وعن الشيخ أبى محمد أنه يحجر ولا يضيع حقه بتكاسل غيره (الثانية) لو لم يلتمس أحد منهم والتمسه المفلس فوجهان (أحدهما) لايجاب إليه لان الحرية والرشد ينافيان الحجر وانما يصار إليه إذا حقت طلبة الغرماء (وأظهرهما) الاجابة لان له غرضا فيه ظاهرا وقد روى (أن الحجر على معاذ رضى الله عنه كان بالتماس منه دون طلب الغرماء) (وثالثها) كون الديون حالة فان الجزء: 10 ¦ الصفحة: 200 كانت مؤجلة فلا حجر بها سواء كان له ما يفى بها أو لم يكن لانه لا مطالبة في الحال وربما يجد الوفاء عند توجه المطالبة وان كان البعض حالا والبعض مؤجلا نظر ان كان الحال قدرا يجوز الحجر به حجر والا فلا وإذا حجر عليه فهل يحل ما عليه من الديون المؤجلة فيه قولان (أحدهما) نعم وبه قال مالك لان الحجر يوجب تعلق الدين بالمال فيسقط الاجل كالمتوفى (وأصحهما) لا لان المقصود من التأجيل التخفيف ليكتسب في مدة الاجل ما يقضى به الدين وهذا المقصود غير ثابت بخلاف صورة الموت فان توقع الاكتساب قد يبطل وهذا ما اختاره المزني ونقله عن الاملاء وعن الشيخ أبى محمد ترتيب هذين القولين على القولين في أن من عليه الدين المؤجل لو جن هل يحل عليه الاجل وان الحلول في صورة الجنون أولى لان المجنون لااستقلال له كالميت وله قيم ينوب عنه كما ينوب الوارث عن الميت ورأى الامام الترتيب بالعكس أولى لان قيم المجنون له أن يبتاع له بثمن مؤجل عند ظهور المصلحة فإذا لم يمنع الجنون التأجيل ابتداء فلان لا يقطع الاجل دواما كان أولى * (التفريع) إذا قلنا بالحلول قسم المال بين أصحاب هذه الديون وأصحاب الديون الحالة في الابتداء كما لو مات وان كان في الديون المؤجلة ماكان ثمن متاع وهو قائم عند المفلس فلاصحابه الرجوع إلى عين متاعه كما لو كان حالا في الابتداء وعن القاضي أبى الطيب أن أبا اسحق قال فائدة الحلول أن لا يتعلق بذلك المتاع حق غير بائعه ويكون محفوظا له إلى مضى المدة فان وجد المفلس وفاء فذاك والا فحينئذ يفسخ وقيل لافسخ حينئذ ايضا بل لو باع بثمن مؤجل وحل الاجل ثم أفلس المشترى وحجر عليه فليس للبائع الفسخ والرجوع إلى المبيع لان المبيع بالثمن المؤجل يقطع حق البائع عن المبيع بالكلية ولهذا لا يثبت فيه حق الحبس للبائع والاصح الاول (وان قلنا) بعدم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 201 الحلول بيع ماله وقسم على اصحاب الديون الحالة ولا يدخر لاصحاب الديون المؤجلة شئ ولا يدام الحجر بعد القسمة لاصحاب الديون المؤجلة كما لا يحجر بها ابتداء وهل يدخل في البيع الامتعة المؤجلة الاثمان فيه وجهان (أصحهما) نعم كسائر أموال المفلس وليس لبائعها تعلق بها. لانه لا مطالبة في الحال وعلى هذا فان لم يتفق بيعها وقسمتها حتى حل الاجل ففى جواز الفسخ الآن وجهان (والثانى) أنها لا تباع فانها كالمرهونة بحقوق بائعها بل يتوقف إلى انقضاء الاجل فان انقضى والحجر باق ثبت حق الفسخ وان أطلق فكذلك ولا حاجة إلى إعادة الحجر بل عزلها وانتظار حلول الاجل كابقاء الحجر بالاضافة إلى البيع ونقل الامام وجها آخر أنه لا بد من اعادة الحجر ليثبت حق الفسخ وذكر أيضا تفريعا على القول الاول وجهين في أنه لو لم يكن عليه إلا ديون مؤجلة وطلب أصحابها الحجر هل يجابون (أحدهما) نعم فانهم يتوسلون به إلى الحلول أو المطالبة (وأصحهما) لا لان طلب الحجر فرع طلب الدين وعسر تخليصه فلا يتقدم عليه ويصح اعلام قوله في الكتاب والديون المؤجلة لا حجر بها بالواو للوجه الاول (ورابعها) كون الديون زائدة على قدر أمواله فان كانت متساوية والرجل كسوب ينفق الجزء: 10 ¦ الصفحة: 202 من كسبه فلا حجر وان ظهرت أمارات الافلاس بان لم يكن كسوبا وكان ينفق من ماله أو لم يف كسبه بنفقته فوجهان (أحدهما) يحجر عليه كيلا يضيع ماله في النفقة والديون إذا ساوت المال فستزيد عن قريب (والثاني) أنه لا يحجر لان الوفاء حاصل وهم متمكنون من المطالبة في الحال وهذا أصح عند العراقيين وذكر الامام أن المختار هو الاول ويجرى الوجهان فيما إذا كانت الديون أقل وكانت بحيث يغلب على الظن انتهاؤها إلى حد المساواة ومنه إلى الزيادة لكثرة النفقة وهذه الصورة أولى بالمنع وإذا حجرنا في صورة المساواة فهل لمن وجد عين ماله عند المفلس والرجوع فيه وجهان (أصحهما) نعم لاطلاق الحديث (والثانى) لا لتمكنه من استيفاء الثمن بكماله وهل تدخل هذه الاعيان في حساب أمواله واثمانها في حساب ديونه فيه وجهان (أصحهما) عند العراقيين الادخال وذكر في التتمة أن الوجهين مبنيان على الوجهين في جواز الرجوع في الصورة السابقة ان لم يثبت الرجوع أدخلت رجاء الوفاء وان أثبتناه فلا * والله أعلم قال (ثم للحجر أربعة أحكام (الاول) منع كل تصرف مبتدأ يصادف المال الموجود عند ضرب الحجر كالعتق * والبيع * والرهن * والكتابة * ولا يخرج عتقه على عتق الراهن لان تنفيذه ابطال لما انشئ الحجر له * ثم لو فضل العبد المعتق أو المبيع بعد قضاء الدين ففى الحكم بنفوذه خلاف * فان قلنا ينفذ فليقض الدين من غيره ما أمكن * أما مالا يصادف المال كالنكاح والخلع * واستيفاء القصاص * وعفوه * واستلحاق النسب * ونفيه باللعان * واحتطابه * واتهابه * وقبوله الوصية فهى صحيحة * وكذا شراؤه على الاصح * وكذا اقراره * الا أن ما يتعلق منه بالمال يؤاخذ به بعد فك الحجر ولا يقبل على الغرماء * ولو أقر في عين المال أنه وديعة عنده أو غصب أو عارية ففيه قولان في القديم * ومنه خرج قول أن الاقرار المرسل بالدين أيضا يوجب قضاءه في الحال من ماله إذ لا تهمة فيه) * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 203 عرفت أن من حكم الحجر منع المفلس من التصرف والمستحب للحاكم إذا حجر عليه أن يشهد عليه ليحذر الناس من معاملته ثم في السبط الذى ذكره صاحب الكتاب لما يمنع منه قيود (احدها) كون التصرف مصادفا للمال والتصرف ضربان انشاء وإقرار (الضرب الاول) الانشاآت وهى نوعان (أحدهما) ما يصادف المال وينقسم إلى تحصيل كالاحتطاب والاتهاب وقبول الوصية ولا يخفى أنه لا يمنع عنه لانه كامل الحال وغرض الحجر منعه مما يضر الغرماء لا غير والى تفويت فينظر ان تعلق بما بعد الموت وهو التدبير والوصية صح فان فضل المال نفذ والا فلا وان كان غير ذلك فاما أن يكون مورده عين المال أو مافى الذمة (القسم الاول) يكون مورده عين المال كالبيع والهبة والرهن والاعتاق والكتابة وفيها قولان (أحدهما) أنها موقوفة فان فضل ما تصرف فيه عن الدين إما لارتفاع القيمة أو لابراء بعض المستحقين نفذناه والا بان أنه كان لغوا ووجهه أنه محجور عليه لحق الغير فلا يلغى تصرفه كالمريض (وأصحهما) وبه قال مالك واختاره المزني أنه لا يصح شئ منها لتعلق حق الغرماء بتلك الاموال كتعلق حق المرتهن وأيضا فانه محجور عليه بحكم الحاكم فلا يصح تصرفه على مراغمة مقصود الحجر كالسفيه وان شئت قلت هذه التصرفات غير نافذة في الحال فان فضل ما تصرف فيه وانفك الحجر فهل ينفذ حينئذ فيه قولان وايراد صاحب الكتاب يوافق هذه العبارة وجعل الشيخ أبو محمد الخلاف في هذه التصرفات الجزء: 10 ¦ الصفحة: 204 على الترتيب فقال العتق أولى بالنفوذ لقبوله الوقف وتعلقه بالاقرار وتليه الكتابة لما فيها من المعاوضة ثم البيع والهبة لانهما لا يقبلان التعليق واختلفوا في محل القولين فمن قاصرين لهما على ما إذا اقتصر الحاكم على الحجر ولم يجعل ماله لغرمائه حيث وجدوه فان فعل ذلك لم ينفذ تصرفه قولا واحدا واحتجوا بأن الشافعي رضى الله عنه قال إذا جعل ماله لغرمائه فلا زكاة عليه ومن طاردين لهما في الحالتين وهو الاشهر قال هؤلاء وتجب الزكاة عليه على أظهر القولين مادام ملكه باقيا والنص محمول على مااذا باعه منهم فان نفذناه بعد الحجر وجب تأخير ما تصرف فيه وقضاء الدين من غيره فلعله يفضل فان لم يفضل نقضنا من تصرفاته الاضعف فالاضعف والاضعف الرهن والهبة لخلوهما عن العوض ثم البيع ثم الكتابة ثم العتق قال الامام فلو لم يوجد راغب في أموال المفلس إلا في العبد المعتق وقال الغرماء بيعوه ونجزوا حقنا ففيه احتمال وغالب الظن أنهم يجابون وذكر الشيخ ابو اسحق رحمه الله أنه يحتمل أن ينقض من تصرفاته للآخر كما في تبرعات المريض إذا زادت على الثلث وأعلم أن ما ذكرنا في البيع مفروض في بيعه من غير الغرماء فان باع منهم فسيأتي (القسم الثاني) ما يرد على مافى الذمة كما إذا اشترى بثمن في الذمة أو باع طعاما سلما فيصح ويثبت في ذمته وسنتكلم في أنه متى يؤدى وكيف يؤدى وروى الامام قولا آخر أنه لا يصح شراؤه كالسفيه والمذهب المشهور الاول (النوع الثاني) مالا يصادف المال فلا يمنع منه وذلك كالنكاح والطلاق والكلام في أن مؤنات نكاحه كيف توفى نذكر ذلك في موضعه وإذا صح منه الطلاق مجانا صح الخلع منه بطريق الاولى وكذا يصح منه استيفاء القصاص والعفوه عنه واستلحاق النسب ونفيه باللعان والقول في استيفائه القصاص وعفوه عنه معاد في كتاب القصاص (الضرب الثاني) الاقارير فان أقر بمال لم يحل إما أن يقر بمال في الذمة أو بعين مال ان كان الاول نظران أقر بدين لزمه قبل الحجر اما عن معاملة أو دين أو اتلاف لزمه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 205 ما أقر به وفى قبوله في حق الغرماء قولان (وجه) عدم القبول وبه قال مالك ان حقهم تعلق بماله من المال وفى القبول إضرار بهم لمزاحمته إياهم (ووجه) القبول وهو الاصح القياس على ما إذا ثبت بالبنية وعلى ما إذا أقر المريض بدين يزاحم المقر له غرماء الصحة وهذا لان ضرر الاقرار في حقه أكثر منه في حق الغرماء فلا تهمة فيه * وان أسنده إلى ما بعد الحجر نظر إن قال عن معاملة لم يقبل في حق الغرماء وان قال عن اتلاف أو عن جناية فاصح الطريقين أنه كما لو أسند لزومه إلى ما قبل الحجر (والثانى) أنه كما لو قال عن معاملة وان أقر بدين ولم يسنده فقياس المذهب التنزيل على الاقل وجعله كما لو أسنده لزومه إلى ما بعد الحجر * وان أقر بعين مال بغيره وقال غصبته منه أو استعرته أو أخذته سوما فقولان كلقولين فيما لو أقر بدين أسنده إلى ما قبل الحج لكن إذا قلنا تم فأثره أن يزاحم المقر له الغرماء وههنا يسلم المقر له بحاله وعلى الثاني ان فصل سلم إليه والا فالغرم في ذمته والفرق بين الانشاءات حيث رددناها في الحال جزما وقلنا الاصح أنه لا يحكم ينفوذها عند انفكاك الحجر أيضا وبين الاقارير حيث قبلناها في حق المفلس جزما وفى حق الغرماء أيضا على أصح القولين أن مقصود الحجر منعه من التصرف فيناسبه الغاء ما ينشئه والاقرار اخبار عما مضى والحجر لا يسلب العبارة عنه فلو أقر مبا يوجب عليه قصاصا أو حدا قبل وأجرى عليه حكمه فان كان المقر به سرقة توجب القطع قبل في القطع وفى رد المسروق القولان السابقان والقبول ههنا أولى لبعد الاقرار عن التهمة وإذا أقر بما يوجب القصاص فعفا المستحق على مال قال في التهذيب هو كما لو أقر بدين جناية وقطع بعض شارحي المختصر بالقبول لانتفاء التهمة وهذا القائل ينبغى أن يطرد ما ذكره في الصورة * الاولى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 206 (فرع) لو ادعى مدع على المفلس مالا لزمه قبل الحج وأنكر المفلس ولم يحلف فحلف المدعى (ان قلنا) النكول ورد اليمين كالبينية زاحم الحالف الغزماء (وان قلنا) كالاقرار فعلى القولين ولنعد إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله) ولا يخرج عتقه على عتق الراهن إلى آخره أراد به أن الخلاف المذكور في نفوذ اعتاق الراهن في الحال لا يجئ ههنا لان الحجر لم ينشأ الا للمنع من تفويت المال والتنفيذ يعكر على مقصود الحجر بالابطال وفى الرهن المقصود الاصلى توثيق حق المرتهن فانه يحصل ببدل المرهون كما يحصل بعينه (وقوله) أما مالا يصادف المال كالنكاح إلى أن قال واحتطابه واتهابه وقبول الوصية ففيه كلام من جهة أن الاحتطاب والاتهاب وقبول الوصية يصادف المال لا محالة وكذا الشراء وليس تصحيحها لانها لا تصادف المال بل لانها تحصل الملك لا إزالته وان قيل المراد أنها لا تصادف المال الموجود عند الحجر فهذا صحيح ولكن يصادفه المال الموجود عند الحجر حينئذ يصير قيدا واحدا وذلك خلاف ما ذكره في الوسيط وأورده ههنا وقوله في مسألة الاقرار بالعين ففيه قولان في القديم ومنه خرج قوله في أن الاقرار المرسل بالدين الذى يوجب قضاؤه في الحال من ماله ادلاتهمة أراد به أن القولين جميعا مذكوران في كتبه القديمة وان الاصحاب خرجوا في الاقرار بالدين مصل ذلك إذ لافرق وهذا شئ قلد فيه امام الحرمين فانه كذلك أورده ولم ينسب الجمهور القولين في الاقرارا بالعين إلى القديم واما الحكم بالتخريج في الاقرار بالدين فعجيب مع نصه في المختصر على القولين جميعا حيث قال وان أقر بدين وزعم أنه لزمه قبل الوقت ففيه قولان (أحدهما) أنه جائز كالمريض يدخل على غرمائه وبه أقول (والثانى) أن اقراره لازم له في مال ان حدث له أو يفضل عن غرمائه وقد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 207 تعرض للقولين في مسألة أخرى قبل هذه ومعلوم أن النص مغن عن التخريج (وقوله) الاقرار المرسل بالدين أي المطلق لا كالاقرار بالعين فانه يتعلق بمعين ولو حذف لفظ المرسل لم يضر * قال (والمال الذي يتجدد بعد الحجر هل يتعدي إليه الحجر فيه خلاف * ومن باع بعد الحجر منه شيئا ففى تعلقه بعين متاعه ثلاثة أوجه يفرق في الثالث بين أن يعلم إفلاسه أو يجهل * فان قلنا لا يتعلق به فيصير على وجه إلى أن يقضى ثمنه بعد فك الحجر فانه دين جديد فلا يقضى من المال القديم كما يلزمه بضمان أو اقرار أو إتلاف * وعلى وجه يضارب به لان ثمن المبيع في مقابلة ملك جديد استفيد منه * وأجرة الكيال والحمال وما يتعلق بمصلحة الحجر يقدم على سائر الديون) * القيد الثاني كونه مصادفا للمال الموجود عند الحجر أما المتجدد بعد الحجر باصطياد أو اتهاب أو قبول وصية ففى تعدى الحجر إليه ومنعه من التصرف وجهان نقلهما القاضى ابن كج والامام (أحدهما) لا يتعدى لان الحجر على المفلس لقصر يده عن التصرف فيما عنده فلا يتعدى إلى غيره كما حجر الراهن على نفسه في العين المرهونة لا يتعدى إلى غيرها (وأصحهما) التعدي ومقصود الحجر أيصال حقوق المستحقين إليهم وهذا لا يختص بالموجود عند الحجر وإذا اشترى شيئا وفرعنا على الصحيح وهو صحة شرائه ففيه مثل هذا الخلاف وهل للبائع الخيار والتعلق بغير متاعه فيه ثلاثة أوجه (أحدها) نعم لتعذر الوصول إلى الثمن (والثانى) لا أما إذا كان عالما فكما لو اشترى سلعة وهو عالم بعيبها وأما إذا كان جاهلا فلتقصيره بترك البحث مع سهولة الوقوف عليه فان الحاكم يشهر أمر المحجور عليه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 208 (وأصحهما) أنه ان كان عالما فلا خيار له وان كان جاهلا فله الخيار والرجوع إلى عين ماله ويقرب من هذا ما إذا باع من عبد بغير اذن مولاه وفرعنا على صحة البيع من المفلس المحجور عليه هل يزاحم الغرماء بالثمن فيه وجهان فان الثمن يتعلق بذمته يباع به بعد العتق فان كان عالما ففى ثبوت الخيار وجهان وان كان جاهلا ثبت وإذا لم يثبت له الرجوع في البيع من المفلس المحجور عليه فهل يزاحم الغرماء بالثمن فيه وجهان (أصحهما) لا لانه حاث بعد الحجر برضا مستحقه والديون التى هذا شأنها لا يزاحم مستحقها الغرماء الاولين فعلى هذا يصبر ان فضل منهم شئ أخذه والافالي أن يجد (والثانى) نعم لانه وان كان دينا جديدا فهو في مقابلة ملك جديد فلما زاد المال جاز أن يزيد الدين بخلاف الصداق الذى لزمه بنكاح بعد الفلس ودين ضمنه فانه لا مقابل له * (فائدة) ذكر في النهاية والبسيط أن البائع يضارب الغرماء في المبيع المستفاد منه لا في جميع أموال المفلس لان دينه ثبت مع ثبوت الملك فيه فلا أقل من المشاركة في هذا القدر * ثم انه امتزج مقصود الفصل في نظم الكتاب بالكلام في الديون الحادثة وكيفية أدائها وهي ثلاثة أقسام (أحدها) ما يلزم باختيار مستحقه فان كان في مقابلته شئ كثمن المبيع فقد ذكرناه والا فلا خلاف في أن مستحقه لا يضارب الغرماء بل يصبر إلى انفكاك الحجر (والثانى) ما لزم بغير اختيار المستحق كأرش الجناية وغرامة الاتلاف فوجهان (أحدهما) ويحكى عن القاضى الحسين أنه لا يضارب به لتعلق حقوق الآدميين الاولين باعيان أمواله فصار كما لو جني الراهن ولا مال له غير المرهون ولا يزاحم المجني عليه المرتهن (وأصحهما) ولم يورد العراقيون غيره أنه يضارب به لانه لم يوجد منه تقصير فيبعد تكليفه الانتظار (الثالث) ما يتجدد بسبب مؤنات المال كأجرة الكيال والوزان والحمال والمنادى والدلال وكرى البيت الذى يوضع فيه المتاع فهذه المؤنات مقدمة على ديون الغرماء لانها لمصلحة الحجر وايصال حقوق المستحقين إليهم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 209 ولو لم نقدمها لما رغب أحد في تلك الاعمال وهذا إذا لم يوجد متبرع فان وجد أو كان في بيت المال سعة لم يصرف مال المفلس إليها (وقوله) في الكتاب كما يلزم بضمان أو إقرار أو اتلاف هذا في الاقرار جواب علي عدم القبول في حق الغرماء وفى الاتلاف على الاول من الوجهين المذكورين في غرامات المتلفات وقد مر أن الاصح عند الاكثرين في المسألتين خلاف ما أجاب به فاعلمهما بالواو واعلم ما فيهما ثم في اضافة اللزوم إلى الاقرار نوع تساهل لان الاقرار اخبار ولا يلزم وانما يظهر * قال (ولو اشترى شيئا قبل الحجر فله رده بالعيب على وفق الغبطة * فان كانت الغبطة في ابقائه فلا كما في ولى الطفل * ولو حجر عليه في مدة الخيار فله التصرف بالفسخ والاجازة في العقد المتقدم من غير تقييد (و) بشرط الغبطة لان الامر فيه لم يستقر بعد فليس تصرفا مبتدأ) * القيد الثالث كون التصرف مبتدأ وفيه مسألتان (احداهما) لو اشترى قبل الحجر شيئا فوجده بعد الحجر معيبا فله رده إذا كانت الغبطة في الرد وليس ذلك كما لو باع وهو مغبوط لان الفسخ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 210 ليس تصرفا مبتدأ وانما هو من أحكام البيع السابق ولو احقه والحجر لا ينعطف على ما مضى فان منع من الرد عيب حادث لزم الارش ولم يملك المفلس اسقاطه وان كانت الغبطة في ابقائه بان كان معيبا أكثر قيمة من الثمن لم يكن له الرد لما فيه من تفويت المال بغير عوض ولهذا نص الشافعي رضى الله عنه على أنه إذا اشترى في صحته شيئا ثم مرض ووجده معيبا فامسكه والغبطة في رده كان المقدار الذى ينقصه العيب معتبرا من الثلث وكذلك ولى الطفل إذا وجد ما اشتراه للطفل معيبا لا يرده إذا كانت الغبطة في ابقائه ولا يثبت له الارش في هذه الصورة لان الرد غير ممتنع في نفسه وانما المصلحة تقتضي الامتناع منه (الثانية) قال الشافعي رضى الله عنه لو تبايعا بالخيار ثلاثا فافلسا أو أحدهما فلكل واحد منهما إجازة البيع ورده دون الغرماء أي دون رضاهم وللاصحاب ثلاثة طرق (أظهرها) الاخذ بظاهر النص وتجويز الفسخ والاجازة في الفسخ المتقدم سواء وقع على وفق الغبطة أو على خلافها لانه ليس بتصرف مستحدث وانما يمنع المفلس من التصرفات المنشأة (والثانى) أن تجويز الجزء: 10 ¦ الصفحة: 211 كل واحد منهما مقيد بشرط الغبطة كما في الرد بالعيب وذكر القاضى ابن كج والمسعودي أنه تخريج من نصه فيمن عقد بشرط الخيار ثم مرض مرضا مخوفا فاجاز أو فسخ على خلاف الغبطة يعتبر ذلك من الثلث وان في تلك الصورة تخريجا مما نحن فيه ايضا وتحكى هذه الطريقة عن أبى علي الطبري وابن القطان ومن نصر الاول فرق بين الرد بالعيب وبين الفسخ والاجازة بان العقد في زمن الخيار متزلزل لاثبات له فلا يتعلق حق الغرماء بالمال إذ يضعف تعلقه به بخلاف ما إذا خرج معيبا وإذا ضعف التعلق جاز أن لا يعتبر شرط الضبطة والفرق بينه وبين مسألة المريض أن حجر المريض أقوى ألا ترى أن امضاء الورثة تصرف المريض قبل الموت لا يفيد شيئا وامضاء الغرماء واذنهم فيما يفعله المفلس يفيده الصحة والاعتبار (والثالث) أن كل واحد منها ان وقع على وفق الغبطة فهو صحيح والا فالنظر إلى الخلاف في الملك في رمن الخيار والى أن الذى أفلس أيهما فان أفلس المشترى وقلنا الملك للبائع فللمشترى الاجازة والفسخ اما الاجازة فلانها جلب ملك (وأما) الفسخ فلا يمنع دخول شئ في ملكه الا انه يزيل (وان قلنا) الملك للمشترى فله الاجازة لانه يستديم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 212 الشئ في ملكه وان فسخ لم يجز لما فيه من ازالة الملك فان أفلس البائع فان قلنا الملك له فله الفسخ لانه يستديم الملك وليس له الاجازة لانه يزيله وان قلنا الملك للمشترى فللبائع الفسخ والاجازة كما ذكرنا في طرف المشترى * واعلم أنه لو خرج مخرج من نصه في المسألة الثانية خلافا في المسألة الاولى وقال لا يتقيد الرد بالعيب بشرط الغبطة لانه ليس بعقد مستحدث لم يكن مبعدا * قال (وإذا كان له دين وله شاهد واحد فيحلف * وكذا إذ ردت عليه اليمين * فان نكل فالنص أن الغريم لا يحلف والمفلس حي * فلو كان ميتا فقولان منصوصان * فمنهم من سوى ومهم؟ من فرق بان صاحب الحق قائم فنكوله يوهم أمرا) * من مات وعليه دين فادعى وارثه دينا له على رجل وأقام عليه شاهدا وحلف معه ثبت الحق وجعل في سائر تركاته وان لم يحلف معه أو لم يكن شاهد أو نكل المدعى عليه عن اليمين ولم يحلف الوارث اليمين المردودة فهل يحلف الغرماء فيه قولان (القديم) نعم لانه ذو حق في التركة فاشبه الوارث (والجديد) لا لان حقه فيما يثبت للميت أما أثباته للميت فليس إليه ولهذا لو أوصى لانسان بشئ فمات الجزء: 10 ¦ الصفحة: 213 قبل القبول أو لم يقبله وارثه لم يكن للغريم القبول ولو ادعى المفلس المحجور عليه دينا والتصوير كما ذكرنا ففى حلف الغرماء طريقان (أحدهما) طرد القولين (والثانى) القطع بالمنع والفرق من وجهين (أحدهما) أن الحق للمفلس فامتناعه عن اليمين يورث ريبة ظاهرة وفى الصورة الاولى لم يبق صاحب الحق وانما يحلف الوارث بناء على معرفته بشأن الموروث وقد يكون الغرماء أعرف به (والثانى) أن غرماء الميت أيسون عن حلفه فمكنوا من اليمين كيلا يضيع الحق وغرماء المفلس غير آيسين عن حلفه قال الامام والطريقة الثانية أصح وحكى عن شيخه طرد الخلاف في ابتداء الدعوى من الغرماء ونقل بعضهم مسألة عن الفقال وعن الاكثرين القطع بمنع الدعوى ابتداء وتخصيص الخلاف باليمين بعد دعوى الوارث في الصورة الاولى والمفلس في الثانية ولا فرق بين أن يكون المدعى عينا أو دينا قاله الجزء: 10 ¦ الصفحة: 214 القاصي ابن كج وفرع على قولنا ان الغرماء يحلفون فرعين (أحدهما) أنه لو حلف بعضهم دون بعض استحق الحالفون بالقسط كما لو حلف بعض الورثة لدين الميت (والثانى) لو حلفوا ثم أبرؤا عن ديونهم فالمحلوف عليه يكون لهم ويغلو الابراء ويكون للمفلس أو يبقى علي المدعى عليه ولا يستوفى أصلا فيه ثلاثة أوجه * قال (ولو أراد سفر فلمن له دين حال منعه * وليس لمن له دين مؤجل منعه * ولا طلب الكفيل ولا طلب الاشهاد (و) * من عليه الدين إذا أراد أن يسافر نظر ان كان الدين حالا فلصاحبه منعه حتى يقضى حقه قال الائمة وليس هذا منعا من السفر كما يمنع السيد العبد والزوج الزوجة ولكن يشغله عن السفر برفعه إلى مجلس الحكم ومطالبته حتى يوفى الحق وان كان مؤجلا نظر ان لم يكن السفر مخوفا فلا منع إذ لا مطالبة وليس له طلب رهن ولا كفيل أيضا وهو المضيع لحق نفسه حيث رضى بالتأجيل من غير رهن ولا كفيل وليس له أن يكلفه الاشهاد أيضا ولا فرق بين أن يكون حلول الاجل قريبا أو بعيدا فان أراد أن يسافر معه ليطالبه عند حلوله فله ذلك بشرط أن لا يلازمه ملازمة الرقيب وقال مالك إذا علم حلول الاجل قبل رجوعه فله أن يطالبه بكفيل وعن صاحب التقريب نقل وجه أن له طلب الاشهاد لان المستحق يتوثق به ولا ضرر فيه على المديون وان كان السفر مخوفا كالجهاد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 215 وركوب البحر ففيه وجوه (أصحها) أنه لا مانع أيضا إذ لا مطالبة في الحال (والثانى) ويحكى عن أبى سعيد الاصطخرى أنه يمنعه إلى أن يؤدى الحق أو يعطى كفيلا لانه في هذا السفر بعرض نفسه للهلاك فيضيع حقه (والثالث) ان لم يخلف وفاء ما عليه منعه وان خلفه فلا اعتماد اعلى حصول الحق منه وفى سفر الجهاد وجه آخر ان المديون ان كان من غير المرتزقة منع وان كان منهم لا يمنع لان وجوه معايشهم وأكسابهم منه * واعلم أن القاضى الرويانى اختار مذهب مالك فقال له المطالبة بالكفيل في السفر المخوف وفى السفر البعيد عند قرب الحلول في هذا الزما لفساد الطرق وانقطاع القوافل وعجز الحكام عن استيفاء الحقوق بالكتب الحكمية وإن شئت فاعلم قوله ولا طلب الكفيل مع الميم بالواو * قال (الحكم الثاني في بيع ماله وقسمته وعل يالقاضى أن يبادر إليه كيلا تطول مدة الحجر * ويقسم على نسبة الديون * ويبيع بحضرة المفلس * ولا يسلم مبيعا قبل قبض الثمن * ولا يكلف الغرماء حجة على أن لا غريم له سواهم * ويعول على أنه لو كان لظهر مع استفاضة الحجر * فان ظهر بعد القسمة فلا تنقض القسمة بل يرجع على كل واحد بحصة يقتضيها الحساب * ولو خرج المبيع مستحقا فكذلك يرجع على كل واحد بجزء من الثمن * فان كان قد بيع في حالة الفلس فيرد تمام الثمن * أو يضارب فيه خلاف * ووجه الاكمال أنه من مصالح الحجر) * هذا الحكم الثاني وان كان ثابتا في حق المفلس المحجور علهى ولكن لا اختصاص له بالمحجور بل كما يبيع الحاكم مال المفلس المحجور ويقسمه بين الغرماء فكذلك غيره من المديونين إذا امتنع من قضاء الدين وبيع المال فيه يبيع الحاكم ماله ويقسمه بين الغرماء وعند أبى حنيفة لا يبيع الحاكم ماله بل يحبسه حتى يبيع وسلم أن يصرف أحد النقدين في الآخر * لنا القياس على ما سلمه وأيضا حديث معاذ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 216 رضى الله عنه الذى قدمناه وروى أن عمر رضى الله عنه خطب الناس وقال (ألا أن ألا سيفع أسيفع جهينة قد رضى من دينه وأمانته أن يقال سبق الحاج فادان معترضا فأصبح وقد رين به فمن كان له عليه دين فليحضر فانا بايعوا ماله وقاسموه بين غرمائه هذا رجل من جهينة ذكر أنه كان يشترى الرواحل ويسرع السير فيسبق الحاج فأفلس) وقوله) أدان أي استقرض (وقوله) معترضا أي اعترض الناس فاستدان ممن أمكنه (وقوله) رين أي وقع فيما لا يستطيع الخروج منه قال أبو عبيد كلما غلبك فقد ران بك ورانك * إذا تقرر ذلك فإذا حجر الحاكم على المفلس فالمستحب أن يبادر إلى بيع ماله وقسمته حتى لا تطول مدة الحجر ولا يفرط في الاستعجال كيلا يطمع فيه بثمن بخس ويستحب أن يبيع بحضرة المفلس أو وكيله لانه أنفى للتهمة وأطيب لقلب المفلس والمشترين وليخبر بصفات المتاع وانه بكم اشتراه فتكون الرغبة فيه أكثر وليطلع علي عيب ان كان به ليباع على وجه لا يرد   (حديث) عمر في اسيفع جهينة ياتي قريبا * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 217 وكذلك يفعل إذا باع المرهون ويستحب أيضا إحضار مستحقي الدين ويقدم بيع المرهون في حق المرتهن ان كان في ماله مرهون ويبيع العبد الجاني في حق المجني عليه ليعجل حقهما فان فضل شئ كان مع سائر أمواله للغرماء وان بقي من دين المرتهن شئ ضرب به سائر الغرماء ويبيع من ماله أو لا ما يخاف عليه الفساد كيلا يضيع ثم الحيوان لحاجته إلى النفقة وكونه عرضة للهلاك ثم سائر المنقولات ثم العقارات وانما يؤخرها لانه لا يخشي عليها الهلاك والسرقة ويشهر بيعها فيظهر الراغبون ويبيع كل شئ في سوقه فان طالبيه في سوقه أكثر ويجب أن يبيع ثمن المثل من نقد البلد حالا ثم ان كانت الديون من غير جنس ذلك النقد ولم يرض المستحقون إلا بجنس حقهم صرفه إلى جنس حقهم والا جز صرفه إليهم إلا أن يكون سلما ولا يسلم المبيع قبل قبض الثمن نص عليه الشافعي رضى الله عنه وقد ذكرنا فيما إذا تنازع المتبايعان في البداءة بالتسليم أقوالا فعن ابن سريج أن ما ذكره ههنا جواب على قولنا أن البداءة للمشتري ويجئ عند التنازع قول آخر وهما أنهما يخيران معا ولا يجئ قولنا لا يخير واحد منهما حتى يبدأ أحدهما فان الحال لا يحتمل التأخير ولا قولنا إن البداءة بالبائع فان من يتصرف للغير فلا بد وان يحتاط وعن أبى الحسين أنه تجب البداءة ههنا بتسليم الثمن بلا خلاف ثم لو خالف الواجب وسلم المبيع قبل قبض الثمن ضمن وكيف يضمن سنذكره ان شاء الله تعالى وما يقبض الحاكم من أثمان أمواله على التدريج ان كان يسهل قسمته عليهم فالاولى أن لا يؤخره وان كان يعسر لقلته وكثرة الديون فله أن يؤخر ليجمع فان أبو التأخير ففى النهاية إطلاق القول بأنه يجيبهم والظاهر خلافه فإذا تأخرت القسمة فان وجد من يقترض منه فعل ويشترط فيه الامانة واليسار وان لم يجد أودعه عند أمين ولا يشترط فيه اليسار والتورع ممن يرضاه الغرماء فان اختلفوا أو عينوا من ليس بعدل فالرأى للحاكم ولا يقنع بمن ليس بعد ولو تلف شئ من الثمن في يد العدل فهو من ضمان المفلس سواء كان في حياة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 218 المفلس أو عند موته وعند أبي حنيفة ما تلف بعد موته فهو من ضمان الغرماء والله أعلم * بقى في الفصل مسألتان (إحداهما) لا يكلف عند القسمة الغرماء إقامة البينة على أنه لا غريم سواهم ويكتفى بأن الحجر قد استفاض واشتهر فلو كان ثم غيرهم لظهر وطلب حقه ويؤيده أن عمر رضى الله عنه اكتفى باشتهار أمر الجهني في خطبته ولم يكلف الغرماء الببنة هذا ما نقله الامام عن صاحب التقريب ثم قال لا فرق عندنا بين القسمة على الغرماء والقسمة على الورثة (فإذا قلنا) في القسمة على الورثة لا بد من إقامة الشهادة على أن لا وارث غيرهم كذلك في القسمة على الغرماء وللفارق أن يفرق بين البائعين بان الورثة على كل حال أضبط من الغرماء وهذه شهادة علي النفى يعسر مدركها فلا يلزم من اعتبارها حيث كان الضبط أسهل اعتبارها حيث كان الضبط أعسر * واذ اجرت القسمة ثم ظهر غريم آخر فالظاهر أن القسمة لا تنقض ولكن يشاركهم من ظهر بالحصة لان المقصود يحصل به وفيه وجه أنها تنقض فيسترد المال ممن أخذ ويستأنف القسمة وهذا كما لو اقتسم الورثة التركة ثم ظهر دين ففى نقض القسمة اختلاف (فان قلنا) بعدم النقض فلو قسم ماله على غريمين لاحدهما عشرون وللآخر عشرة فاخذ الاول عشرة والثانى خمسة ثم ظهر غريم ثالث بثلاثين استرد من كل واحد منهما نصف ما أخذ ولو كان دين كل واحد منهما عشرة وقسم المال بينهما نصفين ثم ظهر غريم ثالث بعشرة رجع على كل واحد منهما الجزء: 10 ¦ الصفحة: 219 بثلت ما أخذ فان أتلف أحدهما ما أخذ وكان معسرا لا يحصل منه شئ فوجهان (أظهرهما) أن الغريم الذى ظهر لا يأخذ من الآخر شطر ما أخذ وكانه كل المال ثم لو أيسر المتلف أخذا منه ثلث ما أخذه وقسماء بينهما (والثانى) أنه لا يأخذ منه الا ثلث ما أخذه وثلث ما أخذه المتلف دين له عليه ولو أن الغريم الثالث ظهر وقد ظهر للمفلس مال قديم أو حادث بعد الحجر صرف منه إلى من ظهر بقسط ما أخذه الاولان فان فضل شئ فهو مقسوم على الثلاثة بقسطه هذا كله إذا كان الغريم الذى ظهر قديما فان كان حادثا بعد الحجر فلا يشارك الاولين في المال القديم وإن ظهر مال قديم وحدث مال باحتطاب وغيره فالقديم للقدماء خاصة والحادث للكل (المسألة الثانية) لو خرج شئ مما باعه المفلس قبل الحجر مستحقا والثمن غير باق فهو كدين ظهر والحكم ما مضى وإن باع الحاكم ماله وظهر الاستحقاق بعد قبض الثمن وتلفه فرجوع المشترى في مال المفلس ولا يطالب الحاكم به ولو نصب الحاكم أمينا حتى باعه ففى كونه طريقا وجهان كما ذكرنا في العدل الذى نصبه القاضى لبيع الرهن ثم رجوع المشترى في طريق المفلس ورجوع الامين (إن قلنا) إنه طريق للضمان وغرم كيف يكون الجزء: 10 ¦ الصفحة: 220 فيه قولان (عن) رواية الربيع وحرمله انه يضارب مع الغرماء لانه دين في ذمة المفلس كسائر الديون (والثاني) أنه يتقدم على سائر الغرماء لانا لو قلنا بالمضاربة لرغب الناس عن شراء مال المفلس فكان التقديم من مصالح الحجر كأجرة الكيال ونحوها من المؤن ونسب الا كثرون هذا القول إلى رواية المزني لكن منقولة في المختصر يشعر بالقولين جميعا وذكر المسعودي أن القولين مأخوذان منه والثاني أرجح عند عامة الاصحاب ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب فيه خلاف بالواو لان الامام حكى طريقة أخرى قاطعة بالتقديم وأيضا فان العراقيين حكوا طريقة أخرى وهى تنزيل الروايتين على حالين ان كان الرجوع قبل قسمة المال بين الغرماء يقدم وان كان بعد القسمة واستئناف الحجر بسبب مال تجدد فهو أسوة الغرماء * قال (ثم يترك عليه دست ثوب يليق بحاله حتى خفه وطيلسانه إن كان حطهما عنه يزرى بمنصبه * ولا يترك مسكنه وخادمه * بل يبقي له سكني يوم واحد ونفقته ونفقة زوجته وأولاده * وكذا ينفق عليهم مدة الحجر * ونص في الكفارة أنه يعدل إلى الصيام * وان كان له مسكن وخادم فقيل بمثله في الديون * والفرق أن الكفارة لها بدل وحقوق الله على المساهلة) * مقصود الفصل الكلام فيما يباع علي المفلس من أمواله وما يترك له وفيه مسائل (إحداها) ينفق الحاكم على المفلس إلى الفراغ من بيع ماله وقسمته وكذا ينفق على من عليه مؤنته من الزوجات والاقارب لانه موسر ما لم يزل ملكه وكذا كسوتهم بالمعروف هذا إذا لم يكن له كسب يصرف إلى هذه الجهات وكيف ينفق علي زوجته قال الامام لا شك ان نفقته نفقة المعسرين وفى البحر للقاضى الرويانى أنه ينفق عليهن نفقة الموسرين وهذا قيلس الباب ولو كان ينفق نفقة المعسرين لما أنفق على الاقارب (الثانية) بيع مسكنه وخادمه وان كان محتاجا إلى من يخدمه لزمانته أو كان منصبه يقتضى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 221 خادما ونص في الكفارات المرتبة أنه يعدل إلى الصيام وان كان له مسكن وخادم ولا يلزمه صرفهما إلى الاعتاق فمنهم من خرج منه قولا في الديون والمذهب تقرير النصين والفرق من وجهين (أحدهما) أن الكفارة لها بدل ينتقل إليه والدين بخلافه (وثانيهما) أن حقوق الله تعالى مبنية على المساهلة وحقوق الآدميين على الشح والمضايقة قال الامام والمسكن أولى بالابقاء من الخادم فينتظم أن يرتب الخلاف ويقال فيهما ثلاثة أوجه في الثالث يبقى المسكن دون الخادم (فان قلنا) بالابقاء فذلك إذا كان لائقا بالحال دون النفيس الذي لا يليق به ويشبه أن يكون هذا هو المراد مما نقل عن الاصطخري أنه إن كان ثمينا بيع والا فلا (الثالثة) يترك له دست ثوب يليق بحاله من قميص وسراويل ومنديل ومكعب وان كان في الشتاء زاد جبة وتترك له العمامة والطيلسان والخف ودراعة يلبسها فوق القميص إن كان اللائق بحاله لبسها لان حطها عنه يزرى بمنصبه وتوقف الامام في الخف والطيلسان وقال ان تركهما لا يخرم المروءة وذكر أن الاعتبار بما يليق بحاله في افلاسه لا في بسطته وثروته لكن المفهوم من كلام الاصحاب أنهم لا يساعدونه عليه ويمنعون قوله إن تركهما لا يخرم المروءة ولو كان يلبس قبل الافلاس فوق ما يليق بمثله رددناه إلى للائق بحاله ولو كان يلبس دون اللائق تقتيرا لم يزد عليه في الافلاس ويترك لعياله من الثوب كما يترك له ولا يترك الفرش والبسط نعم يسامح باللبد والحصير القليل القيمة قال الائمة والفرق بين الثياب وبين الخادم والمسكن حيث لم يتركا عليه في ظاهر المذهب أن الخادم عنه غنيمة (وأما) المسكن فانه يسهل استئجاره وان تعذر سكن الرباط والمسجد والثياب قلما تستأجر (الرابعة) يترك له قوت يوم القسمة وكذلك لمن عليه نفقته لانه موسر في أوله ولا يزيد على نفقة ذلك اليوم فانه لاضبط بعده وذكر في الكتاب أنه يبقى له سكني ذلك اليوم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 222 أيضا وهذا مستمر على قياس النفقة وان لم يتعرض له غيره وكل ما يترك إذا وجد في ماله يشترى إذا لم يوجد * قال (ثم ان بقي شئ من الدين فلا يستكسب (م) * وفي إجارة مستولدته والضيعة الموقوفة عليه خلاف مأخذه أن المنفعة ليست مالا عتيدا وانما هو اكتساب) * من قواعد الباب أن المفلس لا يؤمر بتحصيل ما ليس بحاصل وان لم يمكن من تفويت ما هو حاصل حتى لو جنى على المفلس أو على عبده جان فله القصاص ولا يلزم العفو على المال قال وان كانت الجناية موجبة للمال فليس له ولا لوارثه أن يقبل العفو دون إذن الغرماء ولو كان قد أسلم في شئ فليس له أن يقبض مسامحا ببعض الصفات المقصودة المشروطة الا باذنهم ولو كان قد وهب هبة تقتضي الثواب وقلنا انها تقدر بما يرضى به الواهب فله أن يرضى بما شاء وتكليفه طلب الزيادة تكليف بتحصيل ما ليس بحاصل (وان قلنا) إنه يتقدر بالمثل لم يجز الرضا بما دونه ولو زاد على المثل لم يجب القبول * إذا تقرر ذلك فليس على المفلس أن يكتسب ويؤاجر نفسه ليصرف الاجرة والكسب إلى بقية الديون * وقال أحمد رضى الله عنه يلزمه ذلك ولو امتنع اجره القاضى * وعن مالك أنه ان كان ممن يعتاد اجارة نفسه لزمه * لنا قوله تعالى (وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) حكم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 223 بالانظار ولم يأمره بالاكتساب وأيضا فان النبي صلى الله عليه وسلم (لما حجر على معاذ رضي الله عنه لم يزد على بيع ماله) ولو كانت له أم ولد أو ضيعة موقوفة عليه فوجهان (أحدهما) أنهما يؤجران لان المنافع اموال كالاعيان فيحصل بدلها للدين (والثانى) لا لان المنافع لا تعد أموالا حاضرة ولو كان كذلك لوجب اجارة المفلس نفسه ولوجب بها الحج والزكاة فعلى الاول يؤاجر مرة بعد أخرى إلى أن ينقضى الدين لان المنافع لا نهاية لها وقضية ادامة الحجر إلى فناء الدين ولان هذا كالمستعير ومال الامام إلى ترجيح الوجه الثاني لكن في تعاليق العراقيين ما يدل على أن الاول أظهر * قال (ثم إذا لم يبق له مال واعترف به الغرماء فيفك الحجر * أم يحتاج إلى فك القاضى فيه خلاف * وكذا لو تطابقوا علي رفع الحجر لان الظاهر أن الحق لا يعدوهم ولكن يحتمل أن يكون وراءهم غريم * والاظهر أن بيعه ماله من غير الغرماء لا يصح وان كان بادبهم * ولو باع من الغريم بالدين ولا دين سواه ففيه خلاف لان سقوط الدين يسقط الحجر على رأى) * إذا قسم الحاكم مال المفلس بين الغرماء فينفك الحجر أم يحتاج إلى فك القاضى فيه وجهان   (قوله) روى أنه صلى الله عليه وسلم انما حجر على معاذ بالتماس منه دون طلب الغرماء (قلت) هذا شئ ادعاه امام الحرمين فقال في النهاية قال العلماء ما كان حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ من جهة استدعاء غرمائه والا شبه أن ذلك جرى باستدعائه وتبعه الغزالي وهو خلاف ما صح من الروايات المشهورة ففى المراسيل لابي داود التصريح بأن الغرماء التمسوا ذلك امامان واه الدارقطني أن معاذ اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه ليكلم غرماءه فلا حجة فيها أن ذلك الالتماس الحجر وانما فيها طلب معاذ الرفق منهم وبهذا تجمع الروايات الجزء: 10 ¦ الصفحة: 224 (أحدهما) أنه ينفك لان الحجر لحفظ المال على الغرماء وقد حصل هذا الغرض فيزول الحجر (وأظهرهما) أنه لابد من فك القاضى لانه حجر لا يثبت الا باثبات القاضى ولا يرتفع الا برفعه كالحجر على السفيه والمعنى فيه أنه يحتاج إلى نظر واجتهاد كحجر السفيه هذا إذا اعترف الغرماء بان لا مال سواه أما إذا ادعوا مالا آخر فالجواب ما سيأتي ان شاء الله تعالى في الحكم الثالث * ولو اتفق الغرماء علي رفع الحجر عنه فقد حكى الامام في ارتفاعه مثل هذا الخلاف عن الاصحاب (وجه) الارتفاع أن الحجر لهم فهم في امواله كالمرتهن في حق المرهون (ووجه) عدم الارتفاع أنه يحتمل أن يكون وراءهم غريم غائب فلابد فيه من نظر الحاكم واجتهاده * ولو باع المفلس ماله من غريمه يدينه ولا يعرف له غريما سواه فوجهان (قال) صاحب التلخيص يصح بيعه لان الحجر عليه لدين ذلك الغريم فإذا رضى وبرئت ذمته من الدين وجب أن يصح (والاظهر) وبه قال أبو زيد أنه لا يصح من غير مراجعة القاضى لان الحجر على المفلس لا يقتصر على الغريم الملفس؟ بل يثبت على العموم ومن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 225 الجائز أن يكون له غريم آخر والوجهان مفرعان على أن بيع المفلس من الأجنبي لا يصح فان صح فهذا أولى ولو حجر عليه بديون جماعة وباع أمواله منهم بديونهم فعلى هذا الخلاف ولو باع ماله من غريمه الواحد بعين أو ببعض دينه فهو كما لو باع من الأجنبي لان ذلك لا يتضمن ارتفاع الحجر بخلاف ما إذا باع بكل الدين فانه يسقط الدين فإذا سقط الدين ارتفع الحجر * ولو باع من أجنبي باذن الغرماء لم يصح أيضا وقال الامام يحتمل أن يصح كما يصح بيع المرهون بأذن المرتهن وأقام صاحب الكتاب ما ذكره وجها فقال والاظهر أن بيع ماله من غير الغرماء أي من الوجهين (وقوله) لان سقوط الدين يسقط الحجر على رأى هو الرأى الذاهب إلى أنه إذا فرقت أمواله وقبضت الديون ارتفع الحجر عنه فإذا قلنا بذلك   * (حديث) * ايما رجل باع متاعا فافلس الذى باغه ولم بقض؟ البائع من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو احق به وان كان قد اقتضى من ثمنه شيئا فهو اسون؟ الغرماء ذكر الرافعى بعد انه حديث مرسل وهو كما قال فقد اخرجه مالك وأبو داود من حديث أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام مرسلا ووصله أبو داود من طريق أخرى وفيها اسماعيل بن عياش إلا أنه رواه عن الزبيدى وهو شامى قال أبو داود المرسل أصح (قلت) واختلف على اسماعيل فاخرجه ابن الجارود من وجه آخر عنه عن موسى ابن عقبة عن الزهري موصولا وقال الشافعي حديث أبى المعتمر أولى من هذا وهذا منقطع وقال البيهقى لا يصح وصله ووصله عبد الرزاق في مصنفه عن مالك وذكر ابن حزم أن عراك بن مالك رواه أيضا عن أبى هريرة وفي غرائب مالك وفي التمهيد أن بعض أصحاب مالك وصله عنه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 226 صححنا البيع من الغريم بالدين لتضمنه البراءة من الدين ولك أن تقول وجب أن لا تجزم بصحة البيع وان قلنا بان سقوط الدين يسقط الحجر لان صحة البيع اما أن تفتقر إلى تقدم ارتفاع الحجر أم لا تفتقر فان افتقرت وجب أن نجزم بعدم الصحة للدور فانه لا يصح البيع ما لم يرتفع الحجر ولا يرتفع الحجر ما لم يسقط الدين ولا يسقط الدين ما لم يصح البيع وان لم تفتقر فغاية الممكن اقتران صحة البيع وارتفاع الحجر فلتخرج الصحة على الخلاف فيما إذا قال كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدا بعد ولد هل تطلق بالثاني وفيما إذا قال العبد لزوجته ان مات سيدى فانت طالق طلقتين وقال السيد لعبده إذا مت فانت حر ثم مات السيد فهل له نكاحها قبل الزوج واصابة ولهما نظائر * قال (الحاكم الثالث) حبسه إلى ثبوت إعساره * وللقاضي ضربه ان ظهر عناده باخفاء المال * فان أقام بينة على أعساره سمع في الحال (ح م) * وأنظر الي ميسرة * وليشهد من يخبر باطن حاله فانه شهادة على النفى قبلت للحاجة * ثم للخصم أن يحلفه مع الشهادة * فان لم يطلب فهل يجب على القاضى أدبا في قضائه في خلاف * وان لم يجد بينة وقد عهد له مال فلا يقبل قوله * وان لم يعهد فقيل ان القول قوله لان الاصل عدم اليسار * وقيل لابل الاصل في الحر الاقتدار * وقيل ينظر ان لزمه الدين باختياره فالظاهر ان لا يلتزم الا عن قدرة * فان لم يقبل يمينه فان كان غريبا فليوكل القاضى به من يسأل عن منشئه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 227 ومنقلبه حتى يغلب على ظنه افلاسه فليشهد كيلا يتخلد الحبس عليه) * هذا الحكم أيضا ليس من آثار الحجر وخواصه بل هو في حق غير المحجور أظهر على ما سنبينه ان شاء الله تعالى * واعلم أن المديون إذا ثبت اعساره لم يجز حبسه ولا ملازمته بل يمهل إلى أن يوسر على ما قال الله تعالى (فنظرة إلى ميسرة) وقال أبو حنيفة للغريم ملازمته ولكن لا يمنعه من التكسب * وان كان له مال فقد ذكرنا أنه يؤمر ببيع ماله وان امتنع باعه الحاكم عليه وهل يحجر عليه فيه وجهان (أظهرهما) أنه يحجر إذا التمسه الغرماء كيلا يتلف ماله (والثانى) لا لان عمر رضى الله عنه لم يحجر علي الجهيني * فان أخفى ماله حبسه القاضى حتى يظهره روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لى الواجد يحل عرضه وعقوبته) قال المفسرون أراد بالعقوبة الحبس والملازمة فان لم ينزجر بالحبس زاد في تعزيره بما يراه من الضرب وغيره وان كان ماله ظاهرا فهل يحبسه بامتناعه قال في التتمة فيه وجهان الذى عليه عمل القضاة الحبس ويدل عليه ماروى أنه صلى الله عليه وسلم (حبس رجلا أعتق شقصا له من عبد في قيمة الباقي) وان ادعى أنه قد تلف ماله وصار معسرا   (حديث) لى الواجد ظلم وعقوبته حبسه * أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي من حديث عمرو بن الشر يد عن أبيه وعلقه البخاري ولكن لفظه عند الطبراني في الاوسط لى الواجد يحل عرضه وعقوبته وقال لا يروى عن الشريد إلا بهذا الاسناد تفرد به ابن أبى دليلة * (حديث) أنه صلى الله عليه وسلم حبس رجلا أعتق شقصا له في عبد في قيمة الباقي * البيهقى من طريق أبى مجلزان عبدا كان بين رجلين فاعتق أحدهما نصيبه فحبسه النبي صلى الله عليه وسلم حتى باع فيه غنيمة له قال وهذا منقطع قال وروى من وجه آخر عن القاسم بن عبد الرحمن عن جده عبد الله ابن مسعود وهو ضعيف لانه من طريق الحسن بن عمارة قال ورواه الثوري عن ابن أبى لبلى؟ عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابى مجلز (فائدة) في مشروعية الحبس حديث أخرجه أبو داود والنسائي من طريق بهز بن حكيم عن ابيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة ساعة من نهار ثم خلا سبيله الجزء: 10 ¦ الصفحة: 228 فعليه البينة ثم ان شهد الشهود على التلف قبلت شهادتهم ولم يعتبر فيهم الخبرة الباطنة وان شهدوا على اعساره قبلت بشرط خيرتهم الباطنة قال الصيدلاني ويحمل قولهم انه معسر على أنهم وقفوا على تلف المال * وان ادعى المديون أنه معسر لا شئ له أو قسم مال المحجوز على الغرماء وبقى بعض الديون وزعم أنه لا يملك شيئا آخر وأنكر الغرماء نظر ان لزمه الدين في مقابلة مال كما إذا ابتاع أو استقرض أو باع سلما فهو كما لو ادعى هلاك المال فعليه البينة وان لزم لا في مقابلة مال فثلاثة أوجه (أصحها) أنه يقبل قوله مع اليمين لان الاصل العدم (والثانى) أنه لا يقبل ويحتاج إلى البينة لان الظاهر من حال الحر أنه يملك شيئا قل أم كثر (والثالث) أنه ان لزمه باختياره كالصداق والضمان لم يقبل قوله وعليه البينة وان لزمه لا باختياره كارش الجنايات وغرامة المتلفات قبل قوله مع اليمين والفرق ان الظاهر أنه لا يشغل ذمته ولا يلتزم مالا يقدر عليه ثم الكلام في فصلين (أحدهما) في البينة القائمة على الاعسار وهى مسموعة وان تعلقت بالنفى لمكان الحاجة كالبينة على أن لا وارث سوى هؤلاء وعن مالك أنها لا تسمع والنظر في أنها متى تسمع وما صفة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 229 الشهود وعددهم وصيغة شهاداتهم أمامتى تسمع فهى مسموعة وان قامت في الحال خلافا فالابي حنيفة حيث قال لا تسمع الابعد مدة ثم هي مقدرة في رواية بشهر وفى أخرى بشهرين وربما ضبطوا بما يغلب على الظن في مثلها أنه لو كان له مال لاظهره ويختلف ذلك باختلاف أحوال الناس وطباعهم (وأما) الصفة فما يعتبر في الشهود مطلقا يذكر في الشهادات ويعتبر مع ذلك كون الشهود من أهل الخبرة الباطنة بطول الجوار وكثرة المجالسة والمخالطة فان الاموال تخفى ولا يعرف تفصيلها الا بامثال ذلك ثم إن عرف القاضى أنهم من أهل الخبرة الباطنة فذاك والاجاز له أن يعتمد على قولهم أنا بهذه الصفة ذكره في النهاية وأما العدد فشاهدان كما في سائر الامور وفى كتاب الفورانى والمتولي أنه لاتقبل هذه الشهادة الا من ثلاثة لما روى (أن رجلا ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان جائحة أصابت ماله وسأله أن يعطيه من الصدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحتى يشهد ثلاثة من ذوى الحجى من قومه) والمذهب الاول والحديث محمول على الاستظهار والاحتياط (وأما) الصيغة فهى أن يقولوا هو معسر لا يملك الا قوت يومه وثياب بدنه ولو أضافوا إليه وهو ممن تحل له الصدقة جاز ولا يشترط قال في التتمة ولا يقتصرون على أنه لاملك له حتى لاتتمحض شهادتهم نفيا لفظا ومعني ويحلف المشهود له مع البينة لجواز أن له مالا في الباطن والشهود   (حديث) أن رجلا ذكر للنبى صلى الله عليه وسلم جائحة أصابته فسأله أن يعطيه من الصدقة فقال حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجى من قومه * الحديث مسلم من حديث قبيصة بن مخارق الهلالي قال تحملت حمالة فاتيت النبي صلى الله عليه وسلم أسأله فيها فقال أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ثم قال يا قبيصة أن المسألة لا تحل إلا لاحد ثلاثة فذكر كرمطولا وفيه رجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجي من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 230 اعتمدوا الظاهر وغالب الظن وعن أبى حنيفة أنه لا يحلف وبه قال أحمد وهذا التحليف مستحق أو مستحب فيه قولان ويقال وجهان (الاصح) الاستحقاق وهو ظاهر نصه في المختصر (وقال) الشيخ أبو حامد الاصح الاستحباب وهو ظاهر نصه في حرمله والاملاء وعلى التقديرين فهل يتوقف على استدعاء الخصم فيه وجهان (أحدهما) لا كما لو كانت الدعوى على ميت أو غائب وعلى هذا فهو من أداب القضاة (وأظهرهما) نعم كيمين المدعى عليه (الفصل الثاني) انا حيث قلنا يقبل قوله مع يمينه فيقبل في لحال كما لو أقام البينة فتسمع في الحال قال الامام ويحتمل ان يقال يتأنى القاضى ويبحث عن باطن حاله ولا يقنع بقوله بخلاف ما إذا أقام البينة وحيث قلنا لا يقبل قوله الا بالبينة فادعى ان الغرماء يعرفون إعساره فله تحليفهم على نفى المعرفة فان نكلوا حلف وثبت اعساره وان حلفوا حبس ومهما ادعى ثانيا وثالثا انه بان لهم اعساره فله تحليفهم قال في التتمة الا أن يظهر للقاضى انه يقصد الايذاء أو اللجاج وإذا حبسه فلا يغفل عنه بالكلية فلو كان غريبا لا يتأتى له إقامة البينة فينبغي أن يوكل به القاضى من يبحث عن منشئه ومتقلبه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 231 ويفحص عن أحواله بحسب الطاقة وإذا غلب على ظنه افلاسه شهد به عند القاضى كيلا تتخلد عليه عقوبة الحبس ومتى ثبت الاعسار وخلاه الحاكم فعاد الغرماء بعد ايام وادعوا أنه استفاد مالا وأنكر فالقول قوله وعليهم البينة فان أتوا بشاهدين قالا رأينا في يده مالا يتصرف فيه أخذه الغرماء فان قال أخذته من فلان وديعة أو مضاربة وصدقه المقر ولا حق للغرماء فيه وهل لهم تحليفه على أنه لم يواطئ المقر وأنه أقر عن تحقيق فيه وجهان (أصحهما) المنع لانه لو رجع عن اقراره لم يقبل فلا معني لتحليفه وان كذبه المقر له صرف إليهم ولا يلتفت إلى اقراره لانسان آخر وان كان المقر له غائبا وقف حتى يحضر الغائب فان صدقة أخذه والا أخذه الغرماء (وأما) لفظ الكتاب فقوله وان أقام بينة على اعساره سمعت معلم - بالواو - وقوله في الحال - بالحاء - لما مر وقوله للخصم أن يحلفه مع الشهادة - بالحاء - والالف - ثم هو جواب على ان اليمين مستحقه فيصح إعلامه - بالواو - أيضا ويوضحه قوله فهل يجب على القاضى أذنا في قضائه فانه جعل الوجوب معروفا عنه ونتكلم في أنه هل يشترط له طلب الخصم قال الامام والخلاف فيما إذا سكت فاما إذا قال لست أطلب يمينه ورضيت باطلاقه فلا خلاف في أنه لا يحلف * قال (والصحيح أنه يحبس في دين ولده لانه لو لم يحبس فيؤدى إلى أن يفر ويمتنع عن الاداء ويعجز عن الاستيفاء) * في حبس الوالدين بدين الولد وجهان (اصحهما) عند صاحب الكتاب أنه يحبس والا لاقر وامتنع عن الاداء وحينئذ يعجز الابن عن استيفاء الدين ويضيع حقه (الثاني) لا يحبس لان الحبس نوع عقوبة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 232 ولا يعاقب الوالد بالولد قال في التهذيب وهذا أصح ولمن قال به أن يمنع عجز الابن عن الاستيفاء بل إذا ثبت له مال عند القاضى أخذه قهرا وصرفه إلى دينه وعلى الوجهين لا فرق بين دين النفقة وغيرها ولابين أن يكون الولد صغيرا أو غيره وعن أبى حنيفة رحمه الله أنه لا يحبس الا في نفقة الولد إذا كان صغيرا أو زمنا فيمكن اعلام قوله يحبس بالحاء لذلك * قال (الحكم الرابع الرجوع (ح) إلي عين المبيع لقوله عليه السلام (أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه) * ويتعلق الرجوع بثلاثة أركان (العوض) (والمعوض) (والمعاوضة) (أما العوض) وهو الثمن فله شرطان (الاول) أن يتعذر استيفاؤه بالافلاس فلو وفى المال به فلا رجوع * وإن قدمه الغرماء فله الرجوع لان فيه منة وغرر ظهور غريم آخر * ولا رجوع (و) إذا تعذر بامتناعه بل يستوفيه القاضى * ولو انقطع جنسه ومنعنا الاعتياض عن الثمن فله الفسخ كما في انقطاع المسلم فيه (الثاني) الحلول ولا رجوع الا إذا كان الثمن حالا ولا يحل الاجل بالفلس على الاصح) * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 233 من حجر عليه بالافلاس ووجد من باع منه ولم يقبض الثمن وعين متاعه عنده فقد ذكرنا أن له أن يفسخ البيع ويأخذ عين ماله وهل يكون هذا الخيار على الفور فيه وجهان (أحدهما) لا كخيار الرجوع في الهبة من الولد (وأصحهما) نعم لانه خيار فسخ ثبت لدفع الضرر فليكن على الفور كخيار العيب وخيار الحلف فعلى هذا إذا علم الحجر ولم يفسخ بطل حقه من الرجوع وعن القاضى الحسين أنه لا يمنع تأقيته بثلاثة أيام كما هو أحد الاقوال في خيار المعتقة تحت رقيق وفى الشفعة وهل يفتقر هذا الخيار إلى إذن لحاكم أم يستبد به الفاسخ فيه وجهان (أحدهما) انه يفتقر إلى إذنه لانه فسخ مختلف فيه كالفسخ بالاعسار (وأشبههما) أنه لا حاجة إليه لانه ثابت بالسنة الصحيحة فصار كخيار العنق ولوضوح الحديث ذهب الاصطخرى إلى أنه لو حكم حاكم بالمنع من الفسخ نقض حكمه ولا يحصل الفسخ ببيع البائع واعتاقه ووطئه الجارية المبيعة علي أصح الوجهين وتلغو هذه التصرفات وصيغة هذه التصرفات * وصيغة الفسخ كقوله فسخت البيع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 234 ونقضته ورفعته لا يخفى * ولو اقتصر على قوله رددت الثمن أو فسخت البيع فقد حكي الامام فيه اختلافا للاصحاب ووجه المنع بان حق الفسخ فيه أن يضاف إلى المرسل ثم إذا انفسخ العقد ثبت مقتضاه والاصح الاكتفاء به ثم حق الرجوع للبائع لا يثبت علي الاطلاق بل هو مشروط بشروط يجب معرفتها ولا يختص الرجوع بالبيع بل يجرى في غيره من المعاوضات ويتبين الغرض بالنظر في العوض المتعذر تحصيله والمعوض المسترجع والمعاوضة التي بها انتقل الملك إلى المفلس فلذلك قال ويتعلق الرجوع بثلاثة أركان والعوض والمعوض والمعاوضة (وقوله) أما العوض فهو الثمن يعني في البيع ويقاس عليه العوض في سائر المعاوضات ويعتبر فيه شيئان (احدهما) أن يتعذر استيفاؤه بسبب الافلاس وفيه صور (أحدهما) إذا كان ماله وافيا بالديون وحجر القاضي عليه تفريعا على جواز ذلك ففى ثبوت الرجوع وجهان (أحدهما) وهو المذكور في الكتاب أنه لا يرجع لانه يصل إلى الثمن (والثانى) يرجع لانه لو رجع لما أمن أن يظهر غريم آخر يزاحمه فيما اخذ (الثانية) لو قال الغرماء نفسخ لتقدمك بالثمن لم يلزمه الاجابة خلافا لمالك لان فيه تحمل منه وأيضا فربما يظهر غريم آخر فيزاحمه فيما أخذ وفيه وجه أنه لا يبقى له الرجوع تخريجا مما إذا حجر عليه الحاكم وفى ماله وفاء ولو قالوا نؤدى الثمن من خالص أموالنا أو تبرع به أجنبي فليس عليه الاجابة أيضا ولو أجاب ثم ظهر غريم آخر لم يزاحمه في المأخوذ * ولو مات المشترى فقال الوارث لا ترجع حتى أقدمك على الغرماء يلزمه القبول أيضا ولو قال أؤدى الثمن من مالى فوجهان (أحدهما) وبه أجاب في التتمة أن عليه القبول وترك الفسخ لان الوارث خليفة المورث فله تخليص المبيع (الثلالثة) لو امتنع المشترى من تسليم الثمن مع اليسار أو هرب أو مات مليئا وامتنع الوارث من التسليم فاصح الوجهين أنه لا فسخ لانه لم يوجد عيب الافلاس الجزء: 10 ¦ الصفحة: 235 والتوصل إلى الاستيفاء بالسلطان ممكن فان فرض عجز عن النذور فذلك مما لا عبرة به (والثانى) له الفسخ لتعذر الوصول إلى الثمن ولو كان قد ضمن الثمن ضامن فأن ضمن بأذن المشترى فليس له الرجوع على المشترى لانه ليس بمتبرع على المشترى والوصول من يده كالوصول من يد المشترى وان ضمن بغير إذنه فوجهان (في أحدهما) يرجع كما لو تبرع متبرع بالمثن (وفى الثاني) لا لان الحق قد تقرر في ذمته وتوجهت المطالبة عليه بخلاف المتبرع * ولو أعير من المشترى ما يرهنه بالثمن فرهنه فعلى الخلاف (وأما) قوله فلو انقطع جنسه ومنعناه الاعتياض عن الثمن فله الفسخ كما في انقطاع المسلم فيه فاعلم أن هذه المسألة هي كالغريبة في الباب وأذكر سبب ايرادها فيه بعد بيان فقهها أنا ذكرنا قولين في جواز الاستبدال عن الثمن في الذمة فان منعنا الاستبدال عنه وانقطع جنسه كان كانقطاع المسلم فيه وانقطاع المسلم فيه أثره ثبوت حق الفسخ في أصح القولين والانفساخ في الثاني فكذلك ههنا وان جوزنا الاعتياض والاستبدال فلا تعذر في استيفاء عوض عنه (وقوله) فله الفسخ اقتصار منه على ذكر أصح القولين (وأما) سبب الايراد في هذا الموضع فامران (أحدهما) أنه لما جعل الشرط التعذر بسبب الافلاس تكلم في التعذر بغير هذا السبب كامتناع المشترى وانقطاع جنس الثمن وبين حكم كل قسم منها (والثانى) أن الاصحاب احتجوا على ثبوت حق الفسخ بالافلاس القياس على تعذر تحصيل المسلم فيه بالانقطاع والجامع أنه أحد عوضي العقد فقيل لهم لو كان الثمن كالمسلم فيه لا قتضى انقطاعه ما يقتضى المسلم فيه فأجابوا بما حكيناه أنه ان جاز الاستبدال فلا تعذر والا فلا فرق (الثاني) كون الثمن حالا فلا رجوع إذا كان الثمن مؤجلا لانه لا مطالبة في الحال (وقوله) ولا يحل الاجل بالفلس على الاصح مكرر قد ذكره مرة في أول الباب (وقوله) ولو حل أجله قبل انفكاك الحجر فقد ذكرناه ثم وبينا أن من الاصحاب من الجزء: 10 ¦ الصفحة: 236 قال لو حل الاجل وهو محجور عليه لم يكن للبائع الفسخ والرجوع أيضا ويجوز أن يعلم قوله فلا رجوع الا إذا ان الثمن حالا بالواو لوجه أثبتناه هناك تفريعا على أن الديون المؤجلة تحل بالفلس وأعلم قوله في أول الفصل الرجوع إلى عين المبيع بالحاء لما مر من مذهب أبى حنيفة * قال (وأما المعاوضة فلها شرطان (الاول) أن تكون معاوضة محضة فلا يثبت الفسخ في النكاح والخلع والصلح بتعذر استيفاء العوض * ويثبت في الاجارة والسلم فيثبت الرجوع إلى رأس المال عند الافلاس ان كان باقيا * والمضاربة بقيمة المسلم فيه ان كان تالفا * ثم يشترى بقيمته جنس حقه * ولا يجوز الاعتياض عن المسلم فيه * وإذا أفلس المستأجر بالاجرة رجع المكرى إلى عين الدابة أو الدار المكراة * فان كان في بادية نقله إلى مأمن بأجرة مثله يقدم بها على الغرماء * وان كان قد زرع الارض ترك زرعه بعد الفسخ بأجرة يقدم بها على الغرماء إذ فيه مصلحة الزرع الذي هو حق الغرماء وان أفلس المكرى بعد تعين ما أكراه فلا فسخ بل يقدم المستأجر بالمنفعة لتعلق حقه بعين الدابة كما يقدم المرتهن * وان كانت الاجارة واردة على الذمة فله الرجوع إلى الاجرة إذا بقيت بعينها أو المضاربة بقيمة المنفعة لتحصل له المنفعة) * يعتبر في المعاوضة التى يملك بها المفلس شيئان (أحدهما) أن تتمحض معاوضة وقصد صاحب الكتاب بهذا القيد اخراج بعض التصرفات وادخال بعضها أما المخرج فقد قال فلا يثبت الفسخ في النكاح والخلع والصلح لتعذر استيفاء العوض وهذا قد يتجاوز عنه لاعتقاد أنه في غاية الوضوح لكن فيه وقفة منكرة لانه ان أراد به أن المرأة لا تفسخ النكاح بتعذر استيفاء الصداق ولا الزوج الجزء: 10 ¦ الصفحة: 237 الخلع ولا العافى الصلح بتعذر استيفاء العوض فهو مستمر في الصورتين الاخيرتين لكنه في النكاح ينبي على الخلاف في أن الاعسار بالصداق هل يثبت الفسخ والقول في ذلك الخلاف والاصح منه موضعه باب الاعسار وان أراد به ان الزوج لا يفسخ النكاح إذا لم تسلم نفسها وتعذر الوصول إليها فهذا واضح لكن لا يفرض مثله في الخلع والعفو إذ ليس العوض في الخلع الا البينونة وفى العفو الا براءة الذمة عن القصاص؟ وهذا لا يتصور فيه التعذر مع صحة الخلع والعفو * وأما المدخل فهو السلم والاجارة فانهما معاوضتان مخضتان أما السلم فإذا أفلس المسلم إليه قبل توفية المسلم فيه لم يخل اما أن يكون رأس المال باقيا أو تالفا أو بعضه باقيا وبعضه تالفا (الحالة الاولى) أن يكون باقيا فللمسلم فسخ العقد والرجوع إلى رأس المال كما ذكرنا في البائع فان أراد ان يضارب مع الغرماء بالمسلم فيه ولا يفسخ فسنتكلم في كيفية المضاربة ان شاء الله تعالى (الثانية) أن يكون رأس المال تالفا فوجهان (أحدهما) ويحكى عن أبى اسحق أن للمسلم فسخ العقد والمضاربة مع الغرماء برأس المال لانه تعذر عليه الوصول إلى تمام حقه فليمكن من فسخ السلم كما لو انقطع جنس المسلم فيه وهذا ما أورده القاضى ابن كج والصيدلانى وعلى هذا فهل يجئ قول حاكم بانفساخ السلم كما في انقطاع المسلم فيه (قيل) نعم اتماما للتشييه (وقيل) لا لانه ربما حصل باستقراض وغيره بخلاف صورة الانقطاع (وأصحهما) أنه لا ينفسخ كما لو افلس المشترى بالثمن والمبيع تالف وليس كالانقطاع لان ثم إذا فسخ رجع إلى رأس المال بتمامه وههنا إذا فسخ ليس له الا المضاربة برأس المال ولو لم يفسخ لضارب بالمسلم فيه فأنه أنفع لان الغالب زيادة قيمة المسلم فيه على رأس المال فعلى هذا يقول المسلم فيه ويضارب المسلم بقيمته مع الغرماء فإذا عرفت حصته نظر إن كان في المال من جنس المسلم فيه صرف إليه والا اشتري بحصته منه وسلم إليه فان الاعتياض عن المسلم فيه ممتنع هذا إذا كان رأس المال تالفا ولم يكن جنس المسلم فيه منقطعا فان كان تالفا وانقطع جنس المسلم فيه ففى وجه ليس للمسلم فسخ العقد أيضا لانه لا بد من المضاربة فسخ أو لم يفسخ وان فسخ فبرأس المال والا فبالمسلم فيه وانما يفسخ بالافلاس حتى يتخلص عن المضاربة (والاصح) أنه يثبت حق الفسخ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 238 ههتا لان الفسخ بالانقطاع يثبت في حق غير المحجور عليه وما يثبت في حق غيره يثبت في حقه كالرد بالعيب وفيه فائدة فان ما يخصه لو فسخ لصرف إليه في الحال عن جهة رأس المال وما يخصه لو لم يفسخ لا يصرف إليه بل يوقف إلى أن يعود المسلم فيه فيشترى به * ثم ههنا فرعان (أحدهما) إذا قومنا المسلم فيه فوجدنا قيمته عشرين وأفرزنا من المال للمسلم عشرة لكون الديون ضعف المال فرخص السعر قبل الشراء ووجدنا بالعشرة جميع المسلم فيه فوجهان (أحدهما) وهو ما أورده ابن الصباغ أنا نرد الموقوف إلى ما يخصه باعتبار قيمته أجزاء فيصرف إليه خمسة والخمسة الباقية توزع عليه وعلى سائر الغرماء وذلك لان الموقوف لم يدخل في ملك المسلم بل هو باق على ملك المفلس وحق المسلم في الحنطة الا قى ذلك الموقوف فإذا صارت القيمة عشرة فليس دينه الا ذلك (والثانى) وهو ما أورده في التهذيب أن يشترى به جميع حقه ويسلم إليه اعتبارا بيوم القسمة والموقوف وان لم يملكه المسلم لكنه صار كالمرهون بحقه وانقطع حقه عن غيره من الحصص حتى لو تلف قبل التسليم لم يتعلق بشئ مما عند الغرماء وكان حقه في ذمة المفلس ولا خلاف في أنه لو فضل الموقوف عن جميع حق المسلم كان الفاضل للغرماء وليس له أن يقول ما زاد لى ولو وقفنا في الصورة المعروضة عشرة فغلا السعر ولم نجد القدر الذى كنا نتوقعه الا باربعين فعلى الوجه الاول بان أن الدين أربعون فيسترجع من سائر الحصص ما تتم به حصص الاربعين وعلى الثاني لا يزاحمهم وليس الجزء: 10 ¦ الصفحة: 239 له ألاما وقف له وقد نسب صاحب النهاية الوجه (الثاني) إلى الجماهير والاول إلى القاضى الحسين وعكس أبو سعد المتولي فنسب (الثاني) إلى القاضى والله أعلم * الثاني لو تضاربوا وأخذ المسلم بما خصه قدرا من المسلم فيه وارتفع الحجر عنه ثم حدث له مال وأعيد الحجر واحتاجوا إلى المضاربة ثانيا قومنا المسلم فيه فأن وجدنا كقيمته أولا فذاك وان زادت فالتوزيع الآن يقع باعتبار القيمة الزائدة وإن نقصت فالاعتبار بالقيمة الثانية أم بالاولى فيه وجهان عن رواية صاحب التقريب (أصحهما) الاول قال الامام ولا أعرف للثاني وجها ولو كان المسلم فيه ثوبا أو عبدا بحصة المسلم يشترى منه شقص للضرورة وإن لم يوجد فللمسلم الفسخ (الحالة الثالثة) ان يكون بعض رأس المال باقيا وبعضه تالفا فهو كما لو تلف بعض المبيع دون بعض وسنذكره ان شاء الله تعالى (وأما) الاجارة فنتكلم في افلاس المستأجر ثم في افلاس المكرى (القسم الاول) افلاس المستأجر والاجارة على نوعين (أحدهما) الاجارة الواردة على العين فإذا اجر أرضا أو دابة وأفلس الستأجر قبل تسليم الاجرة ومضت المدة فللمكرى فسخ الاجارة تنزيلا للمنافع في الاجارة منزلة الاعيان في البيع وذكر الامام أن صاحب التقريب حكى قولا أنه لا يثبت الرجوع في المنافع تترك منزلة الاعيان القائمة إذ ليس لها وجود مستقر والمذهب الاول فان لم يفسخ واختار مضاربة الغرماء فله ذلك وحيئنذ ان كانت العين المستأجرة فارغة أجرها الحاكم على المفلس وصرف الاجرة إلى الغرماء ولو كان التفليس بعد مضى بعض المدة فللمكرى فسخ الاجارة في المدة الباقية والمضاربة مع الغرماء بقسط المدة الماضية من الاجرة المسماة بناء على أنه لو باع عبدين فتلف أحدهما ثم افلس يفسخ البيع في الباقي ويضارب بثمن التالف وإذا افلس مسأجر الدابة في خلال الطريق وحجر عليه ففسخ المكرى لم يكن له ترك متاعه في البادية المهلكة ولكن ينقله إلى مأمن بأجرة مثل يقدم بها على الغرماء لانه لصيانة ماله وايصاله إلى الغرماء فاشبه أجرة الكيال والحمال وكرى المكان المحفوظ فيه ثم في المأمن يضعه عند الحاكم ولو وضعه عند عدل من غير اذن الحاكم فوجهان مذكوران في نظائره ولو فسخ والارض المستأجرة مشغولة بزرع المستأجر نظر ان استحصد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 240 الزرع فله المطالبة بالحصاد وتفريغ الارض والا فان اتفق المفلس والغرماء على قطعه قطع وان اتفقوا على التبقية إلى الادراك فلهم ذلك بشرط أن يقدموا المكرى باجرة المثل لبقية المدة محافظة للزرع على الغرماء وان اختلفوا فاراد بعضهم القطع والبعض التبقية فعن أبى اسحق أنه يراعى ما فيه المصلحة (والمذهب) أنه ينظران كان له قيمة لو قطع فيجاب من يريد القطع من المفلس والغرماء إذ ليس عليه تنمية ماله لهم ولا عليهم الصبر إلى أن ينمو ماله فعلى هذا لو لم يأخذ المكرى أجرة المدة الماضية فهو أحد الغرماء فله طلب القطع وان لم يكن له قيمة لو قطع فيجاب من يريد التبقية إذ لا فائدة لطلب القطع فيه وإذا أبقوا الزرع بالاتفاق أو بطلب بعضهم حيث لم يكن للمقطوع قيمة فالسقى وسائر المؤن ان تطوع الغرماء أو بعضهم أو أتفقوا عليها علي اقدار دينونهم فذاك وان أنفق عليها بعضهم ليرجع فلا بد من اذن الحاكم أو اتفاق الغرماء والمفلس وإذا حصل الاذن قدم المنفق بقدر النفقة لانه لا صلاح لزرع وكذا لو انفقوا على قدر الديون ثم ظهر غريم آخر قدم المنفقون بما أنفقوا وهل يجوز الانفاق عليه من مال المفلس فيه وجهان (أظهرهما) الجواز (ووجه) المنع أن حصول الفائدة موهوم (والنوع الثاني) الاجارة على الذمة ونزيد فيها النظر إلى هذه الاجارة هل تعطى حكم السلم حتى يجب فيها تسليم رأس المال في المجلس أم لا (ان قلنا) لا فهى كالاجارة على العين (وان قلنا) نعم فلا أثر للافلاس بعد التفرق لصيرورة الاجرة مقبوضة قبل التفرق ولو فرض التفليس في المجلس فان أثبتنا خيار المجلس ففيه غنية عن هذه الخيار والا فهى كما في اجارة العين (القسم الثاني) افلاس المكرى والكلام في اجارة العين ثم في الاجارة على الذمة (أما) النوع الاول فإذا أجر دابة أو دارا من انسان ثم أفلس فلا فسخ للمستأجر لان المنافع المستحقة له متعلقة بعين ذلك المال فيقدم بها كما يقدم حق المرتهن وكما لو باع شيئا ثم أفلس فان المشترى أحق بما اشتراه ثم إذا طلب الغرماء بيع العين المستأجرة يفرع ذلك على جواز بيع المستأجر ان معناه لم يجبهم وعليهم الصبر إلى انقضاء المدة وان جوزناه اجيبوا ولا مبالاة بما ينقص من الجزء: 10 ¦ الصفحة: 241 ثمنه بسبب الاجاره إذ ليس على الغرماء الصبر إلى أن يزداد مال المفلس (وأما) النوع الثاني فإذا التزم في ذمته نقل متاع من بلد إلى بلد ثم أفلس نظر ان كانت الاجرة باقية في يد المفلس فله فسخ الاجارة والرجوع إلى عين ماله وان كانت تالفة فلا فسخ كما لا فسخ والحالة هذه عند افلاس المسلم إليه على الاصح ويضارب المستأجر الغرماء بقيمة المنفعة المستحقة وهي أجرة المثل كما يضارب المسلم بقيمة المسلم فيه ثم ان جعلنا هذا النوع من الاجارة سلما فما يخصه بالمضاربة من مال المفلس لا يجوز تسليمه إليه لامتناع الاعتياض عن المسلم فيه فينظر ان كانت المنفعة المستحقة قابلة للتبعيض كما إذا كان الملتزم حمل مائة من فينقل بالحصة بعض المائة وان لم يقبل التبعيض كما إذا كان الملتزم قصارة ثوب أو رياضة دابة أو حمل المستأجر إلى بلد ولو نقل إلى نصف الطريق لبقى ضائعا قال الامام للمستأجر الفسخ بهذا السبب والمضاربة بالاجرة المبذولة وان لم يجعل هذا النوع من الاجارة سلما سلمت الحصة بعينها إليه لجواز الاعتياض هذا إذا لم يسلم عينا لاستيفاء المنفعة الملتزمة منها فاما إذا التزم النقل في ذمته ثم سلمه دابة لينقل بها ثم أفلس فيبني على أن الدابة المسلمة هل تتعين بالتعيين أم لا وفيه وجهان يذكران في الاجاره (ان قلنا) تتعين فلا فسخ ويقدم المستأجر بمنفعتها كما لو كانت معينه في العقد (وان قلنا) لا تتعين فهو كما لو لم يسلم (وأما) لفظ الكتاب فقوله فيثبت الرجوع إلى رأس المال أي في السلم (وقوله) أو المضاربة بقيمة المسلم في ان كان تالفا يجوز اعلامه بالواو للوجه الذاهب إلى ثبوت الفسخ عند التلف أيضا (وقوله) ثم يشترى بقيمته أي بحصة المسلم مضاربا بقيمته (وقوله) رجع المكرى مرقوم بالواو بالواو لما مر (وقوله) ترك زرعه بعد الفسخ باجرة أي إذا لم يستحصد واتفقوا على ابقائه كما أوضحناه والمراد من الاجرة أجرة المثل (وقوله) أو المضاربة بقيمة المنفعة لتحصل له المنفعة أي لا يضارب ليأخذ عين ما يخصه لكن ليصرف ما يخصه إلى المنفعة التى يستحقها وهذا جواب على تنزيل الاجارة في الذمة منزلة السلم فان لم يفعل ذلك لم يحتج إلى تحصيل المنفعة فيجوز أن يعلم بالواو لذلك وقياس ما مر في السلم مجئ وجه في ثبوت حق الفسخ وان كانت الاجرة تالفة لتعذر حصول المستحق بتمامه واعلام قوله أو المضاربة بالواو * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 242 (فرع) استقرض مالا ثم أفلس وهو باق في يده فللمستقرض الرجوع (أما) إذا قلنا انه لا يملك بالقبض فلانه بسبيل من الرجوع من غير حجر وافلاس فمعهما أولى (وأما) إذا قلنا انه يملك فلانه مملوك ببدل تعذر تحصيله فاشبه المبيع * (فرع) باع مالا واستوفى ثمنه وامتنع من تسليم المبيع أو هرب هل للمشترى الفسخ كما لو أبق العبد المبيع أم لا لانه لا نقصان في نفس المبيع فيه وجهان منقولان في التتمة * قال (الشرط الثاني للمعارضة أن تكون سابقة على الحجر * احترزنا به عما يجرى سبب لزومه بعد الحجر كما إذا باع المفلس المحجور عليه هل يتعلق بعين ماله وقد ذكرناه * وكذلك لو أفلس المكرى والدار في يد المكتري فانهدمت ثبت له الرجوع إلى الاجرة * وهل يزاحم به الغرماء فيه وجهان وكذا لو باع جارية بعبد فتلفت الجارية في يد المفلس المحجور فرد بائعها العبد بالعيب فله طلب قيمة الجارية قطعا * وهل يتقدم بالقيمة أو يضارب بها وجهان * والاصح أنه يضارب) * هذا الشرط مغفول عنه في أكثر النسخ سيما في القديمة منها لكنه الحق بالكتاب من الوسيط لانه وعد به حيث قال أما المعاوضة فلها شرطان والصواب ان تثبت الملحق بالمتن على ما يناسب نظم الكتاب ثم نشرحه (أما) الملحق فهو قد سبق الشرط الثاني أن تكون المعاوضة سابقة على الحجر فلو باع من المفلس المحجور شيئا فقد ذكرنا الخلاف في تعلقه بعين متاعه ولو أفلس المكرى والدار في يد المشتري فانهدمت افله الرجوع بالاجرة وفى مزاحمته الغرماء بها وجهان * ولو باع جارية بعبد فتلفت في يد المفلس ورد بائعها العبد بعيب فله طلب قيمة الجارية قطعا ويتقدم بها أو يضارب فيه وجهان (أصحهما) أن يضارب * (وأما) الشرح فاعلم أن فيه ثلاث مسائل (الاولى) إذا باع شيئا من المفلس المحجور وصححناه فقد ذكرنا في ثبوت حق الفسح والرجوع خلافا (فان قلنا) لا رجوع فقد شرطنا فيه سبق المعاوضة على الحجر (الثانية) إذا أجر دارا وسلمها إلى المكترى وقبض الاجرة ثم أفلس وحجر عليه فقد ذكرنا ان الاجارة مستمرة بحالها فان انهدمت في اثناء المدة انفسخت الاجارة فيما بقى منها ويضارب المستأجر مع الغرماء بحصة ما بقى منها ان كان الانهدام قبل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 243 قسمة المال بينهم وان كان بعد القسمة فوجهان (وجه) المنع أنه دين حدث بعد القسمة فصار كما لو استقرض (ووجه) المضاربة وهو الاصح أنه دين أسند إلى عقد سبق الحجر وهو الاجارة فصار كما لو انهدمت قبل القسمة (الثالثة) باع جارية بعبد وتقابضا ثم أفلس مشترى الجارية وحجر عليه وهلكت الجارية في يده ثم وجد بائعها بالعبد عيبا ورده فله طلب قيمة الجارية لا محالة وكيف يطلب فيه وجهان عن القاضى الحسين (أصحهما) أنه يضارب كسائر أرباب الديون (والثانى) أنه يتقدم على سائر الغرماء بقيمتها لانه أدخل في مقابلتها عبدا في مال المفلس وهذان الوجهان في الكيفية يخالفان الوجهين في رجوع من باع منه بعد الحجر شيئا بالثمن (إذا قلنا) لا يتعلق بعين متاعه فانا في وجه نقول يضارب وفى وجه نقول يصير إلى أن يستوفى الغرماء حقوقهم ولا نقول بالتقدم بحال وكان الفرق أن الدين ثم حادث بعد الحجر وههنا مستند إلى سبب سابق على الحجر فإذا انضم إليه ادخال شئ في ملك المفلس أثر في التقديم على رأى * قال (أما العوض فله شرطان (الاول) أن يكون باقيا في ملكه * فلو هلك فليس له الا المضاربة بالثمن * وكذا (و) لو زادت القيمة على الثمن * والخروج عن ملكه كالهلاك * وتعلق حق الرهن والكتابة كزوال الملك * ولو عاد إلى ملكه بعد الزوال رجع إليه في أظهر القولين) * يعتبر في المبيع ليرجع البائع إليه شرطان (أحدهما) بقاؤه في ملك المفلس فلو هلك لم يرجع قال صلى الله عليه وسلم (فصاحب المتاع أحق بمتاعه) إذا وجده بعينه جعل وجدانه شرطا في الاحقية ولا فرق بين أن يكون الهالك بآفة سماوية أو يجناية جان وبين أن تكون قيمته مثل الثمن أو أكثر وليس له الا مضاربة الغرماء بالثمن وعن رواية الشيخ أبى محمد وجه أنه إذا زادت القيمة ضارب بها دون الثمن واستفاد بها زيادة حصته ولو خرج عن ملكه ببيع أو هبة أو اعتاق أو وقف فهو كما لو هلك وليس له فسخ هذه التصرفات بخلاف الشفيع له رد هذه التصرفات لان حق الشفعة كان ثابتا حين تصرف المشترى لانه يثبت بنفس البيع وحق الرجوع لم يكن ثابتا حين تصرف لانه انما يثبت بالافلاس والحجر ولو كاتب العبد أو استولد الجارية فلا رجوع أيضا ولو دبر أو علق العتق على صفة فله الرجوع وإن أجره فلا رجوع إن لم نجوز بيع المستأجر وإن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 244 جوزناه فان شاء أخذه مسلوب المنفعة لحق المستأجر والاضارب بالثمن ولو رهنه قدم حق المرتهن ولا رجوع وكذا لو جنى العبد المبيع فالمجني عليه أحق ببيعه فان قضى حق المرتهن أو المجني عليه ببيع بعضه فالبائع واجد لباقي المبيع وسيأتى حكمه * وان انفك عن الرهن أو برئ عن الجناية فله الرجوع كما لو اطلع المشترى على عيب في المبيع بعد رهنه ثم انفك الرهن له الرد * وتزويج الجارية لايمنع الرجوع وأحرام البائع يمنعه إذا كان المبيع صيدا ولو حجر عليه بعد ما زال ملكه ثم عاد نظر ان عاد بلا عوض كالهبة والارث والوصية ففى الرجوع وجهان (أحدهما) يرجع لانه وجد متاعه بعينه (والثانى) لا يرجع لان هذا الملك متلقي من غيره ولانه تخللت حالة لو صادفها الافلاس والحجر لما رجع فليستصحب حكمها وهذا الخلاف كما ذكرنا في مثله من الرد بالعيب وتعرضنا لهذه الصورة ونحوها هناك وفى سلسلة الشيخ أبى محمد أن الوجهين فيما نحن فيه مبنيان على الوجهين في رجوع الواهب فيما إذا زال ملك الولد وعاد وأنهما في الهبة مبنيان على الوجهين فيما إذا زال ملك المرأة وعاد هل يرجع المطلق بالنصف وأن الخلاف فيهما جميعا مبني على قولين منصوصين فيما إذا قال لعبده إذا جاء رأس الشهر فانت حرثم باعه واشتراه فجاء رأس الشهر هل يعتق ولك أن تقول بناء الوجهين على القولين المنصوصين واستخراجهما منهما منقول قويم وأما بناء صورة من صور الوجهين على أخرى مع استوائهما في المعني فليس باولى من القلب والعكس وان عاد الملك إليه بعوض كما لو اشتراه نظر إن وفر الثمن على البائع الاول والثانى فكما لو عاد بلا عوض وان لم يوفر وقلنا بثبوت الرجوع للبائع لو عاد بلا عوض فالاول أولى بالرجوع لمسبق حقه أو الثاني لقرب حقه أو يستويان ويضارب كل واحد منهما بنصف الثمن فيه ثلاثة أوجه وعجز المكاتب وعوده إلى الرق كانفكاك الرهن أو كعود الملك بعد زواله فيه طريقان (أجاب) في البسيط منهما بالاول ووجه الثاني مشابهة الكتابة بزوال الملك وافادتها استقلال المكاتب والتحاقه بالاحرار (وقوله) في الكتاب في أظهر القولين غير محمول على قولين منقولين في هذه المسألة بخصوصها لاطباق النقلة على أن الخلاف فيها وجهان لا قولان لكن الائمة فهموا من اختلاف قوله الجزء: 10 ¦ الصفحة: 245 في نظير المسألة قولين فيما يضبط المسائل وهو أن الزائل العائد كالذى لم يزل أو كالذى لم يعد فكأنه أراد بالقولين ذلك والله أعلم * قال (الثاني أن لا يكون متغيرا * فان تغير بطريان عيب فليس له أن يقنع أو يضارب بالثمن * إلا أن يكون بجناية أجنبي فله المضاربة بجزء من الثمن على نسبة نقصان القيمة لابارش الجناية إذ قد يكون ذلك كل القيمة عند قطع اليدين وذلك لا يعتبر في حق البائع * وجناية المشترى كجناية الاجنبي على أحد الطريقين) * ان لم يتغير المبيع عما كان فللبائع الرجوع لا محالة وان تغير فربما منع ذلك التغير الرجوع وربما لم يمنع على ما سيتضح تفصيله ويبين بذلك أنه ليس الشرط انتفاء نفس التغير بل انتفاء بعض التغيرات وبيان التفصيل المشار إليه أن التغير اما أن يكون بالنقصان أو بالزيادة (القسم الاول) التغير بالنقصان وهو على ضربين (أحدهما) نقصان مالايتقسط الثمن عليه ولا يفرد بالعقد وهو المراد بالعيب وربما عبر عنه بنقصان الصفة فينظر ان حصل ذلك بآفة سماوية فالبائع الخيار ان شاء رجع إليه ناقصا وقنع به وان شاء ضارب مع الغرماء بالثمن كما لو تعيب المبيع في يد البائع يخير المشترى بين أخذه معيبا بجميع الثمن وبين الفسخ والرجوع بالثمن ولا فرق بين أن يكون النقصان حسيا كسقوط بعض الاعضاء والعمى أو غير حسى كنسيان الحرفة والاباق والزنا وفى كتاب القاضى ابن كج أن من اصحابنا من أثبت قولا آخر أنه يأخذ المعيب ويضارب مع الغرماء بما نقص كما سنذكره في الضرب الثاني من النقصان وهو غريب * وان حصل بجناية جان فذلك الجاني اما أجنبي أو البائع أو المشترى ان كان الجاني أجنبيا فعليه الارش اما غير مقدر أو مقدر بناء على أن جرح العبد مقدر وللبائع أن يأخذه معيبا ويضارب الغرماء بمثل نسبه ما انتقص من القيمة من الثمن وانما ضارب ههنا بشئ لان المشترى أخذ بدلا من النقصان وكان ذلك مستحقا للبائع لو بقى فلا يحسن تضييعة عليه وانما اعتبرنا في حقه نقصان القيمة دون التقدير الشرعي لان التقدير إنما أثبته الشرع في الجنايات والاعواض الجزء: 10 ¦ الصفحة: 246 تتقسط بعضها على بعض باعتبار القيمة ولو اعتبرنا في حقه المقدر لزمنا أن نقول إذا قطع الجاني يديه وغرم تمام القيمة يرجع البائع إلى العبد مع تمام القيمة أو تمام الثمن وهذا محال فننظر فيما انتقص من قيمته بقطع اليدين ونقول يضارب البائع الغرماء بمثل نسبته من الثمن ولو قطع احدى يديه وغرم نصف القيمة وكان الناقص في السوق ثلث القيمة يضارب البائع بثلث الثمن ويأخذه وعلى هذا القياس * وان كان الجاني البائع فهو كما لو كان الجاني أجنبيا لان جنايته جناية على ما ليس بمملوك له ولا هو في ضمانه وان كان الجاني المشترى فطريقان (أظهرهما) عند الامام أن جنايته كجناية الأجنبي أيضا لان اتلاف المشترى قبض واستيفاء منه على ما مر في موضعه وكانه صرف جزءا من المبيع إلى غرضه (والثانى) أن جنايته كجناية البائع على المبيع قبل القبض من حيث انه مأخوذ منه غير مقر في يده فعلى هذا يحصل في جنايته قولان (أحدهما) أنها كجناية الأجنبي (وأصحهما) أنها كالآفة السماوية هذا ما أورده صاحب التهذيب وغيره ولا يخطر بالبال أن حق تشبيه جناية المشترى هاهنا بجناية البائع قبل القبض تشبيه جناية البائع هاهنا بجناية المشترى حتى يقال كانه استرجع بعض المبيع إذ ليس له الفسخ والاسترجاع الا بعد حجر الحاكم عليه وليس قبل الحجر حق ولا ملك * قال (وان تغير بفوات بعض المبيع كاحد العبدين رجع إلى القائم وضارب بثمن التالف * ونقصان وزن الزيت بالاغلاء تغير صفة أو تلف جزء فيه وجهان) * الضرب الثاني نقصان ما يقسط الثمن عليه ويصح افراده بالعقد كما لو اشترى عبدين أو ثوبين الجزء: 10 ¦ الصفحة: 247 فتلف أحدهما في يد المشترى ثم افلس وحجر عليه فللبائع أن يأخذ الباقي بحصته من الثمن ويضارب مع الغرماء بحصته عن التالف بل لو بقى جميع المبيع وأراد البائع فسخ المبيع في نصفه مكن منه لانه انفع للغرماء من الفسخ في الكل فهو كما لو رجع الاب في نصف ما وهب يجوز وعن القاضى أبى حامد وأبى الحسين أن من الاصحاب من ذكر قولين في أنه إذا أخذ الباقي ياخذه بحصته من الثمن أو ياخذه بجميع الثمن ولا يضارب بشئ وذكر الامام أن أصحاب هذه الطريقة طردوها في كل مسألة تضاهيها حتى لو باع سيفا وشقصا بمائة يأخذ الشقص بجميع المائة على قول قال وهذا عندي قريب من خرق الاجماع * هذا إذا تلف أحد العبدين ولم يقبض شيئا من الثمن أما إذ باع عبدين متساويين في القيمة بمائة وقبض خمسين فتلف أحدهما في يد المشترى ثم أفلس فقولان (القديم) أنه لا رجوع له إلى العين بل يضارب بباقى الثمن مع الغرماء لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (أيما رجل باع متاعا فافلس الذى ابتاعه ولم يقبض البائع من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به) وان كان قد اقتضى من ثمنه شيئا فهو اسوة الغرماء (والجديد) أنه يرجع واحتج له بان الافلاس سبب يعود به كل العين إليه فجاز أن يعود بعضه كالفرقة في النكاح قبل الدخول يرد بها جميع الصداق إلى الزوج تارة وبعضه أخرى وأما الحديث فهو مرسل وعلى هذا فيما يرجع نص في الام أنه يرجع في جميع العبد الباقي بما بقى من الثمن وله فيما إذا أصدقها أربعين شاة وحال عليها الحول فاخرج الشاة ثم طلقها قبل الدخول قولان (أحدهما) يرجع باربعين وهو قياس نصه ههنا (والثانى) أنه يأخذ نصف الموجود ونصف قيمة الشاة المخرجة واختلفوا ههنا على طريقين (أحدهما) تخريج القول والثاني وطرد القوين ههنا وعلى هذا (فاظهرهما) أنه ياخذ جميع العبد الباقي بما بقى من الثمن ويجعل ما قبضه من الثمن في مقابلة التالف كما لو رهن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 248 عبدين بمائة وأخذ خمسين وتلف أحد العبدين كان الآخر مرهونا بما بقى من الدين والمعنى الجامع أن له التعلق بكل العين إذا بقى كل الحق فليثبت له التعلق بالباقي من العين للباقى من الحق (والثانى) وهو اختيار المزني أنه ياخذ نصف العبد الباقي بنصف الباقي من الثمن ويضارب الغرماء بنصفه لان الثمن يتوزع على المبيع بالمقبوض والباقى يتوزع كل واحد منهما على العبدين (والطريق الثاني) القطع بالمنصوص والفرق بينه وبين الصداق أن الزوج إذا لم يرجع إلى عين الصداق أخذ القيمة بتمامها والبائع ههنا لا يأخذ الثمن بل يحتاج إلى المضاربة ولو قبض بعض الثمن ولم يتلف شئ من المبيع ففي الرجوع القولان القديم والجديد وعلى الجديد يرجع إلى المبيع بقسط الباقي من الثمن فلو قبض نصف الثمن رجع في نصف العبد المبيع أو العبدين المبيعين * (فرعان) أحدهما قد ذكره في الكتاب إذا أغلى الزيت المبيع حتى ذهب بعضه ثم أفلس فوجهان (أحدهما) أنه كما لو تعيب المبيع وكان الزائل صفة التفل فعلى هذا يرجع إليه ويقنع به (وأصحهما) أنه بمثابة تلف بعض المبيع كما لو أنضب فعلى هذا لو ذهب نصفه أخذ بنصف الثمن وضارب مع الغرماء بالنصف وان ذهب ثلثه أخذ بثلثي الثمن وضارب معهم بالثلث ومن قال بالوجه الاول فالشرط ان يطرده في اغلاء الغاصب الزيت المغصوب وليس له ذكر هناك بل لم يتعرض له المعظم ههنا واقتصروا على الوجه الثاني نعم لو كان مكان الزيت العصير فقد أجابوا ههنا وفى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 249 الغصب بوجهين ورجحوا التسوية بينه وبين الزيت ووجه الفرق أن الذاهب من العصير ماء لامالية له والذاهب من الزيت متمول وإذا قلنا بالتسوية فلو كان العصير المبيع أربعة أرطال قيمتها ثلاثة دراهم فاغلاها حتى عادت إلى ثلاثة ارطال فيرجع إلى الباقي ويضارب بربع الثمن للذاهب ولا عبرة بنقصان قيمة المغلى كما إذا عادت قيمته إلى درهمين وان زادت قيمته بان صارت أربعة فيبنى على أن الزيادة الحاصلة بالصفة أثر أم عين (ان قلنا) أثر فاز البائع بما زاد (وان قلنا) عين فعن القفال أن الجواب كذلك وعن غيره أن المفلس يكون شريكا له بالدرهم الزائد وان بقيت القيمة ثلاثة كما كانت فيكون بقاؤها بحالها مع نقصان بعض العين لازادياد الباق بالطبخ فان جعلنا هذه الزيادة أثرا فاز بها البائع وان جعلناها عينا فكذلك عند القفال وقال غيره يكون المفلس شريكا بثلاثة أرباع درهم لان هذا القدر هو قسط الرطل الذاهب وهو الذى زاد بالطبخ في الباقي هذا ما يستمر على القواعد ولصاحب التلخيص في المسألة كلام غلطوه فيه * (الفرع الثاني) لو كان المبيع دارا فانهدمت ولم يهلك شئ من النقص فهذا النقصان من قبيل الضرب الاول كالعمى ونحوه ولو هلك بعضه باحراق أو غيره فهو من الضرب الثاني هكذا اطلقوه ولك أن تقول وجب أن يطرد فيه الخلاف الذى ذكرناه في تلف سقف الدار المبيعة قبل القبض أنه كالتعيب أو تلف احد العبدين * قال (أما التغير بالزيادة فالمتصلة من كل وجه لاحكم لها بل تسلم للبائع مجانا * والمنفصلة من كل وجه كالولد لا يرجع فيه ولكن ان كان صغيرا فعليه أن يبذل قيمة الولد حذرا من التفريق فان أبى بطل حقه على رأى من رأى الرجوع (و) * وبيعت الام الولد على رأى * وصرف الجزء: 10 ¦ الصفحة: 250 إليه نصيب الام على الخصوص * وإذا تفرخ البيض المشترى أو نبت البذر بالزراعة فقد فات المبيع على الاظهر (و) وهذا موجود جديد) * القسم الثاني التغير بالزيادة وهي نوعان (أحدهما) الزيادة الحاصلة لامر خارج وهي على ثلاثة أضرب (أحدها) المتصلة من كل وجه كالسمن وتعلم الحرفة وكبر الشجرة فلا عبرة بها وللبائع الرجوع من غير أن يلتزم بالزيادة شيئا وعلى هذا حكم هذه الزيادة في جميع الابواب الا في الصداق فان الزوج لا يرجع إذا طلق قبل الدخول إلى النصف الزائد الا برضى المرأة وسبب مفارقة سائر الاصول يذكر هناك (والثاني) الزيادة المنفصلة من كل وجه كثمرة الشجرة واللبن والولد فيرجع في الاصل وتسلم الزوائد للمفلس نعم لو كان الولد صغيرا فوجهان (أحدهما) أنه ان بذل قيمة الولد أخذه مع الام والا ضارب بالثمن وبطل حقه من الرجوع لامتناع التفريق (وأصحهما) أنه ان بذل قيمته فذاك والا بيعا معا وصرف ما يخص الام إلى البائع وما يخص الولد المفلس وههنا مباحثة وهي انا ذكرنا وجهين فيما إذا وجد الام معيبة وهناك ولد صغيرا أنه يترك الرد وينتقل إلى الارش ويحتمل التفريق للضرورة وفيما إذا رهن الام دون الولد أنهما يباعان معا ويحرم التفريق ولم يذكروا فيما نحن فيه احتمال التفريق وانما احتالوا في دفعه فيجوز أن يقال يجئ وجه التفريق ههنا أيضا لكنهم لم يذكروه اقتصارا على الاصح ويجوز أن يفرق بان مال المفلس الجزء: 10 ¦ الصفحة: 251 كله مصروف إلى الغرماء فلا وجه لاحتمال التفريق مع امكان المحافظة على جانب الراجع وكون ملك المفلس مزلزلا من الاول ولو كان المبيع بذرا فزرعه المشترى ونبت أو بيضة فتفرخت في يده ثم أفلس فوجهان (أحدهما) أنه ليس له الرجوع إليه لان المبيع قد هلك وهذا شئ جديد له اسم جديد (والثاني) يرجع لانه حدث من عين ماله أو هو عين ماله اكتسب هيئة أخرى فصار كالودى إذا صار نخلا (والوجه الاول) هو اختيار صاحب الكتاب وبه قال القاضى ابن كج وأبو الطيب والاصح عند أصحابنا العراقيين وصاحب التهذيب الوجه الثاني وستري في كتاب الغصب ما يؤيده ويجرى مثل هذا الخلاف في العصير ذا تخمر في يد المشتري ثم تخلل ولو اشترى زرعا أخضر مع الارض ففلس وقد اشتد الحب فقد قيل بطرد الوجهين وقيل بالقطع بالرجوع * واعلم أنا إذا قلنا بثبوت الرجوع في هذه الصورة جعلنا هذه التغييرات من القسم الذى نحن فيه وإذا لم نقل بثبوته جعلنا هذه التغيرات خارجة عن الاقسام المذكورة والتقسيم الحاوى لها أن يقال التغير ينقسم إلى ما يقلب المبيع عما هو عليه ويجدد اسما ومسمى وإلى غيره وفيه تقع الاقسام المذكورة * قال (وان كانت الجارية المبيعة حاملا فولدت قبل الرجوع ففي تعلق الرجوع به قولان * ولو حبلت بعد البيع فالصحيح تعدى الرجوع إلى الجنين * وحكم الثمرة قبل التأبير حكم الجنين وأولى بالاستقلال) * الضرب الثالث الزيادة المتصلة من وجه دون وجه كالحمل ووجه اتصاله ظاهر ووجه انفصاله استقلاله وانفراده بالحياة والموت وكثير من الاحكام وجملة القول فيه أنه أن حدث الحمل بعد الشراء الجزء: 10 ¦ الصفحة: 252 وانفصل قبل الرجوع فحكم الولد ما مر في الفصل السابق وان كانت حاملا عند الشراء وعند الرجوع جميعا فهو كالسمن ويرجع البائع فيها حاملا وان كانت حاملا عند الشراء وولدت قبل الرجوع ففي تعدي الرجوع إلى الولد قولان بناهما الاصحاب على الخلاف في أن الحمل هل يعرف أم لا (ان قلنا) نعم وهو الاصح رجع كما لو اشترى شيئين (وان قلنا) لا بقى الولد للمفلس وربما وجه قول التعدي بان الولد كان موجودا عند العقد ملكه المشترى بالعقد فوجب أن يرجع إلى البائع بالرجوع وقول المنع بانه ما لم ينفصل تابع ملحق بالاعضاء فكذلك تبع في البيع أما عند الرجوع فهو شخص مستقل بنفسه فيفرد بالحكم وكانه وجد حين استقل وان كانت حائلا عند الشراء حاملا عند الرجوع فقولان موجهان بطريقين (أشهرهما) البناء على أن الحمل هل يعرف (ان قلنا) لاأخذها حاملا (وان قلنا) نعم ففي التهذيب وجه انه لا رجوع له ويضارب الغرماء والاصح أنه له الرجوع في الام ولا حق له في الولد كما لو كان منفصلا (والثاني) توجيه تعدى الرجوع فالى الولد أن الحمل يتبع الجارية حال البيع فكذلك فذ حال الرجوع وتوجيه المنع بان البائع يرجع إلى ما كان عند البيع أو حدث فيه من الزيادات المتصلة ولم يكن الحمل موجودا ولا سبيل إلى غيره من الزيادات المنفصلة لاستقلاله وانفراده بكثير من الاحكام ثم قضية المأخذ الاول أن يكون الاصح اختصاص الرجوع بالام لان الاصح أن الحمل يعرف وكذلك ذكر بعض شارحي المفتاح الا أن الاكثرين مالوا إلى ترجيح القول الآخر كما رجحه صاحب الكتاب وذكروا أنه المنصوص فليوجه بالمأخذ الثاني وإذا قلنا باختصاص الرجوع بالام فقد ذكر الشيخ أبو محمد أنه يرجع فيها قبل الوضع فإذا ولدت فالولد للمفلس وقال الصيدلانى وغيره يصبر إلى انفصال الولد ولا يرجع في الحال ثم الاحتراز عن التفريق بين الام والولد طريقة ما مر الجزء: 10 ¦ الصفحة: 253 واعلم أن استتار الثمرة بالاكمة وظهورها بالتأبير قريبان من استتار الجنين وظهوره بالانفصال وفيها الاحوال الاربع المذكورة في الجنين (أولها) أن يشترى نخيلا وعليها ثمرة غير مؤبرة وكانت عند الرجوع غير مؤبرة (وثانيها) أن يشتريها ولا ثمار عليها غير مؤبرة ثم كانت لها ثمار عند الرجوع مؤبرة أو مدركة أو مجذوذة فالحكم فيها كما ذكرنا في الحمل (وثالثها) إذا كانت ثمرتها عند الشراء غير مؤبرة وعند الرجوع مؤبرة فطريقان (أحدهما) أن أخذ البائع الثمرة على القولين في أخذ الولد إذا كانت حاملا عند البيع ووضعت قبل الرجوع (والثاني) القطع بأنه يأخذه الثمرة لانها وان كانت مستترة فهي مشاهدة موثوق بها قابلة للافراد بالبيع فكانت أحد مقصودي العقد فيرجع فيها رجوعه في النخيل وان شئت عبرت عن الطريقين بأنا ان قلنا يأخذ الولد فالثمرة أولى بالاخذ والا فقولان (ورابعها) إذا كانت النخلة حائلا عند الشراء فاطلعت عند المشتري ثم جاء وقت الرجوع وهي غير مؤبرة فقولان (رواية) الربيع أنه لا يأخذ الطلع لانه يصح افراده بالبيع فلا يجعل تبعا كالثمار المؤبرة (ورواية) المزني وحرملة أنه يأخذه مع النخيل لانه يقع في البيع فكذلك في الفسخ وفيه طريقة أخرى قاطعة بانه لا يأخذ الطلع لما ذكرنا من الوثوق به واستقلاله قال الشيخ أبو حامد وعلى هذا القياس أمر الثمرة التى لم تؤبر فحيث أزال الملك باختياره بعوض استتبع ما لم يؤبر من الثمار وان زال قهرا بعوض فهو كما في الشفعة والرد بالعيب فالاستتباع على هذين القولين وان زال لا بعوض اختيارا أو قهرا كما في الرجوع في الهبة ففيه القولان (وقوله) في الكتاب وحكم الثمرة قبل التأبير حكم الجنين وأولى بالاستقلال يشير إلى طريقة القطع في الثمار تارة بالاثبات وأخرى بالنفى كما بيناه وحكم سائر الثمار وما يحلتحق بالمؤبر وما يلتحق بغير المؤبرة قد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 254 اتضح في البيع ويتفرع على منقول المزني وهو الاظهر أنه لو جرى التأبير وفسخ البائع البيع ثم قال البائع فسخت قبل التأبير والثمار لى وقال المفلس بل بعده فالقول قول المفلس مع يمينه لان الاصل عدم الفسخ حينئذ وبقاء الثمار له وعن أبي الحسين أن بعضهم ذكر قولا آخر أن القول قول البائع لانه أعرف بتصرفه وقال المسعودي يخرج قول إن المفلس يقبل قوله من غير يمين بناء على أن النكول ورد اليمين كالاقرار وإنه لو اقر لما قبل اقراره والمذهب الاول وإنما يحلف على نفى العلم بسبق الفسخ على التأبير لا على نفى السبق فان حلف بقيت الثمار له وان نكل فهل للغرماء ان يحلفوا فيه الخلاف المذكور فيما إذا ادعى المفلس دينا على غيره وأقام شاهدا ولم يحلف معه هل يحلف الغرماء (فان قلنا) لا يحلفون وهو الاصح أو قلنا يحلفون فنكلوا عرضت اليمين على البائع فان نكل فهو أحق كما لو حلف المفلس وان حلف فان جعلنا اليمين المردودة بعد النكول كالبينة فالثمار له وان جعلناها كالاقرار فيخرج على القولين في قبول اقرار المفلس في مزاحمة المقر له للغرماء فان لم يقبله صرف الثمار إلى الغرماء كسائر الاموال فان فضل شئ أخذه البائع بحلفه * هذا إذا كذب الغرماء البائع كما كذبه المفلس وان صدقوه لم يقبل اقرارهم على المفلس بل إذا حلف بقيت الثمار له وليس لهم المطالبة بقسمتها لانهم يزعمون أنها ليست ملكا له وليس له التصرف فيها لمكان الحجر واحتمال أن يكون له غريم آخر نعم له إجبارهم على أخذها ان كانت من جنس حقوقهم أو ابراء ذمته عن ذلك القدر على ظاهر المذهب كما لو جاء المكاتب بالنجم فقال السيد إنه مغصوب فيقال له خذه أو أبره عنه وفيه وجه أنهم لا يجبرون على أخذها بخلاف المكاتب لانه يخاف العود إلى الرق لو لم يؤخذ منه وليس على المفلس كثير ضرر فإذا أجبروا على أخذها فأخذوها فللبائع أخذها منهم لاقرارهم وان لم يجبروا وأقسم سائر أمواله فله طلب فك الحجر الجزء: 10 ¦ الصفحة: 255 إذا قلنا انه لا يرتفع ولو كانت من غير جنس حقوقهم فبيعت وصرفت ثمنها إليهم تفريعا على الاجبار لم يتمكن البائع من أخذه منهم لانهم لم يقروا له بالثمن وعليهم رده على المشترى فان لم يأخذ فهو مال ضائع ولو كان في المصدقين عدلان شهدا للبائع على صيغة الشهادة وشرطها أو عدل واحد وحلف البائع معه قبلت الشهادة وقضى له هكذا أطلق الشافعي رضي الله عنه وعامة الاصحاب وأحسن بعض الشيوخ الشارحين للمختصر فحمله على ما إذا شهد الشهود قبل تصديق البائع أو بعده وقلنا انهم لا يجبرون على اخذ الثمار والا فهم يدفعون بالشهادة ضرر اخذها وصياعها عليهم بأخذ البائع ولو صدق بعض الغرماء البائع وكذبه بعضهم فللمفلس تخصيص المكذبين بالثمار ولو أراد بعضهم قسمتها على الكل فوجهان (قال) أبو إسحق رحمه الله له ذلك لو صدقوه جميعا وقال الاكثرون لا لان من صدق البائع يتضرر بالاخذ لان البائع يتضرر بأخذ ما أخذه منه والمفلس لا يتضرر بان لا يصرف إليه لامكان الصرف إلى المكذبين بخلاف ما إذا صدقه الكل وإذا صرف إلى المكذبين ولم يف بحقوقهم فيضاربون المصدقين في سائر الاموال ببقية ديونهم مؤاخذة لهم بزعمهم أو بجميع ديونهم لان زعم المصدقين أن سائر ديون المكذبين لم تتأد وفيه وجهان (أظهرهما) وهو المنصوص أولهما وجميع ما ذكرناه فيما إذا كذب المفلس البائع أما إذا صدقه نظران صدقه الغرماء أيضا قضى له وان كذبوه وزعموا أنه أقر عن مواطأة جرت بينهما فعلى القولين فيما إذا أقر بعين مال أو بدين لغيره (وان قلنا) لا يقبل فللبائع تحليف الغرماء قبل أنهم لا يعرفون فسخه على التأبير ومنهم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 256 من قال هو على القولين السابقين في أن الغرماء هل يحلفون والاول أصح لان اليمين ههنا توجهت عليهم ابتداء وثم ينوبون عن المفلس واليمين لا تجري فيها النيابة (ذنابه) النظر في انفصال الجنين وفى ظهور الثمار بالتأبير إلى حال الرجوع دون الحجر لان ملك المفلس باق إلى أن يرجع البائع * قال (ولو بقيت الثمرة للمشترى فعلى البائع ابقاؤها إلى الجذاذ * وكذا ابقاء زرعه من غير أجرة (و) * حيث يثبت الرجوع في الثمار فلو كانت قد تلفت فرجع في الشجرة فيطالب بجزء من الثمن للثمرة بطريق المضاربة * ويعرف قدره باعتبار أقل (و) القيمتين من يوم العقد إلى يوم القبض لان ما نقص قبل القبض لم يدخل في ضمان المشترى * ويعتبر للشجرة أكثر القيمتين على الاظهر (و) تقليلا للواجب على المشترى) * في الفصل مسألتان (إحداهما) مهما رجع البائع في الاشجار المبيعة وبقيت الثمار للمشترى إما لحدوثها بعد البيع أو لظهورها قبل الرجوع أو على أحد القولين في الحالة الثالثة والرابعه فليس له قطعها بل عليه إبقاء الثمرة إلى الجذاذ وكذا لو رجع في الارض المبيعة وهى مزروعة بزرع المشترى ترك الزرع إلى الحصاد لانه لم يتعد بالزرع حتى يقلع زرعه وهذا كما إذا اشترى أرضا مزروعة ليس للمشترى أن يكلف البائع قلع الزرع ثم إذا بقى الزرع أبقاه بغير أجرة بخلاف ما إذا اكترى أرضا وزرع فيها المكترى ثم افلس وفسخ المكرى الاجارة حيث قلنا يترك الزرع إلى الحصاد باجرة المثل والفرق من وجهين (أشهرهما) أن المستأجر دخل في الاجارة على أن يضمن للبائع المنافع فألزمناه بدلها والمشترى دخل في الشراء على أن تحصل له المنافع بلا عوض فلم يحسن الزامه بدلها (وافقها) أن مورد البيع الرقبة وأنها تحصل له بالفسخ وان لم ياخذ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 257 الاجرة ومورد الاجارة المنافع فإذا لم يتمكن من استيفائها ولم يمكن من أخذ بدلها خلا الفسخ عن الفائدة ولم يعد إليه حقه وعن صاحب التقريب أن ابن سريج خرج قولا أن للبائع طلب أجرة المثل لمدة بقاء الزرع كما لو بنى المشترى أو غرس كان للبائع الابقاء بالاجرة كما سيأتي ان شاء الله تعالى ثم الكلام فيهما إذا طلب الغرماء أو المفلس القطع قبل الجذاذ وقبل الحصاد على ما مر في فصل الاجارة (الثانية) إذا ثبت الرجوع في الثمار (إما) بالتصريح ببيعها مع الاشجار وهى مؤبرة على أحد القولين في الحالة الثالثة والرابعة ثم تلفت الثمار بجائحة أو بأكل المشترى ثم أفلس فالبائع يأخذ الاشجار بحصتها من الثمن ويضارب مع الغرماء بحصة الثمار وسبيل التوزيع أن تقوم الاشجار وعليها الثمار فيقال قيمتها مائة وتقوم وحدها فيقال قيمتها تسعون فيضارب بعشر الثمن فان اتفق في قيمتها انخفاض وارتفاع فالاعتبار في قيمة الثمار بالاقل من قيمتها يوم العقد ويوم القبض لانها ان كانت يوم القبض أقل فما نقص قبله من ضمان البائع فلا يحسب على المشترى وان كانت يوم العقد أقل فالزيادة حصلت في ملك المشترى وتلفت فلا تعلق للبائع بها نعم لو كانت العين باقية رجع فيها تابعة للاصل وعن صاحب التقريب أن بعضهم قال باعتبار قيمة يوم القبض واحتسب الزيادة للبائع بعد التلف كما أنها لو بقيت العين لحصلت له وهذا ظاهر نصه في المختصر إلا أن الجمهور حملوه على ما إذا كانت قيمة يوم القبض أقل أو لم تختلف القيمة فبنوا اضافتها إلى هذا اليوم أو إلى هذا اليوم (وأما) الاشجار ففيها وجهان (أظهرهما) عند صاحب الكتاب وهو الذى أورده الصيدلانى وغيره أن الاعتبار فيها باكثر القيمتين لان المبيع بين العقد والقبض من ضمان البائع فنقصانه عليه وزيادته للمشترى ففيما يأخذه البائع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 258 يعتبر الاكثر ليكون النقصان محسوبا عليه كما أن فيما يبقى للمشترى أو يضارب البائع بثمنه يعتبر الاقل ليكون النقصان محسوبا عليه (والثانى) وهو الذى نقله صاحب التهذيب والتتمة أن الاعتبار بقيمة يوم العقد سواء كانت أكثر القيمتين أو أقلهما أما إذا كانت أكثرهمما فكما ذكرنا في الوجه الاول (وأما) إذا كانت أقلهما فلان ما زاد بعد ذلك من جملة الزيادات المتصلة وعين الاشجار باقية فيفوز بها البائع ولا تحسب عليه قال الامام ولصاحب الوجه الاول أن يقول نعم البائع يفوز ولكن يبعد ان يفوز بها وهى حادثة في ملك غيره ثم لا يحسبها من المبيع فإذا فاز بها فليقدر كأنها وجدت يوم البيع ولنبين اختلاف قيمة الاشجار والثمار بالتمثيل فنقول كانت قيمة الشجرة يوم البيع عشرة وقيمة الثمرة خمسة فلو لم تختلف القيمة لاخذ الشجره بثلثي الثمن فصارت الثمرة بالثلث ولو زادت قيمة الثمرة فكانت عشرة يوم القبض فكما لو كانت القيمة بحالها على المشهور وعلى الوجه البعيد يضارب بنصف الثمن ولو نقصت فكانت يوم القبض درهمين ونصفا يضارب بخمس الثمن ولو زادت قيمة الشجرة أو نقصت فالحكم على الوجه الثاني كما لو بقيت بحالها وعلى الاول كذلك إن نقصت وان زادت فكانت خمسة عشر فيضارب بربع الثمن ثم ذيل الامام المسألة بكلامين مستفادين (أحدهما) إذا اعتبرنا في الثمار أقل القيمتين فان كانتا متساويتين لكن وقع بينهما نقصان نظر إن كان بمجرد انخفاض السوق فلا عبرة به وان كان لعيب طرأ وزال فكذلك على الظاهر كما أنه يسقط بزواله حق الرد وان لم يزل العيب لكن عادت قيمته إلى ما كان بارتفاع السوق قال والذى أراه أن في هذه الصورة تعتبر قيمة يوم العيب دون البيع والقبض لان النقصان الحاصل من ضمان البائع والارتفاع بعده في ملك المشترى لا يصلح جائزا له (والثانى) إذا اعتبرنا في الاشجار أكثر القيمتين فلو كانت قيمة الشجرة يوم العقد مائة ويوم القبض خمسين ويوم رجوع البائع مائتين فالوجه القطع باعتبار المائتين الجزء: 10 ¦ الصفحة: 259 ولو كانت قيمتها يوم العقد ويوم القبض ما ذكرنا ويوم الرجوع مائة اعتبرنا يوم الرجوع على أن ما طرأ من زيادة وزال ليس ثابتا يوم العقد حتى نقول انه وقت المقابلة لا يوم أخذ البائع حتى يحسب عليه ولك أن تقول هذا ان استقام في طرف الزيادة تخريجا علي ما سبق ان ما فاز به البائع من الزيادات الحادثة عند المشترى يقدر كالموجود عند البيع فلا يستقيم في طرف النقصان لان النقصان الحاصل في يد المشترى كعيب حدث في المبيع وإذا رجع البائع إلى العين المبيعة لزمه القناعة بها ولا يطالب المشترى للعيب بشئ والله تعالى أعلم * وينبغى أن تعرف أن سبيل التوزيع في كل صورة تلف فيها أحد الشيئين المبيعين واختلفت القيمة وأراد الرجوع في الباقي على ما ذكرنا في الاشجار والثمار بلا فرق * قال (أما الزيادة الملتحقة بالمبيع من خارج ينظر ان كان عينا محضا كما لو بني المشترى أو غرس فعلى ثلاثة أقوال * أحدها أنه فاقد عين ماله * والثانى أنه يباع الكل فيوزع به على نسبة القيمة * والاصح أنه يرجع إلى العين ويتخير في الغراس بين أن يبذل قيمته وبين أن يغرم أرش النقصان أو يبقى بأجرة) * (النوع الثاني) من الزيادات هي الملحقة بالمبيع من خارج وتنقسم إلى عين محضة والى صفة محضة والى ما يتركب منهما (القسم الاول) العين المحضة ولها ضربان (أحدهما) أن تكون قابلة للتمييز عن المبيع كما إذا اشترى أرضا فغرس فيها أو بنى ثم أفلس قبل توفية الثمن * واعلم أن منقول المصنف وشيخه في المسألة يخالف منقول جمهور الاصحاب على طبقاتهم فنذكر منقولهم الذى عليه الاعتماد ثم نعود إلى ما نقلاه قال الاصحاب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 260 إذا اختار البائع الرجوع في الارض نظر ان اتفق الغرماء والمفلس على القلع وتفريغ الارض وتسليمها بيضاء رجع فيها وهم يستقلون بالقلع وليس له أن يلزمهم أخذ قيمة الغراس والبناء لتملكها مع الارض فإذا قلعوا الغراس والبناء وجب تسوية الحفر من مال المفلس فان حدث في الارض نقص بالقلع وجب أرش النقص في ماله ويضارب البائع به أو يقدم على سائل الديون في المهذب والتهذيب أنه يقدم لانه لتخليص ماله واصلاحه وذكر الشيخ ابو حامد انه يضارب مع الغرماء * وان قال المفلس يقلع وقال الغرماء يأخذ القيمة من البائع لتملكه أو بالعكس أو وقع هذا الاختلاف بين الغرماء قال القاضى ابن كج يجاب من في قوله المصلحة وان امتنعوا جميعا من القلع لم يجبروا عليه لانه حين بني وغرس لم يكن متعديا وحينئذ ينظر ان رجع على ان يتملك البناء والغراس مع الارض بقيمتها أو يقلع ويغرم ارش النقص فله ذلك لان الضرر يندفع عن الجانبين بكل واحد من الطريقين والاختيار فيهما إليه وليس للمفلس والغرماء الامتناع من القبول لان مال المفلس معرض للبيع فلا يختلف غرضهم بين أن يتملكه البائع أو يشتريه أجنبي ويخالف هذا ما إذا زرع المشترى الارض وأفلس ورجع البائع في الارض حيث لا يتمكن من تملك الزرع بالقيمة ولا من القلع وغرامة الارش لان للزرع امدا ينتظر يسهل انتظاره والغراس والبناء للتأبيد وان أراد الرجوع في الارض وحدها وابقاء البناء والغراس للمفلس والغرماء نقل المزني ان له الرجوع وانه قال في موضع آخر لا يرجع وللاصحاب طريقان (أصحهما) وبه قال المزني وابن سريج وأبو إسحق أن في المسألة قولين (أحدهما) وهو اختيار المزني أن له أن يرجع كما لو صبغ الثوب المشترى ثم أفلس يرجع البائع في الجزء: 10 ¦ الصفحة: 261 الثوب ويكون المفلس شريكا معه بالصبغ (وأصحهما) المنع لما فيه من الضرر فان الغراس بلا أرض والبناء بلا مقرر ولاممر ناقص القيمة ولرجوع انما يثبت لدفع الضرر بخلاف مسألة الصبغ فان الصبغ كالصفة التابعة للثوب (والثانى) تنزيل النصين على حالين وله طريقان (عن القاضى أبى حامد) في آخرين انه قال حيث يرجع أراد ما إذا كانت الارض كثيرة القيمة والبناء والغراس مستحقرين بالاضافة إليها وحيث قال لا يرجع أراد ما إذا وكانت الارض مستحقرة بالاضافة اليهما والمعني في الطريقين اتباع الاقل للاكثر ومنهم من قال حيث قال يرجع أراد ما إذا رجع في البياض المتخلل بين الابنية والاشجار وضارب للباقى بقسطه من الثمن يمكن منه لانه ترك بعض حقه في العين فإذا فرعنا على طريقة القولين فان قلنا ليس له الرجوع في الارض وإبقاء البناء والغراس للمفلس فالبائع يترك الرجوع ويضارب مع الغرماء بالثمن أو يعود إلى بذل قيمتهما أو قلعهما مع غرامة رش النقس وان مكناه منه فوافق البائع الغرماء وباع الارض منهم حتى باعوا البناء والغراس فذاك وطريق التوزيع ما بينهاه في الرهن وان ابى فهل يخير فيه قولان (أحدهما) نعم كما في مسألة الصبغ (وأصحهما) لا لان إفراد البناء والغراس بالبيع متأت بخلاف الصبغ وإذا لم يوافقهم فباعوا البناء والغراس بقى للبائع ولاية التملك بالقيمة والقلع مع غرامة الارش وللمشترى الخيار في البيع ان كان جاهلا بحال ما اشتراه ذكره الصيدلانى وغيره هذه طريقة الجمهور واما الامام فان محصول ما ذكره في المسألة أربعة أقوال (أحدها) انه فاقد عين ماله ولا رجوع بحال لان الرجوع في الارض ينقص قيمة البناء والغراس (والثانى) أن الارض والبناء يباعان معا دفعا للخسران عن المفلس كما يفعل بالثوب المصبوغ (والثالث) انه يرجع في الارض ويتخير بين ثلاث خصال تملك البناء والغراس بالقيمة أؤ قلعهما مع غرامة ارش النقصان أو ابقاؤهما باجرة المثل يأخذها من ملكيهما وإذا عين واحدة من هذه الخصال الجزء: 10 ¦ الصفحة: 262 فاختار المفلس والغرماء غيرها أو امتنعوا من الكل فوجهان في ان يرجع إلى الارض ويقلع مجانا أو يجبرون علي ما عينه (والرابع) حكاه عن رواية العراقيين انه ان كانت قيمة البناء اكثر فالبائع فاقد عين ماله وان كانت قيمة الارض اكثر فواجد وتابعه صاحب الكتاب وغيره من أصحابه واقتصروا على الاقوال الثالثة الاول وانت إذا تأملت هذا الكلام بعد وقوفك على المذهب المعتمد وتصفحك عن كتب علمائنا ورأيت ما بينهما من المخالفة الصريحة قضيت منه العجب وقلت ليت شعرى من اين أخذت هذه الاقوال ثم حفظت لسانك استعمالا للادب والله أعلم وبه التوفيق * (فرع) اشترى الارض من رجل والغراس من آخر وغرسها فيها ثم أفلس فلكل واحد منهما الرجوع إلى عين ماله ثم إذا رجعا فان أراد صاحب الغراس البيع مكن منه وعليه تسوية الحفر وارش نقص الارض إن نقصت وان أراده صاحب الارض فكذلك ان ضمن ارش النقص الجزء: 10 ¦ الصفحة: 263 والا فوجهان (أحدهما) المنع لانه غرس بحق فلا يقلع من غير غرامة كما لو كان للمفلس (والثانى) الجواز لانه باع الغراس مقلوعا فيأخذها كذلك * قال (فان لم تقبل الزيادة التمييز كما لو خلط مكيلة زيت بمكيلة من جنسه أو أردأ منه رجع (و) البائع إلى مكيلة واحدة * وان خلط بأجود فهو فاقد على قول * ويباع على قول ويوزع على نسبة القيمة * وعلى قول يقسم المكيل على نسبة القيمة * والفرق بينه وبين الاردأ أن ما حصل من نقصان الصفة يمكن أن يجعل عينا في حق البائع فيقال له اما أن تقنع بالمبيع بعيب أو تضارب * وتضييع جانب المشترى لا وجه له هذا هو النص * ونقل عن ابن سريج لتسوية) * (الضرب الثاني) ألا تكون الزيادة قابلة للتمييز كخلط ذوات الامثال بعضها ببعض فإذا اشتري صاع حنطة وخلطه بصاع حنطة أو مكيلة زيت وخلطه بمكيلة زيت ثم أفلس نظران كان المخلوط به مثل المبيع فللبائع الفسخ وتملك مكيلته من المخلوط وطلب القسمة فان طلب البيع فهل يجاب إليه فيه وجهان (أصحهما) لا كما لا يتمكن الشركاء من ان يطالب بعضهم بعضا بالبيع (والثانى) نعم لانه لا يصل بالقسمة إلى عين حقه وبالبيع يصل إلى بدل حقه وقد يكون له غرض فيه فيباع الكل ويصرف نصف الثمن إليه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 264 وان كان المخلوط أردأ من البيع فله الفسخ والرجوع إلى حقه من المخلوط أيضا ولكن في كيفيته وجهان نقلهما العراقيون وتابعهم صاحب التهذيب (أحدهما) وبه قال أبو إسحق ان المكيلتين تباعان ويقسم الثمن بينهما على قدر القيمتين لانه ان أخذ مكيلة منه نقص وان أخذ أكثر من مكيلة لزم الربا فعلى هذا لو كان المبيع يساوى درهمين والمخلوط به درهما قسم الثمن بينهما أثلاثا (وأصحهما) أنه ليس له إلا أخذ مكيلة منه والمضاربة مع الغرماء لانه نقصان حصل في البيع فاشبه تعيب العبد والثوب * وان كان المخلوط به أجود فقولان (أحدهما) وهو اختيار المزني أن له الفسخ والرجوع إلى حقه من المخلوط كالخلط بالمثل والاردأ وأيضا فانه لو اشترى ثوبا وصبغه أو سويقافلته لا ينقطع حق الرجوع فكذلك ههنا (وأصحهما) أنه لا رجوع وليس له الا المضاربة بالمثن لان الرجوع إلى عين المبيع متعذر ههنا حقيقة وحكما (أما) حقيقة فللاختلاط (وأما) حكما فلان في هذا الخلط لا يكمن من المطالبة بالقسمة بأخذ مكيلة من المخلوط لما فيه من الاضرار بصاحب الاجود بخلاف ما إذا كان الخلط بالمثل والاردأ فان المطالبة بالقسمة والمأخوذ بمثابة الاول حكما قال الشافعي رضى الله عنه في تقرير هذا القول ولا يشبه يعني ما نحن فيه الثوب يصبغ والسويق يلت لان عين ماله فيه زيادة والذائب إذا اختلط انقلب حتي لا توجد عين ماله ومعناه أن الاختلاط إذا حصل لم تكن الاشارة إلى شئ من المخلوط بانه المبيع فكأنه هلك بخلاف الثوب المصبوغ والسويق الملتوت ومن هذا الفرق خرج مخرجون في الخلط بالمثل والاردأ قولا آخر أنه ينقطع به حق الرجوع وايد ذلك بأن الحنطة المبيعة لو انها الت عليها حنطة أخرى قبل القبض ينفسخ العقد على قول تنزيلا له منزلة التلف والاظهر القطع بأن الخلط بالمثل والاردأ لا يمنع الرجوع على ما سبق ويفارق اختلاط المبيع قبل القبض لان الملك غير الجزء: 10 ¦ الصفحة: 265 مستقر فلا يبعد تأثره بما لا يتأثر به الملك المستقر * وإذا فرعنا على الخلط بالاجود على قول الرجوع ففى كيفيته قولان (أصحهما) أنه يكون شريكا كما في صبغ الثوب (والثانى) عن رواية الربيع والبويطى أن نفس المكيلتين يقسم بينهما باعتبار القيمة فإذا كانت المكيلة المبيعة تساوى درهما والمخلوط بهما درهمين أخذ من المكيلتين ثلثي مكيلة وربما يخرج هذا الخلاف على أن القسمة بيع أو افراز حق (ان قلنا) بالاول لم يقسم عين الزيت لما في هذه القسمة من مقابلة مكيلة بثلثي مكيلة (وان قلنا) بالثاني فيجوز وكأنه أخذ بعض حقه وترك بعضه ومن الاصحاب من ينقل بدل القولين الآخرين وجهين وينسب الاول إلى أبى اسحق وإذا ترك الترتيب والتنزيل حصل في الخلط بالاجود ثلاثة أقوال كما ذكر في الكتاب (أصحها) أنه فاقد عين ماله (والثانى) أنه يرجع فيباع الكل ويوزع على نسبة القيمتين (والثالث) أنه يقسم المكيلتان على نسبة القيمتين (وأما) قوله ونقل عن ابن سريج التسوية بين الخلط بالاجود والاردأ فالسابق الي الفهم من ظاهره التسوية في طرد الاقوال الثلاثة وليس المراد ذلك وانما المراد التسوية في طرد القولين الآخرين حتى يقول إذا ساوى المبيع درهمين والمخارط؟ به درهما يباعان على قول ويكون ثلثا الثمن للبائع والثلث للمفلس وفى قول يقسم عين المخلوط فيصرف ثلثاه إلى البائع والثلث إلى المفلس والاول هو الذى قدمنا حكايته عن أبى اسحق ولا أقول إن القول بكونه فاقدا عين ماله لا مجال له في الخلط بالاردأ كيف وقد قدمنا أن بعضهم خرجه ولكن لا تعلق له بابن سريج والمنقول عن في النهاية والوسيط ما بيناه والفرق بين طرف الاجود حيث نظرنا فيه إلى الفسخ وبين طرف الاردأ حيث الزمناه القناعة بمكيلة من المخلوط على ظاهر المذهب وأصح في الكتاب * ونختم المسألة بذكر شيئين (أحدهما) قال الامام إذا قلنا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 266 الخلط يلحق المبيع بالمفقود فلو كان أحد الخليطين كثيرا والآخر قليلا لا تظهر به زيادة في الحس وبيع مثله بين المكيلين فان كان الكثير للبائع فالوجه القطع بكونه واجدا عين ماله وان كان الكثير للمشترى فالظاهر كونه فاقدا (والثانى) لو كان المخلوط به من غير جنس المبيع كالزيت والشيرج فلا فسخ وهو بمثابة مالو تلف المبيع قال الامام وفيه احتمال سيما على قولنا ببيع المخلوط وقسمة الثمن * قال (وان كانت الزيادة عينا من وجه ووصفا من وجه كما لو صبغ الثوب فان لم تزد قيمته فلا أثر له * وان زاد فالمشترى شريك (ح) بذلك القدر الذى زاد * الا إذا كانت الزيادة أكثر من قيمة الصبغ فالزيادة على قيمة الصبغ صفة محضة * وفى الصفة المحضة في طحن الحنطة ورياضة الدابة وقصارة الثوب وكل ما يستأجر على تحصيله قولان * (أحدهما) أنه يسلم للبائع فهو كالزيادة المتصلة من السمن وغيره * (والثانى) كالصبغ لانها عمل محترم متقوم * بخلاف مالو صدر من الغاصب فانه عدوان محض * فعلى هذا للاجير حق الحبس * ولو تلف الثوب في يد القصار سقطت أجرته) * هذا الفصل يشتمل على القسمين الباقيين من أقسام الثاني من الزيادات وتقديم المؤخر منهما في لفظ الكتاب اليق بالشرح فنقدمه ونقول (القسم الثاني) الصفة المحضة فإذا اشترى حنطة فطحنها أو ثوبا فقصره أو خاطه بخيوط من نفس الثوب ثم أفلس فللبائع الرجوع إلى عين ماله ثم ينظر إن لم تزد قيمته فلا شركة للمفلس فيه وان نقصت قيمته فلا شئ للبائع معه وان زادت فقولان (أحدهما) واختاره المزني أن الزيادة بهذه الاعمال تجرى مجرى الآثار ولا شركة للمفلس فيها لانها صفات تابعة حصلت بفعله فهى كسمن الدابة بالعلف وكبر الودى بالسقى والتعهد وأيضا فان القصارة تزيل الوسخ وتكشف عما فيه من البياض فلا تقتضي الشركة كما لو كان المبيع لوزا فكسره وكشف اللب وزادت به القيمة (وأصحهما) أنها تجرى مجرى الاعيان ويصير المفلس شريكا فيها لانها زيادة حصلت بفعل متقوم محترم فوجب الا تضيع عليه بخلاف الغاصب لان فعله غير محترم ويخالف سمن الدابة بالعلف وكبر الودى بالسقي لان القصار إذا عمل عمله صار الثوب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 267 مقصورا لا محالة والسقى والعلف يوجدان كثيرا ولا يحصل السمن والكبر فكان الاثر فيه غير منسوب إلى فعله بل هو محض صنع الله عزوجل ولهذا لا يجوز الاستئجار على تسمين الدابة وتكبير الودى ويجوز الاستئجار على القصارة ويجرى القولان فيما لو اشترى دقيقا فخبزه أو لحما فسواه أو شاة فذبحها أو أرضا فضرب من تربتها لبنا أو عرصة وآلات البناء فبني فيها دارا ثم أفلس وعن أبى اسحق أن تعليم العبد القرآن والحرفة والكتابة والشعر المباح ورياضة الدابة لا تلحق بها ولا تجرى مجرى الاعيان قطعا لانه ليس بيد المعلم ولا الرائض الا التعليم وقد يجتهد فيه ولا يحصل الغرض فكان كالتسمين ونحوه ويحكى هذا عن ابن أبي هريرة وابن القطان ايضا (والاصح) وبه قال ابن سريج وصاحب التلخيص والقاضى أبو حامد أنها من صور القولين لانها أعمال يجوز الاستئجار عليها ومقابلتها بالعوض وضبط صور القولين أن يصنع بالمبيع ما لا يجوز الاستئجار عليه فيظهر به أثر فيه وانما اعتبرنا ظهور الاثر فيه لان حفظ الدابة وسياستها عمل يجوز الاستئجار عليه ولا تثبت به الشركة لانه لا يظهر بسببه أثر على الدابة ثم الاثر تارة يكون صفة محسوسة كالطحن والقصارة وتارة يكون من قبيل الاخلاق كالتعليم والرياضة * إذا عرفت القولين ومحلهما (فان قلنا) بالاول أخذ البائع المبيع وفاز بزيادته (وان قلنا) بالثاني فيباع ويكون للمفلس من الثمن بنسبة ما زاد في قيمته مثاله قيمة الثوب خمسة وبلغت بالقصارة ستة يكون للمفلس سدس الثمن فلو ارتفعت القيمة بالسوق أو انخفضت فالزيادة والنقصان بينهما على قدر هذه النسبة ولو ارتفعت قيمة الثوب دون القصارة بان صار مثل ذلك الثوب لا يؤخذ غير مقصور الا بستة ويشترى مقصورا بسبعة فليس للمفلس الا سبع الثمن والزيادة حصلت في الثوب ولو زادت قيمة القصارة دون الثوب بان كان مثل هذا الثوب يشترى مقصورا بسبعة ويؤخذ غير مقصور بخمسة فللمفلس سبعان من الثمن وعلى هذا القياس * ويجوز للبائع ان يمسك المبيع ويمنع من بيعه ويبذل للمفلس ما زاد بسبب الاعمال كذا نقل صاحب التهذيب وغيره كما انه يبذل قيمة الغراس والبناء ومنع في التتمة منه لان الصفة لا تقابل بعوض (واما) قوله فعلى هذا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 268 فللابخير حق الحبس إلى آخره فهو اشارة إلى فرعين لاتعلق لهما بالمفلس (أحدهما) إذا استأجر للقصارة أو الطحن فعمل الاجير عمله هل له حبس الثوب المقصور والدقيق لاستيفاء الاجرة (فأن قلنا) القصارة وما في معناها أثار فلا (وان قلنا) انها أعيان فنعم كما أن البائع يحبس المبيع لاستيفاء الثمن وهذا ما اختاره الاكثرون واحتجوا به للقول الثاني موهمين كونه مجزوما به (والثانى) إذا تمم القصار والطحان العمل وتلف محل العمل في يده (فان قلنا) بالاول استحق الاجرة وكانه وقع مسلما بالفراغ (وان قلنا) بالثاني لم يستحق لانه تلف قبل التسليم كما يسقط الثمن بتلف المبيع في يد البائع وهذا الفرع قد أعاده في الكتاب في باب الاجارة (القسم الثالث) ما هو عين من وجه وصفه من وجه كصبغ الثوب ولت السويق وما أشبههما فإذا اشترى ثوبا وصبغه ثم أفلس نظر ان لم ترد القيمة بالصبغ أو نقصت فالحكم على ما مر في القسم الثاني وان زادت فاما أن تزيد بقدر قيمة الصبغ كما إذا كان الثوب يساوى أربعة الصبغ درهمين وكانت قيمته مصبوغا ستة فللبائع أن يفسخ البيع في الثوب ويكون المفلس شريكا بالصبغ فيباع ويكون الثمن بينهما اثلاثا وكيف تنزيل الشركة بينهما أنقول كل الثوب للبائع وكل الصبغ للمفلس كما لو غرس الارض أو نقول يشتركان فيهما جميعا بالاثلاث لتعذر التمييز كما في خلط الزيت حكى صاحب التهذيب فيه وجهين (الحالة الثانية) أن تكون الزيادة أقل من قيمة الصبغ كما إذا كانت قيمته مصبوغا خمسة فالنقصان يحال على الصبغ لانه هالك في الثوب والثوب قائم بحاله إذا بيع قسم الثمن بينهما أخماسا أربعة أخماس للبائع وخمسة للمفلس (الحالة الثالثة) أن تكون الزيادة أكثر من قيمة الصبغ كما إذا كانت قيمته مصبوغا مائة فما زاد على قيمتها انما زاد بصنعة الصبغ فيبنى على أن القصارة ونحوها من الاعمال آثار أم أعيان (ان قلنا) إنها أعيان فالزيادة بالصبغ للمفلس وذلك مثل قيمة الثوب فيجعل الثمن بينهما نصفين (وان قلنا) إنها آثار فقد حكى الامام أن الشيخ أبا على ذكر في الشرح أن البائع يفوز بها على ما هو سبيل الزيادات المتصلة وحينئذ يكون الثمن بينهما أرباعا ثلاثة أرباع للبائع والرابع للمفلس قال وكنت أودان نقص أثر الصفة على الثوب والصبغ حتى يجعل الثمن بينهما اثلاثا ويكون ثلثاه للبائع والثلث الجزء: 10 ¦ الصفحة: 269 للمفلس لان الصفة اتصلت بالثوب والصبغ جميعا وهذا الذى قلناه هو الذى أورده الشيخ في شرح القروع وصاحب التهذيب والاكثرون وفى كتاب ابن كج نقل الوجهين معا * ولو ارتفعت القيمة بعد الصبغ فبلغت ستة عشر مثلا أو وجد من اشتراه بهذا المبلغ ففى كيفية القسمة هذه الوجوه الثلاثة والربح بكل حال يقسم بحسب قسمة الاصل * وإذا عرف القدر الذى يستحقه المفلس من الثمن فان شاء البائع تسلمه ليخلص له الثوب مصبوغا فله ذلك ومنع صاحب التتمة منه كما ذكرنا في القسم الثاني * هذا كله فيما إذا صبغ الثوب المشترى بصبغ من عنده أما إذا اشترى ثوبا وصبغا من انسان وصبغه به ثم أفلس فللبائع فسخ البيع والرجوع اليهما الا أن تكون القيمة بعد الصبغ كقيمة الثوب بعدها قبل الصبغ أو دونها فيكون فاقد الصبر وان زادت القيمة بان كانت قيمة الثوب أربعة وقيمة الصبغ درهمين والثوب مصبوغا يساوى ثمانية فعلى الخلاف في أن الصباغات آثار أم أعيان (ان قلنا) بالاول أخذهما ولا شركة للمفلس (وان قلنا) بالثاني فالمفلس شريك بالربع * ولو اشترى الثوب من واحد باربعة وهى قيمته والصبغ من آخر بدرهمين وهما قيمته وصبغه به وأراد البائعان الرجوع فان كان الثوب مصبوغا لا يساوي أكثر من أربعة فصاحب الصبغ فاقد ماله وصاحب الثوب واجد ماله بكماله ان لم ينقص عن أربعة وناقصا ان لم يبلغ وان كانت قيمته بعد الصبغ ثمانية (فان قلنا) ان الاعمال آثار فالشركة بين البائعين كما هي بين البائع والمفلس إذا صبغه بصنع نفسه تفريعا على هذا القول (وان قلنا) أعيان فنصف الثمن لبائع الثوب وربعه لبائع الصبغ وربعه للمفلس * ولو اشترى صبغا وصبغ به ثوبا كان له فللبائع الرجوع ان زادت قيمته مصبوغا علي ما كانت قبل الصبغ والا فهو فاقد وإذا رجع فالقول في الشركة بينهما على ما مر * واعلم أن جميع ما ذكرناه في القسمين مفروض فيما إذا باشر المفلس القصارة والصبغ وما في معناه بنفسه أو استاجر أجيرا ووفاه الاجرة قبل التفليس اما إذا حصلها باجير ولم يوفه اجرته فسنذكر حكمه في الفصل الذي يلى هذا الفصل ان شاء الله تعالى * (فرع) حكم صبغ الثوب كما في البناء والغراس ولو قال المفلس والغرماء نقلعه ونغرم نقصان الثوب قال القاضى ابن كج لهم ذلك (وقوله) في الكتاب عند ذكر الصبغ وان زاد فالمشترى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 270 شريك بذلك القدر الذى زاد يجوز إعلامه بالواو لان محل القطع بالشركة ما إذا كان الصبغ مما يمكن فيه التمييز والاستخلاص اما إذ لم يمكن التمييز وصار مستهلكا فعن القاضى أبى حامد وجه انه ينزل منزلة القصارة والطحن حتى يكون للبائع تبعا للثوب على أحد القولين * قال (ولو كانت قيمة الثوب عشرة وقيمة القصارة خمسة والاجرة درهم وأفلس قبل توفية الاجرة فيقدم (و) الاجير بدرهم والبائع بعشرة وأربعة للغرماء وان كانت الاجره خمسة وقيمة القصارة درهم اختص الاجير بالدرهم الزائد وضارب بالاربعة ولا يقال (و) للاجير اقنع بما وجدته من القصارة أو ضارب بكل الاجرة فان القصارة وان شبهت بالصبغ فليست عينا يمكن ايراد الفسخ عليها) * إذا اشترى ثوبا واستأجر قصارا فقصره ولم يوف أجرته حتى أفلس (فان قلنا) القصارة أثر فليس للاجير الا المضاربة بالاجرة مع الغرماء وللبائع الرجوع في الثوب المقصور ولا شئ عليه لما زاد وعن صاحب التلخيص أن عليه أجرة القصارة وكأنه استأجره وغلطه الاصحاب فيه (وان قلنا) انها عين نظر ان لم تزد قيمته مقصورا على ما كان قبل القصارة فهو فاقد عين ماله وان زادت فلكل واحد من البائع والاجير الرجوع إلى عين ماله فان كانت قيمة الثوب عشرة والاجرة درهما والثوب المقصور يساوى خمسة عشر رجعا وبيع بخمسة عشر وصرف منها عشرة إلى البائع ودرهم إلى الاجير والباقى للغرماء ولو كانت الاجرة خمسة دراهم والثوب بعد القصارة يساوى أحد عشر فان فسخ الاجير الاجارة فعشرة للبائع ودرهم للاجير ويضارب مع الغرماء بأربعة وان لم يفسخ فعشرة للبائع ودرهم للمفلس ويضارب مع الغرماء بخمسة ولا يخفي من نظم الكتاب أن الجواب في الصورتين مقصور على قول العين وانهما معطوفتان على قوله من قبل فعلى هذا للاجير حق الحبس ولو تلف الثوب في يد القصار سقطت أجرته (وقوله) ولا يقال للاجير إلى آخره اشارة إلى سؤال وجواب مشهورين في هذا المقام (أما) السؤال فهو انا إذا جعلنا القصارة عينا فزادت بفعله خمسة وجب أن يكون الكل له كما لو زاد المبيع زيادة متصلة وان كانت أجرته خمسة ولم يحصل بفعله الا درهم وجب ألا يكون له الا ذلك لان من وجد عين ماله ناقصة ليس له الا القناعة بها والمضاربة مع الغرماء (والجواب) أنه لا شك في أن القصارة صفة تابعة للثوب ولا نعنى بقولنا ان القصارة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 271 عين أنها في الحقيقة تفرد بالبيع والاخذ والرد كما يفعل بسائر الاعيان ولو كان كذلك جعلنا الغاصب شريكا للمالك إذا قصر الثوب كما جعلناه شريكا إذا صبغه انما المراد أنها مشبهة بالاعيان من بعض الوجوه لان الزيادة الحاصلة بها متقومه مقابلة بالعوض فكما لا تضيع الاعيان على المفلس لا تضيع الاعمال عليه وأما بالاضافة إلى الآجير فليست القصارة مورد الاجارة حتى يرجع إليها بل مورد الاجارة فعله المحصل للقصارة وذلك الفعل يستحيل الرجوع إليه فيجعل الحاصل بفعله لاختصاله به متعلق حقه كالمرهون في حق المرتهن أو نقول هي مملوكة للمفلس مرهونة بحق الاجير ومعلوم أن الرهن إذا ارادت قيهته على الدين لا يأخذ المرتهن منه الا قدر الدين وإذا نقصت لا يتادى به جميع الدين * وأعلم قوله ولا يقال للاجير اقنع بالواو لانه حكي في الوسيط أن بعض الاصحاب قضى بأنه ليس له الا القناعة بالقصارة أو المضاربة على ما هو قياس الاعيان ولم أعثر على هذا النقل لغير المصنف لكن ذكر القاضى ابن كج ان أبا الحسين خرج وجهين في أنه لو قال الغرماء للقصار خذ أجرتك ودعنا نكون شركاء وصاحب هذا الثوب هل يجبر عليه وان الاصح الاجبار وهذا بالقياس على البائع إذا قدمه الغرماء بالثمن فكان هذا القائل يعطى القصارة حكم الاعيان من كل وجه * ولو كانت قيمة الثوب المشترى عشرة واستأجر صباغا فصبغه بصبغ قيمته درهم وصارت قيمته خمسة عشر فالاربعة الزائدة على القيمتين حاصلة بصفة الصبغ فيعود فيه القولان في أنها أثر أم عين فإذا رجع كل واحد من البائع والصباغ إلى ماله بيع بخمسة عشرة وقسم علي احد عشر ان جعلناها أثرا فللبائع عشرة وللصباغ واحد لان الزيادة تابعه وهذا الاصح يطبق على قولنا ان القصارة مرهونة بحقه إذ ليس للمرتهن التمسك بغير المرهون إذا أدي حقه بوجه طالبها وان جعلناها عينا عشرة منها للبائع ودرهم للصباغ وأربعة للمفلس يأخذها الغرماء ولو كانت المسألة بحالها وبيع بثلاثين لارتفاع السوق أو للظفر براغب قال ابن الحداد للبائع عشرون وللصباغ درهمان وللمفلس ثمانيه وقال غيره يقسم الكل على احد عشر عشرة للبائع وواحد للصباغ ولا شئ للمشترى قال الشيخ أبو على الاول جواب على قولنا انها عين (والثانى) على أنها أثر وبمثله لو كانت قيمة الثوب عشرة واستأجر على قصارته بدرهم وصارت قيمته مقصورا خمسة عشر ثم اتفق بيعه بثلاثين الجزء: 10 ¦ الصفحة: 272 ذكر الشيخ أبو محمد والصيدلانى وغيرهما تفريعا على قول العين أنه يتضاعف حق كل واحد منهم كما قاله ابن الحداد في الصبغ واستدرك الامام فقال ينبغى أن يكون للبائع عشرون وللمفلس تسعة وللقصار درهم كما كان ولا يضعف حقه لما مر أن القصارة غير مستحقة للقصار وانما هي مرهونة بحقه وقد أشار الشيخ أبو علي إلى مثل هذا المعني في مسألة الصبغ واعتذر عنه ابن الصباغ بأنه قال كانه باع الصبغ بدرهم فتوزع الزيادة على الصبغ والثوب وهذا العذر وان لم يكن واضحا كل الوضوح إذ ليس استئجار الصباغ مجرد شراء الصبغ فلا مساغ له في القصارة فإذا الاستدراك الذى ذكره الامام فيه فقيه والله أعلم * (فرع) لو أخفى المديون بعض ماله ونقص الظاهر عن قدر الديون فحجر الحاكم عليه ورجع أصحاب الامتعة إلى أمتعتهم وقسم الحاكم ما بقى بين الغرماء ثم بان صنيعه لم ينقص شئ من ذلك لان للقاضى بيع أموال الممتنع وصرف الثمن إلى ديونه والرجوع إلى عين المال بامتناع   (حديث) ان عمر خطب الناس وقال ألا ان الاسيفع اسيفع جهبنة قد رضى من دينه وامانته أن يقال سبق الحاج الحديث مالك في الموطأ بسند منقطع ان رجلا من جهبنة كان يشترى الرواحل فيغالى بها ثم يسرع السير فيسبق الحاج فافلس فرفع أمره إلى عمر ابن الخطاب فقال أما بعد أيها الناس فان الا سيفع فذكره وفيه الا انه اذان معرضا فاصبح وقد دين به فمن كان له عليه دين فليأننا بالغداة فقسم ماله بين غرمائه ثم اياكم والدين فان أوله هم وآخره حرب ووصله الدارقطني في العلل من طريق زهير ابن معاوية عن عبيد الله بن عمر عن عمر بن عبد الرحمن بن عطية بن دلاف عن أبيه عن بلال بن الحارث عن عمر وهو عند مالك عن بن دلاف الجزء: 10 ¦ الصفحة: 273 المشترى من اداء الثمن فمختلف فيه فأذا اتصل به حكم حاكم نفذ قاله في التتمة وفيه توقف لان القاضى ربما لا يعتقد جواز الرجوع بالامتناع فكيف يجعل حكمه بناء على ظن آخر حكما بالرجوع بالامتناع * (فرع) من له الفسخ بالافلاس لو ترك الفسخ على مال لم يثبت المال وهل يبطل حقه من الفسخ ان كان جاهلا بجوازه فيه وجهان كما سبق نظيرهما في الرد بالعيب وبالله التوفيق *   عن أبيه أن رجلا ولم يذكر بلالا قال الدارقطني والقول قول زهير ومن تابعه وقال ابن أبى شيبة عن عبد الله بن ادريس عن العمرى عن عمر بن عبد الرحمن بن دلاف عن أبيه عن عمه بلال بن الحارث المزني فذكر نحوه وقال البخاري في تاريخه عمر بن عبد الرحمن بن عطية؟ ابن دلاف المزني المدنى روى عن أبى امامة وسمع اباه انتهى واخرج البيهقى الفصة من طريق مالك وقال رواه ابن علية عن أيوب قال نبئت عن عمر فذكر نحو حديث مالك وقال فيه فقسم ماله بينهم بالحصص (قلت) وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب قال ذكر بعضهم كان رجل من؟ جهينة؟ فذكره بطوله ولفظه كان رجل من جهينة يبتاع الرواحل فيغلى بها فدار عليه دين حتى أفلس فقام عمر على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال الا لا يغرنكم صيام رجل ولا صلاته ولكن انظروا إلى صدقه إذا حدث والى أمانته إذا أئتمن والى ورعه إذا استعنى ثم قال لا أن الا سيفع أسيفع جهينة فذكر نحو سياق مالك قال عبد الرزاق وانا ابن عيينة اخبرني زياد عن ابن دلاف عن أبيه مثله وروى الدارقطني في غرائب مالك من طريق عبد الرحمن بن مهدى عن مالك عن عمر بن عبد الرحمن بن عطية بن دلاف عن ابيه عن جده قال قال عمر فذكره نحو سياق أيوب إلى قوله استغنى ولم يذكر ما بعده من قصة الا سيفع وقال رواه ابن وهب عن مالك فلم يقل في الاسناد عن جده الجزء: 10 ¦ الصفحة: 274 (كتاب الحجر) قال (أسباب الحجر خمسة الصبا والرق والجنون والفلس (ح) والتبذير (ح) * وحجر الصبى ينقطع بالبلوغ مع الرشد) * جرت العادة بذكر أصناف المحجورين ههنا وهو لائق بترجمة الباب فان الترجمة مطلق الحجر وأحسن ترتيب فيه ما ساقه أصحابنا العراقيون ومن تابعهم، قالوا الحجر على الانسان نوعان (حجر) شرع للغير (وحجر) شرع لمصلحة نفسه والنوع الاول خمسة أضرب (أحدها) حجر المفلس لحق الغرماء (وثانيها) حجر الراهن لحق المرتهن (وثالثها) حجر المريض لحق الورثة (ورابعها) حجر العبد لحق السيد والمكاتب لحق السيد وحق الله تعالى (وخامسها) حجر المرتد لحق المسلمين * وهذه الاضرب باسرها خاصة لا تعم جميع التصرفات بل يصح من هؤلاء المحجورين الاقرار بالعقوبات وكثير من التصرفات ولها أبواب مفرقة مذكورة في مواضعها (والنوع الثاني) ثلاثة اضرب (أحدها) حجر الجنون ويثبت بمجرد الجنون ويرتفع بالافاقة وتسلب به الولايات واعتبار الاقوال رأسا ومن عامله أو أقرضه فتلف المال عنده أو أتلفه فالمالك هو الذى ضيعه وما دام باقيا يجوز له استرداده قال في التتمة من له أدنى تمييز ولم يكمل عقله فهو كالصبى المميز (والثانى) حجر الصبى والاصل الغاء تصرفاته وعباراته ومنها ما يصح وفاقا أو خلافا كعباداته واسلامه واحرامه وتدبيره وعتقه ووصيته وايصاله الهدية واذنه في دخول الدار فمنها ما مر بيان حكمه ومنها ما سيأتي (والثالث) حجر السفيه المبذر والضرب الاول أعم من الثاني أعم من الثالث ومقصود الباب الكلام في هذه الاضرب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 275 الثلائة والثالث معظم المقصود والاصل فيها قوله تعالى (فان كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل) فالسفيه على ما قيل المبذر والضعيف الصبى والذي لا يستطيع أن يمل المغلوب على عقله * وقال تعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا) الآية * وقد روى (أن عبد الله بن جعفر اشترى أرضا سبخة بثلاثين الفا فبلغ ذلك عليا رضى الله عنه فعزم أن يسأل عثمان الحجر عليه فجاء عبد الله بن جعفر إلى الزبير فذكر له ذلك فقال الزبير رضى الله عنه أنا شريكك فلما سأل على عثمان الحجر على عبد الله قال عثمان كيف أحجر على من كان شريكه الزبير) (قلت) دلت القصة على أنهم كانوا متفقين على جواز الحجر بالتبذير وأنه كان مشهورا فيما بينهم (وقوله) في الكتاب والفلس والتبذير معلمان بالحاء (أما) الفلس فلما سبق في التفليس (وأما) التبذير فلان عنده لا ينشأ الحجر على من بلغ رشيدا ثم صار سفيها *   (حديث) أن عبد الله بن جعفر اشترى أرضا سبخة بثلاثين الفا فبلغ ذلك عليا فعزم على أن يسال عثمان الحجر عليه فجاء عبد الله بن جعفر إلى الزبير فذكر ذلك له فقال الزبير أنا شريكك فلما سأل على عثمان الحجر على عبد الله قال كيف أحجر على من كان شريكه الزبير البيهقى من طريق أبى يوسف القاضى عن هشام بن عروة عن أبيه به ولم يذكر المبلغ ورواه الشافعي عن محمد بن الحسن عن أبى يوسف به قال البيهقى يقال أن أبا يوسف تفرد وليس كذلك ثم أخرجه من طريق الزبيري المدنى القاضى عن هشام نحوه لكن عين أن الثمن ستمائة الف وروى أبو عبيد في كتاب الاموال عن عفان عن حماد بن زيد عن هشام بن حسان عن ابن سير ين قال قال عثمان لعلى الا تأخذ على يدى ابن أخيك يعنى عبد الله بن جعفر وتحجر عليه اشترى سبخة بستين الف درهم ما يسرنى انها لى بنعلى (تنبيه) قول المصنف ثلاثين الفا لعله من النساخ والصواب ستين الجزء: 10 ¦ الصفحة: 276 وان بلغ مفسدا لماله لا يسلم المال إليه حتى يكمل خمسا وعشرين سنة فحينئذ يسلم (وقوله) وحجر الصبى ينقطع بالبلوغ مع الرشد هكذا يطلقه بعض الاصحاب ومنهم من يقول حجر الصبى ينقطع بمجرد البلوغ وليس ذلك خلافا محققا بل من قال بالاول أراد الاطلاق الكلى ومن قال بالثاني أراد الحجر المخصوص بالصبى وهذا اولى لان الصبا سبب مستقل بالحجر وكذلك التبذير وأحكامهما متغايرة ومن بلغ وهو مبذر فحكم تصرفه حكم تصرف السفيه لا حكم تصرف الصبى والقول في أن الاطلاق الكلى متى يحصل إذا بلغ رشيدا أو سفيها سيأتي من بعد * قال (والبلوغ باستكمال خمس عشرة سنة (ح م) للغلام والحارية * أو الاحتلام * أو الحيض للمرأة (ح) * أو نبات (ح) العانة في حق صبيان الكفار فانه أمارة فيهم (و) لعسر الوقوف على سنهم * وفى صبيان المسلمين وجهان) * للبلوغ أسباب (منها) ما يشترك فيه الرجال والنساء (ومنها) ما يختص بالنساء (أما) القسم الاول فمنه السن فإذا استكمل المولود خمس عشرة سنة قمرية فقد بلغ * روى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال (عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يقبلني ولم يرنى بلغت وعرضت عليه من قابل عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فقبلني ورأني بلغت) وعن   (حديث) ابن عمر عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم في جيش وأنا ابن أربع عشرة فلم يقبلني ولم يرنى بلغت وعرضت عليه من قابل وانا ابن خمس عشرة فاجازني ورأني بلغت متفق عليه وعندهما في الاول يوم احد وفي الثاني في الخندق دون قوله ولم يرنى بلغت فيها وقد رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي بالزيادة ونقل عن ابن صاعد انه استغربها وفي رواية للبيهقي عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر وانا ابن ثلاث عشرة والباقى نحو الصحيحين والمراد بقوله وانا ابن أربع عشرة أي طعنت فيها وبقوله وأنا ابن خمس عشرة أي استكلتها؟ لان غزوة أحد كانت في شوال سنة ثلاث والخندق كان في جمادى سنة خمس وقيل كان الخندق في شوال سنة أربع وقال الواقدي في المغازى كان ابن عمر في الخندق ابن خمس عشرة واشف منها الجزء: 10 ¦ الصفحة: 277 أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله وما عليه وأقيمت عليه الحدود) وفيه وجه أن البلوغ يحصل بنفس الطعن في السنة الخامسة عشر وإن لم يستكملها لانه حينئذ يسمى ابن خمس عشرة سنة (والمذهب) الاول وهذا التوجية ممنوع (وقوله) باستكمال خمس عشرة سنة لفظ الاستكمال معلم بالواو لهذا الوجه (وقوله) خمس عشرة سنة بالحاء والميم (أما) الحاء فلان عنده بلوغ الغلام بثماني عشرة سنة وفى الجارية روايتان (إحداهما) كذلك (والثانية) بسبع عشرة سنة (وأما) الميم فلانه يروى عنه أن البلوغ لا يحصل بالسن وانما النظر فيه إلى الاحتلام (والسبب الثاني) الاحتلام قال الله تعالى (وإذا بلغ الاطفال منكم الحلم فليستأذنوا) وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبى حتى يحتلم) والحلم لا يتعلق بخصوص الاحتلام بل هو منوط بمجرد خروج المني ويدخل وقت امكانه باستكمال سبع سنين ولا عبرة بما ينفصل قبل ذلك وفيه وجهان آخران ذكر الامام كل واحد منهما في موضع من كتابه (أحدهما) أنه يدخل بمضي ستة أشهر من السنة العاشرة (والثانى) أنه انما يدخل بتمام العاشرة وهذه الوجوه كالوجوه في أقل سن الحيض لكن العاشرة ههنا بمثابة العاشرة ثم لان في النساء حدة في الطبيعة وتسارع إلى الادراك وهكذا يكون النبات الضعيف بالاضافة إلى القوى والاعتماد فيه على الوجدان بعد البحث كما في الحيض * ولا فرق في افادة خروج المني البلوغ بين الرجال والنساء كما في السن وفيه وجه أنه لا يوجب بلوغهن لانه   (حديث) انس إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله وما عليه وأقيمت عليه الحدود البيهقى في الخلافيات من طريق عبد العزيز بن صهيب عنه بسند ضعيف وقال الغزالي في الوسيط تبعا للامام في النهاية رواء الدارقطني باسناده فلله؟ في الا فراد وغيرها فانه ليس في السنن مذكورا وذكره البيهقى في السنن الكبرى عن قتادة عن أنس بلا اسناد وقال انه ضعيف * (حديث) رفع القلم عن ثلاثة عن الصبى حتى يبلغ الحديث أبو داود وغيره عن على وتقدم في الصلاة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 278 نادر فيهن ساقط العبرة * وعلى هذا قال الامام الذى يتجه عندي أن لا يلزمها الغسل لانه لو لزم لكان حكما بأن الخارج منى والجمع بين الحكم بأنه مني وبين الحكم بأنه لا يحصل به البلوغ متناقض * ولك أن تقول إن كان التناقض مأخوذا من تعذر التكليف بالغسل مع القول بعدم البلوغ فنحن لا نعني بلزوم الغسل سوي ما نعنيه بلزوم الوضوء على الصبى إذا أحدث فبالمعنى الذى أطلقنا ذلك ولا تكليف نطلق هذا وان كان غير ذلك فلا بد من بيانه * (واعلم) أنا إذا قلنا إن خروج المني لا يوجب البلوغ في حق النساء صارت أسباب البلوغ ثلاثة أقسام المشتركة بين الرجال والنساء وما يختص بالرجال وما يختص بالنساء وهو خروج المنى والله أعلم * (والسبب الثالث) إنبات العانة يقتضى الحكم بالبلوغ في حق الكفار خلافا لابي حنيفة * لنا ماروى (أن سعد بن معاذ حكم في بني قريظة فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم فكان يكشف عن مؤتزر المراهقين فمن أنبت منهم قتل ومن لم ينبت جعل في الزرارى) وعن عطية   (حديث) أن سعد بن معاذ حكم في بنى قريطة فقتل مقاتلتهم وسبعى ذراريهم فكان يكشف عن مؤتزر المراهقين فمن اثبت منهم قتل ومن لم ينبت جعل في الذرارى متفق عليه دون قصة الانبات من حديث أبى سعيد وروى البزار من حديث سعد ابن أبى وقاص أن سعد بن معاذ حكم على بنى قريظة أن يقتل منهم كل من جرت عليه المواصى وسيأتى في الذى بعده (تنبيه) ينبغى أن يقرا قوله يكشف بالضم على البناء لما لم يسم فاعله لان سعدا مات عقب الحكم ولم يتول تفتيشهم ويؤيد ذلك أن الطبراني روى في الكبير والصغير من حديث أسلم الانصاري قال جعلني النبي صلى الله عليه وسلم على اسارى قريظة فكشف انظر في فرح الغلام فان رأيته قد أنبت ضربت عنقه وان لم أره قد أنبت جعلته في مغاثم المسلمين زاد في الصغير لا يروى عن أسلم الا بهذا الاسناد (قلت) وهو ضعيف الجزء: 10 ¦ الصفحة: 279 القرظى قال (عرضنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فكان من أنبت قتل ومن لم ينبت خلى سبيله وكنت فيمن لم ينبت فخلى سبيلى) ثم هو بلوغ حقيقة أو هو دليل البلوغ وأمارته فيه قولان (أحدهما) أنه بلوغ حقيقة كسائر الاسباب (وأظهرهما) على ما قاله الامام وهو الذى أورده صاحب الكتاب أنه أمارة بلوغ لان البلوغ غير مكتسب وهذا شئ يستعجل بالمعالجة (فان قلنا) بالاول فهو بلوغ في حق المسلمين أيضا كسائر الاسباب لا فرق فيها بين المسلم والكافر (وان قلنا) انه أمارة ففى حق المسلمين وجهان (أظهرهما) أنه لا اعتبار به لان مراجعة الآباء في حق المسلمين والاعتماد على أخبارهم عن تواريخ المواليد سهل بخلاف الكفار فأنهم لا اعتماد على قولهم ولان المسلمين ربما استعجلوا بالمعالجة رفعا للحجر واستفادة الولايات والكفار لا يتهمون بمثله لانهم حينئذ يقتلون أو تضرب عليهم الجزية (والثانى) وبه قال مالك وأحمد أنه يجعل أمارة في حقهم أيضا لان الاشكال قد يقع في حق المسلمين أيضا ويدل عليه ما روى (أن غلاما من الانصار شبب بامرأة في شعره فرفع إلى عمر فلم يجده أنبت فقال لو أنبت الشعر لحددتك) ثم العبرة بالشعر الخشن الذي يحتاج في ازالته إلى   (حديث) عطية القرظى عرضنا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة وكان من أنبت قتل ومن لم ينبت خلى سبيله فكنت ممن لم ينبت فخلى؟ سبيلى أصحاب السنن من حديث عبد الملك ابن عمير عنه بلفظ ومن لم ينبت لم يقتل وفي رواية جعل في السبى والترمذي خلى سبيله وله طرق أخرى قال الاعن عطية وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم وقال على شرط الصحيح وهو كما أنهما لم يخرجا لعطية وماله الا بهذا الحديث الواحد * (حديث) أن غلاما من الانصار شيب؟ بامرأة في شعره فرفع إلى عمر فلم يجده انبت فقال لو اتبت الشعر حددتك قال أبو عبيد في الغريب ثنا ابن علية عن اسماعيل بن أمية عن محمد بن يحيى بن حبان ان عمر رفع إليه غلام ابتهر جارية في شعره فقال انظروا إليه فلم يجدوه؟ أنبت فدرأ عنه الحد قال أبو عبيد والابتهار ان يقذفها بنفسه فيما فعل بها كاذبا ورواه عبد الرزاق عن الثوري عن ايوب بن موسى عن محمد بن يحيى بن حبان قال ابتهر ابن أبى الصعبة بامرأة في شعر فذكر نحوه وذكر الدارقطني في التصحيف أن الثوري صحف فيه وان الصواب أن غلاما لابن أبى صعصعة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 280 الحلق (وأما) الزغب والشعر الضعيف الذى قد يوجد في الصغر فلا أثر له * وفى شعر الابط وجهان (أحدهما) أن إنباته كنبات شعر العانة وبه قال القاضى الحسين وآخرون قال الامام لان إنبات العانة يقع في أول تحرك الطبيعة في الشهوة ونبات الابط يتراخى عن البلوغ في الغالب فكان أولى بالدلالة علي حصول البلوغ (والثانى) وهو الاصح علي ما ذكره صاحب التتمة أنه لا أثر له في البلوغ لانه لو أثر لما كشفوا عن المؤتزر لحصول الغرض من غير كشف العورة * ونبات اللحية والشارب فيهما هذان الوجهان لكن صاحب التهذيب فرق فألحق شعر الابط بشعر العانة ولم يلحق به اللحية والشارب * ولا أثر لثقل الصوت ونهود الثدى ونتوء طرف الحلقوم وانفراق الارنبة كما لا أثر لاخضرار الشارب وفى التتمة طرد الخلاف فيها (وأما) القسم الثاني وهو ما يختص بالنساء فشيئن (أحدهما) الحيض في وقت الامكان بلوغ واحتج له بما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لاسماء بنت أبى بكر (إن المرأة إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يرى منها الا هذا وأشار إلى الوجه والكفين) علق وجوب الستر بالمحيض   (قوله) روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لاسماء بنت ابى بكر إن المرأة إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يرى منها الا هذا وأشار إلى الوجه والكفن أبو داود من حديث خالد بن دريك عن عائشة أن اسماء بنت أبى بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فاعرض عنها وقال فذكر هـ وقد أعله أبو داود بالانقطاع وقال ان خالد بن دريك لم يدرك عائشة ورواه في المراسيل من حديث هشام عن فتادة مرسلا لم يذكر خالد ولا عائشة وتفرد سعيد بن بشير وفيه مقال عن قتادة بذكر خالد فيه وقال ابن عدى أن سعيد بن بشير قال فيه مرة عن أم سلمة بدل عائشة ورجح ابو حاتم أنه خالد بن دريك أن عائشة مرسل وله شاهدا اخرجه البيهقى من طريق ابن لهيعة عن عياض بن عبد الله سمع ابراهيم بن عبيد بن رفاعة عن أبيه أظنه عن أسماء بنت عميس أنها قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة وعندها أختها عليها ثياب شامية الحديث الجزء: 10 ¦ الصفحة: 281 وذلك نوع تكليف وبما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا تقبل صلاة حائض الا بخمار) أشعر بانها بالحيض كلفت بالصلاة (والثاني) الحبل يوجب البلوغ لانه مسبوق بالانزال لكن الولد لا يستيقن ما لم تضع فإذا وضعت حكمنا بحصول البلوغ قبل الوضع بستة أشهر وشئ لان أقل مدة الحمل ستة أشهر فأن كانت مطلقة فأتت بولد يلحق الزوج حكمنا ببلوغها قبل الطلاق * (فرع) الخنثى المشكل إذا خرج من ذكره ماء وهو على صفة المنى ومن فرجه دم وهو على صفة الحيض فهل نحكم ببلوغه فيه وجهان (أصحهما) نعم لانه إما ذكر وقد أمني أو أنثى وقد حاضت (والثانى) لا لتعارض الخارجين واسقاط حكم كل واحد منهما حكم الآخر ولهذا لا يحكم والحالة هذه بالذكورة ولا بالانوثة هذا ما نسبة القاضى ابن كج إلى ظاهر نص الشافعي * وان وجد أحد الامرين دون الثاني أو أمنى وحاض من الفرج فجواب عامة الاصحاب أنه لا يحكم ببلوغه لجواز ان يظهر من الفرج الآخر ما يعارضه وقال الامام وهو الحق ينبغى أن يحكم بالبلوغ بأحدهما كما يحكم بالذكورة والانوثة ثم ان ظهر خلافه غيرنا الحكم وكيف ينتظم منا أن نحكم بأنه ذكر أو أو أنثي ولا نحكم بأنه قد بلغ *   (حديث) لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار تقدم في الصلاة في الشروط الجزء: 10 ¦ الصفحة: 282 قال (وأما الرشد فهو أن يبلغ صالحا في دينه مصلحا لدنياه * فإذا اختل أحد الامرين استمر الحجر (م ح و) * ومهما حصل انفك الحجر (و) * فلو عاد أحد المعنيين لم يعد الحجر لان الاطلاق الثابت لا يرفع الا بيقين كما أن الحجر الثابت لا يرفع إلى بيقين * فلو عاد الفسق والتبذير جميعا يعود الحجر أو يعاد على أظهر الوجهين * ثم يلى القاضي امره أو وليه في الصبى فيه وجهان * وكذا في الجنون الطارئ بعد البلوغ * وصرف المال إلى وجوه البر ليس بتبذير * فلا سرف في الخير * وصرفه إلى الاطعمة النفيسة التى لا تليق بحاله تبذير (و) * فإذا انضم إليه الفسق أوجب الحجر) * أول ما ينبغى أن يعرف في الفصل أولا معني الرشد المذكور في قوله تبارك وتعالى (فان آنستم منهم رشدا) وقد فسره الشافعي بالصلاح في الدين مع اصلاح المال ويدل عليه ما روى عن ابن عباس أنه قال معناه (رأيتم منهم صلاحا في دينهم وحفظا لاموالهم) وروى مثله عن الحسن ومجاهد والمراد من الصلاح في الدين أن لا يرتكب من المحرمات ما تسقط به العدالة ومن اصلاح المال أن لا يكون مبذرا وصرف المال إلى وجود الخير في الصدقات وفك الرقاب وبناء المساجد والمدارس وما أشبهها ليس بتبذير ولا سرف في الخير كما لا خير في السرف وعن الشيخ أبى محمد أن الصبى إذا بلغ وهو مفرط في الانفاق في هذه الوجوه فهو مبذر وان عرض له ذلك بعد ما بلغ مقتصدا لم نحكم   (حديث) ابن عباس في قوله تعالى فان آنستم منهم رشدا معناه رأيتم منهم صالحا في دينهم وحفظا لاموالهم البيهقى من طريق على بن أبى طلحة عنه أتم من هذا (قوله) وروى مثله عن مجاهد والحسن أما أثر مجاهد فرواه الثوري في جامعه عن منصور عنه وأما أثر الحسن فاسنده البيهقى من طريق يزيد بن هرون عن هشام بن حسان عنه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 283 بصيرورته مبذرا * وتضييع المال بالقائه في البحر أو باحتمال الغبن الفاحش في المعاملات ونحوها تبذير وكذا الانفاق في المحرمات * وصرفه إلى الاطعمة النفيسة التى لا يليق اتخاذها بحاله هل يكون سفها وتبذيرا (قال) الامام وصاحب الكتاب نعم للعادة (وقال) الاكثرون لا لان المال يطلب لينتفع به ويلتذ به وكذا القول في التجمل بالثياب الفاخرة والا كثار من شراء الغانيات والاستمتاع بهن وما أشبه ذلك * وبالجملة فالتبذير على ما نقله معظم الاصحاب محصور في التضيعات والانفاق في المحرمات * ولا بد من اختبار الصبي ليغرف حاله في الرشد وعدمه ويختلف ذلك باختلاف طبقات الناس فولد التاجر يختبر في البيع والشراء والمماكسة وولد الزارع في أمر الزراعة والانفاق على العوام فيها والمحترف فيما يتعلق بحرفته والمرأة في أمر القطن والعزل وحفظ الاقمشة وصون الاطعمة عن الهرة والفأرة وما أشبهها من مصالح البيت * ولا تكفى المرة الواحدة في الاختبار بل لا بد من مرتين وأكثر على ما يليق بالحال ويفيد غلبة الظن بكونه رشيدا وفى وقت الاختبار وجهان (أحدهما) ما بعد البلوغ لان تصرفه في الصبا غير نافذ (وأظهرهما) أنه قبله لقوله تعالى (وابتلوا اليتامي) واسم اليتيم انما يقع على غير البالغ وعلى هذا فكيف يختبر فيه وجهان (أصحهما) أنه يدفع إليه قدرا من المال ويمتحنه في المماكسة والمساومة فإذا آل الامر إلى عقد عقده الولى لان تصرف الصبى لا ينفذ (والثانى) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 284 يصح منه العقد أيضا في هذا الغرض للحاجة * وقد أشرنا في أول البيع إلى هذا * ولو تلف المال المدفوع إليه للاختبار في يده فلا ضمان على الولى * إذا تقرر ذلك ننظر ان بلغ الصبى غير رشيد إما لاختلاف الصلاح في الدين أو اصلاح المال بقى محجورا عليه ولم يدفع إليه المال * وقال أبو حنيفة ان بلغ مفسدا للمال منع حتى يبلغ خمسا وعشرين سنة كما سبق وان بلغ مصلحا لماله دفع المال إليه ونفذ تصرفه وان كان فاسقا وبه قال مالك فيمن بلغ فاسقا ونقل المتولي مثل مذهبهما عن بعض أصحابنا * وجه ظاهر المذهب أن الآية اعتبرت الرشد والصلاح مأخوذ من تفسير الرشد * ثم يتصرف في ماله ويستديم الحجر عليه من كان يتصرف قبل البلوغ أبا كان أو جدا أو وصيا أو حاكما * وان بلغ رشيدا دفع إليه المال وينفك الحجر عنه بنفس البلوغ والرشد أو يحتاج إلى فك القاضى فيه وجهان (أرجحهما) عند صاحب التهذيب أنه يحتاج إلى فك القاضى لان الرشد مما يعرف بالنظر والاجتهاد ويروي هذا عن ابن أبي هريرة رضى الله عنه (والثانى) وبه أجاب صاحب الكتاب وهو الاصح عند الامام والمتولي ويحكي عن ابن سريج أنه ينفك عنه لانه حجر لم يثبت بالحاكم فلا يتوقف زواله على إزالة الحاكم كحجر المجنون يزول بمجرد الافاقة وهذا أولى والا لاطبق الناس على طلب الفك في أوائل البلوغ ولا يجدوه أهم مهماتهم ثم قال المفرعون على الوجه الاول أنه كما ينفك بفك القاضى ينفك بفك الاب والجد وفى الوصي والقيم وجهان وهذا يطعن في توجيههم اياه بالحاجة إلى النظر والاجتهاد (وإذا قلنا) لا يزول حتى يزال فتصرفه قبل ازالة الحجر كتصرف من أنثئ الحجر عليه بالسفه الطارئ بعد البلوغ ويجرى الخلاف فيما إذا بلغ غير رشيد ثم صار رشيدا وإذا حصل الرشد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 285 فلا فرق بين الرجل والمرأة وبين أن تكون المرأة مزوجة أو لا تكون وقال مالك رحمه الله لا يدفع المال إلى المرأة حتى تنكح فإذا نكحت دفع إليها باذن الزوج ولا ينفذ تبرعها بما زاد على الثلث إلا باذن الزوج ما لم تصر عجوزا * ولو عاد التبذير بعد ما بلغ رشيدا لم يطلق ولم يمكن من التصرف وكيف الحال فيه وجهان (أحدهما) أنه يعود الحجر بنفس التبذير كما لو جن (وأصحهما) أنه لا يعود ولكن يعاد ومن الذى يعيده لا خلاف في أن للقاضى أن يعيده وعن أبى يحيى البلخى فيما نقل ابن كج رحمه الله تعالى أنه يعيده الاب والجد أيضا والمشهور تخصيصه بالقاضي لانه في محل الاجتهاد * ولو عاد الفسق دون الاتفاق في المعاصي وسائر وجوه التبذير (فان قلنا) اقتران الفسق بالبلوغ لا يقتضى ادامة الحجر وهى الطريقة المنقولة على وفاق أبى حنيفة ومالك رحمهما الله فلا يحجر (وان قلنا) يقتضيها فوجهان (أحدهما) وبه قال ابن سريج أنه يحجر عليه كما يستدام به الحجر وكما لو عاد التبذير (وأصحهما) وبه قال أبو إسحق لا يحجر لان الاولين لم يحجروا على الفسقة ويخالف الاستدامة لان الحجر ثم كان ثابتا والاصل بقاء وههنا ثبت الاطلاق والاصل بقاءه فلا يلزم من الاكتفاء بالفسق للاستصحاب الاكتفاء به لبراءة الاصل ويخالف التبذير فانا نتحقق به تضييع المال وبالفسق لا يتحقق فانه ربما لا ينفق المال إلا فيما يسوغ وان كان فاسقا ومقصود هذا الحجر صيانة المال ولا يجئ في عود الفسق الوجه الذاهب إلى مصيره محجورا بنفس التبذير قال الامام رحمه الله فإذا حجر على من طرأ عليه السفه ثم عاد رشيدا (فان قلنا) الحجر عليه لا يثبت الا بضرب القاضى فلا يرفع إلا برفعه (وان قلنا) يثبت بنفسه ففى زواله الخلاف المذكور فميا إذا بلغ رشيدا * ومن الذى يلى أمر من حجر عليه بالسفه بالطارئ (ان قلنا) انه لا بد من ضرب القاضى فهو الذى يليه (وان قلنا) أنه يصير محجورا عليه بنفس السفه فوجهان شبيهان بالوجهين فيما إذا طرأ عليه الجنون بعد البلوغ (أحدهما) أنه يلى أمره الاب ثم الجد كما في حالة الصغر وكما إذا بلغ مجنونا (والثانى) يليه القاضى لان ولاية الاب قد زالت فلا تعود والاول أصح في صورة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 286 عروض الجنون والثانى أصح في صورة عروض السفه فلان السفه وزواله مجتهد فيه يحتاج إلى نظر الحاكم * ونعود إلى ما يتعلق بالفاظ الكتاب (قوله) فان اختل أحد الامرين استمر الحجر ينتظم اعلامه بالميم والحاء والواو لما ذكرنا فيما إذا بلغ مصلحا لماله فاسقا (وقوله) مهما حصل أي كلاهما انفك الحجر معلم بالواو للوجه الصائر إلى أنه لا بد من فكه وكذا قوله لم يعد الحجر للوجه الذى مر في عود الحجر عند عود التبذير (وقوله) لان اطلاق الثابت لا يرتفع الا بتيقن الرشد ولا يتيقن الرشد مع واحد من الامرين والاطلاق ههنا متيقن فلا يعاد الحجر الا بتيقن احتلال الرشد وذلك يعود للمعنيين جميعا وهذا قريب من لفظه في الوسيط وقضية خروج الصلاح في الدين واصلاح المال عن أن يكون حقيقة الرشد واعتبارهما للاستدلال بهما على حصول الرشد * واعلم أن كلام المصنف ههنا وفى الوسيط مصرح بأن عود مجرد الفسق والتبذير لا أثر له وانما المؤثر في عود الحجر أو اعادته عود الفسق والتبذير جميعا وليس الامر كذلك بل الاصحاب رضى الله عنهم مطبقون على أن عود التبذير وحده كاف في عود الحجر أو اعادته كما سبق بيانه (وقوله) ثم يلى أمره القاضى أو وليه في الصبى فيه وجهان موضع الوجهين ما إذا قلنا ان الحجر يعود بنفسه أما إذا قلنا ان القاضى هو الذى يعيده فهو الذى يلى امره بلا خلاف (وقوله) فصرف المال إلى وجوه الخير ليس بتبذير يمكن اعلامه بالواو للتفصيل المنقول عن الشيخ ابى محمد (وقوله) في الصرف إلى الاطعمة النفيسة انه تبذير يجب اعلامه بالواو ومعرفته ان الاظهر عند الجزء: 10 ¦ الصفحة: 287 الائمة رحمهم الله خلاف ما ذكره (وقوله) فإذا انضم الفسق إليه أوجب الحجر بناه على ما قدمه من اعتبار اجتماع الامرين وقد عرفت أن الصحيح المعتمد خلافه * (فرع) ولو كان يغبن في بعض التصرفات خاصة فهل يحجر عليه حجرا خاصا في ذلك النوع فيه وجهان لبعد اجتماع الحجر والاطلاق في الشخص الواحد (فرع) الشحيح على نفسه جدا مع اليسار قال في البيان فيه وجهان عن الصيمري والاصحح المنع * قال (ثم فائدة الحجر سلب استقلاله في التصرفات المالية كالبيع والشراء (و) والاقرار بالدين (م) وكذا الهبة وفى سلب عبارته عند التوكيل به خلاف وعليه يبتنى صحة قبوله الوصية والهبة ولا حجر عليه فيما لا يدخل تحت الحجر كالطلاق والظهار والخلع واستلحاق النسب ونفيه والاقرار بموجب العقوبات لانه مكلف والولى لا يتولى ذلك فلا بد وأن يتولاه بنفسه (والاصح) أنه لا يقبل اقراره باتلاف مال الغير كالصبى وينعقد احرامه بالحج ثم يمنع الزاد ان لم يكن فرضا عليه ثم حكمه حكم المحصر أو المحرم المفلس حتى لا يتحلل الا بلقاء البيت فيه خلاف) * الغرض الان الكلام فيما ينفذ من السفيه المحجور عليه من التصرفات ومالا ينفذ وفى مسائل (إحداها) لا يصح منه العقود التي هي مظنة الضرر المالى كالبيع والشراء والاعتاق والكتابة والهبة والنكاح ولا فرق بين أن يشترى بعين ماله أو في الذمة وفى شرائه في الذمة وجه ضعيف تخريجا من شراء العبد بغير اذن مولاه والمذهب الاول لان هذا الحجر انما يشرع نظرا للمبذر وذلك يقتضى الرد حالا ومالا والحجر على العبد لحق المولى فلا يمتنع التصحيح بحيث لا يضر بالمولى وإذا باع وأقبض استرد من المشتري فلو تلف الجزء: 10 ¦ الصفحة: 288 في يده ضمن فلو اشترى وقبض واستقرض فتلف المأخوذ في يده أو أتلفه فلا ضمان عليه ومن أقبضه فهو الذى ضيعه ولوليه استرداد الثمن ان كان قد أقبضه ولا فرق بين أن يكون من عامله عالما بحاله أو جاهلا إذ كان من حقه أن يتجنب ولا يعامل الا عن بصيرة وكما لا يجب الضمان في الحال لا يجب بعد رفع الحجر لان هذا الحجر ضرب لمصلحته فأشبه الصبى لكن الصبى لم يأثم والسفيه يأثم لانه تكلف وفيما إذا أتلفه بنفسه وجه أنه يضمن عند رفع الحجر عنه وهذا كله فيما إذا استقل بهذه التصرفات أما إذا اذن له الولى نظر ان أطلق الاذن فهو لغو وأن عين له تصرفا أو قدر العوض فوجهان (أصحهما) عند المصنف أنه يصح كما لو أذن له في النكاح وهذا لان المقصود أن لا يضر بنفسه ولا يتلف ماله فإذا أذن الولى أمن من المحذور (والثانى) وهو الاصح عند صاحب التهذيب المنع كما إذا أذن للصبى ويخالف النكاح لان المال فيه تبع ومقصود الحجر حفظ المال عليه على أن الامام رحمه الله أشار إلى طرد بعضهم الخلاف في النكاح (فان قلنا) لا يصح فقد سلبنا بالحجر عبارته (وان قلنا) يصح فالمسلوب هو الاستقلال وعلى الوجهين يخرج ما إذا وكله غيره بشئ من هذه التصرفات هل يصح عقده للموكل وبما إذا إتهب وقبل الهبة لنفسه ولو أودعه انسان شيئا فلا ضمان عليه لو تلف عنده ولو أتلفه فقولان كما لو أودع صبيا (الثانية) لو أقر بدين معاملة لم يقبل سواء أسنده إلى ما قبل الحجر أو بعده كالصبى وفيما إذا أسنده إلى ما قبل الحجر وجه أنه يقبل تخريجا من الخلاف في أن المفلس إذا أقر بدين سابق على الحجر هل يزاحم المقر له الغرماء ولو أقر باتلاف مال أو جناية توجب المال فقولان (أحدهما) يقبل لانه لو أثبتنا الغصب أو الاتلاف يضمن فإذا أقر به يقبل (وأصحهما) الرد كما لو أقر بدين معاملة ولا يؤاخذ بعد فك الحجر عنه بما أقر به ورددناه ولو أقر بما يوجب عليه حدا أو قصاصا قبل لانه مكلف ولا تعلق لهذا الاقرار بالمال متى يتأثر بالحجر ولو أقر بسرقة توجب القطع قبل قوله في القطع وفى المال قولان كالعبد إذا أقر بسرقة هذا إن قلنا لا يقبل اقراره بدين الاتلاف (فان قلنا) فأولى أن يقبل ههنا ولو أقر بقصاص فعفى المستحق على مال فالصحيح ينوب المال لانه يتعلق باختيار الغير لا باقراره ولو أقر بنسب ثبت النسب وينفق على الولد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 289 الذى استلحقه من بيت المال ولو ادعى عليه دين معامله لزمه قبل الحجر وأقام عليه بينة سمعت وان لم يكن بينة (فان قلنا) أن النكول ورد اليمين كالبينة سمعت (وان قلنا) كالاقرار فلا لان غايته أن يقروا قراره غير مقبول (الثالثة) يصح منه الطلاق لانه لايدخل تحت حجر الولى وتصرفه الا ترى ان الولى لا يطلق أصلا بل المحجور عليه يطلق بنفسه إذا كان مكلفا كالعبد وأيضا فأن الحجر لابقاء ماله عليه والبضع ليس بمال ولا هو جار مجري الاموال الا ترى أنه لا ينتقل إلى الورثة ولا يمنع المريض من ازالة المال عنه وإذا صح الطلاق مجانا فالخلع أولى بالصحة وكذلك يصح منه الطهار والرجعة ونفى النسب باللعان وما أشبهه لان هذه العقود لا تعلق لها بمال ولو كان السفيه مطلاقا مع حاجته إلى النكاح سري بجارية فان تبرم منها أبدلت (الرابعة) حكم السفية في العبادات حكم الرشيد لكنه لا يفرق الزكاة بنفسه فلو أحرم بغير اذن الولى انعقد احرامه ثم ينظر ان أحرم بحج التطوع وزاد ما يحتاج إليه للسفر على نفقته المعهودة ولم يكن له في الطريق كسب يفى بتلك الزيادة فللولي منعه ثم كيف سبيله نقل الامام رحمه الله وجهين (الاصح) الذى أورده الاكثرون أنه كالمحصر حتى يتحلل بالصوم إذا جعلنا لدم الاحصار بدلا لانه محجور في المال (والثانى) أن عجزه عن النفقة لا يلحقه بمحصر بل هو كالمفلس الفاقد للزاد والراحلة لا يتحلل الا تلفاء البيت وان لم يزد ما يحتاج إليه على النفقة المعهودة أو كان يكتسب في الطريق ما يفى بالزيادة لم يمنعه الولى بل ينفق عليه من ماله ولا يسلمه إليه بل إلى ثقة لينفق عليه في الطريق وان أحرم بحجة مفروضة كحجة الاسلام والحجة المنذورة قبل الحجر أنفق عليه الولي كما ذكرنا قال في التتمة والحجة المنذورة بعد الحجر كالمنذورة قبله إن سلكنا بالنذر مسلك واجب الشرع والا فهى كحجة التطوع ولو نذر التصدق بعين مال لم ينعقد وفى الذمة ينعقد ولو حلف انعقد يمينه ويكفر عند الحنث بالصوم كالرقيق * قال (وولى الصبى أبوه أو جده وعند عدمهما الوصي فان لم يكن فالقاضي ولا ولاية للام (و) ولا يتصرف الولى الا بالغبطة ولا يستوفى قصاصه (ح) ولا يعفو عنه ولا يعتق ولا يطلق بعوض الجزء: 10 ¦ الصفحة: 290 وغير عوض ولا يعفو عن حق شفعته الا لمصلحته فلو ترك فليس له الطلب بعد البلوغ على الاصح (و) وله أن يأكل بالمعروف من ماله ان كان فقيرا وان كان غنيا فليستعفف) * هذه البقية لسائر من يلى أمر الصبى وفى معناه المجنون وانه كيف يتصرف أما الذى يليه فهو الاب ثم الجد كما في ولاية النكاح فان لم يكونا فالولى المنصوب من جهتهما فان لم يكن فالولاية للقاضى أو من ينصبه القاضى (وظاهر) المذهب أن لا ولاية للام كما ليس لها ولاية النكاح وعن أبى سعيد الاصطخرى رحمه الله أن لها ولاية المال بعد الاب لجد وتقدم على وصيهما لزيادة شفقتها (وأما) كيفية التصرف فالقول الجملى فيه اعتبار الغبطة وكون التصرف على وجه النظر والمصلحة وفى الفصل صور (منها) يجوز للولى أن التجارة لما فيها من الاخطار وانحطاط الاسعار فان لم يكن فيه مصلحة لنقل الخراج أو جور السلطان أو أشراف الموضع على البوار لم يجز ويجوز أن يبني له الدور والمساكن ويبنى بالاجر دون اللبن والجص ولا يبنى باللبن والطين لقلة بقائه وذكر القاضي الرويانى رحمه الله أن كثيرا من الاصحاب رحمهم الله جوزوا البناء له على عادة البلد كيف كانت قال وهو الاختبار ولا يبيع عقاره الا للحاجة مثل أن لا يكون له ما يصرفه إلى نفقته وكسوته وقصرت غلته عن الوفاء بهما ولم يجد من يقرضه أو لم ير المصلحة فيه والغبطة مثل أن يكون يقبل الخراج أو يرغب شريك أو جار باكثر من ثمن المثل وهو يجد مثله ببعض ذلك الثمن وله بيع ماله نسيئة وبالعرض إذا رأى المصلحة فيه فإذا باع نسيئه زاد على ثمنه نقدا وأشهد عليه وارتهن به رهنا وافيا فان لم يفعل ضمن هكذا قاله المعظم وروى الامام وجها في صحة البيع إذا لم يترهن وكان المشترى مليا وقال الاصح الصحة ويشبه أن يذهب القائل بالصحة إلى أنه لا يضمن ونجوزه اعتمادا على ذمة الملى ولا يحتاج الاب إذا باع مال ولده من نفسه نسيئة أن يرتهن من نفسه بل يؤتمن في حق ولده وإذا باع الاب والجد عقاره فيرفع الامر إلى القاضى أسجل على بيعه ولم يكلفه أثبات الحاجة أو الغبطة فإذا بلغ الصبى وادعى على الاب أو الجد بيع ماله من غير مصلحه فالقول قولهما مع اليمين الجزء: 10 ¦ الصفحة: 291 وعليه البينة وان ادعاه على الوصي أو الامين فالقول قوله في العقار وعليهما البينة وفى غير العقار وجهان (أظهرهما) أنها كالعقار والفرق عسر كالاشهاد في كل قليل وكثير يبيعه ومنهم من أطلق وجهين من غير فرق بين ولى وولى وبين العقار وغيره ودعواه على المشترى من الولى كهى على الولى وليس للوصي والامين بيع ماله من نفسه ومال نفسه منه روى أنه صلى الله عليه وسلم (قال لا يشترى الوصي من مال اليتيم) وللاب والجد ذلك وبيع مال أحد الصغيرين من الآخر وهل يشترط أن يقول بعت واشتريت كما لو باع من غيره أم يكتفى باحدهما فيقوم مقامهما كما أقيم الشخص الواحد مقام اثنين فيه وجهان تعرضنا لهما في أول البيع وإذا اشترى الولى للطفل فليشتر من ثقة وحيث أمر بالارتهان لم يقم أخذ الكفيل مقامه (ومنها) لا يستوفى القصاص المستحق له لانه ربما يرغب في العفو ولا يعفو لانه ربما بختأر الاستيفاء تشفيا ولا يعتق عبيده لا بعوض ولا مجانا ولا يكاتبهم ولا يهب أمواله لا بشرط الثواب ولا دونه إذ لا يقصد بالهبة العوض ولا يطلق زوجته لا مجانا ولا بعوض ولو باع شريكه شخصا مشفوعا فيأخذ ويترك بحسب المصلحة فان ترك بحكم المصلحة ثم بلغ الصبى وأراد أخذه فوجهان (أصحهما) انه لا يمكن كما لو أخذ بحكم المصلحة ثم بلغ الصبى وأراد رده (والثانى) يمكن لانه لو كان بالغا لكان له الاخذ وافق المصلحة أو خالف والاخذ المخالف للمصلحة لم يدخل تحت ولاية الولى فلا يفوت عليه في تصرف الولى (ومنها) ليس للولى أخذ أجرة ولانفقة من المال الصبى ان كان غنيا وان كان فقيرا فان قطع بسببه عن اكتسابه فله أخذ قدر نفقته قال الله تعالى (ومن كان غنيا فليستعفف) الاية وفى تعليق الشيخ أبى حامد رحمه انه يأخذ أقل الامرين من قدر النفقة وأجرة المثل والقول في انه هل يستبد بالاخذ يأتي في كتاب النكاح   (قوله) روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لا يشتر الوصي من مال اليتيم لم أجده وقد أخرج البيهقى من طريق زهير بن أبى اسحق عن صلة بن زفر قال كنت جالسا عند ابن مسعود فجاء رجل من همدان على فرس أبلق فقال يا أبا عبد الرحمن اشترى هذا قال ماله قال إن صاحبه أوصى إلى قال لا تشتره ولا تستقرض من ماله الجزء: 10 ¦ الصفحة: 292 ان شاء الله تعالى * وهل عليه الضمان فيما أخذ كالمضطر إذا أكل الطعام أم كالامام إذا أخذ الرزق من بيت المال فيه قولان وللولي أن يخلط ماله بمال الصبى ويواكله قال الله تعالى (فان تخالطوهم فاخوانكم) وقاس ابن سريج على ما إذا خلط المسافرون ازوادهم وتناهدوا وقال لعل هذا أولى بالجواز وان تفاوتوا في الاكل لان كلا منهم من أهل المسامحة هذه صور الكتاب وشرحها (ومنها) يجب عليه أن ينفق عليه ويكسوه بالمعروف ويخرج من ماله الزكاة وارش الجنايات وان لم تطلب ونفقة القريب بعد الطلب (ومنها) أن دعت ضرورة حريق أو نهب إلى المسافرة بماله سافر وإذا كان الطريق مخوفا لم يسافر به وان كان امنا فوجهان (الذي) أورده الاصحاب رحمهم الله من العراقيين المنع كالمسافرة بالوديعة (والثانى) وهو الاصح الجواز لان المصلحة تقتضي ذلك والولى مأمور بالنظر بخلاف المودع وإذا كان له أن يسافر كان له أن يبعثه على يد أمين (ومنها) أنه ليس لغير القاضى اقراض مال الصبى الا عند ضرورة نهب أو حريق وإذا أراد سفرا ويجوز للقاضى الاقراض وان لم يعرض شئ من ذلك لكثرة شغاله وسوى أبو عبد الله الحناطى رحمه الله بين القاضى وغيره ولايجوز ايداعه مع امكان الاقراض في أصح الوجهين فان عجز عنه فله الايداع ويشترط فيمن يودع عنده الامانة وفيمن يقرضه الامانة واليسار جميعا واذ أقرض فان رأى أن يأخذ به رهنا أخذ والا تركه والله أعلم * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 293 (كتاب الصلح) (وفيه ثلاثة فصول) قال (الفصل الاول في أركانه وهو معاوضة له حكم البيع إن جرى على غير المدعى فالصلح لا يخالف البيع الا في ثلاث مسائل (الاولى) قال صاحب التلخيص يجوز الصلح على ارض الجنايات ولا يصح بلفظ البيع وأنكر الشيخ أبو على وغيره وقال ان كان معلوم القدر والصفة جاز باللفظين والا امتنع (ح) باالمفظين وان علم القدر دون الوصف كاقل الدية ففى كلا اللفظين خلاف (الثانية) أن يصالح عن بعض المدعى فهو جائز فيكون بمعنى هبة البعض ولفظ البيع لا ينوب منابه في هذا المقام وقيل أنه بلفظ الصلح أيضا لا يصح (الثالثة) إذا قال ابتداء لغيره من غير سبق خصومة صالحني من دارك هذه على ألف ففيه خلاف إذ لفظ البيع واقع فيه ولا يطلق لفظ الصلح لافى الخصومة) * فسر الائمة رحمهم الله الصلح في الشريعة بالعقد الذى ينقطع به خصومة المتخاصمين وليس ذلك على سبيل التحديد ولكنهم أردوا ضربا من التعريف مشيرين إلى أن هذه اللفظة تستعمل عند سبق المخاصمة غالبا والمخاصمات والمزاحمات المحوجة إلى المصالحة تارة تقع في الاملاك وتارة في المشتركات كالشوارع وغيرها والتعامل تارة يقع بالصلح وتارة بظهور جانب أحد المتنازعين باختصاصه بما يشعر بالاستحقاق فلا شتباك هذه الامور بعضها ببعض نسلك في الباب في كلام الشافعي رضى الله عنه للاصحاب رحمهم الله مع احكام الصلح المعقود لها الفصل (الاول) بيان المشتركات التى يقع فيها التزاحم صور يترجح فيها جانب أحد المتنازعين أو يظن رجحانه وقد عقد صاحب الكتاب لهما الفصل الثاني والثالث والاصل في الصلح ماروى عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الصلح جائز بين المسلمين الاصلحا أحل حراما أو حرم حلالا) ووقفه على عمر رضى الله عنه اشهر وعن كثير بن عبد الله بن عمرو بن   (كتاب الصلح) (حديث) أبى هريرة الصلح جائز بين المسلمين الاصلحا أحل حراما أو حرم حلالا * أبو داود ابن حبان والحاكم من طريق الوليد بن رباح عنه بتمامه ورواه أحمد منحديث سليمان ابن بلال عن العلاء عن أبيه عن أبى هريرة دون الاستثناء وفي الباب عن عمر وبن عوف وغيره كما سيأتي قريبا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 294 عوف المزني عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (المؤمنون عند شروطهم الا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا والصلح جائز) إذا عرفت ذلك فالصلح إما أن يجرى بين المتداعيين أو بين المدعي واجنبي والقسم الاول على وجهين (احدهما) صلح المعاوضة وهو الذى يجرى على غير العين المدعاة كما إذا ادعى دارا فاقربها المدعى عليه وصالحه بها على عبد أو ثوب وهذا الضرب حكمه حكم البيع وان عقد بلفظ الصلح وتتعلق به جميع أحكام البيع كالرد بالعيب والشفعة والمنع من التصرف قبل القبض واشتراط القبض ان كان المصالح عنه والمصالح عليه متوافقين في علة الربا واشتراط التساوى في معيار الشرع إن كانا من جنس واحد من أموال الربا وجريان التخالف عند الاختلاف ويفسد بالغرر والجهل والشروط الفاسدة فساد البيع وكذا إذا صالح منها على منفعة غير معلومة جاز وكان هذا الصلح اجارة كانه استأجر الدار والعبد بالعين المدعاة فيثبت فيه أحكام الاجارات (الضرب الثاني) صلح الحطيطة وهو الجارى على بعض العين المدعاة كما إذا صالح من الدار المدعاة على نصفها أو ثلثها أو من العبدين على أحدهما فهذا هبة بعض المدعى ممن هو في يده فيشترط القبول ومضى امكان مدة القبض وفى اشتراط الاذن الجديد في القبض الخلاف المذكور في باب الرحمن ويصح بلفظ الهبة ما في معناها وهل يصح بلفظ الصلح فيه وجهان (أحدهما) لا لان الصلح يتضمن المعاوضة ومحال أن يعامل الانسان ملك نفسه ببعضه (وأظهرهما) الصحة لان الخاصية التى يفتقر إليها لفظ الصلح هو سبق الخصومة   * (قوله) * ووقف هذا الحديث على عمر اشهر * البيهقى في المعرفة من طريق أبى العوام البصري قال كتب عمر إلى أبى موسى فذكر الحديث وفيه والصلح جائز فذكره بتمامه ورواه في السنن من طريق أخرى إلى سعيد بن أبى بردة قال هذا كتاب عمر إلى أبى موسى فذكره فيه وسياتى في كتاب القضاء تاما ان شاء الله * (حديث) كثير بن عبد الله بن عمر وبن عوف عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤمنون عند شروطهم * الحديث تقدم في باب المصراة والرد بالعيب وانه للترمذي وغيره الجزء: 10 ¦ الصفحة: 295 وقد حصلت ثم هو منزل في كل موضع ما يقتضيه الحال كلفظ التمليك ولا يصح هذا الضرب بلفظ البيع وهذه احدى المسائل الثلاث التى ذكر صاحب الكتاب أن الصلح يخالف البيع فيها وذلك على الوجه الاظهر (وأما) إذا قلنا انه لا يصح بلفظ الصلح أيضا فلا فرق بين اللفظين (والمسألة الثانية) ذكر ابن القاص في التلخيص انه إذا صالحه من ارش الموضحة على شئ معلوم جاز إذا علما قدر أرشها ولو باع لم يجز وخالفه معظم الاصحاب في افتراق اللفظين وقالوا ان كان الارش مجهولا كالحكومة التى لم تقدر ولم تضبط لم يجز الصلح عنه ولابيعه وان كان معلوم القدر والصفة كالدراهم والدنانير إذا ضبطت في الحكومة جاز الصلح عنها وجاز بيعها ممن عليه وان كان معلوم القدر دون الصفة على الحد المعتبر في السلم كالابل الواجبة في الدية ففي جواب الاعتياض عنها بلفظ الصلح وبلفظ البيع جميعا وجهان ويقال قولان (أحدهما) انه يصح كما لو اشترى عينا ولم يعرف صفاتها (وأظهرهما) فيما ذكر الشيخ أبو الفرج السرخسى المنع كما لو أسلم في شئ ولم يصفه وهذا في الجراحة التى لا توجب القود أما في النفس أو فيما دونها فالصلح عنها مبني على الخلاف في أن موجب العمد ماذا وسياتى في موضعه ان شاء الله تعالى (والمسألة الثالثة) لاشك انه لو قال من غير سبق خصومة بعنى دارك هذه بكذا فباع يصح ولو قال والحالة هذه صالحني عن دارك هذه بالف فعن الشيخ أبى محمد فيه ذكر وجهين (أحدهما) الصحة لان مثل هذا الصلح معاوضة فسواء عقد بهذه الفظة أو بهذه اللفظة (وأظهرهما) المنع لان مثل هذا الصلح معاوضة لا يطلق ولا يستعمل الا إذا سبقت خصومة فعلى هذا يخالف الصلح البيع وكأن هذا الخلاف مفروض فيما إذا استعملا لفظ الصلح ولم ينويا أو أحدهما شيئا فاما إذ استعملا ونويا البيع فانه يكون كناية بلاشك ويكون على الخلاف المشهور في انعقاد البيع بالكنايات والقياس عود مسائل الاستثناء في الصلح الذى ذكرنا انه اجارة بلا فرق واعود الان إلى البحث عن لفظ الكتاب ونظمه (قوله) الفصل الاول في أركانه اركان الصلح على المعهود من كلام صاحب الكتاب المتصالحان والمصالح عليه والمصالح عنه وليس في الفصل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 296 تعرض لها ولشروطها وانما الذى يتضمنه بيان الصحيح والفاسد وان الصحيح منه من أي قبيل هو فاذن الفصل ببيان الاحكام أشبه منه بالاركان وقوله والصلح لا يخالف البيع الا في ثلاث مسائل (اما) أن يحمل على كل صلح أو على الصلح المذكور قبل هذا الكلام وهو الصلح الجارى على غير المدعى وظاهر أن الاول غير مراد لانواع الصلح التى ليست بنوع ولو أراد ذلك لما احتاج إلى تقييد ما قبله بقوله ان جرى على عين المدعى والثانى فيه توقف أيضا لان احدى المسائل الثلاث ما إذا صالح على بعض المدعى والصلح على بعض المدعى لا يندرج في الصلح على غير المدعى حتى يستثني منه الا أن يراد بالعين كلما يصدق ان يقال انه ليس هو دون الخارج عن الذات لكنه بعيد عن الفهم في مثل هذه المواضع وربما يوجد في مض النسخ ان جرى على عين المدعى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 297 بدل غير المدعى وهو فاسد لان الصلح على كل المدعى لا معني له وعلى بعضه لا يكون بيعا البتة ولو كان مكانها ان جرى علي العين المدعاة ليكون قسيما لقوله من بعد وان صالح عن الدين ويتضح استثناء المسألة المذكورة لكان أحسن لكن الصلح في مسألة الصلح عن الارش صلح عن الدين فلا يدخل حينئذ حتى يستثني مخالفة الصلح البيع لانه لا ينحصر في الصور الثلاث بل من صورها الصلح عن القصاص فانه صحيح ولا مجال للفظ البيع فيه (ومنها) قال صاحب التلخيص لو صالحنا أهل الحرب من أموالهم على شئ ناخذه منهم جاز ولا يقوم مقامه البيع واعترض عليه القفال بأن تلك المصالحة ليست مصالحة عن أموالهم على شئ نأخذه وانما نصالحهم ونأخذ منهم للكف عن دمائهم وأموالهم وهذا قويم لكنه لا يخدش مخالفة اللفظين لان لفظ البيع لا يجرى في أمثال تلك المصالحات (وقوله) فانكر الشيخ أبو على ذلك هذا قد ذكره الشيخ على أحسن وجه كما هو دأبه لكنه ليس مبتدئا بهذا الكلام حتى ينسب إليه بل الائمة رحمهم الله ذكروه قبله منهم الشيخ القفال و (قوله) والا امتنع باللفظين يجوز إعلامه بالحاء لان عند أبى حنيفة يجوز الصلح عن المجهول أرشا كان أو غيره وبه قال أحمد رحمه الله * لنا القياس على المصالح عليه فأنه لا بد وان يكون معلوما بالاتفاق (وقوله) وقيل إنه بلفظ الصلح أيضا لا يصح أي لابد من لفظ الهبة لانه غير صحيح أصلا * قال (وأما الصلح عن الدين فهو كبيع الدين فان صالح على بعضه فهو ابراء (و) عن البعض ولو صالح من حال على مؤجل أو مؤجل على حال أو صحيح على مكسر أو مكسر على صحيح فهو فاسد لانه وعد من المستحق أو المستحق عليه لا يلزم الوفاء به ولو صالح من ألف مؤجل على خمسمائة حال فهو فاسد لانه نزل عن القدر للحصول على زيادة صفة ولو صالح عن ألف حال على خمسمائة مؤجل فهو ابراء عن خمسمائة ووعد في الباقي لا يلزم) * (النوع الثاني) عن الدين وله ضربان (أحدهما) صلح المعاوضة وهو الجارى على غير الدين المدعى فينظران الجزء: 10 ¦ الصفحة: 298 صالح على بعض اموال الربا على ما يوافقه في العلة فلابد من قبض العوض في المجلس ولا يشترط تعيينه في نفس الصلح على أصح الوجهين وان كان دينا صح الصلح في أصح الوجهين ولكن يشترط التعيين في المجلس ولا يشترط القبض بعد التعيين في أصح الوجهين وكل ما ذكرناه موجها في البيع للدين ممن عليه الدين (وقوله) في الكتاب فهو كبيع الدين اشارة إلى هذه الجملة (والضرب الثاني) صلح الحطيطة وهو الجارى على بعض الدين المدعى فهو ابراء عن بعض الدين فان استعمل لفظ الابراء أوما في معناه كما إذا قال أبرأتك عن خمسمائة من الالف الذى عليك وصالحتك عن الباقي برئت ذمته عن ما أبرأه منه ولم يشترط القبول وفيه وجه بعيد مضطرد في كل ابراء ولا يشترط قبض الباقي في المجلس وان اقتصر على لفظ الصلح فقال صالحتك عن الالف الذى لى عليك على خمسمائة فوجهان كتغيرها في صلح الحطيطة في العين (والاصح) الصحة ثم هل يشترط القبول فيه وجهان كالوجهين فيما إذا قال لمن عليه الدين وهبته منك والاظهر اشتراطه لان اللفظ في وضعه يقتضيه ولو صالح منه على خمسمائة معينة فالوجهان جاريان ورأى الامام وجه الفساد ههنا أظهر لان بعض الخمسمائة يقتضى؟ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 299 كونها عوضا وكون العقد معاوضة فيصير بائعا لالف بخمسمائة ولصاحب الوجه الاول أن يمنعه ويقول الصلح منه على البعض المعين إبراء واستيفاء للباقى ولا يصح هذا الضرب بلفظ البيع كما في نظيره من الصلح عن العين ولو صالح من ألف حال على ألف مؤجل أو من الف مؤجل على الف حال فهو لاغ لانه في الصورة الاولى وعد من رب المال بالحساق الاجل وفى الثانية من المديون بأسقاط الاجل والاجل لا يلحق ولا يسقط نعم لو عجل من عليه المؤجل وقبله المستحق سقط الاجل بما جرى من الايفاء والاستيفاء وكذلك الحكم في الصحيح والمكسر * ولو صالح من ألف مؤجل على خمسمائة حالة فهذا الصلح فاسد لانه نزل عن بعض المقدار لتحصيل الحلول في الباقي والصفة بانفرادها لا تقابل بالعوض ثم صفة الحلول لا تلتحق بالمال المؤجل وإذا لم يحصل ما نزل عن القدر لتحصيله لم يصح النزول ولو صالح عن ألف حال على خمسائه مؤجلة فهذا ليس فيه شائبة المعاوضة ولكنه مسامحة من وجهين (أدهما) حط بعض القدر (والثاني) الحاق الاجل بالباقي والاول سائغ فيبرأ عن خمسمائة والثاني وعد لا يلزم فله أن يطالبه بالباقي في الحال * (فروع) (أحدها) قال أحد الوارثين لصاحبه تركت نصيبي من التركة اليك فقال قبلت لم يصح ويبقى حقه كما كان لانها ان كانت أعيانا فلا بد فيها من تمليك وقبول وان كان فيها دين عليه فلا بد من ابراء ولو قال صالحتك من نصيبي على هذا الثوب فان كانت التركة أعيانا فهو صلح عن العين وان كانت ديونا عليه فصلح عن الدين وان كانت على سائر الناس فهو بيع الدين من غير من عليه فالصلح باطل في الدين وفى العين قولا تفريق الصفقة * (الثاني) له في يد غيره الف درهم وخمسون دينار افصالحه منه على الفى درهم لا يجوز كذا لو مات عن اثنين والتركة الفا درهم ومائة دينار وهى في يد أحدهما فصالحه الآخر عن نصيبه على الفى درهم يجوز الفرق انه إذا كان الحق في الذمة فلا ضرورة إلى تقدير المعاوضة فيه فيجعل مستوفيا لاحد الالفين معتاضا بالآخر عن الدنانير وإذا كان معينا كان الصلح عنه اعتياضا وكانه باع الف درهم وخمسين دينارا بالفى درهم وهو من صور مدعجوة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 300 ونقل الامام عن القاضى الحسين في صورة الدين أيضا المنع تنزيلا له على المعاوضة (الثالث) صالحه عن الدار المدعاة على أن يسكنها سنة فهو اعارة الدار منه يرجع عنها متى شاء وليس بمعاوضة لان الرقبة والمنافع ملكه ومحال أن يعتاض بملكه عن ملكه وإذا رجع عن الاعارة لم يستحق أجرة المدة التى مضت كما هو قضية العارية ونقل القاضى ابن كج وجها انه يستحق لانه جعل سكني الدار في مقابلة رفع اليد عنها وانه عوض فاسد فيرجع إلى أجر المثل ولو صالحه عنها على ان يسكنها سنة بمنفعة عبده سنة فهو كما لو اجر داره بمنفعة عبده سنة * (الرابع) صالحة عن الزرع الاخضر بشرط القطع جاز ودون هذا الشرط لا يجوز ولو كانت المصالحة عن الزرع مع الارض فلا حاجة إلى شرط القطع في أصح الوجهين ولو كان التنازع في نصف الارض ثم اقر المدعى عليه وتصالحا عنه على شئ لم يجزو ان شرطه القطع كما لو باع نصف الزرع مشاعا لا يحرز شرط القطع أو لم يشترط * قال (هذا كله في الصلح على الاقرار فأما الصلح على الانكار فال يصح (ح) كما إذا قال صالحني على دعواك الكاذبة أو عن دعواك أو صالحني مطلقا فان قال بعني الدار التى تدعيها فهو اقرار فيصح وان قال صالحني عن الدار فالظاهر انه ليس باقرار والصلح باطل وفى صلح الحطيطة علي الانكار في العين وجهان لانه في حكم الهبة للبعض بزعم صاحب اليد وكذا الخلاف في صلح الحطيطة في الدين) * (الوجه الثاني) من وجهى الصلح الجارى بين المتداعيين هو الصلح الجارى على الانكار فينظر ان جري على غير المدعى باطل خلافا لابي حنيفة ومالك وأحمد * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 301 لنا القياس على ما إذا انكر الخلع والكتابة ثم تصالحا على شئ وصورة الصلح على الانكار أن يدعي عليه دارا مثلا فينكر ثم يتصالحان على ثوب أو دين ولا يكون طلب الصلح منه اقرار لانه ربما يريد قطع الخصومة هذا إذا قال صالحني مطلقا وكذا لو قال صالحني عن دعواك الكاذبة أو قال صالحني عن دعواك بل الصلح عن الدعوى لا يصح مع الاقرار أيضا لان مجرد الدعوى لا يعتاض عنها ولو قال بعد الانكار صالحني عن الدار التى ادعيتها فوجهان (أحدهما) انه اقرار لانه طلب منه التمليك وذلك يتضمن الاعتراف بالملك فصار كما لو قال ملكني (وأصحهما) انه ليس باقرار لان الصلح في الوضع هو الرجوع إلى الموافقة وقطع الخصومة فيجوز أن يكون المراد قطع الخصومة في المدعى لاغير فعلى هذا يكون الصلح بعد هذا الالتماس صلحا على الانكار ولو قال بعنيها أو هبها منى فالمشهور انه اقرار ودونه صريح في التماس التمليك وعن الشيخ أبى حامد انه كقوله صالحني وفى معناه ما إذا كان التنازع في جارية فاق زوجنيها ولو قال اجرني أو أعرنى فاولى أن لا يكون اقرار ولو أبرأ المدعى المدعي عليه وهو منكروقلنا لا يفتقر الابراء إلى القبول صح الابراء بخلاف الصلح لانه مستقل بالابراء فلا حاجة فيه إلى تصديق الغير ولهذا لو أبرأه بعد التحليف صح ولو صالحه لم يصح * وان جرى الصلح على الانكار على بعض العين المدعاة وهو صلح الحطيطة في العين فوجهان (أحدهما) وبه قال القفال انه صحيح لان المتصالحين متوافقان على أن النصف مستحق للمدعى اما المدعى فانه يزعم استحقاق الكل وأما المدعى عليه فانه سلم والنصف له بحكم همته منه وتسليمه إليه فاذن الخلاف بينهما في جهة الاستحقاق (والثانى) وبه قال الاكثرون انه باطل كما لو كان على غير المدعى قالوا ومهما اختلف القابض والدافع في الجهة فالقول قول الدافع ألا ترى أنه لو دفع إليه دراهم وقال دفعتها عن الدين الذى به الرهن وانكر القابض أو دفع إلى زوجته دراهم وقال دفعتها عن الصداق وقالت بل هي هدية فالقول قول الدافع وإذا كان كذلك فالدافع يقول الجزء: 10 ¦ الصفحة: 302 انما بذلت النصف الدفع الاذى حتى لا يرفعنى إلى القاضى ولا يقيم على بينة زور * وان كان المدعى دينا وتصالحا على بعضه على الانكار نظر ان صالحه عن الف على خمسمائة مثلا في الذمة لم يصح لان في التصحيح تقدير الهبة وايراد الهبة على ما في الذمة ممتنع وان أحضر خمسمائة وتصالحا من المدعى عليها فهو مرتب على صلح الحطيطة في العين ان لم يصح ذلك فهذا أولى وان صح ففيه وجهان والفرق أن ما في الذمة ليس ذلك المحضر المعين وفى الصلح عليه معنى المعاوضة ولا يمكن تصحيحه معاوضة مع الانكار واتفق الناقلون على أن وجه البطلان هاهنا ارجح * ولو تصالحا ثم اختلفا في أنهما تصالحا على الانكار أو على الاقرار ذكر القاضي ابن كج أن القول قول من يدعى الانكار لان الاصل أن لا عقد ولك أن تخرجه على الخلاف الذى سبق في نزاع المتعاقدين في أن العقد الجارى بينهما كان صحيحا أو فاسدا * قال (وان جاء أجنبي وصالح من جهة المدعى عليه وقال هو مقر صخ نظرا إلى توافق المتعاقدين وان قال هو منكر ولكنه مبطل في الانكار فالنظر إلى مباشر العقد وهو مقر أو إلى من له العقد وهو منكر فيه خلاف ولو صالح لنفسه وزعم أنه قادر على الانتزاع فالاظهر (و) الصحة) * (القسم الثاني) من قسمي الصلح ما يجرى بين المدعى وبين الأجنبي وذلك اما أن يكون مع اقرار المدعى عليه ظاهرا أو دونه (الحالة الاولى) ان يكون مع اقراره ظاهرا فاما أن يكون المدعي عينا أو دينا ان كان عينا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 303 وقال الأجنبي ان المدعى عليه وكلنى في مصالحتك له علي نصف المدعى أو على هذا العبد من ماله فتصالحا عليه صح الصلح وكذا لو قال وكلني لمصالحتك عنه على عشرة في ذمته ثم ان كان صادقا في الوكالة صار المدعى للمدعى عليه والا فهو شراء الفضولي وقد سبق حكمه وتعريفه وان قال أمرنى بالمصالحة له على هذا العبد من ملكي فصالحه عليه فهو كما لو اشترى لغيره بمال نفسه باذن ذلك الغير وقد مر الخلاف في أنه يصح أو لا يصح وان صح فما يعطيه قرض أو هبة ولو صالح الأجنبي لنفسه بعين ماله أو بدين في ذمته صح كما لو اشتراه وعن الشيخ أبى محمد انه على وجهين كما إذا قال ابتداء لغيره من غير سبق دعوى ولا جواب صالحني من دارك هذه علي الف لانه لم يجر مع الأجنبي خصومة فيه قال وهذه الصورة أولى بالصحة لان اللفظ مرتب على دعوي وجواب فيكتفى فيه في استعمال لفظ الصلح * وان كان المدعي دينا وقال وكلنى المدعى عليه بمصالحتك على نصفه أو على هذا الثوب من ماله فصالحه وصح ولو قال على هذا الثوب وهو ملكى فوجهان (أحدهما) انه لا يصح لانه يبيع دينا بعين (والثانى) يصح ويسقط الدين كما لو ضمن دينا وأدى عنه عوضا * ولو صالح لنفسه على عين أو دين في ذمته فهو ابتباع دين في ذمة الغير وقد بينا حكمه في موضعه (والثانية) أن يكون انكاره ظاهرا فإذا جاء الأجنبي وقال اقر المدعى عليه عندي ووكلني في مصالحتك له الا أنه لا يظهر اقراره خيفة أن تنتزعه فصالحه صح لان قول الانسان في دعوى الوكالة مقبول في البيع والشراء وسائر المعاملات وان قال الأجنبي هو منكر ولكنه مبطل في الانكار فصالحني له على عبدى هذا لتنقطع الخصومة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 304 بينكما فصالحه فوجهان (أظهرهما) على ما قاله الامام أنه غير صحيح لانه صلح دافع لمنكر (والثانى) يصح لان المتعاقدين متوافقان والاعتبار في شرائط العقد بمن يباشر العقد هذا إذا كان المدعى عينا فان كان دينا فطريقان (أحدهما) انه على الوجهين (وأصحهما) القطع بالصحة والفرق انه لا يمكن تمليك الغير بغير إذنه وان قال هو منكر وأنا أيضا لا أعلم صدقك وصالحه مع ذلك لم يصح سواء كان المصالح عليه له أو للمدعى عليه كما لو جرى الصلح مع المدعى عليه وهو منكر وان قال هو منكر ومبطل في الانكار فصالحني لنفسي بعبدي هذا أو بغيره في ذمتي لاخذ منه فان كان المدعى دينا فهو ابتياع دين في ذمة الغير وان كان عينا فهو شراء غير الغاصب المغصوب فينظر في قدرته على الانتزاع وعجزه وحكم الجانبين مبين في أول البيع فلو صالحه وقال انا قادر على الانتزاع فوجهان (أضهرهما) انه يصح اكتفاء بقوله (والثانى) لا لان الملك في الظاهر للمدعى عليه وهو عاجز عن انتزاعه قال الامام والوجه أن يفصل فيقال ان كان الأجنبي كاذبا فالعقد باطل باطنا وفى مؤاخذته في الظاهر لالتزامه الوجهان وان كان صادقا حكم بصحة العقد باطنا وقطع بمؤاخذته لكن لا تزال يد المدعى عليه الا بحجه (وقوله) في الكتاب وإن جاء أجنبي وصالح من جهة المدعى عليه وقال هو مقر صح نظرا إلى توافق العاقدين اراد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 305 الحالة الثانية وهى أن يكون الصلح مع انكار المدعى عليه ظاهرا على ما أفصح به في الوسيط ويمكن حمله من جهة اللفظ على الحالة الاولى أيضا (وقوله) في المسألة بعده ففيه خلاف محمول على ما إذا كان المدعي عينا وان أراد تعميم الخلاف في العين والدين كان جوابا على أحد الطريقين ويجوز اعلام قوله خلاف - بالواو - لما سبق * (فرع) جار مجرى المثال لما ذكرنا * ادعى مدع على ورثة ميت دارا من تركته وزعم أن الميت غصبها منه واقروا به جاز لهم مصالحته فان دفعوا إلى واحد منهم ثوبا مشتركا بينهم ليصالح عليه جاز وكان عاقدا لنفسه ووكيلا عن الباقين ولو قالوا لواحد صالحه عنا على ثوبك فصالح عنهم فان لم يسمهم في الصلح فالصلح يقع عنه وان سماهم فوجهان في أن التسمية هل تلغى ان لم تلغ فالصلح يقع عنهم والثوب هبة منهم أو قرض عليهم فيه وجهان وان صالحه أحدهم على مال دون اذن الباقين ليملك جميع الدار جاز وان صالح لتكون الدار له ولهم جميعا لغى ذكرهم وعاد الوجهان في أن الكل يقع له أو يبطل في نصيبهم ويخرج في نصيبه على الخلاف في التفريق والله أعلم * قال (وإذا أسلم الكافر على عشر نسوة ومات قبل التعيين صح اصطلاحهن في قسمة الميراث مع التفاوت في المقدار وكان مسامحة وصح مع الجهل للضرورة ولا يصح الصلح على غير التركة لانه معاوضة من غير ثبت في استحقاق المعوض) * إذا أسلم الكافر على اكثر من أربع نسوة يختار أربعا منهن على ما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى فان مات قبل الاختيار والتعيين يوقف الميراث بينهن فان اصطلحن على الاقتسام على تفاوت أوتساومكن منه * واحتج مجوزوا الصلح على الانكار بهذه المسألة لان كل واحدة منهن تنكر نكاح من سواها وسوى ثلاث معها فالصلح الجارى بينهن صلح على الانكار قال الاصحاب هن بين أمرين إن اعترفن بشمول الاشكال فليست واحدة منهن بمنكرة لغيرها ولا مدعية لنفسها في الحقيقة وأنما تصح القسمة والحالة هذه مع الجهل بالاستحقاق للضرورة وتعدر التوقف لا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 306 إلى نهاية وان زعمت كل واحدة منهن الوقوف على اختيار الزوج إياها فكل من أخذت شيئا تقول الذى أخذته بعض حقى وسامحت الباقيات بالباقي وتبرعت والمالك غير ممنوع من التبرع وقد ذكرنا فيما إذا ادعى على غيره عينا فانكر ثم تصالحا على حطيطة من قبل وجهين فمن صححه احتج بهذه المسألة وقال إن الاقتسام الجاري بينهن صلح على الحطيطة ومن لم يصححه فرق بان المال في يد المدعى عليه وفصل الامر ممكن بتحليفه وههنا استوت الاقدام ولا طريق إلى فصل الامر سوى اصطلاحهن ولو اصطلحن على أن تأخذ ثلاث أو أربع منهن المال الموقوف ويبذلن للباقيات عوضا من خالص مالهن لم يجز لان الصلح هكذا بذل عوض مملوك في مقابلة ما لم يثبت ملكه ومن أخذ عوضا في معاوضة لابد وأن يكون مستحقا للمعوض فإذا لم يكن الاستحقاق معلوما لم يجز أخذ العوض عليه ولا يخفى عليك مما أجريته في المسألة السبب الداعي إلى ايرادها في هذا الموضع * واعلم أن جميع ما ذكرناه مبني على وقف الميراث لهن وفيه كلام آخر مذكور في نكاح المشركات وفى نظائر المسألة ما إذا طلق إحدى امرأتيه ومات قبل البيان وقفنا لهما الربع أو الثمن واصطلحتا وما إذا ادعى اثنان وديعة في يد الغير وقال المودع لا أدرى انه لايكما وما إذا تداعيا دارا في يدهما وأقام كل واحد منهما بينة ثم اصطلحا أو في يد ثالث وقلنا لا تتساقط البينتان بالتعارض فاصطلحا * قال (الفصل الثاني في التزاحم على الحقوق في الطريق والحيطان والسقوف (أما) الطرق فالشوارع على الاباحة كالموات الا فيما يمنع الطروق فلكل واحد (ح) أن يتصرف في هوائه بما لا يضر بالمارة ولا يمنع الجمل مع الكنيسة وكذلك يفتح إليه الابواب والاظهر (و) جواز غرس شجرة وبناء دكة إذا لم يضيق الطريق أيضا) * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 307 غرض الفصل الكلام في المزاحمات والتصرفات الواقعة في المشتركات إما اشتراك عموم كالطرق أو خصوص كالجدران والسقوف (أما) الطريق فينقسم إلى نافذ وغيره (القسم الاول) النافذ وهو الذى أراده بالتنازع فالناس كلهم يستحقون المرور فيه وليس لاحد أن يتصرف فيها بما يبطل المرور لاأن يشرع جناحا أو يتخذ على جدرانه ساباطا يضر بالمارة وان لم يضر فلا يمنع منه وبه قال مالك وقال ابو حنيفة لا اعتبار بالضرر وعدمه ولكن ان خاصمه إنسان فيه نزع وان لم يضر والا ترك وقال أحمد لا يجوز اشراع الجناح بحال الا إذا أذن فيه الامام * لنا اتفاق الناس على اشراع الاجنحة في جميع الاعصار من غير انكار وأيضا (فان النبي صلى الله عليه وسلم نصب بيده ميزابا في دار العباس رضى الله عنه) فنقيس الجناح عليه ونرجع في الضرر وعدمه إلى حال الطريق فان كان صيقا لا يمر فيه الفرسان والقوافل فينبغي أن يكون مرتفعا بحيث يمر المار تحته منتصبا وان كانوا يمرون فيه فلينته الارتفاع إلى حد يمر تحته الراكب منتصبا بل المحمل مع الكنيسة على رأسه على البعير لانه وان كان نادرا فقد يتفق ولا يشترط الزيادة عليه على الصحيح وقال أبو عبيد بن حربوية يشترط أن يكون بحيث يمر الراكب منصوب الرمح وضعفه النقلة بالاتفاق وقالوا وضع أطراف الرماح على الاكتاف ليس بعسير * ويجوز لكل أحد أن يفتح إلى الشارع من ملكه الابواب كيف شاء (وأما) نصب الدكة وغرس الشجرة فان تضيق الطريق به وضر بالمارة فهو ممنوع منه وإلا فوجهان (أحدهما) الجواز كالجناح الذى لا يضر بهم (والثانى) المنع لان المكان المشغول بالبناء والشجر لا يتأتى فيه الطروق وقد تزدحم المارة ويعسر عليهم   (حديث) انه صلى الله عليه وسلم نصب بيده مبزابا في دار العباس أحمد من حديث عبيد الله بن عباس قال كان للعباس ميزاب على طريق عمر فلبس ثيابه يوم الجمعة فاصا به منه ماء بدم فامر بقلعه فاتاه العباس فقال والله انه للموضع الذى وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر ابن أبى حاتم انه سال أباه عنه فقال هو خطأ ورواه البيهقى من أوجه أخر ضعيفة أو منقطعة ولفظ أحدها والله ما وضعه حيث كان الا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وأورده الحاكم في المستدرك وفي اسناد عبد الرحمن بن زيد بن اسلم وهو ضعيف وسيأتي في الديات ان شاء الله الجزء: 10 ¦ الصفحة: 308 المراقبة فيصطكون بهما وأيضا فانه إذا طالت المدة أشبه مكان البناء والغراس الاملاك وانقطع أثر استحقاق الطروق فيه بخلاف الاجنحة ويحكى الوجه الاول عن اختيار القاضى وهو أظهر عند المصنف ولم يورد في التهذيب سواه لكن أصحابنا العراقيون والشيخ أبا محمد أجابوا بالثاني واليه مال الامام وهو أقوى في المعنى ولا يجوز أن يصالح عن اشراع الجناح على شئ أما إذا صالحه الامام فلان الهواء لا يفرد بالعقد وانمأ يتبع القرار كالحمل مع الام وأيضا فلانه إن كان مضرا فما يمنع الضرر لا يجوز بالعوض كالبناء الرفيع في الطريق وان لم يكن مضرا فهو جائز وما يتحقه الانسان في الطريق لا يجوز أن يؤخذ منه عوض كالمرور وأما إذا صالحه واحد من الرعية فللمعنى الاول وأيضا فلانه ليس بالمستحق ولا هو نائب المستحقين * ولو أشرع جناحا لا ضرر فيه ثم انهدم أو هدمه فاشرع آخر في محاذاته جناحا لا يمكن معه اعادة الاول جاز كما لو قعد في طريق واسع ثم انتقل عنه يجوز لغيره الارتفاق به هكذا قالوه ولك أن تقول المرتفق بالعقود لمعاملة لا يبطل حقه بمجرد الزوال عن ذلك الموضع وانما يبطل بالسفر والاعراض عن الحرفة كما سيأتي في إحياء الموات فقياسه أن لا يبطل حقه بمجرد الانهدام والهدم بل يعتبر اعراضه عن ذلك الجناح ورغبته عن اعادته * اما لفظ الكتاب فقوله والشوارع على الاباحة كالموات معناه أنها منفكة عن الملك والاختصاص كالموات والاصل فيها الاباحة وجواز الانتفاع الا فيما يقدح في مقصودها وهو الطريق ويستوي في الحكم الجواد الممتدة في الصحارى والبلاد قال الامام وصيرورة الموضع شارعا له طريقان (أحدهما) أن يجعل الانسان ملكه شارعا وسبيلا مسبلا (والثانى) أن يحيى جماعة خطة قرية أو بلدة ويتركوا مسلكا نافذا بين الدور والمساكن ويفتحوا إليه الابواب ثم حكى عن شيخه ما يقتضى طريقا ثالثا وهو أن يصير موضع من الموات جادة ميتا يطرقها الرفاق فلا يجوز تغييره وانه كان يتردد في بيان الطريق التي يعرفها الخواص ويسلكونها وكل موات يجوز استطراقه ولكن لا يمنع من احيائه وصرف الممر عنه فليس له حكم الشوارع (وقوله) فما لا يضر بالمارة لك فيه مباحثة وهى أن هذه اللفظة ولفظ عامة الاصحاب تقتضي المنع من كل ما يضر بالمرور ثم الاكثرون في الفرق بين المضر الجزء: 10 ¦ الصفحة: 309 وغير المضر لم يتعرضوا الا للانخفاض والارتفاع ومعلوم أن جهة الا ضرار لا تنحصر في الارتفاع والانخفاض بل منع الضياء واظلام الموضع يضر بالمرور أيضا فهل هو مؤثر أم لا والجواب أن طائفة من الائمة منهم ابن الصباغ ذكروا أنه غير مؤثر لكن قضية المعني وظاهر لفظ الشافعي رضى الله عنه وأكثر الاصحاب تأثيره وقد نص عليه منصور التميمي في المستعمل حيث قال ووجه اضراره يعني الجناح شدة تطامنه أو منعه الضياء وفى التتمة أنه ان انقطع الضوء بالكلية أثر وإن انتقص فلا مبالاة به (وقوله) ولا يمنع المحمل مع الكنيسة في بعض النسخ الجمل مع الكنيسة وهو صحيح أيضا أي مع الكنيسة فوق المحمل المحمول على الجمل * قال (والسكة المنسدة الاسفل عند العراقيين كالشوارع وعند المراوزة هي ملك مشترك بين سكان السكة وشركة كل ساكن هل ينحط من باب داره إلى أسفل السكة فيه تردد ولا يجوز اشراع الجناح وفتح باب جديد الا برضاهم ورضاهم اعارة يجوز الرجوع عنه ولو فتح باب دار أخرى في داره التى هي في سكة مفسدة الاسفل أو فتح من تلك الدار بابا ثانيا في السكة فوق الباب الاول تردد لانه يكاد يكون زيادة على الانتفاع المستحق وأما فتح السكوفة فلا منع منه) * القسم الثاني غير النافذ كالسكة المنسدة الاسفل ونتكلم فيها في ثلاثة أمور (أولها) اشراع الجناح ولا خلاف في أن اشراع الجناح إليها غير جائز لغير أهل السكة وفيهم وجهان قال الشيخ أبو حامد ومن تابعه لكل منهم الاشراع إذا لم يضر بالباقين لان كلا منهم له الارتفاق بقرارها فليكن له الارتفاق بهوائها كالشارع وعلى هذا فلو كان مضرا ورضى أهل السكة جاز لان الحق لهم بخلاف مثله في الشارع فان رضى جميع المسلمين متعذرا لتحصيل وذكرا لاكثرون منهم القاضى ابو حامد وأبو الطيب الطبري انه لا يجوز الا برضاهم تضرروا أم لا لان السكة مخصوصة بهم فلا يتصرف فيها دون رضاهم وهذا كما أنه لا يجوز اشراع الجناح إلى دار الغير رضاه وان لم يتضرر ويحكى هذا عن أبى حنيفة وعلى الوجهين لا يجوز لهم أن يصالحوه على شئ لما مر أن الهواء تابع فلا يفرد بالمال صلحا كما لا يفرد به بيعا وكذا الحكم في صلح ملك صاحب الدار عن الجناح المشروع إليها ونعني باهل السكة كل من له باب نافذ إليها دون من يلاصق جداره الجزء: 10 ¦ الصفحة: 310 السكة من غير نفوذ باب وهل الاستحقاق في جميعها لجميعهم أو شركة كل واحد مختص بما بين رأس السكة وباب داره ولا يتخطى عنه فيه وجهان (أظهرهما) وهو الذى أورده القاضى ابن كج اختصاص كل واحد منهما بما بين رأس السكة وباب داره لان ذلك القدر هو محل تردده ومروره وما عداه فحكمه فيه حكم غير أهل السكة ووجه (الثاني) أنهم ربما احتاجوا إلى التردد والارتفاق بجميع الصحن لطرح الاثقال عند الاخراج والادخال وهذا الخلاف يظهر تأثيره على الصحيح في منع اشراع الجناح الا برضاهم فعلي القول باشتراك الكل في الكل يجوز لكل واحد من أهل السكة المنع وعلى الوجه الآخر انما يجوز المنع لمن يوضع الجناح بين بابه ورأس السكة دون من بابه بين موضع الجناح ورأس السكة ويظهر تأثيره على قول الشيخ أبى حامد أيضا في أن الذى يستحق المنع إذا كان الجناح مضرا من هو لكنهم لم يذكروه * ولو اجتمع المستحقون فسدوا باب السكة فجواب المعظم لا منع لانهم يتصرفون في ملكهم وقال أبو الحسن العبادي يحتمل أن يقال يمنعون لان أهل الشارع يفزعون إليها إذا عرضت زحمة ولا شك في أنه لو امتنع بعضهم لم يكن للباقين السد ولو سدوا متوافقين لم يستقل بعضهم بالفتح ولو اتفقوا علي قسمة صحن السكة بينهم جاز ولو أراد أهل رأس السكة قسم رأس السكة بينهم منعوا لحق من يليهم ولو أراد أهل الاسفل قسمة الاسفل فوجهان بناء على أن أهل الرأس هل يشاركونهم في الاسفل ثم ما ذكرنا من سد الباب وقسمة الصحن مفروض فيما إذا لم يكن في السكة مسجد فان كان فيها مسجد قديم أو حديث فالمسلمون كلهم يستحقون الطروق إليه فلا يمنعون منه استدركه القاضى ابن كج وعلى قياسه لا يجوز الاشراع عند الضرر وإن رضى أهل السكه لحق سائر الناس (وثانيها) فتح الباب وليس لمن لا باب له في السكة احداث باب إلا برضاء أهل السكة كلهم لتضررهم اما الجزء: 10 ¦ الصفحة: 311 بمرور الفاتح عليهم أو بمرورهم على الفاتح فلو قال افتح إليها بابا للاستضاءة دون الاستطراق أو قال اقتحه واسمره فوجهان (أصحهما) عند أبي القاسم الكرخي أنه يمكن لان منه لانه لو رفع جميع الجدار لتمكن منه فلان يمكن من رفع بعضه كان أولى (والثانى) لا يمكن لان الباب يشعر بثبوت حق الاستطراق فعساه يستدل به على الاستحقاق ولو كان له فيها باب وأراد أن يفتح غيره نظر ان كان ما يفتحه أبعد من رأس السكة فلمن الباب المفتوح بين رأس السكة وداره المنع وفيمن داره بين الباب ورأس السكة وجهان بناء على كيفية الشركة لما مر في الجناح وان كان ما يفتحه أقرب إلى رأس السكة فان سد الاول وجعل مكانه الباب المفتوح فلا منع لانه ينقص حقه وان لم يسد فعلى ما ذكرنا فيما إذا كان المفتوح أبعد من رأس السكة لان الباب الثاني إذا انضم إلى الاول أورث زيادة زحمة الناس وروث الدواب في السكة فيتضررون به وفى النهاية طرد طريقة أخرى جازمة بانه لامنع للذين يقع الباب المفتوح بين دراهم ورأس السكة لان الفاتح لا يمر عليهم وهذا ينبغى أن يطرد فيما إذا كان المفتوح أبعد من رأس السكة وتحويل الميزاب من موضع إلى موضع كفتح باب وسد باب * ولو كانت له داران تنفذ احداهما إلى الشارع وباب الاخرى إلى سكة منسدة فاراد فتح باب من الجزء: 10 ¦ الصفحة: 312 أحديهما إلى الاخرى هل لاهل السكة منعه فيه وجهان (أظهرهما) لا لان المرور مستحق له في السكة ورفع الحائل بين الدارين يصرف مصارف الملك فلا يمنع (والثانى) نعم لانه يثبت للدار الملاصقة للشارع ممرا في السكة ويزيد فيما استحقه من الانتفاع ولو كان باب كل واحد من الدارين في سكة غير نافذة وأراد فتح الباب من إحداهما إلى الاخرى جرى الوجهان في ثبوت المنع لاهل السكتين هكذا نقل الامام * وأعلم أن موضع الوجهين ما إذا سد باب إحدى الدارين وفتح الباب بينهما لغرض الاستطراق أما إذا قصد اتساع ملكه ونحوه فلا منع وحيث منعنا من فتح الباب إلى السكة المنسدة فصالحه على مال جاز بخلاف الصلح على اشراع الجناح لانه بذل مال في مقابلة الهواء المجرد ثم قال في التتمة إن قدروا مدة فهو إجارة وإن أطلقوا أو شرطوا التأبيد فهو بيع جزء شائع من السكة وتنزيله منزلة أحدهم وهو كما لو صالح غيره عن إجراء نهر في أرضه على مال يكون ذلك تمليكا للنهر ولو أراد فتح باب من داره في دار غيره فصالحه عنه مالك الدار على مال ويكون ذلك تمليكا للنهر ولو أراد فتح باب من داره في دار غيره فصالحه عنه مالك الدار على مال يصح ويكون ذلك كالصلح عن إجراء الماء على السطح ولا يملك شيئا من الدار والسطح لان السكة لا تراد الا للاستطراق فاثبات الا ستطراق فيها يكون نقلا للملك والدار والسطح ليس القصد منه الاستطرق وإجراء الماء والله أعلم * (وثالثها) فتح المنافذ والكوات للاستضاءة لامنع منه بحال لمصادفة الملك بل له أن يرفع جداره ويجعل مكانه شباكا * ولنعد إلى لفظ الكتاب (قوله) والسكة المنسدة الاسفل عند العراقيين كالشوارع إلى آخره يقتضي الحاق العراقيين لها بالشوارع في الانفكاك عن الملك وجواز إشراع الجناح وذهب المراوزة إلى أنها ملك السكان وليس الامر على الظاهر فان أئمتنا العراقيين لم يلحقوها بالشارع من كل وجه وكيف وطرقهم ناصة على اختصاصها بالسكان وأنها ملكهم وعلى أنه يجوز اشراع الجناح المضر إليها باذن السكان والحكم في الشارع بخلافهم فاذن هو محمول على تجويزهم اشراع الجناح الذى لا يضر إليها من غير اعتبار الرضا والمراوزة يمنعون منه ومع هذا التأويل فليس العراقيون مطبقين على تجويزه بل هل منقسمون إلى مجوز ومانع ألا ترى أن القاضى أبا الطيب منعه وهو عراقى (وقوله) لا يجوز اشراع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 313 الجناح وفتح باب جديد الا برضاهم أي برضا من اثبتنا له الشركة في السكة وقصد بهذا الكلام التفريغ على الرأى الذى نسبه إلى المراوزة على ما بينه في الوسيط لكن لا يخلو إما أن يكون المراد فتح باب من الدار التى لها باب في هذه السكة أو الفتح من الدار التى لها في السكة باب قديم إن كان الثاني فقد ذكره من بعد حيث قال أو فتح من تلك الدار بابا ثانيا في السكة وان كان الاول فالعراقيون لا يخالفون فيه حتى يجعل ذلك تفريعا على أحد الوجهين وكذا إشراع الجناح انما يجوز دونه لمن له حق الطروق في السكة لا لغيره (وقوله) ورضاهم اعارة يجوز الرجوع فيه أراد به ما ذكره الامام لانه لو فتح من لاباب له في السكة بابا برضا أهلها كان لاهلها الرجوع مهما شاءوا ولا يلزمون بالرجوع شيئا بخلاف مالو أعار الارض للبناء ثم رجع فانه لا يقلع البناء مجانا وهذا لم أجده لغيره والقياس أن لافرق والله أعلم (وقوله) فوق الباب الاول أراد مما يلى رأس السكة على ما ذكره في الوسيط وموضع الخلاف فيه ما إذا لم ينسد الباب القديم ويمكن حمله على ما إذا كان فوقه مما يلى آخر السكة على ما مر * (فرع) قال القاضى الرويانى في التجربة إذا كان بين داريه طريق نافذ يحفر تحته سردابا من أحدهما إلى الاخرى وأحكم الارج لم يمنع قال وبمثله أجاب الاصحاب فيما إذا لم يكن نافذا لان لكل واحد دخول هذا الزقاق كطروق الدرب النافذ وغلط من قال بخلافه واعتذر الامام عن جواز دخولها بأنه من قبيل الاباحات المستفادة من قرائن الاحوال * قال (أما الجدار إن كان ملك أحدهما فلا يتصرف الآخر فيه الا بأمره فان استعاره لوضع جذعه لا يلزمه (م) الاجابة في القول الجديد فان رضى فمهما رجع كان له النقص بشرط أن يغرم النقص وقيل فائدة الرجوع المطالبة بالاجرة للمستقبل) * الجدار بين الملكين قد يختص باحد المالكين وقد يملكه المالكان على الاشتراك (القسم الاول) الجدار المخصوص بأحد المالكين هل للآخر وضع الجذوع عليه من إذن مالكه فيه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 314 قولان (القديم) وبه قال مالك وأحمد نعم يجبر عليه لو امتنع لما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يمنعن أحدكم جاره أن يضع خشبه على جداره قال فنكس القوم رؤسهم فقال أبو هريرة رضى الله عنه مالى أراكم عنها معرصين والله لارمينها بين أكتافكم) أي لاضعن هذه السنة بين أظهركم (والجديد) وبه قال أبو حنيفة أنه ليس له ذلك ولا يجبر المالك لو امتنع لانه انتفاع بملك الغير فاشبه البناء في أرضه والحمل على بهيمته والحديث يحمل على الاستحباب لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفس منه) (التفريع) الاجبار على القديم مشروط بشروط (أحداها) أن لا يحتاج مالك الجدار إلى وضع الجذوع عليه (الثاني) أن لا يزيد الجارفى   (حديث) أبى هريرة لا يمنعن أحدكم جاره أن يضع خشبه على جداره قال فنكس القوم فقال أبو هريرة مالى أراكم عنها معرضين والله لا رمينها بين اكتافكم، أي لا رمين هذه السنة بين أظهركم * متفق عليه ورواه الشافعي من ذلك الوجه ورواه ابو داود والترمذي وابن ماجه قال الترمذي حسن صحبح وفى الباب عن ابن عباس ومجمع بن جارية (قلت) وهما في ابن ماجه (تنبيه) قال عبد الغنى بن سعيد كل الناس يقوله خشبه بالجمع الا الطحاوي فانه يقول بلفظ الواحد (قلت) لم يفلد الطحاوي الا ناقلا عن غيره قال سمعت يونس بن عبد الاعلى يقول سالت ابن وهب عنه فقال سمعت من جماعة خشبة على لفظ الواحد قال وسمعت روح ابن الفرج يقول سألت أبا يزيد والحارث بن مسكين ويونس بن عبد الا على عنه فقالوا خشبة بالنصب والتنوين واحدة ورواية مجمع تشهد لمن رواه بلفظ الجمع ولفظه " أن أخوين من بنى المغيرة لقيا مجمع بن جارية الانصاري ورجالا كثيرا فقالوا نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبا في جداره " وكذلك رواية ابن عباس وقد أخرجها البيهقى من طريق شريك عن سماك عن عكرمة عنه بلفظ إذا سأل أحدكم جاره أن يدعم جذوعه على حائطه فلا يمنعه * (حديث) لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفس منه * الحاكم من حديث عكرمة عن ابن عباس لا يحلء لا مرأ من مال أخيه الا ما اعطاه بطيب نفس منه ذكره في حديث طويل ورواه الدارقطني من طريق مقسم عن ابن عباس نحوه في حديث وفى اسناده العرزمى وهو ضعيف ورواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي من حديث أبى حميد الساعدي بلفظ (لا يحل = > الجزء: 10 ¦ الصفحة: 315 ارتفاع الجدار ولا يبنى عليه أزجا ولا يضع عليه ما لا يحتمله الجدار أو يضربه (والثالث) أن لا يملك شيئا من جدران البقعة التى يريد تسقيفها أولا يملك الا جدارا واحدا فان ملك جدارين فليسقف عليهما وليس له اجبار صاحب الجدار وصاحب النهاية لم يعتبر هذا الشرط هكذا ولكن قال الشرط أن تكون الجوانب الثلاثة من البيت لصاحب البيت وهو يحتاج إلى جانب رابع (فاما) إذا كان الكل للغير فانه لا يضع اجذوع عليها قولا واحدا ثم نقل عن بعض الاصحاب انه لم يعتبر هذا الشرط هكذا واعتبر في التتمة مثل ما ذكره الامام وحكى الوجهين فيما إذا لم يملك الا جانبا أو جانبين أيضا والمشهور ما تقدم (وإن قلنا) بالجديد فلا بد من رضا المالك وإذا رضى فاما أن يرضى من غير عوض أو بعوض إن رضى بغير عوض فهو إعارة يمكن من الرجوع عنها قبل وضع الجذوع والبناء عليه وبعده وجهان (أصحهما) أن له الرجوع أيضا كما في سائر العوارى وإذا رجع فلا كلام   لامرء أن ياخذ عصى أخيه بغير طيب نفس منه وذلك لشدة ما حرم الله مال المسلم على المسلم " وهو من رواية سهبل بن أبى صالح عن عبد الرحمن بن ابى سعيد عن ابى حميد وقيل عن عبد الرحمن عن عمارة بن حارثة عن عمر وبن يثربى رواه احمد والبيهقي وقوى ابن المدينى رواية سهيل وفي الباب عن ابن عمر بلفظ (لا يحلبن احد ماشية احد بغير اذنه) الحديث متفق عليه وعن عبد الله بن مسعود رفعه (حرمة مال المؤمن كحرمة رمه) اخرجه البزار من رواية عمر وبن عثمان عن ابى شهاب عن الاعمش عن ابى وائل عنه وقال نفرد به أبو شهاب وروى الدارقطني من حديث انس بلفظ المصنف وفيه الحارث بن محمد الفهرى رواية عن يحيى بن سعيد الانصاري مجهول وله طريق اخرى عنده عن حميد عن انس والراوي عنه داود بن الزبر قان متروك الحديث ورواه احمد والدارقطني ايضا من حميد حديث ابى حرة الرقاشى عن عمه وفيه على بن زيد بن جدعان وفيه ضعف ورواه ابو داود والترمذي والبيهقي من حديث عبد الله بن السائب بن يزيد عن ابيه عن جده بلفظ (لا يأخذ احدكم متاع أخيه لا عباو لا جادا) الحديث قال احمد هو يزيد بن اخت نمر لا اعرف له غيره نقله الاثرم وقال البيهقى اسناده حسن وحديث ابى حميد اصح ما في الباب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 316 في انه لا يمكن من القلع مجانا وفائدة رجوعه فيه وجهان مذكوران في الكتاب (أظهرهما) انه يخير بين أن يبقى بأجرة وبين أن يقلع ويضمن ارش النقصان كما لو أعاره أرضا للبناء قال في التهذيب إلا أن في اعارة الارض له خصلة أخرى وهى تملك البناء بالقيمة وليس لمالك الجدار ذلك لان الارض أصل فجاز أن يستتبع البناء والجدار تابع فلا يستتبع والذى رواه الامام عن حكاية القاضى انه ليس له الا الاجرة ولا يمكن من القلع أصلا لان ضرورة القلع تتداعى إلى ما هو خالص مال المستعير لان الجذوع إذا ارتفعت أطرافها من جدار لم تستمسك على الجدار الثاني (والوجه الثاني) وبه أجاب العراقيون انه ليس له الرجوع أصلا ولا يستفيد به القلع ولا طلب الاجرة للمستقيل لان مثل هذه الاعارة إنما يراد بها التأبيد فاشبه ما إذا أعار لدفن ميت لا يمكن من نبشه ولا من طلب الاجرة فعلى هذا لو رفع صاحب الجذوع الجذوع هل له إعادتها من غير اذن جديد فيه وجهان نقلهما الشيخ أبو حامد واصحابه ولو سقطت بنفسها فكذلك والاصح المنع وكذا لو سقط الجدار فبناه صاحبه بتلك الآلة لان الاذن لا يتناول الامرة واحدة وان بناه بغير تلك الآلة فلا خلاف في أنه لا يعيد إلا باذن جديد لانه جدار آخر وان رضى بعوض فذلك قد يكون على سبيل البيع وقد يكون على سبيل الاجارة وسنتكلم فيهما من بعد * ولو صالحه على مال لم يجز ان فرعنا على قول الاجبار لان من ثبت له حق لا يؤخذ منه عوض عليه وان فرعنا على القول الآخر صح وليس ذلك كالصلح عن إشراع الجناح لانه صلح على الهواء المجرد * قال (وإن كان مشتركا فلكل واحد منع صاحبه من الانتفاع دون رضاه فلو تراضيا علي القسمة طولا أو عرضا جاز ولا يجبر على القسمة في كل الطول ونصف العرض إذ يتعذر الانتفاع بوضع الجذوع وكذا في نصف الطور (و) وكل العرض وإذا جرت بالتراضى أقرع في الصورة الاخيرة والاولى التخصيص لكل وجه بصاحبه في الصورة الاولى حتى لا تقضى القرعة بخلافه ولا مانع (و) في الاساس من الاجبار على قسمته) * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 317 (القسم الثاني) الجدار المشترك والكلام في ثلاثة أمور يشتمل الفصل على اثنين منها (الاول) الانتفاع به وليس لاحد الشريكين أن يتد فيه وتدا أو يفتح فيه كوة أو يترب الكتاب بترا به دون اذن الشريك كسائر الاملاك المشتركة لا يستقل أحد الشريكين بالانتفاع بها ويستثنى من الانتفاعات ضربان (أحدهما) لو أراد أحدهما أعني الشريكين وضع الجذوع عليه ففى اجبار الآخر الخلاف المذكور في القسم الاول بطريق الاول (والثانى) مالا يقع فيه المضايقة من الانتفعات لكل واحد منهما الاستقلال به كالاستناد واسناد المتاع عليه يجوز مثله في الجدار الخالص للجار وهو كالاستضاءة بسراج الغير والاستظلال بجدار الغير ولو منع أحدهما الآخر من الاستناد فهل يمتنع عن الاصحاب فيه ترددا لانه عناد ومن الضرب الثاني ما إذا بنى في ملكه جدارا متصلا للجدار المشترك بحيث لا يقع ثقله عليه (الثاني) قسمته اما في كل الطول ونصف العرض أو في نصف الطول وكل العرض ولا يفهم من الطول ارتفاعه عن الارض فذلك سمك وانما طول الجدار امتداده من زاوية البيت إلى الزاوية الاخرى مثلا والعرض البعد الثالث فإذا كان طوله عشرة أطرع والعرض ذراعا فقسمته في كل الطول ونصف العرض هكذا ليكون لكل واحد نصف ذراع في طول عشر وقسمته بالعكس أن يجعل هكذا ليصير لكل واحد خمسة اذرع في عرض ذراع وأى واحد من النوعين تراضيا عليه جاز لكن كيف يقسم نقل بعض شارحي المختصر فيه وجهين (احدهما) انه يعلم بعلامة ويخط برسم (والثانى) انه يشق وينشر بالمناشير وينطبق على هذا الثاني ما ذكره العراقيون انهما لو طلبا من الحاكم القسمة بالنوع الاول لم يجبهما إلى ذلك لان شق الجدار في الطول اتلاف له وتضييع ولكنهما يباشران القسمة بأنفسهما ان شاءا وهو كما لو هدماه واقتسما النقض وان طلب أحدهما القسمة وامتنع الآخر نظر ان طلب النوع الاول من القسمة فظاهر المذهب انه لا يجاب إليها وذكر الامام وطائفة أن له معنيين (أحدهما) انا لو اجبرنا لاقرعنا والقرعة ربما تغير الشق الذى يلى دار يد لعمرو وبالعكس فلا يتمكن واحد منهما من الانتفاع بما صار له (والثانى) انه لا يتأتى فيه فصل محقق لان غايته رسم خطين بين الشقين ومع ذلك الجزء: 10 ¦ الصفحة: 318 فإذا بني أحدهما على ما صار له تعدى الثقل والتحامل إلى الشق الآخر وضعف الامام المعنى الثاني بما مر أن هذه القسمة جائزة بالتراضي وذلك يدل على أن رسم الخط كاف في القسمة والمفاضلة وما ذكره توجيها واعتراضا مبنى على الاكتفاء بالعلامة وترك الشق والقطع وهو الاول من الوجهين المنقولين في حالة التراضي وعن صاحب التقريب وجه أنه يجاب الطالب ويجبر الممتنع لكن لا يقرع بل يخصص كل واحد بما يليه (وأما) النوع الثاني وهو قسمة نصف الطول في كل العرض فجائز بالتراضى أيضا وفى الاجبار عليه وجهان أما الذين اعتبروا الشق والقطع فانهم وجهوا أحدهما بأن القطع يوجب اتلاف بعض الجدار ولا اجبار مع الاضرار (والثانى) أن الضرر والنقصان في هذا النوع هين فاشبه قسمة الثوب الصفيق (وأما) المكتفون برسم الخط والعلامة فبنوهما على المعنيين السابقين (إن قلنا) بالاول جرى الاجبار لان كل واحد منهما يتأتى له الانتفاع بما يصير إليه (وإن قلنا) بالثاني فلا لتعذر المفاضلة المحققة والاشبه من الوجهين كيف فرض التوجيه مع الاجبار وهو الذى أورده في الكتاب هذا في قسمة الجدار نفسه (أما) إذا انهدم وظهرت العرصة أو كان بينهما عرصة جدار لم يبن عليها بعد فطلب أحدهما قسمتها في كل الطول ونصف العرض (فان قلنا) في الجدار أن الطالب لمثل هذه القسمة يجاب ويخصص كل واحد بالشق الذى يليه من غير قرعة فكذلك ههنا وبه قال أبو الطيب بن سلمة (وإن قلنا) لايجاب ثم فههنا وجهان بنوهما على المعنيين السابقين (إن قلنا) بالاول لم يجب (وان قلنا) بالثاني أجيب وان طلب قسمتها في نصف الطول وكل العرض أجيب لفقد المعاني المذكورة في الجدار وإذا بني الجدار وأراد أن يكون عريضا زاد فيه من عرض بيته والله أعلم بالصواب * وإذا عرفت ذلك فاعلم قوله في الكتاب ولا يجبر على القسمة في كل الطول ونصف العرض - بالواو - وكذا قوله وكذا في نصف الطول وكل العرض (وأما) قوله إذا جرت بالتراضى أقرع في الصورة الاخيرة والاولى تخصيص كل وجه بصاحبه في الصورة الاولى وفى الصورة الاخيرة القسمة في نصف الطول وكل العرض والاولى هي القسمة في كل الطول ونصف العرض ولا يفهم من قوله الاولى التخصيص بعينه على رأى ذهابا إلى أن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 319 المراد من الاولى من خلاف في المسألة فان أحدا لم يذكر فيها خلافا بل أطلقوا الجواز للقسمة عند التراضي والمعود في القسمة القرعة فان ما أراد الارشاد إلى أن الشريكين ينبغى أن يصيرا إلى التخصيص من غير قرعة فبيع كل واحد منهما ماله في الشق الذى يلى صاحبه بما لصاحبه في الشق الذى يليه تحرزا عن تضييع المال (وأما) قوله ولا مانع في الاساس من الاجبار على قسمته فالمراد من الاساس عرصة الجدار وجوابه واضح في القسمة في نصف الطول وكل العرض وأما في الطول ونصف العرض فالذي أجاب به احد الوجهين وفيه وجه آخر كما قدمنا والاصح عند العراقيين وغيرهم ما أجاب به والله أعلم * قال (والقول الجديد أنه لا يجبر (م ح) على العمارة في الاملاك المشتركة لانه ربما يتضرر بتكليفه العمارة نعم لو انفرد الشريك الآخر فلا يمنع لانه عناد محض ثم ان أعاد الجدار بالنقض المشترك عاد ملكا مشتركا كما كان ولو تعاونا على العمل فكمثل ولو انفرد أحدهما وشرط له الآخر أن يكون ثلثا الجدار له صح وكان سدس النقض عوضا عن عمله المصادق لملك الشريك وإذا انهدم العلو والسفل وقلنا ليس لصاحب العلو اجبار صاحب السفل على العمارة فله أن يعمر بنفسه فان عمر فليس (و) له منع صاحب السفل من الانتفاع بسفله ولا أن يغرمه (و) قيمة ما بناه من الجدار والسقف ومن له حق إجراء الماء في ملك الغير فلا يجبر على العمارة بحال) * (الامر الثالث) العمارة فأذا هدم أحد الشريكين الجدار المشترك من غير اذن صاحبه لاستهدامه أو من غير استهدامه ففى التهذيب وغيره أن النص اجبار الهادم على اعادته وان القياس أنه يغرم النقصان ولا يجبر على البناء لان الجدار ليس بمثلى ولو استهدم الجدار بنفسه أو هدماه معا اما لاستهدامه أو لغير استهدامه ثم امتنع أحدهما عن العمارة فقولان (القديم) وبه قال مالك واحمد في المشهور عنهما أنه يجبر الممتنع على العمارة دفعا للضرر عن الشركاء وصيانة للاملاك المشتركة عن التعطيل (والجديد) أنه لا يجبر كما لا يجبر على زراعة الارض المشتركة وكما ان طالب العمارة قد يتضرر بامتناع الشريك فالشريك الجزء: 10 ¦ الصفحة: 320 يتضرر بتكليف العمارة ويجرى القولان في النهر المشترك والقناة والبئر المشتركين إذا امتنع أحد الشركاء من التنقية والعمارة وهل يجبر وعند ابي حنيفة يجبر في النهر والقناة والبئر ولا يجبر في الجدار ولو كان علو الدار لواحد وسفلها لآخر فانهدمت فليس لصاحب السفل اجبار صاحب العلو على اعاته وهل لصاحب العلو اجبار صاحب السفل على اعادة السفل ليبني عليه فيه القولان ومنهم من قال القولان فيما إذا انهدم أو هدماه من غير شرط اما إذا استهدم فهدمه صاحب السفل بشرط ان يعيده اجبر عليه قولا واحدا ويجرى الخلاف فيما إذا طلب احدهما اتخاذ سترة بين سطحيهما هل يجبر الاخر على مساعدته * (التفريع) إن قلنا بالقديم وأصر الممتنع أنفق الحاكم عليه من ماله فان لم يكن له مال استقرض عليه أو أذن للشريك في الانفاق عليه من ماله ليرجع علي الممتنع إذا وجد له مال فان استقل به هل له الرجوع أشار المزني فيه إلى قولين وعن الاصحاب فيه طرق (أظهرها) وبه قال ابن خيران وابن الوكيل القطع بعدم الرجوع وحمل الرجوع على ما إذا أنفق بالاذن (والثانى) أن القول بعدم الرجوع تفريع على القديم الذى عليه نفرع وبه قال ابن القطان (والثالث) أنا إن قلنا بالقديم رجع لا محالة (وان قلنا) بالجديد فقولان ونقل الامام وجها فارقا بين أن يمكنه عند البناء مراجعة الحاكم فلا يرجع اولا يمكنه فيرجع والى هذا منعوه ثم إذا أعاد الطالب البناء نظر إن أعاده بالآلة القديمة فالجدار بينهما كما كان في السفل في الصورة الاخرى لصاحب السفل كما كان وليس لصاحب العلو نقضه ولا منعه من الانتفاع بملكه وان بناه بآلة من عنده فالبناء له ويتمكن من نقضه ولو قال الشريك لا تنقض وأنا أغرم لك نصف القيمة لم يجر له النقض لانا علي هذا القول نجبر الممتنع على ابتداء العمارة فلان نجبره على الاستدامة كان أولى (وان قلنا) بالجديد فلو أراد الشريك المطالب الانفراد بالعمارة نظر إن أراد عمارة الجدار بالنقض المشترك وأراد صاحب العلو أعادة السفل بنقض صاحب السفل أو بآلة مشتركة بينهما فللآخر منعه وان أراد بناءه بآلة من عنده فله ذلك الجزء: 10 ¦ الصفحة: 321 ليصل إلى حقه كما لو سقطت جدوعه الموضوعة على الجدار المشترك ينفرد باعادتها ثم المعاد ملكه يضع عليه ما شاء وينقضه إذا شاء فلو قال شريكه لا تنقض الجدار لاغرم لك نصف القيمة أو قال صاحب السفل لا تنقض لاغرم لك القيمة لم تلزمه اجابته على هذا القول كابتداء العمارة ولو قال صاحب السفل انقض ما أعدته لابنيه بآلة نفسي فان كان قد طالبه بالبناء فلم يجب لم يجب الآن إلى ما يقوله وان لم يطالبه وقد بني علوه عليه فكذلك لايجاب ولكن له أن يتملك السفل بالقيمة ذكره في المهذب وان لم يبن عليه العلو بعد أجيب صاحب السفل ومهما بني الثاني بآلة نفسه فله منع صاحبه من الانتفاع بالعلو بفتح كوة وغرز وتد ونحوهما وليس له منع صاحب السفل من السكني فان العرصة ملكه وعن صاحب التقريب وجه في المنع من السكني أيضا والمذهب الاول * ولو أنفق على البئر والنهر فليس له منع الشريك من سقى الزرع والانتفاع بالماء وله منعه من الانتفاع بالدولاب والبكرة المحدثين ولو كان للمتنع على الجدار الذى انهدم جذوع وأراد عادتها بعد ما بناه الطالب بآلة نفسه فعلى الثاني تمكينه أو نقض ما أعاده يبني معه الممتنع ويعيد جذوعه والله أعلم * بقى في الفصل صورتان (احداها) إذا بان أن الجدار المشترك لو انفرد احدهما بأعدته بالنقض المشترك يعود مشتركا كما كان فلو تعاونا على اعادته كئن أولى أن يعود مشتركا فلو شرطا مع التعاون زيادة لاحدهما لم يجز لانه شرط عوض من غير معرض فانهما متساويان في العمل وفى الجدار وعرصته وعن صاحب التقريب وجه أنه يجوز ذلك لتراضيهما حتى لو باع أحد شريكي الدار على السواء نصيبه من الدار بثلث الدار من نصيب صاحبه قال يصح وتصير الدار بينهما اثلاثا واستبعد الامام ما ذكره وقال لو باع أحدهما نصفه بنصف صاحبه لم يقدر ذلك بيعا ولم ترتب عليه أحكام البيع وهذه الصورة قذ ذكرناها في البيع وبينا أن الاظهر فيها الصحة وقياسه صحة بيع أحدهما نصفه بالثلث من نصف الآخر ولا يلزم منه صحة الشرط فيما نحن فيه لان الموجود هو البناء بشرط الزيادة لاحدهما ومجرد الشرط والرضى بالتفاوت لا يغير كيفية الشركة القديمة الا أن البناء بالاذن والشرط يقام مقام البيع والاجارة للمسائل المذكورة على الاثر ولو انفرد أحد الشريكين بالبناء بالنقض المشترك باذن صاحبه بشرط أن يكون له الثلثان جاز والسدس الزائد يكون في مقابلة عمله في النصف الآخر هكذا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 322 أطلقوه واستدرك الامام فقال هذا مصور فيما إذا شرط له سدس النقض في الحال لتكون الاجرة عتيدة فاما إذا شرط السدس الزائد له بعد البناء لم يصح فان الاعيان لا تؤجل ولك أن تزيد فتقول التصوير وان وقع فيما ذكره وجب أن يكون الحكم فيه كالحكم فيما إذا شرط للمرضع جزءا من الرقيق المرتضع في الحال والقاطف الثمار جزءا من الثمار المقطوفة في الحال ونظائرهما لان عمله يقع على ما هو مشترك بينه وبين غيره وسياتى الكلام فيها في الاجارة ولو بناه أحدهما بآلة نفسه باذن الآخر بشرط أن يكون ثلثا الجدار له فقد قابل ثلثا الآلة المملوكة له وعمله فيه بسدس العرصة المبني عليها وفى صحة هذه المعاملة قولان لجمعهما بين مختلفى الحكم وهما البيع والاجارة ولا يخفي ان شرط الصحة العلم بالآلات وبصفات الجدار فانه يعود فيها النظر إلى شرط ثلث النقض في الحال أو بعد البناء (الثانية) إذا كان له حق اجراء الماء في ملك الغير فانهار ذلك الملك لم يجب على مستحق الاجراء مشاركته في العمارة لان العمارة تتعلق بتلك الاعيان وهى لمالكها لا يشترك المستحق الاجراء فيها وان كان الانهدام بسبب الماء ففيه احتمال عند الامام قال والظاهر أنه لاعمارة عليه أيضا لانه ليس بمالك والانهدام تولد من مستحق ولنتكلم الآن فيما يحتاج إليه من الفاظ الكتاب (قوله) لا يجبر على العمارة في الاملاك المشتركة يجوز اعلامه بالميم والالف بل بالحاء أيضا لما قدمناه من مذاهبهم (وقوله) نعم لو انفرد الشريك الآخر فلا يمنع يشعر بتمكينه من العمارة سواء عمر بالنقض المشترك أو بخاص ملكه وقد صرح بذلك في الوسيط وكذا الامام لكن الظاهر من النقل ما قدمناه وهو أنه ان أعاد بآلة نفسه فلا منع وان أراد العمارة بالنقض المشترك فلصاحبه المنع إذا فرعنا على الجديد وهو المتواتر من جهة المعنى فانه المالك وقد يريد صرفه إلى غير تلك العمارة (وقوله) وشرط له الآخر أن يكون ثلثا الجدار له ظاهره التصوير فيما إذا شرط السدس الزائد بعد البناء لانه حينئذ يسمى جدارا لكن عرفت في المباحثة التي مرت أن ذلك غير جائز فليؤول اللفظ (وقوله) وإذا انهدم السفل والعلو وقلنا ليس لصاحب العلو اجبار صاحب السفل اشارة إلى أن القولين في الاجبار على الجزء: 10 ¦ الصفحة: 323 العمارة في الاملاك المشتركة يجريان في أن صاحب السفل هل يجبر على اعادة السفل الخالص له (وقوله) فله أن يعمر بنفسه فيه مثل هذا الكلام الذي ذكرناه في قوله نعم لو انفرد الشريك الآخر فلا منع (وقوله) فليس له منع صاحب السفل من الانتفاع بسفله إن حمل على ما إذا أعاد بالنقض المشترك فذاك وان أجرى إطلاقه فليحمل الانتفاع على السكني في عرصته فان الانتفاع بالجدار غير سائغ على ما تقدم ثم ليعلم بالواو للوجه المحكى عن صاحب التقريب (وقوله) ولان أن يغرمه مفرع عن نظم الكتاب على القول الجديد في مسألة السفل والعلو والحكم بعدم الرجوع على ظاهر المذهب لا يختلف بالقولين * قال (أما السقف الحائل بين العلو والسفل يجوز لصاحب العلو الجلوس عليه وان كان مشتركا للضرورة وكذا ان كان مستخلصا لصاحب السفل وانما يتصور ذلك بأن يبيع صاحب السفل حق البناء على سقفه من غيره فيصح (ز) هذه المعاملة وهى بيع فيها مشابه الاجارة ولايجوز بيع حق الهواء لاشراع جناح من غير أصل يعتمده البناء ويجوز بيع حق مسيل الماء ومجراه وحق الممر وكل الحقوق المقصودة على التأبيد ويجب أن يذكر قدر البناء وكيفية الجدار لاختلاف العرض في تثاقله ولو باع حق البناء على الارض لم يجب (و) ذكر ذلك ومهما هدم صاحب السفل السفل لم ينفسخ البيع لانه مخالف للاجارة ولكن يغرم له قيمة البناء للحيلولة فإذا أعاد السفل استرد القيمة) * كما أن الجدار الحائل بين مالكين تارة يكون مشتركا بين المالكين وتارة يكون خالصا لاحدهما فكذلك السقف الحائل بين العلو والسفل المملوك كل واحد منهما لواحد قد يكون مشتركا بينهما وقد يكون خالصا لاحدهما وحكم القسمين في الانتفاع يخالف حكمهما في الجدار فيجوز لصاحب العلو الجلوس ووضع الاثقال عليه على الاعتياد ولصاحب السفل الاستظلال والاستكنان به لانا لو لم نجوز ذلك لعظم الضرر وتعطلت المنافع وهل لصاحب السفل تعليق الامتعة فيه (أما) ما ليس ثقيلا يتأثر السقف به كالثوب وبحوه فلامنع به بل هو كالاستناد إلى الجدار (وأما) غيره ففيه وجهان الجزء: 10 ¦ الصفحة: 324 (أحدهما) أنه غير جائز إذ لا ضرورة فيه بخلاف الاستظلال (وأظهرهما) انه يجوز على الاعتياد تسوية بين صاحب العلو وصاحب السفل في تجويز تثقيل السقف وعلى هذا فوجهان (أحدهما) أن التعليق الجائز هو الذى لا يحتاج إلى إثبات وتدفى السقف (وأظهرهما) أنه لا فرق وقال الشيخ أبو محمد (فان قلنا) إنه ليس له اثبات الوتد والتعليق منه فليس لصاحب العلو غرز الوتد في الوجه الذى يليه إذ لا ضرورة إليه وإن جوزناه لصاحب السفل ففى جوازه لصاحب العلو وجهان لندرة حاجته إليه بخلاف التعليق * إذا تقرر ذلك فتصوير القسم الاول هو أن يكون السقف مشتركا بينهما وأما إذا كان خالصا لاحدهما فصورة خلوصه لصاحب العلو أن يكون لرجل جداران متقابلان فيأذن لغيره في وضع الجدوع عليهما والبناء على تلك الجذوع بعوض أو غير عوض فإذا فعل ذلك كان السقف لصاحب العلو وصورة خلوصه لصاحب السفل أن يأذن لغيره في البناء على سقف ملكه بعوض أو بغير عوض فيبني عليه والى هذا أشار بقوله وانما يتصور ذلك أن يبيع صاحب السفل حق البناء على سقفه من غيره ولما جري ذكر هذا التصرف وهو من المسائل المقصودة في الباب اندفع في بيانه وبيان ما يناسبه ونحن نشرحه في مسألتين ولا نبالي بما يحتاج إليه من تقدير مؤخر في سياق الكتاب وتأخير مقدم (المسألة الاولى) اذن المالك لغيره في البناء على ملكه قد يكون بغير عوض وهو الاعارة وقد يكون بعوض فمن صوره أن يكرى أرضه أو رأس جداره أو سقفه مدة معلومة بأجرة معلومة فتجوز وسبيله سبيل سائر الاجارات (ومنها) أن يأذن فيه بصيغة البيع ويبين الثمن فهو صحيح خلافا للمزني ولابي حنيفة أيضا فيما حكاه القاضى الرويانى ثم يتصور ذلك بلفظتين (احداهما) أن يبيع سطح البيت أو علوه للبناء عليه بثمن معلوم (والثانية) ان يبيع حق البناء على ملكه والاولى هي لفظة الشافعي وعامة الاصحاب رحمهم الله والثانية لفظة الامام وصاحب الكتاب ويتلخص الغرض بمباحثتين (احداهما) أن المراد من اللفظتين شئ واحد وان كان ظاهر اللفظ يشعر بالمغايرة لان بيع العلو للبناء أما أن يراد به جملة السقف فليخرج على الجزء: 10 ¦ الصفحة: 325 التفصيل الذى مر في البيع وأيضا فانهم صوروا فيما إذا اشترى ليبنى عليه ومن اشترى شيئا انتفع به بحسب الامكان ولم يحتج إلى التعرض للانتفاع به (والثانية) ما حقيقة هذا العقد أبيع هو أم اجارة ان كان بيعا فليعد ملك عين كسائر البيوع فان كان اجارة فليشترط التأقيت كسائر الاجارات (والجواب) أن الاصحاب اختلفوا فيه فقال قائل هو بيع ويملك المشترى به مواضع رؤس الاجذاع وهذا يدفع الالزام لكنه مشكل لما ذكرنا في المباحثة الاولى (والصحيح) أنه لا تملك به عين وعلى هذا فوجهان (أحدهما) أنه اجارة وإنما لم يشترط تقدير المدة لان العقد الوارد على المنفعة تتبع فيه الحاجة وإذا اقتضت الحاجة التأبيد أبد على خلاف سائر الاجارات والتحق بالنكاح ونسب صاحب البيان هذا الوجه إلى ابن الصباغ (وأظهرهما) أنه ليس باجارة محضة ولكن فيه شائبة الاجارة وهى أن المستحق به منفعة وشائبة البيع وهى أن الاستحقاق فيه على التأبيد فكأن الشرع نظر إلى أن الحاجة تمس إلى ثبوت الاستحقاق المؤبد في مرافق الاملاك وحقوقها مساسها إلى ثبوت الاستحقاق المؤبد في الاعيان فجوز هذا العقد واثبت فيه شبها من البيع وشبها من الاجارة وهذا معنى قوله في الكتاب وهى بيع فيه مشابهة الاجارة وإذا قلنا انه لا تملك به عين فلو عقد بلفظ الاجارة ولم يتعرض للمدة فوجهان (أشبههما) أنه ينعقد أيضا لانه يخالف في قضية كما يخالف الاجارة في أخرى فإذا عقد بلفظ الاجارة في أخرى فإذا انعقد بلفظ البيع لتوافقهما في قضية انعقد بلفظ الاجارة لتوافقهما في أخرى فإذا جرت هذه المعاملة وبنى المشترى عليه لم يكن للبائع أن يكلفه النقض ليغرم له أرش النقصان * ولو انهدم الجدار والسقف بعد بناء المشترى عليه وأعاد مالكه فللمشترى اعادة البناء بتلك الآلات أو بمثلها ولو انهدم قبل البناء فللمشترى البناء عليه إذا أعاده وهل يجبره على إعادته فيه الخلاف السابق ولو هدم صاحب السفل أو غير السفل قبل بناء المشترى فعلى الهادم قيمة حق البناء لانه حال بينه وبين حقه بالهدم فإذا أعاد مالك السفل استرد الهادم القيمة لان الحيلولة قد ارتفعت فلا يغرم أجرة البناء لمدة الحيلولة ولو كان الهدم بعد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 326 البناء قالقياس أن يقال (إن قلنا) إن من هدم جدار الغير يلزمه اعادته فعليه اعادة السفل والعلو (وان قلنا) يلزمه أرش النقص فعليه أرش نقص الالات وقيمة حق البناء للحيلولة بالجملة فلا تنفسخ هذه المعاملة بما يعرض من الهدم والانهدام من جهة التحاقها بالبيوع ثم سواء جرى الاذن في البناء بعوض أو لا بعوض فيجب بيان قدر الموضع المبنى على طولا وعرضا ويجب مع ذلك إن كان البناء لى الجدار أو والسطح بيان سمك البناء وطوله وعرضه وكون الجدران منسدة أو خالية الا جواف وكيفية السقف المحمول عليها لان الغرض يختلف ولا يحتمل الجدار أو السقف كل شئ وحكى القاضى الرويانى وجها أنه إذا أطلق ذكر البناء كفى وحمل على ما يحمله المبنى على ولا يشترط التعرض لوزن ما يبنيه على لان الاعلام في كل شئ على ما يليق به ويعتاد فيه وعن الشيخ أبى محمد أن بعضهم يشترطه ولو كانت الآلات حاضرة أغنت مشاهدتها عن كل وصف وتعريف وان أذن في البناء على أرضه لم يجب ذكر سمك البناء وكيفته لان الارض تحمل كل شئ وفيه وجه آخر يذكر مع الاول في باب الاجارة أنه يجب لان بتقدير القلع والتفريغ عند انقضاء مدة الاجارة أو الرجوع عن الاعارة تطول مدة التفريغ وتقصر بحسب كبر النقض وقلته ويختلف الغرض بذلك * (فرع) ادعى بيتا في يد غيره فاقر له به وتصالحا على أن يبنى المقر على سطحه جاز ذلك وقد أعاره المقر له سطح بيته للبناء ولو كان تنازعهما في سفله والعلو مسلم للمدعى عليه فاقر للمدعى بما ادعى وتصالحا على أن يبنى المدعى على السطح ويكون السفل للمدعى عليه جاز وذلك بيع السفل بحق البناء على العلو (المسألة الثانية) من احتاج إلى اجراء ماء في أرض الغير لم يكن له اجبار صاحب السطح والارض عليه وروى البندنيجى وغيره عن القديم قولا أنه يجبر والمذهب الاول فان أذن فيه باعارة أو بيع أو اجارة جاز ثم في السطح لابد من بيان الموضع الذي يجرى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 327 عليه الماء والسطوح التى ينحدر منها لماء إليه ولا باس بالجهل بالقدر من ماء المطر لان ذلك مما لا يمكن معرفته وهذا عقد جوز للحاجة وإذا أذن وبين ثم بنى على سطحه ما يمنع الماء فان كان عارية فهو رجوع وان كان بيعا أو اجارة فللمشترى أو المستأجر ثقب البناء واجراء الماء فيه وأما في الارض فقد قال في التهذيب لا حاجة في العارية إلى بيان لانه إذا شاء رجع والارض تحمل ما يحمل وان أجر وجب بيان موضع الساقية وطولها وغرضها وعمقها وتقدير المدة قال في الشامل ولابد وأن تكون الساقية محفورة فان المستأجر لا يملك الحفر وان باع وجب بيان الطول والعرض وفى العمق وجهان بناء على أن المشترى يملك موضع الجريان أو لا يملك الاحق الاجراء وايراد الناقلين يميل إلى ترجيح الاول وهذا إذا كان لفظ البيع بعت منك مسيل الماء فان قال حق مسيل الماء فكذلك صور الففال فهو كبيع حق البناء ويجئ في حقيقة العقد ما مر في بيع حق البناء وفى المواضع كلها ليس له دخول الارض بغير اذن مالكها الا أن يريد تنقية النهر وعليه أن يخرج من أرضه ما يخرج من النهر والمأذون في اجراء ماء المطر ليس له القاء الثلج ولا أن يترك الثلج حتى يذوب ويسيل إليه ولا أن يجرى فيه ماء يغسل به ثيابه وأوانيه بل لا يجوز أن يصالح على ترك الثلوج على السطح أو اجراء الغسالات على مال لان الحاجة لا تدعوا إلى مثله وفى الارض ضرر ظاهر (والثانى) مجهول والمأذون في القاء الثلج ليس له اجراء الماء وتجوز المصالحة على قضاء الحاجة في حق الغير على مال وكذا على جمع الرمل والقمامة في ملكه وهى اجارة يراعى فيها شرائطها وكذا المصالحة عن البيتوتة على سطح الجار ثم لو باع مستحق البيتوتة منزله فليس للمشترى أن يبيت عليه بخلاف ما إذا باع مستحق اجراء الماء على سطح الغير مدة بقاء داره فانه يستحق المشترى الاجراء بقية المدة لان اجراء الماء من مرافق الدار دون البيتوتة (وقوله) في الكتاب ولا يجوز بيع حق الهواء لاشراع الجناح هذه المسألة احتج بها المزني للمنع من بيع حق البناء وفرق الاصحاب بان ذاك اعتياض عن مجرد الهواء وحق البناء تعلق بعين الموضع المبنى عليه حتى لو صالحه عن موضع الجذوع المشرعة على جداره صح ولهذا يجوز اكراء المالك للبناء بالاتفاق ولا يجوز اكراء الهواء وكل حق الجزء: 10 ¦ الصفحة: 328 يتعلق بغير مجرى الماء والممر فهو كحق البناء بلا فرق (وقوله) حق مسيل الماء ومجراه اللفظتان متقاربنان ويمكن حمل المسيل على الموضع الذى ينحدر إليه الماء ويقف إلى النضوب والمجرى على الموضع الذى يجرى فيه الماء (وقوله) وكل الحقوق المقصودة على التأبيد فيه اشعار بان الحقوق المتعلقة بالاعيان لما كانت مقصودة على التأبيد الحقت بالاعيان حتى استغنى العقد الوارد عليها عن التأفيت. (فرع) خرجت أغصان شجرته إلى هواء ملك الجار * للجار أن يطالبه بازالتها فان لم يفعل فله تحويلها عن ملكه فان لم يمكن فله قطعها ولا يحتاج فيه إلى اذن القاضى وفيه وجه ضعيف ولو صالحه على ابقائها بعوض لم يجز أن يستند الغصن إلى شئ لانه اعتياض عن مجرد الهواء وان استند إلى جدار فان كان بعد الجفاف جاز وان كان رطبا فلا لانه يزيد ولا يعرف قدر ثقله وضرره وعن طائفة من بصريى أصحابنا أنه يجوز وما ينموا يكون تابعا وانتشار العروق كانتشار الاغصان وكذلك ميل الجدار إلى هواء الجار قاله الاصطخرى * قال (الفصل الثالث في التنازع وفيه ثلاث مسائل (الاولى) لو ادعى على رجلين دارا وهى في يدهما فكذبه أحدهما وصدقه الآخر فصالح المصدق على مال فأراد المكذب أخذه بالشفعة ان ادعى عليهما عن جهتين جاز وان ادعى عن جهة واحدة من أرث أو شراء فلا لانه كذبه في استحقاقه فالصلح باطل بقوله وفيه وجه أنه يأخذ) * كلام الفصل في ثلاث مسائل (الاولى) إذا ادعى رجل على رجلين دارا في أيديهما فصدقه أحدهما وكذبه الآخر ثبت له النصف باقرار المصدق والقول قول المكذب في انكاره فلو صالح المدعى المقر على مال فاراد المكذب أخذه بالشفعة هل له ذلك اختلف طرق الناقلين في الجواب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 329 قال الشيخ أبو حامد وقوم ان ملكها في الظاهر بسببين مختلفين فله ذلك لانه لاتعلق لاحد الملكين بالآخر وان ملكها بسبب واحد من إرث أو شراء فوجهان (أحدهما) المنع لان الدار يزعم المكذب أنها ليست للمدعى فان في ضمن إنكاره تكذيب المدعى في نصيب المقر أيضا وحينئذ يكون الصلح باطلا (وأظهرهما) ان له الاخذ لحكمنا في الظاهر بصحة الصلح وانتقال الملك إلى المقر ولا يبعد انتقال نصيب أحدهما إلى المدعى دون الآخر ان ملكاه بسبب واحد وهذا الطريق هو الذى أورده الامام والمصنف في الوسيط لكنهما جعلا أظهر الوجهين المنع وفى اصل الطريقة أشكال لانا لانحكم بالملك الا بظاهر اليد ولا دلالة لليد على اختلاف السبب وايجاده فيما يعرف الحاكم الاختلاف والاتحاد والى قول من يرجع ومن الذى يقيم البينة عليه وقال صاحب الكتاب ههنا ان ادعى عليهما من جهتين فللمكذب الاخذ بالشفعة وان ادعى عن جهة واحده ففيه الوجهان وفيه وقفات أيضا وقصور عن الوفاء بالجواب لان المدعى ليس من شرطه التعرض لسبب الملك وبتقدير تعرضه فلا يلزم من تكذيبه المدعى في قوله ورثت هذه الدار زعم أنه لم يرث نصفها وقال ابن الصباغ ان اقتصر المكذب على انه لا شئ لك في يدى أولا يلزمنى تسليم شئ اليك أخذ بالشفعة وان قال مع ذلك وهذه الدار ورثناها ففيه الوجهان وهذا أقرب الطرق على أن قوله ورثناها لا يقتضى بقاء نصيب الشريك في ملكه بل يجوز انتقاله إلى المدعى فليقطع بجواز الاخذ بالشفعة الا أن يتعرض لكون الشريك مالكا في الحال * هذا إذا ادعى رجل على رجلين ولو ادعى رجلان دارا في يد رجل فأقر لاحدهما بنصفها نظر ان ادعيا أنهما ورثاها شارك المكذب المصدق فيما سلمه المدعى عليه لان الارث يقتضى شيوع التركة بين الورثة فما يخلص يكون بينهما وصار كما لو تلف بعض التركة وحصل البعض هذا إذا لم يتعرضا لقبض الدار أما إذا قالا قبضناها وورثناها ثم غصبتها منا فوجهان (منهم) من قال يشاركه أيضا لان ايجاب الارث الشيوع لا يختلف ويحكى هذا عن أبى حنيفة ومالك رضى الله عنهما لان الشركة إذا حصلت في يد الورثة صار كل واحد منهم قابضا لحقه وانقطع حقه عنه عما في الجزء: 10 ¦ الصفحة: 330 يد الآخرين ألا ترى انه يجوز أن يطرأ الغصب على نصيب أحدهما خاصة بان تزال يده فان المغصوب لا يكون مشتركا بينهما وان ادعيا الاستحقاق بجهة غير الارث من شراء وغيره ان لم يقولا اشترينا معا أو اتهبنا معا لم يشارك المكذب المصدق بل هو كما لو عين هذا جهة وهذا غيرها وان قالا اشترينا معا أو اتهبنا معا وقبضنا فوجهان (أظهرهما) وبه قال الشيخ أبو حامد وأصحابه وتابعهم القاضى الحسين إن الحكم كما ذكرنا في الارث (والثانى) ويحكى عن أبى على بن أبى هريرة والطبري وبه قال القاضى ابن كج والشيخ أبو محمد انه لا يشركه لان تعدد المشترى يقتضى تعدد العقد فهو كما لو ملكا بعقدين ولو لم يتعرضا لسبب الاستحقاق أصلا فلا شركة بحال نص عليه في المختصر وحيث قلنا بالشركة في هذه الصورة فلو صالح المصدق المدعى عليه عن المقربة على مال نظر ان صالح باذن الشريك صح والا بطل في نصيب الشريك وفى نصيبه قولا تفريق الصفقة وعن بعض الاصحاب تصحيح الصلح في جميع المقربة لنوافق المتعاقدين وتقارهما وهو ضعيف ولو ادعيا دارا في يده فأقر لاحدهما بجميعها فالجواب انه ان وجد من المقر له في الدعوى ما يتضمن اقرارا لصاحبه بان قال هذه الدار بيننا وما أشبه ذلك شاركه صاحبه فيها وان لم يوجد بل اقتصر على دعوى النصف نظر ان قال بعد اقرار المدعى عليه بالكل الكل لى سلم الكل له ولا يلزم من ادعائه النصف إلا يكون الباقي المحواران (كذا بالاصل فحرر) لا تساعده البينة في الحال الا على النصف أو يخاف الجحود الكلى لو ادعى الكل وان قال النصف الآخر لصاحبي سلم إليه وان لم يثبته لنفسه ولا لصاحبه فيترك في يد المدعى عليه أو يحفظه القاضى أو يسلم إلى صاحبه الذى يدعيه فيه أوجه (أصحها) أولها وهى بتوجيهها تذكر في موضعها * قال (الثانية تنازعا جدارا حائلا بين ملكيهما فهو في أيهديهما فلو كان وجه الجدار أو الطافات أو معاقد القمط إلى أحدهما لم يجعل (م) صاحب يد لان كونه حائلا بينهما علامة ظاهرة للاشتراك فلا يغير بمثله وكذلك (ح) لو كان لاحدهما عليه جذوع بخلاف مالو شهدت بينة لاحدهما بالملك في الجدار يصير (و) صاحب يد في الاس إذ ليس فيه علامة الاشتراك وكذا راكب الدابة مع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 331 المتعلق بلجامها مختص باليد إذ ليس ثمت علامة قوية في الاشتراك فالركوب ظاهر في التخصيص أما وضع الجذوع فزيادة انتفاع فهو كزيادة الاقمشة في الدار وكذلك إذا تنازع صاحب العلو والسفل في السقف فهو في يدهما (ح م) الا إذا كان بحيث لا يمكن احداثه بعد بناء العلو فيكون متصلا بجدار صاحب السفل اتصال ترصيف وهو علامة اليد وكذا الجدار المتنازع فيه إذا اتصل بأحدهما اتصال ترصيف كان هو صاحب اليد) * في المسألة صورتان (إحداهما) إذا تنازعا جدارا حائلا بين ملكيهما فله حالتان (الاولى) أن يكون متصلا ببناء أحدهما دون الآخر اتصالا لا يمكن احداثه بعد بنائه فيرجح جانبه لان اتصاله به امارة ظاهرة على يده وتصرفه وصورته أن يدخل نصف لبنات من الجدار المتنازع فيه في جداره الخاص ونصف من جداره الخاص في المتنازع فيه ويتبين ذلك في الزوايا وكذلك إذا كان لاحدهما أزج لا يتصور احداثه بعد تمام الجدار بان أميل من مبدأ ارتفاعه عن الارض قليلا قليلا وإذا ترجح جانبه حلف وحكم بالجدار له الا أن تقوم بينة على خلافه ولا يحصل الرجحان بان يوجد الترصيف المذكور في مواضع معدودة من طرف الجدار لامكان احداثه بعد بناء الجدار بنزع طوبة وادراج أخرى ولو كان الجدار المتنازع مبنيا على خشبة طرفها في ملك أحدهما وليس منها في ملك الثاني شئ فالخشبة لمن طرفها في ملكه والجدار المبنى عليها تحت يده ظاهرا قال الامام وليس المسألة خالية عن الاحتمال (والثانية) أن لا يكون متصلا ببناء أحدهما خاصة بل يكون متصلا ببنائهما جميعا أو منفصلا عنهما فهو في أيديهما فان أقام أحدهما بينة قضى له والا حلف كل واحد منهما للاخر فان حلفا أو نكلا جعل الجدار بينهما بظاهر اليد وان حلف أحدهما ونكل الاخر قضى للحالف بالكل وعلى (كذا بالاصل فحرر) ؟ م يحلف كل واحد منهما على النصف الذى يسلم له أو على الجميع لانه ادعى الجميع فيه وجهان (أظهرهما) الاول وتكلم الشافعي رضى الله عنه في هذا الموضع في أمرين عدهما بعضهم من أسباب ترجيح أحدهما قال: ولا نظر إلى من إليه الخوارج والدواخل ولا انصاف اللبن ولا معاقد القمط * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 332 قال المفسرون لكلامه المراد بالخوارج الصور والكتابات المتخذة في ظاهر الجدار بلبنات تخرج بجص أو آجر وبالداخل الطاقات والمحاريب في باطن الجدار وبانصاف اللبن أن يكون الجدار من لبنات مقطعة فتجعل الاطراف الصحاح إلى جانب وموضع الكسر إلى جانب ومعاقد القمط يكون في الجدران المتخذة من القصب أو الحصر وأغلب ما يكون ذلك في الستور بين السطوح فتشد بحبال أو خيوط وربما تجعل عليها خشبة معترضة ويكون العقد من جانب والوجه المستوى من جانب وبه قال أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله * وقال مالك رحمه الله يثبت الترجيح بالخوارج والدواخل وبان تلى الاطراف الصحيحة من اللبنات ملكه (وأما) في معاقد القمط فنقل الشيخ الصيدلانى والمسعودي عن مذهبه أنه يرجح جانب من يلى ملكه الوجه المستوى منها لانه أحسن وهذا قياس ما ذكرنا من أنصاف اللبنات ونقل غيرهما أنه يرجح جانب من يلى معاقد القمط ملكه وربما وجهوه بانه إذا كان المعاقد إليه فالظاهر أنه وقف في ملكه وعقده * لنا أن كونه حائلا بين الملكين علامة قوية في الاشتراك فلا تعير بهيئة الاسباب الضعيفة التى معظم القصد منها الزينة كالتجصيص والتزويق (والثانى) لو كان لاحد هما عليه جذوع لم يرجح جانبه به وبه قال أحمد خلافا لابي حنيفة ومالك * واحتج لهما بأن الجارين لو تنازعا في الجدار وشهدت بينة لاحدهما وقضى بها يصير المشهود له صاحب يد في الاس فإذا اقتضى الجدار على الاساس الترجيح ففى الاساس وجب أن يقتضى الجذوع على الجدار الترجيح في الجدار وأيضا فان صاحب الجذوع مسئول عن الجدار يدا وتصرفا فرجح جانبه وان كان للاخر تعلق به كما لو تنازعا دابة وأحدهما راكبها والاخر اخذ بلجامها أو ثوبا وأحدهما لابسه والآخر آخذ بطرفه * لنا أن وضع الجذوع لا يدل على اليد والملك لوجهين (أحدهما) أن من العلماء من جوز وضع الجذوع على جدار الغير بغير اذن المال فلعل مفتيا أفتى به له (والثانى) أنه لو دل عليهما لا ستوى فيه القليل والكثير ألا ترى أن كون جميع الثوب في يد الانسان وكون طرف منه في يد واحد وبالعكس مالا يدل عليهما يستوى فيه القليل والكثير كالتحصيص والتزويق وقد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 333 سلم أبو حنيفة رضى الله عنه أن الجذع الواحد لا يقتضى الترجيح وفى الجذعين الخلاف عنه * إذا تقرر ذلك كان وضع الجذوع زيادة انتفاع من أحدهما كما إذا تنازعا دارا في يدهما وأقمشة أحدهما فيه أكثر لا يرجح جانبه (وأما) مسألة الاس فان الامام وصاحب الكتاب صوراها كما ذكرنا ولم ينقلا فيها خلافا والعراقيون احتجوا لابي حنيفة بانهما إذا تنازعا في العرصة يعنى بالعرصة ههنا الاس وهما متفقان على أن الجدار لاحدهما حيث يجعل صاحب الجدار صاحب اليد في العرصة فاعلم أن غرض الاحتجاج حاصل بهذا القدر وتصور اقامة البينة مستغنى عنه ثم أنهم في الجواب نقلوا في المسألة وجهين للاصحاب فان منعنا فذاك وان سلمنا وهو الاظهر فالفرق من وجهين (أحدهما) أن الجدار على العرصة دليل اليد والملك فيها لانه لم يجوز أحد البناء في عرصة الغير ووضع الجذوع بخلافه على ما مر (والثانى) أن علامة الاشتراك ظاهرة في الجدار فانه كالجزء من كل واحد من الدارين فليس في العرصة علامة لاشتراك فاذن مسألة الاس كما لو تنازعا دارا لا يسكنانها ولاحدهما فيها أمتعة ومسألة وضع الجذوع كما لو تنازعا دارا يسكنانها ولاحدهما فيها أمتعة زائدة (وأما) مسألة الدابة فهى ممنوعة بل هما سواء على قول أبى اسحق وعلى التسليم وهو المذهب فالفرق أن الركوب يقتضى البد والملك وهو أقوى فاقتضى الترجيح ووضع الجذوع قد بينا أنه لا يقتضى اليد والازج المبنى على رأس الجدار بعد تمامه على الامتداد كالسقف لامكان احداثه بعد بناء الجدار فإذا جعلنا الجدار في أيديهما وحلفا لم ترفع الجذوع بل تترك بحالها لاحتمال أنها وضعت بحق (الصورة الثانية) السقف المتوسط بين علو أحدهما وسفل الآخر كالجدار المتوسط بين الملكين فإذا تداعيا نظر ان لم يمكن احداثه بعد بناء العلو كالازج الذى لا يمكن عقده على وسط الجدار بعد امتداده في العلو فيجعل في يد صاحب السفل لاتصاله ببنائه على سبيل الترصيف فان أمكن احداثه بعد بناء العلو بان يكون السقف عاليا فيثقب وسط الجدار وتوضع رؤس الجذوع في الثقب فيصير البيت بيتين فهو في أيديهما لاشتراكهما في الانتفاع به فانه أرض لصاحب العلو وسماء لصاحب السفل وبهذا قال أحمد * وقال أبو حنيفة هو لصاحب السفل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 334 وبه قال مالك في رواية والاشهر عنه أنه لصاحب العلو (وأما) لفظ الكتاب فقوله في أول المسألة فهو في أيديهما يعنى إذا لم يتصل بملك احدهما اتصال ترصيف وقد استدرك ذلك وبينه في آخر صورة التنازع في السقف (وقوله) لم يحعل صاحب اليد معلم بالميم ويمكن أن يقرأ قوله أو معاقد القمط بالرفع عطفا علي الوجه وبالجر عطفا على الجدار ولا يختلف الحكم عندنا لكن إذا حاولنا الاشارة إلى مذهب مالك وأخذنا برواية المسعودي والصيدلانى فالوجه أن يقرأ بالجر (وقوله) وكذلك لو كان لاحدهما عليه جذوع بالحاء (وقوله) يصير صاحب يد في الاس يجوز اعلامه بالواو لان الخلاف الذى أورده العراقيون في الصورة التى ذكرناها جار ههنا بلا فرق وكذلك قوله مختص باليد للوجه المنقول عن أبى اسحق (وقوله) في مسألة السقف فهو في أيديهما معلم بالحاء والميم لما مر من مذهبهما * قال (الثالثة علو الخان لواحد وسفله لآخر وتنازعا في العرصة ان كان المرقى في أسفل الخان فالعرصة في يدهما وان كان في دهليز الخان فوجهان) * علو الخان لواحد وسفله لآخر وتنازعا في العرصة أو الدهليز لم يخل أما أن يكونا المرقى في صدر الخان أو الدار أو الدهليز أو الوسط أو خارجه والخان والدار بجانب العرصة جعلت العرصة والدهليز بينهما لان لكل واحد منهما فيها يدا وتصرفا من الطروق ووضع الامتعة وغيرهما قال الامام وكان لا يبعد أن يقال ليس لصاحب العلو الاحق الممر وتجعل الرقية لصاحب السفل ولكن لم يصر إليه أحد من الاصحاب وان كان المرقى في الدهليز أو في الوسط فمن أول الباب إلى المرقى بينهما وفيما وراء ذلك وجهان (أصحهما) أنه يجعل لصاحب السفل لانقطاع الآخر عنه واختصاصه بصاحب السفل يدا وتصرفا (والثانى) إنه يجعل بينهما لانه قد ينتفع به صاحب العلو بالقاء الامتعة فيه وطرح القمامات وان كان المرقى خارجا عن خطة الخان والدار فلا تعلق لصاحب العلو بالعرصة بحال ولو كانت المسألة بحالها فتنازعا في المرقى وهو غير خارج فينظر إن كان في بيت لصاحب السفل فهو في يده وان كان في الجزء: 10 ¦ الصفحة: 335 غرفة لصاحب فهو في يده وان كان منصوبا في موضع المرقى فقد حكى القاضى ابن كج ان الا كثرين صاروا إلى أنه لصاحب العلو لعود منفعته إليه وان ابن خيران ذهب إلى أنه لصاحب السفل وهذا هو الوجه كسائر منقولات الدار وان ثبت الاول فليخرج وجه في اندراج السلم الذى لم يسمر تحت تبع الدار وان كان المرقى مثبتا في موضعه كالسلم المسمر والاخشاب المعقودة فهو لصاحب العلو لعود فائدته إليه وكذا إذا كان مثبتا من لبن أو آجر إذا لم يكن تحته شئ وان كان تحته بيت فهو بينهما كسائر السقوف وان كان تحته موضع حب أو جرة فوجهان (عن) أبى اسحق وابن أبى هريرة وغيرهما أنه كما لو كان تحته بيت والاصح انه يجعل لصاحب العلو لظهور بنائه لغرض صاحب العلو وضعف منفعة صاحب السفل والله عزوجل أعلم * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 336 (كتاب الحوالة) قال (وهى معاملة صحيحة (لقوله صلى الله عليه وسلم مطل الغني ظلم فإذا احيل أحدكم على ملى فليحتل) والنظر في شرئطها وأحكامها * أما الشرائط (فالاول) رضا المستحق للدين والمستحق عليه (و) ايجابا وقبولا * ورضا المحال عليه لا يشترط (ح) لانه محل التصرف * وهل يشترط أن يكون على المحال عليه دين فيه وجهان * فان لم يشترط فحقيقة تجويز الضمان بشرط براءة الاصيل * وعند ذلك يشترط رضاه لا محالة) * أصل الحوالة مجمع عليه ويدل عليه من جهة الخبر ماروى الشافعي رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (مطل الفني ظلم فإذا اتبع أحدكم على ملى فليتبع) ويروى (وإذا احيل أحدكم على ملى فليحتل) وهو معني اللفظ الاول قال في الصحاح ويقال اتبع فلان بفلان إذا احيل له عليه والتبيع الذى لك عليه مال ثم الاشهر من الرواية (فإذا احيل أحدكم) بالفاء فعلى التقدير الاول هو مع قوله (مطل الغني ظلم) جملتان لا تعلق للثانية بالاولى لقوله صلى الله عليه وسلم (العارية مردودة والزعيم الغارم) وعلى الثاني يجوز أن يكون المعنى في الترتيب انه إذا كان المطل ظلما من الغنى فإذا احيل بدينه فان الظاهر انه يحترز عن الظلم ولا يمطل ثم الامر في قوله فليتبع أو فليحتل أمر استحباب وعن أحمد رضى الله عنه انه للوجوب * واعلم انه إذا كان لزيد عليك عشرة ولك على عمرو مثلها فأحلت زيدا على عمرو فانت محيل   (كتاب الحوالة) (حديث) الشافعي عن مالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مطل الغنى ظلم وإذا اتبع احدكم على ملى فليتبع متفق عليه من حديث مالك ورواه اصحاب السنن الا الترمذي من حديث أبى الزناد أيضا وأخرجوه من طريث همام عن أبى هريرة ورواه أحمد والترمذي من حديث ابن عمر نحوه (قوله) ويروى فإذا أحيل أحدكم على ملى فليحتل ويروى وإذا أحيل بالواو وهو أشهر وهو بمعنى الاول هي رواية لاحمد صحيحة وأما بالواو فهى في مسلم وغيره (تنبيه) قال الخطابى أصحاب الحديث يقولون فليتبع بالتشديد وهو غلط وصوابه فليتبع بتاء ساكنة خفيفة * (حديث) العارية مردودة والزعيم غارم سيأتي بعد قليل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 337 وزيد محتال وعمرو محال عليه وقد كان لزيد عليك دين ولك على عمرو دين وجرت بينك وبين زيد مراضاة بها انتقل حقه إلى عمرو فهذه ستة أمور لا بد منها في وجود الحواله ويشترط في صحتها أمور (منها) ما يرجع للدينين (ومنها) ما يتعلق بالاشخاص الثلاثة وصاحب الكتاب حاول جمع الشروط واعرض عن تفصيل ما يفتقر إليه وجود الحوالة لوضوحه واكتفى بما بينه في سائر العقود * وأول ما نذكره أصل شديد التوغل في مسائل الكتاب وهو أن الحوالة استيفاء حق أو بيع أو اعتياض وفيه وجهان أو قولان منسوبان إلى ابن سريج وغيره (أحدهما) أنها استيفاء حق كأن المحتال استوفى ما كان له على المحيل واقرضه المحال عليه ووجهه أنها لو كانت معاوضة لجاز أن يحيل بالشئ على أكثر منه أو أقل ولما جاز التفريق قبل القبض إذا كانا طعامين أو نقدين (وأظهرهما) وقد نص عليه في باب بيع الطعام أنها بيع لانها تبديل مال بمال فان كل واحد من المحيل والمحتال يملك بها ما لم يملكه وهذا حقيقة المعاوضة وليس فيها استيفاء حق ولا اقراض محقق فلا يقدران وعلى هذا فهو بيع ماذا بماذا في كتاب القاضى ابن كج أن القاضى أبا حامد خرجه على وجهين (أحدهما) أنها بيع عين بعين والا بطلت للنهى عن بيع الدين بالدين وكأن هذا القائل نزل استحقاق الدين على الشخص منزلة استحقاق منفعة تتعلق بعينه كالمنافع في إجارات الاعيان (والثانى) وهو المنقول أنها بيع الدين بالدين فان حق الدين لا يستوفى من غير الشخص ولغيره أن يوءديه عنه واستثني هذا العقد عن النهى لحاجة الناس مسامحة وارفاقا ولهذا المعني لم يعتبر فيه النقابض كما في القرض ولم يجز فيه الزيادة والنقصان لانه ليس بعقد مما كسة كلقرض وقال الامام وشيخه لا خلاف في اشمتال الحوالة على المعنين (الاستيفاء والاعتياض) والخلاف في أن أيهما أغلب إذا عرفت ذلك فشرح الشرط الاول إن تقول لا تصح الحوالة ألا برضى المستحق للدين وهو المحتال وللمستحق عليه وهو المحيل (أما) رضى المحتال عليه فلان حقه في ذمه المحيل فلا ينفك الا برضاه كما إن الاعيان المستحقة للشخص لا تبدل إلا برضاه (وأما) رضى المحيل فلان له ايفاء الحق من حيت شاء فلا نعين عليه بعض الجهات قهراو هل يشترط رضى المحال عليه ينظر إن كانت الجزء: 10 ¦ الصفحة: 338 الحوالة على من عليه دين للمحيل فوجهان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة يشترط رضاه لانه أحد أركان الحوالة فاشبه المحيل والمحتال لان الناس يختلفون في الايفاء والاستيفاء وبهذا قال الاصطخرى والزبيرى وعن أبن القاص أنه منصوص عليه في الام (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب وبه قال مالك وأحمد لاحاجه إلى رضى المحال عليه لانه محل الحق والتصرف فصار كما إذا باع عبدا لا يشترط رضاه لان الحق للمحيل عليه فله أن يستوفيه بنفسه وبغيره كما لو وكل في الاستيفاء وكيلا وبنوا الوجهين على أن االحوالة اعتياض واستيفاء (فان قلنا) بالاول فلا يشترط لانه حق المحيل فلا يحتاج فيه إلى رضى الغير (وان قلنا) الثاني فيشترط تعذر اقراضه من غير رضاه وان كانت الحوالة على من لادين عليه لم تصح دون رضاه لانا لو صححناها لالزمناه قضاء دين الغير قهرا وان رضى ففى صحة الحوالة وجهان بناهما الجمهور على الاصل المذكور (وان قلنا) انها اعتياض لم تصح لانه ليس على المحال عليه شئ حتى نجعله عوضا عن حق المحيل (وان قلنا) استيفاء فتصح كأنه أخذ المحتال حقه وأقرضه من المحال عليه وبهذا قال ابن الحداد وقال الامام الصحيح عندي تخريجه على الخلاف في أنه هل يصح الضمان بشرط براءة الاصيل بل هذه الصورة عين تلك الصورة فان الحوالة تقتضي براءة المحيل فإذا قبل الحوالة فقد التزم على ان يبرئ المحيل وهذا ذهاب منه إلى براءة المحيل وجعلها أصلا مفروغا عنه لكن فيه وجهان نقلهما القاضى ابن كج (أحدهما) أنه يبرأ على قياس الحوالات وهذا ما أورده الصيدلانى وأخذ به الامام (والثانى) هو الذى أورده الاكثرون أنه لا يبرأ وقبول الحوالة ممن لادين عليه ضمان مجرد ثم فرعوا فقالوا (ان قلنا) لا تصح هذه الحوالة فلا شئ على المحال عليه فان تطوع وأداه كان كما لو قضى دين الغير (وان قلنا) يصح فهو كما لو ضمن فيرجع على المحيل ان أدي باذنه وكذلك ان أدى بغير اذنه على أظهر الوجهين لجريان الحوالة باذنه وقبل الاداء هل يرجع على المحيل فيه وجهان بناء على أن المحيل هل يبرأ (ان قلنا) يبرأ فنعم لانتقال الملك إلى ذمته بمجرد الحوالة (وان قلنا) لا يبرأ فلا ضمان كما أن الضامن لا يرجع على المضمون الجزء: 10 ¦ الصفحة: 339 عنه قبل الاداء وان طالبه المحتال بالاداء فله مطالبة المحبل بتخليصه وهل له ذلك قبل مطالبة المحتال فيه وجهان كالوجهين في مطالبة الضامن ولو أبرأ المحتال لم يرجع على المحيل بشئ ولو قبضه المحتال ثم وهبه منه ففى الرجوع وجهان ينظر في أحدهما إلى أن الغرم لم يستقر عليه وفى الثاني إلى أنه عاد إليه بتصرف مبتدأ قبل الدخول ولو ضمن عنه ضامن لم يرجع على المحيل حتى يأخذ المحتال منه المال أو من ضامنه ولو أحال المحتال على غيره نظر ان أحاله على من عليه دين رجع على محيله بنفس الحوالة لحصول الاداء بها وان أحال على من لا دين عليه لم يرجع ما لم يرجع عليه الذى أحال عليه (وأما) لفظ صاحب الكتاب فقوله المستحق عليه أعلمه بعضهم بالواو لانا إذا جوزنا الحوالة على من لادين عليه فلو قال من لادين عليه للمستحق أحلت بالدين الذى لك على فلان على نفسي فقبلت صحت الحوالة فاذن لا يشترط ههنا رضى المحيل وانما يشترط رضى المحال والمحال عليه (وقوله) ايجابا أشار به إلى أن المعتبر وان كان هو الرضى الا أن طريق الوقف على تراضيهما انما هو الايجاب والقبول على ما مر في البيع ولو قال المحتال احلني على فلان فقال أحلت ففيه الخلاف المذكور في نظيره في بيان الاستحباب والايجاب في البيع وفى جرجانيات ابى العباس الرويانى طريقة أخرى قاطعة بالانعقاد لان الحوالة اجيزت رفقا بالناس فيتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها ورضى المحال عليه لا يشترط معلم بالحاء والواو (وقوله) فان لم يشترط تحقيقه تجويز الضمان بشرط براءة الاصيل إلى حقيقة عدم الاشتراط فلو صرفنا الكناية إلى هذا العقد لكان الوجه أن يقال فحقيقته الضمان بشرط براءة الاصيل لان حقيقة العقد لا تكون تجويز الضمان بل لو كانت لكانت نفس الضمان * قال (الثاني أن يكون الدين لازما أو مصيره إلى اللزوم * فتصح (و) الحوالة على الثمن في مدة الخيار فان فسخ البيع انقطعت الحوالة * وفى نجوم الكتابة خلاف * قيل يحال بها ولا يحال عليها) * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 340 الدين ينقسم إلى ما ليس بلازم والى ما هو لازم أما غير اللازم ففيه مسألتان مذكورتان في الكتاب (إحداهما) الثمن في مدة الخيار هل تجوز الحوالة به بان يحيل المشترى البائع على رجل وعليه بان يحيل البائع رجلا على المشترى فيه وجهان (أحدهما) ويحكي عن القاضى أبى حامد انه لا يجوز لانه ليس بلازم (وأصحهما) الجواز لانه صائر إلى اللزوم والخيار عارض فيه فيعطى حكم اللازم وفى التتمة أن هذا الخلاف مبنى على أن الحوالة معاوضة أو استيفاء (أن قلنا) معاوضة فهى كالتصرف في المبيع في زمان الخيار (وان قلنا) استيفاء فتجوز (وان قلنا) بالمنع فهل ينقطع به الخيار فيه وجهان نقلهما الشيخ أبو على في شرح الفروع (أحدهما) لا لحكمنا ببطلانه وبتنزيلنا إياه منزلة العدم (وثانيهما) نعم لان التصرف في عوض العقد يتضمن الرضا وابطال الخيار (وان قلنا) بالجواز فالذي أورده الامام وصاحب الكتاب أنه لا يبطل الخيار ولو اتفق فسخ البيع انقطعت الحوالة لانها انما صحت على تقدير اقتضاء البيع إلى اللزوم فإذا لم يقصد إليه ارتدت الحوالة ومنقول الشيخ ومختاره بطلان الخيار لان قضية الحوالة اللزوم فلو بقي الخيار لما صادفت الحوالة مقتضاها وكانت هذه الحوالة كالحوالة على النجوم * واعلم أنا إذا قضينا ببطلان الخيار ففيما إذا أحال البائع المشترى على ثالث بطل خيارهما جميعا لتراضيهما وفيما إذا أحال البائع رجلا على المشترى لا يبطل خيار المشترى الا إذا فرض منه قبول ورضى (الثانية) إذا أحال السيد غريما له على مكاتبة بالنجوم ففيه وجهان (أحدهما) وبه قال الحليمى أن الحوالة جائزة لان النجوم دين ثابت على المكاتب فاشبه سائر الديون (وأصحهما) المنع لان النجوم غير لازمة على المكاتب وله اسقاطها متى شاء فلا يمكن الزامه الدفع إلى المحتال ولو أحال المكاتب السيد على انسان فجواب الاكثرين صحة الحوالة لان ما أحاله عليه مستقر والكتابة لازمة من جهة السيد فمتى أدى المحال عليه وجب على السيد القبول وقيل بالمنع من هذا الطرف أيضا إذا جمعت بين الصورتين حصلت ثلاثة أوجه على ما ذكر في الكتاب (أحدها) جواز احالة المكاتب بالنجوم واحالة السيد على النجوم وهذا منسوب في النهاية إلى ابن سريج (وثانيها) منعهما جميعا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 341 وبه قال القاضى ولم يذكر في التهذيب غيره (وأظهرها) جواز احالة المكاتب بها ومنع احالة السيد عليها ولو كان للسيد على مكاتبة دين معاملة فاحالة عليه قال في التتمة ينبني على أنه لو عجز نفسه هل يسقط ذلك الدين (ان قلنا) نعم لم يصح والاصحت ومما يدخل في هذا القسم الجعل في الجعالة والقياس أن يجئ في الحوالة به وعليه ولا فرق بين أن ينفق الدينان في سبب الوجوب أو يختلفان كما إذا كان أحدهما ثمنا والآخر أجرة أو قرضا أو بدل متلف وكل دين جوزنا الحوالة به وعليه من القسمين فذكل إذا كان مثليا كالاثمان؟ والحبوب وان كان متقوما كالثياب والعبيد فوجهان (أصحهما) وبه قال ابن سريج أنه كالمثلى لثبوته في الذمة ولزومه (والثانى) المنع لان المقصود من الحوالة ايصال المستحق إلى الحق من غير تفاوت وهذا الغرض لا يتحقق فيها لامثل له ولابد من العلم بقدر المحال به وعليه وصفتهما نعم لو أحال باقل الدية أو عليها وفرعنا على جواز الحوالة في المتقومات فوجهان أو قولان بناء علي جواز المصالحة والاعتياض عنها والاصح المنع للجهل بصفاتها * قال (الثالث أن يكون ما على المحال عليه مجانسا لما علي المحيل قدرا ووصفا * فلو كان بينهما تفاوت يفتقر في أدائه عنه إلى المعاوضة لم يجر * وان لم يفتقر بل أجبر علي قبوله كأداء الجيد عن الردئ جاز (و) * وان افتقر إلى الرضا دون المعاوضة ففيه خلاف (و) * كان الفصل السابق مسوقا لبيان الصفات المشروطة في كل واحد من الدينان فالغرض الآن بيان الشروط بالدينين وفيه صور (احداها) يجب أن يكون الدينان من جنس واحد ولو أحال بالدراهم على الدنانير أو بالعكس لم يصح (أما) إذا جعلنا الحوالة استيفاء فلان مستحق الدراهم إذا استوفاها وأقرضها فمحال أن ينتقل حقه إلى الدنانير (وأما) إذا جعلناها معاوضة فلائنها وان كانت معاوضة فليس هي على حقيقة المعاوضات التى يقصد بها تحصيل ما ليس بحاصل من جنس مال أو زيادة قدر أو صفة وانما هي معاوضة ارفاق ومسامحة للحاجة فاشتراط فيها التجانس والتساوي في القدر والصفة كما في القرض قال صاحب التتمة ونعني بقولنا ان هذه الحوالة غير صحيحة أن الحق لا بتحول الجزء: 10 ¦ الصفحة: 342 بها من الدنانير إلى الدراهم وبالعكس ولكنها إذا جرت فهى حوالة على من لادين عليه والحكم فيها ما مر (والثانية) يجب أن يتساويا في القدر فلا يحال بخمسة على عشرة ولا بعشرة على خمسة لما ذكرنا أن هذا العقد لم يوضع لتحصيل زيادة أو حط شئ وانما وضع ليصل كل واحد من المستحقين إلى حقه وفى الا حالة بالقليل علي الكثير وجه أنها جائزة وكأن المحيل تبرع بالزيادة (والثالثة) في اشتراط تساويهما في الحلول والتأجيل وجهان (أصحهما) الاشتراط الحاقا للوصف بالقدر (والثانى) يجوز أن يحيل بالمؤجل على الحال لان للمحيل أن يجعل ما عليه فإذا أحال به على الحال فقد عجل ولا يجوز أن يحيل بالحال على المؤجل لان حق المحتال حال وتأجهل الحال لا يلزم ولو كانا متأجلين باجلين مختلفين لم تجز الحوالة بينهما على الوجه الاول وعلى الثاني يحال بالمكسر على الصحيح ويكون المحيل متبرعا بقيد الصحة ولا يحال بالصحيح على المكسر والا كان المحتال تاركا صفة الصحة رتبوه ليحيله المحيل ويخرج على هذا حوالة الاردأ على الاجود وبالعكس في كل جنس (وقوله) في الكتاب فلو كان بينهما تفاوت إلى آخره تفصيل ما أجمله بقوله أن يكون ما على المحال عليه مجانسا لما على المحيل قدرا ووصفا ومثال ما يفتقر في أدائه عنه إلى المعاوضة أن يختلف الجنس فيكون على أحدهما دراهم وعلى الآخر دنانير فان الاستبدال باحد الجنسين عن الآخر اعتياض محض (وقوله) وان لم يفتقر بل أجبر على قبوله كاداء الجيد عن الردئ فهو مثل أداء الصحيح عن المكسر وتعجيل المؤجل حيث يجبر المستحق على القبول وهذا الكلام يتفرع على الصحيح في أن المديون إذا أتى باجود مما عليه من ذلك النوع يجبر المستحق على قبوله وفيه خلاف قد سبق في باب السلم (وقوله) ان افتقر إلى الرضا دون المعاوضة فهو كأداء الردئ عن الجيد فانه يچوز قبوله ولا يكون ذلك معاوضة هذا بيان ما ذكره وفيه رواية خلاف للاصحاب في جواز الحوالة بالجيد على الردئ والاشارة إلى الجزم تجوز حوالة الردئ على الجيد وهو يخالف نقل الجمهور في الطرق وربما تجد في كتاب ابوافقه * قال (أما حكمها فبراءة المحيل (ح) عن دين المحال وتحول الحق إلى المحال عليه وبراءة ذمة المحال عليه من دين المحيل * فلو أفلس المحال (ح) عليه أو جحد لم يكن (ح) للمحتال الرجوع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 343 على المحيل إذا حصلت البراءة مطلقة * ولو كان الافلاس مقرونا بالحوالة وهو جاهل فالاظهر ثبوت الخيار) * إذا جرت الحوالة بشرطها برئ المحيل عن دين المحتال وتحول حق المحتال إلى ذمة المحيل عليه وبرئ المحال عليه عن دين المحيل حتى لو أفلس المحال عليه ومات أو لم يمت أو جحد وحلف لم يكن للمحتال الرحوع على المحيل كما لو اخذ عوضا عن الدين وتلف في يده وبهذا قال مالك وأحمد وذهب أبو حنيفة الي أنه يرجع فيما إذا مات مفلسا وفيما إذا جحد وحلف * واحتج الشافعي رضى الله عنه بوجهين (أحدهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المروى في أول الباب تعرض للملاءة فقال (إذا احيل أحدكم على ملئ فليحتل) ولا يمكن المحتال من الرجوع لما كان فتأخره للملاءة كبير فائدة (والثانى) أن الحوالة اما أن يتحول بها الحق عن المحيل أو لا يتحول ان تحول فقد برئت ذمته فوجب ألا يعود إليه كما لو أبرأه وان لم يتحول فلتدم المطالبة كما في الضمان فلو شرط في الحوالة الرجوع بتقدير الافلاس والجحود ففى صحة الحوالة وجهان وان صحت ففى صحة الشرط وجهان حكاهما القاضى ابن كج * هذا إذا طرأ الافلاس أما إذا كان مقرونا بالحوالة وجهله المحتال نظر إن لم تجر بشرط الملاءة فالمشهور أنه لا رجوع للمحتال ولا خيار له وما يلحقه من الضرر فهو نتيجة ترك التفحيص فصار كما لو اشترى شيئا وكان مغبونا فيه ونقل الامام وجها انه يثبت له الخيار تداركا لما لحقه من الخسران كما لو اشترى شيئا فبان معيبا وبهذا قال مالك وان شرط ملاءة المحال عليه فبان مفلسا فان قلنا بثبوت الخيار عند الاطلاق فههنا أولى وان منعنا ثم فما الحكم نقل المزني انه لا يرجع فانكره ابن سريج من قول الشافعي رضى الله عنه وقال يرجع كما لو اشترى عبدا بشرط انه كاتب فبان خلافه ثبت له الخيار وعامة الاصحاب على صحة نقل المزني واختاروا عدم الرجوع لانه لو ثبت الرجوع بالحلف في شرط اليسار لثبت الرجوع عند الاطلاق لان الاعسار نقص في الذمة كالعيب في المبيع يثبت الخيار سواء شرطت السلامة عنه أو لم تشترط ويخالف شرط الكتابة فان فواتها ليس بنقيصه وانما هو عدم فضيلة وإذا جمع بين صورتي الاطلاق والاشتراط حصل في ثبوت الخيار ثلاثة أوجه (ثالثها) الفرق بين الصورتين وقد جمع الامام الوجوه هكذا وقرب التردد في المسألة من التردد في أن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 344 الحوالة استيفاء أو اعتياض فقول صاحب الكتاب فالاظهر من ثبوت الخيار أراد من هذه الوجوه على ما هو مبين في الوسيط وترجيح الوجه الصائر إلى ثبوت الخيار يخالف اختيار علمة الاصحاب سيما في حالة الاطلاق فاعرف ذلك (فرعان) أحدهما صالح مع أجنبي عن دين على عين ثم جحد الأجنبي وحلف هل يعود إلى من كان عليه الدين قال القاضى الحسين نعم ويفسخ الصلح وعن حكاية الشيخ أبى عاصم انه لا يعود * (الثاني) خرج المحال عليه عبدا فان كان لاجنبي وللمحيل دين في ذمته صحت الحوالة كما لو أحال على معسر وتبعه المحتال بعد العتق وهل له الرجوع على المحيل فيه خلاف مرتب على مااذا بان معسرا وأولى بان يرجع وان كان عبدا للمحيل فان كان له في ذمته دين بان ثبت قبل أن يمكله وفرعنا على انه لا يسقط إذا ملكه فهو كما لو كان لاجنبي وان لم يكن في ذمته فالحوالة عليه حوالة على من لا دين عليه فان صححتاها وقلنا انها ضمان فهذا ضمان العبد * عن سيده باذنه وسيأتى حكمه في الضمان ولا يخفى فيما ذكرنا حكم مالو كان لاجنبي ولم يكن للمحيل عليه دين * قال (ولو أحال المشترى بالثمن على انسان فرد عليه المبيع ففى انفساخ الحوالة قولان (و) أظهرهما أنها تنقطع فان كان ذلك قبل قبض المبيع فأولى بأن تنقطع وإن كان بعد قبض المحتال مال الحوالة فأولى بأن لا تنقطع فلو أحال البائع على المشترى فأولى بأن لا ينقطع وهو الظاهر لانه تعلق الحق بثالث ومنشأ الخلاف تردد الحوالة بين مشابه الاستيفاء والاعتياض فان قلنا لا ينفسخ فللمشترى (و) مطالبة البائع بتحصيله ليغرم له بدله أو بتسليم بدله إليه في الحال إذا لم يكن قد قبض البائع بعد مال الحوالة * وإن قلنا ينفسخ ولم يكن قد قبض فليس له القبض فأن فعل فالاصح (و) أنه لا يقع عن المشترى لان الحوالة انفسخت والاذن الذى كان ضمنا له لا يقوم بنفسه) * المسائل المذكورة من هذا الموضع إلى آخر الباب من تخريجات المزني على أصول الشافعي رضى الله عنه وتحريه وصورة مسألة الفصل ما إذا اشترى عبدا بمائة مثلا واحال المشترى البائع بالثمن على رجل ثم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 345 اطلع على عيب قديم العبد فرده. قال المزني في المختصر تبطل الحوالة ونقل عنه في الجامع الكبير انها لا تبطل وللاصحاب ثلاثة طرق (أحدها) ان في بطلان الحواله قولين (اظهرهما) عند القاضى ابن كج وصاحب الكتاب وغيرهما أنها تبطل وتنقطع وهما مبنيان على أن الحوالة إستيفاء أو اعتياض (أن قلنا) أنها استيفاء انقطعت لان الحوالة على هذا التقدير نوع ارفاق ومسامحة فإذا بطل الاصل بطل هبة الارفاق التابعة له كما لو اشترى شيئا بدراهم مكسرة وتطوع باداء الصحاح ثم رده بالعيب فانه يسترد الصحاح ولا يقال يطالب بمثل الكسر ليبقى التربع بصفة الصحة (فان قلنا) انها اعتياض لم تبطل كما لو استبدل من الثمن ثوبا ثم رد المبيع بالعيب فانه لا يبطل الاستبدال بل يرجع بمثل الثمن على أن القاضيين أبا الطيب والرويانى منعا هذه المسألة وجعلاها كمسألة الحوالة وقد تقدمت المسألة في فصول الرد بالعيب (والطريق الثاني) وبه قال ابو اسحق وابن أبى هريرة وأبو الطيب بن سلمة القطع بالبطلان وتكلم هولاء فيما نقل عن الجامع الكبير فعن القاضى أبى حامد أنه قال نظرت في نسخ منه فلم أجد خلاف ما في المختصر (والثالث) وبه قال صاحب الافصاح القطع بعدم البطلان وربما أول أصحاب الطريقين الاخيرين وجمعوا بين نصى المزني بوجوه (أحدها) حمل ما في المختصر على ما إذا كان العيب بحيث لا يمكن حدوثه في يد المشترى أو كان يمكن حدوثه الا أن البائع أقر بعدمه وحمل ما في الجامع على مااذا ثبت قدمه بالبينة ورده والفرق أن في الحالة الاولى اعترف البائع بسقوط الثمن عند الفسخ (وأما) في الحالة الثانية فانه يزعم بقاء حقه واستمرار الحوالة فلا يمنع من مطالبة المحال عليه بدعوى المشترى (والثانى) حمل الاولى على مااذا تذكر ذلك فانه إذا لم يذكر لا ينبغى أن يعود إليه لبراءة ذمته عن حقه ظاهرا (والثالث) أن نص البطلان مفرع على أن الحوالة تفتقر إلى رضى المحال عليه فان الحوالة له حينئذ تتم بالثلاثة فلا تنقطع بموافقة اثنين (والرابع) حمل نص البطلان على ما إذا كانت الحوالة على من لا دين عليه ورضي المحال عليه فانه إذا سقط الثمن انقطع تطوعه وسقطت المطالبة عنه ثم ههنا نظران (أحدهما) هل تفترق الحال بين ما إذا كان الرد بالعيب بعد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 346 قبض المبيع أو قبله حكى صاحب النهاية عن بعض الاصحاب أن محل الخلاف ما إذا كان الرد بعد قبض المبيع فان كان قبله انقطعت الحوالة بلا خلاف لكون المبيع معرض للانفساح وعدم تأكده ولهذا جعلنا الفسخ قبل القبض ردا للعقد من أصله على رأي ثم زيف ذلك وقضي بطرد القولين في الحالين وهذا قضية إطلاق عامة الاصحاب * واعلم أن قضية الطريقين معا تجويز الاحالة بالثمن قبل قبض المبيع لكنه قبل القبض غير مستقر وقد اشتهر في كتب السلف من أئمتنا أن من شرط الحوالة استقرار ما يحال به ويحال عليه وللمسعودي اشارة إلى منع الحوالة بالثمن قبل قبض المبيع لانه غير مستقر واستشهد عليه أن المزني تعرض في صورة المسألة للمبيع واشتراطه وانما فعل ذلك لهذا المعني والله أعلم (النظر الثاني) هل تفترق الحال بين أن يتفق الرد بعد قبض المحتال مال الحوالة أو قبله وفيه طريقان (أحدهما) أن الحوالة لا تنقطع إذا اتفق الرد بعد القبض جزما والخلاف مخصوص بما إذ كان ذلك قبض القبض والفرق تأكد الامر بالقبض فتبرأ ذمة المحال عليه وهذا ما أورده أصحابنا العراقيون والشيخ أبو على (والثانى) طرد القولين في الحالين وهو اختيار صاحبي التهذيب والتتمة والاكثرين وهذا كله فيما إذا أحال المشترى البائع على رجل ولو أحال البائع رجلا على المشترى فمنهم من طرد القولين وقطع الجمهور بانه لا تنقطع الحوالة وسواء قبض المحتال مال الحوالة من المشتري أو لم يقبضه والفرق أن الحوالة ههنا تعلق بها حق غير المتعاقدين وصار كما لو اشترى عبدا بجارية وقبضه وباعه ثم وجد بائع العبد بالجارية عيبا فردها لا ينفسخ البيع الثاني لانه تعلق به حق ثالث فاذن القولان مخصوصان بالصورة السابقة ولنفرع عليهما (ان قلنا) لا تبطل الحوالة فلا يطالب المشترى أن يحال عليه بحال ولكن يرجع علي البائع فيطالبه ان كان قد قبض مال الحوالة ولا يتعين حقه فيما أخذ بل له ابداله لبقاء الحوالة صحيحة وان لم يقبضه فله أن يقبضه وهل للمشترى الرجوع عليه قبل قبضه فيه وجهان (أحدهما) نعم لان الحوالة كالمقبوضة الا ترى أن المشترى إذا أحال البائع بالثمن سقط حق الحبس والزوج إذا أحال المرأة بالصداق سقط حق حبسها (واصحهما) عند الجزء: 10 ¦ الصفحة: 347 الصيدلانى وغيره أنه لا يرجع لانه لم توجد حقيقة القبض وان كان للحوالة حكم القبض والغرامة انما تكون بحسب القبض (فان قلنا) لا يرجع المشترى عليه قبل أن يقبض فله مطالبته بتحصيل مال الحولة لزجع عليه لان البائع انما يملك مطالبة المحال عليه من جهته فكيف يمنعه من المطالبة مطلقا وفيه وجه بعيد أنه لا يملك المطالبة بالتحصيل أيضا (وان قلنا) تبطل الحوالة فان كان قد قبض المال من المحال عليه فليس له رده عليه لانه قبض باذن المشترى ولو رده لم تسقط مطالبة للمشترى عنه بل حقه الرد على المشترى ويتعين حقه فيما قبضه فان كان تالفا فعليه بدله وان لم يكن قبضه فليس له قبضه لانه عاد إلى ملك المشترى كما كان ولو خالف وقبض لم يقع عنه وفى وقوعه عن المشترى وجهان عن الشيخ أبي محمد (أحدهما) يقع لانه كان مأذونا في القبض بجهة فان بطلت تلك الجهة بقى أصل الاذن (وأصحهما) المنع لان الحوالة قد بطلت والوكالة عقد آخر يخالفها وإذا بطل عقد لم ينعكس عقدا آخر وقرب الشيخ هذا الخلاف من الخلاف الذى مر في أن من يحرم بالظهر قبل الزوال هل تنعقد صلاته نفلا (وأما) في صورة احالة البائع على المشترى إذا فرعنا على الصحيح وهو أن الحوالة لا تبطل برد المشترى المبيع بالعيب فان كان المحتال قد قبض الحق من المشترى رجع المشترى على البائع وان لم يقبضه يرجع المشترى علمه أولا يرجع الا بعد القبض فيه الوجهان السابقان * ثم نتكلم فيما تحتاج إليه من الفاظ الكتاب (قوله) في صورة المسألة ورد عليه المبيع يشتمل؟ الرد بالعيب والمخالف والاقالة وغيرها وهو مستمر على اطلاقه فلا فرق بين الرد بالعيب وغيره وقيل قولان يجوز اعلامه بالواو للطريقين النفيين للخلاف (وقوله) فاولى أن لا ينقطع أشار بالترتيب المذكور في الصورتين إلى ما شرحنا من الطريقين (وقوله) فيما إذا أحال البائع على المشترى فاولى بان لا ينقطع وهو الظاهر مع قوله فلولى أن لا ينقطع لما قدمنا في مواضع لان أولوية الترتيب لا تفيد الرجحان وانما تفيد كون الحكم الموصوف بالاولوية أرجح منه في الصورة المرتب عليها (وقوله) ومنشأ الخلاف تردد الحوالة بين مشابهة الاستيفاء والاعتياض يوافق ما ذكره الامام أن فيها شبها من كل واحد منهما والكلام في التغليب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 348 (وقوله) فان قلنا لا يصح أي في المسألة الاولى وهو إحالة المشتري البائع بالثمن (وقوله) فللمشتري مطالبة البائع بتحصيله إلى آخره يمكن نفسه من عزله أو يقول أغرم لى وله أو يقول تسهيلا خذتم اغرم لى وأريد أن لا رجوع قبل أن يقبض مال الحوالة بوجهين (أحدهما) أن يقال المعنى أن له أن يطالبه بأحد أمرين (أما) التحصيل ليعرم وأما الغرم في الحال وهذا يخرج متفقا عليه من الخلاف الذى رويناه (فان قلنا) له الرجوع قبل أن يقبض البائع مال الحوالة فله أن يقول خذه لتغرم لى وان رضيت بذمته فشأنك فاغرم لى (والثانى) هو الاشبه أن معناه أن له مطالبته بتحصيله (ان قلنا) لا رجوع عليه قبل أن يقبض أو يتسلم بدله إليه في الحال (ان قلنا) انه يرجع إليه قبل القبض وعلى التقديرين فيصح اعلام قوله فللمشترى مطالبة البائع بالواو لما قدمنا من الوجه البعيد (وقوله) لان الحوالة انفسخت بالاذن الذى كان ضمنا لا يقوم بنفسه ظاهر هذا التوجيه ربما يشكل بما إذا فسدت الشركة أو لو كانه فالاذن الصمى يبقى ويصح التصرف على ما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى ويمكن أن يقال الحوالة تنقل الحق إلى المحتال فإذا صار الحق له ملكا قبضه لنفسه بالاستحقاق لا للمحيل بالاذن وهما عقدان مختلفان فبطلان أحدهما لا يفيد حصول الآخر بخلاف الشركة والوكالة فان التصرف هناك واقع للاذن فان بطل خصوص الاذن جار أن يبقى عمومه هذا ما سبقت الاشارة إليه * (فرع) قال ابن الحداد في المولدات إذا أحال الزوج زوجته على غريمه بالصداق ثم طلق قبل الدخول لم تبطل الحوالة وللزوج أخذها بنصف المهر قال من شرح كتابه المسألة تترتب على ما إذا أحال المشترى البائع على غريمه (ان قلنا) لا تبطل الحوالة هناك فههنا أولى (وان قلنا) تبطل ففى البطلان في نصف الصداق ههنا وجهان والفرق أن البطلان سبب حادث ولا استناد له إلى ما تقدم بخلاف الفسخ والصداق أثبت من غيره ولهذا لو زاد الصداق زيادة متصلة لم يرجع في نصفه إلا برضاها بخلاف معا إذا كانت في المبيع ولو أحالها ثم ارتدت قبل الدخول أو فسخ أحدهما النكاح بعيب آخر ففى بطلان الحوالة هذان الوجهان والاظهر لا تبطل ويرجع الزوج عليها بنصف الصداق في صورة الطلاق وبجميعه في الردة والفسخ بالعيب وإذا قلنا بالبطلان فليس لها مطالبة المحال عليه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 349 وتطالب الزوج بالنصف في الطلاق أي ولا تطالب بشئ في الردة ولا بالعيب كذا قاله الشيخ أبو على والمسألة جميعها من كلامه * قال (ولو كان المبيع عبدا فأحيل بالثمن على المشترى فقال العبد أنا حر الاصل وصدقوه جميعا بطلت الحوالة وإن صدقه البائع والمشترى دون المحتال لم يكن قولهما حجة عليه فتبقى الحوالة في حقه) * صورتها أن يبيع عبدا ويحيل غريمه بالثمن علي المشترى ثم يتصادق المتبايعان على أنه حر الاصل أما ابتداء أو زعم العبد أنه حر فصدقاه نظران وافقهما المحتال بطلت الحوالة لاتفاقهم على بطلان البيع وإذا لم يكن بيع لم يكن على المشترى ثمن وإذا بطلت الحوالة رد المحتال ما أخذ علي المشترى وبقى حقه على البائع كما كان وان كذبهما المحتال فاما أن تقوم ببنة على الحرية أولا تقوم فان قامت بطلت الحوالة كما لو تقارروا وهذه البينة يتصور ان يقيمها العبد ويتصور أن تبتدئ الشهود على سبيل الحسبة قال صاحب التهذيب ولا يتصور أن يقيمها المتبايعان لانهما كذباها بالدخول في البيع وكذلك ذكر القاضى الرويانى وان لم تكن بينة فلهما تحليف المحتال على نفى العلم فان حلف بقيت الحوالة في حقه ولم يكن تصادقهما عليه حجة فإذا نفيت الحوالة فله أخذ المال من المشتري وهل يرجع المشترى على البائع المحيل في التهذيب أنه لا يرجع لانه يقول ظلمنى المحتال بما أخذ والمظلوم لا يرجع الا على من ظلمه وقال الشيخ أبو حامد والقاضى ابن كج والشيخ أبو على يرجع لانه قضى دينه باذنه وعلى هذا فيرجع إذا دفع المال إلى المحتال وهل يرجع قبله فيه الوجهان السابقان فان نكل المحتال حلف المشترى ثم ان جعلنا اليمين كالاقرار بطلت الحوالة وان جعلناها كالبينة فالحكم كما لو حلف لانه ليس للمشترى اقامة البينة وما ذكرناه في صورة الاقرار من المحال وقيام البينة من بطلان الحوالة مفروض فيما إذا وقع التعارض لكون الحوالة بالثمن فان لم يقع وزعم البائع ان الحوالة بدين آخر له على المشترى نظران أنكر المشتري أصل الدين فالقول قوله مع يمينه وان سلمه وأنكر الحوالة به فهل نعتبر قول من يدعى جريان الحوالة على الصحة أو قول من يدعى فسادها فيه خلاف مذكور في نظائره * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 350 قال (فرع إذا جرى لفظ الحوالة وتنازعا فقال أحدهما أردنا بها الوكالة وقال الآخر بل الحوالة فقولان في أن القول قول من * ينظر في أحدهما إلى ظاهر اللفظ * وفى الثاني إلى تصديق من يدعى ارادة نفسه ونيته فانه أعلم بها * ولو لم يتفقا على جريان لفظ ولكن قال مستحق الدين أحلتني وقال من عليه الدين وكلتك باستيفاء دينى منه فالقول قول من عليه الدين في نفى الحوالة * ثم ان لم يكن قد قبض فليس له ذلك لانه انعزل بانكار الوكالة واندفعت الحوالة بانكار من عليه الدين * وله مطالبته بالمال إذا اندفعت الحوالة حتى لا يضيع حقه * وفيه وجة آخر أنه لا يطالب لانه اعترف ببراءته بدعوى الحوالة * أما إذا قال المستحق وكلتي فقال لا بل أحلتك فان لم يكن قد قبض فقد امتنع عليه القبض * وان كان بعد القبض فالصحيح (و) أنه يتملكه الآن وان لم يملك عند القبض) * إذا كان لزيد عليك مائة ولك على عمرو مثلها فوجد زيد منك ما يمكنه من قبض ما على عمرو ثم اختلفتما فله صورتان (أحدهما) أن تقول لزيد وكلتك بقبضه لى وقال زيد بل أحلتني عليه فينظر ان اختلفتما في أصل اللفظ فزعمت الوكالة بلفظها وزعم زيد الحوالة بلفظها فالقول قولك مع يمينك لان الاصل استمرار حق زيد عليك وحقك على عمرو وان اتفقتما على جريان لفظ الحوالة وقلت أردت به التسليط بالوكالة فوجهان (المنسوب) إلى ابن سريج أن القول قول زيد مع يمينه لشهادة لفظ الحوالة (وقال) المزني وساعده عليه اكثر الاصحاب ان القول قولك مع يمينك ويحكى هذا عن ابى حنيفة ووجهه ما ذكرناه في الصورة الاولى وايضا فان اللفظ محتمل لما يقوله وانت اعرف بنيتك فأشبه ما إذا قلت له أقبض ثم اختلفتما في المراد فان القول قولك وعن القاضى الحسين القطع بالوجه الاول وحمل كلام المزني على ما إذا اختلفتما في أصل اللفظ وذكرهما إذا قلت له اقبض وفسرته بالوكالة انك لا تحتاج إلى اليمين لاشعار اللفظ بالنيابة قال الائمة وموضع الوجهين ما إذا كان اللفظ الجارى بينكما احلتك بمائة على عمرو فأما إذا قلت بالمائة التي لك على بالمائة التى على عمرو فهذا لا يحتمل الا حقيقة الحوالة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 351 فالقول قول زيد بلا خلاف (التفريع) ان جعلنا القول قول زيد فإذا حلف ثبتت الحوالة وبرئت ذمته وإذا جعلنا القول قولك في الصورة الاولى أو يقرا معا على الوجه الآتى في الصورة الثانية فحلفت نظر أقبض زيد ما على عمرو أم لا أن قبضه برئت ذمة عمرو لتسليمه ما عليه إلى الوكيل أو المحتال وحكى الامام وجها ضعيفا عن رواية صاحب التقريب انه لا يبرؤ في صورة اتفاقكما على جريان لفظ الحوالة والمشهور الاول ثم ينظر ان كان المقبوض باقيا فعليه تسليمه اليك وهل له أن يطالبك بحقه فيه وجهان (أحدهما) لا واختاره الشيخ أبو حامد لاعترافه ببرأتك بدعوى الحوالة (وأصحهما) عند ابن الصباغ وصاحب التتمة وغيرهما أن له المطالبة لانه ان كان وكيلا فحقه باق عليه وان كان محتالا فقد استرجعت ماله ظلما فلا وجه لتضييع حقه قال الشيخ أبو حامد وما ذكرنا من وجوب التسليم والوجهين في الرجوع من حيث الظاهر فاما بينه وبين الله تعالى فانه إذا لم يصل إلى حقه منك فله امساك المأخوذ لانه ظفر بجنس حقه من ملكك وأنت ظالم له وان كان المقبوض تالفا فمنقول الاكثرين انه إذا لم يكن التلف بتقصير منك لا يضمن لانه وكيل بقولك والوكيل أمين وليس له أن يطالبك بحقه لانه قد استوفاه بزعمه وهلك عنده وقال في التهذيب انه يضمن لانه قد ثبتت وكالته والوكيل إذا أخذ المال لنفسه ضمن وان لم يقبض زيد ما على عمرو فليس له القبض بعد حلفك لان الحوالة قد اندفعت بيمينك وصار زيد معز ولا عن الوكالة بانكاره ولك ان تطالب عمرا بما كان لك عليه وهل لزيد مطالبتك بحقه فيه الوجهان ان المذكور فيما إذا كان قد قبض وسلم المقبوض اليك واستدرك صاحب البيان فقال ينبغي أن لا يطالب هنا وجها واحدا لاعترافه بان حقه على عمرو وان ما تقبضه أنت من عمرو ليس حقا له بخلاف ما إذا كان قد قبض فان حقه قد تعين في المقبوض فإذا أخذته أخذت ماله (الصورة الثانية) أن تقول لزيد احلتك على عمرو ويقول زيد بل وكلتني بقبض ما عليه وحقى باق ويظهر تصوير هذا الاختلاف عند افلاس عمرو فينظر ان اختلفتما في أصل اللفظ فالقول قول زيد مع يمينه وان اتفقتما على لفظ الحوالة جرى الوجهان ان المذكوران في الصورة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 352 الاولى ههنا على العكس فعلى المنسوب إلى ابن سريج القول قولك مع يمينك وعلى القول المنسوب إلى المزني وغيره القول قول زيد والتوجيه ما مر فإذا قلنا أن القول قولك فحلفت برئت ذمتك من دين زيد ولزيد مطالبة عمرو أما بالوكالة أو الحوالة وما يأخذه يكون له لانك تقول انه حقه وعلى زعمه هو لك وحقه عليك فيأخذه بحقه وحيث قلنا أن القول قول زيد فحلف نظر ان لم يكن قبض المال من عمرو فليس له القبض لان قول الموكل ما وكلتك يتضمن عزله لو كان وكيلا وله مطالبتك بحقه وهل لك الرجوع إلى عمرو فيه وجهان لانك اعترفت بتحول ما كان عليه إلى زيد ووجه قولنا نعم وهو اختيار القاضى ابن كج أن زيدا ان كان وكيلا فان لم يقبض بقى حقك وان كان محتالا فقد ظلمك بأخذالمال منك وما على عمرو حقه فلك أن تأخذه عوضا عما ظملك به وان كان قد قبض المال من عمرو فقد برئت ذمة عمرو ثم ان كان المقبوض باقيا فقد حكى في الوسيط وههنا وجهين (أحدهما) أنه يطالبك بحقه ورد المقبوض عليك (والثانى) وهو الصحيح أنه يملكه الآن وان لم يملكه عند القبض لانه حبس حقه وصاحبه يزعم أنه ملكه ويشبه أن لا يكون فيه خلاف محقق بل له أن يرده ويطالب بحقه وله أن ياخذه بحقه وان كان تالفا نظر ان كان قد تلف بتفريط منه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 353 فلك عليه الضمان وله عليك حقه وربما يقع في النقاص وان لم يكن منه تقصير فلا ضمان لانا إذا صدقناه في نفي الحوالة كانت يده يد وكالة والوكيل أمين وروى الامام وجها آخر أنه يضمن لان الاصل فيما يتلف في يد الانسان من ملك غيره الضمان ويلزم من تصديقه في نفي الحوالة ليبقى حقه تصديقه في تثبيت الوكالة ليسقط عنه الضمان وهذا كما أنه إذا اختلف المتبايعان في قدم العيب وحدوثه وصدقنا البائع بيمينه السابقة والله أعلم (وقوله) في الكتاب في أول الفرع إذا جرى لفظ الحوالة إلى قوله فقولان يتضمن الصورتين جميعا فعلى رأى يتبع فيهما ظاهر اللفظ وعلى رأى يصدق من أخبر عن نيته وارادته أما في طرف الايجاب أو القبول ويجوز أن يعلم قوله فقولان بالواو كما سبق عن القاضى الحسين وقد حكي في الصورة الاتية ايضا القطع بمقتضى من تمسك بمطابقة اللفظ له ثم قوله فقولان أي للاصحاب وليس للشافعي في المسألتين نص (وقوله) في آخره أما إذا قال المستحق وكلتني فقال لا بل أحلتك فان لم يكن قبض فالقول قول المستحق ثم في تفريعه انه ان لم يكن قبض إلى آخر ونختم الباب بصور وفروع (منها) إذا أحلت زيدا على عمرو ثم احال عمرو زيدا على بكر ثم احال بكر على آخر جاز وقد تعدد المحال عليهم وزيد المحتال واحد ولو أخلت زيدا على عمرو ثم احال زيدا بكرا على عمرو ثم احال بكر آخر على عمرو جاز والتعدد ههنا في المحتالين وعمرو الجزء: 10 ¦ الصفحة: 354 المحال عليه واحد ولو أحلت زيدا على عمرو ثم ثبت لعمرو عليك مثل ذلك الدين فاحال زيد عليك جاز (ومنها) لك علي رجلين مائة علي كل واحد خمسون وكل واحد ضامن عن صاحبه فاحالك أحدهما بالمائة علي انسان برئا جميعا وان أحلت على أحدهما بالمائة برئ الثاني لان الحوالة كالقبض وان احلت عليهما على أن يأخذ المحتال من كل واحد خمسون جاز ويبرأ كل واحد مما ضمن وان أحلت عليهما على أن ياخذ المائة من أيهما شاء فعن ابن سريج فيه وجهان (وجه) المنع انه لم يكن له الا مطالبة واحد فلا يستفيد بالحوالة زيادة كما لا يستفيد بها زيادة قدر وصفة (ومنها) لك على رجل دين فلما طالبته به قال قد أحلت فلانا على وفلان غائب فانكرت فالقول قولك مع يمينك فلو أقام بينة سمعت وسقطت مطالبتك عنه وهل تثبت الحوالة في حق الغائب حتى لا يحتاج إلى إقامة بينة إذا قدم فيه وجهان * كتاب الضمان وفيه بابان (الباب الاول في أركانه) قال (وهى خمسة الاول المضمون عنه ولا يشترط رضاه لانه يجوز لغيره أن يؤدى دينه بغير اذنه * ويصح (ح) الضمان على الميت المفلس * وأصح الوجيهن أنه لا يعتبر معرفته) * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 355 الاجماع والاخبار متعاضدة على صحة الضمان روى عن أبى أمامة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (العارية مؤادة والدين مقضى والزعيم غارم) وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فلما وضعت قال صلى الله عليه وسلم هل على صاحبكم من دين قالوا نعم درهمان قال صلوا على صاحبكم فقال علي كرم الله وجهه هما على يارسول الله وأنا لهما ضامن فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه ثم أقبل على علي فقال جزاك الله عن الاسلام خيرا وفك رهانك كما فككت رهان أخيك)   (حديث) النهى عن بع لدين؟ تقدم في القبض * (كتاب الضمان) (حديث) أبى امامة العارية مردودة والدين مقضى والزعيم غارم لا أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي وفيه اسماعيل بن عياش ورواه عن شامى وهو ابن حنبل بن مسلم سمع أبا امامة وضعفه ابن حزم باسماعيل ولم يصب وهو عند الترمذي في الوصايا أتم سياقا واختصره ابن ماجه هنا وله في النسائي طريقان من رواية غيره (احداهما) من طريق أبى عامر الوصابى (والاخرى) من طريق حاتم بن حريث كلاهما عن ابى امامة وصححه ابن حبان من طريق حاتم هذه وقد وثقه عثمان الدارمي (تنبيه) أكثر الفاظهم العارية مؤداة وفي لفظ بعضهم زيادة والمنيحة مردودة ولم أره عندهم بلفظ العارية مردودة كما كرره المصنف ووقع في بعض النسخ عن أبى قتادة بدل ابى إمامة وهو من تحريف النساخ وقد رواه ابن ماجه والطبراني في مسند الشاميين من طريق سعيد بن أبى سعيد عن أنس وأخرجه ابن عدي من حديث ابن عباس في ترجمة اسماعيل بن زياد السكوني وضعفه ورواه أبو موسى المدينى في الصحابة من طريق سويد بن حبلة وقد قال الدارقطني لا تصح له صحبة وحديثه مرسل قال وبعضهم يقول له صحبة ورواه الخطيب في التلخيص من طريق بن لهيعة عن عبد الله بن حيان البثى عن رجل عن آخر منهم قال انى لتحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيبني لعابها ويسيل على جرنها حين قال فذكره * (حديث) أبى سعيد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فلما وضعت قال صلى الله عليه وسلم هل على صاحبكم من دين قالوا نعم درهمان قال صلوا على صاحبكم فقال على يا رسول الله هما على وأنا لهما ضامن ففام فصلى عليه ثم أقبل على على وقال جزاك الله عن الاسلام خيرا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 356 وروي أنه صلى الله عليه وسلم أتى بجنازة فقال هل على صاحبكم من دين قالوا نعم ديناران فقال أبو قتادة رضى الله عنه هما على يارسول الله فصلى الله النبي صلى الله عليه وسلم) ثم نقل العلماء أن هذا كان في أول الاسلام ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بصلى على من لم يخلف وفاء من المديونين لان صلاته صلى الله عليه وسلم شفاعة موجبة للمغفرة ولم يكن حينئذ في الاموال سعة فلما فتح الله الفتوح قال النبي صلى الله عليه وسلم أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم)   وفك رهانك كما فككت رهان أخيك. الدارقطني والبيهقي من طرق باسانيد ضعيفة وفي آخره مامى مسلم فك رهان أخيه الا فك الله رهانه يوم القيمة وفي جميعا أن الدين كان دينارين وفيه زيادة فقال بعضهم هذا لعلى خاصة أم للمسلمين عامة فقال بل للمسلمين عامة (تنبيه) وضح أن قوله درهمان وهم لكن وقع في المختصر بغير اسناد أيضا درهمان * (قوله) وجاء في رواية أن عليا لما قضى عنه دينه قال الآن بردت عليه جلده (قلت) المعروف أن ذلك قيل لابي قتادة كما سيأتي * (حديث) أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بجنازة ليصلى عليها فقال هل على صاحبكم من دين فقالوا نعم ديناران فقال أبو قتادة هما على يا رسول الله قال فصلى عليه صلى الله عليه وسلم البخاري من حديث سلمة بن الاكوع مطولا وفيه أن الدين كان ثلاثة دنانير ورواه احمد وأبو داود والنسائي وابن حبان من حديث جابر وفيه أن الدين كان دينارين وزاد أحمد الدارقطني والحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما قضى دينه الآن بردت عليه جلده وفي رواية قبره ورواه النسائي والترمذي وصححه من حديث أبى قتادة بدون تعيين الدين ابن ماجه واحمد وابن حبان من حديثه بتعيينه سبعة عشر درهما وفى رواية لابن حبان ثمانية عشر وروى ابن حبان أيضا من حديث أبى قتادة أن الدين كان دينارين وروى في ثقانه؟ من حديث أبى إمامة نحو ذلك وابهم الفائل قال فقال رجل من القوم أنا أقضيهما عنه * (قوله) وفي رواية أنه لما ضمن أبو قتادة الدينارين عن الميت قال النبي صلى الله عليه وسلم هما عليك حق الغريم وبرئ الميت قال نعم فصلى عليه رواه الدارقطني بنحوه والبيهقي بلفظه وفي آخره عنده لآن بردت عليه جلده * (قوله) ثم نقل العلماء أن هذا كان في أول الاسلام فلما فتح الله الفتوح قال أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم سيأتي واضحا من حديث أبى هربرة وهو عند احمد في حديث جابر المتقدم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 357 ونقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبته (من خلف مالا أو حقا فلورثته ومن خلف كلا أو دينا فكله إلى ودينه علي قيل يارسول الله وعلى كل امام بعدك قال وعلى كل امام بعدى) وقد ضمن حجة الاسلام مسائل الضمان في بابين (أحدهما) في أركان صحة الضمان (والثانى) في أنه إذا صح فما حكمه وهذا ترتيبه في أغلب الابواب (أما) الاركان فأولها المضمون عنه وهو الاصيل ولا يشترط رضاه لصحة الضمان وفاقا أذ يجوز اداء دين الغير بغير اذنه فالتزامه في الذمة أولى بالجواز ويدل عليه أنه يصح الضمان عن الميت ومعلوم أنه لا يتصور منه الرضا والدليل على صحته ما قدمناه من ضمان على وأبى قتادة رضى الله عنهما ولا فرق بين أن يخلف الميت وفاء أولا يخلف فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يبحث عن ذلك وبهذا قال مالك وأحمد * وعند أبى حنيفة لا يصح الا إذا خلف وفاء أو كان به ضامن وساعدنا فيما إذا ضمن عنه في حياته ثم مات وهو معسر أنه لا يبطل الضمان وهل يشترط معرفة المضمون عنه لصحة الضمان فيه وجهان (أحدهما) أنه لا يشترط كما لا يشترط ليعرف حاله ولانه هل يستحق اصطناع المعروف إليه وهذا اما أورده الصيدلانى (وأصحهما) أنه لا يشترط كما لا يشترط رضاه * واعلم أن الشافعي رضى الله عنه قال في مسألة ضمان الميت ولو ضمن دين ميت بعد ما تعرفه وتعرف لمن هو فالضمان في ذلك لازم واختلفوا فيما يعودالها إليه في قوله بعد ما يعرفه بحسب اختلافهم في اشتراط معرفة المضمون عنه فمن شرطها قال هي عائدة إلى الميت المضمون عنه ومن لم يشترطها قال هي عائدة إلى الدين إذ لابد   (قوله) ونقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبته من خلف مالا أو حقا فلورثته ولمن خلف كلا او دينا فكله إلى ودينه على قيل يا رسول الله وعلى كل امام بعدك قال وعلى إمام بعدى صدر هذا الحديث ثابت في الصحيحين من حديث أبى هريرة ومن قوله قيل يا رسول الله إلى آخره سبق المصنف إلى ذكره القاضى حسين والامام والغزالي وقد وقع معناه في الطبراني الكبير من حديث ذاذان عن سلمان قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقدي سبايا المسلمين ونعطى سائلهم ثم قال من ترك مالا فلورثته من ترك دينا فعلى وعلى الولاة من بعدى من بيت مال المسلمين وفيه عبد الغفار بن سعيد الانصاري متروك ومتهم أيضا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 358 من معرفة جنسه وقدره وهو الصحيح ويدل على أنا أبا بكر الفارسى نقل هذا النص بعينه في عيون المسائل وأنه قال في توجيهه لانه عرف ما ضمنه ولمن ضمنه * قال (الركن الثاني المضمون له وفى اشتراط معرفته وجهان * فان شرطت ففى اشتراط رضاه وجهان * فان شرط ففى اشتراط قبوله وجهان * وهذا لان الضمان تجديد سلطة له لم تكن فلم يجز الا باذنه بخلاف المضمون عنه) * المضمون له هو مستحق الدين وفى اشتراط معرفته وجهان (أحدهما) أنه لا شترط لانه لم يقع التعرض والبحث عنه في ضمان على وأبى قتادة رضى الله عنهما (أصحهما) أن لابد أن يعرف الضامن لان الناس يتفاوتون في الاقتضاء والاستيفاء تشديدا وتسهيلا والاغراض تختلف بذلك والضمان مع اهماله غرر وضرر من غير ضرورة وعلى هذا ففى اشتراط رضاه وجهان (قال) الاكثرون لا يشترط لان الضمان محض التزام وليس موضوعا على قواعد المعاقدات وقال صاحب الافصاح والقاضى ابن كج يشترط لان الضمان يجدد له سلطنة وولاية لم تكن ويبعد أن يتملك بتمليك الغير شيئا من غير رضاه وبهذا قال أبو حنيفة الا أنه قال لو التمس المريض من الورثة أن يضمنوا دينه فأجابوا صح وان لم يرض المضمون له (وإذا قلنا) باشتراط رضاه ففى اشتراط قبوله وجهان (وجه) الاشتراط أنه يملك في مقابلة تمليك الضامن فيعتبر فيه القبول كسائر التمليكات والتملكات (والاصح) أنه لا يشترط وفرقوا بينه وبين سائر التملكات بأن الضمان لا يثبت ملك شئ جديد وإنما يتوثق به الدين الذي كان ممولكا وهذا يشكل بالرهن فانه لا يفيد الا التوثيق ويعتبر فيه القبول وعن الشيخ أبى محمد تقريب هذا الخلاف من الخلاف في اشتراط القبول في الوكالة لان كل واحد منهما يجدد سلطة لم تكن فان شرطنا القبول فليكن بينه وبينه وبين الضمان مثل مابين الايجاب والقبول في سائر العقود وإن لم نشترط فيجوز أن يتقدم الرضي على الضمان وان تأخر عنه فهو اجازة أن جوزنا وقف العقود ذكره الامام وفرع على قولنا لا يشترط رضاه فقال إذا ضمن بغير رضاه فينظر إن ضمن بغير اذن المضمون عنه فالمضمون له بالخيار ان شاء طالب الضامن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 359 وان شاء تركه وان كان الضمان باذنه فحيث قلنا يرجع الضامن على المضمون عنه يتخير المضمون له على قبوله لان ما يؤديه في حكم ملك المضمون عنه وحيث قلنا لا يرجع فهو كما لو قال لغيره أد ديني ولم يشترط الرجوع وقلنا انه لا يرجع وهل لمستحق الدين والحالة هذه أن يمتنع من القبول فيه وجهان بناء على أن المؤدى يقع فداء أو موهوبا ممن عليه الدين (ان قلنا) بالثاني لم يكن له الامتناع وهو الاشهر هذا بيان الخلاف في اشتراط معرفة المضمون له دون معرفة المضمون عنه لانه لا معاملة بينه وبين الضامن وزاد الامام وجها رابعا وهو اشتراط معرفة المضمون عنه دون المضمون له وفى طريفة الصيدلانى ما يقتضيه وهو غريب * قال (الركن الثالث الضامن ويشترط فيه صحة العبارة وأهلية التبرع * ويصح (م) ضمان الزوجة دون اذن الزوج * وفي ضمان الرقيق دون اذن السيد وجهان * فان صح فيتبع به إذا عتق * فان ضمن بالاذن فيتعلق بكسبه في وجه * ولا يتعلق به في وجه ويفرق بين المأذون في التجارة وغيره في وجه) * ضبط من يصح ضمانه بان يكون صحيح العبارة أهلا للتبرع (أما) صحة العبارة فيخرج عنه الصغير والمجنون والمغمى عليه والمبرسم الذى يهذى فلا يصح ضمانهم كسائر التصرفات ولو ضمن ضامن ثم قال كنت صبيا يوم الضمان وكان محتملا فالقول قوله مع يمينه وكذا لو قال كنت مجنونا وقد عرف له جنون سابق أو أقام عليه بينة والا فالقول قول المضمون له مع يمينه وفى ضمان السكران الخلاف في سائر تصرفاته لا يصح ضمانه والاخراس الذى أشارته مفهومه والاخراس الذى ليست له اشارة مفهومة يصح ضمانه بها كبيعه وسائر تصرفاته وعن أبى الحسين أن من الاصحاب من ابطله وقال لا ضرورة إلى الضمان بخلاف سائر التصرفات ولو ضمن بالكتابة فوجهان سواء أحسن الاشارة أم لا (اظهرهما) الصحة وذلك عند وجود القرينة المشعرة بالمقصود ويجرى الوجهان في الناطق وفى سائر التصرفات (وأما) أهلية التبرع فانه قصد بها التحرز عن المحجور عليه بالسفه ونحافيه نحو الامام بحيث قال المحجور عليه وان كان تصح عبارته عند اذن وليه فضمانه مردود من قبل أنه تبرع وتبرعات المبذر مردودة ولا يصح من الولي الاذن فيها * واعلم أن القول بكون الضمان تبرعا انما يظهر حيث لا يثبت الرجوع فاما حيث ثبت فهو اقراض لا محض تبرع ويدل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 360 عليه ان القاضى الرواياني حكى في البحربه عن نص الشافعي رضى الله عنه انه إذا ضمن في مرض الموت بغير اذن من عليه الحق فهو محسوب من ثلثه وان ضمن باذنه فهو محسوب من رأس المال لان للورثة ان يرجعوا على الاصيل وهو وان لم يكن تبرعا فلا يصح من المحجور كالبيع وسائر التصرفات المالية فان أذن فيه الولى فليكن كما لو أذن في البيع (أما) المحجور عليه بالفلس فضمانه كشرائه ثم في الفصل مسألتان (إحدهما) ضمان المرأة صحيح خلية كانت أو مزوجة ولا حاجة إلى اذن الزوج كما في سائر تصرفتها وعن مالك انه لا بد من اذنه (الثانية) في ضمان العبد بغير اذن سيده مأذونا كان في التجارة أو لم يكن وجهان عن ابن سريج (أحدهما) وبه قال ابو اسحاق انه صحيح ويتبع به بعد العتق لانه لا ضرر فيه على السيد فصار كما لو أقر باتلاف مال وكذبه السيد (وأصحهما) وبه قال الاصطخرى انه باطل لانه اثبات مال في الذمة بعقد فاشبه النكاح وان ضمن باذن سيده صح ثم ان قال اقضه مما تكتسبه أو قال للمأذون اقضه من المال الذى في يدك قضى منه وان عين مالا أمر بالقضاء منه فكمثل وان اقتصر على الاذن في الضمان فان لم يكن العبد مأذونا له في التجارة فوجهان (أحدهما) انه يكون في ذمته إلى أن يعتق لانه انما اذن في الالترام دون الاداء (وأضهرهما) انه يتعلق بما يكتسبه بعد الاذن كما لو اذن له في النكاح يتعلق المهر باكتسابه وعن الشيخ أبى علي حكاية وجه غريب انه يتعلق برقبته وان كان مأذونا له في التجارة فيتعلق بذمته أم كيف الحال فيه وجهان رتبهما الامام على الوجهين في غير المأذون واولى بان لا يحال على الذمة لاشعار ظاهر الحال بخلافه وعلى هذا فيتعلق بما يكتسبه من بعد اذنه وبما في يده من الربح الحالصل أم بهما وبرأس المال أيضا فيه وجوه أشبهها الثالث والوجوه التي وردهما صاحب الكتاب فيما إذا ضمن بالاذن تخرج من الترتيب الذى أشار إليه الامام فعلى رأى إن كان مأذون له تعلق بكسبه والا لم يتعلق الا بالذمة وحيث قلنا يؤدى مما في يده فلو كان عليه ديون ففيه ثلاثة أوجه عن ابن سربج (أحدهما) أن المضمون له يشارك الغرماء لانه دين لزم باذن المولى فاشبه سائر الديون (والثانى) أن الضمان لا يتعلق بما في يده أصلا لانه كالمرهون بحقوق الغرماء (والثالث) أنه يتعلق بما فضل عن حقوقهم رعاية للجانبين الجزء: 10 ¦ الصفحة: 361 وهذا إذا لم يحجز القاضى عليه فان حجز باستدعاء الغرماء لم يتعلق الضامن بما في يده لا محالة والمدبر وأم الولد كالقن في الضمان وكذا من بعضه حر وبعضه رقيق وان لم يكن بينه وبين السيد مهايأة أو كانت وضمن في نوبة السيد وان لم يكن بينهما مهايأة كما لو اشترى بنفسه شيئا ويجوز ان يخرج على الخلاف في المؤن والاكساب النادرة أنها هل تدخل في المهايأة وضمان المكاتب بغير إذن السيد كضمان القن وبالاذن قالوا هو علي الحلاف في تبرعاته * (فرع) إذا ضمن العبد باذن السيد وأدى مال الضمان في رقه فحق الرجوع للسيد وان أداه بعد ما عتق فحق الرجوع لعبد في أصح الوجهين ووجه الثاني أن مال الضمان كالمستتني عن اكتسابه فلا يستحقها بالعتق ولو ضمن العبد شيئا لسيده عن أجنبي لم يصح لانه يؤديه من كسبه وكسبه لسيده فهو كما لو ضمن المستحق لنفسه ولو ضمن لاجنبي عن سيده فإذا لم ياذن السيد فهو كما لو ضمن عن أجنبي وان ضمن باذنه صح ثم ان أدى قبل العتق فلا رجوع له وان أدى بعده ففى رجوعه على السيد (وجهان) بناء على الوجهين فيما لو أجر عبده ثم أعتقه ففى أثناء المدة هل يرجع باجرة المثل لبقية المدة * قال (الركن الرابع المضمون به وشرطه أن يكون حقا ثابتا (م ح و) لازما (م ح و) معلوما (م ح و) واحترزنا بالثابت عن ضمان دين سيلزم ببيع أو قرض بعده فانه لا يصح (م ح) في الجديد وفى ضمان ما سبق سبب وجوبه ولم يجب كنفقة الغد للمرأة قولان في الجديد * وضمان العهدة للمشتري صحيح (و) بعد قبض الثمن لاجل الحاجة إلى معامل الغرباء وكذلك ضمان نقصان الصنجة ورداءة الجنس في المبيع * وفى صحة ضمان عهدة تلحق بالعيب أو بالفساد من جهة أخرى لا بخروجه مستحقا وجهان * فان صحح صريحا ففى اندراجه تحت مطلق ضمان العهدة وجهان) * يشترط في الحق المضمون ثلاث صفات كونه ثابتا ولازما ومعلوم الصفة (الاولى) الثبوت وفيه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 362 مسائل (إحداها) إذا ضمن دينا لم يجب بعد ويستحب كقرض أو بيع وما أشبههما ففيه طريقان حكاهما الشيخ أبو حامد وغيره (وأشهرهما) وبه قال ابن سريج أنه على قولين (القديم) أنه يصح لانه قد تمس الحاجة إليه وهذا كما أنه جوز في القديم ضمان نفقة يوم المستقبل؟ وبهذا قال أبو حنيفة ومالك (والجديد) المنع وبه قال أحمد لان الضمان لو تبعه الحق فلا يسبق وجوب الحق كالشهادة (والثانى) وهو اختيار الشيخ أبى حامد القطع بالمنع ويخالف ضمان النفقه على القديم تجب بالعقد فضمانها ضمان واجب لاغير واجب والمذكور في الكتاب هو الطريقة الاولى ويجوز اعلام قوله على الجديد بالواو للثانيه واعلام قوله لا يصح بالحاء والميم لما ذكرنا وذكر الامام أمورا مفرعة على القديم (أحدها) إذا قال ضمنت لك ما تبيع من فلان فباع الشئ بعد الشئ كان ضامنا للكل لان (ما) من أدوات الشرط فتقتضى التعميم بخلاف ما إذ قال إذا بعت من فلان فانا ضامن من حيث لا يكون ضامنا الا ثمن ما باعه أولا لان (إذا) ليست من أدوات الشرط (الثاني) إن شرطنا معرفة المضمون له عند ثبوت الدين فههنا أولى والا فوجهان وكذا معرفة المضمون عنه (الثالث) لا يطالب الضامن ما لم يلزم الدين على الاصيل وليست له الرجوع بعد لزومه (وأما) قبله فعن ابن سريج أن له أن يرجع وقال غيره لا لان وضع الضمان على اللزوم (وإذا قلنا) بالجديد فلو قال أقرض فلانا كذا وعلى ضمانه فاقرضه قال القاضى الروياني في المذهب أنه لا يجوز وعن ابن سريج تجويزة لانه ضمان مقرون بالقرض (المسألة الثانية) ضمان نفقة المدة الماضية للزوجة صحيحة سواء كانت نفقة الموسرين أو المعسرين وكذا ضمان الادام ونفقة الخادمة وسائر المؤن ولو ضمن نفقة اليوم فكمثل لانها تجب بطلوع الشمس وفى ضمان نفقة الغد والشهر المستقبل قولان بناء على أن النفقة تجب بالعقد أو بالتمكين (ان قلنا) بالاول وهو القديم صح (وان قلنا) بالثاني فلا وهو الاصح هكذا نقل عامة الاصحاب وأشار الامام إلى أنه على قولين مع تفريعنا على أن ضمان مالا يجب باطل لان سبب وجوب النفقة على تعاقب الايام ناجز الجزء: 10 ¦ الصفحة: 363 وهو النكاح وهذا ما أورده المصنف وقال وفى ضمان ما سبق سبب وجوبه ولم يجب إلى آخره وفيه اشكال لان سبب وجوب النفقة إما النكاح أو التمكين في النكاح ان كان الاول فالنفقة واجبة فكيف قال ولم يجب وان كان الثاني فالسبب غير موجود ويجوز أن يقال في الجواب المراد من سبب الوجوب ههنا ما تقرر به الوجوب بل المراد منه الامر الذى إذا وجد استعقب الوجوب ظاهرا عند وجود أمر آخر وبيان ذلك بأنهم نقلوا قولين فيما إذا ضمن أرش الجناية وما يتولد منها ومعلوم أن الجناية ليست سببا لما يتولد منها الا على هذا التفسير اما عند قولنا سبب الوجوب النكاح والتمكين فنعنى به ما يقترن به الوجوب فإذا جوزنا ضمان نفقة المستقبل فله شرطان (أحدهما) أن يقدر مدة أما إذا أطلق لم يصح فيما بعد الغد وفيه وجهان أخذا من الخلاف فيما إذا قال أجرتك كل شهر بدرهم ولم يقدر هل يصح في الشهر الاول (والثانى) أن يكون المضمون في نفقة المعسرين وان كان المضمون عنه موسرا أو متوسطا لانه ربما يعسر وفي التتمة وجه آخر أنه يجوز ضمان نفقة الموسرين والمتوسطين لان الظاهر استمرار ماله وضمان نفقة القريب للمدة المستقبلة لا يجوز وفى ضمان نفقة اليوم وجهان والفرق أن سبيلها سبيل البر والصلة لاسبيل الديون ولهذا تسقط بمضي الزمان وضيافة الغير (المسألة الثالثة) من باع شيئا فخرج مستحقا فعليه رد الثمن ولا حاجة فيه إلى شرط والتزام قال القفال ومن الحماقة اشتراط ذلك في العيالات وان ضمن عنه ضمن ليرجع المشترى عليه بالثمن لو خرج المبيع مستحقا فهذا ضمان العهدة ويسمى ضمان الدرك ايضا (أما) ضمان العهدة فقد قال في التتمة إنما سمى به لالتزمه ما في عهدة البائع رده ويجوز أخذه من شيئين آخرين (أحدهما) قال في الصحاح يقال في الامر عهدة أي لم يحكم بعد وفى عقله عهدة أي ضعف فكأن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 364 الضامن ضمن ضعف العقد والتزم ما يحتاج فيه من غرم (والثانى) قال العهدة الرجعة يقال أبيعك الملسى لاعهدة أي تتملس وينقلب فلا يرجع إلى الضامن التزم رجعة المشترى عليه عند الحاجة (وأما) الدرك فقد قال في الصحاح الدرك التبعة تسكن وتحرك وفى التتمة انه سمى ضمان الدرك لا لتزامة الغرامة عند إدراك المستحق من ماله وفى صحة هذا الضمان طريقان (أظهرهما) أنها على قولين (أحدهما) خرجه ابن سريج وغيره أنه لا يصح لانه ضمان ما لم يجب ولانه لا يجوز الرهن به فكذلك الكفيل (وأصحهما) وهو نصه في آخر كتاب الاقرار أنه صحيح وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد لاطباق الناس عليه وإيداعه الصكوك في جميع الاعصار والمعني فيه أن الحاجة تمس إلى معاملة من لايعرف من الغرماء ولا يوثق بيده وملكه ويخاف عدم الظفر به لو ظهر الاستحقاق فيحتاج إلى التوثق (والثانى) القطع بالصحة حكاه القاضى ابن كج عن أبى اسحق وابن القطان وأجيب عن توجيه قول المنع بانه إذا بان الاستحقاق بان ان رد الثمن كان واجبا ألا انا كنا لا نعرفه (وأما) الرهن فالكلام فيه قد مر في كتاب الرهن * (التفريغ) ان قلنا بالصحة فذاك إذا ضمن بعد قبض الثمن أما قبله فوجهان (أحدهما) الصحة لان الحاجة تدعوا إليه اذر بما لا يثق المشترى بتسليم الثمن الا بعد الاستيثاق (وأصحهما) المنع لان الضمان انما يضمن ما يدخل في ضمان البائع ويلزمه رده وقبل القبض لم يتحقق ذلك وكما يصح ضمان العهدة للمشترى يصح ضمان نقصان الصنجة للبائع بان جاء المشترى بصنجة ووزن بها الثمن فاتهمه البائع فيها فضمن ضامن النقصان ان كانت ناقصة وكذا ضمان رداءة الثمن إذا شك البائع في أن المؤدى هل هو من الضرب الذى يستحقه فإذا خرج ناقصا أو رديئا طالب البائع الضامن بالنقصان وبالضرب المستحق إذا رد المقبوض على المشترى ولو اختلف البائع والمشترى في نقصان الصنجة صدق البائع بيمينه فإذا حلف طالب المشتري بالنقصان ولا يطالب الضامن على أقيس الوجهين لان الاصل براءة ذمته فلا يطالب الا إذا اعترف بالنقصان أو قامت بينة عليه ولو اختلف البائع والضامن في نقصانها فالمصدق الضامن على أصح الوجهين لان الاصل براءة ذمته بخلاف المشترى فان ذمته كانت الجزء: 10 ¦ الصفحة: 365 مشغولة بحق البائع والاصل بقاء الشغل * واعلم أن الائمة صوروا ضمان نقصان الصنجة والرداءة في الثمن كما أوردناه قالوا هذا الضمان للبائع كضمان العهدة للمشترى وحكى هذا صاحب الكتاب في الوسيط فاما ههنا فانه قال وكذا ضمان نقصان الصنجة ورداءة الجنس في المبيع فصور ضمان الرداءة في المبيع وهذا يمكن فرضه فيما إذا باع وشرط كونه من نوع كذا فخرج المبيع من نوع أردأ منه ثبت للمشترى الخيار والرجوع بالثمن وإذا ضمن ضامن كان له الرجوع على الضامن أيضا وكذا نقصان الصنجة يمكن تصوير ضمانه في المبيع بان باع بشرط أنه كذا منا فانه إذا خرج دونه يبطل المبيع على قول ويثبت للمشترى الخيار على قول كما مر فإذا ضمنه ضامن رجع بالثمن عليه وفى الصورتين يكون الضمان للمشتري كضمان العهدة ولو ضمن عهدة الثمن لو خرج المبيع معيبا فرده أو بان فساد المبيع بسبب غير الاستحقاق لتخلف شرط معتبر في المبيع واقتران شرط فاسد ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يصح (أما) في خروجه معيبا فلان وجوب رد الثمن على البائع ههنا بسبب حادث وهو الفسخ فالظمان سابق عليه فيكون ظمان ما لم يجب (وأما) في ظهور الفساد بغير الاستحقاق فلان هذا الضمان انما جوز للحاجة وانما تظهر الحاجة في الاستحقاق ولان التحرز عند ظهور الاستحقاق لا يمكن والتحرز عن سائر أسباب الفساد ممكن (والثانى) يصح لان الحاجة قد تمس إليه أيضا في معاملة الغرماء ومن لا يوثق بالظفر به كما تمس إلى الضمان بسبب الاستحقاق وذكر في التتمة أن المذهب هو الوجه الاول لكن أصحابنا العراقين أجابوا بالثاني ورووه عن ابن سريج ونفى صاحب البيان الخلاف فيه (فان قلنا) بالصحة إذا ضمن ذلك صريحا فقد حكى الامام وصاحب الكتاب وجهين في اندراجه تحت مطلق ضمان العهدة ونحن تجمع ما يطالب به ضامن العهدة في فصل محتوش بفصلين ويضمن ثلاثتها بقية مسائل الباب * (فصل أول) من الفاظ هذا الضمان أن تقول للمشترى ضمنت لك عهدته أو دركه أو خلاصك منه ولو قال ضمنت لك خلاص المبيع لم يصح لانه لم يستقل بتخليصه بعد ظهور الاستحقاق الجزء: 10 ¦ الصفحة: 366 ولو ضمن عهدة الثمن وخلاص المبيع معالم يصح ضمان الخلاص وفى العهدة قولا تفريق الصفة ولو شرط في المبيع كفيلا بخلاص المبيع بطل بخلاف ما لو شرط كفيلا بالثمن ويشترط أن يكون قدر الثمن معلوما للضامن فان لم يكن فهو كما لو لم يكن قدر الثمن معلوما في المرابحة ويجوز ضمان المسلم فيه للمسلم إليه لو خرج رأس المال مستحقا بعد تسليم المسلم فيه وقبله لا يجوز في أصح الوجهين ولايجوز ضمان رأس المال للمسلم لو خرج المسلم فيه مستحقا لان المسلم فيه في الذمة والاستحقاق لا يتصور فيه وانما يتصور في المقبوض وحينئذ يطالب المسلم بمثله لا برأس المال * (فصل ثان) إذا ظهر الاستحقاق فالمشترى يطالب من شاء من البائع والضامن ولا فرق في الاستحقاق بين أن يخرج مغصوبا وبين أن يخرج شقصا قد ثبت فيه الشفقة ببيع سابق فاخذه الشفيع بذلك المبيع ولو بان فساد البيع بشرط أو غيره ففى مطالبة الضامن وجهان (أحدهما) يطالب كما لو خرج مستحقا (والثانى) لا للاستغناء عنه بامكان حبس المبيع إلى استرداد الثمن لان السابق إلى الفهم من ضمان العهدة هو الرجوع بسبب الاستحقاق ولو خرج المبيع معيبا فرده المشترى ففى مطالبة الضامن بالثمن وجهان وأولى بان لا يطالب وبه قال المزني وابن سريج لان الرد ههنا سبب حادث وهو مختار فيه فاشبه ما إذا فسخ بخيار شرط أو مجلس أو تقايلا وهذا إذا كان العيب مقرونا بالعقد اما إذا حدث في يد البائع بعد العقد ففى التتمة انه لا يطالب الضامن بالثمن وجها واحد لانه لم يكن سبب رد الثمن مقرونا بالعقد ولم يوجد من البائع تفريط فيه وفى العيب الموجود عند البيع سبب الرد مقرونا بالعقد والبائع مفرط بالاخفاء وما لحق بالاستحقاق على رأى المبيع قبل القبض وبعد قبض الثمن وانفسخ العقد فهل يطالب الضامن بالثمن إن قلنا انه ينفسخ من أصله فهو كظهور الفساد بغير الاستحقاق وان قلنا من حينه كالرد بالعيب ولو خرج بعض المبيع مستحقا ففى صحة البيع في الباقي قولا تفريق الصفقة ان قلنا يصح فاختار المشترى إن قلنا يختر بجميع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 367 الثمن لم يطالب الضامن بثئ وان قلنا يختر بالحصة طالبه بحصة المستحق من الثمن وان فسخ طالب بحصة المستحق من الثمن ومطالبته بحصة الباقي من الثمن كمطالبته عند الفسخ بالعيب وان قلنا لا يصح ففى مطالبته بالثمن طريقان (أحدهما) انه كما لو بان فساد العقد بشرط ونحوه (والثانى) القطع بتوجيه المطالبة لاستناد الفساد إلى الاستحقاق وهذا كله فيما إذا كانت صيغة الضمان شيئا مما ذكرنا في الفصل الاول اما إذا كان قد عين جهة الاستحقاق فقال ضمنت لك الثمن متى خرج المبيع مستحقا لم يطالب بجهة أخرى * (فصل ثالث) اشترى أرضا وبني فيها أو غرس ثم خرجت مستحقة وقلع المستحق البناء والغراس فهل يجب ارش النقصان على البائع وهو مابين قيمته قائما ومقلوعا فيه خلاف مذكور في الكتاب في آخر الغصب والظاهر وجوبه وهو الذى حكاه القاضى أبو القاسم الصيمري عن الشافعي رضى الله عنه في علل الشروط * وحكى عن أبى حنيفة ان كان البائع حاضرا رجع المشترى بقيمة البنا والغراس عليه قائما ثم المستحق ان شاء أعطى البائع قيمته مقلوعا وان شاء أمره بقلعه وان كان البائع غائبا قال المستحق للمشترى ان شئت اعطيتك قيمته مقلوعا والا فاقلعه رجع على المشترى بقيمته على البائع مقلوعا لانه سلمه إليه مقلوعا وإذا قلنا بوجوب الارش على البائع فلو ضمنه ضامن نظر ان كان قبل ظهور الاستحقاق لم يصح لانه مجهول ولانه ضامن ما ليس بواجب وان كان بعد الاستحقاق وقبل القلع فكمثل * وقال ابو حنيفة يصح في الصورتين وان ضمنه بعد القلع وكان قدره معلوما صح وان ضمن ضامن عهدة الارض وأرش نقص البناء والغراس في عقدة واحدة لم يصح في الارش وفى العهدة قولا تفريق الصفقة ولو كان البيع بشرط أن يعطيه كفيلا فهو كما لو شرط في البيع رهنا فاسدا وذكر جماعة من الاصحاب أن ضمان نقص البناء والغراس كما لا يصح من غير البائع لا يصح من البائع وهذا ان أريد به أنه لغو كما لو ضمن العهدة لوجوب الارش عليه من غير الزام فهو مستمر على ظاهر المذهب والا فهو ذهاب منه إلى أنه لا أرش عليه والله أعلم * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 368 قال (واحترزنا باللازم عن نجوم الكتابة فلا يصح ضمانها * ويصح (و) ضمان الثمن في مدة الخيار إذ مصيره إلى اللزوم * وفى ضمان الجعل في الجعالة وجهان) * (الصفة الثانية) اللزوم في الديون والديون الثابتة ضربان (أحدهما) مالا مصير له إلى اللزوم بحال مثل نجوم الكتابة فلا يصح ضمانها كما لا يصح الرهن بها هذا هو المشهور وفيه وجه أنه يصح وبه قال أبو حنيفة ومم أجد هذا الوجه عن الشيخ أبى محمد أن ابن سريج خرجه على ضمان ما لم يجب ووجد سبب وجوبه وذكر القاضى ابن كج أنه مأخوذ من تجويز ضمان الجعل في الجعالة على أحد الرأيبن ولو ضمن انسان عن المكاتب عين نجوم الكتابة نظر ان ضمنه لاجنبي صح وإذا غرم رجع على المكاتب إذا كان الضمان باذنه وان ضمنه لسيده يبني ذلك على أن الدين هل يسقط بعجزه وهو على وجهين (إن قلنا) نعم لم يصح الضمان للنجوم في الاصح (والضرب الثاني) ماله مصير إلى اللزوم فينظر ان كان لازما في حال الضمان صح ضمانه سواء كان مستقرا أو لم يكن كالمهر قبل الدخول والثمن قبل قبض المبيع لحاجة التوثيق ولا نظر إلى احتمال سقوطه كما لانظر إلى احتمال سقوط المستقر بالابراء والرد بالعيب وما أشبههما وان لم يكن لازما حال الضمان فهو على قسمين (أحدهما) ما الاصل في وضعه اللزوم كالثمن في مدة الخيار في ضمانه وجهان (أحدهما) المنع لانه ليس بلازم (وأصحهما) وقد قطع به بعضهم الجواز لانه ينتهى إلى اللزوم بنفسه عن قريب فيحتاج فيه إلى التوثيق ثم فيه نظران (أحدهما) أن الخلاف على ما ذكره صاحب التتمة مفروض فيما إذا كان الخيار للمشترى أولهما أما إذا كان للبائع وحده صح ضمانه بلا خلاف لان الدين لازما في حق من عليه (والثاني) اشار الامام إلى ان تصحيح الضمان مفرع على أن الخيار لايمنع نقل الملك في الثمن إلى البائع (اما) إذا منعه فهو ضمان ما لم يثبت بعد وقد ذكر مثل هذا الاستدراك في الرهن على ما مر (والثانى) ما الاصل في وضعه الجواز كالجعل في الجعالة فيه وجهان كما ذكرنا في صحة الرهن به وموضع الوجهين بعد الشروع في العمل وقبل تمامه على ما بيناه ثم وضمان مال المسابقة يبني على انها جعالة أو إجارة ان كان اجارة صح والا فهو كضمان الجعل * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 369 قال (واحترزنا بالمعلوم عن ضمان المجهول وهو باطل (ح) على الجديد * وكذلك الابراء (ح) عن المجهول * والصحيح جواز ضمان أبل الدية كما يجوز الابراء عنها * ولو قال ضمنت من واحد إلى عشرة فاشهر القولين الصحة) * (الصفة الثالثة) كونه معلوما وفيها صور (احداها) في ضمان المجهول طريقان كالطريقين المذكورين في ضمان ما لم يجب ووجه الجديد أنه اثبات مال في الذمة بعقد فاشبه البيع والاجارة (وإذا قلنا) بالقديم وبه قال أبو حنيفة ومالك فالشرط أن تتأتى الاحاطة به بأن يقول أنا ضامن لثمن ما بعت من فلان وهو جاهل به فان معرفته متيسرة (أما) إذا قال ضمنت لك شيئا مما لك على فلان فهو باطل لا محالة والقولان في صحة ضمان المجهول جاريان في صحة الابراء عن المجهول بطريق الاولى لان الضمان التزام والابراء اسقاط وذكروا في الابراء مأخذين (أحدهما) الخلاف في صحة شرط البراء من العيوب فان العيوب مجهولة الانواع والاقدار (والثانى) أن الابراء محض اسقاط كالاعتاق أو هو تمليك للمديون مافى ذمته ثم إذا ملكه سقط وفيه رأيان (ان قلنا) اسقاط صح الابراء عن المجهول وهو قول أبي حنيفة ومالك (وان قلنا) تمليك لم يصح وهو ظاهر المذهب وخرجوا علي هذا الاصل مسائل (منها) لو عرف المشترى قدر الدين ولم يعرف المبرأ عنه وسنذكره في الوكالة فان في الكتاب تعرضا له هناك (ومنها) لو كان له دين على هذا ودين على هذا فقال أبرأت أحدكما (ان قلنا) انه اسقاط صح وأخذ بالبيان (وإن قنا) تمليك لم يصح كما لو كان في يد كل واحد منهما عبد فقال ملكت أحدهما العبد الذى في يده (ومنها) لو كان لابيه دين على انسان فأبرأه هو ولا يعلم موت مورثه (وان قلنا) انه اسقاط صح كما لو قال لعبد أبيه اعتقتك هو يعلم موت الاب (وان قلنا) تمليك فهو كما لو باع مال أبيه علي ظن أنه حي وهو ميت (ومنها) أنه لا يحتاج إلى القبول ان جعلناه اسقاطا وان جعلناه تمليكا فنص ابن سريج انه لابد من القبول وظاهر المذهب أنه لا حاجة إليه لانه ان كان تمليكا فالمقصود منه الاسقاط وقد نص على هذا في كتاب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 370 الايمان فان اعتبرنا القبول ارتد بالرد وان لم نعتبره ففى ارتداده بالرد وجهان وهذه المسائل مخرجة على المأخذ المذكور أوردها صاحب التتمة مع اخوات لها واحتج للرأي الذاهب إلى كونه تمليكا بأنه لو قال للمديون ملكتك مافى ذمتك صح وبرئت ذمته عن غير نية وقرينة ولولا أنه تمليك لافتقر إلى نية أو قرينة كما إذا قال لعبده ملكتك رقبتك أو لزوجته ملكتك نفسك يحتاج إلى النية * (فرع) لو جاء المغتاب إلى من اغتابه فقال انى اغتبتك فاجعلني في حل ففعل وهو لا يدرى بما اغتابه فوجهان (أحدهما) انه يبرأ لان هذا اسقاط محض فصار إذا كما عرف أن عبدا قطع عضوا من عبده ولم يعرف عين العضو المقطوع فعفي عن القصاص يصح (والثانى) لا لان المقصود حصول رضاه والرضا بمجهول لا يمكن وتخالف مسألة القصاص لان العفو على القصاص مبني على التغليب والسراية واسقاط المظالم غير مبني عليه (الصورة الثانية) ضمان أروش الجنايات صحيح ان كان دراهم أو دنانير وفى ضمان ابل الدية إذا لم نجوز ضمان المجهول وجهان ويقال قولان (أحدهما) المنع لانها مجهولة الصفة واللون (والثانى) انه صحيح أيضا لانها معلومة السن والعدد والرجوع في اللون والصفة إلى غالب ابل البلد ولان الضمان تلو الابراء والابراء عنها صحيح فكذا الضمان وهذا الاظهر ومنهم من قطع به ثم إذا كان الضمان بحيث يقتضى الرجوع فيرجع بالحيوان أو بالقيمة قال الامام لا يمتنع ان يجرى فيه الخلاف المذكور في اقراض الحيوان ولايجوز ضمان الدية على العاقلة قبل تمام السنة لانها غير ثابتة بعد (الثالثة) إذا منعنا ضمان المجهول فلو قال ضمنت مالك على فلان من درهم إلى عشرة ففيه قولان على ما رواه الغزالي والصيدلانى ووجهان على ما رواه الامام وآخرون (أحدهما) أنه لا يصح لما فيه من الجهالة (وأظهرهما) الصحة لان المنع من ضمان المجهول لما فيه من الغرر وإذا ثبتت الغاية الملتزمة فقد وطن نفسه عليها وانتفي الغرر (وإذا قلنا) بالصحة وكان له عليه عشرة أو أكثر يلزمه عشرة ادخالا للطرفين في الملتزم أو ثمانية اخراجا لهما أو تسعة ادخالا للطرف الاول لانه مبدأ الا لتزام فيه أوجه سيعود مثلها في الجزء: 10 ¦ الصفحة: 371 الاقرار قال في التهذيب والاصح الاول ولو قال ضمت لك مابين درهم وعشرة فان عرف أن دينه لا ينقص عن عشرة صح وكان ضامنا لثمانية وان لم يعرف ففى صحته في الثمانية قولان أو الوجهان ولو قال ضمنت لك الدراهم التى لك على فلان وهو لايعرف مبلغها فهل يصح في ثلاثة لدخولها في اللفظ على كل حال فيه وجهان كما لو قال أجرتك كل شهر بدرهم هل يصح في الشهر الاول وهذه المسائل بعينها جارية في الابراء فإذا عرفت ما ذكرنا لم يخف عليك أن قوله في أول الركن ثابتا لازما معلوما ينتظم أعلام ثلاثتها - بالحاء والميم والواو - وأنه يدخل في الضبط المذكور في الزكاة فيجوز ضمانها عمن هي عليه وفى تجربة الرويانى ذكر وجه آخر أنه لا يجوز لانها حق الله تعالى فاشبه الكفالة بندب الشاهد لاداء الشهادة وعلى الصحيح هل يعتبر الاذن عند الاداء قال فيه وجهان (أظهرهما) الاعتبار ويجوز ضمان المنافع الثابتة في الذمم كالاموال * قال (ويصح (و) كفالة البدن عن كل من وجب عليه الحضور بمجلس الحكم من زوجة أو عبد آبق أو من عليه عقوبة لآدمي على الاظهر لانه حق كالدين فلا يشترط كونه مالا * وكذلك ضمان عين المغصوب والمبيع * وكل ما يجب مؤنة تسليمه دون الوديعة والامانات * وتصح كفالة البدن ممن ادعى عليه وان لم تقم عليه البينة بالدين إذ الحضور مستحق عليه * ومعناها الزام احضاره وتصح الكفالة ببدن الميت إذ قد يستحق احضاره لاداء الشهادة على صورته) * الكلام في هذا المضع إلى آخر الركن في كفالة البدن وتسمى كفالة الوجه أيضا وأنما أوردها في هذا الموضع لاستغنائها عن المضمون فان الشئ المضمون قد يكون حقا على الشخص وقد يكون نفس الشخص ولفظ الكتاب في أول الباب عند ذكر الاركان في بعض النسخ وهى ستة وذلك على عد كفالة البدن ركنا برأسها وكذلك أورد في الوسيط ركن الصيغة هو الركن السادس وفى بعض النسخ وهى خمسة وركن الصيغة هو الركن الخامس وهذا أحسن * وفقه الفصل أن الشافعي رضى الله عنه نص في أكثر المواضع على أن كفالة البدن صحيحة وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله وذكر في الدعوى والبينات أن كفالة البدن ضعيفة وللاصحاب طريقتان (أشهرهما) وبها قال الجزء: 10 ¦ الصفحة: 372 المزني وأبو إسحق أن فيها قولين (أصحهما) الصحة لاطباق الناس عليها في الاعصار ومساس الحاجة إليها (الثاني) المنع لانها ضمان ما لا يدخل تحت اليد ولا يقدر على تسليمه (والثانية) القطع بالصحة وحمل ما ذكره في الدعاوى على ضعفها من جهة القياس ويتفرع على القول بصحتها مسائل وتفريعات يشتمل الفصل منها على مسألتين (إحداهما) فيمن يتكفل ببدنه وتجوز الكفالة ببدن من عليه مال ولا يشترط العلم بمبلغ ذلك المال لان الكفالة بالبدن لا بالمال وفيه وجه أنه يشترط بناء على أنه لو مات غرم الكفيل ما عليه ويشترط أن يكون ذلك المال بحيث لو ضمنه لصح حتى لو تكفل انسان ببدن المكاتب للنجوم التى عليه لم يصح لانه لو ضمن النجوم لم يصح فالكفالة بالبدن للنجوم أولى أن تصح ذكره العراقيون وغيرهم (أما) إذا كان عليه عقوبة فينظر ان كانت من حقوق الآدميين كالقصاص وحد القذف فقد نص في اللعان أنه لا يضمن رجل في حد ولا لعان وعن نقل المزني في الجامع الكبير أنه قال تجوز الكفالة بمن عليه حق أوحد واختلف الاصحاب فيه على طرق (أظهرها) ويحكي عن ابن سريج أنه على قولين (أحدهما) الجواز لانه حق لازم فاشبه المال ولان الحضور مستحق عليه فجاز التزام احضاره (والثانى) المنع لان العقوبات مبنية على الدفع فتقطع الذرائع المؤدية إلى توسعها وعن الشيخ أبى حامد بناء القولين على أنه إذا مات المكفول ببدنه هل يغرم الكفيل ما عليه من الدين (ان قلنا) نعم لم تصح الكفالة ههنا لانه لم يمكن مؤاخذته بما عليه (وان قلنا) لاصحت كما لو تكفل ببدن من عليه مال وقضية هذا البناء أن يكون قول التصحيح أظهر وهو اختيار القفال وصاحب الكتاب وادعى القاضى الرويانى أن المذهب المنع (والطريق الثاني) القطع بالجواز وحمل ما ذكره في اللعان على الكفالة بنفس الحد (والثالث) القطع بالمنع لانه لا تجوز الكفالة بما عليه فلا تجوز الكفالة ببدنه رواه القاضى الرويانى في اللعان وان كانت العقوبة من حدود الله تعالى فالمشهور أنه لا تصح الكفالة ببدنه لانها للتوثيق وحدود الله تعالى يسعى في دفعها ما أمكن وعن أبى الطيب بن سلمة وابن خيران طرد القولين فيه والخلاف في هذا الباب شبيه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 373 بالخلاف في ثبوت العقوبات بالشهادة على الشهادة وكتاب القاضى إلى القاضى * هذا حكم من عليه مال أو عقوبة وضبط الامام والمصنف من يكفل ببدنه بما يدخل فيه هذان وغيرهما فقال حاصل كفالة البدن التزام احضار المكفول ببدنه وبكل من يلزمه حضوره مجلس الحكم عند الاستعداء أو يستحق احضاره تجوز الكفالة ببدنه ويخرج على هذا الضبط صور (منها) الكفالة ببدن امرأة يدعى رجل زوجيتها صحيحة لان الحضور مستحق عليها وكذلك الكفالة بها لمن ثبتت زوجيته وقال في التتمة الظاهر أن حكم هذه الكفالة حكم الكفالة ببدن من عليه القصاص لان المستحق عليها لا يقبل النيابة (ومنها) لو تكفل ببدن عبد آبق لمالكه عن ابن سريج أنه يصح ويلزمه السعي في رده ويجئ فيه مثل ما حكيناه في الزوجه (ومنها) الميت قد يستحق احضاره ليقيم الشهود الشهادة على صورته إذا تحملوها كذلك ولم يعرفوا اسمه ونسبه وإذا كان كذلك فتصح الكفالة ببدنه ولو تكفل ببدن حى فمات فسيأتي ان شاء الله تعالى (ومنها) الصبي والمجنون قد يستحق احضارهما لاقامة الشهادة على صورتهما في الاتلافات وغيرها فتجوز الكفالة بها ثم ان كفل باذن وليهما فله مطالبة الولى باحضارهما عند الحاجة وان تكفل بغير اذنه فهو كالكفالة ببدن العاقل البالغ بغير اذنه (ومنها) قال الامام لو تكفل رجل ببغداد ببدن رجل بالبصرة فالكفالة باطلة لان من بالبصرة لا يلزمه الحضور ببغداد في الخصومات والكفيل فرع المكفول ببدنه فإذا لم يجب عليه الحضور لا يمكن إيجاب الاحضار على الكفيل واعلم أن الحق الذي تجوز بسببه الكفالة إن ثبت على المكفول ببدنه باقرار أو بينة فذاك وان لم يثبت لكنه ادعى عليه فلم ينكر وسكت صحت الكفالة أيضا وان أنكر فوجهان (أحدهما) أنها لا تصح لان الاصل أن لاحق عليه وقد تأيد ذلك بصريح انكاره والكفالة ببدن من لاحق عليه باطلة (وأصحهما) الجواز لان الحضور مستحق عليه فجاز التزام احضاره ومعظم الكفالات في الخصومات انما يتفق قبل ثبوت الحقوق وتجوز الكفالة ببدن الغائب والمحبوس وان تعذر تحصيل الغرض في الحال كما يجوز للمعسر الجزء: 10 ¦ الصفحة: 374 ضمان المال * وقال أبو حنيفة لا يجوز ويجب أن يكون المكفول ببدنه معينا فلو كفل ببدن أحد هذين لم يصح كما لو ضمن أحد الدينين (المسألة الثانية) في ضمان الاعيان - إذا ضمن عينا لمالكها وهى في يد غيره نظر ان كانت مضمونة عليه كالمغصوب والمستعار والمستام والامانات إذا خان فيها فله تصويران (أحدهما) أن يضمن رد أعيانها (والمشهور) تخرجه على قولى كفالة الابدان ومنهم من قطع بالجواز مع اثبات الخلاف في كفالة الابدان والفرق أن حضور الخصم ليس مقصودا في نفسه وانما هو ذريعة إلى تحصيل المال فالتزام المقصود أولى بالصحة من التزام لذريعة وان جوزنا وبه قيل أبو حنيفة وأحمد فردها برئ من الضمان وان تلفت وتعذر ردها فهل عليه قيمتها فيه وجهان كالوجهين في وجوب الغرم على الكفيل إذا مات المكفول ببدنه فان أوجبنا فيجب في المغصوب أقصي القيم أم قيمته يوم التلف لان الكفيل لم يكن متعديا حكى الامام فيه وجهين ولو ضمن تسليم المبيع وهو بعد بيد البائع جرى الخلاف في الضمان ان صححناه وتلف انفسخ البيع فان لم يوف المشترى الثمن لم يطالب الضامن بشئ وان كان قد وفاه عاد الوجهان في أن الضامن هل يغرم فان غرمناه فيغرم الثمن أو أقل الامرين من الثمن وقيمة لمبيع فيه وجهان (أظهرهما) أولهما (والتصوير الثاني) أن يضمن قيمتها لو تلفت قال في التهذيب يبني ذلك علي أن المكفول ببدنه إذا مات هل يغرم الكفيل الدين (إن قلنا) نعم صح ضمان القيمة لو تلفت العين والالم يصح وهو الاصح وأيضا فان القيمة قبل تلف العين ليست بواجبة فيكون ضمان ما لم يجب وان لم تكن مضمونة العين على صاحب اليد كلوديعة ومال الشركة والمال في يد الوكيل والوصى لم يصح صمانها لانها غير العين مضمونة ولا مضمون الرد وانما الذى يجب على الامين مجرد التخلية ولو تكفل ببدن العبد الجاني جناية توجب المال فهو كما لو ضمن عينا من الاعيان (ومنهم) من جزم بالمنع والفرق أن العين المضمونة مستحقة ونفس العبد ليست بمستحقة وانما المقصود تحصيل الارش من بدله وبدله مجهول ولو باع ثوبا بشئ أو درهم معينة فضمن ضامن عهدة المبيع حتى إذا خرج مستحقا رد عليه الثمن وهو قائم في يد البائع فهذا من صور ضمان الاعيان وان تلف في يد البائع فضمن قيمته فهو كما لو كان الثمن في الذمة وضمن العهدة ولو رهن ثوبا من انسان ولم يقبضه فضمن رجل تسليمه لم يصح لان ضمانه ضمان ما ليس بلازم (أما) لفظ الكتاب فقد وقع في ترتيبه بعض الجزء: 10 ¦ الصفحة: 375 التغيير لا عن غفلة لكنه اكتفى بالشرح (وقوله) وتصح كفالة البدن معلم - بالواو - (وقوله) عن كل من وجب عليه حضور مجلس الحكم هو الضبط الذى ذكره الامام (وقوله) على الاظهر أي في من عليه عقوبة لآدمي ولم يقصد صرف الخلاف إلى الزوجة والعبد الآبق على ما هو واضح في الوسيط كما أسلفنا فيهما ما يقتضى الخلاف فيجوز اعلام الزوجة والعبد - بالواو - (وقوله) من عليه عقوبة لآدمي يصح اعلامه - بالالف - لان أحمد لا يجوز الكفالة ببدنه (وقوله) ولا يشترط كونه ما لا ليس مسألة أخرى بل هو تتمة وايضاح لما سبق (وقوله) وكذا ضمان عين المغصوب معلم - بالواو - * قال (ويخرج الكفيل عن العهدة بتسليمه في المكان الذى شرط أراده المستحق أو أباه الا أن يكون دونه يد جليلة مانعة فلا يكون تسليما * ويلزمه اتباعه في غيبته أن عرف مكانه * فان مات أو هرب أو اختفى فالصحيح انه لا يلزمه شئ * وقيل يلزمه الدين ان قامت به البينة (فان قلنا) لا يلزمه شئ سوى الاحضار فلا تجوز الكفالة دون رضا المكفول ببدنه وتجوز الكفالة ببدن الكفيل كما يجوز ضمان الضامن * فإذا مات المكفول له انتقل الحق إلى ورثته على الاظهر * ومهما حضر بنفسه برئ الكفيل كما لو أدى الاصيل الدين) * في الفصل مسائل مفرعة على صحة الكفالة بعضها مصرح به وبعضها مشار إليه (الاولى) ان عين في الكفالة مكانا للتسليم تعين وان أطلق ففى التتمة أنه كما لو أطلق السلم ولم يعين مكان التسليم وقال الامام وغيره يحمل على مكان الكفالة ولا يجئ فيه ذلك الخلاف وسواء جاء الخلاف أم لا فالظاهر جوازه وحمله على ذلك المكان فلو أتى الكفيل باالمكفول به في غير المكان المستحق جاز قبوله وله أن يمتنع ان كان له فيه غرض بأن كان قد عين مجلس الحكم أو بقعة يجد فيها من يعينه على خصمه فسلمه الكفيل في مكان آخر وان لم يختلف الغرض فالظاهر أنه يلزمه قبوله فان امتنع رفعه إلى الحاكم ليستلم عنه فان لم يكن حاكم اشهد عليه شاهدين أنه سلمه إليه (الثانية) يخرج الكفيل عن العهدة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 376 بتسليمه في المكان الذى وجب فيه التسليم طلبه المستحق أو لم يطلبه بل أباه بشرط أن لا يكون هناك حائل كيد سلطان أو متغلب وحبس الحاكم بالحق لا يمنع صحة التسليم لا مكان احضاره ومطالبته بالحق ولو حضر المقر له به وقال سلمت نفسي اليك عن جهة الكفيل برئ الكفيل كما يبرأ الضامن باداء الاصيل الدين ولو لم يسلم نفسه عن جهة الكفيل لم يبرأ الكفيل لانه لم يسلمه إليه ولا أحدا من جهته حتى قال القاضى الحسين لو ظفر به المكفول له في مجلس الحكم وادعى عليه لم يبرأ الكفيل وكذا لو سلمه اجنبي لا عن جهة الكفيل ولو سلمه عن جهة الكفيل فان كان باذنه فهو كما لو سلمه بنفسه وإن كان بغير إذنه فليس على المكفول له القبول لكن لو قبل برئ الكفيل ولو كفل برجل لرجلين فسلمه إلى أحدهما لم يبرأ عن حق الآخر كما لو ضمن لشخصين دينين فأدى دين أحدهما ولو كفل رجلان لرجل فجاء به احدهما وسلمه إلى المكفول له نقل صاحب التهذيب انهما ان كفلا على الترتيب وقع تسليمه عن المسلم دون صاحبه سواء قال سلمت عن صاحبي أو لم يقل وان كفلا معا فوجهان قال المزني يبرأ صاحبه كما يبرأ المسلم أما إذا أدى أحد الضامنين الدين يبرآن جميعا وقال ابن سريج والاكثرون لا يبرآ كما لو كان بالدين رهنان فانفك أحدهما لا ينفك الآخر ويخالف أداء أحدهما الدين فأنه يوجب براءة الاصيل وإذا برئ الاصيل برئ كل ضامن وان كانت المسألة بحالها وكفل كل واحد من الكفيلين ببدن صاحبه ثم أحضر أحدهما المكفول به وسلمه فعلى ما ذكره المزني يبرا كل واحد منهما عن كفلة صاحبه وكفالة الذى كفلا به وعلى ما ذكره ابن سريج يبرأ المسلم عن كفالة صاحبه وكفالة الذى كفلا به ولما يخرج الكفيل عن العهدة بالتسليم يبرأ أيضا بأبراء المكفول له المكفول به ولو قال المكفول له لاحق لى قبل المكفول به أو عليه فوجهان عن ابن سريج (أحدهما) أنه يبرأ الاصيل والكفيل (والثانى) أنه يراجع فأن فسر بنفى الدين فذاك وان فسر بنفى الشركة والوديعة ونحوهما قبل قوله فأن كذباه حلف (الثالثة) إذا غاب المكفول ببدنه نظر ان غاب غيبة منقطعة والمراد منها أن لايعرف موضعه وينقطع خبره فلا يكلف الكفيل بأحضاره لعدم الامكان وإن عرف موضعه فأن كان دون الجزء: 10 ¦ الصفحة: 377 مسافة القصر فعليه إحضاره لكنه يمهل مدة الذهاب والاياب ليتبعه فأن مضت المدة ولم يحضره حبس حينئذ وان كان على مسافة القصر فوجهان (أظهرهما) أنه كما لو كان دون مسافة القصر وكما لو كان مال المديون غائبا إلي هذه المسافة يؤمر بأحضاره (الثاني) أنه لا يطلب به الحاقا لهذه الغيبة بالغيبة المنقطعة كما أنه لو غاب غيبة منقطعة * ولو كان غائبا حين كفل فالحكم في إحضاره كما لو غاب بعد الكفالة وما حكينا عن الامام في كفالة من بالبصرة جواب علي أنه لا يلزم الاحضار لان الكفالة حينئذ لا فائدة فيها فتبطل ولو مات المكفول به ففى انقطاع طلب الاحضار عن الكفيل وجهان (أصحهما) انه لا ينقطع بل عليه إحضاره ما لم يدفن إذا أراد المكفول له إقامة الشهادة على صورته كما لو تكفل ابتداء ببدن الميت (والثانى) ينقطع حملا للاحضار الملتزم على حال الحياة فأنه الذى يخطر بالبال غالبا وهل يطلب الكفيل بمال فيه وجهان (أصحهما) لا وبه قال أبو حنيفة لانه لم يلتزمه وهذا كما لو ضمن ضامن المسلم فيه فانقطع لا يطالب برد رأس المال (والثانى) وبه قال ابن سريج ويحكي عن مالك أنه يطالب لان الكفالة وثيقة فيستوفى الحق منها إذا تعذر تحصيله ممن عليه كالرهن وعلى هذا فالمطالبة بالدين أو بالاقل من الارش وقيمة العبد وإن هرب المكفول به إلى حيث لا يعلم أو توارى فالخلاف في مطالبة الكفيل بالمال مرتب على حال الموت وأولى بأن لا يطالب إذا لم يحصل اليأس عن إحضاره ولو تكفل ببدن رجل وشرط عليه أنه إذا عجز عن تسليمه غرم الدين (فأن قلنا) إنه يغرم عند الاطلاق فلا بأس والا بطلت الكفالة (الرابعة) ظاهر المذهب أن الكفالة بغير رضا الكفول به لا تصح ومنهم من قال تصح والخلاف مبنى على أن الكفيل هل يغرم عند العجز (إن قلنا) لا لم تصح لانه إذا تكفل بغير إذنه لا يمكنه إحضاره إذ لا يلزم الاجابة فلا تفضى الكفالة إلى مقصودها وان قلنا نعم صحت ويغرم المال عند العجز فتظهر فائدة الكفالة وعن صاحب التقريب حكاية وجه أنها تصح (وان قلنا) إنه لا يغرم عند العجز وسنبينه إن شاء الله تعالى في التفريع وتصح الكفالة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 378 من غير رضا المكفول له ويجرى فيه الوجه المذكور في اعتبار رضا المضمون له في ضمان المال قال الامام إذا تقرر ذلك فان كفل برضا المكفول به وأراد احضاره بطلب المكفول له نظر ان قال احضر خصمى فللكفيل مطالبته بالحضور وعليه الاجابة لا بسبب الكفالة ولكن لانه قد وكله باحضاره وان لم يقل ذلك ولكن قال اخرج عن حقى فهل له مطالبته المكفول به فيه وجهان عن ابن سريج (أحدهما) لا كما لو ضمن بغير اذنه مالا وطلب المضمون له الضامن فانه لا يطالب الاصيل وذكر علي هذا أنه يحبس واستبعده الائمة لانه حبس على مالا يقدر عليه (والثانى) نعم لان المطالبة بالخروج عن العهدة تضمن التوكيل والاحضار ومن هذا خرج الذى حكاه صاحب التقريب فانه إذا طالب الكفيل المكفول بالحضور فتظهر الفائدة (الخامسة) لو تكفل ببدن الكفيل كفيل جاز لانه تكفل ببدن من عليه حق لازم وكذا لو تكفل بذلك الكفيل الكفيل آخر ولا حصر كما في ضمان المال ثم مهما برئ الكفيل الاول برئ كل من بعده ولو برئ الآخر لم يبرأ من قبله ولو برئ بعض الكفلاء المتوسطين برئ من بعده دون من قبله (السادسة) في موت المكفول له ثلاثة أوجه عن ابن سريج (أظهرها) ابقاء الكفالة وقيام ورثته مقامه كما لو ضمن له المال (والثانى) أنها تنقطع لانها ضعيفة فلا نحكم بثبوتها (والثالث) ان كان له وصى أو عليه دين بقيت الكفالة لان الوصي نائبه وتمس حاجته إلى قضاء الدين وان لم يكن وصى ولا دين انقطعت (وقوله) في الكتاب ويلزمه اتباعه في عينه يجوز إعلامه - بالواو - لاحد الوجهين المذكورين فيما إذا كانت الغيبة إلى مسافة القصر (وقوله) لا يلزمنى شئ يجوز إعلامه - بالميم - وكذا اعلام قوله يلزمه الدين - بالحاء - (وقوله) فان قلنا لا يلزمه شئ سوى الاحضار فلا يجوز - بالواو - للوجه الذى حكاه صاحب التقريب أنها جائرة دون رضاه (وان قلنا) لا يجب على على الكفيل شئ سوى الاحضار (وقوله) ومهما حضر بنفسه برئ الكفيل يحتاج إلى تقييد معني حضر وسلم نفسه عن جهة الكفيل * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 379 قال (الركن الخامس الصيغة وهى قوله ضمنت وتكفلت وتحملت * وما ينبئ عن اللزوم * ولو قال أؤدى أو أحضر لم يكن ضامنا ولو شرط الخيار في الضمان فسد * ولو علقه بمجئ الشهر فسد * (ح) * ولو علق الكفالة بالبدن بمجئ الشهر أو بوقت الحصاد ففيه خلاف لانه بني علي المصلحة ولايجوز تعليق الابراء كما لا يجوز تعليق ضمان المال * ولو نجز كفالة البدن وشرط التأخير في الاحضار شهرا جاز للحاجه * ولو شرط الاجل في ضمان المال الحال ففيه خلاف * ولو ضمن المؤجل حالا ففى فساد الشرط وجهان * فان فسد ففى فساد الضمان وجهان * ولو تكفل بعضو من بدنه صح في الكل على وجه * وفسد على وجه * وصح ان كان العضو لا يبقى البدن دونه على وجه والا فلا) * المقصود الكلام في صيغة الضمان وما يفترن بها من الشروط والتعليقات وفيه مسائل نضرب فيها كل واحد من ضمان المال وكفالة البدن بسهم (الاولى) لابد من صيغة دالة على التزام كقوله ضمنت لك ما على فلان وأنا بهذا المال أو باحضار هذا الشخص كفيل أو ضامن أو زعيم أو حميل أو قبيل وفى البيان وجه في لفظ القبيل أنه ليس بصريح ويطرد في الحميل وما ليس بمشهور ولو قال حل عن فلان والدين الذى لك عندي فهذا ليس بصريح في الضمان خلافا لابي حنيفة فيما رواه صاحب البيان وذكر وجهين فيما إذا قال دين فلان إلى ولو قال أؤدى المال أو أحضر الشخص فهذا بالتزام وانما هو وعد ولو كان قد تكفل ببدن انسان فابرأه المكفول له ثم وجده ملازما للخصم فقال خله وأنا على ما كنت عليه من الكفالة حكم ابن سريج بكونه كفيلا لانه اما مبتدئ بالكفالة بهذا اللفظ أو مخبر عن كفالة واقعة بعد البراءة (الثانية) لو شرط الضامن الخيار لنفسه لم يصح لانه ينافى مقصود الضمان ولا حاجة إليه فان الضامن على يقين من الغرم ولو شرط الخيار للمضمون له لم يضر لان الخيرة في لابراء والمطالبة إليه أبدا وكذا الحكم في الكفالة وعن أبي حنيفة أن شرط الخيار لا يبطلها لكنه يلغو ولو علق الضمان بوقت أو غيره فقال إذا جاء رأس الشهر فقد ضمنت أو ان لم يؤد ما لك غدا فانا ضامن لم يصح لانه عقد من العقود فلا يقبل التعليق كالبيع ونحوه وهذا كما أنه لا يقبل التأقيت بان يقول أنا ضامن إلى شهر فإذا مضى ولم أغرم فانا برئ وعن ابن سريج أنه إذا جاز على القديم ضمان المجهول وما لم يجب جاز التعليق لان الجزء: 10 ¦ الصفحة: 380 من ضرورة الضمان قبل الوجوب تعليق المقصود بالوجوب وبه قال أبو حنيفة فيما رواه صاحب البيان قال الامام ويجئ في تعليق الابراء القولان بطريق الاولى فان الابراء اسقاط قال وكان لا يمتنع من جهة القياس المسامحة به في الجديد أيضا لان سبب امتناع التعليق في العقود المشتملة على الايجاب والقبول خروج الخطاب والجواب بسببه عن النظم اللائق بهما فإذا لم يشترط فيه القبول كان بمثابة الطلاق والعناق فإذا فرعنا على القديم فلو قال إذا بعت عبدك بالف فانا ضامن للثمن فباعه بالفين فعن أبى يوسف أنه يصير ضامنا لالف لان مقصود الضامن أن الزيادة على الالف غير ملزمة ولا غرض له في قدر الثمن وجعله صاحب التقريب وجها لنا قال ابن سريج لا يكون ضامنا لشئ لان الشرط وهو البيع بالف لم يتحقق ولو باعه بخمسمائة ففى كونه ضامنا لها الوجهان ولو قال إذا أقرضته عشرة فانا ضامن لك فأقرضه خمسة عشر فهو ضامن لعشرة على الوجهين لان من أقرض خمسة عشر فقد أقرض عشرة والبيع بخمسة عشر ليس بيعا بعشرة وان اقرضه خمسة فعن ابن سريج تسليم كونه ضامنا لها قال الامام وهو خلاف قياسه لان الشرط لم يتحقق ولو علق كفالة البدن لمجئ الشهر فان جوزنا تعليق ضمان المال فهذا أولى وان منعنا منه ففيه وجهان كالخلاف في تعليق الوكالة والفرق أن الكفالة مبنية على المصلحة والحاجة فتتبع فيها الحاجة وان علقها بحصاد الزرع فالوجهان بالترتيب وأولى بالمنع لانضمام الجهالة لوقت حصوله إلى التعليق فان علقها بقدوم زيد فالوجهان بالترتيب واولى بالمنع للجهل باصل حصول القدوم والحصاد يحصد تقدم أو فأخر فان جوزنا فإذا وجد الشرط المعلق عليه صار كفيلا وهذه الصورة وترتيبها عزاها الامام إلى ابن سريج ولو أقت كفالة البدن فقال أنا كفيل به إلى شهر فإذا مضى برأت فيه وجهان وفى التهذيب قولان (أظهرهما) المنع كما في ضمان المال ولو نجز الكفالة وشرط التأخير في الاحضار شهرا جاز للحاجة وكذا في الوكالة وتوقف الامام فيه من جهة أن المعتد في الباب الحضور والحضور ناجز إذ المدعى مهما أراد أحضره فكان شرط التأخير فيه كشرط التأجيل في ضمان المال الحال وسنذكره على الاثر إن شاء الله تعالى وسياق المصنف ما رأه وجها في الوسيط فاعلم بذلك قوله ههنا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 381 جاز للحاجة - بالواو - وإذا قلنا بظاهر المذهب فلو أحضره قبل مضى المدة وسلمه وامتنع المكفول له من قبوله فينظر هل له غرض من الامتناع مثل أن تكون بينته غائبة أو دينه مؤجلا ام لا وحكم القسمين على ما ذكرنا فيما إذا سلمه في غير المكان المعين ولو شرط لاحضاره أجلا مجهولا كالحصاد ففى صحة الكفالة وجهان نقلهما العراقيون (أصحهما) المنع (وبالثانى) قال ابو حنيفة (الثالثة) لو ضمن الدين الحال حالا أو أطلق لزمه الدين حالا وان ضمن الدين المؤجل مؤجلا بذلك الاجل أو أطلق لزمه كذلك فأن ضمن الحال مؤجل إلى أجل معلوم فوجهان (أحدهما) أنه لا يصح الضمان لكون الملتزم مخالفا لما على الاصيل (وأصحهما) الصحة لان الضمان تبرع فيحتمل فيه اختلاف الدينين في الكيفية للحاجة وعلى هذا فالذي يوجد لعامة الاصحاب انه يثبت الاجل ولا يطالب الا كما الزم ولا يقول التحق الاجل بالدين الحال وإنما يثبت عليه مؤجل ابتداء ولا يبعد الحلول في حق الاصل دون الكفيل كما لو مات الاصيل وعليه الدين المؤجل وادعى الامام اجماع الاصحاب على ان الاجل لا يثبت وان في فساد الضمان لفساده وجهان (أظهرهما) الفساد ولو كان الدين مؤجل إلى شهرين فهو كما لو ضمن مؤجلا إلى ولو ضمن المؤجل حالا والتزم التبرع بالعتجيل مضوما إلى التبرع باصل الضمان فوجهان كما في عكسه والاصح الصحة وعلى هذا فهل عليه الوفاء بشرط التعجيل فيه وجهان (أحدهما) نعم كأصل الضمان (وأشبههما) لا كما لو التزم الاصيل التعجيل وأيضا فأن الضامن فرع الاصيل فينبغي أن يكون بالذمة مضاهيا لما على الاصيل وعلى هذا فالاجل يثبت في حقه مقصودا أم تبعا لقضاء حق المشابهة نقل في النهاية فيه وجهين وتظهر فائدتهما فيما لو مات الاصيل والحالة هذه وعكس صاحب التقريب فقال في صحه شرط العجيل وجهان فأن فسد ففى إفساد الضمان وجهان وهو قريب وله نظائر في الشرط الفاسد * ولو ضمن المؤجل إلى شهرين فهو كما لو ضمن المؤجل حالا (وقوله) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 382 في الكتاب وشرط الاجل في ضمان المال الحال فيه خلاف أي في إفساده الضمان هذا إذا راعينا طريقة الاكثرين وحكي في الوسيط وجهين في ثبوت الاجل ووجهين في فساد الضمان به إذا لم يثبت الاجل كما حكاهما الامام فيمكن على طريقته أن يريد بقوله فيه خلاف أي في ثبوته (الرابعة) لو تكفل ببدن فلان أو نفسه أو جسمه صح وكذا لو قال بروحه ذكره في التهذيب ولو تكفل بعضو من أعضائه ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) وبه قال الشيخ أبو حامد والقاضى أبو الطيب واختاره ابن الصباغ أنه باطل كما لو أضاف البيع والاجارة إلى بعض الاعضاء ويخالف الطلاق والعتاق لانهما مبنيان على الغلبة والسراية (والثانى) أنه يصح لانه لا يمكن تسليمه بحال إلا بتسليم الكل ويجوز أن يحتمل فيه مالا يحتمل في البيع ونحوه للحاجة (وثالثها) ان كان عضوا لا يبقى البدن دونه كالرأس والقلب والكبد والدماغ صح وان كان مما يبقى البدن دونه كاليد والرجل لم يصح قال في التهذيب وهذا أصح (رابعها) انما يعبر به عن جميع البدن كالرأس والرقبة إذا تكفل به صح وما لا يعبر به عن الجميع كاليد والرجل إذا أضاف به لم يصح أورده القفال في شرح التلخيص وقال انه الاصح وفى قوله لا يعبر باليد عن الجملة في أحد الوجهين كما سيأتي في موضعه والوجه بمثابة سائر الاعضاء فيما أورده المعظم وفى النهاية تصح الاضافة إليه جزما لشهرة هذا العقد بكفالة الوجة والجزء الشائع كالنصف والثلث كالجزء الذى لا يبقي البدن دونه فيجئ فيه وجهان والله أعلم * ونختم الباب بفروع هي منهانته ونراعى الاختصار * ضمن عن رجل الفا وشرط للمضمون له أن يدفع إليه كل شهر درهما ولا يحسبه من مال الضمان فالشرط باطل وفى بطلان الضمان وجهان ذكرهما القاضى ابن كج ولو كفل دينا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 383 أو كفل ببدن انسان ثم ادعى أنه كفل ولا حق على المضمون عنه أو المكفول به فالقول قول المكفول له لان الضمان والكفالة لا تكون الا بعد ثبوت الحق وهل يحلف أم يقبل قوله من غير يمين فيه وجهان عن ابن سريج (فان قلنا) بالاول فنكل حلف الكفيل وسقطت المطالبة عنه ولو أقر أنه ضمن أو كفل وأنكر المضمون له الشرط بنى ذلك على تبعيض الاقرار (ان قلنا) لا يتبعض فالقول قول الضامن مع يمينه (وان قلنا) يتبعض فالقول قول المضمون له ولو ادعى الكفيل أن المكفول به برئ من الحق وارتفعت الكفالة وأنكره المكفول له فالقول قول المكفول له مع يمينه فان نكل وحلف الكفيل برئ وان لم يبرأ بيمينه المكفول به ولو قال تكفلت ببدن زيد فان جئتك به وإلا فانا كفيل ببدن عمرو لم يجز (أما) كفالة زيد فلانه لم يلتزمها وكأنه قال كفلت ببدن هذا أو ذاك (أما) كفالة عمرو فبناء على أنها معلقة ولو قال قائل للمكفول له ابرئ الكفيل وأنا كفيل بمن تكفل به فعن ابن سريج أنه يصح لانه نقل الضمان إلى نفسه كما لو أحال الضامن المضمون له على غيره وقال الاكثرون لا يصح لانه تكفل بشرط ابراء الكفيل وأنه فاسد والكفالة ببدن الاجير المعين صحيحة ومن غرم الكفيل عند العجز عن التسليم لم يصححها لانه إذا مات انفسخ العقد وسقط لحق قاله في التتمة والله أعلم (الباب الثاني في حكم الضمان الصحيح) قال (وله أحكام (الاول) يجوز (م) مطالبة الضامن من غير انقطاع الطلبة عن المضمون عنه * ومهما أبرئ الكفيل * وان أبرئ الكفيل لم يبرأ الاصيل * ولو كان الدين مؤجلا فمات الاصيل لم يطالب الكفيل لانه حي) * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 384 مقصود الباب بيان ما يترتب على الضمان الصحيح من الآثار والاحكام (فمنها) أنه يتجدد للمضمون له جواز مطالبة الضامن ولا تنقطع مطالبته عن المضمون عنه بل يختر في مطالبتهما ومطالبة واحد منهما لان غرض العقد التوثيق وعن مالك رضى الله عنه أنه لا يطالب الضامن الا إذا عجز عن تحصيله من الاصيل لغيبة أو اعسار هذا إذا أطلق الضامن (أما) إذا ضمن بشرط براءة الاصيل ففى صحته وجهان عن ابن سريج (أشبههما) المنع لانه قرن به شرطا يخالف مقتضى الضامن (والثاني) يصح كما روى أنه لما ضمن أبو قتادة رضى الله عنه الدينارين عن الميت قال النبي صلى الله عليه وسلم (هما عليك حق الغريم وبرئ الميت فقال نعم فصلى عليه) (فان قلنا) بالصحة ففى صحة الشرط وجهان يشتمل الخلاف في براءة المحيل إذا أحال على من لا دين عليه وصححنا هذه الحوالة وقد مر ذلك وقد يعكس الترتيب فيقال في صحة الشرط إن فسد ففى فساد الضمان وجهان وإذا صححنا العقد والشرط برئ الاصيل وكان للضامن الرجوع عليه في الحال ان ضمن باذنه لانه حصل براءة ذمته كما لو أدي ومهما أبرأ مستحق الدين الاصيل برئ الضامن لسقوط الحق كما لو أدى الاصيل الدين أو أحال الاصيل مستحق الدين علي انسان أو أحال المستحق غريمه عليه وكذلك يبرأ ببراءة ضامن الضامن ولو أبرأ الضامن لم يبرأ الاصيل لان ابراءه اسقاط للوثيقة وذلك لا يقتضى سقوط أصل الدين كفك الرهن ويبرأ الضامن من الضمان بابراء المضمون له ولا يبرأ الضامن بابراء ضامن الضامن كما ذكرنا في الضامن والاصيل * ولو ضمن دينا مؤجلا فمات الاصيل وحل عليه الدين لم يحل على الضامن لانه حى يرتفق بالاجل وخرج ابن القطان أنه يحل على الضامن أيضا لانه فرع الاصيل وعلى المذهب لو أخر الجزء: 10 ¦ الصفحة: 385 المستحق المطالبة كان اللضامن أن يطالبه بأخذ حقه من تركة الاصيل في الحال أو ابراء ذمته لانه قد تهلك التركة فلا يجد مرجعا إذا غرم وعن رواية الشيخ أبى على وجه أنه ليس للضامن هذه المطالبة ولو مات الضامن حل عليه الدين فان أخذ المستحق المال من تركته لم يكن لورثته الرجوع على المضمون عنه قبل حلول الاجل ونقل القاضى ابن كج وجها آخر أنه لا يحل على الضامن كما لا يحل على الاصيل * قال (الثاني أن للضامن اجبار الاصيل على تخليصه ان طولب * وفى مطالبته بالتخليص قبل أن يطالب خلاف * وكذا في قدرته على المطالبة بتسليم المال إليه حتى يؤديه بنفسه فيخرج عن العهدة) * أصل مسائل الفصل وجهان خرجهما ابن سريج في أن مجرد الضمان هل يثبت حقا للضامن على الاصيل ويوجب علقة بينهما أم لا ففي وجه يوجب لانه اشتغلت ذمته بالحق كما ضمن فليثبت له عوضه على الاصيل وفيه وجه لا لانه لا يفوت عليه قبل الغرم شئ فلا يثبت له شئ إلا بالغرم * إذا عرفت ذلك فلو طالب المضمون له الضامن باداء المال كان له إن يطالب الاصيل بتحصيله ان ضمن بالاذن كما أنه يغرمه إذا غرم وعن القفال وجه أنه لا يملك مطالبته والمشهور الاول * وهل يطالبه بالتخليص قبل أن يطالب فيه وجهان (أحدهما) نعم كما لو استعار عبد الغير للرهن ورهنه كان للمالك المطالبة بالفك (وأصحهما) لا لانه لم يغرم شيئا ولا توجهت عليه طلبة ويخالف الرهن فانه محبوس بالدين وفيه ضرر ظاهر ومعني التخليص أن يؤدى دين المضمون له ليبرأ ببراءته الضامن وفى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 386 تمكن الضامن من تغريم الاصيل قبل أن يغرم حيث ثبت له الرجوع وجهان ذكرهما الشيخ أبو محمد والامام بناء على الاصل المذكور إن أثبتنا له حقا على الاصيل بمجرد الضمان فله أخذه والا فلا (وقوله) في الكتاب وكذا في قدرته على المطالبة بتسليم المال إليه حتى يؤديه بنفسه فيخرج عن العهدة محمول على هذه الصورة وأنه يستظهر بالمأخوذ ويؤدى الدين إما منه أو من غيره فيخرج عن العهدة وظاهر اللفظ يشعر بأخذه منه ليباشر أداءه نيابة عنه ويستفيد بعين البراءة لكن الحمل عليه بعيد لبعد الخلاف في الاخبار على الانابة وأيضا فانه ليس له ذكر في كتب الائمة ولكن الوجهان في تمكينه من التغريم مفرعا على أن ما يأخذه عوضا عما يقضى به دين الاصيل هل يملكه فيه وجهان بناء على الاصل السابق فان دفعه الاصيل ابتداء من غير اجبار ومطالبة (فان قلنا) يملكه فله التصرف فيه كالفقير إذا أخذ الزكاة المعجلة لكن لا يستقر ملكه عليه الا بالغرم حتى لو أبرأه المستحق كان عليه رد ما أخذه كرد الزكاة المعجلة إذا هلك المال قبل الحول (فان قلنا) لا يملكه فعليه رده ولو هلك عنده ضمن كالمقبوض بالشرط الفاسد ولو دفعه إليه وقال اقصد به ما ضمنت عنى فهو وكيل الاصيل والمال أمانة في يده ويخرح على ذلك الاصل صور أخرى (منها) أن الضامن هل يحبس الاصيل إذا حبس المضمون له الضامن ان أثبتنا العلقة بين الضامن والاصيل يجوز للضامن حبسه وبه قال أبو حنيفة وإلا فلا وهو الاصح (ومنها) لو أبرأ الضامن الاصيل عما سيغرم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 387 ان أثبتنا العلقة في الحال صح الابراء والاخراج على الابراء عما لم يجب ووجد سسب وجوبه (ومنها) لو صالح الضامن الاصيل عن العشرة التى سيغرمها على خمسة ان اثبتناها في الحال صح الصلح وكأنه اخذ عوض بعض الحق وأبرأ عن الباقي والالم يصح (ومنها) لو ضمن ضامن عن الاصيل للضامن شيئا مما ضمن والاصح في الكل المنع ولو شرط في ابتداء الضمان أن يعطيه الاصيل ضامنا ففى صحة الشرط الوجهان ان صح فان وفى الاصيل وأعطاه ضامنا فذاك والا فلا فسخ للضمان وان فسد فسد به الضمان على أصح الوجهين * قال (الثالث الرجوع ومن أدى دين غيره بغير اذنه لم يرجع * وان أدى بشرط الرجوع واذنه رجع * وان أدى بالاذن دون شرط الرجوع فوجهان * والضامن يرجع ان ضمن وأدى بالاذن * وان استقل بهما لم يرجع * وان ضمن دون الاذن وأدى بالاذن فالصحيح أنه لا يرجع وان ضمن بالاذن وأدى بغير الاذن عن مطالبة فيرجع (و) وان ابتدأ فوجهان) * الغرض الآن بيان الموضع الذى يستحق الضامن الرجوع على الاصيل بالمغروم والذى لا يستحق وقدم عليه الكلام في أن من أدى دين الغير من غير ضمان متى يرجع وتفصيله أنه ان أداه بغير إذن المديون لم يكن له الرجوع لانه متبرع بما فعل ويخالف مالو أوجر طعامه للمضطر حيث يرجع عليه وان لم يأذن المضطر لانه ليس متبرعا بل يجب عليه اطعام المضطر استبقاء لمهجته ويخالف الهبة فان في اقتضائها الثواب خلاف يذكر في موضعه لان الهبة متعلقة باختيار المتهب ولا اختيار للمديون ههنا وعن مالك يثبت له الرجوع الا إذا أدى العدو دين العدو فانه يتخذه ذريعة إلى ايذائة بالمطالبة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 388 وأن أداه باذن المديون فان جرى بينهما شرط الرجوع والا فوجهان (أحدهما) لا رجوع لانه لم يوجد منه الا الاذن في الاداء وليس من ضرورة الاداء الرجوع (وأصحهما) الرجوع بناء على المعتاد في مثله من المعاملات وأفاد الشيخ أبو محمد ههنا كلامين (أحدهما) تقريب هذا الخلاف من الخلاف في ان الهبة المطلقة هل تقتضي الثواب وترتيبه عليه والحكم بالرجوع أولى من الحكم بالثواب ثم لان الهبة مصرحة بالتبرع والاداء خلافه ولان الواهب مبتدئ بالتبرع والاداء ههنا مستوف بالاستدعاء الذى هو كالقرينة المشعرة بالرجوع (والثانى) أن في الهبة فارقا بين أن يكون الواهب ممن يطمع مثله في ثواب مثل المتهب أولا يكون فيخرج وجه ثالث مثله ههنا (وأما) الضامن فله أربعة أحوال (أولها) أن يضمن باذن الاصيل ويؤدى باذنه فيرجع عليه لانه صرف مال إلى منفعة الغير بأمره فاشبه مااذا قال اعلف دابتي فاعلفها وعن ابى حنيفة أنه يرجع إذا قال اضمن عني وادعنى (أما) إذا لم يقل عنى فلا يرجع الا إذا كان بينهما مخلطة شركة أو زوجية أو نحوهما ولافرق في ثبوت الرجوع بين أن يشترط الرجوع أولا يشترط قال الامام ويحتمل في القياس أن ينزل الاذن في الضمان والاداء منزلة الاذن في الاداء من غير ضمان حتى يقول ان شرط الرجوع ثبت والا فعلى الخلاف وفى كلام صاحب التقريب رمز إليه (وثانيها) أن يضمن ويؤدى بغير اذنه فلا رجوع له على الاصيل خلافا لمالك وأحمد * واحتج الاصحاب بحديث علي وأبى قتادة (بان النبي صل الله عليه وسلم صلى على الميت بعد ضمانهما ولو كان لهما الرجوع لما صلى لبقاء الدين) وأيضا فانه عليه السلام قال (الآن بردت جلدته عن النار) ولو بقى الدين لما حصل التبريد (وثالثها) أن يضمن بغير اذنه ويؤدى بأذنه ففي وجه يرجع لانه اسقاط الدين عن الاصيل باذنه (والاصح) المنع لان اللزوم بالضمان ولم ياذن فيه ورتب الوجهين في النهاية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 389 على الوجهين فيما إذا أدي دين الغير باذنه من غير ضمان ومن غير شرط الرجوع وقال هذه الصورة أولى بان يمتنع الرجوع لان الاذن في الاداء بعد اللزوم بالضمان في حكم اللغو وأبدي احتمالين فيما إذا أذن في الاداء بشرط الرجوع والحالة هذه (أحدهما) يرجع كما لو أذن في الاداء بهذا الشرط من غير ضمان ووجه الثاني أن الاداء استحق الضمان والمستحق بلا عوض لا يجوز أن يقابل بعوض كسائر الحقوق (والرابعة) أن يضمن بالاذن ويؤدى بغير الاذن ففيه وجهان عن ابن سريج ووجه ثالث عن أبى اسحق (أحد) وجهى ابن سريج وهو الاصح المنصوص أنه يرجع لان لاصل في الباب الالتزام وقد صادفه الاذن فيلتقي به (والثانى) لا يرجع لان الغرم حصل بغير اذن الاصيل وانما لم يقصد الا التوثيق بالضمان (والثالث) وهو الذى ذكره ابو اسحق أنه ان أدى من غير مطالبة أو عن مطالبة ولكن أمكنه مراجعة الاصيل واستئذانه فلم يفعل لم يثبت له الرجوع لانه لم يكن مضطرا الى الاداء وان لم يمكن مراجعته لكونه غائبا أو محبوسا فله الرجوع (وأما) ما ذكره في الكتاب أنه ان كان الاداء عن مطالبة فيرجع فان ابتدأ فوجهان فان فقهه ما ذكرناه في الوجه الثالث الا أنه رأى الرجوع فيما إذا كان الاداء عن مطالبة كا لظاهر المقطوع به وتخصيص ذكر الخلاف بما إذا ابتدأ بالاداء وعلم أن العرف غير منوط بمجرد كونه مطالبا أو مبتدئا بل المطالب الذى يحضر في المراجعة كالمبتدئ على ما سبق فليضم في قوله عن مطالبة العبد المحتاج إليه * (فرع) حوالة الضامن رب الدين علي انسان وقبوله حوالة رب الدين عليه ومصالحتهما عن الدين على عوض وصيرورة الدين ميراث للضامن كالاداء في ثبوت الرجوع وعدمه * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 390 قال (ولو صالح المأدون في الاداء بشرط الرجوع على غير جنس الدين رجع على الاصح * ولو صالح الضامن عن الف بعبد يساوى تسعمائة يرجع بتسعمائة على وجه وعلى وجه بالالف لان المسامحة جرت معه ولو سومح الضامن بخط قدر من الدين أو صفته لم يرجع الا بما بذل) * قد بان في الفصل السابق موضع أصل الرجوع والنظر بعده فيما يرجع به فان كان ما دفعه إلى رب الدين من جنس الدين وعلى صفته رجع به وان اختلف الجنس فالكلام في المأذون في الاداء من غير ضمان ثم في الضمان (أما) الاول فالمأذون بشرط الرجوع أو دونه إذا أثبتنا له الرجوع لو صالح رب المال على غير جنسه فهل له الرجوع أو لا فيه ثلاثة أوجه (أصحها) نعم لان مقصوده أن يبرئ ذمته وقد فعل (وثانيها) لا لانه انما أذن في الاداء دون المصالحة (وثالثها) الفرق بين أن يقول أد ما على من الدناينر مثلا فال يرجع وبين أن يقتصر على قوله أد دينى أو ما على فيرجع (فان قلنا) بالرجوع فيما يرجع حكمه ما يذكر في الضمان (أما) الضامن فلو صالح على غير الجنس يرجع بلا خلاف لان بالضمان ثبت الحق في ذمته ثبوته في ذمة الاصيل والمصالحة معاملة مبنية عليه بخلاف المأذون من غير ضمان ثم ينظر ان كانت قيمة المصالح عليه أكثر من قدر الدين لم يرجع بالزيادة لانه متطوع بها وان لم تكن أكثر كما لو صالح من ألف على عبد يساوى تسعمائة فوجهان وقيل قولان (أصحهما) أنه لا يرجع الا بتسعمائة لانه لم يغرم سواها (والثانى) يرجع بالالف لانه قد حصل براءة الذمة بما فعل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 391 ومسامحة رب الدين جرت معه ولو أنه باع العبد بالف وتقاصا فالرجوع بلا خلاف لانه ثبت في ذمته الف ذكره في التهذيب ولو قال للمضمون له بعت منك هذا العبد بما ضمنته لك عن فلان ففى صحة البيع وجهان حكاهما الاستاذ أبو منصور البغدادي فان صححنا فيرجع بما ضمنه أم بالاقل مما ضمنه ومن قيمة العبد قال فيه وجهان (وأما) الصفة فان كان المؤدى خيرا كما لو أدى الصحاح عن المكسرة لم يرجع بالصحاح وان كان بالعكس ففيه الخلاف المذكور في خلاف الجنس عن الشيخ أبى محمد القطع بانه يرجع بما أدى وهذا ما يقتضيه نظم الكتاب والفرق أن غير الجنس يقع عوضا والمكسرة لا تقع عوضا عن الصحاح فلا يبقى الا عارية حق الايفاء والاستيفاء قاله الامام ويتعلق بالرجوع مسائل أخر نوردها موجزين (منها) لو ضمن عشرة وادى خمسة وأبرأه رب الدين عن الباقي لم يرجع الا بالخمسة المغرومة وتبقى الخمسة الاخرى علي الاصيل لما مر أن ابراء الضامن لا يوجب براءة الاصيل ولو صالحه من العشرة على الخمسة فلا يرجع الا بالخمسة أيضا لكن يبرأ الضامن والاصيل عن الباقي وان كان صلح الحطيطة أبرأ في الحقيقة لان لفظ الصلح يشعر بقناعة المستحق الجزء: 10 ¦ الصفحة: 392 بالقليل عن الكثير بخلاف ما إذا صرح بلفظ الابراء هكذا أورده الشيخان الفراء والمتولي ولو قال قائل لفظ الصلح يتضمن القناعة بالقليل ممن يجرى الصلح معه أم على الاطلاق (والثانى) ممنوع لم يتضح الجواب (ومنها) ضمن ذمى لذمى دينا عن مسلم ثم تصالحا على خمر فهل يبرأ المسلم لان المصالحة بين الذميين أولا يبرأ كما لو دفع الخمر بنفسه فيه وجهان (ان قلنا) بالاول ففى رجوع الضامن على المسلم وجهان ان اعتبرنا بما أدى لم يرجع بشئ وان اعتبرنا بما أسقط رجع بالدين (ومنها) ضمن عن الضامن وأدى الثاني فرجوعه على الاول كرجوع الضامن على الاصيل فيراعى الاذن وعدمه وإذا لم يكن له الرجوع على الاول لم يثبت بادائه الرجوع للاول علي الاصيل لانه لم يغرم ولو ثبت له الرجوع على الاول فرجع رجع الاول على الاصيل إذا وجد شرطه فلو أراد الثاني أن يرجع على الاصيل ويترك الاول نظر ان كان الاصيل قد قال له اضمن عن ضامني ففى رجوعه عليه وجهان كما لو قال لانسان أد ديني فادى وليس هذا كما لو قال لانسان أد ديني فادى وليس هذا كما لو قال لانسان اقض دين فلان ففعل حيث لا يرجع على الآمر لان الحق لم يتعلق بذمته وان لم يقل له اضمن عن ضامني فان كان الحال بحيث لا يقتضى الرجوع للاول على الاصيل لم يرجع الثاني عليه وان كان يقتضيه فكذلك في أصح الوجهين لانه لم يضمن عن الاصيل ولو أن الثاني ضمن عن الاصيل أيضا فلا رجوع لاحد الضامنين على الآخر وانما الرجوع للمؤدى على الاصيل ولو ضمن عن الاول والاصيل جميعا فإذا أدى كان له أن يرجع على أيهما شاء وان رجع بالبعض على هذا وبالبعض على ذاك تم للاول الرجوع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 393 على الاصيل بما غرم إذا وجد شرطه (ومنها) على زيد عشرة ضمنها اثنان كل واحد منهما خمسة وضمن احدهما عن الآخر فلرب الدين مطالبة كل واحد منهما بالعشرة نصفها على الاصيل ونصفها على الضامن الآخر فان أدى أحدهما جميع العشرة رجع بالنصف على الاصيل وبالنصف على صاحبه وهل له الرجوع بالكل على الاصل إذا كان لصاحبه الرجوع عليه لو غرم فيه الوجهان وان لم يؤد الا خمسة فينظر ان أداها عن الاصيل أو عن صاحبه أو عنهما يثبت الرجوع بخمسة (ومنها) ضمن الثمن فهلك المبيع قبل القبض أو وجد به عيبا فرده أو ضمن الصداق فارتدت المرأة قبل الدخول أو فسخت بعيب نظر ان كان ذلك قبل أن يؤدى الضامن برئ الضامن والاصيل وان كان بعده فان كان بحيث يثبت له الرجوع رجع بالمغروم على الاصيل وضمن رب الدين للاصيل ما أخذ ان كان هالكا وان كان باقيا يرد عينه وهل له امساكه ورد بدله فيه الخلاف المذكور فيما إذا رد المبيع بعيب وعين دراهمه عند البائع فاراد امساكها ورد مثلها (والاصح) المنع وانما يغرم الاصيل دون الضامن لان في ضمن الاداء عنه اقراضه وتمليكه اياه وان كان بحيث لا يثبت له الرجوع فلا شئ للضامن على الاصيل وعلى المضمون له رد ما أخذه وعلى من يرد هو كما لو تبرع بالصداق وطلق الزوج قبل الدخول ويجئ حكمه في موضعه (ومنها) أدى الضامن الدين ثم وهبه رب المال منه ففي رجوعه على الاصيل وجهان مبنيان على القولين فيما لو وهبت الصداق من الزوج ثم طلقها قبل الدخول (ومنها) له علي رجلين عشرة وضمن كل واحد منهما الجزء: 10 ¦ الصفحة: 394 للآخر ما عليه فلا شك أن رب الدين يطالبهما أو شاء منهما بالعشرة فان أدى احدهما جميع العشرة برئا جميعا وللمؤدي الرجوع بالخمسة ان كان التصوير في حالة ثبوت الرجوع وان أدى كل واحد منهما خمسة عما عليه فلا رجوع وان أداها عن الآخر فلكل واحد الرجوع على الآخر ويجئ خلاف التقاص فان أدي احدهما خمسة ولم يؤد الاخر شيئا فان أداها عن نفسه برى المؤدى عما كان عليه وصاحبه عن ضمانه وبقي على صاحبه ماكان عليه ضامنا له وان أداها عن صاحبه رجع عليه بالمغروم وبقى عليه ما كان صاحبه ضامنا له وان أداها عنهما فلكل واحد نصف حكمه وإن أدى ولم يقصد شيئا فيقسط عليهما أو يقال اصرفه إلى ما شئت فيه وجهان سبق نظيرهما في آخر الرهن ومن فوائد الوجهين أن يكون بنصيب أحدهما رهن فإذا قلنا له صرفه إلى ما شاء فصرفه إلى نصيبه انفك الرهن والالم ينفك ولو اختلفا فقال المؤدى أديت عما على وقال رب الدين بل أديت عما على صاحبك فالقول قول المؤدى مع يمينه فإذا حلف برئ عما كان عليه لكن لرب الدين مطالبته بخمسة لانه اما صادق فالاصل باق على أو كاذب فالضمان باق وعن بعض الاصحاب أنه لا مطالبة له لانه إما أن يطالب عن جهة الاصالة وقد صدق الشرع المؤدى في الراءة عنها أو عن جهة الضمان وقد اعترف رب الدين بأنه أدى عنها * هذا حكم الاداء في المسألة ولو أبرأ رب الدين أحدهما عن جميع العشرة برئ الاصيل والضامن ويبرأ الاخر عن الضمان دون الاصيل ولو أبرأ أحدهما عن خمسة نظر إن أبرأه عن الاصيل برئ عنه وبرئ صاحبه عن ضمانه وبقى عليه ضمان ما على صاحبه وان أبرأه عن الضمان برئ عنه وبقى عليه الاصل وبقى على صاحبه الاصل والضمان وان أبرأه عن الخمسة عن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 395 الجهتين جميعا سقط عنه نصف الاصل ونصف الضمان وعن صاحبه نصف الضمان وبقى عليه الاصل ونصف الضمان فيطالبه بسبعة ونصف ويطالب المبرأ عنه بخمسة وان لم ينو عند الابراء شيئا فيحمل على النصف أو يخير ليصرف إلى ما شاء فيه الوجهان ولو قال المبرئ أبرأت عن الضمان وقال المبرأ عنه بل عن الاصل فالقول قول المبرئ (ومنها) ادعى على رجل أن له عليه وعلى فلان الغائب الف درهم عن ثمن عبد باعه منهما واقبضه أو عن جهة اخرى وان كل واحد منهما ضمن عن الآخر ما عليه وأقام على ذلك بينة واخذ الالف من الحاضر قال المزني في المختصر يرجع الحاضر بنصف الالف على الغائب (واعترض) عليه بان البينة اما تقام عندا الانكار وإذا أنكر كان مكذبا للبينة زاعما ظلم المدعى عليه بما اخذه وكيف يرجع على الغائب بما ظلم به (واجاب) الاصحاب عنه بان لا نسلم بأن البينة انما تقام عند الانكار بل يجوز ان يقر الحاضر ويقيم المدعى البينة للاثبات على الغائب ثم هب انه لم يقر لكن البينة لا تستدعى الانكار بخصوصه بل للانكار أو ما يقوم مقامه وهو السكوت فلعله كان ساكتا ثم هب استدعاءها للانكار لكن لا تستدعى الانكار منه بخصوصه بل يكفى صدور الانكار من وكيله في الخصومات فلعل البينة اقيمت في وجه وكيله المنكر ثم هب انه انكر لكنه ربما انكر الضمان وسلم البيع وهذا الانكار لو كان كان مانعا لكان مانعا للرجوع بجهة غرامة المضمون ومن الجائز ان يكون هذا الرجوع باعتبار ان المدعى ظلمه واخذ ما على الغائب منه وللظالم مثل المأخوذ على الغائب فيأخذ حقه بما عنده والذاهبون إلى شئ من هذه التأويلات سلموا انه لو وجد التكذيب القاطع لكل احتمال يمتنع الرجوع وهو الاصح على ما ذكره المسعودي والامام (ومنهم) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 396 من قال لا يمتنع الرجوع وان وجد صريح التكذيب وبه قال ابن خيران لان البينة ابطلت حكم انكاره فكأنه لم ينكر وهذا كما لو اشترى عبدا فادعى مدع انه ملكه وان بائعه غصبه فقال في الجواب لابل كان ملكا لبائعي وانه الآن ملكى فاقام المدعى بينة يرجع المشترى على البائع وان أقر بالملك على أن في هذه الصورة أيضا خلاف وسيأتى في موضعه ان شاء الله تعالى * قال (هذا الكلام إذا أشهد على الاداء * فان قصر في الاشهاد ولم يصدق لا يرجع وان صدقه المضمون عنه فلا يرجع أيضا في وجه لانه لم ينفعه أداؤه * وان صدقه المضمون له رجع في أظهر الوجهين لان اقراره أقوى من البينة مع انكاره * ولو أشهد رجلا وامرأتين جاز * وفى رجل واحد ليحلف معه خلاف خوفا من قاض حنفى * وفى المستورين خلاف * ولو ادعى موت الشهود وأنكر المضمون عنه أصل الاشهاد فوجهان في أن القول قول من لتقابل القولين) * كل ما مر من رجوع المأذون في الاداء والضامن على الاصيل مفروض فيما إذا أشهد على الاداء ولافرق بين اشهاد رجلين أو رجل وامرأتين ولو شهد واحد اعتمادا على أن يحلف معه فوجهان (أصحهما) أنه يكفى لان الشاهد مع اليمين حجة كافية لاثبات الاداء (والثاني) لا لانهما قد يترافعان إلى حنفى لا يقضى بشاهد ويمين فكان ذلك ضربا من التقصير ولو أشهد مستورين فبانا فاسقين فوجهان (أحدهما) أنه كما لو لم يشهد لان الحق لا يثبت بشهادتهما (وأولاهما) الاكتفاء لانه لا اطلاع له على الباطن فكان معذورا أو لا يكفي اشهاد من يعرف ظعنه عن قريب لانه لا يفضى إلى المقصود (أما) إذا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 397 أدى من غير اشهاد فينظر ان أدى في غيبة الاصيل فهو مقصر بترك الاشهاد إذ كان من حقه الاحتياط وتمهيد طريق الاثبات لو جحد رب الدين ولا رجوع له على الاصيل ان كذبه وان صدقه فوجهان (أحدهما) وبه قال ابن أبى هريرة أنه يرجع لاعترافه بأنه أبرأ ذمته باذنه (وأظهرهما) منع الرجوع وبه قال ابو اسحق لانه لم يؤد بحيث ينتفع به الاصيل فان رب الدين منكر وطلبته بحالها وهل يحلف الاصيل إذا كذبه قال في التتمة ينبنى على أنه لو صدقه هل يرجع عليه (ان قلنا) نعم حلف على نفى العلم بالاداء (وان قلنا) لافينبني على أن النكول ورد اليمين كالاقرار أو كالبينة (ان الجزء: 10 ¦ الصفحة: 398 قلنا) بالاول لم يحلف لان غايته أن ينكل فيحلف الضامن فيكون كما لو صدقه وذلك لا يفيد الرجوع (وان قلنا) بالثاني حلفه طمعا في أن ينكل ويحلف فيكون كما إذا أقام البينة ولو كذبه الاصيل وصدقه رب المال فوجهان (أحدهما) انه لا رجوع له ولا ينهض قول رب المال حجة على الاصيل (واظهرهما) ثبوت الرجوع لسقوط لطلبة باقراره واقراره اقوى من البنية مع انكاره فان أدى في حضور الاصيل فقد حكى الشيخ أبو حامد وآخرون وجها انه لا يرجع كما لو ترك الاشهاد في غيبته وظاهر المذهب المنصوص انه يرجع لانه في الغيبة مستبد بالامر فعليه الاحتياط والتوثيق فإذا كان الاصيل حاضرا فهو اولى بالاحتياط والتقصير وترك الاشهاد منسوب إليه وإذا توافق الاصيل والضامن على انه اشهد ولكن مات الشهود أو غابوا ثبت له الرجوع لانه اتى بما عليه ونقل الامام وجها بعيدا انه لا رجوع إذا لم ينتفع بادائه إذ القول قول رب الدين في نفى الاستيفاء ولو قال الضامن اشهدت وماتوا فانكر الاصيل الاشهاد ففيه وجهان (اصحهما) ان القول قول الاصيل لان الاصل عدم الاشهاد (والثانى) ان القول قول الضامن لان الاصل عدم التقصير ولانه قد يكون صادقا وعلى تقدير الصدق يكون منعه من الرجوع اضرارا فليصدق للضرورة كما يصدق الصبى في دعوي البلوغ إذ لايعرف الا من جهته ولو قال أشهدت فلانا وفلانا فكذباه فهو كما لو لم يشهد ولو قالا لا ندري وربما نسينا ففيه تترد للامام ومتى لم يقم البينة على الاداء وحلف رب المال بقيت مطالبته بحالها فان أخذ المال من الاصيل فذاك وان أخذه من الكفيل مرة أخرى لم يرجع بهما لانه مظلوم باخذها ولا يرجع الا على من ظلمه وبم يرجع فيه وجهان (أحدهما) أنه لا يرجع بشئ (أما) بالمبلغ الاول فلانه قصر عند أدائه بترك الاشهاد (وأما) الثاني فلا عترافه بأنه مظلوم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 399 (وأظهرهما) أنه يرجع لانه غرم لآبراء ذمته فعلى هذا هل يرجع بالاول لانه المبرئ للذمة أو بالثاني لانه المسقط للمطالبة فيه وجهان (خاتمة) قال في التخليص لو كان على رجل تسعون درهما فجاء مريض فضمن عنه بأمره ولا مال له غيره ومات من عليه الحق ولم يترك الا خمسة واربعين درهما ومات الضامن كان لصاحب الحق بمطالبة ورثة الضامن بستين درهما ويرجع ورثة الضامن على الميت بثلاثين ويرجع صاحب الحق على الميت بخمسة عشر درهما هذا لفظه * واعلم أن الضمان في مرض الموت إذا كان بحيث يثبت الرجوع ووجد الضامن مرجعا فهو محسوب من رأس المال وان كان بحيث لا يثبت الرجوع أو لم يجد مرجعا كموت الاصيل معسرا فهو محسوب من الثلث وهذا قد مر طرف منه في أوائل الضمان وبه تعرف أنه لم يشترط في صورة المسألة موت الاصيل ومتى وفت تركة الاصيل بثلثي الدين فلا دور لان صاحب الحق ان أخذ الحق من تركة الضامن رجع ورثته بثلثيه في تركة الاصيل وان أخذ تركة الاصيل وفضل شئ أخذه من تركه الضامن ويقع تبرعا لان ورثة الضامن لا يجدون مرجعا وان لم تف التركة بالثلثين فقد يتفق الدور في المسألة كالصورة المنقولة عن التلخيص وهى أن يضمن المريض تسعين ويموت وليس له الا تسعون ويموت الاصيل وليس له الا خمسة وأربعون فصاحب الحق بالخيار ان شاء أخذ تركة الاصيل بتمامها وحينئذ لا يقع دور أيضا وله مطالبة ورثة الضامن بثلاثين درهما ويقع تبرعا إذا لم يبق للاصيل تركة حتى يفرض فيها رجوع فان اراد الاخذ من تركة الضامن لزم الدور لان ما يغرمه ورثة الضامن يرجع إليهم بعضه من جهة أنه يصير المغروم دينا لهم على الاصيل فيضاربون به مع صاحب الحق في تركته ويلزم من رجوع بعضه زيادة التركة ومن زيادة التركة زيادة المغروم ومن زيادة المغروم زيادة الراجع وطريق استخراجه أن يقال يأخذ صاحب الحق من ورثة الضامن شيئا ويرجع إليهم مثل نصفه لان تركة الاصيل نصف تركة الضامن فيبقى عندهم تسعون الا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 400 نصف شئ وهو يعدل مثلى ما تلف ناقصان والتالف نصف شئ ومثلا شئ فإذا تسعون الا نصف شئ يعدل شيئا فإذا اخترنا وقابلنا عدل تسعون شيئا ونصفا فيكون الشئ شيئين فبان لنا أن المأخوذ ستون وحينئذ يكون الستون دينا لهم على الاصيل وقد بقى لصاحب الحق ثلاثون فيتضاربون في تركته بسهمين وسهم وتركته خمسة وأربعون يأخذ منها للورثة ثلاثين وصاحب الحق خمسة عشر ويتعطل باقى دينه وهو خمسة عشر ويكون الحاصل للورثة ستين ثلاثون بقيت عندهم وثلاثون أخذوها من تركة الاصيل وذلك مثلا ما تلف ووقع تبرعا وهو ثلاثون ولو كان التصوير كما مر لكن تركة الاصيل ثلاثون لقلنا يأخذ صاحب الحق شيئا ويرجع إلى ورثة الضامن مثل ثلثه لان تركة الاصيل ثلث تركة الضامن فبقى عندهم تسعون ناقصة ثلثى شئ يعدل مثلى التالف بالضمان وهو ثلثا شئ فمثلاه شئ وثلث فاذن تسعون الا ثلثى شئ يعدل شيئا وثلثا فإذا اخترنا وقابلنا عدل تسعون شيئين فيكون الشئ جميعه خمسة وأربعون وذلك ما أخذه صاحب الحق صار دينا لورثة الضامن على الاصيل وبقى لصاحب الحق عليه خمسة واربعون أيضا فيضاربون في تركته بسهم وسهم يحصل بينهما مناصفة ولو كان تركة الاصيل ستين فلا دور بل لصاحب الحق أخذ تركة الضامن كلها بحق الرجوع ويقع الباقي تبرعا ثم قال في التلخيص ولو كانت المسألة بحالها الجزء: 10 ¦ الصفحة: 401 وكان قد ضمن أيضا عن الضامن ضامن ئان ومات الضامن الثاني ولم يترك الا ستين درهما أيضا كان لصاحب الحق أن يطالب ورثة أيهما شاء فان طالب به ورثة الضامن الاول كان كالمسألة الاولى يأخذ منه ستين ومن ورثة من كان عليه أصل المال خمسة عشر ويرجع ورثة الضامن الثاني علي ورثة الذى كان عليه الحق بثلاثين وان طالب ورثة الضامن الثاني أخذ منهم سبعين درهما ومن ورثة من كان عليه الاصل خمسة عشر ويرجع ورثة الضامن الثاني على الضامن الاول باربعين درهما ويرجع الضامن الاول في مال من عليه أصل الحق بثلاثين (أما) قوله إن طلب ورثة الضامن الاول كان كالمسألة الاولى معناه أنه لا يأخذ منهم الا ستين ويأخذ من تركة الاصيل خمسة عشر كما في الصورة السابقة لكن لا يتلف من ماله شئ ههنا بل يطالب بالباقي وهو خمسة عشر ورثة الضامن الثاني (أما) جوابه فيما إذا طلب ورثة الضامن الثاني فقد غلطه الاصحاب فيه من جهة أنه أتلف من مال الثاني ثلاثين لانه أخذ منهم سبعين وأثبت لهم الرجوع باربعين وكان الباقي عندهم عشرين فالمجموع ستون ولم يتلف من مال الاول الا عشرة لانه أخذ منهم أربعين وأثبت لهم الرجوع بثلاثين ومعلوم أن الضامن الثاني إنما ضمن لهم تسعين عمن يملك تسعين والاول ضمن تسعين عمن يملك خمسة وأربعين وكيف يؤخذ من الثاني أكثر مما يؤخذ من الاول ثم اختلفوا في الصواب فقال الاستاذ أبو منصور في الوصايا يأخذ صاحب الحق من ورثة الضامن الثاني خمسة وسبعين ويرجعون بمثلها على ورثة الاول ويرجع ورثة الاول على ورثة الاصيل بتركته وهو خمسة واربعون فيكون جملة ما معهم ستين خمسة عشر من الاصيل والباقى من العوض وذلك مثلا الثلاثين التالفة عليهم ولم يثبت الجزء: 10 ¦ الصفحة: 402 لصاحب الحق مطالبة ورثة الثاني بكمال الدين وقال القفال والاكثرون له مطالبة ورثة الثاني بجميع الدين ثم هم يرجعون على ورثة الاول بخمسة وسبعين يتلف عليهم خمسة عشر للضرورة ويرجع ورثة الاول بها على ورثة الاصيل بتركته كما ذكره الاستاذ وقال الامام رحمه الله كأن الاستاذ اعتقد أن الضمان الاول لا يصلح الا في قدر لو رجع معه في تركة الاصيل لما زاد التالف من تركته على ثلثها وإذا لم يصح ضمانه فيما زاد لم يصح ضمان الثاني عنه والآخرون قالوا انما لا يؤخذ أكثر من الثلث بحق الورثة لكنه صحيح في الجميع متعلق بذمته فيكون ضمان الثاني عنه فيما زاد كالضمان عن المعسر ويجب أن يكون هذا الخلاف جاريا في مطالبتهم بتتمة التسعين إذا طالب أولا ورثة الضامن الاول وان لم يذكر ثم وإن أخذ المستحق أولا تركة الاصيل برئ الضامنان عن نصف الدين ثم المستحق على جواب الاكثرين ان شاء أخذ من ورثة الاول ثلاثين ومن ورثة الثاني خمسة عشرون أخذ الكل من ورثة الاول ولا رجوع وان شاء أخذها من ورثة الثاني وهم يرجعون على ورثة الاول بثلاثين فيصل إلى تمام حقه بالطريقين وعلى جواب الاستاذ ليس له من الثاني الا ثلاثين ان شاء أخذها من ورثة الاول ولا يرجع وان شاء أخذ من ورثة الثاني وهم يرجعون على ورثة الاول * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 403 (كتاب الشركة) قال (شركة العنان معاملة صحيحة وأركانها ثلاثة (الاول) العاقدان ولا يشترط فيهما الا أهلية التوكيل والتوكل فان كل واحد متصرف في مال نفسه ومال صاحبه باذنه) * عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يقول الله تعالى انا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما) يعني ان البركة تنزع من ماليهما وروى (ان السائب كان شريك النبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث وافتخر بشركته بعد المبعث فلم ينكر عليه وأن البراء بن عازب وزيد بن أرقم كانا شريكين) واعلم أن كل حق ثابت بين شخصين فصاعدا على الشيوع يقال انه مشترك بينهم وذلك   (كتاب الشركة) (حديث) أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال يقول الله تعالى أنا ثالث الشريكين ما لم يخن؟ أحدهما صاحبه فا؟ اخان أحد هما صاحبه خرجت من بينهما أبو داود من حديث أبى هريرة وصححه الحاكم وأعله ابن القطان بالجهل بحال سعيد بن حيان والد ابى حيان وقد ذكره ابن حبان في الثقات وذكر أنه روى عنه أيضا الحرث بن يزيد لكن أعله الدارقطني بالارسال فلم يذكر فيه ابا هريرة وقال إنه الصواب ولم يسنده غير ابن همام بن الزبر قان وفي الباب عن حكيم بن حزام رواه أبو القاسم الاصبهاني في الترغيب والترهيب * (حديث) أن السائب بن يزيد كان شريك النبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث وافتخر بشركته بعد المبعث كذا وقع عنده وقوله بن يزيد وهم وإنما هو السائب بن أبى السائب رواه ابو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم عنه إنه كان شريك النبي صلى الله عليه وسلم في أول الاسلام في التجارة فلما كان يوم الفتح قال مرحبا باخى وشريكي لا يدارى ولا يمارى لفظ الحاكم وصححه ولابن ماجه كنت شريكا في الجاهلية ورواه أبو نعيم في المعرفة والطبراني في الكبير من طريق قبس = > الجزء: 10 ¦ الصفحة: 404 ينقسم إلى ما لا يتعلق بمال كالقصاص وحد القذف وكمنفعة كلب الصيد المتلقى من مورثهم والى ما يتعلق بمال وذلك اما عين مال ومنفعة كما لو غنموا مالا أو اشتروه أو ورثوه (واما) مجرد المنفعة كما لو استأجروا عبدا أو وصى لهم بمنفعة كما لو ورثوا عبدا موصى بمنافعه (واما) حق يتوصل به إلى مال كالشفعة الثابتة بجماعة وكل شركة اما أن تحدث بلا اختيار كما في الارث أو باختيار في الشراء وليس مقصود الباب الكلام في كل شركة بل في الشركة التى تحدث باختيار ولا في كل ما تحدث بالاختيار بل في التى تتعلق بالتجارات وتحصيل الفوائد والارباح وهى اربعة أنواع (منها) شركة العنان ومما أخذت اللفظة (قيل) من عنان الدابة اما لاستواء الشريكين في ولاية الفسخ والتصرف واستحقاق الربح على قدر رأس المال كاستواء طرفي العنان (واما) لان الآخذ بعنان الدابة حبس إحدى يديه على العنان والاخرى مطلقة يستعملها كيف شاء كذلك الشريك منع بالشركة نفسه عن التصرف في المشترك كما يشتهى وهو مطلق اليد والتصرف في سائر أمواله (وقيل) هي من قولهم عن الشئ إذا ظهر اما لانه ظهر لكل واحد منهم مال صاحبه وأما لانه أظهر وجوه الشركة ولذلك اتفقوا على صحتها وقيل من المعانة وهى المعاوضة لان كل واحد منهما يخرج ماله في معاوضة اخراج الآخر ثم تكلم صاحب الكتاب على عادته في أركان هذه الشركة ثم في أحكامها (فاحدها) المتعاقدان والمعتبر فيهما أهلية التوكيل والتوكل على ما سيذكر في باب الوكالة فان كل واحد من الشريكين متصرف في جميع المال في ماله بحق الملك وفى غيره بحق اذنه فهو وكيل عن صاحبه وموكل له بالتصرف وتكره مشاركة الذمي ومن لا يحترز عن الربا * قال (الثاني الصيغة وهى ما تدل على الاذن في التصرف والاظهر أنه يكفى قولهما اشتركتا إذا كان يفهم المقصود منه عرفا) *   = > ابن السائب وروى أيضا عن عبد الله بن السائب قال أبو حاتم في العلل وعبد الله ليس بالقويم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 405 لا بد من لفظ يدل على الاذن في التصرف والتجارة فان اذن كل واحد منهما لصاحبه صريحا فذاك ولو قالا اشتركنا واقتصر عليه فهل يكفى ذلك لتسطلهما على التصرف من الجانبين فيه وجهان (أحدهما) ويحكى عن أبى على الطبري نعم لفهم المقصود عرفا وبهذا قال أبو حنيفة (والثانى) لا لقصور اللفظ عن الاذن واحتمال كونه اخبارا عن حصول الشركة في المال ولا يلزم من حصول الشركة جواز التصرف الا ترى أنهما لو ورثا مالا لا يتصرف فيه أحدهما الا باذن صاحبه والوجه الاول أظهر عند صاحب الكتاب (والثانى) أصح عند القاضى ابن كج وصاحب التهذيب والاكثرين ولو أذن أحدهما للآخر في التصرف في جميع المال ولم يأذن الآخر تصرف المأذون في جميع المال ولم يتصرف الآخر الا في نصيبه وكذا لو أذن لصاحبه في التصرف في الجميع وقال أنا لاتصرف الا في نصيبي ولو شرط أحدهما على الآخر أن لا يتصرف في نصيبه لم يصح العقد لما فيه من الحجر على المالك في ملكه ثم ينظر في المأذون فيه ان عين جنسا لم يصح تصرف المأذون في نصيب الآذن من غير ذلك الجنس وان قال تصرف واتجر فيما شئت من أجناس الاموال جاز وفيه وجه أنه لا يجوز الاطلاق بل لا بد من التعيين * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 406 قال (الثالث المال واشارة النص إلى أنه لا بد وأن يكون نقدا كالقراض لان مقصوده التجارة والا قيس أنه يجوز في كل مال مشترك * والاشتراك بالشيوع هو الاصل ويقوم مقامه الخلط الذى يعسر معه التمييز فانه يوجب الشيوع * ولا يكفى (ح) خلط الصحيح بالقراضة * ولا السمسم بالكتان * ولا عند (ح) اختلاف السكة * وكذا (ح) كل اختلاف يمكن معه التمييز فان الشيوع لا يحصل معه * وليتقدم (ح) الخلط على العقد * فلو تراخى ففيه خلاف * ولا يشترط (و) تساوى المالين في القدر ولا العلم بالمقدار حالة العقد) * الركن الثالث المال المعقود عليه وفيه مسائل (احداها) لا خلاف في جواز الشركة في النقدين (وأما) سائر الاموال فالمتقومات لا تجوز الشركة عليها وفى المثليات قولان وقيل يقال وجهان (أحدهما) المنقول عن رواية البويطى وأبى حنيفة أنه لا يجوز كما لا يجوز في المتقومات وكما لا يجوز القراض الا في النقدين (وأصحهما) وبه قال ابن سريج وأبو إسحق يجوز لان المثلى إذا اختلط بجنسه ارتفع معه التمييز فاشبه النقدين وليس المثلى كالمتقوم لانه لا يمكن الخلط في المتقومات وربما يتلف مال أحدهما ويبقى مال الآخر فلا يمكن الاعتداد بتلفه عنهما وفى المثليات يكون التالف بعد الخلط تالفا عنهما جميعا ولان قيمتهما ترتفع وتنخفض وربما تنقص قيمة مال احدهما دون الآخر وتزيد فيؤدى إلى ذهاب الربح في رأس المال أو دخول بعض رأس المال في الربح ويخالف القراض لان حق العامل محصور في الربح فلا بد من تحصيل رأس المال لتوزيع الريح وفى الشركة لا حاجة بل كل المال موزع عليهما على قدر ماليهما ولفظ النقدين عند اطلاقنا تجوز الشركة فيهما نعنى به الدراهم والدنانير المضروبة وأما غير المضروبة من التبر والحلى والسبائك فقد أطلقوا منع الشركة فيها وبمثله أجاب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 407 القاضى الرويانى في الدراهم المغشوشة وحكى فيها خلاف ابى حنيفة لكن يجوز بناء الحكم في التبر على انه مثلى أم لا وفيه خلاف ستعرفه ومأخذه في كتاب الغصب فان جعل متقوما لم تجز الشركة عليه والا ففيه الخلاف في المثليات (وأما) الدراهم المغشوشة فقد حكى صاحب التتمة في جواز القراض عليها خلافا مبنيا على جواز التعامل بها فقد الحقنا المغشوش بالخالص فإذا جاء الخلاف في القراض ففى الشركة أولى على أن صاحب العدة ذكر أن الفتوى أنه تجوز الشركة فيها إذا استمر في البلد رواجها * واعلم أن ما ذكرنا في المسألة من تجويز الشركة ومنعها نريد فيما إذا أخرج هذا قدرا من ماله وذاك قدرا جعلاهما رأس المال ويمكن فرض الشركة على غير هذا الوجه في جميع الاموال على ما سيأتي (المسألة الثانية) إذ أخرج رجلان كل واحد منهما قدار من المال الذى تجوز الشركة فيه فارادا الشركة فلا بد أن يخلطا المالين لا يتأتى معه التمييز والا فلو تلف مال أحدهما قبل التصرف تلف على صاحبه ويقدر اثبات الشركة في الباقي فلا تجوز الشركة عند اختلاف الجنس ان يكون من أحدهما دراهم والآخر دنانير ولا عند اختلاف الصفة كما إذا اختلفت السكة أو أخرج احدهما صحاحا والآخر مكسرة أو صحاحا متقومة أو أخرج أحدهما دراهم عتيقة أو بيضاء والاخر جديدة أو سوداء وفى البيض والسود وجه عن الاصطخرى وإذا جوزنا الشركة في المثليات وجب تساويهما جنسا ووصفا أيضا فلا تكفى خلطة الحنطة البيضاء بالحمراء لامكان التمييز وان عسر وعن الشيخ أبى على أن الاستاذ أبا اسحق ذكر وجها في الاكتفاء به لعد الناس مثل ذلك خلطا وينبغى أن يقدم الخلط على العقد والاذن فان تأخر فالاظهر المنع إذ لا اشتراك عند العقد (والثانى) يجوز إذا وقع في مجلس العقد لان المجلس كنفس العقد فان تأخر لم يجر على الوجهين ومال الامام رحمه الله إلى تجويزه لما سبق أن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 408 الشركة توكيل وتوكل ولو وجد التوكيل والتوكل والملكان متميزان ثم فرض الاختلاط لم تنقطع الوكالة نعم لو قيد الاذن بالتصرف في المال المنفرد فلا بد من تجديد الاذن ولو ورثا عروضا أو اشترياها فقد ملكاها شائعة وذلك أبلغ من الخلط بل الخلط انما اكتفى به لافادة الشيوع فإذا انضم إليه الاذن في التصرف تم العقد ولهذا قال المزني والاصحاب الحيلة في الشركة في العروض المتقومة ان ايبيع كل واحد منهما نصف عرضه بنصف عرض صاحبه تجانس العرضان أو اختلفا ليصير كل واحد منهما مشتركا بينهما فيتقابضان ويأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف وفى التتمة أنه يصير العرضان مشتركين ويملكان التصرف بحكم الاذن الا أنه لا تثبت أحكام الشركة في الثمن حتى يستأنفا عقدا وهو ناض وقضية اطلاق الجمهور ثبوت الشركة واحكامها على الاطلاق وهو المذهب ولو لم يتبايعا العرضين ولكن باعاهما بعرض أو نقد ففى صحة البيع قولان قد مر ذكرهما في تفريق الصفقة ويعودان باكثر من ذلك الشرح في الصداق فان صاحب الكتاب ذكر المسألة هناك الجزء: 10 ¦ الصفحة: 409 فان صححنا كان الثمن مشتركا بينهما إما على التساوى أو التفاوت بحسب قيمة الغرضين فاذن كل واحد منهما للآخر في التصرف (الثالثة) ظاهر المذهب أنه لا يشترط تساوى المالين في القدر بل تثبت الشركة مع التفاوت على نسبة المالين وعن الانماطى أنه يشترط التساوى لان الربح يحصل بالمال والعمل وكما لا يجوز الاختلاف في الربح مع تساوى المالين لا يجوز الاختلاف في الربح مع التساوى في العمل وهل يشترط العلم حالة العقد بمقدار النصيبين بأن يعرف أن المال بينهما نصفان أو على نسبة أخرى فيه الوجهان (أظهرهما) أنه لا يشترط إذا أمكن معرفة من بعد وهو المذكور في الكتاب ومأخذ الخلاف انه إذا كان بين رجلين مال مشترك وكل واحد منهما جاهل بقدر حصته فاذن كل واحد متهما لصاحبه في التصرف في جميع المال أو في نصيبه هل يصح الاذن فيه وجهان (أحدهما) لا لانه لا يدرى فيما يأذن والمأذون لا يدرى ماذا يستفيد بالاذن (وأظهرهما) نعم لان الحق لا يعدوهما وقد تراضيا وعلى هذا تكون الاثمان بينهما مبهمة كالمثمنات (واما) لفظ الكتاب فقوله الجزء: 10 ¦ الصفحة: 410 واشارة النص الا أنه لا بد وأن يكون نقدا يجوز حمله على ما قدمنا ذكره في رواية البويطى رحمه الله الا أن الظاهر انه قصد به ما ذكره الامام من أن منقول المزني المنع والمراد منه قوله في المختصر والذى يشبه مذهب الشافعي رضى الله عنه أن الشركة لا تصح في العروض ولا فيما يرجع عند المفاضلة إلى قيمته وهذا له اشعار بالمنع لكن بعضهم حمل لفظ العروض على المتقومات وعلى هذا الكلام ذهاب إلى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 411 جواز الشركة في المثليات لانه يرجع عند المفاضلة إلى مثله لا إلى القيمة (وقوله) والاقيس أنه يجوز في كل مال مشترك أي عروض كانت أو غيرها وأراد بالمشترك ما يثبت فيه الحقان على الشيوع وذلك تارة يثبت ابتداء كما في الموروث بالخلط الدافع للتمييز لايجابه الشيوع ولو كان لهما ثوبان والتبسا عليهما لم يكف ذلك لعقد الشركة فان المالين متميزان وإنما أبهم الامر بينهما (وقوله) فلو تراخا ففيه خلاف والاشبه أنه لم يرد به الوجهين فيما إذا وقع الخلط في المجلس وانما أراد اقامة وجهين مما ذكره المعظم ومال إليه الامام رحمه الله لانه لم يتعرض للمجلس ههنا ولا في لوسيط ولاله ذكر في النهاية * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 412 (فرع) قال أصحابنا العراقيون ومن تابعهم إذا جوزنا الشركة في المثليات فان استوت القيمتان كانا شريكين على السواء وان اختلفا كما إذا كان لاحدهما كرحنطة قيمته مائة والآخر قيمته خمسون فهما شريكان الثلثين والثلث وهذا مبني على قطع النظر في المثليات عن تساوى الاجزاء في القيمة والا فليس هذا الكر مثلا فذلك الكر والكلام في المثليات مستوفى في الغصب * (فرع) لاحدهما دنانير ولآخر دراهم وابتاعا شيئا بهما يقوم ما ليس بنقد البلد منهما بما هو نقد البلد فان استويا في القيمة فالشركة علي التساوى والا فعلى الاختلاف * قال (ولا تصح شركة الابدان (م ح) وهى شركة الدلالين والحمالين إذ كل واحد متميز بملك منفعته فاختص بملك بدلها، ولا شركة المفاوضة (ح م) وهى أن يشتركا فيما يكتسبان من مال ويلتزمان من غرم بغصب أو بيع فاسد إذ كل من اختص بسبب اختص بحكمه غرما وغنما * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 413 ولا شركة الوجوه (ح) وهى أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون له بعضه * بل كل الثمن لمالك المثمن * وله أجر المثل) * غرض الفصل الكلام فيما سوى شركة العنان من الشرك وهى ثلاثة (أحدها) شركة الابدان وهى أن يشترك الدلالان أو الحمالان أو غيرهما من المحترفة على ما يكتسبان ليكون بينهما على تساو أو تفاوت وهى باطلة سواء اتفقا في الصنعة أو اختلفا كالخياط والنجار لان كل واحد منهما مميز ببدنه ومنافعه فيختص بفوائده وهكذا لو اشتركاه في ماشيتهما وفى متميزة ليكون الدر والنسل بينهما فانه لا يصح وعند أبى حنيفة يصح اتفقت الصنعتان أو اختلفتا وعن صاحب التقريب أن لبعض الاصحاب وجها كمذهبه وقال مالك رحمه الله تصح بشرط اتحاد الصنعة وسلم أبو حنيفة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 414 ومالك أنه لا تجوز الشركة في الاصطياد والاحتطاب وأحمد جوزهما أيضا وإذا قلنا بظاهر المذهب وهو البطلان فإذا اكتسبا شيئا نظر إن انفرد عمل أحدهما عن الآخر فلكل واحد منهما كسبه وإلا فالحاصل مقسوم بينهما علي قدر أجرة المثل لا كما شرط (الثانية) شركة المفاوضة وهى أن يشتركا ليكون بينهما ما يكتسبان ويربحان ويلزمان من غرم ويحصل لهما من غنم وهى باطلة خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال تصح بشرط أن يستعملا لفظ المفاوضة فيقولا تفاوضنا أو اشتركنا شركة المفاوضة وإن استويا في الدين والحرفة فلو كان أحدهما مسلما والآخر ذميا أو أحدهما حرا والاخر مكاتبا لم يصح وإن استويا في قدر رأس المال وأن لا يملك واحد منهما من جنس رأس المال الا ذلك القدر ثم حكمها عنده أن ما اشتراه أحدهما يقع مشتركا إلا ثلاثة أشياء قوت يومه وثياب بدنه وجارية يتسرى بها وإذا ثبت لاحدهما شفعة شارك صاحبه وما ملكه أحدهما بارث أو هبة لا يشاركه الآخر فيه فان كان فيه شئ من جنس رأس المال فسدت شركة المفاوضة وانقلبت إلى شركة العنان وما لزم احدهما بغصب أو بيع فاسد أو اتلاف كان مشتركا الا الجناية على الحر وكذا بدل الخلع والصداق إذا لزم أحدهما لم يؤاخذ به الآخر ووجه المذهب في المسألة ظاهر قال الشافعي رضى الله عنه في اختلاف العراقيين ولا أعرف شيئا في الدنيا يكون باطلا ان لم تكن شركة المفاوضة باطلة يعني لما فيها من أنواع الغرر والجهالة الكثيرة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 415 (فرع) لو استعملا لفظ المفاوضة وأراد اشركة العنان جاز نص عليه وهذا يقوى تصحيح العقود بالكنايات (الثالثة) شركة الوجوه وقد فسرت بمعان (أشهرها) أن صورتها أن يشترك رجلان وجيهان عند الناس ليبتاعا في الذمة إلى أجل على أن ما يبتاعه كل واحد منهما يكون بينهما فيبتعاه ويؤديا الاثمان فما حصل فهو بينهما (والثانى) أن يبتاع وجيه في الذمة ويفوض بيعه إلى خامل وشرط أن يكون الربح بينهما (والثالث) أن يشترك وجيه لا مال له وخامل ذو مال ليكون العمل من الوجيه والمال من الخامل ويكون المال في يده ولا يسلمه إلى الوجيه والربح بينهما وهذا تفسير القاضى ابن كج والامام ويقرب منه ما ذكره صاحب الكتاب وهو أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون بعض الربح له وهي على المعاني باطلة إذ ليس بينهما مال مشترك يرجع إليه عند المفاصلة ثم ما نشتريه أحدهما في الصورة الاولى والثانية فهو له يختص به وربحه وخسر انه ولا يشاركه فيه الاخر الا إذا كان قد صرح بالاذن في الشراء بما هو شرط التوكيل في الشراء وقصد المشترى توكيله وعند الجزء: 10 ¦ الصفحة: 416 أبى حنيفة رحمه الله يقع المشترى مشتركا بمجرد الشركة وان لم يوجد قصد من المشتري ولا اذن من صاحبه (وأما) الصورة الثالثة فهى ليست بشركة في الحقيقة وانما هي قراض فاسد لاستبداد المالك باليد فان لم يكن المال نقدا زاد الفساد وجها آخر وأما ما أورده في الكتاب فحاصله الاذن في البيع بعوض فاسد فيصح البيع من المأذون ويكون له أجرة المثل وجميع الثمن للمالك واعلم أنه انما عقب أركان شركة العنان بذكر أنواع الشركة الفاسدة لانه قد تبين في خلال الاركان اشتراط شيوع رأس المال وارتفاع التمييز فأراد الاشارة إلى فساد هذه الانواع لاختلال هذا الشرط وتميز ما هو رأس المال فيها أو ما هو في شبه رأس المال ويتعلق بهذه القاعدة صور اخر مغصوصة؟ في البويطى (منها) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 417 لواحد بغلة ولآخر راوية تشار كامع ثالث ليسقى الثالث الماء ويكون الحاصل بينهم؟ فهو فاسد لانها منافع أبدان متميزة فلو جروا عليه وأسقى الثالث الماء فلمن يكون الماء نقل صاحب التخليص وآخرون فيه اختلاف قول ولم يحمد المعظم تلك الطريقة وانما ارتضوا تفصيلا ذكره ابن سريج وهو ان كان الماء مملوكا للمستقى أو مباحا لكنه قصد به نفسه فهو له وعليه لكل واحد من صاحبيه أجرة المثل أيضا وان قصد به الشركة فهو على الخلاف في جواز النيابة في تملك المباحات وسنذكره في الوكالة فان لم تجوز فهو للمستقى وعليه أجرة المثل لصاحبه أيضا وان جوزنا وهو الاصح فالماء بينهم وفى كيفية الشركة وجهان (أحدهما) أنه يقسم بينهم على نسبة أجور أمثالهم لانه حصل بالمنافع المختلفة وهذا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 418 ما أورده الشيخ أبو حامد ويحكى عن نصه في البويطى (وأصحهما) عند الشيخ أبى علي ولم يورد القفال غيره انه يقسم بينهم بالسوية اتباعا لقصده فعلى هذا للمستقى أن يطالب كل واحد من صاحبيه بثلث أجرة منفعته لانه لم ينصرف منها إليه الا الثلث وكذلك يرجع كل واحد من صاحبي البغلة والزاوية على كل واحد من الاخير والمستقى بثلث أجرة منفعة ملكه وعلى الوجه الاول لا تراجع بينهم في الاجرة ولو استأجر رجل راويته من صاحبها والبغلة من صاحبها والمستقى يحمل الماء وهو مباح نظر ان انفرد كل واحد بعقد صح والماء للمستأجر وان جمع بين الكل في عقد واحد ففى صحة الاجارة قولان كما لو اشترى عرضا لرجل وعرضا لآخر منهما يثمن؟ واحد ان صححنا وزعت الاجرة المسماة على أجور الجزء: 10 ¦ الصفحة: 419 الامثال والا فلكل واحد أجرة المثل عليه ويكون الماء للمستأجر صححنا الاجارة أو أفسدناها (أما) إذا صححناها فظاهر (وأما) إذا أفسدناها فلان منافعهم مضمونة بأجرة المثل ذكره الامام فان نوى المستقى نفسه وفرعنا على فساد الاجارة فعن الشيخ أبى على أنها تكون للمستأجر أيضا وتوقف الامام فيه لان منفعته غير مستحقة للمستأجرين وقد قصد نفسه فليكن الحاصل له وموضع القولين ما إذا وردت الاجارة على عين المستقي والبغلة والراوية فأما إذا ألزم ذمتهم نقل الماء صحت الاجارة لا محالة إذ ليست ههنا اعيان مختلفة يفرض جهالة في أجورها وانما على كل واحد منهم ثلث العمل (ومنها) لو اشترك أربعة لاحدهم بيت ولآخر حجر رحا ولآخر بغلة تديره والرابع يعمل في الرحا على الجزء: 10 ¦ الصفحة: 420 أن الحاصل من أجرة الطحن بينهم فهو فاسد ثم إن أستأجر مالك الحنطة العامل والآلات من مالكها وأفرد كل واحد بعقد لزمه ما سمى لكل واحد مهنم وان جمع بين الكل في عقد واحد فان ألزم ذمتهم الطحن صح العقد وكانت الاجرة بينهم أرباعا يتراجعون بأجرة المثل لان المنفعة المملوكة لكل واحد منهم قد استوفى ربعها حيث أخذ ربع المسمى وانصرف ثلاثة أرباعها إلى أصحابه يأخذ منهم ثلاثة أرباع أجرة المثل وان استأجر عين العامل وأعيان الآلات ففيه القولان المذكوران في أن الصورة السابقة إن أفسدنا الاجارة فلكل واحد أجرة مثله وان صححناها وزع المسمى عليهم ويكون التراجع بينهم على ما سبق وان ألزم المالك للحنطة ذمة العامل الطحن لزمه وعليه إذا استعمل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 421 مالاصحابه أجرة المثل لهم إلا أن يستأجرها بعقد صحيح فعليه للمسمى (ومنها) لواحد البذر ولآخر آلة الحرث ولآخر الارض واشتركوا مع رابع ليعمل ويكون الزرع بينهم فالزرع لصاحب البذر وعليه لاصحابه أجرة المثل قال في التتمة فلو أصاب الزرع آفة ولم يحصل من الغلة شئ فلا شئ لهم لانهم لم يحصلوا له شيئا ولا يخفى عدول هذا الكلام عن القياس الظاهر * قال (وحكم الشركة تسليط كل واحد على التصرف بشرط الغبطة مع الجواز حتى يقدر كل واحد على العزل * وتنفسخ بالجنون والموت) * هذا أول القول في أحكام الشركة والفصل ينظم حكمين (أحدهما) أن الشركة بالمعني المعقود لهذا الباب إذا تمت ووجد الاذن من الطرفين تسلط كل واحد من الشريكين على التصرف وسبيل تصرف الشريك كسبيل تصرف الوكيل فلا يبيع نسيئة ولا بغير نقد البلد ولا يبيع ولا يشترى بالغبن الفاحش إلا إذا اذن الشريك فان خالف وباع بالغبن الفاحش لم يصح في نصيب الشريك الجزء: 10 ¦ الصفحة: 422 وفى نصيبه قولا تفريق الصفقة إن لم نفرقها بقى المبيع على ملكهما والشركة بحالها وان فرقناها انفسخت الشركة في المبيع وصار مشتركا بين المشترى والشريك الذى بطل في نصيبه وان اشترى بالغبن نظر ان اشترى بعين مال الشركة فهو كما لو باع وان اشترى في الذمة لم يقع وعليه توفير الثمن من خالص ماله * وليس لاحدهما أن يسافر بمال الشركة ولا أن يبضعه بغير اذن صاحبيه فان فعل ضمن (الثاني) الشركة جائزة ولكل واحد منهما فسخها متى شاء لما سبق أن حقيقتها التوكل فلو قال أحدهما للآخر عزلنك عن التصرف أولا تتصرف في نصيبي انعزل المخاطب ولا ينعزل العازل عن التصرف في نصيب المعزول ولو قال فسخت الشركة انفسخ العقد قال الامام ينعزلان عن التصرف لارتفاع العقد وأشار إلى أن ذلك مجزوم به لكن صاحب التتمة ذكر ان انعزالهما مبنى على أنه يجوز التصرف بمجرد عقد الشركة أم لا بد من التصريح بالاذن (ان قلنا) بالاول فإذا ارتفع العقد انعزلا (وان قلنا) بالثاني وكانا قد صرحا بالاذن فلكل واحد منها التصرف إلى أن يعزلا وكيف ما كان فلائمة متطابقون على ترجيح القول بانعزالهما وأيد الامام الوجه الذاهب إلى أن لفظ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 423 الشركة يمجردة يسلطهما على التصرف فيه وكما تنفسخ الشركة بالفسخ بموت أحد المتعاقدين وجنونه واغمائه كالوكالة ثم في صورة الموت ان لم يكن على الميت دين ولا هناك وصية فللوارث الخيار بين القسمة وتقرير الشركة ان كان بالغا رشيدا وان كان موليا عليه لصغر أو جنون فعلى وليه ما فيه الحظ والمصلحة من الامرين وانما يقرر الشركة بعقد مستأنف وان كان على الميت دين فليس للوارث تقرير الشركة الا إذا قضى الدين من موضع آخر وان كان هناك وصية نظر ان كانت الوصية لمعين فهو كاحد الورثة وان كانت لغير معين كالفقراء لم يجز تقرير الشركة حتى تخرج الوصية ثم هو كما لو لم تكن وصية * قال (ويتوزع الربح والخسران على قدر المال * فلو شرطا تفاوتا بطل الشرط وفسد العقد * ومعنى الفساد أن كل واحد يرجع على صاحبه بأجرة عمله في ماله ولو صح لما رجع * ولو شرط زيادة ربح لمن اختض بمزيد عمل ففى صحة الشرط خلاف * ومن حكمها كون كل واحد أمينا القول قوله فيما يدعيه من تلف وخسران * إلا إذا ادعى هلاكا بسبب ظاهر فعليه إقامة البنة على السبب * ثم هو مصدق في الهلاك به * والقول قوله فيما اشتراه اقصد به نفسه أو مال الشركة * (فان قال) كان من مال الشركة فخلص لى بالقسمة فالقول قول صاحبه في انكار القسمة * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 424 من أحكام الشركة كون الربح بينهما على قدر المالين شرطا أو لم يشرطا تساويا في العمل أو تفاوتا فان شرطا التساوى في الربح مع التفاوت في المال فهو فاسد وكذا لو شرطا التفاوت في الربح مع التساوى في المال نعم لو اختص أحدهما بمزيت عمل وشرط له مزيد ربح ففيه وجهان (أحدهما) صحة الشركة ويكون القدر الذي يناسب ملكه له بحق الملك والزائد يقع في مقابلة العمل ويتركب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 425 العقد من الشركة والقراض (وأصحهما) المنع كما لو شرطا التفاوت في الخسران فانه يلغو أو يتوزع الخسران علي المال ولا يمكن جعله مشتركا وقراضا فان العمل في القراض بيع مختص بمال المالك وههنا يتعلق بملكه وملك صاحبه * وعند أبى حنيفة رضى الله عنه يجوز تغيير نسبة الربح بالشرط ويكون الشرط متبعا لنا القياس على طرود الخسران فانه يسلم توزيعه على قدر المالين وان شرط خلافه وإذا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 426 فسد لم يؤثر ذلك في فساد التصرفات لوجود الاذن ويكون * الربح على نسبة المالين ويرجع كل واحد منهما على صاحبه بأجرة مثل عمله في ماله على ما ذكره في الكتاب وتفصيله أنهما إما أن يكونا متساويين في المالين أو متفاوتين ان تساويا فاما أن يتساويا في العمل أيضا فنصف عمل كل واحد منهما يقع في ماله فلا يستحق به أجرة والنصف الآخر الواقع في مال صاحبه يستحق عليه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 427 مثل بدله عليه فيقع في التقاص وان تفاوتا في العمل بأن كان عمل أحدهما يساوى مائة وعمل الآخر مائتين فان كان عمل المشروط له الزيادة أكثر فنصف عمله مائة ونصف عمل صاحبه خمسون فبقى له خمسون بعد التقاص وان كان عمل صاحبه أكثر ففى رجوعه بالخمسين على المشروط له الزيادة وجهان (أحدهما) الرجوع وهو ظاهر ما أجاب به الشيخ أبو حامد كما لو فسد القراض الجزء: 10 ¦ الصفحة: 428 فيستحق العامل أجرة المثل (وأصحهما) المنع ويحكى عن أبى حنيفة رحمه الله لانه عمل وجد من أحد الشريكين لم يشترط عليه عوض والعمل في الشركة لا يقابله عوض بدليل ما إذا كانت الشركة صحيحة فزاد عمل أحدهما فانه لا يستحق على الآخر شيئا ويجرى الوجهان فيما إذا فسدت الشركة واختص أحدهما باصل التصرف والعمل هل يرجع بنصف أجرة عمله علي الآخر (وأما) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 429 إذا تفاوتا في المال بان كان لاحدهما الف ولآخر الفان فاما أن يتفاوتا في العمل أو يتساويا فان تفاوتا بان كان عمل صاحب الاكثر أكثر بان كان عمله يساوى مائتين وعمل الآخر مائة فثلثا عمله في ماله وثلثه في مال صاحبه وعمل صاحبه على العكس فيكون لصاحب الاكثر ثلث المائتين على صاحب الاقل ولصاحب الاقل ثلث المائة على صاحب الاكثر وقدرهما واحد فيقع في التقاص فان كان عمل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 430 صاحب الاقل في ماله وثلثاه في مال شريكه وثلثا عمل صاحبه الاكثر في ماله وثلثه في مال شريكه فلصاحب الاقل ثلثا المائتين على صاحب الاكثر وهو مائة وثلاثة وثلاثون درهما وثلث درهم ولصاحب الاكثر ثلث المائة على صاحب الاقل وهو ثلاثة وثلاثون وثلث فيبقى بعد التقاص لصاحب الاقل مائة على الآخر وان تساويا في العمل فلصاحب الاقل ثلثا المائة على صاحب الاكثر الجزء: 10 ¦ الصفحة: 431 ولصاحب الاكثر ثلث المائة عليه فيكون الثلث بالثلث قصاصا يبقى لصاحب ثلث المائة ثلاثة وثلاثون وثلث (وقوله) في الكتاب فلو شرطا تفاوتا بطل الشرط معلم بالحاء لما عرفت أن أبا حنيفة رحمه الله يصححه (وقوله) فسد العقد هذا المشهور ونقل الامام رحمه الله اختلافا للاصحاب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 432 رحمهم الله في أن الشركة تقصد بهذا الشرط أو يطرح الشرط والشركة بحالها لنفوذ التصرفات ويوزع الربح على المالين ولم يتعرض غيره لحكاية الخلاف بل جزموا بنفوذ التصرفات ويوزع الربح علي المالين ولوجوب الاجرة في الجملة ولعل الخلاف راجع إلى الاصطلاح فبعضهم يطلق الجزء: 10 ¦ الصفحة: 433 لفظ الفساد وبعضهم يمنع منه لبقاء أكثر الاحكام (وقوله) ومعني الفساد إلى آخره أشار به إلى أن أثر الفساد بالرجوع بالاجرة فان الشركة لو كانت صحيحة لما ثبت استحقاق الاجرة ويجوز إعلام قوله يرجع بالاجرة بالحاء لان عنده لا رجوع بها لصحة الشرط وما ذكرنا من معني الفساد عند تعيين الجزء: 10 ¦ الصفحة: 434 نسبة الربح جار في سائر أسباب الشركة نعم قال الامام رحمه الله لو لم يكن بين المالين شيوع وخلط فلا شركة ههنا على التحقيق وثمن كل واحد من المالين يختص بمالكه ولا يقع مشتركا والكلام في الصحة والفساد إنما يكون بعد حصول تعيين الشركة فان جرى توكيل من الجانبين لم يخف حكمه وينبني على الخلاف المذكور فيما إذا شرط زيادة ربح لمن اختص بمزيد عمل * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 435 (فرعان) أحدهما إذا جوزنا ذلك فلو لم يشترطاه ولا اشترط توزيع الربح على قدر المالين بل أطلقا فعن صاحب التقريب والشيخ أبى محمد ذكر خلاف في أن الربح يتوزع على المالين وتكون زيادة العمل تبرعا منه أو يثبت للزيادة أجرة تخريجا على ما إذا استعمل صانعا ولم يذكر له أجرة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 436 (الثاني) إذا شرطا زيادة ربح لمن زاد عمله ففى اشتراط استبداده باليد وجهان وكذا لو شرطا انفراد أحدهما بالعمل في وجه يشترط كما في القراض وفى وجه لا جريا على قضية الشركة والخلاف في جواز اشتراط زيادة ربح بمن زاد عمله جار فيما إذا اشترطا انفراد أحدهما بالتصرف وجعلا له زيادة ربح وفى وجه يجوز ههنا ولا يجوز فيما إذا اشتركا في أصل العمل لانه لا يدري بأى عمل حصل فيحال به على المال أورده في الوسيط * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 437 قال (ومن حكمها كون كل واحد أمينا القول قوله فيما يدعيه من تلف وخسران * الا إذا ادعى هلاكا بسبب ظاهر فعليه اقامة البينة على السبب * ثم هو مصدق في الهلاك به * والقول قوله فيما اشتراه أقصد به نفسه أو مال الشركة * فان قال كان من مال الشركة فخلص لى بالقسمة فالقول قول صاحبه في انكار القسمة) * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 438 في الفصل مسألتان (إحداهما) من أحكام الشركة أن يد كل واحد من الشريكين يد أمانة كيد المودع والوكيل ولو ادعى رد المال إلى شريكه قبل قوله كالمودع والوكيل بغير جعل ولو ادعى خسرانا أو تلفا فكذلك كالمودع إذا ادعي التلف وكل واحد من الشريكين والمودع إذا أسند التلف إلى سبب ظاهر طولب بالبينة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 439 عليه فلو أقاماها صدقا في الهلاك به وسيأتى ذكره في الوديعة فإذا ادعى أحد الشريكين خيانة على الآخر لم تسمع الدعوى حتى يبين قدر ما خان به فإذا تبين سمعت والقول قول المنكر مع يمينه (الثانية) في يد أحد الشريكين مال واختلفا فقال من في يده انه لى وقال الآخر بل هو من مال الشركة وهذا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 440 يقع عند ظهور الريح فيه أو قال المشترى اشتريته من الشركة وقال الآخر بل لنفسك وهذا يقع عند ظهور الخسران فالصدق المشتري لانه أعرف بمقصده ولو قال صاحب اليد قسمنا مال الشركة وهذا مختص بى وقال الآخر لم نقسم بعد وهو مشترك فالقول قول نافى القسمة لان الاصل بقاء الشركة وعلى مدعى القسمة البينة ولو كان في أيديهما أو في أيديهما أو في يد أحدهما مال وقال كل واحد منهما هذا نصيبي من الجزء: 10 ¦ الصفحة: 441 مال الشركة وأنت أخذت نصيبك حلف كل واحد منهما وجعل المال بينهما فان حلف أحدهما دون الآخر قضى له * قال (وإذا باع أحد الشريكين باذن الآخر عبدا مشتركا ثم أقر الذى لم يبع أن البائع قبض الثمن كله وهو جاحد فالمشترى برئ من نصيب المقر لاقراره * وللبائع طلب نصيبه من المشترى * فان استحلفه المقر فحلف أنه لم يقبض سلم له ما قبض * وان نكل حلف الخصم واستحق * ولو كانت الجزء: 10 ¦ الصفحة: 442 المسألة بحالها ولكن أقر البائع أن الذى لم يبع قبض الثمن كله لم يقبل اقرار الوكيل على الموكل وبرئ المشترى من مطالبة المقر بان شريكي قبض إذا كان شريكه أيضا مأذونا من جهته * ولم يبرأ من مطالبة الجاحد فله أخذ نصيبه من المشترى) * إذا كان بين اثنين عبد فباعه أحدهما باذن الآخر وكان البائع مأذونا في قبض الثمن أيضا أو قلنا إن الوكيل بالبيع يملك قبض الثمن ثم اختلف الشريكان في القبض فذلك يصور على وجهين الجزء: 10 ¦ الصفحة: 443 (أحدهما) أن يقول الشريك الذى لم يبع للذى باع قبضت الثمن كله فسلم إلى نصيبي ويساعد المشترى على أن البائع قبض وينكر البائع فيبرأ المشتري عن نصيب الذى لم يبع لاعترافه بأن البائع الذى هو وكله بالقبض قد قبض ثم ههنا خصومة بين البائع والمشترى وخصومة بين الشريكين وربما تقدمت الاولى على الثانية وربما تأخرت فان تقدمت خصومة البائع والمشترى فطالب البائع المشترى بنصيبه من الثمن وادعي المشترى أنه أداه نظر ان قامت للمشترى بينة على الاداء اندفعت المطالبة عنه فان شهد له الشريك الذى لم يبع لم تقبل شهادته في نصيبه لانه لو ثبت ذلك لطالب المشهود عليه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 444 بحقه وذلك جر نفع ظاهر وفى قبولها نصيب الآخر قولان بناء على أن الشهادة هل تتبعض كما لو شهد أنه قذف أمه وأجنبية هل تقبل في حق الاجنبية وان لم تكن بينة فالقول قول البائع مع يمينه أنه لم يقبض فان حلف أخذ نصيبه من المشترى ولا يشاركه الذى لم يبع فيه لاقراره بأنه أخذ الحق من قبل وزعمه أن ما أخذه الآن أخذه ظلما وان نكل وحلف المشترى انقطعت الطلبة عنه وان نكل المشترى أيضا فعن ابن القطان وجه أنه لا يؤاخذه بنصيب البائع لانا لا نحكم بالنكول والمذهب خلافه وليس هذا حكم بالنكول وأن ما هو مؤاخذة له باقراره بلزوم المال بالشراء ابتداء ثم إذا انفصلت خصومة البائع والمشترى فلو جاء الشريك الجزء: 10 ¦ الصفحة: 445 الذى لم يبع يطالب الذى باع بحقه بزعمه أنه قبض الثمن فعليه البينة ويصدق البائع أنه لم يقبض الا نصيبه بعد الخصومة الجارية بينهما فان نكل البائع حلف الذى لم يبع وأخذ منه نصيب نفسه ولا يرجع البائع به على المشترى لان بزعمه أن شريكه ظلمه بما فعل ولا يمنع البائع من الحلف ونكوله عن اليمين في الخصومة مع المشترى لانها خصومة أخرى مع خصم آخر هذا إذا تقدمت خصومة البائع والمشترى وتلتها خصومة الشريكين فإذا تقدمت خصومة الشريكين فادعي الذى لم يبع قبض الثمن على البائع وطالبه بحقه فعليه البينة ولا تقبل شهادة المشترى له بحال لانه يدفع عن نفسه فان لم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 446 يكن له بينة حلف البائع أنه ما قبض فان نكل حلف الذى لم يبع وأخذ نصيبه من البائع ثم إذا انفصلت خصومة الشريكين فلو طالب البائع المشترى بحقه وادعى المشترى الاداء فعليه البينة فان لم تكن بينة حلف البائع وقبض حقه فان نكل حلف المشتري وبرئ ولا يمنع البائع من أن يحلف ويطلب من المشترى حقه نكوله في الخصومة الاولى مع شريكه وعن حكاية الشيخ أبى على أنه يمنعه بناء على أن يمين الرد كالبينة أو كاقرار المدعى عليه ان كانت كالبينة فكأنه قامت البينة على قبضة جميع الثمن وإن كانت كالاقرار فكأنه أقر بقبض جميع الثمن وعلى التقديرين يمتنع عليه مطالبة المشتري وهذا ضعيف باتفاق الائمة لان اليمين انما تجعل كالبينة أو كالاقرار في حق المتخاصمين وفيما فيه تخاصمهما لاغير ومعلوم أن الشريك انما يحلف على أنه قبض نصيبه فانه الذى يطالب به فكيف الجزء: 10 ¦ الصفحة: 447 يؤثر يمينه في غيره وعلى ضعفه فقد قال الامام رحمه الله القياس طرده فيما إذا تقدمت خصومة البائع والمشتري ونكل البائع وحلف المشترى اليمين المردودة حتى يقال ثبت للذى لم يبع مطالبة البائع بنصيبه من غير تجديد خصومة لكون يمين الرد بمنزلة البينة أو الاقرار والله أعلم * فهذا أحد وجهى اختلاف الشريكين في القبض (والوجه الثاني) أن يقول الشريك البائع للذى لم يبع قبضت الثمن كله وصدقه المشترى فأنكر الذى لم يبع فله حالتان (إحداهما) أن يكون الذى لم يبيع مأذونا من جهة البائع في قبض الثمن فيبرأ المشترى عن نصيب البائع لا عترافه بأن وكيله قد قبض ثم تعرض خصومتان كما في النزاع الاول فأن تخاصما الذى لم يبع والمشترى فالقول قول الذي لم يبع في نفى القبض فيحلف ويأخذ نصيبه ويسلم له المأخوذ وان تخاصم البائع والذى لم يبع حلف الذى لم يبيع فان نكل حلف البائع وأخذ منه نصيبه ولا رجوع له على المشترى وكل ذلك كما مر في النزاع الاول ولو شهد البائع للمشترى على القبض لم تقبل لانه يشهد لنفسه على الذى لم يبع والحالة الثانية أن لا يكون الذى لم يبع مأذونا من جهة البائع في القبض فلا تبرأ ذمة المشترى عن شئ من الثمن أما عن حق الذى لم يبع فلانه منكر في القبض ومصدق في انكاره بيمينه وأما عن الذى باع فلانه لم يعترف الجزء: 10 ¦ الصفحة: 448 بقبض صحيح ثم لا يخلو إما أن يكون البائع مأذونا من جهة الذى لم يبع في القبض أولا يكون مأذونا ايضا (القسم الاول) أن يكون مأذونا فله مطالبة المشترى بنصيبه من الثمن ولا يتمكن من مطالبته بنصيب الذى لم يبع لانه لما أقر بقبض الذى لم يبع نصيبه فقد صار معزولا عن وكالته ثم إذا تخاصم الذى لم يبع والمشتري فعلى المشترى البينة على القبض وان لم تكن البينة فالقول قول الذى لم يبع فإذا حلف ففيمن يأخذ حقه منه وجهان (قال) المزني وابن القنص وآخرون إن شاء أخذ تمام حقه من المشترى وان شاء شارك البائع في المأخوذ وأخذ الباقي من المشترى لان الصفقة واحدة فكل جزء من الثمن شائع بينهما فان أخذ بالحصة الثانية لم يبق مع البائع إلا ربع الثمن ويفارق هذا ما إذا كان الذي لم يبع مأذونا في القبض حيث لا يشاركه البائع فيما يأخذه من المشترى لان زعمه أن الذى لم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 449 يبع ظالم فيما أخذه فلا يشاركه فيما ظلم به قال ابن سريج وغيره ليس له الا أخذ حقه من المشتري ولا يشارك البائع فيما أخذه لان البائع قد انعزل عن الوكالة بأقراره وأن الذي لم يبع قبض حقه فما يأخذه بعد الانعزال ياخذه لنفسه خاصة وهذا الكلام استحسنه الشيخ أبو حامد والشيخ أبو على لكن أبو على قال انه وان انعزل فالمسألة تحتمل وجهين بناء على أن مالكي السلعة إذا باعاها بصفقة واحدة هل ينفرد أحدهما بقبض حصته من الثمن وجهان (أحدهما) لا بل إذا انفرد بأخذ شئ يشاركه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 450 الاخر فيه كما أن الحق الثابت للوراثة لا ينفرد بعضهم باستيفاء حصته منه ولو فعل شاركه الآخرون فيه وكذلك لو كاتبا عبدهما صفقة واحدة لم ينفرد أحدهما باخذ حقه من النجوم (والثانى) نعم كما لو باع كل واحد منهما نصيبه بعقد مفرد ويخالف الميراث والكتابة فانهما لا يثبتان في الاصل بصفة التجزئ إذ لا ينفرد بعض الورثة ببعض أعيال التركة ولا تجوز كتابة بعض العبد فلذلك لم يجز التجزئ في القبض ولو شهد البائع للمشترى على أن الذى لم يبع قد قبض الثمن فعلى المزني الجزء: 10 ¦ الصفحة: 451 لا تقبل شهادته لان يدفع بها شركة صاحبه فيما أخذه وعلى ما ذكره ابن سريج تقبل (والقسم الثاني) أن لا يكون البائع ماذونا في القبض قال أصحابنا العراقيين للبائع مطالبة المشترى بحقه ههنا وما يأخذه يسلم له وتقبل ههنا شهادة البائع للمشترى على الذى لم يبع وقياس البناء الذى ذكره الشيخ أبو على عود الخلاف في مشاركة صاحبه فيما أخذه تخريج قبول الشهادة على الخلاف ويجوز أن يستفاد من جوابهم ترجيح الوجه الصائر إلى الاصل المبني عليه أن كل شريك ينفرد بقبض الجزء: 10 ¦ الصفحة: 452 حصته على أنى رأيت في فتاوي الحناطى حكاية وجه أن أحد الموارثين أيضا إذا قبض من الدين قدر حصته لم يشاركه الآخر الا أن ياذن له المديون في الرجوع عليه أولا يجد ما لا سواه هذا فقه السمألة واعلم ان المزني أجاب في الوجه الثاني من اختلاف الشريكين بان المشترى يبرأ من نصف الثمن باقرار البائع أن شريكه قد قبض لانه في ذلك أمين وظاهر هذا يشعر بسقوط نصيب الذى لم يبع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 453 كما أن في الوجه الاول من اختلافهما يسقط نصيب الذى لم يبع والاصحاب فيما اطلقه فرقتان فغلطه فرقة منها ابن سريج وابو اسحق وقالت إنه نقل هذه المسألة من كتب أهل العراق فانهم يقبلون إقرار الوكيل على الموكل باستيفاء الثمن والبائع وكيل الذى لم يبع فيسقط باقراره أن الموكل قد قبض حقه (فأما) قول أصل الشافعي رضى الله عنه فان اقرار الوكيل على الموكل غير مقبول فلا يسقط باقرار البائع حق لدى لم يبع (وفرقة) أولت كلامه وهم قو لان عن ابن أبى هريرة وغيره أنه ما أراد بقوله برئ المشترى من نصف الثمن البراءة المطلقة وانما أراد براءة المطلقة وانما أراد براءة مطالبة البائع بالنصف لان زعمه أن شريكه قد قبض حقه فلا يمكنه المطالبة به (ومنهم) من حمله على ما إذا كان الذى لم يبع مأذونا من جهة البائع في القبض أيضا فإذا أقر البائع بان شريكه قبض وقد أقر بقبض وكيله فعلى هذا فالنصف الساقط هو نصيب المقر كما في الاختلاف الاول * واعلم أن المسألة لا اختصاص لها بالشركة المعقود لها الباب وانما هي موضوعة في مطلق الشركة (وقوله) في الكتاب فان نكل حلف الخصم واستحق الجزء: 10 ¦ الصفحة: 454 أي نكل البائع وحلف الذى لم يبع واستحق نصيبه على شريكه (وقوله) في الصورة الثانية لم يقبل اقرار الوكيل على الموكل الوكيل ههنا هو الذى باع والموكل هو الذى لم يبع وقوله برئ المشترى من مطالبة المقر بان شريكي قبض إلى آخره قد يوهم مغايرة هذه اللفظة لقوله في الصورة السابقة المشترى يبرأ من نصيب المقر لاقراره فرق بينهما في هذا الحكم ولا فرق وليس في تغاير اللفظين فقه (وقوله) ولم يبرأ من مطالبة الجاحد كالشرح والايضاح لما مر والا ففى قوله لم يقبل اقرار الوكيل على الموكل ما يفيده فأنه إذا لم يقبل اقرار البائع عليه ففى حقه ومطالبته بحالهما ويجوز أن يقال قوله يقبل اقرار الوكيل على الموكل إشارة إلى القاعدة الكلية في الوكلاء والموكلين (وقوله) ولم يبرأ من مطالبة الجاحد بيان قياس تلك القاعدة وثمرتها فيما نحن فيه * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 455 (فرع) نتأسى في ختم الكتاب به المزني والاصحاب وإن لم يكن له كبير اختصاص بالباب عبد بين رجلين غصب غاصب نصيب أحدهما بأن نزل نفسه منزلته وأزال يد صاحبه يصح من الذى لم يغصب نصيبه بيع نصيبه ولا يصح من الاخر بيع نصيبه إلا من الغاصب ولو باع الغاصب والذى لم يغصب نصيبه جميع العبد في عقد واحد بطل في نصيب الغاصب وصح في نصيب المالك لا يخرج على الخلاف في تفريق الصفقة لان الصفقة تتعدد بتعدد البائع وسهم من قال ينبني القول في نصيب المالك على أن أحد الشريكين إذا باع نصف العبد مطلقا ينصرف إلى نصيبه أو يشيع وفيه وجهان وهذه المسألة مذكورة في الكتاب في باب العتق (فأن قلنا) ينصرف إلى نصيبه صح بيع المالك في نصيبه (وإن قلنا) بالشيوع يبطل البيع في ثلاثة أرباع العبد وفى ربعه قولان ولا ينظر إلى هذا البناء فيما إذا باع المالكان معا وأطلقا ولا يجعل كما إذا أطلق واحد منهما بيع نصف العبد لان هناك تناول العقد الصحيح جميع العبد * الجزء: 10 ¦ الصفحة: 456 فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 11 فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 11 الجزء: 11 فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ..الجزء الحادي عشر دار الفكر بسم الله الرحمن الرحيم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 1 (كتاب الوكالة) وفيه ثلاثة ابواب الحاجه داعيه إلى تجويز الوكالة ظاهره وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه وكل السعادة لاخذ الصدقات) وروى انه صلى الله عليه وسلم (وكل عروة البارقى ليشتري له شاة للاضحيه) (وعمرو بن أمية الضمرى لقبول الجزء: 11 ¦ الصفحة: 2 نكاح ام حبيبة بنت ابى سفيان) (وأبا رافع لقبول نكاح ميمونه) وعن جابر رضى الله عنه قال (أردت الخروج إلى خيبر فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إذا لقيت وكيلى فخذ منه خمسة عشر وسقا فأن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته) وقد أدرج صاحب الكتاب رحمه الله تعالى مسائل الوكالة في ثلاثة أبواب (أحدها) في أركانها وبين فيه ما يعتبر في كل واحد منها لصحة العقد فيعرف بذلك الجزء: 11 ¦ الصفحة: 3 صحيح الوكالة وفاسدها (والثانى) في أحكام الوكالة الصحيحة فهى فائدة العقد وثمرته (وثالثها) في الاختلاف لانهما قد يختلفان في أصل العقد وفى كيفيته وتعر ض لسببه أحكام يحتاج إلى الوقوف عليها (أما) الاركان فلا يخفي أن التوكيل تفويض ولا شك أن التفويض يكون في شئ يصدر من شخص إلى شخص ويتحصل بشئ وهذه الاربعة التى ذكرناها لكن جعلها أركانا للوكالة كجعل البائع والمشترى والمبيع أركانا للبيع وفيه كلام قدمناه في البيع. قال (الباب الاول في أركانها وهى أربعة {الاول} ما فيه التوكيل وشروطه ثلاثة (الاول) أن يكون مملوكا للموكل. فلو وكل بطلاق زوجة سينكحها. أو بيع عبد سيملكه فهو باطل) . الركن الاول ما فيه التوكل وله شروط (أحدها) أن يكون ما يوكل فيه مملوكا فلو وكل غيره في طلاق امرأة سينكحها أو بيع عبد سيملكه أو اعتاق كل رقيق يملكه فوجهان (أحدهما) أن هذا التوكيل باطل لانه لا يتمكن من مباشرة ذلك بنفسه فلا ينتظم منه إنابة غيره فيه (والثانى) صحيح ويمكن بحصول الملك عند التصرف فأنه المقصود من التوكيل ويجرى الوجهان فيما إذا وكله بقضاء كل دين سيلزمه وتزويج ابنته إذا انقضت عدتها أو طلقها زوجها وما أشبه ذلك وبالوجه الثاني الجزء: 11 ¦ الصفحة: 4 أجاب القفال في الفتاوى وهو الذى أورده في التهذيب (والاول) أصح عند أصحابنا العراقيين والامام ولم ينقل صاحب الكتاب غيره ويجوز أن يقال الخلاف عائد إلى الاعتبار بحال التوكيل أو بحال إنشاء التصرف وله نظائر. قال (الثاني أن يكون قابلا للنيابة كأنواع البيع. وكالحوالة. والضمان. والكفالة. والشركة. والوكالة. والمضاربة. والجعالة. والمساقاة. والنكاح. والطلاق. والخلع. والصلح. وسائر العقود. والفسوخ. ولايجوز التوكيل في العبادات الا في الحج واداء الزكوات. ولا يجوز في المعاصي كالسرقة والغصب والقتل بل أحكامها تلزم متعاطيها. ويلتحق بفن العبادات الايمان والشهادات فأنها تتعلق بألفاظ وخصائص. واللعان والايلاء من الايمان. وكذا الظهار على رأى. ويجوز التوكيل بقبض الحقوق. وفى التوكيل بأثبات اليد المباحث كالاصطياد الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5 والاستقاء خلاف. وفى التوكيل بالاقرار خلاف لتردده بين الشهادة والالتزامات. ثم ان لم يصح ففى جعله مقرا بنفس التوكيل خلاف. وكذلك يجوز التوكيل بالخصومه برضا الخصم وغير رضاه (ح) . وبستيفاء العقوبات في حضور المستحق. وفى غيبته طريقان. أحدهما المنع. والآخر قولان. وقيل بالجواز أيضا) . يشترط في الموكل فيه أن يكون قابلا للنيابة فان التوكيل تفويض وانابه والذى يفرض فيه التوكيل أنواع (منها) العبادات والاصل فيها امتناع النيابة لان الاتيان بها مقصود من الشخص عينه ابتلاء واختبار واستثني الحج للاخبار ومن جنس الصلاة ركعتي الطواف على كلام فيهما يأتي في الوصايا وتفريق الزكاة والكفارات والصدقات الحاقا لها بسائر الحقوق الماليه وذبح الضحايا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 6 والهدايا فأن النبي صلى الله عليه وسلم أناب فيه وفى صوم الولي عن الميت خلاف سبق في موضعه والحق بالعبادات الايمان والشهادات قال في الوسيط لان الحكم في الايمان يتعلق بتعظيم اسم الله تعالى فامتنعت النيابة فيها كالعبادات وفى الشهادات علقنا الحكم بخصوص لفظ الشهادة حتى لم يقم غيرها مقامها فكيف يحتمل السكوت عنها بالتوكيل ومن جملة الايمان الايلاء واللعان والقسامه فلا يجوز التوكيل في شئ منها وفى الظهار وجهان بناء على أن المغلب فيه معنى اليمين أو الطلاق والظاهر عند المعظم منع التوكيل فيه وذكر في التتمة أن الظاهر الجواز وأن المنع مذهب المزني وفى معني الايمان النذور وتعليق الطلاق والعتق والتدبير وفى التتمة أن الحكم في التدبير يبنى على أنه وصية أو تعليق عتق بصفة فان قلنا بالثاني منعناه (ومنها) المعاملات فيجوز التوكيل في طرفي البيع بانواعه من السلم والصرف والتوليه وغيرها وفى الرهن والهبة والصلح والابراء والحوالة والضمان والكفالة والشركة والوكالة والمضاربة والاجارة والجعالة والمساقاة والايداع والاعارة والاخذ بالشفعة والوقف والوصية وقبولها وعن القاضى الحسين وجه أنه لا يجوز التوكيل في الوصيه لانها قربة ويجوز التوكيل في طرفي النكاح والخلع وفى تنجيز الطلاق والعتاق والكتابة ونحوها وفى الرجعة وجهان (أصحهما) الجواز كابتداء النكاح فان كل واحد منهما استباحة فرج محرم (والثانى) المنع كما لو أسلم الكافر على أكثر من أربع نسوة ووكل بالاختيار وكذا لو طلق إحدى امرأتيه وأعتق أحد عبديه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 7 ووكل بالتعيين وكما يجوز التوكيل في العقود يجوز في الاقالة وسائر الفسوخ نعم ما هو على الفور فالتأخير فيه بالتوكيل قد يكون تقصيرا وفى التوكيل في خيار الرؤية خلاف سبق في موضعه ويجوز التوكيل في قبض الاموال مضمونة كانت أوغير مضمونة وفى قبض الديون واقباضها ومنها الجزية فيجوز التوكيل في قبضها واقباضها نعم يمتنع توكيل الذمي المسلم فيه على رأى مذكور في كتاب الجزية (ومنها) المعاصي كالقتل والقذف والسرقة والغصب فلا مدخل للتوكيل فيها بل أحكامها تثبت في حق مرتكبها لان كل شخص بعينه مقصود بالامتناع عنها فأن فعل أجرى حكمها عليه. ثم في الفصل وراء هذه الصور المبتورة مسائل (إحداها) في التوكيل في تملك المباحات كاحياء الموات والاحتطاب والاصطياد والاستقاء وجهان (أصحهما) الجواز حتى يحصل الملك للموكل إذا قصده الوكيل لانه أحد أسباب الملك فاشبه الشراء (والثانى) المنع كالاغتنام لان الملك فيها يحصل بالحيازة وقد حدث من التوكيل فيكون الملك له ولو استأجره ليحتطب له أو يستقى ففى التهذيب أنه على الوجهين وبالمنع أجاب القاضى ابن كج ورأى الامام جواز الاستئجار مجزوما به فقاس عليه وجه تجويز التوكيل (الثانيه) في التوكيل بالاقرار وجهان وصورته أن يقول وكلتك لتقر عني لفلان (أظهرهما) عند الاكثرين ويحكى عن ابن سريج واختيار للقفال أنه لا يصلح لانه اخبار عن حق فلا يقبل التوكيل كالشهادة وانما يليق التوكيل بالانشاءات (والثانى) يصح لانه قول يلزم به الحق فاشبه الشراء وسائر التصرفات وبهذا قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى فعلى الاول هل يجعل بنفس التوكيل مقرا فيه وجهان (أحدهما) نعم وبه قال ابن القاص تخريجا واختاره الامام رحمه الله تعالى لان توكيله دليل ثبوت الحق عليه (وأظهرهما) عند الجزء: 11 ¦ الصفحة: 8 صاحب التهذيب أنه لا يجعل مقرا كما أن التوكيل بالابراء لا يجعل ابراء وإذا قلنا بالوجه الثاني فينبغي أن يبين الوكيل جنس المقر به وقدره فلو قال قرعني بشئ لفلان فأقر أخذ الموكل بتفسيره ولو اقتصر على قوله أقر عني لفلان فوجهان حكاهما الشيخ أبو حامد وغيره (أحدهما) أنه كما لو قال أقر عني بشئ (وأصحهما) أنه لا يلزمه شئ بحال لجواز أن يريد الاقرار بعلمه أو سماعه لا بالمال (الثالثة) يجوز لكل واحد من المدعى والمدعي عليه التوكيل بالخصومة رضى صاحبه أولم يرض وليس لصاحبه الامتناع من خصومة الوكيل وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى له الامتناع الا أن يريد الموكل سفرا أو يكون مريضا أو مخدرة وقال مالك رحمه الله تعالى له ذلك إلا أن يكون سفيها خبيث اللسان فيعذر الموكل في التوكيل. لنا أنه توكيل في خالص حقه فيمكن منه كالتوكيل بأستيفاء الدين من غير رضا من عليه ولافرق في التوكيل في الخصومة بين أن يكون التوكيل المطلوب مالا أو عقوبة لآدمي كالقصاص وحد القذف فأما حدود الله تعالى فلا يجوز التوكيل في اثباتها لانها مبنية على الدرء (الرابعة) يجوز التوكيل في استيفاء حدود الله تعالى للامام والسيد في حد مملوكه وقد قال صلى الله عليه وسلم في قصة ماعز (اذهبوا به فارجموه) (وقال واغد يا أنيس على امرأة هذا فان أعترفت فارجمها) وأما عقوبات الآدميين فكذلك يجوز استفاؤها بالوكالة في حضور المستحق وفى غيبته ثلاث طرق (أشهرها) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 9 على قولين (أحدهما) المنع وهو ظاهر نصه ههنا لانا لا نتيقن بقاء الاستحقاق عند الغيبة لاحتمال العفو وأيضا فأنه ربما يرق قلبه عند الحضور فيعفو فليشترط الحضور (وأصحهما) الجواز لانه حق يستوفى بالنيابة في الحضور فكذلك في الغيبة كسائر الحقوق واحتمال العفو كاحتمال رجوع الشهود فيما إذا كانت بالبينة فانه لا يمتنع الاستيفاء في غيبته (والثانى) وبه قال أبو إسحق القطع بالجواز وحمل ما ذكره ههنا على الاحتياط (الثالث) القطع بالمنع لعظم خطر الدم وبالمنع قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى وذكر الرويانى أنه الذى يفتى به. وإذا عرفت ما ذكرنا لم يخف عليك أن قوله في الكتاب وسائر العقود والفسوخ وان كان يشعر بالجزم وصحة التوكيل فيها لكن في العقود ما هو مختلف فيه كالرجعة والوصية وفى الفسوخ أيضا طرد الفسخ وخيار الرؤية فيجوز اعلامه - بالواو - لذلك وقوله في آخر الفصل وقيل بالجواز أيضا طريقة ثالثة أوردها بعد الطريقين وثالثها محفوظة عن الشيخ أبى حامد ومن تقدم. قال (الشرط الثالث أن يكون ما به التوكيل معلوما نوع علم لا يعظم فيخ الغرر. ولو قال وكلتك بكل قليل وكثير لم يجز. ولو قال وكلتك بما إلى من تطليق زوجاتي وعتق عبيدى. وبيع أملاكي جاز. ولو قال وكلتك بما إلى من قليل وكثير ففيه تردد. ولو قال اشتر عبدا لم يجز (و) . ولو قال عبدا تركيا بمائة كفى. ولا يشترط أوصاف السلم. ولو ترك ذكر مبلغ الثمن أو ذكر الثمن ولم يذكر نوعه ففيه خلاف. والتوكيل بالابراء يستدعى علم الموكل بمبلغ الدين المبرإ عنه لاعلم الوكيل. ولا علم من عليه الحق. ولو قال بع بما باع به فلان فرسه فالعلم بمبلغ ما الجزء: 11 ¦ الصفحة: 10 باع به فلان فرسه يشترط في حق الوكيل لافى حق الموكل. ولو قال وكلتك بمخاصمة خصماي فالاظهر جوازه وان لم يعين) . لا يشترط في الموكل فيه ان يكون معلوما من كل وجه فأن الوكالة انما جوزناها لعموم الحاجة وذلك يقتضى المسامحة فيها ولذلك احتمل تعليقها بالاغرار على رأى ولم يشترط القبول فيها بالقول ولا على الفور ولكن يجب أن يكون معلوما مبينا من بعض الوجوه حتى لا يعظم ولا فرق في ذلك بين أن تكون الوكلة عامة أو خاصة (أما) الوكالة العامة فبين ما نقله الامام وصاحب الكتاب فيها تصويرا وحكما وبين ما نقله سائر الاصحاب بعض التفاوت ونذكر الطريقين. قال الامام وصاحب الكتاب لو قال وكلتك بكل قليل وكثير ولم يضف إلى نفسه فالتوكيل باطل لانه لفظ مبهم بالغ في الابهام ولو ذكر الامور المتعلقة به الذى تجرى فيها النيابة وفصلها فقال وكلتك ببيع املاكي وتطليق زوجاتي واعتاق عبيدى صح التوكيل فلو قال وكلتك بكل امر هو لى مما يناب فيه ولم يفصل أجناس التصرفات فوجهان (أحدهما) يبطل كما قال وكلتك بكل قليل وكثير (الثاني) يصح لانه أضاف التصرفات إلى نفسه فلا فرق بين أن يذكرها بلفظ يعمها وبين أن يفصلها جنسا جنسا والاول أظهر (وأما) سائر الاصحاب فأنهم قالوا لو قال وكلتك بكل قليل وكثير أو في كل اموري أوفى جميع حقوقي أو بكل قليل وكثير من أمورى أو فوضت اليك جميع الاشياء أو انت وكيلى فتصرف في مالى كيف شئت لم تصح الوكالة ولو قال وكلتك ببيع أموالي واستيفاء ديونى أو استرداد ودائعي أو اعتاق عبيدى صحت الوكالة ووجه التفاوت بين الطريقين أنهما عللا المنع بأرسال لفظ القليل والكثير الجزء: 11 ¦ الصفحة: 11 وترك اضافتهما حتى ذكروا وجهين فيما إذا أضافهما والآخرون سووا بين ما إذا أرسل وبين ما إذا أضاف ولم ينقلوا الخلاف في واحد من القسمين وعللوا بأن في تجويز هذه الوكالة غررا وضررا عظيما لا حاجة إلى احتماله وهذه الطريقة أصح نقلا ومعنى (أما) النقل فلان الشافعي رضى الله عنه قال في اختلاف العراقيين وإذا شهد الرجل لرجل أنه وكله بكل قليل وكثير له فالوكالة غير جائزة نص على المنع مع وجود الاضافة (وأما) المعنى فلان الانسان إنما يوكل فيها يتعلق به سواء نص على الاضافة إلى نفسه أو لم ينص ولهذا قال لو وكل بشراء هذا لم يحتج إلى أن يقول لى (وأما) الوكالة الخاصة ففيها صور (منها) أن يوكل في بيع أمواله أو قضاء ديونه أو استيفائها وقد نقلنا صحته عن الطريقين وهل يشترط أن تكون أمواله معلومة قال في التهذيب لو قال وكلتك ببيع جميع مالى وكان معلوما أو قبض جميع ديونى وهو معلوم لجاز فهذا التفسير يشعر بالاشتراط لكن الاشبه خلافه فان معظم الكتب لا تتعرض لهذا الاشتراط وفى فتاوى القفال لو قال وكلتك باستيفاء ديونى التى على الناس جاز مجملا وان كان لايعرف من عليه الدين أنه واحد أو أشخاص كثيرة وأى جنس ذلك الدين وانما لا يجوز إذا لم يبين ما يوكل فيه كأن يقول وكلتك في كل قليل وكثير وما أشبهه هذا لفظه وفى الرقم لابي الحسين العبادي أنه لو قال بع جميع أموالي صح لانه أعلم بالجملة ولو قال بع طائفة من مالى أو بعضه أو سهما منه لم يصح لجهالته بالجملة فكان الشرط أن يكون الموكل فيه معلوما أو بحيث تسهل معرفته ولو قال بع ما شئت من مالى أو اقبض ما شئت من ديونى جاز ذكره صاحب المهذب والتهذيب وفى الحلية ما ينازع فيه فانه قال لو قال بع من رأيت من عبيدى لا تجوز حتى يميز (ومنها) التوكيل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 12 بالشراء فلا يكفي أن يقول اشتر لي شيئا أو حيوانا أو رقيقا بل يشترط أن يبين أنه عبد أو أمة ويبين النوع من التركي والهندي وغيرهما والمعنى فيه أن الحاجة لاتكاد تمس إلى عبد مطلق على أي نوع ووصف كان وفى الابهام غرر ظاهر فلا يحتمل وفى النهاية أن صاحب التقريب حكى وجها أنه يصح التوكيل بشراء عبد مطلق وهذا الوجه بعيد ههنا وإذا طرد في شراء شئ كان أبعد لانه أبعد في التوكيل بشراء شئ وهل يشترط مع التعرض للنوع ذكر الثمن فيه وجهان (أصحهما) لا وبه قال أبو حنيفة وابن سريج لان تعلق الغرض بعبد من ذلك النوع نفيسا كان أو خسيسا ليس ببعيد (والثانى) أنه لابد من تقدير الثمن أو بيان غايته بان يقول بمائة أو من مائة إلى الف لكثرة التفاوت فيه ولا يشترط استقصاء الاوصاف التى تضبط في السلم ولا ما يقرب منها بالاتفاق نعم إذا اختلفت الاصناف الداخلة تحت النوع الواحد اختلافا ظاهرا فعن الشيخ أبى محمد أنه لابد من التعرض له إذا فرعنا على المذهب في اعتبار التعرض للتركي والهندي (وقوله) في الكتاب أو ذكر الثمن ولم يذكر نوعه ففيه خلاف أراد به ما هو المفهوم من ظاهره وهو أن يقول اشتر لي عبدا بمائة ولا يتعرض لقوله تركيا وهنديا واثبات الخلاف في هذه الصورة بعد الحكم بأنه لابد من ذكر التركي والهندي مما لا يتعرض له الائمة ولانه ذكر في وسيط صاحب الكتاب فالوجه تأويله على اصطلاح استعمله الامام وذلك أنه سمى التركي والرومى والهندي أجناسا للرقيق في هذا المقام واتباعا للعرف وسمى الاصناف الداخلة تحت التركي مثلا أنواعا له فيجوز أن يريد صاحب الكتاب ههنا بالنوع ذلك وهو ما شرط التعرض له على ماروينا عن الشيخ أبى محمد وينتظم اثبات الخلاف فيه وحينئذ يكون المعنى أو ذكر الثمن مع كون العبد تركيا أو لم يذكر صفته. ولو قال اشتر لي عبدا كما تشاء فظاهر الجزء: 11 ¦ الصفحة: 13 رأى الشيخ أبى محمد تجويزة لانه صرح بالتفويض التام بخلاف ما إذا اقتصر على قوله اشتر لي عبدا فأنه لم يأت ببيان معتاد ولا تفويض تام ولم يكتف الاكثرون بذلك وفرقوا بينه وبين أن يقول في القراض اشتر من شئت من العبيد لان المقصود هناك الربح بنظر العامل وتصرفه فيليق به التفويض إليه وفى التوكيل بشراء الدار يجب التعرض للمحلة والسكة وفى الحانوت للسوق وعلى هذا القياس (ومنها) لو وكله بالابراء قال القاضى الحسين إذا عرف الموكل مبلغ الدين كفى ذلك ولم يجب اعلام الوكيل قدر الدين وجنسه وهذا هو الذى أورده في الكتاب وقال في المهذب والتهذيب لابد من أن يبين للوكيل قدر الدين وجنسه والاشبه الاول ويخالف ما إذا قال بع عبدى بما باع به فلان فرسه حيث يشترط لصحة البيع علم الوكيل لان العهدة تتعلق به فلا بد وأن يكون على بصيرة من الامر ولا عهدة في الابراء ولو كان الموكل جاهلا بقدر ما باع به فلان فرسه لم يضر (وأما) قوله في صورة الابراء ولا علم من عليه الحق فاعلم أن فيه خلافا مبنيا على الاصل الذى مر في كتاب الضمان وهو أن الابراء محض اسقاط أو تمليك فان قلنا اسقاط صح مع جهل من عليه الحق بمبلغ الحق وان قلنا تمليك فلا بد من علمه كما أنه لابد من علم المهب بما وهب فأذا قوله ولا علم من عليه الحق ينبغى أن يعلم - بالواو - وكذلك قوله علم الوكيل بما قدمناه وقوله يستدعى علم الوكيل يجوز اعلامه - بالواو - أيضا لانا إذا صححنا الابراء عن المجهول لانعتبر علم الموكل أيضا ثم ينظر في صيغة الابراء فان قال ابرئ فلانا عن دينى أو أبرئه عن الكل وان قال عن شئ منه أو أبرئه عن قليل منه وان قال عما شئت ابرأه عما شاء وأبقى شيئا (ومنها) إذا وكله بالخصومة فيذكر ما يدخل فيه ومالايدخل والغرض الآن أنه لو أطلق وقال وكلتك بمخاصمة خصماي هل يصح التوكيل فيوجهان (أصحهما) نعم ويصير وكيلا في جميع الخصومات (والثانى) لابل يجب تعيين من يخاصم معه لاختلاف الغرض به وهذا الخلاف قريب من الخلاف الذى مر فيما إذا وكل ببيع أمواله وهى غير معلومة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 14 قال (الركن الثاني الموكل وشرطه أن يملك مباشرة ذلك التصرف بملك أو ولاية. فلا يصح توكيل الصبى (ح) والمجنون. ولا يصح (ح) توكيل المرأة في عقد النكاح. ويجوز توكيل الاب والجد. توكيل الوكيل الا إذا عرف كونه مأذونا بلفظ أو قرينة. وفى توكيل الولى الذى لا يجبر تردد لتردده بين الولى والوكيل) . يشترط في الموكل أن يتمكن من مباشرة ما يوكل فيه إما بحق الملك لنفسه أو بحق الولاية على غيره وفى هذا الضابط قيدان (أحدهما) التمكن من مباشرة ذلك التصرف فمن لا يتمكن من مباشرة ذلك التصرف كالصبى والمجنون والنائم والمغمى عليه لا يصح منه التوكيل والمرأة لا يصح منها التوكيل في النكاح وكذا توكيل الفاسق في تزويج ابنته إذا قلنا لايليه وتوكيل السكران حكمه حكم سائر التصرفات (والثانى) كون التمكن بحق الملك والولاية فيدخل فيه توكيل الاب والجد في النكاح والمال ويخرج عنه توكيل الوكيل فانه ليس بمالك ولا ولى نعم لو مكنه الموكل من التوكيل لفظا أو دلت عليه قرينة نفذ وتفصيله سيأتي في الباب الثاني وفى معناه توكيل العبد المأذون لانه إنما يتصرف عن الاذن لا بحق الملك ولا الولاية وفى توكيل الاخ والعم ومن لا يجبر في النكاح وجهان يعزوان في النكاح لانه من حيث لا يعزل كالولي ومن حيث انه لا يستقل كالوكيل والمحجور عليه بالفلس والسفه والرق يجوز توكيله فيما لا يستقل به من التصرفات وفيما لا يستقل لا يجوز الا بعد اذن الولى والمولى ومن جوز التوكيل بطلاق امرأة سينكحها أو بيع عبد سيملكه فقياسه تجويز توكيل المحجور بما سيأذن فيه الولى ولم يتعرضوا ولنعرف في الضابط المذكور أمورا (أحدها) أنه يستثنى عنه بيع الاعمى وشراؤه فانه يصح التوكيل وان لم يملكه الاعمى للضرورة (والثانى) أنه إذا انفذ توكيل الوكيل على ما سيأتي فمنصوبه وكيل الموكل أو وكيل الوكيل فيه خلاف ستقف عليه وإذا كان الوكيل لم يكن من شرط التوكيل كون الموكل مالكا للتصرف بحق الملك والولاية (وقوله) ولا يصح توكيل المرأة في عقد النكاح معلم - بالحاء - لما اشتهر عن مذهبه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 15 قال (الركن الثالث الوكيل ويشترط فيه صحة العبارة وذلك بالتكليف. ولا يصح (ح) توكيل الصبى الا في الاذن في الدخول وايصال الهدية على رأى. ولا يصح توكيل المرأة (ح) والمحرم (ح) في عقد النكاح. والاظهر جواز توكيل العبد والفاسق في أيجاب النكاح. وكذا المحجور بالسفه والفلس إذ لا خلل في عبارتهم. ومنع استقلالهم بسبب أمور عارضة) . كما يشترط في الموكل التمكن من مباشرة التصرف للموكل فيه بنفسه يشترط في الوكيل التمكن من مباشرته بنفسه وذلك أن يكون صحيح العبارة فيه فلا يصح توكيل المجنون والصبى في التصرفات واستثنى في الكتاب الاذن في دخول الدار والملك عند ايصال الهدية ففى اعتبار عبارته في الصورتين وجهان سبق ذكرهما في أول البيع فان جاز ذلك فهو وكيل من جهة الآذن والمهدى واعلم أن تجويزهما إذا كان على سبيل التوكيل فلو أنه وكل بأن يوكل غيره فامتاز تخريجه على الخلاف في أن الوكيل هل يوكل فان جاز لزم أن يكون الصبى أهلا للتوكيل أيضا وعند ابى حنيفه وأحمد رحمهما الله تعالى يصح توكيل الصبى المميز والمرأة والمحرم مسلوبا العبارة في النكاح فلا يتوكلان فيه كما لا يوكلان خلافا لابي حنيفه وذكر في التتمة أنه لا يجوز توكيل المطلقة الرجعية في رجعية نفسها ولا توكيل المرأة امرأة اخرى لان الفرج لايستباح بقول النساء وأنه لا يجوز توكيل المرأة في الاختيار في النكاح إذا أسلم الكافر على أكثر من أربع نسوة وفى الاختيار للفراق وجهان سبق ذكرهما في باب معاملة العبيد وفى توكيله في قبول النكاح بغير إذن السيد وجهان (أصحهما) الجواز وانما لم يجز قبوله لنفسه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 16 لما أن يتعلق به المهرومؤن النكاح وفى توكيله في طرف الايجاب وجهان (أحدهما) المنع لانه لا يجوز أن يزوج أبنة غيره (والثانى) الجواز لصحة عبارته في الجملة وانما لم يل امرابنته لانه لا يتفرغ للبحث والنظر ههنا وتم البحث والنظر من جهة الموكل وهذا أظهر عند صاحب الكتاب والاول أظهر عند المعظم وربما لم يذكروا غيره وتوكيل المحجور عليه بالسفه في طرفي النكاح كتوكيل العبد وتوكيل الفاسق في ايجاب النكاح كتوكيلهما إذا سلبنا الولاية بالفسق ولا خلاف في جواز قبوله بالوكالة والمحجور عليه بالفلس يتوكل فيما لا يلزم ذمته عهدة وكذا فيما يلزم عهدة على الاصح من الوجهين كما أن شراءه صحيح على الصحيح ويجوز توكيل المرأة في طلاق زوجة الغير على أصح الوجهين گما يجوز أن يفوض الزوج طلاق زوجته إليها وقوله في الكتاب ومنع استقلالهم بأمور عارضة أي هم صحيحو العبارة كاملو الحال وانما منعناه لامور تعرض فيمنع استقلالهم بالتصرف لا مطلق التصرف على ما مر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 17 (فرع) توكيل المرتد في التصرفات المالية يبنى على انقطاع ملكه وبقائه إن قطعناه لم يصح وان ابقيناه صح وان قلنا إنه موقوف فكذلك التوكيل ولو وكل ثم اربد ففى ارتفاع التوكيل الاقوال ولو وكل مرتدا أو ارتد الوكيل لم يقدح في الوكالة لان التردد في تصرفه لنفسه لا لغيره هكذا نقل الاصحاب عن ابن سريج وفى التتمة أنه يبنى على أنه هل يصير محجورا عليه ان قلنا نعم انعزل عن الوكالة والا فلا. قال (الركن الرابع الصيغة ولا بد من الايجاب. وفى القبول ثلاثة أوجه. الا عدل هو الثالث وهو أنه لو اتى بصيغة عقد كقوله وكلتك أو فوضت يشترط القبول. وان قال بع أو أعتق فيكفى القبول بالامتثال كما في اباحة الطعام. وإذا لم يشترط قبوله ففى اشتراط علمه مقرونا بالوكالة خلاف. ولا خلاف في أنه يشترط عدم الرد منه. فان رد انفسخ لانه جائز. وفى تعليق الوكالة بالاغرار خلاف مشهور. فان منع فوجد الشرط فقد قيل يجوز التصرف بحكم الاذن. وفائدة فساده سقوط الجعل المسمى والرجوع إلى الاجرة. ولو قال وكلتك في الحال ولا تتصرف الا بعد شهر فهو جائز (و) يلزمه الامساك. ومهما صححنا التعليق فقال مهما عزلتك فانت وكليى فطريقه في العزل أن يقول ومهما عدت وكيلى فأنت معزول حتى يتقاوما في الدور ويبقى أصل الحجر) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 18 الفصل يشتمل على مسألتين (احدهما) لابد من جهة الموكل من لفظ دال على الرضا بتصرف الغير له والا فكل أحد ممنوع عن التصرف في حق غيره وذلك مثل أن يقول وكلتك بكذا وفوضته اليك وانبتك فيه وما أشبههما ولو قال بع وأعتق ونحوهما حصل الاذن وهذا لا يكاد يسمى إيجابا وانما هو أمر وإذن والايجاب هو قوله وكلتك وما يضاهيه وعلى هذا فقوله في الكتاب ولابد من الايجاب أي وما يقوم مقامه وأما القبول فانه مطلق بمعنيين (أحدهما) الرضا والرغبة فيما فوض إليه ونقيضه الرد (والثانى) اللفظ الدال عليه على النحو المعتبر في البيع وسائر المعاملات ويعتبر في الوكالة القبول بالمعنى الاول حتى لو رده وقال لا أفعله أو لا أفعل بطلت الوكالة ولو ندم وأراد أن يفعل لا ينفع بل لابد من إذن جديد وذلك لان الوكالة جائزة ترتفع في الدوام بالفسخ فلان يزيد في الابتداء بالرد كان أوجه وأما بالمعنى الثاني فقد نقل الامام طريقين (أحدهما) أن في اشتراطه وجهين (أحدهما) المنع لانه إباحة ورفع حجر فأشبه اباحة الطعام ولا يفتقر إلى القبول اللفظى (والثانى) الاشتراط لانه إثبات حق التسليط والتصرف للوكيل فليقبل كما في سائر التمليكات والثانية عن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 19 القاضى الحسين أن الوجهين فيما إذا أتى بصيغة عقد بأن قال وكلتك أو فوضت اليك فأما في صيغ الامر نحو بع وأشتر فلا يشترط القبول باللفظ جزما بل يكفى الامتثلال على المعتاد كما في إباحة الطعام وإذا اختصرت خرج من الطريقين ثلاثة أوجه كما ذكر في الكتاب والطريقة الثانيه هي التى ذكرها في التتمة وجعل قوله أذنت لك بمثابة قوله بع وأعتق لا بمثابة قوله وكلتك وان كان اذنا على صيغ العقود قال والمذهب أنه لا يعتبر في الوكالة القبول لفظا وهذا ما أجاب به في التهذيب وآخرون وان مال صاحب الكتاب إلى الوجه الفارق وسماه أعدل الوجوه (التفريع) إن شرطنا القبول فهل يجب أن يكون على الفور ظهر المذهب أنه لا يجب لانه عقد يحتمل ضربا من الجهالة فيحتمل فيه تأخير القبول كالوصية وعن القاضى أبى حامد أنه يكتفى وقوعه في المجلس هذا في القبول اللفظى (فاما) بالمعنى الاول فلا يجب التعجيل بحال ولو خرج على أن الامر هل يقتضى الفور لما بعد وإن لم يشترط الفور فلو وكله والوكيل لايشعر به هل تثبت وكالته قال في النهاية فيه وجهان يقربان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 20 من القولين في أن العزل هل ينفذ قبل بلوغ الخبر الوكيل فلو كالة أولى بان لا تثبت لانه تسلط على التصرفات فان لم يثبتها فهل نحكم بنفوذها حالة بلوغ الخبر كالعزل أم لا وفيه وجهان عن رواية الشيخ أبى محمد ان لم نحكم به فقد شرطنا اقتران علمه بالوكالة والاظهر ثبوت الوكالة وان لم يعلم وعلى هذا فلو تصرف الوكيل وهو غير عالم بالتوكيل ثم تبين الحال خرج على الخلاف فيما إذا باع مال أبيه على ظن أنه حى وكان ميتا ومن فروع هذا الخلاف أنا حيث لا نشترط القبول نكتفي بالكتابة والرسالة ونجعله مأذونا في التصرف وحيث اشترطناه فالحكم كما لو كتب بالبيع الذى أجاب به القاضى الرويانى في الوكالة بالجواز (ومنها) إذا أشترطنا القبول في الوكالة فلو قال وكلنى بكذا فقال الموكل وكلتك هل يشترط القبول أم يقام مقامه قوله وكلني فيه خلاف كما في البيع ونحوه ثم قيل الوكالة أحوج للاشتراط لانها ضعيفه ولو عكس موجها بان الوكالة يحتمل في البيع فكانت أولى بعدم الاشتراط لكان أقرب (الثانيه) إذا علق الوكالة بشرط فقال إذا قدم زيد الجزء: 11 ¦ الصفحة: 21 أو جاء رأس الشهر فقد وكلتك بكذا أو أنت وكيلى ففيه وجهان (أحدهما) ويحكى عن أبى حنيفه وأحمد أنها تصح لانها استنابه في التصرف فاشتبهت عقد الامارة فانها تقبل التعليق على ما قال عليه الصلاة والسلام فان أصيب جعفر فزيد (وأظرهما) المنع كما أن الشركة والمضاربة وسائر العقود لاتقبل التعليق وخرج بعضهم الخلاف على أن الوكالة هل تفتقر إلى القبول (إن قلنا) لاتفتقر جاز التعليق وإلا لم يجز لان فرض القبول في الحال والوكالة لم تثبت بعد بعيد وتأخرها إلى أن يحصل الشرط مع الفصل الطويل خارج عن قاعدة التخاطب ولو نجز الوكالة وضرب للتصرف شرطا بأن قال وكلتك الآن ببيع عبدى هذا ولكن لا تبيعه حتى بجئ رأس الشهر صح التوكيل بالاتفاق ولا يتصرف الا بعد حصول الشرط وتصح الوكالة المؤقتة مثل أن يقول وكلتك إلى الشهر قاله العبادي في الرقم ويتعلق بالخلاف في تعليق الوكالة قاعدتان (إحداهما) إذا أفسدنا الوكالة بالتعليق فلو تصرف الوكيل بعد حصول الشرط ففى صحة التصرف وجهان (أصحهما) الصحة لان الاذن حاصل وإن فسد العقد فصار كما لو شرط في الوكالة عوضا مجهولا فقال بع كذا على أن لك العشر من ثمنه تفسد الوكالة لكن لو باع صح (والثانى) وبه قال الشيخ أبى محمد انه لا يصح لفساد العقد ولا اعتبار الجزء: 11 ¦ الصفحة: 22 بالاذن الذى يتضمنه العقد الفاسد ألا ترى أنه لو باع بيعا فاسدا وسلم المبيع لا يجوز للمشترى التصرف فيه وان تضمن البيع والتسليم الاذن في التصرف والتسليط عليه قال في التتمة وأصل المسألة ما إذا كان عنده رهن لدين مؤجل فاذن المرتهن في بيعه على أن يجعل حقه من الثمن وفيه اختلاف قد تقدم وهذا البناء يقتضى ترجيح الوجه الثاني لان النص وظاهر المذهب هناك فساد الاذن والتصرف (فان قلنا) بالصحة فأثر فساد الوكالة أنه يسقط الجعل المسمى ان كان قد سمى له جعلا ويرجع إلى أجرة المثل وهذا كما أن الشرط الفاسد في النكاح الفاسد يفسد الصداق ويوجب مهر المثل وإن لم يؤثر في النكاح (الثانية) إذا قال وكلتك بكذا ومهما عزلتك فأنت وكيلى ففى صحة الوكالة في الحال وجهان (أصحهما) الصحة ووجه المنع اشتمالها على الشرط الفاسد وهو الزام العقد الجائز (فان قلنا) بالصحة أو كان قوله مهما عزلتك مفصولا عن الوكالة فإذا عزله نظر ان لم يشعر به الوكيل واعتبرنا شعوره في نفوذ العزل فهو على وكالته وان لم نعتبره أو كان شاعرا به ففى عوده وكيلا بعد العزل وجهان مبنيان على أن الوكالة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 23 هل تقبل التعليق لانه علق التوكيل ثانيا بالعزل (أظهرهما) المنع (والثانى) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله أنه يعود وكيلا فعلى هذا ينظر في اللفظة الموصولة بالعزل ان قال عزلتك أو مهما أو متى لم يقتض ذلك عود الوكالة الامرة واحدة وان قال كلما عزلتك اقتضى العود مرة بعد أخرى لان كلما تقتضي التكرار دون غيرها على ما ستعرفه في أبواب الطلاق ان شاء الله تعالى فلو أراد أن لا يعود وكيلا فسبيله أن يوكل غيره بعزله فينعزل لان المعلق عليه عزل نفسه فان كان قد قال عزلتك أو عزلك أحد من قبلى فالطريق أن يقول كلما عدت وكيلى فأنت معزول فإذا عزله ينعزل لتقاوم التوكيل والعزل بالاصل وهو الحجر في حق الغير قال الامام رحمه الله وفيه نظر علي بعد متلقى عن استصحاب الوكالة. واعلم أن الخلاف في الوكالة هل تقبل التعليق جار في أن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 24 العزل هل يقبله ولكن بالتريب والعزل أولى بقبوله لانه لا يشترط فيه القبول واشتراطه في الوكالة مختلف فيه وتصحيح ارادة الوكالة والعزل جميعا مبنى على قبولهما التعليق ثم قال الامام رحمه الله إذا نفذنا العزل وقلنا تعود الوكالة فلا شك أن العزل ينفذ في وقت وان لطف ثم تترتب عليه الوكالة فلو صادف تصرف الوكيل ذلك الوقت اللطيف هل ينفذ فيه وجهان للاصحاب وانما كان يصح هذا الفرض والتصوير أن لو وقع بينهما ترتب زماني حيث يتصور وقوع التصرف بينهما لكن الترتيب في مثل هذا لا يكون الا عقليا (وقوله) في كتاب وفى تعليق الوكالة بالاغرار الاغرار الاخطار وانما يقع هذا اللفظ باللاستحقاق على ما فيه خطر كقدوم زيد ومجئ المطر وان لم يكن في الحكم فرق فيمن بينه وبين ما يوثق به كمجئ الشهر (وقوله) ويلزم الامتثال أي لا يجوز له التصرف في الشهر لاأنه يجب عليه خارج الشهر فان الامر إلى اختياره. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 25 (الباب الثاني في حكم الوكالة) قال (ولها ثلاثة أحكام (الاول) صحة ما وافق من التصرفات وبطلان ما خالف. وتعرف الموافقة باللفظ مرة. وبالقرينة أخرى. وبيانه بصور سبع (الاولى) إذا قال بع مطلقا فلا يبيع بالعرض (ح) ولا بالنسيئة (ح) ولا بما دون ثمن المثل (ح) الا قدرا يتغابن الناس بمثله كالواحد في عشرة) . للوكالة الصحيحة أحكام منها صحة تصرف الوكيل إذا وافق إذن الموكل والموافقة والمخالفة يعرفان بالنظر إلى اللفظ تارة وبالقرائن التى تنضم إليه أخرى فأن القرينة قد تقوى فيكون لها اطلاق اللفظ الا ترى إذا أمره في الصيف بشراء الجمد لا يشتريه في الشتاء وقد يتعادل اللفظ والقرينة وينشأ من تعادلهما خلاف في المسألة وهذا القول الجملى يوضحه صور ترشد إلى أخواتها منها إذا وكله ببيع شئ وأطلق لم يكن له أن يبيعه بغير نقد البلد من العروض والنقود وأن يبيعه بثمن مؤجل وبغبن فاحش وبه قال مالك رحمه الله تعالى وكذا أحمد في أظهر الرواتيين وقال أبو حنيفة يجوز له جميع ذلك. لنا القياس على الوصي لانه لا يبيع له الا بثمن المثل من نقد البلد حالا وأيضا فأنه وكيل في عقد البيع فتصرفه بالغبن لا يلزم الموكل كالوكيل في الشراء إذا أشترى بغبن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 26 فاحش وأيضا فأنه إذا باع وأطلق كان الثمن حالا فإذا وكل بالبيع وأطلق حمل على الثمن الحال ولنا قول أن البيع على الوجه المذكور يصح موقوفا على اجازة الموكل وهذا هو القول المنقول في بيع الفضولي والمذهب الاول ولو كان في البلد نقدان أحدهما أغلب فعليه أن يبيع به وان استويا في المعاملة باع بما هو أنفع للموكل فأن استويا تخير على المشهور وقال صاحب التهذيب بعد نقل التخيير إذا استويا في المعاملة وجب أن لا يصح التوكيل ما لم يبين كما لو باع بدراهم وفى البلد نقدان متساويان لا يصح حتى بقيد باحدهما ووجدت في كلام الشيخ أبى حامد مثل ما ذكره صاحب التهذيب ثم إذا باع الوكيل في أحد الوجوه المذكورة لم يصير ضامنا للمال ما لم يسلمه إلى المشترى فان سلم ضمن ثم القول فيه إذا كان المبيع باقيا أو تالفا في كيفية تغريم الموكل الوكيل والمشترى على ما بيناه فيما إذا باع العدل الرهن بالغبن الفاحش أو بغير نقد البلد بالنسيئة وأما البيع بالغبن اليسير فانه جائز واليسير الذى يتغابن الناس بمثله ويحتملونه غالبا وبيع ما يساوى عشرة بتسعة يحتمل في الغالب وبيعه بثمانية غير محتمل قال الرويانى ويختلف القدر المحتمل باختلاف أجناس الاموال من الثياب والعبيد والعقارات وغيرها وكما يجوز أن ينقص الوكيل عن ثمن المثل لا يجوز أن يقتصر عليه وهناك طالب للزيادة ولو باع بثمن المثل ثم ظهر في المجلس طالب يزيد فالحكم ما مر في عدل الرهن. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 27 (فرع) إذا قال الموكل عند التوكيل بعه بكم شئت جاز له البيع بالغبن ولايجوز بالنسيئة ولا بغير نقد البلد ولو قال بما شئت فله البيع بغير نقد البلد ولايجوز بالغبن والنسيئة فلو قال كيف شئت فله البيع بالنسيئة ولا يجوز بالغبن وبغير نقد البلد ولكن القاضى الحسين يجوز الكل ولو قال بع بما عزو وهان قال في التتمة هو كما لو قال بعه بكم شئت وقال العبادي له البيع بالعرض والغبن ولايجوز بالنسيئة وهو الاولى. (فرع) ذكرنا في الرهن والتفليس أن الحاكم يبيع المرهون ومال المفلس بنقد البلد وأنه لو لم يكن دين المستحقين من ذلك أو على تلك الصفة صرفه إلى مثل حقوقهم وقد يحتاج فيه إلى توسط معاملة أخرى إذا كان نقد البلد المكسور وحقهم الصحيح فلا يمكن تحصيل الصحيح بالمكسر الا ببذل زيادة وانه ربا فيشترى بالمكسر سلعة وبالسلعة الصحيح ولو رأى الحاكم المصلحة في البيع بمثل حقوقهم في الابتداء جاز وقد مر ذلك في الرهن قال القفال في الفتاوى والمرتهن عند امتناع الراهن عن اداء الحق يبيع الرهن ويقوم مقام الحاكم في توسط المعاملة الاخرى وفى بيعه بجنس الدين وعلى صفته واعلم أن مجرد امتناع الراهن عن اداء ما عليه لا يسلط المرتهن على بيع المرهون ولكنه قد يتسلط عليه على ما مر بيانه في الرهن وإذا الحق المرتهن حينئذ بالحاكم فيما ذكره أشبه أن يلحق وكيل الراهن ببيع المرهون وقضاء الحق منه بالمرتهن بل أولى قال لان نيابة المرتهن قهرية والموكل قد رضى تصرفه ونصبه لهذا الغرض. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 28 قال (ويبيع (ح) على الاصح من أقاربه الذين ترد له شهادتهم. ولا يبيع من ينفسه) . الوكيل بالبيع مطلقا هل يبيع من ابنه وأبيه وسائر أصوله وفروعه فيه وجهان (أصحهما) نعم لانه باع بالثمن الذى لو باع به من أجنبي صح فاشبه مالو باع من صديقه وأيضا فانه يجوز للعم أن يزوج وليته من ابنه البالغ إذا أطلقت الاذن وقلنا لا يشترط تعيين الزوج فكذلك ههنا (والثاني) وبه قال أبو حنيفة لا لانه متهم بالميل إليهم ومن الجائز أن يكون هناك راغب باكثر من ذلك الثمن وأجرى الوجهين في الاصول والفروع المستقلين أما ابنه الصغير فلا يبيع منه وكذلك لا يبيع من نفسه لانه يستقصى لنفسه وطفله في الاسترخاص وغرض البائع الاستقصاء في البيع للاكثر وهما غرضان متضادان فلا يتأتى من الواحد القيام بهما وأيضا فان التوكيل بالبيع مطلقا يشعر بالبيع من الغير والالفاظ المطلقة تحمل على المفهوم منها في العرف الغالب وفى كتاب القاضي ابن كج شيئان غريبان في المسأله (أحدهما) أن أبا حامد القاضي حكى عن الاصطخرى وجها أن للوكيل أن يبيع من نفسه (والثانى) أنه حكى وجهين فيما لو وكل أباه بالبيع هل أن يبيع من نفسه لان للاب بيع مال ولده من نفسه بالولاية فكذلك بالوكالة وإذا قلنا بظاهر المذهب فلو صرح له بالاذن في بيعه من نفسه فوجهان قال ابن سريج يجوز كما لو أذن له في البيع من أبيه وابنه البالغ يجوز وكما لو قال لزوجته طلقي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 29 نفسك على الف ففعلت صح وتكون نائبة من جهته قابلة من جهة نفسها وقال الاكثرون لا يجوز لما ذكرنا من تضاد الغرضين ولان وقوع الايجاب والقبول من شخص واحد بعيد عن التخاطب ووضع الكلام وتجويزه في حق الاب كان على خلاف القياس ولو صرح بالاذن في بيعها من ابنه الصغير قال في التتمة هو على هذا الخلاف وقال صحاب التهذيب وجب أن يجوز لانه رضى بالنظر للطفل وترك الاستقصاء وتولى الطرفين في حق الولد معهود في الجملة بخلاف مالو باع من نفسه ويجرى الوجهان فيما لو وكله بالهبة وأذان له ليهب من نفسه أو يتزوج ابنته وأذن له في تزويجها من نفسه وفى تولى ابن العم طرفي النكاح بان يتزوج ابنة عمه باذنها حيث انتهت الولاية إليه والنكاح أولى بالمنع لما روى موقوفا ومرفوعا أنه عليه السلام قال (لانكاح إلا بأربعة خاطب وولى وشاهدين) وكذا فيما إذا وكل مستحق الدين المديون باستيفائه من نفسه أو وكل مستحق القصاص الجاني باستيفائه من نفسه اما في النفس أو في الطرف أو وكل الامام السارق ليقطع يده وحكى الامام رحمه الله إجراءه فيما لو وكل الزانى ليجلد نفسه واستبعده من جهة أنه متهم في ترك الايلام بخلاف القطع إذ لامدخل للتهمة فيه وظاهر المذهب في الكل المنع وفى التوكيل بالخصومة من الجانبين وجهان (أحدهما) الجواز لانه يتمكن من إقامة البينة للمدعى عليه (وأصحهما) المنع لما فيه من اختلاف الجزء: 11 ¦ الصفحة: 30 غرض كل واحد منهما فانه يحتاج إلى العقد بل من جانب والى الجرح من جانب وعلى هذا فإليه الخيرة يخاصم أيهما شاء ولو توكل رجل في طرفي النكاح أو البيع اطراد الوجهان ومنهم من قطع بالمنع لو وكل من عليه بابراء نفسه ففيه طريقان (أحدهما) التخريج على الوجهين (والثانى) القطع بالجواز كما لو وكل من عليه القصاص بالعفو والعبد باعتاق نفسه والوكيل بالشراء كالوكيل بالبيع في أنه لا يشترى من نفسه ولا من مال ابنه الصغير ويخرج شراؤه لابنه البالغ على الوجهين في سائر الصور (وقوله) في الكتاب اجراه ابن سريج في تولى ابن العم طرفي النكاح اتبع فيه ما رواه الامام فانه نسب طرد الخلاف فيها إلى سريج ورأيت للحناطى نحو ذلك وعامة الكتب ساكتة عنه قال (فان أذن له في البيع من نفسه ففى تولية الطرفين خلاف. أجراه ابن سريج في تولى ابن العم لطرفي النكاح. وتولى من عليه الدين أو القصاص أو الحد استيفاءه من نفسه بالوكالة. ويطرد في الوكيل من الجانبين بالخصومه ومن عقد النكاح والبيع. كما إذا كان وكيلا من جهة الموجب والقابل جميعا. وان اذن له في البيع بالاجل مقدارا جاز. وان أطلق فالاصح أن العرف يقيده بالمصلحة. وقيل انه مجهول) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 31 إذا أذن للوكيل في البيع إلى أجل نظر ان قدر الاجل صح التوكيل وان أطلق فوجهان (أحدهما) أنه لا يصح التوكيل لاختلاف الغرض بتفاوت الاجل طولا وقصرا وهذا ما أورده في التهذيب (وأصحهما) ما ذكره في الكتاب واختيار ابن كج أنه يصح التوكيل وعلى ما يحمل فيه ثلاثه أوجه (أظهرها) وهو المذكور في الكتاب أنه ينظر إلى المتعارف في مثله فان لم يكن فيه عرف راعى الوكيل الانفع للموكل (والثانى) له التأجيل إلى أيه مدة شاء لاطلاق اللفظ (والثالث) يؤجل إلى سنه ولا يزيد عليها لان الديون المؤجلة تتقدربها كالدين والحرية. قال (الثانية الوكيل بالبيع لا يملك تسليم المبيع قبل توفر الثمن. وبعد التوفير لا يجوز له المنع فانه حق الغير. والوكيل بالشراء يملك تسليم الثمن المسلم إليه ويملك قبض المشترى. والوكيل بالبيع هل يملك قبض الثمن من حيث انه من توابعه ومقاصده وان لم يصرح به فيه خلاف. ويقرب منه الخلاف في أن الوكيل باثبات الحق هل يستوفى. وباستيفاء الحق يخاصم فقه ثلاثه أوجه. الا عدل أن الوكيل بالاثبات لا يستوفى. وبالاستيفاء يثبت ويخاصم سعيا في الاستيفاء) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 32 أول مذكور في الفصل أن الاصحاب نقلوا وجهين في أن الوكيل بالبيع مطلقا هل يملك قبض الثمن وربما نسبوها إلى ابن سريج (أحدهما) أنه لا يملك لانه إنما أذن في البيع وقبض الثمن أمر وراء البيع وليس كل من يرضاه للبيع يرضاه لاثبات اليد على الثمن (وأصحهما) أنه يملكه لانه من توابع البيع ومقتضياته فالاذن في البيع أذن فيه وان لم يصرح به وهل يملك تسليم المبيع إذا كان مسلما إليه أشار الاكثرون إلى الجزم بأنه يملكه تعليلا بأن البيع اقتضى أزالة الملك ووجوب التسليم وقال الشيخ أبو علي الوجهان في أنه هل يملك قبض الثمن يجريان في أنه يملك تسليم المبيع وكيف لا وتسليم المبيع دون قبض الثمن فيه خطر ظاهر ولو كان قد صرح له بهما لم يملك التسليم ما لم يقبض الثمن وعلى هذا جرى صاحب التهذيب وغيره ولا خلاف في أن الموكل بعقد الصرف يملك القبض والاقباض لانه شرط صحة العقد وكذلك في السلم يقبض وكيل المسلم إليه رأس المال ووكيل المسلم يقبضه إياه لامحاله إذا تقرر ذلك فينظر ان باع الوكيل بثمن مؤجل بحيث يجوز له ذلك سلم المبيع إذ لا ينسب للبائع حق الحبس عند تأجيل الثمن ويجئ على ما ذكره الجزء: 11 ¦ الصفحة: 33 الشيخ وجه مانع من التسليم لا لغرض الحبس لكن لانه لم يفوضه إليه ثم إذا أجل الاجل لم يملك الوكيل قبض الثمن الا بأذن مستأنف وان اباعه بثمن حال وجوزنا القبض فلا يسلم المبيع حتى يقبض الثمن كما لو أذن فيها صريحا فله مطالبة المشترى بتسليم الثمن فان لم نجوز له القبض لم يكن له المطالبة وللموكل المطالبة بالثمن على كل حال خلافا لابي حنيفة رحمه الله تعالى ولو وكله بالبيع ومنعه من قبض الثمن لم يكن له القبض لا محالة ولو منعه من تسليم المبيع فكمثل جواب الشيخ في شرح الفروع وقال قائلون هذا الشرط فاسد فان التسليم مستحق بالعقد ورووا عن أبى على الطبري وغيره وجهين في أن الوكالة هل تفسد به حتى يسقط الجعل المسمى ويقع الرجوع إلى أجرة المثل ووجه الامام رحمه الله تعالى وجه سقوطه بأن استحقاقه مربوط بالبيع والامتناع من التسليم وكان مقابلا بشئ صحيح وشئ فاسد فليفسد المسمى والحق أن يقال المسألة مبنية على أن في صورة الاطلاق هل للوكيل التسليم أم لا (ان قلنا) لا فعند المنع أولى (وان قلنا) نعم فكذلك لانه من توابع العقد وتمامه كالقبض لا لان تسليمه مستحق بالعقد فان المستحق هو التسليم لا تسليمه والممنوع منه تسليمه نعم لو قال امنع الجزء: 11 ¦ الصفحة: 34 المبيع منه فهذا الشرط فاسد لان منع الملك عن المالك حيث يستحق اثبات اليد عليه غير جائز وفرق بين أن يقول لا تسلمه إليه وبين أن يقول امسكه وامنعه منه (وأما) الوكيل بالشراء فأن لم يسلم الموكل الثمن إليه فاشترى في الذمة فسيأتي الكلام في أن المطالبة بالثمن على من توجه في الحكم الثاني من الباب فأن سلمه إليه واشترى بعينه أو في الذمة فالقول في أنه هل يسلمه وهل يقبض المبيع بمجرد التوكيل في الشراء كالقول في أن الوكيل البائع هل يسلم المبيع ويقبض الثمن بمجرد التوكيل بالبيع هكذا هو في التهذيب والتتمة ولفظ الكتاب يشعر بالجزم بتسليمه الثمن وقبض المبيع ووجهه في الوسيط بان العرف يقتضى ذلك ويدل عليه وأيضا فان الملك في الثمن لا يتعين الا بالقبض فيستدعى اذنا جديدا وأما المبيع فانه متعين للملك ولمن طرد الخلاف أن يمنع العرف الفارق بين الطريقين وبين المعنى الثاني فلو كان به اعتبار لوجوب أن يجزم بقبض وكيل البائع الثمن إذا كان معينا ولم يفرقوا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 35 في رواية الوجهين بين أن يبيع بثمن معين أو في الذمة (وقوله) في الكتاب وبعد التوفير لا يجوز له المنع فأنه حق للغير أراد به ما ذكره الامام رحمه الله تعالى من أن المشترى إذا وفر الثمن على الموكل أو على الوكيل إذا جوزنا له القبض فالوكيل يسلمه المبيع وان لم يأذن له الموكل في تسليمه لان اداء الثمن إذا وفر صار قبض المبيع مستحقا وللمشترى الانفراد بأخذه فأن أخذ المشترى فذاك وان سلمه الوكيل فالامر محمول على أخذ المشترى ولا حكم للتسليم ثم قرب من الخلاف في أن الوكيل بالبيع هل يقبض الثمن الخلاف في مسألة أخرى وهى أن الوكيل باستيفاء الحق هل يثبت ويقيم البينة عند انكار من عيه فيه وجهان عند ابن سريج (أصحهما) لا لانه لم يوكل الا بالقبض وقد يرضى للقبض من لا يرضاه للخصومة (والثانى) نعم لانه لا يتمكن من الاستيفاء عند انكار من عليه الاثبات فليمكن مما يتوسل به إلى الاستيفاء ولافرق على الوجهين بين أن يكون الموكل باستيفائه عينا أو دينا وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى ان كان دينا ملك الاثبات وان كان عينا لم يملكه وأما أن الوكيل بالاثبات هل يستوفى بعد الاثبات فيه طريقان (أحدهما) أن فيه وجهين ايضا كالوجهين في أن الوكيل بالبيع هل يملك قبض الثمن لانه من توابع الاثبات ومقاصده كقبض الثمن بالاضافة إلى البيع (وأظهرهما) القطع بالمنع لان الاستيفاء يقع بعد الاثبات فليس ذلك نفس المأذون فيه ولا واسطة بخلاف العكس وبخلاف مسألة قبض الثمن لانه إذا وكله بالبيع أقامه مقام الجزء: 11 ¦ الصفحة: 36 نفسه فيه وانه عقد يتضمن عهدا منها تسليم المبيع وقبض الثمن فجاز أن يكون من قضاياه وأما الاثبات فليس فيه ما يتضمن التزاما قال في التتمة الخلاف في الصورة الثانية في الاموال أما القصاص والحد فلا يستوفيهما بحال وحكى القاضى ابن كج عن ابن خيران أنه على الوجهين وإذا جمعت بن الامرين الاستيفاء والاثبات وقلت الوكيل باحدهما هل يملك الثاني حصل في الجواب ثلاثة أوجه كما ذكر في الكتاب لكن تسمية الوجه الفارق أعدل الوجوه ربما أوهم ترجيحه والظاهر عند الاصحاب أنه لا يفيد واحد منهما الثاني. (فرع) عرفت أن الوكيل لا يسلم المبيع قبل قبض الثمن فلو فعل للموكل قيمته إن كانت القيمة والثمن سواء أو كان الثمن أكثر وإن كانت القيمة أكثر بأن باعه بغبن محتمل فيغرمه جميع القيمة أو يحط عنه قدر الغبن لصحة البيع بذلك الثمن فيه وجهان (أصحهما) أولهما ولو باع بغبن فاحش بأذن الموكل فقياس الوجه الثاني أن لا يغرم إلا قدر الثمن ثم لو قبض الوكيل الثمن بعد ما غرم دفعه إلى الموكل واسترد المغروم. قال (الثالثة أن الوكيل بالشراء إذا اشترى معيبا بثمن مثله وجهل العيب وقع عن الموكل وان علم فوجهان. وان كان بغبن وعلم لم يقع عن الموكل. وان جهل فوجهان. ثم مهما جهل الوكيل فله الرد (و) الا إذا كان العبد معينا من جهة الموكل فوجهان في الرد. وحيث يكون الجزء: 11 ¦ الصفحة: 37 الوكيل عالما فلا رد له. وفى الموكل وجهان. إذ قد يقوم علم الوكيل مقام علم الموكل كما في رؤيته. ومهما يثبت الخيار لم يسقط برضا الوكيل حق الموكل ويسقط برضا الموكل رد الوكيل) . الوكيل بالشراء اما أن يكون وكيلا بشراء شئ موصوف فلا يشترى الا السليم لان قضية الاطلاق السلامة ألا ترى أنه إذا أسلم في شئ موصوف استحق السليم منه ويخالف عامل القراض حيث يجوز له شراء المعيب وههنا المقصود الادخار إذ يجوز أن يكون الادخار والاقتناء مقصودا وانما يقتنى السليم دون المعيب وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يجوز للوكيل شراء المعيب فلو خالف ما ذكرناه واشترى المعيب نظر ان كان مع العيب يساوى ما اشتراه به فان جهل العيب فان جهل العيب وقع عن الموكل وان علمه فثلاثة أوجه (أظهرها) أن لا يقع عنه لتقييد الاذن بالسليم (والثانى) يقع لانه لا نقصان في المالية والصيغة عامة (والثالث) يفرق بين ما يمنع من الاجزاء في الكفارة إذا كان المبيع عبدا وبينما لايمنع حملا لقوله اشتر لى رقبة على ما حمل عليه قوله تعالى (فتحرير رقبة) قال الامام رحمه الله تعالى وصاحب هذا الوجه يستثنى الكفر فانه يمنع من الاجزاء في الكفارة ويجوز للوكيل شراء الكافر وان كان لا يساوي ما اشتراه به فان علم لم يقع عن الموكل وان جهل فوجهان (أصحهما) عند الامام أنه لا يقع ايضا عنه لان الغبن يمنع عن الموكل مع سلامة المبيع وأن لم يعرف الوكيل فعند العيب أولى وأوفقهما لكلام الاكثرين أنه يقع عنه كما لو اشترى لنفسه جاهلا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 38 ويفارق مجرد الغبن فانه لا يثبت الخيار فلو صح البيع ورفع عن الموكل للزم ولحقه الضرر والعيب يثبت الخيار والحكم بوقوعه عنه لا يورطه في الضرر وحيث قلنا بوقوعه عن الموكل فينظر ان كان الوكيل جاهلا فللموكل الرد إذا اطلع لانه المالك وأما الوكيل فعن صاحب التقريب رواية وجه عن ابن سريج أنه لا ينفرد بالرد لانه كان مأذونا في الشراء دون الفسخ وظاهر المذهب أنه ينفرد لمعنيين (أحدهما) أنه اقامه مقام نفسه في هذا العقد ولواحقه (والثانى) أنه لو لم يكن له الرد إلى استئذان الموكل فربما لا يرضى الموكل فيتعذر الرد لكونه على الفور ويبقى المبيع كلا على الوكيل وفيه ضرر ظاهر وهذا هو المعتمد عند الاصحاب لكن فيه اشكال لانا لو لم نثبت له الرد لكان كسائر الاجانب عن العقد فلا أثر لتأخره وأيضا فان من له الرد قد يعذر في التأخير لاسباب داعية إليه فهلا كانت مشاورة الموكل عذرا وأيضا فانه وان تعذر منه الرد فلا يتعذر بنفس الرد إذ الموكل يرد إذا كان قد سماه في العقد أو نواه على ان في كون المبيع للوكيل وفى الرد منه بتقدير تعذر كونه له خلافا وسيأتى جميع ذلك في الفصل وان كان الوكيل عالما فلا رد له وفى الموكل وجهان (أحدهما) أنه لا رد له أيضا لانه نزل الوكيل منزلة نفسه في العقد والاخذ فيكون اطلاعه على العيب كاطلاع الموكل كما أن رؤيتة كرؤيته واخراج العقد عن أن يكون على قولى شراء الغائب (وأصحهما) أن له الرد لان اطلاعه ورضاه بعد العقد لا يسقط حق الرد للموكل فكذلك اطلاعه في الابتداء وعلى هذا فينتقل الملك إلى الوكيل أو ينفسخ العقد من الجزء: 11 ¦ الصفحة: 39 أصله حكي الامام رحمه الله فيه وجهين قال من قال بالاول كانه يقول انعقاد العقد موقوفا إلى أن يتبين الحال والا فيستحيل ارتداد الملك عن الموكل إلى الوكيل وهذه الاختلافات مفرعة على وقوع العقد للوكيل مع علم الوكيل بالعيب والمذهب خلافه (الحالة الثانية) أن يكون وكيلا بشراء شئ معين فان لم ينفرد الوكيل في الحالة الاولى بالرد فهو ههنا أولى وان انفرد فههنا وجهان (وجه المنع) أنه ربما يتعلق الغرض بعينه فينتظر مشاورته (ووجه الجواز) وهو الاصح والمنصوص في اختلاف العراقيين أن الظاهر أنه بعينه شرط السلامة ولم يذكروا في هذه الحالة أنه متى يقع عن الموكل ومتى لا يقع والقياس أنه كما سبق في الحالة الاولى نعم لو كان المبيع معيبا يساوى ما اشتراه به وهو عالم فايقاعه عن الموكل ههنا أولى لجواز تعلق الغرض بعينه وجميع ما ذكرنا في الحالتين مفروض فيما إذا اشترى بثمن في الذمة أما إذا كان الثمن بعين مال الموكل فحيث قلنا هناك لا يقع عن الموكل فههنا لا يصح أصلا وحيث قلنا يقع فكذلك ههنا وهل للوكيل الرد فيه وجهان (أصحهما) لا ويمكن أن يكون الوجهان مبنيان على المعنيين السابقين إن عللنا انفراده بالرد فانه اقامه مقام نفسه في العقد ولو احقه فكذلك ههنا وان عللنا بأنه لو أخر ربما لزم العقد فصار المبيع كلا عليه فلا لان المشترى بملك الغير لا يقع له بحال (واعلم) أنه إذا ثبت الرد للوكيل في صورة الشراء في الذمه فلو أطلع الموكل على العيب قبل اطلاع الوكيل أو بعده ورضى سقط خيار الوكيل بخلاف الرد فأن رضى المالك بحضه فمن الربح ولا يسقط خيار الموكل بتأخير الوكيل وتقصيره وإذا أخر أو صرح بألزام العقد فهل له العود إلى الرد لان أصل الحق باق بحاله وهو نائب أم لا وكأنه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 40 بالتأخير أو الالزام عزل نفسه عن الرد وجهان (أظهرهما) الثاني وإذا قلنا به أو أثبتنا له العود ولم يعد فإذا اطلع الموكل عليه وأراد الرد فله ذلك إن سماه الوكيل في الشراء أو نواه وصدقه البائع عليه وإلا فوجهان (أحدهما) وهو المذكور في التهذيب والتتمة أنه يرده على الوكيل ويلزم المبيع لانه اشترى في الذمة ما لم يأذن فيه الموكل فيصرف إليه (والثانى) وهو الذي نقله الشيخ أبو حامد وأصحابه أن المبيع يكون للموكل والرد قد فات لتفريط الوكيل وما الذى يضمن قال أبويحيى البلخي قدر نقصان قيمته من الثمن ولو كانت القيمة تسعين والثمن مائة يرجع بعشرة ولو تساويا فلا رجوع وقال الاكثرون يرجع بارش العيب لانه فات الرد بغير تقصيره فكان له الارش كما لو تعذر الرد بعيب حادث إلا أن هناك يوجد الارش من البائع لتلبيسه وههنا من الوكيل لتقصيره ولو أراد الوكيل الرد فقال البائع أجزه حتى يحضر الموكل لم يلزمه الاجابة بل له الرد لئلا يصير المبيع كلا عليه أو يلزمه الغرم ولان الرد حيث ثبت له فلا يكلف تأخيره وإذا رد ثم حضر الموكل ورضيه احتاج إلى استئناف شراء ولو أخره كما التمس البائع فحضر الموكل ولم يرض به قال في التهذيب المبيع للوكيل ولا رد لتأخيره مع الامكان وقيل له الرد لانه لم يرض بالعيب قال وهو ضعيف ولك أن تقول له أنت وسائر النقلة متفقون على أنه إذا رضى الوكيل بالعيب ثم حضر االموكل وأراد الرد فله ذلك إذا كان الوكيل قد سماه أو نواه وههنا الوكيل والموكل والبائع يتصادقون على أن الشراء للموكل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 41 فلا بد وأن يكون قد سماه ونواه ووجب أن يقال المبيع للموكل وله الرد ولو أراد فقال البائع إنه قد عرفه الموكل ورضى به وليس لك الرد نظر إن لم يحتمل بلوغ الخبر إليه لم يلتفت إلى قوله وإن احتمل وأنكر الوكيل حلف على نفى العلم برضى الموكل لانه لو أقر به للزمه حكم إقراره وعن أبى حامد القاضى وغيره وجه آخر أنه لا يخاف والمذهب الاول وقوله في المختصر وإن وكله بشراء سلعه فأصاب بها عيبا كان له الرد بالعيب وليس عليه أن يخلفه أنه ما رضى به الامؤول عند الاصحاب محمول على ما إذا لم يكن ما يدعيه محتملا أو على ما إذا احتمل طلب اليمين منه على البت أو على ما إذا لم يجزم بالدعوى بل قال أجز فلعله بلغه الخبر ورضى به ومنهم من غلط المزني في النقل وقال انه أدخل جواب مسأله في مسأله إذا عرفت ذلك فإذا عرضنا اليمين على الوكيل لم يخل اما أن يخلف أو ينكل ان حلف رده فان حضر الموكل وصدق البائع فعن سريج أن له استرداد المبيع من البائع لموافقته اياه على الرضى قبل الرد وفى التتمه أن القاضى الحسين قال لا يسترد وينفذ فسخ الوكيل فان مكل حلف البائع وسقط رد الوكيل ثم إذا حضر الموكل وصدق البائع فذاك وان كذبه قال في التهذيب لزم العقد للوكيل ولا رد له لابطاله الحق بالنكول وفيه من الاشكال ما قدمناه هذا كله في طرف الشراء أما الوكيل بالبيع إذا بالع فوجد المشترى بالمبيع عيبا رده عليه ان لم يعلمه وكيلا وان علمه وكيلا رده عليه ان شاء ثم هو يرد على الموكل وعلى الوكيل ان شاء الجزء: 11 ¦ الصفحة: 42 وهل للوكيل حط بعض الثمن المعيب فيه قولان عن ابن سريج ولو زعم الموكل حدوث العيب في يد المشترى وصدق الوكيل المشترى رد المشترى على الوكيل ولم يرد الوكيل على الموكل. (فرع) سيأتي في القراض أن الوكيل بالشراء هل يشترى من يعتق على الموكل ان قلنا يشتريه فلو كان معيبا فللوكيل رده لانه لا يعتق على الموكل قبل الرضى بالعيب ذكره في التهذيب. قال (الرابعة الوكيل بتصرف معين لا يوكل الا إذا أذن له فيه. فلو وكل بتصرفات كثيرة وأذن في التوكيل وكل. وان اطلق فثلاثة اوجه. وفى الثالث يوكل في المقدار المعجوز عنه ويباشر الباقي. ثم لا يوكل الا أمينا رعاية للغبطة) . مقصود الفصل الكلام في أن الوكيل هل يوكل لا يخلو اما أن ياذن له الموكل في التوكيل صريحا أو يسكت عنه ان سكت عنه فينظر ان كان أمرا يتاتى له الاتيان به لم يوكل فيه لانه لم يرض بتصرف غيره وان لم يتأت ذلك منه اما لانه لا يحسن أو لان الاتيان به لا يليق بمنصببه فله التوكيل فيه لان الشخص لا يقصد منه الا الاستنابة فيه وفيه وجه أنه لا يوكل لقصور قضية اللفظ ولو كثرت التصرفات التى وكله بها ولم يمكنه الاتيان بالكل لكثرتها ففيه ثلاثة طرق (أصحهما) أنه يوكل فيما يزيد على قدر الامكان وفى قدر الامكان وجهان (أحدهما) يوكل فيه أيضا لانه ملك التوكل في البعض فيوكل في الكل كما لو أذن صريحا (وأصحهما) أنه لا يوكل في القدر المقدور له لانه لاضرورة إليه (والثانية) أنه لا يوكل في قدر الامكان وفيما يزيد عليه وجهان (الثالثة) اطلاق الجزء: 11 ¦ الصفحة: 43 الوجهين في الكل قال الامام رحمه الله تعالى والخلاف على اختلاف الطرق ناظر إلى اللفظ والقرينة وفى القرينة تردد في التعميم والتخصيص أما إذا أذن له في التوكيل فله أن يوكل ثم له ثلاث صور لانه اما أن يقول وكل عن نفسك أو وكل عنى أو يطلق (الصورة الاولى) إذا قال وكل عن نفسك ففعل انعزل الثاني بعزل الاول لانه نائبه وفيه وجه أنه لا ينعزل الا بالاذن واجري هذا الخلاف في انعزاله بموت الاول وجنونه (والاصح) الانعزال ولو عزل الموكل الوكيل الاول انعزل وفى انعزال الثاني بانعزاله هذا الخلاف ولو عزل الثاني ففى انعزاله وجهان (أحدهما) لا ينعزل لانه ليس بوكيل من جهته (وأصحهما) أنه ينعزل كما ينعزل بموته وجنونه والعبارة المعبرة عن هذا الخلاف أن الثاني وكيل الوكيل كما صرح به في التوكيل أو وكيل الاول ومعنى كلامه أقم غيرك مقام نفسك والاصح أنه وكيل الوكيل الوكيل لكنه إذا كان وكيل الوكيل كان فرع الفرع وفرع الفرع فرع الاصل فينعزل بانعزاله (الصورة الثانية) إذا قال وكل عنى ففعل فالثاني وكيل الموكل كالاول وله عزل أيهما شاء وليس لواحد منهما عزل الآخر ولا ينعزل بانعزال الآخر (الثالثة) إذا قال وكلتك بكذا واذنت لك في أن تو كل به وكيلا ولم يقل عنى ولا عن نفسك ففيه وجهان (أحدهما) ان الحكم كما في الصورة الاولى لان المقصود في الاذن في التوكيل تسهيل الامر عليه (وأصحهما) أنه كالصورة الثانية لان التوكيل تصرف يتولاه باذن الموكل فيقع عنه وإذا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 44 جوزنا للوكيل أن يوكل في صورة سكوت الموكل عنه فينبغي أن يوكل عن موكله فلو وكله عن نفسه ففيه وجهان وهذا لان القرينة المجوزة للتوكيل كالاذن في مطلق التوكيل ويشترط على الوكيل حيث ملك التوكيل أن يوكل أمينا رعاية لمصحلة الموكل الا أن يعين له من ليس بامين ولو وكل أمينا ففسق فهل له عزله فيه وجهان. (فرع) إذا وكله بتصرف وقال له افعل فيه ما شئت هل يكون ذلك كالاذن في التوكيل فيه وجهان عن ابن سريج (أصحهما) لا وقوله افعل ما شئت ينصرف إلى تصرفه بنفسه (وقوله) في الكتاب الوكيل بتصرف معين لا يوكل إلا إذا أذن فيه غير معمول بظاهره بل المعنى إلا إذا كان الموكل فيه مالا يتأتى للوكيل مباشرته فان الظاهر جواز التوكيل والحالة هذه كما تقرر (وقوله) فان أطلق فثلاثة أوجه هي حاصل مايخرج من الطرق الثلاثة التى قدمناها واعلم أن الصورة المذكورة في أول الباب إلى هذه الغاية موضوعة في الوكيل المطلق ومن هذا الموضع إلى آخره في التوكيل المقرون بضرب من التقييد. قال (الخامسة تتبع مخصصات الموكل. فلو قال بع من زيد لم يبع من غيره. وان خصص زمانا تعين. وان خصص سوقا يتفاوت بها الغرض تعين والا فلا. وإذا صرح بالنهي عن غير المخصوص امتنع قطعا. ولو قال بع بمائة يبيع بما فوقه الا إذا نهاه عنه. ولا يبيع بما دونه بحال. ولو قال اشتر بمائة يشترى بما دونها الا إذا نهاه. ولا يشترى بما فوقها بحال. ولو قال بع بمائة نسيئة فباع نقدا بمائة. أو قال اشتر بمائة نقدا فاشترى بمائة فوجهان لان التفاوت فيه يشبه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 45 اختلاف الجنس. ولا خلاف أنه لو قال بع بألف درهم فباع بألف دينار لم يجز وفيه احتمال) . الاصل في هذه الصورة وما بعدها أنه يجب النظر بتقييدات الموكل في الوكالة ويشترط على الوكيل رعاية المفهوم منها بحسب العرف وفى الفصل صور (احدها) إذا عين الموكل شخصا بأن قال بع من زيد أو وقتا بأن قال بع في يوم كذا لم يجز أن يبيع من غيره ولا قبل ذلك الزمان ولابعده أما الاول فلان ذلك الشخص المعين قد يكون أقرب إلى الحل وأبعد عن الشبهة وربما يريد تخصيصه بذلك المبيع وأما الثاني فلانه ربما يحتاج إلى البيع في ذلك الوقت ولو عين مكانا من سوق ونحوها نظر ان كان له في المكان المعين غرض بأن كان الراغبون فيه أكثر أو النقد فيه أجود لم يجز أن يبيع في غيره وان لم يكن غرض ظاهر فوجهان (أحدهما) يجوز والتعيين في مثل ذلك يقع اتفاقا هذا ما أورده في الكتاب وبه قال القاضى أبو حامد وقطع به الغزالي (والثانى) لا يجوز لانه ربما يكون له غرض لا يطلع عليه وهذا أصح عند ابن الفطان وصاحب التهذيب ولو نهاه صريحا عن البيع في غير ذلك الموضع امتنع بلا خلاف وذكر ابن كج أن قوله بع في بلد كذا كقوله بع في سوق كذا حتى لو باعه في بلد آخر جاء في التفصيل المذكور وهذا صحيح ولكنه يصير ضامغا للمال لنقله من ذلك البلد وكذا الثمن يكون مضمونا في يده بل لو أطلق التوكيل بالبيع وهو في بلد فليبعه في ذلك البلد ولو نقله صار ضامنا (الثانية) لو قال بع بمائة درهم لم يبع بما دونها وله أن يبيع بما فوقها والمقصود من التقدير أن لا ينقص ثمنها عن المقدار نعم لو نهاه صريحا لم يبع بما فوقها وحكي العبادي أن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 46 بعض البصريين من أصحابنا لم يجوز أن يبيع بما فوق المائة والمشهور الاول وهل له أن يبيع بمائة وهناك من يرغب بالزيادة على المائة فيه وجهان (أحدهما) نعم لموافقة صريح اذنه (والثانى) لا كما لو أطلق الوكالة فباع بثمن المثل وهناك من يرغب بالزيادة وذكر الائمة أنه لو كان المشترى معينا بأن قال بع كلا من فلان بمائة لم يجز أن يبيع باكثر منها وكان المعنى فيه أنه ربما يقصد ارفاقه ولو قال بع كذا ولا تبعه بأكثر من مائة لم يبع بالاكثر ويبيع بها وبما دونها ما لم ينقص عن ثمن المثل ولو قال بعه بمائة ولا تبعه بمائة وخمسين فله أن يبيع بما فوق المائة دون المائة والخمسين ولا يبيع بالمائة والخمسين وفيما فوق ذلك وجهان عن ابن سريج (أصحهما) المنع لانه لما نهى عن زيادة خمسين فعن ما فوقها أولى وكذلك في طرف الشراء لو قال اشتر بمائة له أن يشترى بما دونها إلا إذا نهاه ولا يشترى بما فوقها ولو قال اشتر بمائة ولا تشترى بخمسين يجوز أن يشترى بما بين المائة والخمسين ولا يشترى بخمسين وفيما دونها الوجهان (الثالثة) لو قال بعه إلى أجل وبين قدره أو قلنا لا حاجة إلى البيان وحملناه على المعتاد فخالف وباع حالا نظر إن باعه بما يساويه حالا لم يصح لانه يكن ناقصا عن ما أمر به فان ما يشترى به الشئ نقدا أقل مما يشترى به نسئة ولو باعه بما يساويه إلى ذلك الاجل حالا نظر إن كان في وقت لا يؤمن فيه من نهب أو سرقة أو كان لحفظه مؤنة في الحال لم يصح أيضا وان لم يكن شئ من ذلك الجزء: 11 ¦ الصفحة: 47 فوجهان (أحدهما) المنع أيضا فانه ربما كان يحتاج إلى الثمن في ذلك الوقت ويخاف من التعجيل خروجه في نفقته (وأصحهما) على ما ذكره في التهذيب الجواز لانه زاد خيرا ولافرق فيما ذكره بين ثمن المثل عند الاطلاق وبين ما يقدره من الثمن بأن قال بع بمائة نسيئة نقدا كما صور في الكتاب ولو قال بع بكذا إلى شهرين فباعه إلى شهر ففيه وجهان ولو قال اشتر حالا فاشتراه مؤجلا نظر ان اشتراه بما يرغب به فيه حالا إلى ذلك الاجل فوجهان كما في طرف البيع (وجه) الجواز ما مر (ووجه) المنع أنه ربما يخاف هلاك المال وبقاء الدين في ذمته قال أبو سعيد المتولي هذا إذا قلنا ان مستحق الدين المؤجل إذا عجل حقه يلزمه القبول (أما) إذا قلنا لا يلزمه القبول لا يصح الشراء ههنا للموكل بحال وذكر هو وغيره تخريجا على المسألة التى نحن فيها أن الوكيل بالشراء مطلقا لو اشترى نسيئة بثمن مثله جاز لانه زاد خيرا والموكل بسبيل من تفريغ ذمته بالتعجيل (وقوله) في الكتاب لان التفاوت فيه نسيئة اختلاف الجنس أي في النقد ونسيئة وانما يشبهه باختلاف الجنس لما بين الدين والعين أو بين الحال والمؤجل من شدة اختلاف الاغراض وهذا توجيه وجه المنع في صورتي البيع والشراء ولذلك عقبة بقوله ولا خلاف أنه لو قال بع بألف درهم فباع بألف دينار لم يجز وانما كان كذلك لان المأتى به ليس هو المأمور به ولا هو مشتمل على تحصيل ما أمر بتحصيله والوكيل متصرف بالاذن فإذا عزل عن المأذون فيه لغا تصرفه وأما قوله وفيه احتمال فقد أورد القاضى ابن كج نحوا منه وليس له الجزء: 11 ¦ الصفحة: 48 ذكر في الوسيط ولا في كتاب الامام رحمه الله تعالى ويمكن توجيهه بأنا عرفنا بالتوكيل رغبته في البيع ومن رغب في البيع بالدراهم فهو في البيع بمثل عددها من الدنانير أرغب هذا هو العرف الغالب وكما أن البيع بالدنانير غير المأذون فيه وهو البيع بالدارهم كذلك اللبيع بالمائتين غير المأذون فيه وهو البيع بالمائة ألا ترى أنه لو قال بعتك بمائة درهم لم يصح القبول بمائتي درهم كما لا يصح بمائتي دينار فإذا صححنا البيع بالمائتين اعتمادا على العرف فكذلك البيع بالدنانير وعلى هذا الاحتمال فالبيع بعرض يساوى مائتي دينار يشبه أن يكون كالبيع بمائة دينار. قال (ولو سلم إليه دينارا ليشترى شاة فاشترى شاتين تساوى كل واحدة منهما دينارا وباع احداهما بدينار ورد الدينار والشاة فقد فعل هذا عروة البارقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا له فهو صحيح على أسد القولين. وفى بيع الشاة خلاف ظاهر. وتأويل الحديث أنه لعله كان وكيلا مطلقا) . صور المسألة أن يسلم دينارا إلى وكيله ليشترى له شاة ووصفها فاشترى الوكيل شاتين بتلك الصفة بدينار فينظر إن لم تساوى كل واحدة منهما دينارا لم يصح الشراء للموكل وان زادتا معا على الدينار لانه ربما يبغى شاة تساوى دينارا فان كانت كل واحدة منهما تساوى دينارا فقولان (أصحهما) صحة الشراء وحصول الملك فيهما للموكل لانه اذن له في شراء شاة بدينار فإذا اشترى شاتين كل واحدة منهما تساوى دينارا بدينار فقد زاد خيرا مع تحصيل ما طلبه الموكل فأشبه ما إذا أمره ببيع شاة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 49 بدرهم فباعها بدرهمين أو يشترى شاة بدرهم فاشتراهما بنصف درهم (والثانى) أنه لا تقع الشاتان معا للموكل لانه لم يأذن الا في شراء واحدة ولكن ينظر ان اشتراها في الذمة فللموكل واحدة بنصف دينار والاخرى للوكيل ويرد على الموكل نصف دينار وللموكل أن ينزع الثانية منه ويقرر العقد فيهما لانه عقد العقد له وان اشتراهما بعين الدينار فكأنه اشترى واحدة باذنه واخرى بغير اذنه فينبنى على أن العقود هل تتوقف على الاجازة (ان قلنا) لا تتوقف بطل العقد في واحدة وفى الثانية قولا تفريق الصفقة (وان قلنا) تتوقف فأن شاء الموكل أخذهما بالدينار وان شاء اقتصر على واحدة ورد الاخرى على المالك والقول في وضعه مشكل لان تعيين واحدة للموكل أو بطلان العقد فيهما ليس باولى من الاخرى والتخيير مشبه بما إذا باع شاة من شاتين على أن يتخير المشترى وهو باطل ونقل الامام رحمه الله تعالى فيما إذا اشترى في الذمة قولا ثالثا وهو ان الشراء لا يصح للموكل في واحدة منهما بل يقعان للوكيل وإذا قلنا بصحة الشراء فيهما للموكل فلو باع الوكيل أحدهما عن غير اذن الموكل ففى صحة البيع قولان عن ابن سريج (أحدهما) المنع لانه لم يأذن في البيع فاشبه ما إذا اشترى شاة بدينار ثم باعها بدينارين (والثانى) أنه يصح لانه إذا جاء بالشاة فقد حصل مقصود الموكل فلا فرق فيما زاد بين أن يكون ذهبا أو غيره وعلى هذا يخرج ما إذا اشترى شاة بدينار وباعها بدينارين ويقال هذا الخلاف هو بعينه القولان في بيع الفضولي فعلى القول الجديد يلغو وعلى القديم ينعقد موقوفا على اجازة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 50 الموكل واعلم أن صورة المسألة شراءا وبيعا قد نقل في حديث عروة الباقي وهو مذكور في أول البيع في مسألة الفضولي واحتج بهذا الحديث لكل واحد من القولين في أصل المسألة اما للقول الاصح فلان النبي صلى الله عليه وسلم فرره على شرائهما وألزم العقد فيهما واما للقول الثاني فلان الشاتين لو وقعتا للنبى صلى الله عليه وسلم لما باع أحداهما قبل مراجعته لان الانسان لا يبيع مال الغير كيف وقد سلم وتصرف الفضولي وان حكم بانعقاده فلا كلام في أنه ليس له التسليم قبل مراجعة المالك واجازته فلما باع أحدهما دل على أنها دخلت في ملكه وقد يقال هب أن واحدة منهما ملكه لكنها لاتتعين ما لم يختر الموكل واحدة منهما أو يجرى فيهما اصطلاح في ذلك وإذا لم تكن التى ملكها معينة فكيف يبيع واحدة منهما على التعيين ثم القائلون بالقول الاول والاحتجاج الاول احتج من ذهب منهم إلى صحة بيع احدى الشاتين بالحديث ومن منع حمل القضية على أن عروة كان وكيلا مطلقا من جهة النبي صلى الله عليه وسلم في بيع أمواله إذا رآى رأى المصلحة فيه ولكن في هذا التأويل بحث لانه ان كان قد وكله في بيع أمواله وما سيملكه وقع في الخلاف المذكور في التوكيل ببيع ما سيملكه الا أن يقال ذلك الخلاف فيما إذا خصص بيع ما سيملكه بالتوكيل أما إذا حصل تابعا لامواله الموجودة في الحال فيجوز وهذا كما أنه لو قال وقفت على من سيولد من أولادي لا يجوز ولو قال على أولادي ومن سيولد لى جاز. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 51 (فرع) لو قال بع عبدى بمائة درهم فباعه بمائة درهم وعبد أو ثوب يساوى مائة درهم فعن ابن سريج أنه على قولين بالترتيب على مسألة الشاتين وأولى بالمنع لانه عدل عن الجنس الذى أمره بالبيع به ان منع فيمتنع في القدر الذى يقابل غير الجنس وهو الصنف أم في الجمع كيلا تتفرق الصفقة فيه قولان (ان قلنا) في ذلك القدر خاصة ففى التتمة أنه لاخيار للبائع لانه إذا رضى ببيع الجميع بالمائة كان ارضى ببيع النصفف بها وأما المشترى ان لم يعلم كونه وكيلا بالبيع بالدراهم فله الخيار فان علمه فوجهان لشروعه في العقد مع العلم بان بعض المعقود عليه لا يسلم له. قال (السادسة الوكيل بالخصومة لايقر على موكله كما لا يصالح. ولا يبرئ الوكيل بالصلح عن الدم على خمر إذا فعل حصل العفو كما لو فعله الموكل. ولو صالح على خنزير ففيه تردد. والوكيل بالشراء الفاسد لا يستفيد به الصحيح فلا معنى لوكالته. وليس للوكيل بالخصومة ان يشهد لموكله الا إذا عزل قبل الخوض في الخصومة ثم شهد. وان كان قد خاض لم يقبل لانه متهم بتصديق نفسه وإذا وكل رجلين بالخصومة فهل لكل واحد الاستبداد وجهان) . قال الشارح في أول هذه الصورة وفى آخرها مسائل تتعلق بالتوكيل بالخصومة في خلالها ما لا يتعلق بالخصومة ونحن نستوفي ما يتعلق بالخصومة ثم نذكر المدرج في مسائلها أما ما يتعلق بالخصومة فثلاث مسائل (احداها) الوكيل بالخصومة من جهة المدعى يدعى ويقيم البينة ويسعى في تعديلها الجزء: 11 ¦ الصفحة: 52 ويحلف ويطلب الحكم والقضاء ويفعل ما يقع وسيلة إلى الاثبات والوكيل بالخصومة من جهة المدعى عليه ينكر ويطعن في الشهود ويسعى في الدفع بما يمكنه ولو أقر وكيل المدعى بالقبض أو الابراء أقبول الحوالة أو المصالحة على مال أو بأن الحق مؤجل أو أقر وكيل المدعى عليه بالحق المدعى لم يقبل سواء أقر في مجلس الحكم أو غيره وبهذا قال أحمد وقال أبو حنيفة تقبل إذا أقر في مجلس الحكم وسلم أنه لا يقبل في دعوى النكاح والطلاق والقصاص والعفو (ولنا) القياس على ما سلمه وأيضا فانه لا يصالح ولا يبرئ لان اسم الخصومة لا يتناولهما فكذلك الاقرار ثم وكيل المدعى إذا أقر بالقبض أو الابراء انعزل عن الوكالة وان لم يلزم اقراره الموكل وكذلك وكيل المدعى عليه إذا أقر بالحق لانه بعد الاقرار ظالم في الخصومة بزعمه وأطلق القاضى ابن كج وجهين في أنه هل تبطل وكالته بالاقرار وهل يشترط في التوكيل بالخصومة بيان من يخاصم. معه. (فرع) نقل في النهاية أن الوكيل بالخصومة من جهة المدعى عليه لا يقبل منه تعديل بينة المدعى لانه كالاقرار في كونه قاطعا للخصومة وليس للوكيل قطع الخصومة بالاختيار وقال المصنف في الوسيط لاشك أن تعديله وحده لا ينزل منه منزلة اقرار الموكل بعدالتهم لكن رده مطلقا بعيد لان التعديل غير مستفاد من الوكالة إلا أن يوجه بأنه بالتعديل مقصر في الوكالة وتارك حق النصح (الثانية) تقبل شهادة الوكيل على موكله ولموكله في غير ما هو وكيل فيه كما لو شهد له بعبد وقد وكله ببيع الجزء: 11 ¦ الصفحة: 53 دار وان شهد فيما هو وكيل فيه نظر إن كان ذلك قبل العزل لم تقبل لانه يثبت لنفسه محل ولاية التصرف وان كان بعده فان كان قد خاصم فه لم تقبل أيضا لانه متهم بتمشية قوله واظهار الصدق وإن لم يخاصم فوجهان (أحدهما) لاتقبل كما لو شهد قبل العزل (وأصحهما) ويحكى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه تقبل لانه ما انتصب خصما ولا يثبت لنفسه حقا فأشبه ما لو شهد قبل التوكيل هذه هي الطريقة المشهورة وقال الامام رحمه الله تعالى قياس المراوزة أنه يعكس فيقال إن لم يخاصم تقبل شهادته وإن كان قد خاصم فوجهان ورأى هذا التفصيل فيما إذا جرى الامر على تواصل فأما إذا طال الفصل فالوجه القطع بقبول الشهادة مع احتمال فيه ويجوز أن يعلم لما ذكرنا قوله في الكتاب ثم يشهد - بالواو - (وقوله) فان كان قد خاصم إلى آخره في حكم المكرر لان فيما قبله ما يغني عنه (الثالثة) لو وكل رجلين بالخصومة ولم يصرح باستقلال كل واحد منهما (فأصح) الوجهين أن كل واحد منهما لا يستقل بها بل يتساويان ويتناصران كما لو وكل رجلين ببيع أو طلاق أو غيرهما أو وصى إلى رجلين (والثانى) أن لكل واحد منهما الاستقلال لعسر الاجتماع على الخصومة ويقرب منهما الوجهان فيما إذا وكل رجلين بحفظ متاع فعلى الاصح لا ينفرد واحد منهما بحفظه بل يحفظانه في حرز بينهما وعلى الثاني ينفرد به كل منهما فان قبل القسمة قسم ليحفظ كل واحد منهما بعضه واعلم أنه إذا ادعى عند القاضي أنه وكيل فلان في خصومة فلان فان كان المقصود بالخصومة حاضرا وصدقة ثبتت الوكالة وله مخاصمته الجزء: 11 ¦ الصفحة: 54 وإن كذبه فأقام البينة على الوكالة ولايحتاج أن يدعى حقا لموكله وان كان غائبا وأقام المدعى البينة على الوكالة سمعها القاضى واتبعها ولا يعتبر حضور المقصود بالخصومة في اثبات الوكالة خلافا لابي حنيفة رحمه الله تعالى حيث قال لا تسمع البينة الا في وجه الخصم قال الامام رحمه الله تعالى هو بناء على امتناع القضاء على الغائب ثم حكى عن القاضى الحسين أنه لابد وان ينسب القاضى مسخرا ينوب عن الغائب ليقيم المدعى البينة في وجهه ثم استبعده وقال لاأعرف لهذا أصلا فهما فيه من مخالفة الاصحاب وحكى ايضا عنه أن القضاة اصطلحوا على أن من وكل في مجلس القاضى وكيلا بالخصومة يختص التوكيل بالخصومة في ذلك المجلس وقال الامام رحمه الله تعالى والذى نعرفه للاصحاب أنه يخاصمه في ذلك المجلس وبعده ولا نعرف للقضاة العرف الذى ادعاه. (فرع) وكل رجلا عند االقاش بالخصومة عنه وطلب حقوقه فللوكيل أن يخاصم عنه مادام حاضرا اعتمادا على العيان فإذا غاب وأراد الوكيل الخصومة عنه بناء على اسم وسبب يذكره فلابد من اقامة البينة على أن فلان بن فلان وكله أو على أن الذى وكله هو فلان ابن فلان ذكره أصحابنا العراقيون والشيخ أبو عاصم العبادي وعبارة العبادي أنه لابد وأن يعرف الموكل شاهدان يعرفهما القاضى ويثق بهما في أدب مختصر صفة القضاة ووراء ذلك شيئان (أحدهما) روى الامام رحمه الله الجزء: 11 ¦ الصفحة: 55 تعالى عن القاضى الحسين أن الحكام عادتهم التساهل في هذه البينة بالعدالة الظاهرة وترك البحث والاستزكاء تسهيلا على الغرماء (والثانى) قال القاضى أبو سعيد يمكن أن يكتفى بمعرفة واحد إذا كان موثوقا به كما ذكر الشيخ أبو محمد أن تعريف المرأة في تحمل الشهادة عليها يحصل بمعرف واحد لانه اخبار وليس بشهادة وأما ما أدرجهه في خلال مسائل الخصومة فمسألتان (احداهما) لو وكله الصلح عن الدم على خمر ففعل حصل العفو كما لو فعله الموكل بنفسه وهذا لان في الصلح على الخمر وان كان فاسدا فيما يتعلق بالعوض ولكنه صحيح فيما يتعلق بالقصاص فيصح التوكيل فيما لو فعله بنفسه ليصح لا أنا نصحح التوكيل في العقد الفاسد ولو وكله بالصلح عن القصاص على خمر فصالح على خنزير ففيه جوابان عن ابن سريج أشبههما أنه لغو ويبقى القصاص على ما كان لانه مستبد بما فعل غير موافق لامر الموكل (والثانى) أنه كما لو عفا على خمر لان الوكالة بالصلح ثابتة والخمر لا تثبت وان ذكرت وانما نثبت الدية فلا فرق فيما يصح ويثبت بين أن يذكر الخمر أو الخنزير وعلى هذا لو صالح على ما يصلح عوضا وعلى الدية نفسها يجوز ولا خلاف في أنه لو اجرى هذا الاختلاف الجزء: 11 ¦ الصفحة: 56 بين الموجب والقابل في المصالحة يلغو لعدم انتظام الخطاب والجواب ولو وكله بأن يخالع زوجته على خمر فخالع على خمر أو خنزير فعلى ما ذكرنا في الصلح عن الدم (الثانية) لو وكله ببيع أو شراء فاسد مثل أن يقول بع أو اشتر إلى وقت العطاء أو قدوم زيد لم يملك الوكيل العقد الصحيح لان الموكل ما أذن فيه ولا الفاسد لان الشرع ما أذن فيه وعن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه يملك الصحيح. قال (السابعة إذا سلم إليه ألفا وقال اشتر بعينه شيئا فاشترى في الذمة لم يقع عن الموكل. وان قال اشتر في الذمة وسلم الالف فاشترى بعينه ففى صحته وجهان) . لو سلم إليه الفا وقال اشتر كذا بعينه فاشترى في الذمة لينقد ما سلمه إليه في ثمنه لم يصح الشراء للموكل لانه أمره بعقد ينفس لو تلف ما سلمه اليهه وقد لا يريد لزوم الف آخر والوكيل ابى العقد لا ينفسخ لو تلف ما سلم إليه ويلزم الرد ولو قال اشتر في الذمة وسلم هذا في ثمنه فاشترى بعينه فوجهان (أحدهما) أنه يصح للموكل لانه زاد خيرا حيث عقد على وجه لو تلف المسلم إليه لم يلزمه شئ آخر (وأصحهما) المنع لانه ربما يريد حصول ذلك المبيع لو سلم ما يسلمه إليه أو تلف ولو سلمه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 57 إليه وقال اشتر كذا ولم يقل بعينه ولا قال في الذمة فوجهان (أحدهما) أنه كما لو قال اشتر بعينه لان قرينة التسليم تشعر به (وظهرهما) ان الوكيل يتخير بين ان يشترى بعينه أو في الذمة لانه على النقد يرين يكون اتيانا بالمأمور ويجوز ان يكون غرضه من تسليمه إليه مجرد انصرافه إلى ثمن ذلك الشئ. قال (ثم الوكيل مهما خالف في البيع بطل تصرفه. ومهما خالف الشراء بعين مال الموكل فكمثل. فان اشترى في الذمة وقع عن الوكيل الا إذا صرح بالاضافة إلى الموكل ففى وقوعه عن الوكيل وجهان) . لما تكلم فيما اراد من صور مخالفة الوكيل الموكل وموافقته بين حكم البيع والشراء إذا وقعا مخالفين لامر الموكل اما البيع فإذا قال بع هذا العبد فباع عبدا آخر فهو باطل لان المالك لم يرض بازالة ملكه عنه واما الشراء فان وقع بعين مال الموكل فهو كالبيع أو اشترى في الذمة نظر ان لم يسم الموكل فهو واقع عن الوكيل لان الخطاب جامعة وانما ينصرف إلى الموكل بشرط كونه موافقا لاذنه فاما إذا لم يوافق لغت النية وكان كأجنبي يشترى لغيره بالذمة وهذا كله جواب على الجديد في منع وقف العقود والغاء تصرف الفضولي واما على القديم فسبيل الوكيل فيه سبيل الاجانب يتوقف الشراء في الذمة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 58 على اجازته ان شاء وقع عنه والا فعن الوكيل وكذا القول في مخالفة الموكل في البيع على ما ذكرنا في اول البيع وكذا الشراء بعين ماله والبيع ينعقدان موقوفان على ذلك القول فيجوز ان يعلم قوله وقع عن الوكيل وقوله بطل تصرفه - بالواو - وكذلك القول وان سمى الموكل فوجهان (احدهما) انه يبطلل العقد راسا لانه صرح باضافته إلى الموكل وامتنع ايقاعه عنه فيلغو (واظهرهما) يقع عن الوكيل وتلغو تسمية الموكل وهذا لان تسمية الموكل غيره معتبرة في الشراء فإذا سماه ولم يمكن صرف العقد إليه صار كانه لم يسمه هذا فيما إذا قال البائع بعت منك وقال المشترى اشتريته لفلان يعنى موكله (اما) إذا قال البائع بعت من فللان يعنى موكله وقال المشترى اشتريت لفلان يعنى موكله فظاهر المذهب بطلان العقد لانه لم تجر بينهما مخاطبة ويفارق النكاح حيث يقع من الزوج ووكيل الزوج على هذه الصيغة بل لا يجوز الا كذلك لان للبيع احاما تتعلق بمجلس العقد كالخيار وغيره وتلك الاحكام انما يمكن الاعتبار فيها بالمتعاقدين فاعتبر جريان الخاطبة بينهما والنكاح سفارة مخضة. (فرع) في فتاوى القفال ان وكيل المتهب بالقبول يجب ان يسمى موكلة والا وقع عنه لجريان الخطاب معه ولا ينصرف بالنية إلى الموكل لان الواهب قد يقصده بالتبرع بعينه وما لكل اخذ تسمح النفس بالتبرع عليه ويخالف الشراء فان المقصود فيه حصول العوض. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 59 قال (الحكم الثاني للوكله العهد في حق الوكيل. ويده يد امانه في حق الموكل حتى لا يضمن سواء كان وكيلا بجعل أو بغير جعل. ثم ان سلم إليه الثمن فهو مطالب به مهما وكل بالشراء. وان لم يسلم الثمن وتنكر البائع كونه وكيلا طالبه. وان اعترف بوكالته ففيه ثلاثه اوجه. والظاهر انه يطالبه به دون الموكل. وفى الثاني يطالب الموكل دونه. وفى الثالث يطالبهما. ثم ان طولب الوكيل فالصحيح رجوعه على الموكل. وكذلك لو تلف الثمن في يده بعد ان خرج ما اشتراه مستحقا فالمستحق يطالب البائع. وفى مطالبته الوكيل والموكل هذه الاوجه. وكذا الوكيل بالبيع إذا قبض الثمن وتلف في يده فخرج المبيع مستحقا فرجع المشترى بالثمن على الوكيل أو على الموكل ففيه هذا الخلاف) . ترجم الحكم بالعهدة لكنه قد مر على الكلام في العهدة اصل اخر جعله في الوسيط حكما براسه واشتغل الحكم على مقصودين (احدهما) ان يد الوكيل يد امانه فلو تلف المال في يده من غير تصرفه فلا ضمان عليه سواء كان وكيلا بجعل أو بغير جعل وان تعدي فيه كان ركب الدابة أو الجزء: 11 ¦ الصفحة: 60 لبس الثوب ضمن وهل ينعزل عن الوكالة فيه وجهان (احدهما) نعم لانها امانه فترجع بالتعدي كالوديعه (واصحهما) لا وبه قطع بعضهم لان الوكالة امانه واذن في التصرف والامانة حكم يترتب عليه فلا يلزم من ارتفاع هذا الحكم بطلان اصل العقد وهذا كما ان الرهن لما كان القصود منه التوثيق ومن حكمه الامانه لا يلزم من الارتفاع حكم الامانه فيه بطلان اصل الرهن وتخالف الوديعة فانها ائتمان محض فلا تبقى مع التعدي فعلى هذا يصح تصرفه وإذا باع وسلم زال عنه الضمان لانه اخرجه من يده باذن الملك وهل يزول الضمان بمجرد البيع فيه (احدهما) نعم لزوال ملك الموكل بالبيع (واصحهما) لا لانه ربما يرتفع العقد بتلفه قبل قبض المشترى فيكون التلف على ملك الموكل والثمن الذى يقبضه لا يكون مضمونا على لانه لم يتعد فيه ولو رد المشترى المبيع عليه بعيب عاد الضمان ولو دفع لوكيله دراهم ليشتري بها طعاما مثلا فتصرف فيها على ان تكون قرضا عليه صار ضامنا وليس له ان يشترى للموكل بدراهم نفسه ولا في الذمه ولو فعل كان ما اشتراه له دون الموكل وقال ابو حنيفة رحمه الله تعالى تكون للموكل ولو عادت الدراهم التى انفقها إلى يده فاراد ان يشترى بها للموكل فهو على الخلاف المذكور في ان الوكيل هل ينعزل بالتعدي والاصح انه لا ينعزل ولا يكون الجزء: 11 ¦ الصفحة: 61 ما اشتراه مضمونا عليه لانه لم يتعد فيه ولو رد ما اشتراه بعينه واسترد الثمن عاد مضمونا عليه ومتى طالب الموكل الوكيل برد ماله فعليه ان يخلي بينه وبينه فان امتنع صار ضامنا كالمودع (المقصود الثاني) الكلام في العهده ونقدم عليه اصليين (احدهما) الوكيل بالشراء إذا اشترى لموكله ما وكله بشرائه فالملك يثبت للوكيل ثم ينتقل إلى الموكل ام يثبت للموكل ابتداء فيه وجهان لابن سريج (احدهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى انه يثبت للوكيل اولا ثم ينتقل إلى الموكل لان الخطاب جرى معه واحكام العقد تتعلق به (واصحهما) انه يثبت للموكل ابتداء كما لو اشترى الاب للطفل يثبت الملك للطفل ابتداء ولانه لو ثبت للوكيل لعتق عليه ابوه إذا اشتراه لموكله ولا يعتق (الاصل الثاني) ان احكام العقد في البيع والشراء تتعلق بالوكيل دون الموكل حيث تعتبر رؤيه الوكيل دون الموكل وتلزم بمفارقه الوكيل مجلس العقد ولا تلزم بمفارقة الموكل ان كان حاضرا فيه وتسليم رأس المال في السلم والتقابض حيث يشترط التقابض يعتبران قبل مفارقه الوكيل والفسخ بخيار المجلس وخيار الرؤية ان اثبتناه ثبت للوكيل دون الموكل حتى لو أراد الموكل الاجازه كان للوكيل ان يفسخ ذكره في التتمه وفرق بينه وبين خيار العيب حيث قلنا لا رد للوكيل إذا رضى الموكل بمالا يكاد تسكن النفس إليه إذا تقرر ذلك ففى الفصل مسائل (احدهما) إذا اشترى الوكيل بثمن معين نظر ان كان في يده طالبه البائع به والا فلا وإذا اشترى في الذمه فان كان الموكل قد سلم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 62 إليه ما يصرفه إلى الثمن طالبه البائع وان لم يسلمه نظر ان انكر كونه وكيلا أو قال لا ادرى هل هو وكيل طالبه به وان اعترف بوكالته فمن الذى يطالبه البائع بالثمن فيه ثلاثه اوجه (احدهما) ان المطالب الوكيل لاغير لان احكام العقد تتعلق به والالتزام وجد منه (والثانى) ان المطالب الموكل لاغير لان العقد له والوكيل سفير ومعبر (والثالث) انه يطالب من شاء منهما نظر إلى المعنين وهذا اظهر عند صاحب التهذيب والامام وغيرهما وان رجح صاحب الكتاب الاول. (التفريغ) ان قلنا بالاول فهل الوكيل مطالبة الموكل قبل ان يغرم فيه وجهان لان بعضهم قال يثبت الثمن للبائع على الوكيل وللوكيل مثله على الموكل بناء على ان الوكيل يثبت له الملك ثم ينتقل الموكل فعلى هذا للوكيل مطالبته بما ثبت له وان لم يؤد ما عليه وقال آخرون ينزل الوكيل منزله المحال عليه الذى لادين عليه فعلى هذا ففى رجوعه قبل الغرم وجهان كالمحال عليه والاصح المنع وإذا غرم الوكيل للبائع فقياس تنزيله منزله المحال عليه الذى لا دين عليه الخلاف المذكور هناك في انه هل في الرجوع كون الاداء بالاذن وشرط الرجوع وذكر في النهاية ان المذهب القطع بالرجوع والا لخرج المبيع عن أن يكون مملوكا للموكل بالعوض وفى ذلك تغيير لوضع العقد (وان قلنا) بالوجه الثالث فالوكيل كالضامن والموكل كالمضمون عنه فيرجع الوكيل إذا غرم والقول في اعتبار الجزء: 11 ¦ الصفحة: 63 شرط الرجوع وفى انه هل يطالبه بتخليصه قبل الغرم كما سبق في الضمان وحكى الامام ان ابن سريج فرع على الخلاف في المسالة فقال لو سلم دراهم إلى الوكيل ليصرفها إلى الثمن الملتزم في الذمة ففعل ثم ردها البائع عليه بعيب (فان قلنا) بالوجه الثاني والثالث فعلى الوكيل رد تلك الدارهم باعيانها إلى االموكل وليس له امساكها وابدالها (وان قلنا) بالوجه الاول فله ذلك لان ما دفعه الموكل إليه على هذا الوجه كانه اقرضه منه لتبرأ ذمته فإذا عاد إليه فهو ملكه وللمستقرض امساك ما استقرضه ورد مثله فهو ملكه ولك ان تقول للاخلاف ان للوكيل ان يرجع على الموكل في الجملة وانما الكلام في انه متى يرجع وباى شئ يرج وإذا كان ذلك فيتجه ان يكون تسليم الدارهم دفعا له وبه التراجع لا اقرضا (المسالة الثانية) الوكيل بالبيع إذا قبض الثمن اما باذن صريح أو بالاذن في البيع على راى وتلف المقبوض في يده وخرج المبيع مستتحقا والمشترى معترف بالوكالة فحق رجوعه بالثمن يكون على الوكيل لانه الذى يتولى القض وحصل التلف في يده أو على الموكل لان الوكيل سفير ويده ويده يده أو على من شاء منهما فيه الاوجه الثلاثة السابقة (فان قلنا) حق الرجوع على الموكل فإذا غرم لم يرجع على الوكيل وكذا إذا جعلناه على الوكيل فغرم لا يرجع على الموكل قاله الامام (وان قلنا) يرجع على من شاء منهما فثلاثة اوجه (اشهرها) انه ان غرم اللموكل لم يرجع على الوكيل وان غرم الوكيل رجع على الموكل لان الموكل قد غر الوكيل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 64 والمغرور يرجع على الغار دون العكس (والثانى) ان واحدا منهماا لا يرجع على الاخر اما الموكل فلانه غارم واما الوكيل فلحصول التلف في يده (والثالث) ان الموكل يرجع على الوكيل دون العكس لحصول التلف في يد الوكيل والذى يعنى به من هذه الاختلافات ان المشترى يغرم من شاء منهما والقرار على اللموكل ولذلك اقتصرنا على هذا الجواب في عزل الراهن وان كان يطرد فيه الخلاف (الثالثة) وهى مقدمة على الثانية في الكتاب الوكيل بالشراء إذا قبض المبيع وتلف في يده ثم تبين انه كان مستحقا لغير البائع فللمستق مطالبة البائع بقيمة المبيع أو مثله لانه غاصب ومن يده خرج المال وفى مطالبة الوكيل والموكل الاوجه الثلاثة قال الامام رحمه الله تعالى والا قيس في المسالتين انه لا رجوع له الا على االوكيل لحصول التلف عنده ولانه إذا ظهر الاستحقاق بان فساد العقد وصار الوكيل قابضا ملك الغير بغغير حق ويجرى الخلاف في القرار في هذه الصورة ايضا (الرابعة) ولم يذكرها في الكتاب الوكيل بالبيع إذا باع بثمن في الذمة واستوفاه ودفعه إلى الموكل فخرج مستحقا أو معيبا ورده فللموكل ان يطالب المشترى بالثمن وله ان يرغم الوكيل لانه صار مسلما للمبيع قبل اخذ عوضه وفيما يغرمه وجهان (احدهما) قيمة العين لانه فوت عليه العين (والثانى) الثمن لان حقه انتقل من العين إلى الثمن باليبع فان قلنا بالاول فإذا اخذ منه القيمة طالب الوكيل المشترى بالثمن فإذا اخذه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 65 دفعه إلى الموكل واسترد القيمة (الخامسة) دفع إليه دراهم ليشترى بعينها عبدا ففعل وتلف في يده قبل التسليم انفسخ البيع ولا شئ على الوكيل وان تلف قبل الشراء ارتفعت الوكالة ولو قال اشتر في الذمة واصرفها إلى الثمن الملتزم فتلف في يد الوكيل بعد الشراء لم ينفسخ العقد لكنه ينقلب إلى الوكيل ويلزمه الثمن أو يبقى للموكل وعلليه ان ياتي بمثلها فيه وجهان قال القفال ووجه ثالث يحتمل وهو ان يعرض الحال على الموكل فان رغغب فيه واتى بمصل تلك الدراهم فالشراء له والا وقع للوكيل وعليه الثمن ولو تلف قبل الشراء لم ينعزل فان اشترى للموكل فيقع له ام للوكيل فيه الوجهان (وقوله) في الكتاب فالصحيح رجوعه به على الموكل ليس الوجه الاخر انه لا يرجع اصلا وانما الخلاف في انه هل يشترط الرجوع بشرط الرجوع وكون الاداء بالاذن كما تقدم (وقوله) لو تلف الثمن في يده بعد ان خرج ما اشتراه الجمع بين اللفظين موحش فالوجه ان تطرح لفظه ما اشتراه. (فرع) إذا اشترى الوكيل شراء فاسدا وقبض وتلف المبيع اما في يده أو بعد تسليمه إلى الموكل فللماكل مطالبته بالضمان ثم هو يرجع على الموكل ولو ارسل رسولا ليستقرض له فاستقرض فهو وكيل كوكيل وفى مطالبته المشترى مافى مطالبة وكيل المشترى بالثمن والظاهر انه يطالب ثم إذ اغرم رجع على الموكل. قال (الحكم الثالث للوكالة الجواز من الجانبين فينعزل بعزل الموكل اياه في حضرته وكذا في غيبته (ح) قبل بلوغ الخبر في اقيس القولين. كما ينعزل ببيع الموكل واعتاقه. ينعزل بعزل نفسه. وبرده الوكالة. وجحوده مع العلم رد لها. ومع الجهل أو لغرض في الاخفاء ليس برد. وينعزل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 66 بخروج كل واحد منهما عن اهلية كالموت والجنون. وكذا الاغماء على الاظهر. وفى انعزال العبد بالعتق والكتابة والبيع خلاف. لخروجه عن اهلية الاستخدام. والامر في حقهه منزل على الخدمة) . الوكالة جائزة من جانب الموكل والوكيل جميعا لانها اذن وانابة وقد يبدو للموكل في الامر الذى اناب فيه أو في نيابة ذلك الشخص وقد لا يتفرغ له الوكيل فالالزام يصير بهما جميعا ولارتفاعهما اسباب (فمنهما) ان يعزله الموكل في حضرته اما بلفظ العزل أو بان يقول رفعت الوكالة أو فسختها أو اخرجته فينعزل سواء ابتدأ بالتوكيل أو وكل بمسالة الخصم كما إذا سألت المرأة زوجها ان يوكل بالطلاق أو الخلع أو المرتهن الراهن ان يوكل ببيع الرهن أو الخصم الخصم ان يوكل في الخصومة ففعل المسؤول التوكيل وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا كان التوكيل بمسالة الخصم لم ينعزل وان عزله في غيبته ففى انعزاله قببل بلوغ الخبر إليه قولان (احدهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى انه لا ينعزل كما ان القاضى لا ينعزل ما لم يبلغه الخبر وحكم الفسخ لا يلزم المسكلفين قبل بلوغ الخبر ولان تنفيذ العزل قبل بلوغ الخبر إليه يسقط الثقة بتصرفه (واصحهما) الانعزال لانه رفع عقد لا يحتاج فيه إلى الرضا فلا يحتاج إلى العلم كالطلاق ولانه لوجن الموكل انعزل الوكيل وان لم يبلغه الخبر وكذا لو وكله ببيع عبد أو اعتاقه ثم باعه الموكل أو اعتقه نفذ تصرفه وانعزل الوكيل وان لم يشعر بالحال ضمنا لنفوذ تصرفه وإذا لم يعتبر بلوغ الخبر في العزل الضمنى ففى صريح العزل أولى واما انعزال القاضى فمنهم من طرد الخلاف فيه وعلى التسليم وهو الظاهر فالفرق تعلق المصالح الكلية بعمله وأما الفسخ فلا فرق بينه وبين ما نحن فيه لان حكم الفسخ اما إيجاب امتثال الامر الثاني واما إحراج الاول عن الاعتداد به الجزء: 11 ¦ الصفحة: 67 فيما يرجع إلى الايجاب والا لزام ولا يثبت قبل العلم لاستحالة التكليف بغير المعلوم وهذا النوع لا يثبت الوكالة أصلا ورأسا لان أمر الموكل غير واجب الامتثال (وأما) النوع الثاني فهو ثابت هناك أيضا قبل العلم حتى يلزمه القضاء ولا تبرأ ذمته بالاول وعن احمد روايتان كالقولين ومن أصحاب مالك اختلاف في المسألة فان قلنا لا ينعزل قبل بلوغ الخبر إليه فالمعتبر اخبار من تقبل روايته دون الصبى والفاسق إذا قلنا بالانعزال فينبغي ان يشهد الموكل على العزل لان قوله بع تصرف الوكيل كنت قد عزلته غير مقبول (ومنها) إذا قال الوكيل عزلت نفسي أو أخرجتها عن الوكالة أو رددت الوكالة انعزل وقال بعض المتأخرين ان كانت صيغة التوكيل بع أو اعتق ونحوهما من صيغ الامر لم ينعزل برد الوكالة وعزله نفسه لان ذلك اذن واباحة فأشبه ما إذا أباح الطعام لغيره لا يرتد برد المباح له وقد أورد الامام رحمه الله تعالى هذا الكلام على سبيل الاحتمال ولا يشترط في انعزال الوكيل بعزله نفسه حضور الموكل خلافا لابي حنيفة (ومنها) ينعزل الوكيل بخروجه أو خروج الموكل عن أهلية ذلك التصرف بالموت أو بالجنون الذى يطرأ أو يزول عن قرب حكاية تردد عن صاحب التقريب وضبط الامام موضع التردد بان لا يكون امتداده بحيث تعطل المهمات ويحوج إلى نصب قوام فليلتحق حينئذ بالاغماء وفى الاغماء وجهان (أظهرهما) وبه قال في الكتاب أنه كالجنون في اقتضاء الانعزال (والثانى) وهو الاظهر عند الامام رحمه الله تعالى وبه قال في الوسيط أنه لا يقتضى الانعزال واحتج له بأن المغمي عليه لا يلتحق بمن تولى عليه والمعتبر في الانعزال التحاق الوكيل أو الموكل بمن يولى عليه وفى على الجنون الحجر بالسفه أو الفلس في كل تصرف لا ينفذ من السفيه والمفلس وكذا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 68 لو طرأ الرق بأن وكل حربيا فاسترق (ومنها) خروج محل التصرف عن ملك الموكل كما إذا باع العبد الذي وكله ببيعه وقد مر ذلك وان وكله ببيع شئ آخر ثم اجره قال في التتمة ينعزل الوكيل لان الاجارة ان منعت البيع لم يبق مالكا للتصرف وان لم يمنعه فهو علامة الندم لان من يريد البيع لا يؤاجر لقلة الرغبات بسبب الاجارة وكذا تزويج الجارية وفى طحن الحنطة الموكل بيعها وجهان (وجه) اقتضائه الانعزال بطلان اسم الحنطة واشعاره بالامساك والعرض على البيع وتوكيل وكيل آخر لا يقتضى الانعزال (ومنها) لو وكل السيد عبده ببيع أو تصرف آخر ثم أعتقه أو باعه ففى انعزله وجهان عن ابن سريج مبنيان على أنه توكيل محقق أو استخدام وأمر (ان قلنا) بالاول ففى الاذن بحاله لانه صار أكمل حالا مما كان (وان قلنا) بالثاني ارتفع الاذن لزوال الملك وعلى الثاني فلو قال عزلت نفسي فهو لغو وفصل بعضهم وقال ان كانت الصيغة وكلتك بكذا ففى الاذن ان أمره به ارتفع الاذن بالعتق والبيع وان حكمنا ببقاء الاذن في صورة البيع فعليه استئذان المشترى لان منافعه صارت مستحقة له والكتابة كالبيع والاعتاق في جريان الوجهين ولو وكل عبد غيره باذن المالك للعبد فباعه مالكه ففى ارتفاع الوكالة وجهان أيضا وجه الارتفاع بطلان اذنه بزوال ملكهه وعلى الثاني يلزمه استئذان المشترى ولو لم يستاذن في الصورتين بعد تصرفه لدوام الاذن وان ترك واجبا قال الامام رحمه الله تعالى وفيه احتمال بقى علينا مما في متن الكتاب مسألة غفلنا عنها إلى الآن وهى أن الوكيل لو جحد الوكالة وأنكرها هل يكون يكون ذلك ردا للوكالة روى في الوسيط فيها أوجها (أصحها) وهو المذكور في الكتاب انه ان كان لنسيان أو غرض في الاخفاء فهو رد ولم أعثر على المسألة في النهاية ولكنه أورد قريبا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 69 من هذه الاوجه في انكار الموكل التوكيل هل يكون عزلا أولا (اعلم) أن قولنا ان الجواز من أحكام الوكالة يرير به الوكالة الخالية عن الجعل فأما إذا شرط فيها جعلا معلوما واجمتع شرائط الاجارة وعقد العقد بصيغة الاجارة فهو لازم وان عقد بصيغة الوكالة فيمكن تخريجه على أن الاعتبار بصيغ العقود أو بمعانيها هذا شرح مسائل الكتاب ونختمه بصور نوردها على الاختصار. لو وكل رجلا بالبيع فباع ورد عليه المبيع بعيب أو أمره بشرط الخيار فشرط ففسخ البيع لم يكن له بيعه ثانيا خلافا لابي حنيفة رحمه الله تعالى ولو قال بع نصيبي من كذا أو اقسم مع شركائي أو خذ بالشفعة فانكر الخصم ملكه هل له الاثبات يخرج على الوجهين في أن الوكيل بالاستيفاء هل يثبت ولو قال بع واشترط الخيار فباع مطلقا لم يصح ولو أمره بالمبيع واطلق لم يكن للوكيل شرط الخيار للمشترى وكذا ليس للوكيل بالشراء شرط الخيار للبائع وفى شرطهما الخيار لنفسهما وللموكل وجهان فان اطلاق العقد يقتضى عقدا بلا شرط ولو أمره بشراء عبد أو بيع عبد لم يكن له ان يعقد على بعضه لضرر التبعيض ولو فرضت فيه غبطة كما إذا امره بشراء عبد بألف فاشترى نصفه بأربعمائة ثم نصفه الآخر بأربعمائة فكذلك ولا ينقلب الكل إليه بعد انصراف العقد عنه وفيه وجه ضعيف ولو قال اشتره بهذا الثوب فاشتراه بنصف الثوب صح لانه إذا رضى بزوال كل الثوب في مقابلته فهو بزوال بعضه اشد رضى ولو قال بع هؤلاء العبيد واشتر لي خمسة أعبد ووصفهم فله الجمع والتفريق إذ لاضرر ولو قال اشترهم صفقة واحدة لم يفرق ولو فرق لم يصح للموكل ولو اشترى خمسة من مالكين لاحدهما ثلاثة وللآخر اثنان دفعة واحدة وصححنا مثل هذا العقد ففى وقوع شرائهم عن الموكل وجهان (أحدهما) وبه قال ابن سريج يقع حملا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 70 لكلامه على الامر بتمليكهم دفعة واحدة ولو قال بع هؤلاء الا عبد الثلاثة بألف لم يبع واحدا منهم بما دون الالف لجواز أن لا يشترى الباقيان بالباقي من الالف ولو باعه بالف صح ثم هل يبيع الآخرين فيه وجهان (أصحهما) نعم ولو قال بع من عبيدى من شئت أبقى بعضهم ولو واحدا ولو وكله باستيفاء دينه على زيد فمات نظر إن قال وكتلك في طلب حقى من زيد لم يطالب الورثة وان قال بطلب حق الذى على زيد طالبهم ولو أمره بالبيع نسيئة فباع لم يلزمه التقاضى بعد حلول الاجل ولكن عليه بيان المعامل حتى لا يكون مضيعا لحقه وكذلك لو قال ادفع هذا الذهب إلى صائغ فقال دفعته فطالبة الآمر ببيانه قال القفال عليه البيان ولو امتنع كان متعديا حتى إذا بينه من بعد وكان قد تلف في يد الصائغ يلزمه الضمان قال القفال والاصحاب كانوا يقولون لا يلزمه البيان ولو قال لغيره بع عبدك من فلان بالف وأنا أدفعه اليك فباعه منه قال ابن سريج يستحق البائع الالف على الآمر دون المشترى فإذا غرم الآمر رجع على المشترى ولو قال لغيره اشتر عبد فلان بثوبك هذا أو بدراهمك ففعل حصل الملك للآمر ويرجع المأمور عليه بالقيمة أو المثل وفيه أنه إذا لم يجر شرط الرجوع لا يرجع ومتى قبض وكيل المشترى المبيع وغرم الثمن من ماله لم يكن له حبس المبيع ليغرم الموكل له وفيه وجه ان له الحبس وبه قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى بناء على أن الملك يحصل للوكيل ثم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 71 ينتقل إلى الموكل ولو وكله باستيفاء دينه من زيد فقال زيد للوكيل خذ هذه العشرة واقض بها دينى عن فلان يعنى موكله فاخذها صار وكيل زيد في قضاء دينه حتى يجوز لزيد استردادها مادامت في يد الوكيل ولو تلف عنده بقى الدين بحاله ولو قال زيد خذها عن الذى تطالبني به لفلان فاخذها كان قبضا للموكل وبرئت ذمة زيد وليس له الاسترداد ولو قال خذها قضاء عن دين فلان فهذا محتمل للوجيهن جميعا ولو نتازع الموكل وزيد فالقول قول زيد مع يمينه ولو دفع عشرة إلى رجل فقال تصدق بها على الفقراء فتصدق بها ونوى نفسه لغت نيته وكانت الصدقة للآمر ولو وكل عبدا ليشترى نفسه أو مالا آخر من سيده ففى وجه لا يجوز لان يده يد السيد فاشبه مالو وكل انسانا ليشترى له من نفسه والاظهر الجواز كما يجوز توكيله في الشراء من غير سيده وعلى هذا فعن صاحب التقريب أنه يجب أن يصرح بذكر الموكل فيقول اشتريت نفسي منك لموكلي فلان والا فقوله اشتريت نفسي صريح في اقتضاء العتق لا يندفع بمجرد النية ولو قال العبد لرجل اشتر لى نفسي من سيدى ففعل قال صاحب التقريب يجوز ويشترط التصريح بالاضافة إلى العبد فلو أطلق وقع الشراء للوكيل إذ البائع لا يرضى بعقد يتضمن الاعتاق قبل توفير الثمن ولو قال لغيره أسلم في كذا ورأس المال من مالك ثم ارجع على قال ابن سريج يصح ويكون رأس المال قرضا على الآمر وقيل لا يصح لان الاقراض لايتم الا بالاقباض ولم يوجد من المستقرض قبض وإذا أبرأ وكيل المسلم المسلم إليه لم يلزم ابراؤه الموكل لكن المسلم إليه لو قال لا أعرفك وكيلا وانما الجزء: 11 ¦ الصفحة: 72 التزمت لك شيئا فبرأتني عنه نفذ في الظاهر وتعطل بفعله حق المسلم وفى وجوب الضمان عليه قولا الغرم بالحيلولة (والاظهر) وجوبه لكن لا يغرم مثل المسلم فيه ولاقيمته كيلا يكون اعتياضا عن المسلم وانما يغرم له رأس المال حكاه الامام عن العراقيين وشهد له الحسن ورأيت في تعليق الشيخ أبى حامد أنه يغرم للموكل مثل المسلم فيه ولو قال اشتر لى طعاما بكذا نص الشافعي رضى الله عنه أن يحمل على الحنطة اعتبارا بعرفهم قال الرويانى وعلى هذا لو كان بطبرستان لم يجز التوكيل لانه لا عرف فيه لهذا اللفظ عندهم فيكون التوكيل في مجهول ولو قال وكلتك بابراء غرمائي لم يملك الوكيل ابراء نفسه فان كان قد قال وان شئت تبرئ نفسك فافعل فعلى الخلاف السابق في أنه هل يجوز توكيل المديون بابراء نفسه ولو قال فرق ثلثى مالى على الفقراء وان شئت أن تضعه في نفسك فافعل فعلى الخلاف فيما إذا أذن للوكيل في البيع من نفسه. (الباب الثالث في النزاع) قال (وهو في ثلاثة مواضع (الاول) في أصل الاذن وصفته وقدره. والقول فيه قول الموكل فإذا اشترى جارية بعشرين فقال ما أذنت إلا في الشراء بعشرة وحلف. فان كان اشتراه بعين مال الموكل وصدقه البائع في أنه وكيل فالبيع باطل وغرم له الوكيل العشرين. وان اشتراه في الذمة واعترف البائع بالوكالة فباطل. وان أنكر البائع الوكالة لم يقبل. فان أنكر الوكالة وبقيت الجارية في يد الوكيل فليتلطف الحاكم بالموكل حتى يقول للوكيل بعتك بعشرين. فان قال إن كنت أذنت لك فقد بعتك بعشرين صح على النص. فان امتنع والوكيل صادق في الباطن فالصحيح أنها لا تحل له ولا يملكها. ولكن له بيعها وأخذ العشرين من ثمنها لانه ظفر بغير جنس حقه. ومن له الحق لا يدعى عين المال فيقطع بجواز أخذه) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 73 الاختلاف في الوكالة في مواضع (منها) أصل فإذا قال وكلتني في كذا فانكر فالقول قوله مع يمينه لان الاصل عدم الاذن ولو توافقا على العقد واختلفا في الكيفيات أو المقادير كما إذا قال وكلتني ببيع كله أو بيعه نسيئة أو بشرائه بعشرين وقال الموكل لا بل ببيع بعضه أو بيعه نقدا أو بشرائه بعشرة فالقول قول الموكل أيضا لان الاصل عدم الاذن فيما يدعيه الوكيل والموكل أعرف بحال الاذن الصادر منه ولانه لما كان القول في أصل العقد قوله وجب أن يكون في الصفة والمقدار كذلك كما أن الزوجين إذا اختلفا في عدد الاطلاق كان القول فيه قول الزوج لانهما لو اختلفا في أصله كان القول فيه قوله وفرقوا بينه وبين ما إذا قطع الخياط ثوب غيره قباء وقال كذلك أمرتنى وقال المالك بل أمرتك أن تقطعه قميصا حيث كان القول قول الخياط على قول مع أنهما لو اختلفا في أصل الاذن كان القول قول المالك بان المالك هناك يريد الزام الخياط الارش والاصل عدمه وههنا الموكل لا يلزم الوكيل غرامه وان لزمه الثمن وانما يلزمه بحكم اطلاق البيع على ما سيأتي. إذا تقرر ذلك فلو وكله بشراء جارية فاشتراها الوكيل بعشرين وزعم أن الموكل أذن فيه وقال الموكل ما أذنت إلا في الشراء بعشرة وحلفناه فحلف فينظر في الشراء أكان بعين مال الموكل أم في الذمه إن كان بعين مال الموكل فان ذكر في العقد أن المال لفلان والشراء له فهو باطل لان المال في يده لم يتعلق به حق الغير قبل الشراء فيقبل اقراره فيه وحينئذ يكون العقد واقعا بمال الغير وقد ثبت بيمين من له المال أنه لم يأذن في الشراء الذى باشره الوكيل فيلغو فان لم يذكره في العقد وقال بعد الشراء إنى اشتريت له فان صدقه البائع فالعقد باطل أيضا وإذا بطل الشراء كانت الجارية باقية على ملك البائع وعليه رد ما أخذه وان كذبه البائع وقال إنما اشتريت لنفسك والمال لك حلف على الجزء: 11 ¦ الصفحة: 74 نفى العلم بالوكالة وحكم بصحة الشراء للوكيل في الظاهر وسلم الثمن المعين إلى البائع وغرم الوكيل مثله للموكل. وان كان الشراء في الذمة نظر إن لم يسم الموكل ولكن نواه كانت الجارية للوكيل والشراء له ظاهرا وان سماه فان صدقه البائع بطل الشراء لاتفاقهما على كونه للغير وثبوت كونه بغير إذنه بيمنه وان كذبه البائع وقال انت مبطل في تسميته فيلزم الشراء الوكيل ويكون كما لو اقتصر على النية أو يبطل الشراء من أصله فيه وجهان سبق ذكرهما في أخوات هذه الصورة (والاظهر) وبه قال أبو إسحق صحته ووقوعه للوكيل وحيث صححنا الشراء وجعلنا الجارية للوكيل ظاهرا وزعمه أنها للموكل قال المزني عن الشافعي رضى الله عنه يستحب في مثل هذا أن يرفق الحاكم بالموكل فيقول له ان كنت امرته ان يشتريها بعشرين فقل بعته إياها بعشرين ويقول الآخر قد قبلت فيحل له الفرج قال الائمة ان أطلق الموكل وقال بعتكها بعشرين وقال الوكيل اشتريت صارت الجارية له ظاهرا وباطنا وان علق كما ذكره المزني ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح البيع للتعليق والتعليق مما حكاه المزني من كلام الحاكم لا من الموكل (وأصحهما) الصحة لانه لا يتمكن من البيع إلا بهذا الشرط فلا يضر التعرض له كما لو قال هذا زكاة مالى الغائب ان كان سالما يجزئه لانه إنما يقع زكاة عن الغائب بهذا الشرط وسواء أطلق البيع أو علق فلا يجعل ذلك إقرارا بما قاله الوكيل وتكذيبا لنفسه وان امتنع الموكل من الاجابة أو لم يرفق الحاكم به نظر ان كان الوكيل كاذبا لم يحل له وطؤها ولا التصرف فيها بالبيع وغيره وان كان الشراء بعين مال الموكل لان الجارية حينئذ تكون للبائع وإن كان الشراء في الذمة ثبت الحل لوقوع الشراء عن الوكيل ضرورة كونه مخالفا للموكل وذكر في التتمة أنه إذا كان كاذبا والشراء بمال الموكل فللوكيل بيعها اما بنفسه أو بالحاكم لان البائع حينئذ يكون أخذ مال الموكل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 75 لا عن استحقاق وقد غرم الوكيل للموكل فله أن يقول للبائع رد مال الموكل أو اغرمه ان كان تالفا لكنه قد تعذر ذلك بسبب اليمين فله أخذ حقه من الجارية التى هي ماله ولو كان الوكيل صادقا ففيه اوجه (أحدها) ويحكى عن الاصطخرى أنها تكون للوكيل ظاهرا وباطنا حتى يحل له الوطئ وكل تصرف وبه قال أبو حنيفة رحمه الله بناء على أن الملك يثبت للوكيل ثم ينتقل إلى الموكل فإذا تعذر نقله منه بقى على ملكه ومنهم من خص هذا الوجه بما إذا كان الشراء في الذمة ولم يطرده في الحالين واليه مال الامام رحمه الله تعالى (وثانيها) أنه ان ترك الوكيل مخاصمة الموكل فالجارية له ظاهرا وباطنا وكأنه كذب نفسه والا فلا (وثالثها) وهو الاصح أنه لا يملكها باطنا بل هي للموكل وللوكيل الثمن عليه فهو كمن له على رجل دين لم يؤده فظفر بغير جنس حقه من ماله فيجئ الخلاف أنه هل له بيعه وأخذ الحق من ثمنه (والاصح) أن له ذلك ثم يباشر البيع بنفسه أو يرفع الامر إلى القاضى حتى يبيعه فيه وجهان (الاصح) ههنا أن له بيعها بنفسه لان القاضى لا يجيبه إلى البيع ولان المظفور بماله في سائر الصور يدعي المال لنفسه وتسلط غيره عليه قد يستبعد وههنا الموكل لا يدعى المال لنفسه (وإذا قلنا) انه ليس له أن يأخذ الحق من ثمنها فتوقف في يده حتى يظهر مالكها أو يأخذها القاضى ويحفظها فيه وجهان نذكرهما في نظائره. ولو اشترى جارية فقال له الموكل ما وكلتك بشرائها وانما وكلتك بشراء غيرها وحلف عليه بقيت الجارية المشتراه في يد الوكيل ويتلطف كما مر (وقوله) في أول الباب القول فيه قول الموكل اطلاق لفظ الموكل على المشترى في الصورتين بالخلاف في صفة الاذن أو قدره قويم حسن لكنه في صورة الاختلاف في أصل الاذن غير مستحق وكيف ونحن نصدقه بأنه غير موكل (قوله) صح على النص المراد منه ما حكيناه من كلام المزني وهو ظاهر في تصحيح البيع الجزء: 11 ¦ الصفحة: 76 يأبى عن قبول التأويل المذكور (وقوله) ولكن له بيعها واخذ العشرين من ثمنها معلم - بالواو - لما مر (وقوله) لا يملكها - بالحاء - (وقوله) لانه ظفر بغير جنس حقه اشارة إلى ما ذكرنا من أن الظافر ههنا أولى بالتمكن. (فرع) لو باع الوكيل بالبيع نسيئه وقال كنت مأذونا فيه وقال الموكل ما أذنت لك الا في بيعه نقدا فالقول قول الوكل كما مر ثم لا يخلو اما ان ينكر المشترى الوكالة أو يعترف بها (الحالة الاولى) أن ينكر الوكالة أو يقول إنما عرفت البائع مالكا فالموكل يحتاج إلى البينة فان لم تكن بينة فالقول قول المشترى على نفي العلم بالوكالة فان حلف قرر المبيع في يده والا ردت على الموكل فان حلف حكم ببطلان البيع ولا فهو كما لو حلف المشترى ونكل الموكل عن يمين الرد في خصومة المشترى لا يمنعه من الحلف على التوكيل فإذا حلف عليه فله أن يغرم الوكيل قيمة المبيع أو مثله ان كان مثليا والوكيل لا يطالب المشترى بشئ حتى يحل الاجل مؤاخذة له بموجب تصرفه فإذا حل نظران رجع عن قوله الاول فصدفه الموكل فلا يأخذ من المشترى الا أقل الامرين من الثمن أو القيمة لانه ان كان الثمن أقل فهو موجب عقده وتصرفه فلا يقبل رجوعه فيما يلزم زيادة على الغير وان كانت القيمة أقل فهو الذى غرمها فلا يرجع الا بما غرم لانه قد اعترف آخرا بفساد العقد فان لم يرجع وأصر على قوله الاول فيطالبه بالثمن بتمامه وان كان مثل القيمة أو أقل فذاك وان كان أكثر فالزيادة في يده للموكل ينكرها فيحفظها أو يلزم دفعها إلى القاضى فيه خلاف مذكور في موضعه وسأل الامام نفسه ههنا وقال إذا أنكر الموكل التوكيل بالبيع نسيئة كان ذلك عزلا للوكيل على رأى فكيف يملك الوكيل بعد استيفاء الثمن وأجاب عنه بأنه إنما استوفى الثمن لان الموكل ظلمه بتغريمه في زعمه واعتقاده والثمن على المشترى ملكه فان كان من جنس حقه فقد ظفر بجنس حقه من مال من ظلمه وان كان من غير الجنس الجزء: 11 ¦ الصفحة: 77 فيأخذه أيضا ولا يخرج على القولين بالظفر بغير جنس الحق في غير هذه الصورة لان المالك يدعيه لنفسه ويمنع الغير عنه والموكل لا يدعى الثمن ههنا وأول مصرف يعرض له التسليم إلى الغارم الوكيل وهذا ما أراد صاحب الكتاب بقوله في مسألة الجارية فيقطع بجواز أخذه والمذهب المشهور تخريجه على الخلاف في ذلك الاصل على ما مر ولك أن تعلم قوله ويقطع بجواز أخذه وعليك أن تعلم أن الظاهر خلافه (الحالة الثانية) أن يعترف المشتري بالوكالة فينظر ان صدقة الموكل فالبيع باطل وعليه رد المبيع ان كان ياقيا وان تلف فالموكل بالخيار ان شاء غرم الوكيل لتعديه وان شاء غرم المشترى لتفرع يده على يد مضمونه وقرار الضمان على المشترى لحصول الضمان في يده (نعم) يرجع بالثمن الذى دفعه إلى الوكيل لخروج المبيع مستحقا وان صدق الوكيل فالقول قول الموكل فان حلف أخذ العين وان نكل حلف المشترى وبقيت له. قال (الثاني في المأذون فإذا قال تصرفت كما أذنت من بيع أو عتق فقال الموكل بعد لم تتصرف فقولان (أحدهما) القول قول الوكيل لانه أمين وقادر على الانشاء والتصرف إليه (والآخر) لا فانه اقرار على الموكل ملزم والاصل عدمه. وأما إذا ادعى تلف المال فالقول قوله لانه يبغى دفع الضمان عن نفسه. وكذا إذا ادعى رد المال سواء كان بجعل أو بغير جعل. وذكر العراقيون في تصديق الوكيل بالجعل وجهين) . في الفصل مسألتان (الاولى) إذا وكله ببيع أو هبة أو صلح أو طلاق أو إعتاق أو إبراء فقال الوكيل تصرفت كما أذنت وقال الموكل لم تتصرف بعد نظر ان جرى هذا الخلاف بعد انعزال الوكيل لم يقبل قوله إلا ببينة لانه غير مالك للتصرف حينئذ وان وقع قبله فقولان (أحدهما) أنه يصدق الجزء: 11 ¦ الصفحة: 78 الوكيل بيمنه لانه ائتمنه فعليه تصديقة ولانه مالك لانشاء التصرف ومن يملك الانشاء يقبل إقراره كالولي المجبر إذا أقر بنكاح موليته وبهذا قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إلا في النكاح إذا اختلف فيه الوكيل والموكل فالقول قول الموكل (والثانى) ان القول قول الموكل لان الاصل العدم ولان الوكيل مفر عليه بزوال الملك عن السلعة فوجب أن لا يقبل بخلاف ما إذا ادعى الرد أو التلف فانه يبغى دفع الضمان عن نفسه لا إلزام الموكل شيئا وما الاصح من القولين وما كيفيتهما (أما الاول) فكلام أكثر الاصحاب ترجيح تصديق قول الموكل وهو اختيار ابن الحداد ورجحه الشيخ أبو على من جهة القياس (وأما الثاني) فان قول تصديق الموكل منقول عن الشافعي رضى الله عنه في مواضع واختلف الناقلون في القول الآخر فذكر الرويانى وغيره أنه منصوص عليه في الرهن الكبير قال الشيخ أبو على انه مخرج خرجه ابن سريح على هذه الطريقة وربما أبدلوا لفظ القولين بالوجهين وفى المسألة وجه ثالث وهو أن ما يستقل به الوكيل كالطلاق والاعتاق والابراء يقبل ففيه قوله مع يمينه وما لا يستقل كالبيع لابد فيه من البينة ولو صدق الموكل في البيع ونحوه ولكن قال كنت عزلتك قبل التصرف وقال الوكيل بل كان العزل بعد التصرف فهو كما لو قال الزوج راجعتك قبل انقضاء العدة وقالت انقضت عدتي قبل أن تراجعني ولو قال الموكل قد باع الوكيل فقال الوكيل لم أبع فان صدق المشترى الموكل حكم بانتقال الملك إليه وإلا فالقول قوله (الثانية) دعوى الوكيل تلف المال مقبول مع يمنيه كما في المودع وكذا دعواه الرد على اختلاف ذكرناه في الرهن والظاهر القبول أيضا وقد ذكر صاحب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 79 الكتاب حكم دعواه الرد مرة في باب الرهن الا أن لفظه في حكاية طريقة العراقيين هناك جواب على احد وجهيهم وهو أن الوكيل بالجعل غير مصدق وههنا نص على الوجهين كما ذكرناهما في شرح طريقتهم هنا ك وقد بينا ثم ان تسويته بين دعوى التلف والرد في نقل الخلاف على خلاف ما أورده الجمهور ولفظه ههنا صالح لما ذكره هناك ولما هو الحق أن يفصل بين قوله وكذا إذا ادعى رب المال عما قبله وكل ما ذكرناه ههنا وهناك فيما إذا ادعى الامين الرد على من ائتمنه أما إذا ادعى الرد على غيره فقد ذكره صاحب الكتاب في الوديعة وستأتى إن شاء الله تعالى ومن مسائله دعوى القيم الرد على اليتيم الذى كان يقوم بأمره وهى مذكورة في هذا الباب من بعد (ومنها) أن يدعى الوكيل الرد على رسول المالك لاسترداد ما عنده فلا خلاف في أن الرسول إذا أنكر القبض كان القول قوله مع يمينه وأما الوكيل فالمذهب أنه لا يلزمه تصديق الوكيل لانه يدعى الرد على من لم يأتمنه فليقم البينة وفى وجه عليه التصديق لانه معترف برسالته ويد رسوله يده فكأنه ادعى الرد عليه. قال (وكذلك لو قال قبضت الثمن وتلف في يدى وكان ذلك بعد التسليم فالقول قوله لان الموكل يريد أن يجعله خائنا بالتسليم قبل الاستيفاء. فأما إذا كان قبل التسليم فالقول فيه قول الموكل والاصل بقاء حقه) . إذا وكل وكيلا باستيفاء دين له على إنسان فقال استوفيته وأنكر الموكل نطر إن قال استوفيته وهو قائم في يد فخذه فعليه أخذه ولا معنى لهذا الاختلاف ولو قال استوفيته وتلف في يدى فالقول قول الموكل مع يمينه على نفى العلم باستيفاء الوكيل لان الاصل بقاء حقه فلا يقبل قول الوكيل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 80 والمديون إلا ببينة هذا ظاهر المذهب وجعله بعضهم على الخلاف المذكور فيما إذا اختلفا في البيع ونحوه وعلى الاول فإذا حلف الموكل أخذ حقه ممن كان عليه ولا رجوع له على الوكيل لاعترافه أنه مظلوم ولو وكله بالبيع وقبض الثمن أو البيع مطلقا وقلنا الوكيل بالبيع يملك قبض الثمن واتفقا على البيع واختلفا في قبض الثمن فقال الوكيل قبضته وتلف في يدى وأنكر الموكل فهذه مسألة الكتاب وفى معناها ما إذا قال قبضته ودفعته اليك فأنكر الموكل القبض ففى المصدق منهما طريقان (أحدهما) أنه على الخلاف المذكور في البيع وسائر التصرفات (وأظهرهما) أن هذا الاختلاف ان كان قبل تسليم المبيع فالقول قول الموكل كما في المسألة السابقة وان كان بعد تسليمه فوجهان (أحدهما) الجواب هكذا لان الاصل بقاء حقه (وأصحهما) وبه قال ابن الحداد أن القول قول الوكيل لان الموكل ينسبه إلى الخيانة قبل قبض الثمن ولزوم الضمان والوكيل ينكر فاشبه ما إذا قال للوكيل طالبتك برد الثمن الذى دفعته اليك أو بثمن المبيع الذى قبضته فامتنعت مقصرا إلى أن تلف فقال الوكيل لم تطالبني ولم أكن مقصرا فان القول قوله وهذا التفصيل فيما إذا أذن في البيع مطلقا أو حالا فان أذن في التسليم قبل قبض الثمن أو أذن في البيع بثمن مؤجل وتنازعا في القبض بعد الاجل فههنا لا يكون خائنا بالتسليم قبل القبض والاختلاف كالاختلاف قبل التسليم فإذا صدق الوكيل فحلف فهل تبرأ ذمة المشترى فيه وجهان (أحدهما) نعم لانا قبلنا قول الوكيل في قبضه الثمن فاكتفى بموجبه (والثانى) لا لان الاصل عدم الاداء وإنما قبلناه من الوكيل في حقه لائتمانه إياه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 81 وهذا أصح عند صاحب التهذيب والاول عند الامام وعلى الاول فإذا حلف الوكيل وبرأنا المشترى ثم وجد المشترى عيبا فان رده على الموكل وغرم الثمن لم يكن له الرجوع على الوكيل لاعترافه بان الوكيل لم يأخذ شيئا وان رده على الوكيل وغرمه لم يرجع على الموكل والقول قوله مع يمينه في أنه لم يأخذ شيئا ولا يلزم من تصديقنا الوكيل في الدفع عن نفسه بثمنه أن نثبت بها حقا على غيره ولو خرج المبيع مستحقا قال في التهذيب يرجع المشترى بالثمن على الوكيل لانه دفعه إليه ولا رجوع له على الموكل لما مر ولو اتفقا على قبض الوكيل الثمن فقال الوكيل دفعته إليك وقال الموكل بل هو باق عندك فهو كما لو اختلفا في رد المال المسلم إليه والظاهر أن القول قول الوكيل ولو قال الموكل قبضت الثمن فادفعه لى وقال الوكيل لم أقبضه بعد فالقول قول الوكيل مع يمينه وليس للموكل طلبه الثمن فهو متعد بفعله وللموكل أن يغرمه قيمة المبيع قال (الثالث إذا وكله بقضاء الدين فليشهد فان قصر ضمن بترك الاشهاد. وكذا قيم اليتيم لا يصدق (و) في دعوى رد المال. قال الله تعالى (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم) . ومن يصدق في الرد إذا طولب بالرد هل له التأخير بقدر الاشهاد وجهان) . ذكر في أول الباب أن نزاع الموكل والوكيل في ثلاثة مواضع (وثالثها) في الوسيط النزاع في القبض وهو ما سبق في الفصل المتقدم على هذا الفصل وههنا جعل الثالث مما يشرع فيه الآن وترتيب الوسيط أحسن لان أكثر المسائل من هذا الموضع إلى آخر الباب لاتعلق له بالاختلاف وفى الفصل الثالث ثلاث صور (احداها) إذا دفع إليه مالا ووكله بقضاء دينه ثم قال الوكيل دفعته إلى رب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 82 الدين وأنكر رب الدين فالقول قوله مع يمينه لانه لم يأتمن الوكيل حتى يلزمه تصديقه والاصل عدم الدفع فإذا حلف طالب الموكل بحقه وليس له مطالبة الوكيل وهل يقبل قول الوكيل على الموكل فيه قولان (أحدهما) نعم خرجه ابن سريج ويحكى عن أبى حنيفة لان الموكل قد ائتمنه فاشبه ما إذا ادعى الرد عليه (وأصحهما) لا بل لابد من البينة لانه أمره بالدفع إلى من لم يأتمنه فكان من حقه الاشهاد عليه فعلى الاول يحلف الوكيل وتنقطع مطالبة المالك عنه ولا يغنيه تصديق المدفوع إليه عن اليمين وعلى الاصح ينظر إن ترك الاشهاد على الدفع فان دفع بحضور الموكل فلا رجوع للموكل عليه في أصح الوجهين وان دفع في غيبته فله الرجوع ولا فرق بين أن يصدقه الموكل على الدفع أو لا يصدقه وعن أبى الطيب وجه أنه لا يرجع عند التصديق وان اختلفا فقال الوكيل دفعت بحضرتك وأنكر الموكل فالقول قول الموكل مع يمينه وإن كان قد اشهد عليه لكن مات الشهود أو جنوا أو غابوا فلا رجوع وإن كان قد أشهد شاهدا واحدا أو فاسقين فيه خلاف وكل ذلك على ما ذكرنا في رجوع الضامن على الاصيل فإذا عرفت ذلك اعلمت قوله ضمن بترك الاشهاد وتنزيله على الحالة التى يجب التنزيل عليها ولو أمره بايداع ماله ففى لزوم الاشهاد وجهان مذكوران في الوديعة (الثانية) إذا قيم اليتيم أو الوصي دفع المال إليه بعد البلوغ فظاهر المذهب أنه لا يقبل قوله بل يحتاج إلى البينة لان الاصل عدم الدفع وهو لم يأتمنه حتى يكلف تصديقه واحتج له أيضا بأن الله تعالى قال (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم) أمر بالاشهاد ولو كان قوله مقبولا لما أمر لكن يجوز أن يكون الامر بالاشهاد إرشادا أو ندبا إلى التورع عن اليمين وعن رواية ابن المرزبان وغيره وجه آخر أنه يقبل قوله الجزء: 11 ¦ الصفحة: 83 مع يمينه لانه أمين (الثالثة) إذا طلب المالك من في يده المال بالرد فقال لا أرد إلا بالاشهاد ينظر إن كان ممن يقبل قوله في الرد كالمودع والوكيل ففيه وجهان (أشهرهما) وهو الذى أورده العراقيون أنه ليس له ذلك لان قوله في الرد مقبول فلا حاجة إلى البينة (والثانى) ويروى عن ابن أبى هريرة رحمه الله أن له الامتناع كيلا يحتاج إلى اليمين فان الامناء يتحرزون عنها ما أمكنهم وفيه وجه ثالث أنه إن كان التوقف إلى الاشهاد يورث تأخيرا أو تعويقا في التسليم لم يكن له الامتناع وإلا فله ذلك وان كان ممن لا يقبل قوله كالغاصب فان كان عليه بينة بالاخذ فله الامتناع إلى الاشهاد لانه يحتاج إلى بينة الاداء إن توجهت عليه بينة الاخذ وإن لم تكن عليه بينة بالاخذ فوجهان (أصحهما) عند صاحب التهذيب أن له أن يمتنع إلى الاشهاد لان قوله في الرد غير مقبول (والثانى) المنع لانه يمكنه أن يقول ليس عندي شئ ويحلف عليه هذا ما أورده المشايخ العراقيون والمديون في هذا الحكم كمن لا يقبل قوله في رد الاعيان. قال (ولمن عليه الحق (ح وز) أن لا يسلم إلى الوكيل المستحق إلا بالاشهاد وان اعترف به وان كان في يده تركه وأقر لانسان بانه لا وراث سواه لزمه (و) التسليم. ولم يجز له تكليفه شهادة (و) على أن لا وارث سواه. ولو اعترف لشخص بأنه المستحق الفا عن جهة الحوالة ولكن خاف انكار المحيل فهو كخوف انكار الموكل فعلى وجهين) . إذا كان له دين في ذمة غيره أو عين في يد غيره فأتى ذلك الغير إنسان وقال أنا وكيل بقبضه فله حالتان (إحداهما) أن يصدقه في دعوى الوكالة فله دفعه إليه وإذا دفع ثم ظهر المستحق وأنكر الجزء: 11 ¦ الصفحة: 84 الوكالة فالقول قوله مع يمينه فإذا حلف فان كان الحق عينا أخذها فان تلف فله تغريم من شاء منهما ولا رجوع للغارم منهما على الآخر لانه مظلوم بزعمه والمظلوم لا يؤاخذ إلا من ظلمه قال في التتمة هذا إذا تلف من غير تفريط منه فان تلف بتفريط من القابض فينظر ان غرم المستحق القابض فلا رجوع وان غرم الدافع فله الرجوع لان القابض وكيل عنده والوكيل يضمن بالتفريط والمستحق ظلمه بأخذ القيمة منه وماله في ذمة القابض فيستوفيه بحقه. وان كان الحق دينا فله مطالبة الدافع بحقه وإذا غرمه قال المتولي ان كان المدفوع باقيا فله استرداده وان صار ذلك للمستحق في زعمه لانه ظلمه بتغريمه وذلك مال له ظفر به وان كان تالفا فان فرط فيه غرم والا ففلا وهل للمستحق مطالبة القابض ينظر ان تلف المدفوع عنده فلا لان المال للدافع بزعمه وضمانه له وان كان باقيا فوجهان عن أبى اسحق أن له مطالبته بتسليمه إليه لانه انما دفعه إليه ليدفعه إلى المستحق فكأنه انتصب وكيلا في الدفع من جهته وبهذا أجاب الشيخ أبو حامد في التعليق (وقال الاكثرون) لا مطالبة لان الآخذ فضولي بزعمه والمأخوذ ليس حقا له وانما هو مال المديون فلا تعلق للمستحق به (فان قلنا) بالاول فأخذه برئ الدافع عن الدين وهل يلزم من عنده الحق دفعه إليه بالتصديق أم له الامتناع إلى قيام البينة على الوكالة نص أنه لا يلزمه الا بعد البينة ونص فيما إذا أقر بدين أو عين من تركة انسان أنه مات ووارثه فلان أنه يلزمه الدفع إليه ولا يكلف البينة وللاصحاب طريقان (أحدهما) ونقل عن أبى اسحق أن المسألتين على قولين في قول يلزم الدفع إلى الوكيل والوارث لانه اعترف باستحقاقه الاخذ فلا يجوز له منع الحق عن المستحق وفيه قول لا يلزمه الدفع إلى واحد منهما الا بالبينة (أما) في الصورة الاولى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 85 فلاحتمال انكار الموكل (وأما) في الثانية فلاحتمال استناد اقراره بالموت إلى ظن خطأ (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب تقرير النصين والفرق حصول اليأس بزعمه عن عود الموت وصيرورة الحق للوارث وعدم اليأس عن انكار الموكل الوكالة وبقاء الحق له (الثانية) أن لا يصدقه فلا يكلف الدفع إليه فان دفع ثم حضر الموكل وحلف على نفى الوكالة وغرم كان له أن يرجع على القابض دينا كان أو عينا لانه لم يصرح بتصديقه وانما بنى الامر على ظاهر قوله فإذا تبين خلافه غرم ما غرم ولو أنكر الوكالة أو الحق وكان الوكيل مأذونا في اقامة البينة أو قلنا ان الوكيل بالقبض مطلقا يملك اقامه البينة فله أن يقيم البينة ويأخذ فان لم تكن بينة فهل له التحليف ينبنى على أن إذا صدقه هل يلزمه الدفع إليه (إن قلنا) نعم فله تحليفه فلعله يصدقه إذا عرضت اليمين عليه (ان قلنا) لا ينبنى على أن النكول ورد اليمين كاقامة البينة من المدعى أو كالاقرار من المدعى عليه (إن قلنا) بالاول فله تحليفه طمعا في أن ينكل فيحلف الوكيل (وان قلنا) بالثاني فلا ولو جاء رجل وقال لمن عليه الدين أحالني عليك فلان فصدقه وقلنا إذا صدق مدعى الوكالة لا يلزمه الدفع إليه فوجهان (أحدهما) أنه لا يلزم أيضا لانه قد ينكر صاحب الحق كما ينكر صاحب الوكالة (وأصحهما) اللزوم لاعترافه بانتقال الحق إليه كالوارث وينبنى على الوجهين أنه لو كذبه ولم تكن بينة هل له تحليفه إن ألزمناه الدفع إليه له تحليفه والا فكما سبق. ولو قال مات فلان وله عندي كذا فهذا وصية فهو كما لو قال هذا وارثه ولو قال مات وقد أوصي به لهذا الرجل فهو كما لو أقر بالحوالة وإذا أوجبنا الدفع إلى الوارث والوصى أو لم نوجب فدفع ثم بان أن المالك حى ثم غرم الدافع فله الرجوع على المدفوع إليه بخلاف صورة الوكالة لانه صدقه على الوكالة وانكار صاحب الحق لا يرفع بتصديقه وصدق الوكيل لاحتمال أنه وكله ثم جحد وهل هنا بخلافه والحوالة في ذلك كالوكالة (وقوله) في الكتاب ولمن عليه الحق أن لا يسلم إلى الوكيل المستحق له الا بالاشهاد كان الاحسن أن يقول إلى من يدعى الوكالة عن المستحق ولفظ الاشهاد ههنا بعيد عما هو المراد أن أراد الجزء: 11 ¦ الصفحة: 86 به البينة لان المفهوم من الاشهاد ما استعمل اللفظ له في المسائل قبل هذا الفصل ويمكن أن يراد اشهاد الوكيل على الموكل (قوله) وان اعترف معلم - بالواو - لما نقلناه من طريقة القولين والحالان عند أبى حنيفة يجب دفع الدين إلى من أقر بوكالته ولا يجب دفع العين وفرق بينهما بانه في الدين أقر بثبوت المطالبة المدعى الوكالة في ماله وفى العين يقر بمال الغير فلا يلتفت إليه وبالزاى لان أبا اسحق الشيرازي وغيره حكوا عن المزني أنه يلزمه تسليم الحق إليه ولم يفرقوا بين الدين والعين (وقوله) في مسألة الوارث لزمه التسليم معلم - بالواو - لما مر. قال (ولو ادعى على الوكيل قبض الثمن فجحد فاقيم عليه بينة بالقبض فادعى تلفا أو ردا قبل الجحود للقبض لم يقبل قوله لانه خائن ولا بينته (و) لانه لا تسمع دعواه. ولو ادعى بعد الجحود ردا سمع الدعوى (و) ولا يصدق لانه خائن. ولكن تسمع البينة. ولو ادعى التلف صدق ليبرأ من العين ولكنه خائن فيلزمه الضمان) . إذا ادعى على انسان أنه دفع إليه متاعا ليبيعه ويقبض ثمنه وطالبه برده أو قال بعته وقبضت الثمن فسلمه إلى فأنكر المدعى عليه فأقام المدعى بينة على ما ادعاه فادعى المدعى عليه أنه كان قد تلف أو رده فينظر في صيغة جحوده ان قال مالك عندي شئ أو لا يلزمني تسليم شئ اليك قبل قوله في الرد والتلف لانه إذا كان قد تلف أو رده كان صادقا في انكاره ولم يكن بين كلاميه تناقض وان أقام عليه بينه سمعت بينة وان كان صيغة جحوده أنك ما وكلتني أو ما دفعت إلى شيئا أو ما قبضت الثمن وهذه صورة مسألة الكتاب فينظر ان ادعى التلف أو الرد قبل أن يجحد لم يصدق لانه مناقض الجزء: 11 ¦ الصفحة: 87 لقوله الاول ولزمه الضمان وان أقام بينة على ما ادعاه فوجهان (أولاهما) أنها تسمع لانه لو صدقة المدعى لسقط عنه الضمان فكذلك إذا قامت الحجة عليه وأيضا فلما يذكر في الوديعة (الثاني) وهو الاظهر عند الامام وهو الذى أورده في الكتاب أنها لا تسمع لان جحوده الاول كذب هذه البينة وعلل في الكتاب عدم سماع البينة بعدم سماع الدعوى ونجئ فيه نحو الامام فانه قال كل بينة تقام فان قيامها يستدعى دعوى من يقيمها فان فسدت الدعوى استقلت البينة وهى غير مسموعة من غير دعوى لكن من يقول بسماع الدعوى كيف يسلم عدم سماع الدعوى إذ الدعوى قد تسمع بمجرد تحليف الخصم لما سبق في باب الرهن وقبله وان ادعى الرد بعد الجحود لم يصدقه لصيرورته خائنا لكن لو أقام بينة فالمشهور في هذا الباب أنها تسمع ورأى الامام رحمه الله تعالى أن يكون سماع البينة على الوجهين السابقين لتناقص دعوى الرد والجحود وهو حسن موافق لما ذكرناه في باب الوديعة وان ادعى التلف بعد الجحود صدق بيمينه لتنقطع عنه المطالبة برد العين ولكن يلزمه الضمان لخيانته وهذا كما إذا ادعى الغاصب التلف. (فرع) لو قال بع هذا ثم هذا لزمه رعاية الترتيب قاله القفال ولو جعل للوكيل بالبيع جعلا فباع استحقه وان تلف الثمن في يده لان استحقاقه بالعمل وقد عمل وإذا ادعى خيانة عليه لم تسمع حتى يتبين القدر الذى خان به بأن يقول بعت بعشرة وما دفعت إلى الا خمسة وإذا وكل بقبض دين أو استرداد وديعة فقال المديون أو المودع دفعت وصدقة الموكل والوكيل منكر هل يغرم الدافع بترك الاشهاد فيه وجهان كما لو ترك الوكيل بقضاء الدين الاشهاد ومن قال أنا وكيل في بيع أو نكاح وصدقه من يعامله صح العقد فلو قال الوكيل بعد العقد لم أكن مأذونا فيه لم يلتفت الجزء: 11 ¦ الصفحة: 88 إلى قوله ولم يحكم ببطلان العقد وكذا لو صدقة المشترى بحق من يوكل عنه الا أن يقيم المشترى بينة على اقراره بانه لم يكن مأذونا من جهته في ذلك التصرف والله أعلم. (كتاب الاقرار.) وفيه أربعة أبواب (الباب الاول في أركانه) وهى أربعة (الركن الاول) المقر وهو ينقسم إلى مطلق ومحجور. فالمطلق ينفذ إقراره بكل ما يقدر على انشائه. والمحجور عليه سبعة أشخاص. الصبى واقراره مسلوب مطللقا. نعم لو ادعى أنه بلع بالاحتلام في وقت إمكانه يصدق اذلا يمكن معرفته الا من جهته. ولو ادعى البلوغ بالسن طولب بالبينة. والمجنون وهو مسلوب القول مطلقا. والسكران وهو ملتحق بالمجنون أو الصاحي فيه خلاف مشهور والمبذر والمفلس وقد ذكرنا حكمهما) . الاقرار أصله الاثبات من قولك قر الشئ يقر وقررته إذا أقر به القرار ولم يسم ما يسوغ فيه اقرارا من حيث إنه افتتاح اثبات ولكن لانه اخبار عن ثبوت ووجوب سابق والاصل فيه من حيث الكتاب قوله تعالى (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) قال المفسرون شهادة المرء على نفسه اقراره وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (قولوا الحق ولو على أنفسكم) ولا شك أن في الاقرار الجزء: 11 ¦ الصفحة: 89 مقرا ومقرا به وصيغة تترتب عليها المؤاخذة وهذه الامور سماها في الكتاب أركانا له ثم المقر به قد يكون مالا وقد يكون غيره وعلى التقديرين فأما أن يعقب الاقرار بما يرفعه أو لا يعقب وإذا لم يكن المقر به مالا قد يكون عقوبة من قصاص أو حد وقد يكون نسبا أو غيره فجعل أبواب الكتاب أربعة (الاول) في الاركان (والثانى) في الاقارير المجملة (والثالث) في تعقب الاقرار بما يرفعه (والرابع) في الاقرار بالنسب وأما ما عدا النسب فما يقع في قسم ما عدا المال فلم يورده قدما الاصحاب في هذا الباب فنجرى على أمثالهم (الركن الاول) من الباب المقر وهو إما مطلق أو محجور أما المطلق وهو المنفك عن أنواع الحجر فاقراره صحيح (وقوله) ينفذ اقراره بكل مايقر به على اسبابه كالدخيل في هذا الركن فان الكلام فيه في المقر وهذا لا يضبط المقر به والضبط ما ينفذ اقرار المقر فيه على أنه يحتاج إلى استثناء صور أقر بها بناء على أن الوكيل إذا قال تصرفت كما أذنت لى فقال الموكل لم تتصرف لم يقبل قول الوكيل على أحد القولين مع قدرته على الانشاء وكذا لو قال استوفيت ما أمرتنى باستيفائه ونازعه الموكل (ومنها) أن انشاء نكاح البنت إلى وليها فاقراره غير مقبول ويمكن أن يزاد فيه فيقال ينفذ اقرار الجزء: 11 ¦ الصفحة: 90 الانسان في التصرفات المتعلقة به التى يستقل بأسبابها أو يقال ما يقدر على أسبابه ويؤاخذ المقر بموجب الاقرار به ولا يلزم نفوذه في حق الغير فتخرج المسائل (وأما) المحجور فقد ذكرنا في كتاب الحجر أقسامه فمنها حجر الصبى وأقاريره لاغية خلافا لابي حنيفة رحمه الله تعالى حيث قال ان كان مميزا مأذونا من جهة الولى صح اقراره كتصرفاته ولنا قول في صحة تدبيره ووصيته فعلى ذلك القول يصح اقراره بهما ولو ادعى أنه بلغ بالاحتلام أو ادعت الجارية البلوغ بالحيض في وقت امكانها وقد سبق بيانه صدقا وان فرض ذلك في خصومة لم يحلفهما لانه لايعرف ذلك الا من جهتهما فأشبه ما إذا علق العتق على مشيئة الغير فقال شئت يصدق من غير يمين وأيضا فانهما ان صدقا فلا تحليف وان كذبا فكيف يحلفان واعتقاد المكذب أنهما صغيران وقرب الامام رحمه الله تعالى المسألة من الدائرات الفقهية فان في تحليفه تصديق الصبى وبتصديق الصبى لا يحلف فإذا لو حلف لما حلف هذا ما نقله صاحب الكتاب وشيخه وبه قال أبو زيد وعلى هذا فإذا بلغ مبلغا تيقن بلوغه قال الامام رحمه الله تعالى انه لا يحلف أيضا على أنه كان بالغا حينئذ لانا إذا حكمنا بموجب قوله فقد أنهينا الخصومة نهايتها فلا عود إلى تحليفه وفى التهذيب وغيره أنه إذا جاء واحد من الغزاة يطلب سهم المقاتلة وذكر أنه احتلم حلف واخذ السهم فان لم يحلف فوجهان عن صاحب التخليص تخريجا انه لا يعطى وقال غيره يعطى لان الظاهر اسحقاقه بحضور الواقعة ولو ادعى البلوغ بالسن طولب بالبينة لامكانها نعم لو كان غريبا خامل الذكر فليحق بدعوى الاحتلام أو يطالب بالبينة لامكانها من حيث المدعى وينظر في الاثبات لتعذر معرفة التاريخ كما في صبيان الكفار فيه ثلاثة احتمالات للامام رحمه الله تعالى (والظاهر) الثاني لانه إذا أمكن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 91 اقامة البينة كلف اقامتها ولم ينظر إلى حال المدعى وعجزه هذا فقه المسألة ولفظ الكتاب يشعر بأنه عد دعوى الاحتلام اقرارا فان قوله نعم لو ادعى أنه بلغ بالاحتلام اقرارا كالاستدراك لقوله قبله واقراره مسلوب مطلقا لكن عدها اقرار بعيد فان المفهوم من الاقرار الاخبار عن ثبوت حق عليه للغير ونفس البلوغ ليس كذلك ولهذا يطالب مدعى البلوغ بالسن بالبينة واختلفوا في تحليف مدعي البلوغ بالاحتلام والمقر لا يكلف البينة ولا اليمين نعم لو قال أنا بالغ فقد اعترف بثبوت الحقوق المنوطة بالبلوغ فهو من هذا الوجه يكون متضمنا للاقرار لا أن نفسه إقرار وبتقدير كونه إقرارا فليس ذلك كاقرار الصبى بأنه إذا قال أنا بالغ يحكم ببلوغه سابقا على قوله فلا يكون إقراره إقرار الصبى حتى يحتاج إلى الاستدراك (ومنها) حجر المجنون وهو مسلوب القول أيضا بلا استثناء والسكران بين الصاحي والمجنون فبأيهما يحلق في إقراره وتصرفاته فيه طرق للاصحاب تبسط في كتاب الطلاق (ومنها) حجر المبذر والمفلس وقد بينا حكم إقرارهما في بابيهما ويقبل اقرار المفلس المحجور عليه في النكاح دون السفيه المحجور اعتبارا للاقرار بالانشاء قال الامام رحمه الله تعالى واقرار السفيهة بأنها منكوحة فلان كاقرار الرشيدة إذ لا أثر للسفه في النكاح من جانب المرأة (قال) وفيه احتمال من جهة ضعف قولها وخبل عقلها والعلم عند الله. قال (والرقيق واقراره مقبول بما يوجب عليه عقوبة. ولو أقر بسرقة مال ووجب عليه القطع ففى قبوله في وجوب المال قولان. ولو أقر باتلاف مال وكذبه السيد لم يتعلق برقبته بل يطالب به بعد العتق. ولو كان مأذونا فأقر بدين معاملة قبل وأدى من كسبه. ولو لم يستند إلى معاملة بل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 92 أطلق ففى القبول خلاف. ولو أقر بعد الحجر بدين أسنده إلى حال الاذن فالظاهر رده لانه في الحال عاجز عن انشائه) . أحد المحجورين الرقيق وإذا أقر اما أن يقر بما يوجب عليه عقوبة أو بغيره (اما) القسم الاول كالاقرار بالزنا وشرب الخمر والسرقة والقذف وما يوجب القصاص في النفس والطرف فذلك مقبول ويقام عليه موجب ما أقر به خلافا لاحمد والمزنى حيث قالا لا يقبل اقراره على نفسه بالعقوبات لانه ملك السيد والاقرار في ملك الغير لا يقبل ويروى عن احمد أنه لا يقبل اقراره بما يوجب القتل ويقبل بما يوجب سائر العقوبات. لنا ماروى أن عليا رضى الله عنه قطع عبدا باقراراه وأيضا فانه لو ظهر الحال بالبينة لاقيمت عليه العقوبات فإذا ظهر بالاقرار كان أولى لانه أبعد عن التهمة فان كل نفس مجبولة على حب الحياة والاحتراز عن الالم وإذا أقر بسرقة توجب القطع قبل في القطع وفى قبوله في المال قولان إذا كان المقر بسرقته تالفا (أحدهما) أنه يقبل ويتعلق الضمان برقبة لان اقراره لما تضمن عقوبة القطع انقطعت التهمة عنه (وأصحهما) أنه لا يقبل كما لو أقر بمال ويتعلق الضمان بذمته اما أن يصدقه السيد فيقبل وان كان المقر بسرقته باقيا نظر ان كان في يد السيد لم ينزع من يده الا بتصديقه كما لو أقر حر بسرقته ودفعه إليه وان كان في يد العبد فطريقان عن ابن سريج أن في انتزاعه القولين في التالف (فان قلنا) لا تنزع ثبت بدله في ذمته ويروى هذا عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى ومالك رحمه الله تعالى ويروى عنهما أنه لا يوجب القطع أيضا والحالة هذه ومن الاصحاب من قطع بنفى القبول في المال كما لو كان في يد السيد لان يده يد السيد ويخالف مالو كان تالفا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 93 لان غاية ما في الباب فوات رقبته على السيد إذا بيع في الضمان والاعيان التى تفوت عليه لو قبلنا اقراره منها لا ينضبط فيعظم ضرر السيد ومنهم من عكس وقال ان كان المال باقيا في يد العبد قبل اقراره بناء على ظاهر اليد وان كان تالفا لم يقبل لان الضمان حينئذ يتعلق بالرقبة وهو محكوم بها للسيد وإذا اختصرت قلت في قبول اقراره بالمال أربعة أقوال يقبل مطلقا لا يقبل مطلقا يقبل إذا كان المال باقيا يقبل إذا كان المال تالفا وقد أوردها صاحب الكتاب مجموعة هكذا في السرقة واقتصر ههنا على القولين الاولين. ولو أقر ثم رجع عن الاقرار كان كما لو أقر بسرقة لا توجب القطع ولو أقر بالقصاص على نفسه فعفى المستحق على مال أو عفى مطلقا وقنا انه يوجب المال فوجهان (أصحهما) عند صاحب التهذيب أنه يتعلق برقبته وان كذبه السيد لانه انما أقر بالعقوبة والمال يوخذ بالعفو ولا ينظر احتمال أنه واطأه المستحق على أن يقر ويعفو المستحق لتفوت الرقبة على السيد لان هذه التهمة ضعيفة إذ المستحق ربما يموت أو لا يفي فيكون المقر مخاطرا بنفسه (والثانى) أن الجواب هكذا ان قلنا موجب العمد القصاص (أما) إذا قنا موجبه أحد الامرين ففي ثبوت المال قولان بناء على الخلاف في ثبوت المال إذا أقر بالسرقة الموجبة للقطع وينسب هذا إلى صاحب الافصاح (وأما القسم الثاني) فإذا أقر بدين خيانة من جهة غصب أو سرقة لا توجب القطع أو اتلاف فصدقه السيد تعلق برقبته كما لو قامت عليه بينة فيباع فيه الا أن يختار السيد الفداء وإذا بيع فيه وبقى شئ من الدين فهل يتبع به إذا عتق فيه قولان مذكوران في الجنايات وان كذبه السيد لم يتعلق برقبته ولكن يتعلق بذمته يتبع به إذا عتق ولا يخرج على الخلاف فيما إذا بيع في الدين وبقى شئ لانه إذا ثبت التعلق الجزء: 11 ¦ الصفحة: 94 في الذمة فكان الحق الحصر فيها وتعينت محلا للاداء وفى النهاية أن القياسيين خرجوه على ذلك الخلاف وقالوا الفاضل عن قدر الدين غير متعلق بالرقبة كما أن أصل الحق غير متعلق بها ههنا. ولو أقر بدين معاملة نظر ان لم يكن مأذونا له في التجارة فلا يقبل اقراره على السيد ويتعلق المقر به بذمته يتبع به إذا عتق ولا فرق فيه بين أن يصدقه السيد أو يكذبه وان كان مأذونا له في التجارة قبل وأدى من كسبه وما في يده الا إذا كان مما لا يتعلق بالتجارة كالقرض فلو أطلق المأذون الاقرار بالدين ولم يبين جهته فينزل على جهة دين المعاملة أو لا ينزل على ذلك لاحتمال أنه أراد دين الاتلاف فيه وجهان (وأظهرهما) الثاني ولا فرق في دين الاتلاف بين المأذون وغيره ولو أقر عليه فأقر بعد الحجر بدين معاملة أسنده إلى حال الاذن ففيه وجهان مبنيان على القولين فيما لو أقر المفلس بدين لزمه قبل الحجر هل يقبل في مزاحمته الغرماء (والاظهر) ههنا المنع لعجزه عن الانشاء في الحال وتمكن التهمة. وإذا عرفت ما ذكرناه لم تخف عليك المواضع التى ينبغى أن تعلم بعلامات الاختلاف ورأى الامام رحمه الله تعالى أن يخرج وجوب القطع في مسألة الاقرار بالسرقة إذا نقبله في المال على الخلاف فيما إذا أقر الحر بسرقة مال زيد هل يقطع قبل مراجعة زيد وذلك لارتباط كل واحد منهما بالآخر وعلى هذا يجوز اعلام قوله ووجب عليه القطع - بالواو -. (فرع) قال في التتمة من نصفه حر ونصفه رقيق إذا أقر بدين جناية لم يقبل فيما يتعلق بالسيد إلا أن يصدقه ويقبل في نصفه وعليه قضاؤه مما في يده وان أقر بدين معاملة فمتى صححنا تصرفه قبلنا اقراره عليه وقضيناه مما في يده ومتى لم نصححه فاقراره كاقرار العبد. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 95 (فرع) اقرار السيد على عبده بما يوجب عقوبته مردود وبدين الجناية مقبول الا أنه إذا بيع منه شئ لم يتبع به بعد العتق الا أن نصدقه وكذا اقراره بدين المعاملة لا يقبل على العبد. قال (والمريض وهو غير محجور عليه عن الاقرار في حق الاجانب. وفى حق الوارث أيضا على الصحيح. وقيل فيه قولان. ولو أقر بانه كان وهب من الوارث في الصحه فالظاهر أنه لا يقبل لعجزه عن الانشاء في الحال. ولو أقر بدين مستغرق فمات وأقر وارثه عليه بدين مستغرق فيتزاحمان أو يقدم اقرار المورث لوقوع اقرار الوارث بعد الحجر فيه قولان. ولو أقر بعين ماله في المرض لشخص ثم أقر بدين مستغرق سلم العين للاول ولا شئ للثاني لانه مات مفلسا. وان أخر الاقرار بالعين فكمثل. وفيه وجه آخر أنه إذا تأخر يتزاحمان) . ومن المحجورين المريض مرض الموت وفى اقراره مسألتان (احدهما) يصح اقراره بالنكاح بموجبات العقوبات وكذا لو أقر بدين أو عين لاجنبي وفى اقراره للوارث طريقتان (أحدهما) أنه على القولين (أحدهما) انه لا يقبل وبه قال أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله لانه موضع التهمه لقعد حرمان بعض الورثة فاشبه الوصيه للوارث (وأصحهما) القبول كما لو أقر في حال الصحة والظاهر أنه لايقر الا عن حقيقة ولا يقصد حرمانا فانه انتهى إلى حال يصدق فيها الكاذب ويتوب الفاجر (والثانى) القطع بالقبول وحمل قول الشافعي رضي الله عنه فيمن أجاز الاقرار لوارث اجازه ومن أبي رده على حكاية مذهب الغير وهذه الطريقة أصح عند صاحب الكتاب والاكثرون رجحوا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 96 طريقة القولين ونقلوا عن الاملاء نصه على المنع وفى تعليق الشيخ أبى حامد أنه رجح إليها بعد ما كان يقول بطريق القطع بالقبول وقال مالك رحمه الله ان كان المقر منهما لم يقبل اقراره والا قبل ويجتهد الحاكم فيه واختاره القاضى الرويانى لفساد الزمان. (التفريع) ان قلنا لا يقبل فالاعتبار في كونه وارثا بحال الموت أم بحال الاقرار قيل فيه وجهان وقيل قولان (الجديد) أن الاعتبار بحال الموت كما في الوصية وهذا لان المنع من القبول كونه وارثا والوراثة تتعلق بحالة الموت وبهذا قال أبو حامد (والقديم) وبه قال مالك رحمه الله الاعتبار بحال الاقرار لان التهمة حينئذ تمكن (والاول) أظهر في المذهب وأشهر (وبالثانى) قال أبو إسحق واختاره القاضى الرويانى فعلى الاول لو أقر لزوجته ثم أبانها أو لاخته ثم ولد له ابن صح الاقرار ولو أقر لاجنبية ثم نكحها أو لاخته وله ابن فمات لا يصح وعلى الثاني الحكم فيهما بالعكس ولو أقر في المرض انه كان قد وهب من وارثه وأقبض في الصحة أشار الامام رحمه الله إلى طريقين (أحدهما) القطع بالمنع لذكره ما هو عاجز عن انشائه في الحال (والثانى) أنه على القولين في الاقرار للوارث ورجح صاحب الكتاب ههنا عدم القبول واختار القاضى الحسين القبول لانه قد يكون صادقا فيه فليكن ذلك له طريق إلى ايصال الحق إلى المستحق ولو أقر لوارثه ولاجنبي معا هل يصح في نصفه للاجنبي إذا لم يقبل فيه قولان لابن سريج الظاهر الصحة (المسألة الثانية) أقر في صحته بدين لانسان وفى مرضه بدين لآخر فهما سواء كما لو ثبتا بالبينة وكما إذا أقر بهما في الصحة أو المرض وقال أبو حنيفة رحمه الله يقدم ما أقر به في الصحة حتى لو لم يفضل عنه شئ له ولو أقر في صحته أو مرضه بدين ثم مات الجزء: 11 ¦ الصفحة: 97 فاقر وارثه عليه بدين آخر فوجهان (أحدهما) أنهما سواء يتضاربان بان في التركة كما لو ثبت الدينان بالبينة وكما لو أقر بهما في حياته فان الوارث خليفته واقراره كاقراره (والثانى) أنه يقدم مايقر به المورث لانه بالموت تعلق بالتركة فليس للوارث صرف التركة عنه والوجهان جاريان فيما لو أقر لوارث بدين عليه ثم أقر لآخر بدين آخر عليه وهما مبنيان على أن المحجور عليه بالفلس إذا أقر بدين أسنده إلى ما قبل الحجر هل يقبل اقراره في زحمة الغرماء فيه قولان والتركة كمال المحجوز عليه من حيث ان الورثة ممنوعون من التصرف فيها وهذا معنى قوله في الكتاب لوقوع اقرار الوارث بعد الحجر واطلاقه القولين في المسألة خلاف رواية الجمهور فانهم جعلوها وجهين ويمكن تنزيلهما على أنهما مخرجان من مسألة الفلس (وقوله) في تصوير المسألة بدين مستغرق غير محتاج إليه بل الخلاف ثابت فيما إذا زادت التركة على قدر الدين الاول ففى وجه يوزع عليهما وفى وجه يوفى الاول بتمامه ويصرف الفاضل إلى الثاني ولو ثبت عليه دين في حياته بالبينة ثم مات فاقر وارثه عليه بدين جرى الخلاف أيضا فاذن ليس من الشرط أن يكون بوت الدين الاول بالاقرار وماله الاظهر من الخلاف أشار بعضهم إلى ترجيح وجه التقديم وقال في التهذيب التسوية أصح وهو موافق لما مر في مسألة المفلس وان ثبت عليه دين في حياته أو موته ثم تردت بهيمة في بئر كان قد احتفرها في محل عدوان ففى مزاحمة صاحب البهيمة رب الدين القديم ما سبق فيما إذا جني المفلس بعد الحجر عليه قاله في التتمة وإذا مات وخلف الف درهم فجاء وادعي أنه أوصى له بثلث ماله فصدقه الوارث ثم جاء آخر وادعي عليه الف درهم دينا فصدقه الوارث قيل يصرف الثلث إلى الوصية لتقدمها وقيل يخرج على قولنا بأن اقرارى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 98 الوارث والموروث يتساويان ولو صدق مدعى الدين أولا صرف المال إليه على قياس الوجهين جميعا ولو صدق المدعيين معا فالحكاية عن الاكثر أنه يقسم الالف بينهما أرباعا لانا نحتاج إلى الالف للدين وإلى ثلث الالف للوصية فيتزاحم على الالف وثلث الالف فيخص الوصية بثلث عائل وهو الربع وعن الصيدلانى أنه تسقط الوصية ويقدم الدين كما لو ثبتا بالبينة وهذا هو الحق سواء قدمنا عند ترتيب الاقرارين الاول منهما أو سوينا بينهما ولو أقر المريض بعين ماله لانسان ثم أقر بدين آخر مستغرق أو غير مستغرق سلمت العين للمقر له بها ولا شئ للثاني لانه مات المقر ولا يعرف له مال ولو أقر بالدين أولا ثم أقر بعين ماله فوجهان (أصحهما) أن الحكم كما في الصورة الاولى لان الاقرار بالدين لا يتضمن حجرا في العين ألا ترى أنه تنفذ تصرفاته فيه (والثانى) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله أنهما يتزاحمان لان لاحد الاقرارين قوة السبق وللآخر الاضافة إلى العين فاستويا ولا يخفى أن التعرض للاستغراق في المسألة اتفاق غير محتاج إليه والله أعلم. ويشترط في المقر الاختيار فاقرار المكره على الاقرار باطل كسائر تصرفاته. قال (الركن الثاني المقر له وله شرطان (الاول) أن يكون أهلا للاستحقاق. ولو قال لهذا الحمار على الف بطل قوله. ولو قال بسببه على الف لزمه لمالكه على تقدير الاستئجار. ولو أقر لعبد الجزء: 11 ¦ الصفحة: 99 لزم الحق لمولاه. ولو قال لحمل فلانة على الف من إرث أو وصية قبل. ولو أطلق ولم يذكر الجهة فظاهر النص أنه لا يقبل. وفيه قول أنه يقبل وينزل على هذا الاحتمال. وكذلك إذا قال للمسجد إو للمقبرة على الف ان أضاف إلى وقف عليه قبل. وان أطلق فعلى الخلاف) . يشترط في المقر له أهلية استحقاق الحق المقر به والا كان الكلام لغوا وهزوا وفيه ثلاثة صور (إحداها) لو قال لهذا الحمار أو لدابة فلان علي الف بطل اقراره ولو قال بسبها على الف صح ولزمه حملا على أنه جني عليها أو اكتراها وعن الشيخ أبى عاصم العبادي وجه أنه لا يصح لان الغالب لزوم المال بالمعاملة ولا تتصور المعاملة معها ولو قال لعبد فلان على أو عبدى كذا صح وكان الاقرار لسيده ويخالف مسألة الدابة لانه لا تتصور المعاملة معها وتتصور مع العبد والاضافة إليه كالاضافة في الهبة وسائر الانشاءات (وقوله) في الكتاب ولو قال بسببه على الف لزمه لمالكه المراد ما إذا قال لمالكه بسببه على الف فاما إذا اقتصر على اللفظ المذكور في الكتاب لم يلزم أن يكون الالف لمالك الدابة في الحال ولكن يسأل ويحكم بموجب بيانه (الثانية) إذا قال لحمل فلانة على الف أو عندي الف فله ثلاثة أحوال (إحداها) أن يسنده إلى جهة صحيحة بان يقول ورثه من أبيه أو يقول أوصى به فلان له فيعتبر اقراره ثم ان انفصل الحمل ميتا فلا حق له بل هو لورثة من قال انه ورثه منه أو للموصى أو ورثته ان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 100 أسنده إلى وصيته وان انفصل حيا فان انفصل لما دون ستة أشهر من يوم الاقرار استحق لانا تيقنا وجوده يومئذ وان انفصل لاكثر من أربع سنين فلا لانا تقينا عدمه يومئذ وان انفصل لستة أشهر أو أكثر ولما دون أربع سنين فان كانت مستفرشة لم يستحق لاحتمال تجدد العلوق بعد الاقرار والاصل عدم الاستحقاق وعدمه عند الاقرار فان لم تكن مستفرشة فقولان (أحدهما) أنه لا يستحق لانا لا نتيقن وجوده عند الاقرار (وأظهرهما) الاستحقاق إذ لاسبب في الظاهر يتجدد به العلوق والظاهر وجوده وقت الاقرار لحكم ثبوت نسبه ممن كانت فراشا له وإذا ثبت الاستحقاق فان ولدت تلك المرأة ذكر فهو له وان ولدت ذكرين فصاعدا فلهم بالسوية وان ولدت أنثى فهو لها ان أسنده إلى وصية وان أسنده إلى الارث من الاب فنصفه لها وان ولدت ذكرا وأنثى فهو بينهما بالسوية ان أسنده إلى وصية وثلثاه ان أسنده إلى الارث من الاب (وقوله) ونصفه لها وهذا إذا اقتضت جهة الوراثة ما ذكرنا فان اقضت التسوية بان يكونا ولدى الام كان ثلثه بينهما بالسوية قال الامام رحمه الله تعالى ولو أطلق الارث سألناه عن الجهة وحكمنا بمقتضاها (الحالة الثانية) أن يطلق الاقرار ففيه قولان (أحدهما) وهو نصه في المختصر أنه باطل لان المال في الغالب إنما يجب المعاملة أو جناية ولامتناع المعاملة مع الجهل ولا الجناية عليه (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وأبو إسحق أنه يصح ويحمل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 101 على الجهة الممكنة في حقه وان كانت نادرة (الثالثة) أن يسنده إلى جهة فاسدة بان يقول الف أقرضنيه أو ثمن ما باعه منى فان لم نصصحه بالاقرار المطلق فهذا أولى وان صححناه فطريقان (أحدهما) أنه على القولين في تعقيب الاقرار بما يرفعه (وأظهرهما) الصحة لانه عقبه بما هو غير مقبول ولا منتظم فاشبه ما إذا قال لفلان على الف لا يلزمني وإذا صححنا الاقرار في الحالتين الاخيرتين فان انفصل الحمل ميتا فلا حق له ويسأل المقر عن جهة اقراره من الميراث أو الوصيه ويحكم بموجبه قال في النهاية وليس لهذا السؤال والبحث طالب معين فكان القاضى يسأل حسبة ليصل الحق إلى المستحق فان مات قبل البيان كان كما لو أقر لانسان فرده وفى تعليق الشيخ أبى حامد أنه يطالب ورثته ليفسروا فان انفصل حيا للمدة التى قدرنا من قبل فالكل له ذكرا كان أو أنثى وان انفصل ذكرا وأنثى فهو لهما بالسوية لان ظاهر الاقرار يقتضى التسوية ومن المحتمل أن تكون الجهة الوصية ومتى انفصل حي وميت فيجعل الميت كان لم يكن وينظر في الحى على ما ذكرنا ولو أقر بحمل جارية أو بهيمة لانسان ففيه التفصيل المذكور فيما إذا أقر للحمل فان قال أنه أوصى له به صح وينظر كم بين انفصاله وبين الاقرار من المدة على ما سبق وفى حمل البهيمة يرجع إلى اهل الخبرة وان أطلق أو أسند إلى جهة فاسدة خرج على ما تقدم من الخلاف ولو أقر بالحمل لرجل وبالام لآخر إن جوزنا الاقرار بالحمل صح الاقرار الجزء: 11 ¦ الصفحة: 102 والا فلا قال صاحب التهذيب هما جميعا للآخر وهذا البناء على أن الاقرار بالحامل إقرار بالحمل وفيه خلاف يأتي من بعد (الصورة الثالثة) لو أقر لمسجد أو مقبرة أو نحوها بمال وأسنده إلى جهة صحيحه كغلة وقف عليه صح وان أطلق فعلى وجهين تخريجا من القول في مسألة الحمل وعلى قياسه ما إذا أضاف إلى جهة فاسدة. قال (الثاني) أن لا يكذبه المقر له فان كذبه لم يسلم إليه ويترك في يد المقر في وجه. ويحفظه القاضى في وجه. فان رجع المقر له عن الانكار سلم إليه. فان رجع المقر في حال انكار المقر له فالاظهر أنه لا يقبل لانه أثبت الحق لغيره بخلاف المقر له فانه اقتصر على الانكار) . يشترط في الحكم بالاقرار عدم تكذيب المقر له في انكاره وان لم يشترط قبوله لفظا على رسم الايجاب والقبول في الانشاءات فان كذبه نظر ان كان المقر به مالا لم يدفعه إليه وفيما يفعل به ثلاثة أوجة (أظهرها) أنه يترك في يد المقر كما كان لان يده تشعر بالملك ظاهرا والاقرار الثاني عارضه انكار المقر له فيسقط وأيضا فانا لا نعرف مالكه ونراه في يده المقر فهو أولى الناس بحفظه (وثانيها) واختاره صاحب التهذيب والتتمة أنه ينتزعه القاضى ويتولى حفظه إلى أن يظهر مالكه فانه في حكم مال ضائع فيحتاط لمالكه فان رأى استحفاظ صاجب اليد فهو كما لو أستحفظ عدلا آخر (وثالثها) أنه يخير المقر له على القبول والقبض وهو بعيد وقال الشيخ أبو محمد موضع الخلاف ما إذا قال صاحب اليد هذا لفلان وكذبه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 103 فلان فأما إذا قال صاحب اليد للقاضى في يدى مال لا أعرف مالكه فالوجه القطع بأن القاضى يتولى حفظه وأبعد بعضهم فلم يجوز انتزاعه ههنا ولو رجع المقر له عن الانكار فصدق المقر فقد حكى الامام رحمه الله الجزم بقبوله وتسليم المقر به إليه لكن الاظهر وهو الذى أورده المتولي وغيره تفريعه على الخلاف السابق (ان قلنا) يترك في يد المقر فهذا حكم منا ببطلان ذلك الاقرار فلا يصرف إلى المقر له الا باقرار جديد (وان قلنا) انه ينتزعه القاضى ويحفظه فكذلك لا يسلم إليه بل لو أراد اقامة البينة على أنه ملكه لم تسمع وانما يسلم له إذا فرعنا على الوجه البعيد فان الظاهر أنه لا يسلم إليه على خلاف ما ذكر في الكتاب ولو رجع المقر في حال انكار المقر له وقال غلطت أو تعمدت الكذب لم يقبل رجوعه ان قلنا ينتزعه القاضي وان تركناه في يده فعلى وجهين رواهما الامام رحمه الله (أظهرهما) عنده وعند صاحب الكتاب أنه لا يقبل أيضا بناء على أنه لو عاد المقر له إلى التصديق قبل منه فإذا كان ذلك متوقعا لم يلتفت إلى رجوعه (والثانى) أنه يقبل بناء على أن الترك في يده ابطال الاقرار وقضية كلام الاكثرين ترجيح هذا الوجه ويعزى إلى ابن سريج ومن قال به لا يسلم لصاحب الكتاب قوله لانه أثبت الحق لغيره بل يقول يشترط كونه اثباتا سلامته مع معارضة الانكار وجميع ما ذكرناه فيما إذا كان الاقرار بثوب ونحوه أما إذا كان اقراره بعبد فأنكر ففيه وجهان (أحدهما) يحكم بعتقه لان صاحب اليد لا يدعيه والمقر له ينفيه فيصير الجزء: 11 ¦ الصفحة: 104 العبد في يد نفسه فيعتق وهذا كما إذا أقر اللقيط بعد البلوغ بأنه مملوك زيد فأنكر يحكم بحريته (وأظهرهما) المنع لانه مملوك بالرق فلا يرفع الا بيقين وتخالف صورة اللقيط فانه محكوم بحريته بالدار فإذا أقر ونفاه المقر له بقى على أصل الحرية فعلى هذا الحكم فيه ما ذكرنا في الثوب وغيره فان كان المقر قصاصا أو حد قذف وكذبه المقر له سقط الاقرار وكذا لو أقر بسرقة توجب القطع فأنكر رب المال السرقة فلا قطع وفى المال ما سبق وان أقرت بالنكاح وأنكر سقط حكم الاقرار في حقه. (فرع) لو قال من في يده عبدان أحد هذين لفلان طولب بالبيان فلو عين أحدهما فقال المقر له ان عبدى هو الآخر فهو مكذب للمقر ففى المعين ومدع في العبد الآخر. (فرع) ادعى على آخر الفا من ثمن مبيع فقال المدعى عليه قد أقبضتك الالف وأقام بينة على اقراره بالقبض يوم كذا وأقام المدعي بينة على اقرار المشتري بعد بينته بانه ما أقبضه الثمن بعد سمعت وألزم المشترى الثمن لانه وان قامت البينة على اقراره بالقبض فقد قامت أيضا على أن صاحبه كذبه فيبطل حكم الاقرار ويبقى الثمن على المشترى ويعتبر في المقر له شرط آخر وهو أن يكون معينا فلو قال لانسان أو لواحد من بني آدم أو من أهل البلد على الف هل يصح اقراره خرجه الشيخ أبو على على وجهين بناء على أنه إذا أقر لمعين بشئ وكذبه المقر له هل يخرج من يده (إن قلنا) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 105 نعم لانه مال ضائع فكذا هاهنا ويفيد الاقرار (وان قلنا) لا لم يصح هذا الاقرار وهو الصحيح قال في التتمة ولو جاء واحد وقال أنا الذى أردتني ولى عليك الالف فالقول قول المقر مع يمينه في نفى الارادة ونفى الالف ويخالف الاقرار على هذا الابهام ما إذا قال غصبت هذا من أحد هذين الرجلين أو هولاء الثلاثة حيث يعتبر ذلك على ما سنذكره ونفرعه من بعد والفرق أنه إذا قال هو لاحد هذين فله مدع وطالب فلا يبقى في يده مع قيام الطالب واعترافه بأنه ليس له وإذا قال لواحد من بنى آدم فلا طالب له فيبقى في يده وكان الشرط أن يكون المقر له معينا ضرب تعين تتوقع معه الدعوى والطلب. قال (الركن الثالث المقر به ولا يشترط أن يكون معلوما بل يصح الاقرار بالمجهول. ولا أن يكون مملوكا للمقر بل لو كان ملكا بطل اقراره. فلو قال داري لفلان أو مالى لفلان فهو متناقض ولو شهد الشاهد أنه أقر له بدار وكان ملكه إلى أن أقر كانت الشهادة باطلة. ولو قال هذا الدار لفلان وكانت ملكى إلى وقت الاقرار آخذناه بأول كلامه ولم نقبل آخره) . لا يشترط أن يكون المقر به معلوما بل يصح الاقرار بالمجاهيل على ما سيأتي ولا أن يكون مملوكا له حين يقر لان الاقرار ليس ازالة ملك وانما هو أخبار عن كونه مملوكا للمقر له فلا بد من تقدم المخبر الجزء: 11 ¦ الصفحة: 106 به على الخبر فلو قال دارى هذه أو ثوبي الذى أملكه لفلان فهو متناقض والمفهوم منه الوعد بالهبة ولو قال مسكني هذا لفلان يكون اقرارا لانه أضاف إلى نفسه السكنى وقد يسكن ملك الغير ولو شهدت بينة على أن فلانا اقر أن له دار كذا وكانت ملكه إلى أن أقر كانت الشهادة باطلة نص عليه ولو قال المقر هذه الدار لفلان وكانت ملكى إلى وقت الاقرار فاقراره نافذ والذي ذكره مناقض لاوله فليلغو كما لو قال هذه الدار لفلان وليست له هذا في الاعيان وكذلك في الديون إذا كان له دين على غيره في الظاهر من قرض أو أجرة أو ثمن مبيع فقال دينى الذى لى على زيد لعمرو فهو باطل ولو قال الدين الذى لى على زيد لعمرو واسمى في الكتاب عارية فهو صحيح فلعله كان وكيلا عنه في الاقراض والاجارة والبيع ثم عمرو ويدعى المال على زيد لنفسه فان أنكر فهو بالخيار بين أن يقيم البينة على دين المقر على زيد ثم على اقراره له بما على زيد وبين أن يقيم البينة أولا على الاقرار ثم على الذين ذكره القفال واستثني صاحب التلخيص ثلاثة ديون ومنع الاقرار بها (أحدها) الصداق في ذمة الزوج لاتقر المرأة به (والثانى) بدل الخلع في ذمة المرأة لايقر الزوج به (والثالث) أرش الجناية لايقر به المجني عليه لان الصداق لا يكون الا للمرأة وبدل الخلع الا للزوج وأرش الجناية الا للمجني عليه نعم لو كانت الجناية على عبد أو مال آخر جاز أن يقر به الغير لاحتمال كونه له يوم الجناية قال الجزء: 11 ¦ الصفحة: 107 الائمة هذه الديون وان لم يتصور فيها الثبوت للغير ابتداء وتقديرا بوكالة ولكن يجوز انتقالها إلى الغير بالحوالة وكذلك في البيع على قوله فيصح الاقرار بها عند احتمال جريان الناقل وحملوا ما ذكره صاحب التخليص على ما إذا أقر بها عقيب ثبوتها بحيث لا يحتمل جريان الناقل لكن سائر الديون كذلك فلا ينتظم الاستثناء بها بل الاعيان أيضا يرتد المستثنى به حتى لو أعتق عبده ثم أقر له السيد أو غيره عقيب العتق بدين أو عين لم يصح لان أهلية الملك لم تثبت له الا في الحال ولم يجز بينهما ما يوجب المال وزاد أبو العباس الجرجاني في الفصل شيئا فقال ان أسند الاقارير الثلاثة إلى جهة حوالة أو بيع ان جوزناه فذلك والا فعلى قولين بناء على مالو أقر للحمل بمال وأطلق. قال (نعم يشترط أن يكون المقر به تحت يده وتصرفه. فلو أقر بحرية عبد في يد غيره لم يقبل. فلو أقدم على شرائه صح تعويلا على قول صاحب اليد. ثم قيل انه شراء. وقيل انه فداء من جانبه بيعع من جانبه البائع. والصحيح أن خيار الشرط والمجلس لا يثبت فيه. كما لا يثبت في بيعه عبده من نفسه. ولا يثبت في بيع العبد من قريبه الذى يعتق عليه على الصحيح. ثم يحكم بعتق العبد على المشترى ولا يكون الولاء له ولا للبائع. فان مات العبد وله كسب فللمشترى أن يأخذ من تركته قدر الثمن لانه ان كذب فكله له. وان صدق فهو للبائع وله الولاء وقد ظلمه بالثمن. وقد ظفر هو بماله هكذا ذكره المزني رحمه الله. ومن الاصحاب من خالفه لانه غير مصدق في هذه الجهة) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 108 قوله يشترط أن يكون المقر به تحت يده وتصرفه أراد به أنه إذا لم يكن تحت يده لم يسلطنا اقراره على الحكم بثبوت الملك للمقر له بل يكون ذلك دعوى أو شهادة وليس معناه أنه يلغو قوله من كل وجه بل لو حصل المقر به في يده يوما من الدهر يؤمر بتسليمه إليه فقال فلو قال العبد الذى في يد زيد مرهون عند عمرو بكذا ثم حصل العبد في يده يؤمر ببيعه في دين عمرو ولو أقر بحرية عبد في يد غيره أو شهد بحريته فلم تقبل شهادته لم يحكم بحريته في الحال ولو أقدم المقر على شرائه صح تنزيلا للعقد على قول من صدقه الشرع وهو صاحب اليد البائع ويخالف ما إذا قال فلانه اختى من الرضاع ثم أراد أن ينكحها لا يمكنه منها لان في الشراء غرض استنقاذه من أسر السرق ومثل هذا الغرض لا يوجد هناك فيمنع من الاستمتاع بفرج اعترف بأنه حرام ثم إذا اشتراه حكم بحرية العبد وأمر برفع اليد عنه ثم للاقرار حالتان (أحدهما) أن تكون الصيغة أنك اعتقته وتسترقه ظلما وهى التى تكلم بها في الكتاب فالعقد الجارى بينه وبين البائع ما حكمه أهو شراء أم افتداء حكى صاحب الكتاب فيه أوجها ثلاثة (أصحهما) أنه بيع من جهة البائع وافتداء من جهة المقر (والثانى) أنه بيع من الجانبين (والثالث) أنه افتداء من الجانبين وهذا الثالث مما ينبو الطبع عنه في جانب البائع وكيف ينتظم أن يقال انه يأخذ المال لينقذ من يسترقه ويعرفه حرا يفتديه بل لو قيل فيه المعنيان جميعا والخلاف في أن الاغلب منهما ما إذا كان أو بما رآه والمعتمد الذى رواه الاكثرون أنه بيع من جانب البائع لا محالة ومن جانب المشترى وجهان (أحدهما) أنه شراء كما في جانب البائع (وأصحهما) أنه افتداء لاعترافه بحريته وامتناع شراء الحر وينبنى على هذا الخلاف الكلام في ثبوت الخيار في هذا العقد أما البائع فيثبت له خيار المجلس والشرط بناء على ظاهر الجزء: 11 ¦ الصفحة: 109 المذهب في أنه بيع من جانبه ولو كان المبيع بثمن معين فخرج معيبا ورده كان له أن يسترد العبد بخلاف مالو باع عبدا أو أعتقه المشترى ثم خرج الثمن المعين معيبا ورده لا نسترد العبد بل يعدل إلى القيمة لاتفاقهما على العتق هناك وأما المقر المشترى فان جعلناه شراء في حقه فيه الخيار وان جعلناه فداء فلا وعلى الوجهين لارد له لو خرج العبد معيبا لكن يأخذ الارش على وجه الشراء ولا يأخذ على الوجه الآخر وذكر الامام رحمه الله أنه إذا لم يثبت خيار المجلس والشرط لا يثبت فيه إلى آخره يشعر باثبات الخلاف فيه نعم مع الحكم بكونه شراء وبيعا لاستعقابه العتق كالخلاف في شراء القريب واعلم أن مسألتي بيع العبد من نفسه وبيعه من قريبه قد ذكرناهما بما فيهما في البيع وتبين أن كلامه في شراء القريب بخلاف كلام الاكثرين والحكم بان الصحيح ههنا منع الخيار غير مسلم على اطلاقه بل الصحيح ثبوتهما في طرف البائع نعم في طرف المشترى الفتوى بالمنع بناء على أنه فداء والله أعلم. ثم إذا حكمنا بالعتق والحالة هذه فلا نقول بان ولاءه للمشترى لاعترافه انه لم يعتقه ولا للبائع لزعمه أنه ليس بعتق بل هو موقوف فان مات وقد اكتسب مالا فان كان له وارث بالنسب فهو له والا فينظر إن صدق البائع المشترى أخذه ورد الثمن وان كذبه وأصر على كلامه الاول فظاهر النص أنه يوقف المال كما كان الولاء موقوفا وأعترض المزني فقال للمشترى أن يأخذ قدر الثمن مما تركه فان فضل شئ كان الفاضل موقوفا وعلله بان المشترى إذا كان كابا فالميت رقيق وجميع أكسابه له أو صادقا فالاكساب للبائع إرثا بالولاء وهو قد ظلمه باخذ الثمن وتعذر استرداده فإذا ظفر بماله كان له أن ياخذ به حقه وافترض الاصحاب في المسألة فذهبت فرقة إلى تقرير النصين تخطئة المزني فالتوجيه من الجزء: 11 ¦ الصفحة: 110 وجهين (أحدهما) أنه لو أخذ شيئا فاما أن يأخذه بجهة أنه كسب مملوكه وقد نفاه باقراره أو بجهة الظفر بمال من ظلمه وهو ممتنع لانه إنما بذله تقربا إلى الله تعالى باستنقاذه حرا فيكون سبيله سبيل الصدقات والصدقات لا يرجع فيها (والثانى) لا ايدرى أنه يأخذه بجهة الملك أو بجهة الظفر بمال من ظلمه فيمتنع من الاخذ إلى ظهور جهته وقال ابن سريج وأبو إسحق وأكثر مشايخ المذهب الامر كما ذكره المزني وعن ابن سريج والقاضى أبى حامد أن الشافعي رحمه الله نص عليه في غير هذا الموضع وحملوا ما ذكره ههنا على أن ما يأخذه بجهة الولاء لا يكون موقوفا وهو ما زاد على قدر الثمن فاما المستحق بكل حال فلا معنى للتوقف فيه قالوا ويجوز الرجوع في المبذول على جهة الفدية كما لو فدى أسيرا في يد المشركين ثم استولى المسلمون على بلادهم ووجد الباذل عين ماله أخذه (وأما) اختلاف الجهة فلا يسلم أنه يمتنع أخذه بعد الاتفاق على أصل الاستحقاق (الحالة الثانية) أن يكون صفة إقراره أنه حر الاصل وأنه عتق قبل ان اشتريته فإذا اشتراه فهو فداء من جهته بلا خلاف كذلك ذكره صاحب التهذيب وإذا مات وقد اكتسب مالا وليس له وارث فالمال لبيت المال وليس للمشترى أن يأخذ منه شيئا لان تقدير صدقه لا يكون المال للبائع حتى يأخذ عوضا عن الثمن ولو مات العبد قبل أن يقبضه المشترى لم يكن للبائع أن يطالبه الثمن لانه لاحرية في زعمه والمبيع قد تلف قبل القبض هذا شرح المسألة وقد اندرج فيه بعض ما يتعلق بلفظ الكتاب خاصة (وقوله) لم يحكم بعتق العبد على المشترى على من صلة الحكم لامن صله العتق فانا لانحكم بانه عتيق على المشترى وانما نحكم على المشترى بانه عتيق (وقوله) لانه غير مصدق في الجهة أراد به ما ذكرنا في التوجيه الثاني وشبه هذا الخلاف فيما إذا قال عليك الف ضمنته فقال ما ضمنت شيئا ولكن لك على الف قيمة متلف والاصح الثبوت وقطع النظر عن الجهة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 111 (فرع) لو أستأجر العبد المقر بحريته بدلا عن الشراء لم يحل له استخدامه والانتفاع به وللمكرى مطالبته بالاجرة ولو أقر بحرية جارية ثم قبل نكاحها منه لم يحل له وطؤها وللزوج مطالبته بالمهر. (فرع) لو قال العبد الذى في يدك غصبته من فلان ثم اشتراه منه ففي صحة العقد وجهان نقلهما الامام رحمه الله (أصحهما) الصحة كما لو أقر بحريته ثم اشتراه (والثانى) المنع لان الصحيح ثم الافتداء والانقاذ من الرق ولا يتجه مثاه في تخليص ملك الغير (ثالث) لو أقر بعبد في يده لزيد وقال العبد بل أنا ملك لعمر وسلم إلى زيد دون عمرو لانه في يد من يسترقه لافى يد نفسه فلو أعتقه لم يكن لعمرو تسليم رقبته والتصرف فيها أيضا لما فيها من ابطال الولاء على المعتق وهل له أخذ اكسابه فيه وجهان (وجه المنع) أن استحقاق الاكساب فرع الربح وأنه لم يثبت. قال (الركن الرابع الصيغة فإذا قال لفلان على أو عندي الف فهو اقرار. ولو قال المدعى لى عليك الف فقال زن أو خذ لم يكن اقرار. وكذا إذا قال زنه أو خذه (و) ولو قال بلى أو أجل أو نعم أو صدقت أو أنا مقر به أو لست منكر له فهو اقرار. ولو قال أنا مقر ولم يقل به فلا يكون اقرار به. ولو قال أنا أقر به قيل أنه اقرار. وقيل انه وعد بالاقرار. ولو قال اليس لى عليك الف فقال بلى لزمه. ولو قال نعم قيل إنه لا يلزمه والاصح التسوية. ولو قال اشتر منى هذا العبد فقال نعم فهو اقرار بالعبد) . في الفصل صور (أحدهما) قول القائل كذا لفلان صيغة إقرار (وقوله) لفلان على أو ذمتي إقرار بالدين ظاهرا (وقوله) عندي أو معى إقرار بالعين ولو قال له قبلى الف قال في التهذيب هو الجزء: 11 ¦ الصفحة: 112 دين ويشبه أن يكون هو صالح للدين والعين جميعا (الثانيه) إذا قال لغير لى عليك الف وقال في الجواب زن أو خذ لم يكن إقرارا لانه لم توجد منه صيغة التزام وقد يذكر مثل ذلك من يستهزئ ويبالغ في الجحود ولو قال استوف أو اتزن فكذلك وفى التتمة نقل وجه في قوله اتزن أنه اقرار لانه يستعمل في العادة فيما يستوفيه الانسان لنفسه بخلاف قوله زن ويقال هو مذهب أبى حنيفة رحمه الله ولو قال خذه أو زنه فظاهر المذهب أنه ليس باقرار أيضا وقال الزبيري انه اقرار ووجهه أن الكناية تعود إلى ما تقدم في الدعوى ولو قال سده في همنا بك أو اجعله في كسبك أو اختم عليه فهو كقوله زنه أو خذه واعلم أن الوجه الذى رويناه عن الزبيري نسبه صاحب الكتاب في الوسيط إلى صاحب التخليص فلم يورد فيه المسألة ولو قال المدعى عليه في الجواب بلى أو نعم أو أجل أو صدقت فهو اقرار لان هذه الالفاظ موضوعة للتصديق والموافقة ومثله أجابوا فيما إذا قال لعمري ولعل العرف يختلف فيه ولو قال أنا مقر به أو بما يدعيه ولست بمنكر له فهو اقرار ولو قال أنا مقر ولم يقل به أو قال لست بمنكر أو أنا أقر لم يكن اقرارا لجواز ان يريد الاقرار ببطلان دعواه أو بأن الله تعالى واحد وهذا يدل على أن الحكم بأن قوله انى مقر به اقرار فيما إذا خاطبه فقال أنا مقر لك به والا فيجوز أن يريد الاقرار به لغيره ولو قال أنا أقر لك به فوجهان (أحدهما) أنه ليس باقرار لجواز أن يريد به الوعد بالاقرار في ثانى الحال (والثانى) أنه اقرار لان قرينة الخصومة تشعر بالتمييز ونسب الامام رحمه الله الثاني للاكثرين واختاره كذلك القاضيان الحسين والرويانى ولا يحكى الثاني الا نادرا فضلا عن الذهاب إليه (وأما) المختار فهو مؤيد بأنهم اتفقوا على أنه لو قال لا أنكر ما تدعيه كان اقرارا غير محمول على الوعد ورأيت بعض أصحاب أبى عاصم العبادي أجاب عن هذا الالزام الجزء: 11 ¦ الصفحة: 113 بأن العموم إلى النفس أسرع منه إلى الاثبات ألا ترى ان النكرة في معرض النفي تعم وفى معرض الاثبات لاتعم ولك ان تقول هب ان هذا الفرق بين لكن لا ينفى الاحتمال وقلدة الاقرار الاخذ بالقين قال الامام رحمه الله وبتقدير حمله على الوعد فالقياس ان الوعد بالاقرار اقرار كما انا نقول التوكيل بالاقرار اقرار ولو قال في الجواب لا انكر ان يكون محقا لم يكن مقرا بما يدعيه لجواز ان يريد في شئ آخر فلو قال فيما تدعيه فهو اقرار ولو قال لا اقر به ولا انكر فهو كما لو سألت فيجعل منكرا وتعرض عليه اليمين ولو قال ابرأتني عنه أو قبضته فهو اقرار وعليه بينة القضاء أو الابراء وعن بعض الاصحاب ان قوله ابرأتني ليس باقرار لقوله تعالى (فبرأه الله مما قالوا) وتبرئته عن عيب الادرة لا يقتضى اثباته له ولو قال اقررت بأنك ابرأتني واستوفيت مني لم يكن اقرارا ولو قال في الجواب لعل أو عسى أو اظن أو أحسب أو أقدر لم يكن مقرا وههنا مباحثة وهو أن اللفظ وان كان صريحا في التصديق فقد تنضم إليه قرائن تصرفه عن موضوعه إلى الاستهزاء والكذب ومن جملة الاداء والابراء وتحريك الرأس على شدة التعجب والانكار ويشبه أن يحمل قول الاصحاب ان صدقت وما في معناه اقرار على غير هذه الحالة اما إذا اجتمعت القرائن فلا يجعل إقرارا إو يقال فيه خلاف لتعارض اللفظ والقرينة كما لو قال لى عليك الف فقال في الجواب على سبيل الاستهزاء لك على الف فان أبا سعيد المتولي حكى فيه وجهين (الثالثة) لو قال اليس لى عليك الف فقال بلى كان مقرا ولزمه الالف ولو قال نعم فوجهان (أحدهما) أنه لا يلزمه لان نعم تصديق لما دخل عليه حرف الاستفهام ويلى تكذيب له من حيث أن أصل بلى بل وزيدت عليها الياء وهو الرد والاستدراك وإذا كان كذلك فقوله بلى رد لقوله اليس لى عليك الف فانه الذى أدخل عليه حرف الاستفهام ونفى له ونفى النفى اثبات فكأنه قال لى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 114 عليك لك على الف وقوله نعم تصديق فكأنه قال ليس لى لك على عليك الف هذا تلخيص ما نقل عن الكسائي وغيره من أئمة اللغة وعلى وفاقه ورد القرآن قال الله (الست ربكم قالوا بلى) وقال تعالى (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون) وقال تعالى (أيحسب الانسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه) وقال تعالى في لفظة نعم (فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم) وقال تعالى (أإن لنا لاجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم) والوجه الثاني أن يكون مقرا بان كل واحد منهما يقام مقام الآخر في العرف والوجه الاول هو الذى أورده صاحب التهذيب وغيره لكن الثاني أصح عند الامام وصاحب الكتاب وبه أجاب الشيخ أبو محمد وأبو سعيد المتولي ووجهوه بان الاقارير تحمل على معهود العرف لاعلى حقائق العربية ولو قال هل لى عليك الف فقال نعم فهو اقرار (الرابعة) إذا قال اشتر مني عبدى هذا فقال نعم فهو اقرار به للقائل كما لو قال اعتق عبدى هذا فقال ويمكن أن يجئ فيه خلاف ما ذكرنا في الصلح فيما إذا قال بعني هذا العبد هل هو اقرار بالعبد للمخاطب وليس في لفظ الكتاب في المسألة اضافة العبد إلى نفسه ولكن المراد ما إذا أضاف وكذلك صور في الوسيط ولو كان اللفظ اشتر منى هذا العبد كما في الكتاب فالتصديق بنعم يقتضى الاعتراف بملكية البيع لا بانه يملك المبيع ولو ادعى عليه عبدا في يده فقال اشتريته من وكيلك فلان فهو اقرار له ويحلف المدعى عليه أنه ما وكل فلانا بالبيع ثم انا نردف شرح صور الفصل بصور تقرب منها لو قال له على كذا في علمي أو فيما أعلمه وأشهد فهو اقرار ولو قال كان على الف لفلان أو كانت هذه الدار في السنة الماضية له فوجهان (أحدهما) أنه اقرار في الحال بحكم الاستصحاب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 115 (والثانى) لا لانه لم يعرف في الحال بشئ والاصل براءة الذمة ويقرب منه الخلاف فيما إذا قال هذه دارى أسكنت فيها فلانا ثم أخرجته منها قيل هو اقرار باليد لانه اعترف بثبوتها من قبل وادعى زوالها وعن أبى على الزجاجي في جواب الجامع الصغير أنه ليس اقراره بالملك لزيد ودعوى انتقالها منه لانه لم يعترف بيد فلان الا من جهته ولو قال ملكتها من زيد فهو اقرار فان لم يصدقه زيد أمر بالرد إليه وقول قال اقض الالف الذى لى عليك فقال نعم فهو اقرار ولو قال في الجواب اعطني غدا أو ابعث من يأخذه أو امهلني يوما أو حتى اصرف الدراهم أو حتى افتح باب الصندوق أو اقعد حتى تأخذ أو لا أجد اليوم أولا تزال تتاقضى أو قال ما أكثر ما تتقاضى والله لاقضينك فجميع هذه الصور اقرار عند أبى حنيفة رحمه الله والاصحاب فيه مضطربون واللميل إلى موافقته في أكثر الصور اكثر وتردد بعضهم في قوله اقض الالف الذى لى عليك فقال نعم أيضا وكذا لو قال اسرح دابة فلان هذه فقال نعم أو قال متى تقضى حقى فقال غدا ولو قال له قائل غصبت ثوبي فقال ما غصبت من أحد قبلك ولا بعدك لم يكن مقرا لان نفى الغصب من غيره لا يوجب الغصب منه وكذا لو قال ما لزيد أكثر من مائة درهم لان نفى الزائد على المائة لا يوجب اثبات المائة وفيه وجه آخر أنه اقرار بالمائة ولو قال معسر لفلان على الف درهم ان رزقني الله مالا قيل ليس باقرار للتعليق وقيل هو اقرار وذلك بيان لوقت الاداء والاصح أن يستفسر فان فسر بالتأجيل صح وان فسر بالتعليق لغا ولو شهد عليه شاهد فقال هو صادق أو عدل لم يكن مقرا وان قال صادق فيما شهد به أو عدل فيه كان مقرا قاله في التهذيب ولو قال ان شهد على فلان وفلان أو شاهدان بكذا فهما صادقان قال في الحيلة فيه قولان (أصحهما) أنه اقرار وان لم يشهدا وبه أجاب صاحب التلخيص في المفتاح (والثاني) أنه ليس باقرار لما فيه من التعليق فان قال ان شهدا صدقتهما لم يكن مقرا لان غير الصادق قد يصدق الجزء: 11 ¦ الصفحة: 116 (الباب الثاني في الاقارير المجملة) قال (وهى سبعة (الاول) إذا قال لفلان على شئ يقبل تفسيره بأقل ما يتمول (ح) لانه محتمل. وهل يقبل بحبة من الحنطة فيه خلاف. وهل يقبل بالكلب والسرجين وجلد الميتة فيه خلاف. والاظهر القبول لانه شئ لازم. ولا يقبل بالخمر والخنزير لانه لا يلزم ردهما. ولا يقبل برد جواب السلام والعيادة فانه لا مطالبة بهما. وان قال غصبت شيئا قبل بالخمر والخنزير. ولو قال له عندي شئ لم يقبل بالسلام لانه لا يملك. وفيه وجه) . المقر به يكون مفصلا وقد يكون مجملا مجهول الحال وانما احتمل فيه الاجمال لانه اخبار عن سابق والشئ يخبر عنه مفصلا تارة ومجملا تارة ويخالف الانشاءات حيث لا تحتمل الجهالة والاجمال في أغلبها احتياطا لابتداء الثبوت وتحرزا عن الغرر ولا فرق في الاقارير المجملة بين أن تقع ابتداء أو في جواب دعوى معلومة كما إذا ادعى عليه الف درهم وقال لك على شئ والالفاظ التى تقع فيها الجهالة والاجمال لاحصر لها فاشتغل الشافعي رضى الله عنه والاصحاب ببيان ما هو اكثر استعمالا ودورانا على الالسنة ليعرف حكمهما ويقاس بها غيرها (منها) إذا قال لفلان على شئ رجعنا في التفسير إليه فان فسره بما يتمول قبل قليلا كان أو كثيرا كفلس ورغيف وتمرة حيث يكون لها قيمة وان فسره بما لا يتمول فاما أن يكون من جنس ما يتمول أولا يكون ان كان كحبة من الحنطة والشعير والسمسم وقمع الباذنجانة ففيه وجهان (أحدهما) لا يقبل التفسير به لانه لاقيمة له فلا يصح التزامه بكلمة على ولهذا لا تصح الدعوى به (وأصحهما) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 117 القبول لانه شئ يحرم أخذه وعلى من أخذه رده (وقوله) ان الدعوى به لا تسمع ممنوع والتمرة الواحدة حيث لاقيمة لها من هذا القبيل وعن القاضى أن الخلاف فيها بالترتيب وهو أولى بالقبول وان لم يكن من جنس ما يتمول فاما أن يجوز اقتناؤه ... أولا يجوز (القسم الاول) لكلب المعلم والسرجين وجلد الميتة القابل للدباغ ففى التفسير بها وجهان (أحدهما) لا يقبل لانها ليست بمال وظاهر الاقرار المال (وأصحهما) القبول لانها أشياء يثبت فيها الحق والاختصاص ويحرم أخذها ويجب ردها ومن هذا القسم الخمر المحترمة والكلب القابل للتعليم ومثال الثاني الخمرة التى لاحرمة لها والخنزير وجلد الميتة والكلب الذي لا منفعة به ففى التفسير بها وجهان لكن الاصح ههنا المنع وهو الذى ذكره في الكتاب لانه ليس فيه حق اختصاص ولا يلزم ردها (وقوله) على مقتضى ثبوت حق المقر له ولو فسره بوديعة قبل لان عليه ردها عند الطلب وقد يتعدى فتكون مضمونة عليه وروى الامام رحمه الله وجها أنه لا يقبل لانها في يده لا عليه ولو أقر بحق الشفعة يقبل ذكره القاضى الرويانى وبالعيادة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 118 ورد السلام لا يقبل لانه بعيد عن الفهم في معرض الاقرار إذ لا مطالبة بهما والاقرار في العادة يجرى بما يطلب المقر ويدعيه قال في التهذيب ولو قال له على حق قبل التفسير بهما وظني أن الفرق بينهما عسير وكيف لا والحق أخص من الشئ ويبعد أن يقبل تفسير الاخص بما لا يقبل به الاعم وبتقدير ان يكون الامر كما ذكره فينتقض التوجيه المذكور (وقوله) في الكتاب لا يقبل برد جواب السلام أخذ اللفظين من الرد والجواب كاف والآخر زائد ولو كان الاقرار بلفظ الغصب فقال غصبت منه شيئا فبما يقببل تفسيره في الصورة السابقة يقبل ههنا بطريق الاولى إذا احتمله اللفظ وهذا القيد لتخرج الوديعة وحق الشفعة ويقبل أيضا بالخمر والخنزير نص عليه في الام لان الغصب لا يقتضى الا الاخذ قهرا وليس في لفظه ما يشعر بالتزام وثبوت حق بخلاف قوله على ولو قال له عندي شئ فكذلك يقبل االتفسى بالخمر والخنزير على المشهور لانه شئ مما عنده وقال الشيخ أبو محمد لا يقبل واختاره الجزء: 11 ¦ الصفحة: 119 الامام وصاحب الكتاب ووجهوه بان قوله عندي يشعر بثبوت ملك أو حق وللاولين أن يمنعوا ذلك ويحتجوا عليه بانتظام قو القائل لفلان عندي خمر أو خنزير ثم لهم أن يدعوا مثل ذلك في قوله غصبت من فلان. قال (ثم ان امتنع عن التفسير حبس إلى أن يفسر على رأى. وجعل نا كلا عن اليمين على رأى حتى يحلف المدعي. فلو فسر بدرهم فقال المدعى بل أردت عشرة لم يقبل دعوى الارادة بل عليه أن يدعي نفس العشرة. والقول قول المقر في عدم الارادة وعدم اللزوم) . عرفت أنه بم يقبل تفسير الاقرار بالشئ وبم لا يقبل وفى الفصل وردت مسألتان لا اختصاص لهما بلفظ الشئ بل يعمان سائر المبهمات وانما أوردهما في هذا الموضع لان الاقرار بالشئ أول ما ذكره من الاقارير المحملة (المسألة الاولى) إذا اقر بمجمل وطالبناه بالتفسير فامتنع ففيه ثلاثة أوجه جمعها الامام رحمه الله اظهرها انا نحبسه حبسنا إياه إذا امتنع من أداء الحق لان التفسير والبيان حق واجب (والثانى) أنه لا يحبس بل ينظر ان وقع الاقرار المبهم في جواب دعوى وامتنع عن التفسير جعل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 120 ذلك انكارا منه وتعرض عليه اليمين فان أصر جعل نا كلا عن اليمين وحلف المدعى وان أقر ابتداء قلنا للمقر له ادعى عليه حقك فإذا ادعاه وأقر بما ادعاه أو أنكر فذاك وأجرينا عليه الحكم وان قال لا أدرى جعلناه منكرا فان أصر جعلناه نا كلا وذلك انه إذا أمكن تحصيل الغرض من غير حبس لا يحبس (والثالث) عن حكاية صاحب التقريب انه ان أقر بغصب وامتنع من بيان المغصوب حبس وان أقر بدين مبهم فالحكم كما ذكرنا في الوجه الثاني وذكر أبو عاصم العبادي أنه إذا قال على شئ وامتنع من التفسير لم يحبس وان قال على ثوب أو فضة ولم يبين يحبس وأشار من شرح كلامه إلى أن الفرق مبني على قبول التفسير بالخمر والخنزير فانه لا يتوجه بذلك مطالبته وحبسه (الثانية) إذا فسر اقراره المبهم بتفسير صحيح وصدقه المقر له فذاك والا فليبين جنس الحق وقدره وليدعيه والقول قول المقر في نفيه ثم لا يخلو اما أن يكون ما ادعاه من جنس ما فسره المقر أو من غير جنسه فان كان من جنسه كما إذا فسر اقراره بمائة درهم وقال المقر له لى عليه مائتان فان صدقه على ارادة المائة فهى ثابتة بالاتفاق ويحلف المقر على نفى الزيادة ولو قال أراد به المائتين حلف المقر على أنه ما أراد مائتين وليس عليه إلا مائة ويجمع بينهما في يمين واحدة وعن ابن المرزبان أنه لابد من يمينين والمشهور الاول فلو نكل حلف المقر له على استحقاق المائتين ولا يحلف على الارادة لانه لا يطلع الجزء: 11 ¦ الصفحة: 121 عليها بخلاف ما إذا مات المقر وفسر الوارث وادعى ليقر له زيادة حيث يحلف الوارث على نفي ارادة الموروث لانه قد يطلع من حال مورثه على مالا يطلع عليه غيره قال صاحب التهذيب ومثله لو أوصى بمجمل ومات فبينه الوارث فزعم الموصي له أنه أكثر يحلف الوارث على نفى العلم باستحقاق الزيادة ولا يتعرض للارادة والفرق أن الاقرار اخبار عن سابق وقد يعرض فيه اطلاع والوصية انشاء أمر على الجهالة وبيانه إذا مات الموصى إلى الوراث وان كان ما ادعاه من غير جنس ما فسر به المقر نظر ان صدقه في الارادة وقال ليس لى عليه ما فسر به إنما لى عليه كذا بطل حكم الاقرار برده وكان مدعيا في غيره وان كذبه في دعوى الارادة وقال إنما أراد ما ادعيته حلف المقر على نفى الارادة ونفى ما يدعيه ثم إن كذبه في استحقاق المقر به بطل الاقرار فيه والا ثبت ولو اقتصر المقر على نفى دعوى الارادة وقال ما أرددت بكلامك ما فسرته وانما أردت كذا اما من جنس المقر به أو من غيره لم يسمع منه ذلك لان الاقرار والارادة لا يثبتان حقا له بل الاقرار اخبار عن حق سابق وعليه أن يدعى الحق لنفسه وقال الامام وفيه وجه ضعيف أنه تقبل دعوى الارادة المجردة وهو كالخلاف فيمن ادعى على خصمه أنه أقر بألف درهم هل تسمع منه أم عليه أن يدعى بعين الالف (وقوله) في الجزء: 11 ¦ الصفحة: 122 الكتاب لم تقبل منه دعوى الارادة بل عليه أن يدعى نفس العشرة ربما يفهم منه أن دعوى الارادة لا التفات إليها أصلا وليس كذلك وانما المراد أنها وحدها غير مسموعة فأما إذا ضم إليها دعوى الاستحقاق فيحلف المقر على نفيهما على التفصيل الذى تبين الذى اتفقت النقلة عليه ويدل عليه من لفط الكتاب قوله والقول قول المقر في نفى الارادة ونفى اللزوم ولكن فيه كلام وهو انا حكينا في البيع وجهين وهو أن المشترى إذا ادعى عيبا قديما بالمبيع وقال البائع بعته أو قبضته سليما يلزمه أن يحلف كذلك أم يكفيه الاقتصار على أنه لا يستحق به الرد فليجئ ههنا وجه أنه يكفيه نفس اللزوم ولايحتاج إلى التعرض للارادة. (فرع) لو مات المبهم قبل التفسير طولب به الوار ث فان امتنع فقولان (أحدهما) أنه يوقف مما ترك أقل ما يتمول (وأظهرهما) أنه يوقف الكل لان الجميع وان لم يدخل في التفسير فهو مرتهن بالدين. قال (الثاني إذا قال على مال يقبل بأقل ما يتمول ولا يقبل بالكلب وجلد الميتة. والاظهر قبول المستولدة. ولو قال مال عظيم أو نفيس أو كثير أو مال كان كما لو قال مال وحمل على عظم الرتبة بالاضافة. فلو قال مال أكثر من مال فلان أو مما شهد به الشهود على فلان قبل تفسيره بما دونه. ومعناه أن الدين أكثر بقاء من العين أو الحلال أكثر من الحرام) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 123 في الفصل ثلاث صور (إحداها) إذا قال له على مال قبل تفسيره بأقل ما يتمول ولا يقبل بما ليس بمال كالكلب وجلد الميتة والوجه القبول بالتمرة الواحدة ولو كان بحيث يكثر التمر وتوجيهه أنه مال وان لم يتمول في ذلك الموضع هكذا يذكره العراقيون ويقولون كل ما يتمول مال ولا ينعكس وتلتحق الحبة من الحنطة بالتمرة الواحدة وفى قبول التفسير بالمستولدة وجهان حكاها الشيخ أبو محمد (أظهرهما) وهو اختيار الشيخ القبول لانه ينتفع بها وتستأجر وان كانت لاتباع وان فسر بوقف عليه فيشبه أن يخرج على الخلاف في أن الملك في الوقف هل للموقوف عليه (الثانية) إذا قال على مال عظيم أو كبير أو كثير أو جليل أو نفيس أو خطير أو غير تافه أو مال وأى مال قبل تفسيره بأقل ما يتمول لانه يحتمل أن يريد به عظيم خطره يكفر مستحله أو وزر غاصبه والخائن فيه وقد قال الشافعي رضى الله عنه أصل ما أبنى عليه الاقرار أن لا الزم الا اليقين وأطرح الشك ولا استعمل الغلبة وعن أبى حنيفة رحمه الله أنه لا يقبل في العظيم والكثير باقل من عشرة دراهم ويروى مائتا درهم وساعدنا في الجليل والنفيس والخطير وعن مالك رحمه الله أنه لا يقبل التفسير بأقل مما تقطع فيه يد السارق وذهب بعض الاصحاب فيما حكاه القاضى الحسين وغيره إلى أنه يجب أن يزيد تفسير المال العظيم على تفسير مطلق المال ليكون لوصفه بالعظيم فائدة واكتفي بعضهم بالعظيم من حيث الجزء: 11 ¦ الصفحة: 124 الجرم والجثة ولو قال على مال قليل أو حقير أو خسيس أو طفيف أو تافه أو نذر أو يسير فهو كما لو قال مال وتحمل هذه الصفات على استحقار الناس إياه أو على انه فان زائل فكثيره بهذا الاعتبار قليل وقليله بالاعتبار الاول كثير (وقوله) في الكتاب وحمل على عظم الرتبة بالاضافة إلى أحوال الناس وطباعهم فقد يستعظم الفقير ما يستحقره السرى (الثالثة) قال لزيد على مال أكثر مما لفلان قبل تفسيره باقل ما يتمول وان كثر مال فلان لانه يحتمل أن يريد به انه دين لا يتطرق إليه الهلاك وذلك عين متعرض الهلاك أو يريد أن ما لزيد على حلال ومال فلان حرام والقليل من الحلال أكثر بركة من الحرام وكما أن القدر مبهم في هذا الاقرار فكذلك الجنس والنوع مبهمان ولو قال له على اكثر من مال فلان عددا فالابهام في الجنس والنوع ولو قال له على من الذهب أكثر مما لفلان فالابهام في القدر والنوع ولو قال من صحاح الذهب فالابهام في القدر والنوع ولو قال من الذهب فالابهام في القدر وحده ولو قال لزيد على أكثر مما شهد به الشهود على فلان قبل تفسيره باقل ما يتمول أيضا لاحتمال أن يعتقد أنهم شهدوا زورا ويريد أن القليل من الحلال أكثر بركة ولو قال أكثر مما قضى به القاضى على فلان فوجهان (أحدهما) أنه يلزمه القدر المقضى به لان قضاء القاضي محمول على الصدق والحق (وأظهرهما) أنه كما قال أكثر مما شهد به الشهود لان قضاء القاضى قد يستند إلى شهادة الزور والحكم الظاهر لا يغير ما عند الله تعالى ولو قال لفلان على أكثر مما ففى يد فلان قبل تفسيره الجزء: 11 ¦ الصفحة: 125 باقل ما يتمول كما لو قال من مال فلان ولو قال له على أكثر مما في يد فلان من الدراهم لا يلزم التفسير من جنس الدراهم لكن يلزمه بذلك العدد من أي جنس شاء وزيادة بأقل ما يتمول هكذا ذكره في التهذيب لكنه يخالف ما سبق من وجهين (أحدهما) التزام ذلك العدد (والثاني) التزام زيادة عليه فان التأويل الذى تقدم الاكثرية يتبعهما جميعا ولو قال على من الدراهم أكثر مما في يد فلان من الدراهم وكان في يد فلان ثلاثة دراهم فجواب صاحب التهذيب أنه يلزمه ثلاثة دراهم وزيادة باقل مما يتمول (والاظهر) ما نقله الامام رحمه الله وهو أنه لا يلزمه زيادة حملا للاكثر على ما سبق وحكى عن شيخه أنه لو فسر بما دون الثلاثة يقبل أيضا ولو كان في يده عشرة دراهم وقال المقر لم أعلم وظننت أنها ثلاثة قبل قوله مع يمينه (وقوله) في الكتاب إذ الحلال أكثر من الحرام أي أكثر بركة أو رغبة وما أشبه ذلك. قال (الثالث إذا قال له على كذا فهو كالشئ. وإذا قال كذا كذا درهم فهو تكرار. ولو قال كذا درهم (ح و) يلزمه درهم واحد. وكذلك كذا وكذا (ح) درهم. ولو قال كذا وكذا درهما نقل المزني رحمه الله قولين (أحدهما) أنه تفسير لهما فهما درهمان (ح) (والثانى) أنه درهم (ح و) واحد. وهذا في قوله درهما بالنصب. وفى قوله درهم بالرفع الاصح انه درهم واحد) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 126 إذا قال لفلان على كذا فهو كما لو قال شئ ويقبل تفسيره بما يقبل به تفسير الشئ ولو قال كذا كذا فهو كما لو قال كذا والتكرار للتأكيد لا للتحديد ولو قال كذا وكذا فعليه التفسير بشيئين مختلفين أو متفقين يقبل كل واحد منهما في تفسير كذا من غير عطف وكذا لو قال على شئ أو قال شئ وشئ ولو قال على كذا درهما يلزمه درهم واحد وكان الدرهم تفسيرا لما أبهم وفى النهاية أن عند أبى حنيفة رحمه الله يلزمه عشرون لانه أول اسم مفرد ينتصب الدرهم المفسر عقبه وان أبا اسحق المروزى وافقه فيما إذا كان المقر عارفا بالعربية وأجاب الاصحاب في أن تفسير الالفاظ المبهمة لا ينظر إلى الاعراب ولا توازن المبهمات بالمبينات بدليل أنه لو قال على كذا درهم صحيح لا يلزمه مائه درهم بالاتفاق وان كانت الموازنة المذكورة تقتضي لزوم مائة والتقييد بالصحيح لئلا يحمل على نصف درهم أو ثلث درهم لكن نقل البندنيجى ان الطحاوي حكى عن بعض أصحاب أبى حنيفة أنه يلزمه مائة درهم والمشهور أنه لا يلزمه الا درهم واحد كما هو قولنا ولو قال كذا درهم من غير صفة الصحة فكذلك وفيه وجه أنه يلزم بعض درهم وهو اختيار ابن الصباغ ولو قال كذا درهم بالرفع فلا خلاف أنه يلزمه درهم واحد ولو قال كذا درهم ووقف فهو كما لو خفض ولو قال كذا كذا درهما لم يلزمه أيضا إلا درهم وقال أبو حنيفة رحمه الله يلزمه احد عشر درهما ووافقه أبو إسحق في العالم بالعربية ولو قال كذا وكذا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 127 درهم أو درهم فكذلك لا يلزمه إلا درهم ويجئ في الحفض الوجه الذى مر ولو قال على كذا وكذا درهما قال في المختصر يعطيه درهمين لان كذا يقع درهم يعنى لما وصل الخمس بالدرهم كان كل واحد من المعطوف والمعطوف عليه واقعا على درهم وكناية عنه هكذا قال المزني وقال في موضع آخر إذا قال على كذا وكذا درهما قيل اعطه درهما أو أكثر من قبل ان كذا يقع على أقل من درهمين (وقوله) أكثر إذا فسر بأكثر من درهم لزمه والا فالدرهم تعيين هذا ما نقله المزني واختلف الاصحاب في المسألة على طريقين (أشهرهما) أنه على قولين وبه قال ابن خيران وأبو سعيد (وأصحهما) أنه يلزمه درهمان لانه أقر بجملين مبهمتين وعقبهما بالدرهم منصوبا والظاهر كونه تفسيرا (والثانى) وهو اختيار المزني أنه لا يلزمه الا الدرهم لجواز أن يريد تفسير اللفظين معا بالدرهم وحينئذ يكون المراد من كل واحد نصف درهم ومنهم من زاد قولا ثالثا وهو أنه يلزمه درهم شئ فاما الدرهم فلتفسير الجملة الثانية وأما الشئ فلان الاولى باقية على ابهاما وهذا ينطبق على رواية من روى اعطه درهم وأكثر (والطريق الثاني) وبه قال أبو إسحق القطع بأنه يلزمه درهما واختلفوا في نقل المزني والتصرف فيه من وجوه (أحدها) حمل ما نقل عن موضع آخر على ما إذا قال كذا وكذا درهم بالرفع كانه يقول وكذا والعرض أبهمته درهم (الثاني) أنه حيث قال درهمان أراد مااذا أطلق اللفظ وحيث الجزء: 11 ¦ الصفحة: 128 قال درهم أراد به ما إذا نواه ويصرف اللفظ عن ظاهره بالنية (والثالث) أنه حيث قال درهم أراد ما إذا قال كذا وكذا درهم فشك ان الذى يلزمه شيئان أو شئ واحد (والرابع) أنه حيث قال يلزمه درهم صور فيما إذا قال كذا وكذا درهما وقال أبو حنيفة رحمه الله يلزمه احد وعشرون درهما للموازنة السابقة وبه قال أبو إسحق في العارف بالعربية وخصص اختلاف الطرق وتفرق الاصحاب بغيره ولو قال كذا وكذا درهم بالرفع فطريقان (أحدهما) طرد القولين لانه يسبق إلى الفهم أنه تفسير لهما وان أخطأ في اعراب التفسير (وأصحهما) القطع بانه لا يلزمه الا درهم واحد لما سبق وكذا لو قال كذا وكذا درهم بالخفض لم يلزمه الا واحد ويمكن أن يخرج مما سبق أنه يلزمه شئ وبعض درهم أولا يلزمه الا بعض درهم ولو قال كذا وكذا وكذا درهما (فان قلنا) لو ذكر مرتين لزمه درهمان فههنا يلزمه ثلاثة (وان قلنا) يلزمه درهم فكذلك ههنا وإذا عرفت ما ذكرناه أعلمت قوله ثم كذا درهما يلزمه درهم - بالحاء - والواو - كما ذهب إليه أبو إسحق وكذا قوله وكذا كذا كذا درهما ويجوز اعلام قوله فهما درهمان وقوله أنه درهم في مسألة كذا وكذا درهما بهما أيضا (وقوله) وهذا في قوله درهما بالنصب أي موضع القولين ذلك فاما إذا رفع فاصح الطريقين القطع بلزوم درهم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 129 قال (ولو قال على الف ودرهم فالالف مبهم وله تفسيره بما شاء بخلاف مالو قال الف وخمشة عشر درهما أو الف ومائة وخمسة وعشرون درهما فان الدرهم لم يثبت بنفسه فكان تفسيرا للكل ولو قال درهم ونصف ففى النصف خلاف) . إذا قال لفلان على الف ودرهم أو درهم أو الف وثوب أو الف وعبد فهذا عطف مبين على مبهم فله تفسير الالف بغير جنس المعطوف وقال أبو حنيفة رحمه الله ان كان المعطوف مكيلا أو موزونا أو معدودا يفسر الالف به وان كان متقوما كالثوب والعبد بقى على ابهامه. لنا القياس على ما سلمه وعن مالك رحمه الله مثل مذهبنا. واختلف أصحاب أحمد فمنهم من ساعدنا ومنهم من قال يفسر بالمعطوف بكل حال. ولو قال خمسة عشر درهما فالكل دراهم لانه لاعطف وانما هما اسمان جعلا واحدا فالمذكور تفسير له ولو قال خمسة وعشرون درهما فظاهر المذهب ان الكل دراهم لان لفظ الدراهم فيه لا يجب به شئ زائد بل هو تفسير لبعض الكلام والكلام يحتاج إلى التفسير فيكون تفسيرا للكل وقال ابن خيران والاصطخري الخمسة مجملة والعشرون مفسرة بالدراهم لمكان العطف وعلى هذا الخلاف قوله مائة وخمسة عشرون درهما وقوله الف ومائة وخمسة وعشرون درهما والف وثلاثة أثواب ومائة وأربعة دنانير وقوله مائة ونصف درهم. ولو قال درهم ونصف أو عشرة دراهم ونصف فوجهان أيضا (قال) الاصطخرى وجماعة من الاصحاب النصف مبهم لانه معطوف على ما تقدم مفسر به فلايتأتى فيه (وقال) الاكثرون الكل دراهم لجريان العادة به حتى انه من قال درهم ونصف درهم عد ذلك تطويلا منه زائدا على قدر الحاجة. ولو قال نصف ودرهم فالنصف مبهم ولو قال مائة وقفيز حنطة فالمائة مبهمة بخلاف قوله مائة وثلاثة دراهم لان الدراهم تصلح تفسيرا للكل والحنطة لا تصلح تفسيرا للمائة لانه لا يصلح أن يقال مائة حنطة ولو قال على الف درهم برفعهما وتنوينهما فسر الالف بما لا تنقض قيمته عن درهم كأنه قال الالف مما قيمة الالف منه درهم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 130 قال (الرابع إذا قال على درهم يلزمه درهم فيه ستة دوانيق عشرة منه تساوى سبعة مثاقيل وهى دراهم الاسلام. فان فسر بالناقص في الوزن متصلا قبل (ح) . وان كان منفصلا لم يقبل إلا إذا كان التعامل به غالبا ففيه وجهان. وعليه يخرج التفسير بالدراهم المغشوشة. ولو فسر بالفلوس لم يقبل بحال. وكذا لو قال على دريهمات أو دراهم صغار وفسر بالناقص لم يقبل. ولو قال على دراهم يلزمه ثلاثة) . ذكرنا في الزكاة ان الدرهم الاسلامي المعتبر به نص الزكاة والديات وغيرها عشرة من الدراهم سبع مثاقيل وكل واحد منها ستة دوانيق ونزيد الآن ان كل دانق ثمان حبات وخمسا حبة فيكون الدرهم الواحد خمسين حبة وخمسى حبة والمراد من الحبة حبة الشعير المتوسطة التى لم نقشر لكن قطع من طرفها مادق وطال والدينار اثنان وسبعون حبة منها كذا نقل عن رواية أبى عبيد القاسم وحكاه الخطابى عن ابن سريج وفى حلية الرويانى ان الدانق ثمان حبات فعلى هذا يكون الدرهم ثمانية وأربعون حبة. إذا عرفت ذلك ففى الفصل مسائل (احداها) إذا قال على درهم أو الف درهم ثم قال وهى ناقصة فدراهم طبرية الشام الواحد منها أربعة دوانيق فأما أن يتفق الاقرار في بلد دراهمه تامة أو بلد دراهمه ناقصة ان كان الاول فاما أن يذكره منفصلا أو متصلا فان ذكره متصلا فطريقان (أصحهما) القبول كما لو استثني وكانه استشنى من كل درهم دانقين (والثانى) وبه قال ابن خيران أنه على قولين بناء على أن الاقرار هل يتبعض وقد يوجه القبول بما سبق والمنع بأن اللفظ صريح فيه وما كل لفظ يتضمن نقصانا يصلح للاستشناء ألا ترى أنه لو قال على الف بل خمسمائة يلزمه الالف وان ذكره منفصلا لم يقبل وعليه وزن درهم الاسلام إلا أن يصدقه المقر له لان لفظ الدراهم صريح في القدر المعلوم وعرف البلد مؤيد له واختار الرويانى أنه يقبل لان اللفظ محتمل له والاصل براءة الذمة وحكاه عن جماعة من الجزء: 11 ¦ الصفحة: 131 الاصحاب وهو غريب وان كان الثاني فان ذكره متصلا قبل لان اللفظ والعرف يصدقان وان ذكره منفصلا فوجهان (أحدهما) لا يقبل ويحمل مطلق قراره على وزن الاسلام وهذا كما أن نصب الزكاة لا تختلف باختلاف البلاد (وأظهرهما) وهو المحكى عن نصه أنه يقبل حملا لكلامه على نقد البلاد لان للعرف أثرا بينا في تقييد الالفاظ باهل العرف وصار كما في المعاملات ويجرى الخلاف فيما إذا أقر في بلد وزن دراهمه أكثر من وزن دراهم الاسلام مثل غزنه انه يحمل اقراره على دراهم البلد أو على دراهم الاسلام (ان قلنا) بالاول فلو قال عنيت دراهم الاسلام منفصلا لم يقبل وان قاله متصلا ففيه الطريقان السابقان (والاصح) القبول مطلقا وقد ذكرنا فيه خلافا إذا كان الاقرار في بلد وزن دراهمه كامل (وقوله) وان كان منفصلا لم يقبل يجوز اعلامه - بالواو - كما قاله الرويانى (الثانية) الدراهم عند الاطلاق إنما تستعمل في النقرة فلو أقر بدارهم وفسرها بالفلوس لم يقبل والتفسير بالدراهم المغشوشة كالتفسير بالناقصة لان نقرتها لا تبلغ وان الدراهم فيعود فيه التفصيل المذكور في الناقصة ولو فسر بجنس ردئ من الفضة أو قال أردت من سكة كذا وهى غير جارية في تلك البلد قبل كما لو قال على ثوب ثم فسره بجنس ردئ أو بمالا يعتاد أهل البلد لبسه ويخالف مالو فسر بالناقصة لان يرفع شيئا مما أقر به وههنا بخلافه ويخالف البيع حيث يحمل على سكة البلد لان البيع انشاء معاملة والغالب أن المعاملة في كل بلد تقع بما يروج فيها ويتعامل الناس بها إقراره اخبار عن سابق ربما ثبت بمعاملة في تلك البلدة وربما ثبت بغيرها فوجب الرجوع إلى ارادته ولانه لابد من صيانة البيع عن الجهالة والحمل على ما يروج في البلد اصلح طريق تنتفى به الجهالة والاقرار لا تجب صيانته عن الجهالة وقال المزني لا يقبل تفسيره بغير سكة البلد وحكاه الشيخ أبو حامد عن غيره من الاصحاب (الثالثة) إذا قال على دريهم أو دريهمات أو درهم صغير أو دراهم صغار ففيه اضطراب رواية الذى ذكره الامام رحمه الله وصاحب الكتاب أنه كما لو الجزء: 11 ¦ الصفحة: 132 قال درهم أو دراهم فيعود في التفسير بالنقص التفصيل السابق وليس التقييد بالصغر كالتقييد بالنقصان لان لفظ الدراهم صريح في الوزن والوصف بالصغر يجوز أن يكون من حيث الشكل ويجوز أن يكون بالاضافة إلى الدراهم البغلية وساعدهما صاحب التهذيب على ما ذكره في الدريهم وقال في قوله درهم صغير ان كان بطبرية لزمه نقد البلد وان كان ببلد وزنه وزن مكة فعليه وزن مكة وكذلك ان كان بغزنة ولك أن تقول الجواب فيما إذا كان بطبرية لا يلائم الجواب فيما إذا كان بغزنة لانه اما أن يعتبر اللفظ أو عرفت البلد ان اعتبرنا اللفظ فيجب الوزن بالطبرية وان اعتبرنا عرف البلد فيجب نقد البلد نقرة وقال الشيخ أبو حامد ومن تابعه إذا قال دريهم أو درهم صغير لزمه درهم من الدراهم الطبرية لانها أصغر من دراهم الاسلام وهى أصغر من البغلية على ما بينا في الزكاة فهى صغر الصغيرين باليقين فيؤخذ باليقين ولم يفرق بين بلدة وبلدة ويشبه أن يكون الاظهر من هذه الاختلافات ما تضمنه الكتاب ولانا لا نفرق بين أن يقول مال وبين أن يقول مال صغير وكذلك في الدراهم وهو ظاهر ما ذكره في المختصر وولو قال على درهم كبير فعلى قياس مافى الكتاب هو كما لو قال درهم ونقله الشيخ أبو حامد وهو أفقه وقال في التهذيب ان كان ببلد وزنه وزن مكة أو طبرية لزمه وزن مكة وان كان بغيره لزمه من نقد البلد وفيه الاشكال الذى ذكرناه (الرابعة) عرفت أن قدر الدراهم وجنسه ماذا أما من حيث العدد فإذا قال على دراهم يلزمه ثلاثة ولا يقبل تفسيره بأقل منها وكذلك لو قال على دراهم كثيرة أو عظيمة ويجئ فيه الوجه المذكور في المال العظيم والكثير ولو قال على أقل اعداد الدراهم لزمه درهمان لان العدد هو المعدود وكل معدود متعدد فيخرج عنه الواحد ولو قال على مائة درهم عددا لزمه مائة درهم بوزن الاسلام صحاح قال في التهذيب ولا يشترط أن يكون كل واحد ستة دوانق وكذلك في البيع ولا يقبل مائة من العدد ناقصة الوزن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 133 الا أن يكون نقد البلد عدده ناقصة فظاهر المذهب القبول ولو قال على مائة عدد من الدراهم فههنا يعتبر العدد دون الوزن. قال (ولو قال على من واحد إلى عشرة فالاصح أنه يلزمه تسعة وقيل ثمانية وقيل عشرة ولو قال درهم في عشر ولم يرد الحساب لم يلزمه إلا واحد) . إحدى مسألتي الفصل إذا قال له على من درهم إلى عشرة ففيما يلزمه ثلاثة أوجه (أحدها) عشرة ويدخل الطرفان فيه كما يقال من فلان إلى فلان لا يرضى أحد بكذا (والثانى) تسعة لان الملتزم زائد على الواحد والواحد مبدأ العدد والالتزام فيبعد اخراجه عما يلزمه (والثالث) ثمانية ولا يدخل الطرفان كما لو قال بعتك من هذه الجدار إلى الجدار لايدخل الجداران في البيع والاول أصح عند صاحب التهذيب وقال الشيخ أبو حامد والعراقيون الاصح الثاني ووافقهم صاحب الكتاب واحتج له الشيخ أبو حامد بأنه لو قال لفلان من هذه النخلة إلى هذه النخلة تدخل النخلة الاولى في الاقرار دون الاخيرة وما ينبغى أن يكون الحكم في هذه الصورة كما ذكر بل هو كما لو قال بعتك من هذا الجدار إلى هذا الجدار (وقوله) في الكتاب ثمانية وعشرة معلمان - بالحاء - لان مذهب أبى حنيفة رحمه الله كالوجه الثاني وبه قال أحمد رحمه الله. ولو قال على مابين درهم إلى عشرة فالمشهور أنه يلزمه ثمانية توجيها بأن ما بمعنى الذى كأنه قال له العدد الذى يقع بين الواحد والعشرة وهو صريح في اخراج الطرفين وذكره ابن الحداد حكاية عن نصه ونقل في المفتاح عن نصه أنه يزمه تسعة ووجه بأن الحد إذا كان من جنس المحدود يدخل فيه فيضم الدرهم العاشر إلى الثمانية وحكى أبو خلف السلمى عن القفال أنه يلزمه عشرة والمقصود بيان غاية ما عليه فحصل في المسألة ثلاث أوجه كما في الصورة الاولى ولم يفرقوا بين أن يقول مابين واجد إلى عشرة وبين أن يقول مابين واحد وعشرة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 134 وربما سووا بينهما ويجوز أن يفرق ويقطع بالثمانية في الصيغة الاخرى (الثانية) إذا قال على درهم في عشرة ان أراد الظرف لم يلزمه الا واحد وان أراد الحساب فعليه عشرة وان أراد المعية فعلية احد عشر درهما وان أطلق لم يلزمه الا واحد أخذا باليقين وفيما إذا قال أنت طالق واحدة في اثنتين في قول آخر أنه يحمل على الحساب وان أطلق لانه أظهر في الاستعمال وذلك القول عائد ههنا وان لم يذكروه ولفظ الكتاب يفتقر إلى تأويل لانه حكم بأنه لا يلزمه الا واحد إذا يرد الحساب وله شرط وهو أنه يريد المعية. قال (الخامس إذا قال له عندي زيت في جرة أو سيف في غمد لا يكون مقرا بالظرف (ح) . ولو قال له عندي غمد فيه سيف أو جرة فيها زيت لم يكن مقرا الا بالظرف. وعلى قياس ذلك قوله فرس في اصطبل. وحمار على ظهره اكاف. وعمامة في رأس عبد ونظائره. ولو قال له عندي خاتم وجاء به وفيه فص وقال ما أردت الفص فالظاهر انه لا يقبل. ولو قال جارية فجاء بها وهى حامل ففى استثناء الحمل وجهان) . الاضافة إلى الظرف صور تبينها فصول هذا النوع والاصل المقرر فيها أن الاقرار بالمظروف لا يقتضى الاقرار بالظرف وبالعكس أيضا وأصل هذا الاصل البناء على اليقين فإذا قال لفلان عندي زيت في جرة أو سيف في غمد لا يكون مقرا بالجرة والغمد وكذا لو قال ثوب في منديل أو تمره في جراب أو لبن في كوز أو طعام في سفينة لاحتمان أن يريد في جرة أو منديل لى وكذا لو قال غصبت زيتا ثم رأيناه في جرة لا يكون مقرا الا بغصب الزيت ولو قال عندي غمد فيه سيف أو جرة فيها زيت أو جراب فيه تمر فهو اقرار بالظرف دون المظروف وعلى هذا القياس إذا قال فرس في اصطبل أو حمار على ظهر اكاف أو دابة عليها سرج أو زمام أو عبد على رأسه عمامة أوفى وسطه منطقة أو في رجليه خف فلا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 135 يكون مقرا الا بالدابة والعبد وعند أبى حنيفة الاقرار بالمظروف في الظرف يكون اقرارا بهما إذا كان مما يحرز في الظرف غالبا كالزيت في الجرة والتمر في الجراب دون الفرس في الاصطبل وقل صاحب التلخيص إذا قال عبد على رأسه عمامة أو عليه قميص أو في رجله خف فهو اقرار بما مع العبد لان العبد له يد على ملبوسه وما في يد العبد فهو في يد سيده فإذا أقر بالعبد للغير كان مافى يده لذلك الغير بخلاف المنسوب إلى الفرس وعامة الاصحاب على أنه لافرق بينهما وذكر الامام رحمه الله أنه قال ذلك في التخليص وفى المفتاح أجاب بما يوافق قول الجمهور وهو وهم بل جوابه في المفتاح كجوابه في التلخيص ولو قال عندي دابة مسرجة أو دار مفروشة لم يكن مقرا بالسرج ولا الفرش بخلاف ما إذا قال سرجها وفرشها وبخلاف ما لو قال ثوب مطرز لان الطراز جزء من الثوب ومنهم من قال ان ركب عليه بعد النسج فهو على وجهين نذكرهما في أخوات المسألة ولو قال فص في خاتم فهو اقرار بالفص دون الخاتم ولو قال خاتم فيه فص ففى كونه مقرا بالفص وجهان (أصحهما) ما ذكره في التهذيب أنه ليس بمقر لجواز أن يريد فيه فص لى فصار كالصورة السابقة (والثانى) أنه يكون مقرا بالفص لان الفص من الخاتم حتى لو باعه دخل فيه بخلاف تلك الصورة ولو اقتصر على قوله عندي خاتم ثم قال بعد ذلك ما أردت الفص فد ذكر صاحب الكتاب فيه وجهين (أحدهما) أنه يقبل منه لان اسم الخاتم يطلق مع نزع الفص (وأصحهما) الذى ينبغى أن يقطع به أنه لا يقبل لان الفص متناول باسم الخاتم فهو رجوع عن بعض المقر به ولو قال حمل في بطن جارية لم يكن مقرا بالجارية وكذا لو قال نعل في حافر دابة وعروة على قمقمة ولو قال جارية في بطنها حمل أو دابة في حافرها نعل وقمقمة عليها عروة فوجهان كما في قوله خاتم فيه فص ويشبه أن يترتب الوجهان في مسألة الكتاب على الوجهين في صورة الحمل وهى ماذا قال هذه الجارية لفلان وكانت حاملا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 136 يتناول الاقرار الحمل فيه وجهان (أحدهما) نعم كما في البيع وبه أجاب القفال (وأظهرهما) لا وله ان يقول لم أرد الحمل بخلاف البيع لان الاقرار اخبار عن سابق وربما كانت الجارية له دون الحمل بان كان الحمل موصى به وسلم القفال أنه لو قال هذه الجارية لفلان إلا حملها يجوز بخلاف البيع (فان قلنا) الاقرار بالجارية يتناول الحمل ففيه الوجهان المذكوران في الصورة السابقة والا فيقطع بانه لا يكون مقرا بالحمل كما إذا قال جارية في بطنها حمل ولو قال ثمرة على شجرة لم يكن مقرا بالشجرة ولو قال شجرة عليها ثمرة فليرتب ذلك على أن الثمرة هل تدخل في مطلق الاقرار بالشجرة وهى لا تدخل بعد التأبير كما في البيع وفى فتاوى القفال أنها تدخل وهو بعيد وقيل التأبير وجهان (أظهرهما) وهو الذى أطلقه في التهذيب أنها لا تدخل أيضا لان الاسم لا يتناولها في البيع والبيع ينزل على المعتاد وذكر القفال وغيره لضبط الباب أن ما يدخل تحت البيع المطلق يدخل تحت الاقارير ومالا فلا قال القفال الجزء: 11 ¦ الصفحة: 137 إلا الثمار المؤبرة وما ذكرنا من المسائل يقتضى أن يقال في الضبط مالا يتبع في البيع ولا يتناوله الاسم ففيه وجهان (وقوله) في الكتاب لا يكون مقرا بالظرف معلم - بالحاء - لان عند أبى حنيفة رحمه الله الاقرار بالمظروف في الظرف اقرار بهما إذا كان ذلك مما يحرز في الظرف غالبا كالتمر في الجراب والزيت في الجرة بخلاف الفرس في الاصطبل. قال (ولو قال الف في هذا الكيس ولم يكن فيه شئ لزمه الالف. فان كان الالف ناقصا يلزمه الاتمام عند القفال. ولا يلزمه عند أبى زيد للحصر. ولو قال الالف الذى في الكيس لا يلزمه الاتمام. فان لم يكن فيه شئ فهل يلزمه الالف فوجهان) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 138 إذا قال على الف في هذا الكيس لزمه سواء كان فيه شئ أو لم يكن فيه شئ أصلا لان قوله على يقتضى اللزوم ولا يكون مقرا بالكيس على ما عرفت وان كان فيه دون الالف ففيه وجهان قال أبو زيد لا يلزمه إلا ذلك القدر لحصر المقر به وقال القفال يلزمه الاتمام كما أنه لو لم يكن فيه شئ يلزمه الالف وهذا أقوى ولو قال على الالف الذى في هذا الكيس فان كان فيه دون الالف لم يلزمه إلا ذلك القدر لجمعه بين التعريف والاضافة إلى الكيس وعن أبى على وجه آخر ضعفوه أنه يلزمه الاتمام ويمكن أن يخرج هذا على الخلاف في أن الاشارة تقدم أم اللفظ وان لم يكن في الكيس شئ ففيه وجهان ويقال قولان بناء على ما إذا حلف ليشربن ماء من هذا الكوز ولا ماء فيه هل تنعقد يمينه ويحنث أم لا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 139 قال (ولو قال له في هذا العبد الف درهم إن فسر بارش الجنابة قبل. وان فسر بكون العبد مرهونا فالاظهر أنه يقبل. ولو قال وزن في شراء عشره الفا وأنا اشتريت جميع الباقي بألف قبل ولا يلزمه إلا عشر العبد) . إذا قال لفلان في هذا العبد الف درهم فهذا لفظ مجمل فيسأل عنه إن قال أردت أنه جني عليه أو على ماله جناية أرشها الف قبل وتعلق الالف برقبته وان قال انه رهن عنده بألف على ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يقبل لان اللفظ يقتضى كون العبد محلا للالف ومحل الدين الذمة لا المرهون وانما المرهون وثيقة له وعلى هذا إذا نازعه المقر له وأخذناه بالالف الذى ذكره في التفسير وطالبناه للاقرار الجملى بتفسير صالح (وأظهرهما) القبول لان الدين وان كان في الذمة فله تعلق ظاهر بالمرهون فصار كالتفسير بأرش الجناية ولو قال انه وزن في شراء عشره الفا وأنا اشتريت الباقي بألف أو بما دون الالف قبل لانه محتمل ولا يلزمه بهذا الاقرار الا عشر العبد وان قال أردت انه وزن في ثمنه الفا قيل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 140 له هل وزنت شيئا فان قال لا فالعبد كله للمقر له وان قال نعم سئل عن كيفية الشراء أكان دفعة واحدة أم لا فان قال دفعة واحدة سئل عن قدر ما وزن فان قال وزنت الفا أيضا فالعبد بينهما وان قال وزنت الفين فثلثا العبد له والثلث للمقر له وعلى هذا القياس ولا نظر إلى قيمته خلافا لمالك رحمه الله حيث قال لو كان يساوى الفين وقد زعم أنه وزن الفين والمقر له الفا يكون العبد بينهما بالسوية ولا يقبل قوله انى وزنت الفين في ثلثه وقد يعبر عن مذهبه بأن المقر له من العبد ما يساوى الفا وان قال اشتريناه دفعتين ووزن في شراء عشره مثلا الفا وأنا اشتريت تسعة اعشاره بالف قبل لانه يحتمل ولو قال أردت به أنه أوصى له بألف من ثمنه قبل البيع ودفع له الف ثمنه وليس له دفع الالف من ماله وان فسرنا به دفع إليه الالف ليشترى له العبد ففعل فان صدقه المقر له فالعبد له وان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 141 كذبه فقد رد اقراره بالعبد وعليه رد الالف الذى أخذه وان قال أردت أنه أقرضه ألفا فصرفته إلى ثمنه قبل ولزمه الالف وتوجيه الخلاف المذكور فيما إذا فسره بالرهن يقتضى عوده ههنا ولو قال له على من هذا العبد الف درهم فهو كما لو قال في هذا العبد ولو قال من ثمن هذا العبد الف درهم فكذلك ذكره في التهذيب ولو قال على درهم في دينار فهو كما لو قال الف في هذا العبد فان أراد النفى معه لزماه. قال (ولو قال له في هذا المال الف أو في ميراث أبى الف لزمه ولو قال له في مالى الف أو في ميراثي من أبى الف لم يلزمه للتناقض) . قال الشافعي رضى الله عنه في المختصر لو قال له في ميراث أبى الف درهم كان اقرارا منه على أبيه بدين ولو قال له في ميراثي من أبى الف درهم كانت هبة الا أن يريد اقرارا وما الفرق الجزء: 11 ¦ الصفحة: 142 قيل انه الصورة الثانية أضاف الميراث إلى نفسه وما يكون له لا يصيره لغيره بالاقرار فكان كما لو قال دارى أو مالى لفلان وفي الاول لم يضف الميراث إلى نفسه فكان مقرا بتعلق الالف بالتركة وهذا ما أشار إليه صاحب الكتاب بقوله للتناقض ولك أن تمنع التناقض بين اضافة الميراث إلى نفسه وبين تعلق دين الغير به فان تركة على كل مديون مملوكه لورثته على الصحيح والدين يتعلق بها وقال الاكثرون الفرق أنه إذا قال في ميراث أبى فقد أثبت حق المقر له في التركة وذلك لا يحتمل الا شيئا واجبا فان التبرعات التى لا تلزم ترتفع بالموت ولا تتعلق بالتركة وإذا قال في ميراثي من أبى فقد أضاف التركية إلى نفسه ثم جعل المقر به شيئا منها وأضافه إليه وذلك قد يكون بطريق لازم وقد يكون بطريق التبرع وإذا فسر بالتبرع قبل واعتبره فيه شرطه وعن صاحب التقريب الاشارة إلى التسوية بين الصورتين كأنه قل وخرج فان كان كذلك جاز إعلام قوله في الكتاب أو في ميراث أبى - بالوار - والمذهب المشهور الفرق بمثله ولو قال له في هذه الدار نصفها فهو إقرار وان قال له في دارى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 143 نصفها فهو وعد هبة حكاه الشيخ أبو علي عن النص أيضا واشتهر عن نصه أنه لو قال له في مالى الف درهم كان اقرارا ولو قال من مالى كان وعد هبة لااقرارا وهذا الموضع البحث فيه من وجهين (أحدهما) أن هذا النص في قوله في مالى يخالف ما نقلناه في قوله في ميراثي وفى دارى فما حال هذه النصوص (والثانى) انه لافرق بين في ومن وهل المذهب الظاهر ما نص عليه أم الاول فللاصحاب طريقين فيما إذا قال في مالى الف درهم منهم من قال فيه قولان (أحدهما) أنه وعد هبة لاضافة المال إلى نفسه (والثانى) أنه اقرار لان قوله له يقتضى الملك وبوعد الهبة لا يحصل الملك ومنهم من قطع بأنه وعد هبة وحمل ما روى عن النص الاخير على خطأ النساخ وربما تأوله على ما إذا أتى بصيغة التزام فقال على في مالى الف درهم فانه يكون إقرارا على ما سيأتي وإذا أثبتنا الخلاف فعن الشيخ أبى على أنه يطرد فيما إذا قال في دارى نصفها وامتنع من طرده فيما إذا قال في ميراثي من أبى وعن صاحب التقريب وغيره أنه يلزمه تخريجه فيه بطريق الاولى لان قوله في ميراثي من أبى أولى بأن يجعل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 144 اقرارا من قوله في مالى أو في دارى لان التركه مملوكه للورثة مع تعلق الدين بها فيحسن اضافة الميراث إلى نفسه مع الاقرار بالدين بخلاف المال والدار (واما) الثاني فمنهم من قال لافرق ولم يثبت هذا النص أو أوله ومنهم من فرق بان في تقتضي كون مال المقر ظرفا لمال المقر له وقوله من مالى يقتضى الفصل والتبعيض وهو ظاهر في الوعد بانه يقطع شيئا من ماله فإذا فرقنا بينهما لزمه مثله في الميراث والدار لا محالة والظاهر انه لافرق بينهما وان الحكم في قوله في مالى كما ذكرنا أولا في ميراثي واستبعد الامام رحمه الله ان تخريج الخلاف فيما إذا قال له في داري نصفها لانه إذا أضاف الكل إلى نفسه لم ينتظم الاقرار ببعضه كمالا ينتظم منه الاقرار بكله بأن يقول دارى لفلان وتخصص طريقة الخلاف بما إذا لم يكن المقر به جزءا من مسمى ما أضافه إلى نفسه كقوله في مالى ألف درهم أو في دارى ألف ولا يخفى عليك مما ذكرنا حاجة قوله في الكتاب لم يلزمه التناقض إلى الاعلام - بالواو - وحيث قلنا في هذه الصورة إنه وعد هبة لااقرار فذلك فيما لم يذكر كلمة التزام فأما إذا ذكر بأن يقول على ألف درهم في هذا المال أو في مالى أو في الجزء: 11 ¦ الصفحة: 145 ميراث أبى أو في ميراثي أو دارى أو عبدى أو في هذا العبد فهو إقرار بكل حال ولو قال له في ميراثي عن أبى أو في مالى كذا بحق لزمني أو بحق ثابت وما أشبهه فهو كما لو قال على فيكون اقرارا بكل حال ذكره ابن القاص (واعلم) أن قضية قولنا ان قوله على في هذا المال أو في هذا العبد ألف درهم قرار له بالالف وان لم يبلغ ذلك المال الفا وربما يخطر ذلك الخلاف المذكور فيما إذا قال لفلان على ألف في هذا الكيس وكان فيه دون الالف إلا أن ظرفية العبد للدراهم ليست كظرفيه الكيس لها فيمكن أن يختلفا في الحكم لكن لو قال في هذا العبد ألف درهم من غير كلمة على وفسره بأنه أوصى له بألف من ثمنه فلم يبلغ ثمنه الفا فلا ينبغى أن يجب عليه تتمة الالف بحال. قال (السادس إذا قال له على درهم درهم درهم لم يلزمه الا درهم واحد لاحتمال التكرار. ولو قال درهم ودرهم أو درهم لزمه درهما لامتناع التكرار. ولو قال درهم مع درهم أو درهم تحت درهم أو فوق درهم لا يلزمه إلا واحد تقديره مع درهم لى بخلاف نظيره من الطلاق. ولو قال الجزء: 11 ¦ الصفحة: 146 درهم قبل درهم أو بعد درهم لزمه درهمان إذ التقدم والتأخر لا يحتمل إلا في الوجوب. ولو قال درهم ودرهم ودرهم وقال أردت بالثالث تكرار الثاني قبل. ولو قال أردت بالثالث تكرار الاول لم يقبل لتخلل الفاصل. وكذا في قوله طالق وطالق وطالق. فإذا أطلق ففى الطلاق قولان (أحدهما) يلزمه ثلاثة لصورة اللفظ (والثانى) ثنتان لجرى العادة في التكرار. والاظهر في الاقرار أنه يلزمه عند الاطلاق ثلاثة لانه أبعد عن قبول التأكيد اعتيادا. ولو قال على درهم فدرهم يلزمه درهم واحد. ولو قال أنت طالق فطالق يقع طلقتان. وتقدير الاقرار فدرهم لازم. وقيل بتخريج فيه من الطلاق ولو قال درهم بل درهمان فدرهمان. ولو قال درهم بل ديناران فدرهم وديناران. إذ إعادة الدرهم في الدينار غير ممكن) . في الفصل صور نذكرها مع ما يناسبها وان احتجنا إلى تقدير وتأخير فعلناه (الاولى) لو قال له على درهم درهم درهم لم يلزمه إلا درهم واحد لاحتمال ارادة التأكيد بالتكرار وكذا لو كرر عشرا فصاعدا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 147 ولو قال درهم ودرهم أو درهم ثم درهم لزمه درهمان لاقتضاء العطف المغايرة ولو قال درهم ودرهم ودرهم لزمه بالاول والثانى درهمان وأما الثالث فان أراد به درهما آخر لزمه وان قال أردت به تكرار الثاني قبل ولا يلزمه الا درهمان وان قال أردت به تكرار الاول فوجهان ذكرهما في النهاية (وأظهرهما) وهو المذكور في الكتاب أنه لا يقبل ويلزمه ثلاثة لان التكرار انما يؤكد به إذا لم يتخلل بينهما فاصل وهذا الحكم فيما إذا قال أنت طالق وطالق وطالق ففى الطلاق قولان ينظر في أحدهما إلى صورة اللفظ وفى الثاني إلى احتمال التكرار وجريان العادة وسيعود ذكرهما في الطلاق وفى الاقرار طريقان (قال) ابن خيران انه على قولين في الطلاق (وقطع) الاكثرون بأنه يلزمه ثلاثة وفرقوا بأن دخول التأكيد في الطلاق أكثر منه في الاقرار لانه لا يقصد به التخويف والتهديد ولانه يؤكد بالمصدر فيقال هي طالق طلاقا والاقرار بخلافه وعلى هذا لو كرر عشر مرات أو أكثر لزمه من الدراهم بعدد ما كرر ولو قال على درهم ثم درهم ثم درهم فهو كما لو قال درهم ودرهم ودرهم ولو الجزء: 11 ¦ الصفحة: 148 قال درهم ودرهم ثم درهم لزمه ثلاثة لا محالة (الثانية) إذا قال على درهم مع درهم أو معه درهم أو فوق درهم أو فوقه درهم أو تحت درهم أو تحته درهم فرواية المزني في المختصر انه لا يلزمه الا درهم واحد لجواز ان يريد مع درهم لى أو فوق درهم لى وايضا فقد يريد فوقه الجودة وتحته الرداءة وبهذه الرواية اخذ أكثر الاصحاب وهى التى اوردها في الكتاب ووراء هذا مذهبان للاصحاب (احدهما) انه يلزمه درهمان واختلف القائلون به فمن ناسب له إلى النص في رواية الربيع ومن قائل انه مخرج واختلف هؤلاء فقيل هو مخرج من الطلاق فانه لو قال انت طالق طلقه مع طلقة أو فوق طلقة تقع طلقتان وقيل هو مخرج مما لو قال علي درهم قبل درهم فانه يلزمه درهمان ومن قال بالاول فانه اعتذر عن قوله قبل درهم وأما الطلاق فالفرق أن لفظه الصريح موقع فإذا أنشأه عمل عمله والاقرار اخبار عن سابق فإذا كان فيه اجمال روجع حتى يبين أنه عم اخبر (والذهب الثاني) قال الداركى ان قال درهم معه درهم أو فوقه درهم لزمه درهمان لرجوع الكناية إلى الاول الذى التزمه ولو قال درهم على عليه درهم أو على درهم فهو كما لو قال الجزء: 11 ¦ الصفحة: 149 فوقه درهم أو فوق درهم ولو قال على درهم قبل درهم فرواية المزني وبها أجاب الاكثرون انه يلزمه درهمان بخلاف الصورة السابقة والفرق ان الفوقية والتحتية يرجعان إلى المكان ويتصف بهما نفس الدرهم فلا بد من امر يرجع إليه التقديم والتأخير وليس ذلك الا الوجوب عليه وفيه قول آخر انه لا يلزمه الا درهم منهم من حكاه نصا عن رواية الربيع ومنهم من خرجه من الصورة السابقة وسوى بينهما جميعا فجعلهما على قولين ولمن قال به ان يقول القبلية والبعدية كما يكونان بالزمان يكونان بالرتبة وغيرها ثم هب أنهما زمانيان وان نفس الدرهم لا يتصف بهما لكن يجوز رجوعهما إلى غير الواجب بان يريد درهما مضروبا قبل درهم وما أشبهه ثم هب انهما راجعان إلى الواجب لكن يجوز أن يريد لزيد درهم وجب له قبله وجوب درهم لعمرو وفى المسألة وجه آخر عن ابن خيران وغيره انه ان قال قبله درهم وبعده درهم لزمه درهمان وان قال قبل درهم وبعد درهم لم يلزمه الا درهم واحد لاحتمال الجزء: 11 ¦ الصفحة: 150 ان يريد قبل لزوم درهم أو بعد درهم كان لازما (وقوله) في الكتاب لا يلزم الا واحد يجوز اعلامه مع - الواو - بالحاء والالف - اما الحاء فلان عند أبى حنيفه رحمه الله يلزم درهمان فيما إذا قال فوق درهم واما الالف فلان عند احمد يلزمه في جميع الصور درهمان (الثالثة) إذا قال له على أو عندي درهم فدرهم ان أراد العطف لزمه درهمان والا فالنص أنه لا يلزمه الا درهم ونص فيما إذا قال انت طالق فطالق انه يقع طلقتان فنقل ابن خيران الجواب من كل واحدة إلى الاخرى وجعلهما على قولين (أحدهما) يلزمه ودرهمان يقع طلقتان لان الفاء حرف عطف كالواو وثم (والثاني) لا يلزمه الا واحد ولا يقع إلا طلقه لان الفاء قد تستعمل لغير العطف فيؤخذ باليقين وذهب الاكثرون إلى تقرير النصين وفرقوا بوجهين (أحدهما) أنه يحتمل في الاقرار أن يريد فدرهم لازم أو فدرهم أجود والاقرار اخبار والانشاء أقوى وأسرع نفوذا ولهذا لو أقر اليوم بدرهم وغدا بدرهم لا يلزمه الا درهم ولو تلفظ بالطلاق في اليومين وقعت طلقتان وهذا أظهر في المذهب لكن لابن خيران ان يمنع الفرق الاول ويقول يجوز أن يريد فطالق مهجورة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 151 أو لاتراجع ويجوز أن يريد فطالق حرمتك وما أشبهه (وأما) الثاني فانه يناقض الفرق المذكور في مسألة درهم ودرهم وطالق وطالق (وقوله) في الكتاب يلزمه درهم واحد معلم - بالحاء والالف - لان عندهما يلزمه درهمان (وقوله) يقع طلقتان يجوز اعلامه - بالواو - لانه لم يذكر طريقة النقل والتخريج بتمامها حتى يستغنى عن الاعلام وانما ذكر التخريج من الطلاق في الاقرار ورأيت في بعض الشروح ان ابن أبى هريرة حكى قولا منصوصا للشافعي رضى الله عنه أنه يلزمه درهمان ويتأيد هذا القول بما إذا قال درهم ودرهم فانه يلزمه درهمان ولا يمتنع فيه مثل التقديرات المذكورة في الفاء ولو قال على درهم فقفيز حنطة فلا يلزمه الا درهم أو يلزمانه جمعيا فيه هذا الخلاف وذكر أبو العباس الرويانى في الجرجانيات ان قياس ما ذكرنا في الطلاق أنه إذا قال بعتك بدرهم فدرهم يكون بائعا بدرهمين لانه انشاء (الرابعة) قال على درهم بل دهم لم يلزمه الا درهم لجواز أن يقصد الاستدراك فيتذكر أنه لا حاجة إليه فيعيد الاول ولو قال درهم لابل درهم اولا درهم فكذلك ولو قال درهم لابل درهمان أو قفيز حنطة لابل فقيزان لم يلزمه الا درهمان وقفيزان لان بل للاستدراك ولا يمكن ان يكون المقصود الجزء: 11 ¦ الصفحة: 152 هاهنا نفي المذكور اولا لاشتمال الدرهمين على الدرهم والقفيزين على القفيز وانما المقصود نفى الاقتصار على الواحد واثبات الزيادة عليه وهذا يشكل بما إذا قال انت طالق طلقة بل طلقتين فانه يقع الثلاثة ولا أدرى لم لم يتصرفوا فيهما ههنا تصرفهم فيما سبق من المسائل ثم ما ذكرناه مفروض فيما إذا أرسل ذكر المقر به أما إذا قال له عندي هذا القفيز بل هذان القفيزان لزمه الثلاث لان القفيز المعين لايدخل في القفيزين المعينين وكذلك لو اختلف جنس الاول والثانى مع الارسال بان قال على درهم بل ديناران أو قفيز حنطة بل قفيزا شعير لزمه الدرهم والديناران أو قفيز الحنطة وقفيز الشعير لان الاول غير داخل في الثاني فهو راجع عن الاول مثبت الثاني والرجوع لا يقبل وما اقر به ثانيا يلزمه ولو قال درهمان بل درهم أو عشرة بل تسعة يلزمه الدرهمان والعشرة لان الرجوع عن الاكثر لا يقبل ولا يدخل الاقل فيه ولو قال دينار بل ديناران بل ثلاثة يلزمه ثلاثة ولو قال دينار بل ديناران بل قفيز بل قفيزان لزمه ديناران وقفيزان ولو قال دينار وديناران بل قفيز وقفيزان فثلاثة دنانير وثلاثة أقفزة وقس على ما ذكرنا ما شئت. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 153 قال (السابع إذا قال يوم السبت على ألف وقال ذلك يوم الاحد لم يلزمه الا ألف واحد. الا أن يضيف إلى سببين مختلفين. فلو أضاف أحدهما إلى سبب وأطلق الآخر نزل المطلق على المضاف. وكذلك لو قامت الحجة على اقرارين بتاريخين جمع بينهما. وكذلك إذا كان بلغتين احداهما بالعجمية والاخرى بالعربية. وكذلك لو شهد على كل واحد شاهد واحد فالاصح أنه يجمع نظرا إلى المخبر عنه. وفى الافعال لا يجمع أصلا. القول الجملى في الفصل أن تكرير الاقرار لا يقتضي تعدد المقر به لان الاقرار إخبار ألا ترى أنه يحتمل فيه الابهام ولو كان انشاء لما احتمل وتعدد الخبر لا يقتضى تعدد المخبر عنه فيجمع إلا إذا عرض ما يمنع الجمع والتنزيل على واحد فحينئذ يحكم بالمغايرة وفيه مسألتان (إحداهما) إذا إقر لزيد يوم السبت بألف وأقر له يوم الاحد بألف لم يلزمه إلا ألف واحد سواء اتفق الاقراران في مجلس واحد أو مجلسين وسواء كتب به صكا وأشهد عليه شهودا على التعاقب أو كتب صكا بألف وأشهد عليه ثم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 154 كتب صكا بألف وأشهد عليه وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله خلافا لابي حنيفة رحمه الله فيما إذا كتب صكين وأشهد عليهما وفيما إذا أقرفى مجلسين ومن أصحابه من لا يفرق بين المجلس والمجلسين ولو أقر في أحد اليومين بالالف وفى الآخر بخمسمائة دخل الاقل في الاكثر ولو أقر مرة بالعربية وأخرى بالعجمية لم يلزمه إلا واحد ولا اعتبار باختلاف اللغات والعبارات. وإذا لم يمكن الجمع كما إذا أقر في يوم السبت بألف من ثمن عبد ويوم الاحد بألف من ثمن جارية أو قال مرة صحاح ومرة مكسرة لزمه الالفان ولم يجمع وكذا لو قال قبضت منه يوم السبت عشرة ثم قال قبضت منه يوم الاحد عشرة أو طلقتها يوم السبت طلقة ثم قال طلقتها يوم الاحد طلقة ولو قال يوم السبت طلقتها طلقة ثم أقر يوم الاحد بطلقتين لم يلزمه إلا طلقتان ولو أضاف أحد الاقرارين إلى سبب أو وصف الدرهم بصفة وأطلق الاقرار الآخر نزل المطلق على المضاف لامكانه (وقوله) في الكتاب وكذا لو قامت الحجة على الاقرارين بتاريخين جمع بينهما كان الغرض منه الاشارة إلى تكرير الاشهاد والصك لا تأثير له والا فالحجة على الاقرارين لا توجب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 155 تعدد المقر به (المسألة الثانية) لو شهد شاهد على أنه أقر يوم السبت بألف أو بغصب تلك الدار وآخر يوم الاحد لفقنا بين الشهادتين وأثبتنا الالف والغصب لان الاقرار لا يوجب حقا بنفسه انما هو اخبار عن ثابت فينظر إلى المخبر عنه وإلى اتفاقهما على الاخبار عنه وكذا لو شهد أحدهما على اقراره بألف بالعربية والآخر على اقراره بالعجمية ولو شهد شاهد أنه طلق يوم السبت وآخر أنه طلقها يوم الاحد لم تثبت شهادتهما لانهما لم يتفقا على شئ واحد وليس هو اخبار حتى ينظر إلى المقصود والمخبر عنه وعن صاحب التقريب ان من الاصحاب من جعل الاقرارين والطلاقين على قولين بالنقل والتخريج قال الامام رحمه الله (أما) التخريج من الطلاق في الاقرار فهو قريب في المعنى وان بعد في النقل لان الشاهدين لم يشهدا على شئ واحد بل شهد هذا على اقرار وشهد ذاك على اقرار آخر والمقصود من اشتراط العدد في الشهادة زيادة التوثق والاستظهار وإذا شهد كل واحد على شئ لم يحصل هذا المقصود فاتجه أن لا يحكم بقولهما (وأما) التخريج من الاقرار في الطلاق فبعيد نقلا ومعنى لان من الجزء: 11 ¦ الصفحة: 156 طلق اليوم ثم طلق غدا والمرأة رجعية فزعم أنه أراد طلقة واحدة لم يقبل منه فكيف يجمع بين شهادة شاهد على طلاق اليوم وشهادة آخر على طلاق الغد حتى لو شهد أحدهما أنه قذف يوم السبت أو بالعربية والثانى على أنه قذف يوم الاحد أو بالعجمية لم يثبت بشهادتهما شئ أو شهد احدهما على اقراره بانه يوم السبت قذف أو بالعربية قذفه والثانى على اقراره بانه يوم الاحد قذفه أو بالعجمية قذفه فلا تلفيق ايضا لان المقر به شيئان مختلفان وقد قطع به الشيخ أبو محمد ولو شهد شاهد بالف من ثمن مبيع وآخر بالف من قرض أو شهد أحدهما بالف استقرضه يوم السبت وآخر بالف استقرضه يوم الاحد لم تثبت شهادتهما لكن للمدعى أن يعين أحدهما ويستأنف الدعوى عليه ويحلف مع الذى شهد له وله أن يدعيهما ويحلف مع كل واحد من الشاهدين وإن كانت الشهادتان على الاقرار شهد احدهما أنه أقر بألف من ثمن مبيع وشهد الثاني على إقراره بألف من قرض ففي ثبوت الالف وجهان (الظاهر) انه لا يثبت أيضا وربما بنو الوجهين على الوجهين فما إذا ادعى عليه الفا من ثمن مبيع فقال المدعى عليه لك على ألف ولكن من قرض هل يحل للمدعى أخذ الالف لاتفقاقهما على ولاختلافهما في الجزء: 11 ¦ الصفحة: 157 الجهة (ان قلنا) اختلاف الجهة يمنع الاخذ لم يثبت الالف والا ثبت ولو ادعى الفا فشهد أحد الشاهدين على أنه ضمن الفا والثانى على أنه ضمن خمسمائة في ثبوت خمسمائة قولان عن ابن سريج وهذا قريب من التخريج المذكور في الانشاءات أو هو هو ولو شهد أحد شاهدى المدعى عليه أن المدعي استوفى الدين والآخر على أنه أبرأه فلا يلفق على المذهب ولو شهد الثاني على أنه برئ إليه منه قال أبو عاصم العبادي يلفق لان اضافة البراءة إلى المديون عبارة عن ايفائه وقيل بخلافه. (فرع) أورده في هذا الموضع ادعى رجل ألفين وشهد له شاهد بألفين وآخر بألف ثبت الالف وله أن يحلف مع الذى شهد بالالفين ويأخذ الكل وكذا الحكم لو كانت الشهادتان على الاقرار وقال أبو حنيفة رحمه الله انه لا يثبت الالف وسلم أنه لو شهد أحدهما بثلاثين والآخر بعشرين العشرون كالالف والالفين وفيه وجه لان لفظ الثلاثين لا يشتمل على العشرين ولفظ الالفين يشتمل على الالف وربما سمع أحد الشاهدين بالالف وغفل عن الآخر ولو ادعى الفا فشهد له شاهد بألف والآخر بألفين فالثاني شهد بالزيادة قبل أن يستشهد ففى مصيره بذلك مجروحا وجهان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 158 ان لم يصر مجروحا فشهادته في الزيادة مردودة وفى المدعى قولا تبعيض الشهادة وقطع بعضهم بثبوت الالف وخص الخلاف بالتبعيض بما إذا اشتملت الشهادة على ما يقتضى الرد كما إذا شهد لنفسه ولغيره فأما إذا زاد على المدعى فقوله في الزيادة ليس بشهادة بل هو كما لو أتى بلفظ الشهادة في غير مجلس الحكم (وان قلنا) انه يصير مجروحا فقد ذكر في التهذيب أنه يحلف مع شاهد الالف ويأخذه قال الامام رحمه الله تعالى انه على هذا الوجه بما يصير مجروحا في الزيادة فاما الالف المدعى فلا جرح في الشهادة عليه لكن إذا ردت الشهادة في الزائد كانت الشهادة في المدعى على قولى التبعي ض فان لم نبعضها فلو اعاد الشهادة بالف قبلت لموافقتها الدعوى وهل يحتاج إلى إعادة الدعوى قال فيه وجهان (أظهرهما) المنع ونختم الباب بخاتمتين (احدهما) في فروع لائقة بالباب (منها) لو اقر بجميع في يده أو ينسب إليه صح فلو تنازعا في شئ انه هل كان في يده يومئذ فالقول قول المقر وعلى المقر له البينة ولو قال ليس لى مما في يدك الا ألف صح وعمل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 159 بمقتضاه ولو قال لاحق لى في شئ مما في يد فلان ثم الدعى شيئا منه وقال لم اعلم كونه في يده يوم الاقرار صدق بيمينه ولو قال لفلان على درهم أو دينار لزمه احدهما وطولب بالتعيين وعن رواية الشيخ أبى على وجه ضعيف انه لا يلزمه شئ ولو قال على الف أو على زيد أو على عمر ولم يلزمه شئ وكذا لو قال على سبيل الاقرار انت طالق اولا فان ذكره في معرض الانشاء طلقت كما لو قال أنت طالق طلاقا لا يقع عليك ولو قال على الف درهم والا لفلان على الف دينار لزمه وهذا للتأكيد والاقرار المطلق يلزمه ويؤاخذ به المقر على المذهب المشهور وخرج فيه وجه أنه لا يلزمه حتى يسأل المقر عن سبب اللزوم لان الاصل براءة الذمة والاقرار ليس موجبا في نفسه وأسباب الوجوب مختلف فيها فربما ظن ما ليس بموجب موجبا وهذا كما أن الجرح المطلق لا يقبل وكما لو اقر بان فلانا وارثه لا يقبل حتى يبين جهة الوراثة ولو قال وهبت منك كذا أو خرجت منه إليك لم يكن مقرا بالقبض لجواز أن يريد الخروج منه بالهبة وعن القفال أنه مقر بالقبض لانه نسب إلى نفسه ما يشعر بالاقباض بعد العقد المفروغ عنه ولو أقر الآن بعين مال لابنه فيمكن أن يكون مستند اقراره ما يمنع الرجوع الجزء: 11 ¦ الصفحة: 160 ويمكن أن يكون مستنده مالا يمنع وهو الهبة فهل له الرجوع عن الماوردى وأبى الطيب أنهما أفتيا بثبوت الرجوع تنزيلا الاقرار على أضعف الملكين وأدنى السببين لما ينزل على أقل المقدارين عن الشيخ العبادي أنه لا رجوع لان الاصل بقاء الملك للمقر له ويمكن أن يتوسط فيقال أن أقر بانتقال الملك منه إلى الابن فالامر كما قال القاضيان وان أقر بالملك المطلق فالامر كما قال العبادي ولو أقر في وثيقة انه لا دعوى له على فلان ولا طلب بوجه من الوجوه ولا سبب من الاسباب ثم قال انما اردت في عمامته أو قميصه لافى داره وكرمه قال القاضى أبو سعيد بن يوسف هذا موضع تردد والقياس أنه يقبل لان غايته تخصيص عموم وهو محتمل (الثانية) المقر به المجهول قد تمكن معرفته من غير رجوع إلى المقر وتفسيره وذلك بان يحيله على معروف وذلك ضربان (أحدهما) أن يقول له على من الدراهم بوزن هذه الصنجة أو بالعدد المكتوب في كتاب كذا أو بقدر ما باع به فلان عبده وما أشبه ذلك فيرجع إلى ما أحال عليه (والثانى) أن يذكر ما يمكن استخراجه من الحساب فمن أمثلته مسألة المفتاح وهو أن يقول لزيد على الف درهم إلا نصف مالا بينه على ولا بينه على الف إلا ثلث ما لزيد على ولمعرفته طرق (أحدها) أن يجعل لزيد شيئا ويقول للابن الف إلا ثلث شئ فيأخذ نصفه وهو خمسمائة الا سدس شئ ويسقط من الالف يبقى خمسمائة وسدس شئ وذلك يعدل شيئا فالمفروض لزيد لانه جعل له الفا إلا نصف ما لابنه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 161 فسقط سدس شئ لسدس شئ يبقى خمسة أسداس شئ في مقابلة خمسمائة فيكون الشئ التام ستمائة وهو ما لزيد فإذا أخذت ثلثها وهو مائتين وأسقطته من الالف فبقي ثمانمائة وهى ما أقر به للاثنين (والثانى) أن يجعل لزيد ثلاثا أشياء لاستثنائه الثلث منه ويسقط ثلثها من الالف المضاف إلى الابن فيكون لهما الف ناقص شئ، ثم تأخذ نصفه وهو خمسمائه قصة نصف شئ وتزيده على ما فرضناه لزيد وهو ثلاثة أشياء تكون خمسمائة وستين ونصف شئ وذلك يعدل الالف درهم فسقط خمسمائة بخمسمائة تبقى خمسمائة في مقابلة ستين ونصف شئ فيكون الشئ ما بين وقد كان لزيد ثلاثة أشياء فهى اذن ستمائة (والثالث) أن تقول استثني من أحد الاقرارين النصف ومن الآخر الثلث فيضرب مخرج احدهما في مخرج الآخر يكن ستة ثم ينظر في الجزء المستثني من الاقرارين وكلاهما واحد فتضرب واحدا في واحد يكون واحد اتنقصه من الستة يبقى خمسة فتحفظها وتسميها المقسوم عليه ثم تضرب ما يبقى من مخرج كل واحد من الجزءين بعد اسقاطه في مخرج الثاني وذلك بان تضرب ما يبقي في مخرج النصف بعد النصف وهو واحد في مخرج الثلث وهو ثلاثة يحصل ثلاثة تضربها في الالف المذكور في الاقرار يكون ثلاثة آلاف تقسمها على العدد المقسوم عليه وهو خمسة يخرج نصيب الواحد وهو ستمائة وهو ما لزيد وتضرب ما يبقى في مخرج الثلث بعد الثلث وهو اثنان في مخرج النصف وهو اثنان يكون اربعة تضربها في الالف يكون اربعة ألاف تقسمها على الخمسة يخرج من القسمة ثمانمائة فهو ما للابن. ولو قال لزيد على عشره إلا ثلثي ما لعمرو ولعمرو عشرة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 162 إلا ثلاثة أرباع ما لزيد تضرب المخرج في المخرج يحصل اثنى عشر ثم تضرب أحد الجزءين في الباقي وهو اثنين في ثلاثة يكن ستة تسقطها من اثني عشر يبقى ستة تضرب الباقي في مخرج الثلث بعد اخراج الثلثين وهو واحد في اربعة يكون اربعة تضربها في العشرة المذكوة في الاقرار يكون اربعين تقسمها على الستة يكون ستة وثلثين وذلك ما أقر به لزيد ثم يضرب واحد وهو الباقي في مخرج الربع بعد اخراج الارباع الثلاثة في ثلاثة يكون ثلاثة تضربها في العشرة يكون ثلاثين تقسمها على الستة يكون خمسة وهو ما أقر به لعمرو والطريقان الاولان يجريان في أمثال هذه الصور بأسرها (وأما) الطريق الثالثة فانه لا تطرد فيما إذا اختلف المبلغ المذكور في الاقرارين وتخرج فيما إذا كانت الاقارير ثلاثة فصاعدا مثل أن يقول لزيد عشرة الا نصف ما لعمرو ولعمرو عشرة الا ثلث مالبكر ولبكر عشرة الاربع ما لزيد إلى تطويل لا يؤثر ذكره في هذا الموضع. ولو قال لزيد على عشرة الا نصف ما لعمرو ولعمرو ستة الا ربع ما لزيد يكون مقرا لزيد بثمانية ولعمرو باربعة ولو قال لزيد على عشرة الا نصف ما لعمرو ولعمرو عشرة الاربع ما لزيد يكون مقرا لزيد بخمسة وخمسة أسباع ولعمرو ثمانية وأربعة أسباع وقد يصور صدور كل اقرار من شخص بان يدعى مالا على زيد وعلى عمرو فيقول زيد لك على عشرة الا نصف مالك على عمرو ويقول عمرو لك على عشرة الا ثلث ما على زيد فطريق الحساب لا يختلف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 163 (الباب الثالث. في تعقيب الاقرار بما يرفعه) قال (وله صور (الاولى) إذ قال على الف من ثمن خمر أو خنزير أو من ضمان شرط فيه الخيار ففى لزومه قولان يجريان في تعقيب الاقرار بما ينتظم لفظا في العادة ويبطل حكمه. وكذلك إذا قال على الف من ثمن عبد ان سلم سلمت. فعلى قول لا يطالب الا بتسليم العبد. وعلى قول يؤاخذ بأول الاقرار. ولو قال الف لا يلزم يلزمه لانه غير منتظم. وقيل قولان. ولو قال على الف قضيته فالاصح انه يلزمه. وقيل قولان. ولو قال الف ان شاء الله فالاصح أنه لا يلزمه. وقيل قولان. ولو قال الف مؤجل فالاصح أنه لا يطالب في الحال. وقيل قولان. ولو ذكر الاجل بعد الاقرار لم يقبل. ولو قال الف مؤجل من جهة تحمل العقل قبل قولا واحدا. ولو قال من جهة القرض لم يقبل قولا واحدا. ولو قال على الف ان جاء رأس الشهر فهو على القولين إذ وقع لزوم الاقرار بالتعليق. ولو قال ان جاء رأ س الشهر فعلى الف لم يلزمه أصلا. لان الاقرار المعلق باطل (الثانية) إذا قال له على الف ثم جاء بألف وقال هو وديعة عندي قبل. لانه يتصور أن يكون مضمونا عليه بالتعدي وكان لازما عليه. ولا يقبل قوله في سقوط الضمان لو ادعى التلف بعد الاقرار وفيه قول آخر أنه لا يقبل تفسيره بالوديعة أصلا فيلزمه الف آخر. وهو اظهر فيما إذ قال على وفى ذمتي أو قال الف دينا) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 164 يعقب الاقرار بما ينافيه اما بالاستثناء أو غيره (والثانى) ينقسم إلى ما يرفعه أصلا والى غيره (والاول) ينقسم إلى مالا ينتظم لفظا فيلغو والى ما ينتظم فان كان مفصولا لم يقبل وان كان موصولا ففيه خلاف بالترتيب هذا عقد الباب وإذا مرت بك مسائله عرفت أن كل واحدة من أي قبيل هي (أما) الاستثناء فسيأتي حكمه فمن المسائل إذا قال لفلان على الف من ثمن خمر أو كلب أو خنزير نظر ان وقع قوله من ثمن خمر منفصلا عن قوله على الف فتلزمه الالف وان كان موصولا ففيه قولان (أحدهما) وهو اختيار المزني وأبى اسحق انه يقبل ولا يلزمه شئ لان الكل كلام واحد فيعتبر بآخره ولا يتبعض كلامه (والثانى) لا يقبل فيعتبر األه ويلغى آخره لانه وصل باقراره ما يرفع فاشبه ما إذا قال على الف لا تلزمني أو فصل قوله عن ثمن خمر عن الاقرار وبهذا قال أبو حنيفة رحمه الله فعلى هذا لو قال المقر كان ذلك من ثمن خمر وظننته لازما فله تحليف المقر له على نفيه ويجرى القولان فيما إذا وصل باقراره ما ينتظم لفظه في العادة ولكنه يبطل حكمه شرعا إذا أضاف المقر به إلى بيع فاسد كالبيع باجل مجهول وخيار مجهول أو قال تكفلت ببدن فلا شرط الخيار أو ضمنت لفلان كذا بشرط الخيار وما أشبه ذلك في كلام الائمة ذكر مأخذين لهذا الخلاف الجزء: 11 ¦ الصفحة: 165 (أحدهما) بناءه على القولين في تبعيض الشهادة إذا شهد لابنه واجنبي ولك أن تقول هذا لا يشبه مسألة الشهادة لان الشهادة للاجنبي والشهادة للابن أمران لاتعلق لاحدهما بالآخر وأنما قرن بينهما الشاهد لفظا والخلاف فيها شبيه بالخلاف في تفريق الصفقة وأما ههنا فالمذكور أولا مستند إلى المذكور آخرا ولكنه فاسد في نفسه مفسد للاول ولهذا لو قدم ذكر الخمر فقال لفلان على من ثمن الخمر الف لم يلزمه شئ بحال وفى الشهادة لافرق بين أن يقدم الابن أو الأجنبي ثم هب انهما متقاربان لكن ليس بناء الخلاف في الاقرار على الخلاف في الشهادة بأولى من القلب والعكس (والثانى) أنه يجوز بناء هذا الخلاف على الخلاف في حد المدعى والمدعى عليه (ان قلنا) المدعي من لو سكت تر ك فههنا لو سكت عن قوله من ثمن خمر لترك فهو باضافته إلى الخمر مدع فلا يفبل قوله ويحلف المقر له (وان قلنا) المدعى من يدعى أمرا باطنا قبل قول المقر لان الظاهر معه وهو براءة الذمة والمقر له هو الذي يدعى أمرا باطنا وهو زوال أصل البراءة ولك أن تقول لو صح هذا البناء لما افترق الحال بين أن يضيفه إلى الخمر موصولا أو مفصولا ولوجب أن يخرج التعقب بالاستثناء على هذا الخلاف وقال الامام رحمه الله بعد ذكر القولين كنت أود لو فصل بين أن يكون المقر جاهلا بان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 166 ثمن الخمر لا يلزم وبين أن يكون عالما فيعذر الجاهل دون العالم لكن لم يصر إليه أحد من الاصحاب. (ومنها) إذا قال على الف من ثمن عبد لم أقبضه إذا سلمه سلمت الالف ففيه طريقان (أحدهما) أن قبول قوله من ثمن عبد لم أقبضه على القولين السابقين وفى قول يقبل ولا يطالب بالالف الا بعد تسليم العبد وفى قول يؤاخذ بأول الاقرار ولا يحكم بثبوت الالف ثمنا وهذا ما أورده في الكتاب (وأصحهما) القطع بالقبول وثبوته ثمنا ويفارق صور القولين فان المذكور آخرا منها يرفع المقر به وههنا بخلافه وعلى هذا فلو قال على الف من ثمن عبد واقتصر عليه ثم قال مفصولا لم أقبض ذلك العبد قبل أيضا لانه علق الاقرار بالعبد والاصل فيه عدم القبض نعم لو اقتصر على قوله لفلان على الف ثم قال مفصولا هو من ثمن عبد لم اقبضه لم يقبل ولا فرق عندنا بين أن يعين العبد فيقول على الف من ثمن هذا العبد إذا سلمه سلمت الالف وبين أن يطلق فيقول من ثمن عبد وقال أبو حنيفة رحمه الله ان عين قبل وأن اطلق للم يقبل ولزمه الالف (ومنها) لو قال على الف قضيته ففيه طريقان (أحدهما) القطع بلزوم الالف لقرب اللفظ من عدم الالتزام فان ما قضاه لا يكون عليه بخلاف قوله من ثمن الخمر فانه ربما يظن لزومه وهذا أصح عند صاحب الكتاب (وأصحهما) عند الجمهور أنه على القولين لان مثله يطلق في العرف والتقدير كان له على الف فقضيته ويجرى الطريقان فيما إذا قال لفلان على الف ابرأنى عنه ولو ادعى عليه الفا فقال قد قضيته فالمشهور ما ذكرناه في الباب الاول وهو انه اقرار وجعله أبو على البندنيجى بمثابة ما لو قال على الف قضيته (ومنها) إذا قال على الف ان شاء الله فالصحيح أنه لا يلزمه شئ لانه لم يلزم بالاقرار وقد علقه على المشيئة وهى غيب عنا وأيضا فان الاقرار اخبار عن واجب سابق والواقع لا يتعلق بالغير وعن صاحب التقريب ان من الاصحاب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 167 من جعله على الخلاف فيما إذا قال من ثمن خمر لانه لو اقتصر على أول الكلام لكان اقرارا جازما ولو خرجوا طريقا آخر جازما باللزوم لكان قريبا بناء على أن تعليق السابق لا ينتظم وبهذا قال احمد. ولو قال على الف ان شئت أو شاء فلان فالمشهور بطلان الاقرار وقال الامام رحمه الله الوجه تخريجه على القولين لانه نفي بآخر كلامه مقتضى أوله قال وليس ذلك كقوله ان شاء الله وان شاء زيد فان مثل هذا الكلام يطللق للالتزام في المستقبل ألا ترى أنه لو قال لك على كذا ان رددت عبدى الابق كان ذلك التزاما في المستقبل ولو قال على الف إذا جاء رأس الشهر أو إذا قدم فلان اطلق مطلقون أنه لا يكون اقرارا لان الشرط لا أثر له في ايجاب المال والواقع لا يعلق بالشرط وذكر الامام رحمه الله وغيره أنه على القولين لان صدر الكلام صيغة التزام والتعليق يرفع حكمه ويمكن أن يكون اطلاق من أطلق اقتصارا على الاظهر من القولين في المسألة وهذا إذا أطلق وقال قصدت التعليق أما إذا قال قصدت به كونه مؤجلا إلى رأس الشهر فسيأتي ولو قدم التعليق فقال ان جاء رأس الشهر قبل فعلى الف لم يلزمه شئ لانه لم توجد صيغة التزام جازمة نعم لو قال أردت به التأجيل برأس الشهر قبل وفى التتمة حكاية وجه أن مطلقه يحمل على التاجيل برأس الشهر وبهذا أجاب فيما إذا أخر صيغة التعليق فقال على الف إذا جاء رأس الشهر ولم يذكر غيره فيجوز أن يعلم لذلك قوله في الكتاب لم يلزمه أصلا - بالواو - وكذا قوله في الصورة الاولى فهو على قولين أيضا ولعلك تقول ما حكيت في صورة التعليق افهمني أن ظاهر المذهب بطلان الاقرار فيما إذا قال من ثمن الخمر والخنزير ان الاصح عند العراقيين وغيرهم لزوم ما أقر به فهل من فارق (والجواب) أنه يمكن أن يقال دخول الشرط على الجملة يصير الجملة جزأ من الجملة الشرطية والجملة إذا صارت جزأ من جملة أخرى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 168 تغير معناها (وقوله) من ثمن خمر أو خنزير لا يغير معنى صدر الكلام وانما هو بيان جهته فلا يلزم من أن لايبعض الاقرار عند التعليق بل يلغى تحرزا من اتخاذ جزء الجملة جملة برأسها أن لا ينبعض في الصورة الاخرى (ومنها) لو قال على الف مؤجل إلى وقت كذا نظر ان ذكر الاجل مفصولا لم يقبل وان ذكره موصولا ففيه طريقان كالطريقين فيما إذا قال ألف من ثمن عبد لم أقبضه والظاهر القبول وبه قال أحمد وإذا قلنا لا يقبل فالقول قول المقر له مع يمينه في نفى الاجل وبه قال أبو حنيفة رحمه الله واعلم لذلك (قوله) في الكتاب لا يطالب في الحال بالحاء قال الامام وموضع الطريقين ما إذا كان الدين المقر به مطلقا أو مستندا إلى سبب وهو بحيث يتعجل ويتأجل (أما) إذا استند إلى جهة لاتقبل التأجيل كما إذا قال ألف أقرضنيه مؤجلا فيلغو ذكر الاجل بلا خلاف وان أسند إلى جهة يلازمها التأجيل كالدية المضروبة على العاقلة فان ذكر ذلك في صدر إقراره بان قال قتل ابن عمى فلانا خطأ ولزمني من دية ذلك القتل كذا مؤجلا إلى سنة انتهاؤها كذا فهو مقبول لا محالة وان قال علي كذا م جهة تحمل العقل مؤجلا إلى وقت كذا فطريقان (أحدهما) القطع بالقبول لانه كذلك يثبت (والثانى) أنه على القولين والطريق الاول هو المذكور في الكتاب لكن الثاني أظهر لان أول كلامه ملزم لو اقتصر عليه وهو في الاسناد إلى تلك الجهة مدع كما في التأجيل. (فرع) لو قال بعتك أمس كذا فلم تقبل فقال قد قبلت فهو على قولى تبعيض الاقرار ان بعضناه فهو مصدق بيمينه في قوله قبلت وكذا الحكم فيما إذا قال لعبده أعتقتك على ألف فلم تقبل ولامرأته خالعتك على الف فلم تقبلي وقالا قبلنا. (فرع) إذا قال إنى الآن بما ليس على لفلان على الف أو ما طلقت امرأتي ولكن أقر بطلاقها فأقول طلقتها عن الشيخ أبى عاصم أنه لا يصح اقراره وقال صاحب التتمة الصحيح انه كما قال على الف لا يلزمني لفلان ولو قال على الف وزعم أنه وديعة فاما أن يذكر ذلك منفصلا أو متصلا (الحالة الاولى) وهى المذكورة في الكتاب أن يذكره منفصلا فان اتى بألف بعد اقراره وقال أردت هذا وهو وديعة عندي فقال المقر له هو وديعة ولى عليك الف آخر دينا وهو الذى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 169 أردته باقرارك ففيه قولان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وأحمد أن القول قول المقر له فما أتى به وديعة وعليه الف دينا لان كلمة علي تقتضي الثبوت في الذمة ولهذا ولو قال على ما على فلان كان ضامنا والوديعة لا تثبت في الذمة فلا يجوز التفسير بها (وأصحهما) أن القول قول المقر مع يمينه لان الوديعة يجب حفظها والتخلية بينها وبين المالك فلعله أراد بكلمة على الاخبار عن هذا الواجب ويحتمل أيضا أنه تعدى فيها حتى صارت مضمونة عليه فلذلك قال هي على وأيضا فقد تستعمل على بمعنى عندي وفسر بذلك قوله تعالى مخبرا (ولهم على ذنب) وحكى الامام طريقة قاطعة بالقول الثاني والمشهور اثبات القولين وقد نسبهما الشيخ أبو حامد إلى نصه في الام ولو كان قد قال على الف في ذمتي أو ألف دينا ثم جاء بألف وفسر كما ذكرنا فان لم تقبل في الصورة الاولى فههنا أولى وان قبلنا هناك فوجهان (أحدهما) يقبل لجواز أن يريد الالف في ذمته ان تلفت الوديعة لانى تعديت فيها (وأصحهما) أنه لا يقبل والقول قول المقر له مع يمينه لان العين لا تثبت في الذمة (وقوله) في الكتاب تفريعا على قبول التفسير بالوديعة فلا يقبل قوله في سقوط الضمان لو ادعى التلف أراد به ما ذكره الامام من أن الاصحاب قالوا الالف مضمون وليس بأمانة لان قوله على يتضمن الالزام فلو ادعى تلف الالف الذى زعم أنه وديعة لم يسقط الضمان عنه ولو ادعى رده لم يصدق لانه ضامن وانما يصدق المؤمن والمفهوم من هذا الكلام أنه لا يصدق في دعوى تلفه بعد الاقرار أو رده لكن فيه إشكال توجيها ونقلا أما التوجيه فان كلمة على يجوز أن يريد بها صيرورتها مضمونة عليه لتعديه ويجوز أن يريد بها وجوب الحفظ والتخلية ويجوز أن يريد بها عندي كما سبق وهذان المعنيان لا ينافيان الامانة وأما النقل فلان قضية ايراد غيرهما أنه ان ادعى أنه تلف أو رده قبل الاقرار لم يصدق لان التالف والمردود لا يكون عليه بمعنى من المعاني فان ادعى التلف بعد الاقرار فيصدق وقد صرح به صاحب الشامل في موضعين من الباب (الحالة الثانية) أن يذكره على الاتصال فيقول لفلان على الف وديعة وتأويل كلامه على ما مر وعن الشيخ أبى اسحق أنه على القولين فيما لو قال على الجزء: 11 ¦ الصفحة: 170 الف قضيته وهو متوجه تفريعا على عدم القبول حالة الانفصال (وإذا قلنا) القبول فإذا أتى بألف وقال هذا هو فبع به وان لم يأت بشئ وادعى التلف أو الرد ففى القبول وجهان بناهما في التهذيب على تأويل كلمة على ان حملناها على وجوب الحفظ قبل وهو الاصح وان حملناها على صيرورته مضمونا عليه فلا يحوز ان يثبت في الحالة الاولى مثل هذا الخلاف نظرا إلى المعنيين ولو قال معى أو عندي الف فهو محتمل للامانة مصدق في قوله انه كان وديعة وفى دعوى التلف والرد ولو قال له عندي الف درهم مضاربة دينا أو وديعة دينا فهو مضمون عليه ولا يقبل قوله في دعوى التلف والرد نص عليه ووجهوه بان كونه دينار عبارة عن كونه مضومنا فان قال أردت به أنه دفعه إلى مضاربة أو وديعة بشرط الضمان لم يقبل قوله لان شرط الضمان في الامانة لا يوجب الضمان هذا إذا فسر منفصلا وان فسره متصلا ففيه قولا تبعيض الاقرار ولو قال عندي الف عارية فهى مضمونة عليه صححنا اعارة الدارهم أو أفسدناها لان الفاسد كالصحيح في الضمان ولو قال دفع إلى الفا ثم فسره بوديعة وزعم تلفها في يده صدق بيمينه وكذا لو قال أخذت منه الفا وقال أبو حنيفة رحمه الله إذ قال اخذت منه الفا ثم فسره بوديعة وقال المأخوذ منه بل غصبته فالقول قول المقر له لان الاخذ منه قد لا يكون برضاه ودفعه يكون برضاه وعن القفال انه قال المذهب عندي انه يفرق بين اللفظين كما قال أبو حنيفة رحمه الله ولو ذكره على الاتصال فقال أخذت من فلان الفا وديعة فعند أبى حنيفة لا يقبل وعلى ما ذكره القفال يجئ فيه القولان في تبعيض الاقرار وظاهر المذهب لا يخفى. قال (الثالثة إذا قال هذه الدار لك عارية قبل لان الاضافة باللام تحتمل العارية إذا وصل به. وقيل وفيه قولان. ولو قال هي لك هبة ثم قال أردت هبة قبل القبض قبل أيضا ولو قال وهبت وأقبضت. أو رهنت أو قبضت ثم قال كذبت لم يقبل. ولو قال ظنت أن القبض بالقول قبض. أو شهدت على الصك على العادة. وهل تقبل دعواه ليحلف الخصم فيه خلاف. ولو أقر ثم قال لقنت بالعربية وهو عجمى لا يفهم قبل دعواه بالتحليف) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 171 الفصل يشتمل على ثلاث مسائل (احدها) إذا قال هذه الدار لك عارية فهو اقرار بالاعارة وله الرجوع عنها وقال صاحب القريب هي لك اقرار بالمالك لو اقتصر عليه وذكر العارية معه ينافيه فيكون على القولين في تبعيض الاقرار واجابوا عنه الاضافة باللام تقتضي الاختصاص بالملك أو غيره فان تجردت وامكن الحمل على الملك حمل عليه لانه اظهر وجوه الاختصاص وان وصل بها وذكر وجها آخر من الاختصاص أو لم يمكن الحمل على الملك كقولنا الجل للفرس حمل عليه ولو قال هذه الدار لك هبة عارية باضافة الهبة إلى العارية أو هبة سكني فهو كما لو قال لك عارية بلا فرق (الثانية) الاقرار بالهبة لا يتضمن الاقرار بالقبض على المشهور وفى الشامل ذكر خلاف في المسالة إذا كانت العين في يد الموهوب منه وقال اقبضتني ولو قال وهبته وخرجت منه إليه فقد مر ان الظاهر انه ليس باقرار بالقبض ايضا وكذا لو قال وهبت منه وملكها قاله في التهذيب اما إذا اقر بالقبض مع الهبة فقال وهبت واقبضت أو سلمته منه أو حازه منى لزمه الاقرار فلو عاد وانكر القبض وذكر لاقراره تأويلا أو لم يذكره فهو كما ذكرنا في الرهن إذا قال رهنت واقبضته ثم عاد وانكر المذكور في الرهن انه له تحليفه وقيل لا يحلفه الا ان يذكر للاقرار تأويلا (وقوله) في الكتاب أو رهنت واقبضت كالمكرر لانه اورده ثم الا انه اورد الخلاف ههنا فيما إذا ذكر لاقراره تاريلا وهناك اجاب بالاصح وهو انه يحلف ولو اقر ببيع أو هبة وقبض ثم قال كان ذلك فاسدا واقررت لظنى الصحة لم يصدق لكن له تحليف المقر له فان نكل حلف المقر وحكم ببطلان البيع والهبة ولو اقر باتلاف مال على انسان واشهد عليه ثم قال كنت عازما على الاتلاف فقدمت الاشهاد على الاتلاف لم يلتفت إليه بحال بخلاف مالو اشهد على نفسه ثم قال كنت عازما على ان استقرض منه فقدمت الاشهاد على الاستقراض لان هذا معتاد وذلك غير معتاد (الثالث) اقرار اهل كل لغة بلغتهم إذا عرفوها صحيحة فلو اقر عجمى بالعربية أو بالعكس وقال لم افهم معناه ولكن لقنته فتلقنته صدق بيمينه ان كان ممن يجوز ان لا يعرفه وكذلك الحكم في جميع العقود والحلول وكذا لو اقر ثم قال كنت يوم الاقرار صغيرا وهو محتمل صدق بيمينه إذ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 172 الاصل الصغر وكذلك لو قال كنت مجنونا وقد عهد له جنون ولو قال كنت مكرها وثم امارات الاكراه من حبس أو توكيل فكذلك وان لم تكن امارة لم يقبل قوله والامارة انما تثبت باقرار المقر له أو بالبينة وانما تؤثر إذا كان الاقرار لمن ظهر منه الحبس والتوكيل اما إذا كان في حبس زيد لم يقدح ذلك في الاقرار لعمرو ولو شهد الشهود على إقراره وتعرضوا لبلوغه وصحة عقله واختياره فادعي المقر خلافه لم يقبل لما فيه من تكذيب الشهود ولا يشترط في الشهادة التعرض للبلوغ والعقل والطواعية والحرية الرشد ويكتفي بان الظاهر وقوع الشهادة على الاقرار الصحيح وفى مجهول الحرية قول انه يشترط التعرض للحرية وخرج منه اشتراط التعرض لسائر الشروط والمذهب الاول قال الائمة وما يكتب في الوثائق انه اقرطائعا مع صحة عقله وبلوغه احتياط ولا تقيد به شهادة الاقرار لكون طائعا واقام الشهود عليه بينة على كونه مكرها قدم بينة الاكراه ولا تقبل الشهادة على الاكراه مطلقا بل لابد من التفصيل (وقوله) في الكتاب في مسالة التلقين تقبل دعواه التحليف انما قيد اللفظ فيما لا يصدق فيه الشخص لكنه يحلف فيه الخصم وههنا هو مصدق على ما بينا. قال (الرابعة إذا قال الدار لزيد بل لعمرو وسلم إلى زيد ويغرم لعمرو في اقيس القولين. ولو قال غصبتها من زيد وملكها لعمروا ويبرا بالتسليم إلى زيد فلعله مرتهن أو مستاجر) . فيها مسالتان (احداهما) إذا قال غصبت هذه الدار من زيد لابل من عمرو أو قال غصبت هذه الدار من زيد وغصبها زيد من عمرو أو قال هذه الدار لزيد لابل لعمرو فئسلم الدار لزيد وهل يغرم المقر قيمتها لعمرو فيه قولان منصوصان (احدهما) وهو الذى نقله في المختصر في الصورة الاولى انه لا يغرم لانه اعترف للثاني بما يدعيه وانما منع الحكم من قبوله وايضا فان الاقرار الثاني صادف ملك الغير فلا يلزمه شئ كما لو اقر لعمرو بالدار التى هي في يد زيد لعمرو (والثانى) انه يغرم وبه قال احمد لانه حال عمرو وبين داره باقراه الاول والحيلولة تثبت الضمان بالاتلاف الا ترى انه لو غصبت عبدا فابق من يده ضمنه وهذا اصح عند الاكثرين وفى الصورة الثالثة طريقة قاطعة بانه يجب الغرم مذكورة في التهذيب والتتمة موجهة بانه لم يقر بجناية في ملك الغير بخلاف الصورتين الاولتين فانه اقر فيهما بالغصب فضمن لذلك وقال أبو حنيفة رحمه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 173 الله إذا قال غصبت هذه الدار من فلان بل من فلان غرم للثاني ولو قال هذه لفلان بل لفلان لا يغرم للثاني فيجوز ان يعلم لذلك (قوله) في الكتاب ويغرم لعمرو بالحاء ويجوز ان يعلم (قوله) على اقيس القولين بالواو اشارة إلى الطريقة القاطعة بنفي الغرم واختلفوا في الموضع القولين حيث ثبتنا فقال قائلون هما مخصومان بما إذا انتزعها الحاكم من يد المقر وسلمها إلى زيد فاما إذا سلمها إلى زيد بنفسه غرمها لعمرو بلا خلاف وقال آخرون يجريان في الحالين لان سبب انتزاع القاضي ايضا اقراره ولو باع عينا واقبضها واستوفى الثمن ثم قال كنت قد بعته من فلان أو غصبته لم يقبل قوله على المشترى وفى غرامته القيمة للمقر له طريقان (احدهما) انه على القولين (اصحهما) عند صاحب التهذيب ورواه الماسرخسى عن ابن ابى هريرة القطع بانه يغرم لتفويته عليه بتصرفه وتسليمه لانه استوفى عوضه وللعوض مدخل في الضمان الا ترى انه لو غر بحرية امة فنكحها واحبلها ثم اجهضت بجناية جان يرغم المثرر المغرور الجنين لمالك الجارية لانه ياخذ الغرة ولو سقط ميتا من غير جناية لا يغرم وينبنى على هذا الخلاف ان المدعى العين المبيعة هل له دعوى القيمة عللى البائع مع بقاء العين في يد المشترى (ان قلنا) لو اقر يغرمه القيمة فله دعواها والا فلا ولو كان في يد انسان عين فانتزعهاا منه مدع بيمينه بعد نكول صاحب اليد ثم جاء آخر يدعيها هل له طلب القيمة من الاول (ان قلنا) النكول ورد اليمين كالبينة فلا كما لو كان الانتزاع بالبينة وان جعلناهها كلاقرار ففى سماع دعوى الثاني عليه القيمة الخلاف (الثانية) إذا قال غضبت هذه الدار من زيد وملكها لعمرو سلمت الدار إلى زيد لانه اعترف له باليد (والظاهر) كونه حقاا فيها ثم الخصومة في الدار تكون بين زيد وعمرو ولاتقبل شهادة المقر لعمرو لانه غاصب وفى غرامته لعمرو طريقان (احدهما) انه على القولين فيما إذا قال غصبتها من زيد المقر لا بل من عمرو واختاره في التهذيب (واصحهما) القطع بانه لا يرغم لان الاقرارين هناك متنافين والاقرار الاول مانع من الحكم بالثاني وههنا لا منافاة لجواز ان يكون الملك لعمر وتكون في يد زيد باجارة أو رهن أو وصية بالمنافع فيكون الآخذ منه غاصبا منه ولو اخر ذكر الغصب فقال هذه الدار ملكها لعمرو وغصبتها من زيد فوجهان (اظهرهما) ان الحكم كما في الصورة الاولى لعدم التنافى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 174 فتسلم إلى زيد ولا يغرم لعمرو (والثانى) انه إذا اقر بالملك اولا لم يقبل إقراره باليد لغيره فتسلم إلى عمرو وفى الغرم لزيد القولان هكذا اطلقوه وفيه مباحثة لانا إذا غرمنا المقر في الصورة السابقة للثاني فانا نغرمه القيمة لانه اقر بالملك وههنا جعلناه مقرا باليد دون الملك فلا وجه لتغريمه القيمة بل القياس ان يسأل عن يد اكانت باجارة أو برهن أو غيرهما فان اسندهها إلى الاجارة غرم قيمة المنفعة وان اسندها إلى الرهن غرم قيمة المرهون ليتوثق به في دينه وكانه اتلف المرهون ثم ان وفى الدين من موضع آخر فترد القيمة عليه (وقوله) في الكتاب يبرأ بالتسليم إلى زيد يجوز اعلامه بالواو لانه اراد البراءة عن الغرم لعمرو على ما هو بين في الوسيط وقد عرفت الخلاف فيه. (فرع) إذا قال غصببت هذه العين من احدكما فيطالب بالتعيين فانه عين احدهما سلمت إليه وهل للثاني تحليفه ينبنى على انه لو اقر للثاني هل يغرم له القيمة (ان قلنا) لا فلا (وان قلنا) نعم فنعم لانه ربما يقر له إذا عرضت اليمين عليه فيغرم فعلى هذا ان نكل ردت اليمين على الثاني وإذا حلف فليس له الا القيمة ومنهم من قال (ان قلنا) النكول ورد اليمين كالاقرار منن المدعى عليهه فالجواب كذلك اماا إذا قلنا كالبينة فتنتزع الدار من الاول وتسلم إلى الثاني ولا غرم عليهه للاول وعلى هذا فله التحليف (وان قلنا) لا يرغم القيمة لو اقر للثاني طمعا في ان ينكل فيحلف المدعى وياخذذ العين وان قال المقر لا ادرى من ايكما غصبت واصر عليه فان صدقاه فالعين موقوفة بينهما حتى يتبين المالك أو يصطلحا وكذا ان كذباه وحلف لهما على نفى العلم هذا ظاهر المذهب في الفرع وللشيخ ابى على فيه تطويل في شرح الفروع لكنه لم يتنقح لى تنقيح كلامه فتركته. قال (الخامسة إذا استثنى عن الاقرار مالا يستغرق صح كقوله على عشرة الا تسعة يلزمهه واحد. ولو قال عشرة الا تسعة الا ثمانية يلزمه تسعة لان الاستثناء من النفى اثبات كما انه منن الاثبات نفى) . الكلام من هذا الموضع إلى آخر الباب في الاستثناء وهو جائز في الاقرار والطلاق وغيرهما بشرط ان يكون متصلا ولا يكون متفرقا فان سكت بعد الاقرار طويلا أو تكلم بكلام اجنبي عما هو فيهه ثم استثنى لم ينفع الاستثناء ولو استغرق فقال عشرة الا عشرة فعليه العشرة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 175 لان هذا الاستثناء غير منتظم في البيان ولو قال على عشرة الا تسعة أو سواء واحد صح الاستثناء ولزمه في الصورة الاولى درهم وفى الثانية تسعة ولا فرق بين استثناء الاقل من الاكثر وبين عكسه وعن احمد انه لا يجوز استثناء الاكثر من الاقل (فقوله) في الكتاب يلزمه واحد يصح اعلامه بالالف لذلك ويصح اعلامه بالميم لان في التتمة ان مالكا لا يصح عنده استثناء الآحاد من العشرات ولا المئين من الالوف وانما يصح استثناء العشرات من المئين والالوف وفى الذخيرة للبندنيجى ان مالكا لا يصحح الاستثناء في الاقرار اصلا ثم الاستثناء من الاثبات نفى ومن النفى اثبات لانه مشتق من الثنى وهو الصرف انما يكون من الاثبات إلى النفى وبالعكس فلو قال عشرة الا تسعة الا ثمانية فعليه تسعة المعنى الا تسعة لا يلزم الا ثمانية فتلزم فتكون الثمانية والواحد الباقي من العشرة والطريق فيه وفى نظائره ان يجمع كل ما هو اثبات وكل ما هو نفى فيسقط المنفى من المثبت فيكون الباقي هو الواجب فالعشرة في الصورة المذكورة والثمانية مثبتتان يجمعهما وبسقط التسعة المنفية من المجموع يبقى تسعة ولو قال عشرة الا تسعة الا ثمانية الا سبعة وهكذا إلى الواحد فعليه خمسة لان الاعداد المثبتة ثلاثون والمنفية خمسة وعشرون قال الامام وطريق تمييز المثبتات من المنفيات ان ينظر إلى العدد المذكور اولا فان كان شفعا فالاوتار منفية والاشفاع مثبتة وان كان وترا فالعكس ولهذا شرط وهو ان تكون الاعداد المذكورة على التوالى الطبيعي أو يتلو كل شفع منها وترا وبالعكس ولو قال ليس لفلان على شئ الا خمسة فعليه خمسة ولو قال ليس له على عشرة الا خمسة لم يلزمه شئ عند الاكثرين لان عشرة الا خمسة خمسة فكأنه قال ليس على خمسة وفى النهاية وجه آخر انه يلزمه خمسة بناء على ان الاستثناء من النفى اثبات ولو اتى باستثناء بعد استثناء والثانى مستغرق صح الاول وبطل الثاني مثاله قال على عشرة الا خمسة الا عشرة أو عشرة الا خمسة الا خمسة يلزمه خمسة وان كان الاول مستغرقا كقوله عشرة الا عشرة الااربعة فيه ثلاثة اوجه (احدها) يلزمه عشرة ويبطل الاستثناء الاول لاستغراقه والثانى يلزمه اربعة ويصح الاستثناء آن لان الكلام انما يتم بآخره وآخره يخرج الاول عن كونه مستغرقا ويصيره كانه استثنى من الجزء: 11 ¦ الصفحة: 176 اول الكلام ستة قال في الشامل وهذا اقيس (والثالث) يلزمه ستة لان الاستثناء الاول باطل لاستغراقه فيكون وجوده كعدمه ويرجع الاستثناء إلى اول الكلام ولو قال على عشرة الا عشرة الا خمسة فعلى الوجه الاول يلزمه عشرة وعلى الاخيرين خمسة هذا إذا لم يكن في الاستثناء عطف اما إذا قال عشرة الا خمسة والا ثلاثة أو على عشرة الا خمسة وثلاثة فهما جمعا مستثنيان من العشرة ولا يلزمه الا درهمان فان كان العدد ان بحيث لو جمعا حصل الاستغارق كما إذا قال على عشرة الا سبعة وثلاثة فيلزمه عشر لان الواو تجمعهما وتوجب الاستغراق أو يخص الثاني بالبطلان لان الاول صح استثناؤه والثانى مثل العدد الباقي فهو المستغرق فيه وجهان قال الشيخ أبو على (اصحهما) الثاني وراى ان يفرق بين قوله عشرة الا سبعة وثلاثة وبين قوله عشرة الا سبعة الا ثلاثة فيقطع في الصورة الثانية بالبطلان لانهما استثنا آن مستقلان فيحصل من ذلك وجه ثالث فارق ومهما كان في المستثنى والمستثنى منه عدد ان معطوف احدهما على الاخر ففى الجمع بينهما وجهان كما الصورة السابقة اصحهما ويحكى عن نصه في الطلاق وبه اجاب ابن الحداد والاكثرون انه لا يجمع لان الوالو العاطفة وان اقتضت الجمع لكنها لا تخرج الكلام عن كونه ذا جملتين من جهة اللفظ والاستثناء ويدور على اللفظ مثاله إذا قال على درهمان ودرهم الا درهمان ان لم يجمعه لزمه ثلاثة لانه استثنى درهمان من درهم وان جمعنا لزمه درهم فكان الاستثناء مستغرقا ولو قال ثلاثة الا درهما ودرهمين فان لم نجمع لزمه درهمان وان جمعتا فثلاثة ولو قال درهم فدرهم ودرهم الا درهما ودرهما ودرهما لزمه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 177 ثلاثة على الوجهين لاناا ان جمعنا جمعنا من الطرفين وان لم نجمع كان مستثنيا درهما من درهم وحكم هذه الصورة في الطلاق كحكمها في الاقرار وقد ذكر صاحب الكتاب اكثرها في الطلاق ولو قال على عشرة الا خمسة أو ستة قال في التتمة يلزمه اربعة لان الدرهم الزائد مشكوك فيه فصار كما لو قال خمسة أو ستة يلزمه الا خمسة ويمكن ان يقال يلزمه خمسة لانه اثبت العشرة واستثنى منه خمسة واستثنى درهم زاد مشكوك فيه فلو قال على درهم غير دانق فقضية النحو وبه قال بعض الاصحاب انه ان نصب غير فعليه خمسة دوانيق لانه استثناء والا فعليه درهم تمام إذ المعنى عليه درهم لاداقنق وقال الاكثرون السابق إلى فهم اهل العرف منه الاستثناء فيحمل عليه وان أخطأ في الاعراب والله اعلم. قال (السادسة الاستثناء من غير الجنس صحيح كقوله على الف درهم لاوب معناه قيمة ثوب. ثم ليفسر بما ينقص قيمته عن الالف. فلو استغرق بطل تفسيره في وجه. واصل استثناؤه في وجه) . الاستثناء من غير جنس صحيح كما إذا قال على الف درهم الا ثوبا أو عبدا وقال مالك وابو حنيفة لا يصح الا المكيل والموزون والمعدود ويستثنى بعضها من بعض مع اختلاف الجنس وقال احمد لا يصح ذلك بحال وحجة المذهب مشهورة في الاصول ثم عليه ان يبين ثوبا وتستغرق قيمته الالف فان استغرق فالتفسير لغو وفى الاستثناء وجهان (احدهما) انه لا يبطل لانه صحيح من حيث اللفظ وانما الخلل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 178 فيما فسر به اللفظ فيقال له هذا التفسير غير صحيح ففسره صحيح (والثانى) انه يبطل الاستثناء ويلزمه الالف لانه بين ما اراد باللفظ فكأنه تلفظ به والوجه الاول اصح عند صاحب التهذيب وقال الامام وغيره الثاني اصح وهو الاشبه ويصح استثناء المجمل من المجمل والمجمل من المفضل وبالعكس فالاول كما إذا قال الف الا شيئا فيبين جنس الالف أو لا ثم يفسر الشئ بما لا يستغرق الالف من الجنس الذى بينه المفسر به (والثانى) كما إذا قال شئ الا درهما يفسر الشئ بما يزيد على الدرهم وان قل وكذا لو قال الف الا درهما ولا يلزمه من استثناء الدرهم ان يكون الالف درهم ومهما بطل التفسير هذا الصورة ففى بطلان الاستثناء الوجهان وان اتفق اللفظ في المستثني والمستثني منه كما إذا قال على شئ الا شيئا أو مال الا مالا فقد حكي الامام الامام عن القاضى وجهين (احدهما) انه يبطل الاستثناء كما لو قال على عشرة الا عشرة (والثانى) لا يبطل لوقوعه على القليل والكثير فلا يمتنع حمل الثاني على اقل ما يتمول وحمل الاول على الزائد على اقل ما يتمول قال وفى هذا التردد غفلة لانا ان الغينا استثناءه اكتفينا باقل ما يتمول وان صححناه الزمناه ايضا اقل ما يتمول فيتفق الجوابان ويمكن ان يقال حاصل الواجب لا يختلف لكن التردد غير خال عن الفائدة فانما إذا ابطلنا الاستثناء لم نطالبه الا بتفسير اللفظ الاول وان نبطله طالباه بتفسيرهما وله آثار في الامتناع من التفسير وكون التفسير الثاني التفسر الثاني صالح للاستثناء الاول وما وما اشبه ذلك. قال (السابعة الاستثناء عن العين صحيح كقوله هذه الدار لفلان الا ذلك البيت. والخاتم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 179 الا الفص. وهؤلاء العبيد الا واحدا. ثم له التعيين. فان ماتوا الا واحدا فقال هو المستثني قبل. وقيل فيه قولان) . صحته من المطلقان كما إذا قال هذه الدار لفلان الا هذا البيت وهذا القميص الا كميه وهذه الدراهم الا هذا الواحد وهذا القطيع الا هذه الشاة ونظائره وفيه وجه انه لا يصح لان الاستثناء المعتاد هو الاستثناء من الاعداد المطلقة واما المعينات فالاستثناء فيها غير معهود ولانه إذا اقر بالمعين كان ناصا على ثبوت الملك فيه فيكون الاستثناء بعده رجوعا والاول ظاهر المذهب وقد نص عليه في بعض الصور المذكورة واقتصر فب الكتاب ههنا على ما هو الظاهر لكنه قال في الطلاق لو قال اربعتكن طوالق الا ثلاثة لم يصح هذا الاستثناء عند القاضى الحسين كما لو قال هؤلاء الا عبد الاربعة لفلان إلا هذا الواحد لم يصح لان الاستثناء في المعين لا يعتاد وأجاب بعدم الصحة من غير ذكر الخلاف والكلام في مسألة الطلاق يأتي في موضعه ولو قال هؤلاء العبيد لفلان الا واحدا فالمستثنى منه معين والمستثنى غير معين وهو الصحيح إذا جوزنا الاستثناء من المعين والرجوع إليه في غير المعين فان ماتوا إلا واحدا فقال هو الذى أردته بالاستثناء قبل قوله مع يمينه لانه محتمل وفيه وجه أنه لا يقبل للتهمة وندرة مثل مثل هذا الاتفاق وهو ضعيف باجماع من نقله (وقوله) في الكتاب قبل وقيل فيه قولان يقتضى أولا أن يكون الخلاف قولا وثانيا إثبات طريقين طريقة جازمة وطريقة خلافية وفيهما نظر من جهة النقل ولو قال غصبتهم إلا واحدا فماتوا الا واحدا فقال هو المستثنى قبل بلا خلاف لان أثر الاقرار ينفى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 180 في الضمان وكذا لو قتلوا في الصورة الاولى الا واحدا لان حقه يثبت في القيمة فلو قال هذه الدار لفلان وهذا البيت منها لى أو هذا الخاتم لفلان وفصه لى قبل لانه اخراج بعض مما يتناوله اللفظ فكان كالاستثناء وقد فرغنا من شرح أبواب الكتاب سوى الاخير ونذكر قبل الشروع فيه مسائل وفروع بقيت علينا مما يورد تعدد في الاقرار وان كان بعضها أجبنا عنه (منها) جارية في يد انسان جاء غيره وقال بعتك هذه الجارية بكذا أو سلمتها اليك فأد الثمن وقال من في يده بل زوجتنيها على صداق كذا وهو على فاما أن يجرى هذا التنازع وصاحب اليد لم يولدها أو يجرى بعد أن أولدها (فاما) في الحالة الاولى فيحلف كل واحد منهما على نفي ما يدعيه الآخر فان حلفا سقط دعوى الثمن والنكاح ولا مهر سواء دخل بها صاحب اليد أو لم يدخل لانه وان أقر بالمهر لمن كان مالكا فهو منكر له وتعود الجارية إلى المالك ثم أحد الوجهين أنها تعود إليه كما يعود المبيع إلى البائع كما لافلاس المشتري بالثمن (والثانى) أنها تعود بجهة أنها لصاحب اليد بزعمه وهو يستحق الثمن عليه فقد ظفر بغير جنس حقه من ماله فعلى هذا يبيعها ويستوفى ثمنها فان فضل شئ فهو لصاحب اليد ولا يحل له وطؤها وعلى الاول يحل له وطؤها والتصرف فيها ولا بد من التلفظ بالفسخ وان حلف أحدهما دون الآخر نظر ان حلف مدعى الثمن على نفى التزويج ونكل صاحب اليد عن اليمين على نفى الشراء حلف المدعى اليمين المردودة على المشتري ووجب الثمن وان حلف صاحب اليد على نفى الشراء ونكل الآخر على نفى التزويج حلف صاحب اليد المردودة على النكاح وحكم له بالنكاح وبان رقبتها للآخر ثم لو ارتفع النكاح بطلاق أو الجزء: 11 ¦ الصفحة: 181 غيره حلت للسيد في الظاهر وكذا في الباطن ان كان كاذبا وعن القاضى الحسين أنه إذا نكل أحدهما عن اليمين المعروضة عليه اكتفى من الثاني بيمين واحدة يجمع فيها بين النفى والاثبات والمذهب الاول (الحالة الثانية) إذا كان قد أولدها صاحب اليد فالولد حر والجارية أم ولد باعتراف المالك القديم وهو يدعى الثمن فيحلف صاحب اليد على نفيه فان حلف على نفى الشراء لسقط عنه الثمن المدعى وهل يرجع المالك عليه بشئ فيه وجهان (أحدهما) أنه يرجع بأقل الامرين من الثمن أو المهر لانه يدعي الثمن وصاحب اليد مقر له بالمهر فالاقل منهما متفق عليه (والثانى) لا يرجع بشئ لان صاحب اليد أسقط الثمن عن نفسه بيمينه والمهر الذى يقر به لا يدعيه الآخر ولا يتمكن من المطالبة به وهل لصاحب اليد تحليف المالك على نفى الزوجية بعد ما حلف على نفى الشراء فيه وجهان (أحدهما) لا لانه لو ادعى ملكها وتزويجها يعد اعترافه بأنها أم ولد لآخر لم يقبل فكيف يحلف على ما لو أقر به لم يقبل (والثانى) نعم طمعا في أن ينكل فيحلف ويثبت له بالنكاح فلو نكل صاحب اليد عن اليمين على نفى الشراء حلف المالك القديم المردودة واستحق الثمن وعلى كل حال فالجارية مقررة في يد صاحب اليد فانها أم ولده أو زوجته وله وطؤها في الباطن وفى الظاهر وجهان (أحدهما) الحل ووجه المنع أنه لا يدري أنه يطأ زوجته أو أمته اعتذر الامام عن هذا النص فقال ليس المنع في هذه الصورة لاختلاف الجهة بل لان الملك في زمن الخيار للمشترى على قول وإذا ثبت الملك انفسخ النكاح والملك الثابت ضعيف لا يقيد حل الوطئ ونفقتها الجزء: 11 ¦ الصفحة: 182 على صاحب اليد إن جوزنا له الوطئ وإلا فوجهان ذكرهما أبو إسحق (احدهما) أنه على المالك القديم لانها كانت عليه فلا يقبل قوله في سقوطها وإن قبل هما عليه وهو زوال الملك وزوال الاستيلاد (وأصحهما) أنها في كسب الجارية ولا يكلف بها المالك القديم كما لا يكلف بنفقة الولد وان كانت حريته مستفادة من قوله أيضا فعلى هذا لو لم يكن لها كسب كانت من محاويج المسلمين ولو ماتت الجارية قبل موت المستولد ماتت رقيقة وللمالك القديم اخذ الثمن مما تركته من اكتسابها لان المستولد يقول انها باسرها له وهو يقول انها للمستولدة وله عليه الثمن فيأخذ حقه منها والفاضل موقوف لا يدعيه أحد وإن ماتت بعد موت المستولد ماتت حرة وما لها لوارثها النسيب فان لم يكن فهو موقوف لان الولاء لا يدعيه واحد منهما وليس للمالك القديم أخذ الثمن من تركتها لان الثمن بزعمه على المستولدة وهى قد عتقت فلا يؤدى دينه بما جمعته بعد الحرية هذا كله فيما إذا أصرا على كلاهما أما إذا رجع المالك القديم وصدق صاحب اليد لم يقبل في حرية الولد وثبوت الاستيلاد ويكون اكتسابها له مادام المستولد حيا فإذا مات عتقت وكان اكتسابها له ولو رجع المستولد وصدق المالك القديم لزمه الثمن وكان ولاؤها له (ومنها) اقرار الورثة على الميت بالدين والعين مقبول كاقراره ولو اقر بعض الورثة عليه بدين وانكر البعض فقولان القديم وبه قال أبو حنيفة رحمه الله ان على المقر أيضا جميع الدين من نصيبه من التركة إن كان وافيا والاصرف جميع نصيبه إليه لان الدين مقدم على الميراث فإذا أقر بدين على الميت لا يحل له شئ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 183 من التركة ما بقى شئ من الدين ويحكى هذا عن ابن سريج واختاره القاضى الرويانى والجديد أنه لا يلزمه من الدين الا نسبة نصيبه من التركة لان الوارث لايقر بالدين على نفسه وانما يقر على الميت بحكم الخلافة عنه وأيضا فان أحد الشريكين في العبد المشترك إذا أقر بجناية لم تلزمه الا بحصته فكذلك ههنا وقال بعض المتلقين عن الشيخ ابن عاصم يجب القطع بأن على المقر توفية جميع الدين مما في يده عند الامكان فان المقر في نصيبه لا يتقاعد عن الأجنبي في جملة التركة ولو أقر أجنبي بدين في التركة يستغرقها لزمه اقراره حتى لو وقعت التركة يوما من الدهر الزم بصرفها إلى ذلك الدين والقولان محمولان على أن باقراره ثبت جميع الدين على الميت تبعا لثوبته على المقر أم لا يثبت الا حصته وفائدته التقدم على الوصية فعلى قول يتقدم جميع الدين المقر به على الوصايا وعلى قول حصته والمشهور الاول (وإذا قلنا) بالجديد فلو مات المنكر ووارثه المقر فهل نلزمه جميع لنقر به الآن فيه وجهان (أصحهما) نعم لحصول جميع التركة في يده ويتفرع على القولين فرعان (أحدهما) لو شهد بعض الورثة بدين على المورث (ان قلنا) لا يلزمه بالاقرار الا حصته تقبل (وان قلنا) الجميع لم تقبل لانه متهم باسقاط بعض الدين عن نفسه ولا فرق بين أن تكون الشهادة بعد الاقرار أو قبله لانه متهم بالعدول من طريق الاقرار إلى طريق الشهادة وعليه اظهار ما على مورثه بأحد الطريقين وعند أبى حنيفة ان شهد قبل الاقرار قبل وان شهد بعده فلا (الثاني) كيس في يد رجلين فيه ألف درهم فقال أحدهما لثالث لك نصف ما في الكيس فيحمل اقراره على النصف الذى في يده أو على نصف ما في يده وهو ربع الجميع فيه وجهان بناء على القولين السابقين وبني على الخلاف فيما إذا أقر أحد الشريكين في العبد المشترك بالسوية بنصفه أنه يحمل على نصيبه أم يوزع النصف الجزء: 11 ¦ الصفحة: 184 المقر بة على النصفين وهذا الخلاف الثاني مذكور في الكتاب في باب العتق (ومنها) مات عن اثنين فأقر أحدهما بأن أباه أوصى لزيد بعشرة فهو كما لو أقر عليه بدين فعلى القديم تتعلق كل العشرة بثلث نصيبه وعلى الجديد يتعلق نصف العشرة بثلث نصيبه وبه قال أبو حنيفة بخلاف ما قال في الاقرار بالدين ولو أقر أحدهما بأنه أوصى بربع ماله وانكر الآخر فعلى المقر أن يدفع ربع ما في يده إلى الموصى له ولو أقر بأنه أوصى بعين من أعيان أمواله نظر ان لم يقتسما التركة فنصيب المقر في تلك العين يصرف إلى الموصى له وان كانت في يد المنكر فللموصى له أخذ نصف القيمة من المقر لانه فوته عليه بالقسمة ولو شهد المقر للموصي له قبلت شهادته ويغرم المشهود عليه نصف قيمة العين كما لو خرج بعض أعيان التركة مستحقا (ومنها) لو قال لعبد أعتقتك على ألف وطالبه بالالف فأنكر العبد وحلف سقط دعوى المال ويحكم بعتق العبد لاقراره وكذلك لو قال بعت منك ابنك بكذا فأنكر فكذلك لاعترافه بصيرورته حرا إذا دخل في ملك أبيه (ومنها) إذا قال لفلان عندي خاتم ثم جاء بخاتم وقال هذا الذى أقررت به فعن الشافعي رضى الله عنه أنه قال في موضع لا يلزمه التسليم قال الاصحاب الاول محمول على ما إذا صدقه المقر له والثانى على ما إذا قال الذى أقررت به غيره وليس هذا لى فلا يسلم ما جاء الجزء: 11 ¦ الصفحة: 185 به إليه والقول قول المقر في نفى غيره. (الباب الرابع في الاقرار بالنسب. ومن هو من أهل الاقرار) قال (إذا قال لغيره هذا ابني به شرط أن لا يكذبه الحس بأن يكون أكبر سنا منه. أو الشرع بأن يكون مشهور النسب. أو المقر له بأن يكون بالغا فينكر. فلو استلحق مجهولا بالغا ووافقه لحق. ولو كان صغيرا لحق في الحال حتى يتوارثان في الصغر. فلو بلغ وأنكر ففى اعتبار انكاره بعد الحكم به خلاف. ولو مات صبى وله مال فاستلحقه ثبت نسبه وورث. وان كان بالغا فاستلحقه بعد الموت ففيه خلاف. لان تأخيره إلى الموت يوشك أن يكون خوفا من انكاره) . الاقرار بالنسبة لا يصح الا إذا كان المقر بالصفات المعتبرة في المقرين كما سبق ثم لا يخلو اما ان يلحق النسب بنفسه أو بغيره (القسم الاول) أن يلحق النسب بنفسه فيشترط فيه أمور (أحدها) أن لا يكذبه الحس ويكون ما لديه ممكنا فلو كان في ممن لا يتصور أن يكون ولدا للمستحق بأن كان أكبر سنا منه أو كان المستحق أكبر ولكن بقدر لا يولد لمثله فلا اعتبار باقراره ولو قدمت الجزء: 11 ¦ الصفحة: 186 امرأه من الروم أو غيرها من بلاد الكفر ومعها صبى فادعاه رجل من المسلمين لحقه إن احتمل أنه خرج إليها أو أنها قدمت قبل ذلك وان لم ينقدح احتمال لم يلحقه (والثانى) ان لا يكذبه الشرع بان يكون المستلحق معروف النسب من غيره لان النسب الثابت من شخص لا ينتقل إلى غيره ولا فرق بين أن يصدقه المستلحق أو يكذبه وفيما جمع من الفتاوى القفال أن المنفى باللعان لا يصح استلحاقه لان فيها شبهة للملاعن (والثالث) أن يصدقه المقر له إذا كان ممن يعتبر تصديقه فان استلحق بالغا فكذبه لم يثبت النسب إلا أن يقيم عليه بينة فان لم تكن بينة حلفه فان حلف سقط دعواه فان نكل المدعى وثبت نسبه حتى يرث نسبه وكذا لو قال رجل لآخر أنت أبى فالقول قول المنكر مع يمينه وان استلحق صغيرا ثبت نسبه حتى يرث منه الصغير لو مات ويرث هو لو مات الصفير وان استلحق صغيرا فلما بلغ كذبه ففيه وجهان (أحدهما) أنه يندفع النسب لانا إنما حكمنا به حين لم يكن انكار (وأظهرهما) أنه لا يندفع لان النسب مما يحتاط له فإذا حكم ثبوته لم يتأثر بالانكار كما لو ثبت بالبينة وعلى هذا فلو أراد المقر تحليفه قال ابن الصباغ ينبغى أن لا يمكن منه لانه لو رجع لم يقبل فلا معنى لتحليفه ولو استلحق مجنونا فافاق وأنكر فهو على الوجهين ولو استلحق مجنونا فافاق وأنكر فهو على الوجهين ولو استلحق صبيا بعد موته لحقه كان له الجزء: 11 ¦ الصفحة: 187 مال أو لم يكن ولم ينظر إلى التهمة بطلب المال بل يورث لان أمر النسب مبني على التغلب ولهذا نثبته لمجرد الامكان حتى أنه لو قتله ثم استلحقه قبل ويحكم بسقوط القصاص وقال أبو حنيفة رحمه الله لايلحقه (وأما) إذا كان بالغا ففيه وجهان لان شرط لحقوق البالغ تقديقه ولا تصديق ولان تأخير الاستلحاق إلى موت يوشك ان يكون خوفا من انكاره وهذا أظهر عند القاضى الحسين وصاحب التهذيب والاكثرون على أنه يلحقه كالصغير ومنعوا كون التصديق شرطا على الاطلاق بل هو شرط إذا كان المستلحق أهلا للتصديق (وأما الكلام الثاني) فهو تمسك بالتهعمة وقد بينا أنه لااعتبار بها في النسب ويجرى الوجهان فيما إذا استلحق مجنونا طرأ جنونه بعد ما بلغ عاقلا ولو ازدحم اثنان فصاعدا على الاستلحاق نظران كان المستلحق بالغا ثبت نسبه ممن صدقه وان كان صبيا لم يلحق بواحد منهما بل الحكم ما هو مذكور في الكتاب في باب اللقيط فإذا عدم زحمة الغير شرط رابع للحوق وهذا كله فيما إذا كان ذكرا حرا (أما) استلحلق المرأة والعبد فسيأتيان في اللقيط ولو استلحق عبد الغير أو معتقته لم يلحقه ان كان صغيرا محافطة على حق الولاء للسيد بل يحتاج إلى البينة وان كان بالغا وصدقه ففيه خلاف نذكره هناك ولو استلحق عبدا في يده نظر ان لم يوجد الامكان بان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 188 كان أكبر سنا منه كفى قوله وان وجد فان كان مجهول النسب لحقه إن كان صغيرا وحكم بعتقه وكذا إن كان بالغا وصدقه وان كذبه لم يثبت النسب وفى العتق وجهان وكذا لو كان المستلحق معروف النسب من غيره (وأما) لفظ الكتاب فقوله التحق به يجوز اعلامه - بالميم - لان البندنيجى حكى عن مالك أنه ان شاع في الناس انه استلحق من ليس ولدا له لم يلحقه وان اجتمعت الشرائط التى ذكرناها (وقوله) أو المقر له ليس فيه الاعتبار عدم التكذيب وهو معتبر لكنه غير مكفى به بل المعتبر تصديقه عند الامكان صرح به صاحب الشامل وغيره وقضيته أنه لو سكت لم يثبت النسب (وقوله) فلو استلحق مجهولا بالغا لفظ المجهول لاضرورة إليه في هذا الموضع فانه قد بين اشتراطه من قبل وإذا كنا في شرط لم نحتج فيه إلى التعرض لسائر الشرائط إلا للايضاح. (فرع) لو استلحق بالغا عاقلا ووافقه ثم رجعا قال ابن أبى هريرة رحمه الله يسقط النسب كما لو أقر بمال ورجع وصدقه المقر له وعن الشيخ أبى حامد أنه لا يسقط لان النسب المحكوم بثبوته لا يرتفع بالاتفاق كما لو ثبت بالفراش. قال (ولو كان له أمتان ولكل واحدة ولد ولا زوج لهما فقال أحدهما ابني علقت به أمه في الجزء: 11 ¦ الصفحة: 189 ملكي طولب بالتعيين. فان عين ثبت نسبه وعتقه وأمية الولد للام. فان مات كان تعيين الوارث كتعيينه. فان عجزنا عنه فالحاق القائف كتعيينه. فان عجزنا فيقرع بينهما فمن خرجت قرعته عتق ولم يثبت نسبه ولا ميراثه إذ القرعة لاتعمل إلا في العتق. وهل يقرع بين الامتين للاستيلاد فيه خلاف من حيث أن أمية الولد فرع النسب وقد أيس عنه. وهل يوقف نصيب ابن من الميراث فيه خلاف لانه نسب أيس من ظهوره فيمتنع التوريث به. ولو كانت له أمة لها ثلاثة أولاد فقال أحدهم ابني فان عين الاصغر تعيين. وان عين الاوسط عتق معه الاصغر وثبت نسبهما. الا أن يدعى استبراء بعد ولادة الاوسط ورأينا ذلك نافيا للنسب. فان مات قبل البيان وعجزنا عن تعيين الوارث والقائف أقرع بينهم. وأدخل الصغير في القرعة. وفائدة خروج القرعة عليه اقتصار العتق عليه والا فهو عتيق في كل حال. وفى وقف الميراث الخلاف الذى مضى) . في الفصل مسألتان تقدم أن من له جارية ذات ولد إذا قال هذا ولدى من هذه الجارية ثبت نسبه عند الامكان وهل تكون الجارية أم ولد فيه قولان ويقال وجهان (أحدهما) لا لاحتمال أنه استولدها بالنكاح ثم ملكها وحينئذ لا تكون أم ولد على أحد القولين (والثانى) نعم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 190 لان الظاهر انه استولدها في الملك لانه حاصل محقق والنكاح غير معلوم والاصل فيه العدم وللمسألة خروج ظاهر على قول يقابل الاصل والظاهر وما الاظهر من الخلاف في المسألة ذكر الشيخ أبو حامد وجماعة أن الثاني أظهر وهو ظاهر نصه في المختصر لكن الاول أقرب إلى القياس وأشبه بقاعدة الاقرار وهى البناء على اليقين ولقربه أعرض الاكثرون عن الترجيح وأرسلوا ذكر الخلاف ومن ذهب البه لم يصعب عليه جعل النص على الصورة الآتية ولو قال انه ولدى ولدته في ملكي فطريقان (أحدهما) القطع بثبوت أمية الولد لتصريحه بالولادة في الملك (وأصحهما) أنه على القولين لاحتمال أن يحبلها قبل الملك بالنكاح ثم يشتريها وتلد بالملك ولو قال انه ولدى استولدتها به في ملكي أو علقت به في ملكى انقطع الاحتمال وكانت أم ولد له لا محالة وكذا لو قال هذا ولدى منها وهى في ملكى منذ عشرين سنة وكان الولد ابن سنة وهذا كله مفروض إذا لم تكن الام مزوجة ولا فراشا أما إذا كانت مزوجة لم ينسب الولد إلى السيد ولم يعتد باستلحاقه للحوقه بالزوج وان كانت فراشا له فان أقر بوطئها فالولد يلحقه بحكم الفراش لا بالاقرار ولا يعتبر فيه الا الامكان ولافرق في الاقرار بالاستيلاد بين أن يكون في الصحة أو في المرض لان انشاءه نافذ في الحالتين إذ تبين ذلك فالمسألة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 191 الاولى إذا كان له امتان لكل واحدة منهما ولد فقال أحدهما ولدى فللامتين أحوال (احداها) أن لا تكون واحدة منهما مزوجة ولا فراشا للسيد فيؤمر بالتعيين كما لو أقر بطلاق احدى امرأتيه فإذا عين أحدهما ثبت نسبه وكان حرا وورثه وهل أمه أم ولد له وان صرح بأنه استولدها في النكاح لم تصرأم ولد وان أضافه إلى وطئ شبهة ففيه قولان يذكران في موضعهما ولو قال استولدتها بالزنا مفصولا عن الاستلحاق لم يقبل وكانت أمية الولد على القولين فيما إذا أطلق الاستلحاق وان وصله باللفظ قال في التهذيب لا يثبت النسب ولا أمية الولد ولك أن تقول ينبغى أن يخرج على قولى تبعيض الاقرار ولو ادعت الامة الاخرى أن ولدها هو الذى استلحقه وأنها التى استولدها فالقول قول السيد مع يمينه ولو ان السيد مات قبل التعيين قام ورثته مقامه في التعيين وحكم تعيينهم حكم تعينه في النسب والحرية والارث وتكون أم المعين مستولدة ان ذكر السيد ما يقتضى ثبوت الاستيلاء والاسئلوا وحكم بيانهم حكم بيان المورث فان قالوا لا نعلم أنه بما استولدها فعلى الخلاف فيما إذا أطلق المستلحق استلحاقه ولو لم يكن وارث أو قال الورثة لا نعلم عرض الولدان على القائف فايهما الحقه به الجزء: 11 ¦ الصفحة: 192 لحق والحكم في النسب والحرية والارث كتعين المورث أو الوارث وفى الاستيلاد كما وأطلق الاستلحاق ويجوز ظهور الحال للقائف مع موت المستلحق بان كان قد رآه أو بان يرى قبل الدفن أو بان يرى عصبته فيجد الشبه فان عجز عن الاستفادة من القائف لعدمه أو لالحاقه الولدين به أو نفسيهما أو أشكل الامر عليه أقرعنا بينهما لنعرف الحر منهما ولا ينتظر بلوغ الولدين حتى ينتسبا بخلاف ما لو تنازع اثنان في ولد ولا قائف لان الاشتباه ههنا في أن الولد أيهما فلو اعتبر الانتساب فربما انتسب كل واحد منهما إليه فلا يرتفع الاشكال ولا يحكم لمن خرجت قرعته بالنسب والميراث لان القرعة على خلاف القياس وانما ورد الخبر بها في العتق فلا تعمل في النسب والميراث. نعم هل يوقف نصيب ابن بين من خرجت القرعة له وبين الآخر فيه وجهان ثانى توجيههما (والاظهر) منهما في المسألة الثانية واختيار المزني أنه يوقف (واما الاستيلاد) فهو على التفصيل السابق فان لم يوجد من السيد ما يقتضيه لم يثبت وان وجد فهل تحصل أمية الولد في أم ذلك الولد بخروج القرعة حكى الامام فيه وجهين وقال المذهب أنها لا تحصل لانها نتبع النسب فإذا لم يجعله ولدا لم يجعلها أم ولد والذى أورده الاكثرون أنها تحصل لان المقصود العتق والقرعة عاملة فيه فكما تفيد حريته تفيد حريتها وعلى هذا الخلاف يحمل قوله في الكتاب وهل يقرع بين الامتين في الاستيلاد فيه خلاف وقد يتبادر إلى الفهم من ظاهره اخراج القرعة بهما مرة أخرى ولا يفعل ذلك إذ لا يؤمن خروج القرعة على غير التى خرج لولدها. (فرعان) أحدهما حيث يثبت الاستيلاد فالولد حر الاصل لاولاء عليه وحيث لا يثبت فعليه الولاء إلا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 193 إذا نسبه إلى وطئ شبهه وقلنا انها لا تصير أم ولد إذا ملكها بعد ذلك (والثانى) إذا لم يثبت الاستيلاد ومات السيد ورث الولد أمه وعتقت عليه وهذا إذا تعين لا بالقرعة وان كان معه وارث آخر عتق نصيبه عليه ولم يشتر هذا تمام الكلام في الصورة الاولى وهى المذكورة في الكتاب (الثانية) إذا كانت الامتان مزوجتين لم يقبل قول السيد وولد كل أمة يلحق بزوجها وان كانت فراشا للسيد فان كان قد أقر بوطئها لحقه الولدان بحكم الفراش (الثالثة) إذا كانت أحداهما مزوجة لم يتعين أقراره في الاخرى بل يطالب بالتعيين فان عين ولد المزوجة لم يقبل وان عين ولد الاخرى قبل وثبت نسبه وان كانت احداهما فراشا له لم يتعين اقراره في ولدها بل يؤمر بالتعيين فان عين في ولد الاخرى لحقه بالاقرار والولد الآخر ملحق به بالفراش (المسألة الثانية) إذا قال من له أمة لها ثلاثة أولاد أحد هؤلاء ولدى والتصوير فيما إذا لم تكن مزوجة ولا فراشا للسيد قبل ولادتهم فيطالب بالتعيين فمن عينه منهم فهو نسيب حر وارث والقول في الاستيلاد على التفصيل الذى مر ثم إذا كان المعين الاصغر فالاكبران رقيقان فلكل واحد منهما أن يدعى انه الولد والقول قول المنكر مع يمينه فان كان المعين الاوسط فالاكبر رقيق وأمر الصبى مبنى على استيلاد الامة فإذا لم نجعلها مستولدة فهو رقيق كالام وان جعلناها مستولدة فينظر ان لم يدع الاستبراء بعد الاوسط فقد صارت فراشا له بالاوسط فيلحقه الاصغر ويرثه وادعى الاستبراء فينبنى على أن نسب ملك اليمين هل ينتفى بدعوى الاستبراء فيه خلاف مذكور في اللعان (وان قلنا) لا ينتفى فهو كما لو لم يدع الاستبراء (وان قلنا) ينتفى فلا يلحقه الاصغر وفى حكمه وجهان (أظهرهما) انه كالام يعتق بوفاة السيد لانه ولد أم ولد الجزء: 11 ¦ الصفحة: 194 وأم الولد إذا ولدت من زوج أو زنا عنق بعتقها (والثانى) أنه يكون قنا لان ولد أم الولد قد لا يكون كذلك كما لو أحبل الراهن الجارية المرهونة وقلنا انها لا تصير أم ولد له فبيعت في الحق وولدت أولادا ثم ملكها وأولادها فانا نحكم بأنها أم ولد على الصحيح والاولاد أرقاء لا يأخذون حكمها وأيضا فانه إذا أحبل جاريه بالشبهة ثم أتت بأولاد من زوج أو زنا ثم ملكها وأولادها تكون أم ولد له على قول والاولاد لا يأخذون حكمها وأذا أمكن ذلك لم يلزمه من ثبوت الاستيلاء أن يأخذ الولد حكمها بالشك والاحتمال ولصاحب الوجه الاول أن يقول الاولاد في الصورتين ولدوا قبل الحكم بالاستيلاد فالاصغر ولد بعد الحكم بالاستيلاد على أن بعظهم حكى في صورة الرهن وجها أن الاولاد يأخذون حكمها ولا يبعد أن يجئ مثله في صورة الاحبال بالشبهة وذكر في التتمة وجها آخر فيما إذا لم يكن يدع الاستبراء أنه لا يثبت نسبه ويكون حكمه حكم الام يعتق بموت السيد لان الاستبراء حصل بالاوسط ولم أر لغيره ذكر وان كان المعين الاكبر فالقول في حكم الاوسط والاصغر كما ذكرناه في الاصغر إذا عين الاوسط ولو مات السيد قبل التعيين عين وارثه فان لم يكن وارث أو قال لاأعرف عرضوا على القائف ليعين والحكم على التقديرين كما لو عين السيد فان تعذر معرفة القائف نص أنه يقرع بينهم لمعرفة الحرية وثبوت الاستيلاد على التفصيل الذى سبق واعترض المزني في المختصر بأن الاصغر حر بكل حال عند موت السيد لانه اما ان يكون هو المقر أو يكون أو يكون ولد أم الولد يعتق بموت السيد وان كان حرا بكل حال وجب أن لايدخل في القرعة أيضا لاحتمال أنها لا تخرج على غيره فيلزم ارقاقه واختلف الاصحاب في الجواب عنه فسلم بعظهم حريته وقالوا انه لايدخل في القرعة ليرق الجزء: 11 ¦ الصفحة: 195 ان خرج لغيره بل ليرق غيره ان خرجت عليه ويقتصر العتق عليه وهذا ما ذكره في الكتاب ومنعها آخرون بناء على أنها وان كانت أم ولد فولد أم الولد يحوز أن يكون رقيقا (والاظهر الاول) وهو عين الوجه الاول المذكور فيما إذا عين الاوسط وادعى الاستبراء بعده وقلنا انه ينتفى به النسب ثم إذا أقرعنا بينهم وخرجت القرعة لواحد منهم فهو حر والمشهور ان النسب والميراث لا يثبتان كما ذكرنا في المسألة الاولى وعن المزني في المختصر الكبير ان الاصغر نسيب بكل حال لانه بين أن يكون هو المراد بالاستلحاق وبين أن يكون ولد أمته التى صارت فراشا له بولادة من قبل وجرى الاصحاب على رأيهم في الطعن على اعتراضاته متبادرين لكن الحق المطابق لما تقدم أن يفرق بين ما إذا كان السيد قد ادعى الاستبراء قبل ولادة الاصغر وبين مااذا لم يدعه ويساعده في الحاله الثانية وإذا ثبت النسب ثبتت الحريه لا محالة وحيث لانحكم بثبوت النسب فهل يوقف الميراث فيه وجهان (أحدهما) نعم لانا بتيقين ان أحدهما ابنه وان لم تفد القرعة تعيينه فأشبه ما إذا طلق احدى امرأتيه ومات قبل البيان حيث يوقف نصيب امرأة (والثانى) لا لانه اشكال دفع الناس من زوائه فأشبه ما إذا غرق المتوارثان فلم يدر أنهما ماتا معا أو على التعاقب لا توريث ولا وقف وهذا أصح عند الاكثرين واختار المزني الوقف واختلف الرواية عنه في كيفيته ففى رواية ابن خزيمة وجماعة أنه إذا كان له ابن معروف النسب يدفع إليه ربع الميراث ويدفع ربعه إلى الاصغر ويوقف النصف وفى رواية ابن عبد ابن المروزى في آخرين أنه يدفع نصف الميراث إلى المعروف النسب ويوقف النصف للمجهول واعلم أن الرواية الاولى مبنية على ما ذهب إليه المزني من أن الاصغر نسيب بكل حال فهو والمعروف ابنان يقينا فيدفع النصف اليهما ويوقف النصف الجزء: 11 ¦ الصفحة: 196 بينهما وبين الاكبرين فيجوز أن يكون الاوسط ابنا دون الاكبر والرواية الثانية اختيار للشافعي رضى الله عنه جوابا على أنه لا يثبت نسب واحد منهم على التعيين ولكن يعلم أن فيهم ابنا فيقف النصف له ويدفع النصف إلى الابن المعروف وأما لفظ الكتاب (فقوله) فقال أحدهم ابني أراد ما إذا ذكر معه ما يقتضى الاستيلاد على أمة صور في المسألة الاولى حيث قال فقال أحدهما انى علقت به في ملكى ألا ترى أنه حكم بعتق الاصغر عند تعيين الاوسط وانما يكون كذلك إذا ثبت الاستيلاد (وقوله) عتق معه الاصغر يجوز اعلامه بالواو للوجه المنقول عن التهذيب (وقوله) أقرع بينهم بالحاء لان الحكاية عن أبى حنيفة أن الاصغر حر كله ويعتق من الاوسط ثلثاه لانه حر في الحالتين وهما إذا عينه أو عين الاكبر فالاكبر رقيق في حاله وهى إذا عين الاصغر ومن الاكبر ثلثه لانه حر في حالة وهي إذا عين فيه رقيق في حالتين وهما إذا عين في الاوسط أو الاصغر قال ويعتق من الام ثلثاها لانه قد عتق ثلثا ولدها (وقوله) وان دخل الصغير في القرعة اعلم بالزاى لما تقدم ويجوز أن يعلم بالواو أيضا لانه نقل في النهاية وجها عن بعض الاصحاب أن الصغير يخرج عن القرعة قال وهو ضعيف لانه انما يقرع بين عبدين يتعين ان فيهم حرا ومن الجائز أن يكون المستلحق الاصغر ويكون الاكبر ان رقيقان فكيف يقرع بينهما وقوله والا فهو عتق بكل حال معلم - بالواو - لما مر. قال (أما إذا أقر باخوة غيره أو بعمومته فهو اقرار بالنسب على الغير فلا يقبل إلا من وارث مستغرق. كمن مات وخلف ابنا واحدا فأقر باخ آخر ثبت نسبه وميراثه. وان كان معه زوجة اعتبر موافقتهما (و) لشركتهما في الارث. وكذا موافقته المولى (و) المعتق. وان خلف بنتا واحدة وهى معتقة ثبت النسب باقرارها لانها مستغرقة. فان لم تكن معتقة فوافقها الامام ففيه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 197 خلاف لان الامام ليس بوارث انما هو نائب. ولو خلف اثنين فاقر أحدهما بأخ ثالث وأنكر الآخر لم يثبت النسب ولا الميراث (ح) على القول المنصوص. وقيل انه يثبت باطنا وفى الظاهر خلاف فلو مات وخلف ابنا مقرا فهل يثبت الآن فيه خلاف. لان اقرار الفرع مسبوق بانكار الاصل. وكذا الخلاف فيما إذا لم يخلف إلا الاخ المقر. ولو كان ساكتا فمات فأقر ابنه ثبت لا محالة. والاخ الكبير مع الصغير لا ينفرد بالاقرار بالنسب على الاصح. ولو أقر بشخص فأنكر المقر له نسب المقر فقيل انه لا يشارك لان موجب قوله أن من أقر له ليس من أهل الاقرار. وقيل إنه يستحق الكل) . القسم الثاني أن يلحق النسب بغيره مثل أن يقول هذا أخى ابن أبى أو ابن أمي أو بعمومة غيره فيكون ملحقا للنسب بالجد والكلام في فصلين (أحدهما) في ثبوت النسب ويثبت النسب بهذا الالحاق بالشرائط المقدمة فيما إذا لحق بنفسه وبشرائط أخر (أحدها) أن يكون الملحق به ميتا فما دام حيا ليس لغيره الالحاق به وان كان مجنونا (والثانية) أن لا يكون الملحق به قد نفى المقر به أما إذا نفاه ثم استلحقه وارثه بعد موته ففيه وجهان (أحدهما) اللحوق كما لو استلحقه المورث بعد مانفاه بلعان وغيره (والثانى) المنع لانه نسب قد سبق الحكم ببطلانه ففى الحاقه بعد الموت الحاق عار بنسبه وشرط الوارث أن يفعل ما فيه حظ الموروث لا ما يضر به ولم يورد صاحب التهذيب من الوجهين الا الثاني ولا معظم العراقيين الا الاول وهو الاشبه (والثالثة) صدور الاقرار من الورثة الحائزين للتركة وفيه مسائل (أحدها) اقرار الاجانب لا يثبت به النسب ولو مات مسلم عن ابن كافر أو قاتل أو رقيق الجزء: 11 ¦ الصفحة: 198 لم يقبل اقراره عليه بالنسب كما لا يقبل اقراره عليه بالمال ولو كان له ابنان مسلم وكافر لم تعتبر موافقة الكافر ولو كان الميت كافرا كفى استلحاق الكافر ولا فرق في ثبوت النسب بين أن يكون المقر به كافرا أو مسلما (الثانية) لو مات وخلف ابنا واحدا وأقر بأخ آخر يثبت نسبه ولو مات وخلف ابنين أو ابنتين أو بنات فلابد من اتفاقهم جميعا وكذلك تعتبر موافقة الزوج والزوجة لانهما من الورثة وفيهما وجه لان الزوجية تنصرم بالموت ولان المقر به النسب ولا شركة لهما في النسب ويجرى مثل هذا الخلاف في المعتق ولو خلف بنتا واحدة فان كانت حائزة بان كانت معتقه يثبت النسب باقرارها وان لم تكن حائزة ووافقها الامام فوجهان جاريان فيما إذا مات من لا وارث له فالحق الامام به مجهولا والخلاف مبني على أن الامام له حكم الوارث أم لا والذى أجاب به العراقيون انه يثبت النسب بموافقة الامام ثم هذا الكلام فيما إذا ذكر الامام ذلك لا على وجه الحكم أما إذا ذكر على وجه الحكم (فان قلنا) أنه يضئ لعلم نفسه ثبت النسب والا فلا (الثالثة) لافرق بين أن تكون حيازة الملحق تركة المحلق به بغير واسطة أو بواسطة كما إذا أقر بعمومة مجهول وهو حائز لتركة أبيه الحائز لتركة جده الملحق به فان كان قد مات أبوه قبل جده والوارث ابن الابن فلا واسطة (الرابعة) البالغ من الوارثين لا ينفرد بالاقرار ونقل الامام وجها أنه ينفرد ويحكم بثبوت السنب في الحال وربما يوجه بأن أمر النسب خطر فالظاهر من حال كامل الحال من الورثة أن يعتنى به ولا يجازف فيه وعلى الاول ينتظر بلوغ الصبى فإذا بلغ الصبى ووافق البالغ ثبت النسب حينئذ فان مات قبل البلوغ نظر أن لم يخلف سوى المقر ثبت النسب وان لم يجدد اقراره وان خلف ورثة سواه اعتبر موافقتهم وإذا كان أحد الوارثين مجنونا فهو كما لو كان أحدهم صبيا ولو خلف بالغين عاقلين وأقر أحدهما وأنكر الآخر ثم مات ولم يخلف الجزء: 11 ¦ الصفحة: 199 الا أخاه المقر فاظهر الوجهين أنه يثبت النسب لان جميع الميراث قد صار له وثانيهما المنع لان اقرار الفرع مسبوق بانكار الاصل ويجرى الخلاف فيما إذا أخلف المنكر وارثا فاقر ذلك الوارث والوجهان عند القاضي الحسين مبنيان على الوجهين في استلحاق من نفاه المورث ولو أقر أحد الاثنين وسكت الآخر ثم مات الساكت وابنه مقر ثبت النسب لا محالة لان اقراره غير مسبوق بتكذيب الاصل (الخامسة) لو أقر الوارث المستغرق بأخوة مجهول فأنكر المجهول نسب المعروف لم يتأثر بقوله النسب المشهور وفيه وجه أن المقر يحتاج إلى البينة على نسبه لاعترافه بنسب المجهول وانكاره اياه والمذهب الاول وفى ثبت نسب المجهول وجهان (وجه المنع) أن المقر ليس بوارث بزعمه (والثانى) وهو الاصح انه يثبت لحكمنا بأنه وارث حائز ولو أقر باخوة مجهول ثم أنهما أقرا بسنب ثالث وأنكر الثالث نسب الثاني ففى سقوط نسب الثاني وجهان (أصحهما) السقوط لانه ثبت بنسب الثالث فاعتبر موافقته لثبوت نسب الثاني ولو اقر باخوة مجهولين فصدق كل واحد منهما الاخر ثبت نسبهما وان كذب كل واحد منهما الآخر فوجهان (أصحهما) ثبوت النسب لوجود الاقرار ممن يجوز التركة فان صدق أحدهما وكذبه الآخر ثبت نسب المصدق دون المكذب هذا إذا لم يكن المجهولان توأمين فان كانا توأمين فلا أثر لتكذيب أحدهما الآخر فإذا أقر الوارث بأحدهما ثبت نسب كليهما (السادسة) إذا أقر بنسب من يحجب المقر كما إذا مات عن أخ أو عم فاقر بان للميت فاحد الوجهين انه لا يثبت نسبه لانه لو ثبت لورث ولو ورث لحجب المقر وإذا حجب خرج عن الاهلية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 200 للاقرار وإذا بطل الاقرار بطل النسب (وأصحهما) الثبوت لان ثبوت النسب بمجرده لا يرفع الاقرار وانما يلزم ذلك من التوريث وسيأتى الكلام في الفصل الثاني ثم التوريث قد ينتفى باسباب وموانع ولا يبعد أن يكون هذا منها. (الفصل الثاني في ثبوت الميراث) قال (والمقر يحتاج إلى البينة. ولو أقر الاخ بابن لاخيه الميت فالظاهر أنه يثبت النسب دون الميراث إذ لو ثبت لحرم الاخ وخرج عن أهلية الاقرار. وقيل انهما يثبتان. وقيل أنهما لا يثبتان) . المقر به لا يخلو أما أن يكون ممن لا يحجب المقر عن الميراث أو ممن يحجبه أو يحجب بعض الورثة المقرين دون البعض (الحالة الاولى) إذا لم يحجب المقر فيشتركان في التركة على فرائض الله تعالى ولو أقر أحد الابنين المستغرقين بأخ وأنكر الآخر فظاهر المذهب وهو المنصوص أنه لا يرث لان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 201 الارث فرع النسب وانه غير ثابت كما سبق وإذا لم يثبت الاصل لم يثبت الفرع وعن صاحب التقريب حكاية وجه تخريج أن المقر له يرث ويشارك المقر بما في يده ورأيت ذلك لابن سريج وبه قال أبو حنيفة رحمه الله ومالك وأحمد رحمهما الله ويتأيد بمسائل (منها) لو قال أحد الابنين فلانة بنت أبينا وأنكر الآخر حرم على المقر نكاحها مع أنه فرع النسب الذي لم يثبت ولو قال أحدهما لعبد في التركة إنه ابن ابينا هل يحكم بعتقه فيه وجهان (ومنها) لو قال أحد شريكي العقار لثالث بعت منك نصيبي فأنكر لا يثبت الشراء وفي ثبوت الشفعة للشريك خلاف (ومنها) لو قال لزيد على عمرو كذا وأنا به ضامن فانكر عمرو ففي مطالة المقر بالضمان خلاف (والاصح) المطالبة (ومنها) إذا اعترف الزوج بالخلع وأنكرت المرأة ثبتت البينونة وان لم يثبت المال الذي هو الاصل (وإذا قلنا) بظاهر المذهب كذلك في ظاهر الحكم (فأما) في الباطن فهل على المقر إذا كان صادقا أن يشركه فيما في يده فيه وجهان (أحدهما) لا كما في الظاهر (والثاني) نعم قال ابن الصباغ وهو الصحيح لانه عالم باستحقاقه محرم عليه منع حقه منه وعلى فيه وجهان (أحدهما) بنصف ما في الجزء: 11 ¦ الصفحة: 202 يده لان قضية البنتين التسوية فلا يسلم لاحدهما شئ والا ويسلم للآخر مثله والثالث بزعمهما غصبهما بعض حقهما وبها قال أبو حنيفة رحمه الله (وأصحهما) وبه قال مالك رحمه الله وأحمد بثلث ما في يده لان حق الثالث بزعم المقر شائع فيما في يده ويد صاحبه فله الثلث من هذا وله الثلث من ذاك ويقال الوجهان مبنيان من القولين فيما إذا أقر أحد الابنين بدين على أبيه فانكر الآخر هل على المقر توفية جميع الدين مما في يده أم لا يلزمه إلا القسط (فان قلنا بالثاني) لم يلزمه إلا الثلث لجعلنا الحق الثابت بالاقرار شائعا في التركة ولكل واحد من الوجهين عبارة تجرى مجرى الضابط لاخوات هذه الصورة فالعبارة على وجه النصف اننا ننظر في أصل المسألة على قول المنكر ونصرف إليه نصيبه منها ثم نقسم الباقي بين المقر والمقر به فان انكسر صححناه بالضرب فاصل المسألة في الصورة التى نحن فيها اثنان على قول المنكر يدفع إليه واحدا منهما يبقى واحد لا ينقسم على اثنين نضرب اثنين في أصل المسألة يكون أربعة سهمان منها من منكر ولكل واحد من الآخرين سهم وعلى وجه الثلث نأخذ أصل المسألة على قول المنكر وأصلها على قول المقر ونضرب أحدهما الجزء: 11 ¦ الصفحة: 203 في الآخر ونقسم الحاصل باعتبار مسألة الانكار فيدفع نصيب المنكر منه إليه باعتبار الاقرار ويدفع نصيب المقر منه إليه ويدفع الباقي إلى المقر به ومسألة الانكار فيما نحن فيه من اثنين ومسألة الاقرار من ثلاثة فنضرب أحدهما في الآخر يكون ستة ثلاثة منها للمنكر وسهمان للمقر وواحد للمقر له ولو كانت المسألة بحالها وأقر أحد الابنين بآخرين فعلى الوجه الاول المسألة على قول المنكر من اثنين يدفع نصيبه إليه يبقى واحد لا ينقسم على ثلاثة يضرب ثلاثة في اثنين يكون ستة ثلاث منها للمنكر ولكل واحد من الباقين واحد وعلى الوجه الثاني أصلها على قول المنكر من اثنين وعلى قول المقر من أربعة يضرب أحدهما في الآخر يكون ثمانية اربعة منها للمنكر واثنان للمقر ولكل واحد من المقر بهما سهم وعن صاحب التقريب يصرف بالتوسط بين الوجهين وهو أن ينظر فيما حصل في يد المقر أحصل بقسمة اجبر المنكر عليها أم بقسمة وهو مختار فيها أما على تقدير الاجبار (فالجواب) ما ذكرنا في الوجه الثاني وأما على تقدير الاختيار فينظر ان كان عالما عند القسمة بان معهما ثالث مستحقا (والجواب) ما ذكرناه في الوجه الاول لانه معتد بتسليم نصف حقه الثابت إليه فيغرمه ما حصل في يد الجزء: 11 ¦ الصفحة: 204 صاحبه كما يغرم الحاصل في يده فان لم يكن عالما حينئذ ثم علم فوجهان يوجه أحدهما بانه لا تقصير منه (والثانى) بانه لافرق بين العلم والجهل فيما يرجع الي الغرم (الحالة الثانية) إذا كان المقر به ممن يحجب المقرين عن الميراث أو بعضهم كما لو كان للوارث في الظاهر أخا أو ابن عم أو معتقا فاقر بابن للميت فان لم نثبت نسبة فذاك وان أثبتناه ففى الميراث وجهان (أظهرهما) المنع لانه لو ورث لحجب الاخ ولو حجبه لخرج عن أهلية الاقرار وإذا بطل الاقرار فلا نسب ولا ميراث فإذا يلزم من توريثه منعه (والثاني) وبه قال ابن سريج أنه يرث ويحجب المقر وهو اختيار صاحب التقريب وابن الصباغ وجماعة ومنعوا لزوم بطلان الاقرار من حرمانه وقالوا المعتبر كونه وارثا لولا اقراره ذلك لا ينافي خروجه عن الوارثية بالاقرار كما أن المعتبر كونه حائزا للتركه لو أقر الابن المستغرق في الظاهر بأخوة غيره قبل وتشاركا في الارث كذلك ههنا ولو خلف بنتا هي مقتنعة فاقرت بأخ ففي ميراثه وجهان تفريعا على الوجه الاول في المسألة (أحدهما) يرث ويكون المال بينهما اثلاثا لان توريثها لا يحجبها (والثانى) لا لانه عن عصوبة الولاء فصار كما لو خلف بنتا ومعتقا وأقر بابن للميت لا يثبت الجزء: 11 ¦ الصفحة: 205 لحجبه المعتق ولو أدعي المجهول على أخى الميت أنه ابن الميت فانكر الاخ ونكل عن اليمين فحلف المدعى المردودة ثبت نسبه ثم ان جعلنا النكول ورد اليمين كالبينة ورث وحجب الاخ وان جعلناهما كالاقرار ففيه الخلاف المذكور فيما إذا أقر الاخ ولو مات عن بنت وأخت فاقرنا بابن للميت فنصيب الاخت على الوجه الاظهر يسلم لها لانه لو ورث الابن لحجبها وعلى الثاني ياخذ متفى يدها كله وهدا الحكم فيما إذا خلف زوجة وأخا فأقر بابن يكون للزوجة الربع على الوجه الاظهر وهذا الابن لا ينقض حكمها كما لا يسقط الاخ ولنعد إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (أما) قوله فلا يقبل الامن وارث مستغرق معلم - بالحاء والميم - وكذلك قوله ثبت نسبه وميراثه لان عند أبى حنيقة في روايته المشهورة لا يشترط اقرار جميع الورثة وإنما المعتبر عدد الشهادة فإذا لم يكن الا ابن واحد لم يثبت النسب باقراره فإذا خلف أبناء فأقر اثنان منهم كفى وبه قال مالك (وقوله) اعتبر موافقتهما معلم - بالواو - وكذلك قوله موافقة المولى المعتق (وقوله) ولان الامام ليس بوارث انما هو الجزء: 11 ¦ الصفحة: 206 نائب أي نائب المسلمين في أخذ حقهم وحفظه وهو اشارة إلى ما سبق أن الامام هل له حكم الوارث أم لا (وقوله) ولا الميرا ث عند قوله لم يثبت النسب ولا الميراث على القول المنصوص إلى الميراث معلم - بالالف - وحده وأما أن النسب لا يثبت فلا خلاف فيه (وأعلم) أن حاصل الخلاف في المسألة طريقان جمعهما صاحب التقريب (أحدهما) أن الارث يثبت باطنا وفى الظاهر خلاف (والثانى) أنه لا يثبت ظاهرا إلا أن المقابل للقول المنصوص هو المخرج الذى عزاه بعضهم إلى ابن سريج على ما بينه في الوسيط وانما خرج ابن سريج ذلك في الارث الظاهر وإذا كان جازما بثبوته باطنا فيكون قوله بعد ذلك وقيل يثبت باطنا وفى الظاهر خلاف غير ما ذكره مرة فلا ينبغى أن بقول وقيل لا يثبت ظاهرا وفى الباطن خلاف إن اراد الطريقة الاخرى والاوجه الثلاثة التي ذكرناها في الميرا ث إذا أقر لشخص وأنكر المقر له نسب المقر حاصلة من الخلاف الذى أسلفناه في أن النسب المقر هل يتأثر بانكار المقر له وان لم يتأثر فهل يثبت نسب المجهول (فقوله) لا يشارك مبني على أن نسب المقر بحالة ونسب المقر له يثبت الجزء: 11 ¦ الصفحة: 207 (وقوله) وقيل انهما يشتركان ولا يبالى بتكذيبه مبنى على أن نسب المقر بحاله ونسب المقر له يثبت والوجه الآخر مبني على أن نسب المقر يتأثر بانكار المجهول (وأما) الوجوه الثلاثة المذكورة فيما إذا أقر الاخ بابن لاخيه الميت فلا يخفى عليك خروجها مما مر إذا جمع بين النسب والميراث وقد وقع في شرح الفصل تغيير ترتيب بعض المسائل للحاجة إليه فلا يبالى به. (فرع) إقرار الورثة بزوج أو زوجة للميت مقبول وعلى القديم قول أنه لا يقبل فلو أقر أحد الابنين المستغرقين وأنكر الآخر فالتوريث على ما ذكرنا فيما إذا أقر أحدهما بأخ وأنكر الآخر. (فرع) لو أقر انسان وقال فلان أخى ثم فسر بالاخوة من الرضاع حكي القاضى الرويانى عن أبيه أن الاشبه بالمذهب أن لا يقبل لانه خلاف الظاهر ولهذا لو فسر باخوة الاسلام لا يقبل. (فرع) في فتاوى القفال أنه إذا أقر على أبيه بالولاء فقال هو معتق فلان ثبت الولاء عليه إن كان المقر مستغرقا كما في النسب والله تعالى أعلم بالصواب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 208 (كتاب العارية) قال (والنظر في أركانها وأحكامها * أما الاركان فأربعة (الاول المعير) ولا يعتبر فيه الا كونه مالكا للمنفعة غير محجور عليه في التبرع * فيصح من المستأجر ولا يصح من المستعير على الاظهر لانه مستبيح بالاذن كالضيف * نعم له أن يستوفى المنفعة بالوكيل يوكله لنفسه (الثاني المستعير) ولا يعتبر فيه الا كونه أهلا للتبرع) قال في الصحاح العارية بالتشديد كأنها منسوبة إلى العار لان طلبها عار وقال غيره منسوبة إلى العارة وهى مصدر يقال أعار يعير إعارة كما يقال أجاب يجيب إجابة وجابة وأطاق إطاقة وطاقة وقيل هي من عار يعير أي جاء وذهب فسميت عارية لتحويلها من يد إلى يد وقال إنه من التعاور والاعتوار هو أن يتداول القوم الشئ بينهم وذكر الخطابى في الغريب أن لغة العارية بالتشديد وقد تخفف والاصل فيها قوله تعالى (ويمنعون الماعون) فسره بعضهم بما يستعيرة بعض الجيران من بعض كالدلو والفأس والقدر وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال (العارية مضمونة والزعيم غارم) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 209 وروى أيضا أنه صلى الله عليه وسلم (أستعار درعا من صفوان فقال اغصبا يا محمد فقال عليه السلام بل عارية مضمونة) قال صاحب الكتاب ولها أركان وأحكام أما الاركان (فاحدها) المعير والمعتبر فيه ملكه المنفعة وأن لا يكون محجورا عليه في التبرعات وانما اعتبرت ملكية المنفعة دون العين لان الاعارة ترد على المنفعة دون العين وانما اعتبر عدم الحجر في التبرعات لان الاعارة تبرع ويتعلق بقيد المالكية صورتان (احداهما) أن المستأجر يجوز له أن يعير لانه مالك المنفعة ألا ترى أنه يجوز له أخذ العوض عنها بعقد الاجارة وكذا الموصى له بخدمة العبد وسكني الدار له أن يعيرهما (والثانيه) أن المستعير هل يعير فيه وجهان (أحدهما) نعم كالمستأجر فان للمستأجر أن يؤجر فكذلك المستعير الجزء: 11 ¦ الصفحة: 210 له أن يعير ويحكي هذا عن أبى حنيفة (وأصحهما) المنع لانه غير مالك للمنفعة ألا ترى أنه لا يجوز له أن يؤجر وانما أبيح له الانتفاع والمستبيح لا يملك نقل الملك بالاباحة إلى غيره والضيف الذى أبيح له الطعام ليس له أن يبيح لغيره نعم للمستعير أن يستوفى المنفعة بنفسه وبوكيله (الركن الثاني) في المستعير قال في الكتاب ولا يعتبر فيه الا لكونه أهلا للتبرع أي يتبرع عليه وكأنه أراد التبرع بعقد يشتمل على الايجاب والقبول اما بقول أو فعل والا فالصبي والبهيمة لهما أهلية التبرع والاحسان اليهما ولكن لا يوهل منهما ولا يعار. قال (الثالث المستعار وشرطه أن يكون منتفعا به مع بقائه. وفى اعارة الدنانير والدراهم لمنفعة التزيين خلاف لانها منفعة ضعيفة. فإذا جرت فهى مضمونة لانها عارية فاسدة. وأن يكون الانتفاع مباحا فلا تستعار الجوارى للاستمتاع. ويكره الاستخدام الا لمحرم. وكذا يكره استعارة أحد الابوين للخدمة. واعره العبد المسلم من الكافر. ويحرم اعارة الصيد من المحرم) . (الركن الثالث) المستعار وله شرطان (أحدهما) أن يكون منتفها له مع بقاء عينه كالعبيد والدواب والدور والثياب أما الاطعمة فلا يجوز اعارتها لان منفعتها في استهلاكها وفى اعارة الدراهم والدنانير وجهان (أحدهما) الجواز لانها تصلح للتزين بها على طبعها (وأصحهما) المنع لان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 211 هذه منفعة ضعيفة قلما تقصد ومعظم منفعتها في الانفاق والاخراج قال الامام وما ذكرناه في الدراهم يجرى في استعارة الحنطة والشعير وما في معناهما ولك أن تبحث عن مواضع الخلاف أهو ما إذا صرح بالاعارة للتزين أم إذا أطلق فالجواب ان الاسبق إلى الفهم من كلامهم في مسألة الدراهم ان الخلاف في حالة الاطلاق فاما إذا صرح بغرض التزين فقد اتخذ هذه المنفعة مقصدا وان ضعفت فينبغي أن يصح وبصحته أجاب في التتمة وعلى هذا قوله في الكتاب لمنفعة التزيين ليس هو من كلام المعير وانما هو اشارة إلى صورة الجواز لكن هذا يتفرع على تصحيح الاعارة مطلقا أما إذا شرطنا تعيين جهة الانتفاع فلا بد من التعر ض للتزيين أو غيره وسيأتى الخلاف فيه وحيث قلنا انه لا يصح اعارتها فان جرت فهى مضمونة لان العارية صحيحة مضمونة وللفاسدة حكم الصحيحة في الضمان وفيه وجه أنها غير مضمونة لان العارية صحت أو فسدت تعتمد منفعة معتبره فإذا لم توجد فما جرى بينهما ليس بعارية لاأنه عارية فاسدة ومن قبض مال الغير باذنه لا لمنفعة كان أمانة في يده (الشرط الثاني) ان تكون المنفعة مباحة فلا يجوز استعارة الجوارى للاستمتاع وأما للخدمة فيحوزان كانت الاعارة من محرم أو امرأة والافلا يجوز لخوف الفتنة الا إذا كانت صغيرة لا تشتهي أو قبيحة ففيها وجهان (وقوله) في الكتاب زيكره الاستخدام الا لمحرم لفظ الكراهية يستعمل للتحريم تارة وللتنزيه أخرى وأراد ههنا التحريم على ما صرح به الوسيط وهو جواب على نفى الفرق بين الصغيرة والكبيرة ثم انه حكم في الوسيط بالصحة وان كانت الاعارة محظورة فيشبه أن يقال بالفساد الجزء: 11 ¦ الصفحة: 212 فالاجارة للمنفعة المحرمة ويشعر بهما ما أطلقه المعظم من نفى الجواب ويكره استعارة أحد الابويين للخدمة لان استخدمهما مكروة ولفظ الامام في مسألة نفى الحل ويكره اعارة العبد المسلم من الكافر وهى كراهة تنزيه ولا يجوز للحلال اعارة الصيد من المحرم لانه يحرم عليه امساكه فلو فعل وتلف في يد المحرم ضمن الجزاء لله تعالى والقيمة للحلال وان أعار محرم من حلال (فان قلنا) ان المحرم يزول ملكه عن الصيد فلا قيمة له على الحلال لانه أعار ما ليس ملكا له وعلى المحرم الجزاء لو تلف في يد الحلال لانه متعد بالاعارة وكان من حقه الارسال (وان قلنا) لاتزول صحت الاعارة وعلى الحلال القيمة لو تلف الصيد عنده. (فرع) دفع شاة إلى رجل وقال ملكتك درها ونسلها فهي هبة فاسدة ولما حصل في يده من الدر والنسل كالمقبوض بالهبة الفاسدة والشاة مضمونة عليه بالعارية الفاسدة ولو قال ابحت لك درها ونسلها فهو كما لو قال ملكتك على أحد الوجهين (والثانى) أنها اباحة صحيحة والشاة عارية صحيحة وهذا ما أورده صاحب التتمة وعلى هذا فقد تكون العارية لاستيفاء عين وليس من شرطها أن يكون المقصود مجرد المنفعة بخلاف الاجارة ولو قال ملكت لك درها وأبحته لك على أن تعلفها قال في التهذيب العلف اجره وثمن الدر والنسل والشاة غير مضمونة لانها مقبوضة باجارة فاسدة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 213 والدر والنسل مضمون عليه بالشراء الفاسد وكذلك لو دفع قراضة إلى سقاء وأخذ الكوز ليشرب فسقط من يده وانكسر ضمن الماء لانه مأخوذ بالشراء الفاسد ولم يضمن الكوز لانه في يده باجارة فاسدة فان أخذه مجانا فالكوز عارية والماء كالمقبوض بالهبة الفاسدة (الثاني) قال في التتمة تعيين المستعار ليس بشرط عند الاستعارة حتى لو قال أعرني دابتك فقال المالك ادخل الاسطبل وخذ ما أردت صحت العارية بخلاف الاجارة تصان عن مثلها لان الغرر لا يحتمل في المعاوضة. قال (الرابع صيغة الاعارة وهو كل لفظ يدل على الاذن في الانتفاع. ويكفي القبول بالفعل. ولو قال أعرتك حماري لتعير لى فرسك فهو أجارة فاسدة غير صحيحة ولا مضمونة. ولو قال اغسل هذا الثوب فهو استعارة لبدنه. وان كان الغاسل ممن يعمل بالاجرة اعتياديا استحق الاجرة) في الباب ما يدل على الاذن في الانتفاع لقوله أعرتك أو خذه لتنتفع به وما أشبه ثم ضاهر لفظ الكتاب انه يعتبر اللفظ من جهة المعير وانه لا يعتبر من جهة المستعير وانما يعتبر منه القبول اما باللفظ واما بالفعل كما في الضيف وقد صرح بهذا في الوسيط وقال صاحب التهذيب وغيره المعتبر في الاعارة اللفظ من احد الطرفين والفعل من الآخر حتى لو قال المستعير أعرني فسلمه المالك إليه صحت الاعارة وكان كما لو قال خذه لتنتفع به فأخذه تشبيها للاعارة باباحة الطعام وذكر أبو سعيد المتولي ان اللفظ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 214 لا يعتبر في أحد من الطرفين حتى لو رآه عاريا فاعطاه قميصا فلبسه تمت العارية وكذلك لو فرش لضيفه فراشا أو بساطا أو مصلى أو القى به وسادة فجلس عليها كان ذلك اعارة بخلاف مالو دخل مجلسا على البسط المفروشة لانه لم يقصد بها انتفاع شخص معين ولا بد في العارية من تعين الشخص المستعير وهذا الذي ذكره يشبه تمام الشبة بالضيافة ويوافقه ما ذكره عن الشيخ ابي عاصم انه إذا انتفع بظرف الهدية المبعوثة إليه حيث جرت العادة باستعمالها كل الطعام من القصعة فيها كان عارية لانه منتفع بملك الغير بأذنه والاشهر الرواية الوسطى ولو أعلم قولة في الكتاب وصيغة الاعارة - بالواو - لما ذكره في التتمة لكان صحيحا ثم الفصل مسألتان (الاولى) إذا قال أعرتك حماري لتعيرني فرسك فهو اجارة فاسدة على كل واحد منهما أجرة مثل دابة الآخر وكذلك الحكم إذا اعاره شيئا بعوض مجهول كما لو أعار دابته ليعلفها أو داره ليطين سطحها وكذلك لو كان العوض معلوما ولكن مدة الاعارة مجهولة كما لو قال لك أعرتك بعشر دراهم أو لتعيرني ثوبك شهرا وفيه وجه أنه عارية فاسدة نظرا إلى اللفظ فعلى هذا تكون مضمونة عليه وعلى الاول لا ضمان ولو بين مدة الاعارة وذكر عوضا معلوما فقال أعرتك هذه الدار شهرا واليوم بعشرة دراهم لتعيرني ثوبك شهرا من اليوم فهى اجارة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 215 صحيحة مضمونه أو إعارة فاسدة فيه وجهان مبنيان على النظر إلى اللفظ أو المعنى ولو دفع دراهم إلى رجل وقال اجلس في هذا الحانوت واتجر عليها بنفسك أو دفع إليه بذرا وقال ازرع به هذه الارض فهو معير الحانوت والارض واما الدراهم والبذر فتكون هبة أو قرضا فيه وجهان (الثانية) لو قال لقصار اغسل هذا الثوب أو لخياط خطه مجانا ففعل فلا أجره له ولو قال اغسله أو خيطه وأنا أعطيك حقك أو أجرتك استحق أجره المثل وهذا اجارة فاسدة ولو أقتصر على قوله اغسله أو خيطه ففيه أوجه نذكرها في الاجارة فان ذلك الموضع أحق بذكرها وصاحب الكتاب قد أعاد المسألة هناك وذكر بعض تلك الاوجه واعرف في هذا المقام سببين (أحدهما) أن قوله فهو استعارة أراد به استعارة بدنه لذلك العمل ولا يعد في أطلاق الاستعارة والاعارة في منافع الحر كالاجارة (والثانى) أن حاصل جوابه في المسألة انه إن كان ممن يعتاد ذلك بالاجرة استحق الاجرة والا فلا وهذا أحد الوجوه المشار إليها لكن ظاهر المذهب غيره على ما سيأتي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 216 قال (أما أحكامها فأربعة (الاول الضمان) والعارية مضمونة الرد والعين بقيمتها (ح) يوم التلف. وقيل باقصى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف كالغصب. وما ينمحق من أجزائها بالاستعمال غير مضمون. والمستعير من المستأجر هل يضمن فيه خلاف. والمستعير من الغاصب يستقر عليه الضمان إذا تلف تحت يده. ولو طولب بأجرة المنفعة فما تلف تحت يده فلا خلاف في قرار ضمانه على المعير. وما تلف باستيفائه فقولان لانه مغرور فيه) . من أحكام العارية الضمان والكلام في ضمان الرد والعين والاجزاء أما ضمان الرد فمعناه أن مؤنة الرد على المستعير وقوله عليه السلام (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) وأيضا فان الاعارة نوع بر ومعروف فلو لم تجعل مؤنة الرد على المستعير لامتنع الناس من الاعارة (وأما) ضمان العين فانها إذا تلفت في يد المستعير ضمنها سواء تلفت بآفة سماوية أو بغفلة بتقصير أو من غير تقصير وبه قال أحمد الجزء: 11 ¦ الصفحة: 217 وقال أبو حنيفة لا يضمن الا إذا تعدى فيها وعن رواية الشيخ أبى على ان للشافعي رضى الله عنه قولا مثله في الامالى ووجه ظاهر المذهب الخبر المذكور في صدر هذا الباب وأيضا فانه مال يجب رده إلى مالكه فتجب قيمته عند التلف كالمأخوذ على سبيل السوم وايضا فان المستعير من الغاصب يستقر عليه الضمان ولو كانت العارية أمانة لما استقر كالمودع من الغاصب وذهب مالك إلى ان العارية مضمونة الا ان تكون حيوانا فهو امانة ولو اعار بشرط ان تكون امانة لغى الشرط وكانت مضمونة وإذا وجب الضمان فاى قيمة تجب فيه ثلاثة أوجه وسماها الزجاجي أقوالا وكذلك فعل الوسيط (أحدها) أقصى القيم من يوم القبض إلى التلف لانه لو تلف في حالة زيادة القيمة لوجبت القيمة الزائدة فاشبه المغصوب (والثانى) قيمة يوم القبض تشبيها بالقرض يومئذ (والثالث) وهو الاصح قيمة يوم التلف لان ايجاب أقصى القيم بمثابة ضمان الاجزاء التالفة بالاستعمال وهي غير مضمونة على الصحيح كما سيأتي ومن قال بالاول منع كون تلك الاجزاء غير مضمونة بالاستعمال على الاطلاق وقال انما لا يضمن إذا رد العين وينبنى على هذا الخلاف ان العارية إذا ولدت في يد المستعير هل يكون الولد مضمونا في يده ان قلنا ان العارية مضمونة ضمان الغصب كان مضمونا عليه والا فلا وليس له استعماله بلا خلاف والخلاف المذكور في العارية انها كيف تضمن جار في المأخوذ على سبيل السوم الا ان الاصح هناك على ما ذكره في النهاية ان الاعتبار بقيمة يوم القبض لان تضمين أجزائه غير ممتنع وقال غيره الاصح فيه كهو في العارية وهذا كله فيما إذا تلفت العين لا بالاستعمال اما إذا تلفت بالاستعمال بأن انمحق الثوب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 218 باللبس فوجهان (أصحهما) أنه لا يجب ضمانها كالاجزاء (والثانى) يجب لان حق العارية ان تردد فإذا تعذر الرد لزم الضمان وعلى هذا فما الذى يضمن فيه وجهان (أحدهما) وهو المذكور في النهاية انه يضمن العين بجميع أجزائها (وأصحهما) وهو المذكور في التهذيب انه يضمن في آخر حالات التقويم وصححه في التتمة (واما) ضمان الاجزاء فما تلف منها بسبب الاستعمال المأذون فيه كانمحاق الثوب باللبس لا يلزم ضمانها لحدوثه عن سبب واذن فيه وفيه وجه ضعيف أنه يلزم لان العارية مؤداة فإذا تلف بعضها فات رده فيضمن بدله وما تلف منها بغير هذا السبب وفيه وجهان مذكوران في التهذيب (أحدهما) انه لا يلزم ضمانها أيضا كما لو تلف بالاستعمال ويكتفى برد الباقي (وأصحهما) اللزوم كما لو تلفت العين كلها وهلاك الدابة بسبب الركوب والحمل المعتاد كانمحاق الثاوب وتعييبها به كالانمحاق كذا ذكره الامام وفيما جمع من فتاوى القفال انه أو قرح ظهرها بالحمل وتلفت منه يضمن سواء كان متعديا بما حمل أو لم يكن لانه انما اذن في الحمل لافى الجراحة وردها إلى المالك لا يخرجه عن الضمان لان السراية تولدت من مضمون فصار كما لو جرح دابة الغير في يده وهذا في الجمل الذى هو غير متعد به جوابا على وجوب الضمان في صورة تفسير الانمحاق والله أعلم. وجميع ما ذكرنا فيما إذا أستعار من المالك ووراءه صورتان (إحداهما) إذا استعار من المستأجر أو الموصى له بالمنفعة فاحد الوجهين انه يضمن كما لو استعار من المالك (وأصحهما) أنه لا يضمن لان المستأجر لا يضمن وهو نائب المستأجر الا ترى أنه إذا أنقضت مدة الاجارة ارتفعت الجزء: 11 ¦ الصفحة: 219 الاعارة وانه استقرت الاجرة على المستأجر بانتفاع المستعير ومؤنة الرد في هذه الاستعارة على المستعير إن رد على المستأجر وعلى المالك إن رد عليه كما لو رد عليه المستأجر (الثانية) إذا استعار المغصوب من الغاصب وتلف في يده غرم المالك قيمته يوم التلف من شاء منهما فان الضمان على المستعير لان المال حصل في يده بجهة مضمونة وان كانت قيمته يوم التلف أكثر نظران كانت الزيادة في يد المعير الغاصب لم يطالب بها غيره وان كانت في يد المستعير (فان قلنا) العارية تضمن ضمان العصب فهو كقيمته يوم التلف (وان قلنا) لا تضمن ضمان المغصوب فغرامة الزياة كغرامة المنافع وإذا طالبه المالك فغرامة المنافع وغرمها بالمنفعة التى تلفت في يده قرار ضمانها على المعير لان يد المستعير في المنافع ليست يد ضمان والتى استوفاها بنفسه فيها قولان مشروحان في الغصب النظر في احدهما إلى تغرير المعير اياه وفى الثاني إلى مباشرة الاتلاف وهو الاظهر والمستعير من المستأجر من الغاصب حكمه حكم المستعير من الغاصب إن ضمنا المستعير من المستأجر والا فليرجع بالقيمة التى غرمها على المستأجر ويرجع المستأجر على الغاصب. قال (والمستعير كل طالب أخذ المال لغرض نفسه من غير استحقاق. فلو اركب وكيله المستعمل في شغله دابته فتلفت فلا ضمان عليه. ولو أركب في الطريق فقير اتصدقا عليه فالاظهر أنه لا يضمن) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 220 ذكر حد المستعير ليبنى عليه مسائل فقال والمستعير كل طالب اخذ المال لغرض نفسه من غير استحقاق وزاد بعضهم فقال من غير استحقاق وتملك وقصد بهذه الزيادة الاحتراز عن المستقرض (وأما) نفى الاستحقاق والقصد منه الاحتراز عن المستأجر والحد مع هذه الزيادة ودونها معترض من وجهين (أحدهما) أنه منقوض بالمستام من الغاصب (والثانى) أن التعرض لكونه طالبا غير محتاج إليه إذ لافرق بين أن يلتمس المستعير حتى يعير وبين أن يبتدئ المعير بالاعارة (وأما) المسائل المشار إليها (فمنها) أنه لو أركب وكيله الذى استعمله في أشغاله دابته وسيره إلى موضع فتلفت الدابة في يده من غير تعد فلا ضمان عليه لانه لم يأخذها لغرض نفسه وكذلك لو سلمها إلى رائض ليروضها أو كان عليها متاع نفيس فاركب انسانا فوقه احرازا للمال (ومنها) لو وجد من أعيى في الطريق فأركبه فالمشهور أنه يضمن سواء التمس المعيى أو أبتدأ المركب وقال الامام انه لا يضمن لان القصد من هذه العارية التصدق والقربة والصدقات في الاعيان تفارق الهبات ألا ترى أنه يرجع في الهبة ولا يرجع بالصدقة وكذلك يجوز أن تفارق العارية التى هي صدقة سائر العوارى في الضمان وأقام صاحب الكتاب هذا وجها وحكم بانه أظهر. ولو أركبه مع نفسه فعلى الرديف نصف الضمان ورأى الامام أنه لا يلزمه شئ تشبيها بالضيف وعلى الاول لو وضع متاعه على دابة غيره وأمره أن يسير الدابة ففعل كان صاحب المتاع مستعيرا للدابة بقسط متاعه مما عليها حتى لو كان عليها مثل متاعة وتلف ضمن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 221 نصف الدابة ولو لم يقل صاحب المتاع سيرها ولكن سيرها المالك لم يكن صاحب المتاع مستعيرا ودخل المتاع في ضمان صاحب الدابة لانه كان من حقه أن يطرحها وان كان لاحد الرفيقين في السفر متاع وللآخر دابة فقال صاحب المتاع للآخر احمل متاعى على دابتك فاجابه فصاحب المتاع مستعير لها ولو قال صاحب الدابة اعطني متاعك لاضعه على الدابة فهو مستودع متاعه ولا تدخل الدابة في ضمان صاحب المتاع أورده في التهذيب. (فرع) لو استعار دابة ليركبها إلى موضع فجاوزه فهو متعد من وقت المجاوزة وعليه أجرة المثل ذهابا ورجوعا إلى ذلك الموضع وفى لزوم الاجرة من ذلك الموضع إلى أن يرجع إلى البلد الذي استعار منه وجهان (وجه المنع) أنه مأذون فيه من جهة المالك (ووجه) اللزوم ان ذلك قد انقطع بالمجاوزة وعلى هذا فليس له الركوب من ذلك الموضع بل يسلمه إلى حاكم الموضع الذى استعار إليه (فرع) أودعه ثوبا وقال ان شئت تلبسه فالبسه فهو قبل اللبس وديعة وبعده عارية وعن صاحب التقريب تخريج وجه آخر من السوم لانه مقبوض على توقع عقد ضمان قال ولو قيل لا ضمان في السوم أيضا تخريجا مما نحن فيه لم يبعد. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 222 (فرع) استعار صندوقا فوجد فيه دراهم فهى أمانة عنده كما لو طير الريح الثوب في داره. قال (الحكم الثاني التسلط على الانتفاع وهو بقدر التسليط فان أذن له في زراعة الحنطة لم يزرع ما ضرره فوقها وزرع ما ضرره مثلها أو دونها إلا إذا نهاه. ولو أذن في الغراس فبني أو في البناء فغرس فوجهان لاختلاف جنس الضرر. ولو أعار الارض ولم يعين فسدت العارية فان عين جنس الزراعة كفاه) من أحكام العارية تسلط المستعير على الانتفاع بحسب اذن المعير وتسليطه وفيه مسائل (الاولى) إذا أعار أرضا للزراعة فاما يبين ما يزرعه أو يطلق كما إذا قال أعرتكها لزراعة الحنطة نظر ان لم ينه عن زراعة غيرها فله أن يزرع الحنطة وما ضرره مثل ضرر الحنطة أو دونه وليس له أن يزرع ما ضرره فوق ضرره كالذرة والقطن فان نهاه عن زراعة غيرها لم يكن له زراعة غيرها وحيث زرع ما ليس له أن يزرعه فلصاحب الارض قلعه مجانا وان أطلق ذكر الزراعة ولم يبين المزروع فوجهان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب ان الاعارة صحيحة وله أن يزرع ما شاء لاطلاق اللفظ (والثانى) أنها لا تصح للتفاوت الظاهر بين أنواع المزروع ولو قيل تصح الاعارة ولا يزرع إلا أقل الانواع ضررا لكان مذهبا (الثانية) إذا أعار للزراعة لم يكن له البناء ولا الغراس لان ضررهما أكثر والقصد منهما الدوام ولو أعار للغراس هل له أن يبني أو للبناء هل له أن يغرس فيه وجهان (أحدهما) نعم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 223 لتقارب ضررهما فان كلا منهما للابد (وأصحهما) لا لاختلاف جنس الضرر فان ضرر الغراس في باطن الارض أكثر لانتشار عروقه وضرر البناء في ظاهرها أكثر (الثالثة) ان كان المستعار لا ينتفع به إلا بجهة واحدة كالبساط الذى لا يصلح الا أن يفرش فلا حاجة في اعارته إلى التعرض للانتفاع وان كان ينتفع به بجهتين فصاعدا كالارض تصلح للزراعة والبناء والغراس والدابة تصلح للحمل والركوب فهل تصلح اعارته مطلقا أم لابد من التعرض لجهة الانتفاع فيه وجهان (أحدهما) وهو الذى أورده الروياني وصاحب التهذيب انها تصح ولا يضر ما فيها من الجهالة بخلاف الاجارة يشترط فيها التعيين لانه يحتمل في العارية ما لا يحتمل في الاجارة (وأظهرهما) عند الامام وهو المذكور في الكتاب انه لابد من تعيين نوع المنفعة لان الاعارة معونة شرعية جوزت للحاجة فلتكن على حسب الحاجة ولا حاجة إلى الاعارة المرسلة وعلى هذا فلو قال اعرتك كذا لتفعل به ما بدا لك أو لتنتفع به كيف شئت فوجهان على الوجه الاول للمستعير أن ينتفع به كيف شاء لاطلاق الاذن وقال القاضي الرويانيى ينتفع به على العادة فيه وهذا أحسن. قال (الحكم الثالث جواز الرجوع عن العارية. الا إذا أعار لدفن ميت فيمتنع نبش القبر إلى أن يندرس أثر المدفون. وإذا أعار جدارا لوضع الجذوع عليه فلا يستفيد بالرجوع قبل الانهدام شيئا إذ لا أجرة له حتى يطالب به ولا يمكن هدمه والطرف الآخر في خاص ملك الجار. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 224 الاصل في العارية الجواز حتى يجوز للمعير الرجوع متى شاء وللمستعير الرد متى شاء لانه مبرة وتبرع فلا يليق بها الالتزام فيما يتعلق بالمستقبل ولا فرق بين العارية المطلقة والمؤقتة وعن مالك أنه لا يجوز الرجوع في المؤقتة واستثني الاصحاب من الاصل المذكور صورتين (احداهما) إذا أعار أرضا لدفن ميت قال في النهاية وله سقى الاشجار التى فيها ان لم يفض إلى ظهور شئ من بدن الميت وله الرجوع قبل الحفر وبعده ما لم يوضع فيه الميت قال في التتمة كذا بعد الوضع ما لم يواره لتراب وذكر أن مؤنة الحفر إذا رجع بعد الحفر وقبل الدفن على ولى الميت ولا يلزمه الطم. واعلم أن الدفن في الارض احدى منافعها كالبناء والغراس وقد ذكرنا خلافا في أن التعرض للمنفعة يشترط في الاعارة أم اطلاق الاعارة تسليط عليه لما فيه من ضرر اللزوم ولو قدر تسليطه عليه لكان ذلك ذريعة إلى الزام عارية الارضين (الثانية) إذا أعار جدارا لوضع الجذوع عليه ففى جوز الجذوع وجهان (ان جوزناه) ففائدته طلب الاجرعة للمستقبل أو التخيير بينه وبين القلع وضمان أرش النقصان فيه وجهان وكل ذلك بالشرح مذكور في كتاب الصلح والذى أجاب به صاحب الكتاب هناك جواز الرجوع وأورد تفريعا عليه الوجهين في فائدة الرجوع (وقوله) ههنا فلا يستفيد بالرجوع قبل الانهدام شيئا حاصله الجواب منع الرجوع لان أثر الرجوع اما طلب الاجرة أو الهدم أو ضمان النقصان وقد تفاهما جميعا في هذا الموضع وكان ذلك منعا من الرجوع الا ترى انه لما امتنع في الصورة السابقة طلب الاجرة والنبش أطلقنا القول بمنع الرجوع إذا كان كذلك جاز اعلام قوله فلا يستفيد بالرجوع قبل الانهدام شيئا - بالواو - وكذلك قوله أذ لا أجرة له وقوله ولا يمكن هدمه وقد بين في الصلح الاصح من الوجهين ماذا وحاول بعض الجزء: 11 ¦ الصفحة: 225 من شرح هذا الكتاب الجمع بين كلامه ههنا وبين قوله في الصلح فمهما رجع كان له النقص بشرط أن يغرم النقض فحمل ما ذكره في الصلح على ما إذا كان طرف الجذوع على المستعار وما ذكره ههنا على ما إذا كان أحد الطرفين على خاص ملك المستعير لكن فيه نظر من حيث ان الوجه الثاني هناك وهو قوله وقيل فائدة الرجوع المطالبة بالاجرة للمستقبل موجه في الوسيط وغيره بأن الطرف الآخر من خالص ملك المستعير فلا يمكن تمكينه من نقضه فلو كان التصوير هناك فيما إذا كان الطرفان على ملك المعير انتظم ذلك وبالجملة فالائمة لم يفرقوا في حكاية الوجهين في ثبوت الرجوع والوجهين في فائدة الرجوع إذا أثبتناه بين أن يكون على ملك المعير أحد طرفي الجذوع أو كلاهما قال (فان أعار البتاء والغراس مطلقا لم يكن له نقضه مجانا لانه محترم بل يتخير بين أن يبقى باجرة أو ينقض بأرش أو يتملك ببدل فأيها أراد أجير المستعير عليه. فان أبى كلف تفريغ الملك. فان بادر إلى التفريغ بالقلع ففى وجوب تسوية الحفر خلاف لانه كالمأذون في القلع بأصل العارية. ويجوز للمعير دخول الارض وبيعها قبل التفريغ. ولايجوز للمستعير الدخول بعد الرجوع الا لمرمة البناء على وجه. وفى جواز بيعه البناء خلاف لانه معرض للنقض. ولو قال أعرتك سنة فإذا مضت قلعت مجابا فله ذلك. ولو لم يشترط القلع لم يكن له الا التخيير بين الخصال الثلاثة كما في العارية المطلقة. وأذا أعار للزراعة ورجح قبل الادراك لزمه الابقاء إلى الادراك. وله أخذ الاجرة من وقت الرجوع. وأذا حمل السيل نواة إلى أرض فأنبتت فالشجرة لمالك النواة. والظاهر أن لمالك الارض قلعها مجانا إذ لا تسليط من جهته) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 226 اعارة الارض للبناء والغراس تنقسم إلى مطلقة وهى التى لم تبين لها مدة والى مؤقتة وهو التى بين لها مدة (القسم الاول) المطلقة للمستعير فيها ان يبنى ويغرس ما لم يرجع المعير فإذا رجع لم يكن له البناء والغراس ولو فعل وهو عالم بالرجوع قلع مجانا وكلف تسوية الارض كالغاصب وان كان جاهلا فوجهان كالوجهين فيما لو حمل السيل تواة إلى أرض فنبتت وربما شبهها بالخلاف في تصرف الوكيل جاهلا بالعزل وأما ما بني وغرس قبل الرجوع فان أمكن رفعه من غير نقصان يدخله رفع والا فينظر إن كان قد شرط عليه قلعه مجانا عند رجوعه وتسوية الحفر ألزم ذلك فان امتنع قلعة المعير مجانا وان كان قد شرط القلع دون التسوية لم يجب على المستعير التسوية لان شرط القلع رضاء بالحفر وان لم يشترط القلع أصلا نظر ان أراد المستعير القلع مكن منه لانه ملكه فله نقله عنه فإذا قلع فهل عليه التسوية فيه وجهان (أحدهما) لا لان الاعارة مع العلم بان للمستعير أن يقلع رضى بما يحدث من القلع (وأظرهما) نعم لانه قلع باختياره ولو امتنع منه لم يجبر عليه ويلزمه رد الارض إلى ما كانت عليه وإن لم يختر المستعير القلع لم يكن للمعير قلعه مجانا لانه بناء محترم ولكنه يخير بين ثلاثة خصال (احدها) أن يبقيه باجرة يأخذها (والثانية) أن يقلع ويضمن أرش النقصان وهو قدر التفاوت بين قيمته ثابتا ومقلوعا (الثالثة) أن يتملكه عليه بقيمته فان اختار القلع وبذل ارش النقص فله ذلك والمستعير يجبر عليه وان اختار احد الخصلتين الاخريين أجبر المستعير عليه أيضا فيما رواه جماعة منهم الامام وأبو الحسين العبادي وصاحب الكتاب وفى التهذيب أنه لابد فيها من رضى المستعير لان احداهما بيع والاخرى إجارة ويمكن أن يقرر وجه ثالث فارق بين التملك بالقيمة فيقال إذا اختاره المعير أجبر المستعير وهو كتملك الشفيع الشقص بهذا وبين الابقاء بالاجرة فيقال إنه لابد فيه من رضى المستعير واستخرج هذا الفرق الجزء: 11 ¦ الصفحة: 227 من قول من يقول من الاصحاب بتخير المعير بين خصلتين القلع وضمان الارش والتمليك بالقيمة وهذا ما ذكره القاضى أبو على وأكثر العراقيين وغيرهم ويشبه أن يكون هذا أظهر في المذهب والمعنى المرجوع إليه في الباب ان العارية مكرمة ومبرة فلا يليق بها منع المعير من الرجوع ولا تضييع مال المستعير فأثبتنا الرجوع على وجه لا يتضرر به المستعير وربطنا الامر لاختيار المعير لانه الذى صدرت منه هذه المكرمة ولان ملكه الارض وهى أصل والبناء والغراس فرع تابع لها وكذلك يتبعها في البيع. فإذا عرفت ما ذكرنا أعلمت قوله فايها أراد أجبر المستعير عليه - بالواو - (وأ ما) قوله فان أبى كللف تفريغ الملك فاعلم أن من فوض الامر إلى أتيار المعير في الخصال الثلاثة قال منه الاختيار ومن المستعير الرضى واسعافه بما طلب فان لم يسعفه كلفناه تفريغ أرضه ومن أختار رضى المستعير والتمليك بالقيمة والابقاء بالاجرة فلا يكلفه التفريغ بل يكون الحكم عنده كالحكم فيما إذا لم يختر المستعير شيئا مما خيرناه فيه وسيأتى فليكن قوله فان أبى كلف تفريغ الملك معلما - بالواو - أيضا ثم من قصر خيرة المعير على خصلتي القلع بشرط ضمان الارش والتمليك لاقيمة قالوا لو أمتنع من بذل الارش أو القيمة وبذل المستعير الاجره لم يكن للمعير القلع مجانا وان لم يبذلها فوجهان (أظهرهما) أنه ليس له ذلك أيضا وبه أجاب الذين خيروه بين الخصال الثلاثة إذا امتنع منها جميعا وما الذي يفعل فال بعض الاصحاب منهم أبو على الزجاجي يبيع الحاكم الارض مع البناء والغراس ليفاصل الامر وقال الاكثرون ويحكي عن المزني إنه يعرض الحاكم عنهما إلى أن يختارا شيئا ويجوز للمعير دخول الارض والانتفاع بها والاستضلال الجزء: 11 ¦ الصفحة: 228 بالبناء والشجر لانه جالس على ملكه وليس للمستعير دخولها للتفرج بغير اذن المعير ويجوز لسقي الاشجار على أصح الوجهين صيانة لملكه عن الضياع ووجه المنع أنه يشغل ملك الغير إلى أن ينتهي إلى ملكه وعلى الاول لو تعطلت المنفعة على صاحب الارض لدخوله قال في التتمة لا يمكن الا بالاجرة ولكل واحد من المعير والمستعير بيع ملكه من الآخر وللمعير بيع الارض من ثالث ثم يتخير المشترى تخير المعير وهل للمستعير بيع البناء من ثالث فيه وجهان (أحدهما) لا لانه في معرض النقض والهدم ولان ملكه عليه مستقر لان المعير بسبيل من تملكه (وأصحهما) لانه مملوك في الحال ولا اعتبار بمكنة تمليك الغير كتمكن الشفيع من تملك الشقص وعلى هذا فيزل المشترى منزلة المستعير وللمعير الخيرة على ما ذكرنا وللمشترى فسخ البيع ان كان جاهلا بالحال. ولو أن المعير والمستعير اتفقا على بيع الارض بما فيها بثمن واحد فقد قيل هو كما لو كان لهذا عبد ولهذا عبد فباعهما بثمن واحد (والاظهر) الجواز للحاجة ثم كيف يوزع الثمن ههنا وفيما إذا باعاهما على أحد الوجهين في التتمة أنه على الوجهين المذكورين فيما إذا غرس الراهن في الارض المرهونة أشجارا والذى أورده في التهذيب أمه يوزع على الارض مشغوله بالغراس والبناء وعلى ما فيها وحده فحصة الارض للمعير وحصة ما فيها للمستعير وحكم الذخول والانتفاع والبيع على ما ذكرناه في أبتداء الرحوع إلى الاختيار فيما إذا امتنعا من الاختيار واعراض القاضى عنهما على وتيرة واحدة (القسم الثاني) المقيدة بمدة فللمستعير البناء والغراس في المدة الا أن يرجع المعير وله أن يجدد كل يوم غرسا كذا قاله في التهذيب وبعد مضى المدة ليس له إحداث البناء والغراس وإذا رجع المعير عن العارية إما قبل مضى المدة أو بعده فالحكم كما لو رجع في القسم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 229 الاول ويختص هذا القسم بشيئين (أحدهما) أن فيما قبل مضى المدة وجها أنه لا يتمكن من الرجوع كما قدمناه عن مالك (والثانى) أن أبا حنيفة والمزنى جوزا له القلع مجانا فإذا رجع بعد المدة ذهابا إلى أن فائدة ذهاب المدة القلع بعد مضيها مضبوطة ونقل أبو على الزجاجي قولا مثله عن رواية الساجى وهو اختيار القاضى الرويانى ووجه ظاهر المذهب أنه مخير ما لم يشترط نقضه فلا ينقض مجانا كما في العارية المطلقة وبيان المدة كما يجوز أن يكون المنع من إحداث البناء والغراس بعدها أو طلب الاجرة (وقوله) في الكتاب بل يتخير بين أن يبقى بأجره وينقض بأرش أو يمتلك ببدل المراد من الارش ما مر والتفاوت بين قيمته ثابتا ومقلوعا ومن الاجرة أجرة المثل ومن البدل القيمة عند من يقول باختيار المستعير على ما اختاره المعير منها وما يتفقان عليه ومن الاجرة والابدال عند من يعتبر رضى المستعير (وقوله) لانه معرض للنقل يمكن حمله على نقض الملك بأن يملكه المعير وعلى نقض البناء بأن يقلعه وهو الذي اراد صاحب الكتاب (وقوله) لم يكن له الا التخيير بين الخصال الثلاثة معلم - بالحاء والواو والزاى - وسائر ما يحتاج إلى ذكره من الفاظ الكتاب قد اندرج في اثناء الكلام. (فرع) قال أبو سعيد المتولي أحد الشريكين إذا بني أو غرس في الارض المشتركة باذن صاحبه ثم رجع صاحبه لم يكن له أن ينقض ويغرم ارش النقصان لانه يتضمن نقض بناء المالك في ملكه ولا أن يمتلك بالقيمة في الارض مثل حقه فلا يمكننا ان نقول الاصل للمعير والبناء تابع له نعم له التقرير بالاجرة فان لم يبذلها الثاني يباع أو يعرض عنهما فيه ما سبق قال الرافعى رحمه الله تعالى في الفصل صورتان إذا أعار أرضا للزراعة فزرعها ثم رجع قبل ادراك الزرع نظر ان كان مما يعتاد الجزء: 11 ¦ الصفحة: 230 قطعه كلف قطعه والا فقد ذكرنا للمعير خصالا عند رجوعه في البناء والغراس واختلف الاصحاب ههنا فعن صاحب التقريب وجه أن له أن يقلع ويغرم ارش النقصان تخريجا مما إذا رحع في العارية المؤقتة للبناء قبل مضى المدة وعن الطبري انه يملكه بالقيمة وظاهر المذهب أنه ليس كالبناء في هاتين الخصلتين لان للزرع أمدا ينتظر والغراس للتأييد فعلى المعير ابقاؤه للمستعير إلى أوان الحصاد ثم فيه وجهان (أحدهما) ويحكى عن المزني واختاره القاضى الرويانى أنه يبقيه بالاجرة لانه انما أباح المنفعة إلى وقت الرجوع فصار كما إذا أعاره دابة إلى بلد ثم رجع في الطريق عليه نقل متاعه إلى مأمن بأجرة المثل ولو عين المعير للزراعة مدة فانقضت المدة غير مدرك نظر ان كان ذلك لتقصيرة في الزراعة بألتأخير قلع مجانا والا فهو كما لو أعاره مطلقا وان أعار للفسيل قال الشيخ أبو محمد ان كان ذلك مما يعتاد نقله فهو كالزرع والا فكالبناء. (فرع) قال في التهذيب إذا أعار للزراعة مطلقا لم يزرع الا زرعا واحدا وكذا لو اعار للغراس فغرس وقلع لا يغرس بعده الا باذن من جديد وهذا بين أن المعنى من قولنا فيما إذا أعار للبناء والغراس مطلقا يبنى ويغرس ما لم يرجع المعير لان البناء المأذون فيه جائز له ما لم يرجع والماذون فيه هو البناء مرة واحدة الا إذا كان قد صرح له بالتجديد مرة بعد أخرى (الثانية) إذا حمل السيل حبات أو نويات لغيره إلى أرضه فعليه ردها إلى مالكها ان عرفه والا دفعها إلى القاضى فلو نبتت في أرضه فوجهان (أحدهما) ان مالكها لا يجبر على قلعها لانه لم يوجد منه تعد وعلى هذا هو كالمستعير فينظر في النابت أهو شجر أم زرع ويكون الحكم على ما سبق (وأصحهما) الاجبار لان المالك لم يأذن فيه كما لو انتشرت الجزء: 11 ¦ الصفحة: 231 أغصان شجره المعير الى هواء داره له قطعها ولو حمل مالا قيمة له من نواة واحدة أو حبة فنبتت فهى لمالك الارض في وجه لان التقويم والمالية حصل في أرضه ولمالك الاصل في وجه لانها كانت محرمة الا خذ فعلى هذا في قلع النابت الوجهان ولو قلع صاحب الشجرة الشجرة فعليه تسوية الارض لانه قصد تخليص ملكه. قال (الحكم الرابع فصل الخصومة فإذا قال راكب الدابة لمالكها أعرتنيها وقال المالك أجرتكها فالقول قول الراكب. ولو قال ذلك زارع الارض لمالكها فالقول قول المالك لان عارية الارض نادرة وقيل في المسألتين قولان بالنقل والتخريج. ولو قال بل عصبتنيها فالقول قول المالك إذا الاصل عدم الاذن. ولو قال الراكب أركبتنيها وقال المالك أعرتكها فالقول قول المالك إذا الاصل عدم الاجارة فيحلف حتى يستحق القيمة عند التلف وجواز الرجوع عند القيام) . في ترجمة تساهل فان فصل الخصومة ليس حكما للعارية بخلاف الاحكام السابقة والمقصود بيان مسائل (احداها) إذا قال راكب الدابة لمالكها أعرتنى هذه الدابة وقال المالك أجرتكها مدة كذا بكذا فاما أن يقرض هذا الخلاف والدابة باقية أو هالكة (الحالة الاولى) أن تكون باقية فاما أن يقع الاختلاف بعد مضى مدة لمثلها أجرة والنص في المختصر أن القول قول الراكب مع يمينه ونص في باب الزراعة انه إذا زرع أرض الغير ثم اختلفا هكذا أن القول قول المالك مع يمينه وللاصحاب فيها طريقان (أحدهما) تقرير النصين لان الدواب يغلب فيها الاعارة وفى الاراضي يندر فصدق في كل صورة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 232 من الظاهر معه وذكر في الرقم أن هذا أظهر القفال (وأصحهما) عند الجمهور وبه قال الربيع والمزني وابن سريح أن الصورتين على القولين ثم منهم من يقول بحصولهما على النقل والتخريج ومنهم من يقول خما منصوصان في كل واحد من الصورتين (أصحهما) تصديق المالك وبه قال مالك وكما لو أكل طعام الغير وقال كنت أبحته لى فأنكر المالك فالقول قوله (والثانى) تصديق الراكب والزارع ويحكى هذا عن أبى حنيفة لانهما اتفقا على أن المنفعة مباحة له والمالك يدعى عليه الاجرة والاصل برائة ذمته عنها والى هذا مال السيخ أبو حامد وفرق الائمة بين هذه المسألة وبين ما إذا غسل ثوبه غسال أو خاطه خياط ثم قال فعلته بالاجرة وقال المالك بل مجانا حيث كان القول قول مالك مع يمينه قولا واحدا فان الغسال فوت منفعة نفسه ثم ادعى لها عوضا على الغير وههنا المتصرف فوت منغعة مال الغير واراد أسقاط الصمان عن نفسه فلم يقبل (التفريع) ان صدقنا المالك فعلى ما يحلف حكي الامام عن شيخه في طائفة أنه إنما يحلف على نفى الاعارة التى تدعى عليه ولا يتعرض لاثبات الاجارة مع نفي الاعارة وكان السبب فيه أن ينكر أصل الادلة حتى يتوصل إلى أثبات المال بنفى الاذن ونسبته إلى الغصب وإذا اعترف باصل الاذن فانما يثبت بطريق الاجارة فملكناه الحلف على أثباته الجزء: 11 ¦ الصفحة: 233 (فان قلنا) لا يتعرض الا لنفى الاعارة فإذا حلف أستحق أقل الامرين من اجرة المثل أو المسمى لانه ان كان أجر المثل أقل لم تقم حجة على الزيادة وان كان المسمى أقل فقد أقر أنه لا يستحق الزيادة (وان قلنا) يتعرض لهما ففيما يستحقه وجهان (أحدهما) المسمى اتماما لتصديقه (وأظهرهما) ويحكي نصا في الام أجرة المثل لانهما لو اتفقا على الاجارة وأختلفا في الاجرة كان الواجب أجرة المثل وإذا أختلفا في أصل الاجارة كان أولى والامام لم يحك الوجه الثاني هكذا ولكن حكى بدله أنه يستحق أقل الامرين كما سبق والتعرض للاجارة على هذا ليس لاثبات المال الذى يدعيه ولكن لينتظم كلامه من حيث انه اعترف باصل الاذن فحصل فيما يستحقه ثلاثة أوجه كما ترى وان نكل المالك عن اليمين المعروضة عليه لم ترد اليمين على الراكب والزارع لانهما لا يدعيان حقا على المالك حتى يثبتا اليمين وانما يدعيان الاعارة وليست هي حقا لازما على المعير وعن أبى الحسين رمز إلى انها ترد يخلص من الغرم ولو صدقنا الراكب والزارع فإذا حلف على نفى الاجارة كفاه وبرئ وان نكل رد اليمين على المالك واستحق بيمينه المسمى لان اليمين المردودة كالبينة أو كالاقرار وأيهما كان يثبت به المسمى وفيه وجه ضعيف أنه يستحق أجره المثل لان الناكل ينفي أصل الاجارة فيقع المدعى على أثباته (القسم الثاني) أن يقع الاختلاف قبل مضى مدة لمثلها أجرة بل عقب العقد والقول قول الراكب مع يمينه فإذا حلف على نفى الاجارة سقط دعوى الاجارة وردت الجزء: 11 ¦ الصفحة: 234 اليمين إلى المالك فان نكل حلف المالك اليمين المردودة ويستق الاجرة وانما لم يجئ القولان في هذه الصورة لان الراكب لا يدعى لنفسه حقا ولم يتلف المنافع على المالك فالمدعى على الحقيقة هو المالك وهناك تلفت المنافع تحت يد الراكب بعد القول باحاطتها فهو الذى جر الخلاف (الحالة الثانية) أن تكون الدابة هالكة فان تلفت عقب الاخذ قبل أن يثبت لمثلها أجرة فالراكب يقر بالقيمة والمالك ينكرها ويدعي الاجرة فتخرج على خلاف ما تقدم في ان اختلاف الجهة هل يمنع الاخذ (إن قلنا) نعم سقطت القيمة برده والقول قول من رد الاجرة فيه الطريقان المذكوران في الحالة الاولى (وان قلنا) لا فان كانت الاجرة مثل القيمة أو أقل اخذها بلا يمين وان كانت اكثر أخذ قدر القيمة وفى المصدق في الزيادة الخلاف السابق (وقوله) في الكتاب فالقول قول الراكب معلم - بالميم والزاى - (وقوله) والقول قول المالك معلم - بالحاء - ولا يخفى بعدما ذكرنا في لفظ الكتاب في المسألة وأن كان مطلقا فالمراد منه القسم الاول من الحالة الاولى (المسألة الثانية) إذا قال المتصرف أعرتني هذه الدابة والارض وقال المالك بل غصبتنيها فان لم تمض مدة لمثلها أجرة فلا معنى لهذه المنازعة إذ لم تفت العين ولا المنفعة ويرد المال إلى المالك وان كان النزاع بعد مضي مدة لمثلها أجرة نقل المزني أن القول قول المستعير وللاصحاب فيه طرق ثلاثة (أظهرها) أن الحكم على ما ذكرنا في المسألة الاولى فيفرق بين الدابة وبين الارض على طريق ويجعلان على قولين في طريق لان المالك ادعى أجرة المثل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 235 هاهنا كما يدعى المسمى هناك والاصل براءة لذمة (والثانى) القطع بأن القول قول المالك بخلاف تلك المسألة لانهما متفقان على الاذن هناك وههنا المالك منكر له والاصل عدمه ومن قال بهذا خطأ المزني في النقل قال أبو حامد لكنه ضعيف لان الشافعي رضى الله عنه نص في الام على ما نقله المزني (والثالث) القطع بأن القول قول المتصرف لان الظاهر من حاله أنه لا يتصرف إلا على وجه جائز هذا إذا تنازعا والعين باقية أما إذا كانت هالكة نظر إن هلكت بعد مضى مدة لمثلها أجرة فالمالك يدعى أجرة المثل والقيمة بجهة الغصب والمتصرف ينكر الاجرة ويقر بالقيمة بجهة العارية فالحكم في الاجرة على ما ذكرنا عند بقاء العين (وأما) القيمة فقد قال في التهذيب (إن قلنا) إن اختلاف الجهة يمنع الاخذ فلا يأخذها إلا باليمين (وان قلنا) لايمنع فان قلنا العارية تضمن ضمان الغصب أو لم نقل به ولكن كانت قيمته يوم التلف أكثر أخذها باليمين وان كانت قيمته يوم التلف أقل أخذ بلا يمين وفى الزيادة يحتاج إلى اليمين وان هلكت عقيب القبض وقبل مضى مدة يثبت لمثلها أجرة لزمه القيمة ثم قياس ما نقلناه عن التهذيب الآن أن يقال (ان جعلنا) اختلاف الجهة مانعا من الاخذ حلف والا أخذ من غير يمين وقضية ما ذكره الامام أنه لا تخريج على ذكر الخلاف لا هذه الصورة ولا ما إذا كان الاختلاف بعد مضى مدة يثبت لمثلها أجرة قال لان العين متحدة ولا وقع الاختلاف في الجهة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 236 مع اتحاد العين (والظاهر) الاول (وقوله) في الكتاب والقول قول المالك معلم - بالواو - لما ذكرنا من اضطراب الطرق وربما أعلم - بالزاي - لانه قال في الوسيط قال المزني والقول قول الراكب وهذا ليس بقويم لان المزني لم يقل ذلك ولا صار إليه وانما نقله عن الشافعي رضى الله عنه كما تقدم ثم أخذ يعترض عليه واختياره في المسألة تصديق المالك كما اختار في المسألة الاولى ولو قال المالك غصبتنيها وقال المتصرف بل أجرتني (فالجواب) تفريعا على الاصح أنه ان كانت العين باقية ولم تمض مدة لمثلها أجرة فالمصدق المالك فان حلف استرد المال وان مضت مدة لمثلها أجرة فالمالك يدعى أجرة المثل والمتصرف يقر بالمسمى فان استويا أو كانت أجرة المثل أقل أخذ بلا يمين وان كانت أجرة المثل أكثر أخذ قدر المسمى بلا يمين والزيادة باليمين قال صاحب التهذيب ولا يجئ ههنا خلاف اختلاف الجهة كما لو ادعى المالك فساد الاجارة والمتصرف صحتها يحلف المالك ويأخذ أجرة المثل وان كان بالاختلاف بعد بقاء العين مدة في يد المتصرف وتلفها فالمالك يدعي اجرة المثل والقيمة والمتصرف يقر بالمسمى وينكر القيمة فللمالك أخذ ما يقر به بلا يمين وأخذ ما ينكره باليمين ولو قال المالك غصبني وقال صاحب اليد بل أودعتني فيحلف المالك على الاصح ويأخذ القيمة ان تلف المال وأجرة المثل ان مضت مدة لمثلها أجرة (الثالثة) قال راكب الدابة أكريتنيها وقال المالك بل أعرتكها فان اختلفا والدابة باقية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 237 فالمصدق المالك في نفى الاجارة لان الراكب يدعي استحقاق المنفعة عليه والاصل عدمه فإذا حلف استردها فان نكل الراكب واستحق الامساك ثم ان كان قد مضى مدة لمثلها أجرة فالراكب يقر له بالاجرة والمالك ينكرها ولا يخفى حكمه وان كان الاختلاف بعد هلاك الدابة فان هلكت عقيب القبض فالمذهب أن المالك يحلف ويأخذ القيمة لان الراكب أتلف عليه ماله ويدعى أنه أباحه له والاصل عدمه وخرج قول مما مر في المسألة الاولى أن المصدق الراكب لان الاصل براءة ذمته وان هلكت بعد مدة لمثلها أجرة فالمالك يدعى القيمة وينكر الاجرة والراكب يقر بالاجرة وينكر القيمة (فان قلنا) اختلاف الجهة يمنع الاخذ حلف وأخذ القيمة ولاعبرة باقرار الراكب (وان قلنا) لايمنع وهو الاصح فان كانت القيمة والاجرة سواء أو كانت القيمة أقل أخذها بلايمين وان كانت القيمة أكثر أخذ الزياد باليمين. (فرع) إذا استعمل المستعير العارية بعد رجوع المعير وهو جاهل بالرجوع لم تلزمه الاجرة ذكره القفال. (فرع) إذا مات المستعير. وجب على ورثته الرد وان لم يطالب المعير. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 238 (كتاب الغصب) وفيه بابان (الباب الاول في الضمان) (وفيه ثلاثة أركان (الاول الموجب) وهو ثلاثة. التفويت بالمباشرة أو التسبب أو إثبات اليد العادية. وحد المباشرة إيجاد علة التلف كالقتل والاكل والاحراق. وحد السبب إيجاد ما يحصل الهلاك عنده لكن بعلة أخرى إذا كان السبب مما يقصد لتوقع تلك العلة قيجب الضمان على المكره على إتلاف المال. وعلى حفر بئرا في محل عدوان فتردت فيه بهيمة إنسان. فان رداه غيره فعلى المردى تقديما للمباشرة على السبب) . للاصحاب طرق في التعبير عن معنى الغصب (إحداها) أنه أخذ مال الغير على جهة التعدي وربما يقال الاستيلاء على مال الغير (والثانية) وهى أعم من الاولى أنه الاستيلاء على مال الغير بغير حق واختار الامام هده العبارة وقال لا حاجة إلى التقييد بالعدوان بل يثبت الغصب وحكمه من غير عدوان كما إذا أودع ثوبا عند انسان ثم جاء وأخذ ثوبا للمودع على ظن أنه ثوبه أو لبسه المودع وهو يظن أنه ثوبه (والثالثة) وهى أعم من الاولين حكى أبو العباس الرويانى عن بعض الاصحاب اطلاق القول بأن كل مضمون على ممسكه فعو مغصوب حتى المقبوض بالشراء الفاسد والوديعة إذا تعدى فيها المودع والرهن إذا تعدى فيه المرتهن وأشبه العبارات وأشهرها الاولى وفى الصورة المذكورة الثابت حكم الغصب لاحقيقته وفى الكتاب والسنة ما يدل على تحريم الغصب ويشير إلى جمل من أحكامه قال الله تعالى (ولا تأكلو أموالكم بينكم بالباطل) وعن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) وعن سمرة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 239 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) وعن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((من غصب شبرا من أرض طوقه الله تعالى من سبع أرضين يوم القيامة) والاجماع منعقد على تحريم الغصب وتعلق الضمان به ثم المغصوب إما أن يتلف قبل العود إلى يد المالك أولا يتلف وحينئذ فاما أن يعود إلى المالك من غير تغيير فيه واما ان يتغير بطارئ فخص المصنف كلام الكتاب في بابين (أحدهما) في الضمان عند التلف (والثانى) في الطوارئ وأحكمهما (أما الأول) فالحاجة فيه إلى معرفة ما يوجب الضمان وما يجب ضمانة وما يوجب ضمانا فهذه ثلاثة أركان (الاول) الموجب والغصب وان كان موجبا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 240 للضمان فالموجب غير منحصر فيه بل الاتلاف أيضا موجب بل هو أقوى فانه بمجرده يوجب اشغال الذمة بالضمان والغصب بمجرده لا يوجبه وانما يوجب دخول المغصوب في ضمانه حتى أذا تلف اشتغلت الذمة بالضمان والاتلاف قد يكون بالمباشرة وقد يكون بالسبب فصارت الاسباب ثلاثة التفويت بالمباشرة والتفويت بالتسبب واثبات اليد العادية وهو الغصب (أما التفويت) بالمباشرة والتسبب فاول مبدئه بيانهما والفرق بينهما واعلم أن ماله مدخل في هلاك الشئ اما أن يكون بحيث يضاف إليه الهلاك في العادة إضافة حقيقة أولا يكون كذلك وما لا يكون كذلك فاما أن يكون بحيث يقصد بتحصيله حصول ما يضاف إليه الهلاك أولا يكون كذلك فالذي يضاف إليه الهلاك يسمى علة والاتيان مباشرة وما لا يضاف إليه الهلاك ويقصد بتحصيله ما يضاف إليه يسمى سببا والاتيان به تسببا وهو القصد والتوقع قد يكون لتأثير بمجرده فيه وهو علة العلة وقد يكون بانضمام أمور إليه هي غير بعيدة الحصول وقد يخص أسم السبب بالنوع الاول وعلى ذلك جرى صاحب الكتاب في أول كتاب الجراح وأما ههنا فانه فسر السبب بمطلق ما يقصد به حصول العلة وفسره في الديات بما هو أعم من ذلك فقال السبب ما يحصل الهلاك عنده بعلة سواه ولكن لولاه لما أثرت العلة فلم يعتبر الا أنه لابد منه وعلى هذا التفسير فكل شرط سبب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 241 ولما فسر في الابواب بتفاسير اختلف اعتبار الحفر مع التردي فسمى الحفر ههنا وفى الديات سببا وامتنع منه في أول الجراح واقتصر على تسميته شرطا وفى الجملة فيكفى للتأثير في الاموال مالا يكتفى به للتأثير في القصاص والحكم المقصود لا يختلف باختلاف التعبيرات والاصطلاحات ولكن كان الاحسن الاستمرار على تفسير واحد وتعليق الاحكام عليه ثم انه اندفع في بيان صور من مسمى المباشرة والتسبب والمباشرة لقتل والاكل والاحراق ومن التسبب الاكراه على اتلاف مال الغير فان الاكراه مما يقصد لتحصيل الاتلاف ومنه ما إذا حفر بئرا في محل عدوانا فتردت فيها بهيمة أو عبد أو حر فان رداه غيره لضمان على المردى لان المباشرة تتقدم على السبب والكلام فيه وفى موضع عد ان الحفر يستقصى في الجنايات ان شاء الله تعالى (وقوله) في الكتاب والموجب وهو ثلاثة ظاهره يقتضى حصر أسباب الضمان في الثلاثة وقد يقال كيف حصرها في الثلاثة وله أسباب أخر الاستيام والاستعارة وغيرها (والجواب) انه يجوز أن يريد الاسباب الذى ضمنها قدما الاصحاب هذا الباب فاما ما عداها فلها مواضع مفردة (وقوله) التفويت المباشرة أو السبب أو إثبات اليد العادية إدخال أو في السبب حسن لانه طريق للتفويت كما أن المباشرة طريق لكن ادخالها في اثبات اليد العادية لا يحسن لانه سبب للضمان برأسه لا لانه طريق للتفويت (وقوله) وحد المباشرة إيجاد علة التلف أي مباشرة التفويت ولفظ الايجاد لا يستحبه المتكلم الا أن المعنى فيه مفهوم وأراد بعلة التلف ما ذكرنا من أنه يضاف إليه التلف في العرف وانما قلنا انه اضافة حقيقية لان الهلاك قد يضاف إلى السبب فيقال هلك مال فلان بسعاية فلان لكنه مجاز بدليل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 242 صحة النفى عنه (وقوله) إيجاد ما يحصل الهلاك عنده لفظة عنده ههنا ليست للحصر والمقارنة وانما المراد عقيبه أو ما أشبه ذلك (وقوله) إذا كان السبب اعادة لفظ السبب في حد السبب وتفسيره مما لا يستحسن ولو طرحه لا نتظم الكلام. قال (ولو فتح رأس زق فهبت ريح وسقط وضاع فلا ضمان. لان الضياع بالريح ولا يقصد بفتح الزق تحصيل الهبوب فهو كما لو فتح الحرز فسرق غيره. أو دل سارقا فسرق. أو بنى دارا فألقى فيه الريح ثوبا وضاع أو حبس المالك عن الماشية حتى هلكت فلا ضمان في شئ من ذلك وكذا إذا نقل صبيا حرا إلى مضيعة فافترسه سبع. ولو نقله إلى مسبعة أو فتح الزق حتى أشرقت الشمس وأذابت ما فيه ففى الضمان خلاف لان ذلك يتوقع فيقصد. وكذلك نقول إذا غصب الامهات وحدثت الزوائد والاولاد في يده مضمونة وكان ذلك تسببا إلى اثبات اليد. ولو فتح قفص طائر فوقف ثم طار لم يضمن لانه مختار. وان طار في الحال ضمن لان الفتح في حقه تنفير. وكذا البهيمة والعبد المجنون المقيد بمنزلة البهيمة. وان كان العبد عاقلا فلا يضمن من فتح باب السجن وان كان آبقا. ولو فتح رأس الزق فتقاطرت قطرات وابتل أسفله وسقط ضمن لان التقاطر حصل بفعله. ولو فتح الزق عن جامد فقرب غيره النار منه حتى ذاب وضاع فالثاني بالضمان أولى. وقيل لا ضمان عليهما) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 243 في الفصل مسألتان (إحداهما) لو فتح رأس زق فضاع ما فيه نظر ان كان مطروحا على الارض فاندفق ما فيه بالفتح ضمن وان كان منتصبا لا يضيع ما فيه بالفتح لو بقى كذلك لكنه سقط نظر إن سقط بفعله كما لو فتح رأسه فأخذ ما فيه في التقاطر شيئا فشيئا حتى أميل أسفله وسقط ضمن لان السقوط بالميلان الناشئ من الابتلال الناشئ من التقاطر الناشئ من الفتح وهو مما يقصد تحصيله بالفتح وان سقط بامر عارض من زلزلة أو هبوب ريح أو وقوع طائر فلا ضمان لان الهلاك لم يحصل بفعله ولا فعله مما يقصد به تحصيل ذلك العارض وعن مالك فيما ذكره المسعودي انه يجب الضمان لانه لولا الفتح لما ضاع ما فيه بالسقوط ولو جاء انسان وأسقط فالضمان عليه لا على الفاتح ولو أنه لما فتح رأسه أخذ ما فيه في الخروج ثم جاء آخر ونكسه مستعجلا فضمان الخارج بعد التنكيس عليهما كالخارجين أو على الثاني وحده كالخارج مع الخارج فيه وجهان (أصحهما) الثاني هذا إذا كان ما في الزق مائعا أما إذا كان جامدا فشرقت الشمس فاذابته فضاع أو ذاب بمرور الزمان وتأثير حرارة الهواء فيه وجهان (أحدهما) أن الضياع انما حصل بعارض الشروق فاشبه هبوب الريح (وأصحهما) الوجوب لان الشمس تذيب ولا تخرج فيكون الخروج بفعله وكأن الشمس كما يعلم شروقها فيكون الفاتح معرضا لما فيه للشمس وذلك تضييع بخلاف هبوب الريح فانه ليس مما ينتظر وعن القاضى الحسين اجراء الوجهين فيما إذا ازال أوراق الكروم وجرد عنا قيدها للشمس حتى أفسدتها وطرد أيضا فيما إذا ذبح شاة انسان فهلكت سخلتها أو حمامته فهلك فرخها لفقدان ما يصلح لهما ولو جاء آخر وقرب نارا من الجزء: 11 ¦ الصفحة: 244 الجامد حتى ذاب وضاع فوجهان (أحدهما) أنه لا ضمان على واحد منهما (أما الاول) فلان مجرد الفتح لا يقتضى الضمان (وأما الثاني) فلانه لم يتصرف في الظرف ولا في المظروف (وأظهرهما) وهو اختيار صاحب المهذب وجوب الضمان على الثاني لان تقرب النار منه تصرف بالتضييع والاتلاف والوجهان جاريان في تقريب الفاتح النار منه وفيما إذا كان رأس الزق مفتوحا فجاء انسان وقرب منه النار ولو حل رباط سفينة فغرقت بالحل ضمن ولو غرقت بسبب حادث من هبوب الريح أو غيره لم يضمن وان لم يظهر سبب حادث فوجهان مذكوران في المهذب والتهذيب وليكن الامر كذلك في مسألة الزق إذا لم يظهر حادث لسقوطه (الثانية) لو فتح قفصا عن طائر وهيجه حتى طار ضمنه لانه أتلفه على مالكه وان لم يزد على فتح القفص فطار الطائر فاما أن يطير في الحال أو يقف ثم يطير فاما في الحالة الاولى فطريقان (أظهرهما) أن في وجوب الضمان قولين (أحدهما) أنه لا يلزمه الضمان لان للحيوان قصدا واخيتارا ألا ترى أنه يقصد ما ينفعه ويتوقى المهالك وغاية الموجود من الفاتح التسبب إلى تضييعه فتقدم على مباشرة الطائر واختياره (وأظهرهما) اللزوم لان الطائر ينفر ممن يقرب منه فإذا طار عقيب الفتح اشعر ذلك بانه نفره (والثانى) القطع بالقول الثاني ومنهم من فرق بين أن يخرج الطائر من غير اضطراب وبين أن يضطرب ثم يخرج فيدل ذلك على فزعه وتنفره (وأما) في الحالة الثانية فطريقان أيضا (أحدهما) أنه على قولين (وأظهرهما) القطع بنفي الضمان لان الطيران بعد الوقوف امارة ظاهرة على أنه طار باختياره وإذا اختصرت قلت في المسألة ثلاثة أقوال (أحدها) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 245 أن يضمن مطلقا وبه قال مالك وأحمد واختاره أبو خلف السلمى والقاضى الرويانى وغيره من الاصحاب (وثانيها) لا يضمن مطلقا (وأظهرها) أنه يضمن ان طار في الحال ولا يضمن ان وقف ثم طار وروى عن أبى حنيفة مثله وأيضا مثل القول الثاني وهو اشهر وذكر العراقيون أن الثاني هو قوله في القديم وفى التهذيب عن طريق القولين في الحالة الثانية أن القديم لا يضمن وفيما جمع من فتاوى القفال وغيره تفريعا على وجوب الضمان إذا طار في الحال أنه لو وثبت هرة كما لو فتح القفص ودخلت وقتلت الطائر لزمه الضمان كأنهم جعلوا الفتح اغراء للهرة كما أنه تنفير للطائر وانه لو كان القفص مغلقا فاضطرب بخروج الطائر وسقط وانكسر وجب ضمانه على الفاتح وأنه لو كسر الطائر في خروجه قارورة انسان لزمه ضمانه لان فعل الطائر منسوب إليه وانه لو كان شعير في جراب مسدود الرأس وبجنبه حمار ففتح فاتح رأسه فأكله الحمار في الحال لزمه الضمان وإذا حل رباط بهيمة أو فتح الاصطبل فخرجت فضاعت فالحكم على ما ذكرنا في فتح القفص وحكى الامام أن شيخه أبا محمد كان يثبت الفرق بين الحيوان النافر بطبعه والانسى ويجعل خروج الانسى على الاتصال كخروج النافر على الانفصال قال وهذا منقاس ولكني لم أره الاله وإذا خرجت البهيمة في الحال وأتلفت زرع انسان فعن القفال انه ان كان نهارا لم يضمن وان كان ليلا ضمن كما في دابة نفسه وقال العراقيون لا يضمن إذ ليس له حفظ بهيمة الغير من الزرع ولو حل قيد العبد المجنون أو فتح باب السجن فذهب فهو كما لو حل رباط البهيمة وان كان عاقلا نظر ان لم يكن آبقا فلا ضمان لان له اختيارا صحيحا وذهابه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 246 محال عليه وان كان آبقا ففيه خلاف للاصحاب منهم من جعل حل قيده كحل رباط البهيمة لانه أطلقه وقد اعتمد المالك ضبطه فأتلفه عليه فعلى هذا يجئ فيه التفصيل السابق وهذا ما اورده في التهذيب (والاظهر) أنه لا ضمان بحال كما في غير الآبق وهو المذكور في الكتاب ولو وقع طائر على جداره فنفره لم يضمن لانه كان ممتنعا من قبل ولو رماه في الهواء فقتله ضمن سواء كان في هواء داره أو في غيره إذ ليس له منع الطائر من هواء ملكه هذا شرح المسألتين وكانت صورة المسألة الاولى مبددة في الكتاب فنظمناها وقد أدرج في خلالها صورا للاستشهاد لانهملها وان كانت تأتى في الشرح في مواضعها (منها) لو فتح باب الحرز فسرق غيره أو دل سارقا فسرق أو أمر غاصبا حتى غصب أو بنى دارا فألقت الريح فيها ثوبا فضاع لا ضمان عليه لانه لم يوجد منه اثبات يد على المال ولا مباشرة اتلاف ولا سبب يمكن تعليق الضمان به اما في الصورة الاخيرة فلا تسبب أصلا لانه لا يقصد ببناء الدار ذلك وأما فيما سواها فلانه طرأ عليه مباشرة المحتاز فانقطعت الاضافة إلى السبب (ومنها) لو حبس المالك عن ماشيته حتى تلفت لا ضمان عليه لانه لم يتصرف في المال وانما تصرف في المالك وكان هذا التصوير فيما إذا لم يقصد منعه عن الماشية وانما قصد حبسه فافضى الامر إلى هلاكها لان أبا سعيد المتولي أجرى الوجهين المذكورين فيما إذا فتح الزق عن جامد فذاب ما فيه بشروق الشمس وضاع وفيما إذا كان زرع ونخيل وأراد سوق الماء اليهما فمنعه ظالم من السقى حتى فسدت هل يلزمه الضمان (ومنها) لو نقل صبيا حرا إلى مضيعة فاتفق سبع فافترسه لا ضمان عليه احالة للهلاك على الجزء: 11 ¦ الصفحة: 247 اختيار الحيوان ومباشرته وأنه لا يقصد بالنقل ذلك أما إذا كان نقله إلى مسبعة فافترسه سبع فقد حكى صاحب الكتاب وجهين الحاقا بالوجهين في مسألة شروق الشمس (والمشهور) من مذهبنا أنه لا ضمان وانما يوجبه أبو حنيفة (وأما) قوله وكذلك نقول إذا غصب الامهات وحدثت الزوائد بالاولاد في يده مضمونة فهذا وان كان مذكورا على سبيل الاستشهاد لكنه يشتمل على مسألة مقصودة في الباب وهى أن زوائد المغصوب منفصلة كانت كالولد والثمرة والبيض أو متصلة كالسمن وتعلم الصنعة مضمونة على الغاصب كالاصل سواء طالبه المالك بالردة أو لم يطالبه وبه قال أحمد وقال أبو حنيفة هي أمانة لا يضمنها إلا بما يضمن سائر الامانات ويروى مثله عن مالك. لنا ان غصب الام يتضمن منع حصول الولد من يد المالك فليكن كازالة يده عنه كما أن من غر بحرية أمة فأحبلها كان الولد حرا وضمن من قيمته باعتقاد حرية الام يقع دحول الولد في ملكه فجعل كاتلاف ملكه وأيضا فان اليد العاديه مضمونة كالاتلاف ثم الاتلاف قد يكون على سبيل المباشرة وقد يكون على سبيل التسبب وكذلك اليد واثبات اليد على الاصول تسبب إلى إثبات اليد على الاولاد فيتعلق به الضمان وهذا معنى قوله في الكتاب وكان ذلك تسبباإلى اثبات اليد واستشهد بالمسألة بقوله ان ذلك يتوقع فيقصد ولتطرد هذه القاعدة ذهب بعضهم إلى أنه إذا غصب هادى القطيع فتبعه القطيع أو بقرة فتبعها العجل يضمن القطيع والعجل. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 248 قال (أما اثبات اليد فهو مضمن. وإذا كان عدوانا فهو غصب. والمودع إذا جحد فهو من وقت الجحود غاصب. واثبات اليد في المنقول بالنقل الا في الدابة فيكفى فيها الركوب (و) . وفى الفراش الجلوس عليه فهو غاية الاستيلاء. وفى العقار (ح) يثبت الغصب بالدخول وازعاج المالك. وان أزعج ولم يدخل لم يضمن. وان ادخل ولم يزعج ولم يقصد الاستيلاء لم يضمن. وان قصد صار غاصبا للنصف والنصف في يد المالك. والضعيف إذا دخل دار القوى وهو فيها وقصد الاستيلاء لم يضمن. لان المقصود غير ممكن. وان لم يكن القوى فيها ضمن لانه في الحال مستول وأثر القوة في القدرة على الانتزاع. فهو كما لو غصب قلنسوة ملك ضمن في الحال) . السبب الثالث اثبات اليد العادية وينقسم إلى المباشرة بان يغصب الشئ ويأخذه من مالكه والى التسبب وهو في الاولاد ويتأيد بالزائد كما مر أن اثبات اليد على الاصول ينسب إلى اتباعها على الفروع (وقوله) في الكتاب اثبات اليد فهو مضمن يعنى اثبات اليد العادية كما ذكر في أول الركن لا مطلق اثبات اليد (وقوله) فإذا كان عدوانا فهو غصب يعنى إذ كان عدوانا بمباشرته ويمكن أن يحمل قوله ان اثبات اليد مضون على أنه جهة للضامن في الجملة فإذا انضمت إليه العدوانية فهو غصب اما المباشرة أو التسبب وهذا أحسن واللفظ إليه أقرب لكنه صرح بالاول في الوسيط والظاهر أنه أراد ههنا ما صرح به هناك (وقوله) وإذا جحد فهو من وقت الجحود غاصب هذه الصورة وحكمها مذكورة في الوديعة والداعي إلى ذكرها في هذا الموضع أن أبا حنيفة يقول غاصب الاصل وان أثبت اليد على الولد لكنه لم تزل يد المالك فيه والغصب عبارة عن ازالة يد المالك فمنع الاصحاب اعتبار قيد الازالة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 249 في الغصب واحتجوا عليه أن المودع من وقت الجحود غاصب وبأنه لو طولب بولد المغصوب فامتنع كان غاصبا وان لم تزل يد المالك ولمن ينازع أن يقول لاغصب في الصورتين لكنه يضمن ضمان النغصوب لتقصيره في الامانة في الجحود والامتناع ثم تكلم فيما تثبت به اليد العادية في العقار والمنقول (أما المنقول) فالاصل فيه النقل لكن لو ركب دابة الغير أو جلس على فراشه ولم ينقله فقد حكي الامام فيه وجهين (أحدهما) أنه لابد من النقل كما أنه لابد منه في قبض المبيع وسائر العقود (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يكون غاصبا لحصول غاية الاستيلاء بصفة الاعتداء ولمن نصره أن يجيب عن أحتجاج الاول بأن القبض في البيع له حكمان دخوله في ضمانه وذلك حاصل بالركوب والجلوس من غير نقل (والثانى) تمكنه من التصرف فالركوب إما أن يكون باذن البائع أو دون إذنه فان إذن البائع فالتمكن حاصل وان لم يأذن فلا يتمكن لكن الحكم في النقل بغير اذنه مثله فإذا لافرق ويشبه أن تكون المسألة مصورة فيما إذا قصد الراكب أو الجالس الاستيلاء أما إذا لم يقصده ففى التتمة في كونه غاصبا وجهين قال وهذا إذا كان المالك غائبا أما إذا كان حاضرا فان زححه وجلس على الفراش ضمن وكذا أن لم يزححه وكان بحيث يمنعه من دفعه والتصرف فيه وقياس ما سيأتي في نظيره في العقار أن لا يكون غاصبا الا لنصفه وأما العقار فاما أن يكون مالكه فيه أولايكون ان كان فيه فأزعجه ظالم ودهل الدار باهله على هيئة من يقصد السكنى فهو غاصب سواء قصد الاستيلاء أم لم يقصد فان وجود نفس الاستيلاء يغنى عن قصده ولو سكن بيتا من الدار ومنع المالك عنه دون باقى الدار فهو غاصب لذلك البيت دون باقى الدار فان أزعج المالك لكنه لم يدخل الدار فقد أطلق ههنا وفى الوسيط أنه لا يضمن واعتبر دخول الدار في غصبها لكن قدم في البيع انه لا يعتبر في قبض العقار دخوله والتصرف فيه وانما المعتبر التمكن من التصرف بالتحلية وتسليم المفتاح الجزء: 11 ¦ الصفحة: 250 إليه وإذا كان حصول التمكين بتمكين البائع قبضا وجب ان يكون حصوله بالتسليط في أخذ المفتاح بالقهر غصبا وان لم يوجد الدخول وهذا ما يدل عليه كلام عامة الاصحاب فانهم لم يعتبروا الا الاستيلاء ومنع المالك عنه ولم يذكر الامام المسأله كما ذكرها صاحب الكتاب ولكن قال لا يحصل الغصب لنفس الازعاج فانه بمثابة منع المالك عن ماشيته وحمل هذا على ما ذكره الاكثرون هين ولو لم يزعج المالك ولكنه دخل واستولى مع المالك كان غاصبا لنصف الدار لاجتماع يدهما واستلائهما عليه نعم لو كان الداخل ضعيفا والمالك قوى لابعد مثله مستوليا لم يكن غاصبا لشئ من الدار ولا عبرة بقصد مالا يتمكن من تحقيقه أما إذ لم يكن مالك العقار فيه ودخل على قصد الاستيلاء فهذا غاصب وان كان الداخل ضغيفا وصاحب الدار قويا لان الاستيلاء حاصل في الحال وأثر قوة المالك سهولة إزالته والانتزاع من يده فكان كما لو سلب قلنسوة ملك يكون غاصبا وان سهل على المالك انتزاعها وتأديبه وفيه وجه أنه لا يكون غاصبا لان مثله في العرف يعد هزأ لاستيلاء وان دخله لاعلى قصد الاستيلاء لينظر هل يصلح له أو ليتخذ مثله لم يكن غاصبا قال في التتمة لكن لو انهدمت في تلك الحالة هل يضمنها فيه وجهان (وأصحهما) لا بخلاف المنقول وفرق بينهما بأثر اليد على المنقول حقيقة فلا يحتاج في إثبات حكمها إلى قرينة وعلى العقار حكمية فلا بد من تحقيقها من قرينة قصد الاستيلاء وهذا الفرق كأنه راجع إلى الاصح والا فوجهان جاريان في المنقول على ما سبق (وقوله) في الكتاب إلا في الدابة وفى الفراش ليس القصد من الاستيلاء الدابة والفراش ولا شئ في المنقولات فيكفى على وجه (وقوله) وفى العقار يثبت الغصب معلم - بالحاء - لان عند أبى حنيفة لا يثبت فيه الغصب لنا ان العقار تثبت عليه اليد فيدخله الغصب كالمنقول (وقوله) بالدخول) وأزعاج المالك اعتبار الدخول والازعاج جميعا وفى اعتبار الدخول ما ذكرنا فيجوز أن يعلم (قوله) بالدخول والواو وكذا (قوله) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 251 لم يضمن (وأما) الازعاج فهو غير معتبر في غصب العقار أيضا ألا ترى أنه لو كان المالك غائبا يوجد الغصب ولا إزعاج ولو استولى مع المالك صار غاصبا للنصف ولا إزعاج بل الاعتبار باليد والاستيلاء حتى لو اقتطع قطعة من أرض ملاصقة لارضه وبني عليها حائطا وأضافها إلى ملكه يضمنها الا أن الاستيلاء في الغالب يحصل بالدخول والازعاج فلذلك ذكرهما. قال (وكل يد تبتنى على يد الغاصب فهى يد ضمان ان كان مع العلم. وان كان مع الجهل بالغصب فهو أيضا يد ضمان. ولكن في اقرار الضمان تفصيل. وكل يد لو ابتني على يد المالك اقتضى أصل الضمان كيد العارية والسوم والشراء. فان ابتني على يد الغصب مع الجهل اقتضى قرار الضمان عند التلف. ومالا كيد الوديعة والاجارة والرهن والوكالة لا تقتضي قرار الضمان) . قد مر أكثر صور الفصل في باب الرهن من الكتاب مع الخلاف واقتصر ههنا على ذكر ظاهر المذهب وهو أن كل يد ترتبت على يد الغاصب فهى يد ضامن حتى يتخير المالك بين أن يطالب الغاصب عند التلف وبين أن يطالب من ترتبت يده على يده سواء علم الغصب أو لم يعلم لانه أثبت يده على مال الغير بغير اذنه والجهل غير مسقط للضمان ثم الثاني ان علم بالغصب فهو كالغاصب من الغاصب يطالب بكل ما يطالب به الغاصب وان تلف المغصوب في يده فاستقرار ضمانه حتى لو غرم لم يرجع على الاول ولو غرم الاول رجع إليه إذا لم تختلف قيمته في أيديهما أو كانت في يد الثاني أكثر أما إذا كانت في يد الاول أكثر فلا يطالب بالزيادة الا الاول ويستقر عليه وان جهل الثاني الغصب فان كان اليد في وضعها يد ضمان كالعارية فيستقر الضمان على الثاني وان كانت يد أمانة كالوديعة فيستقر على الغاصب وإذا تأملت الشرح هناك أعلمت قوله وان كان مع الجهل بالغصب فهو أيضا يد ضمان بالواو للوجه الذاهب إلى أن أيدى الامانات لا تقتضي الضمان عند الجهل وكذا (قوله) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 252 لا يقتضى قرار الضمان للوجه الذاهب فيها إلى القرار واعلم أن الطريق المنسوب إلى العراقيين لم يورده الامام ههنا كما سبق في الرهن ولكن نقل عنهم فرقا بين أيدى الامانات على نحو ما تقدم عنهم من التصديق عند دعوى الرد والاعتماد على ما سبق هناك (وأما) ما يتعلق باللفظ فقوله وكل يد أثبتت على هكذا يوجد في الاكثر ويقرأ لكن الابتناء متعد كالبناء فالوجه أن يقال ابتنت وقد تستعمل اللازمة الابتناء فيمكن أن تراعى الصورة ويقرأ ابتنت وقوله تقرير ضمان يعني بصفة الاستقرار (وأما) عند الجهل فهو يد ضمان وفى صفة الاستقرار التفصيل (وقوله) اقتضت أصل الضمان ينبغى أن يكون الضمان ههنا مفسرا باستقرار اليد عليه إذا حصل التلف في يده ثم البدل القيمة تارة والثمن أخرى وهذا لان الشراء معدود من أيدي الضمان فليكن التفسير ما يشمل الشراء والكلام في تفصيل ما يضمن المشتري من الغاصب وسائر ما يناسبه يأتي في الفصل الثالث من الباب الثاني ان شاء الله تعالى والقرض معدود من أيدي الضمان ولو وهب المغصوب من انسان فتلف في يده فالقرار على على الغاصب في أحد القولين لان يد الاتهاب ليست يد ضمان وعلى المتهب في أصحهما لانه أخذه للتمليك ولو زوج الجارية المغصوبة فتلفت عند الزوج ففى مطالبة الزوج بالقيمة طريقان قيل هو كالمودع ومنهم من قطع بأنه لا يطالب لان كون الزوجة في حبالة الزوج ليس ككون المال في يد صاحب اليد قال في التهذيب وهو المذهب. قال (ومهما أتلف الآخذ من الغاصب فالقرار عليه أبدا. الا إذا كان مغرورا. كما لو قدم إليه ضيافة ففيه قولان لمعارضة الغرور والمباشرة. وكذا الخلاف فيما لو غر الغاصب المالك وقدمه إليه فاكله المالك. وههنا أولى بان يبرأ الغاصب. وكذلك يطرد الخلاف في الايداع والرهن والاجارة من المالك إذا تلف بيده. ولو زوج الجارية من المالك فاستولدها مع الجهل نفذ الاستيلاد وبرئ   بياض بالاصل فحرر الجزء: 11 ¦ الصفحة: 253 الغاصب. وكذا لو وهبه منه فان التسليط تام. ولو قال هو عبدي فاعتقه فقد قيل لا ينفذ عتقه لانه مغرور. وقيل ينفذ ويرجع بالغرم. وقيل لا يرجع بالغرم) . عرفت حكم قرار الضمان عند تلف المغصوب في يد من ترتبت يده على يد الغاصب أما إذا أتلفه فينظر ان استقل به فقرار الضمان عليه لان الاتلاف أقوى من اثبات اليد العادية فان حمله الغاصب عليه كما إذا غصب طعاما فقدمه إلى انسان ضيافة حتى أكله فالقرار عليه أيضا ان كان عالما وان كان جاهلا فقولان (أحدهما) أن القرار على الغاصب لانه غره حيث قدم الطعام إليه وأوهم أنه لاتبعة فيه ويروى هذا عن القديم وبعض كتب الجديد (واصحهما) وهو المشهور من الجديد وبه قال أبو حنيفة والمزنى ان القرار على الآكل لانه المتلف واليه عادت منفعته فعلى هذا إذا غرم لم يرجع على الغاصب والغاصب إذا غرم يرجع على الآكل وعلى الاول الحكم بالعكس وهذا إذا قدم الطعام ولم يذكر شيئا أما إذا قدمه وقال هو ملكى ففى رجوع الآكل على الغاصب القولان ولو غرم الغاصب قال المزني يرجع على الآكل وغلطه الاصحاب لان في ضمن قوله انه ملكى اعتراف بانه مظلوم بما غرم والمظلوم لا يرجع على غير الظالم ولو وهب المغصوب من غيره وأتلفه ففيه القولان وأولى بأن يستقر الضمان على المتهب لحصول الملك له ولو قدم الطعام المغصوب إلى عبد انسان فاكله فان جعلنا القرار على الحر إذا قدمه إليه فاكله فهذه جناية من العبد يباع فيها والا فلا يباع وانما يطالبه الغاصب كما لو قدم شعيرا معصوبا إلى بهيمة غيره من غير اذن مالكها ولو غصب شاة وأمر قصابا فذبحها جاهلا بالحال فقرار ضمان النقصان على الغاصب ولا يخرج على الخلاف في أكل الطعام لانه ذبح للغاصب وهناك انتفع به لنفسه ولو أمر الغاصب انسانا فأتلف المغصوب بالقتل والاحراق ونحوها ففعله جاهلا بالغصب فمنهم من جعله على القولين في أكل الطعام والاصح القطع بأن القرار الجزء: 11 ¦ الصفحة: 254 على المتلف لانه محظور بخلاف الاكل ولا وقع للتغرير مع الحظر ثم في الفصل صور (أحدها) لو قدم الطعام المغصوب إلى مالكه فأكله جاهلا بالحال فان قلنا في التقديم إلى الأجنبي ان القرار على الغاصب لم يبرأ الغاصب ههنا وان جعلنا القرار على الآكل برئ الغاصب ههنا وبه قال أبو حنيفة وربما نصر العراقيون الاول لكن قد سبق في المسألة المبنى عليها أن الاصح ثبوت الاستقرار على الآكل وحكى الامام عن الاصحاب انهم رأوا البراءة ههنا اولى من الاستقرار وههنا تصرف المالك في ضمن اتلافه يتضمن قطع علقة الضمان عن الغاصب وتابعه صاحب الكتاب على ذلك وبنيا على هذه الاولوية تردد الشيخ أبى محمد فيما إذا أودع أو رهن أو أجر المالك وهو جاهل بالحال فتلف المغصوب عنده لان يد المالك إذا ثبتت قطعت أثر الضمان وظاهر المذهب أن الغاصب لا يبرؤ في هذه الصور كما أن الضمان لا يتقرر على الأجنبي وعلى عكسه لو باع أو أقرض أو أعار من المالك فتلف عنده يبرأ الغاصب ولو دخل المالك دار الغاصب فأكل طعاما على اعتقاد أنه طعام الغاصب فكان طعامه المغصوب يبرأ الغاصب لانه أتلف مال نفسه في جهة منفعته من غير تغرير من الغاصب ولو صال العبد المغصوب على مالكه فقتله المالك لم يبرأ الغاصب من الضمان سواء علم أنه عبده أو لم يعلم لان الاتلاف بهذه الجهة كاتلاف العبد نفسه ولهذا لو كان العبد لغيره لا يضمنه وفيه وجه أنه يبرأ عند العلم لاتلافه مال نفسه في مصلحته (الثانية) لو زوج الجارية المغصوبة من مالكها وهو جاهل فتلفت عنده فهو كما لو أودع المغصوب عنده فتلف ثم لو استولدها نفذ الاستيلاد وبرئ الغاصب ومنهم من أثبت فيه خلافا وهو قريب من الخلاف الذى نذكره في إعتاقه (الثالثة) لو قال الغاصب لمالك العبد المغصوب أعتقه فاعتقه جاهلا بالحال ففى نفوذ العتق وجهان (أحدهما) أنه لا ينفذ لانه لم يرض باعتاق عبده (وأصحهما) النفوذ لاضافة العتقد إلى رقيقه والعتق لا يدفع بالجهل وعلى هذا فوجهان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 255 (أحدهما) أنه لا يبرأ الغاصب عن الضمان بل يرجع المالك عليه بالغرم لانه لم يرض بزوال ملكه (وأصحهما) البراءة لا نصرافه إلى جهة صرفه إليها بنفسه وعادت مصلحتها إليه ولو قال أعتقه عنى وفعل جاهلا ففى نفوذ العتق الوجهان ان نفذ ففى وقوعه عن الغاصب وجهان قال في التتمة الصحيح المنع ولو قال المالك للغاصب أعتقه عني أو مطلقا فاعتق وبرئ الغاصب. قال (الركن الثاني في الموجب فيه. وهو كل مال مغصوب. وينقسم إلى الحيوان وغيره. فالحيوان يضمن بقيمته حتى العبد يضمن عند التلف والاتلاف بأقصى قيمته ولو قطع الغاصب احدى يدى العبد التزم اكثر الامرين من نصف قيمته أو أرش النقصان لانه تلف تحت يده إذا قلنا جراح العبد مقدر. ولو سقطت يده بآفة سماوية لا يضمن إلا أرش النقصان. ولا يجب في عين البقرة والفرس إلا أرش النقص. ولا يضمن الخمر لذمي ولا مسلم. ولكن يجب ردها إن كانت محترمة. ولا يراق على أهل الذمة الا إذا أظهروها. فان أريق فلا ضمان. وكذلك الملاهي إذا كسرت. فان أحرقت وجب قيمة الرضاض لانه غير جائز. وكذا في الصليب والصنم والمستولدة والمدبر. والمكاتب ملحق في الضمان بالعبد القن) . في الموجب فيه قال حملة المذهب المضمونات قسمان (أحدهما) ما ليس بمال وهو الاحرار فيضمنون بالجناية على النفس والطرف بالمباشرة تارة وبالسبب أخرى والقول في هذا القسم يبسط في الجنايات (والثانى) ما هو مال وينقسم إلى الاعيان والمنافع والاعيان قسمان الحيوان وغيره والحيوان قسمان الآدمى وغيره أما الآدمى فتضمن النفس والطرف في الرقيق بالجناية كما يضمن الحر ويضمن أيضا باليد العادية وبدل نفسه قيمته بالغة ما بلغت سواء قتل أو تلف تحت اليد العادية وأما الاطراف والجراحات فتنقسم إلى ما يتقدم واجبه من الحر والواجب فيه من الرقيق ما ينقص قيمته سواء حصل بالجناية أو تحت اليد العادية والى ما ينقدر من الحر مما يحصل منها بجناية فيه قولان (أصحهما) وهو الجديد أنه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 256 يتقدر من الرقيق أيضا والقيمة في حقه كالدية في الحر فيجب في يد العبد نصف قيمته كما يجب في الحر نصف ديته وعلى هذا القياس (والثانى) وينسب إلى اختيار ابن سريج أن الواجب ما ينقص من القيمة كما في سائر الاموال وما يحصل تحت مجرد اليد العادية كما إذا غصب عبدا فسقطت يده بآفة سماوية فالواجب فيه قدر النقصان وفيه وجه أنه إذا كان النقصان أقل من المقدر وجب ما يجب على الجاني والمذهب الاول لان ضمان اليد سبيله سبيل ضمان الاموال الا ترى أنه لا يتعلق به القصاص ولا الكفارة ولا يضرب على العاقلة بحال ولهذا لو كان قدر النقصان أكثر من المقدر كان هو الواجب بالاتفاق (فان قلنا) بالجديد فلو قطع الغاصب يد العبد المغصوب لزمه أكثر الامرين من نصف القيمة أو أرش النقصان لا جتماع السببين حتى لو كانت قيمته ألفا ونقص أربعمائة وجب خمسمائة ولو نقص ستمائة وجب ستمائة ولو قطع يديه فعليه كل قيمته وكذا لو قطع أنثييه فزادت قيمته ولو كان الناقص بقطع الغاصب ثلثى قيمته فالواجب ثلثا القيمة على القولين (أما) على القديم فلانه قدر النقصان (وأما) على الجديد فالنصف واجب بالجناية والسدس باليد العادية ولو كان الناقص بسقوط اليد ثلث قيمته فهو الواجب على القديم وكذا على الجديد جوابا على أصح الوجهين وعلى الثاني الواجب نصف القيمة والمستولدة والمكاتب والمدبر يلتحقون في الضمان بالعبد القن وقال أبو حنيفة المستولدة لا تضمن بالغصب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 257 لنا القياس على المدبر بجامع بقاء الرق فيهما ألا ترى أنه يملك تزوجها واجارتها ويأخذ قيمتها لو قتلت (وأما) غير الآدمى من الحيوانات فالواجب فيها باليد والجناية القيمة وفيما يتلف من أجزائها ما ينقص من القيمة ولا فرق في ذلك بين نوع ونوع وعن أبى حنيفة أن الابل والبقر والخيل وماله اللحم والظهر مما يجب في احدى عينيه ربع القيمة استحسانا وبه قال أحمد في الخيل خاصة (أما) القياس على أطرافها وعلى ماله اللحم وحده كالغنم أو الظهر وحده كالبغال والحمير ولا فرق أيضا بين مالك ومالك وعن مالك أن في قطع ذنب حمار القاضى تمام القيمة لانه لا يصلح له بعد ذلك وعن أحمد رواية مثله لنا أن النظر في الضمان إلى نفس المفوت لاإلى أغراض الملاك ألا ترى أنه في وطئ جارية الاب بالشبهة مهر المثل كما في وطئ جارية الأجنبي بالشبهة وأن تضمن وطئ جارية الاب تحريمها عليه (وأما) غير الحيوان فينقسم المثلى والمتقوم وسيأتى ما يضبطهما في الركن الثالث بقى من فقه الفصل مسألة وهى ان الخمر والخنزير لا يضمنان للمسلم ولا للذمي خلافا لابي حنيفة حيث قال يجب الضمان في أراقة خمر الذمي ان أراقها مسلم ضمنها بالقيمة وان أراقها ذمي ضمنها بالمثل. لنا أن مالا يضمن للمسلم لا يضمن للذمي كالميتة والدم وأيضا فان الخمر ليست بمال ولا فرق فيما ذكرناه بين أن يريق حيث تجوز الاراقة وحيث لا تجوز ولا تراق خمر أهل الذمة الا إذا تظاهر وأبشر بها أو بيعها ولو غصبت منهم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 258 والعين باقيه وجب دخول ردها وان غصبت من مسلم وجب ردها إن كانت محترمة والا لم يجز بل أريقت لحديث أبى طلحة في خمور الايتام وألآت الملاهي كالبربط والطنبور وغيرهما وكذلك الصليب والصنم لا يجب في أبطالها شئ أصلا لانها محرمة الاستعمال ولا حرمة لتلك الصنعة والهيئة وأختلفوا في الحد المشروع لابطالها على وجهين (أحدهما) أنها تكسر وترضض حتى تنتهى إلى حد لا يمكن إيجاد ألة محرمة منها لا الاولى ولاغيرها (وأظهرهما) أنها لا تكسر الكسر الفاحش ولكنها تفصل وفى حد التفصيل وجهان (احدهما) أنها تفصل قدر مالا تصلح للاستعمال الحرام حتى إذ رفع وجه البربط وترك على شكل قصعة كفى (والثانى) أنها تفصل إلى حد لو فرض إيجاد آلة محرمة من مفصلها لنال الصانع التعب الذى يناله في ابتداء الايجاد وهذا بان يبطل تأليف الاجزاء كلها حتى تعود كما كانت قبل التأليف ويشبه أن يكون هذا أقرب إلى كلام الشافعي رضى الله عنه وعامة الاصحاب وما ذكرنا من الاقتصار على تفصيل الاجزاء فيما إذا تمكن المحتسب منه أما إذا منعه من في يده وكان يدفع عن المنكر فله ابطاله بالكسر وحكى الامام وفاق الاصحاب على أن قطع الاوتار لا يكفي لانها مجاورة لها منفصلة وتوقف في شيئين تفريعا على وجه المبالغة في الكسر (احدهما) في الصفائح التى لا توجد في يد من تصنع تلك الآلات لان من البالغ في الكسر عند حصول الهيئة المحظورة قد لا يرى تلك المبالغة في الابتداء (والثانى) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 259 في الصليب لانها خشبة معروضة على خشبه فإذا رفعت احداهما عن الاخرى فلا معنى للزيادة عليه إذا عرفت ذلك فمن اقتصر في بطالها على الحد المشروع فلا شئ عليه ومن جاوزهما فعليه التفاوت بين قيمتها مكسورة إلى الحد المشروع وبين قيمتها منتهية إلى الحد الذى اتى به وان أحرقها فعليه قيمتها مكسورة إلى الحد المشروع ولنعد إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله) وهو كل مال معصوم ظاهره يقتضى حصر ما يجب ضمانه في الاموال وقد عرفت من التقسيم السابق أن الاحرار مضمونون ايضا وكأنه اراد ما يجب ضمانه بالاسباب المذكورة في أول الباب وحينئذ يخرج الاحرار لانهم لا يضمنون باليد العادية وان كانوا مضمونين وأشار بالمعصوم إلى أن عصمة المال شرط في وجوب الضمان فلا يضمن مال الحربى وقوله وحتى العبد يضمن عند التلف والاتلاف أقصى قيمته معلم بالحاء لان أبا حنلفة لا يوجب أقصى قيمه المماليك على ما بينته في موضعه (وقوله) إذا قلنا جرح العبد مقدر اشاره إلى قوله الجديد (وقوله) لا يضمن الا أرش النقصان معلم بالواو (وقوله) ولا يجب في عين البقرة والفرس بالحاء والالف لما ذكرنا التعرض لمذهبهما وانما ذهبا إليه لاثر فيه عن الصحابة وتأويله عندنا أن الارش في الواقعة كان قدر الربع (وقوله) لذمى معام بالحاء (وقوله) ولكن يجب ردها الجزء: 11 ¦ الصفحة: 260 بجوز اعلامه بالواو كما تقدم في فصل التحليل في كتاب الرهن وقوله وان اريقت فلا ضمان ضرب تأكيد وبينه على أن لا يضمن الخمر مع المنع من اراقتها والا فقوله لا يضمن الخمر لذمى يفيد النفى الكلي وإذا ذكره فلا بأس باعادة اعلامه بالحاء (وقوله) وكذا الملاهي إذا كسرت يعني الكسر المشروع ولفظ المستولدة معلم بالحاء واتلاف الخمر وابطال منفعة الملاهي يخرج عما يضمن بقوله في أول الركن وهو كل مال معصوم. قال (ومنفعة الاعيان تضمن بالفوات تحت اليد والتفويت. ومنفعة البضع لا تضمن إلا بالتفويت. ومنفعة بدن الحر تضمن بالتفويت وهل يضمن بفواتها عند الحر وجهان وهو تردد في ثبوت يد غيره عليه حتى ينبني عليه جواز اجارة الحر عند استئجاره إن قلنا تثبت اليد وانه بتسليم نفسه هل يتقرر أجرته. وفى ضمان منفعة الكلب المغصوب وجهان. وما اصطاده بالكلب المغصوب فهو للغاصب على أحد الوجهين. فان اصطاد العبد فهل يدخل أجرته تحته لان الصيد للمالك فيه وجهان. ولو لبس ثوبا ونقص قيمته فهل تندرج الاجرة تحت النقص فيه وجهان ولو ضمن العبد المغصوب بعد إباقه فهل تسقط عنه أجرتة بعد الضمان فيه وجهان) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 261 تم الكلام في قسم الاعيان من المضمونات (أما) المنافع فهى أنواع (منها) منافع الاموال من العبيد والثياب وغيرها وهى مضمونة بالتفويت والفوات تحت اليد العادية خلافا لابي حنيفة حيث قال لا تضمن بالتفويت ولا بالفوات وانما تضمن بعقد أو شبهة عقد ولمالك حيث قال لا تضمن بالفوات تحت اليد وانما تضمن بالتفويت والاستعمال لنا أن المنافع مضمونة بالعقد الفاسد وتضمن بالغصب كالاعيان وأيضا فانها متقومة ألا ترى أنه يبذل المال لتحصيلها ولو استأجر عينا لمنفعة واستعملها في غيرها ضمنها فاشتبهت الاعيان إذا تقرر ذلك فكل عين لها منفعة تستأجر من أجلها يضمن منفعتها إذا بقيت في يده مدة لمثلها أجرة حتى لو غصب كتابا وأمسكه مدة طالعه أو لم يطالعه أو مسكا شمه أو لم يشم لزمه الاجرة ولو كان العبد المغصوب يحسن صناعات لزمه أجرة أعلاها ولا يجب أجرة الكل (ومنها) منفعة البضع وهى لا تضمن بالفوات تحت اليد والفرق بينها وبين سائر المنافع أن اليد لا تثبت على منفعة البضع الا ترى أن السيد يزوج الامة المغصوبة ولا يؤجرها كما لا يبيعها لان يد الغاصب حائلة ولو تداعى اثنان نكاح امرأة يدعيان عليها ولا يدعى أحدهما على الآخر وان كانت عنده وإذا أقرت لاحداهما حكم بأنها منكوحته وذلك يدل على أن اليد لها وأيضا فان منفعة البضع تستحق استحقاق ارتفاق للحاجة وسائر المنافع تستحق استحقاق ملك تام الا ترى أن من ملك منفعة بالاستئجار نقلها إلى غيره بالعوض بأن يؤجر وبغير العوض بأن يعير والزوج المستحق لمنفعة البضع لا يملك نقلها لا بعوض ولا بغير عوض (واما) إذا فوت منفعة البضع بالوطئ ضمن مهر المثل وأخرنا بسط الكلام فيه إلى الفصل الثالث من الباب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 262 الثاني لان حكم وطئ المشترى من الغاصب مذكور هناك وذكر حكم وطئ الغاصب معه أحسن في النظم (ومنها) منفعة بدن الحر وهى مضمونة بالتفويت وإذا قهر حرا واستخدمه في عمل ضمن أجرته وان حبسه وعطل منافعه فوجهان (أحدهما) أنه يضمنها أيضا لان منافعه متقومة بالعقد الفاسد فاشبهت منتفع الاموال وحكى هذا عن ابن أبى هريرة (وأصحهما) المنع لان الحر لايدخل تحت اليد بخلاف الاموال ويقرب من هذين الوجهين الخلاف في صورتين (إحداهما) لو أستأجر حرا وأراد أن يؤجره هل له ذلك (والثانية) إذا أسلم المستأجر نفسه ولم يستعمله المستأجر إلى انقضاء المدة التى أستأجره فيها هل تتقرر أجرته قال الاكثرون له أن يؤجره وتتقرر أجرته وقال القفال لا يؤجره ولا تتقرر أجرته لان الحر لايدخل تحت اليد ولا تحصل منافعه في يد المستأجر وضمانه إلا عند وجودها هكذا أورد النقلة توجيه الخلاف في المسائل الثلاثة ولم يجعلو دخول الحر تحت اليد مختلفا فيه ولكن القائلين بجواز إجارة المستأجر وتغريم الاجرة كأنهم بنو الامر على الحاجة والمصلحة وصاحب الكتاب جعله مختلفا فيه وبني الخلاف في المسائل على التردد في دخوله تحت اليد ولم اعثر على ذلك لغيره وبتقدير ثبوته يجوز أن يعلم (قوله) والحر لايدخل تحت اليد وفى الرهن في الباب الثالث في مسألة موت الحرة المزني بها في الطلق من حمل الزنا بالواو وفى دخول ثياب الحر في ضمان من استولى عليه تفصيل مذكور في الكتاب في السرقة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 263 (فرع) قال في التتمة نقل حرا صغيرا أو كبيرا من موضع إلى موضع آخر فان لم يكن له غرض في الرجوع إلى الموضع الاول فلا شئ وان كان واحتاج إلى مؤنة فهو على الناقل لتعديه (ومنها) منفعة الكلب فمن غصب كلب الصيد أو الحراسة لزمه رده مع مؤنة الرد إن كان له مؤنة وهل يضمن منفعته بالاجرة فيه وجهان مرتبان على الوجهين في جواز استئجاره وسيأتى ذكرهما وما اصطاده الغاصب بالكلب المغصوب للمالك على أحد الوجهين كصيد العبد واكسابه وللغاصب على أظهرهما لان الجارحة آلة كما غصب شبكة أو قوسا واصطاد بهما ويجرى الوجهان فيما لو أصطاد بالبازى والفهد المغصوبين وحيث كان الصيد للغاصب لزمه أجرة المثل للمغصوب منه وحيث كان للمالك كصيد العبد ففى وجوب الاجرة لزمن الاصطياد وجهان (أحدهما) لا تجب لانه إذا كان الحاصل له كانت المنافع منصرفة إليه (وأشبههما) الوجوب لانه ربما كان يستعمله في غير ما استعمل به ولا تدخل الاجره فيما اكتسبه ثم الفصل مختوم بقاعدتين (احداهما) ان كان النقص بسبب غير الاستعمال كما لو غصب ثوبا أو عبدا فانتقصت قيمته بآفة سماوية كما لو سقط العبد بمرض وجب الارش مع الاجرة والاجرة الواجبة لما قبل حدوث النقصان أجرة مثله سليما ولما بعده أجرة مثله معيبا فان كان النقص بسبب الاستعمال كما إذا لبس الثوب فابلاه فوجهان (أصحهما) أنهما يجبان أيضا كما لو حصل النقصان بسبب آخر (والثانى) أنه لا يجب ألا أكثر الامرين من أجرة المثل وأرش النقصان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 264 لان النقصان نشأ من الاستعمال وقد قوبل الاستعمال بالاجرة فلا يجب له ضمان أجر والقائل الاول يقول الاجرة لا تجب للاستعمال وانما تجب لفوات المنفعة على المالك ألا ترى أنها تجب وان لم يشتمل فإذا لا يلزم وجوب ضمانين بشئ واحد (الثانية) سنذكر أن العبد المغصوب إذا تعذر رده بآفة غرم الغاصب قيمته للحيلولة ويلزمه مع ذلك أجرة المثل للمدة التى تمضى قبل بذل القيمة ولما بعده وجهان (أحدهما) أنها لا تجب لان القيمة المأخوذة نازلة منزلة المغصوب فكأن المغصوب عاد إليه (وأصحهما) الوجوب لان حكم الغصب باق وانما وجبت القيمة للحيلولة فيضمن الاجرة لفوات المنفعة والوجهان جاريان في أن الزوائد الحاصلة بعد دفع القيمة هل تكون مضمونة على الغاصب وفى أنه هل يلزمه مؤنة ردها وفى أن جناية الآبق في إباقه هل يتعلق ضمانها بالغاصب ولو غيب لغاص ب العبد المغصوب إلى مكان بعيد وعسر رده وغرم القيمة قال الامام وسيجئ في هذه الصورة الخلاف في الاحكام المذكورة أيضا (ومنهم) من قطع وجوب الاجرة وثبوت سائر الاحكام والفرق أن من غيبه باختياره فهو باق في يده وتصرفه فلا تنقطع علائق الضمان عنه بخلاف الآبق الجزء: 11 ¦ الصفحة: 265 قال (الركن الثالث في الواجب. وهو ينقسم إلى المثل والقيمة. وحد المثلى ما تتماثل أجزاؤه في المنفعة والقيمة من حيث الذات لا من حيث المنفعة. والاظهر أن الرطب والعنب والدقيق مثلى. وكذا الخبز فان اخلاطه غير مقصودة بخلاف سائر المخلوطات) . ما يجب بضمانا ينقسم باعتبار المضمون إلى المثل والقيمة فيضمن المثلى بالمثل لانه أقرب إلى التالف والمتقوم بالقيمة وللاصحاب في ضبط المثلى عبارات (احدها) أن كل مقدور بكيل أو وزن فهو مثلى وتروى هذه العبارة عن أبى حنيفة واحمد وتنسب إلى نص الشافعي رضى الله عنه لقوله في المختصر وماله كيل أو وزن فعليه مثل كيله أو وزنه (والثانية) زاد بعضهم اشتراط جواز السلم فيه لان المسلم فيه يثبت بالوصف في الذمة والضمان وما يشبهه لا يثبت في الذمة (والثالثة) زاد القفال وآخرون اشتراط جواز بيع بعضه ببعض لتشابه الاصلين في قضية التقابل واعترض على العبارات الجزء: 11 ¦ الصفحة: 266 الثلاث بأن القماقم والملاعق والمغارف من الصفر والنحاس موزونة ويجوز السلم فيها وبيع بعضها ببعض وليست مثلية هكذا حكى الامام الاعتراض عن القاضى لكن قدم في باب السلم أن القماقم ونحوها لا يجوز السلم فيها لاختلافها وأنما الجواز في الاسطال المربعة والظروف المضربة من القوالب فان كان الالتزام بمثلها فلا يبعد ممن صار إلى العبارات الثلاثة طردها فيها والحكم بأنها مثلية (والرابعة) نقل بعض شارحي المفتاح أن المثاليات هي التى تنقسم بين الشريكين من غير حاجة إلى تقويم ولك أن تقول هذا مشكل بالارض المتساوية الاجزاء فانها تنقسم من غير تقويم وليست هي بمثلية (الخامسة) قال العراقيون المثلى مالا تختلف اجزاء النوع الواحد منه في القيمة وربما يقال في الجرم والقيمة ويقرب منه قول قال المثليات هي التى تتشاكل في الخلقة ومعظم المنافع وما اختاره الامام هو تساوى الاجزاء في المنفعة والقيمة فزاد النظر إلى المنفعة وعلى ذلك جرى صاحب الكتاب وزاد قوله من حيث الذات لامن حيث الصنعة وقصد به الاحتراز من الملاعق والمغارف الجزء: 11 ¦ الصفحة: 267 وصنجات الميزان المتساوية فان تساويهما جاء من حفظ التشابه في الصنعة والا المصنوعات مختلفة في الغالب ولك أن تقول الملعقة ونحوها لو وردت على الضابط المذكور اما ان ترد لتماثل أجزائها وهى ملعقة أو لتماثل جوهرها فقط (والاول) باطل لان أجزاء الملعقة غير متماثلة في الصنعة وأما (الثاني) فالصفر الذى هو جوهر الملعقة إذا كان مثليا كان تماثل أجزائة من حيث الذات لا من حيث الصنعة وإذا لم تؤثر الصنعة في تماثل الاجزاء فكيف يقال ما تماثل أجزاؤه من حيث الذات لا من حيث الصنعة والحق أن أثر الصنعة في تماثل الاعداد وأوضاع أجزائها لاغير وإذا وقفت على هذه العبارات وبحثت عن الاظهر منها فأعلم أن الاولى منقوضة بالمعجونات (والثالثة) المعتبرة بجواز بيع البعض بالبعض بعيدة عن أعتبار أكثر الاصحاب فانهم أعرضوا عن هذا الشرط وقالوا امتناع بيع البعض بالبعض من الربويات لرعاية التماثل في حال الكمال بمعزل عما نحن فيه (والرابعة) لادخل لها وأما الخامسة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 268 فأن أريد بالاجزاء فيها كل ما يتركب منه الشئ فيلزم أن لا تكون الحبوب مثلية لانها تتركب من القشور والالباب والقشر مع اللباب مثليان في القيمة والمنفعة وكذا التمر والزبيب لما فيهما من النوى والعجم وان أريد الاجزاء التى يقع عليها اسم الجملة فيلزم أن لا تكون الدراهم والدنانير مثلية لما يقع في الصحاح من اختلاف في الوزن وفى الاستدارة والاعوجاج وفى وضوح السكة وخفائها وذلك ما يؤثر في المنفعة والقيمة والنظر إلى الجرم بعيد لان الحبوب والتمور متماثلة ومعلوم أن نوعا منها لا يخلو عن اختلاف الحبات في الصغر والكبر فإذا أظهر العبارات الثانية لكن الاحسن أن يقال المثلى كل ما يحصره الكيل أو الوزن ويجوز السلم فيه ولايقال كل مكيل أو موزون لان المفهوم منهما ما يعتاد كيله ووزنه فيخرج منه الماء وهو مثلى على الاصح هذا ما يتعلق بالضبط وينشأ من اختلاف العبارات الخلاف في الصفر والنحاس والحديد والآنك لان أجزائها مختلفة الجواهر ولان زبرها متقاربة الاجرام وفى التبر والسبيكة والعنبر والمسك والكافور والثلج والجمد والقطن بمثل ذلك وفى العنب والرطب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 269 وسائر الفواكه الرطبة لامتناع بيع بعضها ببعض وكذا في الدقيق والاظهر أنها جميعا مثلية وفى السكر والفانيد والعسل المصفى بالنار واللحم المشوي الخلاف في جواز بيع كل منهما بجنسه وفي الخبر لامتناع بيع بعضه ببعض وأيضا للخلاف في جواز السلم فيه وجعل صاحب الكتاب الاظهر كونه مثليا بناء على قطع النظر عن امتناع بيع بعضه ببعض ويجوز السلم فيه لكنا أثبتنا الخلاف في السلم وبيان ذلك الخلاف (وقوله) فان اخلاطه غير مقصودة بخلاف سائر المخلوطات يعني المعجونات والغوالي ونحوها والفرق بين ما يقصد اخلاطه وبين ما لا يقصد منه الا الواحد مقرر في السلم أما الحبوب والادهان والالبان والسمن والمخيض والخل لم يستعن في إيجاده بالماء والزبيب والتمر ونحوهما فهي مثلية بالاتفاق وكذا الدراهم والدنانير لكن قضية العبارة الثانية اثبات الخلاف فيها لان في السلم فيها اختلافا قد تقدم وأيضا فانهم جعلوا المكسرة على الخلاف في التدبير والسبيكة لتفاوت القراضات في الجرم ومثل ذلك يفرض في الصحاح فيلزم مجئ الخلاف فيها وهذا في الدراهم والدنانير الخالصة أما الجزء: 11 ¦ الصفحة: 270 المغشوشة ففى التتمة أن أمرها يبنى على جواز التعامل بها ان جوزناها فهى مثلية والا متقومة لان مالا يملك بالعقد لا يملك بالقبض عوضا عن التلف. قال (ثم لم يسلم المثل بعد أن تلف المغصوب حتى فقد المثل. فقيل الواجب أقصى قيمة المغصوب من وقت الغصب إلى التلف. وقيل أقصى قيمة المثل من وقت وجوبه إلى الاعواز. وقيل من وقت الغصب إلى الاعواز. وقيل إلى وقت طلب الضمان ولو غرم القيمة ثم قدر على المثل فلا يرد على الاظهر لتمام الحكم بالبدل الحقيقي) . إذا غصب مثليا وتلف في يده والمثل موجود فلم يسلمه حتى فقد أخذت منه القيمة والمراد من الفقدان أن لا يوجد في ذلك البلد وما حواليه على ما تبين في انقطاع المسلم فيه وفى القيمة المعتبرة عشرة أوجه (أحدها) أنها أقصى قيمة من يوم الغصب إلى التلف ولا اعتبار بزيادة قيمة أمثاله بعد تلفه كما في المتقومات (وثانيها) أنها أقصى قيمة من وقت تلف المغصوب إلى الاعواز لان المثل هو الجزء: 11 ¦ الصفحة: 271 الواجب الا انه لما فقد تعذر الوصول إليه فينظر إلى قيمته من وقت وجوبه إلى التعذر ويطلق هذان الوجهان على أن الواجب عند اعواز المثل قيمة المغصوب لانه الذى تلف على المالك أو قيمة المثل لانه الواجب عند التلف وانما رجعنا إلى القيمة لتعذره وفيه وجهان لابي الطيب بن سلمة (ان قلنا) بالاول اعتبرنا الاقصى من وقت الغصب إلى وقت تلف المغصوب (وان قلنا) بالثاني اعتبرنا من وقت تلف المغصوب لان المثل حينئذ يجب إلى وقت الانقطاع والاعواز ولفظ الكتاب في حكاية الوجه الاول أقصى قيمة المغصوب وفى حكاية الوجه الثاني أقصى قيمة المثل اشارة إلى هذا (وثالثها) وهو الاصح أن القيمة المعتبرة أقصى القيم من يوم الغصب إلى الاعواز لان وجود المثل كبقاء عين المغصوب من حيث انه كان مأمورا بتسليم المثل كما كان مأمورا برد العين فإذا لم يفعل غرم أقصى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 272 قيمة من المدتين كما أن المتقومات تضمن باقصى قيمتها لهذا المعنى ولا نظر إلى ما بعد انقطاع المثل كما لانظر إلى ما بعد تلف المغصوب المتقوم (ورابعها) أقصى القيم من الغصب إلى وقت تغريم القيمة والمطالبة بها لان المثل لا يسقط بالاعواز الا ترى أن المغصوب منه لو صبر إلى وجد ان المثل ملك المطالبة به وانما المصير الى القيمة عند تغريمها وهذه الاوجه الاربعة هي المذكورة في الكتاب (وخامسها) عن رواية الشيخ أبى محمد أنها أقصى القيم من وقت انقطاع المثل واعوازه إلى وقت المطالبة بالقيمة لان الاعواز وقت الحاجة إلى العدول إلى القيمة فيعتبر الاقصى من يومئذ (وسادسها) أنها أقصى القيم من وقت تلف المغصوب إلى وقت المطالبة لان الضمان يومئذ يجب (وسابعها) أن الاعتبار بقيمة اليوم الذى تلف فيه المغصوب (وثامنها) أن الاعتبار بقيمة يوم الاعواز لانه وقت العدول إلى القيمة ويحكى هذا عن اختبار أبى على الزجاجي والحناطي والماوردي وأبى خلف السلمى (وتاسعها) أن الاعتبار بقية يوم المطالبة لان الاعواز حينئذ يظهر ويتحقق وقد يتبدل لفظ المطالبة والتغريم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 273 بالحكم والقيمة والمرجع بها إلى شئ واحد (وعاشرها) أنه أن كان منقطعا في جميع البلاد فالاعتبار بقيمة يوم الاعواز وان فقد في تلك البقعة فالاعتبار بقيمة يوم الحكم بالقيمة نقله صاحب المهذب وفيما علق عن الشيخ أبى حامد أن المعتبر فيه يوم أخذ القيمة لايوم المطالبة ولا يوم التلف فهذا وجه آخر ان كان ثابتا ويجوز اعلام جميع الوجوه المذكورة في الكتاب - بالحاء - لان البندنيجى حكى عن أبى حنيفة الاعتبار بقيمة يوم المطالبة والقبض هذا لفظه - وبالالف - لان مذهب احمد كالوجه الثامن ولو غصب مثليا فتلف والمثل مفقود فالقياس أن يجب على الوجه الاول والثالث أقصى القيم من يوم الغصب إلى التلف وعلى الثاني والسابع والثامن قيمة يوم التلف وان يعود الرابع والسادس والتاسع بحالها وعلى الخامس أقصى القيم من يوم التلف إلى يوم التغريم وعلى العاشر ان كان مفقودا في جميع البلاد وجب قيمة التلف والا قيمة يوم التغريم ولو تلف مثليا على انسان من غير غصب واثبات يد عليه وكان المثل موجودا فلم يسلم حتى فقد فعلى الوجه الاول تجب قيمة يوم الاتلاف وعلى الثاني الجزء: 11 ¦ الصفحة: 274 وعلى الثالث أقص القيم من يوم الاتلاف إلى الاعواز وعلى الرابع من يوم الاتلاف إلى التغريم والقياس عود الوجوه الباقية ولو أتلفة والمثل مفقود فالقياس أن يقال على الوجه الاول والثانى والثالث والسابع والثامن تجب قيمة يوم الاتلاف وعلى الرابع والخامس والسادس أقصى القيم من يوم الاتلاف إلى التغريم وعلى السابع قيمه يوم التغريم وعلى العاشر ان كان منقطعا في جميع البلاد وجبت قيمة يوم الاتلاف والا فقيمة يوم التغريم والله أعلم. (ومنها) غرم الغاصب أو المتلف القيمة لاعواز المثل ثم وجد المثل هل للمالك رد القيمة وطلب المثل وجهان (أحدهما) نعم لان حقه المثل وانما أخذت القيمة للعجز عنه وإذا حصلت القدرة عدل إليه كما إذا غرم قيمة العبد الآبق ثم عاد (وأظهرهما) على ما ذكر صاحب الكتاب والقاضى الرويانى المنع لان الامر قد انفصل ببذل المثل وإذا تم الحكم بالبدل فلا عود إلى المبدل كما لو صام المعسر في الكفارة المرتبة ثم أيسر وهذا معنى قوله لتمام الحكم بالبدل الحقيقي وأراد بتسميته حقيقا أن القيمة بدل حقيقة عند اعواز المثل لا لالتحاق المثل حينئذ بالمتقوم وفى غرامة العبد الآبق ليست القيمة بدلا حقيقة وانما هي مأخوذة لحصول الحيلولة بينه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 275 وبين حقه وهو المثل فالاجود من الفرق أن يقال العين عين حقه المغصوب والمثل بدل حقه فلا يلزم من تمكينه من الرجوع إلى عين حقه تمكينه من الرجوع إلى بدل حقه. قال (ولو أتلف مثليا فظفر به في غير ذلك المكان لم يلزمه الا القيمة. فإذا عاد إلى ذلك المكان لزمه المثل وأخذ القيمة. ولو ظفر به في غير ذلك الزمان جاز طلب المثل لان رد الزمان غير ممكن فتعذر المثل الحقيقي. والمسلم إليه إذا انتقل لم يطالب. وفى مطالبته بالقيمة تردد من حيث انه اعتياض. فان منع فله الفسخ. وطلب رأس المال) مقصود الفصل أن المثل هل يؤخذ مثله مع اختلاف المكان والزمان أما المكان فاعلم أولا أنه لو غصب مثليا ونقله إلى بلد آخر كان للمالك أن يكلفه رده وله أن يطالب بالقيمة في الحال للحيلولة ثم إذا رده الغاصب رد القيمة واسترده ولو تلف في البلد المنقول إليه طالبه بمثله حيث ظفر به من البلدين لتوجه الطلب عليه برد العين في الموضعين فان فقد المثل غرمه قيمة أكثر البلدين قيمة ولو أتلف مثليا أو غصبة وتلف عنده في بلد ثم ظفر المالك به في بلد آخر هل له بمطالبته بالمثل الذى ذكره الجزء: 11 ¦ الصفحة: 276 الاكثرون أنه إن كان مما لامؤنة لنقله كالدراهم والدنانير فله المطالبة بالمثل وان كان لنقله مؤنه لم يكن له طلب المثل ولا للغارم تكليفه قبول المثل لما يلزم فيه من المؤنة والضرر وللمالك أن يغرمه قيمة بلد التلف فان تراضيا على المثل لم يكن له تكليفه مؤنة النقل وعلى هذا تنزيل جوابه في الكتاب وان أطلقه إطلاقا وحكى الامام وراءه وجهين (أحدهما) عن شيخه أبى محمد أنه يطالبه بالمثل وان لزمت المؤنة وزادت القيمة كما لو أتلف مثليا في وقت الرخص له طلب المثل في وقت الغلاء (والثاني) عن رواية الشيخ أبى علي أنه إن كانت قيمة ذلك البلد مثل قيمة المتلف أو أقل طالبه بالمثل والا فلا وذكر أبو عاصم العبادي مثل هذا وإذا حكمنا بالمنع وأخذ القيمة ثم اجتمعا في بلد التلف هل للمالك رد القيمة وطلب المثل وهل لصاحبه استرداد القيمة وبذل المثل فيه الوجهان فيما إذا غرم القيمة لاعواز المثل والذي أورده صاحب الكتاب منهما أن عليه المثل وأخذ القيمة مع أنه جعل الاظهر في مسألة الاعواز المنع وهذا لاوجه له بل الخلاف في المسألتين واحد باتفاق الناقلين فاما أن يختار فيهما النفي أو الاثبات ولو نقل المغصوب المثلى إلى بلد آخر فتلف هناك أو أتلف ثم ظفر به المالك في بلد ثالثة وقلنا انه لا يطالب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 277 بالمثل في غير موضع التلف فله أخذ قيمة أكثر البلدين قيمة (وأما) إذا اختلف الزمان فله المطالبة بالمثل وان زادت القيمة وليس له إلا ذلك وان نقصت القيمة والفرق بينه وبين المكان (إذا قلنا) لا يطالب بالمثل في غير ذلك المكان أن العود إلى المكان الاول يمكن فجاز انتظاره ورد الزمان الاول غير ممكن فقنعنا بصورة المثل وان لم يكن ذلك مثلا حقيقة لان التساوى في القيمة معتبر في المثلين وللزمان أثر ظاهر في تفاوتهما لكن يتوجه على هذا أن يقال نعم رد الزمان الاول غير ممكن لكن انتظار الزمن الذي تكون القيمة فيه كالقيمة وقت الاتلاف ممكن فهلا قنع بقيمة يوم الاتلاف وانتظر المثل إليه وهذا كله فيما إذا لم يخرج المثل باختلاف المكان والزمان عن أن يكون له قيمة ومالية (أما) إذا خرج كما إذا أتلف عليه الماء في مفازة ثم اجتمعا على شط نهر أو بلد أو أتلف عليه الجمد في الصيف واجتمعا في الشتاء فليس للمتلف بذل المثل بل عليه قيمة المثل في تلك المفازة وفى الصيف وإذا غرم القيمة ثم اجتمعا في مثل تلك المفازة وفى الصيف هل يثبت التراد فيه الوجهان السابقان (وأما) قوله في الكتاب والمسلم إليه إلى آخره فقد ذكرنا المسألة بما فيها في السلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 278 قال (ولو أتلف آنية من نقرة يلزمه المثل. وما زاد بالصنعة يقوم بغير جنس الاصل حذرا من الربا. وقيل لا يبالي به فانه ليس ببيع) . الذهب والفضة إما أن يكونا مضروبين فقد ذكرنا أنهما مثليان أو لا يكونا مضروبين وكل واحد منهما إما أن تكون فيه صنعة كالحلي أولا تكون كالتبر (أما الاول) فإذا أتلف حليا وزنه عشرة وقيمته عشرون فقد نقل أصحابنا العراقيون وجهين فيما يلزمه (أحدهما) أنه يضمن العين بوزنها من جنسها والصنعة من بقيمتها من غير جنسها سواء كان ذلك نقل البلد أو لم يكن لانا لو ضمنا الكل بالجنس لقابلنا عشرة بعشرين وذلك ربا (وأصحهما) عندهم أنه يضمن الجميع بنقد البلد وان كان من جنسه ولا يلزم الربا فانه إنما جرى في العقود لا في الغرامات وان كان هذا ربا لكان الوجه الاول أيضا ربا فانه كما لا يقابل دينار بدينارين لا يقابل دينار بدينار ودرهم وفيه وجهان آخران (أحدهما) أن العين تضمن بوزنها من جنسها والصنعة بنقد البلد كما لو أتلف الصنعة وحدها بكسر الحلى يضمن بنقد البلد سواء كان من جنس الحلي أو غير جنسه وهذا محكى في النهاية مع الاولين (والثانى) أنه يضمن الكل بغير الجزء: 11 ¦ الصفحة: 279 جنسه تحرزا من التفاضل ومن اختلاف الجنس في أحد الطرفين ويروى هذا عن أبى حنيفة وأحسن ترتيب في المسألة ما ذكره في التهذيب وهو أن صنعة الحلى متقومة وفى وزنه الاختلاف الذى سبق في التبر والسبيكة (إن قلنا) انه مثلى فوجهان (أحدهما) أنه يضمن الكل بغير جنسه كيلا يلزم الربا (وأصحهما) أنه يضمن الوزن بالمثل والصنعة بنقد البلد سواء كان من جنسه أو من غير جنسه (وان قلنا) انه متقوم فيعتبر الكل بنقد البلد كيف كان وينبغى أن يجئ على هذا وجه التضمين بغير الجنس إذا كان نقد البلد من الجنس لان معنى الربا لا يختلف ولو أتلف آنية من ذهب أو فضة فتبنى على أن اتخاذها هل هو جائز (ان قلنا) نعم فهو كما أتلف حليا (وان قلنا) لا فهو كاتلاف مالا صنعة فيه كالتبر والسبيكة فينبني على الخلاف في أنه مثلى أو متقوم (ان قلنا) بالاول ضمن مثله (وان قلنا) بالثاني فوجهان (أحدهما) أنه يضمن قيمته بنقد البلد سواء كان من جنسه أو من غير جنسه كسائر المتقومات (والثانى) أن الجواب كذلك إلا إذا كان نقد البلد من جنسه وكانت القيمة تزيد على الوزن فحينئذ يقوم بغير الجنس ويضمن به وهذا ما اختاره العراقيون ههنا فارقين بين ما فيه صنعة وبينه بأن الزيادة ثم تقع في مقابلة الصنعة فلا تؤدي إلى الربا وههنا لا قيمة للصنعة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 280 فيلزمه الربا لكن لصاحب الوجه الاول أن يقول لو كان الربا من الغرامات لاستوى المصنوع وغيره كما لو قابل حليا بتبر لا يجوز للفضل (وقوله) في الكتاب ولو أتلف آنية التصوير في الآنية مفرع على جواز اتخاذها كما بيناه (وقوله) ويلزمه المثل مثل وزن الآنية والحلى التبر لا الدراهم والدنانير المضروبة (قوله) لا نبالي به أي أنه بتقويم الصنعة بجنس الاصل وتغريمها رد وذلك مما يترك فيه وجه تقويم الكل بنقد البلد إذا كان نقد البلد من جنسه ووجه تقويم الاصل بالمثل والصنعة بنقد البلد إذا كان من جنسه ويجوز اعلامه - بالحاء - وكذا اعلام قوله يلزمه المثل لما مر من الرواية عند قوله فانه ليس ببيع يعنى أنه غرامة متلف ومحل الربا انما هو البيوع والمعاقدات. قال (ولو اتخذ من الرطب تمرا وقلنا لامثل للرطب وللتمر مثل. أو من الحنطة دقيقا فالاولى أن يتخير المالك بين المطالبة بقيمة الرطب والدقيق أو مثل التمر والحنطة. كما لو اتخذ من السمسم الشيرج فيطالب ان شاء بالسمسم أو بالشيرج. ولو عدم المثل الا بالاكثر من ثمن المثل لم يلزمه الشراء على الاظهر) . في الفصل مسألتان (الاولى) إذا تغير المغصوب في يد الغاصب من حال إلى حال ثم تلف عنده فاما أن يكون متقوما في الحالة الاولى مثليا في الثانية أو بالعكس أو مثليا فيهما أو متقوما فيهما (أما) القسم الاول فكما إذا غصب رطبا وقلنا انه متقوم فصار تمرا ثم تلف عنده ففيه وجهان (أحدهما) وبه أجاب العراقيون أنه يضمن مثل التمر لانه لا يمكن الجمع بين المثل والقيمة ولابد من ايجاب أحدهما والمثل أقرب إلى التالف فيكون ايجابه أولى (وأشبههما) وهو المذكور في التهذيب أنه ان كان الرطب أكثر قيمة فعليه قيمته كيلا تضيع الزيادة عليه وان كان التمر أكثر قيمة أو استويا فعليه المثل واختيار الجزء: 11 ¦ الصفحة: 281 صاحب الكتاب أنه يتخير بين أن يأخذ مثل التمر أو قيمة الرطب لانه أتلف عليه ماله وهو مثلى ورد ماله وهو متقوم فيطالب بموجب ما شاء من الحالين (وأما) القسم الثاني فهو كما لو غصب حنطة وطحنها وتلف الدقيق عنده أو جعله خبزا أو أكله وقلنا لامثل للدقيق والخبز أو غصب تمرا واتخذ منه الخل بالماء فعلى جواب العراقيين يضمن المثل وهو الحنطة والتمر وعلى ما أورده في التهذيب ان كان المتقوم أكثر قيمة غرمها والا غرم المثل وعن القاضى الحسين أنه يغرم أقصى القيم وليس للمالك مطالبته بالمثل لان التلف حصل وهو متقوم وعلى هذا فإذا قيل من غصب حنطة في الغلاء وبقيت عنده إلى التلف وغرمه المالك في وقت الرخص يغرم المثل أو القيمة لم يصح اطلاق الجواب بالمثل ولا القيمة بل الصواب أن يفصل فيقال ان تلفت وهى حنطة غرمه المثل وان صارت إلى حالة التقويم ثم تلفت فالقيمة ويقال كأن القاضى قد لقن المسألة الرئيس أبا على المنيعى ليغلط بها فقهاء مرو فغلط من أطلق الجواب منهم (وأما) الثالث فكما لو غصب سمسما واتخذ منه شيرجا ثم تلف عنده ونقل العراقيون وصاحب الكتاب أن المالك بالخيار فيغرمه ما شاء منهما وفى التهذيب أنه إن كان أحدهما أكثر قيمة غرم مثله والا تخير المالك وأخذ ما شاء منهما وظاهره يقتضى إثبات خلاف في التخيير إذا كان أحدهما أكثر قيمة (وأما) الرابع فحكمه بين وهو وجوب أقصى القيم في الحالتين (المسألة الثانية) إذا لزمه المثل فعليه تحصيله ان وجده بثمن المثل وإذا لم يجده إلا بما فوقه فوجهان (أحدهما) أنه لا يلزمه تحصيله لان الموجود بأكثر من ثمن المثل كالمعدوم بدليل الماء في الطهارة والرقبة في الكفارة (والثانى) يلزمه لان المثل كالعين ورد العين واجب وان لزم في مؤنته اضعاف قيمته وهذا أظهر الوجهين عند صاحب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 282 التهذيب والقاضى الرويانى والاول أظهر عند آخرين ومنهم صاحب الكتاب وفرقوا بين المثل والعين بأنه تعدى في العين دون المثل فلا يأخذ المثل حكم العين هذ اما يتعلق بقسم المثلى. قال (أما المتقومات إذا تلفت تضمن بأقصى قيمتها من وقت الغصب إلى التلف. فان أبق العبد ضمن (ح) في الحال للحيلولة. فإذا عاد ردت القيمة (ح) وسلم العبد. وللغاصب حبس العبد إلى أن ترد القيمة عليه) . القسم الثاني من الاموال المتقوم فإذا غصبه وتلف عنده لزمه أقصى قيمته من يوم الغصب إلى يوم التلف لانه في حال زيادة القيمة غاصب مطالب بالرد فإذا لم يرد ضمن بدله وانما تجب القيمة من نقد البلد الذى حصل فيه التلف وتفاوت القيمة قد يكون لزيادة ونقصان في المغصوب كما إذا كان العبد كاتبا فنسى الكتابة وقد يكون لمحض ارتفاع الاسواق وانخفاضها فلو كانت قيمته مائة فبلغت مائتين ثم عادت بتراجع الاسواق إلى مائة وخمسين ثم هلك لزمه مائتان ولا عبرة باتفاق السوق بعد التلف ولو تكرر ارتفاع السوق وانخفاضها لم يضمن كل زيادة وانما يضمن الاكثر ولو أتلف متقوما من غير غصب لزمه قيمته يوم الاتلاف فان حصل التلف بتدريج وسراية واختلف القيمة في تلك المدة كما إذا جنى على بهيمة قيمة مثلها يومئذ مائة ثم هلكت وقيمة المثل خمسون قال الجزء: 11 ¦ الصفحة: 283 القفال يلزمه مائة لانا إذا اعتبرنا الاقصى في اليد العادية فلان نعتبرها في نفس الاتلاف كان أولى وليعلم قوله في الكتاب فاقصى قيمتها - بالحاء والالف - أما الحاء فلان أبا حنيفة يعتبر قيمة يوم الغصب بناء على أن الزوائد غير مضمونة (وأما) الالف فلان أحمد يعتبر قيمة يوم التلف إذا كان التفاوت لاضطراب الاسواق ولو لم يهلك العبد المغصوب لكنه أبق أو عيبه الغاصب أو ضلت الدابة أو ضاع الثوب فللمالك أن يضمنه القيمة في الحال لحصول الحيلولة ولزوم الضرر والاعتبار بأقصى القيم من يوم الغصب إلى يوم المطالبة وليس للغاصب أن يلزمه قبول القيمة لان قيمة الحيلولة ليست حقا ثابتا في الذمة حتى يجبر على قبوله والابراء عنه بل لو أبرأه المالك منها لم ينفذ وعن بعض الاصحاب تنزيلها منزلة الحقوق المستقرة ثم القيمة المأخوذة يملكها المالك كما يملك عند التلف وينفذ تصرفه فيها ولا يملك الغاصب المغصوب كما لا يملك نصف العبد إذا قطع إحدى يديه وغرم فإذا ظفر بالمغصوب فللمالك استرداده ورد القيمة وللغاصب رده واسترداد القيمة وهل له حبس المغصوب إلى أن يسترد القيمة ذكر في الكتاب أن له ذلك وهذا حكاه القاضى حسين عن نص الشافعي رضى الله عنه كما حكى ثبوت الحبس للمشتري في الشراء الفاسد لاسترداد الثمن لكن تقدم في البيع ذكر الخلاف في ثبوت الحبس للمشتري وبينا أن الظاهر المنع ويشبه أن يكون حبس الغاصب في معناه والمنع هو اختيار الامام في الصورتين وإذا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 284 كانت الدراهم المبذولة باقية بعينها في يد المالك فللشيخ أبى محمد تردد في أنه هل يجوز للمالك إمساكها وغرامة مثلها أم لا وإذا اتفقا على ترك التراد فلا بد من بيع ليصير المغصوب للغاصب (وقوله) في الكتاب ورد القيمة معلم - بالحاء - لان عنده تملك العبد بالضمان فلا رد ولا استرداد وساعدنا في المدبر وفيما إذا اختلفا في القيمة وغرمناه ما اعترف به ثم عند الظفر بالمغصوب أنها كانت أكثر واعلم أن التضمين في صورة الاتفاق وغيرها لا يختص بالمتقومات وان أورده في هذا القسم بل ضمان الخيار ثابت في كل مغصوب خرج من يد المالك وتعذر رده. (فرع) قد مر أن منافع المغصوب مضمونة فبم كانت الاجرة في مدة الغصب متفاوتة يضمن فيه ثلاثة أوجه حكاها القاضى أبو سعد بن يوسف (أضعفها) إنها بالاكثر في جميع المدة (وأظهرها) أنها تضمن في كل بعض من أبعاض المدة بأجرة مثلها (والثالث) أن الامر كذلك ان كانت الاجرة في أول المدة أقل وان كانت أكثر ضمنها بالاكثر في جميع المدة لانه لو كان المال في يده فربما يلزمه بها جميع المدة. قال (وان تنازعا في تلف المغصوب فالقول قول الغاصب (و) لانه ربما يعجز عن البينة وهو صادق. فان حلف جاز طلب القيمة وان كان العين باقية بزعم الطالب للعجز بالحلف. وكذلك الجزء: 11 ¦ الصفحة: 285 إذا تنازعا في القيمة أو في صفقة العبد (و) أو في عيب (ز) يؤثر في القيمة فالقول قول الغاصب لان الاصل براءة الذمة. وكذلك إذا تنازعا في الثوب الذى على العبد لان العبد وثوبه في يد الغاصب) . المقصود من بقية الباب الكلام في تنازع المالك والغاصب وذلك يقع على أنحاء (منها) إذا ادعى الغاصب تلف المغصوب وأنكر المالك فالصيحيح وهو المذكور في الكتاب أن القول قول الغاصب مع يمينه لانه قد يعجز عن البينة وهو صادق فلو لم نصدقه لتخلد الحبس عليه ولما وجد عنه مخرجا وفيه وجه أن القول قول المالك مع اليمين لان الاصل بقاؤه (وإذا قلنا) بالاول فلو حلف الغاصب هل للمالك تغريمه القيمة أو المثل فيه وجهان (أحدهما) لا لبقاء العين في زعمه (وأصحهما) نعم وهو المذكور في الكتاب لانه عجز عن الوصول إليها بيمين الغاصب وان كانت باقية (ومنها) إذا اتفقا على الهلاك واختلفا في قيمته فالقول قول الغاصب لان الاصل براءة ذمته عن الزيادة وعلى المالك البينة وينبغى أن يشهد الشهود بان قيمته كذا أما إذا أراد اقامة البينة على صفات العبد ليقومه المقومون بتلك الصفات فعن صاحب التقريب حكاية قول أنها تقبل ويقوم وينزل على أقل الدرجات (والمذهب) المنع لان الموصوفين بالصفات الواحدة يتفاوتون في القيمة لتفاوتهم في الملاحة وما لايدخل تحت الوصف قال الامام لكن المالك يستفيد باقامة البينة على الاوصاف ابطال دعوى الغاصب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 286 مقدارا حقيرا لا يليق بتلك الصفات كما لو أقر الغاصب بصفات في العبد تقتضي النفاسة ثم قومه بشئ حقير لا يليق بها لا يلتفت إليه بل يؤمر بالزيادة إلى أن يبلغ حدا يجوز أن تكون قيمة لمثل ذلك الموصوف ولو قال المالك قيمته ألف وقال الغاصب خمسمائة وجاء المالك ببينة على أنها أكثر من خمسمائة من غير تقدير (منهم) من قال لا تسمع البينة هكذا (والاكثرون) سمعوها وقالوا فائدة السماع ان يكلف الغاصب الزيادة على الخمسمائة إلى حد لا تقطع البينة بالزيادة عليه ولو قال المالك لاأدري كم قيمته لم تسمع دعواه لقوله حتى يبين وكذا لو قال الغاصب أعلم أعلم أنه دون ما ذكره ولا أعرف قدره لم تسمع حتى يبين فإذا حلف عليه (ومنها) لو قال المالك كان العبد كاتبا أو محترفا وأنكر الغاصب فالقول قول الغاصب لان الاصل عدمه براءة ذمته وحكى العراقيون من أصحابنا وجها أن القول قول المالك لانه أعرف بحال مملوكه ولو ادعي الغاصب به عيبا وأنكر المالك نظر ان ادعى عيبا حادثا بان قال كان أقطع أو سارقا ففى المصدق منهما قولان (أحدهما) الغاصب لان الاصل براءة ذمته (وأصحهما) المالك لان الاصل والغالب دوام السلامة ولو ادعى عيبا في أصل الخلقة بان قال كان أكمه أو ولد أعرج أو عديم اليد فالمصدق الغاصب لان الاصل العدم والمالك متمكن من اثباته بالبينة وفيه وجهان آخران (أحدهما) تصديق المالك نظرا إلى غلبة السلامة (والثاني) الفرق بين الجزء: 11 ¦ الصفحة: 287 ما يندر من العيوب ومالا يتدر ولفظ الكتاب في الغصب وان كان مطلقا لكن في الوسيط ما يبين أنه أراد به العيب الخلقى ولو رد المغصوب وبه عيب وقال غصبته هكذا وقال المالك بل حدث العيب عندك قال في التتمة المصدق الغاصب لان الاصل براءة ذمته وعدم يده على تلك الصفة (ومنها) لو تنازعا في الثياب التى على العبد فالمصدق الغاصب لان العبد وما عليه في يد الغاصب هذه صورة الكتاب في الاختلاف (ومنها) لو قال غصبت مني دارا بالكوفة فقال بل غصبت منى دار بالكوفة فقال غصبت دارك بالمدينة فالقول قول المدعى عليه في أنه لم يغصب دار الكوفة وأما غصب دار المدينة فان وافقه فان وافقه المدعى عليه ثبت والا ارتد اقراره بتكذيبه (ومنها) غصب خمرا محترمة وهلكت عنده ثم قال المغصوب منه هلك بعد التخليل وقال الغاصب بل قبلها فلا ضمان على المصدق لان الاصل بقاء الخمرية وبراءة ذمته (ومنها) قال طعامي الذى غصبته حديثا وقال الغاصب بل عتيقا فهذا كالخلاف في كون الجزء: 11 ¦ الصفحة: 288 العبد كاتبا والمصدق الغاصب فان نكل عن اليمين حلف المالك ثم له ان يأخذ العتيق فانه دون حقه (ومنها) باع عبدا من انسان فجاء آخر يدعي أنه ملكه وأن البائع كان غصبه منه فلا شك أن له دعوى عين العبد على المشترى وفى دعواه القيمة على البائع ما ذكرناه في الاقرار فان ادعى العين على المشترى فصدقه أخذ العبد منه ولا رجوع له بالثمن على البائع المكذب فان كذبه فاقام المدعي عليه بينة اخذه ورجع المشترى بالثمن على البائع فان لم يقم البينة ونكل المشترى حلف المدعى وأخذه ولا رجوع للمشترى بالثمن لتقصيره بالنكول وان صدقه البائع دون المشترى لم يقبل اقرار البائع على المشترى وبقى البيع بحاله الا أن يكون اقراره بالغصب في زمن الخيار فيجعل ذلك فسخا للبيع ثم لو عاد العبد إلى البائع بارث أو رد بعيب لزمه تسليمه إلى المدعى وان صدقه البائع والمشترى جميعا سلم العبد إلى المدعى وعلى البائع رد الثمن المقبوض على المشترى ان بقى بحاله وضمانه ان تلف ولو جاء المدعى بعد ما أعتق المشترى العبد وصدقه البائع والمشترى لم يبطل العتق سواء الجزء: 11 ¦ الصفحة: 289 وافقهما العبد أو خالفهما لما في العتق من حق الله تعالى ولهذا سمعت شهادة الحسبة عليه بخلاف مالو كاتبه المشترى ثم توافقوا على تصديق المدعى لان الكتابة قابلة للفسخ وللمدعى في مسألة الاعتاق قيمة العبد على البائع ان اختص بتصديقه إذا أوجبنا الغرم للحيلولة وعلى المشترى ان اختص بتصديقه وعلى من شاء منهما ان صدقاه وقرار الضمان على المشتري إلا أن تكون القيمة في يد البائع أكثر فلا يطالب المشترى بالزيادة ولو مات المعتق وقد اكتسب أموالا كانت للمدعى لان المال خالص حق الآدمى وقد اتفقوا على أنه هو المستحق بخلاف العتق فان تصادقهم فيه إنما لم يؤثر لما فيه من حق الله تعالى هكذا أطلقوه قال الامام وهو منزل على الاكساب التى يستقل العبد بها فاما الاكساب التى يحتاج فيها إلى إذن السيد فان المدعى لا يستحقها إذا اعترف بخلوها عن الاذن. (الباب الثاني في الطوارئ وفيه ثلاثة فصول) قال (الاول في النقصان فإذا غصب ما قيمته عشرة فعاد إلى درهم ورده بعينه فلا شئ عليه لان الفائت رغبات الناس لا شئ من المغصوب. وان تلف فالواجب عشرة وهو أقصى القيمة. وان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 290 تلف بعضه كالثوب إذا أبلاه حتى عاد إلى نصف درهم بعد رجوع الاصل إلى درهم ضمن القدر الفائت وهو نصف الثوب بنصف أقصى القيم وهو خمسة. وردها مع الثوب البالي) الطوارئ على المغصوب (اما) أن تعود إلى ذاته أو لا تعود إليها فالاول اما أن تكون بزيادة أو نقصان واما أن لاتعود إلى ذاته فأهم ما نتكلم فيه من هذا النوع تصرفات الغاصب فلذلك اشتمل الباب على ثلاثة فصول (أولها) في النقصان والناقص من المغصوب اما قيمته أو شئ من أجزائه وصفاته أو كلاهما (القسم الاول) أن يكون النقصان في القيمة وحدها كما لو غصب ما قيمته عشرة فرده بحاله وقد عادت قيمته إلى درهم فلا شئ عليه وقال أبو ثور عليه نقصان القيمة كما لو تلف المغصوب والصورة هذه تلزمه أقصى قيمته عشرة. لنا أن الفائت رغبات الناس لا شئ من المغصوب بخلاف ما إذا أتلف فان الواجب هناك البدل فوجب الاكثر لكونه مأمورا بالرد في تلك الحالة وإذا كانت العين باقية فالواجب ردها وقد أتى به وليعلم (قوله) في الكتاب فلا شئ عليه - بالواو - لمذهب أبى ثور فانه وإن كان داخلا في طبقه أصحاب الشافعي رضى الله عنه فله مذهب برأسه ولا يعد تفرده وجها لكن حكي الموفق بن طاهر أن من الاصحاب من يوافقه وأيضا فان الامام بعد توجيه مذهبه بأنه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 291 تنسب إلى تفويت تلك الزيادة بادامة اليد العادية قال وهذا يجده القياس منقاسا (الثاني) أن يكون النقصان في كليهما فالجزء التالف مضمون بقسط من أقصى القيم من يوم الغصب إلى التلف والنقصان الحاصل بتفاوت السوق في الباقي المردود غير مضمون مثاله غصب ثوبا قيمته عشرة وانخفض السوق فعادت قيمته إلى درهم ثم لبسه فابلاه حتى عادت إلى نصف درهم يرده مع خمسة دراهم لان الاستعمال والابلاء تنسحق أجزاء من الثوب وتلك الاجزاء والصورة هذه نصف الثوب لانتهاء قيمته إلى نصف درهم بعد ما كانت قبل الاستعمال درهما فيغرم النصف بمثل نسبته من أقصى القيم كما يغرم الكل عند تلفه بالاقصى ولو كانت القيمة عشرين وعادت بانخفاض السوق إلى عشرة ثم لبسه وأبلاه حتى عادت إلى خمسة لزمه مع رده عشرة ولو كانت عشرة وعادت بانخفاض السوق إلى خمسة ثم لبسه وأبلاه حتى عادت إلى درهمين لزمه مع ستة لانه تلف بالابلاء ثلاثة أخماس الثوب فيغرمها بثلاثة أخماس أقصى القيم وذكر الشيخ أبو على أن بعض من شرح المولدات أخطأ في هذه الصورة فقال يلزمه ثلاثة لانها الناقصة بالابلاء ولا عبرة بالخمسة التى هي نقصان السوق وقياس قول هذا القائل أن يلزمه في الصورة الاولى وهى المذكورة في الكتاب نصف درهم وفى الثانية خمسة دراهم ولو غصبه وقيمته الجزء: 11 ¦ الصفحة: 292 عشرة فاستعمله أولا حتى عادت بالابلاء إلى خمسة ثم انخفض السوق فعادت قيمته إلى درهمين فرده يلزمه مع الرد الخمسة الناقصة بالابلاء ولا يغرم النقصان الحاصل في السوق في البالى الباقي ولو غصب ثوبا قيمته عشرة ولبسه وأبلاه حتى عادت القيمة إلى خمسة ثم ارتفع السوق فبلغت قيمته وهو بال عشرة فظاهر كلام ابن الحداد أنه يغرم مع رد الثوب لان الباقي من الثوب نصفه وهو يساوى عشرة فلو بقي كله لكان يساوى عشرين فيغرم عشرة للتالف واختلف الائمة فيه فساعده بعضهم وخالفه الجمهور على انقسامهم إلى مغلط ومؤول وقالوا لا يغرم مع رده الا الخمسة الناقصة بالاستعمال ولا عبرة بالزيادة الحاصلة بعد التلف ألا ترى أنه لو تلف الثوب كله ثم زادت القيمة لم يغرم تلك الزيادة قال الامام والصفات كالاجزاء في ذلك كله حتى لو غصب عبدا صانعا قيمة مائة فنسى الصنعة وعادت قيمته إلى الخمسين ثم أرتفع السوق فبلغت قيمته ناسيا مائة وقيمة مثله إذا أحسن تلك الصنعة مائتين لا يغرم مع رده الا خمسين واعلن أن الجواب في صور ابلاء كلها مبنى على أن أجرة مثل المغصوب لازمه مع أرش النقصان الحاصل بالاستعمال وهو الاصح وقد مر وجه آخر أنه لا يجمع بينهما فعلى ذلك الوجه الجواب لزوم أكثر الامرين من المقادير المذكورة أو أجرة المثل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 293 ولو أختلف المالك والغاصب في قيمة الثوب الذى أبلاه أنها متى زادت فقال المالك زادت قبل الابلاء فاغرم التالف بقسطه منها وقال الغاصب بل زادت بعده قال ابن سريج المصدق الغاصب لانه غارم كما لو تلف كله واختلفا في أن القيمة قبل التلف أو لعده (وأما) القسم الثالث وهو ان يكون النقصان في شئ من الاجزاء والصفات بعدها فيوضحه المسائل الآتية على الاثر. قال (ولو مزق الثوب خرقا لم يملكه (ح) بل يرد الخرق وأرش النقص. وأن كانت الجناية لا تقف سرايتها إلى الهلاك كما لو بل الحنطة حتى تعفنت. أو اتخذ منها هريسة. أو من التمر والسمن حلواء فنص الشافعي رحمة الله عليه أن المالك بالخيار بين أن يأخذ المعيب وأرش النقص) . أو يطالب بمثل أصل المال فان مصيره إلى الهلاك في حق من لا يرده فكأنه هالك. وفيه قول مخرج وهو القياس أنه ليس له ألا ما بقى من ملكه وأرش النقص) . النقصان الحاصل في المغصوب نوعان (أحدهما) مالا سراية له فعلى الغاصب ارشه ورد الباقي لافرق في ذلك بين أن يكون الارش قدر القيمة كما في قطع يدى العبد أو دونها ولا بين أن يفوت معظم منافعه أولا يفوت ولابين أن يبطل بالجناية عليه الاسم الاول وأن يبطل قال أبو حنيفة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 294 إذا كان الواجب قدر القيمة أو فوت الغاصب معظم منافعه بجنايته كما لو مزق الثوب المغصوب خرقا أو شقه طولا أو كسر قوائم الدابة أو بعضها لم يكن للمالك أن يغرمه شيئا الا أن يترك المغصوب إليه وكذا لو ذبح الشاة أو صبغ الثوب بما لا يقبل بعده لونا آخر وهو السواد قال فإذا تصرف فيه بما أبطل الاسم الاول ملك وغرم قيمته ولا سبيل للمالك إلى أخذه منه وهذا كما إذا أخذه غصب حنطة فطحنها أو دقيقا فخبزة أو شاة فذبحها وشواها أو صفرا واتخذه آنية أو ثوبا فخاط منه قميصا وساعدنا في قطع أذن الدابة واحدى يدى العبد وما أشبهها أنه يأخذ الباقي ويغرمه الارش واحتج الشافعي رضى الله عنه فقال جناية قطع اليدين فوق جناية جناية قطع احداهما فإذا لم يستفد بالغرامة في أدنى الجنايتين ملكا وجب أن لا يستفيد في أعلا الجناتين بطريق اولى وعبارة الاصحاب أنه جنى على ملك الغير فلا يتوقف تغريمه على تمليكه كما لو قطع احدى اليدين ولو أراد المالك ترك الناقص عند الغاصب وتغريمه بدله لم يكن له ذلك فانه عين ملكه ونقل صاحب المهذب وغيره وجها أنه إذا طحن الطعام المغصوب للمالك ترك الدقيق ومطالبته بالمثل لانه أقرب إلى حقه من الدقيق (والنوع الثاني) ماله سراية لا تزال تزداد إلى الهلاك الكلى كما لو بل الحنطة وتمكن منها العفن السارى أو اتخذ من الحنطة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 295 المغصوبة هريسة أو غصب سمنا وتمرا ودقيقا واتخذ منها عصيرة نقل العراقيون عن نصه في الام انه يجعل كالهلاك ويغرم بدل كل مغصوب من مثل أو دقيمة وقولا آخر عن رواية الربيع أنه يرده مع ارش النقصان ثم قالوا فيه طريقان للاصحاب (أحدهما) اثبات القولين وجه الثاني القياس على النوع الاول من النقصان ووجه الاول أنه مشرف على التلف والهلاك ولو ترك بحاله لفسد فكأنه هالك (والطريق الثاني) القطع بالقول الاول وجعله كالهالك أظهر عندهم سواء أثبت القولين أم لا وأما الامام وصاحب التهذيب فانهما رويا في المسألة قولين (أرجحهما) أنه يرده مع ارش النقصان وليس للمالك الا ذلك (والثانى) انه يتخير المالك بينه وبين أن يغرمه بدل ماله من مثل أو قيمة ويجعل كالهالك لان ارش النقص السارى لا يكاد ينضبط فله أن يكفى نفسه مؤنه الاطلاع عليه وايضا فانه إذا لم يرده وتركه بحاله أيهلك بخلاف ما إذا طحن الحنطة فانه يرد الدقيق فلو ترك بحاله لا يهلك ونسب الامام التخير هكذا إلى نص الشافعي رضى الله عنه وبه أجاب طائفة منهم الشيخ أبو محمد والمسعودي هو كالمتوسط بين ما اختاره العراقيون وبين ما اختاره الامام وصاحب التهذيب وذكر البندنيجى قولا آخر عن رواية أبي اسحق في الشرح أنه يتخير الغاصب بين أن يسكنه ويغرمه وبين أن يرده مع ارش النقصان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 296 ويخرج المختصر من هذه الروايات أربعة أقوال (تغريمه) كما هلك (رده) وارش النقصان (تخيير) الغاصب وإذا قلنا بالاول فقد أورد أبو سعيد المتولي وجهين في أن الحنطة المبلولة لمن تكون (أحدهما) تبقى للمالك كيلا يكون العدوان قاطعا حقه كما لو نجس زيته وقلنا انه لا يطهر بالغسل فان كونه للمالك أولى به (والثانى) ان يكون للغاصب لانا ألحقناه بالهلاك في حق المالك ولو هلك لم يكن للمالك غير ما أخذه ضمانا وكذلك ههنا وإذا حكمنا بتغريمه الارش مع الرد فانه يغرم ارش عيب سار وهو أكثر من ارش الفائت ثم قال الشيخ المتولي ان رأى الحاكم أن يسلم الجميع إليه فعل وان رأى سلم ارش النقص المتحقق في الحال إليه ووقف الزيادة إلى أن تتقين نهايته وفى هذا توقف لان المعقول من ارش العيب السارى ارش العيب الذى شأنه السراية وانه حاصل في الحال أما المتولد منه فيجب قطع النظر عنه إذ الكلام في النقصان الذى لا تقف سرايته إلى الهلاك فلو نظرنا إلى المتولد معه لانجز ذلك إلى ان يكون ارش العيب السارى تمام قيمته وهو عود إلى القول الاول وقد بين في شرح المفتاح الشيخ أبو حامد السلمى ذلك فانه قال في التعبير عن قول التخيير ان شاء المالك ضمنه ما نقص إلى الآن ثم لا شئ له من زيادة فساد تحصل من بعد وان شاء تركه إليه وطالبه بجميع البدل. ومن صور النوع الثاني ما إذا صب الماء في الزيت وتعذر تخليصه منه فاشرف على الفساد وعن الشيخ أبى محمد تردد في مرض العبد المغصوب إذا كان ساريا عسر العلاج كالسل والاستسقاء ولم يرتضه الامام لان المرض المئيوس منه قد يبرأ والعفن المفروض في الحنطة يفضى إلى الفساد لا محالة (وقوله) في الكتاب وفيه قول مخرج لم أجد غيره يصغه بكونه مخرجا وقد ذركنا انهم نقلوه عن رواية الربيع ولا حاجة مع النقل إلى التخريج نعم ربما لا يبلغ النقل المخرج فيقع الحافر على الحافر. قال (ولو جني العبد المغصوب جناية قتل بها قصاصا ضمن الغاصب للمالك أقصى قيمته إذ حصل الفوات تحت يده. وان تعلق الارش برقبته ضمن الغاصب للمجني عليه كما يضمن المالك إذا منع البيع وكأن الغاصب مانع. فان تلف العبد في يده ضمن للمجني عليه الارش وللمالك القيمة. وان سلم القيمة إلى المالك فللمجني عليه التعلق به لانه بدل عبد تعلق به ارشه. فإذا أخذه المجني عليه رجع المالك على الغاصب بما اخذه لانه لم يسلم له) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 297 مقصود الفصل الكلام في جناية العبد المغصوب وسبب ذكره في هذا الموضع ان الجناية احد انواع النقصان ونحن نذكره ونضم إليه حكم الجناية عليه اما جنايته فينظر ان جنى بما يوجب القصاص واقتص منه في يد الغاصب أقصى قيمه من يوم الغصب إلى الاقتصاص وان جني بما يوجب القصاص في الطرف واقتص منه في يده غرم بدله كما لو سقط بآفه ولو اقتص منه بعد الرد إلى السيد غرم الغاصب أيضا لان سبب الفوات حصل في يده وكذا الحكم لو ارتد أو سرق في يد الغاصب ثم قتل أو قطع بعد الرد إلى المالك ولو غصب مرتدا أو سارقا فقتل أو قطع في يد الغاصب هل يضمنه الغاصب في النهاية أنه على الوجهين في أنه إذا اشترى مرتدا أو سارقا فقتل أو قطع في يد المشترى فمن ضمان من يكون القطع والقتل ولو جني المغصوب على نفس أو مال جناية توجب المال متعلقا برقبته فعلى الغاصب تخليصه بالفداء قال الامام وبم يفديه بارش الجناية بالغا ما بلغ أم بأقل الامرين من الارش ومن قيمة العبد فيه قولان كما إذا أراد المالك تخليص العبد الجاني وفداه قال وهذا لان وجوب بذل الارش بتمامه في حق المالك ووجهه أنه امتنع من البيع ولو رغب فيه ربما وقع الظفر بمن يشتريه بمقدار الارش ومثل هذا موجود في حق الغاصب لانه بالغصب مانع ملكه من بيعه وينزل ذلك منزلة المالك المانع ويترتب عليه تضمينه المجني عليه وهذا ما أشار إليه صاحب الكتاب بقوله كما يضمن المالك إذا منع البيع وكان الغاصب مانعا ولك أن تقول لو كان يضمنه للمنع من البيع لسقط الضمان إذا رده إلى المالك لارتفاع الحيلولة ولا يسقط بل لو بيع في الجناية بعد الرد إلى المالك غرمه الغاصب أيضا كما سيأتي ولم يوجه العراقيون تضمينه بذلك وانما وجهوه بان جناية العبد لنقص دخله فكان كسائر وجوه النقصان وسواء جرى الوجهان كما ذكره الامام أولا فالظاهر انه لا يجب على الغاصب تحصليه إلا باقل الامرين وهو المذكور في التتمة فإذا ثبت أن الجاني والجناية مضمونان على الغاصب فلا يخلوا إما ان يتلف العبد في يد الغاصب أو يرده ان تلف في يده فللمالك تغريمه أقصى القيم فإذا أخذها فللمجني عليه إن لم يغرم الغاصب له بعد أن يغرم الغاصب وله أن يتعلق بالقيمة التى أخذها المالك لان حقه كان متعلقا بالرقبة فيتعلق ببدلها كما أن العين المرهونة إذا أتلفها متلف يتوثق المرتهن ببدلها وحكى الشيخ أبو على وجها أن القيمة المأخوذة تسلم للمالك ولا يطالبه المجني الجزء: 11 ¦ الصفحة: 298 عليه بها وانما يطالب الغاصب كما أن المجني عليه لو أخذ الارش لم يكن للمالك التعلق به فهما كرجلين لكل واحد منهما دين على ثالث والصحيح الاول وإذا أخذ المجني عليه حقه من تلك القيمة يرجع المالك بما أخذه على الغاصب لانه لم يسلم له بل أخذ منه بجناية مضمونة على الغاصب ثم الذى ياخذه المجني عليه قد يكون كل القيمة بان كان الارش مثل القيمة وقد يكون بعضها بان كانت القيمة الفا والارش خمسمائة فلا ياخذ الا خمسمائة ولا يرجع المالك الا بخمسمائة لان الباقي قد سلم له وكذا لو كان العبد يساوى الفا فرجع بانخفاض السوق إلى خمسمائة ثم جنى ومات عند الغاصب فغرمه الملك الالف لم يكن للمجني عليه الا خمسمائة وان كان ارش الجناية الفا لانه ليس له عليه الا قدر قيمة الجناية وان رد العبد إلى المالك نظر ان رده بعد ما غرم المجني عليه فذلك وان رد قبله فبيع في الجناية رجع المالك على الغاصب بما أخذه منه لان الجناية حصلت حين كان العبد مضمونا عليه ويخالف ما إذا جنى في يد المالك ثم غصبه فرده ثم بيع في تلك الجناية حيث لا يرجع المالك بشئ لان الجناية حصلت وهو غير مضمون عليه وفرع ابن الحداد على ذلك فقال إذا جني في يد المالك جناية تستغرق قيمته ثم غصب وجني في يد الغاصب جناية أخرى مستغرقة ثم رده إلى المالك ثم بيع في الجنايتين وقسم الثمن بينهما نصفين يرجع الملك على الغاصب بنصف قيمة العبد لان احدى الجنايتين وجدت والعبد في ضمانه فإذا أخذه كان للمجني عليه الاول التعلق به ولا حق للمجني عليه الثاني ووجه الشيخان أبو على وأبو محمد بان سبب وجوب هذا النصف انما هو الغصب فانه بالغصب ضمن ما يجنى المغصوب والغصب مقدم على الجناية الثانية فلا يأخذ المجني عليه الثاني بما يوجب به شيئا كما لو جنى عبده على رجل ثم قطعت يده ثم جنى على آخر ثم قتل أو مات من سراية القطع فان ارش اليد لا يأخذ منه المجني عليه الثاني شيئا لوجوبه بالقطع المتقدم على الجناية عليه ثم إذا أخذ المجني عليه الاول لم يرجع المالك على الغاصب لانه أخذه بسبب جناية غير مضمونة على الغاصب ولو كان الفرع بحاله وتلف العبد بعد الجنايتين في يد الغاصب فله طلب القيمة من الغاصب وللمجنى عليه أخذها فإذا أخذها فللمالك الرجوع بنصفها على الغاصب لانه أخذ منه النصف بجناية مضمونة على الغاصب فإذا رجع فللمجنى عليه الاول أخذه لانه بدل ما تعلق به حقه قبل الجناية الثانية وإذا أخذه لم يكن له الرجوع على الغاصب مرة أخرى لانه مأخوذ بجناية غير الجزء: 11 ¦ الصفحة: 299 مضمونة على الغاصب هذا الظاهر المذهب في الحالتين وقيل إذا رد العبد وبيع في الحالتين فالنصف الاول يرجع به المالك سلم له ولا يؤخذ منه وانما يطالب المجني عليه الاول الغاصب بنصف القيمة وإذا ثبت في يد الغاصب بعد الجنايتين لا يأخذ المالك شيئا والمجني على الاول يطالب بتمام القيمة والمجني عليه الثاني يطالبه بنصف القيمة ولو جنى العبد المغصوب في يد الغاصب أولا ثم رده إلى المالك فجنى في يده جناية أخرى وكل واحد منهما مستغرق القيمة فبيع فيهما وقسم الثمن بينهما فللمالك الرجوع على الغاصب بنصف القيمة للجناية التى هي مضمونة عليه فإذا أخذه قال الشيخ أبو على سمعت الشيخ القفال مرة يقول ليس لواحد من المجني عليهما أخذه (أما) الثاني فلان الجناية عليه مسبوقة بجناية مستغرقة وحق الثاني لم يثبت إلا في نصف القيمة وقد أخذ (وأما) الاول فلان حق السيد في القيمة ثبت بنفس الغصب وهو مقدم على حق المجني عليه فما لم يصل حقه إليه لا يدفع إلى غيره شيئا وقال وليس هذا بشئ بل للمجني عليه الاول أخذه كما في المسألة السابقة ولاعبرة بثبوت حق السيد في القيمة فان حق السيد وان كان متقدما فيتقدم عليه حق المجني عليه كما في نفس الرقبة قال وقد ناظرت القفال فرجع إلى قوله وعلى هذا فإذا أخذه المجني عليه الاول رجع به المالك على الغاصب مرة أخرى ويسلم له المأخوذ ثانيا لان الاول قد أخذ تمام القيمة والثانى لم يتعلق حقه الا بالنصف وقد أخذه ولو جني في يد الغاصب ثم في يد المالك كما صورنا ثم قتله الغاصب أو غصبه ثانيا فمات عنده أخذت القيمة منه بين المجني عليهما ثم للمالك أن يأخذ منه نصف القيمة لانه أخذ منه بسبب جناية مضمونة عليه فإذا أخذه كان للمجني عليه الاول أن يأخذه منه ثم له أن يرجع على الغاصب مرة أخرى ويسلم له المأخوذ في هذه المرة وقد غرم الغاصب والصورة هذه القيمة مرتين مرة بجناية العبد في يده ومرة بالقتل وعلى قياس الوجه الذى سبق يأخذ المجني عليه الاول تمام القيمة من الغاصب والثانى نصف القيمة وللمالك نصف القيمة ولا تراجع. هذا هو القول في جناية العبد المغصوب (وأما) الجناية عليه فان قتل نظر ان وجب القصاص بأن كان القاتل عبدا والقتل عمدا فللمالك القصاص فإذا اقتص برئ الغاصب لانه أخذ بدل عبده ولا نظر مع القصاص إلى تفاوت القيمة كما لانظر في الاحرار إلى تفاوت الدية فان لم يجب القصاص بأن كان الجاني حرا فعليه بالجناية قيمة يوم القتل سواء قتله الجزء: 11 ¦ الصفحة: 300 الغاصب أو أجنبي والمالك بالخيار بين أن يطالب به الغاصب أو الجاني لكن القرار على الجاني ثم ان كانت قيمته قبل يوم القتل أكثر ونقصت في يد الغاصب فعليه ما نقص بحكم اليد وان كان الجاني عبدا فان سلمه سيده وبيع في الجنايه نظران كان الثمن مثل قيمة المغصوب أخذه ولا شئ له على الغاصب إلا إذا كانت القيمة قد نقصت عنه قبل القتل وان كان الثمن أقل أخذ الباقي من الغاصب فان اختاره سيده فداه (ان قلنا) يفديه بالارش أخذه ولا شئ له على الغاصب الاعلى التقدير المذكور (وان قلنا) يفدي بالاقل من أرش الجناية وقيمة الجاني فان كانت قيمة المغصوب أكثر من قيمة الجاني فالباقي على الغاصب إن كانت اقل أو مثلها أخذها المالك ولا شئ له على الغاصب إلا على التقدير المذكور ولو اختار المالك تغريم الغاصب الفداء فله ذلك وياخذ منه جميع قيمة المغصوب ثم يرجع الغاصب على سيد العبد الجاني بما غرم الا مالا يطالب به الا الغاصب هذا أذا كانت الجناية قتلا (أما) الجراحات فاما أن يكون لها أرش مقدر في حق الحر أولا يكون لها أرش مقدر فالواجب في القسمين ما بينا من قبل فإذا كان الواجب ما نقص من قيمته بالجناية كان المرعى حالة الاندمان فان لم يكن حينئذ نقصان لم يطالب بشئ وإذا كان الواجب مقدرا من القيمة كالمقدر من الدية فيؤخذ في الحال أم يؤخر إلى الاندمال فيه قولان كما لو كانت الجناية على الحر وسأتي ذلك في موضعه وإذا كان الجاني غير الغاصب وغرمناه القدر من القيمة وكان النقص أقصر من ذلك المقدر فعلى الغاصب ما زاد على المقدر فان كان المقدر أكثر مما نقص من القيمة فهل يطالب الغاصب بالزيادة على ما نقص من القيمة ذكرنا فيما إذا سقطت يده بآفة أن الاصح أنه لا يطالب وههنا الظاهر أنه يطالب والقرار على الجاني وترددوا فيما إذا قطعت يده قصاصا أوحدا لانه يشبه السقوط بآفة من حيث انه تلف بلا بدل ويشبه الجناية من حيث حصوله بالاختيار فان اجتمعت جناية المغصوب والجناية عليه كما إذا قتل العبد المغصوب إنسانا ثم قتله في يد الغاصب إنسان فللمغصوب منه أن يقتص ويسقط به الضمان عن الغاصب ويبطل حق ورثة من قتله المغصوب لان العبد الجاني إذا هلك ولم يحصل له عوض يضيع حق المجني عليه نعم لو كان المغصوب قد نقص عند الغاصب بعروض عيب بعد ما جني فلا يبرأ الغاصب من أرش ذلك النقصان ولولى من قتله التمسك به وان عرض عيب قبل جنايته فاز المغصوب منه بالارش لان الجزء * الجزء: 11 ¦ الصفحة: 301 المقابل للارش كان مقصودا عند الجناية ولو لم يقتص المغصوب منه بل عفي على المال أو كانت الجناية موجبة للمال فحكم تغريمه وأخذه المال على ما مر في الجناية عليه من غير جناية منه ثم إذا أخذ المال كان لورثة من جني عليه عبده التعلق به لانه بدل الجاني على مورثهم فإذا أخذوه رجع المغصوب منه على الغاصب مرة أخرى لانه أخذ منه بسبب جناية مضمونة عليه ويسلم له المأخوذ ثانيا على ما مر نظيره. قال (وإذا نقل الغاصب التراب من أرض المالك فعليه رد التراب بعينه أو رد مثله أو الارش لتسوية الحفر والبائع إذا قلع أحجاره يكفيه تسوية الحفر ولا يلزمه الارش. وقيل في المسألتين قولان بالنقل والتخريج. والاكتفاء بالتسوية في الموضعين أولى فانه لا يتفاوت بخلاف بناء الجدار بعد هدمه وليس للغاصب أن ينقل التراب إلى ملكه الا باذنه. فان منعه لم يكن له ذلك الا إذا تضرر الغاصب به لتضييقه ملكه أو لوقوعه في شارع يحذر من التعثر به ضمانا. ولو حفر بئرا في داره فله طمها وان أباه المالك ليخرج عن عهدة ضمان التردي فان أبرأه المالك فالاظهر أن رضاه الطارئ كالرضا المقرون بالحفر حتى يسقط الضمان به فلا يجوز له الطم بعد رضاه) . نقل التراب من الارض المغصوبة تارة يكون من غير احداث حفرة فيها كما إذا كشط عن وجهها وتارة يكون باحداث حفرة فيها كما إذا حفر بئرا أو شق نهرا (الحالة الاولى) إذا كشط وجه الارض ونقل التراب فللمالك اجباره على رده ان كان باقيا وان تلف وانمحق بهبوب الرياح والسيول الجارية رد مثله إليه وعليه اعادة وضعه وهيئته كما كانت من انبساط أو ارتفاع وان لم يطالبه المالك بالرد نظر ان كان له فيه غرض بأن دخل الارض نقص وكان ذلك النقص يرتفع بالرد ويتوقع منه الارش أو كان نقل التراب إلى ملكه وأراد تفريغه أو إلى ملك غيره أو شارع يحدث من التعثر به الضمان فله الاستقلال بالرد وان لم يكن شئ من ذلك بل نقله إلى موات أو من أحد طرفي الارض المغصوبة إلى الآخر فان منعه المالك من الرد لم يرده وان لم يمنعه فهل يفتقر الرد إلى اذن المالك حكي في التتمة فيه وجهين بناء على الوجهين في أنه إذا منعه فخالف فرد فهل يفتقر الرد للمالك مطالبته بالنقل ثانيا إلى الارض (إن قلنا) لارد من غير اذن المالك (وان قلنا) نعم افتقر إلى اذنه وهو المذكور في الكتاب وهو الاظهر وإذا كان له غرض في الرد فرده إلى الارض فمنعه المالك من بسطه لم يبسط وان كان في الجزء: 11 ¦ الصفحة: 302 الاصل مبسوطا (الحالة الثانية) إذا حفر في الارض المغصوبة بئرا فأمره المالك بطمها لزمه الطم وان لم يأمره المالك كان له أن يستقل بالطم ليدفع عن نفسه خطر الضمان لو تردى فيها مترد وأيضا فقد يكون في الطم بعض الاغراض المذكورة في الحالة الاولى وقال المزني لايطم الا باذن المالك فان منعه المالك وقال رضيت باستدامة البئر فان كان للغاصب غرض في الطم سوى دفع ضمان التردي فله الطم وان لم يكن له غرض سواه فوجهان (أحدهما) له الطم أيضا لان الاذن الطارئ لا يرفع حكم الحفر المتقدم (وأظهرهما) ويحكي عن أبي حنيفة المنع ويندفع عنه الضمان لخروجه عن أن يكون جناية وتعديا ولو لم يقل رضيت باستدامتها واقتصر على المنع من الطم ففي التتمة أنه كما لو صرح بالرضي لتضمنه إياه وقال الامام لا يتضمنه ولو كان الغاصب قد طم البئر بآلة نفسه فله نقلها وللمالك اجباره عليه فان تركها ووهبها منه لم يلزمه القبول على أظهر الوجهين وحيث قلنا في الحالتين أنه يرد التراب إلى الارض المغصوبة لوقوعه في ملكه أو في شارع فذاك إذا لم يتيسر نقله إلى موات ونحوه في طريق الرد فان تيسر لم يرده الا بالاذن قاله في النهاية وذكر أنه يستقل بطم البئر إذا بقى التراب الاول بعينه (أما) إذا تلف ففى الطم بتراب آخر دون أذن المالك وجهان وينبغي أن يجري هذا الخلاف في الحالة الاولى وفيما إذا طلب المالك الرد والطم عند تلف ذلك التراب والظاهر فيها جميعا أنه لافرق بين ذلك التراب وغيره أما إذا أعاد هيئة الارض في الحالتين إلى ما كانت عليه اما بطلب المالك أو دونه نظر ان لم يتفق في الارض نقص فلا ارش عليه ولكن عليه أجرة المثل لمدة الحفر والرد وان بقى فيها نقص وجب عليه الارش مع الاجرة هذا ما به الفتوى في مسألة الفصل من اولها إلى هذا الموضع ووراءه تصرف الاصحاب قالوا النص فيما نحن فيه ان يجب ارش النقص الحاصل بالحفر ولم يوجب التسوية لانه نص على ذلك فيما إذا غرس الارض المغصوبة ثم قلع بطلب المالك وإذا باع أرضا فيها أحجار مدفونة فقلعها ونقلها نص أنه يلزمه تسوية الارض واختلفوا فيها على طريقين (أحدهما) أن في الصورتين قولين بالنقل والتخريج (أحدهما) أن الواجب في الموضعين ارش الجزء: 11 ¦ الصفحة: 303 النقصان لان الزام التسوية تقابل فعل بمثله فصار كما إذا هدم جدار الغير لا يكلف باعادة (والثاني) أن الواجب التسوية لتعود الارض إلى ما كانت ومهما أمكن التضمين بالمثل لا يصار إلى التضمين بالقيمة ويفارق هدم الجدار كما تقدم في البيع (والطريق الثاني) تقرير النصين وفرقوا بان الغاصب متعد فغلظ عليه الامر بايجاب الارش لكن لامتانة لهذا الفرق لان مؤنة التسوية قد تزيد على أرش النقصان الحاصل بالحفر فلا يظهر زيادة تغليظ بايجاب الارش وأيضا فانا إذا أوجبنا التسوية وبقى بعد التسوية نقصان من الارش يجب ارشه نص عليه الائمة ولا يدمنه والا كان الضمان دون الفائت وإذا أوجبنا ارش النقصان الباقي بعد التسوية مع التسوية لم يكن فيه تخفيف والله أعلم. وإذا نظرت في لفظ الكتاب أفهمك ظاهره انصراف الطريقين إلى شئ آخر وهو أن الواجب مجرد التسوية أم يجب مع التسوية ارش النقص الباقي لانه قال فعليه رد التراب والارش وأيضا قال يكفيه تسوية الحفر ولا يلزمه الارش وايضا قال والاكتفاء بالتسوية في الموضعين اولى لكن الاعتماد على ما نقلناه وان كان المراد ما اشعر به ظاهره كما انتظم الوجه بقوله فانه لا يتفاوت بخلاف بناء الجدار بعد هدمه لان هذا المعنى لا يقتضى القناعة بالتسوية والاضراب عن ارش النقصان الباقي بعدها وانما هو توجيه القول الصائر إلى وجوب التسوية والفرق بين اعادة الجدار بعد هدمه وبين التسوية إلى المغصوب منه لا الى الارش ويكون معنى قوله والارش لتسوية الحفر وقوله يكفيه تسوية الحفر ولا يلزمه الارش يؤمر بالتسوية ولا يكلف الارش أو ما أشبه ذلك ويجوز أن يعلم بالواو وقوله في الكتاب وتسوية الحفر في مسألة بيع الارض التي فيها حجارة مدفونة من كتاب البيع كما عرفته ههنا وكنا قد أحلنا شيئا من الكلام فيه إلى هذا الموضع واعلم أن توجيه هذا الخلاف الذي شرحناه يقتضى طرده في طم البئر لكنهم سكتوا عنه وقوله وليس له أن ينقل التراب إلى ملكه يجوز اعلامه بالواو ولما سبق وقوله وله طمه وان أباه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 304 المالك أي لم يرده ولم يأذن فيه أما إذا صرح بالمنع مع الرضى باستدامة البئر فهو على الوجهين اللذين ذكرهما عقبه وليعلم قوله وان أباه بالزاى وقوله فان أبرأه المالك أي عن ضمان التردي وهذا اللفظ قد استعمله كثير من الاصحاب قال الامام وليس المراد منه حقيقة الابراء فان الضمان حق عساه يثبت للمتردي فكيف يبرئ عن حق الغير قبل ثبوته وانما المراد الرضا بابقاء البئر كما قد مناه. قال (وإذا خصى العبد فعليه كما قيمته. قان سقط ذلك العضو بآفة سماوية فلا شئ (و) عليه لانه به تزيد قيمته. وكذلك إذا نقص السمن المفرط ولم ينقص من القيمة) إذا خصى العبد المغصوب فهو على القولين السابقين في أن جراح العبد هل تتقدر (ان قلنا) بالجديد وهو أنه تتقدر لزمه كمال القيمة (وان قلنا) لاتتقدر فالواجب ما نقص من القيمة فان لم ينقص شئ فلا شئ عليه ولو سقط ذلك العضو بآفة سماوية وزادت قيمته ورده فلا شئ عليه على القولين نعم قياس الوجه الذي قدمناه في أنه يضمن بالتلف تحت اليد العادية كما يضمن بالجناية أن يجب كمال القيمة فلو كان بالجارية سمن مفرط فزال ورجع إلى حد الاعتدال ولم تنقص قيمتها لم يلزمه شئ لان السمن ليس له بدل مقد بخلاف الانثيين ويجوز أن يعلم لما ذكرناه قوله فعليه كمال قيمته بالواو وكذا قوله فلا شئ عليه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 305 قال (ولو عاد الزيت بالاغلاء إلى نصفه ضمن مثل نصفه وان لم تنقص القيمة لان له مثلا. وكذا في اغلاء العصير. وقال ابن سريج لا يضمن في العصير لان الذاهب مائية غير متمولة بخلاف الزيت) . إذا غصب زيتا أو دهنا فاغلاه فاما أن تنقص عينه أو قيمته أو كليهما أولا ينقص واحد منهما فان نقصت عينه دون قيمته كما إذا غصب صاعين قيمتهما درهمين فعادا بالاغلاء إلى صاع قيمته درهمان ففيه وجهان (أحدهما) ويروى عن صاحب التلخيص أنه يرده ولا غرم عليه لان ما فيه من الزيادة والنقصان استند إلى سبب واحد فيجبر النقصان بالزيادة (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يرده ويغرم مثل الصاع الذاهب لان للزيت بدلا مقدرا وهو المثل فصار كما لو جني وخصى العبد والزيادة الحاصلة أثر محض لاينجبر به النقصان كما لا يستحق به الغاصب شيئا إذا لم يكن نقصان. وان نقصت قيمته دون عينه رده مع ارش النقصان. وان انتقصا جميعا فالواجب عليه مع رد الباقي مثل ما ذهب بالاغلاء إلا إذا كان ما نقص من القيمة أكثر مما نقص من العين فيلزمه مع مثل الذاهب أرش نقصان الباقي وان لم ينقص واحد منهما رده ولا شئ عليه * ولو غصب عصيرا وأغلاه فهل هو كالزيت حتى يضمن مثل الذاهب إذا لم تنقص القيمة فيه وجهان (أحدهما) نعم وبه قال أبو على الطبري لانه مضمون بالغلى كالزيت (والثاني) لا وبه قال ابن سريج والفرق أن حلاوة العصير باقية والذاهب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 306 مائية ورطوبة لاقيمة لها والذاهب من الزيت زيت متقوم وهذا أصح مما ذكره الشيخ أبو حامد والقاضى الروياني ومن قال به قطع بانه لا يضمن مثل العصير الذاهب وايراد صاحب الكتاب يقتضي ترجيح الوجه الاول وربما يقول من رجحه الذاهب من الزيت المائية أيضا الا أن مائيته أقل وعلى هذا أن يعود الوجهان المذكوران في أنه هل يضمن مثل الزيت الذاهب إذا لم تنتقص القيمة والخلاف المذكور فيما إذا أغلى العصير يجرى فيما إذا صار خلا وانتقص عينه دون قيمته وكذا وإذا صار الرطب تمرا. قال (ولو هزلت الجارية ثم سمنت. أو نسي الصنعة ثم تذكر. أو أبطل صنعة الاناء ثم أعاد مثله ففي حصول الجبر وجهان. ولو أعاد صنعة أخرى فلا ينجبر أصلا) . نقصان المغصوب هل ينجبر بالكمال بعده ينظر ان كان الكمال من الوجه الذي حصل فيه النقصان كما لو هزلت الجارية ثم سمنت وعادت كما كانت ففيه وجهان (أحدهما) ينجبر ويسقط الغرم كما لو أبق العبد فعاد وكما لو جني على عين فابيضت ثم زال البياض (واظهرهما) المنع لان السمن الثاني غير الاول ويروى هذا عن الاصطخري والاول عن ابن أبي هريرة والوجهان عند القاضي أبي الطيب مبنيان على الخلاف فيما إذا قلع سن كبير وعاد وضعفه صاحب التتمة لان عود سن الكبير نادر وعود السمن ليس بنادر فهو بعود سن الصغير أشبه وأجري الوجهان فيما إذا كان العبد المغصوب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 307 صانعا فنسى الصنعة ثم تذكرها أو تعلمها ومنهم من قطع ههنا بالانجبار لان السمن الثاني زيادة في الجسم محسوسة مغايرة لما كان وتذكر الصنعة لا يعد في العرف شيئا متجددا والظاهر ههنا الانجبار سواء ثبت الخلاف أم لا ومنهم من قطع في السمن بعدم الانجبار وخص الخلاف بالصورة الثانية وحكاه في التهذيب عن صاحب التلخيص وإذا قلنا بالانجبار فلو لم تبلق القيمة بالعائد إلى القيمة الاولى ضمن ما بقى من النقصان وانجبر ما وراءه بما عاد ويجرى الخلاف فيما إذا كسر الحلى والاناء المغصوبين ثم أعاد تلك الصنعة ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب وجهان بالواو للطريقة القاطعة بعدم الانجبار بعود السمن وبالانجبار في تذكر الصنعة وان كان الكمال من وجه آخر بان نسى صنعة وتعلم أخرى أو أبطل صنعة الاناء وأحدث صنعة أخرى فلا انجبار بحال وعلى هذا لو تكرر النقصان وكان الناقص كل مرة مغاير للنوع الناقص في المرة الاخرى ضمن الكل حتى لو غصب جارية قيمتها مائة فسمنت وبلغت القيمة الفا وتعلمت صنعة فلبغت القيمة الفين ثم هزلت ونسيت الصنعة فعادت قيمتها إلى مائة يردها ويغرم الفا وتسعمائة ولو علم العبد المغصوب سورة من القرآن أو حرفة فنسيها ثم علمه حرفة أو سورة أخرى فنسيها أيضا ضمنها وان لم تكن مغايرة كما إذا علمه سورة واحدة أو حرفة واحدة مرارا وهو ينساها في كل مرة (فان قلنا) لا يحصل الانجبار بالعائد ضمن النقصان كل مرة (وان قلنا) يحصل ضمن أكثر المرات نقصانا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 308 (فرع) لو زادت قيمة الجارية بتعلم الغناء ثم نسيته نقل القاضي الروياني عن النص انه لا يضمن النقصان لانه غير محترم والمضمون الزيادة المحترمة وعن بعض الاصحاب أنه يغرمه ولهذا لو قتل عبدا مغنيا يغرم قيمته قال وهو الاختيار. (فرع) مرض العبد المغصوب ثم برئ وزال أثر المرض لا شئ عليه مع رده وفيه وجه بعيد أنه يضمن النقص الحاصل بالمرض ولا يسقط عنه بالبرء وكذا الحكم فيما لو رده مريضا ثم برئ وزال الاثر. (فرع) غصب شجرة فتحاث ورقها ثم أو رقت أو شاة فجز صوفها ثم نبت غرم الاول ولا ينجبر بالثاني بخلاف مالو سقط من الجارية المغصوبة ثم نبت أو انمعط شعرها ثم نبت يحصل الانجبار قاله في التهذيب لان الورق والصوف متقومان فيغرمهما وسن الجارية وشعرها غير متقومين وانما يغرم أرش النقص الحاصل بفقدانها وقد زال. قال (ولو غصب عصيرا فصار خمرا ضمن مثل العصير لفوات المالية. ولو صار خلافا لاصح أنه يرد مع أرش النقصان إن كان الحل أنقص قيمة. وقيل يغرم مثل العصير ويرد الخل وهو رزق جديد كالسمن العائد. وكذا الخلاف في البيض إذا تفرخ. والبذر إذا زرع. والاصح الاكتفاء به فانه استحالة إلى زيادة. ولو غصب خمرا فتخلل في يده. أو جلد ميتة فدبغه فالاصح أن الخل (ح) والجلد للمغصوب منه. وقيل بل للغاصب فانه حصل بفعله مما لامالية للمالك فيه) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 309 في باقي الفصل مسألتان (احداهما) إذا غصب عصيرا فتخمر عنده كان للمغصوب منه تضمينه مثل ما لعصير لفوات المالية وذكروا أن على الغاصب اراقة الخمر فلو جعلت محترمة كما لو تخمرت في يد المالك من غير قصد التخميرية لكان جائزا ولو تخللت في يد الغاصب فوجهان (أصحهما) أن الخل للمالك وعلى الغاصب أرش النقصان ان كانت قيمة الخل أنقص (والثاني) أنه يغرم مثل العصير لانه بالتخمير كالتالف وعلى هذا ففي الخل وجهان (أحدهما) أنه للغاصب كما لو غصب الخمر فتخللت يكون الخل للغاصب على وجه (وأظهرهما) أنه للمالك لانه فرع ملكه ويجوز أن يكون الخل له ولا يسقط الضمان اللازم قبل التخلل كما في السمن العائد على أحد الوجهين ويجرى هذا الخلاف فيما إذا غصب بيضة فتفرخت عنده أو بذرا فزرعه فنبت أو بزرقز فصار قزا فعلى الاصح الحاصل للمالك ولا يغرم الغاصب شيئا إلا أن يكون الحاصل أنقص قيمة مما عصبه لان المغصوب قد عاد إليه زائدا وعلى الثاني يغرم المغصوب لهلاكه والحاصل للمالك في أظهر الوجهين وللغاصب في الآخر وبه قال أبو حنيفة والمزني ويجوز أن يعلم لما ذكرنا قوله ويرد الخل بالواو (وقوله) والاصح الاكتفاء به بالحاء والزاي لان اكاتفاء المالك مفرع على أنه له وهما لا يجعلان الحاصل له ثم الاكتفاء فيما إذا لم يكن الحاصل نقص وهو الغالب (الثانية) إذا غصب خمرا فتخللت في يده أو جلد ميتة فدبغه فوجهان (أصحهما) أن الخل والجلد للمغصوب منه لانه فرع ملكه فعلى هذا إذا تلف في يده غرمه (والثاني) أنهما للغاصب لحصولهما عنده بما ليس بمال وفي المسألة طريقان آخران (أحدهما) القطع بان الخل للمالك وتخصيص الوجهين بالجلد بأن الجلد صار مالا بفعله والخمر تخللت بنفسها (والثاني) القطع بأن الجلد للمالك وتخصيص الوجهين بالخل لان جلد الميتة يقتنى والخمر التي غصبها لا يجوز اقتناؤها فان كانت الخمر محترمة كانت كجلد الميتة وإذا جمعت الطرق واختصرت قلت هما للمالك أو للغاصب أو الخل للمالك والجلد للغاصب أو بالعكس فيه أربعة أوجه وإذا حكمنا بأنها للمالك وذلك فيما إذا لم يكن المالك معرضا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 310 عن الخمر والجلد (وأما) إذا كان قد أرق الخمر أو القى جلد الشاة الميتة فأخذهما أحد هل للمعرض استرداد الحاصل فيه وجهان لانه أبطل اختصاصه بالابقاء (وقوله) في الكتاب فانه حصل بفعله فيما لامالية للمالك فيه هذا في الجلد ظاهر وفي الخمر كأنه يعني به الحفظ والامساك إلى أن تتخلل. قال (الثاني في الزيادة فإذا غصب حنطة فطحنها. أو ثوبا فقصره. أو خاطه. أو طينا فضر به لبنا. أو شاة فذبحها وشواها لم يملك (ح) شيئا من ذلك. بل يرده على حاله وأرش النقص ان نقص. وان غصب نقرة فصاغها حليا ردها كذلك. ولو كسره ضمن الصنعة وان كانت من جهته لانها صارت تابعة للنقرة. فان أجبره المالك على رده إلى البقرة فله ذلك ولا يضمن أرش الصنعة. ويضمن ما نقص من قيمة أصل النقرة بالكسر) . الزيادة في المغصوب تنقسم إلى آثار محضة والى أعيان (أما القسم الاول) فالقول الجملى فيه أن الغاصب لا يستحق بتلك الزيادة شيئا لتعديه ثم ينظران لم يمكن رده إلى الحالة الاولى رده بحاله وأرش النقص وان نقصت قيمته وان أمكن رده إلى الحالة الاولى فان رضى به المالك لم يكن للغاصب رده إلى ما كان وعليه أرش النقص ان كان فيه نقص الا أن يكون له غرض في الرد إلى الحالة الاولى فله الرد وان ألزمه الرد إلى الحالة الاولى لزمه ذلك وأرش النقص ان نقص عما كان قبل تلك الزيادة. إذا تقرر ذلك فمن صور هذا القسم طحن الحنطة وقصارة الثوب وخياطته وضرب الطين لبنا وذبح الشاة وشيها ولا يملك الغاصب المغصوب بشئ من هذه التصرفات بل يردها مع أرش النقص ان نقصت القيمة وقد ذكرنا خلاف أبي حنيفة وانما تكون الخياطة من هذا القسم إذا خاط بخيط المالك (أما) إذا كان الخيط للغاصب فستأتي نظائره في الطحن والقصارة والذبح والشيئ لا يمكن الرد إلى ما كان وكذا في شق الثوب وكسر الاناء ولا يجبر على رفو الثوب واصلاح الاناء لانه لا يعود إلى ما كان بالرفاء والاصلاح وعن مالك أنه يجبر عليها كما في تسوية الحفر ولو غزل القطن المغصوب رد الغزل وأرش النقص إن نقص الجزء: 11 ¦ الصفحة: 311 ولو نسج الغزل المغصوب فالكرباس للمالك مع أرش النقص ان قرض نقص وليس للمالك اجباره على نقضه ان كان لا يمكن رده إلى الحالة الاولى ونسجه ثانيا وان أمكن كالخز فله اجباره عليه فان نقضه ونقصت قيمته عن قيمة الغزل في الاصل غرمه ولا يغرم ما كان قد زاد بالنسج وفات بالنقض لان المالك أمره بذلك فان نقض من غير اذن المالك ضمنه أيضا ولو غصب نقرة وضربها دراهم أو صاغ منها حليا أو غصب نحاسا أو زجاجا واتخذ منه اناء فان رضى المالك به رده كذلك وان لم يكن له رده إلى الحالة الاولى الا أن يكون ضرب الدراهم بغير اذن السلطان أو على غير عياره لانه حينئذ يخاف التغرير. قال (ولو غصب ثوبا قيمته عشرة وصبغه بصبغ قيمته عشرة فصارت قيمة الثوب عشرين فهما شريكان. فيباع ويقسم الثمن بينهما. فان وجد زبون يشترى بثلاثين صرف إلى كل واحد خسمة عشر. وان عاد الثوب إلى خمسة عشر بالصبغ حسب النقصان على الصبغ. وان عاد إلى ثمانية ضاع الصبغ وغرم الغاصب درهمين. وكذا القول في ثبوت الشركة إذا طير الريح الثوب إلى اجانة صباغ. أو صبغ الثوب المغصوب بصبغ مغصوب من غيره. فان قبل الصبغ الفصل أجبر الغاصب على فصله كما يجبر على قلع الزرع والغراس والبناء وان نقص زرعه به. وقال ابن سريج لا يجبر على فصل الصبغ ان كان يضيع بالفصل أولا تفى قيمته بما يحدث في الثوب من نقصان بسبب الفصل. ومهما طولب بالفصل وكان يستضر به فلو تركه على المالك أجبر على قبوله في وجه كالنعل في الدابة المردودة بالعيب. وان لم يكن عليه ضرر لم يكن له الاجبار على القبول. ولو بذل المالك قيمة الصبغ لم يكن له أن يتملك عليه فان بيع الثوب للخلاص من الشركة سهل. بخلاف المعير يتملك بناء المستعير ببدل لان بيع العقار عسير. ومهما رغب المالك في بيع الثوب أجبر الغاصب على بيع الصبغ ليصل كل واحد إلى الثمن. فان رغب الغاصب ففي اجبار المالك وجهان) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 312 القسم الثاني الاعيان فمن صوره صبغ الثوب المغصوب ونقدم عليه وصورتين مقصودتين في نفسهما ويحتاج اليهما في مسألة الصبغ (احداهما) إذا غصب أرضا وبني فيها أو غرس أو زرع كان لصاحب الارض أن يكلفه القلع قال صلى الله عليه وسلم (ليس لعرق ظالم حق) وعن أحمد أنه لا يكلف قلع الزرع مجانا لان له غاية تنتظر ولكن يخير صاحب الارض بين أن يبقيه بأجرة وبين أن يتملكه ويغرم مثل البذر وأجرة عمله والو أراد الغاصب القلع لم يكن للمالك منعه فانه عين ماله وإذا قلع فعليه الاجرة وفي وجوب التسوية أو الارش ما قدمناه في نقل التراب وان نقصت الارض لطول مدة الغراس فيجمع بين أجرة المثل وأرش النقص أولا يجب الا أكثرهما فيه الخلاف المذكور فيما إذا ابلى الثوب بالاستعمال ولو أراد صاحب الارض أن يتملك البناء أو الغراس بالقيمة أو تبقيتهما أو الزرع بالاجرة هل على الغاصب اجابته قال في التتمة فيه وجهان (أحدهما) نعم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 313 كالمستعير وبل أولى فان الغاصب متعد (وأظهرهما) المنع لتمكنه من القلع بلا غرامة بخلاف المعير وهذا ما ذكره الامام حكاية عن القاضى الحسين * ولو غصب من رجل أرضا وبذرا وزرعها به فللمالك أن يكلفه اخراج البذر من الارض ويغرمه أرش النقصان وليس للغاصب اخراجه إذا رضي المالك (الثانية) إذا زوق الدار المغصوبة نظران كان بحيث لو نزع حصل منه شئ فللمالك اجباره على النزع وان تركه الغاصب ليدفع عنه كلفة النزع هل يجبر المالك على قبوله فيه وجهان نشرحهما في مسألة الصبغ ولو أراد الغاصب نزعه فله ذلك لانه عين ماله ولا فرق بين أن يكون للمنزوع قيمة أولا يكون فإذا نزع فنقصت الدار عما كانت قبل التزويق لزمه الارش وان كان التزويق محض تمويه لا يحصل منه عين لو نزع فليس للغاصب النزع ان رضى المالك وهل له اجباره عليه فيه وجهان (أحدهما) نعم لانه قد يريد تغريمه أرش النقص الحاصل بازالته (والثاني) لا كما في الثوب إذا قصر وقال في التهذيب وهو الاصح. إذا عرفت ذلك عدنا إلى الصبغ وقلنا للصبغ الذي يصبغ به الثوب أحوال (أن يكون) للغاصب فينظر ان كان الحاصل تمويها محضا فالحكم على ما ذكرنا في التزويق وان حصل بالانصباغ عين مال فيه فاما أن لا يمكن فصله عنه أو يمكن (القسم الاول) إذا لم يمكن فصله عنه فعن صاحب التقريب حكاية قول عن القديم أنه يفوز به صاحب الثوب تشبيها له بالسمن (والمذهب) المشهور أنه ليس له ذلك لكن قضية الشركة بين المالك والغاصب لانه عين مال له انضم إلى ملك المغصوب منه بخلاف السمن وبخلاف القصارة والطحن ونحو هما فانهما آثار محضه وحينئذ ينظر ان كانت قيمة الثوب مصبوغا مثل قيمته وقيمة الصبغ قبل الصبغ كما إذا كانت قيمة الثوب عشرة وقيمة الصبغ عشرة وهو الجزء: 11 ¦ الصفحة: 314 يساوى بعد الصبغ عشرين فهو بينهما بالسوية حتى لو وجدا راغبا باعاه منه بثلاثين فهى بينهما وان نقصت قيمته مصبوغا عن قيمتها بأن عاد الثوب مصبوغا والتصوير كما سبق إلى خمسة عشر اطلق الاكثرون بأن النقصان محسوب من الصبغ لان الاصل هو الثوب والصبغ وان كان علينا كالصفة التابعة للثوب فيكون الثوب المصبوغ بينهما اثلاثا الثلثان للمغصوب منه والثلث للغاصب وفي الشامل والتتمة انه ان كان النقصان لانخفاض سوق الثياب فالنقصان محسوب من الثوب وان كان لانحفاض سوق الاصباع فمن الصبغ وكذا لو كان النقصان بسبب العمل لان صاحب الصبغ هو الذي عمل ويمكن ان يكون اطلاق من اطلق منزلا على هذا التقصيل وان كانت قيمته بعد الصبغ عشرة انمحق الصبغ ولا حق فيه للغاصب وان تراجعت القيمة وكان الثوب مصبوغا يساوى ثمانية فقد ضاع الصبغ ونقص من الثوب درهمان فيرده مع درهمين وان زادت قيمة الثوب مصبوغا عن قيمتها قبل الصبغ بان بلغت ثلاثين في الصورة المذكورة فمن أطلق الجواب في طرف النقصان أطلق القول ههنا بأن الزيادة بينهما على نسبة ماليهما ومن فصل قال ان كان ذلك لارتفاع سوق الثياب فالزيادة لصاحب الثوب وان كان لارتفاع سوق الاصباغ فهى للغاصب وان كان للعمل والصنعة فهى بينهما لان كل واحد منهما قد زاد بالصنعة والزيادة الحاصلة بفعل الغاصب إذا استندت إلى الاثر المحض تسلم للمغصوب منه (القسم الثاني) إذا أمكن فصله من الثوب (فعن) صاحب التقريب نقلا عن القديم انه ان كان المفصول لاقيمة له فهو كالسمن (والمذهب) انه ليس كالسمن وان لا يفوز به المغضوب منه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 315 هل يملك اجبار الغاصب على فصله فيه وجهان (احدهما) نعم كما يملك اجباره على اخراج الغراس ويحكي هذا عن ابن خيران وابي اسحق في الزيادات على الشرح (والثاني) لاوبه قال ابن سريج لما فيه من الضرر بخلاف الغراس فانه لا يضيع بالاخراج ولان الارض بالقلع تعود إلى ما كانت والثوب لا يعود ولان الاشجار تنتشر عروقها واغصانها فيخاف ضررها في المستقبل وهذا اظهر عند اصحابنا العراقيين وقال صاحب التهذيب في طائفة الاول اصح وكذا ذكره الامام وحكى قطع المراوزة به وان موضع الوجهين ما إذا كان الغاصب يخسر بالفصل خسرانا بينا وذلك قد يكون لضياع المنفصل بالكلية وقد يكون لحقارته بالاضافة إلى قيمة الصبغ ومن جملة الضياع ان يحصل في الثوب نقصان بسبب الفصل لا يفي بارشه قيمة المفصول ولو رضى المغصوب منه بابقاء الصبغ واراد الغاصب فصله فله ذلك ان لم ينتقص الثوب وان انتقص قال الامام يبنى على الخلاف في ان المغصوب منه هل يجبره على الفصل (ان قلنا) لا لم يفصله (وان قلنا) نعم فله ذلك وهو الاظهر ويحكى الاول عن ابى الطيب بن سلمة وان تراضيا على ترك الصبغ بحاله فهما شريكان وكيفية الشركة كما بينا في القسم الاول ثم الكلام في فروع (احدها) لو ترك الغاصب الصبغ على المالك ففى اجباره على القبول وجهان ووجه الاجبار صيرورته كالصفة التابعة للثوب وايضا فان المشترى إذا انعل الدابة ثم اطلع على عيبها فردها مع النعل لكان يعيبها لو نزع النعل يجبر البائع على القبول ووجه المنع القياس الظاهر ويدل عليه أنه لاجبر على قبول البناء والغراس إذا تركه الغاصب وذكر القاضي الروياني ان الاول ظاهر المذهب لكن الثاني اقيس واشبه ويخالف مسألة النعل لان الغاصب متعد والمشترى غير متعدي على انه لو الحق بما إذا صبغ المشتري الثوب بما زاد في قيمته ثم اطلع على عيبه فرده مسامحا بالصبغ لكان اقرب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 316 لما مر من أن الصبغ يصير ملكا للبائع (فأما) في مسألة النعل فانه يجبر على قبول النعل وفي دخول النعل في ملكه اختلاف مذكور في موضعه وذكر الامام في الفرع شيئين (أحدهما) ان في موضع الوجهين طريقين (أحدهما) أنهما مطردان فيما إذا أمكن فصل الصبغ وفيما إذا لم يمكن (وأظهرهما) التخصيص بما إذا أمكن وقلنا ان الغاصب يجبر على الفصل والا فهما شريكان لا يجبر واحد منهما على قبول الهبة من الآخر وعلى هذا فطريقان (أحدهما) ان الوجهين فيما إذا كان يتضرر بالفصل إما لما يناله من التعب أو لان المفصول يضيع كله أو معظمه فان لم يكن كذلك لم يلزمه القبول بحال (والثاني) ان الوجهين فيما إذا كان الثوب ينقص بالفصل نقاصانا لا يفى بارش قيمته الصبغ المفصول فان وفى لم يلزمه القبول وان تعيب أوضاع معظم المفصول (والثاني) إذا قلنا بلزوم القبول على المغصوب منه فلا حاجة إلى تلفظه بالقبول و (أما) من جهة الغاصب فلا بد من لفظ يشعر بقطع الحق كقوله أعرضت عنه أو تركته إليه أو أبرأته عن حقي أو أسقطته قال ويجوز أن يعتبر اللفظ المشعر بالتمليك (الثاني) لو بذل المغصوب منه قيمة الصبغ وأراد أن يتملكه على الغاصب هل يجاب إليه فيه وجهان سواء كان الصبغ مما يمكن فصله أو مما لا يمكن (أحدهما) نعم ويجبر الغاصب على قبوله لينفصل الامر بينهما وقد شبه ذلك بما إذا رجع المعير وقد بني المستعير أو غرس فان له أن يتملكه عليه بالقيمة وبهذا قال أبو حنيفة (وأظهرهما) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 317 وهو المذكور في الكتاب المنع ويفارق مسألة العارية لان المعير لا يتمكن من القلع مجانا فكان محتاجا إلى التمليك بالقيمة وههنا بخلافه وأيضا فان بيع العقار عسير وبيع الثوب سهل وبه يحصل الخلاص من الشركة وفي التتمة أنه ان كان الصبغ بحيث لو فصل حصل منه شئ ينتفع به ففي تملك المغصوب منه الوجهان المذكور ان في الغراس والبناء وان كان لا يحصل منه شئ فله تملكه لا محالة فيتولد من هذا وجه ثالث فارق (الثالث) متى اشتركا في الثوب المصبوغ فهل لاحدهما الانفراد ببيع ما يملكه منه جعله الامام على الوجهين في بيع دار لا ممر لها لانه لا يتأتى الانتفاع باحدهما دون الآخر (والاظهر) المنع فلو رغب مالك الثوب في البيع ففى المهذب والتهذيب أنه يباع ويجبر الغاصب على موافقته ووجهه أن المالك ان لم يتمكن من بيع الثوب وحده فامتناع الغاصب منع له من بيع ماله وان تمكن فلا شك في عسر البيع عليه لقلة الراغبين فيه والغاصب متعد فليس له الاضرار بالمالك بالمنع من البيع وتعسيره وان رغب الغاصب في البيع ففي اجبار المالك على مواففته وجهان (أحدهما) يجبر تسوية بين الشريكين ليصل كل واحد منهما إلى عين ملكه (وأظهرهما) المنع كيلا يستحق المتعدى بتعديه ازالة ملك غير المتعدى وفي النهاية أن واحدا منهما لا يجبر على موافقة الآخر على قياس الشركة في الاموال (الحالة الثانية) أن يكون الصبغ مغصوبا من غير مالك الثوب ايضا فان لم يحدث بفعله نقصان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 318 وبلا غرم على للغاصب وهما شريكان في الثوب المصبوغ كما سبق في الغاصب والمالك وان حدث نظر ان كانت قيمته مصبوغا عشرة والتصوير كما تقدم فهو لصاحب الثوب ويغرم الغاصب الصبغ للآخر وان كانت قيمته خمسة عشر روى صاحب التهذيب ان الثوب بينهما بالسوية ويرجعان على الغاصب بخمسة قال والقياس أن يكون بينهما أثلاثا كما مر في الحالة الاولى وهذا ما نقله غيره وهو الحق فان كان مما يمكن فصله فلهما تكليف الغاصب الفصل فان حصل بالفصل نقص فيهما أو في أحدهما كان قبل الصبغ غرمه الغاصب ولصاحب الثوب وحده طلب الفصل أيضا إذا قلنا ان الملك يجبر الغاصب على الفصل في الحالة الاولى وهذا إذا حصل بالانصباغ عين مال في الثوب فان لم يحصل الا بمؤنة فالحكم ما بينا في التزويق ويقاس بما ذكرنا في الحالتين ثبوت الشركة فيما إذا طير الريح ثوب انسان في اجانة صباغ ونصبغ لكن ليس لاحدهما أن يكلف الآخر الفصل ولا التغريم ان حصل نقص في أحدهما إذ لاتعدى ولو أراد صاحب الثوب تملك الصبغ بالقيمة فعلى ما تقدم (الحالة الثالثة) أن يكون الصبغ مغصوبا من مالك الثوب أيضا فان لم يحدث بفعله نقصان فهو للمالك ولا غرم على الغاصب ولا شئ له ان زادت القيمة لان الموجود منه أثر محض وان حدث بفعله نقصان غرم الارش وإذا أمكن الفصل فللمالك اجباره عليه وليس للغاصب الفصل إذا رضى المالك (واعلم) أن المذكور في الجزء: 11 ¦ الصفحة: 319 الكتاب هو الحالة الاولى وفي أثنائها تعرض للثانية (وقوله) في أول الفصل فلهما شريكان يجوز اعلامه بالواو لما حكي عن القديم من تنزيله منزلة السمن (وقوله) فيباع ليس المراد منه البيع القهري وانما الغرض ههنا أنه إذا بيع كان الثمن بينهما كما كان الثوب مشتركا بينهما ثم ان رضيا بالبيع فذاك والا فهل يجبر أحدهما الآخر فيه ما قد عرفته (وقوله) وان عاد الثوب إلى خمسة عشر بالصبغ يمكن أن يفهم من قوله بالصبغ الاحتراز عما إذا كان النقصان بسبب تراجع الاسواق فان النقصان حينئذ لا يحسب من الصبغ إذا كان التراجع في الثياب على ما حكيناه عن الشامل والتتمة (وقوله) وكذا القول في ثبوت الشركة إذا طيرت الريح الثوب انما قال في ثبوت الشركة ولم يقل وكذا القول فيما إذا طيرت الريح الثوب لان الصورتين اللتين ذكرهما ليستا كما إذا صبغ الثوب المصبوغ بصبغ نفسه في جميع الاحكام المذكورة اذلو رجع الثوب مصبوغا إلى ثمانية لا يغرم صاحب الاجانة شيئا وانما الصورتان كتلك الصورة في ثبوت الشركة فيهما حيث ثبتت الشركة فيهما ويجوز أن يعلم بالواو لان قياس القول القديم أن يفوز صاحب الثوب بالصبغ في الصورتين ولا تثبت الشركة (وقوله) كما يجبر على قلع الزرع والغراس والبناء وان نقص زرعه به أشار بقوله وان نقص زرعه به إلى أنه لا عبرة بما يعرض في الصبغ من ضرر بسبب انتشاره وتمدده كمالا عبرة بنقصان الزرع (وقوله) ومهما طولب بالفصل وكان يستضر به (وقوله) بعد ذلك وان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 320 لم يكن عليه ضرر لم يكن له الاجبار على القبول جواب على طريقة تخصيص الوجهين بما إذا تضرر بالفصل وقد بينا ما فيه من الاختلاف فيجوز اعلام قوله لم يكن له الاجبار بالواو (وقوله) لم يكن له أن يتملك معلم بالحاء والواو (وقوله) لتضمن الغاصب على بيع الصبغ بالواو لما حكينا عن النهاية (فرع) إذا كان الصبغ للغاصب وقيمته عشرة وقيمة الثوب عشرة وبلغت قيمته مصبوغا ثلاثين ففصل الغاصب الصبغ ونقصت قيمة الثوب عن عشرة لزمه ما نقص عن عشرة وكذا ما نقص عن خمسة عشران فصل بغير ان المالك وطلبه وان فصل باذنه لم يلزمه إلا نقصان العشرة وان عادت قيمته مصبوغا إلى عشرة لتراجع الاسواق وكان التراجع في الثياب والاصباغ على وتيرة واحدة فالثوب بالسوية بينهما كما كان والنقصان داخل عليهما جميعا وليس على الغاصب غرامة ما نقص مع رد العين نعم لو فصل الصبغ بعد تراجع القيمة إلى عشرة فصار الثوب يسوى أربعة دارهم غرم ما نقص وهو خمس الثوب بأقصى القيم والمعتبر في الاقصى خمسة عشران فصل بنفسه وعشرة ان فصل بطلب المالك له. قال (وإذا غصب زيتا وخلطه بزيته فالنص أنه كالاهلاك فيضمن المثل من أين شاء. وتخريج الاصحاب أن لا ضمان لانه لو خلطه بمثله فهو مشترك. وان خلطه بالاجود أو بالاردإ فقولان. (ان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 321 قلنا) انه هالك غرم مثله من أين شاء. (وأن قلنا) انه مشترك فيباع الكل ويوزع على نسبة القيمة ولا يقسم الزيت (و) بعينه على تفاوت فيؤدى إلى الربا. وخلط الدقيق كخلط الزيت بالزيت. وخلط الزيت بالشيرج أولى بجعله اهلاكا. وخلط الحنطة بالشعير ليس باهلاك بل يلزمه الفصل بالالتقاط) إذا خلط الزيت المغصوب بغيره لم يخل اما أن يتعذر التمييز بينهما أو لا يتعذر. ان تعذر فاما أن يكون ذلك الغير من جنسه أولا يكون. ان كان من جنسه كالزيت والزيت والحنطة والحنطة نظر ان خلطه بأجود من المغصوب فالنص أنه كما لو هلك حتى يتمكن الغاصب من أن يعطيه قدر حقه من غير المخلوط ونص في التفليس فيما إذا خلطه بالاجود ثم فلس على قولين (أحدهما) هذا حتى لا يكون للبائع الا المضاربة بالثمن (والثاني) أنهما شريكان في المخلوط ويرجع البائع إلى حقه منه واختلف الاصحاب على طريقين (أظهرهما) اثبات القولين في الغصب أيضا وجه جعله هالكا تعذر رده والوصول إليه وأيضا فان قلنا بالشركة لاحتجنا إلى البيع وقسمة الثمن بينهما كما سيأتي ولا يصل المالك إلى عين حقه ولا إلى مثله مع وجود العين والمثل أقرب إلى حقه من الثمن ووجه الشركة القياس على مسألة الصبغ وعلى ما إذا اختلط الزيتان بنفسهما أو برضى المالكين وأيضا فلو غصب صاعا من هذا وصاعا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 322 من هذا وخلطهما وجعلناهما هالكين ينتقل الملك فيهما إلى الغاصب وذلك بمحض التعدي وأظهر القولين عند الاكثرين الاول المنصوص وعند الامام والمتولي الثاني (والطريق الثاني) القطع بالقول الاول والفرق أنا إذا لم نثبت الشركة هناك لا يحصل للبائع تمام حقه بل يحتاج إلى المضاربة وههنا يحصل للمالك تمام البدل وان خلطه بمثله ففيه الطريقان وطريق ثالث وهو القطع بالشركة لان في اثبات الشركة اتصال المالك إلى بعض حقه بعينه والى بدل بعض من غير زيادة نقوم على الغاصب فكان أولى من اتصاله إلى بدل الكل وحكى ذلك عن ابن سريج وأبى اسحق وان خلطه بأردأ منه فالنص أنه كالهالك أيضا ويحبئ فيه الطريقان المذكوران في الاجود ولكن المنصوص في التفليس والحالة هذه ليس إلا قول الشركة وذكرنا أن بعضهم خرج فيه قولا آخر يمكن أن يكون مخرجا من نصه ههنا ويكون في الصورتين قولا بالنقل والتخريج من الطرفين ويمكن أن يكون قول الهلاك في الاردإ مخرجا من توجيه في الاردإ فان الشافعي رضى الله عنه قال الذائب إذا اختلط انقلب حتى لا يوجد عين ماله على ما مر وإذا اختصرت قلت في الخلط المطلق ثلاثة أوجه (ثالثها) الفرق بين خلط بغير المثل فيكون المغصوب هالكا وبالمثل فيشتركان. (التفريع) إن جعلنا الاختلاط كالهلاك فللغاصب أن يعطيه المثل من غير المخلوط وله أن يعطيه منه إذا كان الخلط بالمثل وكذا لو خلطه بالاجود لان المخلوط خير من المغصوب وليس له ان يعطيه قدر حقه من المخلوط إذا خلط بالاردا إلا إذا رضى المالك وإذا رضى فلا أرش له كما إذا أخذ الردئ من موضع آخر وان حكمنا بالشركة فان خلط بالمثل فقدر زنته من المخلوط وان خلط بالاجود الجزء: 11 ¦ الصفحة: 323 كما إذا خلط صاعا قيمته درهم بصاع قيمته درهمان نظر ان أعطاه صاعا من المخلوط أجبر المالك على قبوله لان بعضه من حقه وبعضه خير منه والافيباع المخلوط ويقسم الثمن بينهما أثلاثا فان أرادا قسمة عين الزيت على نسبة القيمة فالظاهر أنه لا يجوز لانه يكون أخذ ثلثي صاع لجودته في مقابلة صاع وهو ربا وعن رواية البويطى أنه يجوز وبني ذلك على أن القسمة افراز حق لابيع وفي المسألة وجه أنه يكلف الغاصب تسليم صاع من المخلوط لان اكتساب المخلوط صفة الجودة بالخلط كزيادة متصلة تحصل في يد الغاصب وان خلط بالاردا كما إذا خلط صاعا قيمته در همان بصاع قيمته درهم أخذ المالك من المخلوط صاعا مع أرش النقصان لان الغاصب متعد بخلاف ما إذا خلط المشترى بالاردأ وافلس فان البائع اما أن يقنع بصاع من الخلوط أو يضارب مع الغرماء فان اتفقا على بيع المخلوط وقسمة الثمن أثلاثا جاز وان أرادا قسمة عين الزيت على نسبة الثمنين فمنهم من جعله على الخلاف المذكور في طرق الاجود ومنهم من قطع بالمنع لانه أمكن الرجوع إلى صاع منه مع الارش ولا حاجة إلى احتمال القسمة المشتملة عيل التفاضل وخلطه الخل بالخل واللبن باللبن كخلط الزيت بالزيت وإذا خلط الدقيق بالدقيق (فان قلنا) انه مثلى وبه قال ابن سريج فهو كخلط الزيت بالزيت أيضا (وان قلنا) انه متقوم (فان قلنا) ان المختلط هالك فالواجب على الغاصب القيمة (وان قلنا) بالشركة فيباع ويقسم الثمن بينهما على قدر القيمتين فان أرادا قسمة عين الدقيق على نسبة القيمتين والخلط بالاجود أو الاردأ فهو على ما ذكرنا في قسمة الزيت المخلوط وان كان الخلط بالمثل فالقسمة جائزة ان جعلناها افرازا وان جعلناها بيعا لم تجز لان بيع الدقيق بالدقيق لا يجوز هذا إذا كان الخلط بالجنس (أما) إذا خلط الجزء: 11 ¦ الصفحة: 324 المغصوب بغير جنسه كما لو خلط زيتا بشيرج أو دهن بان أو دهن جوز أو خلط دقيق حنطة بدقيق شعير فالمغصوب هالك لبطلان فائدته وخاصيته باختلاط غير الجنس به بخلاف الجيد مع الردئ ومنهم من جعله على الخلاف السابق ووجه ثبوت الشركة مالو خلطا بالرضى هذا ما اختاره صاحب التتمة ههنا ايضا وقال ان تراضيا على بيع المخلوط وقسمة الثمن جاز وان اراد قسمته جازو كأن المغصوب منه باع ما يضمن في يد الغاصب من الزيت بما يصير في يده من الشيرج قال الامام وألحق الاصحاب بخلط الزيت بالشيرج لت السويق بالزيت وهو بعيد وانما هو كصبغ الثوب وهذا في الخلط الذي يتعذر معه التمييز والفصل بالالتقاط وان شق سواء خلط بالجنس كالحنطة البيضاء والحمراء أو بغير الجنس كالحنطة والشعير والمواضع الذي ينبغي أن يعلم عليها من الفصل غير خافية. (فرع) لو خلط الزيت بالماء وأمكن التمييز لزم التمييز وأرش النقص ان كان فيه نقص وان لم يمكن التمييز فهو كخلطه بالبان الا أن لا يبقى له قيمة فيكون هالكا لا محالة فان حصل فيه مميز أو غير مميز نقص سيار فقد سبق حكمه. قال (ولو غصب ساجة وأدرجها في بنائه لم يملك بل يرد (ح) على مالكه وان أدى إلى هدم بنائه. وان أدرج في سفينة لم ينزع ان كان في النزع اهلاك الغاصب. أو اهلاك حيوان محترم. أو اهلاك مال لغيره ولكن يغرم القيمة في الحال للحيلولة إلى أن يتيسر الفصل. وان لم يكن فيه الامال الغاصب ففى جواز النزع وجهان) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 325 إذا غصب ساجة وأدرجها في بنائه أو بني عليها أو على آجر مغصوب لم يملك المغصوب وعليه اخراجه من البناء ورده إلى المالك وبه قال مالك وأحمد وعند أبى حنيفة يملك ويغرم قيمته لنا أنه بنى على ملك الغير عدوانا فلا يزول به ملك المالك قياسا على مالو غصب أرضا وبني عليها وأيضا فان القدرة على المثل تمنع من العدول إلى القيمة لان المثل اقرب إلى المغصوب فأولى ان تمنع القدرة على العين العدول إلى القيمة وهذا ما لم تعفن الساجة فان عفنت بحيث لو أخرجت لم يكن لها قيمة فهي مستهلكة فان أخرجها وردها لزمه أرش النقص ان دخلها نقص وفي الاجرة ما ذكرنا في ابلاء الثوب بالاستعمال ولو أدرج لوحا مغصوبا في سفينة نظر ان لم يخف من النزع هلاك نفس ولامال بأن كانت على وجه الارض أو مرساة على الشط أو أدرج في أعلاها ولم يخش من نزعه الغرق أو لم يكن فيها نفس ولامال ولاخيف هلاك السفينة نفسها نزع ورد وخلاف أبي حنيفة عائد فيه وان كان في لجة البحر وخيف من النزع هلاك حيوان محترم سواء كان آدميا اما الغاصب أو غيره أو غير آدمي لم تنزع حتى تصل إلى الشيط وان خيف من النزع هلاك مال اما نفس السفينة أو غيرها فهو اما للغاصب أو لمن وضع فيها وهو يعلم أن فيها لوحا مغصوبا أو لغيرهما ان كان لغيرهما لم ينزع أيضا وان كان لهما فوجهان (أصحهما) عند الامام النزع كما يهدم البناء لرد الساجة ولا يبالى بما يضيع عليه (والثاني) وهو الاصح عند ابن الصباغ وغيره أنه لا ينزع لان السفينة لا تدوم في البحر فيسهل الصبر إلى انتهائها إلى الشط بخلاف الساجة المدرجة في البناء فان البناء للتأبيد وحيث لا تنزع إلى الوصول إلى الشط توجد القيمة للحيلولة إلى ان يتيسر الفصل فحينئذ يرد اللوح مع أرش النقص ان نقص ويسترد القيمة ان قلنا لا يبالي في النزع بهلاك مال الغاصب فلو اختلطت التي أدرج منها اللوح بسفن الغاصب ولا توقف على النزع الا بفصل الكل حكى في المهذب فيه وجهين. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 326 قال (وكذا لو غصب خيطا وخاط به جرح آدمي أو حيوان محترم غير مأكول وكان في نزعه خوف هلاك لم ينزع إذ يجوز الغصب بمثل هذا القدر ابتداء بل يغرم قيمته. فان مات المجروح أو ارتد ففي النزع لان فيه مثلة. وفي الحيوان المأكول خلاف لانه ذبح بغير مأكلة. وينزع عن الخنزير والكلب العقور إذ لاحرمة لهما) . الخيط المغصوب إن خيط به ثوب ونحوه فالحكم كما في البناء على الساجة وان خيط به جرح حيوان فهو إما محترم أو غيره (القسم الاول) المحترم وهو الآدمي وغيره (أما) الادمي فان خيف من نزعه هلاكه لم ينزع وعلى الغاصب قيمته ثم إن خاط جرح نفسه فالضمان مستقر عليه وان خاط جرح غيره باذنه وهو عالم بالغصب فقرار الضمان عليه وان كان جاهلا فعلى الخلاف فيما إذا أطعم المغصوب غيره وفي معنى خوف الهلاك خوف كل محذور يجوز العدول إلى التيمم من الوضوء وفاقا وخلافا قال الامام ولو رتب انقدح وجهان (أحدهما) أن ترك الخيط أولى لقيام القيمة مقامه (والثاني) أن نزعه أولى لتعلقه بحق الآدمي المبني على الضيق (وأما) غير الآدمي فهو على ضربين (أحدهما) غير المأكول فالحكم فيه كما في الآدمي إلا أنه لااعتبار ببقاء الشين فيه (والثاني) المأكول فان كان لغير الغاصب لم ينزع وان كان للغاصب ففيه قولان وقيل وجهان (أحدهما) وهو رواية الربيع أنه يذبح ويرد الخيط لانه جائز الذبح وبذبحه يصل الحق إلى المستحق (وأظهرهما) المنع كما في غير المأكول لان الحيوان حرمته في نفسه ألا ترى أنه يؤمر بالانفاق عليه ويمنع من إتلافه وإذا لم يقصد بالذبح الجزء: 11 ¦ الصفحة: 327 الاكل منع مه وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن ذبح الحيوان إلا لمأكلة) وإذا مات الحيوان الذي خيط به جرحه فان كان غير الآدمي نزع منه الخيط وفي الآدمي وجهان (أصحهما) على ما ذكره في النهاية أنه ينزع وان لم ينزع في الحياة لحرمة الروح (والثاني) المنع لان الآدمي محترم بعد الموت ولذلك قال صلى الله عليه وسلم (كسر عظم الميت ككسر عظم الحى) (القسم الثاني) غير المحترم فلا يبالى بهلاكه ونزعه منه الخيط ومن هذا القسم الخنزير والكلب العقور (أما) كلب الصيد والماشية فلا يجوز النزع منه قاله الامام والحق الكلب الذي لا منفعة فيه بالمؤذيات وذكر ترددا فيما إذا خاط به جرح مرتد وحكم بأن الاوجه المنع لان المثلة بالمرتد محرمة وليست كالمثلة بالميت لانا نتوقع بالمرتد عودا إلى الاسلام هذا لفظه ويوافق ذلك قوله في الكتاب أو ارتد ففى النزع خلاف غير أن الامام صوره فيما إذا خيط به جرح المرتد ولفظ الكتاب فيما إذا طرأت الردة على الخياطة والذي أجاب به الاكثرون أن المرتد غير محترم فينزع الخيط منه وكذا الحربى وخرج صاحب التتمة فيما إذا خاط به جرح الزاني المحصن أو المحارب على الخلاف فيما إذا خاط به جرح معصوم فمات لان تفويت روحه مستحقة فالحق الجزء: 11 ¦ الصفحة: 328 بالميت ويبني على التفصيل المذكور في جواز غصب الخيط ابتداء ليخاط به الجرح إذا لم يوجد خيط حلال فيحث حكمنا بالنزع لا يجوز الغصب وحيث قلنا لا ينزع يجوز والى هذا أشار بقوله إذ يجوز الغصب بمثل هذا القدر ابتداء. قال (ولو أدخل فصيلا في بيته أو دينارا في محبرته وعسر اخراجه كسر عليه تخليصا للمال. وان لم يكن بفعله فالا ظهر أن المخلص ماله يغرم أرش النقص. وان غصب فرد خف قيمة الكل عشرة وقيمة الفرد ثلاثة ضمن سبعة لان الباقي ثلاثة. وقيل ثلاثة لانه المغصوب. وقيل خمسة كما لو أتلف غيره الفرد الآخر تسوية بينهما) . فيه فرعان (أحدهما) فصيل رجل حصل في بيت آخر ولم يمكن اخراجه الا بنقض البناء فينظر إن كان بتفريط من صاحب البيت بأن غصبه وأدخله فيه نقض ولم يغرم صاحب الفصيل شيئا وان كان بتفريط من صاحب الفصيل فإذا نقص البناء غرم أرش النقص وان دخل الفصيل بنفسه نقض أيضا وهل على صاحب الفصيل أرش النقص قال العراقيون نعم وهو ظاهر المذهب لا نه انما نقض لتخليص ملكه وذكر الامام وصاحب الكتاب فيه خلافا ووجه المنع أنه لا تفريط من أحد والاخراج لابد منه لحرمة الروح وانما ينتظم هذا إذا كان الفرض فيما إذا خيف هلاكه لو لم يخرج ولو وقع دينار في محبرة ولم يخرج الا بكسرها ان وقعها فيها بفعل صاحب المحبرة عمدا أو سهوا كسرت ولا غرم على صاحب الدينار وان وقع بفعل صاحب الدينار فعليه الارش وان وقع من غير تفريط من أحد كسرت وعلى صاحب الدينار الارش وأجرى صاحب الكتاب في وجوب الارش الخلاف المذكور في الصورة الاولى لكن التوجيه الذي مر لا يجئ ههنا وقال ابن الصباغ إذا لم يفرط واحد مهنما وضمن صاحب المحبرة الدينار الجزء: 11 ¦ الصفحة: 329 ينبغي أن يقال لا تكسر المحبرة لزوال الضرر بذلك وهذا الاحتمال عائد في صورة البيت والفصيل ولو أدخلت بهيمة رأسها في قدر ولم تخرج الا بكسرها فان كان معها صاحبها فهو مفرط بترك الحفظ فان كانت غير مأكولة تخلص بكسر القدر وعليه أرش النقصان وان كات مأكولة ففى ذبحها وجهان كما في مسألة الخيط وإذا لم يكن معها أحد فان فرط صاحب القدر مثل ان وضع القدر في موضع لاحق له فيه كسرت ولاغرم له وان لم يفرط كسرت وغرم صاحب البهيمة الارش ولم يذكر التفصيل المذكور في صورة القدر والفرق بين المأكول وغير المأكول في الفصيل والبيت والوجه التسوية (الثاني) غصب زوجي خف قيمتهما عشرة ثم رد إحداهما وقيمتة ثلاثة وتلف الآخر يلزمه سبعة لان بعض المغصوب قد تلف والباقي ينقص ولو أتلف أحدهما أو غصبه وحده وتلف وعادت قيمة الباقي إلى ثلاثة ففيه أوجه (أحدها) أنه يضمن سبعة لانه أتلف أحدهما وأدخل النقصان على الباقي بتعديه فاشبه مالو حل أجزاء الباب والسرير فنقصت قيمته (والثاني) يضمن ثلاثة لان قيمة الفرد الذي أتلفه ثلاثة (والثالث) خمسة كما لو أتلف رجل أحدهما وآخر الآخر فانه يسوى بينهما ويضمن كل واحد منهما خمسة ونظم الكتاب يقتضي ترجيح الاول وبه قال الشيخ أبو حامد ومن تابعه وقال الامام وصاحب التهذيب الاظهر الثالث ولو أخذ أحدهما على صورة السرقة وقيمته مع نقصان الثاني نصاب لا يقطع بلا خلاف. (فرع) سيأتي القول في أن ما تتلفه البهيمة متى يضمنه مالكها فإذا ابتلعت البهيمة شيئا واقتضى الحال لزوم الضمان نظر ان كان مما يفسد بالابتلاع ضمنه وان كان مما لا يفسد كاللآلئ فان لم تكن مأكولة لم تذبح ويغرم قيمة ما ابتلعته للحيلولة وان كانت مأكولة فعلي الوجهين السابقين الجزء: 11 ¦ الصفحة: 330 ولو باع بهيمة بثمن معين فابتلعته نظر ان لم يكن الثمن مقبوضا انفسخ البيع وهذه بهيمة للبائع ابتلعت ما لا للمشترى الا أن يقتضي الحال وجوب الضمان على صاحب البهيمة فيستقر العقد ويكون ما جرى قبضا للثمن بناء على أن اتلاف المشترى قبض منه وان كان الثمن مقبوضا لم ينفسخ البيع وهذه بهيمة للمشترى ابتلعت مالا للبائع. (الفصل الثالث. في تصرفات الغاصب) قال (فإذا باع الجارية المغصوبة ووطئها المشترى وهو عالم لزمه الحد والمهر (ح) ان كانت مستكرهة. وان كانت راضية فوجهان لقوله عليه الصلاة والسلام (لامهر لبغي) ولكن المهر للسيد فيشبه أن لا يؤثر رضاها. وفي مطالبة الغاصب بهذا المهر تردد لان منافع البضع لا تدخل تحت الغصب. وان كان جاهلا لزمه المهر ولا يجب إلا مهر واحد بوطآت إذا تحدث الشبهة وفي تعدد الوطئ بالاستكراه تردد في تعدد المهر) . هذا الفصل الثالث وان كان مترجما بتصرفات الغاصب مطلقا لكن القصد منه شيئآن (أحدهما) الكلام في وطئ المشترى من الغاصب (والثاني) فيما يرجع به إذا غرم على الغاصب واعلم قبل الشروع فيهما أنه إذا اتجر الغاصب في المال المغصوب ففيه قولان (الجديد) أنه ان باعه أو اشترى بعينه فالتصرف باطل وان باع سلما أو اشترى في الذمة وسلم المغصوب فالعقد صحيح والتسليم فاسد ولا تبرأ ذمته عما التزم ويملك ما يأخذ وارباحه له (والقديم) أنه يتبعه والشراء بعينه منعقد موقوفا على اجازة المالك فان أجازة فالربح له وكذا إذا التزم في الذمة وسلم المغصوب وتكون الارباح للمالك وهذه المسألة قد مر ذكرها في أول البيع ويتم شرطها في القراض والغرض الآن التذكير الجزء: 11 ¦ الصفحة: 331 ببيان أن مسائل الفصل متفرعة على المذهب الجديد. إذا عرفت ذلك فالمقصد الاول هو القول في وطئ المشترى من الغاصب ولا يخلو اما أن يكون محبلا أولا (الضرب الاول) الوطئ الحالى عن الاحبال ونذكر أولا حكمه إذا وجد من الغاصب بعضه فنقول انه مع الجارية المغصوبة اما أن يكونا جاهلين بتحريم الوطئ أو عالمين أو أحدهما عالم والآخر جاهل ان كانا جاهلين فلا حد عليهما وعليه المهر للسيد وكذلك أرش الافتضاض ان كانت بكرا ثم ذكروا وجهين في أنا نفرد أرش الافتضاض من المهر فنقول عليه مهر مثلها ثيبا وأرش الافتضاض أولا نفرد ونقول عليه مهر مثلها بكرا ورجحوا الاول لوجوبهما بسببين مختلفين وانفكاك كل واحد مهما عن الآخر (فان قلت) هل يختلف المقدار بالاعتبارين أم لا أن اختلف وجب أن يقطع بوجوب الزائد لان بناء أمر الغاصب على التغليظ وان لم تختلف فلا فائدة للوجهين (فالجواب) ان يقال ان اختلف المقدار فالوجه ما ذكرته وقد اشار إليه الامام وان لم تختلف فللوجهين فوائد تظهر من بعد. وان كانا عالمين بالتحريم فينظر ان كانت الجارية مكرهة فعلى الغاصب الحد والمهر خلافا لابي حنيفة في المهر ويجب عليه أرش الافتضاض ان كانت بكرا وان كانت طائعة فعليهما الحد وفي المهر وجهان ويقال قولان (أحدهما) يجب لان المهر حق السيد فلا يؤثر فيه رضاها كما لو أذنت في قطع يدها (وأظهرهما) وهو المنصوص أنه لا يجب لانها زانيه ساقطة الحرمة فاشبهت الحرة إذا زنت طائعة وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن مهر البغي) ويجوز الجزء: 11 ¦ الصفحة: 332 أن يكون مهرها للسيد ويتأثر بضعها كما لو ارتدت قبل الدخول أو أرضعت ارضاعا مفسدا للنكاح ويجب أرش الافتضاض ان كانت بكرا إذا قلنا إنه يفرد عن المهر وان قلنا لا يفرد ففى وجوب الزيادة على مهر مثلها وهي ثيب وجهان (في وجه) لا تجب كما لو زنت الحرة طائعة وهى بكر (وفي وجه) تجب كما لو أذنت في قطع طرف منها. وان كان أحدهما عالما دون الآخر فان كان الغاصب عالما فعليه الحد وأرش البكارة ان كانت بكرا والمهر وان كانت الجارية عالمة فعليها الحد دونه ويجب المهران كانت مكرهة وان كانت مطاوعة فعلى الخلاف. واعلم أن الجهل بتحريم وطئ المغصوبة قد يكون للجهل بتحريم الزنا مطلقا وقد يكون لتوهم حلها خاصة لدخولها بالغصب في ضمانه ولاتقبل دعواهما الا من قريب العهد بالاسلا م أو ممن نشأ في موضع بعيد من المسلمين وقد يكون لاشتباهها عليه وظنه أنها جاريته ولا يشترط لقبول الدعوى ما ذكرناه. هذا في وطئ الغاصب وأما المشترى من الغاصب فالقول في وطئه في حالتي العلم والجهل كما ذكرنا في الغاصب الا أن الجهل في حق المشتري قد ينشأ من الجهل بكونها مغصوبة أيضا فلا يشترط في دعواه الشرط السابق كما لا يشترط في الاشتباه وإذا غرم المشترى المهر فيسأتي الخلاف في رجوعه على الغاصب وهل للمالك مطالبة الغاصب به ابتداء فيه وجهان عن صاحب التقريب (وجه المنع) أن المهر بدل منفعة البضع وهى غير داخلة تحت اليد ولا مضمونة بالغصب (ووجه الثاني) وهو قضية كلام الجزء: 11 ¦ الصفحة: 333 المعظم أن الامر إذا أفضى إلى الغرم بعد فرضه غير متعلق بالغاصب وأشار الامام إلى جريان الوجهين سواء قلنا برجوع المشترى على الغاصب بالمهر أو بعدم الرجوع وقال (إذا قلنا) بعدم الرجوع فظاهر القياس أن لا يطالب وغيره محتمل (وإذا قلنا) بالرجوع فالظاهر المطالبة لاستقرار الضمان عليه ويجوز أن يقال الرجوع بسبب الغرر فيختص به المغرور وطرد الخلاف في مطالبة الغاصب بالمهر إذا وطئت بالشبهة وإذا تكرر الوطئ إما من الغاصب أو من المشترى من الغاصب فان كان في حالة الجهل لم يجب الامهر واحد لان الجهل شبهة واحدة مطردة فأشبه ما إذا وطئ في النكاح الفاسد مرارا وان كان عالما وجب المهر ككونها مستكرهة وعلى قولنا بالوجوب مع طواعيتها فوجهان (أحدهما) الاكتفاء بمهر واحد كما في حالة الجهل (وأصحها) وبه أجاب صاحب الكتاب في الصداق حيث أعاد هذه الصورة في أخوات لها أنه يجب لكل مرة مهر لان الواجب ههنا لاتلاف منفعة البضع فيتعدد بتعدد الاتلاف لكن قضية هذا الوجه الحكم بالتعدد في صورة الجهل لان الاتلاف الذي هو سبب الوجوب حاصل فلا معني للاحالة على الشبهة وانما يحصل اعتماد الشبهة حيث لا يجب المهر لولا الشبهة وذكر هذا المستدرك امام الحرمين وقال هذه لطيفة يقتضى منها العجب وان وطئها مرة جاهلا ومرة عالما وجب مهران (قوله) في الكتاب لزمه الحد والمهر لفظ المهر معلم بالحاء لان عند أبى حنيفة لا يجامع المهر الحد والمشهور من لفظ الخبر أنه نهى عن مهر البغي كما تقدم لا ما أورده في الكتاب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 334 قال (أما الولد فهو رقيق لانسب له ان كان عالما وان كان جاهلا انعقد على الحرية وضمن المشترى قيمته ورجع به على الغاصب إذ الشراء لا يوجب ضمان الوالد. وان انفصل الولد ميتا فلا ضمان لان الحياة لم تتيقن وان سقط ميتا بجناية جان يجب الضمان لانه انفصل مضمونا وقد قدر الشارع حياته وضمانه عشر قيمة الام. وقيل في هذه الصورة يجب أقل الامرين من عشر قيمه الام أو الغرة إذا وجب الضمان بسببها فلا يزيد عليها) . الضرب الثاني الوطئ المحبل سواء وجد من الغاصب أو من المشتري منه فينظر إن كان عالما بالتحريم فالولد رقيق للمالك غير نسيب لكونه زانيا وان انفصل حيا فهو مضمون على الغاصب وان انفصل ميتا بجناية جان فبدله لسيده وان انفصل ميتا من غير جناية ففي وجوب الضمان على الغاصب وجهان (أحدهما) وهو ظاهر النص الوجوب لثبوت اليد عليه تبعا لثبوت اليد على الام ويحكي هذه عن الانماطي وأبي الطيب بن سلمة واختاره القفال (والثاني) المنع وبه قال أبو إسحق واختاره الشيخ أبو محمد والامام وصاحب التهذيب لان جنايته غير منتفية وسبب الضمان هلاك رقيق تحت يده ويجرى الوجهان في حمل البهيمة المغصوبة إذا انفصل ميتا وان أو جبنا الضمان فنوجب قيمته يوم الانفصال لو كان حيا في ولد الجارية والبهيمة سواء وخرج الامام وجها آخر في ولد الجارية أنه يضمن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 335 بعشر قيمة الام تنزيلا للغاصب منزلة الجاني الذي يترتب على جنايته الاجهاض وان كان الواطئ جاهلا بالتحريم به فالولد نسيب حر للشبهة وعليه قيمته لمالك الجارية يو الانفصال ان انفصل حيا لان التقويم قبله غير ممكن وان انفصل ميتا فاما أن ينفصل بنفسه أو بجناية (أما) على التقدير الاول فالمشهور أنه لا يلزمه قيمته لانا لا نتيقن جناية وأن الغاصب أتلفه ويخالف ما لو انفصل رقيقا ميتا حالة العلم حيث ذكرنا في وجوب الضمان وجهين لان الرقيق يدخل تحت اليد والغصب فجعل تبعا للام فيه وفي التتمة حكاية وجه ههنا أيضا أنه تلزمه القيمة لان الظاهر الحياة (وأما) على التقدير الثاني فعلى الجاني ضمانه لان الانفصال عقيب الضرب يغلب على الظن أنه كان حيا فمات بفعله وللمالك الضمان على الغاصب بخلاف ما إذا انفصل ميتا من غير جناية لانه لابدل له هناك وههنا يقوم له فيقوم عليه وكان حق المالك يتعلق ببدله كما لو قتل العبد الجاني يتعلق العبد المجني عليه ببدله ولو مات فات حقه ثم الذي يجب على الجاني الغرة والذي يجب للمالك عشر قيمة الام لان الجنين الرقيق به يضمن فان كانت قيمة الغرة وعشر قيمة الام سواء ضمن الغاصب للمالك عشر قيمة الام وان كانت قيمة الام أكثر فكذلك والزيادة تستقر له بحق الارث وان نقصت الغرة عن العشر فو جهان (أظهرهما) أنه يضمن للمالك تمام العشر لانه لما انفصل متقوما كان بمثابة ما لو انفصل حيا ولان بدله انما يقصر عن العشر بسبب الحرية الحاصلة بظنه (والثاني) لا يجوز الا قدر الجزء: 11 ¦ الصفحة: 336 الغرة ويعبر عنه بأن الواجب أقل الامرين من العشر والغرة ووجهه أن مثبت وجوب الضمان يقدمه عليه فلا يضمن فوق ما يحصل له وان انفصل ميتا بجناية الغاصب نفسه لزمه الضمان لان ما وجد منه بسبب الضمان الا أنه لا يستحق على نفسه شيئا ولو أحبل الغاصب الجارية مات وخلف أباه ثم انفصل الجنين ميتا بجناية جان فالغرة تكون لجد الجنين وعن القاضي أنه يضمن للمالك ما كان يضمنه الغاصب لو كان حيا وعنه أنه لو كان مع الغاصب أم أم الجنين فورثت سدس الغرة يقطع النظر عنه وينظر إلى عشر قيمة الام وخمسة أسداس الغرة وكأنها كل الغرة والجوابان يختلفان فرأى الامام اثبات احتمالين في الصورتين فصار في أحدهما إلى أن من يملك الغرة ينبغي أن يضمن للمالك ويستبعد في الجزء: 11 ¦ الصفحة: 337 الثاني تضمين من لم يغصب ولا تفرعت يده على يد الغاصب وذكر في التتمة أن الغرة تجب مؤجلة فانما يغرم الغاصب عشر قيمة الام إذا أخذ الغرة وللامام توقف فيه هذا ظاهر المذهب في الولد المحكوم بحريته وفيه طريقة أخرى أنه لا ينظر إلى عشر قيمة الام ولكن تعتبر قيمته لو انفصل حيا وينظر إليه والى الغرة على التفصيل الذي بيناه وأشار في الوسيط إلى استمداد هذه الطريقة من القول القديم في أن جراح العبد لاتتقدر لان عشر قيمة الام نوع مقدر لكنه ليس بواضح فان الخلاف في أن البدل يتقدر أولا يتقدر في أطراف العبد والفائت ههنا جملته وليس لهذا البناء ذكر في كتاب الامام لكنه قال الطريقة ملتفتة إلى الخلاف في أن ما يتلف في يد الغاصب من أعضاء العبد المغصوب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 338 بآفة سماوية أو بجناية غير الغاصب يعتبر في حقه بدله المقدر في حق الجاني أم ينظر إلى قدر النقصان بايجاب العشر في قيمة الام ايجاب المقدر الواجب على الجناية وعن بعض الاصحاب أن الغاصب يغرم للمالك أكثر الامرين من قيمة الولد والغرة وضعفه من نقله لان الغرة أن كانت أكثر فثبوت الزيادة بسبب الحرية فكيف يستحقها المالك ومن العجب أن صاحب التهذيب أجاب بهذا الوجه في المشترى من الغاصب وجوابه في الغاصب ما تقدم ودعوى الجهل في هذا الضرب كدعواه في الضرب الاول وروى المسعودي خلافا في قبولها لحرية الولد وان قبلت لدفع الحد كما رواه في استيلاد المرتهن ويجب في حالتي العلم والجهل أرش نقصان الجارية وان نقصت بالولادة فان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 339 تلفت عنده وجب أقصى القيم ودخل فيه نقصان الولادة وأرش البكارة ولو ردها وهى حبلى فماتت في يد المالك من الولادة ذكر أبو عبد الله القطان في المطارحات أنه لا شئ عليه في صورة العلم لان الولد ليس منه حتى يقال ماتت من ولادة ولده وان في صورة الجهل قولين (واعلم) أن لوجوب الضمان في هذه الصورة مأخذين (أحدهما) أنه أحبل جارية الغير اما بالشبهة أو بالزنا وفي كونه سببا للضمان ما قدمناه في المرتهن (والثاني) أنه يحصل نقصان الحمل تحت اليد وذلك سبب الضمان وان وجد أثره بعد الرد إلى المالك كما لو جنى المغصوب عند الغاصب فرده ثم بيع في يد المالك وأطلق صاحب التتمة القول بوجوب الضمان للمأخذ الثاني (وقوله) في الكتاب ويضمن المشترى قيمته الجزء: 11 ¦ الصفحة: 340 ويرجع بها على الغاصب إذ الشراء لا يوجب ضمان الولد والكلام في الرجوع أخرناه إلى الفصل التالى لهذا الفصل وقد كرره هناك وفي ذكره هناك غنية عن الذكر ههنا (وقوله) فلا ضمنا لان الجناية لاتتيقن معلم بالواو ويجوز أعلام قوله وضمان عشر قيمة الام بالحاء لما سيأتي في موضعه. (فرع) في ذخيرة البند نيجى لو وطئ الغاصب باذن المالك فحيث لا يجب المهر لو لم يأذن فههنا أولى وحيث نوجبه فقولان محافظة على حرمة البضع وفي قيمة الولد طريقان (أحدهما) أنه على الخلاف في المهر (والثاني) القطع بالوجوب لانه لم يصرح بالاذن في الاحبال. قال (ويضمن المشترى (ح) أجرة المنفعة التي فانت تحت يده ومهر المثل عند الوطئ وقيمة انعقاده حرا ويرجع بكل ذلك على الغاصب مهما كان جاهلا ويغرم قيمة العين إذا تلفت ولا يرجع. وكذا المتزوج من الغاصب لا يرجع بالمهر وهل يرجع المشترى بقيمة منفعة استوفاها فيه قولا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 341 الغرور ولو بنى فقلع بناءه فالاولى أن يرجع بأرش النقص ولو تعيب في يده نص الشافعي أنه يرجع (ز) لان العقد لا يوجب ضمان الاجزاء بخلاف الجملة وكذا إذا تعيب قبل القبض لم يكن للمشترى الارش ولو اشترى عبدا لجارية ورد الجارية بعيب وبالعبد عيب حادث لزمه قبول العبد أو طلب قيمته وليس له طلب الارش مع العبد ولذلك فرق بين الجزء والجملة) . الفصل الثاني الكلام فيما يرجع به المشترى على الغاصب إذا غرم ومالا يرجع وسنبين في خلاله ما يغرمه ومالا يغرمه وفي سائر الايدى المترتبة على يد الغاصب مسائل نشرح ما في الكتاب منها غير مبالين بما يحتاج إليه من تغيير نظمه ونصيف إليها ما يتفق (الاولى) إذا تلفت العين المغصوبة عند المشترى ضمن قيمتها أكثر ما كانت من يوم القبض إلى يوم التلف ولا يضمن الزيادة التي كانت في يد الغاصب إن كانت في يده أكثر قيمة ولا يرجع بما يضمنه عالما كان أو جاهلا لان الشراء عقد ضمان وقد شرع فيه على أن تكون العين من ضمانه وان كان الشراء صحيحا ولك أن تقول إن كان المراد من كونه عقد ضمان أنه إذا تلف المبيع عنده تلف من ماله واستقر عليه الثمن فهذا مسلم لكن لم يكن شارعا فيه على أن يضمن القيمة ومعلوم أنه لو لم يكن المبيع مغصوبا لم يلزمه شئ بالتلف فكان الغاصب مغررا موقعا إياه في خطر الضمان فليرجع عليه وان كان المراد غيره فلم قلتم أن الشراء عقد ضمان على تفسير آخر وربما انساق هذا الاشكال إلى ما حكى عن صاحب التقريب أنه يرجع من المغروم بما الجزء: 11 ¦ الصفحة: 342 زاد على قدر الثمن سواء اشتراه رخيصا في الابتداء أو زادت القيمة بعد الشراء وأنه إذا رجع بما زاد على الثمن لم يلحقه ضرر (الثانية) تعيب المغصوب عند المشترى بعمى أو شلل أو نحوهما ينظر ان كان بفعل المشترى فيستقر ضمانه عليه وكذا لو أتلف الكل وان كان بآفة سماوية فقولان (أحدهما) عن تخريج المزني وغيره أنه لا يرجع على الغاصب بضمانه كما لا يرجع بالقيمة عند هلاك الكل تسوية بين الجملة والاجزاء وبهذا أجاب العراقيون بل أكثر الاصحاب (والثاني) وينسب إلى نص الشافعي رضى الله عنه أنه يرجع وقرره ابن سريج بأن العقد يوجب ضمان الجملة ولا يوجب ضمان الاجزاء على الانفراد واحتج عليه بصورتين (إحداهما) أنه لو تعيب المبيع قبل القبض لم يكن للمشترى أن يجيز العقد ويطالبه بجزء من الثمن بل اما أن يفسخ أو يجيز بكل الثمن ولو تلف يستقر كل الثمن (والثانية) لو اشتري عبدا بجارية وتقابضا ثم وجد بائع العبد بالجارية عيبا قديما فردها وقد تلف العبد فانه يأخذ قيمته ولو لم يتلف وتعيب بعيب حادث لم يكن له طلب الارش مع العبد بل يقنع به أو يأخذ القيمة. واعلم أن في الصورة الثانية وجهين ذكرناهما في فصل الرد بالعيب فلنا صر القول الاول أن يمنع ويقول له استرداد العبد وطلب أرش النقصان واليه ميل الامام (وأما) الصورة الاولى فان المبيع في يد البائع غير مضمون بالقيمة بل بالثمن فإذا تلف سقط الثمن وإذا تعيب أمكن رده واسترداد جملة الثمن فلا يمكن من طلب الارش الذي هو تغيير العقد وحط من الثمن وانما يصار إليه عند الضرورة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 343 فلهذا المعنى لم يثبت الارش (الثالثة) منافع المغصوب يضمنها المشترى للمالك باجرة مثلها وهل يرجع على الغاصب (أما) ما استوفاه بالسكون والركوب واللبس ففيه قولان وكذا في الرجوع بالمهر إذا غرمه بالوطئ (أحدهما) يرجع لان الغاصب قد غره ولم يشرع على أن يضمن المهر والاجرة (وأصحهما) وهو قوله الجديد وبه قال أبو حنيفة أنه لا يرجع لان نفعه عاد إليه ولانه أتلف المنفعة وحوالة الضمان على مباشر الاتلاف أولى وأجرى الخلاف في أرش الافتضاض ان كانت بكرا وعدم الرجوع به أظهر لانه بدل جزء منها أتلفه فاشبه ما لو قطع عضوا من أعضائها وفي التهذيب أن الخلاف فيه مبني على أنه يفرد عن المهر أم لا ان أفرده لم يرجع به والا رجع (وأما) المنافع التي فاتت تحت يده ولم تستوفها (فان قلنا) يرجع بضمان ما استوفاه فضمانها أولى (وان قلنا) لا يرجع هناك فوجهان (أصحهما) الرجوع أيضا لانه لم يتلف ولاشرع في العقد على أن يضمنها (والثاني) لا يرجع تنزيلا للتلف تحت يده منزلة الاتلاف (الرابعة) إذا غرم قيمة الولد عند انعقاده حرا رجع به على الغاصب لانه شرع في العقد على أن يسلم الولد حرا من غير غرامة ولم يصدر منه تفويت وعن الاستاذ أبى اسحق الاسفراييني طريقة أخرى في شرح الفروع أن الرجوع بها كالرجوع بالمهر لان نفع حرية الولد تعويد إليه (والمشهور) الاول وأرش نقصان الولادة قطع العراقيون بأنه يرجع به وعن غيرهم خلاف قال الامام وسبيله سبيل النقصان الحاصل بسائر الآفات السماوية فيجئ فيه ما ذكرناه من الخلاف السابق ولو وهب الجارية المغصوبة فاستولدها المتهب جاهلا بالحال وغرمه قيمة الولد ففى الرجوع بها وجهان (وجه) الفرق أن الواهب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 344 متبرع والبائع ضامن سلامة الولد له بلا غرامة (الخامسة) إذا بني المشترى أو غرس في الارض المغصوبة فجاء المالك ونقض بناءه وغرسه هل يرجع بأرش النقصان على الغاصب فيه وجهان (أحدهما) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 345 لا كما لا يرجع بما انفق على العمارة وكأنه بالبناء متلف ماله (وأظهرهما) نعم لشروعه في العقد على ظن السلامة وانما جاءه هذا الضرر من تغرير الغاصب وهذا ما ذكره العراقيون وقد ذكرنا طرفا من المسألة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 346 في الضمان وذكر في التهذيب أن القياس أن لا يرجع على الغاصب بما أنفق على العمارة وما أدى من خراج الارض لانه شرع في الشراء على ان يضمنها (السادسة) لو زوج الغاصب الجارية المغصوبة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 347 فوطئها الزوج جاهلا غرم مهر المثل للمالك ولا يرجع به على الغاصب لانه شرع فيه على أن يضمن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 348 المهر ويخالف ما إذا غر بحرية أمة وغرم المهر حيث يرجع على الغار على أحد القولين لان النكاح ثم صحيح والبضع مملوك له فإذا فسخ اقتضى الفسخ استرداد ما بذل له وههنا النكاح باطل وانما غرم لاتلافه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 349 منفعة البضع حتى لو كان المغرور ممن لا يحل له نكاح الامة لم يثبت له الرجوع بالمهر لبطلان النكاح ولو استخدامها الزوج وغرم الاجرة يرجع على الغاصب لانه لم يسلطه على الاستخدام بخلاف الوطئ ويرجع بغرم المنافع التالفة تحت يده لانه ما استوفاها ولاشرع على أنه يضمنها والقول في قيمتها لو تلفت الجزء: 11 ¦ الصفحة: 350 في يده قد تقدم فان غرمها رجع بها قال الائمة والضابط في هذه المسائل أن ينظر فيما غرمه من ترتيب يده على يد الغاصب عن جهل ان شرع فيه على أن يضمنه لم يرجع به وان شرع على أنه لا يضمنه فان لم يستوف ما يقابله رجع به وان استوفاه ففيه قولان وعلى هذا فلو كان المغصوب شاة فنتجت في يد المشترى أو شجرة فاثمرت فأكل فائدتها وغرمها للمالك ففي الرجوع بما غرم الغاصب قولان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 351 كالمهر وان هلكت تحت يده فالحكم كما في المنافع التي لم يستوفها ذكره في التتمة وكذا القول في الاكساب وان انفصل الولد ميتا فالظاهر أنه لا ضمان وكذا إذا انفصل ميتا في يد الغاصب ولو استرضع المشترى الجارية في ولده أو ولد غيره غرم أجرة مثلها وفي الرجوع قولان كالمهر ويغرم المشترى اللبن وان انصرف إلى سخلتها وعاد نفعه إلى المالك كما لو غصب علفا وأعلف به بهيمة مالكه لكن قال صاحب التهذيب وجب أن يرجع به على الغاصب لانه لم يشرع فيه على أنه يضمنه ولاعاد نفعه إليه ولو أجر العين المغصوبة غرم المستأجر أجرة المثل للمالك ولم يرجع بها على الغاصب لان شرع فيه على الجزء: 11 ¦ الصفحة: 352 أن يضمنها ويسترد الاجرة المسماة ولو أعارها رجع المستعير بما غرم للمنافع التي فاتت تحت يده وفي الرجوع بما غرم للمنافع التي استوفاها القولان وكذا غرم الاجزاء التالية بالاستعمال. واعلم أن كل ما لو غرمه المشترى يرجع به على الغاصب فلو طولب به الغاصب وغرمه لم يرجع به على المشترى وكل مالو غرمه المشترى ولم يرجع به على الغاصب لم يرجع به على المشترى وكذا الحكم فيمن غير المشترى ممن ترتبت يده على يد الغاصب (وقوله) في الكتاب ويرجع بكل ذلك على الغاصب جواب في المهر الجزء: 11 ¦ الصفحة: 353 المغروم عند الوطئ بقول الرجوع وقد مر أن أصح القولين ومذهب أبي حنيفة منع الرجوع فيجوز أن يعلم ما ذكره بالحاء والواو لذلك وأيضا فللطريقة المروية في قيمة الولد (وقوله) فيرجع المشترى بقيمة منفعة استوفاها يدخل فيه منفعة البضع المستوفاة بالوطئ كما يدخل سائر المنافع وإجراؤه على اطلاقه ممكن ففي جميع ذلك قولان كما سبق لكن الاشبه أنه أراد ما سوى منفعة البضع وأما إذا وطئ وغرم المهر وقد ذكره مرة وحكم فيه بالرجوع على الغاصب (وقوله) فيه قولا الغرور أي ومباشرة الاتلافات على ما مر في تقديم الطعام المغصوب فحذف أحد الطرفين. واعلم قوله في نقل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 354 النص في التعيب أنه يرجع بالزاى اشارة إلى تخريج المزني (وقوله) فليس له طلب الارش يجوز اعلامه بالواو (وقوله) فذلك فرق بين الجملة والجزء هكذا هو في بعض النسخ وفي بعضها وكذلك فرق أي الشافعي رضى الله عنه وهما صحيحان. قال (ونقصان الولادة لا يجبر (ح) بالولد فان الولد زيادة جديدة) . إذا انتقصت الجارية بالولادة وكان الولد رقيقا تفي قيمته ببعض نقصانها أو بكله لم يتجبر به النقصان بل الولد له ويأخذ الارش خلافا لابي حنيفة. لنا أن الولد زيادة تحدث على ملكه ألا ترى أنه يسلم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 355 له وان لم يكن في الام نقصان وملكه لا يجبر نقصان ملكه لا يجبر نقصان ملكه ولو ماتت الام من الولادة والولد واف بقيمتها فلهم فيه اختلاف وقد فرغنا من شرح كتاب الغصب ونختمه بمسائل منثورة (منها) أسند خشبة تعب بحملها إلى جدار يستريح ان كان الجدار لغيره ولم يأذن في اسناده إليه فهو متعد يضمن الجدار ان وقع باسناده إليه ويضمن ما تلف بوقوعه عليه وان وقعت الخشبة وأتلفت شيئا ضمن ان وقعت في الحال وان وقعت بعد ساعة لم يضمن وان كان الجدار له أو لغيره وقد أذن في اسناده إليه فكذلك يفرق بين أن تقع الخشبة في الحال أو بعد ساعة تشبيها بفتح رأس الزق (ومنها) غصب دارا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 356 ونقضها وأتلف النقض ضمن النقض وما نقص من قيمة العرصة وحكى الشيخ أبو حامد وجهين في أنه يضمن أجرة مثلها دلا إلى وقت الرد أو الى وقت النقض (ومنها) غصب شاة وأنزى عليها فحلا فالولد للغاصب ولا شئ عليه للانزاء لنهيه عليه السلام عن عسيب الفحل فان انتقص غرم الارش ولك أن تقول المغصوب منه ولو غصب فحلا وأنزاه على شاته فالولد مغصوب منه وجب أن يخرج وجوب شئ للانزاء على الخلاف في جواز الاستئجار (ومنها) غصب جارية ناهدا فتدلى نهداها أو عبدا شابا فشاخ أو أمردا فالتحى غرم النقصان وعن أبى حنيفة أنه لا يضمن في الامرد ولو غصب خشبة واتخذمنها أبوابا وسمرها بمسامير من عنده نزع المسامير وان انتقصت الابواب بذلك ضمن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 357 الارش ولو بذلها ففى اجبار الغصوب منه على قبولها وجهان ذكرناهما في نظائرها (ومنها) غصب ثوبا ونجسه أو نجس عنده لم يكن له تطهيره ولا للمالك أن يكلفه التطهير ولو غسله وانتقصت قيمته ضمن النقصان ولورده نجسا فمؤبر التطهير على الغاصب وكذا أرش النقصان اللازم منه وتنجيس المائع الذي لا يمكن تطهيره اهلاك وتنجيس الدهن ينبني على امكان غسله ان جوزناه فهو كالثوب (ومنها) قال في التتمة لو غصب من الغاصب فابرأ المالك الاول عن ضمان الغصب صح الابراء لانه مطالب بقيمته فهو كدين عليه وان ملكه المغصوب برئ وانقلب الضمان على الثاني حقا له وان باعه من غاصب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 358 الغاصب أو وهبه منه وأذن له في القبض برئ الاول وان أودعه من الثاني وقلنا انه يصير أمانة في يده برئ الاول أيضا فان رهنه من الثاني لم يبرأ واحد منهما عن الضمان (ومنها) لورد المغصوب إلى المالك أو الى وكيله أو وليه برئ من الضمان ولورد الدابة إلى اصطبله قال في التتمة يبرأ أيضا إذا علم المالك به أو أخبره من يعتمد خبره وقيل ان لم يعلم ويخبر لا يبرأ فان امتنع المالك من الاسترداد رفع الامر إلى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 359 الحاكم (ومنها) عن القفال وغيره ان المالك لو أبرأ غاصب الغاصب عن الضمان برئ الاول لان القرار على الثاني والاول كالضامن وهذا ان فرض بعد تلف الملل فهو بين واما قبله فليخرج على صحة ابراء الغاصب مع بقاء المال في يده وفيه خلاف مذكور في كتاب الرهن. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 360 (كتاب الشفعة) وفيه ثلاث أبواب (الباب الاول في أركان الاستحقاق) قال (وهي ثلاثة المأخوذ والآخذ والمأخوذ منه (الاول المأخوذ) وهو كل عقار ثابت منقسم احترزنا بالعقار عن المنقول فلا شفعة فيه عن الشريك لخفة الضرر فيه) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 361 الشفعة مأخوذة من قولك شفعت كذا بكذا إذا جعلته شفعا به كأن الشفيع يجعل نصيبه شفعا بنصيب صاحبه يقال أصل الكلمة التقوية والاعانة ومنه الشفاعة والشفيع لان كل واحد من الوترين يقوى بالآخر ومنه شاة شافع للتي معها ولدها لتقويها به ومسرت في الشريعة بحق تملك قهرى يثبت للشريك القديم على الحادث وفيه مجال لمضايقات (منها) أن الشركة مأخوذة في هذا التفسير ولو كان كذلك لما انتظم قولنا هل تثبت الشفعة للجار أم لا والاصل في الشفعة الاخبار التي نوردها متفرقة في الجزء: 11 ¦ الصفحة: 362 الباب وكل ما يدل على مسألة في باب يدل على ثبوت أصل ذلك الباب واحتج بعضهم بالاجماع لكنه نقل عن جابر بن زيد من التابعين غيرهم وإنكار أصل الشفعة وإذا علمت أن لحق الشفعة ثبوتا ذهب ذهنك إلى البحث عن أنه لم يثبت وأنه كيف يؤخذ الشقص وأنه يستمر أو يسقط وبم يسقط ان سقط وهذه الامور الثلاثة هي ابواب الكتاب الثلاثة (إما) أنه بما يثبت فاعلم أن سبب ثبوت الشفعة يتركب من أمور (منها) ما يرجع إلى الملك المأخوذ (ومنها) ما يرجع إلى الآخذ (ومنها) ما يرجع إلى الذي يؤخذ منه وسمى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 363 صاحب الكتاب هذه الثلاثة ثلاثة أركان الاستحقاق لتعلقه بها وتركب سببه من الامور معتبره فيها فقال (الباب الاول) في أركان الاستحقاق (الركن الاول) المأخوذ فاعتبر فيه ثلاثة شروط (أحدها) أن يكون عقارا قال الاصحاب والاعيان ثلاثة أضرب (أحدها) المنقولات فلا شفعة فيها سواء بيعت وحدها أو مع الارض وعن مالك ثلاث روايات (إحداها) إثبات الشفعة في كل منقول باع أحد الشفيعين نصيبه منه (والثانية) إثباتها في السفن خاصة (والثالث) أنها إن بيعت وحدها فلا شفعة فيها وان بيعت الجزء: 11 ¦ الصفحة: 364 مع الارض ففيها الشفعة كيلا تتفرق الصفقة على المشترى. لنا قوله صلى الله عليه وسلم (الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلاشفعة) وبما روى أنه صلى الله عليه وسلم (قضى بالشفعة في كل ما لا يقسم ربع أو حائط لا يحل له أن يبيعه حتى يؤذن شريكه فان شاء أخذ وان شاء ترك فان باعه ولم يؤذنه فهو أحق به) وروى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 365 (الشفعة في كل شرك ربع أو حائط) (الضرب الثاني) الاراضي فتثبت الشفعة فيها سواء بيع الشقص منها وحده أو مع شئ من المنقولات ثم في الحالة الثانية يوزع الثمن عليه وعلى ذلك المنقول كما سيأتي (والثالث) الاعيان التي كانت منقولة في الاصل ثم أثبتت في الارض للدوام كالابينة والاشجار فان بيعت منفردة فلا شفعة فيها لانها في حكم المنقولات وكانت في الاصل منقولة وتنتهى إليه وان طال أمدها وليس معها ما نجعل تابعة له وحكي الامام أبو الفرج السر خسى وجها أنه تثبت الشفعة فيها لثبوتها في الارض (والمذهب) الاول وان بيعت الارض وحدها ثبتت الشفعة فيها ويكون الجزء: 11 ¦ الصفحة: 366 الشفيع معه كالمشترى وان بيعت وان بيعت الابنية والاشجار مع الارض اما صريحا أو على قولنا ان الارض تستتبعها ثبتت الشفعة فيها تابعة للاراضي كما سبق من الاخبار فان لفظ الربع يتناول الابنية ولفظ الحائط يتناول الاشجار ولو كان على النخل ثمرة مؤبرة ما دخلت في البيع شرطا لم تثبت فيها الشفعة لانها لا تدوم في الارض بل يأخذ الشفيع الارض والنخيل بحصتها من الثمن وعن مالك وأبي حنيفة إثبات الشفعة فيها تبعا وان كانت غير مؤبرة دخلت في البيع تبعا وهل يأخذ فيه وجهان أو قولان (أحدهما) لا كالمؤبرة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 367 لانها منقولة (والثاني) نعم لدخولها في مطلق البيع قال في التهذيب وهذا أصح وعلى هذا فلو لم يتفق الاخذ إلى أن تأبرت فوجهان (أظهرهما) الاخذ لان حقه تعلق بها وزيادتها كالزيادة الحاصلة في الشجرة من بسوقها. أو طول أغصانها (والثاني) المنع وبه قال القاضي أبو الطيب لخروجها عن أن تكون تابعة للنخيل وعلى هذا فبم يأخذ النخيل والارض فيه وجهان (أشبههما) بحصتها من الثمن كما في المؤبرة (والثاني) بجميع الثمن تنزيلا له منزلة عيب يحدث بالشقص ولو كانت النخيل حائلة عند البيع ثم حدثت الثمرة قبل أخذ الشفيع فان كانت مؤبرة لم يأخذها وان كانت غير مؤبرة فعلى قولين ذكرنا هما بتوجيههما وتخاريجهما الجزء: 11 ¦ الصفحة: 368 فيما إذا أفلس مشترى النخيل وهى مطلعة هل يتعدى الرجوع إلى الطلع وقد ذكر كثير من الناقلين أن قول أخذ الثمار قوله القديم ومقابله الجديد وعلى هذا فالمسألة مما يجاب فيها على القديم لما مر في التفليس أن الاخذ أظهر عند الاصحاب وإذا بيعت الثمرة للمشترى فعلى الشفيع إبقاؤها إلى الادراك وهذا إذا بيعت الاشجار مع البياض الذي يتخللها أو بيع البستان كله أما إذا بيعت الاشجار ومغارسها لاغير فوجهان وكذا لو باع الجدار مع الاس (أحدهما) أنه تثبت الشفعة لانها فرع أصل ثابت (واشبههما) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 369 المنع لان الارض تابعة ههنا والمتبوع منقول ولو باع شقصا فيه زرع لايجذ مرارا وادخله في البيع شرطا أخذ الشفيع الشقص بحصته من الثمن ولم يأخذ الزرع خلافا لابي حنيفة ومالك وإن كان مما يجذ مرارا فالجذوة الظاهرة التي لا تدخل في البيع المطلق كالثمار المؤبرة والاصول كالاشجار وما يدخل تحت مطلق بيع الدار من الابواب والرفوف والمسامير يؤخذ بالشفعة تبعا كالابنية وكذا الدولاب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 370 الثابت في الارض سواء اداره المساء أو غيره بخلاف الدلو والمنقولات ولو باع شقصا من طاحونة فالحجر التحتاني يؤخذ بالشفعة (إن قلنا) بدخوله في البيع وفي الفوقاني وجهان مع التفريع عليه كالوجهين في الثمار التي لم تؤبر (وقوله) في الكتاب كل عقار غير مجرى على ظاهره لانه يقتضى اشتراط كون المأخوذ عقارا وقد عرفت أن الابنية والاشجار بل الثمار أيضا مأخوذة ومعلوم أن اسم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 371 العقار لايفع عليها في المتعارف ولا يمكن أن يقال أراد بالعقار غير المنقول لان قضيته حينئذ إثبات الشفعة في الابية والاشجار وحدها لانه كما لا يقع عليها اسم العقار لا يقع عليها اسم المنقول وهى ثابتة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 372 في الارض فيصدق عليها أنها غير المنقول (وقوله) فلا شفعة فيه معلم بالميم (وقوله) لحقه الضرر فيه معناه أن المنقول لا يبقى دائما والعقار يتأبد فيتأبد سوء ضرر المشاركة فيه الشفعة تملك قهري فلا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 373 يحكم بثبوته الاعند شدة الضرورة. قال (وبالثابت عن حجرة عالية مشتركة مبنية على سقف لصاحب السفل فانه لاأرض لها فلا ثبات. فان كان السقف لشركاء العلو فوجهان لان السقف في الهواء فلا ثبات له) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 374 الشرط الثاني كونه ثابتا وقصد به الاحتراز عما إذا كان بين اثنتين حجرة أو غرفة عالية مبنية على سقف لاحدهما أو لغيرهما فإذا باع احدهما نصيبه فلا شفعة لشريكه لانه لاأرض لها ولاثبات لهو كالمنقولات ولو كان السقف المبني عليه مشتركا بينهما فعلى وجهن نقلهما ههنا وفي الوسيط الجزء: 11 ¦ الصفحة: 375 (أحدهما) أن الشفعة تثبت للاشتراك فيهما أرضا وجدارا (وأظهرهما) المنع لان السقف الذي هو أرضه لاثبات له أيضا وما لا ثبات له في نفسه لا يفيد ثباتا لما هو عليه ولو كان السقف مشتركان بين اثنين والعلو لاحدهما فباع صاحب العلو العلو ونصيبه من السفل ففيه للقفال جوابان (احدهما) أن الشريك الجزء: 11 ¦ الصفحة: 376 يأخذ السفل ونصف العلو بالشفعة لان الارض مشتركة بينهما وما فيها تابع لها الا ترى أنه يتبعها في بيع الارض عند الاطلاق فكذلك لي الشفعة (وأصحهما) وهو الذي ارتضاه الشيخ أبو على أنه لا يأخذ الا السفل لان الشفعة لا تثبت في الارض إلا إذا كانت مشتركة فكذلك فيما فيها من الجزء: 11 ¦ الصفحة: 377 الابنية ولا شركة بينهما في العلو. ولو كانت بينهما أرض مشتركة وفيها أشجار لاحدهما فباع صاحب الاشجار الاشجار ونصيبه من الارض ففيه هذا الخلاف هذا فقه الفصل ولك أن تقول اسم العقار اما أن يقع على الابنية بقطع النظر عن الارض أو لا يقع إن وقع كان الضابط المذكور متناولا للابنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 378 وحدها فلتكن مأخوذة بالشفعة وحدها ان لم يقع خرجت الصورتان المذكورتان في الكتاب عن الضابط بلفظ العقار فلا حاجة إلى ذكر قيد الثابت. قال (واحترزنا بالمنقسم عن الطاحونة والحمام وبئر الماء وما لا يقبل القسمة إلا بابطال منفعته المقصودة منه فلا شفعة فيها (ح و) إذا ليس فيها ضرر مؤنة الاستقسام وتضايق الملك بالقسمة) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 379 الشرط الثالث كونه منقسما وفي ثبوت الشفعة في العقار الذى لا ينقسم اختلاف مبنى على أن الشفعة لم تثبت في المنقسم وفيه وجهان (احدهما) أنها تثبت لدفع ضرر الشركة فيما يتأبد ويدوم كتضييق المدخل والتأذى بحرفة الشريك وأخلاقه أو كثرة الداخلين عليه وما أشبههما (وأصحهما) أنها تثبت الجزء: 11 ¦ الصفحة: 380 لدفع الضرر الذي ينشأ من القسمة من بدل مؤنتها والحاجة إلى افراد الحصة الصائرة له بالمرافق الواقعة في حصة صاحبه كالمصعد المبرز والبالوعه وحدها وكل واحد من الضررين وإن كان واقعا قبل البيع سكن من رغب من الشريكين في البيع كان من حقه أن يخلص الشريك مما هو فيه ببيعه منه فإذا لم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 381 يفعل سلطه الشرع على أخذه (فان قلنا) بالمعنى الاصح انه لم تثبت الشفعة فيما لم ينقسم لانه يؤمن فيه غرر القسمة وهذا هو الذي أورده في الكتاب (وان قلنا) بالثاني ثبتت الشفعة فيه ويحذف هذا الشرط الثالث وبه قال أبو حنيفة وابن سريج وهذا المذهب الثاني ينسب إلى تخريجه واختاره أبو خلف الجزء: 11 ¦ الصفحة: 382 السلمي والقاضي الروياني ومنهم من يجعل هذا الخلاف قولين ويقول الجديد منع الشفعة وهو ظاهر المذهب كيف فرض الخلاف وعن مالك وأحمد اختلاف رواية فيه أيضا والظاهر المنع والمراد من المنقسم ما إذا طلب أحد الشريكين قسمته أجبر الآخر عليها وفي ضبطه ثلاثة أوجه (احدها) أنه الذي لا تنقص الجزء: 11 ¦ الصفحة: 383 لقسمة قيمته نقصانا فاحشا حتى لو كانت قيمة الدار مائة ولو قمست عادت قيمة كل نصف إلى ثلاثين فلا تقسم لما فيها من الضرر (وثانيها) أنه الذي يبقى منتفعا به بعد القسمة بوجه ما أما مالا يبقى منتفعا به بحال اما لضيق الخطة أو قلة النصيب أو لان أجزاءه غير منتفع بها وحدها كما سراب القنا فلا يقسم (واضحها) أنه الذي إذا قسم أمكن أن ينتفع به من الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة ولا عبرة بامكان الانتفاع به من وجه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 384 آخر للتفاوت العظيم بين أجناس المنافع. إذا عرفت ذلك فلو كان بينهما طاحونة أو حمام أو نهر أو بئر فباع أحدهما نصيبه نظر ان كانت الطاحونة كبيرة يمكن ان تجعل طاحونتين لكل واحد حجران والحمام كثير البيوت يمكن أن يجعل حمامين أو كبير البيوت يمكن جعل كل بيت بيتين والبئر واسعة يمكن أن يبني فيها فتجعل بئرين لكل واحدة بياض يقف فيها المستقى ويلقى فيه ما يخرج الجزء: 11 ¦ الصفحة: 385 منها ثبتت الشفعة فيها وان لم يكن كذلك وهو الغالب في هذه العقارات فلا شفعة فيها على الاصح وهذا جوابه على أصح الوجوه في معنى المنقسم أما إذا اعتبرنا بقاء منفعة ما كفى ان يصلح لكل سهم من الحمام بعد القسمة للسكنى فان اعتبرت القسمة لم يخفف حكمه. ولو اشترك اثنان في دار صغيرة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 386 لاحدهما عشرها وللآخر باقيها فان حكمنا بثبوت الشفعة فيما لا ينقسم فايهما باع نصيبه فلصاحبه الشفعة وان حكمنا بمنعها فان باع صاحب العشر نصيبه لم يثبت لصاحبه الشفعة لانه أمن من أن يطلب مشتريه القسمة لانه لا فائدة له في القسمة وبتقدير أن يطلب فلا يجاب لانه متعنت مضيع ماله وإذا كان كذلك فلا يلحقه ضرر قسمه وان باع صاحب النصيب الا وفرنصيبه ففي ثبوت الشفعة لصاحب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 387 العشر وجهان بناء على أن صاحب النصيب الاوفر هل يجاب إذا طلب القسمة لانه منتفع بالقسمة (والظاهر) انه يجاب ولو كان حول البئر بياض وامكنت القسمة بان نجعل البئر لواحد والبياض لآخر ليزرعه أو يسكن فيه أو كان موضع الحجر في الرحا واحدا ولكن لها بيت يصلح لغرض آخر وأمكنت القسمة بأن يجعل موضع الحجر لواحد وذلك البيت لآخر ليزرعه فقد ذكر جماعة من الجزء: 11 ¦ الصفحة: 388 الاصحاب أن الشفعة تثبت وأن البئر والحالة هذه من المنقسمات وهذا جواب على جريان الاجبار في هذا النوع من القسمة وفيه خلاف على أنه لا يشترط فيما يصير لكل واحد منهما أن يمكن الانتفاع به من الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة (وقوله) في الكتاب وبئر الماء ليس مذكورا للتقييد بل بئر الماء وسائر الآبار في الشفعة واحدة (وقوله) الا بابطال منفعته المقصودة اشارة إلى الوجه الاصح في ضبط المنقسم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 389 (وقوله) فلا شفعة فيها معلم بالحاء والواو ويمكن أن يعلم بالميم والالف لاحدى الروايتين عنهما (وقوله) إذ ليس فيها ضرر مؤنة الانقسام إلى آخره معناه أن هذا هو المقتضى للشفعة في المنقسم وأنه غير موجود واعلم أنا لو قدرنا ثبوت الشفعة هناك لمجموع المعنيين يلزم المنع في غير المنقسم أيضا لانتفاء أحد المعنيين. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 390 (فرع) شريكان في مزارع وبئر تستقى منها باع احدهما نصيبه منها ثبتت للآخر الشفعة فيها إذا انقسمت البئر أو قلنا بثبوت الشفعة فيما لا ينقسم والا فتثبت في المزرعة وفي البئر وجهان (أحدهما) تثبت كما تثبت في الاشجار تبعا للاراضي (وأصححها) المنع لان الاشجار ثابته في محل الشفعة والبئر مباينة عنه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 391 قال (الركن الثاني الآخذ وهو كل شريك بالملك. فلا شفعة (ح) للجار عندنا وان كان ملاصقا (و) . وتثبت للشريك وان كان كافرا. فان شارك بحصة موقوفة وقلنا لا يملك الموقوف عليه فلا شفعة. والا فهو بناء على أنه هل يجوز افراز الوقف عن الملك. والشريك في الممر المنقسم يأخذ الممر بالشفعة ان كان للمشترى طريق آخر إلى داره. والا فيأخذ بشرط أن يمكن من الاجتياز. وقيل يأخذ وان لم يمكن. وقيل لا يأخذ وان مكن) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 392 فقه الركن صور (احداها) أنه لاشفعة للجار ملاصقا كان أو مقابلا وبه قال مالك وأحمد وعند أبي حنيفة للملاصق الشفعة وكذا المقابل إذا لم يكن الطريق بينهما نافذا لما ماروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة) وعن ابن سريج تخريج قول كمذهب أبي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 393 حنيفة قال القاضي الروياني ورأيت بعض أصحابنا يفتي به وهو الاختيار وذكر الامام أن الشيخ أبا على لم يثبت ذلك عن ابن سريج وحمل كلامه فيه على انه لا يعترض في الظاهر على الشافعي إذا قضى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 394 له الحنفي بشفعة الجار وهذا شأن مسائل الخلاف في الاغلب وفي الحل باطنا خلاف (الثانية) الدار اما أن يكون بابها مفتوحا إلى درب نافذ أو إلى درب غير نافذ ان كان الاول ولا شركة في الدار فلا شفعة فيها لاحد ولا في ممرها لان مثل هذا الدرب غير مملوك وان كان الثاني فالدرب ملك مشترك بين شركائه على ما سبق في الصلح فان باع نصيبه من الممر وحده فللشركة الشفعة فيه ان كان منقسما الجزء: 11 ¦ الصفحة: 395 على ما عرفت معناه والا ففيه ما مر من الخلاف وان باع الدار بممرها فلاشفعة الشركاء الممر في الدار لانه لاشركة لهم فيها فصار كما لو باع شقصا من عقار مشترك وعقار غير مشترك وخرج ابن سريج أنه تثبت الشفعة فيها بتبعية الشركة في الطريق وبه قال مالك وأبو حنيفة وقدم أبو حنيفة الشريك في الممر على الجار الملاصق الذي ينفذ باب داره إلى درب آخر وظاهر المذهب الاول ولو أرادوا أخذ الممر بالشفعة نظر ان كان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 396 للمشترى طريق آخر إلى الدار أو أمكنه فتح باب آخر إلى شارع فلهم ذلك على المشهوران كان منقسما والافعلى الخلاف في غير المنقسم وقال الشيخ أبو محمد ان كان في إيجاد الممر الحادث عسر أو مؤنة لها وجب أن يكون ثبوت الشفعة على الخلاف الذي نذكره على الاثر وان لم يكن له طريق آخر ولا أمكن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 397 ايجاده ففيه أوجه (أحدها) أنهم لا يمكنون منه لما فيه من الاضرار بالمشترى وانما أثبتت الشفعة لدفع الضرر فلا يزال الضرر بالضرر (والثاني) أن لهم الاخذ والمشترى هو المضر بنفسه حيث اشترى منه مثل هذه الدار (والثالث) أنه يقال لهم ان أخذتموه على أن تمكنوا المشترى من المرور فلكم الاخذ وان أبيتم تمكنيه منه فلا شفعة لكم جميعا بين الحقين وايراد الكتاب يشعر بترجيح هذا الوجه واليه ذهب أبو الفرج السرخسى لكن الاصحاب من العراقيين وغيرهم على أن الوجه الاول أصح بل مر نص الامام وجماعة عبارة تخيير الشفيع وأدوا الغرض في عبارة أخرى فقالوا في أحده بالشفعة وجهان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 398 ان أخذ ففي بقاء المرور وللمشترى وجهان وشركة مالكي بيوت الخيار في صحته كشركة مالكي الدور في الدروب التي لا تنفذ وكذا الشركة في مسيل ماء الارض دون الارض وفي بئر المزرعة دون المزرعة كالشركة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 399 في الممر وحده (الثالثة) تثبت الشفعة للذمي على المسلم والذمي حسب ثبوتها للمسلم وقال احمد لاشفعة للذمي على المسلم (لنا) القياس على الرد بالعيب ولو باع ذمي شقصا من ذمي بخمر أو خنزير وترافعو إلينا بعد الاخذ بالشفعة لم نرده ولو ترافعوا قبله لم نحكم بالشفعة وقال أبو حنيفة نحكم وان كان الشفيع مسلما أخذ الشقص بقية الخمر وان كان ذميا فبمثلها ولو بيع الشقص فارتد الشريك فهو على شفعتة إن قلنا أن الردة لا تزيل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 400 الملك (وان قلنا) تزيله فلا شفعة له وان عاد إلى الاسلام وعاد ملكه ففي عود الشفعة تردد عن الشيخ ابى على والظاهر المنع (وان قلنا) بالوقف فمات أو قتل على الردة فللامام أخذه لبيت المال كما لو اشترى معيبا أو اشترط الخيار وارتد ومات للامام رده ولو ارتد المشترى فالشفيع على شفعته (الرابعة) دار نصفها لرجل ونصفها ملك للمسجد اشتراه قيم المسجد أو وهبه منه ليصرف في عمارته فباع الرجل نصيبه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 401 كان للقيم أن يأخذ بالشفعة ان رأى المصلحة فيه كما لو كان لبيت المال شرك في دار فباع الشريك نصيبه للامام الاخذ بالشفعة وان كان صف الدار وقفا والنصف ملكا فباع المالك نصيبه فينبني على أن الموقوف عليه هل يملك الوقف (ان قلنا) لا لم يأخذ ما باعه بالشفعة (وان قلنا) نعم فينبني على أن الملك هل تقرر عن الوقف وفيه وجهان يذكران في القسمة (ان قلنا) نعم ففي ثبوت الشفعة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 402 وجهان (أحدهما) تثبت لدفع ضرر القمسة ودفع ضرر مداخلة الشريك وهذا ما أورده في الكتاب بناء على جواز قسمته وعلى هذا فلو كان الوقف على غير معينين أخذه المتولي ان رأى المصلحة فيه (وأظهرهما) المنع لان الوقف لا يستحق بالشفعة فلا ينبغي أن يستحق به وأيضا فأنه ملك ناقص ألا ترى أنه لا ينفذ تصرفه فيه فلا يتسلط على الاخذ (وإن قلنا) لا يقرر الملك على الوقف فأن لم تثبت الشفعة فيما لا ينقسم لم تثبت الجزء: 11 ¦ الصفحة: 403 وإن أثبتناه عاد الوجهان (وقوله) في كل شريك بالملك قصد بقوله بالملك الاحتراز عن الشريك بالوقف والمراد ملك الرقبة أما إذا لم يملك إلا المنفعة اما مؤقتا بالاجارة أو مؤبدا بأن أوصى له بالمنفعة لم يكن له الاخذ بالشفعة ويخرج بلفظ الشريك الجار ويدخل المسلم والذمي والحر والمكاتب حتى لو كان السيد والمكاتب شريكين في الدار فلكل منهما الشفعة على الآخر والمأذون له في التجارة إذا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 404 اشترى شقصا ثم باع الشريك نصيبه فله الاخذ بالشفعة الا أن يمنعه السيد أو يسقط الشفعة وله الاسقاط وان أحاطت به الديون وكان الاخذ غبطة كما له منعه من سائر الاعتياضات في المستقبل ولو أراد السيد أخذه بنفسه فله ذلك ولا يخفى أن الشركة لا تعتبر في مباشرة الاخذ وانما هي معتبرة فيمن يقع له الاخذ بدليل الولى والوكيل والعبد المأذون فان لهم الاخذ بالشفعة (وقوله) والشريك في الممر المنقسم يأخذ الممر الجزء: 11 ¦ الصفحة: 405 بالشفعة معلم بالواو ولما حكينا عن الشيخ أبي محمد وليس لمسألة الممر اختصاص بذكر الاخذ ولعل ايرادها في ركن المأخوذ أولى. قال (الركن الثالث المأخوذ منه وهو كل من تجدد ملكه اللازم بمعاوضة. احترزنا بالتجدد عن رجلين اشتريا دارا فلا شفعة لاحدهما على الآخر إذ لا تجدد لاحدهما. واحترزنا باللازم عن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 406 الشراء في زمان الخيار فانه لا يؤخذ ان كان للبائع خيار لانه اضرار به ولا حق للشفيع على البائع. وان كان للمشترى وحده فطريقان (أحدهما) لا لان العقد بعد لم يستقر (والثاني) فيه قولان. كما لو وجد المشترى بالشقص عيبا وأراد رده وقصد الشفيع أخذه فأيهما أولى وقد تقابل الحقان فيه قولان. وكذا الخلاف في تزاحم الشفيع والزوج إذا طلق قبل المسيس على الشقص الممهور) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 407 المأخوذ منه هو المشترى ومن في معناه وفي ضبطه قيود (أحدها) كون ملكه طارئا على ملك الآخذ فأذا اشترى رجلان دارا معا أو شقصا من دار فلا شفعة لواحد منهما على الآخر لاستوائهما في وقت ثبوت الملك (الثاني) كونه لازما وفيه ثلاث صور (احداها) ان جرى البيع بشرط الخيار لهما أو للبائع الخيار وحده لم يؤخذ الشقص بالشفعة مادام الخيار باقيا اما على قولنا الملك غير منتقل إلى المشترى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 408 فظاهر واما على قول الانتقال فلان في اخذه ابطال خيار البائع ولا سبيل للشفيع إلى الاضرار بالبائع وابطال حقه وعن صاحب التقريب احتمال على قولنا بانتقال المالك إلى المشترى وان شرط الخيار للمشترى وحده فان قلنا الملك له ففى أخذه بالشفعة قولان رواية الربيع واختيار أبى اسحق المنع وبه قال مالك واحمد لان المشترى لم يرض بلزوم العقد وفى الاخذ الزام واثبات للعهدة عليه ورواية المزني يؤخذ وبه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 409 قال أبو حنيفة لانه لاحق فيه الا للمشترى والشفيع مسلط عليه بعد لزوم الملك واستقراره فقبله اولي وهذا اصح عند عامة الاصحاب ونقل للامام وصاحب الكتاب في المسألة طريقين (أحداهما) اثبات القولين هكذا لكن قالا هما مأخوذان من الخلاف الذى نذكره فيما بعد إذا اطلع المشترى على عيب بالشقص وأراد رده وأراد الشفيع أخذه فعلى رأى للشفيع قطع خيار المشترى في الصورتين وعلى رأى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 410 لا يمكن منه (والثاني) القطع بأنه لا يأخذه إلى أن يلزم العقد والفرق بين الرد بالعيب وبينه أن الاخذ بالشفعة يفتقر إلى استقرار العقد وتمامه (واعلم) أن هذه الطريقة الثانية لاتكاد توجد في غير كتابنا والذهاب على الطريقة الاولى إلى تخريج القولين من الخلاف في الرد بالعيب بعيد مع أن الجمهور حكوهما عن النص ولو عكس وقيل الخلاف في الرد بالعيب مأخوذ من الخلاف ههنا لكان أشبه هذا إذا فرعنا على الجزء: 11 ¦ الصفحة: 411 أن الملك للمشترى (أما) إذا قلنا إنه بعد للبائع أو موقوف والمشترى منفرد بالخيار فعن صاحب التقريب وجه أن الشفيع يأخذ الشقص لانقطاع سلطة البائع بلزوم العقد من جهته (والاصح) المنع لان ملك البائع غير زائل على التقدير الاول وغير معلوم الزوال إلى الثاني وعلى الاول إذا أخذه الشفيع تبينا أن الملك للمشترى فبل أخذه وانقطع الخيار. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 412 (فرع) باع أحد الشريكين نصيبه بشرط الخيار ثم باع الثاني نصيبه في زمان الخيار بيع بتات فلا شفعة في المبيع أولا للبائع الثاني لزوال ملكه ولا للمشترى منه وان تقدم ملكه على ملك المشترى الاول إذا فرعنا على أنه لا يملك في زمان الخيار لان سبب الشفعة البيع وهو سابق على ملكه (وأما) الشفعة في المبيع ثانيا فموقوفة ان توقفنا في الملك وللبائع الاول ان أبقينا الملك له وللمشترى منه ان أثبتنا الملك له وعلى هذا قال في التتمة ان فسخ البيع قبل العلم بالشفعة بطلت شفعته ان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 413 قلنا) ان الفسخ بخيار الشرط يرفع العقد من أصله (وان قلنا) يرفعه من حينه فهو كما لو باع ملكه قبل العلم بالشفعة وان أخذه بالشفعة ثم فسخ البيع فالحكم بالشفعة كالحكم في الزوائد الحادثة في زمن الخيار (الثانية) إذا وجد المشترى بالشقص عيبا قديما فاراد رده وجاء الشفيع يريد أخذه ويرضى بكونه معيبا فيه قولان ويقال وجهان (أحدهما) ان الشفيع أولى بالاجابة لان حقه سابق على حق الجزء: 11 ¦ الصفحة: 414 المشترى فانه ثابت بالبيع ولان الغرض للمشترى استدراك الظلامة والوصول إلى الثمن وهذا الغرض حاصل بأخذ الشفيع ولانا لو قدمنا المشترى بطل حق الشفيع بالكلية ولو قدمنا الشفيع حصل للمشترى مثل الثمن أو قيمته (والثاني) ان المشترى أولى لان الشفيع انما ياخذ إذا استقر العقد وسلم عن الرد لانه قد يريد استرداد عين ماله ودفع عهدة الشقص عن نفسه والاول أرجح عند الاكثرين الجزء: 11 ¦ الصفحة: 415 ومنهم من لا يذكر غيره ولو رده بالعيب قبل مطالبة الشفيع ثم جاء الشفيع طالبا فلا يجاب (ان قلنا) المشترى أولى عند اجتماعها (وان قلنا) الشفيع أولى فوجهان (أحدهما) لايجاب لتقدم الرد وفي (الاظهر) يجاب ويفسخ الرد أو نقول تبينا أن الرد كان باطلا والخلاف في أن الشفيع أولى أو المشترى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 416 جاز كما إذا اشترى شقصا بعبد ثم وجد البائع بالعبد عيبا فأراد رده واسترداد الشقص وأراد الشفيع أخذه بالشفع والمسألة مذكورة في الكتاب من بعد وسنعود إليها وحكى في التهذيب جريانه أيضا فيما إذا اشترى شقصا بعبد وقبض الشقص قبل تسليم العبد فتلف العبد في يده حتى تبطل شفعة الشفيع في وجه ويتمكن من الاخذ في الثاني كما لو تلف بعد أخذ الشفيع فان الشفعة لا تبطل بل على الشفيع قيمة العبد للمشترى وعلى المشترى قيمة الشقص للبائع والذي أورده صاحب الشامل وغيره أنه إذا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 417 كان الثمن عينا وتلف قبل القبض بطل البيع والشفعة (الثالثة) ستعرف أن الشقص الممهور مأخوذ بالشفعة فلو أصدقها شقصا ثم طلقها قبل الدخول أو ارتد وجاء الشفيع يريد أخذه بالشفعة فله أخذ نصفه (وأما) النصف الآخر فالزوج أولى به أو الشفيع فيه وجهان وكذلك إذا اشترى شقصا وأفلس بالثمن فاراد البائع الفسخ والشفيع الاخذ بالشفعة فيه الوجهان (أحدهما) أن الزوج والبائع أولى بالاجابة لاستناد حقهما إلى ملك سابق وأيضا فان البائع لم يرض بزوال الشقص إلا على أن يسلم له الثمن فإذا لم يسلم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 418 وجب أن لا يؤخذ منه (وأصحهما) أن الشفيع أولى لان حقه ثبت بالعقد وحق الزوج ثبت بالطلاق وحق البائع بالافلاس وأسبق الحقين أولى بالرعاية ولان منع الشفيع ابطال حقه وإذا قدمناه لا يبطل حق الزوج والبائع وانما ينتقل إلى البدل ولان حق الشفيع أقوى من حق الزوج والبائع ألا ترى أن الشفيع يبطل تصرف المشترى عند افلاسه ولا الزوجة تصرف لزوج قال الشيخ أبو على والوجهان مبنيان على القولين فيما إذا كان الخيار للمشترى وحده وأراد الفسخ والشفيع أراد أخذه بالشفعة وقد قدمنا هما وذكر الجزء: 11 ¦ الصفحة: 419 الامام وصاحب التهذيب أن الوجهين متولدان من جواب ابن الحداد في الصورة الاولى أن الشفيع أولى وجواب أبي اسحق في الثانية بأن تصرف البائع أولى وتصرف من بعدهما من الاصحاب في كلامهما وجعلوا الصورتين على جوابين بالنقل والتخريج وقطع بعضهم بجواب بان الحداد في الصورة الاولى وبجواب أبي اسحق في الثانية والفرق أن الثابت للزوج بالطلاق الملك والشفيع ثبت له ولاية التملك لانفس الملك فكان الزوج أولى بالتقديم وفي الصورة الاخرى الثابت للبائع والشفيع معا ولاية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 420 التملك لكن الشفيع أسبق حقا فهو أولى بالتقديم وإذا قدمنا الشفيع في صورة الافلاس فاظهر الوجوه وبه قال ابن الحداد ان الثمن المأخوذ من الشفيع مقسوم بين الغرماء كلهم لان حق البائع إذا انتقل عن العين إلى الذمة التحق بسائر الغرماء (والثاني) يحكى عن ابن سريج أنه يقدم البائع بالثمن رعاية للجانبين (والثالث) أنه ان كان البائع سلم الشقص ثم أفلس المشترى لم يكن أولى بالثمن لرضاه بذمة الشمترى وان سلم فهو أولى بالثمن والطريقان جاريان فيما إذا اقتضى الحال عود كل الصداق إلى الزوج لرده أو فسخ قبل الدخول هذا إذا اجتمع الشفيع مع الزوج أو البائع اما لو أخذ الشفيع الجزء: 11 ¦ الصفحة: 421 الشقص من يد الزوجة ثم طلق الزوج أو من يد المشترى ثم انه أفلس فلا رجوع للزوج والبائع إلى الشفيع بحال لكن ينتقل حق البائع إلى الثمن وحق الزوج إلى القيمة في مالهما كما لو زال الملك ببيع أو غيره ولو طلهما قبل علم الشفيع واخذ النصف ثم جاء الشفيع ففى استرداده ما أخذه الزوج وجهان كما إذا جاء بعد الرد بالعيب وحكى الامام طريقة أخرى قاطعة بالمنع لان المهر يتشطر بالطلاق من غير اختيار فيبعد نقصه وان قلنا يسترده أخذه وما بقى في يدها والا أخذ ما في يدها ودفع إليها نصف مهر الجزء: 11 ¦ الصفحة: 422 المثل ولو كان للشقص الممهور شفيعان فطلبا وأخذ أحدهما نصفه وطلقها قبل أن يأخذ الآخر فلا يأخذ الزوج النصف الحاصل في يد الشفيع (وأما) النصف الآخر فهو أولى أم الشفيع فيه الخلاف السابق ويجرى فيما إذا أخذ الشفيعين من يد المشترى ثم أفلس فان قلنا الشفيع أولى ضارب البائع مع الغرماء بالثمن (وان قلنا) البائع أولى فان شاء أخذ النصف الباقي وضارب مع الغرماء بنصف الثمن والا تركه وضارب بجميع الثمن. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 423 قال (واحترزنا بالمعاوضة عن ملك حصل بهبة أو إرث أو رجع ناقلة أو رد بعيب. فلا شفعة في شئ من ذلك. وثثبت (ح) الشفعه فيما جعل أجرة في إجارة. أو صداقا في نكاح. أو عوضا في كتابه أو خلع أو صلح عن دم عمد أو عن متعة نكاح. ولو بذل المكاتب شقصا عوضا عن نجومه ثم عجز ورق ففي الشفعة خلاف إذ خرج عن كونه عوضا. ولو أوصي لمستولدته بشقص ان خدمت أولاده شهرا ففيه خلاف لتردده بين الوصية والمعاوضة) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 424 القيد الثالث في ضبط المأخوذ منه أن يكون ملكه حاصلا بمعاوضة فيخرج عنه ما إذا ملك بارث أو هبة أو وصية فانه لا يؤخذ بالشفعة (أما) الارث فلان الوارث لا اختيار له في حصول الملك بخلاف ما إذا ملك اختيارا فانه كان من حقه أن لايدخل على الشريك ولا يضر به فإذا لم يفعل سلط الشريك عليه (وأما) الهبة والوصية فلان المتهب والموصي له تقلدا لمابه من الواهب والموصي بقبول تبرعهما ولو أخذ الشفيع لاخذ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 425 عن استحقاق ولو تسلط فلا يكون متقلدا للمانة ووضع الشفعة على أن يأخذ الشفعة بما أخذ به المتملك ولو وهب بشرط الثواب أو مطلقا وقلنا إن يقتضي الثواب فوجهان (أصحهما) أنه يؤخذ بالشفعة لانه مملوك بعقد معاوضة (والثاني) لا يؤخذ لانه ليس المقصود منه المعاوضة وعلى الاول ففي أخذه قبل قبض الموهوب وجهان (أظهرهما) الاخذ لانه صار بيعا (والثاني) لا لان الهبة لا تتم إلا بالقبض وهذا هو الجزء: 11 ¦ الصفحة: 426 الخلاف في أن الاعتبار باللفظ أو بالمعنى ولو اشترى شقصا ثم نقايلا فان كان الشفيع قد عفا فتجدد الشفعة ينبني على أن الاقاله فسخ أم بيع (إن قلنا) بيع تجدد وأخذه من البائع (وإن قلنا) فسخ لم تتجدد كما لا تجدد بالرد بالعيب لان الفسوخ وان كانت تشتمل على تراد العوضين فلا تعطى أحكام المعاوضات ألا ترى أنه يتعين فيها العوض الاول وان جرت الاقالة قبل علم الشفيع بالشفعة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 427 فان جعلنا الاقالة بيعا فالشفيع بالخيار بين ان يأخذ بها وبين أن ينقضها حتى يعود الشقص إلى المشترى فيأخذ منه وان جعلناها فسخا فهو كطلب الشفعة بعد الرد العيب وقد سبق ويدخل في الضبط ما إذا جعل الشقص اجرة في اجارة أو جعلا في جعالة أو رأس مال في سلم أو أصدق امرأته شقصا أن متعها به أو خالعها على ششقص أو صالح عليه على ما أو دم أو جراحة أو جعله المكاتب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 428 عوضا عن النجوم فتثبت الشفعة في ذلك كله خلافا لابي حنيفة حيث قال لا تثبت الشفعة الا في الشراء وهو رواية عن أحمد لنا قياس ما عداه عليه بجامع أنه مملوك بعقد معاوضة ولو أقرضه شقصا قال في التتمة القرض صحيح وللشفيع أخذه إذا ملكه المستقرض وانما تثبت الشفعة في الجعالة بعد العمل قان الملك حينئذ يحصل للعامل ثم في الفصل فرعان (أحدهما) لو بذل المكاتب شقصا عوضا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 429 عن بعض النجوم ثم عجز ورق ففي بطلان الشفعة وجهان ينظر في أحدهما إلى انه كان عوضا أو لا وفي الثاني خروجه أجرا عن العوضية وهذا أظهر والخلاف شبيه بما ذكرنا فيما إذا كان الثمن عينا وتلف قبل القبض (الثاني) لو قال لمستولدانه ان خدمت اولادي شهرا فلك هذا الشقص فخدمتهم استحقت الشقص وفي ثبوت الشفعة فيه وجهان (أحدهما) تثبت لانها ملكته يالخدمة فكان كالمملوك بالاجارة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 430 وسائر المعاوضات (وأظهرهما) المنع لانها معتبرة من الثلث كسائر الوصايا وذكر الخدمة شرط داخل على الوصية (وقوله) في الكتاب على ملك حصل بهبة اعلم لفظ الهبة بالميم لانه روى في الوسيط عن مالك انه يأخذ الموهوب بالقيمة وهذه إحدى الروايتين عنه فيما ذكره في الشامل وقوله أو رجع باقالة معلم بالواو ولما اذكرنا ويجوز أن يعلم بالحاء لان صاحب الشامل حكى عن أبي حنيفة ثبوت الشفعة فيه وكذا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 431 في الرد بالعيب إذا جرى بالتراضي (وقوله) تثبت الشفعة فيما جعل اجرة معلم بالحاء ويجوز أن يعلم بالواو لان في أمالى أبي الفرج السرخسي أن صاحب التخليص قال إذا كان ما يقابل الشقص مما لا يثبت في الذمة بالسلم ولا بالقرض فلا شفعة فيه لانه تعذر أخذه بما ملك به المتملك وهو غريب (وقوله) أو صلح عن دم عمد ربما يبحث فيه عن سبب التيقيد بالعمدية واعلم أن الجناية على النفس فما دونها تنقسم إلى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 432 مالا يوجب القصاص والقول في صحة الصلح عن موجبها ما ذكرنا في كتاب الصلح والى ما يوجبه والصلح ههنا مبني على الخلاف في أن موجب العمد ماذا فإذا تأملت القسمين وجدت صحة الصلح عما يوجب القصاص أظهر أعم فيمكن أن يكون ذلك سبب التقييد بالعمدية التي هي مناط القصاص (وقوله) ولو بذل المكاتب شقصا عوضا عن نجومه أشار به إلى أن نفس الشقص لا يمكن الكتابة عليه لانه لا يثبت في الذمة بعقود المعاوضات والمعين لا يملكه العبد وهذا هو المراد بقوله قبله أو عوضا عن كتابة. قال (ولو اشترى الوصي للطفل وهو شريك أخذ (و) بالشفعة لنفسه. ولو باع شقص الطفل لم يأخذه (و) لانه متهم كما لو باع من نفسه. والاب يأخذ فانه غير متهم. ولذلك يبيع من نفسه. ولو كان له في الدار شركة أخرى قديمة فيترك (و) عليه ما يخصه لو كان المشترى غيره) . فيه مسألتان (الاولى) إذا باع الوصي أو القيم شقصا للطفل وهو شريك فيه فأصح الوجهين وبه قال ابن الحداد وهو المذكور في الكتاب أنه ليس له أخذه بالشفعة لانه لو تمكن منه لم يؤمن أن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 433 يترك النظر والاستقصاء للصبي ويتسامح في البيع ليأخذ بالشفعة بالثمن البخس وهذا كما أنه لا يتمكن من بيع ماله من نفسه (الثاني) عن رواية صاحب التقريب وبه قال أبو الحسين بن القطان أن له الاخذ لانه حق ثبت له على المشترى بعد تمام العقد وانقطاع ملك الطفل. ولو اشترى شقصا للطفل وهو شريك في العقار (فالمشهور) أنه يأخذ لانه لاتهمة ههنا إذ لا يزيد في الثمن ليأخذ به ونقل في الشامل وجها آخر لان في الشراء أو الاخذ تعليق عهدة بالصبي من غير منفعة له وللاب والجد الاخذ بالشفعة إذا كانا شريكين سواء باعا أو اشتريا لقوة ولايتهما وشفقتهما ولهذا كان لهما بيع مال الطفل من أنفسهما. ولو كان في حجر الوصي يتيمان بينهما دار فباع نصيب أحدهما من رجل فله أخذه بالشفعة للثاني لان الاول قد يحتاج إلى البيع والثاني إلى الاخذ. ولو وكل أحد شريكي الدار صاحبه ببيع نصيبه فباعه ففي الشفعة وجهان أيضا لكن الشيخ أبا على قال ان الاكثرين ههنا على أنه يأخذ لان الموكل ناظر لنفسه يعترض ويستدرك ان عثر على تقصير من الوكيل والصبي عاجز عن ذلك فيصان حقه عن الضياع. ولو وكل انسان أحد الشريكين بشراء شقص من الآخر فله الاخذ بلا خلاف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 434 وقال أبو حنيفة في الوكيل والوصي معا تثبت الشفعة الشراء ولا تثبت في البيع. ولو وكل الشريك الشريك ببيع نصف نصيبه أو أذن له في بيع نصيبه أو بعض نصيبه مع نصيب الموكل ان شاء فباع نصف نصيب الموكل مع نصف نصيبه صفقة واحدة فللموكل أخذ نصيب الوكيل بالشفعة وهل للوكيل أخذ نصيب الموكل فيه وجهان (المسألة الثانية) إذا كان للمشترى في الدار شركة قديمة بأن كان بين ثلاثة أثلاثا فباع أحدهم نصيبه من أحد الآخرين فأصبح الوجهين وهو المذكور في الكتاب وبه قال أبو حنيفة والمزني ان المشترى والشريك الآخر يشتركان في المبيع لاستوائهما في الشركة كما لو كان المشترى غيره. وعن ابن سريج أن الشريك الثالث ينفرد بالشفعة ولا حق فيه للمشترى لان الشفعة تستحق على المشترى ولايجوز أن يستحقها المشترى على نفسسه فعلى هذا الثالث بالخيار بين أن يترك جميع المبيع أو يأخذ الجميع وعلى الاصح هو بالخيار بين أن يأخذ نصف المبيع أو يترك فان قال خذ الكل أو اترك الكل وقد تركت أنا حقي لم تلزمه الاجابة ولم يصح اسقاط المشترى الشفعة لان ملكه مستقر على النصف بالشراء فاشبه ما إذا كان للشقص شفيعان حاضر وغائب فاخذ الجميع الحاضر ثم عاد الغائب له أن يأخذ نصفه وليس للحاضر الجزء: 11 ¦ الصفحة: 435 أن يقول له اترك الكل أو خذ الكل وأنا تركت حقى ولا نظر إلى تبعض الصفقة عليه فانه يلزمه دخوله في هذا العقد. وعن رواية الشيخ أبي على وجه أنه إذا ترك المشترى حقه وجب على الآخر أخذ الكل أو ترك الكل كما إذا باع من أجنبي وله شفيعان فترك أحدهما حقه يأخذ الآخر الكل أو يترك إلا أن هذا الترك سابق على اختيار التملك ههنا وفيما نحن فيه اختيار التملك بالشراء فلم يؤثر الاعراض بعده. ولو كان بين اثنين دار فباع أحدهما نصف نصيبه من ثالث ثم باع النصف الثاني من ذلك الثالث فعلى الاصح حكمه حكم ما لو باع النصف الثاني من أجنبي وهو المذكور في الباب الثاني وعلى ما ذكره ابن سريج لاشفعة للمشترى فللشفيع الخيار بين أن يأخذ الكل أو يأخذ أحد النصفين دون الآخر. وإذا عرفت ما ذكرناه أعلمت قوله في الكتاب أخذ بالشفعة لنفسه بالواو وكذا (وقوله) لم يأخذ فانه متهم وكذا (قوله) فيترك عليه ما يخصه. قال (ولو باع المريض شقصا يساوى الفين بالف من أجنبي والوارث شريك فلا يأخذ بالشفعة لانه يصل إليه المحاباة. وقيل يأخذ لان المحاباة معه ليست من المريض. وقيل لا يصح البيع لتناقض الاثبات والنفي جميعا. وقيل يأخذ الوارث بقدر قيمة الالف والباقي يبقى للمشترى مجانا) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 436 إذا باع في مرض موته شقصا وحابى فلا يخلو إما أن يكون المشترى والشفيع أجنبيين أو وارثين أو المشترى وارثا والشفيع أجنبيا أو بالعكس والمذكور في الكتاب هو القسم الرابع ونحن نذكر اربعتها (الاول) أن يكونا أجنبيين فان احتمل الثلث المحابات صح البيع وأخذ الشقص بالشفعة ولا إشكال وان لم يحتمله كما إذا باع شقصا يساوى الفين بألف ولا مال له غيره نظر إن رده الورثة بطل البيع في بعض المحاباة وفي صحته في الثاني طريقان (أحدهما) التخريج على الخلاف في تفريق الصفقة (والثاني) القطع بالصحة (وإذا قلنا) بالصحة ففيما يصح فيه البيع قولان (أحدهما) أنه يصح في قدر الثلث والقدر الذي يوازي الثمن بجميع الثمن (والثاني) انه لا يسقط شئ من البيع إلا ويسقط ما يقابله من الثمن وقد وجهنا كل واحد من الطريقين والقولين وتكلمنا فيما هو الاظهر في تفريق الصفقة (فان قلنا) بالقول الاول صح البيع في الصورة المفروضة في خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن (وان قلنا) بالثاني دارت المسألة وحسابها أن يقال صح البيع في شئ من الشقص بنصف شئ يبقى مع الورثة الفان إلا نصف شئ وذلك يعدل مثلي المحابة وهو نصف شئ فتلا هاشئ فيجبر ويقابل فيكون الجزء: 11 ¦ الصفحة: 437 الفان معادلين لشئ وصنف والشئ من شئ ونصف ثلثاه فعلمنا أن البيع صحيح في ثلثي الشقص قيمته الف وثلاثمائة وثلاث وثلاثون وثلث مثلى الثمن وهو نصف هذا المبلغ فتكون المحاباة ستمائة وستة وستون وثلثي يبقى للورثة ثلث الشقص وثلثا الثمن وهما الف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث وذلك ضعف المحاباة وعلى القولين جميعا للمشترى الخيار لان جميع لم يسلم له فان أجاز أخذ الشفيع خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن على القول الاول وثلثيه بثلثي الثمن على الثاني ولو أراد أن يفسخ وجاء الشفيع فمن المجاب منهما فيه الخلاف المذكور في الرد بالعيب وكذلك لو فسخ قبل طلب الشفيع تبطل الشفعة أم للشفيع رد الفسخ فيه ما سبق من الخلاف وان أجاز الورثة صح البيع في الكل ثم إن قلنا إن إجازتهم كما فعله المورث أخذ الشفيع الكل بكل الثمن (وان قلنا) انها ابتداء عطية منهم لم يأخذ الشفيع القدر النافذ باجارتهم وأخذ القدر المستغني عن اجازتهم وفيه القولان المذكوران عند الرد (القسم الثاني والثالث) أن يكونا وارثين أو المشترى وارثا فيكون هذا البيع محاباة مع الوراث الجزء: 11 ¦ الصفحة: 438 وهى مردودة فان لم نفرق الصفقة بطل البيع في الكل وان فرقناها (فان قلنا) هناك يصح في ثلثيه بثلثي الثمن فههنا يبطل البيع في الكل هكذا ذكره القفال وغيره وعلله في التهذيب بأن البيع لا يبطل في شئ الا ويسقط بقدره من الثمن فما من جزء يصح فيه البيع الا ويكون بعضه محاباة وهى مردودة ولك هنا كلامان (أحدهما) أن المفهوم من هذا التوجيه شيوع المعاوضة والمحاباة في جميع الشقص وذلك لايمنع تخصيص قدر المحاباة بالابطال ألا ترى أنه لم يمنع في القسم الاول تخصيص ما وراء القدر المحتمل من المحاباة والابطال (والثاني) أن الوصية للوارث موقوفة على اجازة باقي الورثة على رأى كما أن الوصية بما زاد على الثلث لا تنفذ من غير اجازة الورثة على رأى فليفرق ههنا بين الاجازة والرد كما في القسم الاول (والرابع) أن يكون الشفيع وارثا دون المشترى فإذا احتمل الثلث المحاباة أو لم يحتمل وصححنا البيع في بعض المحاباة في القسم الاول ومكنا الشفيع من أخذه فههنا وجوه (أحدها) أنه يصح البيع كذلك ولا يأخذه الوارث بالشفعة لان محاباة البائع مع المشترى وهو أجنبي عنه والشفيع يتملك على المشترى ولا محاباة معه من المريض (والثالث) أنه لا يصح الجزء: 11 ¦ الصفحة: 439 البيع أصلا لانه لو صح لتقابلت فيه أحكام متناقضة لانا إن لم نثبت الشفعة أضررنا بالشفيع وان أثبتناها أوصلنا إليه المحاباة وهذا ما عناه بقوله لتناقض النفي والاثبات جميعا (والرابع) يصح في الجميع ويأخذ الشفيع ما يوازي الثمن منه ويبقي الباقي للمشترى مجانا لان المحاباة مع الاجنبي دون الوارث فيجعل كانه باع بعض الشقص منه ووهب بعضه فيأخذ المبيع دون الموهوب (والخامس) أنه لا يصح البيع في القدر الموازى للثمن لانه لو صح في الكل فان أخذه الشفيع وصلت إليه المحاباة وان أخذ ما وراء قدر المحاباة كان إلزاما بجميع الثمن ببعض المبيع وهو على خلاف وضع الشفعة وقد يقال في العبارة عن هذا الوجه ان ترك الشفيع الشفعة صحت المحاباة مع المشترى والا فهو كما لو كان المشترى وارثا فلا تصح المحاباة والاوجه الاربعة الاخيرة تحكى عن ابن سريج وأصح الخمسة عند الاكثرين منهم أبو على صاحب الافصاح والعراقيون والاستاذ أبو منصور والامام وصاحب التهذيب إنما هو الثاني والاول عند ابن الصباغ وقية إيراده في الكتاب ويحسن أن يرتب فيقال في صحة البيع وجهان ان صح فيصح في الجميع أو فيما وراء قد المحاباة وجهان ان صح في الجميع بالشفعة أو ما وراء قدر المحاباة أولا يأخذ شيئا فيه ثلاثة أوجه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 440 قال (ولو تساوى شريكان إلى مجلس الحكم وزعم كل واحد أن شراء الآخر متأخر وله الشفعة فالقول قول كل واحد في عصمة ملكه عن الشفعة. فان تحالفا أو تناكلا تساقطا. وان حلف أحدهما ونكل الآخر قضى لمن حلف) . ذكرنا من قبل أن تقدم ملك الآخذ على ملك المأخوذ منه شرط في الشفعة فلو كانت في يد رجلين دار شرياها بعقدين وادعى كل واحد منهما أن شراءه كان قبل شراء صاحبه وأنه يستحق الشفعة عليه نظر إن ابتدأ أحدهما بالدعوى أو جا آمعا وتنازعا في البداءة فقدم أحدهما بالقرعة وادعي فعلي الآخر الجواب ولا يرضي منه في الجواب بأن يقول بل شرائي أسبق فانه ابتداء دعوي بل إما أن ينفي سبق شراء المدعي أو يقول لا يلزمني تسليم شئ اليك وحينئذ يحلف فان حلف استقر ملكه ثمر تسمع دعواه على الاول فان حلف استقر ملكه أيضا وان نكل المدعي عليه أولا ردت اليمين على المدعي فحلف أخذ ما في يد المدعي عليه وليس للمدعي عليه الناكل بعد ذلك أن يدعي عليه لانه لم يبق له ملك يأخذ به الشفعة وان نكل المدعي عن اليمين المردودة سقطت دعواه وللمدعي عليه أن يدعي عليه هذا إذا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 441 لم يكن لواحد منهما بينة (أما) إذا أقام أحدهما البينة على السبق دو الآخر قضى له وان أقام كل واحد منهما بينة على سبق شرائه مطلقا أو على أنه اشترى يوم السبت وصاحبه اشترى يو الاحد فهما متعارضتان وفي تعرض البينتين قولان (أحدهما) أنهما يتساقطان فكأنه لابينة لواحد منهما (والثاني) أنهما يستعملان وفي كيفيته أقوال (أحدها) القرعة فعلي هذا فمن خرجت قرعته أخذ نصيب الآخر بالشفعة (والثاني) القسمة ولا فائدة لها ههنا إلا أن تكون الشركة بينهما على التفاوت فيكون النصف مقيدا (والثالث) الوقف وعلى هذا يوقف حق التملك إلى أن يظهر الحال ومهم من لم يجز قول الوقف ههنا وقال لا معني للوقف مع كون الدار في يدهما ولو عينت كل واحدة من البينتين وقتا واحدا فلا تنافي بينهما لاحتمال وقوع العقدين معا ولا شفعة لواحد منهما لانا تبينا وقوع التقدين معا وفيه وجه أنهما يسقطان لان واحدة منهما لم تتعرض لمقصود مقيمها فكأنه لابينة. (الباب الثاني في كيفية الاخذ) قال (والنظر في أطراف ثلاثة (الاول) فيما لا يملك به فلا يملك بقوله أخذت وتلمكت. ولكن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 442 يملك بتسليم الثمن وان لم يرض المشترى به. أو بتسليم المشترى الشقص إليه رضا بكون الثمن في ذمته. وهل يملك بمجرد رضا المشترى دون التسليم. أو بقضاء القاضي له بالشفعة عند الطلب. أو بمجرد الاشهاد على الطلب فيه خلاف. والاظهر أنه لا يملك) . حق الشفعة قد يثبت لواحد وقد يثبت لجماعة وعلى التقديرين فلا شك أن الاخذ بها ضرب تملك يعرض فالحاجة إلى بيان ما يحصل به الملك وبيان العوض المبذول وبيان الاحكام العارضة باعتبار تعدد المستحق فعقد لهذه الامور أطرافا (فاما الاول) فلا يشترط في التمليك بالشفعة حكم الحاكم ولا إحضار الثمن ولا حضور المشترى ورضاه (أما) الاول فلانه ثابت بالنص فيستغني عن حكم الحاكم (وأما) الثاني فلانه تملك بعوض فلا يفتقر إلى إحضار العوض كالبيع (وأما) الثاني فلانه تملك بعوض فلا يفتقر إلى إحضار العوض كالبيع (وأما) الثالث فلما ذكرنا في الرد بالعيب وعند أبي حنيفة يعتبر حضور المشترى أو حكم الحاكم ولا يحكم الحاكم إلا إذا حضر الثمن وعن الصعلوكي أن حضور المأخوذ منه أو وكيله شرط ولابد من جهة الشفيع من لفظ كقوله تملك أو اخترت الاخذ بالشفعة أو أخذته بالشفعة وما أشبه ذلك والا فهو من باب المعاطات ولا يكفي أن يقول لي حق الشفعة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 443 وأنا مطالب بها لان المطالبة رغبة في التملك والملك لا يحصل بالرغبة المجردة هكذا ذكره في التتمة وفي أمالى أبي الفرج السرخسى أن الطلب يكفي سببا لثبوت التلمك ولا يقف على قوله تملك والاول أظهر وكذلك قالوا يعتبر في التملك أن يكون الثمن معلوما للشفيع ولم يشترطوا ذلك في الطلب وينبغي أن يكون في صحة التملك مع كون الثمن مجهولا ما ذكرناه في بع المرابحة وفي التتمة إشارة إلى نحو من هذا ثم لا يملك الشفيع بمجرد اللفظ بل يعتبر مع ذلك أحد أمور (الاول) أن يسلم العوض إلى المشترى فيملك به أن يسلمه والا خلي بينه وبينه أو رفع الامر إلى القاضي حتى يلزمه التسليم (والثاني) أن يتسلم المشترى الشقص ويرضى بكون الثمن في ذمته نعم لو باع شقصا من دار عليها صفائح ذهب بالفضة أو بالعكس وجب التقابض ولو رضى بكون الثمن في ذمته ولم يسلم الشقص فوجهان (أحدهما) أنه لا يحصل الملك وقول المشترى ما لم يتصل به القبض في حكم وعد (وأصحهما) الحصول لانه معاوضة والملك في المعارضات لا يتوقف على القبض (والثالث) أن يحضر مجلس القاضي ويثبت حقه في الشفعة ويختار التملك فيقضي القاضي له بالشفعة وفيه وجهان (أحدهما) أنه لا يحصل الملك ويستمر الجزء: 11 ¦ الصفحة: 444 ملك المشترى إلى أن يصل إليه عوضه أو يرضي بتأخيره (وأصحهما) الحصول لان الشرع نزل الشفيع منزلة المشترى كأن العقد عقد له إلا أن يتخير بين الاخذ والترك فإذا طلب وتأكد طلبه بالقضاء وجب أن يحكم له بالملك (والرابع) ان يشهد عدلين على الطلب فان لم نثبت الملك بحكم القاضي فههنا أولى وان أثبتناه فوجهان لقوة قضاء القاضي (وقوله) في الكتاب والاظهر أنه لا يملك بمقتضي ترجيح الوجه الصائر إلى عدم حصول الملك بالقضاء والاشهاد وفيما إذا رضى المشترى أن يكون الثمن في ذمة الشفيع وان لم يستلم الشقص لكن جواب الاكثرين في هذه الصورة وفي صورة قضاء القاضي بالشفعة أنه يثبت الملك وإذا ملك الشفيع الشقص بغير الطريق الاول لم يكن له أن يتسلمه حتى يؤدى الثمن وان سلمه المشترى قبل أداء الثمن ولا يلزمه أن يؤخر حقه وان أخر البائع حقه وإذا لم يكن الثمن حاضرا وقت التملك أمهل ثلاثة أيام فان انقضت ولم يحضره فسخ القاضي تملكه هكذا حكى عن ابن سريج وساعده المعظم وفيه وجه آخر أنه إذا قصر في الاداء بطل حقه وان لم يؤخذ رفع إلى الحاكم وفسخ به. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 445 قال (وهل يلتحق هذا التمليك بالشراء في ثبوت خيار المجلس للشفيع وامتناع التصرف في الشقص قبل القبض. وامتناع التملك دون رؤية الشقص فيه خلاف من حيث أنه يشبه البيع في كونه معاوضة ويخالفه في أنه لا تراضي فيه) . فيه ثلاث صور (إحداها) في ثبوت خيار المجلس للشفيع فيه خلاف ذكرناه في البيع (والاظهر) الثبوت يحكي ذلك عن نصه في اختلاف العراقيين وعلي هذا فيمتد إلى مفارقة المجلس وهل يقطع بأن يفارقه المشترى فيه وجهان (وجه) المنع أنه لاحظ له في الخيار فلا اعتبار بمفارقته (الثانية) إذا ملك الشفيع امتنع تصرف المشسترى وان طلبه ولم يثبت المخلك بعد لم يمتنع وأبدى الامام فيه احتمالا لتأكد حقه بالطلب وحكى فيه وجهين في نفوذ تصرف الشفيع قبل القبض إذا كان قد سلم الثمن (أظهرها) المنع كتصرف المشترى قبل (ووجه) الثاني كونه قهريا كالارث قال ولو ملك بالاشهاد أو قضاء القاضى لم ينفذ تصرفه وكذا لو تملك برضى المشترى لكون الثمن عنده والقياس التسوية (الثالثة) في تملك الشفيع الشقص الذى لم يره طريقان (أظهرهما) أنه على قولى بيع الغئب ان منعناه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 446 لم يتملكه قبل الرؤية وليس للمشترى منعه من الرؤية وان صححناه فله التملك ثم منهم من جعل خيار الرؤية على الخلاف في خيار المجلس ومنهم من قطع به وقال المانع على رأى بعد اختصاص ذلك الخيار يأخذ الجانبين (والثانى) المنع سواء صححنا بيع الغائب أو أبطلناه ولان البيع بالتراضى فاثبتنا الخيار فيه وههنا الشفيع يأخذ من غير رضى المشترى فلا يمكن إثبات الخيار فيه نعم لو رضى المشترى بأن يأخذه الشفيع ويكون بالخيار فيكون بالخيار على قولى بيع الغائب ويحكى هذا الطريق عن ابن سريج واذال جوزنا له التملك وأثبتنا الخيار فللمشترى أن يمتنع من قبض الثمن واقباض المبيع حتى يراه ليكون على ثقة فيه (وقوله) حيث انه يشبه البيع إلى آخره توجيه لطرفي الخلاف في المسائل الثلاث والاظهر التحاقه بالشراء وكذلك يرد الشفيع باعيب ولو أفلس وكان المشترى سلم الشقص إليه راضيا بذمته يجوز له الاسترداد. قال (الطرف الثاني فيما يبذل من الثمن. وعلى الشفيع بذل مثل ما بذله المشترى إن كان مثليا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 447 أو قيمة (و) يوم العقد إن كان من ذوات القيم. فيبذل في المهور وما عليه الخلع قيمة (وم) البضع. وفي عوض الكتاب قيمة النجوم (وم) . وفي عوبض المتعة قيمة المتعة (وم) وفي الصلح عن الدم قيمة الدم (وم)) . المقصود الآن بيان ما يأخذ به الشفيع والمأخوذ أنواع (منها) المبيع فان بيع بمثلى كالنقدين والحبوب يأخذه بمثله ثم ان قد بمعيار الشرع أخذه به وان قد بغيره كما لو باع بمائة من من الحنطة فيأخذه بمثله وزنا أم يكال ذلك المبلغ ويأخذ به كيلا فيه اختلاف ذكرناه في القرض ولو كان المثل منقطعا وقت الاخذ عدل إلى القيمة كما في الغصب ولو بيع بمتقوم من عبد وثوب ونحوهما أخذه بقيمة ذلك المتقوم والاعتبار بقيمة يوم البيع لانه يوم إثبات العوض واستحقاق الشفعة وقال ابن سريج تعتبر قيمته يوم استقرار العقد بانقطاع الخيار وهذا ما أورده صاحب التهذيب وجماعة وعن مالك أن الاعتبار بقيمته يوم المحاكمة. لنا أن الثمن صار ملكا للبائع فلا تعتبر زيادته في حق المشترى ولو جعل الشقص رأس مال سلم أخذه الشفيع بمثل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 448 المسلم فيه ان مثليا أو بقيمته ان كان متقوما ولافرق بين ان يكون دين اتلاف أو دين معاملة (ومنها) الشقص الممهور يؤخذ بمهر مثل المرأة لان البضع متقوم وقيمته مهر المثل وكذا إذا خالعها على شقص والاعتبار بمهر مثلها يوم النكاح ويوم جريان البينونة هذا هو المشهور وفي التتمة عن بعض الاصحاب أنه خرج وجها أنه يأخذه بقيمته يوم القبض وأصله ان المرأة إذا وجدت الصداق عيبا وردته ترجع بقيمته على أحذ القولين وإذا كان المستحق عند الرد بالعيب بدل المسمي كذلك عند الاخذ بالشفعة وهذا مذهب مالك. ولو متع المطلقة بشقص أخذه الشفيع بمتعة مثلها لا بالمهر لان المتعة هي التي وجبت بالطلاق والشقص عوض عنها (ومنها) لو اخذ من المكاتب شقصا عوضا عن النجوم أخذه الشفيع بمثل النجوم أو قيمتها لان النجوم هي التي قابلته (ومنها) الشقص الذي جعل أجرة الدار يؤخذ بقيمة المنفعة وهى أجرة مثل الدار (ومنها) إذا صالح عليه عن الدم أخذه الشفيع بقيمة الدم وهى الدية ويقود منه الجريح ويذهب ملكه (ومنها) مالرب التمر لو استقرض شقصا أخذه الشفيع بمثل قيمته وان قلنا ان المسنقرض يرد المثل لان الفرض مبني على الارفاق والشفعة ملحقة بالاتلاف والمواضع المحتاجة إلى الرقوم من لفظ الكتاب لاتخفي بعد ما ذكرناه. قال (وان باع بألف إلى سنة. فان شاء عجل في الحال الالف واخذ. وان شاء نبه على الطلب (و) وأخر التسليم إلى مضى السنة. وروى حرملة قولا أنه يأخذ (ح) بثمن مؤجل عليه كما أخذه المشترى. وحكي ابن سريج أنه يأخذ بعوض يساوى الفا إلى سنة) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 449 إذا كان الثمن حالا بذله الشفيع في الحال فاما إذا باع بألف إلى سنة مثلا ففيه ثلاثة أقوال (أصحها) وبه قال أبو حنيفة ان الشفيع بالخيار بين أن يعجل الالف ويأخذ الشقص في الحال وبين أن يصبر إلى أن يحل الاجل فحينئذ يبذل الالف ويأخذ الشقص وليس له أن يأخذ بألف مؤجل لان الذهمم لا تتمثل فقد لا يرضي المشترى بذمة الشفيع وان رضى البائع بذمة المشترى ولا يمكن إلزامه لاخذ بألف حال لما فيه من الاجحاف (والثاني) أن له أخذ الشقص بألف مؤجل كما أخذه المشترى تنزيلا للشفيع منزلة المشترى كما ينزل منزلته في قدر الثمن وسائر صفاته (والثالث) أنه يأخذ بعرض يساوى الالف إلى سنة كيلا يتأخر الاخذ ولا يتضرر الشفيع ولا المشترى. ولنتكلم في حال هذه الاقوال وتفريعها (أما) حالها (فالاول) منصوص عليه في الجديد (والثاني) نسبه الامام وصاحب الكتاب إلى رواية حرملة وسكت الاكثرون عن ذلك ورووه عن القديم (وأما الثالث) فعامة الاصحاب ذكروا أن ابن سريج نقله عن الشافعي رضي الله عنه من كتاب الشروط والمفهوم من إيراده أنه نص عليه فيه وقال الشيخ أبو على ان ابن سريج خرجه من قول الشافعي من كتاب الشروط أنه يجوز بيع الدين فقال يقوم الدين المؤجل بعرض ويأخذه الشفيع به. (التفريع) فان قلنا بالجديد لم يبطل حقه بالتأخير لانه تأخير بعذر ولكن هل يجب عليه تنبيه المشترى علي الطلب فيه وجهان (أحدهما) لا إذ لا فائدة فيه (والثاني) نعم لانه ميسور إن كان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 450 الآخذ معسرا والى هذا أشار في الكتاب بقوله ان شأنية المشترى على الطلب لكن الاول أشبه بكلام الاصحاب. ولو مات المشترى وحل عليه الثمن لم يتعجل الاخذ على الشفيع بل علي خيرية إن شاء أخذ في الحال وان شاء صبر إلى مجئ ذلك المحل ولو مات الشفيع فالخيرة التي كانت له تثبت لورثته ولو باع المشتري الشقص في المدة نقدا فالشفيع بالخيار بين أن يأخذه بالثمن الثاني وبين أن يفسخه إما في الحال واما عند حلول الاجل ويأخذه بالثمن الاول هذا إذا قلنا ان الشفيع ينقض تصرف المشترى وهو الظاهر وفيه خلاف سيأتي (وان قلنا) بالقول الثاني ففي موضعه وجهان (أحدهما) أنه إنما يأخذ بثمن مؤجل إذا كان مليئا موثوقا به أو إذا أعطى كفيلا مليئا والا لم يأخذه لانه اضرار بالمشترى وبهذا قال مالك أحمد (والثاني) أن له الاخذ على الاطلاق ولا ينظر إلى صفته. ولو أخذه ثم مات حل عليه الاجل (وان قلنا) بالقول الثالث فتعيين العرض إلى الشفيع وتعديل القيمة إلى من يعرفها ذكره الامام قال فلو لم يتفق طلب الشفعة حتى حل الاجل وجب الا يطالب على هذا القول الا بالسلعة المعدلة لان الاعتبار في قيمة عوض المبيع بحال المبيع ألا ترى أنه إذا باع بمتقوم تعتبر قيمته يوم البيع وعلي القولين الآخرين لو أخر الشفيع بطل حقه. قال (ولو الشترى شقصا وسيفا بألف أخذ (م) الشقص بما يخصه من الثمن باعتبار قيمة يوم العقد. ثم لاخيار للمشترى فيما فرق عليه من الصفقة) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 451 إذا اشترى الشقص المشفوع مع عرض كثوب وسيف صفقة واحدة وزع الثمن عليهما باعتبار قيمتها وأخذ الشفيع الشقص بحصته من الثمن وبه قال أبو حنيفة وأحمد وعن مالك أنه يأخذهما جميعا لما ذكرنا في أول الكتاب ويروى عنه ان كان من مصالح الصفقة وتوابعها كالثيران وآلات الحرث والعبد العالم والبستان أخذه الشفيع مع الشقص وان كان غير ذلك لم يأخذه ثم النظر في قيمتها إلى يوم البيع لانه وقت المقابلة قال الامام وإذا قلنا ان الملك ينتقل بانقطاع الخيار فيجوز أن يعتبر انقطاع الخيار لان انتقال الملك الذي هو سبب الشفعة حينئذ يحصل وإذا أخذ الشفيع الشقص لم يثبت للمشترى الخيار وان تفرقت الصفقة على لدخوله فيها عالما بالحال قال (ولو تعيبت الدار باضطراب سقفها أخذ المعيب بكل الثمن كما يأخذ المشترى من البائع إذا عاب المبيع قبل القبض. وان تلف الجدار مع بعض العرصة بأن تعشاه السيل أخذ الباقي بحصته. وان بقي تمام العرصة واحترقت السقوف. فان قلنا انها كأطراف العبد أخذ (م) بالكل. وان قلنا كأحد العبدين أخذ بحصته. وان كان النقض باقيا فهو منقول ففي باقء الشفعة فيه قولان (و) لانه قارن الابتداء لم يتعلق به الشفعة. وان قلنا يبقي حق الشفيع فيه فيأخذ المنهدم مع النقض بكل الثمن. وان قلنا لا يبقي الحق فيه. فان قلنا الجدار كاحد العبدين أخذ الباقي بحصته. وان قلنا كأطراف العبد فقولان. إذ يبعد أن يفوز المشترى بشئ مجانا) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 452 الفصل يتعلق بأصلين (أحدهما) أن المنقول لاشفعة فيه وإذا ضم إلى شقص وبيعا صفقه واحدة أخذ الشقص باشفعة بحصته والعهد قريب بهذا الاصل (والثاني) أن الخلاف في أن السقف والجدران من الدار المبيعة كاحد العبدين المبيعين أو كطرف من أطراف العبد المبيع أو أو صفة من صفاته وهذا ذركناه في النظر الثالث من كتاب البيع. إذا عرف ذلك فإذا اشترى شقصا من دار ثم نقضت الدار فلها احوال (احدها) ان بيعت من غير تلف شئ منها ولا انفصال بعضها من بعض بان شق جدار أو ملات استطوانة أو انكسر جذع أو اضطرب سقف فالشفيع بالخيار بين الاخذ بكل الثمن وبين الترك ويكون تعيبه في يد المشترى كتعيب المبيع في يد البائع فانه يخير المشترى بين الاخذ بجميع الثمن وبين الفسخ (والثانية) أن بتلف بعضها فينظر ان تلف شئ من العرصة بأن غشيها السيل فغرقها أخذ الباقي بحصته من الثمن وان بقيت العرصة بتمامها وتلفت السقوف واجدران باحتراق وغيره (فان قلنا) ان الا بنية كأحد العبدين المبيعين أخذ العرصة بحصتها من الثمن وهو الاصح وبه قال أحمد ومالك (وان قلنا) انها كأطراف العبد وصفاته أخذها بكل الثمن وفرق بعضهم بين أن يكون التلف بآفة سماوية فيأخذها بجميع الثمن أو باتلاف متلف فيأخذها بالحصة لان المشترى يحصل له بدل التالف فلا يتضرر وبهذا قال أبو حنيفة (والثالث) أن لا يتلف شئ منها ولكن ينفصل بعضها عن بعض بالانهدام وسقوط الجدران فهل يأخذ الشفيع النقض فيه قولان ويقال وجهان (أحدهما) لا لانه منقول كما لو كان في الابتداء كذلك وأدخل النقض في البيع الجزء: 11 ¦ الصفحة: 453 لا يؤخذ بالشفعة (والثاني) نعم قال في الشامل وهو اختيار أبي إسحق وشيوخنا المتأخرين لان منقوليته عرضت بعد البيع وتعلق حق الشفيع به والاعتبار بحال جريان العقد ولهذا لو اشترى دارا فانهدمت يكون النقض والعرصة للمشترى وان كان النقض لايدخل في البيع لو جرى وهى منهدمة (فان قلنا) انه يأخذ النقض أخذه مع العرصة بجميع الثمن والا أعرض عن الكل (وان قلنا) انه لا يأخذه فينبني على أن السقوف والجدران كأحد العبدين المبيعين أو كطرف العبد (إن قلنا) بالاول أخذ العرصة وما بقي من البناء بحصتهما من الثمن (وان قلنا) بالثاني فوجهان (أحدهما) أنه يأخذ الحصة لان النقض كان من الدار المشتراة فيبعد أن يبقي للمشترى مجانا ويأخذ الشفيع ما سواه بتمام الثمن (والثاني) أن يأخذ الكل بالثمن كما في الحالة الاولى وعلى هذا يشبه النقض بالثمار والزوائد التي يفوز بها المشترى قبل قبض الشفيع ومنهم من يطلق قولين تفريعا على أن النقض غير مأخوذ من غير البناء على أن النقض كأحد العبدين أو كأطراف العبد ويوجه الاخذ بالكل لانه نقص حصل عند المشترى فأشبه تشقق الحائط والاخذ بالهبة بأن ملا يؤخذ من البيع بالشفعة تسقط حصته من الثمن كما إذا اشترى شقصا وسيفا. (واعلم) أن منقول المزني في المختصر أن الدار إذا أصابها هدم يأخذ الشفيع الشقص بجميع الثمن أو يترك وعن القديم ومواضع من الجديد أنه يأخذ بالحصة واختلف الاصحاب في النصين بحسب ما حكينا عنهم في فقه الفصل فالفارقون في الحالة الثانية بين أن يتلف بعض العرصة حيث يأخذ الباقي بالحصة وبين الجزء: 11 ¦ الصفحة: 454 أن يتلف بعض النقض أو كله وتبقي العرصة كلها حيث يأخذ الباقي بالكل جوابا على إلحاقه بأطراف العبد وحملوا النص الثاني على ما إذا تبف بعض العرصة والاول على ما إذا بقى كل العرصة وتلفت الابنية والفارقون بين أن يكون التلف بآفة سماوية أو باتلاف متلف حملوا الاول على ما إذا كان التلف بآفة سماوية والثاني على ما إذا كان باتلاف متلف والفريقان متفقان على فرض النصين في الحالة الثانية والذين قالوا في الحالة الثالثة لا يأخذ الشفيع النقض منهم من أثبت النصين المذكورين وقطع بالاخذ بالحصة وحمل منقول المزني على الحالة الاولى وهو مجرد التعيب والذين قالوا ياخذ النقض بالشفعة حملوا النص الثاني على ما إذا تلف كل النقض أو بعضه ونزلوا الاول على مذهبهم فخلصت من هذه التصرفات خمسة طرق في النصين والله أعلم. (وقوله) في الكتاب وفي بقاء الشفعة قولان يجوز إعلامه بالواو لان عن ان سريج طريقة جازمة ببقاء الشفعة فيه ذكرها في التتمة. قال (ولو اشترى الشقص بألف ثم حط بالابراء فانه ان كان بعد اللزوم فلا يلحق الشفيع. وان كان في مدة الخيار لحقه على الاصح (و) . وان وجد البائع بالعبد الذي هو عوض الشقص عيبا وأراد استرداد الشقص قبل أخذ الشفيع فهو أولى به من الشفيع في أقيس القولين. وان كان بعد أخذ الشفيع لم ينقض (و) ملك الشفيع. ولكن يرجع إلى قيمة الشقص. فان زاد على ما بدله الشفيع أو نقص ففي التراجع بين المشترى والشفيع خلاف إذا صارت القيمة ما قام الشقص بها على الجزء: 11 ¦ الصفحة: 455 المشترى أخيرا. وكذا لو رضى البائع بالعيب ففي استرداد الشفيع به قيمة السلامة من المشترى خلاف. وان وجد المشترى بالشقص عيبا بعد أخذ الشفيع لم يكن (و) له طلب أرش. فان رد الشفيع عليه رد هو علي البائع. فان وجد قبل أخذ الشفيع ومنعه عيب حادث من الرد فاسترد أرشا فهو محطوط عن الشفيع قولا واحدا) . الفصل ينظم مسائل (احداها) إذا اشترى الشقص بألف درهم ثم اتفق المتبايعان على حط من الثمن أو زيادة فذلك إما أن يكون قبل لزوم العقد أو بعده اما في زمن الخيار أو مكانه وحكم القسمين ما ذكرناه في البيع بالشرح وحاصله أنه لا تلتحق الزيادة ولا الحط بالعقد بعد لزومه ولا حط البعض ولا حط الكل وذهب أبو حنيفة إلى التحاق حط البعض به حتى يأخذ الشفيع بالباقي وفيما قبل اللزوم وجهان (أصحهما) الالتحاق كما ذره صاحب الكتاب ههنا وان أشار في البيع إلى ترجيح المنع (وإذا قلنا) بالالتحاق وحط كل الثمن فهو كما لو باع بلا ثمن وحينئذ فلا شفعة للشريك لانه يصير هبة على رأى ويبطل على رأى وكنا قد ذكرنا في البيع التفات الخلاف في الالتحاق إلى الخلاف في الملك في زمن الخيار وعلى ذلك جري الامام وآخرون ههنا فقالوا (ان قلنا) ان لخيار لايمنع ثبوت الملك للمشترى فكما يملك المشترى المبيع بملك البائع ثمنه فينفذ تصرفه بالابراء لمصادفته ملكه قال الامام وفيه احتمال لان الاصحاب ترددوا في أن اعتاق المشترى في زمن الخيار هل ينفذ مع الحكم بثبوت الملك له لتعلق خيار البائع بالمبيع فإذا ترددوا في الجزء: 11 ¦ الصفحة: 456 الاعتاق مع قوته لهذا المعني جاز أن يتردد في الابراء لان الثمن متعلق خيار المشترى (وإذا قلنا) ان الملك للبائع أو موقوف نفي صحة الحط وجهان عن القاضي حسين (أحدهما) الصحة لجريان الناس عليه في الاعصار الخالية (والثاني) المنع لانه تصرف فيما ليس مملوكا فيحث قلنا بصحة الحط ففي التحاقه بالعقد خلاف (والثانية) إذا اشترى الشقص بعبد مثلا وتقابضا ثم وجد البائع بالعبد عيبا وأراد رده بالعيب واسترداد الشقص وجاء الشفيع يريد أخذ الشقص ففي الاولى منهما خلاف مر وحكي الامام طريقة أخرى قاطعة بتقديم البائع وفرق بينه وبين ما إذا أراد المشترى رد الشقص بالعيب وزاحمه الشفيع حيث ذكرنا فيه القولين بأن البائع ينشئ الرد علي غير محل الشفعة والمشترى ينشئه في غير محل الشفعة ولو عرف عيب العبد بعد أخذ الشقص لم ينقض ملك الشفيع ولم يرد شفعته كما لو باع ثم اطلع على العيب وعن صاحب التقريب قول أنه يسترد المشترى الشقص من الشفيع ويرد عليه ما أخذه ويسلم الشقص إلى البائع لان الشفيع نازل منزله المشترى فرد البائع يتضمن نقض ملكه ولا يتضمن نقض ملك المشترى لو كان في ملكه والمذهب الاول (وإذا قلنا) به أخذ البائع قيمة الشقص من المشترى فان كانت مثل قيمة العبد فذاك وان زادت قيمة الشقص علي قيمة العبد أو نقصت عنها ففي رجوع من بذل الزيادة من المشترى أو الشفيع على صاحبه وجهان (أظهرهما) أنه لاتراجع بينهما لان الشفيع قد ملكه بالعوض المبذول فلا يتغير حكمه بعد ذلك كما إذا باعه ثم رد البائع العبد بالعيب (والثاني) ويحكي عن ابن سريج أنه يثبت التراجع بينهما الجزء: 11 ¦ الصفحة: 457 لان قيمة الشقص استمر الحال عليها وقرار الفسخ ينفي أن يأخذها بما قام على الشمترى ولو عاد الشقص إلى ملك المشترى بابتياع أو غيره لم يتمكن أو غيره لم يتمكن البائع من إجباره على رد الشقص ولا للمشترى من إجباره على القبول ورد القيمة بخلاف ما إذا غرم العبد المغصوب لا باقه فرجع لان ملك المغصوب منه لم يزل وملك المشترى قد زال وبعد الرد على القيمة حكى صاحب التتمة وجهين في المسألة بناء على الوجهين فيما لو خرج المبيع عن ملك المشترى وعاد ثم الطلع البائع على عيب بثمن مهين فرده هل يسترد المبيع ولو وجد البائع العيب بالعبد وقد حدث عنده عيب فاخذ الارش لامتناع الرد نظر إن أخذ الشفيع الشقض بقيمة العبد سليما فلا رجوع عليه وان أخذه بقيمته معيبا ففي رجوع المشترى علي الشفيع الوجهان السابقان في التراجع لكن الاصح ههنا الرجوع ومال ابن الصباغ إلى القطع به لان الشقص استقر عليه بالعبد والارش ووجوب الارش من مقتضي العقد لاقتضائه سلامة العوض ولهذا إذا أخذه الشفيع بقيمته سليما لم يرجع على المشترى بشئ ولو رضى البائع ولم يرده فما الذي يجب على الشفيع فيه وجهان (أحدهما) أن عليه قيمة العبد سليما ورضا البائع مسامحة منه مع المشترى (والثاني) أن تلزمه قيمته معيبا حتى لو بذل قيمة السليم استرد قيمة السلامة من الشمترى لان الذي يلزم الشفيع قيمة المجعول ثمنا بصفاته وضعف الامام الوجه الاول وغلط من قال به لكنه هو الذي أورده في التهذيب (الثالثة) للمشترى رد الشقص بالعيب على البائع وللشفيع رده على المشترى بالعيوب السابقة على البيع وكذا بالعيوب السابقة علي الاخذ ثم لو وجد المشترى العيب بعد أخذ الشفيع فلا رد في الحال وليس له الارش أيضا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 458 وكذا أطلقه في الكتاب وهو الصحيح ويجئ فيه الخلاف الذي ذركناه فيما إذا باعه أو أزال الملك بجهة أخرى فلو رد عليه الشفيع بالعيب رده حينئذ على البائع ولو وجد المشترى عيب الشقص قبل أن يأخذه الشفيع ومنعه عيب حادث من الرد فاسترد أرش العيب القديم حط ذلك عن الشفيع لانه بدل صفة السلامة التي استحقها الشفيع كما استحقها المشترى على البائع وان قدر على الرد لكنهما توافقا على الرجوع إلى الارش ففي صحة المصالحة وجهان مذكوران في موضعهما ان صححناها ففي حطه عن الشفيع وجهان (أحدهما) لا يحط لان ينزع من البائع (وأصححهما) الحط لتقرر الثمن لعى الباقي (وقوله) في الكتاب فهو أولى به في أقيس القولين يمكن أن يعلم بالواو للطريقة القاطعة بتقديم البائع (وقوله) لم ينقض ملك الشفيع معلم به وكذا قوله لم يكن له طلب أرش (وقوله) وهو محطوط عن الشفيع قولا واحدا كأن الاشارة به إلى هذه الصورة تفارق ما إذا رجع المشترى بالارش مع إمكان الرد فهي مختلف فيها. قال (ولو اشترى بكف من الدراهم لم يعرف وزنه وحلف على أنه لايعرف وزنه فلا شفعة (و) إذا الاخذ بالمجهول غير ممكن) . إذا اشترى بكف من الدراهم لايعرف وزنه أو بصبرة من الحنطة لا يعلم كيلها فيوزن وتكال ليأخذ الشفيع بذلك القدر فان كان ذلك غائبا فتبرع البائع باحضاره أو أخبر عنه واعتمد قوله فذك والا فليس للشفيع أن يكلفه الاحضار ولا الاخبار عنه وان هلك الثمن وتعذر الوقوف عليه تعذر أخذه بالشفعة فان أنكر الشفيع كون الشراء بما لا يعلم قدره نظر إن عين قدرا وقال اشتريته بكذا وقال المشترى انه لم يكن معلوم القدر الجزء: 11 ¦ الصفحة: 459 فعن ابن سريج أنه لا يقنع بذلك ولا يحلف على نفى العلم كما لو ادعى الفا على إنسان فقال في الجواب لست أدرى كم لك على فعلى هذا لو أصر على قوله الاول جعل ناكلا وردت اليمين على الشفيع والمحكى عن النص وأكثر الاصحاب أنه يقنع منه بذلك ويحلف عليه لانه محتمل ويخالف ما إذا ادعى عليه الفا فان المدعي ههنا هو الشقص لا الثمن المجهول وبتقدير صدق المشترى ليس له الاخذ بالشفعة فكان ذلك إنكارا لولاية الاخذ وعلى هذا الخلاف لو قال نسيت مقدار الثمن الذي اشتريت به فعلي رأى يجعل قوله نيست نكولا وترد اليمين على الشفيع قاله القاضي الروياني وبه قال ابن سريج وابن أبي هريرة والماوردي والقفال وهو الاختيار. وان لم يعين قدرا ولكن ادعي على المشترى أنه يعلمه وطالبه بالبيان ففيه وجهان (أصحهما) عند صاحب التهذيب أنه لا تسمع دعواه حتي يعين قدرا فيحلف المشترى حينئذ أنه لايعرف (والثاني) أنها تسمع ويحلف المشترى على ما يقوله فان نكل حلف الشفيع على علم المشترى وحبس المشترى حتى يبين قدره وحكى عن ابن سريج وغيره تفريعا على الاول أن طريق الشفيع أن يعين قدرا فان ساعده المشتري فذاك والا حلفه على نفيه فان نكل استدل الشفيع بنكوله وحلف علي ما عينه اتفاقا وان حلف المشترى زاد وادعي ثانيا وهكذا يفعل إلى أن ينكل المشترى فيستدل الشفيع بنكوله ويحلف وهذا لان اليمين قد تستند إلى التخمين ألا ترى أن له أن يحلف على خط أبيه إذا سكنت نفسه إليه (وقوله) في الكتاب وحلف أنه لايعرف وزنه غير محتاج إليه في التصوير فانه لو اقتصر على أن يقول ولو اشترى بكف من الدارهم لايعرف وزنه فلا شفعة كان صحيحا وانما الجزء: 11 ¦ الصفحة: 460 يحتاج إلى الحلف إذا فرض نزاع ثم الحلف على نفي العلم انما يكون إذا سمع منه نفي العلم في جواب دعوى الشفيع ويجئ فيه ما سبق من الخلاف. قال (ولو خرج ثمن المبيع مستحقا وهو معين تعين بطلان (ح) البيع والشفعة. وان خرج ثمن الشفيع مستحقا لزمه الابدال ولم يبطل ملكه ولا شفعته في أظهر الوجهين. وكذا إذا خرج زيوفا) . إذا ظهر الاستحقاق في ثمن الشقص المشفوع فاما أن يظهر في ثمن المبيع أو في ثمن الشفيع فان ظهر في ثمن البيع نظر ان كان معيبا بان بطلان البيع وإذا بطل البيع وإذا بطل ابيع سقطت الشفعة وعلى الشفيع رد الشقص إن كان قد أخذه. وعند أبي حنيفة لا يبطل البيع إذا كان الثمن نقدا بناء على أن النقود لاتتعين بالتعيين وان خرج بعضه مستحقا بطل البيع في ذلك القدر وفي الباقي قولا تفريق الصفقة فان فرقناه واختار المشترى الاجازة فللشفيع الاخذ فان اختار الفسخ وأراد الشفيع أخذه ففيه الخلاف المذكور فيما إذا أصدقها شقصا ثم طلقها قبل الدخول وان كان الثمن في الذمة أي ونقده المشترى ثم خرج المدفوع مستحقا فعليه الابدال والبيع والشفعة بحالهما وللبائع استرداد الشقص ليحبسه إلى أن يقتضي الثمن (فاما) إذا ظهر الاستحقاق في ثمن الشفيع فان كان جاهلا لم يبطل حقه وعليه الابدال ثم حكي الامام وجهين في أنا نتبين بم يملك باداء المستحق ويفتقر الآن إلى تملك جديد أو نقول إنه ملكه والثمن دينا عليه وان كان عالما فوجهان (أحدهما) ان شفعته تبطل لانه أخذ بما لا يجوز الاخذ به فكأنه ترك الشفعة مع القدرة عليها (والثاني) لا تبطل لانه لم يتصر في الطلب والاخذ والشفعة لا تستحق بمال معين الجزء: 11 ¦ الصفحة: 461 حتى تبطل باستحقاقه (والاول) هو المذكور في التهذيب (والثاني) ظاهر كلام المزني واختاره كثير من الاصحاب ومنهم صاحب الكتاب وهل من فرق بين أن يكون ثمن الشفيع معينا بأن يقول تملكت الشقص بهذه الدنانير أو غير معين بأن يقول تملكته بعشرة فمنهم من قال لا وقال الشيخ أبو حامد وآخرون نعم وموضع الوجهين ما إذا كان معيناه. وخروج الدنانير نحاسا كخروجها مستحقة. ولو خرج ثمن المبيع رديئا فللبائع الخيار بين أن يرضى به وبين أن يستبدل فان رضى به لم يلزم المشترى الرضا بمثله بل يأخذ من الشفيع ما اقتضاه العقد ذكره في التهذيب. ولو خرج ثمن الشفيع رديئا لم تبطل شفعته عالما كان أو جاهلا لان أداءه صحيح بدليل ما إذا رضى المشترى به فيه وجه أن خروجه معيبا كخروجه مستحقا (وقوله) في الكتاب لم يبطل ملكه ولا شفعته في أظهر الوجهين. أطلق الكلام في المسألة اطلاقا ولم يفرق بين أن يكون عالما أو جاهلا لاختياره الوجه الذاهب إلى أن حقه لا يبطل وان كان عالما والوجه الذى يقابله على هذا لايراد انه ان كان عالما بطل وان كان جاهلا فلا يبطل البطلان مطلقا فانه لا قائل به والخلاف في أن ملكه هل ببطلهما الوجهان اللذان نسبناهما إلى حكاية الامام في حالة الجهل ويطردان في حالة العلم إذا قلنا ان حقه لا يبطل لكنه حكم بأن الاظهر أن ملكه لا يبطل وهو خلاف المفهوممن كلام الجمهور سيما في حالة العلم (وقوله) وكذا لو خرج زيوفا ان كان المراد منه النحاس المخص فهو صحيح وان أراد الذي من ذل الجنس فالتسوية بينه وبين ما إذا خرج مستحقا خلاف ظاهر المذهب وقد أجاب في الوسيط بان خروج الثمن زيوفا لا يبطل الملك ولا الشفعة وهذا يقتضي ارادة المعني الثاني وحينئذ يختلف جوابه في الكتابين ويكون الصحيح ما في الوسيط. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 462 قال (ولو بني المشترى في الشقص الذي قاسمه وكيل الشريك في غيبته فإذا حضر فحقه في الشفعة باق له فانه كان شريكا ولم يسقط هو حق الشفعة وقد بقى له نوع اتصال وهو الجوار. ولكن لا يقلع (ح ز) بناء المشترى مجانا. بل يتخير بأن يبقى بأجرة أو يتملك بعوض أو ينقض بارش كالمعير سواء. إلا أنه يبقي زرعه ولا يطالبه (و) بالاجرة. والمعير له الاجرة لان المشترى زرع ملك نفسه فكأنه استوفي منفعته فهو كما لو زرع ملكه وباع) . إذا بني المشترى أو غرس أو زرع في الشقص المشفوع ثم علم الشفيع فله الاخذ بالشفعة وقلع بنائه وغراسه وزرعه مجانا لا بحق الشفعة ولكن لانه شريك وأحد الشريكين إذا انفرد بهذه التصرفات في الارض المشتركة كان للآخر أن يقلع مجانا وان بني وغرس المشترى في نصيبه بعد القسمة والتمييز ثم على الشفيع لم يكن له قلعه مجانا وبه قال مالك وأحمد خلافا لابي حنيفة. لنا أنه بني في ملكه الذي ينفذ تصرفه فيه فلا يقلع مجانا وتعلق حق الشفعة به لا يمكن من القلع مجانا لتعلق حق الرجوع بالارض المرهونة (واعلم) أن في تصوير المسألة إشكالين (أحدهما) قال المزني المقاسمة تتضمن الرضا من الشفيع وإذا رضى الشفيع بمالكية المشترى بطلت الشفعة فكيف يفرض ثبوت الشفعة مع جريان القسمة (والثاني) أن القسمة تقطع الشركة وترد العلقة بينهما إلى الجوار وحينئذ وجب أن لا تبقي الشفعة لاندفاع الضرر الذي كنا نثبت الشفعة لدفعه كمالا تثبت ابتداء للجار وأجاب الاصحاب عن الاول بصور الجزء: 11 ¦ الصفحة: 463 واضحة القسمة مع بقاء الشفعة في صور (منها) أن يخبر بأن البيع جري بألف فيعفو أو يقاسم أرباب الشقص أو انتقل إليه بالهبة فيقاسم ويبني ثم يتبين أن البيع كان بما دون الالف وأن الانتقال كان بالعوض فتصح القسمة وتثبت الشفعة (ومنها) أن يقاسم الشفيع المشترى على ظن أنه وكيل إما لاخباره عنه أو لسبب آخر (ومنها) أن يكون للشفيع وكيل بالقسمة مع شركائه والشمترين منهم فيقاسم الوكيل المشترى والشفيع غير عالم (ومنها) أن يكون له وكيل بالقسمة وفي أخذ الاشقاص بالشفعة فيرى في شقص الحظ في الترك فيتركه فيقاسمه ثم يقدم الشفيع ويظهر له بأن الحظ في الاخذ وكذلك ولى اليتيم (ومنها) أن يكون الشفيع غائبا فيطالب المشترى الحاكم بالقسمة وللامام في إجابة القاضي إياه وقفة إذا علم ثبوت الشفعة والمشهور الاجابة (وأما الثاني) فاجيب عنه بأن الجوار وان لم يكن يكتفي به في الابتداء إلا أنه اكتفي به في الدوام عند حصول الشركة في الابتداء ولم يخرج على الخلاف في بطلان الشفعة فيما إذا باع نصيبه جاهلا بالشفعة لان الجوار على حال ضرب اتصال قد يؤدى إلى التأذى بضيق المرافق وسوء الجوار ولذلك اختلف العلماء في ثبوت الشفعة (وقوله) في الكتاب في الشقص الذي قاسمه وكيل الشريك إشارة إلى حل الاشكال الاول وبيان بعض طرق صحة القسمة مع بقاء الشفعة (وقوله) فانه كان شريكا إلى آخره إشارة إلى حل الثاني. إذا تقرر ذلك فان اختار المشترى قلع البناء أو الغراس فله ذلك ولا يكلف تسوية الارض لانه كان متصرفا في ملكه فان حدث في الارض نقص فالشفيع إما أن يأخذه على صفته واما أن يترك فان لم يختر المشترى القلع فللشفيع الخيار بين إبقاء ملكه في الارض بأجرة وبين الجزء: 11 ¦ الصفحة: 464 تملكه بقيمته يوم الاخذ وبين أن ينقضه ويغرم أرش النقص على الوجه الذى تقرر في المعير إذا رجع وقد بني المستعير في الارض أو غرس بلا فرق ولو كان قد زرع فينبقي زرعه االى ان يدرك فيحصد وقياس التسوية في فصل البناء وما نحن فيه وبين العارية أن يجئ الخلاف المذكور هناك في زرع الارض المستعارة (والظاهر) في الموضعين أنه يبقي الزرع وهل للشفيع أن يطالبه بالاجرة عن صاحب التقريب أن له المطالبة كما أن المعير يبقي بالاجرة على الظاهر (والمشهور) أنه لا مطالبة للشفيع بالاجرة بخلاف المعير فان المستعير زرع أرض المعير والمشترى زرع ملك نفسه واستوفي منفعته بالزراعة وهذا كما لو باع أرضا مزروعة لا يطالبه المشترى بالاجرة لمدة بقاء الزرع (وقوله) في الكتاب ولكن لا يقلع بناء المشترى مجانا معلم بالحاء لما مر وبالزاى لان المزني يوافقه (وقوله) إن يبقي زرعه هذا الاستثناء يتعلق بالتسوية بين السفيع والمعير كأنه قال والشفيع كالمعير إلا أنه يبقي زرع المشترى بلا أجرة والمعير يبقي بالاجرة (واعلم) أن في الصور الثلاث منها صورة بيع الارض المزروعة وصورة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 465 العارية وما نحن فيه وجهين في وجوب الاجرة وقد ذكرنا الخلاف في الصورتين في موضعها لكن الظاهر من الخلاف في صورة العارية وجوب الاجرة وفي الصورتين الآخيرتين المنع للمعني الذي يجمعهما وهو أنه استوفي منفعة ملكه هذا ما ذكره عامة الاصحاب وصاحب الكتاب ناقض في مسألة بيع الارض المزروعة والذي ذكره ههنا جواب على أنه لا تجب الاجرة وذكر في اللفظ الاول من القسم الثالث من النظر الرابع من كتاب البيع أن الاظهر وجوبها. (فرع) ذكرنا أنه إذا زرع لزم الشفيع إبقاء الزرع وحينئذ يجوز له تأخير الشفعة إلى الادراك والحصاد لانه لا ينتفع به قبل ذلك ويخرج الثمن من يده قال الامام ويحتمل أنه لا يجوز له التأخير وان تأخرت المنفعة كما لو بيعت الارض في الشتاء لا يؤخر الشفعة إلى أوان الانتفاع ولو كان في الشقص أشجار عليها ثمار لا تستحق بالشفعة ففي جواز التأخير إلى القطاف وجهان والفرق أن الثمار لا تمنع من الانتفاع بالمأخوذ بخلاف الزرع. قال (ولو تصرف المشترى بوقف أو هبة نقض (و) . وان كان ببيع فالشفيع بالخيار بين أن يأخذه بالبيع الاول فينقضه (و) . أو بالثاني) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 466 تصرفات المشترى في الشقص من البيع والوقف وغيرهما صحيحة لانها واقعة في ملكه وثبوت حق التملك للشفيع لايمنع المشترى من التصرف كما ان حق التملك للواهب بالرجوع لايمنع تصرف المتهب وكما أن حق التملك للزوج بالطلاق لايمنع تصرف الزوجة وفي التتمة وجه غريب عن ابن سريج أنها باطلة لان الشفيع حقا لاسبيل إلى إبطاله فاشبه حق المرتهن (وإذا قنا) بالشفعة فظاهر المذهب وهو المذكور في الكتاب ونصه في القديم أنه ينظر إن كان التصرف مما لا تثبت فيه الشفعة كالوقف والهبة فللشفيع نقضه وأخذ الشقص بالشفعة وان كان مما تثبت فيه الشفعة كالبيع ولا صداق فهو بالخيار بين أن ينقض تصرفه ويأخذ به الشقص بالبيع الاول فربما يكون الثمن فيه أقل أو من جنس هو عليه أيسرو بين أن لا ينقض تصرفه به ويأخذ وعن أبي إسحق المروزي أنه لس تصرف المشترى بأقل من بنائه فكما لا ينقض الجزء: 11 ¦ الصفحة: 467 الشفيع بناءه لا ينبغي أن ينقض تصرفه واختلفوا في موضع هذا الوجه منهم من خصصه بما ثبتت فيه الشفعة من التصرفات (أما) مالا تثبت فيه فله نقضه لتعذر الاخذ به ومنهم من عمم وقال تصرفات المشترى تبطل حق الشفيع كما يبطل تصرف المشترى المفلس في حق الفسخ للبائع وتصرف المرأة حق الرجوع إلى العين إذا طلق قبل الدخول وتصرف المتهب رجوع الواهب نعم لو كان التصرف بيعا أو غيره مما تثبت فيه الشفعة تجدد حق الشفعة بذلك وعن رواية الشيخ أبي على بن أبي اسحق أنها لاتتجدد أيضا لان تصرف المشترى إذا كان مبطلا للشفعة لا يكون مثبتا لها كما إذا تحرم بالصلاة ثم شك فجدد نية وتكبيرا لا تنعقد بها الصلاة لانه يحصل بها الحل فلا يحصل العقد ووجه ظاهر المذهب وهو أن للشفيع نقض تصرف المشترى لان حقه ثابت بأصل العقد فلا يتمكن المشترى من ابطاله ولا يشبه تصرف المفلس وتصرف المرأة في الصداق فان حق البائع والزوج لا يبطل بالكلية بل ينتقل إلى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 468 الثمن أو القيمة والواهب رضى بسقوط حقه حيث سلمه إليه وسلطه عليه وههنا يبطل حق الشفيع بالكلية ولم يوجد منه رضى ولا تسليم قال الشيخ أبو علي ويجوز أن ينبغي الوجهان على القولين فيما إذا عتقت الامة تحت عمد وطلقها قبل أن تختار الفسخ هل ينفذ الطلاق ووجه الشبه أن الطلاق يبطل حقها في الفسخ ولم تسلط عليه كما ذكرنا وحكي القاضي أبو الطيب عن القاضي الماسرخسى أنه لا ينقض تصرف الوقف وينقض ما عداه. قال (ولو تنازع المشترى والشفيع في العفو فالقول قول الشفيع. أو في قدر الثمن فالقول قول المشترى. أو في كون الشفيع شريكا فالقول قول المشترى يحلف أنه لايعرف له شريكا. فان أنكر المشترى الشراء فان كان للشفيع بينة أخذ الشقص وترك الثمن في يده على رأى (و) إلى أن يقر. أو يحفظه القاضي في وجه. أو يجبر المشترى على قبوله في وجه. وان لم يكن له بينة فان أقر البائع الجزء: 11 ¦ الصفحة: 469 بالبيع دون قبض الثمن سلم الثمن إليه وأخذ (و) بالشفعة فالحق لا يعدوهما. وان قال قبضت الثمن فيقرر الثمن في يده أو يحفظه القاضي. وقال لاشفعة ههنا لتعذر الاخذ بلا ثمن) . غرض الفصل في الاختلاف وفيه مسائل (إحداها) إذا اختلف المشترى والشفيع فقال المشترى للشفيع عفوت عن الشفعة أو قصرت وسقط حقك وأنكر الشفيع فالقول قوله لان الاصل بقاء حقه (الثانية) قال المشترى اشتريت بألف وقال الشفيع بل بخمسائة فالقول قول المشترى لانه أعلم بالعقد الذي باشره من الشفيع ولان الاصل بقاء ملكه حتى ينتزع فيما يقر باستحقاق الانتزاع منه وكذلك لو كان الثمن عرضا وتلف واختلفا في قيمته فان نكل المشترى حلف الشفيع وأخذ بما حلف عليه وهذا إذا لم تكن بينة فان كان لاحدهما بينة قضى بها ولا تقبل شهادة البائع للمشترى لانه يشهد لحق نفسه وفعل نفسه وفيه وجه أنها تقبل لانه لايجر إلى نفسه نفعا بشهادته والثمن ثابت له باقرار المشترى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 470 ولو شهد للشفيع فيخرج من كلام النقلة ثلاثة أوجه (أحدها) المنع لانه شهد على نفسه حيث يقول بعت بكذا وهذا ما أجاب به العراقيون (والثاني) القبول لانه ينقض حقه وهذا أصح عند صاحب التهذيب (والثالث) أنه ان شهد قبل قبض الثمن قبلت شهادته لانه ينقض حقه إذ لا يأخذ أكثر مما شهد به وان شهد بعده لم تقبل لانه يجر إلى نفسه نفعا من حيث إنه إذا قبل الثمن قبل ما يغرمه عند ظهور الاستحقاق وان أقام كل واحد منهما بينة على ما يقوله فعن الشيخ أبي حامد أن بينة المشترى أولى كما أن بينة الداخل أولى من بينة الخارج (والاصح) ويحكى عن القاضي أبي حامد أنهما يتعارضان لان النزاع ههنا فيما وقع عليه العقد ولا دلالة لليد عليه وعلى هذا فالاستعمال ههنا اما ان قلنا بالنساقط فكما لو لم تكن بينة وان استعملناها ههنا اما بالقرعة واما بالتوقف ولو اختلف البائع والمشترى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 471 في قدر الثمن فان ثبت قول المشترى فذاك وان ثبت قول البائع بالبينة أو باليمين المردودة فعلى المشترى ما ادعاه البائع والشفيع بأخذ بما ادعاه المشترى لاعترافه بأن البيع جرى بذلك والبائع ظالم بالزيادة فتقبل شهادة الشفيع للبائع ولا تقبل للمشترى لانه متهم في تقليل الثمن وان لم تكن بينة وتحالفا وفسخ البيع بينهما أو انفسخ فان جرى ذلك بعد ما أخذ الشفيع الشقص أقر في يده وعلى المشترى قيمة الشقص للبائع وان جرى قبل الاخذ ففي سقوط حقه الخلاف المذكور فيما إذا خرج معيبا (فان قلنا) لا تسقط أخذه بما حلف عليه البائع لانه اعترف باستحقاق الشفيع الاخذ بذلك الثمن فلا يبطل حقه ببطلان حق المشترى بالتحالف بل يأخذه منه وتكون عهدته عليه وتكلموا في أنه لو لم يتحالف المشترى والشفيع تحالف البائع والمشترى وفرقوا بينهما من ثلاثة أوجه (أحدها) أن كل واحد من البائع والمشترى يدعى ويدعى عليه شئ فحلف كل واحد منهما من حيث هو مدعى وليس كذلك الشفيع والمشترى بل الشفيع مدع محض والمشترى مدعى عليه محض فاختص بالتحليف (والثاني) أن البائع والمشترى كلاهما الجزء: 11 ¦ الصفحة: 472 مباشر للعقد والاحتمال في قولهم على لسواء وههنا الشفيع أجنبي عن العقد فكان تصديق المباشر أولى (والثالث) قال أبو إسحق كل واحد من البائع والمشترى يرجع إلى شئ بعد التحالف هذا إلى المبيع وذاك إلى الثمن (وأما) الشفيع والمشتري لو تحالفا لم يرجع الشفيع إلى شئ فلا فائدة في تحليفه (الثالثة) لو أنكر المشترى كون الطالب شريكا فالقول قوله مع يمينه وانما يحلف على نفى العلم بشركته لاعلى نفى شركته فان نكل حلف الطالب علي البت وأخذ بالشفعة وكذلك الحكم لو انكر تقدم ملك الطالب علي ملكه (الرابعة) إذا كانا شريكين في عقار فغاب أحدهما ورأينا نصيبه في يد ثالث فادعي الحاضر عليه أنك اشتريته ولى فيه حق الشفعة فلا يخلو إما أن يكون للمدعى بينة على دعواه أو لا يكون (القسم الاول) أن تكون له بينة فيقضي بها ويأخذه بالشفعة ثم إن اعترف المدعى عليه سلم الثمن إليه والا فيترك في يد المدعي إلى أن يقر المدعي عليه أو يأخذه عنه القاضي ويحفظه أو يجبر علي قبوله أو الابراء فيه ثلاثة أوجه مذكورة في باب الاقرار وغيره ولو أقام المدعي ببينة وجاء المدعي عليه بينة على أنه ورثه أو التهبه فالبينتان متعارضتان وان جاء ببينة على أن ذلك الغائب أو دعه إياه أو أعاره فان لم يكن للبينتين تاريخ للايداع فلا منافاة فيقضي بالشفعة لانه ربما أودعه ثم باعه وان سبق تاريخ البيع فلا منافاة أيضا لاحتمال أن البائع غصبه بعد البيع ثم رده بلفظ الايداع فاعتمده الشهود قال الشيخ أبوحام ولاحتمال أنه تعذر على المشترى تسليم الثمن فقال له البائع أودعتك ما في يدى من هذا العقار إلى أن تسلم الثمن نعم لو انقطع الاحتمال بأن كان تاريخ الايداع لاحقا وذكر الشهود أنه أودعه وهو ملكه فههنا يراجع الشريك القديم فان قال إنه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 473 وديعة سقط دعوى الشراء وان قال لاحق لي فيه قضي بالشفعة (والقسم الثاني) أن لا يكون له بينة قللمدعي عله في الجواب أحوال (أحدها) أن يقر بأنه كان لذلك الغائب فاشتراه منه كما ادعي المدعي فهل للمدعي أخذه فيه وجهان عن ابن سريج (أحدهما) لا لانه اعترف بسق ملك الغائب ثم ادعي انتقاله إليه فلا يقبل قوله في الانتقال فعلى هذا يوفق الامر حتى يكاتب ويبحث هل هو مقر بالبيع (والثاني) وهو الاظهر نعم لتقارهما علي البيع ويكتب القاضي في السجل أنه أثبت الشفعة باقرارهما فإذا قدم الغائب فهو على حجة الثانية) أن ينكر أصل الشراء فالقول قوله مع يمينه ثم ينظران اقتصر في الجواب على أنه لا يستحق أخذه بالشفعة أو أنه لا يلزمه تسليمه إليه حلف كذل ولم يلزمه التعرض لنفى الشراء وان قال في الجواب لم اشتره بل ورثته أو اتهبته فيحلف كذلك أم يكفيه الحلف على أنه لا يستحق الشفعة فيه وجهان كما ذكرنا في دعوى عيب المبيع. وان نكل المدعي عليه حلف الطالب واستحق الشقص وفي الثمن ما تقدم من الوجوه. هذا إذا أنكر المشتري والشريك القديم غير معترف بالبيع فان كان معترفا والشقص في يده نظر ان لم يعترف بقبض الثمن ففى الشفعة وجهان (أصحهما) ثبوتها وبه قال أبو حنيفة وأحمد والمزني لان إقراره يتضمن إثبات حق المشترى وحق الشفيع فلا يبطل حق الشفيع بانكار المشترى (والثاني) وبه قال مالك انه لانثبت لان الشفيع يتملك علي المشترى وهو منكر فلا يثبت ما يتفرع عليه ويروى هذا عن ابن سريج (فان قلنا) بالثبوت فالى من يسلم الثمن فيه وجهان (أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب إلى البائع وتكوه عهدته عليه لانه يتلقى الملك منه فكان الشفيع في هذه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 474 الصورة هو المشترى (والثاني) أنه ينصب القاضي أمينا يقبض الثمن من الشفيع للمشترى ويدفعه إلى البائع ويقبض الشقص من البائع للمشترى ويدفعه إلى الشفيع وهذا يستمد من أحد الوجهين في أن الاخذ بالشفعة هل يتوقف على قبض المشترى الشقص وإذا أخذ البائع ثمن الشفيع فهل له مخاصمة المشترى ومطالبته بالثمن فيه وجهان لانه قد يكون ماله أبعد عن الشبهة والرجوع بالدرك عليه أسهل (إن قلنا) نعم وحلف المشتري فلا شئ عليه وإن نكل حلف البائع وأخذ الثمن من المشترى وكانت عهدته عليه وما أخذه من الشفيع بترك في يده أم يؤخذ ويوقف فيه وجهان هكذا أورده صاحب التهذيب وفي الشامل أن الوجهين في أنه هل يطالب المشترى فيما إذا لم يرض بأخذ الثمن من الشفيع فان رضى فليقنع بما أخذ وهذا أحسن. وان اعترف مع البيع بقبض الثمن (فان قلنا) لاشفعة فيما إنه لم يعترف بالقبض فههنا أولى وان أثبتنا الشفعة هناك ففي هذه الصورة وجهان (أظهرهما) الثبوت ثم الثمن يترك في يد الشفيع أو يأخذه القاضي ويحفظه أو يجبر المشترى على قبوله أو لابراء منه فيه الاوجه السابقة (والثاني) ويحكى عن أبي إسحق وابن أبي هريرة أنها لا تثبت لان الشفيع لا يأخذ إلا بالثمن ولا يمكن صرف الثمن ههنا إلى المشترى ولا إلى البائع (الثالثة) أن يقول في الجواب اشتريته لفلان ولا خصومة لك معي فينظر في المضاف إليه أهو حاضرم أم غائب بالغ أو صبي ويكون الحكم فيه ما سيأتي في الدعاوى. وقوله في الكتاب سلم إليه الثمن وأخذ كلاهما معلم بالواو لما ذكرنا من الخلاف في الاخذ بالشفعة وفيمن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 475 يسلم إليه الثمن على تقدير الاخذ (وقوله) فيقرر الثمن في يده أو يحفظه القاضي إشارة إلى الخلاف الذي ذكره مرة وترك الوجه الثالث اكتفاء بما سبق في نظير المسألة والله أعلم. قال (الطرف الثالث في تزاحم الشركاء. فان توافقوا في الطلب وتساوت حصصهم وزع عليهم بالسوية. وان تفات حصصهم فقولان في أنه بوزع على قدر الحصص. (ح و) أو على عدد الرؤس والجديد على أنه على قدر الحصص. ولو باع أحد الشريكين نصيبه من شخصين في صفقتين متعاقبتين فالمشترى الاول هل يشارك الشريك القديم في أخذ مضمون الصفقة الثانية وملكه في نفسه معرض للنقض ثلاثة أوجه يفرق في الثالث بين أن يأخذ القديم نصيبه فلا يساهمه (ح) أو يعفو عن صفقته فيستقر شركته فيساهم فيه) . الكلام في هذا الطرف ينحصر في ثلاثة أمور (الاول) أن يتفق الشركاء على الطلب (والثاني) أن يطلب بعضهم ويعفو بعضهم (والثالث) أن يحضر بعضهم ويغيب بعضهم وسبيل ضبطها إما أن يكون كلهم حضور أو لا يكون كذلك ان كان الاول فاما أن يتفقوا على الطلب وهو الامر الاول أو على الترك وشأنه هين أو يطلب بعضهم ويترك البعض وهو الثاني وان كان الثاني فاما إن كانوا غائبين جميعا وهو متروك لوضوحه أو كان بعضهم غائبا والبعض حاضرا وهو الثالث (أما) الاول فتقدم عليه أن تعدد المستحقين للشفعة قد يكون ابتداء بأن كانت الدار مشتركة بين جماعة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 476 فباع أحدهم نصيبه فتثبت الشفعة للباقين وقد يحصل في الدوام بأن يكون الاستحقاق لواحد فمات تثبت الشفعة لورثته وعند أبي حينفة وأحمد حق الشفعة لا يورث. لنا قوله صلى الله عليه وسلم (من ترك حقا فهو لورثته) وانه حق لازم مالى فأشبه الرد بالعيب. إذا تقرر ذلك ففي الفصل مسألتان (إحداهما) أن المستحقين للشفعة إن تساوت حصصهم كدار بين ثلاثة فيأخذون الشقص بالسوية وان تفاوتت حصصهم كما إذا كان لاخذ الثلاثه نصفها وللثاني ثلثها وللثالث سدسها فباع صاحب النصف نصيبه فقولان (أصحهما) وبه قال مالك أن الشفعة على قدر الحصص فيقسم النصف بينهما أثلاثا لان الشفعة من مرافق الملك فيقدر الملك ككسب العبد المشترك والنتاج والثمار (والثاني) وبه قال أبو حنيفة واختاره المزني أنها على عدد الرؤس فيقسم النصف بينهما بالسوية لان سبب الشفعة أصل الشركة فاشبه أجرة الصكاك وعن أحمد روايتان كالقولين واحتج المزني للقول الثاني بثلاث مسائل (احداها) أنه إذا اشترك ثلاثة في عبد على التفاوت فأعتق اثنان نصيبهما وهما موسران يغرمان نصيب الثالث بالسوية (والثانية) لو مات مالك الدار عن أثنين ثم مات أحدهما وله اثنان ثم باع أحد الاثنين نصيبه سوى الشافعي بين الاخ والعم في الشفعة مع تفاوت حصصهم (والثالثة) قال الشافعي فيما إذا مات الجزء: 11 ¦ الصفحة: 477 الشفيع قبل أن يأخذ فلورثته أن يأخذوا ما كان يأخذه أبوهم بينهم على العدد امرأته وابنه في ذلك سواء (والجواب) (أما) مسألة العتق فمن الاصحاب من لم يسلمها وجعلها على القولين ومنهم من سلم وفرق بأن ذلك ضمان إتلاف والنظر فيه إلى المتلفين لا إلى حال الاتلاف وهذا فائدة من فوائد الملك فيتقدر بقدره (وأما) المسألتان الاخيرتان فهما من باب الشفعة فنشرحهما ثم نذكر اعتذرا من نصر القول الاول (أما) الاولى فللشافعي فيها قولان (القديم) وبه قال مالك أن الاخ يختص بالشفعة لان ملكه أقرب إلى ملك الاخ لانهما ملكا بسبب واحد ولهذا لو ظهر دين على أبيها يباع فيه ملكهما دون ملك العم وإذا كان أقرب ملكا كان أحق بالشفعة كالشريك مع الجار (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة وأحمد والمزني أنهما يشتركان في الشفعة لاشتراكهما في الملك والنظر في الشفعة إلى ملك الشريك لا إلى سبب ملكه لان الضرر المحوج إلى إثبات الشفعة لا يختلف فعلى هذا يوزع على الاخ والعم بالسوية أم على قدر الحصص فيه القولان وقال الامام قضية المذهب القطع بالتوزيع عليهما على قدر الحصص لان القول باستحقاقهما هو الجديد ولا تردد على الجديد في أن الشفعة على قدر الحصص والتوزيع على الرؤس هو القول القديم وفي القديم لاشفعة للعم في المسألة وفي هذا الذي ذكره نزاع سنورده من بعد (وإذا قلنا) باختصاص الاخ بالشفعة فلو أنه عفا هل تثبت للعم فيه وجهان عن ابن سريج (أحدهما) لا لانه لو كان مستحقا لنقدم غيره عليه (والثانى) نعم لانه شريك وانما يقدم الاخ عليه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 478 لزيادة قربه فإذا سقط حقه استحق العم كما أن المرتهن يتقدم على سائر الغرماء في المرهون ثم إذا سقط حقه تمسك به الباقون وهذا الخلاف راجع إلى أن العم على القول القديم ساقط عن الاستحقاق أو مزحوم بالاخ والقولان في مسألة الاخ والعم جاريان في كل صورة ملك شريكان بسبب واحد وغيرهما من الشركاء بسبب آخر فباع أحد المالكين بالسبب الواحد نصيبه ففي قول الشفعة لصاحبه خاصة وفي قول للكل مثاله كان بين اثنين دار فباع أحدهما نصيبه من رجلين أو وهبه ثم باع أحدهما نصيبه أو مات مالك الدار عن ابنين وأختين فباعت احدى الاختين نصيبها ففي من له الشفعة وجهان عن ابن سريج (أحدهما) أنه على القولين ففي قول هي للاخت الاخرى وفي قول لهن جميعا (وأظهرهما) القطع باستحقاقهن جميعا لان سبب ملكهن واحد وانما الاختلاف في مقادير الملك (وأما) الثانية فإذا مات الشفيع عن ابن وزوجة ورثا حق الشفعة كما تقدم وفي كيفيته ثلاثة طرق (أحدها) أن في كون الشفعة بينهما على الرؤس أو على قدر المواريث القولين (أظهرهما) وبه قال صاحب الافصاح والشيخ أبو حامد القطع بأنهما يأخذان على قدر الميراث والطريقان مبنيان على خلاف الاصحاب في أن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 479 ورثة الشفيع يأخذون لانفسهم أو للموروث ثم يتلقون منه (فان قلنا) يأخذون لانفسهم عاد القولان في المسألة (وان قلنا) يأخذون للميت قطعنا بانهما يأخذان على قدر الميراث والثاني يوجه بأنهم لو أخذوا لانفسهم لاخذوا بالملك وانما يحصل ملكهم بالارث وهو متأخر عن الشراء والملك المتأخر لا يفيد ولازلة الشفعة (والطريق الثالث) القطع بالتسوية لان الموروث من الشفيع حق تملك الشقص لا الشقص ومجرد الحق قد يسوى فيه بين الورثة كحد القذف هكذا حكاه ووجهه الشيخ أبو الفرج السرخسى. إذا عرفت المسالتين فمن نصر قول التوزيع على الحصص قال في المسألة الاولى (ان قلنا) بطريق القولين فلا فرق ولا احتجاج وعلى ما ذكره الامام الحكم في المسألة غير ما احتج به جزما فلا يصح الاحتجاج به أصلا ولكن الذى ذكره مبني على أن الجديد هو التوزيع على الحصص والاكثرون عكسوا ذلك وقالوا القولان معا منصوصان في الام والقديم منهما هو التوزيع على الحصص ولذلك اعترضوا على ابن القاص ومن اثبت قول التوزيع في المسألة تفريعا على ثبوت الشفعة للاخ والعم جميعا بان الشفعة انما ثبتت لهما في الجديد التوزيع على عدد الرؤس فلا يجئ فيهما الا قولان التخصيص الجزء: 11 ¦ الصفحة: 480 بالاخ والتسوية بينهما ذكر هذا الاعتراض القفال في كثير من الائمة (وأما) المسألة الثانية فمن قال فيها بالقولين قال الذي ذكرناه أحد القولين وسقط الآخر ومن قطع فيهما بالتفاوت اختلفوا فمنهم من لم يثبت ما نقله المزني ومنهم من حمله على التسوية في أصل الاستحقاق دون المقدار المستحق (وقوله) في في الكتاب والجديد انه على قدر الحصص معلم بالحاء والزاي وجعل هذا القول جديدا اتباعا لما ذكره الامام وفيه ما ذكرنا عن الاولين وكأنهم لما رأوا القولين منصوصين في الجديد وأحدهما وهو التوزيع على الحصص منصوصا في القديم رأوا اسم الجديد مما يقابل القديم أحق فخصصوه به (المسألة الثانية) دار بين اثنين مناصفة باع أحدهما نصف نصيبه من انسان ثم باع النصف الثاني من آخر فالشفعة في النصف الاول تختص بالشريك القديم ولا يخلوا الحال اما أن يعفو عنه أو يأخذه ان عفا فهل يشاركه المشترى الاول في النصف الثاني فيه وجهان (أحدهما) لا لان الشريك القديم مسلط على ملكه فيكف يزاحمه به (وأصحهما) نعم لان ملكه قد سبق الصفقة الثانية واستقر بعفو الشريك القديم فيستحق به وقطع قاطعون بهذا الوجه وإذا قلنا به فيأخذان بالسوية أم بحسب الحصتين فيه القولان السابقان. وان أخذ الشريك الجزء: 11 ¦ الصفحة: 481 القديم النصف الاول ففي مشاركة الاول إياه في النصف الثاني وجهان أيضا قربوهما من الخلاف فيما إذا باع الشفيع ملكه وهو جاهل بالشفعة هل يبقى له الحق لانه زال ملكه ههنا بالقهر كما زال هناك بالجهل (والاصح) أنه لا يشاركه وقطع به بعضهم وإذا اختصرت قلت في المسألة ثلاثة أوجه كما ذكر في الكتاب (أحدها) أن الشريك القديم والمشترى الاول يتساويان في النصف الثاني بكل حال (والثاني) يختص به الشريك القديم بكل حال (والثالث) يفرق بين أن يعفو عن النصف الاول أو لا يعفو وهو الظاهر والمحكي عن أبي حنيفة في المسألة يوافق الوجه الاول. قال (وان عفا أحد الشريكين وجب على الثاني أن يأخذ الكل (و) لان أخذ البعض إضرار بالمشترى. وان عفا شريك واحد عن بعض حقه سقط (و) كله. كالعفو عن القصاص فانه لا يتجزء نظرا للمشترى. وان كانوا ثلاثة ولم يحضر إلا واحد أخذ الكل وسلم كل الثمن حذرا من التبعيض. فإذا رجع الثاني شاطره وملك عليه من وقت تسليم نصف الثمن إليه وعهدته عليه. وإذا جاء الثالث قاسمهما جميعا) . الامر الثاني يطلب بعض الشركاء يعفو بعضهم ونبتدئ فيه بما إذا كانت الشفعة لواحد فعفا عن بعض حقه وفيه وجوه (أصحها) وهو المذكور في الكتاب أنه يسقط جميعه لان البعض لاسبيل إليه لما فيه من الاضرار بالمشترى فإذا سقط بعضه سقط كله كالقصاص إذا عفا المستحق عن بعضه (والثانى) لا يسقط شئ لان التبعيض قد تعذر وليست الشفعة مما يسقط بالشبهات فيغلب فيها جانب الثبوت وأيضا فانه لم يرض بترك حقه وانما عفا عن البعض ليأخذ الباقي فصار كما لو عفا عن بعض الجزء: 11 ¦ الصفحة: 482 حد القذف (والثالث) أنه يسقط ما عفا عنه ويبقى الباقي لانه حق مالى قابل للانقسام وعن الصيدلانى أن موضع هذا الوجه إذا رضى المشترى بتبعيض الصفقة عليه فان أبى وقال خذ الكل أو دع الكل فله ذلك قال الامام وهذه الوجوه إذا لم نحكم بأن الشفعة على الفور فان حكمنا به فطريقان (منهم) من قطع بأن العفو عن البعض تأخير في طلب الباقي (ومنهم) من احتمل ذلك إذا بادر إلى طلب الباقي وأجرى الوجوه ويدنو الاول أن صاحب الشامل ذكر أنه لو استحق شقصا بالشفعة فجاء وقال آخذ نصفه سقطت شفعته في الكل لانه ترك طلب النصف. إذا تقرر ذلك فلو استحق الشفعة اثنان فعفا أحدهما عن حقه ففيه أربعة أوجه (أحدها) ويحكي عن ابن سريج أنه يسقط حقهما جميعا كما لو استحق اثنان القصاص فعفى أحدهما (والثانى) لا يسقط حق واحد منهما كما ذكرنا في الصورة الاولى لانه لا يسقط شئ فغلبنا جانب الثبوت (والثالث) أنه يسقط حق العافي وليس لصاحبه إلا أن يأخذ قسطه لان العفو يقتضي استقرار العفو عنه على المشترى كما لو عفوا جميعا وليس للمشترى أن يلزمه أخذ الجميع (والرابع) وهو الاصح أن حق العافي يسقط ويثبت الحق بكماله للثاني فان شاء ترك الكل وان شاء أخذ الكل وليس له أن يقتصر على أخذ حصته لولا العفو لما فيه من تبعيض الصفقة على المشترى هذا هو الوجه المذكور في الكتاب (وقوله) وجب على الثاني أن يأخذ الكل أراد به أنه ان أخذ أخذ الكل لا الحصة إلا أنه يلزمه الاخذ هذا إذا ثبتت الشفعة لعدد ابتداء (أما) إذا ثبتت لواحد ومات وورثه اثنان فعفا أحدهما فهو كما لو ثبتت الشفعة لواحد فعفا عن بعضها أو ثبتت لاثنين فعفا احدهما فيه وجهان (أظهرهما) الثاني قال الامام والخلاف الجزء: 11 ¦ الصفحة: 483 بناء على ما سبق أن الوارث يأخذ الشفعة لنفسه أو يتلقاها عن المورث (واعلم) أن الوجوه المذكورة شاملة لعفو الشفيع عن بعض حقه ولعفو أحد الشفيعين عن حقه الا الوجه الصائر إلى استقرار العفو عنه على المشتري فانهم لم يذكروه في عفو الشفيع عن بعض حقه فبه يحصل الافتراق وأيضا يفترقان في الاصح. ولو كان للشقص شفيعان فمات كل واحد منهما عن ابنين فعفا أحدهما (فان قلنا) عفو الوارث كعفو الشفيع عن بعض حقه ففي وجه يسقط الكل كما كان وقياس الوجه الثالث في عفو الشفيع عن بعض حقه أن يسقط حق العافي وأخيه ويأخذ الآخران (وان قلنا) كعفو أحد شفيعي الاصل عاد الوجه الاول والثاني وفيه وجه ثالث وهو أنه ينتقل حق العافي إلى الثلاثة فيأخذون الشقص أثلاثا ووجه رابع وهو أن حق العافي يستقر للمشترى وكل واحد من الثلاثة يأخذ الرابع ويجئ في هذه الصورة وجه خامس وهو أن حق العافي ينتقل إلى أخيه خاصة بناء على القول القديم في مسألة الاخ والعم. (فرع) مات الشفيع عن اثنين وادعى المشترى عليهما أنهما عفوا فالقول قولهما مع اليمين وتكون اليمين على البت بخلاف ما إذا ادعى أن أباهما عفا عن الشفعة فانكرا فانهما يحلفان على نفى العلم ثم ان حلفا أخذا وان نكلا حلف المشترى ويبطل حقهما وان حلف أحدهما دون الآخر قال ابن الحداد ليس للمشترى أن يحلف لانه لا يستفيد بيمينه شيأ فانه وان ثبت عفو احدهما ينتقل الحق إلى الثاني وهذا جواب على أنه إذا عفا أحد الشريكين كان للآخران يأخذ الكل وهو الاصح (أما) إذا قلنا ان حق العافي يستقر على المشترى فيحلف المشترى ليستقر له نصيب الناكل ثم الوارث الجزء: 11 ¦ الصفحة: 484 الحالف لا يستحق الكل بنكول أخيه ولكن ينظر ان صدق أخاه على أنه لم يعف فالشفعة بينهما وان ادعى العفو وأنكر الناكل عرضت عليه اليمين لدعوى أخيه وان نكل في جوابه أيضا حلف المدعي على أنه عفا وحينئذ يأخذ الكل قال وان كانوا ثلاثة ولم يحضر الا واحد أخذ الكل وسلم كل الثمن حذارا من التبعيض فإذا رجع الثاني شاطره وملك عليه من وقت تسليم نصف الثمن إليه وعهدته عله فإذا جاء الثالث قاسمهما جميعا (الامر الثالث) أن يحضر بعض الشركاء دون بعض فإذا كانت الدار لاربعة بالسوية فباع أحدهم نصيبه وثبتت الشفعة للباقين ولم يحضر الا واحد فليس له أخذ حصته من الشقص لانه ربما لا يأخذ الغائبان فتتفرق الصفقة على المشترى ولا يكلف الصبر إلى أن يحضرا ولكنه يخير بين أن يأخذ الكل أو يترك الكل وهل له تأخير الاخذ إلى حضور الشريكين إذا جعلنا الشفعة على الفور فيه وجهان (احدهما) وبه قال ابن أبي هريرة لا لتمكنه من الاخذ (وأصحهما) عن الشيخ أبي حامد ويحكي على ابن سريج وأبي اسحق نعم لانه تأخير بالعذر لان له غرض ظاهر في أن لا يؤخذ ما يؤخذ منه وإذا أخذ الكل ثم حضر أحد الغائبين أخذ منه النصف بنصف الثمن كما لو لم يكن الاشفيعان فإذا حضر الثالث فله أن يأخذ من كل واحد منهما ثلث ما في يده وحينئذ يحصل الاستواء ويستقر ملكهم ثم للمسألة فروع (منها) إذا خرج الشقص مستحقا بعد الترتيب المفروض ففي العهدة وجهان (أحدهما) أن عهدة الثلاثة على المشترى لاستحقاقهم الشفعة عليه (والثاني) أن رجوع الاول المشترى يسترد منه كل الثمن ورجوع الثاني على الاول يسترد منه النصف ورجوع الثالث على الاولين يسترد من كل منها ما دفع إليه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 485 لان التملك وتسليم الثمن هكذا وقع فيما بينهم وهذا أظهر وهو المذكور في الكتاب والعراقيون يرجحون الاول. وفي التتمة أن هذا الخلاف في الرجوع بالمغروم من أجرة المثل وما عساه ينقص من قيمة الشقص فأما الثمن فكل منهم يسترد ما سلمه ممن سلمه إليه بلا خلاف. ولو أخذ الحاضر جميع الشقص ثم وجد به عيبا فرده فقدم الثاني وهو في يد المشترى فله أخذ الكل (ومنها) ما يستوفيه الاول من المنافع ويحصل له من الاجرة والثمن يسلم له فلا يزاحمه فيها الثاني والثالث على أصح الوجهين وكذا الثالث لا يزاحم الثاني فيما حصل له بعد المشاطرة كما أن الشفيع لا يزاحم المشترى فيها ويقرب من هذين الوجهين الخلاف فيما إذا أخذ الاول كل الشقص وأفرزه بأن أتى الحاكم فنصب فيما في مال الغائبين فاقتسما وبني فيه أو غرس ثم رجع الغائبان هل لهما القلع (وأصح) الوجهين أنهما لا يقلعان كما أن الشفيع لا يقلع بناء المشترى وغراسه مجانا وفي الثاني لهما القلع لانهما يستحقان مثل استحقاق الاول وبذلك السبب فليس له التصرف حتى يظهر حالهما بخلاف الشفيع مع المشترى ولو كان اثنان حاضرين فأخذا الشقص واقتسما مع القيم في مال الغائب ثم قدم الغائب فله الاخذ وابطال القسمة وان عفا استمرت القمسة (ومنها) لو اخذ الاول والثاني كما صورنا ثم حضر الثالث وأراد أن يأخذ من أحدهم ثلث ما في يده ولا يأخذ من الثاني شيئا فله ذلك كما يجوز للشفيع أن يأخذ نصيب أحد المشتريين دون الثاني (ومنها) لو أخذ الاول الكل وقدم الثاني وأراد أن يأخذ الثلث بلا مزيد هل له ذلك فيه وجهان (أحدهما) لا يجوز له ذلك كما لا يجوز للاول ان اقتصر على أخذ الثلث (وأظهرهما) نعم لان أخذه الثلث لا يفرق الحق على الاول إذا الحق ثبت لهم اثلاثا وبأخذ الاول الثلث تفرق الصفقة على المشترى فان أخذ الثلث تفريعا على هذا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 486 الوجه أو أخذه بالتراضي وقدم الثالث نظر إن أخذ من الاول نصف ما في يده ولم يتعرض للثاني فلا كلام قاله في التتمة وان أراد أن ياخذ من الثاني ثلث ما في يده فله ذلك لانه يقول ما من جزء إلا ولى ثلثه وان ترك الثاني حقه حيث لم يشاطر الاول فلا يلزمني أن أترك حقي ثم له أن يجئ إلى الاول فيقول ضم ما معك إلى ما أخذته لنقسمه لانا متساويا القدر والشقص والحالة هذه انما تصح قسمته من ثمانية عشر لانا نحتاج إلى عدد له ثلث ولثلثه ثلث وأقله تسعة يحصل منها ثلاثة في يد الثاني وستة في يد الاول ثم ينتزع الثالث من يد الثاني واحد ويضمه إلى الستة في يد الاول تكون سبعة يقتسمانها بينهما وسبعة لا تنقسم على اثنين فتضرب اثنين في تسعة تبلغ ثمانية عشر وكان في يد الثاني من التسعة بعد انتزاع الثالث منه ما انتزع اثنان نضربهما في المضروب في المسألة يكون له أربعة فهى حصته تبقى أربعة عشر يأخذ كل واحد من الاول والثالث منهما سبعة فإذا كان ربع الدار ثمانية عشر كانت جملتها اثنين وسبعين هذا ما ذكره الاكثرون ونقلوه عن ابن سريج وحكي الامام عن القاضي حسين أنه لما ترك الثاني سدسا على الاول كان عافيا عن بعض حقه يبطل جميعه على الظاهر كما سبق فينبغي ان يسقط حق الثاني بالكلية ويكون الشقص بين الاول والثالث (ومنها) قال ابن الصباغ لو حضر اثنان وأخذا الشقص ثم حضر الثالث وأحدهما غائب فان قضى له القاضي على الغائب أخذ من كل واحد من الحاضر والغائب ثلث ما في يده لانه الذي يستحقه منه الثاني يأخذ نصف ما في يده لانه إذا غاب أحدهما فكان الحاضرين هما الشفيعان فيسوى بينهما ثم لو حضر الغائب وقد غاب الحاضر فان كان الثالث أخذ من الحاضر ثلث ما في يده أخذ من هذا الذي قدم ثلث ما في يده أيضا وان كان قد أخذ نصف ما في يده أخذ من القادم سدس ما في يده ويتم نصيبه بذلك الجزء: 11 ¦ الصفحة: 487 الشقص والمسألة تقسم من اثني عشر للحاجة إلى عدد له نصف ولنصفه ثلث وسدس وإذا كان الربع اثنا عشر فالكل ثمانية وأربعون (ومنها) ثبتت الشفعة الحاضر وغائب فعفا الحاضر ثم مات الغائب وورثه الحاضر له أخذ الشقص بالشفعة وان عفا أولا لانه الآن يأخذ بحق الارث وهذا جواب على اصح الاوجه في عفو أحد الشريكين وهو أن للآخر أخذ الكل وساعده التفريع على أن العفو من بعض الشركاء لا يصح (أما) إذا قلنا ان نصيب العافي يستقر على المشترى فلا يأخذ الحاضر بحق الارث إلا النصف (وان قلنا) ان عفو أحدهما يسقط حق الآخر لم يأخذ شيأ. قال (ومهما تعدد البائع أو المشترى جاز أخذ مضمون إحدى الصفقتين. وان اشترى في صفقة واحدة شقصين في دارين شريكهما واحد ففي جواز أخذ أحدهما وجهان) . أصل الفصل أنه ليس للشفيع تفريق الصفقة على المشترى على ما مر في أثناء الكلام ولو اشترى اثنان شقصا من واحد فللشفيع أن يأخذ نصيب أحدهما خاصة لانه لا يفرق على واحد منهما ملكه وعن أبي حنيفة لا يجوز إن كان ذلك قبل القبض وان تعدد البائع بأن باع اثنان من شركاء الدار شقصا م واحد فوجهان (أحدهما) أنه لا يجوز أخذ حصة أحد البائعين لان المشترى ملك الكل بصفقة واحدة فلا يفرق ملكه عليه وبهذا قال مالك (وأصحهما) ويحكى عن نصه في القديم وبه أجاب المزني أنه يجوز لان تعدد البائع يوجب تعداد العقد كتعدد المشترى فصار كما لو ملكه بعقدين ولو باع اثنان من شركاء الدار نصيبهما بعقد واحد من رجلين والصفقة نازلة منزلة أربعة عقود تفريعا على الاصح في أن تعدد البائع كتعدد المشترى وللشفيع الخيار بين أن يأخذ الجميع وبين أن يأخذ ثلاثة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 488 أرباع المبيع وهو نصيب أحد المشتريين ونصف نصيب الآخر وبين أن يأخذ نصفه إما بأخذ نصيب أحدهما وترك الآخر أو بأخذ نصف نصيب واحد منهما وبين أن يأخذ ربعه بأخذ نصف نصيب أحدهما لاغير وان وكل وكيلين في بعى شقص أو شرائه أو وكلا وكيلا في بيع شقص أو شرائه فالاعتبار بالعاقد أو من له العقد فيه خلاف وقد ذكرناه في تفريق الصفقة حتى لو كانت الدار لثلاثة شركاء توكل أحدهم لآخر ببيع نصيبه وجوز له أن يبيعه مع نصيب نفسه إن شاء صفقة واحدة فباع كذلك فليس للثالث إذا جعلنا الاعتبار بالعاقد إلا أخذ الكل أو ترك الكل فان جعلنا الاعتبار بالمعقود فله أن يأخذ حصة أحدهما كما لو باع كل منهما حصته بنفسه ولو كانت الدار لرجلين فوكل أحدهما الآخر ببيع نصف نصيبه وجوز له أن يبيعه مع نصيب نفسه إن شاء صفقة واحدة فباع كذلك وأراد الموكل أخذ نصيب الوكيل بالشفعة بحق ما بقى له من النصف فله ذلك لان الصفقة اشتملت على ما لا تثبت فيه الشفعة للموكل وهو ملكه وعلى ما تثبت وهو ملك الغير فشبه ذلك بما إذا باع ثوبا وشقصا بمائة وفيه وجه أنه كالصورة السابقة ولو باع شقصين من دارين صفقة واحدة فان كان الشفيع في أحدهما غير الشفيع في الاخرى فلكل واحد منهما أن يأخذ ما هو شريك فيه وافقه الآخر في الاخذ أم لا وان كان الشفيع فيهما واحدا فوجهان (أحدهما) ويروى عن أبي حنيفة أنه لا يجوز لان الصفقة متحدة (وأصحهما) الجواز لانه لا يفضى إلى تبعيض الشئ وذلك التبعيض هو الذي يوجب الضرر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 489 (الباب الثالث فيما يسقط به حق الشفعة) قال (وفيه ثلاثة أقوال (الاول) الجديد أنه على الفور (م) . قال صلى الله عليه وسلم (الشفعة كحل العقال) (والثاني) أنه يبقى ثلاثة أيام (والثالث) أنه يتأبد فلا يبطل الا بابطال أو دلالة الابطال (و) . لاشك أن حق الشفعة يعرض له السقوط ومقصود الباب بيان أنه بم يسقط وسبيل التدريج إليه أن قول الشافعي رضى الله عنه اختلف في أنه تثبت على الفور أم على التراضي (وأصح) القولين وهو المنصوص في الكتب الجديدة على الفور الماوردى أنه صلى الله عليه وسلم قال (الشفعة كحل العقال) أي أنها تفوت إذا لم يبتدر إليها كالبعير الشرود يحل عنه العقال إن قيدت ثبتت والا فاللوم على من تركها. وأيضا فانه حق خيار ثبت في البيع بنفسه لدفع الضرر فكان على الفور كالرد بالعيب (والثاني) أنه على التراخي وعلى هذا ففى تقرير مدته قولان (أظهرهما) أنها تمتد إلى ثلاثة أيام لان الحكم بالفور يضر بالشفيع فانه قد يحتاج إلى تأمل ونظر والحكم بالتأبيد يضر بالمشترى لانه لا يأمن من أخذ الشفيع فتفوت عليه العمارة والتصرف فلابد من حد فاصل فجعلت الثلاثة حدا كما في خيار الشرط وغيره (والثاني) عن حكاية صاحب التقريب أنه يمتد إلى أن تمضي مدة التدبر في ملك الجزء: 11 ¦ الصفحة: 490 ذلك الشقص ويختلف باختلاف حال المأخوذ (والثاني) أنه لاتتقدر له مدة بل يتأبد لانه لاضرر على المشترى في التأخير إذ الشقص له وان بني فيه أو غرس فله قيمته إن أخذ الشفيع ومالا ضرر في تأخيره يتأبد كالقصاص فعلى هذا لو صرح بابطاله يبطل وفيما يدل على الابطال قولان (أظهرهما) البطلان وهو المذكور. ومما له دلالة الابطال قوله للمشترى بع الشقص ممن شئت أو هبه ولو قال بعه أو هبه مني أو قاسمني عليه فكذلك وفيه وجه أنه لا يبطل بقاء الشفعة لانه قد يخاف الاخذ بغير طريق الشفعة إن تيسر له وللمشترى إذا لم يأخذ الشفيع ولم يعف أن يرفعه إلى الحاكم ليلزمه الاخذ أو العفو وفيه قول أنه ليس له ذلك تنزيلا للشفيع منزلة مستحق القصاص. ويخرج من الترتيب عند الاختصار خسمة أقوال في كيفية ثبوت الشفعة أنها على الفور تمتد ثلاثة أيام تمتد مدة تسع للتأمل تتأبد إلى التصريح بالابطال تتأبد إلى أن يصرح بالابطال أو يأتي بما يدل عليه. وعند أبي حنيفة وأحمد أنها تمتد امتداد المجلس للعلم بالشفعة وعند مالك تمتد سنة في رواية ومدة يغلب على الظن فيها الاسقاط والترك في أخرى. قال (والصحيح أنه على الفور وأنه يسقط بكل ما يعد تقصيرا أو توانيا في الطلب. فإذا بلغه الخبر فلينهض عن مكانه طالبا. فان كان ممنوعا بمرض أو حبس في باطل فليوكل. فان لم يوكل مع القدرة بطل حقه (و) وان لم يكن في التوكيل مؤنة ومنة ثقيلة. فان لم يجد الوكيل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 491 فليشهد. فان ترك الاشهاد ففي بطلان حقه قولان. وان كان المشترى غائبا ولم يجد في الحال رفقة وثيقة لا يبطل حقه. وان كان في حمام أو على طعام أو في صلاة نافلة لم يلزمه. (و) قطعها على خلاف العادة) . إنما أعاد ذكر الفور فقال الصحيح أنه على الفور لانه أراد التفريع عليه (واعلم) أنا إنما نحكم بالفور بعد علم الشفيع بالبيع (أما) إذا لم يعلم حتى مضت سنون فهو على حقه * ثم إذا علم فلا يكلف ابتدارا على خلاف العادة بالعدو بقوة بل يرجع فيه إلى العرف فما يعد تقصيرا أو توانيا في الطلب يسقط الشفعة ومالا يعد تقصيرا لاقتران عذر به لا يسقطها والاعذار ضربان (أحدهما) مالا ينتظر زواله عن قرب كالمرض المانع من المطالبة فينبغي للمريض أن يوكل إن قدر عليه وان لم يفعل فثلاثة أوجه (أصحها) بطلان الشفعة كما لو أمكنه الطلب بنفسه فقصر (والثاني) وبه قال أبو على الطبري لا يبطل لانه يلزمه في التوكيل منة أو مؤنة (والثالث) إن لم يلزمه فيه منة ولا مؤنة ثقيلة يبطل حقه وان لزمه أحدهما لم يبطل. وان لم يمكنه التوكيل فليشهد على الطلب فان لم يشهد فقولان أو وجهان (أظهرهما) أنه يبطل حقه لان السكوت مع التمكن من الاشهاد مشعر بالرضا (والثاني) لا يبطل وانما الاشهاد لاثبات الطلب عند الحاجة وهذا ما اختاره الشيخ أبو محمد. والخوف من العدو كالمرض وكذا الحبس إن كان ظلما أو بدين هو معسر به وعاجز عن بينة الاعسار فان حبس بحق فان كان مليئا فهو غير الجزء: 11 ¦ الصفحة: 492 معذور بل عليه الاداء والخروج. ومن هذا الضرب الغيبة فإذا كان المشترى في بلدة والشفيع في غيرها فعلى الشفيع أن يخرج طالبا كما بلغه الخبر أو يبعث وكيلا إلا أن يكون الطريق مخوفا فيجوز التأخير إلى أن يجد رفقة وثيقة يصحبها هو أو وكيله أو يزول الحر المفرط أو البرد المفرط فإذا أخر لذلك أو لم يمكنه المسير بنفسه ولا وجد وكيلا فليشهد على الطلب فان لم يشهد ففي بطلان حقه الخلاف السابق وأجري ذلك في وجوب الاشهاد إذا سار في الحال والظاهر ههنا أنه لا يجب ولا تبطل الشفعة بتركه كما لو أنفذو كيلا ولم يشهد يكتفي فيه بذلك وليطرف فيما إذا كان حاضرا في البلد فخرج إليه أو إلى مجلس الحكم كما سبق في الرد بالعيب (والضرب الثاني) ما ينتظر زواله عن قريب بأن كان مشغولا بطعام أو صلاة أو قضاء حاجة أو في حمام فله الاتمام ولا يكلف قطعها على خلاف المعهود وفهى وجه أن عليه قطعها حتى الصلاة إذا كانت نافلة ولو دخل وقت الاكل والصلاة أو قضاء الحاجة جاز له أن يقدمها فإذا فرغ طالب بالشفعة ولا يلزمه تخفيف الصلاة والاقتصار على أقل ما يجزئ. ولو رفع الشفيع الامر إلى الحاكم وترك مطالبة المشترى مع حضوره جاز وقد ذكرناه في الرد بالعيب. ولو أشهد على الطلب ولم يراجع المشترى والحاكم لم يكلف خلاف لابي حنيفة. وان كان المشترى غائبا فالقياس أن يرفع الامر إلى الحاكم ويأخذ كما ذكرنا هناك وإذا ألزمناه الاشهاد ولم يقدر عليه فهل يؤمر أن يقول تملكت الشقص فيه وجهان مر نظائرهما في الرد بالعيب. وإذا تلاقيا في غير بلد الشقص فأخر الشفيع إلى العود إليه بطل حقه لاستغناء الاخذ عن الحضور عند الشقص (وقوله) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 493 في الكتاب فإذا بلغه الخبر أي خبر من يتعمد قوله فلينهض عن مكانه طالبا أي إما بنفسه أو بنائبه (وقوله) فان لم يوكل مع القدرة بطل حقه معلم بالواو وكذا قوله لم يلزمه قطعا. قال (ولو أخبرنا ثم قال لم أصدق المخبر فان أخبره من تقبل شهادته بطل حقه. وان أخبره من لاتقبل روايته كفاسق وصبي فلا يبطل. وان أخبره عدل واحد أو عبد يقبل روايته فالاظهر (و) أنه يبطل حقه. وان كذب المخبر في دينار الثمن. أو تعبين المشترى. أو جنس (وح) الثمن. أو قدر المبيع فترك المبيع لم يبطل حقه لان له غرضا. وان أخبر بأن الثمن الف فإذا هو الفان لم يكن له الرجوع إذ لاغرض فهى وإذا لقى المشترى فقال السلام عليكم لم يبطل حقه. ولو قال بكم اشتريت ففيه تردد. وكذا في قوله بارك الله لك في صفقة يمينك. ولو قال اشتريت رخيصا وأنا طالب بطل حقه لانه فضول من غير غرض) . الفصل يشتمل على صور (إحداها) إذا أخر الطلب ثم قال انما أخرت لاني لم أصدق المخبر نظر أن أخبره عدلان يبطل حقه لان شهادتهما مقبولة فكان من حقه أن يعتمد قولهما ويثق به وكذا لو أخبره رجل وامرأتان. وإن أخبره من لاتقبل روايته كالكافر والفاسق والصبي لم يبطل حقه وان أخبره عدل واحد حر أو عبد فوجهان (أحدهما) لا يبطل حقه لان الحجة لا تقوم بالواحد وهو رواية عن أبي حنيفة ذكره في التتمة (وأظهرهما) البطلان لانه اخبار واخبارهم مقبول وفي النهاية أنهم ألحقوا العبد الجزء: 11 ¦ الصفحة: 494 بالفاسق لانه ليس من أهل الشهادة والمرأة الواحدة كالعبد حتى يجئ فيها الوجهان. وقطع بعضهم بأن اخبارها لا يبطل حقه وعلى هذا فلو أخبره نسوة قال أبو سعيد المتولي ينبني على أن المدعي إذا أقام امرأتين هل يقضي بيمينه معهما (ان قلنا) لا فاخبارهن كاخبار المرأة الواحدة (وان قلنا) نعم فكالعدل الواحد وهذا كله إذا لم يبلغ عدد المخبرين حدا لا يحتمل التواطؤ عل الكذب فان بلغه وأخر بطل حقه وان كانوا فساقا (الثانية) لو كذبه المخبر فزاد في قدر الثمن بأن قال باع الشريك نصيبه بألف فعفا الشفيع أو توانى ثم بان أن البيع بخمسائة لم يبطل حقه ولو كذب بالنقصان فقال باع بالف فعفا ثم بان انه باع بالفين بطل حقه لانه إذا لم يرغب فيه بألف فبألفين أولى ولو كذب في تعيين المشترى بأن قال باعه من زيد ثم بان أنه باعها من غيره أو قال المشترى اشتريت لنفسي ثم بان أنه كان وكيلا أو في جنس الثمن بأن قال باع بالدراهم فبان أنه باع بالدنانير أو في نوعه بأن قال باع بالنيسابورية فبان أنه باع بالمروية أو في قدر المبيع بأن قال باع كل نصيبه فبان أنه بعضه أو بالعكس لم يبطل حفه لانه ربما يرضى بتركه لزيد دون غيره وقد يجد الدنانير دون الدراهم أو يرغب في الكل دون البعض وبالعكس وكذا لو قال باعه من فلان فعفا ثم بان أنه باع من غيره أو قال باعه من رجلين فبان أنه باعه من أحدهما أو قال باعه بكذا حالا فبان أنه باعه مؤجلا أو قال باع بكذا إلى شهر فبان أنه باع إلى شهرين لا يبطل حقه ولو قال باعه بكذا مؤجلا فعفا ثم بان أنه باعه حالا يبطل حقه لانه متمكن من التعجيل إن كان يقصده وكذا لو قال باع كله بألف فعفا ثم بان أنه بيع بعضه بألف يبطل حقه لانه إذا لم يرغب في الكل بألف ففي البعض أولى وعند الجزء: 11 ¦ الصفحة: 495 أبي حنيفة إذ أخبر عن البيع بالدراهم فعفا ثم بان أن البيع بالدنانير أو بالعكس ولم يتفاوت القدر عند التقويم بطلت شفعته وبه أجاب الامام فيجوز أن يعلم لذلك قوله أو جنس الثمن بالحاء والواو (الثالثة) لقى المشتري فقال السلام عليك أو سلام عليك أو سلام عليكم لم يبطل حقه لان السنة السلام قبل الكلام قال الامام ومن غلا في اشتراط قطع ما هو مشغول به من الطعام وقضاء الحاجة لا يبعد أن يشترط ترك الابتداء بالسلام. وفيما إذا قال عند لقاء المشتري بكم اشتريت وجهان ذكر العراقيون أنه يبطل حقه وقالوا من حقه أن يظهر الطلب ثم يبحث (والاصح المنع) لانه إن لم يعلم قدر الثمن فلابد من البحث عنه وان علم فيجوز أن يريد أخذ إقرار المشترى كيلا ينازعه في الثمن وحكى الامام وجهين أيضا فيما إذا قال بارك الله في صفقة يمينك عن قياس طريق المراوزة أنه يبطل حقه لان الدعاء يشعر بتقرير الشقص في يده فلا ينتظر الطلب عقيبه (وأصحهما) وهو الذي أورده المعظم أنه لا يبطل لانه قد يدعو بالبركة ليأخذ بصفقة مباركة ولو قال اشتريت رخيصا وما أشبهه ثم أعقبه بالطلب بطل حقه لانه فضول لاغرض فيه ولو أخر الطلب ثم أعتذر بمرض أو حبس أو غيبة وأنكر المشترى فالقول قول الشفيع إن علم له العارض الذي يدعيه وا لا فالمصدق المشترى. ولو قال لم أكن أعلم بثبوت حق الشفعة أو كونها على الفور فهو كما في الرد بالعيب. قال (ولو باع ملك نفسه مع العلم بالشفعة بطل حقه. فان لم يعلم فقولان من حيث أنه انقطع الضرر. وان صالح عن حق الشفعة لم يصح الصلح. ثم إن كان جاهلا ففي بطلان شفعته خلاف) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 496 في هذه البقية مسألتان (الاولى) إذا باع الشفيع نصيب نفسه من العقار أو وهب عالما بثبوت الشفعة له بطل حقه (أما) إذا جعلنا الشفعة على الفور فظاهر (وأما) إذا جعلناها على التراخي فلان الشفعة إنما ثبتت لدفع ضرر سوء المشاركة والمقاسمة وانما يلزمه ذلك من الشركة فإذا باع نصيب نفسه فقد أزال سبب الشفعة ولو باع بعض نصيبه حكي الشيخ أبو على غيره فيه قولين (أحدهما) أن شفعته لا تبطل لانه لو لم يملك إلا ذلك القدر ابتداء له الشفعة (والثاني) تبطل لانه إنما يستحق الشفعة بجميع نصيبه فإذا باع بعضه بطل بقدره وإذا بطل البعض بطل الكل كما لو عفا عن بعض الشقص المشفوع وهذا أظهر على ما ذكره الامام وغيره هذا إذا كان عالما (أما) إذا باع نصيبه جاهلا بالشفعة قال أكثرهم فيه وجهان وقال صاحب الكتاب قولان (أحدهما) أنه على شفعته لانه كان شريكا يوم البيع ولم يرض بسقوط حق الشفعة (وأشبههما) أنها تبطل لزوال سبب الشفعة ولهذا لو زال عيب المبيع قبل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 497 التمكن من الرد سقط حق الرد ولو باع بعض نصيبه جاهلا أطلق في التهذيب أن شفعته لا تبطل والوجه أن يكون على الخلاف السابق إذا فرعنا على أنه لو باع الجميع بطلت شفعته (الثانية) لو صالح على حق الشفعة على مال فهو على ما ذكرناه في الصلح عن الرد بالعيب واختار أبو إسحق المروزي صحته ولو تصالحا على أن ياخذ بعض الشقص فيصح الصلح برضى المشترى بالتبعيض أو يبطل وتبقى خيرة الشفيع بين أخذ الكل وترك الكل أو تبطل شفعته أصلا تنزيلا لترك البعض منزلة ترك الكل نقلوا فيه ثلاثة أقوال وقد فرغنا بتوفيق الله تعالى من شرح مسائل الكتاب ونزيده بفصيلن (أحدهما) في الحيل الدافعة للشفعة (منها) أن يبيع الشقص بأضعاف ثمنه دراهم ويأخذ عرضا قيمته مثل الثمن الذي يتراضيان عليه بدلا عن الدارهم أو يحط عن المشترى ما يزيد على فلا يرغب الشفيع في الشفعة لحاجته إلى الاخذ بالدارهم المسماة وفيها غرر لان البائع قد لا يرضى بالعرض عوضا أو لا يحط (ومنها) قال ابن سريج يشترى أولا بائع الشقص عرضا يساوى ثمن الشقص بأضعاف ذلك الثمن ثم يجعل الشقص عوضا عما لزمه وفيها غرر لان البائع قد لا يرضى به (ومنها) أن يبيع جزأ من الشقص بالثمن كله ويهب منه الباقي فلا يأخذ الشفيع الشقص المبيع للغبن ولا يتمكن من أخذ الموهوب وفيها غرر ظاهر (ومنها) أن يجعل الثمن حاضرا مجهول القدر ويقبضه البائع وينفقه أو يخلط بغيره فتندفع الشفعة وفيه خلاف ابن سريج على ما تقدم (ومنها) إذا وقف المشترى الشقص أو وهبه يبطل حق الشفيع على رأى أبي إسحق (ومنها) لو باع بعض الشقص ثم باع الباقي لم يكن للشفيع أخذ جميع المبيع ثانيا في أحد الوجهين فيندفع أخذ الجميع (ومنها) لو وكل الشريك شريكه بالبيع فباع لم يكن له الشفعة على أحد الوجهين وقد سلف ذكره هذه المسائل. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 498 (فرع) عند أبي يوسف لا يكره دفع الشفيع بالحيلة إذ ليس فيها تفويت حق على الغير لان الحق إنما يثبت بعد البيع وعند محمد يكره لما فيها من إيقاع الشفيع في الضرر مع حقه من الثبوت وهذا أشبه بمذهبنا في الحيلة في دفع الزكاة وهما يختلفان في الزكاة (الفصل الثاني) في مسائل وفروع من الباب لم تسلك فيما قدمنا ونوردها منثورة فنقول للمفلس العفو عن الشفعة والاخذ والاعتراض عليه للغرماء وينبغي أن يعود في أخذه الخلاف المذكور في شرائه في الذمة ثم الكلام في أنه لم يؤد الثمن علي ما ذكرناه في التفليس ولو وهب من عبده وقلنا انه يملك فبيع باقيه قال الشيخ أبو محمد تثبت له الشفعة وهل يفتقر إلى إذن جديد من السيد فيه وجهان ولعامل القراض الاخذ بالشفعة فان لم يأخذ فللمالك الاخذ ولو اشترى بمال القراض شقصا من عقار فيه شركة لرب المال ففي ثبوت الشفعة له وجهان عن ابن سريج (أصحهما) المنع ووجه الثاني أن مال القراض كالمنفرد عن ملكه لتعلق حق الغير به ويجوز أن يثبت له على ملكه حق والحالة هذه كما ثبت له على عبده المرهون حق الجناية وان كان العامل شريكا فيه فله الاخذ إن لم يكن في المال ربح أو كان وقلنا انه لا يملك بالظهور وان قلنا انه يملك فعلى الوجهين في المالك ولو كان الشقص في يد البائع فقال الشفيع لاأقبضه إلا من المشترى فيه وجهان عن ابن سريج (أحدهما) له ذلك ويكلف الحاكم المشترى أن يتسلمه ويسلمه إلى الشفيع وان كان غائبا نصب الحاكم من ينوب عنه في الطرفين (والثاني) أنه لا يكلف ذلك بل يأخذه الشفيع من يد البائع وسواء أخذ من المشترى أو من البائع فعهدة الشفيع على المشترى فان الملك ينتقل إليه منه وقال أبو حنيفة ان أخذه من يد المشترى فالعهد على المشترى وان أخذه من يد البائع فالعهدة عليه ولو اشترى شقصا شرط البراءة من العيوب فان أبطلنا البيع فذاك وان صححناه وأبطلنا الشرط فكما لو اشترى مطلقا فان صححنا الشرط فللشفيع رده بالعيب على المشتري وليس للمشترى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 499 الرد كما لو كان المشتري عالما بعيبه عند الشراء والشفيع جاهلا به عند الاخذ وان علم الشفيع العيب دون المشترى فلا رد للشفيع وليس للمشترى طلب الارش لانه استدرك للظلامة أو لانه لم ييأس من الرد فلو رجع إليه ببيع أو غيره لم يرده على العلة الاولى ويرده على الثانية ولو قال أحد الشريكين للآخر بع نصيبك فقد عفوت عن الشفعة فباع ثبتت له الشفعة ولغا العفو قبل ثبوت الحق وعن تفريع ابن سريج عن الجامع الكبير لمحمد أنه إذا باع شقصا فضمن الشفيع العهدة للمشترى لم تسقط بذلك شفعته وكذلك إذا شرط الخيار للشفيع وصححنا شرط الخيار للاجنبي ولو كان بين أربعة دار فباع أحدهم نصيبه واستحق الشركاء الشفعة فشهد اثنان منهم على الثالث بالعفو ثبتت شهادتهما ان شهدا بعد ما عفوا وان شهدا قبله لم تقبل لانهما يجران الشقص إلى أنفسهما فلو عفوا ثم أعادوا بتلك الشهادة لم تقبل أيضا للتهمة وان شهدا بعد ما عفا أحدهما قبلت شهادة العافي دون الاخر فيحلف المشترى مع العافي ويثبت العفو ولو شهد البائع على عفو الشفيع قبل قبض الثمن لم يقبل لانه قد يقصد الرجوع بتقدير الافلاس وان كان بعد القبض فوجهان لانه ربما يتوقع الرجوع إلى العين بسبب من الاسباب ولو أقام المشترى على عفو الشفيع بينة وأقام المشترى بينة على أنه أخذ بالشفعة والشقص في يده فبينة الشفيع أولى لتقويها باليد أو بينة المشترى لزيادة علمها بالعفو فيه وجهان (أظهرهما) الثاني ولو شهد السيد على شراء شقص فيه شفعة لمكاتبه فعن الشيخ أبي محمد قبول شهادته قال الامام كأنه أراد أن يشهد للمشترى إذا ادعى الشراء فيجوز أن تثبت الشفعة تبعا اما شهادته للمكاتب فانها لاتقبل بحال ولو كان الشفيع صبيا فعلى وليه الاخذ ان كان فيه مصلحة والالم يجز الاخذ وإذا ترك بالمصلحة ثم بلغ الصبي فهل له الاخذ فيه خلاف ذكرناه في آخر الحجر ولو كان بين اثنين دار فمات احدهما عن حمل في البطن ثم باع الاخر نصيبه فلا شفعة للحمل لانه لا يتيقن وجوده فان كان له وارث غير الحمل فله الشفعة وإذا انفصل حيا فليس الجزء: 11 ¦ الصفحة: 500 لوليه أن يأخذ شيئا من الوارث ولو ورث الحمل الشفعة عن مورثه فهل لابيه أوجده الاخذ قبل انفصاله فيه وجهان (وجه المنع) وبه قال ابن سريج ان لا يتيقن وجوده فإذا أخذ الشفيع وبني فيه أو غرس وخرج مستحقا وقلع المستحق بناءه وغراسه فالقول فيما يرجع به الشفيع على المشترى من الثمن وما ينقص قيمة البناء والغراس وغيرهما كالقول في رجوع المشترى من الغاصب عليه قال الامام وان نظرنا إلى ان الرجوع بما ينقص من قيمة البناء والغراس هناك مبني على التغرير ولا تغرير من المشترى بل الشقص مأخوذ عنه قرها فيجوز ان يجاب عنه بأنه مختار في الشراء والاخذ بالشفعة موجب للشراء ولو مات رجل وله شقص من دار وعليه ديون تستغرق التركة فباع الشريك الآخر نصيبه قبل ان يباع الشقص في الدين قال ابن الحداد للورثة أخذه بالشفعة وهو جواب على ان الدين لايمنع انتقال الملك في التركة إلى الورثة وهو الاصح (فان قلنا) يمنع فلا شفعة لهم ولو خلف دارا وديونا لا تستغرق قيمة الدار فبيع منها ما بقي بالدين قال ابن الحداد لاشفعة للورثة فيما بيع بما بقي لهم في الملك وهذا مستمر على الاصل السابق فانهم إذا ملكوا الدار كان المبيع جزأ من ملكهم ومن بيع جزء من ملكه بحق لم يكن له استرجاعه بالباقي (فان قلنا) انه يمنع فمنع الملك في قدر الدين أم في جميع التركة فيه خلاف مذكور في موضعه (ان قلنا) بالثاني فلا شفعة لهم أيضا لانهم انما يملكون الباقي بأداء الدين وانما تثبت الشفعة بملك يتقدم على البيع (وان قلنا) بالاول ثبتت لهم الشفعة ولو كانت الدار المشتركة بين المورث والورثة ثم انه مات فبيع نصيبه أو بعضه في ديونه وصاياه قال ابن الحداد لهم الشفعة وهذا يخالف الاصل الذى سبق فانهم إذا ملكوا التركة صار جميع الدار ملكهم فيكون المبيع جزأ من ملكهم واختلف من بعده فمنهم من أخذ به وقال ما يباع في ديونه ووصاياه بمثابة ما يبيعه بنفسه ولو باعه في حياته بنفسه كان لهم الشفعة فكذلك ههنا والاكثرون خالفوه وجروا على قضية ذلك الاصل ثم منهم من خطأه وقال انما ينتظم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 501 هذا الجواب على ان الدين لايمنع ملكهم فيستحقون الشفعة بالملك القديم وعن الشيخ أبي زيد حمل كلامه على ما إذا باع بنفسه في مرض موته ومن مولدات ابن الحداد دار بين ثلاثة لاحدهم نصفها ونصفها بين الآخيرين بالسوية فاشترى صاحب النصف نصيب احد الاخرين ثم باع ثلث ما معه مطلقا من أجنبي والشريك الثالث غائب مثلا فاعلم ان الشفيع في المبيع الثاني هو الشريك الثالث لاغير وأما في الاول فيتعلق النظر باصلين أحدهما الخلاف الذي سبق في ان المشترى إذا كان أحد الشركاء تكون الشفعة بينه وبين الشريك الآخر أو يختص بها الشريك الآخر (والثاني) عود القولين في ان الشفعة على عدد الرؤس أو الحصص إذا حكمنا بالشركة إذا عرفت ذلك فإذا قدم الغائب وفرعنا على قسمه بينه وبين المشترى وهو الاصح نظرنا ان طلب الشفعة في العقد الاول فله مما اشتراه الشريك على قولنا بالتوزيع على عدد الرؤس النصف وهو ثمن جميع الدار وذلك شائع فيما معه وهو ثلاثة أرباع الدار فإذا باع ثلث ما معه كان بائعا ثلث حق الشفيع ولا ينصرف إلى الشريك ما يستقر ملكه فيه لان الكل قابل للبيع فيأخذ القادم من المشترى ثلثي الثمن ومن المشترى منه ثلث الثمن فيتم له ما استحقه بالعقد الاول (وان قلنا) بالتوزيع على الحصص فله مما اشتراه الشريك الثلث لان ملكه قدر نصف ملك الشريك وحينئذ فله نصف سدس الدار فيأخذ من الشريك ثلثى نصف السدس ومن المشترى منه ثلثه لما ذكرنا من الشيوع فعلى القول الاول يخرج الحساب من أربعة وعشرين لان نصيب الغائب سدس ما معه وهو الثلاثة ارباع الدار فيحتاج إلى عدد لثلاثة ارباعه سدس فتضرب اربعة في ستة تكون اربعة وعشرين وعلى الثاني من ستة وثلاثين لان نصيب الغائب تسع ما معه فيحتاج إلى عدد الثلاثة أرباعه تسع فتضرب أربعة في تسعة يكون ستة وثلاثين والربع الذي اشتراه الشريك على التقدير الاول ستة وعلى الثاني تسعة ثم إذا أخذ ذلك فله أن يأخذ ما بقى من يد المشترى بالعقد الثاني وله ان يعفو فيكون للمشترى الخيار بين ثمن جميع الدار وذلك شائع فيما معه وهو ثلاثة أرباع الدار فإذا باع ثلث ما معه كان بائعا ثلث حق الشفيع ولا ينصرف إلى الشريك ما يستقر ملكه فيه لان الكل قابل للبيع فيأخذ القادم من المشترى ثلثي الثمن ومن المشترى منه ثلث الثمن فيتم له ما استحقه بالعقد الاول (وان قلنا) بالتوزيع على الحصص فله مما اشتراه الشريك الثلث لان ملكه قدر نصف ملك الشريك وحينئذ فله نصف سدس الدار فيأخذ من الشريك ثلثى نصف السدس ومن المشترى منه ثلثه لما ذكرنا من الشيوع فعلى القول الاول يخرج الحساب من أربعة وعشرين لان نصيب الغائب سدس ما معه وهو الثلاثة ارباع الدار فيحتاج إلى عدد لثلاثة ارباعه سدس فتضرب اربعة في ستة تكون اربعة وعشرين وعلى الثاني من ستة وثلاثين لان نصيب الغائب تسع ما معه فيحتاج إلى عدد الثلاثة أرباعه تسع فتضرب أربعة في تسعة يكون ستة وثلاثين والربع الذي اشتراه الشريك على التقدير الاول ستة وعلى الثاني تسعة ثم إذا أخذ ذلك فله أن يأخذ ما بقى من يد المشترى بالعقد الثاني وله ان يعفو فيكون للمشترى الخيار بين الجزء: 11 ¦ الصفحة: 502 ان يفسخ لتفرق الصفقة عليه وبين أن يختر بحصته من الثمن اما إذا فرعنا على ان المشترى إذا كان شريكا لاشفعة له بل يختص بها الشريك الآخر وبه قال ابن سريج فان الغائب إذا كان يأخذ جميع ما اشتراه الشريك لو لم يكن بيع ثان فإذا باع ثلث ما في يده فقد باع من حق الغائب الثلث فإذا قدم أخذ ثلث الربع من المشترى وثلثيه من الشريك فيتم له ما استحق بالبيع الاول ثم له أن ياخذ ما في يد المشترى بالعقد الثاني وله ان يعفو عن الاول ويأخذ جميع الربع من يد المشترى وهذا كله فيما إذا باع ثلث ما في يده مطلقا أما إذا قال بعت ربع الذي اشتريت فليس للغائب أن يأخذ غير ما في يد المشترى من الشريك لكنه إن عفا عن شفعة البيع الاول أخذ جميع الربع بالبيع الثاني وان أراد الاخذ بالبيع الاول فسخ البيع في نصف الربع على قول التوزيع على الرؤس وثلثه على القول المقابل له ثم له أخذ الباقي بالبيع الثاني ولو قال بعت الدار من جملة النصف الذي كنت أملكه قديما فللغائب أن يأخذ جميعه بالعقد الثاني وأن يأخذ بالعقد الاول مما في يد الشريك نصف الربع أو ثلثه على اختلاف القولين. بعون الله قد تم طبع الجزء الحادي عشر من.. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 503 فتح العزيز - عبد الكريم الرافعي ج 12 فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 12 الجزء: 12 فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ..الجزء الثاني عشر دار الفكر بسم الله الرحمن الرحيم الجزء: 12 ¦ الصفحة: 1 قال (كتاب القراض * وفيه ثلاثة أبواب الباب الاول في أركان صحته) (وهى ستة (الاول رأس المال) وشرائطه أربعة وهى أن يكون نقدا معينا معلوما مسلما * احترزنا بالنقد عن العروض والنقرة التى ليست مضروبة فان ما يختلف قيمته إذا جعل رأس المال فإذا رد بالاجرة إليه ليتميز الربح فربما ارتفع قيمته فيستغرق رأس المال جميع الربح * أو نقص فيصير بعض رأس المال ربحا * ولايجوز (و) على الفلوس ولا على الدراهم (ح و) المغشوشة) * العقد المعقود له الباب هو أن يدفع مالا إلى غيره ليتجر فيه على أن يكون الربح بينهما ويسمى ذلك قراضا ومقارضة وقد يسمى مضاربة وأشهر اللفظين القراض عند الحجازيين والمضاربة عند العراقيين واشتقاق القراض من قولهم قرض الفأر الثوب أي قطعه ومنه المقراض لانه يقطع به وسمى قراضا اما لان المالك اقتطع قطعة من ماله فدفعها إلى العامل أو لانه اقتطع له قطعة من الربح وقيل اشتقاقه من المقارضة وهى المساواة والموازنة سمى به لتساويهما في قوام العقد بهما فمن هذا المال ومن هذا العمل لتساويهما في استحقاق الربح (وأما) المضاربة فانه تقع على هذا العقد لان كل واحد منهما يضرب في الربح بسهم أو لما فيه من الضرب بالمال والتقليب * ويقال للمالك من اللفظة الاولى مقارض والعامل مقارض ومن اللفظة الثانية للعامل مضارب لانه الذي يضرب بالمال ولم يشتقوا للمالك منها اسما * واحتج الاصحاب للقراض باجماع الصحابة ذكر الشافعي رضى الله عنه في اختلاف العراقيين أن أبا حنيفة روى عن حميد بن عبد الله بن عبيد الانصاري عن أبيه عن جده " أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أعطى مال يتيم مضاربة فكان يعمل به في العراق " وروى " أن عبد الله وعبيد الله الجزء: 12 ¦ الصفحة: 2 ابني عمر بن الخطاب لقيا أبا موسى مصرفهما من غزوة نهاوند فتسلفا منه مالا وابتاعا به متاعا وقدما المدينة فباعا وربحا فيه فأراد عمر رضى الله عنه أخذ رأس المال والربح كله فقالا لو تلف كان ضمانه علينا فكيف لا يكون ربحه لنا فقال رجل لامير المؤمنين لو جعلته قراضا فقال قد جعلته وأخذ منهما نصف الربح " يقال ان ذلك الرجل هو عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه وأظهر ما ذكره الاصحاب في محل القضية وبه قال ابن سريج ان ما جرى كان قرضا صحيحا وكان الربح ورأس المال لهما لكن عمر رضى الله عنه استنزلهما عن بعض الربح خيفة أن يكون قصد أبو موسى ارفاقهما لارعاية مصلحة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 3 بيت المال * ولذلك قال في بعض الروايات أو أسلف كل الجيش كما اسلفكما * وعن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه " أن عثمان رضى الله عنه أعطاه مالا مقارضة " وأيضا " عن على وابن مسعود وجابر وحكيم بن حزام رضى الله عنهم تجويز المضاربة " وأيضا فان " السنة الظاهرة وردت في المساقاة " وإنما جوزت المساقاة للحاجة من حيث إن مالك النخيل قد لا يحسن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 4 تعهدها ولا يتفرغ له ومن يحسن العمل قد لا يهلك ما يعمل فيه وهذا المعنى موجود في القرائض * ثم كلام الكتاب مندرج في ثلاثة أبواب (أحدهما) فيما يعتبر لصحة هذا العقد وما يعتبر تارة يعتبر في رأس المال وتارة في العمل وأخرى في صفة العقد وأخرى في العاقدين فسمى هذه الامور أركانا وبين ما يشترط في كل واحد منهما (والثانى) في أحكامه إذا صح (والثالث) فيما إذا انفسخ العقد بفسخ وغيره ما حكمه وفيما إذا اختلفا في كيفية جريان العقد بينهما كيف يفصل الامر (أما الباب الاول) فالركن الاول منه رأس المال وله شروط (أحدها) أن يكون نقدا وهو الدراهم والدنانير المضروبة وفيه معنيان (أحدهما) أن القراض معاملة تشتمل على اغرار إذ العمل غير مضبوط والربح غير موثوق به وإنما جوزت للحاجة فتختص بما تسهل التجارة عليه وتروج بكل حال (وأشهرهما) وهو المذكور في الكتاب أن النقدين ثمنا لا يختلفان بالازمنة والامنكة إلا قليلا ولا يقومان بغيرهما والعروض تختلف قيمتها فلو جعل شى منها رأس المال لزم أحد الامرين أما أخذ المالك جميع الربح أو أخذ العامل بعض رأس المال ووضع القراض على أن يشتركا في الربح وينفرد المالك برأس المال * ووجه لزوم أحد الامرين أنهما إذا جعلا رأس المال ثوبا (فاما) أن يشترطا رد ثوب بتلك الصفات أو رد قيمته * إن شرطا الاول فربما كان قيمة الثوب في الحال درهما ويبيعه ويتصرف فيه حتى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 5 يبلغ المال عشرة ثم ترفع قيمة الثياب فلا يوجد مثل ذلك الثوب الا بعشرة فيحتاج العامل إلى صرف جميع ما معه إلى تحصيل رأس المال فيذهب الربح في رأس المال وربما كانت قيمته عشرة فباعه ولم يربح شيئا ثم صار يؤخذ مثله بشئ يسير فيشتريه ويطلب قسيمة الباقي فحينئذ يفوز العامل ببعض رأس المال * وان شرطا رد القيمة فاما أن يشترطا قيمة حال المفاصلة أو قيمة حال الدفع (والاول) غير جائز لانها مجهولة ولانه قد تكون قيمته في الحال درهما وعند المفاصلة عشرة فيلزم المحذور الاول (والثانى) غير جائز لانه قد تكون قيمته في الحال عشرة وتعود عند المفاصلة إلى درهم فيلزم المحذور الثاني وفي النفس حسيكة من هذا الكلام لان لزوم أحد الامرين مبنى على أن رأس المال قيمة يوم العقد أو يوم المفاصلة وبتقدير جواز القراض على العرض يجوز أن يكون رأس المال ذلك العرض بصفاته من غير نظر إلى القيمة كما أنه المستحق في السلم وحينئذ إن ارتفعت القيمة فهو كخسران حصل في أموال القراض وإن انخفضت فهو كزيادة قيمة بها * وعن الشيخ أبى محمد أنه كان يعول في اختصاص القراض بالنقدين على الاجماع ولا يبعد أن يكون العدول إليه لهذا الاشكال ويترتب على اعتبار النقدين امتناع القراض على الحلى والتبر وكل ما ليس بمضروب لانها مختلفة القيمة كالعروض وكذلك لا يجوز القراض على الفلوس ولا على الدراهم والدنانير المغشوشة لانها نقد وعرض وحكى الامام وجها أنه يجوز القراض على المغشوش اعتبارا برواجه وادعاء الوفاق على امتناع القراض في الفلوس لكن صاحب التتمة ذكر فيها أيضا الخلاف وعن أبى حنيفة يجوز القراض في المغشوش إذا لم يكن الغش أكثر * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 6 قال (واحترزنا بالمعلوم عن القراض على صرة دراهم * فان جهل رأس المال يؤدى إلى جهل الربح * واحترزنا بالمعين عن القراض على دين في الذمة * ولو عين وأيهم فقال قارضتك على أحد هذين الالفين والاخر عندك وديعة وهما في كيسين متميزين ففيه وجهان * ولو كان النقد وديعة أو رهنا في يده أو غصبا وقارضه عليه صح * وفي انقطاع ضمان الغصب خلاف) * (الشرط الثاني) أن يكون معلوما فلو قارض على كفين من الدراهم أو صرة مجهولة القدر لم يجز لانه إذا كان رأس المال مجهولا * كان الربح مجهولا ويخالف رأس مال المسلم حيث يجوز أن يكون مجهول القدر على أحد القولين لان السلم لا يعقد ليفسخ والقراض يعقد ليفسخ ويميز بين رأس المال والربح * وفي الشامل وغيره ان عند أبى حنيفة يجوز أن يكون رأس المال مجهولا القدر * وإذا تنازعا فيه عند المفاصلة فالمصدق العامل وعلى هذا فليكن قوله معلوما في الفصل السابق معلما بالحاء ولو دفع إليه ثوبا وقال بعد وإذا قبضت ثمنه فقد قارضتك عليه لم يجز لانه مجهول ولما فيه من تعليق القرض وقال أبو حنيفة يصح (الشرط الثالث) أن يكون معينا فلو قارض على دراهم غير معينة ثم أحضرها في المجلس وعينها حكم الامام عن القاضى وقطع به أنه يجوز كما في الصرف ورأس مال السلم * والذي أورده صاحب التهذيب المنع * ولو كان له دين في ذمة إنسان فقال لغيره قارضتك على دينى على فلان فاقبضه واتجر فيه لم يجز لانا لم نجوز القراض على العرض لعسر التجارة والتصرف فيها ومعلوم أن التصرف في الدين أكثر عسرا فكان بالمنع أولى * ووجهه الامام بأن مافى الذمة لابد من تحصيله أولا وسنذكر أنه لا يجوز في القراض ضم عمل إلى التجارة ولكن مثل هذا العمل الجزء: 12 ¦ الصفحة: 7 يجوز أن يعد من توابع التجارة فلا يمتنع ضمه إلى عمل القراض يؤيده قولهم انه لو كان له عند زيد دراهم وديعة فقال لعمرو قارضتك عليها فخذها وتصرف فيها يجوز ولو أن صاحب الدين قال قارضتك عليه لتقبض وتتصرف أو اقبضه * وقبضنيه فقد قارضتك عليه لم يصح أيضا وإذا قبض العامل وتصرف فيه لم يستحق الربح المشروط بل الجميع للمالك وللعامل أجرة مثل التصرف إن كان قد قال إذا قبضت فقد قارضتك وان قال قارضتك عليه لتقبض وتتصرف استحق مثل أجرة التقارض والقبض أيضا * ولو قال للمديون قارضتك على الدين الذي عليك لم يصح القراض أيضا لانه إذا لم يصح والدين على الغير فلان لا يصح والدين عليه كان أولى لان المأمور لو استوفى ما على غيره ملكه وصح القبض وما على المأمور لا يصير للمالك بعزله من ماله وقبضه للامر بل لو قال اعزل قدر حقي من مالك فعزله ثم قال قارضتك لم يصح لانه لم يملكه * وإذا تصرف المأمور فيما عزله نظر ان اشترى بعينه للقراض فهو كالفضولي يشترى لغيره بعين ماله وان اشترى في الذمة ونقد ما عزله ففيه وجهان (أحدهما) أنه للمالك لانه اشترى له باذنه (والثانى) أنه للعامل لانه انما أذن في الشراء بمال القراض إما بعينه أو في الذمة لينقده فيه وإذا لم يملكه فلا قراض وهذا أظهر عند الشيخ أبى حامد وفي التهذيب أن الاصح الاول بحيث كان المال المعزول للمالك فالربح ورأس المال له لفساد القراض وعليه الاجرة للعامل * ولو دفع إليه كيسين كل واحد منها ألف وقال قارضتك على أحدهما فوجهان (أحدهما) الصحة لتساويهما (وأصحهما) المنع لعدم التعيين كما لو قال قارضتك على هذه الدراهم أو على هذه الدنانير وكما لو قال بعتك الجزء: 12 ¦ الصفحة: 8 أحد هذين العبدين ولو كانت دراهمه في يده غيره وديعة فقارضه عليها صح ولو كانت غصبا لم يصح في وجه لانه مضمون والقرض عقد أمانة (والاصح) الصحة كما إذا رهن من الغاصب وعلى هذا لا يبرأ من ضمان الغصب كما في الرهن وعند أبى حنيفة ومالك أنه يبرأ * قال (وأردنا بالمسلم أن يكون في يد العامل * فلو شرط المالك أن يكون في يده أو أن يكون له يد أو يراجع في التصرف أو يراجع مشرفه فسد القراض لانه تضييق للتجارة * ولو شرط أن يعمل معه غلام المالك جاز على النص) * (الشرط الرابع) أن يكون رأس المال مسلما إلى المعامل ويستقل باليد عليه والتصرف فيه ولو شرط المالك أن يكون الكيس في يده ليوفى الثمن منه إذا اشترى العامل شيئا أو شرط أن يراجعه العامل في التصرفات أو يراجع مشرفا نصبه فسد القراض لانه قد لا يجده عند الحاجة أو لا يساعده على رأيه فيفوت عليه التصرف الرابح فالقراض موضوع توسعا لطريق التجارة ولهذا الغرض احتمل فيه ضرب من الجهالة فيصان عمل يخل به * ولو شرط أن يعمل معه المالك بنفسه فسد أيضا لان انقسام التصرف يفضى إلى انقسام اليد ويبطل الاستقلال وفي الرقم لابي الحسين العبادي أن أبا يحيى البليجى جوز ذلك على طريق المعاونة والتبعية والمذهب الاول * ولو شرط أن يعمل معه غلام المالك فوجهان الجزء: 12 ¦ الصفحة: 9 ويقال قولان (أحدهما) أنه لا يصح أيضا كما لو شرط أن يعمل بنفسه لان يد عبده يده (والثانى) وبه قال ابن سريج وأبو إسحق والاكثرون أنه يجوز لان العبد مال يدخل تحت اليد ولمالكه اعارته واجارته فإذا دفعه إلى العامل فقد جعله معينا وخادما للعامل فوقع تصرفه للعامل تبعا لتصرفه بخلاف ما إذا شرط المالك أن يعمل بنفسه فانه لاوجه لجعله تابعا * وموضع الخلاف مااذا لم يصرح بحجر العامل فاما إذا قال علي أن يعمل معه غلامي ولا يتصرف دونه أو يكون بعض المال في يده فسد لا محالة ولو شرط في المضاربة أن يعطيه بهيمة يحمل عليها ففى التتمة أنه على الخلاف في مسألة الغلام ومنهم من قال قضية كلامه القطع بالجواز ولو لم يشترط الغلام معه ولكن شرط أن يكون ثلث الربح له والثلث لغلامه والثلث للعامل جاز وحاصله اشتراط ثلثى الربح لنفسه نص عليه في المختصر حيث قال فان قارضه وجعل معه رب المال غلامه وشرط أن الربح بينه وبين العامل والغلام أثلاثا فهو جائز وكان لرب المال الثلثان * (وأعلم) أن من لم يجوز شرط عمل الغلام قال المراد من هذا النص أن يجعل مع العامل في قسمة الربح لا في العمل ومن جوزه عمل باطلاقه وقال لافرق بين شرط عمله وبين تركه وهذا ما ينزل عليه قوله في الكتاب جاز على النص ولو شرط ثلث الربح لحر فسيتأتى في الركن الثالث * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 10 (فرع) قال في التتمة ولو كان بينه وبين غيره دراهم مشتركة فقال لشريكه قارضتك على نصيبي منها صح إذ ليس فيه الا الاشاعة فانها لا تمنع صحة التصرفات قال وعلى هذا لو خلط الفين بألف لغيره ثم قال صاحب الالفين للاخر قارضتك على أحدهما وشاركتك في الاخر فقبل جاز وانفرد العامل بالتصرف في الف القراض ويشتركان في التصرف في باقي المال ولا يخرج على الخلاف في الصفقة الواحدة تجمع عقدين مختلفين لانهما جميعا يرجعان إلى التوكيل بالتصرف ولايجوز أن يجعل رأس مال القراض سكنى دار فان العروض إذا لم تجعل رأس مال فالمناع أولى وهذا يمكن فهمه من الضبط المذكور في الكتاب * قال (الركن الثاني العمل * وهو عوض الربح * وشروطه ثلاثة وهى أن يكون تجارة غير مضيقة بالتعيين والتأقيت) احترزنا بالتجارة عن الطبخ والخبز والحرفة * فان عقد القراض على الحنطة ليربح بذلك فاسد * أما النقل والكيل والوزن ولواحق التجارة تبع للتجارة * والتجارة هي الاسترباح بالبيع والشراء لا بالحرفة والصنعة) * لما تكلم في رأس المال وشرائطه أخذ يتكلم فيما يقابله من طرف العامل وهو العمل ويشترط فيه أمور (أحدهما) كونه تجارة ويتعلق بهذا القيد صور (منها) لو قارضه على أن يشترى الحنطة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 11 فيطحنها ويخبزها والطعام ليطبخه ويبيع والربح بينهما فهو فاسد وتوجيه الملتئم من كلام الاصحاب أن الطبخ والخبز ونحوهما أعمال مضبوطة يمكن الاستئجار عليها وما يمكن الاستئجار عليه فيستغني عن الفراض إنما القراض لما لا يجوز الاستئجار عليه وهو التجارة التى لا ينضبط قدرها وتمس الحاجة إلى العقد عليها فيحتمل فيه للضرورة جهالة العوضين وعلى هذا القياس ما إذا اشترط عليه أن يشترى الغزل فينسجه أو الثوب فيقصره أو يصبغه ولو اشترى العامل الحنطة وطحنها من غير شرط فعن القاضى الحسين في آخرين أنه يخرج الدقيق من كونه مال قراض ولو لم يكن في يده غيره ينفسخ القراض لان الربح حينئذ لا يحال على البيع والشراء فقط بل على التعبير الحاصل في مال القراض بفعله وغير التجارة لا يقابل بالربح المجهول وعلى هذا فلو أمر المالك العامل أن يطحن حنطة مال القراض كان فاسخا للعقد والاظهر واليه ميل الامام وهو المذكور في التهذيب أن القراض بحاله ويلتحق ذلك بما إذا زاد عبد القراض بكبر أو سمن أو بتعلم صنعة فانه لا يخرج عن كونه مال القراض ولكن العامل إذا استقل بالطحن صار ضامنا وعليه الغرم إن فرض نقص في الدقيق فان باعه لم يكن الثمن مضمونا عليه فانه لم ينعقد فيه ولا يستحق العامل بهذه الصناعات أجرة على المالك ولو استأجر عليه أجيرا فأجرته عليه والربح بينه وبين المالك كما شرط (ومنها) لو قارضه على دراهم على أن يشترى نخيلا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 12 أو دواب أو مستغلات ويمسك زمامها لثمارها أو نتاجها أو غلاتها وتكون الفوائد بينهما فهو فاسد لانه ليس استرباحا بطريق التجارة والتجارة التصرف بالبيع والشراء وهذه الفوائد تحصل من غير مال لامن تصرفه (ومنها) لو شرط عليه أن يتشرى شبكة ويصطاد بها ليكون الصيد بينهما فهو فاسد ويكون للصائد وعليه أجرة الشبكة (وقوله) في الكتاب العمل وهو عوص الربح كان المراد فيه أن قضية ملك المالك رأس المال ملكه الربح فالقدر المشروط للعامل إنما ملكه عوضا عن عمله للمالك وربما يقال رأس المال والعمل عوضان منقابلان ونعنى به أن رأس المال من المالك والعمل من العامل ينقابلان والربح يحصل من معاونتهما (وقوله) فان عقد القراض على الحنطة ليربح بذلك فهو فاسد أي الطحن والخبز وفي الصورة التى صورها للفساد سبب آخر وهو كون رأس المال عوضا وإنما الصورة التى تختص بما نحن فيه أن يقارضه على دراهم على أن يشترى بها الحنطة ويطحن ويخبز على ما سبق (وقوله) أما النقل والوزن ولواحق التجارة تبع للتجارة معناه أن هذه الاعمال وإن كان العامل يأتي بها على ما سنبين في الباب الثاني ما على العامل فليس ذلك كالطحن والخبز فانها من توابع التجارة ولواحقها التى انبني العقد لها * قال (ثم لو عين الخز الادكن أو الخيل الابلق للتجارة عليه * أو عين شخصا للمعاملة معه فهو فاسد (ح و) لانه تضييق * ولو عين جنس الخز أو البز جاز لانه معتاد) * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 13 (الامر الثاني) أن لا يكون مضيقا عليه بالتعيين فلو عين نوعا للاتجار فيه نظر إن كان مما يندر وجوده كالياقوت الاحمر والخز والادكن والخيل البلق والصيد حيث يوجد نادرا فسد القراض فان هذا تضييق يخل بمقصوده وإن لم يكن نادر الوجود نظر إن كان يدوم شتاء وصيفا كالحبوب والحيوان والخز والبز صح القراض وإن لم يدم كالثمار الرطبة فوجهان (أحدهما) أنه لا يجوز كما إذا قارضه مدة ومنعه من التصرف بعدها نعم لو قال تصرف فيه فإذا انقطع فتصرف في كذا جاز (وأصحهما) وبه قال أبو إسحق أنه يجوز لانه يمنع التجارة في تلك المدة ويخالف ما إذا قارضه مدة لانها قد تنقضي قبل أن يبيع ما عنده من العروض وهذا النوع سهل التصرف فيه مادام موجودا وإذا انقطع لم يبق عنده شئ ولو قال لا تشتري إلا هذه السلعة أو إلا هذا العبد فسد القراض بخلاف مااذا قال لا تشتري هذه السلعة وهذا العبد لان فيما سواهما مجالا واسعا وكذا لو شرط أن لا يبيع الا من فلان ولا يشترى الا منه لم يجز ولو قال لاتبع من فلان أو لا تشتري منه جاز وفي بعض شروح المفتاح أنه لا يجوز كما لو قال لاتبع الا منه والمذهب الاول وبقولنا قال مالك وقال أبو حنيفة وأحمد يجوز أن يعين سلعة للشراء وشخصا للمعاملة معه كما في الوكالة وعن القاضى أبى الطيب أن الماسرخسى قال إذا كان الشخص المعين بياعا لا ينقطع عنده المتاع الذي يتجر عليه نوعه غالبا جاز تعيينه * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 14 (فرع) في اشتراط تعيين نوع يتصرف فيه مثل الخلاف المذكور في الوكالة والظاهر وهو الذي أورده في النهاية أنه لا يشترط لان الوكالة نيابة محضة والحاجة تمس إليها في الاشغال الخاصة والقراض معاملة يتعلق بها غرض كل واحد من المتعاقدين فمهما كان العامل أبسط يدا كان أفضى إلى مقصوده * (فرع) إذا جرى تعيين صحيح لم يكن للعامل مجاوزته كما في سائر التصرفات المستفادة من الاذن فالاذن في البز يتناول ما يلبس من المنسوج من الابريسم والقطن والكتان والصوف دون الفرش والبسط وفي الاكسية وجهان لانها ملبوسة لكن بائعها لا يمسى بزازا * قال (ولو ضيق بالتأقيت إلى سنة مثلا ومنع من البيع بعدها فهو فاسد فانه قد لا يجد زبونا قبلها * وان قيد الشراء وقال لاتشتر بعد السنة ولك البيع فوجهان * إذ المنع عن الشراء مقدور له في كل وقت فأمكن شرطه * فان قال قارضتك سنة مطلقا فعلى أي القسمين ينزل فيه وجهان) * (الامر الثالث) أن لا يضيق بالتأقيت (واعلم) أولا أن القراض لا يعتبر فيه بيان المدة بخلاف المساقاة لان المقصود من المساقة ينضبط بالمدة فان للثمر وقتا معلوما والمقصود من القراض ليس له مدة مضبوطة فلم يشترط فيه التأقيت ولو أقت وقال قارضتك سنة فينظر إن منعه من الجزء: 12 ¦ الصفحة: 15 التصرف بعدها مطلقا أو من البيع فهو فاسد لانه يخل بمقصود العقد ويخالف مقتضاه (أما الاول) فلانه قد لا يجد راغبا في المدة فلا تحصل التجارة والربح (وأما الثاني) فلانه قد يكون عنده عروض عند انقضاء السنة وقضية القراض أن ينض العامل مافى يده لاخر الامر ليتميز رأس المال من الربح وان قال على أن لا أشترى بعد السنة ولك البيع فوجهان (أحدهما) المنع لان ما وضعه على الاطلاق من العقود لا يجوز فيه التأقيت وهذا الوجه ذكر الامام أن العراقيين نسبوه إلى أبى الطيب بن سلمة ولا يكاد يوجد ذلك في كتبهم نعم يقولون أن أبا الطيب النساوى حكاه عن أبى اسحق فيما علقه من الزيادات على الشرح فكأنه اشتبه عليه أبو الطيب بابى الطيب (وأصحهما) الجواز لان المالك يتمكن من منعه من الشراء مهما شاء فجاز أن يتعرض له في العقد بخلاف المنع من البيع ولو اقتصر على قوله قارضتك سنة فوجهان (أصحهما) المنع لان قضية انتهاء القراض امتناع التصرف بالكلية ولان ما يجوز فيه الاطلاق من العقود لا يجوز فيه التأقيت كالبيع والنكاح (والثاني) يجوز ويحمل على المنع من الشراء باستدامة العقد ولو قال قارضتك سنة على أن لا أملك الفسخ قبل انقضائها فهو فاسد ولايجوز أن يعلق القراض فيقول إذا جاء رأس الشهر فقد قارضتك كما لا يجوز تعليق البيع ونحوه ولو قال قارضتك الان ولكن لا تتصرف حتى يجى رأس الشهر ففى وجه يجوز كالوكالة والاصح يمنع كما لو قال بعتك بشرط أن لا تملك الا بعد شهر * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 16 قال (الثالث الربح * وشراطئه أربع وهى أن يكون مخصوصا بالعاقدين مشتركا معلوما بالجزئية لا بالتقدير * وعنينا بالخصوص أنه لو أضيف جزء من الربح إلى ثالث لم يجز * وبالاشتراك أنه لو شرط الكل للعامل أو للمالك فهو فاسد (م) * وبكونه معلوما احترزنا عما إذا قال لك من الربح ما شرطه فلان لفلان فانه مجهول * ولو قال على أن الربح بيننا ولم يقل نصفين فالاظهر (و) التنزيل على التنصيف ليصح * واحترزنا بالجزئية عما إذا قال لك من الربح مائة أو درهم أولى درهم والباقي بيننا فكل ذلك فاسد إذ ربما لا يكون الربح إلا ذلك المقدار) * في الربح شروط (أحدهما) أن يكون مخصوصا بالمتعاقدين فلو شرط بعضه لثالث فقال على أن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 17 يكون ثلثه لك وثلثه لزوجتي أو لامي أو لاختي لم يصح القراض لانه ليس بعامل ولا مالك للمال إلا أن يشترط عليه العمل معه فيكون قراضا مع رجلين ولو كان المشروط له عبد المالك أو العامل كان ذلك مضمونا للمالك أو العامل على ما تقدم (ولو) قال نصف الربح لك ونصفه لى ومن نصيبي نصفه لزوجتي صح القراض وهذا وعد منه لزوجته (ولو) قال للعامل لك كذا على أن تعطى ابنك أو امرأتك نصفه فعن القاضى أبى حامد أن ذكره شرطا فسد القراض وإلا لم يفسد (الثاني) أن يكون مشتركا بينهما فلو قال قارضتك على أن يكون جميع الربح لك ففى حكمه وجهان (أصحهما) أنه قراض فاسد رعاية للفظ (والثاني) أنه قراض صحيح رعاية للمعنى ويروى هذا عن أبى حنيفة ولا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 18 يجئ الوجه الثاني في مثله من المساقاة لتعذر القراض (ولو) قال قارضتك على أن الربح كله لى فهو قراض فاسد أو ابضاع فيه وجهان وعن مالك أنه يصح القراض في الصورتين ويجعل كائن الاخر وهب نصيبه من المشروط له (ولو) قال أبضعتك على أن نصف الربح لك فهو إبضاع أو قراض فيه الوجهان (ولو) قال خذ هذه الدراهم فتصرف فيها والربح كله لك فهو قرض صحيح عند ابن سريج والاكثرين بخلاف مالو قال قارضتك على أن الربح كله لك لان اللفظ يصرح بعقد آخر (قال) الشيخ أبو محمد لافرق بين الصورتين (وعن) القاضى الحسين أن الربح والخسران للمالك وللعامل أجرة المثل ولايكون قرضا لانه لا يملكه ولو قال تصرف فيها والربح كله لى فهو إبضاع (الثالث) أن يكون الجزء: 12 ¦ الصفحة: 19 معلوما فلو قال قارضتك على أن لك في الربح شركة أو شركا أو نصيبا فسد (ولو) قال لك مثل ما شرطه فلان لفلان فان كانا عالمين بالمشروط لفلان صح وإن جهلاه أو أحدهما فسد (ولو) قال على أن الربح بيننا ولم يقل نصفين فوجهان (أحدهما) الفساد لانه لم يبين مالكل واحد منهما فأشبه مالو اشترط أن يكون الربح بينهما أثلاثا ولم يبين من له الثلثان ومن له الثلث (وأظهرهما) على ما ذكره في الكتاب وبه اجاب الشيخ أبو حامد وحكاه عن ابن سريج أنه يصح وينزل على النصف كما لو قال هذه الدراهم بيني وبين فلان يكون اقرارا بالنصف (ولو) قال على أن ثلث الربح لك وما بقى فثلثه لى وثلثاه لك صح وحاصله اشتراط سبعة أتساع الربح للعامل والحساب من عدد لثلثه ثلث وأقله تسعة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 20 وهذا إذا علما عند العقد أن المشروط للعامل بهذه اللفظة كم هو فان جهلاه أو أحدهما فوجهان (أحدهما) عن صاحب التقريب الذي أورده صاحب الشامل منهما الصحة لسهولة معرفة ما تضمنه اللفظ ويجرى الخلاف فيما إذا قال على أن لك من الربح سدس ربع العشر وهما لا يعرفان قدره عند العقد أو أحدهما (والرابع) أن يكون العلم به من حيث الجزئية لامن حيث القدر فلو قال لك من الربح أولى من درهم أو مائة والباقى بيننا بالسوية فسد القراض لانه ربما لا يربح إلا ذلك القدر فيلزم اختصاص أحدهما بكل الربح وكذا لو قال لك نصف الربح سوى درهم وكذا لو شرط أن يوليه سلعة كذا إذا اشتراها برأس المال لانه ربما لا يربح إلا عليها وكذا لو شرط أنه يلبس الثوب الذي الجزء: 12 ¦ الصفحة: 21 يشتريه ويركب الدابة الذي يشتريها لان القراض جوز على العمل المجهول بالعوض المجهول للحاجة ولا حاجة إلى ضمن ما ليس من الربح إليه ولانه ربما ينقص بالاستعمال ويتعذر عليه التصرف فيه ولو شرطا اختصاص أحدهما بربح صنف من المال فسد أيضا لانه ربما لا يحصل الربح إلا فيه وكذا لو شرط ربح أحد الالفين لهذا وربح الالف الثاني لهذا وشرط أن يكون الالفان متميزين ولو دفعهما إليه ولا تمييز وقال ربح أحد الالفين لى وربح الاخر لك فعن بعض الاصحاب أنه يصح ولافرق بينه وبين أن يقول نصف ربح الالفين لك (والاظهر) ويحكي عن ابن سريج أنه فاسد لانه خصه بربح بعض المال فأشبه ما إذا كان الالفان متميزين وما إذا وقع إليه الفا على أن يكون له ربحها ليتصرف له في الف آخر * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 22 قال (الرابع الصيغة * وهى أن يقول قارضتك أو ضاربتك أو عاملتك على أن الربح بيننا نصفين فيقول قبلت * ولو قال على أن النصف لى وسكت عن العامل فسد (و) * ولو قال على أن النصف لك وسكت عن جانب نفسه جاز) * القراض والمضاربة والمعاملة مستعملة في هذا العقد وإذا قال قارضتك أو ضاربتك أو عاملتك على أن الربح بيننا كذا كان إيجابا صحيحا ويشترط فيه القبول على التواصل المعتبر في سائر العقود (ولو) قال خذ هذه الدراهم واتجر عليها على أن الربح بيننا كذا ففى التهذيب أنه يكون قراضا ولا يفتقر إلى القبول وهذا حكاه الامام عن القاضى الحسين ثم قال وقطع شيخي والطبقة العظمى من نقلة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 23 المذهب أنه لابد من القبول بخلاف الجعالة والوكالة فان القراض عقد معاوضة يختص بمعين فلا يشبه الوكالة التى هي إذن مجرد والجعالة التى يتهم فيها العامل فان قال قارضتك على أن نصف الربح لى وسكت عن جانب العامل فوجهان (أحدهما) أنه يصح ويكون النصف الاخر للعامل لانه الذى يسبق إلى الفهم منه ولهذا قال ابن سريج (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب وبه قال المزني لا يصح لان الربح فائدة رأس المال فيكون للمالك إلا إذا نسب منه شئ إلى العامل ولم ينسب إليه شئ (ولو) قال على أن نصف الربح لك وسكت عن جانب نفسه فالصحيح الجواز وما لا ينسب إلى العامل يكون للمالك بحكم الاصل بخلاف الصورة السابقة (وفي) النهاية ذكر وجه ضعيف أنه لا يصح حتى تجرى الاضافة في الجزأين إلى الجانبين (وإذا قلنا) بالصحيح فلو قال على أن لك الجزء: 12 ¦ الصفحة: 24 النصف ولى السدس وسكت عن الباقي صح وكان الربح بينهما نصفين كما لو سكت عن ذكر جميع النصف * قال (الخامس والسادس العاقدان * ولا يشترط فيهما إلا ما يشترط في الوكيل والموكل * نعم لو قارض العامل غيره بمقدار ما شرط به باذن المالك ففيه وجهان لان وضع القراض أن يدور بين عامل ومالك) * صاحب الكتاب رحمه الله قد يعد العاقدين ركنين كما فعل ههنا وفي الوكالة وقد يعد العاقد مطلقا ركنا واحدا كما فعل في البيع والرهن والفرض الاصلى لا يختلف لكنه لو استمر على طريقة واحدة كان أحسن * وفقه الفصل أن القراض توكيل وتوكل في شئ خاص وهو التجارة فيعتبر في العامل والمالك ما يعتبر في الوكيل والموكل فكما يجوز لولى الطفل التوكيل في أجور الطفل كذلك الجزء: 12 ¦ الصفحة: 25 يجوز لولى الطفل والمجنون أن يقارض على مالهما يستوى فيه الاب والجد ووصيهما والحاكم وأمينه وهل يجوز لعامل القراض أن يقارض غيره (اما) باذن المالك فقد ذكره ههنا وأعاده مرة أخرى في الباب الثاني مع القسم الاخر وهو أن يقارض بغير إذن المالك ونحن نشرح المسألة بقسميها هناك إن شاء الله تعالى * قال (ولو كان المالك مريضا وشرط ما يزيد على أجرة المثل للعامل لم يحسب من الثلث لان التفويت هو المقيد بالثلث والربح غير حاصل * وفي نظيره من المساقاة خلاف (و) لان النخيل قد تثمر بنفسها فهو كالحاصل * ولو تعدد العامل واتحد المالك أو بالعكس فلا حرج) * فيه مسألتان (احدهما) لو قارض في مرض موته صح وإذا ربح العامل سلم له الجزء المشروط وان زاد على أجرة مثل عمله ولا يحسب من الثلث لان المحسوب من الثلث ما يفوته من ماله والربح الجزء: 12 ¦ الصفحة: 26 ليس بحاصل حتى يفوته وانما هو شئ يتوقع حصوله فإذا حصل حصل بتصرفات العامل وكسبه ولو ساقى في مرض الموت وزاد الحاصل على أجرة المثل فوجهان (أحدهما) أنه لا يحتسب من الثلث أيضا لانه لم يكن حينئذ ثمرة وحصولهما منسوب إلى عمل العامل وتعهده (وأشبههما) احتساب الزياة من الثلث لان للثمار وقتا معلوما ينتظر وهى قد تحصل من عين النخيل من غير عمل فكانت كالشئ الحاصل بخلاف الارباح الثانية يجوز أن يقارض الواحد اثنين وبالعكس ثم إذا قارض الواحد اثنين وشرط لهما نصف الربح بالسوية جاز ولو شرط لاحدهما نصف الربح وللاخر ربعه فان أبهم لم يجز وان عين الثلث لهذا والربع لهذا جاز لان عقد الواحد مع اثنين كعقدين (وقال) مالك لا يجوز لاشتراكهما في العمل (وقال) الامام وانما يجوز أن يقارض اثنين إذا ثبت لكل واحد منهما الاستقلال فان شرط على كل واحد منهما مراجعة الاخر لم يجز وما أرى أن الاصحاب يساعدونه عليه وإذا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 27 قارض اثنان واحدا فليبينا نصيب العامل من الربح ويكون الباقي بينهما على قدر ماليهما ولو قالا لك من نصيب أحدنا من الربح الثلث ومن نصيب الاخر الربع فان أيهما لم يجز وإن عينا وهو عالم بقدر كل واحد منهما جاز إلا أن يشترطا كون الباقي بين المالكين على غير ما تقتضيه نسبة المالين كافية من شرط الربح لمن ليس بمالك ولا عامل وعن أبى حنيفة تجويز هذا الشرط * قال (ومهما فسد القراض بفوات شرط نفذ التصرفات وسلم كل الربح للمالك * وللعامل أجرة مثله إلا إذا فسد بأن شرط كل الربح للمالك ففي استحقاقه الاجرة وجهان لانه لم يطمع في شئ أصلا) * لما قضى حق القول في الامور المعتبرة في القراض بين حكمه إذا فسد بتخلف بعض الشروط وله ثلاثة أحكام (أحدهما) نفوذ تصرفاته لو كان القراض صحيحا لانه يتصرف بالاذن والاذن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 28 موجود وهذا كما أن تصرف الوكيل نافذ مع فساد الوكالة وليس كما إذا فسد البيع لا ينفذ تصرف المشترى لان المشترى إنما يتصرف بالملك ولاملك في البيع الفاسد (والثانى) سلامة الربح كله للمالك بتمامه لانه فائدة ماله وإنما يستحق العامل بعضه بالشرط بالعقد الصحيح (والثالث) استحقاق العامل أجرة مثل عمله سواء كان في المال ربح أو لم يكن لانه عمل طبعا في المسمى فإذا لم يسلم إليه وجب أن يرد عمله عليه وانه متعذر فتجب قيمته كما إذا اشترى شيئا شراء فاسدا وقبضه فتلف تلزمه قيمته (وعن) مالك أنه إن لم يحصل منه ربح فلا شئ له وإن حصل له فله ما يقارض به مثله في ذلك المال وهذه الاحكام مطردة في صورة الفساد نعم لو قال قارضتك على أن جميع الربح لى وفرعنا على أنه قراض فاسد لاإبضاع ففي استحقاق العامل أجرة المثل وجهان (أحدهما) يستحق كما في سائر أسباب الفساد (وأصحهما) قال المزني المنع لانه عمل مجانا غير طامع في شئ * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 29 (فرع) قال المزني في المختصر لو دفع إليه الف درهم وقال اشتريها هرويا أو مرويا بالنصف فهو فاسد واختلفوا في تعليله (فالاصح) وهو سياق الكلام ما يقتضيه أن الفساد باعتبار أنه تعرض للشراء دون البيع وهذا جواب على أصح الوجهين أن التعرض للشراء لا يغنى عن التعرض للبيع بل لابد من لفظ المضاربة ونحوها ليتناول البيع والشراء أو من التصريح بالشراء والبيع جميعا وإذا اقتصر على الشراء فللمدفوع إليه الاقتصار على الشراء دون البيع والربح كله للمالك والخسران عليه (وفيه) وجه أن التعرض للشراء كاف وهو ينبه على البيع بعده وفيما إذا اتى بلفظ المضاربة والقراض أيضا حكاية وجه ضعيف في النهاية أنه كما لو قال اشتر ولم يتعرض للبيع (وقيل) سبب الفساد في تصوير المزني أنه قال بالنصف ولم يبين لمن هو فيحتمل أنه أراد شرطه لنفسه وحينئذ يكون نصيب العامل مسكوتا عنه فيفسد العقد (واعترض) ابن سريج على هذا بان الشرط ينصرف إلى العامل لان المالك الجزء: 12 ¦ الصفحة: 30 يستحق بالمال لا بالشرط (وعن) ابن أبى هريرة أن سبب الفساد أنه تردد بين النوعين ولم يعين واحدا ولا أطلق التصرف في أجناس الامتعة (واعترض) القاضى الحسين عليه أنه لو عين أحدهما لحكمنا بالصحة فإذا ذكرهما على الترديد فقد زاد العامل بسطة وتخيرا فينبغي أن يصح بطريق الاولى (وقيل) سببه أن القراض إنما يصح إذا أطلق له التصرف في الامتعة أو عين جنسا يعم وجوده والهروى والمروى ليسا كذلك وهذا القائل كان يفرض في بلد لا يعمان به (وقال) الامام يجوز أن يكون سبب الفساد أنه ارسل ذكر النصف ولم يقل بالنصف من الربح * (الباب الثاني في حكم القراض الصحيح) قال (وله خمسة أحكام (الحكم الاول) أن العامل كالوكيل في تقييد تصرفه بالغبطة * فلا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 31 يتصرف بالغبن ولا بالنسيئة بيعا ولاشراء إلا بالاذن * ويبيع بالعرض فانه عين التجارة * ولكل واحد منهما الرد بالعيب * فان تنازعا فقال العامل يرد وامتنع رب المال أو بالعكس فيقدم جانب الغبطة ولا يعامل العامل المالك * ولا يشترى بمال القراض أكثر من رأس المال * وإن اشترى لم يقع للقراض * وانصرف إليه إن أمكن) * من أحكام القراض تقييد تصرف العامل بالغبطة كتصرف الوكيل ثم الغبطة والمصلحة قد تقتضي التسوية بينهما وقد تقتضي الفرق وبيع العامل وشراؤه الغبن كبيع الوكيل بلا فرق ولا يبيع نسيئة بدون الاذن ولا يشترى أيضا لانه ربما يهلك رأس المال فتبقى العهدة متعلقة به فان أذن في البيع نسيئة ففعل وجب عليه الاشهاد ويضمن لو تركه ولا حاجة إليه في البيع حالا لانه يحبس المبيع إلى استيفاء الثمن ولو سلمه قبل استيفاء الثمن وضمن كالوكيل فان كان مأذونا في التسليم الجزء: 12 ¦ الصفحة: 32 قبل قبض الثمن سلمه ولم يلزمه الاشهاد لان اعادة ما جرت بالاشهاد في البيع الحال ويجوز للعامل أن يبيع بالعرض بخلاف الوكيل فان اشتراه بقدر قيمته قال في التتمة فيه وجهان لان الرغبات في المعيب ما تقل وإن اشترى شيئا على ظن السلامة فبان معيبا فله أن ينفرد برده وإن كانت الغبطة فيه ولا يمنعه منه رضى المالك بخلاف الوكيل لان العامل صاحب حق في المال وإن كانت الغبطة في إمساكه ففى النهاية وجهان في تمكنه من الرد (وأظهرهما) المنع لاخلا له بمقصود العقد وحيث ثبت الرد للعامل ثبت للمالك بطريق الاولى ثم الذي حكاه الامام أن العامل يرد على البائع وينقض البيع (وأما) المالك فينظر إن كان الشراء بعين مال القراض فكمثل وإن اشترى العامل في الذمة فيصرفه المالك عن مال القراض وفي انصرافه إلى العامل ما سبق في انصرافه العقد إلى الوكيل إذا لم يقع للموكل ولو تنازع المالك والعامل في الرد وتركه فعل ما فيه الحظ ولايجوز للمالك معاملة العامل بأن يشترى من مال القراض شيئا لانه ملكه كما أن السيد لا يعامل المأذون ولايجوز أن يشترى بمال القراض أكثر من رأس المال لان المالك لم يرض بان يشغل ذمته فلو فعل لم يقع الجزء: 12 ¦ الصفحة: 33 ما زاد عن جهة القراض حتى لو دفع مائة قراضا فاشترى عبدا بمائة ثم أجر للقراض أيضا لم يقع الثاني للقراض ولكن ينظر إن اشتراه بعين المائة فالشراء باطل سواء اشترى الاول بعين المائة أوفي الذمة (أما) إذا اشترى بعين المائة فلصيرورتها ملكا للبائع الاول (وأما) إذا اشترى في الذمة فلصيرورتها مستحقة الصرف إلى العقد الاول وان اشترى العبد الثاني في الذمة لم يبطل ولكن ينصرف إلى العامل حيث ينصرف شراء الوكيل المخالف إليه وإذا انصرف العبد الثاني إلى العامل فان صرف مائة القراض إلى ثمنه فقد تعدى ودخلت المائة في ضمانه لكن العبد يبقى أمانة في يده لانه لم يتعد فيه فإذا تلفت المائة نظر إن كان الشراء الاول بعينها انفسخ وإن كان في الذمة لم ينفسخ ويثبت للمالك على العامل مائة والعبد الاول للمالك وعليه لبائعه مائة فان أداها العامل باذن المالك وشرط له الرجوع ثبتت له مائة على المالك ووقع الكلام في التقاص وإن أدى من غير إذنه برئ المالك عن حق بائع العبد ويبقى حقه على العامل ويجوز أن يعلم قوله من لفظ الكتاب فلا يتصرف بالغبن ولا بالنسيئة بالحاء لان أبا حنيفة يخالف فيه كما ذكرنا في الوكالة * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 34 قال (ولو اشترى من يعتق على المالك لم يقع عن المالك فانه نقيض التجارة * ولو اشترى زوجة المالك فوجهان * والوكيل بشراء عبد مطلق ان اشترى من يعتق على الموكل فيه وجهان * والعبد المأذون ان قيل له اشترى عبدا فهو كالوكيل * وان قيل له اتجر فهو كالعامل * وان اشتري العامل قريب نفسه ولا ربح في المال صح * وان ارتفعت الاسواق وظهر ربح وقلنا يملك بالظهور عتق صحته (و) ولم يسر إذ لا اختيار في ارتفاع السوق * وان كان في المال ربح وقلنا لا يملك بالظهور صح ولم يعتق * وان قلنا يملك ففى الصحة وجهان لانه مخالف للتجارة * فان صح عتق (و) حصته وسرى إلى نصيب المالك لان المشترى مختار وغرم له حصته) * مضمون الفصل مسألتان (احداهما) إذا اشترى العامل من يعتق على المالك فاما أن يشتريه باذن المالك أو بغير اذنه (أما) الحالة الاولى فيصح الشراء ثم ان لم يكن في المال ربح عتق عن المالك وارتفع القراض ان اشتراه بجميع مال القراض وخيار رأس المال الباقي ان اشتراه ببعضه وان كان في المال ربح ينبنى على أن العامل متى يملك نصيبه من الربح (ان قلنا) يملك بالقسمة عتق الجزء: 12 ¦ الصفحة: 35 أيضا وغرم المالك نصيبه من الربح وكأنه استرد طائفة من المال بعد ظهور الربح وأتلفه (وان قلنا) انه يملك بالظهور عتق منه حصة رأس المال ونصيب المالك من الربح ويسرى إلى الباقي ان كان موسرا أو يغرمه وان كان معسرا بقى رقيقا وفيه وجه انه إذا كان في المال ربح وقد اشتراه ببعض مال القراض نظران اشتراه بقدر رأس المال عتق وكأن المالك استرد رأس المال والباقي ربح يتقاسمانه على قضية الشرط وان اشتراه بأقل من رأس المال فهو محسوب من رأس المال وان اشتراه بأكثر حسب قدر رأس المال من رأس المال والزيادة من حصة المالك ما أمكن والظاهر الاول وهو وقوعه سائغا على ما سنذكره في استرداد طائفة من المال بعد الربح والحكم فيما إذا أعتق المالك عبدا من مال القراض كالحكم في شراء العامل من يعتق عليه باذنه (الحالة الثانية) أن يشتريه بغير اذن المالك وهى التى قصدها صاحب الكتاب فلا يقع الشراء عن المالك بحال لان مقصود العقد تحصيل الربح وفي شراء من يعتق عليه تفويت رأس المال أيضا لكن ينظر ان اشتراه بعين مال القراض بطل من أصله وان اشتراه في الذمة وقع عن العامل ولزمه الثمن من ماله فان أداه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 36 من مال القراض ضمن ولو اشترى العامل زوجة المالك أو زوج المالكة بغير إذنها فوجهان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة أنه يصح لانه اشترى له ما يتوقع فيه الربح ولا يتلف رأس المال (وأظهرهما) ويحكي عن نصه في الاملاء المنع لانه لو ثبت الملك لانفسخ النكاح وتضرر به والظاهر أنه لا يقصده بالاذن وانما يقصد مال فيه حظ فعلى هذا الحكم كما لو اشترى من يعتق على المالك بغير إذنه وإذا وكل وكيلا بشراء عبد فاشترى من يعتق على الموكل ففي وقوعه للموكل وجهان نقلهما الامام (أحدهما) المنع لان الظاهر أنه يطلب عبد تجارة أو عبد قنية وبشراء من يعتق عليه لا يحصل واحدا من الوصفين (وأظهرهما) وهو الذي أورده الجمهور الوقوع لان اللفظ يتناوله وان بقى له انتفع به وان عتق عليه ناله ثوابه وانما أخرجناه عن التناول بالقراض لقرينة غرض التجارة (فان قلنا) بالاول بطل الشراء ان اشتراه بعينه والا وقع عن الوكيل والبعد المأذون له في التجارة إن اشترى من يعتق على سيده باذن السيد صح وعتق عليه إن لم يركبه دين وان ركبه الدين ففى العتق قولان لان ما في يده كالمرهون بالديون (وأن) اشترى بغير إذنه فقولان منصوصان (أحدهما) انه يصح ويعتق عليه لان الجزء: 12 ¦ الصفحة: 37 العبد لا يمكنه الشراء لنفسه وانما يشترى لسيده فإذا اطلق الاذن انصرف ما يشتريه إليه مقيدا كان أو غير مقيد والعامل يمكنه الشراء لنفسه كما يمكنه الشراء للمالك فما لا يقع مقصودا بالاذن ظاهرا ينصرف إلى العامل (وأصحهما) وهو اختيار المزني أنه لا يصح كما في حق العامل لان السيد انما أذن في التجارة وهذا ليس من التجارة في شئ ورأى الامام القطع بهذا القول فيما إذا كان الاذن في التجارة ورد الخلاف إلى مااذا قال تصرف في هذا المال أو اشترى عبدا وعلى هذا جرى صاحب الكتاب حيث قال ان قيل له اشتر عبدا فهو كالوكيل (وان قيل) اتجر فهو كالعامل أي هو كالوكيل في أن الخلاف يجد مجالا ومضطربا ولا يمكن حمله على أن الخلاف كالخلاف فان الخلاف في المأذون قولان مشهوران وفي الوكيل إن ثبت وجهان وقوله فهو كالعامل يجوز إعلامه بالواو لان الاكثرين أثبتوا القولين مع تصويرهم في الاذن في التجارة وكذلك حكاه المزني عن نصه في المختصر ويجوز إعلامه بالحاء أيضا لان المحكى عن أبى حنيفة أنه إن لم يدفع السيد إليه وانما أذن له في التجارة صح الشراء وعتق على السيد وان دفع إليه مالا فهو كالعامل ثم الجزء: 12 ¦ الصفحة: 38 هذا الخلاف فيما إذا لم يركبه دين فان ركبه وقد اشتراه بغير إذن السيد ترتب الخلاف على الخلاف فيما إذا لم يركبه وعدم الصحة ههنا أولى وان صح ففي نفوذ العتق الخلاف السابق (المسألة الثانية) إذا اشترى العامل من يعتق عليه نظر إن لم يكن في المال ربح صح الشراء ولم يعتق عليه كالوكيل يشترى قريب نفسه لموكله ثم إن ارتفعت الاسواق وظهر ربح بني على القولين في أن العامل متي يملك الربح (إن قلنا) يملكه بالقسمة لم يعتق بشئ منه (وان قلنا) بالظهور فاظهر الوجهين وهو المذكور في الكتاب أنه يعتق عليه قدر حصته من الربح لانه ملك بعض أبيه (والثانى) لا يعتق لان الملك فيه غير تام من حيث أنه وقاية لرأس المال معدا لهذا الغرض إلى انفصال الامر بينهما بالمقاسمة (فان قلنا) بالاول ففى الشراء به إن كان موسرا وتقديم الباقي عليه وجهان (أحدهما) وبه أجاب الاكثرون أنها تثبت كما لو اشتراه وفيه ربح وقلنا إنه يملك بالظهور (والثانى) المنع وهو الذي أورده في الكتاب لان العتق والحالة هذه يحصل في الدوام بسبب هو فيه غير مختار ومثل ذلك لا يتعلق به الشراء ألا ترى أنه لو ورث بعض قريبه عتق عليه ولم يشتر ومن قال بالاول أجاب الجزء: 12 ¦ الصفحة: 39 بأنه لاختيار في الارث أصلا وههنا الشراء اولا والامساك ثانيا إلى ارتفاع الاسواق اختياران وان كان في المالك ربح سواء كان حاصلا في الشراء أو حصل بنفس الشراء مثل ان كان رأس المال مائة فاشترى بها أباه وهو يساوى مائتين (فان قلنا) إنه يملك الربح بالقسمة دون الظهور صح الشراء ولم يعتق (وان قلنا) يملك بالظهور ففى صحة الشراء في قدر حصته من الربح وجهان (أظهرهما) الصحة لانه مطلق التصرف في ملكه (والثانى) المنع لانه لو صح فاما أن يحكم بعتقه وهو يخالف غرض الاسترباح الذي هو مقصود التجارة أولا يحكم فيختلف العتق عن ملك القريب (فان قلنا) بالمنع ففى الصحة في نصيب المالك الوجهان السابقان (إن قلنا) يعتق فان كان موسرا سرى العتق إلى الباقي ولزمه الغرم لانه مختار في الشراء والابقى الباقي رقيقا هذا كله فيما إذا اشترى العامل قريب نفسه بعين مال القراض (أما) إذا اشتراه في الذمة للقراض فحيث صححنا الشراء بعين مال القراض أوقعناه ههنا عن القراض وحيث لم نصحح ههنا عن العامل وعتق عليه وعن صاحب التقريب قوله أنه لو أطلق الشراء ولم يصرفه إلى القراض لفظا ثم قال كنت نويته (وقلنا) أنه إذا وقع عن القراض لم يعتق منه شئ لا يقبل قوله لان الذي جرى عقد عتاقة فلا يمكن من رفعها * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 40 (فرع) ليس لعامل القراض أن يكاتب عبد القراض بغير اذن المالك فان كاتباه معا جاز وعتق بالاداء ثم إن لم يكن في المال ربح فولاؤه للمالك ولا ينفسخ القراض بما جرى من الكتابة في أظهر الوجهين بل ينسحب على النجوم وإن كان فيه ربح فالولاء بينهما على حسب الشرط وما يزيد على الثمن من القيمة ربح * قال (الحكم الثاني * ليس لعامل القراض أن يقارض عاملا آخر بغير إذن المالك * وفي صحته بالاذن خلاف (و) * فان فعل بغير الاذن وكثرت التصرفات والربح فعلى الجديد الربح كله للعامل الاول ولا شئ للمالك * وللعامل الثاني أجر مثله على العامل الاول إذ الربح على الجديد للغاصب * والعامل الاول هو الغاصب الذي عقد العقد له * وقيل كله للعامل الثاني فانه الغاصب * وعلى القديم يتبع موجب الشرط للمصلحة وعسر ابطال التصرفات وللمالك نصف (و) الربح والنصف الاخر بين العاملين نصفين (و) كما شرطا * وهل يرجع العامل الثاني بنصف أجرة مثله لانه كان طمع في كل النصف من الربح ولم يسلم له فيها وجهان) الجزء: 12 ¦ الصفحة: 41 إذا قارض العامل غيره لم يخل أما أن يقارضه باذن المالك أو بغير اذنه (أما الحالة الاولى) فتتصور على وجهين (أحدهما) أن ينسلخ العامل من البين وينتهض وكيلا في القراض مع الثاني كأن المالك سلم إليه المال وأذن له في أن يقارض غيره ان بدى له فهذا صحيح كما لو قارضه المالك بنفسه ولايجوز أن يشترط الاول لنفسه شيئا من الربح ولو فعل فسد القراض وللثاني أجرة المثل على المالك لما مر أن شرط الربح لغير المالك والعامل ممتنع (والثانى) أن يأذن له في أن يعامل غيره ليكون ذلك الغير شريكا له في العمل والربح المشروط له على ما يراه حكى الامام وصاحب الكتاب فيه وجهين (أحدهما) الجواز كما لو قارضه المالك شخصين في الابتداء (وأشبههما) المنع لانا لو جوزنا ذلك لكان الثاني فرعا للاولى منصوبا من جهته والقراض معاملة تضيق محال القياس فيها فلا يعدل بها عن موضوعها وهو أن يكون أحد المتعاقدين مالكا لاعمل له والثانى عاملا لاملك له وهذا ما أشار إليه صاحب الكتاب يقوله في الباب الاول حين ذكره هذه المسألة " لان وضع القراض أن يدور بين مالك وعامل " وليكن لفظ الكتاب هناك معلما بالواو نعم لو قارض العامل غيره بمقدار الجزء: 12 ¦ الصفحة: 42 مما شرط له أما إذا قارض بمقدار ما شرط له كان ذلك غير التصوير الاول وهو جائز بلا خلاف (الحالة الثانية) أن يقارض العامل بغير اذن المالك فهو فاسد لان المالك لم يأذن فيه ولا ائتمن على المال ويجئ فيه القول المذكور في أن تصرفات الفضولي تنعقد موقوفة على الاجازة (وإذا قلنا) بالمذهب فلو أن الثاني تصرف في المال وربح فهذا ينبني على أن الغاصب إذا اتجر في المال المغصوب ماحكم تصرفه ولم الربح الحاصل؟ (أما) إذ تصرف في عين المغصوب فهو تصرف الفضولي (فاما) إذا باع سلما أو اشترى في الذمة وسلم المغصوب فيما التزمه وربح (فعلى) الجديد الربح الغاصب لان التصرف صحيح والتسليم فاسد فيضمن المال الذي سلمه ويسلم له الربح وهذا قياس ظاهر وعلى القديم هو للمالك توجيها بحديث عروة البارقى فان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ رأس المال والربح وبأنا لو جعلنا للغاصب لاتخذه الناس ذريعة إلى الغصب والخيانة في الودائع والبضاعات وبان تصرفات الغاب صقد تكثر فيتعسر بيع الامتعة التى تداولتها الايدى المختلفة أو يتعذر وفي هذا القول مباحثات (أحدهما) الجزم على هذا القول بأن الربح للمالك أو نوقفه على اجازته واختياره قيل بالوقف على الاجازة وبنى هذا القول على قول الوقف في بيع الفضولي الجزء: 12 ¦ الصفحة: 43 وانما لم يتعرض الشافعي رضى الله عنه للفسخ والاجازة لان الغالب أنه يجيز إذا رأى الربح فعلى هذا إذا رده يرتد سواء اشترى في الذمة أو بعين المغصوب (وقال) الاكثرون انه مجزوم به ومبنى على المصلحة وكيف يستقيم توقيف شراء الغاصب لنفسه على اجازة غيره وانما يجرى قول الوقف إذا تصرف في عين مال الغير أو له (الثانية) إذا كان في المال ربح وكثرت التصرفات وعسر تتبعها فهو موضع القول القديم أما إذا قلت وسهل التتبع ولاربح فلا مجال له قال الامام وحكى وجهين فيما إذا سهل التتبع وهناك ربح أو عسر ولا ربح (الثالثة) لو اشترى في ذمته ولم يخطر له أن يؤدى الثمن من الدراهم المغصوبة ثم سنخ له ذلك (قال) الامام ينبغى أن لا يجئ فيه القول القديم ان صدقه صاحب الدراهم (واعلم) أن المسألة قد تلف بمسألة البضاعة وقد ذكرناها والاختلاف فيها على الجزء: 12 ¦ الصفحة: 44 الاختصار مرة في البيع وأخرى في الغصب إذا تقرر ذلك (فعلى) الجديد ينظر ان اشترى بعين مال القراض فهو باطل وان اشترى في الذمة (فأحد) الوجهين ان كل الربح للعامل الثاني لانه المتصرف كالغاصب في صورة الغصب (وأصحهما) وبه أجاب المزني أن كله للاول لان الثاني تصرف للاول باذنه فكان كالوكيل من جهته وعليه للثاني أجرة عمله ويحكم هذا عن أبى حنيفة (وان قلنا) بالقديم ففيما يستحقه المالك من الربح وجهان (أحدهما) ولم أره الا في كتاب أبى الفرج السرخسى أن كله للمالك كما في الغصب طردا لقياس هذا القول وعلى هذا فللعامل الثاني أجرة مثله وعلى من تجب؟ فيه وجهان (أحدهما) أنها على العامل الاول لانه استعمله وغيره (والثانى) على المالك لان الجزء: 12 ¦ الصفحة: 45 نفع عمله عاد إليه (وأصحهما) وبه أجاب المزني أن له نصف الربح لانه رضى به بخلاف صورة الغصب فانه لم يوجد منه رضى به فصرفنا الكل إليه قطعا لطمع الغصاب والخائنين وعلى هذا ففى النصف الثاني وجوه (أحدها) وهو اختيار ابن الصباغ ان كله للعامل الاول لان المالك انما شرط له وعقده مع الثاني فاسد فلا يتبع شرطه وعلى هذا فللثانى أجرة مثل عمله على الاول لانه غره (والثانى) أن كله للثاني لانه العامل أما الاول فليس له عمل ولا ملك فلا يصرف إليه شئ من الربح (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يكون بين العاملين بالسوية وبه أجاب المزني ووجهه أن تتبع التصرفات غير والمصلحة اتباع الشرط إلا أنه تعذر الوفاء به في النصف الذي أخذه المالك فكأنه تلف وانحصر الربح في الباقي وعلى هذا فهل يرجع العامل الثاني بنصف أجرة المثل فيه وجهان الجزء: 12 ¦ الصفحة: 46 (أحدهما) نعم لانه كان قد طمع في نصف الربح بتمامه ولم يسلم له إلا نصف النصف (وأشبههما) وبه قال المزني وأبو إسحق لا لان الشرط محمول على ما يحصل لهما من الربح والذي حصل هو الربح والوجهان فيما إذا كان العامل الاول قد قال على أن ربح هذا المال بيننا أو على أن لك نصه (أما) إذا كانت الصيغة على أن ما يرزقنا الله تعالى من الربح فبيننا (قطع) الاكثرون بأنه لا يرجع لان النصف هو الذي رزقاه (وعن) الشيخ أبى محمد اجراء الوجهين لان المفهوم تشرط جميع الربح ولا يخفى أن جميع ما ذكرناه إذا جرى القراضان على المناصفة فان كانا أو أحدهما على نسبة أخرى فعلى ما تشارطا وهذا كله فيما إذا تصرف الثاني وربح (أما) إذا هلك المال في يده فان كان عالما بالحال فهو الجزء: 12 ¦ الصفحة: 47 غاصب أيضا وإن كان يظن العامل مالكا فترتب يده على يد الاول كترتب يد المودع على يد الغاصب لانه يد أمانة (وفي) طريق هو كالمتهب من الغاصب لعود النفع إليه وقد بينا الحكم فيهما ضمانا وقرارا من قبل (وقوله) في الكتاب وكثرت التصرفات والربح يشعر باعتبار الامرين لمجئ الخلاف وفيه من التردد ما ذكرناه ثم ليس المراد وكثر الربح بل المعنى وحصل الربح وما أشبهه لان الكثرة في الربح غير معتبرة بالاتفاق (قوله) والعامل الاول هو الغاصب أي هو الحائز الذي يقع التصرف في المال له كما يقع في الغصب للغاصب (وقوله) وقيل كله للعامل الثاني فانه الغاصب ليس محمولا على ما ذكرناه في حق الاول لكن المعنى أنه الشبيه بالغاصب من حيث أنه المتصرف الجزء: 12 ¦ الصفحة: 48 في المال بيعا وشراء وأخذا واعطاء (وقوله) وللمالك نصف الربح (وقوله) بين العاملين معلم بالواو لما عرفته * قال (الحكم الثالث * ليس للعامل أن يسافر (ح م و) بمال القراض إلا بالاذن فانه خطر فان فعل نفذت تصرفاته واستحق الربح ولكنه ضامن بعدوانه * وإذا سافر بالاذن فأجرة النقل على مال القراض كما أن نفقة الوزن والكيل والحمل الثقيل في الحضر أيضا على مال القراض * وليس على العامل إلا التجارة والنشر والطي ونقل الشئ الخفيف * فان تعاطى شيئا مما ليس عليه فلا أجرة له * وإن استأجر عليه ما عليه فعليه الاجرة * ونفقته على نفسه (م) في الحضر * ونص في السفر الجزء: 12 ¦ الصفحة: 49 أن له نفقته بالمعروف * فمنهم من نزله على نفقة النقل * ومنهم من قال فيه قولان * ووجه الفرق بين الحضر والسفر أنه متجرد في السفر للشغل * فعلى هذا لو استصحب مع ذلك مال نفسه وزع النفقة عليهما * ثم قد قيل القولان في القدر الذي يزيد في النفقة بسبب السفر * وقيل انه في الاصل) * كلام الفصل على التفات بعضه بالبعض يشتمل على ثلاث مقاصد (أحدها) أنه ليس للعامل أن يسافر بمال القراض بغير إذن المالك وعن أبى حنيفة ومالك أن له ذلك عند أمن الطريق وفي تعليق الشيخ أبى حامد نقل قول مثله عن البويطى (لنا) أن فيه خطرا وتعريضا للهلاك فلا ينبغى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 50 أن يستقل به فلو خالف ضمن المال ثم ينظر إن كان المتاع بالبلد التي سافر إليها أكثر قيمة أو تساوت القيمتان صح البيع واستحق الربح لمكان الاذن وإن كان أقل قيمة لم يصح البيع بتلك القيمة إلا أن يكون النقصان بقدر ما يتغابن به وإذا صححنا البيع فالثمن الذي يأخذه يكون مضمونا عليه أيضا بخلاف ما إذا تعدى الوكيل بالبيع في المال ثم باعه وقبض الثمن لا يكون مضمونا عليه لان العدوان لم يوجد في الثمن وههنا سبب العدوان السفر ومزايلة مكان المال وأنه شامل ولا تعود الامانة بالعود من السفر وإذا سافر بالاذن فلا عدوان ولا ضمان (قال) في التتمة وبيع المال في البلد المنقول إليه بمثل ماكان يبيعه في المنقول عنه وبأكثر منه وأما بما دونه فان ظهر فيه غرض بان الجزء: 12 ¦ الصفحة: 51 كانت مؤنة الرد أكثر من قدر النقصان أو أمكن صرف الثمن إلى متاع يتوقع فيه الربح فله البيع أيضا وإلا لم يجز لانه محض تخسير (الثاني) على العامل أن يتولى ما جرت العادة به من نشر الثياب وطيها وذرعها وادراجها في السفط وإخراجها ووزن ما يخف كالذهب والمسك والعود وقبض الثمن وحمله وحفظ المتاع على باب الحانوت وفي السفر بالنوم عليه ونحوه وليس عليه وزن المتعة الثقيلة وحملها ونقل المتاع من الخان إلى الحانوت والنداء عليه وما يجب عليه أن يتولاه لو استأجر عليه لزمه الاجرة في ماله وما لا يجب عليه أن يتولاه له أن يستأجر عليه من مال القراض لانه من تتمة التجارة ومصالحها فان تولاه بنفسه لم يكن له أخذ الاجرة بل هو متبرع ومريد كسبا بالاسترباح (الثالث) الجزء: 12 ¦ الصفحة: 52 القول في المؤنات ولايجوز للعامل أن ينفق في الحضر من مال القراض على نفسه أو يواسى منه بشئ وعن مالك رضى الله عنه أن له أن ينفق منه على العادة كالغذاء ودفع الكسرة إلى السقاة وأجرة الكيال والوزان والحمال في مال القراض وكذا أجرة النقل إذا سافر بالاذن وأجرة الحارس والرصدى ونص في المختصر أن له النفقة بالمعروف وقال في البويطى لانفقة له وللاصحاب طريقان (أصحهما) أنهما قولان (أظهرهما) أنه لانفقة كما في الحضر وهذا لانه ربما لا يحصل إلا بذلك القدر فيختل مقصود العقد (والثانى) تجب وبه قال مالك بخلاف ما إذا كان في الحضر لانه في السفر سلم نفسه وجردها لهذا الشغل فأشبه الزوجة تستحق النفقة إذا سلمت نفسها ولا تستحق إذا لم تسلم (والثانى) القطع بالمنع وحمل ما نقله المزني على أجرة النقل ومنهم من قطع بالوجوب وحمل ما في البويطى على المؤن النادرة كأجرة الحجام والطبيب وإذ أثبتنا القولين فهما في كل ما يحتاج إليه من الطعام والكسوة والادام تشبيها بما إذا سلمت الزوجة نفسها أو فيما يزيد بسبب السفر كالخف والاداوة وما الجزء: 12 ¦ الصفحة: 53 أشبههما لانه لو كان في الحضر لم يستحق شيئا فيه وجهان (أصحهما) الثاني وبه قال مالك فيما رواه ابن الصباغ وأبو سعيد المتولي ثم تفرع على هذا القول بالوجوب فروع (منهما) لو استصحب مال نفسه مع مال القراض وزعت النفقة على قدر المالين (قال) الامام ويجوز أن ينظر إلى مقدار العمل على المالين ويوزع على أجرة مثلهما (وفي) أمال أبى الفرج السرخسى أنها إنما توزع إذا كان ماله قدرا يقصد السفر له وإن كان لا يقصد فهو كما لو لم يكن معه غير مال القراض (ومنها) لو رجع العامل وبقى منه فضل زاد أو آلات اعدها للسفر كالمطهرة ونحوها هل عليه ردها إلى مال القراض فيه وجهان عن الشيخ أبى محمد (وأظهرهما) نعم (ومنها) لو استرد المالك المال منه من الطريق أو في البلد التى سافر إليها لم يستحق نفقة الرجوع على أظهر الوجهين كما لو خالع زوجته في السفر (ومنها) يشترط عليه أن لا يسرف بل يأخذ بالمعروف وما يأخذ يحسب من الربح فان لم يكن ربح فهو خسران لحق المال (ومنها) أقام في طريقه فوق مدة المسافرين في بلد لم يأخذ لتلك المدة (ومنها) لو شرط نفقة السفر في ابتداء الجزء: 12 ¦ الصفحة: 54 القراض فهو زيادة تأكيد إذا قلنا بالوجوب (أما) إذا لم نقل به فأظهر الوجهين أنه يفسد العقد كما لو شرط نفقة الحضر (والثانى) لا يفسد لانه من مصالح العقد من حيث أنه يدعوه إلى السفر وهو مظنة الربح غالبا وعلى هذا فهل يشترط تقديره فيه وجهان (وعن) رواية المزني في الجامع الكبير أنه لابد من شرط النفقة للعقد مقدرة لكن الاصحاب لم يثبتوها (وقوله) في الكتاب ونفقته على نفسه ونص في السفر أن له نفقته بالمعروف إلى آخره يقتضى ظاهره أخذ المنع في أحد القولين من أنه لانفقة في الحضر لا على سبيل التخريج لانه لم يخل عن النص سواء الوجوب وليس كذلك بل القولان عند من اثبتهما منصوصان هذا في رواية المزني وهذا رواية البويطى * قال (الحكم الرابع * أختلف القول في أنه هل يملك الربح بمجرد (م ز) الظهور أم يقف على المقاسمة * فان قلنا يملك بمجرد الظهور فهو ملك غير مستقر بل هو وقاية لرأس المال عن الخسران * وإن وقع خسران انحصر في الربح * ولا يستقر إلا بالقسمة * وهل يستقر بالتنضيض والفسخ قبل القسمة فيه وجهان * وان قلنا لا يملك (ح) فله حق مؤكد حتى لو مات يورث عنه * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 55 ولو أتلف المالك المال غرم حصته * وكذا الأجنبي فان الاتلاف كالقسمة * ولو كان في المال جارية لم يجز للمالك وطؤها لحقه) * متى يملك العامل من الربح الحصة المشروطة له (أحد) قولى الشافعي أنه يملكها بالظهور كما يملك عامل المساقاة نصيبه من الثمار بالظهور ولان سبب الاستحقاق الشرط الصحيح فإذا حصل الربح فليثبت موجب الشرط ولانه سبيل من مطالبة المالك بأن يقتسما الربح ولولا أنه مالك لما كان كذلك (والثانى) لا يملك الا بالقسمة لانه لو ملك بالظهور لكان شريكا في المال ولو كان شريكا لكان النقصان الحديث بعد ذلك شائعا في المال فلما انحصر في الربح دل على عدم الملك (وايضا) فان الفراض معاملة جائزة والعمل فيها غير مضبوط فوجب أن لا يستحق العوض فيها الا بتمام العمل كما في الجعالة وأصح القولين (الاول) عند الشيخ أبى حامد وطائفة (والثانى) عند الاكثرين منهم المسعودي والقاضى الرويانى وصاحب التهذيب وقد ذكرنا ذلك في الزكاة وبينا أن أبا حنيفة قال بالاول والمزنى قال الثاني وهو مذهب مالك * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 56 (التفريع) إن قلنا انه يملك بالظهور فليس ذلك ملكا مستقرا بل لا يتسلط العامل عليه ولا يملك التصرف فيه لان الربح وقاية لرأس المال عن الخسران مادامت المعاملة باقية حتى لو اتفق خسران كان محسوبا من الربح دون رأس المال ما أمكن وكذلك نقول إذا طلب أحد المتعاقدين قسمة الربح قبل فسخ القراض لا يجبر الاخر عليه أما إذا طلب المالك فلان العامل يقول لا آمن الخسران فنحتاج إلى رد ما اقتسمنا (واما) إذا طلب العامل فلان المالك يقول الربح وقاية مالى فلا أدفع اليك شيئا حتى تسلم لى رأس المال فإذا ارتفع القراض والمال ناض واقتسما حصل الاستقرار وهو نهاية الامر وكذلك لو كان قدر رأس المال ناضا وأخذه المالك واقتسما الباقي وهل يحصل الاستقرار بارتفاع العقد ونضوض المال من غير قسمة فيه وجهان (أحدهما) لا لان القسمة الباقية من الجزء: 12 ¦ الصفحة: 57 تتمة عمل العامل (وأصحهما) الاستقرار لارتفاع العقد والوثوق بحصول رأس المال وان كان المال عروضا فينبني على خلاف سيأتي في أن العامل هل يجبر على البيع والتنضيض (إن قلنا) نعم فظاهر المذهب أنه لااستقرار لان العمل لم يتم (وإن قلنا لا) فوجهان كما لو كان المال ناضا ولو اقتسما الربح بالتراضى قبل فسخ العقد لم يحصل الاستقرار بل لو حصل خسران بعده كان على العامل جبره بما أخذ وبهذا يتبين أن قوله في الكتاب ولا يستقر إلا بالقسمة غير معمول بظاهره فيما يرجع إلى الاكتفاء بالقسمة (وإن قلنا) انه لا يملك إلا بالقسمة فله فيه حق مؤكد حتى يورث عنه إذا مات لانه وإن لم يثبت الملك له فقد ثبت له حق التملك ويقدم على الغرماء لتعلق حقه بالعين وله أن يمتنع عن العمل بعد ظهور الربح ويسعى في التنضيض ليأخذ منه حقه ولو أتلف المالك المال غرم حصة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 58 العامل وان كان الاتلاف بمثابة الاسترداد ولو استرد الكل غرم للعامل فكذلك إذا أتلف (وأما) قوله وكذا الأجنبي فان الاتلاف كالقسمة (واعلم) أن الأجنبي إذا أتلف مال القراض ضمن بدله وبقى القراض في بدله كما كان هذا ما ذكره الاصحاب في حكم المسألة وفي نظم الكتاب كلامين (أحدهما) أن الغرض في هذا المقام التفريع على أن العامل انما يملك حصته بالقسمة وعلى هذا القول يكون كل الربح قبل القسمة للمالك وحينئذ يستحسن الكلام في أنه لو أتلف المالك غرم حصة العامل لتعرف تأكيد حقه وان لم يكن مالكا لا يستحسن ذكر اتلاف الأجنبي لانه لا يمكن أن يقال يغرم حصة العامل إذ لا امتياز لها لبقاء القراض ولا اختصاص الغرم بها بل يغرم كل المال وأصل الغرم لا دلالة له على حق العامل (والثانى) ان قوله فان الاتلاف كالقسمة لا ينصرف إلى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 59 مسألة الأجنبي لان القراض إذا بقى في البدل لم يكن الاتلاف مفيدا للقسمة بل هو مصروف إلى ما قبلها وهو إتلاف المالك وإنما كان كالقسمة لانه أتلف ملكه وملك غيره أو حق غيره ولا يمكن تغريمه ملك نفسه ولا تعطيل حق الغير فيغرم حق الغير وذلك يتضمن مقصود القسمة وهو التمييز ولو كان في المال جارية لم يجز للمالك وطؤها إن كان في المال ربح لملك العامل أو حقه وإن لم يكن ربح فكذلك الجواب ووجهوه بأن انتفاء الربح في المتقومات غير معلوم وإنما يستقر الحال بالتنضيض واستبعد الامام التحريم إذا تيقين عدم الربح (قال) ويمكن تخريجه على أن العامل لو طلب بيعها وأباه المالك هل له ذلك فيه خلاف سيأتي فان اسغناه فقد أثبتنا له علقة فيها فيحرم الوطئ بها (وإذا قلنا) بالتحريم ووطئ فللشيخ أبى محمد تردد في أنه هل يكون ذلك فسخا للقراض والاظهر المنع الجزء: 12 ¦ الصفحة: 60 ولا يلزم الحد وحكم المهر سنذكره ولو وطئها العامل فعليه الحد إن لم يكن ربح إن كان عالما وإلا فلا حد ويؤخذ منه جميع المهر ويجعل في مال القراض لانه ربما يقع خسران يحتاج إلى الجبر ولو استولدها لم تصر أم ولد (إن قلنا) انه لا يملك بالظهور (وإن قلنا) يملك ثبت الاستيلاد في نصيبه ويقوم عليه الباقي إن كان موسرا ولايجوز للمالك تزويج جارية القراض لان القراض لا يرتفع بالتزويج وانه ينقص قيمتها فتيضرر العامل به * قال (الحكم الخامس * الزيادة العينية كالثمرة والنتاج محسوب من الربح وهو مال القراض * وكذا بدل منافع الدواب ومهر وطئ الجوارى حتى لو وطئ السيد كان مستردا بمقدار العقر * وأما النقصان فما يحصل بانخفاض السوق أو طريان عيب ومرض فهو خسران يجب جبره بالربح * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 61 وما يقع باحتراق وسرقة وفوات عين فوجهان أصحهما أنه من الخسران كما أن زيادة العين من الربح * ولو سلم إليه ألفين فتلف أحدهما قبل أن يشترى به شيئا أو بعد أن يشترى كما لو اشار إلى عبدين مثلا ولكن قبل البيع فرأس المال ألف أو ألفان فيه وجهان وهو تردد في أنه هل يجعل ذلك من الخسران وهو واقع قبل الخوض في التصرفات) * مقصود الفصل الكلام فيما يقع من مال القراض زيادة أو نقصان أما الزيادة فثمرة الشجرة المشتراة للتراض ونتاج البهيمة وكسب الرقيق وولد الجارية ومهرها إذا وطئت بالشبهة أطلق صاحب الكتاب والامام القول بأنها من مال القراض لانها من فوائده وكذا بدل منافع الدواب والاراضي وذلك قد يجب بتعدى المتعدى باستعماله وقد يجب باجارة تصدر من العامل فان له الاجارة إذا رأى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 62 فيها المصلحة وفصل في التتمة فقال إن كان في المال ربح وملكنا العامل حصته بالظهور فالجواب كذلك وإن لم يكن ربح أو لم نملكه فمن الاصحاب من عدها من مال القراض كالزيادات المتصلة وقال عامتهم يفوز بها المالك لانها ليست من فوائد التجارة ويشبه أن يكون هذا أولى فان جعلناها مال القراض قال ههنا وفي الوسيط يجبر من الربح وهو قضية ما في التهذيب وأورد بعض أصحاب الامام أنها لاتعد من الربح خاصة ولا من رأس المال بل هي شائعة (وقوله) في الكتاب وهو مال القراض بعد قوله محسوبة من الربح يستغني عنه (نعم) لو قدم وآخر فقال انها مال القراض وهى محسوبة من الربح كان حسنا وكذلك لفظ الوسيط وان وطئها المالك قال المصنف وغيره انه يكون مستردا مقدار العقر حتى يستقر نصيب العامل منه وفي التهذيب انه إن كان في المال ربح وملكناه بالظهور الجزء: 12 ¦ الصفحة: 63 وجب نصيب العامل من الربح وإلا لم يجب شئ فليعلم كذلك (قوله) في الكتاب كان مستردا مقدار العقر بالواو واستيلاد المالك جارية القراض كاعتناقهما وإذا أوجبنا المهر بالوطئ الخالى عن الاحبال فالظاهر الجمع بينه وبين القيمة (وأما) النقصان فما يحصل بانخفاض السوق فهو خسران مجبور بالربح وكذا النقصان بالتعييب والمرض الحادث والنقصان العيني وهو تلف البعض ينظر إن حصل بعد التصرف في المال بيعا وشراء فالاكثرون ذكروا أن الاحتراق وغيره من الافات السماوية خسران مجبور بالربح أيضا وفي التلف بالسرقة والغصب وجهان والفرق أن في الضمان الواجب ما يجبره فلا حاجة إلى جبره بمال القراض وسوى المصنف وطائفة بين الهلاك بالافة السماوية وغيرها وحكوا الوجهين في النوعين ووجه المنع أنه نقصان لاتعلق له بتصرف العامل وتجارته بخلاف النقصان الحاصل بانخفاض الجزء: 12 ¦ الصفحة: 64 السوق وليس هو بناء شئ من نفس المال الذي اشتراه العامل بخلاف المرض والعيب فلا يجب على العامل جبره وكيفهما كان فالاصح أنه مجبور بالربح وإن حصل النقصان قبل التصرف فيه بيعا وشراء كما إذا دفع إليه الفى درهم قراضا فتلف الف قبل أن يتصرف فيه وجهان (أحدهما) أنه خسران أيضا مجبور بالربح الحاصل بعده لانه بقبض العامل صار مال القراض وعلى هذا فرأس المال الفان كما كان ويقال هذا هو منقول المزني عن الجامع الكبير (وأظهرهما) أنه يتلف من رأس المال ويكون رأس المال الالف الباقي لان العقد لم يتأكد بالعمل ولو اشترى بالفين عبدين أو ثوبين فتلف أحدهما (فان قلنا) لو تلف أحد الالفين قبل التصرف جبرناه بالربح فههنا أولى (وإن قلنا) يتلف الجزء: 12 ¦ الصفحة: 65 من رأس المال فوجهان (أحدهما) أن الجواب كذلك لان العبدين بدل الالفين ولاعبرة بمجرد الشراء فانه تهيئة محل التصرف والركن الاعظم في التجارة إذ به يظهر الربح (وأظهرهما) أنه يتلف من الربح ويجب جبره لانه تصرف في رأس المال ولا يأخذ شيئا بالربح حتى يرد ما تصرف فيه إلى المالك هذا إذا تلف بعض المال (أما) إذا تلف كله بآفة سماوية قبل التصرف أو بعده ارتفع القراض وكذا لو أتلفه المالك كما تقدم ولو أتلفه أجنبي أخذ بدله وبقى القراض فيه على ما مر وكذا لو أتلف بعضه وأخذ بدله استمر القراض وما ذكرنا من الخلاف في أنه يجبر بالربح مفروض فيما إذا تعذر أخذ البدل من المتلف ولو أتلف العامل المال قال الامام يرتفع القراض لانه وإن وجب بدله الجزء: 12 ¦ الصفحة: 66 عليه فانه لا يدخل في ملك المالك إلا بقبض منه وحينئذ يحتاج إلى استئناف القراض ولك أن تقول ذكروا وجهين في أن مال القراض إذا غصب أو تلف من الخصم فيه وجهان (أظهرهما) أن الخصم المالك إن لم يكن في المالك ربح وهما جميعا إن كان فيه ربح (والثانى) أن للعامل المخاصمة بكل حال حفظا للمال ويشبه أن يكون الجواب المذكور في اتلاف الأجنبي تفريعا على أن العامل خصم وبتقدير أن يقال انه وإن لم يكن خصما لكن إذا خاصم المالك وأخذ عاد العامل إلى التصرف فيه بحكم القراض لزمه مثله إذا كان العامل هو المتلف وإن قتل عبد القراض قاتل وفى المال ربح لم ينفرد أحدهما بالقصاص بل الحق لهما وان تراضيا على العفو على مال أو على الاستيفاء جاز وان عفى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 67 أحدهما سقط القصاص ووجبت القيمة هكذا ذكروه وهو ظاهر على قولنا انه يملك الربح بالظهور وغير ظاهر على القول الاخر وان لم يكن فيه ربح فللمالك القصاص والعفو على غير مال وكذا لو كانت الجناية موجبة للمال فله العفو عنه ويرتفع القراض وان أخذ المال أو صالح عن القصاص على مال بقى القراض فيه (وقوله) في الكتاب كما أن زيادة العين من الربح ينبنى على ما ذكره في الزيادات أنها محسوبة من الربح وفيه من الخلاف ما مر (وقوله) وهو تردد في انه هل يجعل ذلك من الخسران إلى آخره هذا اللفظ يتناول الصورة الاولى وهى تلف أحد الالفين قبل أن يتشرى بهما شيئا (فأما) الجزء: 12 ¦ الصفحة: 68 الصورة الثانية فالتوجيه فيها ما قدمناه أن الاعتبار بالبيع دون الشراء إذ ظهور الربح وصيرورة العرض نقدا يتعلق بالبيع * (فرع) مال القراض الف درهم واشترى بعينه ثوبا أو عبدا فتلف قبل التسليم بطل الشراء وارتفع القراض وان اشترى في الذمة قال في البويطى يرتفع القراض ويكون الشراء للعامل فمن الاصحاب من قال هذا إذا كان التلف قبل الشراء فان القراض والحالة هذه غير باق عند المشتري فينصرف الشراء إلى العامل (أما) إذا تلف بعد الشراء فالشراء للمالك فإذا تلف الالف المعد للثمن أبدله بألف آخر (وقال) ابن سريج يقع الشراء عن العامل سواء تلف الالف قبل الشراء أو بعده الجزء: 12 ¦ الصفحة: 69 وعليه الثمن ويرتفع القراض لان اذنه ينصرف إلى التصرف في ذلك الالف تعلق التصرف بعينه أم لا (فان قلنا) بالاول فرأس المال الف أو الفان فيه وجهان يحكى الثاني منهما عن أبى حنيفة (فان قلنا) بالاول فهو الالف الاول أو الثاني فيه وجهان تظهر فائدتهما عند اختلاف الالفين في صفة الصحة وغيرها (وعن) مالك أن المالك بالخيار بين أن يدفع الفا آخر ويكون هو رأس المال دون الاول وبين أن لا يدفع فيكون الشراء للعامل ويمكن أن يجعل هذا وجها للاصحاب تخريجا من وجه ذكرناه في باب مداينة العبيد مما إذا سلم إلى عبده الفا ليتجر فيها فاشترى في الذمة ليصرفه إلى الثمن فتلف الجزء: 12 ¦ الصفحة: 70 أنه يتخير السيد بين أن يدفع إليه الفا آخر فيمضى العقد أولا يدفع فيفسخ البائع العقد إلا أن ههنا يمكن صرف العقد إلى المباشر إذا لم يخرج المعقود له ألفا آخر وهناك لا يمكن فيصار إلى الفسخ وهذا الفرع قد ذكرنا طرفا منه هناك للحاجة والله أعلم * (الباب الثالث في التفاسخ والتنازع) قال (والقراض جائز ينفسخ بفسخ أحدهما * وبالموت وبالجنون كالوكالة فان انفسخ والمال الجزء: 12 ¦ الصفحة: 71 ناض لم يخف أمره * وان كان عروضا فعلى العامل بيعه ان كان فيه ربح ليظهر نصيبه * وان لم يكن ربح فهو جهان * مأخذ الوجوب أنه في عهدته أن يرد كما أخذ * فان لم يكن ربح ورضى المالك به وقال العامل أبيعه لم يكن له ذلك الا إذا وجد زبونا يستفيد به الربح * ومهما باع العامل قدر رأس المال وجعله نقدا فالباقي مشترك بينهما وليس عليه بيعه * وان رد إلى نقد ليس من جنس رأس المال لزمه الرد إلى جنسه) الجزء: 12 ¦ الصفحة: 72 الباب يتضمن فصلين (أحدهما) في فسخ القراض وفروعه والقراض جائز كالوكالة والشركة بل هو عينهما فانه وكالة في الابتداء وقد تصير شركة في الانتهاء فلكل واحد من المتعاقدين فسخه والخروج منه متى شاء ولايحتاج فيه إلى حضور الاخر ورضاه (وعن) أبى حنيفة اعتبار الحضور كما ذكره في خيار الشرط وإذا مات أحدهما أو جن أو أغمى عليه انفسخ العقد ثم إذا فسخا أو أحدهما لم يكن للعامل أن يشترى بعده ثم ينظر إن كان المال دينا فعلى العامل التقاضى والاستيفاء خلافا لابي حنيفة حيث فرق بين أن يكون في المال ربح فيلزمه الاستيفاء أولا يكون فلا يلزمه (واحتج) الاصحاب بان الدين ملك ناقص وقد أخذ منه ملكا كاملا فليرد كما أخذ وإن لم يكن دينا نظر ان كان نقدا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 73 من جنس رأس المالك ولا ربح أخذه المالك وان كان فيه ربح اقتسماه بحسب الشرط فان كان الحاصل في يده مكسرة ورأ س المالك صحاح نظر ان وجد من يبدلها بالصحاح وزنا بوزن أبدلها وإلا باعها بغير جنسها من النقد واشترى بها الصحاح ويجوز أن يبيعها بعرض ويشترى به الصحاح في أصح الوجهين (والثاني) لا يجوز لانه قد يتعوق عليه بيع العرض فان كان المال نقدا من غير جنس رأس الملك أو عرضا فله حالتان (إحداهما) أن يكون فيه ربح فعلى العامل بيعه إن طلبه المالك وله بيعه وإن أباه المالك وليس للعامل تأخير البيع إلى توسم رواج المتاع لان حق المالك يعجل خلافا لمالك ولو قال للمالك تركت حقى لك ولا تكلفني البيع هل عليه فيه الاجابة فيه وجهان الجزء: 12 ¦ الصفحة: 74 (أقربهما) المنع ليرد المال كما أخذ فان في التنضيض مشقة ومؤنة * ثم اختلفوا في مأخذ الوجهين وكيفية خروجهما (فمن) بان لهما على الخلاف في أنه متى يملك الربح (إن قلنا) بالظهور لم يلزم المالك قبول ملكه ولم يسقط به طلب البيع (وإن قلنا) بالقسمة فيجاب لانه لم يبق له توقع فائدة فلا معنى لتكليفه تحمل مشقة (ومن) مفرع لهما أولا على أن حق العامل هل يسقط بالترك والاسقاط وهو مبنى على أن الربح متى يملك (إن قلنا) بالظهور لم يسقط كسائر المملوكات (وإن قلنا) بالقسمة سقط على أصح الوجهين فانه ملك أن تملك فكان له العفو والاسقاط كالشفعة (فان قلنا) لا يسقط حقه بالترك الجزء: 12 ¦ الصفحة: 75 لم يسقط بتركه المطالبة بالبيع (وان قلنا) يسقط ففيه خلاف سنذكره في أنه هل يكلف البيع إذا لم يكن في المال ربح ولو قال المالك لاتبع ونقتسم العروض بتقويم عدلين أو قال أعطيك نصيبك من الربح ناضا ففى تمكن العامل من البيع وجهان بناهما قوم من الاصحاب على أن الربح متى يملك (إن قلنا) بالظهور فله البيع لانه قد يجد زبونا يشتريه بأكثر من قيمته (إن قلنا) بالقسمة فلا لوصوله إلى حقه بما يقوله المالك وقطع الشيخ أبو حامد وغيره بالوجه الثاني وقالوا إذا عرس المستعير في أرض العارية كان للمعير ان يتملكه عليه بالقيمة لان الضرر يندفع عنه بأخذ القيمة فههنا أولى وحيث لزمه البيع قال الامام الذي قطع به المحققون إن ما يلزمه بيعه وتنضيضه قدر رأس المال (أما) الجزء: 12 ¦ الصفحة: 76 الزائد عليه فحكمه حكم عرض آخر يشترك فيه اثنان لا يكلف واحد منهما بيعه ثم ما يبيعه بطلب المالك أو باذنه يبيعه بنقد البلد إن كان من جنس رأس المال وإن كان من غير جنسه باعه بما يرى المصلحة فيه من نقد البلد ورأس المال فان باعه بنقد البلد حصل به رأس المال (الثانية) إذا لم يكن في المال ربح هل للمالك تكليفه البيع فيه وجهان (أحدهما) لا لان غرض البيع أن يظهر الربح ليصل العامل إلى حقه منه فان لم يكن ربح وارتفع العقد لم يحسن تكليفه بيعا بلا فائدة (وأظهرهما) نعم وبه قال الشيخان أبى محمد وأبو علي والقاضى حسين لانه في عهده أن يرد المال كما أخذ وإلا لزم الجزء: 12 ¦ الصفحة: 77 المالك في رده إلى ماكان كلفة ومؤنة وهل للعامل بيعها إذا رضى المالك با مساكها حكى الامام فيه وجهين (وجه) المنع انه كفاه شغلا بلا فائدة (ووجه) الاخر أنه قد يجد زبونا يشتريه بزيادة وهذا ما ذكره عامة الاصحاب وقالوا له أن يبيع إذا توقع ربحا بأن ظفر بسوق أو راغب (ورأى) الامام تفصيلا فيه وهو أنه ليس له البيع بما يساويه بعد الفسخ جزما وبيعه بأكثر مما يساويه عند الظفر بزبون محتمل لانه ليس ربحا في التحقيق وإنما هو رزق مساق إلى مالك العروض (وإذا قلنا) ليس للعامل البيع إذا أراد المالك امساك العروض واتفقا على أخذ المالك العروض ثم ظهر ربح بارتفاع السوق فهل للعامل نصيب فيه لحصوله بكسبه أم لا لظهوره بعد الفسخ فيه وجهان (أظهرهما) الثاني (وقوله) في الجزء: 12 ¦ الصفحة: 78 الكتاب وإن رد إلى نقد لا من جنس رأس المالك لزمه الرد إلى جنسه غير خاف مما أدرجناه في أثناء الكلام ثم انه يشمل ما إذا كان عند الفسخ نقدا من غير جنس رأس المال وكان الرد إليه بعد الفسخ * (فرع) كما يرتفع القراض بقول المالك فسخته يرتفع بقوله للعامل لا تتصرف بعد هذا وباسترجاع المال منه ولو باع المالك ما اشتراه العامل بالقراض فينعزل العامل كما لو باع الموكل ما وكل ببيعه ينعزل الوكيل أولا ينعزل ويكون ذلك اعانة له فيه وجهان (أشبههما) الثاني ولو حبس العامل ومنعه من التصرف أو قال لاقراض بيننا ففى انعزاله وجهان (أشهرهما) أنه لا ينعزل أيضا ذكرهما أبو العباس الرويانى في الجرجانيات * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 79 قال (ولو مات المالك فلوارثه مطالبة العامل بالتنضيض * وله أن يجدد العقد معه ان كان المال نقدا * وان كان في المال ربح أخذ بقدر حصته من ربحه عند القسمة * والباقى يتبع فيه موجب الشرط * وإن كان عرضا ففى جواز التقرير عليه وجهان * ووجه الجواز أنه قد ظهر رأس المال وجنسه من قبل فلم يوجد علة اشتراط النقدية ههنا * وان مات العامل لم يجز تقرير وارثه على العرض فانه ما اشتراه بنفسه فيكون كلا عليه * نعم ان كان نقدا فهل ينعقد القراض معه بلفظ التقرير فيه وجهان) * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 80 ذكرنا أن القراض ينفسخ بالموت وإذا مات المالك والمال ناض لاربح فيه أخذه الوارث وان كان فيه ربح اقتسماه وان كان عرضا فالمطالبة بالبيع والتنضيض كما في حالة حصول الفسخ في حياتهما وللعامل البيع ههنا حيث كان له البيع هناك ولا يحتاج إلى اذن الوارث اكتفاء باذن من تلقي الوارث الملك عنه بخلاف ما إذا مات العامل حيث لا يتمكن وارثه من البيع دون إذن المالك فانه لم يرض بتصرفه وفي التتمة وجه أن العامل أيضا لا يبيع إلا باذن وارث المالك والمشهور الاول ويجرى الخلاف في استيفائه الديون بغير إذن الوارث ولو أراد الاستمرار على العقد فان كان المال ناضا فلهما الجزء: 12 ¦ الصفحة: 81 ذلك بأن يستأنفا عقدا بشرطه ولا بأس بوقوعه قبل القسمة لجواز القراض على المشاع وكذلك يجوز القراض مع الشريك بشرط أن لا يشاركه في اليد ويكون للعامل ربح نصيبه ويتضار بان في ربح نصيب الاخر وهل ينعقد بلفظ الترك والتقرير بأن يقول الوارث أو القائم بأمره تركتك أو أقررتك على ماكنت عليه فيه وجهان (أحدهما) وبه قال الشيخ أبو محمد لا لان العقد السابق قد ارتفع وهذا ابتداء عقد فلابد من إذن صالح للابتداء والتقرير يشعر بالاستدامة (وأظهرهما) عند الامام نعم لفهم المعني وقد يستعمل التقرير لانشاء عقد على موجب العقد السابق وليكن الوجهان مفرعان على أن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 82 هذه العقود لا تنعقد بالكنايات فينبغي أن يجزم بالوجه الثاني وإن كان المال عروضا ففى جواز تقريره على القراض وجهان (عن) أبى اسحق انه جائز لانه استصحاب قراض فيظهر في جنس رأس المال (والاظهر) المنع لان القراض الاول قد ارتفع فلو وجد قراض آخر لكان قراضا مستأنفا وحينئذ يمتنع إيراده على العروض والاول ظاهر لفظه في المختصر لكن القائلين بالثاني حملوه على ما إذا كان المال ناضا أو استأنفا عقدا (والاشبه) أن يختص الوجهان بلفظ الترك والتقرير ولا يتسامح باستعمال الالفاظ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 83 التى تستعمل في الابتداء ثم حكي الامام فيما إذا فسخ القراض في الحياة طريقة طاردة للوجهين وأخرى قاطعة بالمنع وهو الاشهر وعليها يضعف وجه جواز التقرير بعد الموت وهذا إذا مات المالك وإن مات العامل واحتيج إلى البيع والتنضيض فان إذن المالك لوارث العامل فيه فذاك وإلا تولاه منصوب من جهة الحاكم ولايجوز تقرير وارثه على القراض إن كان عرضا ولا يخرج على الوجين المذكورين في موت المالك وفرقوا بينهما بوجهين (أحدهما) أن ركن القراض من جانب العامل عمله وقد فات بفواته ومن جانب المالك المال وهو باق بعينه انتقل إلى الوارث (والثانى) وهو الجزء: 12 ¦ الصفحة: 84 المذكور في الكتاب أن العامل هو الذي اشترى العروض والظاهر أنه لا يشترى إلا ما يسهل عليه بيعه وترويجه وهذا المعنى لا يؤثر فيه موت المالك وإذا مات العامل فربما كانت العروض كلا على وارثه لانه لم يشترها ولم يخترها وإن كان المال ناضا فلهما الاستمرار بعقد منشأ وفي لفظ التقرير الوجهان السابقان وهما كالوجهين في أن الوصية بالزائد على الثلث إذا جعلناها ابتداء عطية هل تنقض بلفظ الاجازة ويجريان أيضا فيما إذا انفسخ البيع الجارى بينهما ثم أرادا إعادته فقال البائع قررتك على موجب العقد الاول وقبل صاحبه وفي مثله من النكاح لا يعتبر ذلك وللامام احتمال فيه لجريان لفظ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 85 النكاح مع التفرير (وقوله) في الكتاب فان كان في المال ربح أخذ بقدر حصته من ربحه عند القسمة والباقى يتبع فيه موجب الشرط (مثاله) إذا كان رأس المال الموروث مائة وربح عليه مائتين وجدد الوارث العقد على النصف كما كان من غير أن يقتسما فرأس المال للوارث مائتان من الثلاثمائة والمائة الباقية للعامل فعند القسمة يأخذها بقسطها من الربح ويأخذ الوارث رأس المال مائتين ويقتسمان ما بقى (وقوله) ولم يوجد عليه اشتراط النقدية ههنا أي لا يعتبر في التقرير كونه نقدا بخلاف مافى الابتداء لما مر (وقوله) وهل ينعقد القراض معه بلفظ التقرير فيه وجهان أشار به إلى ان تجديد العقد الجزء: 12 ¦ الصفحة: 86 جائز لا محالة كما إذا مات المالك والمال نقدا وإنما الخلاف في الصورتين في الانعقاد بلفظ التقرير (فأما) إذا كان المال عرضا في صورة موت المالك فالخلاف هناك في أصل التقرير فلذلك قال في جواز التقرير عليه وجهان * قال (ومهما كان استرد المالك طائفة من المال وكان إذ ذاك في المال ربح فهو شائع ويستقر ملك العامل على ما يخصه من ذلك القدر فلا يسقط بالنقصان * وإن كان فيه خسران لم يجب على العامل جبر ما يخص المسترد من الخسران) * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 87 استرداد المالك طائفة من المال ان كان قبل ظهور الربح وخسران رجع رأس المال إلى القدر الباقي وإن كان بعد ظهور الربح في المال فالمسترد شائع ربحا وخسرانا على النسبة الحاصلة بين جملتي الربح وبين رأس المال ويستقر ملك العامل على ما يخصه بحس الشرط مما هو ربح فيه فلا يسقط بالنقصان الحادث وإن كان الاسترداد بعد ظهور الخسران ان كان الخسران موزعا على المسترد والباقى فلا يلزم جبر حصة المسترد من الخسران كما أنه لو رد الكل بعد الخسران لم يلزمه شئ ويصير رأس المال الباقي بعد المسترد وحصته من الخسران (مثال) الاسترداد بعد الربح رأس المال مائة ربح عليها عشرين ثم استرد المالك عشرين والربح سدس المال يكون المأخوذ سدسه ربحا وهو ثلاثة دراهم وثلث الجزء: 12 ¦ الصفحة: 88 ويستقر ملك العامل على نصفه ان كان الشرط المناصفة وهو درهم وثلثا درهم حتى لو انخفضت السوق وعاد مافى يده إلى ثمانين لم يكن للمالك أن يأخذ الكل ويقول كان رأس المال مائة وقد أخذت عشرين أضمن إليها ثمانين لتتم لى المائة بل يأخذ العامل من الثمانين درهما وثلثي درهم ويرد الباقي وهو ثمانية وسبعون درهما وثلث درهم (ومثال) الاسترداد بعد الخسران رأس المال مائة وخسر عشرين ثم استرد العشرين فالخسران يوزع على المسترد والباقى يكون حصة المسترد خمسة لا يلزمه جبرها حتى لو ربح بعد ذلك فبلغ المال ثمانين لم يكن للمالك أخذ الكل بل يكون رأس المال خمسة وسبعين والخمسة الزائدة تقسم بينهما نصفين فيجعل للمالك من الثمانين سبعة وسبعين ونصف درهم * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 89 قال (وان قال العامل تلف المال أو رددت (و) أو ما ربحت أو خسرت بعد الربح أو هذا العبد اشتريته للقراض أو لنفسي أو ما نهيتني عن شرائه وخالفه المالك فالقول قول العامل * وان اختلفا في قدر ما شرط له من الربح فيتحالفان ويرجع إلى أجر المثل * وان اختلفا في قدر رأس المال فالقول قول العامل إذ الاصل عدم القبض) * الفصل الثاني من الباب في التنازع وفيه وجوه (منها) أن يدعى العامل تلف المال في يده فهو مصدق بيمينه كالمودع نعم إذا ذكر سبب التلف ففيه تفصيل نؤخره إلى كتاب الوديعة إن شاء الله تعالى لان صاحب الكتاب أورد طرفا منه هناك (ومنها) إذا اختلف في رد المال ففيه وجهان ذكرناهما في باب الرهن (وأظهرهما) ما أجاب به في الكتاب وهو تصديق العامل واعلم قوله الجزء: 12 ¦ الصفحة: 90 أو رددت بالواو إشارة إلى ذلك الخلاف (ومنها) إذا قال العامل ما ربحت أو قال لم أربح إلا الفا وقال المالك بل الفين صدق العامل بيمينه ولو قال ربحت كذا ثم غلطت في الحساب إنما الربح كذا أو تبينت أن لا ربح أو قال كذبت فيما قلت خوفا من انتزاع المال من يدى لم يقبل رجوعه لانه أقر بحق لغيره فاشبه سائر الاقارير (وعن) مالك إن كان بين يديه موسم يتوقع فيه ربح يقبل قوله كذبت ليترك المال في يدى لاربح في الموسم ولو قال خسرت بعد الربح الذي أخبرت عنه قبل قال في التتمة وذلك عند الاحتمال بأن عرض للاسواق كساد فان لم يحتمل لم يقبل ولو ادعى الخسارة عند الاحتمال أو التلف بعد قوله كنت كاذبا فيما قلت ورددنا قوله قبل أيضا ولانبطل أمانته بذلك الجزء: 12 ¦ الصفحة: 91 القول السابق هكذا قال الاصحاب ونسبه القاضى الرويانى في التجربة إلى نصفه (ومنها) قال العامل اشتريت هذا العبد للقراض وقال المالك بل لنفسك وانما يقع هذا الاختلاف عند ظهور خسران فيه غالبا أو قال العامل اشتريته لنفسي وقال المالك بل للقراض فالقول قول العامل لانه أعرف بقصده ونيته ولانه في يده وإذا ادعي أنه ملكه صدق وعن ابن سريج أن في الصورة الاولى قولا آخر أن القول قول المالك لان الاصل عدم وقوعه للقراض كمأخذ القولين فيما إذا قال الوكيل بعت ما أمرتني ببيعه أو اشتريت ما أمرتني بشرائه فقال الموكل لم تفعل والظاهر الاول قال في المهذب فلو أقام المالك بينة أنه اشتراه بمال القراض يعنى في الصورة الثانية ففى الحكم بها وجهان (وجه) المنع أنه يشترى لنفسه بمال القراض متعديا فيبطل البيع ولايكون للقراض (ومنها) قال المالك كنت نهيتك عن شراء الجزء: 12 ¦ الصفحة: 92 هذا العبد فقال العامل لم تنهنى فالقول قول العامل لان الاصل عدم النهى لانه لو كان كما يزعمه المالك لكان خائنا والاصل عدم الخيانة (ومنها) قال العامل شرطت لى نصف الربح وقال المالك بل ثلثه فيتحالفان لانهما اختلفا في عوض النقد فأشبه اختلاف المتبايعين وإذا تحالفا فسخ العقد واختص الربح والخسران بالمالك وللعامل أجرة مثل عمله وفيه وجه أنها إن كانت أكثر من نصف الربح فليس له إلا قدر النصف لانه لا يدعي أكثر منه (ومنها) لو اختلفا في قدر رأس المال فقال المالك دفعت اليك الفين وقال العامل بل الفان فالقول قول العامل إن لم يكن في المال ربح لان الاصل عدم دفع الجزء: 12 ¦ الصفحة: 93 الزيادة وإن كان في المال ربح فكذلك على الاصح وفيه وجه أنهما يتحالفان لان قدر الربح يتفاوت به فأشبه الاختلاف في القدر المشروط من الربح ومن قال بالاولى قال الاختلاف في القدر المشروط من الربح اختلاف في كيفية العقد والاختلاف ههنا اختلاف في القبض فيصدق فيه الثاني كما لو اختلف المتبايعان في قبض الثمن فان المصدق البائع ولو قارض رجلين على مال بشرط أن يكون نصف الربح له والباقى بينهما بالسوية فربحا ثم قال المالك دفعت اليكما الفين وصدقه أحدهما وقال الاخر بل الفا لزم المقر ما أقر به وحلف المنكر وقضى له بموجب قوله فلو كان الاصل الفين أخذ المنكر ربع الالف الزائد على ما أقر به والباقى يأخذه المالك ولو كان الحاصل ثلاثة آلاف فزعم المنكر أن الربح منها الفان وأنه يستحق منهما خمسمائة فلتسلم إليه ويأخذ المالك من الباقي الفين من رأس المال لاتفاق المالك والمقر عليه يبقي خمسمائة يتقاسمانهما اثلاثا لاتفاقهم على ما يأخذه المالك مثلا ما يأخذه كل واحد من العاملين وما أخذه المنكر كالتالف منهما ولو قال المالك كان رأس المال دنانير وقال العامل الجزء: 12 ¦ الصفحة: 94 بل دراهم فالمصدق العامل أيضا ولو اختلفا في أصل القراض فقال المالك دفعت المال اليك لتشترى لى وكالة وقال من في يده بل قارضتى فالمصدق المالك فإذا حلف أخذ المال وربحه ولا شئ عليه للاخر وهذه فروع مبددة نختم بها الباب ليس للعامل التصرف في الخمر شراء وبيعا خلافا لابي حنيفة فيما إذا كان العامل ذميا فلو خالف واشترى خمرا أو خنزيرا أو أم ولد ودفع المال في ثمنه عن علم فهو ضامن وإن كان جاهلا فكذلك على الاشهر لان حكم الضمان لا يختلف بالعلم والجهل وقال القفال يضمن في الخمر دون أم الولد وليس لها أمارة تعرف به وفي التهذيب وجه غريب أنه لا يضمن فيها وأبعد منه وجه نقله في الشامل أنه لا يضمن في حالة العلم أيضا لانه قصد الفضل بحسب رأيه ولو قارضه على أن ينقل المل إلى موضع ويشترى من أمتعته ثم يبيعها هناك أو يردها إلى موضع القراض الجزء: 12 ¦ الصفحة: 95 قال الامام ذهب الاكثرون إلى فساد القراض لان نقل المال من قطر إلى قطر عمل زائد على التجارة فأشبه شرط الصحن والخبز ويخالف ما إذا أذن له في السفر فان الغرض منه رفع الحرج وعن الاستاذ أبى اسحق وطائفة من المحققين ان شرط المسافرة لا يضر فانها الركن الاعظم في الاموال والبضائع الخطيرة ولو قال خذ هذه الدراهم قراض وصارف بها مع الصيارفة ففي صحة مصارفته مع غيرهم وجهان (وجه) الصحة أن المقصود من مثله أن يكون تصرفه صرفا لا مع قوم بأعيانهم ولو خلط العامل مال القراض بماله صار ضامنا وكذا لو قارضه رجلان هذا على مال وهذا على مال فخلط أحدهما بالاخر وكذا لو قارضه واحد على مالين بعقدين فخلط خلافا لابي حنيفة في الصورة الاخيرة ولو جرى ذلك باذن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 96 المالك بأن دفع إليه ألفا قراضا ثم دفع إليه الفا آخر وقال ضمنه إلى الاول فان لم يتصرف بعد في الاول جاز وكأنه دفعهما إليه دفعة واحدة وان تصرف في الاول لم يجز القراض في الثاني ولا الخلط لان حكم الاول قد استقر بالتصرف ربحا وخسرانا وربح كل مال وخسرانه انه يختص به ولو دفع إليه ألفا قراض وقال ضمن إليها ألفا من عندك على أن يكون ثلث ربحها لك وثلثاه لى أو بالعكس كان قراضا فاسدا لما فيه من شرط التفاوت في الربح مع التشريك في المال ولا نظر إلى العمل بعد حصول الشركة في المال ولو دفع إليه زيد ألفا قراضا وعمرو كذلك فاشترى لكل واحد منهما بألف عبدا ثم اشتبها عليه ففيه قولان عن رواية حرملة (أحدهما) أن شراء العبدين ينقلب إليه ويغرم لهما لتفريطه حيث لم يفردهما حتى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 97 تولد الاشتباه ثم المغروم عند الاكثرين الالفان وقال بعضهم يغرم قيمة العبدين وقد يزيد على الالفين (والقول الثاني) أنه يباع العبدان ويقسم الثمن بينهما وان حصل ربح فهو بينهم على حسب الشرط فان اتفق خسران قالوا يلزمه الضمان لتقصيره فاستدرك المتأخرون فقالوا إن كان الخسران لانخفاض السوق لا يضمن لان غايته أن يجعل كالغاصب والغاصب لا يضمن نقصان السوق قال إمام الحرمين والقياس مذهب ثالث وراء القولين وهو أن يبقى العبدان لهما على الاشكال إلى أن يصطلحا * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 98 (كتاب المساقاة) (وفيه بابان) (الباب الاول في أركانها) قال (وهى أربعة (الاولى متعلق العقد) وهو الاشجار إذ عليها يستعمل العامل بجزء من الثمار كما يستعمل عامل القراض إلا أن المساقاة لازمة مؤقتة يستحق (و) الثمار فيها بمجرد الظهور بخلاف القراض * وأصلها ماروى أنه صلى الله عليه وسلم " ساقى أهل خيبر على النصف من الثمر والزرع ") * صورة المساقاة أن يعامل انسانا على نخله ليتعهدها بالسقي والتربية على أن ما رزق الله تعالى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 99 من ثمره تكون بينهما ولفظ المساقاة مأخوذ من السقى لان أنفع الاعمال وأكثرها مؤنة أو تعبا السقى خاصة بالحجاز لان أهلها يسقون من الابار والمعتمد في جوازها أن ابن عمر رضى الله عنه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " عامل أهل خيبر على شطر مايخرج منها من ثمر أو زرع " ومن جهة المعنى أن مالك الجزء: 12 ¦ الصفحة: 100 الاشجار قد لا يحسن تعهدها ولا يتفرع له ومن يحسن ويتفرغ قد لا يملك الاشجار فيحتاج ذلك إلى الاستعمال وهذا إلى العمل ولو تعاقدا عقد الاجارة للزم المالك غرم الاجرة في الحال وربما لا يحصل له من الاشجار شئ ويتهاون العامل فلم يبذل المجهود في تعهدها لانه لا يتحصل من فوائدها على شئ فدعت الحاجة إلى تجويز هذا العقد وبه قال مالك وأحمد وخالف فيه أبو حنيفة وقد يقيس الاصحاب المساقاة على القراض في الحجاج معه ومسائل الكتاب مذكورة في بابين (أحدهما) في أركان العقد (والثانى) في أحكامه كما ذكر في القراض (وأما) التفاسخ والتنازع فلم يفرد لهما بابا لان حظهما من هذا العقد أما التفاسخ فلانه لازم وسبيل الفسخ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 101 فيه سبيل الاقالات (وأما) التنازع فلانه معلوم مما ذكره في القراض وقد أشار إليه إشارة خفية في آخر الكتاب * (الباب الاول في الاركان) وهى كأركان القراض إلا أنه ذكر العاقدين اكتفاء بما مر في القراض فبقيت أربعة (إحدهما) الاشجار وهى كرأس المال في القراض لانها محل العمل والتصرف كالمال هناك (وقوله) متعلق العقد يمكن أن يطابق فيه فيقال العقد كما يتعلق بالاشجار يتعلق بالثمار ولذلك عد الثمار ركنا للعقد وليس للترجمة اختصاص بالاشجار نعم لو قال متعلق العمل كان قريبا (وقوله) إلا أن المساقاة لازمة إلى آخره لا يخفي على الناظر أن لفظ الكتاب استثناء محققا ثم الغرض منه بيان أن العقدين يشتركان الجزء: 12 ¦ الصفحة: 102 في الاكثر ويفترقان في الاقل وذكر في افتراقهما مسائل (إحدهما) المساقاة ليس لاحد المتعاقدين فسخها بخلاف القراض لان العمل في المساقاة يقع في أعيان تبقى بحالها وفي القراض لاتبق الاعيان بعد العمل والتصرف فكان القراض شبيها بالوكالة والمساقاة بالاجارة وأيضا فانا لو حكمنا بالجواز فربما يفسخ المالك بعد العمل وقبل ظهور الثمار وحينئذ فاما أن نقطع حق العامل عنها أو لانقطع إن قطعناه ضاع شقاء العامل مع بقاء تأثيره في الثمار وانه ضرر وان لم نقطعه لم ينتفع المالك بالفسخ بل يتضرر لحاجته إلى القيام ببقية الاعمال ويخالف القراض فان الربح ليس له وقت معلوم ولا تأثيره بالاعمال السابقة فلا يلزم من فسخه ما ذكرناه (الثانية) المساقاة لابد من تأقيتها كالاجارة وسائر الجزء: 12 ¦ الصفحة: 103 العقود اللازمة وهذا لانها لو تأبدت لتصور من ليس بمالك بصور المالكين وفيه إضرار بالمالكين وأيضا فان المساقاة تفتقر إلى مدة يقع فيها التعهد وخروج الثمار ولحصول الثمار غاية معلومة يسهل ضبطها والقراض يخل به التأقيت لان الربح ليس له وقت معلوم فربما لا يحصل في المدة المقدرة (الثالثة) هل يملك العامل نصيبه من الثمار بالظهور فيه طريقان (إحداهما) انه على القولين في ربح مال القراض (وأظهرهما) القطع بانه يملك والفرق أن الربح وقاية لرأس المال عن الخسران فلا يملك الربح حتى يسلم رأس المال عن الخسران المحوج إلى الجبران والثمر ليست وقاية للاشجار * قال (وللاشجار ثلاث شرائط (الاول) أن يكون نخيلا أو كرما * وفيما عداهما من الاشجار الجزء: 12 ¦ الصفحة: 104 المثمرة قولان * وكل ما يثبت أصله في الارض فشجر إلا البقل (و) فانه يلتحق بالزرع والبطيخ والباذنجان وقصب السكر وأمثاله) * المساقاة على النخل وردت بها السنة والكرم في معناها (وأما) غيرها من النبات فينقسم إلى ماله ساق والى غيره (القسم الاول) ماله ساق وهو على ضريين الاول ماله ثمر كالتين والجوز واللوز والمشمش والتفاح ونحوها وفيها قولان القديم وبه قال مالك وأحمد أنه تجوز المساقاة عليها للحاجة كالنخل والكرم وأيضا فقد روى أنه صلى الله عليه وسلم " عامل أهل خيبر بالشطر مما يخرج من النخل والشجر " والجديد المنع لانها أشجار لا زكاة في ثمارها فأشبهت الاشجار الواقعة في الضرب الجزء: 12 ¦ الصفحة: 105 الثاني وتخالف النخيل والكرم لان ثمارها لاتكاد تحصل الا بالعمل وسائر الاشجار يثمر من غير تعهد وعمل عليها ولان الزكاة تجب في ثمرتها فجوزت المساقاة سعيا في تثميرها ليرتفق بها المالك والعامل والمساكين جميعا ولان الخرص يتأتى في ثمرتها لظهورها وتدلى عنا قيدها وثمار سائر الاشجار تنتشر وتستتر بالاوراق فإذا تعذر الخرص تعذر تضمين الثمار للعامل وربما لا يثق المالك بأمانته فاذن تجويز المساقاة عليها أهم وفي الشجر المقل وجهان تفريعا على الجديد (عن) ابن سريج تجويز المساقاة عليها تخريجا لظهور ثمرتها (وقال) غيره بالمنع لانه لا زكاة فيها (والضرب الثاني) مالا ثمرة له كالدلب والصنوبر وما أشبههما فلا تجوز المساقاة عليها وعن الشيخ أبى على وآخرين انا إذا جوزنا المساقاة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 106 على غير النخل والكرم من الاشجار المثمرة ففى المساقاة على شجر الفرصاد وجهان تنزيلا لاوراقها منزلة ثمار الاشجار المثمرة وكذلك في شجر الخلاف لاغصانها التى تقصد كل سنة أو سنتين (والقسم الثاني) مالا ساق لها من النبات فلا تجوز المساقاة عليه ومنه البطيخ والقثاء وقصب السكر والباذنجان والبقول التى لا تثبت في الارض ولا تجز إلا مرة (وأما) ما يثبت في الارض ويجز مرة بعد أخرى نقل صاحب التتمة فيه وجهين (الاصح) المشهور المنع لان المساقاة جوزت رخصة على خلاف القياس فلا تتعدى إلى غير موردها ومن هذا القبيل الزروع على تنوعها فلا يجوز أن يعامل على الارض ببعض مايخرج من زرعها على ما سنشرحه في الفصل الذي يلى هذا الفصل (وقوله) في الكتاب الجزء: 12 ¦ الصفحة: 107 وفيما عداه من الاشجار المثمرة قولان فيه لفظان الشجرة والاثمار أما الاثمار ففي التقييد به بيان انه إذا لم يكن الشجر مثمرا لم تجز المساقاة عليه جزما وليس ذلك محل القولين (وأما) الشجر فقد بينه بقوله وكل ما ثبت أصله فشجر أي هو الذي يجرى فيه القولان (أما) مالا ثبات له فلا يقع عليه اسم الشجر وليس ذلك موضع القولين (وقوله) إلا البقل يعني أنه مع ثبوت عروقه في الارض لا يقع عليه اسم الشجر ولا يجرى فيه القولان فكان اسم الشجر مخصوصا بذي الساق في عرف اللسان قال الله تعالى (والنجم والشجر يسجدان) قيل في التفسير النجم مالا ساق له من النبات والشجر ماله ساق فلا يبعد اعلام قوله إلا البقل بالواو للوجه المروى في التتمة * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 108 قال (ولا يجوز (و) هذه المعاملة عليه لنهيه عليه الصلاة والسلام عن المخابرة وهى أن يكون البذر من العامل * وعن المزارعة وهى (و) أن يكون البذر من المالك * نعم يجوز ذلك على الاراضي المتخللة بين النخيل والكرم تبعا للمساقاة بشرط اتحاد العامل وعسر افراز الاراضي بالعمل * فلو وقعت متغايرة بتعدد الصفقة أو بتفاوت الجزء المشروط من الزرع والثمر أو بكثرة الاراضي وان عسر افرازها بالعمل أو بكون البذر من العامل ففى بقاء حكم التبعية في الصحة خلاف) * المخابرة من الخبير وهو الاكار ويقال هي مشتقة من الخبار وهى الارض الرخوة ثم ذهب بعض الاصحاب إلى أن المخابرة المزارعة عبارتان عن معبر واحد ويوافقه قوله في الصحاح والخبير الجزء: 12 ¦ الصفحة: 109 الاكار ولفظ المخابرة وهى المزارعة ببعض مايخرج من الارض والصحيح وهو ظاهر نص الشافعي رضى الله عنه انهما عقدان مختلفان فالمخابرة هي المعاملة على الارض ببعض مايخرج منها والبذر من العامل والمزارعة هي هذه المعاملة والبذر من مالك الارض وقد يقال المخابرة اكثراء الارض ببعض مايخرج منها والمزارعة اكتراء العامل ليزرع الارض ببعض مايخرج منها وهذا المعنى لا يختلف ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب وهو أن يكون البذر على العامل وكذا وهى أن يكون البذر من المالك بالواو إشارة إلى قول من قال هما عبارتان عن معبر واحد فان عند ذلك القائل ليس واحدا من هذين الخصومين بداخل في واحد من اللفظين بل هما عبارتان عن مجرد المعاملة على الارض الجزء: 12 ¦ الصفحة: 110 ببعض مايخرج منها وقد اشتهر في الاخبار النهى عن المخابرة " قال ابن عمر كنا نخابر ولا نرى بذلك بأسا حتى أخبرنا رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه فتركناها لقول رافع " وعن جابر وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهي عن المخابرة " وأما المزارعة فعن رواية ثابت بن الضحاك أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن المزارعة " وقال كثيرون لم يرد فيها نهى لكنها شبهت بالمخابرة فأبطلت وساعدنا على ابطال المخابرة والمزارعة معا مالك وأبو حنيفة وأبطل أحمد المخابرة وكذلك المزارعة فيجوز أن يعلم لذلك قوله في الكتاب فلا تجوز هذه المعاملة عليه كذلك بالواو لان ابن سريج فيما حكاه المسعودي جوز المزارعة إذا تقرر ذلك فمهما أفردت الارض مخابرة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 111 أو مزارعة فالعقد باطل ثم ان كان البذر للمالك فالريع له وللعامل أجرة مثل عمله وأجرة مثل الالات والثيران إن كانت له وان كان للعامل فالريع له ولمالك الارض أجرة مثل الارض على العامل وان كان البذر بينهما فالريع بينهما ولكل واحد منهما على الاخر أجرة ما انصرف من المنافع المستحقة له إلى جهة المزارعة وإذا أراد أن يكون الزرع بينهما على وجه مشروع من غير أن يرجع أحدهما على الاخر شئ نظر ان كان البذر بينهما والارض لاحدهما والعامل والالات للثاني فعن الشافعي رضى الله عنه أن صاحب الارض يعير نصف أرضه من العامل ويتبرع العامل بمنفعة بدنه ومنفعة آلاته فيما يتعلق بصاحب الارض وقال المزني يكرى صاحب الارض نصف أرضه من العامل بعشرة مثلا ويكرى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 112 العامل ليعمل على نصيبه بنفسه وآلاته بعشرة ويتقاصان قال الاصحاب يكريه نصف أرضه بنصف منافع العامل ومنافع آلاته المصروفة إلى الزراعة فهذه ثلاث طرق (والثالث) أحوطها وان كان البذر لاحدهما خاصة فان كان لصاحب الارض أقرض نصف البذر من العامل واكترى منه نصف الارض بنصف عمله ونصف منافع الالات وحينئذ لا شئ لاحدهما على الاخر إلا رد القرض وان شاء استأجر العامل بنصف البذر ونصف منفعة تلك الارض ليزرع له النصف الاخر وأعار منه نصف الارض وإن شاء استأجر بنصف البذر بنفقة تلك الارض ليزرع ما يبقى من ذلك البذر في تلك الارض وان كان البذر للعامل فان شاء أقرض نصف البذر من صاحب الارض واكترى منه نصف الارض بنصف عمله ومنافع الالا ت وان شاء اكترى نصف الارض بنصف البذر ويتبرع بعمله ومنافع الالات وان شاء اكترى منه نصف الارض بنصف البذر ونصف عمله ونصف منافع الالات ولابد في هذه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 113 الاجارات من رعاية الشرائط كرؤية الارض والالات وتقدير المدة وغيرها هذا إذا أفردت الارض بالعقد أما إذا كان بين النخيل بياض تجوز المزارعة عليه مع المساقاة على النخيل وعلى ذلك يحمل ماروى أنه صلى الله عليه وسلم " ساقى أهل خيبر على نصف التمر والزرع " وسببه الحاجة لعسر الافراد ومداخلة البستان وشرط فيه اتحاد العامل فلا يجوز أن يساقى واحد ويزرع آخر لان غرض الاستقلال لا يحصل ويشترط أيضا تعذر افراد النخيل بالسقى وأفراد البياض بالعمل لانتفاع النخيل بسقيه وتغليته فان أمكن الافراد لم تجز المزارعة على البياض واختلفوا في اعتبار أمور أخر (أحدها) اتحاد الصفقة واعلم أن لفظ المعاملة يشمل المساقاة والمزارعة فلو قال عاملتك على هذه النخيل والبياض بينهما بالنصف كفى (وأما) لفظ المساقاة والمزارعة فلا يغنى أحدهما عن الاخر بل يساقى على النخيل ويزارع على البياض وحينئذ فان قدم المساقاة نظر ان أتى بها على الاتصال فقد اتحدت الصفقة وتحقق الشرط وان فصل بينهما الجزء: 12 ¦ الصفحة: 114 ففى وجه تصرح المزارعة لحصولهما لشخص واحد والاصح المنع لانها تبع ولايجوز افرادها كما لو زارع مع غير عامل زارع المساقاة وان قدم المزارعة فسدت فان البائع لايتقدم على المتبوع كما لو باع بشرط الرهن لا يجوز تقديم شرط الرهن على البيع وفيه وجه أنها تنعقد موقوفة أن ساقاه بعدها على النخيل بأن صحتها وإلا فلا (والثانى) لو شرط للعامل من الثمر النصف ومن الزرع الربع فأحد الوجهين أنه لا يجوز ويشترط تساوى المشروط لان الفضيل يبطل التبعية ألا ترى أنه لو باع شجرة عليها ثمرة لم يبد فيها الصلاح وقال بعتك الشجرة بعشرة والثمرة بدينار لم يجز إلا بشرط القطع (وأصحهما) الجواز لان المزارعة وان جوزت تبعا للمساقاة فكل منهما عقد برأسه (والثالث) لو كثر البياض المتخلل فوجهان وان عسر الافراد (أحدهما) المنع لان الاكثر لايتبع الاقل (وأصحهما) الجواز لان الحاجة لا تختلف ثم النظر في الكثرة إلى زيادة الثمار والانتفاع أو إلى ساحة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 115 البياض وساحة مغارس الاشجار فيه تردد للائمة (والرابع) لو شرط كون البذر من العامل جاز في أحد الوجهين وكانت المخابرة تبعا للمساقاة كالمزارعة ولم تجز في أصحهما لان الخبر ورد في المزارعة وهى أشبه بالمساقاة لانه لا يتوظف فيهما على العامل إلا العمل وشرط أن يكون البذر من المالك والثور من العامل أو بالعكس فيه وجهان عن أبى عاصم العبادي (والاصح) الجواز إذا كان البذر مشروطا على المالك لانه الاصل فكأنه اكترى العامل وثوره (قال) وان حكمنا بالجواز فيما إذا شرط الثور على المالك والبذر على العامل فينظر ان شرط الحب والتبن بينهما جاز وكذا لو شرط الحب بينهما والتبن لاحدهما لاشتراكهما في المقصود وان شرط التبن لصاحب الثور المالك والحب للاخر لم يجز لان المالك هو الاصل فلا يحرم المقصود وإن شرط التبن لصاحب البذر وهو العامل (فوجهان) وقيل لا يجوز شرط الحب لاحدهما والتبن للاخر أصلا لانه شركة مع الانقسام الجزء: 12 ¦ الصفحة: 116 فأشبه ما إذا ساقاه على الكروم والاشجار وشرط ثمار الكروم لاحدهما وثمار الاشجار للاخر (واعلم) أنهم أطلقوا القول في المخابرة بوجوب أجرة المثل للارض لكن في فتاوى القفال والتهذيب وغيرهما أنه لو دفع أرضا إلى رجل ليغرس أو يبنى أو يزرع فيه من عنده على أن تكون بينهما على النصف فالحاصل للعامل وفيما يلزمه من أجرة الارض وجهان (أحدهما) أن الواجب نصف الاجرة لان نصف الغراس كأن يغرسه لرب الارض باذنه فكأنه رضى ببطلان نصف منفعته من الارض (وأصحهما) وجوب الجميع لانه لم يرض ببطلان نصف المنفعة إلا إذا حصل له نصف الغراس فاذالم يحصل وانصرف كل المنفعة للعامل استحق كل الاجرة فاذن ما أطلقوه في المخابرة اقتصار منهم على الاصح ثم العامل يكلف نقل البناء والغراس إن لم تنقص قيمتها وان نقصت لم يقلع مجانا للاذن ويتخير مالك الارض فيهما تخير المعير والزرع يبقى إلى الحصاد ولو زرع الجزء: 12 ¦ الصفحة: 117 العامل البياض بين النخيل من غير عقد قلع زرعه مجانا وعن مالك رضى الله عنه أنه ان كان دون ثلث البستان كان تابعا وإذا لم نجوز المساقاة على ما سوى النخيل والكروم من الاشجار المثمرة على الانفراد ففى جوازها تبعا للمساقاة كالمزارعة وجهان * قال (الثاني أن لا تكون الثمار بارزة * وان ساقى بعد البروز (م) فسد على القديم وصح على الجديد لانه عن الغرر أبعد إذ العوض موثوق به) * لو أخر هذا الشرط إلى الركن الثاني لكان جائزا أو أحسن وفقهه أن في جواز المساقاة بعد خروج الثمار قولين رواية البويطى المنع لان الثمرة إذا ظهرت وملكا رب البستان كأن شرط شئ منها كشرط شئ من النخيل وأيضا مقصود المساقاة أن تخرج الثمار بعمله وفي الام أنه جائز وبه قال مالك وأحمد وهو الاصح لان العقد والحالة هذه أبعد عن الغرر والوثوق بالثمار فهو أولى بالجواز الجزء: 12 ¦ الصفحة: 118 وفي موضع القولين ثلاثة طرق جمعها من شرح مختصر الجوينى (أظهرها) أن القولين فيما إذا لم يبد الصلاح فيها فأما بعده فلا تجوز بلا خلاف لان تجويز المساقاة لتربية الثمار وتنميتها وهى بعد الصلاح لا تتأثر بالاعمال (والثانى) إجراء القولين فيما إذا بدا الصلاح وفيما إذا لم يبد ما لم يتناه نضجها فان تناه ولم يبق إلا الجذاذ لم يجز بلا خلاف (والثالث) إجراء القولين في جميع الاحوال وهذه قضية إطلاق المصنف فأما إذا كان بين النخيل بياض تجوز المزارعة عليه تبعا فلو كان فيه زرع موجود ففى جواز المزارعة وجهان بناء على هذين القولين ويجوز اعلام قوله في الكتاب فسد بالميم والالف لما الجزء: 12 ¦ الصفحة: 119 ذكرناه من مذهبهما وتعبيره عن القولين بالقديم والجديد شئ اتبع فيه الامام ولم يتعرض الجمهور لذلك ولا يمكن تنزيل القديم على رواية البويطى فان كتابه معدود من الجديد (وقوله) إذ العوض موثوق به أي عوض العمل وهو الثمار * قال (الثالث أن تكون الاشجار مرئية وإلا فهو باطل للغرر * وقيل انه على قولى بيع الغائب) * هل يشترط في المساقاة رؤية الحديقة والاشجار فيه طريقان (أحدهما) أنه على قولى بيع الغائب (وثانيهما) القطع بالاشتراط وابطال العقد عند عدم الرؤية لان المساقاة عقد غرر من حيث أن العوض الجزء: 12 ¦ الصفحة: 120 معدوم في الحال وهما جاهلان بمقدار ما يحصل وبصفته فلا يحتمل فيه غرر عدم الرؤية أيضا وايراد الكتاب يقتضى ترجيح هذه الطريقة * قال (الركن الثاني الثمار وليكن مخصوصا بما شرط على الاستبهام معلوما (و) بالجزئية لا بالتقدير كما في القراض) * ويشترط في الثمار أن تكون مخصوصة بالمتعاقدين ومشتركة بينهما ومعلومة وأن يكون العلم بها من حيث الجزئية دون التقدير وهى بعينها شروط الربح في عقد القراض فلو شرط بعض الثمار لثالث فسد العقد وكذا لو قال ساقيتك على أن كل الثمار لك أو كلها لى وفى استحقاق الاجرة عند شرط الكل للمالك وجهان كما في القراض (قال) المزني وهو الاصح لا أجرة له لانه عمل مجانا (وقال) ابن سريج يستحقها لان المساقاة تقتضي العوض فلا تسقط بالتراضى كالوطئ في النكاح ولو قال ساقيتك على أن لك جزءا من الثمار فسد أيضا ولو قال على أنها بيننا أو على ان نصفها لى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 121 وسكت عن الباقي أو على أن نصفها لك وسكت عن الباقي أو على أن ثمرة هذه النخلة أو النخلات لك أولى والباقى بيننا أو على أن صاعا من الثمرة لك أولى والباقى بيننا فكل ذلك كما في القراض وقوله في الكتاب مشروطه على الاستبهام أي على الاشتراك وقد استعمل الاستبهام والمساهمة بمعنى الاشتراك والمشاركة وان كان الاصل في الاستبهام الاقتراع وهذا بدل قوله في القراض عند ذكر شروط الربح مشتركا وقد تقرأ هذه اللفظة على الاستبهام ذهابا منه إلى أن المراد منه ضد التعيين والتقدير ليخرج عنه ما إذا شرط ثمرة نخلة بعينها لاحدهما والتقدم بصاع وما اشبهه لكن الاول أولى لان هذا معنى قوله بالجزئية لا بالتقدير ويجوز اعلامه بالواو لان صاحب التتمة حكى وجها في صحة المساقاة إذا شرط كل الثمرة للعامل لغرض القيام وتعهد الاشجار وتربيتها * قال (ولو ساقى على ودى غير مغروض ليغرسه فهو فاسد (و) فانه كتسليم البذر * وان كان مغروسا وقدر العقد بمدة لا يثمر فيها فهو باطل * وان كان يتوهم وجود الثمار فان غلب الوجود صح (و) * وان الجزء: 12 ¦ الصفحة: 122 غلب العدم فلا (و) * وان تساوى الاحتمالات فوجهان * ثم ان ساقى عشر سنين وكانت الثمرة لا تتوقع إلا في العاشرة جاز فيكون ذلك في مقابلة كل العمل كالاشهر في سنة واحدة) * إذا ساقاه على ودى ليغرسه ويكون الشجر بينهما فالعقد فاسد لانه كتسليم البذر في المزارعة وان قال لتغرسه وتتعهد الشجرة مدة كذا على أن تكون الثمرة الحاصلة بيننا فهو فاسد أيضا لانه قد لا يعلق ولا حاجة إلى احتمال هذا النوع من الضرر وأيضا فالغراس ليس من أعمال المساقاة فضمنه إليها كضمنه غير التجارة إلى عمل القراض وإذا عمل العامل في هذا العقد الفاسد استحق أجرة المثل إن كانت الثمار متوقعة في تلك المدة والا فعلى ما ذكرنا من خلاف المزني وابن سريج وفي المسألة وجه أن الحكم كما لو كان الودى مغروسا وساقاه عليه لان الحاجة قد تدعو إليه في المساقاة وابعد منه وجه عن حكاية صاحب التقريب فيما إذا شرط بعض الشجرة للعامل ولو ساقاه على ودى مغروس نظر إن قد للعقد مدة لا يثمر فيها في العادة لم تصح المساقاة لخلوها عن العوض وكالمساقاة على الاشجار التى لا تثمر وإذا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 123 عمل ففى إستحقاق أجرة المثل الخلاف السابق قال الامام هذا إذا كان عالما بانها لا تثمر فيها وان كان جاهلا قطعنا باستحقاق الاجرة وإن قدرت بمدة يثمر فيها غلبا صح ولا بأس بخلو أكثر سنى المدة عن الثمرة مثل ن يساقيه عشر سنين والثمرة لا تتوقع إلا في العاشرة وتكون هي بمثابة الاشهر من السنة الواحدة ثم ان اتفق انها لم تثمر لم يستحق العامل شيئا كما لو قارضه فلم يربح أو ساقاه على النخيل المثمرة فلم تثمر فان قدره بمدة يحتمل ان لا تثمر فوجهان (أصحهما) المنع وبه قال أبو إسحق لانه عقد على عوض غير موجود ولا غالب الوجود فاشبه السلم في معدوم إلى وقت يحتمل أن يوجد فيه ويحتمل خلافه (والثانى) يصح ويكتفى بالاحتمال ورجاء الوجود فعلى هذا إن اثمرت استحق والا فلا شئ له وعلى الاول يستحق اجرة المثل لانه عمل طامعا هذه الطريقة التى ذكرها عامة الاصحاب وعلوا توقع حصول الثمرة على ثلاث مراتب كما فصلنا ونسب الامام هذه الطريقة إلى القاضى وحكى طريقتين أخرتين (احداهما) أنه ان غلب عدمها في تلك المدة بطل وإلا فوجهان (الثانية) ان غلب وجودها الجزء: 12 ¦ الصفحة: 124 صح وإلا فهوجهان فيجوز أن يعلم للاولى قوله فان غلب الوجود صح بالواو وللثانية قوله فان غلب العدم فلا (واعلم) أن صور الفصل مبنية على تجويز المساقاة أكثر من سنة وهو الصحيح وستعرف ما فيه من الخلاف * (فرع) دفع إليه وديا ليغرسه في أرض نفسه على أن يكون الغراس للدافع والثمار بينهما فهو فاسد أيضا ولصاحب الارض أجرتها على العامل * قال (ولو قال ساقيتك على أن لك من الصيحانى نصفه ومن العجوة ثلثه لم يصح إلا إذا عرف مقدار الاشجار * وإن شرط النصف منهما لم يشترط معرفة الاقدار * ولو ساقاه على إحدى الحديقتين لا بعينهما * أو على أنه إن سقى بماء السماء فله الثلث أو بالدالية فله النصف فهو فاسد لتردده بين جهتين) * إذا كان في الحديقة نوعان من الثمر فصاعدا كالصيحاني والعجوة والدقل فساقي مالكها رجلا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 125 على أن له من الصيحانى النصف ومن العجوة السدس أو الثلث نظر ان علما قدر كل نوع جاز كما لو ساقاه على حديقتين على أن له النصف من هذه والثلث من هذه وان جهلا أو أحدهما لم يجز لما فيه الغرر فان المشروط فيه أقل الجزأين قد يكون أكثر النصيبين ومعرفة كل نوع من الاشجار انما يكون بالظن والتخمين دون التحقيق وان ساقاه على أن له النصف أو الثلث من الكل صحت المساقاة وان جهلا أو أحدهما قدر كل نوع قال ابن الصباغ والفرق أن قدر حقه من ثمرة الحديقة ههنا معلوم بالجزئية وانما المجهول النوع والصفة وهناك القدر مجهول أيضا لاحتمال اختلاف ثمرة النوعين في القدر وحينئذ يكون قدر ماله من ثمرة الكل مجهولا لان المستحق على أحد التقديرين نصف الاكثر وثلث الاقل وعلى الثاني ثلث الاكثر ونصف الاقل والاول أكثر من الثاني ومعلوم أن الجهل بالقدر أشد ولو ساقاه على احدى الحديقتين من غير تعيين أو على أنه ان سقى بماء السماء فله الثلث أو بالدالية فله النصف لم يصح للجهل بالعمل والعوض وهو كما لو قارضه على أنه ان تصرف وربح كذا فله النصف أو الجزء: 12 ¦ الصفحة: 126 كذا فله الثلث ولو ساقاه على حديقة بالنصف على أن يساقيه على أخرى بالثلث أو سنة أخرى أو على أن يساقيه العامل على حديقته فهو فاسد وهل تصح المساقاة (الثانية) قال في التهذيب ان عقدها على شرط العقد الاول لم تصح والا فتصح وقد مر نظيره في الرهن * قال (ولو ساقى شريكه في الحديقة وشرط له زيادة صح ان استبد بالعمل * وان شارك الاخر بالعمل فلا) * حديقة بين اثنين على السواء ساقى احداهما الاخر وشرط له زيادة على ماكان يستحقه بالملك كما إذا شرط له ثلثى الثمرة فالعقد صحيح وقد دفع إليه نصيبه بثلث ثمرته وإن شرط له نصف الثمار أو ثلثها لم يصح لانه يثبت له عوضا بالمساقاة إذ النصف مستحق له بالملك بل يشترط عليه في الصورة الثانية أن يترك بعض ثمرته أيضا وإذا عمل في الصورتين ففى استحقاقه الاجرة اختلاف المزني وابن سريج ولو شرط له جميع الثمرة فسد العقد وهل له الاجرة فيه وجهان لانه لم يعمل له الا أنه انصرف إليه ولو شرط في المساقاة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 127 مع الشريك بان يتعاونا على العمل فسدت وإن اثبت له زيادة على ما يستحقه بالملك كما لو ساقى اجنبيا على هذا الشرط ثم تعاونا واستويا في العمل فلا اجرة لواحد منهما على الاخر وأن تعاونا فان كان عمل من شرط له زيادة اكثر استحق على الاخر الحصة من عمله وان كان عمل الاخر اكثر ففى استحقاقه الاجرة خلاف المزني وان سريج وقوله في الكتاب صح ان استبد بالعمل وإن شاركه الاخر في العمل فلا ليس فيه تعريض للاشتراك لكنه محمول عليه معناه فان شرط مشاركة الاخر أما المعاونة من غير شرط فهى غير ضائرة وكذا قوله ان استبد بالعمل معناه أن فاده العقد بالاستبداد بشرط الاستبداد أو باطلاق العقد ولو ساقى شريكا الحديقة رجلا وشرطا له جزأ من ثمرة الحديقة جازو ان لم يعلم العامل نصيب كل واحدا منهما وان قالا على أن لك من نصيب احدنا النصف ومن نصيب الاخر الثلث من غير تعين لم يجز فإن عينا فان علم نصيب كل واحد منهما جاز والا فلا * (فرعان) الاول لو كانت الحديقة لواحد وساقى اثنين على أن لاحدهما نصف الثمرة وللاخر ثلثها أما الجزء: 12 ¦ الصفحة: 128 في صفقة أوفي صفقتين جاز إذا تميز من له النصف ومن له الثلث (الثاني) حديقة بين ستة اسداسا ساقوا عليها واحدا على أن له من نصيب احدهم النصف ومن نصيب الثاني الربع ومن الثالث ومن الرابع الثلثين ومن الخامس الثلث ومن السادس السدس فحسابه إن مخرج النصف والربع يدخلان في مخرج الثمن ومخرج الثلثين والثلث يدخلان في مخرج السدس فتبقى ستة وثمانية وبينهما موافقة بالنصف نضرب نصف احدهما في جميع الاخر يكون أربعة وعشرين نضربه في عدد الشركاء وهو ستة يبلغ مائة وأربعة واربعين الجزء: 12 ¦ الصفحة: 129 لكل واحد منهم اربعة وعشرين ياخذ العامل ممن شرط له النصف اثنى عشر ومن الثاني ستة ومن الثالث ثلاثة ومن الرابع ستة عشر ومن الخامس ثمانية ومن السادس اربعة فيجتمع له تسعة وأربعون ويبقى الملاك على تفاوتهم فيه خمسة وسبعون * قال (الركن الثالث العمل وشرطه أن لا يضم إليه عمل ليس من جنس المساقاة * وأن لا يشترط مشاركة المالك معه في اليد بل يستبد العامل باليد * ثم لو شرط دخول المالك أيضا لم يضر (و) * وأن لا يشترط عمل المالك معه بل ينفرد بالعمل * ولو شرط أن يعمل معه غلام المالك صح على النص * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 130 ثم النفقة على المالك إلا إذا شرط على العامل ففى جوازه وجهان * ووجهه المنع أنه قطع نفقة المالك عن الملك * ولو شرط أن يستأجر العامل بأجرة على المالك ولم يبق للعامل الا الدهقنة والتحذق في الاستعمال ففيه وجهان) * شروط عمل المساقاة قريبة من شروط عمل القراض وان اختلفا في الجنس منها أنه لا يشترط عليه عمل ليس من جنس اعمال المساقاة ومنها أن يستبد العامل باليد في الحديقة ليتمكن من العمل متى شاء فلو شرط كونها في يد المالك أو مشاركته في اليد لم تجز ولو سلم المفتاح إليه وشرط المالك الدخول الجزء: 12 ¦ الصفحة: 131 عليه فوجهان أصحهما وهو المذكور في الكتاب أنه لا يضر بحصول الاستقلال والتمكن من العمل ووجه الثاني أنه إذا دخل كانت الحديقة في يده وقد يتعوق بحضوره عن العمل ومنها إن نفرد العامل بالعمل فلو شرط إن يشاركه المالك في العمل فسد العقد ولو شرط أن يعمل معه غلام المالك فالنص الجواز وللاصحاب فيه طريقان احدهما أنه على وجهين كما ذكرنا في القراض ومن منع حمل النص على ما إذا شرط أن يعمل الغلام ما يتوظف على المالك من الاعمال كحفر الانهار وبناء الحيطان واظهرهما الجواز جزما والفرق بين المساقاة والقراض أن في المساقاة بعض الاعمال على المالك وله باعتبار ذلك يدور مداخلة فجاز ان يشترط الجزء: 12 ¦ الصفحة: 132 فيه عمل غلامه وفي القراض لاعمل على المالك أصلا فلا يجوز شرط عمل غلامه والمسألة مصورة فيما إذا كان الشرط أن يعاونه ويكون تحت يده اما إذا شرط أن يكون التدبر للغلام ويعمل العامل برأيه أو أن يعملا ما انفق رأيهما عليه لم تجز بلا خلاف ثم ان جوزنا فلابد من معرفة الغلام بالرؤية أو الوصف (وأما) نفقته ففى جواز شرطها على العامل وجهان (أحدهما) المنع لما فيه من قطع نفقة المالك على الملك وبهذا قطع المسعودي (وأظهرهما) الجواز لان العمل في المساقاة على العامل ولا يبعد أن يلتزم مؤنة من يعمل معه ويعاونه كاستئجار من يعمل معه وعلى هذا فهل يجب تقديرها فيه وجهان الجزء: 12 ¦ الصفحة: 133 (أحدهما) نعم فيبين ما يدفع إليه كل يوم من الخبز وإلا دام (والثانى) لا وبه أجاب الشيخ أبو حامد بل يحمل على الوسط المعتاد لانه يتسامح بمثل ذلك في المعاملات ولو شرط أن تكون النفقة على المالك جاز وعن مالك منعه وان شرطاها في الثمار قال في التهذيب لا يجوز لان ما يبقى يكون مجهولا وقال صاحب الافصاح يجوز لانه قد يكون ذلك من صلاح المال ويشبه أن يكون ذلك يتوسط فيقال إن شرطاهما من جزء معلوم بأن يتعاقدا بشرط أن يعمل الغلام على أن يكون ثلث الثمار للمالك وثلثها للعامل ويصرف الثلث الثالث إلى نفقة الغلام فهو جائز وكان المشروط للمالك ثلثاها وان الجزء: 12 ¦ الصفحة: 134 شرطاها في الثمار من غير تقدير جزء لم يجز وان لم يتعرضا للنفقة أصلا فالمشهور انها على المالك بحكم الملك وذكر صاحب الافصاح وراءه احتمالين (أحدهما) أنها تكون من الثمرة (والثانى) أنه يفسد العقد وفي المهذب ذكر وجه أنها تكون على العامل لان العمل عليه وليس للعامل استعمال الغلام في الجزء: 12 ¦ الصفحة: 135 عمل نفسه إذا فرغ من عمل الحديقة ولو شرط أن يعمل له بطل العقد ولو كان له برسم الحديقة غلمان يعملون فيها لم يدخلوا في مطلق المساقاة لانه ربما يريد تفريغهم لشغل آخر وعن مالك انهم يدخلون فيه ولو شرط استئجار العامل من يعمل معه من الثمرة بطل العقد لان قضية المساقاة أن تكون الاعمال ومؤنانها على العامل ولانه لا يدرى أن الحاصل للعامل كم هو حتى لو شرط له ثلثى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 136 الثمرة ليصرف الثلث إلى الاجراء ويخلص له الثلث فعن القفال أنه يصح فإذا امتنع شرط الاجارة في الثمرة فأولى أن يمتنع شرط أدائها من سائر أموال المالك هذا ما ذكره المزني وعامة الاصحاب ونقل صاحب الكتاب وجهين فيما إذا شرط أن يستأجر بأجرة على المالك وأشار بقوله ولم يبق للعامل إلا الدهقنة والتحذق في الاستعمال إلى توجيه الجواز معناه أن المالك قد لا يهتدى إلى الدهقنة واستعمال الاجراء أولا يجد من يباشر الاعمال أو من لا يأتمنه فتدعو الحاجة إلى أن يساقى من يعرف ذلك لينوب عنه في الاستعمال * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 137 قال (ويشترط تأقيت المساقاة لانها لازمة فيضر التأييد * وليعرف العمل جملة * ثم ليعرف بالسنة العربية * فان عرف بادراك الثمار جاز على الاصح * فان عرف بالعربية فبرزت الثمار في آخر المدة ولم تدرك في المدة فالعامل شريك فيها) * اشتراط التأقيت في المساقاة قد سبق ذكره في أول الباب ويتعلق هذا الركن به من جهة أن العمل يجب تعريفه ببيان المدة دون التعيين والتفصيل ثم إن أقتت بالاشهر أو السنين العربية فذاك وان أقتت بادراك الثمار فوجهان (أحدهما) أنه لا يجوز لانه قد يتقدم تارة ويتأخر أخرى فليقدر بما الجزء: 12 ¦ الصفحة: 138 تقدر به الاجارات والاجال في العقود (والثانى) لا يجوز لانه المقصود من هذا العقد ألا ترى أنه لو أقت بالزمان كان الشرط أن يعلم أو يظن الادراك فيه فإذا تعرض للمقصود كان أولى وهذا أصح عند صاحب الكتاب والاول أصح عند الاكثرين وهو المذكور في التهذيب وإذا قلنا بالثاني فلو قال ساقيتك سنة وأطلق فيحمل على سنة عربية أو على سنة الادراك فيه (وجهان) زعم الشيخ أبو الفرج السرخسى أن أصحهما الثاني وإذا قلنا بالاول لو أقت بالزمان فأدركت الثمار وبعض المدة باقية وجب على الجزء: 12 ¦ الصفحة: 139 العامل أن يعمل في تلك البقية ولا أجرة له وان انقضت المدة وعلى الاشجار طلع أو بلح فللعامل نصيبه منها وعلى المالك التعهد إلى الادراك فان حدث الطلع بعد المدة فلا حق له فيه وجواز المساقاة أكثر من سنة على الاقوال التي نذكرها في جواز الاجارة أكثر من سنة وإذا جوزنا فهل يجب أن يعين حصته كل سنة أم يكفى قوله ساقيتك على النصف لاستحقاق النصف كل سنة فيه وجهان أو قولان كما في الاجارة وفي المهذب طريقة أخرى قاطعة بوجوب البيان لان الاختلاف في الثمار يكثر وفي المنافع يقل ولو فاوت بين الجزء المشروط في السنتين لم يضر وفيه وجه أنه على الخلاف فيما إذا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 140 أسلم في جنس إلى أجال ولو ساقاه سنتين وشرط له ثمرة سنة بعينها والاشجار بحيث تثمر كل سنة لم يصح لانها ربما لا تثمر تلك السنة فلا يكون للعامل شئ أو إلا تلك السنة فلا يكون للمالك شئ ويخالف مالو ساقاه على ودى عشر سنين والثمرة لا تتوقع إلا في العاشرة لتكون هي بينهما انه شرط له سهما من جميع الثمرة ولو انه اثمر قبل سنة التوقع لم يستحق العامل منها شيئا (وقوله) في الكتاب وليعرف العامل عمله لا ينبغى ان يقرأ على الامر لانه حينئذ يكون المراد منه أنه لا يشترط تفصيل الاعمال وهذا قد ذكره آخر الباب فيلزم التكرار وأيضا فان المسألة لا تتعلق بركن العمل ولكنه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 141 معطوف على قوله لانها لازمة المعنى أنه يشترط تأقيت المساقاة للزومها وليكون التأقيت معرفا للعمل مقدرا بجملته (وقوله) ثم ليعرف بالسنة العربية المراد ليعرف بالزمان وذكر العربية يجرى على سبيل التمثيل لا لتخصيص التأقيت بها فان التأقيت بالرومية وغيرها جائز إذا علماها فإذا أطلقا لفظ السنة انصرف إلى العربية وكذا سبيل قوله وان عرفت بالعربية * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 142 قال (الركن الرابع الصيغة (و) فيقول ساقيتك على هذه النخيل بالنصف أو عاملتك فيقول قبلت * فلو عقد بلفظ الاجارة لم يصح على الاظهر (و) لفقد شرط الاجارة * ولا يشترط (و) تفصيل الاعمال فان العرف يعرفها) * يجوز أن يعلم قوله الركن الرابع بالواو للوجه المكتفى به العقود بالتراضى والمعاطاة وكذا في القراض وغيره ثم أشهر صيغ هذا العقد أن يقول ساقيتك على هذه النخيل بكذا أو عقدت معك عقد المساقاة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 143 قال الائمة وتنعقد بكل لفظ يؤدى معناها كقوله سلمت اليك نخلى لتتعدها على أن يكون لك كذا أو عمل هذه النخيل أو تعهد نخيلي بكذا وهذا يجوز أن يكون جوابا على أن مثله من العقود ينعقد بالكتابة ويجوز أن يكون ذهابا إلى أن هذه الالفاظ صريحة ونظيره أنا على رأى يقول صرائح الرجعة غير محصورة ويعتبر القبول في المساقاة ولا تجئ فيها الوجوه المذكورة في القراض والوكالة للزومها هكذا قال الامام وصاحب الكتاب ولو تعاقدا بلفظ الاجارة فقال المالك استأجرتك لتعهد نخيلي الجزء: 12 ¦ الصفحة: 144 بكذا من ثمارها فيه وجهان جاريان في الاجارة بلفظ المساقاة (أحدهما) الصحة لما بين العقدين من المشابهة واحتمال كل واحد من اللفظين معني الاخر (وأظهرهما) المنع لان لفظ الاجارة صريح في غير المساقاة فان أمكن تنفيذه في موضعه نفذ فيه والا فهو إجارة فاسدة والخلاف نازع إلى أن الاعتبار باللفظ أو المعني ولو قال ساقيتك على هذه النخيل بكذا ليكون أجرة لك فلا بأس لسبق لفظ المساقاة هذا إذا قصد بلفظ الاجارة المساقاة أما إذا قصد الاجارة نفسها فينظر إن لم تخرج الثمرة لم يجز لان الشرط أن تكون الاجرة في الذمة أو موجودة ومعلومة وان خرجت فان بدا الصلاح فيها جاز سواء شرط ثمرة نخلة معينة أو جزء شائعا هكذا أطلقوه لكن يجئ فيه ما سنذكره في مسألة قفيز الطحان الجزء: 12 ¦ الصفحة: 145 واخواتها فان لم يبد فيها الصلاح فان شرط له ثمرة نخلة بعينها جاز بشرط القطع وكذا لو شرط كل الثمار له وان شرط جزء شائعا لم يجز وان شرط القطع لما سبق في البيع وإن عقد بلفظ المساقاة فالصحيح وهو المذكور في الكتاب أنه لا حاجة إلى تفصيل الاعمال بل يحمل في كل ناحية على عرفها الغالب وفيه وجه أنه يجب تفصيلها لان العرف يكاد يضطرب وما ذكرناه فيما إذا علم المتعاقدان العرف المحمول عليه فان جهلا أو أحدهما وجب التفصيل لا محالة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 146 (الباب الثاني في أحكامها) قال (وحكمها وجوب كل عمل يتكرر في كل سنة وتحتاج إليه الثمار من السقى والتقليب وتنقية الابار (و) والانهار وتنحية الحشيش المضر والقضبان وتصريف الجريد وتسوية الجرين ورد الثمار إليه * ومالا يتكرر في كل سنة ويعد من الاصول فهو على المالك كحفر الابار والانهار الجديدة وبناء الحيطان ونصب الدولاب وأمثاله * وفي أجرة الناطور وجذاذ الثمرة وردم ثلمة يسيرة في طرف الجدار خلاف) الجزء: 12 ¦ الصفحة: 147 غرض الفصل بيان ما يجب على عامل المساقاة من الاعمال ومالايجب وكل عمل تحتاج إليه الثمار لزيادتها أو اصلاحها ويتكرر كل سنة فهو على العامل وانما اعتبر التكرار كل سنة لان مالا يتكرر كل سنة يبقى أثره وفائدته بعد ارتفاع المساقاة وتكليف العامل مثل ذلك أجحاف به فمن هذا القبيل السقي وما يتبعه من اصلاح طريق الماء والاجاجين التى يقف فيها الماء وتنقية الابار والانهار من الحمأة ونحوها وادارة الدولاب وفتح رأس الساقية وسدها عند السقى على ما يقتضيه الحال وفي تنقية النهر وجهان آخران (أحدهما) أنها على المالك كحفر أصل النهر (والثانى) عن أبى اسحق المروزى أنها على من شرطت عليه من المتعاقدين فان لم يذكراها فسد العقد وعنه تطييب الارض الجزء: 12 ¦ الصفحة: 148 بالمساحي وتكريتها في المزارعة قال في التتمة وكذا تقويتها بالزبل وذلك بحسب العادة ومنها التلقيح والطلع الذي يلقح به على المالك لانه عين مال وانما يكلف العامل العمل ومنه تنحية الحشيش المضر والقضبان المضرة بالشجر وذكر الشافعي رضى الله عنه تصريف الجريد والجريد سعف النخل وحاصل ماقاله الازهرى وغيره في تصريف الجديد شيئان (أحدهما) قطع ما يضر تركه يابسا وغير يابس (والثانى) ردها عن وجوه العناقيد وتسوية العناقيد بينها لتصيبها الشمس وليتيسر قطعها عند الادراك ومنه تعريش الكرم حيث جرت العادة به قال في التتمة ووضع الحشيش فوق العناقيد صونا لها عن الشمس عند الحاجة وفي حفظ الثمار وجهان (أظهرهما) وهو الذي ذكره ابن الصباغ وغيره أنه على الجزء: 12 ¦ الصفحة: 149 العامل كما أن حفظ المال في المضاربة على العامل فان لم يحفظ بنفسه فعليه مؤنة من يحفظ وأقيسهما أنه على المالك والعامل جميعا بحسب اشتراكهما في الثمرة وهذا لان الذي يجب على العامل ما يتعلق باستزادة الثمار وتنميتها ويحرى الوجهان في حفظ الثمار عن الطيور والزنابير بان يجعل كل عنقود في قوصرة فيلزمه ذلك على الاظهر عند جريان العادة والقوصرة على المالك وفي جذاذ الثمار وجهان (أحدهما) أنها لا تجب على العامل لوقوعه بعد كمال الثمار (وأصحهما) الوجوب لان الصلاح به يحصل وهذا ما أورده الاكثرون وعن الرقم طرد الوجهين في تجفيف الثمار والظاهر وجوبه إذا اضطردت العادة به أو شرطاه وإذا وجب التجفيف وجب تهيئة موضع التجفيف وتسويته ويسمى البيدر والجرين الجزء: 12 ¦ الصفحة: 150 ونقل الثمار إليه وتقليبها في الشمس من وجه إلى وجه وأما مالا يتكرر كل سنة ويقصد به حفظ الاصول فهو من وظيفة المالك وذلك كحفر الانهار والابار الجديدة والتى انهارت بها الحيطان ونصب الابواب والدولاب ونحوها وردم الثلم اليسيرة التى تنفق في الجدران فيه وجهان كما في تنقية الانهار والاشبه اتباع العرف وكذلك في وضع الشوك على رؤس الجدران وجهان والالات التى يوفى بها العمل كالفأس والمعول والمنجل والمسحاة والثيران والعدان في المزارعة والثور الذي يدير الدولاب على المالك وفيه وجه أنها على من شرط المتعاقدين ولايجوز السكوت عنها وهذا ما أورده أبو الفرج السرخسى في الامالى ويحكى عن أبى اسحق وخراج الارض الخراجية على المالك وكذلك كل عين تتلف في العمل بلا خلاف وكل ما يجب على العامل يجوز له استئجار المالك عليه ويجئ فيه وجه آخر ولو شرط على الجزء: 12 ¦ الصفحة: 151 المالك في العقد بطل العقد وكذلك ما يجب على المالك لو شرط على العامل بطل العقد ولو فعله العامل بغير إذن لم يستحق شيئا وإن فعل باذن المالك استحق الاجرة * واعلم أن جميع ما ذكرناه مبني على الصحيح في أن تفصيل الاعمال لا يجب في العقد فان أوجبناه فالمتبع الشرط إلا أنه لا يجوز أن يكون الشرط مغيرا وضع العقد هذا فقه الفصل وأما ما يتعلق بالكتاب خاصة فليعلم قوله وتنقية الابار والانهار بالواو واعترض من شرح هذا الكتاب في موضعين من الفصل (أحدهما) أن لفظ الكتاب وتصريف الجرين ورد الثمار إليه والشافعي رضى الله عنه إنما ذكر تصريف الجريد بالدال قال والصواب أن يكتب وتصريف الجريد وتسوية الجرين ورد الثمار إليه (والثانى) أنه جعل الجذاذ من المختلف فيه وأنه على العامل بالاتفاق فلك أن تقول (أما الثاني) فدعوى الاتفاق وهم والوجهان الجزء: 12 ¦ الصفحة: 152 مسطوران في المهذب والتهذيب والرقم وغيرها (وأما الاول) فقد عرفت أن التجفيف قد يحوج إلى تسوية الجرين وحمل التصريف على التسوية ليس يبعد فاذن لاضرورة إلى تغيير نظم الكتاب وغايته أن يكون تصريف الجريد مسكوتا عنه على أن قوله وتنحية الحشيش المضر والقضبان ما يفيد بعض معناه وقوله وفي أجرة الناظور المراد منه مؤنة الحفظ والناظر والناظور حافظ الكروم والجمع النواظر ذكر أن النظرة هي الحفظ بالعين وقد يقال ناطور بالطاء غير المعجمة * قال (وإذا هرب العامل قبل تمام العمل استقرض القاضى عليه أو استأجر من يعمل عليه * فان عمل المالك بنفسه سلم الثمار للعامل وكان هو متبرعا * وكذا لو استأجر عليه إذ ليس له أن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 153 يحكم لنفسه * ولو عجز عن الحاكم فكمثل (و) إن لم يشهد على الاستئجار * وإن أشهد فوجهان * ثم له أن يفسخ إذا عجز ويسلم إلى العامل أجرة مثل ما عمل قبل الهرب فان تبرع أجنبي بالعمل فله أن يفسخ إذ قد لا يرضى بدخوله ملكه * وإن عمل الأجنبي قبل أن يشعر به المالك سلم الثمار للعامل وكان الأجنبي متبرعا عليه لا على المالك) * نصدر المسألة بقول جملى وهو أن بناء هذا الفصل والذي يليه على أن المساقاة لازمة على ما مر لا كالقراض ثم نقول إذا هرب العامل قبل تمام العمل ينظر إن تبرع المالك بالعمل أو بمؤنته بقى استحقاق العامل مجانا وإلا رفع الامر إلى الحاكم وأثبت عنده المساقاة لينفذ في طلبه فان وجده أجبره الجزء: 12 ¦ الصفحة: 154 على العمل والا استأجر عليه من يعمل ومم يستأجر إن كان العامل مال فمنه والا فان كان بعد بدو الصلاح باع نصيب العامل كله أو بعضه بحسب الحاجة من المالك أو من غيره واستأجر بثمنه وان كان قبل بدو الصلاح اما قبل خروج الثمرة أو بعده استقرض عليه من مالك أو من أجنبي أو من بيت المال واستأجر به ثم يقضيه العامل إذا رجع أو يقضى من نصيبه من الثمرة بعد بدو الصلاح أو الادراك ولو وجد من يستأجره بأجرة مؤجلة توفى بالاجرة استغى عن الاستقراض وحصل الغرض وان عمل المالك بنفسه أو أنفق عليه ليرجع نظر ان قدر على مراجعة الحاكم فلم يفعل فهو متبرع لا رجوع له وان لم يقدر فان لم يشهد عليه لم يرجع أيضا الا أن لا يمكنه الاشهاد ففيه وجهان وربما الجزء: 12 ¦ الصفحة: 155 حكى وجه مطلق أنه يرجع فان أشهد فأصح القولين أنه يرجع للضرورة (والثانى) لا يرجع والاصار حاكما لنفسه على غيره وننبه ههنا لفائدتين (احداهما) الوجهان في الرجوع إذا لم يمكنه الاشهاد قريبان من الوجهين فيما إذا أشهد للعجز عن الحاكم للعذر والضرورة لكن الذي رجحه الجمهور انه إذا لم يشهد لا يرجع من غير فرق بين الامكان وعدم الامكان ويجوز ان يكون سببه ان عدم امكان الاشهاد نادر لا يعتد به (والثانية) الاشهاد المعتبر أن يشهد على العمل أو الاستئجار وانه بذل ذلك بشرط الرجوع وأما الاشهاد على ذلك من غير التعرض للرجوع فهو كترك الاشهاد قاله في الشامل وإذا أنفق المالك باذن الحاكم ليرجع فيه وجهان (وجه المنع) انه متهم في حق نفسه فالطريق أن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 156 يسلم المال إلى الحاكم ليأمر غيره بالانفاق ولو استأجره لباقي العمل ففيه وجهان أيضا بناء على مالو أجر داره ثم أكراها من المكترى ومتى تعذر اتمام العمل بالاستقراض تمم بغيره فان لم تخرج الثمرة بعد فللمالك فسخ العقد وعن ابن أبى هريرة أنه لا يفسخ ولكن يطالب الحاكم من يساقى عن العامل فربما يفضل له شئ والمذهب الاول لانه تعذر استيفاء المعقود عليه فأشبه ما إذا أبق العبد المبيع قبل القبض فان خرجت الثمرة فهى مشتركة فان بدا الصلاح فيها بيع نصيب العامل كله أو بعضه بقدر ما يستأجر به من يعمل وإن لم يبد الصلاح وقد تعذر بيع بعضه أو كله لان شرط القطع في الشائع لا يغني فأما أن يبيع المالك نصيبه معه يشترط القطع في الكل وأما أن يشترى المالك نصيبه فيجوز الجزء: 12 ¦ الصفحة: 157 على أحد الوجهين في أن بيع الثمار قبل بدو الصلاح من صاحب الشجرة يستغنى عن شرط القطع فان لم يرغب في بيع ولاشراء وقف الامر حتى يصطلحا ويتفرع على ثبوت الفسخ قبل خروج الثمرة فرعان (أحدهما) إذا فسخ غرم للعامل أجرة مثل ما عمل ولايقال تتوزع الثمار على أجرة مثل جميع العمل إذا الثمار ليست معلومة عند العقد حتى يقتضى التوزيع فيها (والثانى) لو جاء أجنبي وقال لا تفسح لاعمل نيابة عن العامل لم تلزمه الاجابة لانه قد لا يأتمنه ولا يرضى بدخوله ملكه نعم لو عمل نيابة عنه من غير شعور المالك حتى حصلت الثمار سلم للعامل نصيبه منها وكان الأجنبي متبرعا عليه هذا ما ذكروه وقيل إذا وجد من يتبرع بالعمل كان كما لو وجد مال له يستأجر منه أو وجد من الجزء: 12 ¦ الصفحة: 158 يقرض حتى لا يجوز للمالك الفسخ لكان قريبا (وقوله) في الكتاب ولو عجز عن الحاكم فكمثل ان لم يشهد يجوز أن يعلم بالواو للوجه المطلق وللوجه المخصوص بما إذا لم يشهد لعدم الامكان (وقوله) ثم له أن يفسخ العقد مطلق لكن موضعه ما إذا لم تخرج الثمرة كما قررناه كذلك أورده الاكثرون وفي المهذب أنه يفسخ فإذا فسخ نظر إن لم تخرج الثمرة فللعامل الاجرة فان خرجت فهى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 159 بينهما وهذا يوافق اطلاق الكتاب لكن لا يكاد يفرض للفسخ بعد خروج الثمار فائدة ثم هو معلم بالواو لوجه ابن أبى هريرة والعجز عن العمل بالمرض ونحوه كالهرب * قال (فان مات العامل تم (و) الوارث العمل من تركته * فان لم يكن تركة فله أن يتمم من ماله لاجل الثمار * فان أبى (وم) لم يجب عليه شئ إذا لم يكن تركة وسلم إليه أجرة العمل الماضي وفسخ العقد للمستقبل) * إذا مات مالك الاشجار في أثناء المدة لم تنفسخ المساقاة بل يستمر العامل على شغله ويأخذ نصيبه من الثمار وان مات العامل في المساقاة اما أن تكون واردة على عين العامل أو في الذمة ان وردت على عينه انفسخت بموته كما لو مات الاجير المعين تنفسخ الاجارة وان كانت في الذمة فقد الجزء: 12 ¦ الصفحة: 160 روي وجه انها تنفسخ وكأنه موجه بأنه ربما لا يرضى بيد غيره وتصرفه والصحيح وعليه يتفرع كلام الكتاب لا تنفسخ كالاجارة وعلى هذا فينظر إن خلف العامل تركة يقتسم الوارث العمل بأن يستأجر منها من يعمل وإلا فان اتم الوارث بنفسه أو أستأجر من ماله من يتم فعلى المالك تمكينه إن كان أمينا مهتديا إلى اعمال المساقاة ويسلم له المشروط فأن أبى لم يجبر عليه وعن رواية القاضى أبى حامد وصاحب التقريب وجه آخر انه يجبر عليه لقيامه مقام المورث وحكى هذا عن مالك والمذهب الاول لان منافعه خالص حقه وانما يجبر على توفية ما على المورث من تركته نعم لو خلف تركة وامتنع الوارث من الاستئجار منها استأجر الحاكم وإن لم يخلف تركة فلا يستقرض على الميت الجزء: 12 ¦ الصفحة: 161 بخلاف الحى إذا هرب ومهما لم يتم العمل فالقول في ثبوت الفسخ وفي الشركة وفصل الامر إذا خرجت الثمار كما ذكرنا في الهرب واعلم ان ما ذكرناه من انقسام المساقاة إلى ما يرد على العين وإلى ما يتعلق بالذمة مبنى على ظاهر المذهب في صحة النوعين وتردد بعضهم في صحة المساقاة على العين لما فيه من التضييق * (فرع) نقل صاحب التتمة أنه إذا لم تثمر الاشجار أصلا أو تلفت الثمار كلها بجائحة أو نصب فعلى العامل اتمام العمل وإن تضرر به كما أن عامل القراض يكلف التنضيض وإن ظهر الخسران الجزء: 12 ¦ الصفحة: 162 في المال ولم ينل إلا التعب وهذا اشبه مما ذكره في التهذيب أنه إذا هلكت الثمار كلها بالجائحة ينفسخ العقد إلا أن يزيد بعد تمام العمل وتكامل الثمار قال وإن هلك بعضها فالعامل بالخيار بين أن يفسخ العقد ولا شئ له وبين أن يجيز ويتم العمل ويأخذ نصيبه من الباقي * قال (وان ادعى المالك سرقة أو خيانة على العامل فالقول قول العامل فانه أمين * فان ثبتت خيانته ينصب (و) عليه مشرف وعليه (و) أجرته إن ثبت بالبينة خيانته * وإن لم يكن حفظه بالمشرف أزيلت (م و) يده وأستؤجر عليه) * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 163 دعوى المالك الخيانة والسرقة على العامل في الثمار أو السعف لاتقبل حتى يبين قدر ماخان فيه ويحرر الدعوى فإذا حررها وأنكر العامل فالقول قوله مع يمينه وقوله في الكتاب فانه أمين قد يستدرك عليه فان الامانة غير مؤثرة في هذا الحكم بل القول قول المدعى عليه في نفى المدعى أمينا كان أو لم يكن فالذي ذكره المزني في جواب المسائل التى فرعها على أصل الشافعي رضى الله عنه في المختصر أن يستأجر عليه من يعمل عنه وقال في موضع آخر يضم إليه أمين يشرف عليه وبه قال مالك رضى الله عنه فجعلهما بعضهم قولين والجمهور نزلوهما على حالين إن أمكن حفظه بضم الجزء: 12 ¦ الصفحة: 164 مشرف إليه قنع به وإلا أزيلت يده بالكلية واستؤجر عليه من يعمل عنه وهذا ما أورده في الكتاب ثم إذا استؤجر عليه فالاجرة في ماله لان العمل مستحق عليه (أما) أجرة المشرف فكذلك الجواب فيها على المشهور في التتمة أن ذلك مبنى على أن مؤنة الحفظ على العامل لان المقصود من ضم المشرف إليه الحفظ (اما) إذا قلنا ان الحفظ عليهما فكذلك أجرة المشرف وإذا عرفت ما ذكرناه جاز لك إعلام ازيلت يده واستؤجر عليه بالميم وكذلك بالواو ومع قوله وينصب عليه مشرف لطريقة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 165 القولين وقوله وعليه اجرته لما ذكرناه في التتمة وقوله ان ثبتت بالبينة خيانته غير محتاج إليه إذ لافرق في وجوب الاجرة عليه بين أن تثبتت خيانته بالبينة أو بالاقرار أو اليمين بعد النكول وقد ذكر في الوسيط أن اجرة المشرف على العامل ان ثبتت خيانته باقراره أو ببينة والا فعلى المالك فسوى بين البينة والاقرار وقوله والا فعلى الملك فيه اشكال لانه إذا لم تثبتت خيانته فما ينبغى أن يتمكن المالك من ضم المشرف إليه لما فيه من ابطال استقلاله باليد * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 166 قال (فان خرجت الاشجار مستحقة فللعامل أجرة عمله على الغاصب فان كانت الثمار باقية أخذها المستحق * فان تلف غرم العامل ما قبضه لنصيبه ضمان (و) المشترى فانه أخذه في معاوضة * ونصيب المساقى * وكذا الاشجار إذا تلفت يطالب بها الغاصب * وفي مطالبة العامل بها وجهان من حيث ان يده لم تثبت عليه مقصودا بخلاف المودع * فان طولب رجع (و) به على الغاصب رجوع المودع) * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 167 الاشجار التي وردت المساقاة عليها إذا خرجت مستحقة أخذها المالك مع الثمار ان كانت باقية وأن جففاها ونقصت القيمة بالتجفيف استحق الارش ايضا ويرجع العامل على الغاصب الذي ساقاه بأجرة المثل كما إذا غصب نقرة فأستأجر رجلا ليضربها دراهم يأخذها المالك ويرجع الضراب بالاجرة على الغاصب وفيه وجه أنه لا أجرة له تخريجا على قولى الغرور لانه هو الذي اتلف منفعة نفسه وتشبيها بفوات الثمار بالاستحقاق بفواتها في المساقاة الصحيحة بجائحة وان اقتسما الثمار واستهلكاها فاما نصيب العامل فالمالك بالخيار بين ان يطالب بضمانه الغاصب أو العامل وقرار الجزء: 12 ¦ الصفحة: 168 الضمان على العامل لانه أخذه عوضا في معاوضة فاشبه المشترى من الغاصب وذكر في التتمة أن بعض الاصحاب ذكر في المسألة على ما إذا أطعم الغاصب المالك الطعام المغصوب فيجئ من هذا وجه ان القرار على الغاصب (وأما) نصيب الغاصب فللمستحق مطالبته بها وفي مطالبة العامل وجهان (أظهرهما) عند المعظم المطالبة بثبوت يده عليها كما لا يطالب عامل القراض إذا خرج مال القراض مستحقا وكما يطالب المودع من الغاصب (والثانى) المنع لان يده لم تثبت عليه مقصودا بخلاف المودع بل يد العامل مستدامة حكما وهو نائب في الحفظ والعمل كأجير يعمل في حديقة وعلى الوجهين يخرج ما إذا تلفت جميع الثمار قبل القسمة بجائحة أو غصبت فان اثبتنا يد العامل عليها فهو يطالب بضمانها وإلا فلا ولو تلف شئ من الاشجار ففيه هذان الوجهان (وإذا قلنا) بأن العامل مطالب بنصيب الغاصب فإذا غرمه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 169 ففى رجوعه على الغاصب الخلاف المذكور في رجوع المودع والظاهر انه يرجع وهذا الذي ذكره صاحب الكتاب ومواضع العلامات في الفصل غير خافية (ومنها) قوله ضمان المشترى فانه قصد به الاشارة إلى الاستقرار وفيه ما حكاه صاحب التتمة (وقوله) ونصب المساقى أراد به ههنا الغاصب الذي هو في صورة المالك وقد يسمى العامل مساقيا لان كل واحد من المفاعلة مفاعل ولو حذف لفظ الغاصب من قوله يطالب به الغاصب من لكان أقرب إلى الفهم لانه إذا اختلف اللفظ أذهب الوهم إلى اختلاف المعنى والمراد من المساقى هو الغاصب * قال (وإن اختلف المتعاقدان في قدر الجزء المشروط تحالفا (م) كما في القراض) الجزء: 12 ¦ الصفحة: 170 إذا اختلف المتعاقدن في قدر المشروط للعامل ولابينة تحالفا كما ذكرنا في القراض وإذا تحالفا وتفاسخا قبل العمل في شئ للعامل وإن كان بعده فللعامل أجرة مثل عمله وعن مالك رضى الله عنه أنهما لا يتحالفان بعد العمل بل القول قوله العامل وعن أحمد إن القول قول المالك وإن كان لاحدهما بينة قضى له فان كان لكل واحد منهما بينة (فان قلنا) بالتهاتر وهو الاصح فكما لو لم تكن بينة فيتحالفان (وان قلنا) بالاستعمال فيقرع بينهما ولا يجرى قول الوقف والقسمة لان الاختلاف في العقد والعقد لا يوقف ولا يقسم وقيل يجئ قول القسمة في القدر المختلف فيه فينقسم بينهما نصفين ولو ساقاه شريكا الحديقة ثم قال العامل شرطنا لى نصف الثمار وصدقه أحدهما (وقال) الثاني بل شرطنا الثلث فنصيب المصدق الجزء: 12 ¦ الصفحة: 171 يقسم بينه وبين العامل وفي نصيب المكذب الحكم بالتحالف ولو شهد المصدق للمكذب أو للعامل قبلت شهادته لانه لايجر بها نفعا ولا يدفع بها ضررا وإذا اختلف في قدر الاشجار المعقودة عليها أو في رد شئ من المال أو هلاكه فالحكم على ما ذكرنا في القراض * (فروع) أحدها إذا بدأ الصلاح في الثمرة فان وثق المالك بالعمل تركها في يده إلى وقت الادراك فيقسمان حينئذ إن جوزناها أو يبيع أحدهما نصيبه من الثاني أو يبيعان من ثالث فان لم يثق به وأراد تضمينه التمر أو الزبيب فيبنى على أن غيره أو تضمين ان جعلتا غيره لم يجزو أن جعلنا تضمين فالاصح جوازه كما في الزكاة وقد الجزء: 12 ¦ الصفحة: 172 روى عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه خرص على أهل خيبر " وقيل لا يجوز لانه بيع الرطب بالتمر مع تأخر أحد العوضين ويخالف الزكاة لانها مبنية على المسامحة وكذا قضية خيبر لانه يتسامح في معاملات الكفار مالا يتسامح في غيرها ويجرى الخلاف فيما لو أراد العامل تضمين المالك بالخرص (الثاني) إذا انقطع ماءا كبستان وأمكن رده ففى تكليف المالك السقى وجهان (أحدهما) لا يكلف كما لا يجبر أحد الشريكين على الضمان وكما لا يجبر المكرى على عمارة الدار المكراة (والثانى) يكلف لانه لا يتمكن العامل من العمل إلا به فاشبه مااذا استأجره لقصارة ثوب بعينه يكلف تسليمه إليه فعلى هذا لو لم يسع في رده لزمه للعامل أجرة عمله فان لم يمكن رد الماء فهو كما لو تلفت الثمار بجائحة (الثالث) السواقط وهي السقف التى تسقط من النخل يختص بها المالك وما يتبع الثمرة فهو بينهما (قال) الشيخ أبو حامد ومنه الشماريخ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 173 (الرابع) دفع بهيمته إلى غيره ليعمل عليها وما رزق الله عزوجل فهو بينهما فالعقد فاسد لان البهيمة يمكن اجارتها فلا حاجة إلى إيراد عقد عليها فيه غرر ولو قال تعهد هذه الاغنام على أن يكون لك درها ونسلها فكذلك لان الدر لا يحصل بعمله ولو قال اعتلف هذه من عندك ولك النصف من درها ففعل وجب بدل العلف على صاحب الشاة والقدر المشروط من الدر لصاحب العلف مضمون في يده لحصوله بحكم بيع فاسد والشاة غير مضمونة لانها غير مقابلة بالعوض ولو قال خذ هذه الشاة واعلفها لتسمن وذلك نصفها ففعل فالقدر المشروط منها لصاحب العلف مضمون عليه دون الباقي (الخامس) قال في التتمة ان كانت المساقاة في الذمة فالمعامل أن يعامل غيره لينوب عنه ثم أن شرط له من الثمار مثل ما شرط المالك له أو دونه فذاك وان شرط له أكثر من ذلك فعلى الخلاف في تفريق الصفقة ان جوزناه وجبت للزيادة أجرة المثل وان لم نجوزه فالجميع له وان كانت المساقاة على عينه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 174 لم يكن له أن ينيب ويعامل غيره فلو فعل انفسخت المساقاة بشركة العمل وكانت الثمار كلها للمالك ولا شئ للعامل والعامل الثاني ان كان عالما بفساد العقد فلا شئ له والا ففى استحقاقه أجرة المثل ما ذكرناه في خروج الثمار مستحقة * (كتاب الاجارة * وفيه ثلاثة أبواب) (الباب الاول في أركان صحتها) قال (وهى بعد العاقدين ولا يخفى أمرهما ثلاثة (الاول) الصيغة وهى أن يقول اكريتك الدار أو أجرتك فيقول قبلت * ويقوم مقامهما (و) لفظ التمليك ولكن يشترط أن يضيف إلى المنفعة فيقول ملكتك منفعة الدار شهرا * والظاهر (و) أن لفظ البيع لا يقوم مقام التمليك لانه موضوع لملك الاعيان) * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 175 نفتتح الباب بمقدمات (احداها) أنه سيعمل في هذا العقد لفظتان (إحدهما) الاجارة وهذه اللفظة وان اشتهرت في العقد فهى في اللغة اسم للاجرة وهى كراء الاجير وذكر الجبان في الشامل أن يقال لها اجارة أيضا بالواو ويقال استأجرت دار فلان وأجر لى داره ومملوكه يؤجرها إيجازا فهو مؤجر وذاك مؤجر ولايقال مؤاجر ولا آجر (أما) المؤاجر فهو من قولك أجر الاجير مؤاجرة كما يقال زارعه وعامله وأجر هذا فاعل وأجر داره أفعل فاعل ولا يجر منه مفاعل (وأما) الاجر فهو فاعل قولك أجره يأجره يأجيره ويأجره أجرا إذا أعطاه أجرا وقولك أجره إذا صار أجيرا له وقوله تعالى (على أن تأجرني ثمانى حجج) فسره بعضهم بالمعني الاول فقال تعطيني من تزويجي إياك رعى الغنم هذه المدة وبعضهم بالثاني فقال تصير أجرى وإذا استأجرت عاملا لعمل فأنت أجر بالمعني الاول لانك تعطى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 176 الاجرة وهو آجر بالمعني الثاني لانه يصير أجيرا لك وأجره إليه لغة في آجره أي اعطاه اجره والاجير فعيل بمعني مفاعل كالجليس والنديم هذا تلخيص ما ذكره أئمة اللغة (والثانية) الاكراء يقول أكريت الجزء: 12 ¦ الصفحة: 177 الدار فهى مكراة ويقال اكتريت واستكريت وتكاريت بمعنى رجل مكارى والكرى على فعيل المكارى والمكترى أيضا والكراء وان اشتهر اسما للاجرة فهى في الاصل مصدر كاريت الجزء: 12 ¦ الصفحة: 178 (المقدمة الثانية) أصل هذا العقد من الكتاب قوله تعالى (فان أرضعن لكن فآتوهن أجورهن) وقصة موسى وشعيب عليهما السلام ومن الخبر نحو قوله صلى الله عليه وسلم " اعطوا الاجير أجرته الجزء: 12 ¦ الصفحة: 179 قبل أن يجف عرقه " ومن الاثر فيما روى أن عليا عليه السلام " أجر نفسه من يهودى يستقى له الجزء: 12 ¦ الصفحة: 180 كل دلو بتمرة " ثم الحاجة داعية إليه ظاهرة وهو متفق على صحته الا ما يحكى فيه عن عبد الرحمن ابن كيسان الاصم والقاشاني (مقدمة أخرى) اختلف الاصحاب في أن المعقود عليه في الاجارة ماذا فعن أبى اسحق وغيره أن المعقود عليه العين ليستوفى منها المنفعة لان المنافع معدومة ومورد العقد يجب الجزء: 12 ¦ الصفحة: 181 ان يكون موجودا وأيضا فان اللفظ مضاف إلى العين ألا ترى أنك تقول أجرتك الدار وقال المعظم العين غير معقود عليها لان المعقود عليه ما يستحق بالعقد ويجوز التصرف فيه والعين ليست الجزء: 12 ¦ الصفحة: 182 كذلك فان المعقود عليه المنفعة وبه قال أبو حنيفة رضى الله عنه ومالك وعليه يستوف قول الجمهور إن الاجارة تمليك المنافع بعوض ثم حققوا ذلك بان عين الثوب مثلا تتعلق به ثلاثة أمور (أحدها) الجزء: 12 ¦ الصفحة: 183 صلاحتيه لان يلبس (والثانى) الفائدة الحاصلة باللبس كاندفاع الحر والبرد (الثالث) نفس اللبس المتوسط الجزء: 12 ¦ الصفحة: 184 بينهما واسم المنفعة يقع عليهما جميعا ومورد العقد المستحق إنما هو الثالث ويشبه أن لا يكون ما حكيناه خلافا محققا لان من قال المعقود عليه العين لا يعني به أن العين تملك بالاجارة كما تملك بالبيع ألا ترى أنه قال المعقود عليه العين لاستيفاء المنفعة ومن قال المعقود عليه المنفعة لا يقطع الحق الجزء: 12 ¦ الصفحة: 185 عن العين بالكلية بل تسلم العين وامساكها مدة العقد لينتفع بها * وإذا عرفت هذه المقدمات فالاجارة تنقسم إلى صحيحة وإلى غيرها وإذا صحت ترتب عليها أحكام ودامت إلى انتهاء مدتها الا أن يفرض ما يقتضى فسخا أو انفساخا فالكلام في ثلاثة مقاصد أدرجها المصنف في ثلاثة أبواب (أحدها) الجزء: 12 ¦ الصفحة: 186 في أركان صحة الاجارة (والثانى) في أحكامها إذا صحت (والثالث) في العوارض المقتضية للفسخ والانفساخ (أما الباب الاول) فقد نخطر لك أولا مترجمة بأركان الصحة فأضاف الاركان إلى الصحة وكذلك فعل في القراض وأضاف في البيع وأكثر العقود الاركان إلى نفسها فهل لذلك من سبب الجزء: 12 ¦ الصفحة: 187 والجواب أنه لافرق بين عقد وعقد في الامور المسماة أركانا فإذا أضيفت إلى نفس العقد فعلى المعنى الذي حكيناه عن الوسيط في أول البيع وان أضيفت إلى الصحة فعلي المعنى الذي ذكرناه آخرا هناك وهى أنها أمور معتبرة في الصحة على صفة مخصوصة (وثانيها) أنه عد الاركان دون العاقدين ثلاثة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 188 وفي البيع مع المتعاقدين ثلاثة وسببه أنه في البيع أخذ المعقود عليه بمطلقه ركنا وأنه يشمل العوضين وهاهنا جعل كل واحد منهما ركنا برأسه ولافرق في الحقيقة وقوله في العاقدين ولا يخفي أمرهما أشار به إلى ما يعتبر فيهما من العقل والبلوغ كما تقدم في سائر التصرفات * (الركن الاول الصيغة) وهى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 189 أن تقول أكرتيك هذه الدار أو أجرتكها مدة كذا بكذا فيقول على الاتصال قبلت أو استأجرت أو اكتريت ولو أضافهما إلى المنفعة فقال أكريتك منافع هذه الدار أو أجرتكها فوجهان (أظهرهما) وبه أجاب في الشامل أنه يجوز ويكون ذكرا لمنفعته ضربا من التأكيد كما لو قال بعتك عين هذه الدار ورقبتها يصح البيع (والثانى) المنع وهو الذي أورده في الكتاب لان لفظ الاجارة وضع مضافا إلى العين الجزء: 12 ¦ الصفحة: 190 وإن كان العقد في الذمة فقال ألزمت ذمتك كذا فقال قبلت جاز وأغني عن الاجارة والاكراء وإن تعاقدا بصيغة التمليك نظر إن أضافها إلى المنفعة فقال ملكتك منفعتها شهرا جاز لان الاجارة تمليك منفعة بعوض ولو قال بعتك منفعة هذه الدار شهرا فأحد الوجهين وبه قال ابن سريج أنه يجوز لان الاجارة صنف من البيع (وأظهرهما) المنع لان البيع موضوع لملك الاعيان فلا يستعمل في المنافع كما لا ينعقد البيع الجزء: 12 ¦ الصفحة: 191 بلفظ الاجارة هذا هو النقل الظاهر (وقوله) في الكتاب ووراءه شيئان غريبان (أحدهما) طرد صاحب التهذيب الوجهين في قوله بعتك منفعة هذه الدار فيما لو قال ملكتك منفعتها (والثانى) حكي أبو العباس الرويانى طريقة قاطعة بالمنع فيما إذا قال بعتك منفعة هذه الدار ويجوز أن يعلم للاول (قوله في الكتاب الجزء: 12 ¦ الصفحة: 192 ويقوم مقامها لفظ التمليك ولو قال ملكتك أو بعتك هذه الدار لم تنعقد به الاجارة * قال (الركن الثاني الاجرة) فان كانت في الذمة فهى كالثمن حتى يتعجل (ح م) بمطلق العقد * وان كان معينا فهو كالمبيع فيراعى شرائطه فلو أجر دارا بعمارتهما أو بدراهم معلومة بشرط صرفها إلى العمارة بعمل المستأجر فهو فاسد لان العمل في العمارة مجهول * ولو كانت الاجرة صبرة مجهولة جار كما في البيع * وقيل انه على قولين كما في رأس مال السلم) * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 193 الاجارة تنقسم إلى واردة على العين كما إذا استأجر دابة بعينها ليركبها أو يحمل عليها أو شخصا بعينه لخياطة ثوب والى واردة على الذمة كما إذا استأجر دابة موصوفة المركوب أو للحمل أو قال ألزمت ذمتك خياطة ثوب أو بناء جدار فقبل وقوله استأجرتك لكذا أو لتفعل كذا وجهان الجزء: 12 ¦ الصفحة: 194 (أظهرهما) أن الحاصل به إجارة عين للاضافة إلى المخاطب كما لو قال استأجرت هذه الدابة (والثانى) ويحكى عن اختيار القاضى حسين أن الحاصل اجارة في الذمة لان المقصود حصول العمل في جهة المخاطب فكأنه قال استحققت عليك كذا وانما تكون اجارة عين على هذا إذا راد فقال استأجرت الجزء: 12 ¦ الصفحة: 195 عينك أو نفسك لكذا أو لتعمل بنفسك كذا واجارات العقارات لا تكون إلا من القسم الاول لانها لا تثبت في الذمة ألا ترى أنه لا يجوز السلم في دار ولا أرش وإن وردت الاجارة على العين لم تجب الاجرة في المجلس كما لا يجب تسليم الثمن في البيع ثم إن كانت في الذمة فهى كالثمن في الذمة في جواز الجزء: 12 ¦ الصفحة: 196 الاستبدال وفى أنه إذا شرط فيها التأجيل أو التنجيم كانت مؤجلة أو منجمة وإن شرط التعجيل كانت معجلة وإن أطلق ذكرها تعجلت أيضا وملكها المكرى بنفس العقد واستحق استيفاءها إذا سلم العين إلى المستأجر وبهذا قال قال أحمد وقال أبو حنيفة ومالك لا تملك الاجرة عند الاطلاق بنفس العقد الجزء: 12 ¦ الصفحة: 197 كما لا يملك المستأجر المنفعة فانها معدومة ولكن يملكها شيئا فشيئا كذلك الاجرة إلا أن المطالبة كل لحظة مما يعسر فضبط أبو حنيفة باليوم وقال كلما مضى يوم طالبه باجرته وهذا رواية عن مالك رضى الله عنه قال في رواية لا يستحق أخذ الاجرة حتى تنقضي المدة بتمامها * لنا أن الاجرة عوض في معاوضة تتعجل الجزء: 12 ¦ الصفحة: 198 بشرط التعجيل فتتجعل عند اطلاق كالثمن وكذلك نقول يملك المستأجر المنفعة في الحال وينفذ تصرفه فيها إلا أنها تستوفى على التدريج وقولهم بأنها معدومة يشكل بما إذا شرط التعجيل فان الشرط لا يجعل المعدوم موجودا ثم قال الاصحاب المنافع إما موجودة واما ملحقة بالموجودات ولهذا صح إيراد الجزء: 12 ¦ الصفحة: 199 العقد عليها وجاز أن تكون الاجرة دينا في الذمة ولولا أنها ملحقة بالموجودات لكان ذلك في معنى بيع الدين بالدين ويجب أن تكون الاجرة معلومة القدر والوصف كالثمن إذا كان في الذمة وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " من استأجر أجيرا فليعطه اجره " قال اعمل كذا لارضيك أو اعطيك شيئا وما أشبه فسد العقد وإذا عمل استحق اجرة المثل ولو استأجر أجيرا بنفقته أو كسوته فسد خلافا لمالك وأحمد حيث قالا تجوز ويستحق الوسط ولابي حنيفة في المرضعة خاصة * لنا القياس على عوض البيع والنكاح وان استأجر بقدر معلوم من الحنطة أو الشعير ووصفه كما يجب في السلم جاز أو بارطال من الخبز يبنى على جواز السلم في الخبز ولو أجر الدار بعمارتها أو الدابة بعلفها أو الارض الجزء: 12 ¦ الصفحة: 200 بخراجها أو مؤنتها لم يجز وكذلك لو أجرها بدراهم معلومة على أن يعمرها ولا يحسب ما أنفق من الدراهم وكذا لو أجرها بدراهم معلومة على أن يصرفها في العمارة لان الاجرة الدراهم والصرف إلى العمارة والعمل في الصرف مجهول وإن كانت الدراهم معلومة ثم إذا صرفها إلى العمارة رجع بها ولو أطلق العقد ثم أذن له في الصرف في العمارة وتبرع به المستأجر جاز فان اختلفا في قدر ما أنفقته فقولان الجزء: 12 ¦ الصفحة: 201 في أن القول قول من * ولو سلم إليه ثوبا وقال ان خطته اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصف درهم فالعقد فاسد والواجب أجرة مثله في أي يوم خاطه (وقال مالك وأبو حنيفة ان خاطه اليوم استحق درهما وان خاطه غدا استحق أجرة المثل * وان قال ان خطته روميا فلك درهم وان خطته فارسيا فنصف درهم فهو فاسد خلافا لابي حنيفة والخياطة الرومية بغرزتين والفارسية بغرزة وإذا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 202 شرط التأجيل في الاجرة فحل الاجل وقد تغير النقد فالاعتبار بيوم العقد وفي الجعالة الاعتبار بيوم اللفظ أو بيوم تمام العمل حكى الامام فيه وجهين (أصحهما) الاول ووجه الثاني أن الاستحقاق يثبت بتمام العمل * هذا إذا كانت الاجرة في الذمة * فان كانت معينة ملكت في الحال كالمبيع واعتبرت فيه الشرائط المعتبرة في المبيع حتى لو جعل الاجرة جلد شاة مذبوحة قبل السلخ لم يجز لانه لايعرف الجزء: 12 ¦ الصفحة: 203 حاله في الرقة والثخانة وسائر الصفات قبل السلخ وهل تغني مشاهدتها عن معرفة القدر فيه طريقان (أحدهما) أنه على القولين في رأس مال السلم لان الاجارة تعرض للفسخ والانفساخ لتعذر استيفاء المنافع كالسلم لانقطاع المسلم فيه (والثانى) القطع بالجواز لان المنافع ملحقة بالاعيان الموجودة لتعلقها بالعين الحاضرة وكيف ماكان فالظاهر الجواز * هذا في اجارة العين (النوع الثاني) الاجارة الواردة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 204 على الذمة فلا يجوز فيها تأجيل الاجرة والاستبدال عنها ولا الحوالة بها ولا عليها ولا الابراء بل يجب التسليم في المجلس كرأس المال السلم لانه سلم في المنافع وان كانت الاجرة مشاهدة غير معلومة القدر فهي على القولين في رأس مال السلم ولا يجئ ههنا الطريق الاخر * هذا إذا تعاقدا بلفظ السلم بأن قال سلمت إليك هذا لدينار في دابة تحملني إلى موضع كذا فان تعاقدا بلفظ الاجارة بأن قال الجزء: 12 ¦ الصفحة: 205 استأجرت منك دابة صفتها كذا لتحملني إلى موضع كذا فوجهان بنوهما على أن الاعبار باللفظ أم بالمعنى (أصحهما) عند العراقيين والشيخ أبى على أن الحكم كما لو تعاقدا بلفظ السلم لانه سلم في المعنى وتابعهم صاحب التهذيب على اختيار هذا الوجه لكنه لا يلائم مصيره فيما إذا أسلم بلفظ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 206 الشراء وكذلك ما نحن فيه * اختار مختارون اعتبار اللفظ وفيما إذا اشترى بلفظ السلم ذكرتم أن أظهر القولين بطلان العقد والائمة كالمتفقين عليه فهل من فارق * والجواب أن المسائل التى بنوها على هذا الاصل كثيرة لكنها متنوعة فمنها أن يستعمل اللفظ فيما لا يوجد فيه تمام معناه وإن كان بينهما الجزء: 12 ¦ الصفحة: 207 بعض التشابه كالشراء بلفظ السلم فان تمام معنز السلم لا يوجد في البيع لانه أخص منه (ومنها) أن يكون آخر اللفظ رافعا لاوله كقوله بعتك بلا ثمن (ومنها) أن يكون الشئ الاصلى اللفظ مشترك بين خاصين يشتهر اللفظ في أحدهما ثم يستعمل في الثاني كالسلم بلفظ الشراء فان المعنى الاصلي للشراء الجزء: 12 ¦ الصفحة: 208 موجود بتمامه في السلم إلا أنه اشتهر في شراء الاعيان وكذلك السلم في المنافع بلفظ الاستئجار المشهور في إجارة العين فيشبه أن يقال الصيغة محيلة في النوع الاول والثانى ومنتظمة صحيحة الدلالة على المقصود في النوع الثالث فيعتبر المعني ولا يخفي عليك بعد الشرح أن مسائل الكتاب في الصفة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 209 ولقمة في النوع الاول من الاجارة ويجوز أن تكون الاجرة منفعة عين أخرى اتفق الجنس كما إذا أجر دارا بمنفعة دار أخرى أو اختلفت كما إذا أجرها بمنفعة عبد خلافا لابي حنيفة فيما إذا اتفق الجنس بناء على أن الجنس الواحد يحرم النساء وفي الاجارة نساء وعندنا لا ربا في المنافع أصلا حتى لو أجر دارا بمنعة دارين يجوز وكذلك لو أجر حليا ذهبا بذهب ولا يشترط القبض في المجلس * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 210 قال (ولو استأجر السلاخ بالجلد والطحان بالنخالة أو بصاع من الدقيق فسد لنهيه عليه الصلاة والسلام عن قفيز الطحان ولانه باع ما هو متضل بملكه فهو كبيع نصف من سهم * ولو شرط للمرضعة جزأ من المرتضع لرقيق بعد الفطام * ولقاطف الثمار جزأ من الثمار المقطوفة فهو أيضا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 211 فاسد * وإن شرط جزأ من الرقيق في الحال أو من الثمار في الحال فالقياس صحته (و) * وظاهر كلام الاصحاب دال على فساده حتى منعوا استئجار المرضعة على رضيع لها فيه شرك لان عملها لا يقع على خاص ملك المستأجر) * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 212 لا يجوز أن تجعل الاجرة ما يحصل بعمل الاجير كما إذا استأجر السلاخ لسلخ الشاة بجلدها أو الطحان ليطحن الحنطة بثلث دقيقها أو بصاع منه أو بالنخالة أو المرضعة بجزء من الرقيق الرضيع بعد الفطام أو قاطف الثمار بجزء من الثمار بعد القطاف أو النساج لينسج الثوب بنصفه * والمستحق الجزء: 12 ¦ الصفحة: 213 للاجير في هذه الصور أجرة مثل عمله وهو موجه أولا بالخبر حديث روى أنه صلى الله عليه وسلم " نهى عن قفيز الطحان " وتفسيره استئجار الطحان ليطحن الحنطة بقفيزمن دقيقها ثم وجه ثانيا بثلاثة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 214 أوجه (أحدها) أن المجعول أجرة متصل بغيره فهو كبيع نصف من سهم أو نصل وهذا قد ذكره في الكتاب وسمى جعله أجرة بيعا حيث قال باع ما هو متصل بملكه لانه في معناه ولك الجزء: 12 ¦ الصفحة: 215 أن تقول هذا إن اشتهر في الجلد لا يستمر في الجزء المشاع والحكم لا يختلف فان كنا نقنع بما لا يطرد في هذا القبيل ففى المسائل بالفساد مأخذ أظهر من هذا كمسألة السلاخ فان الجلد قبل السلخ مجهول ولايجوز جعله أجرة مطلقا كما سبق وكمسألة النخالة فانهما الجزء: 12 ¦ الصفحة: 216 مجهولة المقدار وإذا شرط صاعا من الدقيق فان كانت الجملة مجهولة فهو كبيع صاع من صبرة مجهولة الصيعان وقد مر * وفي مسألة الرقيق الرضيع وقطاف الثمار شئ آخر وهو أن الاجرة معينة وقد أجلها بأجل مجهول والاعيان لا تؤجل بالاجال المعرمة فكيف بالمجهولة (والثاني) أن عمله لا يقع للمستأجر في محل ملكه خاصة بل لنفسه وللمستأجر وفي ملكيهما * والشرط في الاجارة وقوع العمل الجزء: 12 ¦ الصفحة: 217 في خاص ملك المستأجر وهذا قد ذكره صاحب الكتاب أيضا في آخر الفصل وسيأتى الاشكال عليه (والثالث) أن الاجرة غير حاصلة في الحال على الهيئة المشروطة وانما تحصل بعمل الاجير من بعد فهى إذا غير مقدور عليها في الحال ولو استأجر المرضعة بجزء من الرقيق في الحال أو قاطف الثمار بجزء منها على رؤس الاشجار فحكاية الامام وصاحب الكتاب عن الاصحاب المنع أيضا توجيها الجزء: 12 ¦ الصفحة: 218 بأن عمل الاجير ينبغى أن يقع في خاص ملك المستأجر وأنهم خرجوا على هذا أنه لو كان الرضيع ملكا لرجل وامرأة فاستأجرها الرجل وهى مرضع لترضعه بجزء من الرقيق أو غيره لم يجز لان عملها لا يقع في خاص ملك المستأجر واعترضا عليه بأن القياس والحالة هذه الجواز ولا يضر وقوع العمل في المحل المشترك ألا ترى أن أحد الشريكين لو ساقى صاحبه وشرط له زيادة من الثمار يجوز وإن كان عمله يقع في المشترك وظاهر المذهب هذا الذي مالا إليه دون ما نقلاه قال في التهذيب الجزء: 12 ¦ الصفحة: 219 لو استأجر أحد الشريكين في الحنطة صاحبها ليطحنها أو في الدابة ليتعهدها بدرهم جاز ولو قال استأجرتك بربع هذه الحنطة أو بصاع منها لتطحن الباقي (فالجواب) في التهذيب والتتمة الصحة ثم يتقاسمان قبل الطحن فيأخذ الاجرة ويطحن الباقي * قال في التتمة وان شاء طحن الكل والدقيق مشتر ك بينهما ومن صور الوسيط ما إذا استأجر حمال الجيفة بجلدها وتعليل الفساد فيها بأن جلد الجيفة أجرة أوضح لكن الصورة الغريبة منها ما إذا استأجر لحمل شاة مذكاة إلى موضع كذا بجلدها * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 220 قال (الركن الثالث المنفعة * وشروطها خمسة أن تكون متقومة لا بانضمام عين إليها * وأن تكون مقدورا على تسليمها * حاصلة للمستأجر معلومة * أما التقويم عنينا به أن استئجار تفاحة للشم وطعام لتزيين الحانوت لا يصح * وكذا (ح) استئجار الدراهم والدنانير لتزيين الحانوت فانه لاقيمة له على الاصح (و) * وكذا استئجار الاشجار لتجفيف الثياب والوقوف في ظلها * وكذا استئجار البياع على كلمة تروج لها السلعة ولاتعب فيها * وفي استئجار الكلب للحراسة والصيد وجهان) الجزء: 12 ¦ الصفحة: 221 اعتبر في المنفعة المعقود عليها خمسة شروط (أحدها) أن تكون متقومة ليحسن بذل المال في مقابلتها فان لم يكن كذلك كان بذل المال لها سفها وتبذيرا فمنع منه كما منع من شراء مالا ينتفع به وفيه صور (إحداهما) ذكر أن كراء تفاحة للشم فاسد وكأن المنع ناشئ من أن التفاحة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 222 الواحدة لا تقصد للشم فيكون استئجارها كشراء الحبة الواحدة من الحنطة والشعير * فان كثر فالوجه الصحة ولانهم نصوا على جواز استئجار المسك والرياحين للشم ومن التفاح ما هو أطيب من كثير من الجزء: 12 ¦ الصفحة: 223 الرياحين (الثانية) في استئجار الدراهم والدنانير وجهان كما في إعارتها (والاصح) المنع والاعارة أولى بالجواز لانها مكرمة لا معاوضة ولذلك جوز بعضهم الاعارة مع منع الاجارة وذكرنا هناك بحثا في أن موضع الخلاف اطلاق إعارة الدراهم أو التعرض لغرض البر بين بناء على الخلاف في أن صحة الاجارة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 224 من غير تعيين لجهة المنفعة وههنا لا تصح الاجارة عند الاطلاق بمال لان تعيين الجهة في الاجارة لابد منه وعن أبى حنيفة أنه إن عين جهة الانتفاع بها من تزيين الحوانيت أو الوزن بها أو الضرب الجزء: 12 ¦ الصفحة: 225 على طبعها صحت الاجارة وإلا كانت قرضا وأما استئجار الاطعمة لتزيين الحوانيت بها فكلام المصنف ههنا وفي الوسيط يقتضى القطع بمنعه وكذلك ذكره القاضى حسين وعن الامام وغيره أنه على الوجهين الجزء: 12 ¦ الصفحة: 226 فيجوز اعلام قوله والطعام لتزيين الحوانيت بالواو والوجهان جاريان في استئجار الاشجار لتجفيف الثياب والوقوف في ظلها وربط الدواب بها لان الاستئجار لا يقصد لهذه الاغراض وذهب بعضهم الجزء: 12 ¦ الصفحة: 227 إلى أن الاصح الصحة ههنا على خلاف الاصح في مسألة الدراهم والدنانير لانها منافع مهمة ومنفعة التزيين ضعيفة وأجرى في التهذيب الوجهين في استئجار الببغاء للاستئناس وبالجواز أجاب أبو سعيد الجزء: 12 ¦ الصفحة: 228 المتولي وكذلك في كل مستأنس بلونه كالطاوس أو بصوته كالعندليب (الثالثة) استئجار البياع على كلمة البيع أو كملة تروج بها السلعة ولاتعب فيها فاسد لانه لاقيمة لها ولم يجعلوا هذا من صور الوجهين الجزء: 12 ¦ الصفحة: 229 لكن المحكى عن الامام محمد بن يحيى أن ذلك في المبيع المستقر قيمته في البلد كالخبز واللحم (وأما) الثياب والعبيد وما يختلف قدر الثمن فيه باختلاف المتعاقدين فيختص بيعها من البياع بمزيد منفعة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 230 وفائدة فيجوز الاستئجار وعليه فإذا لم يجز الاستئجار ولم يلحق البياع تعب فلا شئ له وإن تعب يكره التردد وكثرة الكلام في تأليف أصل المعاملة فله أجرة المثل لا ما تواطأ عليه البياعون (الرابعة) في استئجار الجزء: 12 ¦ الصفحة: 231 الكلب المعلم للحراسة والسيد وجهان (أحدهما) الجواز كاستئجار الفهد والبازى والشبكة للاصطياد والهرة لدفع الفأرة (وأصحهما) المنع لان اقتضاءه ممنوع الا لحاجة وما جوز للحاجة لا يجوز أخذ العوض عليه وأيضا فانه لاقيمة لعينه وكذلك لمنفعته * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 232 قال (أما المتقوم دون العين معناه أن استئجار الكرم والبستان لثمارها والشاة لنتاجها ولبنها وصوفها باطل فانه بيع عين قبل الوجوه * واستئجار الشاة لارضاع السخلة باطل واستئجار المراة للارضاع مع الحضانة جائز * ودون الحضانة فخلاف * والاولى الجواز للحاجة * واستئجار الفحل للضراب ففيه خلاف * والاولى المنع لانه لا يوافق بتسليمه على وجه ينفع * أما القدرة على التسليم نعني الجزء: 12 ¦ الصفحة: 233 به أن استئجار الاخرس للتعليم والاعمى للحفظ باطل لان المقصود غير ممكن * ولو استأجر قطعة أرش لاماء لها للزارعة فهو باطل * وإن استأجر للسكنى فجائز * فان أطلق وكان في محل يتوقع الجزء: 12 ¦ الصفحة: 234 الزراعة كان كالتصريح بالزراعة * وإن كان الماء متوقعا ولكن على الندور ففاسد بناء على الحال * وإن كان يعلم وجود الماء فصحيح * وإن كان يغلب وجود الماء بالامصار فالنص أنه فاسد نظر إلى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 235 العجز في الحال * وقيل أنه صحيح إذ انقطاع الشر العد والماء الجارى أيضا ممكن * وإن استأجر أرضا والماء مستو عليها في الحال ولا يعلم انحساره فهو باطل * وان علم انحساره فهو صحيح (و) ان تقدمت رؤية الارض أو كان الماء صافيا لايمنع رؤية الارض) الجزء: 12 ¦ الصفحة: 236 ترجمه هل الشرط ههنا وفي الفصل السابق بكون المنفعة متقومة بنفسها لا بعين تضم إليها كانه قدر انقسام المنفعة إلى متقومة بنفسها ومتقومة بعين تنضم إليها ولمانع أن يمنع ذلك ويقول إن العين المنضمة إلى المنفعة هي المتقومة والمنفعة لا تستفيد من العين تقوما وقال في الوسيط معبرا عن هذا الشرط انه لا يتضمن استيفاء عين قصد أو هذا أليق بمسائل الفصل وعلته أن الاجارة عقد ينبغي به المنافع الجزء: 12 ¦ الصفحة: 237 دون الاعيان هذا هو الاصل إلا أنه قد تستحق بها الاعيان تابعة لضرورة أو حاجة حاقة فتلحق تلك الاعيان حينئذ بالمنافع وفيه مسائل (احداها) استئجار الكروم والبستان لثمارها والشاة لنتاجها أو صوفها أو لبنها باطل لان الاعيان لا تملك بعقد الاجارة وهذا في الحقيقة بيع لاعيان معدومة ومجهولة (الثانية) الاستئجار لارضاع الطفل جائز ويستحق به منفعة وعين فالمنفعة أن تضع الصبى في حجرها الجزء: 12 ¦ الصفحة: 238 وتلقمه الثدى ويعصره عند الحاجة والعين اللبن الذي يمتصه الصبي وإنما جوزناه وأثبتناه به استحقاق اللبن لانا لو منعناه لاحتاج إلى شراء اللبن كل دقيقة وفيه من المشقة ما يعظم ثم الشراء إنما يمكن بعد الحلب والتربية لا تتم باللبن المحض ثم الاصل الذى يتناوله العقد ماذا فيه وجهان (أحدهما) اللبن وفعلها تابع لان اللبن مقصود لعينه وفعلها مقصود لايصال اللبن المقصود إلى الصبى (وأصحهما) أن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 239 الاصل المتناول بالعقد فعلها وللبن مستحق تبعا لقوله تعالى (فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) علل الاجرة بفعل الارضاع لابلبن وأيضا ان الاجارة موضوعة لاستحقاق المنافع فان استحقق فيها عين الضرورة تدعو إليه فهى تابعة كالبئر تستأجر لسقى مائها والدار تستأجر وفيها بئر يجوز لاستيفاء منها أم ان استأجرها لحضانة فوجهان (أحدهما) لا يجوز لانه لا يجوز استئجار الشاة لارضاع السخلة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 240 (وأصحهما) الذي أورده الاكثرون انه يجوز كما يجوز أن تستأجر لمجرد الحضانة قال الامام وهذا الخلاف فيما إذا قصر الاجارة على صرف اللبن وقطع عنه وضعه في الحجر ونحوه فاما الحضانة بالمعنى الذي نذكره من بعد فلا خلاف في جواز قطعه عن الارضاع (الثالثة) استئجار الفحل للضراب حكمه ما ذكرنا في الجزء: 12 ¦ الصفحة: 241 الباب الثالث من كتاب البيع وقوله انه لا يوافق بتسليمه على وجه ينفع اراد به انه أمر لا يتعلق باختيار الحيوان ثم بتقدير أن ينزو فربما لا ينزل فان انزل فربما لا يحصل منه الولد وهو المقصود لكن المعتبر القدرة على تسليم المنفعة المعقود عليها (فاما) وقوعه نافعا مرو سبيله إلى الغاية المقصودة فغير معتبر بالاتفاق الجزء: 12 ¦ الصفحة: 242 ومما يناسب مسائل الفصل استئجار القنوات وله ذكر في بعض نسخ الكتاب قبيل المسألة الثالثة بهذه العبارة واستئجار القناة للزارعة بمائها الاصلح يجويزه للحاجة ولا وجه له في القياس إلا على قول من لا يري الماء مملوكا فتكون القناة كالشبكة والماء كالصيد وغالب الظن أولا أن المسألة ليست من الجزء: 12 ¦ الصفحة: 243 متن الكتاب فليست هي ثابتة في الوسيط ثم حكمها تفريعا على ان الماء ليس بمملوك بين ما ذكره وعلى قولنا انه مملوك فالمنافع آبار الماء وقد جوزنا استئجار بئر الماء للاستقاء والتى بعدها مستأجرة لاجراء الماء فيها وقال القاضى الرويانى في الحلية إذا اكترى قرار القناة ليكون احق بمائها جاز في قول بعض الجزء: 12 ¦ الصفحة: 244 أصحابنا وهو الاختيار والمشهور منه ولفظه في تصوير المسألة يشبه ان يكون مبنيا على ان الماء لا يملك (الشرط الثالث) للمنفعة أن تكون مقدورا على تسليمها فلا يجوز استئجار الابق والمغصوب كبيعهما ولا استئجار الاخرس للتعليم والاعمى لحفظ المتاع وكذا استئجار من لا يحسن القرآن ليعلمه قال في الجزء: 12 ¦ الصفحة: 245 الوسيط فان وسع عليه وقتا يقدر على التعلم قبل التعليم ففيه وجهان (الاصح) المنع لان المنفعة مستحقة في عينه والعين لا تقبل شرط التأجيل والتأخير * وان استأجر ارضا للزارعة وجب ان تكون الزراعة فيها متيسرة والاراضي انواع منها أرض لها ماء دائم من نهر أو عين أو بئر ونحوها ومنها أرض لا ماء لها الجزء: 12 ¦ الصفحة: 246 ولكن يكفيها المطر المعتاد والنداوة التى تصيبها من الثلوج المعتادة كبعض أراضي الجبال أولا يكفيها ذلك ولكنها تسقى بماء الثلج والمطر في الجبل والغالب فيها الحصول ومنها ارض لاماء لها ولا تكفيها الامطار المعتادة ولا تسقى بماء غالب الحصول من الجبل ولكن ان أصابها مطر عظيم أو سيل نادر الجزء: 12 ¦ الصفحة: 247 أمكن أن تزع فالنوع الاول يجوز استئجاره والثالث لا يجوز لانها منفعة غير مقدور عليها وامكان الحصول غير كاف كامكان عود الابق مرد المغصوب وفي النوع الثاني وجهان (أحدهما) وبه قال القفال انه لا يجوز استئجاره لان السقى معجوز عنه في الحال والماء المتوقع لايعرف حصوله وبتقدير حصوله الجزء: 12 ¦ الصفحة: 248 لايعرف انه هل يحصل في الوقت الذي تمكن الزراعة فيه (والثانى) انه يجوز ويحكى عن القاضى الحسين لان الظاهر حصول المقصود والتمكن الظاهر كاف ألا ترى ان انقطاع ماء النهر والعين ممكن أيضا لكن لما كان الظاهر فيه الحصول كفى لصحة العقد وهذا أقوي الوجهين وبه أجاب القاضى ابن كج وصاحب التهذيب وغيرهما وانما اضاف صاحب الكتاب الاول إلى النصف لانه قال في المختصر الجزء: 12 ¦ الصفحة: 249 وان يكارى الارض التى لا ماء لها وانما تسقى بنطف من السماء أو بسيل ان جاء فلا يصح وظاهره يشمل النوع الثاني والثالث وقد يشعر به قوله أو بسيل ان جاء والنطف القطر يقال نطف ينطف نطفا وكل قاطر ناطف (ومنها) ارض على شط النيل أو الفرات أو غيرهما يعلو الماء عليها ثم ينحسر ويكفي ذلك لزراعتها السنة فإذا استأجرها للزراعة بعد ما علاها الماء وانحسر صح وان كان قبل ان يعلو الماء عليها فان لم يوثق به كالنيل لا ينضبط أجره لا يصح وان كان الغالب حصوله فليكن على الخلاف في استئجار النوع الثاني من الاراضي وان كان موثوقا به كالمد بالبصرة صح كماء النهر وان كان يتردد الجزء: 12 ¦ الصفحة: 250 في وصول المد إلى تلك الاراضي فهو كارض ليست لها ماء معلوم وان كان قد علاها الماء ولم ينحسر فان كان لا يرجى انحساره لم يجز استئجارها وكذا لو كان يتردد فيه لان العجز يقين وزواله مشكوك فيه وان كان يرجى انحساره وقت الزراعة بالعادة فالنص صحته قال الاصحاب فيه وجهان من الاشكال (احدهما) ان شرط الاجارة التمكن من الانتفاع عقيب العقد والماء مانع منه (والثانى) انه يمنع رؤية الجزء: 12 ¦ الصفحة: 251 الارض فيكون اجارة الغائب (وأجيب) عن الاول بوجهين (احدهما) ان موضع النص ما إذا كان الاستئجار لزراعة ما تمكن زراعته في الماء كالارز فان كان غير ذلك لم يصح الاستئجار حكاه الشيخ أبو حامد عن بعضهم (واصحهما) أنه لافرق بين مزروع ومزروع لكن الماء فيها من مصالح العمارة والزراعة فكان ابقاؤه فيها ضربا من العمارة وأيضا فان صرف الماء بفتح موضع ينصب إليه أو حفر بئر ممكن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 252 في الحال وحينئذ يكون متمكنا من الاستعمال بالعمارة بهذه الوسائط فاشبه ماذا استأجر دارا مشحونة بامتعة يمكن الاستعمال بنقلها في الحال فانه يجوز إلا أن الشيخ أبا محمد حكى وجها في منع اجارة الدار المشحونة بالامتعة بخلاف بيعها والاظهر الاول (واما) الثاني فمنهم من قال التصوير فيما إذا كان قد رأى الارض قبل حصول الماء فيها أو كان الماء صافيا لايمنع رؤية الارض وان لم يكن كذلك فعلى قولى شراء الغائب ومنهم من قطع بالصحة (أما) عند حصول الرؤية فظاهر (وأما) إذا لم تحصل فلانه من مصلحة المزارعة من حيث انه يقوى الارض ويقطع العروق المنتشرة فيها فاشبه استتار الجوز واللوز بقشره (والظاهر) الصحة سواء أجرينا القولين أم لا وان كانت الارض على شط نهر الظاهر منها انها تفرق وتنهار في الماء لم يجز استئجارها وان احتمل ولم يظهر جاز لان الاصل والغالب دوام السلامة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 253 ويجوز أن تخرج حالة الظهور على مقابل الاصل والظاهر إذا عرف حكم الانواع فكل ارض لها ماء ومعلوم واستأجرها للزراعة مع شربها منه فذاك وان استأجرها للزراعة دون شربها جاز ان تيسر سقيها من ماء آخر وان اطلق دخل فيه الشرب بخلاف مااذا باعها لايدخل الشرب فيه لان المنفعة ههنا لا تحصل دونه وهذا إذا اطردت العادة للاجارة مع الشرب فان اضطربت فسيأتي الحكم في الباب الثاني فكل ارض منعنا استئجارها للزراعة فان اكثراها لينزل فيها أو يسكنها أو يجمع الحطب فيها أو يربط الدواب جاز وان اكثراها مطلقا نظر إن قال اكتريت هذه الارض البيضاء ولا ماء لها جاز لانه يعرف بنفى الماء ان الاستئجار بغير منفعة الزراعة ثم لو حمل ماء من موضع وزرعها أو زرع على توقع حصول ماء لم يمنع منه وليس له البناء والغراس فيها نص عليه ووجهوه بان تفدير المدة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 254 يقتض ظاهره التفريع عند انقضائها والغراس والبناء للتأييد بخلاف مالو استأجر للبناء والغراس فان التصريح بها صرف اللفظ عن ظاهره وان لم يقل عند الاجارة ولا ماء لها فان كانت الارض بحيث يطمع في سوق الماء إليها لم يصح العقد لان الغالب في مثلها الاستئجار للزراعة فكان ذكرها وان كانت على قلة جبل لا يطمع في سوق الماء إليها (فوجهان) عن رواية أبى اسحاق (أظهرهما) الصحة وتكفى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 255 هذه القرينة صارفة فإذا اعتبرنا نفى الماء ففي قيام علم المتعاقدين مقام التصريح بالنفى وجهان (اشبههما) المنع لان العادة في مثلها الاستئجار للزراعة فلا بد من الصرف باللفظ الا ترى انه لما كانت العادة في الثمار الابقاء واردنا خلافه اعتبرنا التصريح بشرط القطع واعلم ان في المسألة تصريحا بجواز الاستئجار مطلقا من غير بيان جنس المنفعة وسيأتى الكلام فيه واما لفظ الكتاب فقوله وان كان في محل تتوقع الزراعة كان التصريح بالزراعة جواب على احد الوجهين فاما على رأى من لا يفرق ويقول سواء الجزء: 12 ¦ الصفحة: 256 كانت الزراعة متوقعة أو لم تكن فالاطلاق كالتصريح بالزراعة فيجوز ان يعلم بالواو وقوله وكان في محل تتوقع الزراعة وابعد الماء الدائم الذي لا انقطاع له (وقوله) فان علم انحساره فهو صحيح يمكن اعلامه بالواو للوجه الذي رواه الشيخ أبو حامد في الفرق بين الارز وغيره (وقوله) ان تقدمت رؤية الارض أو كان الماء صافيا لايمنع رؤية الارض والا فهو على الخلاف في شراء الغائب * قال (وإجارة الدار للسنة القابلة فاسدة (ح) إذ لا تسلط عليه عقيب العقد مع اعتماد العقد العين) * عرفت انقسام الاجارة أي واردة على العين وواردة على الذمة أما إجارة العين فلا يجوز ايرادها على المستقبل كايجار الدار للسنة القابلة والشهر الاتى وكذا إذا قال أجرتك سنة مبتدأة من الغد أو من الشهر الاتى أو أجرتك هذه الدابة للركوب إلى موضع كذا على أن تخرج غدا (وقال) أبو حنيفة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 257 وأحمد يجوز ذلك * لنا القياس على البيع فانه لو باع على أن يسلم بعد شهر فانه باطل ولو قال أجرتك سنة فإذا انقضت السنة فقد أجرتك سنة أخرى فالعقد الثاني باطل على الصحيح كما لو قال إذا جاء رأس الشهر فقد أجرتك مدة كذا فاما الاجارة الواردة على الذمة فيحتمل فيها التأجيل والتأخير كما إذا قال الزمت ذمتك حملي إلى موضع كذا على دابة صفتها كذا غدا أو غرة شهر كذا كما لو أسلم في شئ مؤجلا وإن أطلق كان حالا وإن أجر داره سنة من زيد ثم أجرها من غيره السنة الثانية قبل انقضاء الاولى لم يجز فان أجرها من زيد نفسه (فوجهان) ويقال قولان (أحدهما) المنع لانه إجارة سنة قابلة كما لون أجر من غيره أو منه مدة لا تتصل بآخر المدة الاولى (والثانى) وهو المنسوب إلى نصه إنه يجوز لاتصال المدتين كما لو أجر منه السنتين في عقد واحد وهو أصح عند صاحب التهذيب وغيره ورجح في الوسيط الوجه الاولى محتجا بان العقد الاولى قد ينفسخ فلا يتحقق شرط العقد الجزء: 12 ¦ الصفحة: 258 الثاني وهو الاتصال بالاول ولمن نص الوجه الثاني أن يقول رعاية الاتصال ظاهرا وذلك لا يقدح فيه الانفساخ العارض ولو أجرها من زيد لسنة وأجرها زيد من عمرو ثم أجرها المالك من عمرو السنة الثانية قبل انقضاء المدة الاولى ففيه الخلاف ولايجوز أن يؤجرها من زيد ولا يؤجرها من عمرو لان زيدا هو الذي عاقده فيضم إلى ما استحق بالعقد الاول السنة الثانية * قال (ولو أجر سنة ثم أجر من نفس المستأجر السنة الثانية فوجهان * ولو قال استأجرت هذه الدابة لاركبها نصف الطريق وأترك النصف اليك * قال المزني هو إجارة للزمان القابل إذ لا يتعين له النصف الاول * وقال غيره يصح * وإنما التقطع بحكم المهايأة فهو كاستئجار نصف الدابة ونصف الدار وهو صحيح (ح)) * ولو أجر سنة وباعها في المدة وجوزناه لم يكن للمشترى أن يؤجر السنة الثانية من المكترى لانه لم تكن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 259 بينهما معاقدة ويرد نحوه أن الوارث هل يتمكن منه إذا مات المكرى في المدة لان الوارث نائبه ولا يجوز أن يؤجر الدار والحانوت شهرا على أن ينتفع به الايام دون الليالى لان زمان الانتفاع لا يتصل بعضه ببعض فيكون إجارة للزمان المستقبل وفي مثله في العبد والبهيمة يجوز لانهما لا يطيقان العمل الدائم ويرفهان الليل على العادة وإن أطلق لاجارة ولو أجر دابته لموضع ليركبها المكرى زمانا ثم المكترى زمانا لم يجز لتأخر حق المكترى وتعلق الاجارة بالزمان المستقبل وإن أجرها منه ليركب المكترى بعض الطريق وينزل ويمشى في البعض أمر من اثنين ليركب هذا زمانا وهذا مثله ففيه أوجه (أحدها) ان الاجارة فاسدة في الصورة الاولى صحيحة في الثانية لانه إذا اكتري من اثنين اتصل زمان الاجارة بعضه ببعض فإذا اكتري من واحد تفرق فتكون اجارة الزمان المستقبل (وثانيهما) المنع في الصورتين لانه اجارة إلى آجال متفرقة وأزمنة متقطعة (وثالثها) وبه قال المزني الجزء: 12 ¦ الصفحة: 260 في الجامع الكبير تخريجا ووافقه صاحب التلخيص أنه تجوز الاجارة في الصورتين مضمونة في الذمة ولا تجوز على دابة معينة والفرق أنها إذا كانت في الذمة فان أجر من واحد فقد ملكه نصف المنافع على الاشاعة فيقاسم المالك وان أجرها من اثنين ملكهما الكل نسقا فيتقاسمان (وأما) اجارة العين فانها تتعلق بازمنة متقطعة فتكون اجارة الزمان المستقبل (وأصحهما) وهو نصه في الام جواز الاجارة في الصورتين سواء وردت على العين أو الذمة ويثبت الاستحقاق في الحال ثم بتقسيم المكترى والمكرى أو المكتريان والتأخير الواقع من ضرورة القسمة والتسليم لا يضر وهذه المسألة تشهر بكراء العقب وهو جمع عقبة والعقبة النوبة وهما يتعاقبان على الراحلة إذا ركب هذا تارة وهذا تارة (وإذا قلنا) بالجواز فلو كان بالطريق عادة مضبوطة إما بالزمان بان يركب يوما وينزل يوما أو الجزء: 12 ¦ الصفحة: 261 بالمسافة بأن يركب فرسخا ويمشي فرسخا حمل العقد عليها وليس لاحدهما أن يطلب الركوب ثلاثا والنزول ثلاثا لما في دوام المشى من التعب وان لم تكن عادة مضبوطة فلابد من البيان في الابتداء وان اختلفا في من يبدأ بالركوب فالحاكم القرعة ولو أكرى الدابة من اثنين ولم يتعرض للتعاقب (قال) في التتمة إن احتملت الدابة ركوب شخصين اجتمعا على الركوب ولا فالركوب يخرج على المهايأة كما سبق ولو قال أجرتك نصف الدابة إلى موضع كذا أو اجرتك الدابة لتركبها نصف الطريق صح ويقتسمان اما بالزمان أو بالمسافة وهذه إجارة المشاع وبه قال مالك (وقال) أبو حنيفة واحمد لا تصح إجارة المشاع الا من الشريك وفي اجارة نصف الدابة وجه أنها غير جائزة للتقطع بخلاف اجارة نصف الطريق وبخلاف ما إذا أجر منهما ليركبان في محمل ونعود إلى ما يتعلق بلفظ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 262 الكتاب خاصة (أما) تضمينه مسائل الفصل شرط القدرة على التسليم فكان سببه أن منافع الزمان المستقبل غير مقدور عليها (أما) إذا نجز كان التسليم في الزمان الحاضر مقدورا عليه فينحسب حكمه على جميع المدة المتواصلة للحاجة (وقوله) فاسد معلم بالحاء والالف وأراد بقوله إذ لا تسلط عليه عقب العقد مع اعتماد العقد العين ان هذه الاجارة متعلقة بالعين غير واردة على الذمة وذلك يقتضى التسليط في الحال وقوله (فوجهان) يجوز اعلامه بالواو ولان أبا الفرخ السرخسى حكى طريقة قاطعة بالمنع كما لو أجر من غير المستأجر ولفظ الكتاب في مسألة كراء العقب لا يتناول الا الاجارة الواردة على العين والا إذا اتحد المكترى لا يجئ حينئذ الا وجهان كما ذكرنا (وقوله) وهو صحيح يجوز أن يعلم بالحاء والالف لمذهبهما في اجارة المشاع * (فرع) لا تجوز اجارة مالا منفعة له في الحال ويصير منتفعا به كالحش لان الاجارة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 263 موضوع على تعجيل المنافع بخلاف المساقاة على مالايثمر في تلك السنة ويثمر بعدها لان تأخر الثمار محتمل في كل مساقاة * قال (والعجز شرعا كالعجز حسا * فلو استأجر على قلع سن صحيحة وقطع يد صحيحة أو إستأجر حائضا على كنس مسجد فهو فاسد لان تسليمه شرعا متعذر ولو كانت اليد متأكلة أو السن وجعة صحت * فان سكنت قبل القلع انفسخت الاجارة) المعجوز عنه شرعا كالمعجوز عنه حسا كما قدمنا في البيع فلا يحوز الاستئجار لقلع سن صحيحة وقطع يد صحيحة ولا استئجار الحائض لكنس المسجد وخدمته لانها منافع متعذرة التسليم شرعا (وقال) في الوسيط في اجارة الحائض لكنس المسجد احتمال فيجوز أن تصح وان كانت تعصى به كما تصح الصلاة في الارض المغصوبة وان كان يشغل ملك الغير والمنقول الاول وكذا لا يجوز الاستئجار الجزء: 12 ¦ الصفحة: 264 لتعليم التوارة والانجيل وختان الصغير الذي لا يحتمل ألمه ولتعلم السحر والفحش ولو استأجر لقطع يد متأكلة وقلع سن موجعة فالكلام أولا في جوازهما أما القلع فانه يجوز إذا صعب الالم وقال أهل البصر انه يريح الالم (وأما) القطع فلابد وان يذكر أهل الصنعة أنه نافع ومع ذلك ففى جوازه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 265 خلاف عن حكاية الشيخ أبى محمد المنع أن القطع انما يمنع إذا وضعت الحديدة على محل صحيح وأنه ملك كما أنه الاكلة مهلكة وهذا الخلاف وما في جواز القطع من التفصيل مذكور في الكتاب في باب ضمان الولاة فحيث لا يجوز القطع والقلع فالاستئجار لهما باطل وحيث يجوز ففى صحة الاجارة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 266 وجهان (أحدهما) المنع لان الاجارة إنما تجوز في عمل موثوق به وجواز زوال العلة محتمل ليمتنع الوفاء بقضية الاجارة وسبيل مثل هذا الغرض أن يحصل بالجعالة بان يقول اقلع سنى هذه ولك كذا (وأصحهما) الصحة إذ لا يشترط لصحة الاجارة القطع بسلامتهما عما يقطعها ورأي الامام الجزء: 12 ¦ الصفحة: 267 تخصيص الوجهين بالقلع لا أن احتمال فتور الوجع في الزمان الذي يفرض فيه القطع غير بعيد وأما الاتكال بارباب القطع فانه غير محتمل واجري الخلاف في الاستئجار للفصد والحجامة ويزع الدابة لان هذه الايلامات إنما تياج بالحاجة وقد تزول الحاجة وإذا استأجر امرأة لكنس مسجد الجزء: 12 ¦ الصفحة: 268 فحاضت انفسخ العقد إن وردت الاجارة على عينها وعينت المدة وإن وردت على الذمة لم تنفسخ لامكان أن تفوضه إلى الغير وأن تكنس بعد أن تطهر وإذا جوزنا الاستئجار لقلع السن الوجعة فاستأجر له ثم سكن الوجع انفسخت الاجارة لتعذر القلع وهذا قد ذكره مرة أخرى في الباب الجزء: 12 ¦ الصفحة: 269 الثالث وسنذكر هناك ما يقتضى أعلام قوله انفسخت الاجارة بالواو وإن لم يبرأ لكن امتنع المستأجر من قلعه قال في الشامل لا يجب عليه الا أنه سلم الاجير نفسه ومضى مدة امكان العمل الجزء: 12 ¦ الصفحة: 270 وجب على المستأجر الاجرة ثم ذكر القاضي أبو الطيب أنها لاتستقر حتى لو انقلعت تلك السن انفسخت الاجارة ووجب رد الاجرة كما لو مكنت الزوجة في النكاح ولم يطأها الزوج ويفارق ما إذا حبس الدابة مدة امكان السير حيث تستقر عليه الاجرة لتلف المنافع عنده الجزء: 12 ¦ الصفحة: 271 قال (ولو استأجر منكوحة الغير دون اذن الزوج ففاسد (و) * ولو استأجرها الزوج لنفسه فهو صحيح * وان استأجرها (و) لارضاع ولده منها صح) * استئجار منكوحة الغير اما أن يفرض من غير الزوج أو منه اما غيره فله أن يستأجرها للرضاع وغيره باذن الزوج وبغير اذنه وجهان (أحدهما) يجوز أيضا لان محله غير محل النكاح إذ لاحق له في الجزء: 12 ¦ الصفحة: 272 لبنها وخدمتها وأصحهما المنع وهو المذكور في الكتاب لان أوقاتها مستغرقة بحق الزوج فلا تقدر على توفية ما التزمته فان لم نصححه فذاك وان صححناه فللزوج فسخه كيلا يحيل حقه ولو أجرت نفسها ولا زوج لها ثم نكحت في المدة فالاجارة بحالها وليس للزوج منعها بما التزمته كما لو الجزء: 12 ¦ الصفحة: 273 اجرت نفسها باذنه لكن يستمع بها في أوقات فراغها فان كانت الاجارة للرضاع فهل لولى الطفل الذي استأجرها لارضاعه منع الزوج من وطئها فيه وجهان (أحدهما) ويحكي عن أبى حنيفة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 274 ومالك نعم لانه ربما تحمل فينقطع اللبن والافيقل والا فيضر بالطفل (والثانى) وأجاب أصحابنا العراقيون لا لان الحمل متوهم ولا يمتنع به الوطئ المستحق وذكر في التهذيب انه ان كانت الاصابة تضر باللبن منع الزوج من إصابتها وهذا إن أراد به الضرر والناشى من الحبل الناشئ من الاصابة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 275 فهو جواب على الوجه الاول ويجوز أن يحمل على اضرارها باللبن من غير توسط الحمل وإذا منع الزوج فلا نفقة عليه في تلك المدة ولو أجر السيد الامة المزوجة جاز ولم يكن للزوج منعها من المستأجر لان يده يد السيد في الانتفاع وأما الزوج فلا يمنع من استئجارها إلا أنه إذا استأجرها الجزء: 12 ¦ الصفحة: 276 لارضاع ولده منها ففيه وجهان (أحدهما) وهو الذي ذكره العراقيون المنع ووجهوه بانها أخذت منه عوضا للاستمتاع وعوضا للحبس فلا تستحق شيئا آخر وهذا على ضعفه منقوض باستئجارها لسائر الاعمال (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب الجواز كما لو استأجرها بعد البينونة وكما لو الجزء: 12 ¦ الصفحة: 277 استأجرها للطبخ والكنس ونحوهما وعن أبى حنيفة أنه لا يجوز استئجارها للطبخ وما أشبه لانه مستحق عليها في العادة وعلى هذا الخلاف استئجار الوالد ولده للخدمة وفي عكسه (وجهان) إذا كانت الاجارة على عينه كالوجهين فيما إذا اجر المسلم نفسه من كافر الجزء: 12 ¦ الصفحة: 278 قال (أما الحصول للمستأجر نعني به ان استئجاره على الجهاد (و) والعبادات التى لا تجرى النيابة فيها فاسد إذ يقع للاجير * وأما الحج وحمل الجنازة وحفر القبر وغسل الميت فيجرى فيها الجزء: 12 ¦ الصفحة: 279 النيابة والاجارة * وللامام (و) استئجار أهل الذمة للجهاد إذ لا يقع لهم * والاستئجار على الاذان جائز للامام * وقيل انه ممنوع كالجهاد * وقيل انه يجوز لاحاد الناس ليحصل للمستأجر فائدة معرفة الوقت * ولايجوز الاستئجار على إمامة الصلوات الفرائض * وفي إمامة التراويح خلاف * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 280 والاصح منعه وبالجملة فكل منفعة متقومة معلومة مباحة يلحق العامل فيها كلفة ويتطوع بها الغير عن الغير يصح ايراد العقد عليها) * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 281 (الشرط الرابع) حصول المنفعة للمستأجر والا اجتمع العوضان في ملك واحد فانه إذا قال استأجرت دابتك لتركبها بعشرة كانت المنفعة والعشرة حاصلة له * في كنز العناية في هذا الشرط نذكر حكم العبادات في الاستئجار وضبطها امام الحرمين فقال هي على نوعين (احدهما) الذي يتوقف الاعتداد بها على الجزء: 12 ¦ الصفحة: 282 النية فما لا تدخله النيابة منها لا يجوز الاستئجار عليه لان الاستئجار نيابة خاصة وما تدخله النيابة منها يجوز الاستئجار عليه كالحج وتفرقة لزكاة وقال الامام ومن هذا القبيل غسل الميت إذا اعتبرنا فيه النية كجريان النيابة فيه والنوع الثاني لا يتوقف الاعتداد بها على النية وهى تنقسم إلى فرض كفاية والى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 283 شعار غير مفروض (القسم الاول) فرض الكفايات وهو على ضربين (احدهما) ما يختص افراضه في الاصل بشخص وموضع معين ثم يؤمر به غيره ان عجز كتجهيز الميت بالتكفين والغسل وحفر القبر وحمل الجنازة والدفن فان هذه المؤنات تختص بتركة الميت فان لم تكن فحينئذ يجب على الناس القيام الجزء: 12 ¦ الصفحة: 284 بها فمثل هذا يجوز الاستئجار عليه لان الاجير غير مقصود بفعله حتى يقع عند وعد من هذا القبيل تعليم القرآن فان كل واحد يختص بوجوب التعليم وان كان يسير القرآن وانبنا عنه من فروض الكفايات وهذا إذا لم يتعين واحد لمباشرة هذه الاعمال فان تعين واحد لتجهيز الميت ولتعليم الفاتحة فوجهان الجزء: 12 ¦ الصفحة: 285 (احدهما) المنع كفروض الاعيان ابتداء (وأصحهما) الجواز كما أن المضطر يجب اطعامه ويجوز تغريمه (والضرب الثاني) ما يثبت افتراضه في الاصل شائعا غير مختص بشخص وموضع كالجهاد فلا يجوز استئجار المسلم عليه لانه مكلف بالجهاد والذب عن الملة فيقع عنه ويجوز استئجار الذمي عليه وسيأتى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 286 ذلك في كتاب السير ان شاء الله تعالى (والقسم الثاني) شعائر غير مفروضة كالاذان تفريعا على الاصح وفي جواز الاستئجار عليه ثلاثة اوجه ذكرناها وترتيبها في باب الاذان فان جوزنا فعن الشيخ أبى محمد وغيره ثلاثة اوجه في أن المؤذن على م يأخذ الاجرة (أحدها) انه يأخذ على رعاية المواقيت (والثانى) الجزء: 12 ¦ الصفحة: 287 على رفع الصوت (والثالث) على الحيعلتين لانهما ليسا من الاركان (والاصح) وجه رابع أنه ياخذه على جميع الاذان بجميع صفاته ولا يبعد استحقاق على ذكر الله تعالى كما لا يبعد استحقاقها على تعليم القرآن وان اشتمل على قراءة القرآن ويتخرج على هذه التقاسيم صور (منها) الاستئجار لامامة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 288 الصلاة المفروضة ممنوع منه والامامة في التراويح وسائر النوافل وجهان (الاصح) المنع لان الامام حصل لنفسه ومهما صلى اقتدى به من يريد وان لم ينو الامامة وان توقف على نيته شئ فهو احراز فضيلة الجماعة وهذه فائدة تحصل له دون المستأجر ومن جوزه ألحقه بالاستئجار للاذان ليتأدى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 289 الشعار (ومنها) الاستئجار للقضاء ممتنع لان المتصدي له قد تعلق بعمله أمر الناس عامة وأيضا فاعمال القاضى غير مضبوطة (ومنها) أطلقوا القول بمنع الاستئجار التدريس وعن الشيخ أبى بكر الطويسى ترديد جواب في الاستئجار لاعادة الدورس (قال) الامام لو عين شخصا أو جماعة ليعلمهم الجزء: 12 ¦ الصفحة: 290 مسألة أو مسائل مضبوطة فهو جائز ولذي أطلقوه فهو محمول على استئجار من يتصدى للتدريس من غير تعين من يعلم وما يعلم لانه كالجهاد في أنه اقامة مفروض على الكفاية ثابت على الشيوع وكذلك يمتنع استئجار مقرى يقرى على هذه الصورة (قال) ويحتمل أن يجوز الاستئجار ويشبه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 291 الاذان وللمنع وراء ما ذكره مأخذ آخر وهو أن عمله غير مضبوط كما ذكرنا في القاضى وقوله) في الكتاب وللامام أن يستأجر أهل الذمة للجهاد يجوز أن يعلم بالواو لوجه ذكره في السير الجزء: 12 ¦ الصفحة: 292 سينتهي إليه الشرح ان وفق الله تعالى (وقوله) ليحصل للمستأجر فائدة معرفة الوقت هذا التوجيه مبنى على جواز الاخذ بقول المؤذن والاعتماد عليه ثم قضية الاكتفاء بحصول فائدة المستأجر دون ان تحصل له كل الفائدة ويلزم منه تجويز الاستئجار للامامة ليحصل للمستأجر فضيلة الجماعة (وقوله) الجزء: 12 ¦ الصفحة: 293 فيما يحمله فكل منفعة متقومة إلى آخره قريب من قوله في أول الركن متقومة لانضمام عين إليها إلى آخره وهما في ظاهر الامر كضابطين يتأدى بهما معني واحد لكن ينبغى أن يتنبه فيه لشيئين (أحدهما) أن التعرض للمتقوم مغن عن قوله يلحق العامل بها كلفة لان مالا كلفة فيه لا يتقوم الجزء: 12 ¦ الصفحة: 294 كما سبق (والثانى) انه وان أطلق لفظ المنفعة لكن المراد ههنا الاعمال التى يستأجر لها الاجراء والا لم ينتظم قوله يلحق العامل فيها كلفة أولا مجال لمفهومه في منفعة لبس الثوب وسكون الدار وقد صرح بذلك في الوسيط فقال كل عمل معلوم متاع يلحق العامل فيه كلفة إلى آخره وكذلك الجزء: 12 ¦ الصفحة: 295 حكاه الامام عن القاضى الحسين ثم هذا الضابط سواء كان ضابطا لمنفعة أو لمنا فع ابدان الاجراء لا اختصا له بهذا الموضع وذكره في غير هذا الموضع أحسن * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 296 قال (وأما قوله معلومة فتفصيله في الادمى والاراضي والدواب * (أما الادمى) إذا استؤجر لصنعة عرف بالزمان أو بمحل العمل كما لو استأجر الخياط يوما أو الخياطة ثوب معين * ولو قال استأجرتك لتخيط هذا القميص في هذا اليوم فسد (و) لانه ربما يتم العمل قبل اليوم أو بعده * وفي تعليم القرآن يعلم بالسور أو بالزمان * وفي الارضاع يعين الصبى ومحل الارضاع * فان هذا مما يختلف الغرض به) * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 297 (الشرط الخامس) كون المنفعة معلومة وقد اعتبر في البيع العلم بثلاثة أمور من المبيع العين والقدر والصفة أما العين فلما لا يجوز أن يقول بعتك أحد هذين العبدين لا يجوز أن يقول أجرتك احدهما بل اما أن يلتزم في الذمة كما يلتزم بالسلم واما أن يؤجر عينا معينة ثم إن لم تكن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 298 لها إلا منفعة واحدة فالاجارة محمولة عليها وان كانت لها منافع لابد من البيان وأما الصفة فقد ذكرنا إن اجارة العين الغائبة على الخلاف في بيعها وأما القدر فهو المقصود بالذكر (فاعلم) أن قدر المنفعة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 299 يشترط العلم به سواء كانت الاجارة في الذمة أو كانت اجارة عين بخلاف المبيع فان الشئ المعين إذا بيع المشاهدة عن تحقيق القدر والفرق أن المنافع ليس لها حضور محقق وانما هي متعلقة بالاستقبال والمشاهدة لا يطلع فيها على الغرض ثم المنافع تقدر بطريقتين تارة تقدر بالزمان كما إذا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 300 استأجر الدار ليسكنها سنة وتارة بمحل العمل كما إذا استأجر الخياط ليخيط له الثوب المعين أو الدابة ليركبها إلى موضع كذا ثم قد يتعين الطريق الاول كما في استئجار العقارات فان منافعها الجزء: 12 ¦ الصفحة: 301 لا تنضبط إلا بالمدة وكالارضاع فان تقدير اللبن لا يمكن ولا سبيل فيه إلا الضبط بالزمان وقد يسوغ الطريقان كما إذا استأجر عين شخص أو دابة يمكنه أن يقول ليعمل لى كذا شهرا وأن يقول الجزء: 12 ¦ الصفحة: 302 ليخيط هذا الثوب وفي الدابة أن يقول لاتردد عليها في حوائجى اليوم أو يقول لاركبها إلى موضع كذا فايهما كان كفى لتعريف المقدار فان جمع بينهما بأن قال استأجرتك لتخيط لى هذا القميص الجزء: 12 ¦ الصفحة: 303 اليوم ففيه وجهان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب وبه قال أبو حنيفة انه لا يجوز لان في إضافة الزمان إلى العمل غرر لا حاجة إلى احتماله لجواز انتهاء العمل قبل انتهاء اليوم وبالعكس الجزء: 12 ¦ الصفحة: 304 وهذا كما إذا أسلم في قفيز حنطة بشرط أن يكون وزنه كذا لا يصح لاحتمال ان يزيد أو ينقص فيتعذر التسليم (والثاني) يجوز والمدة مذكورة للتعجيل فلا تؤثر في فساد العقد وعلى هذا فوجهان (أصحهما) أنه يستحق الاجرة باسرعهما اتماما فان تم العمل قبل أتمام اليوم وجبت الاجرة وان الجزء: 12 ¦ الصفحة: 305 نقض اليوم قبله وجب اتمامه وبالاول أفتى القفال وذكر أنه ان انقض النهار أولا لم يلزمه خياطة الباقي وان تم العمل أولا فللمستأجر ان يأتي بمثل ذلك القميص ليخيط بقية النهار فان قال في الاجارة على أنك ان فرغت قبل تمام اليوم لم تخط غيره بطلت الاجارة لان زمان العمل يصير الجزء: 12 ¦ الصفحة: 306 مجهولا إذا عرفت ذلك فالمنافع متعلقة بالاعيان وتابعة لها وتحدد آحاد الاعيان التى تستأجر كالمعتذر فعنى الاصحاب بثلاثة أنواع تكثر البلوى باجارتها ليعرف طريق الضبط فيها ثم يقاس بها غيرها (أحدها) لآدمي يستأجر لعمل أو صناعة كالخياطة فان كانت الاجارة في الذمة قال لزمت ذمتك الجزء: 12 ¦ الصفحة: 307 خياطة هذا الثوب ولو أطلق وقال ألزمت ذمتك عمل الخياطة كذا يوما قال القاضى أبو الطيب لا يصح وبه أجاب صاحب التتمة توجيها بانه لم يعين عاملا يخيط ولا محلا للخياطة فلا ترتفع الجهالة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 308 وان استأجر عينه قال استأجرتك لتخيط لى يوما أو شهرا نقل اكثرهم جوازه ايضا ويجب أن يبين الثوب وما يريد منه من القميص أو القباء أو السراويل والطول والعرض وأن يبين نوع الخياطة أهى رومية أو فارسية الا أن تطرد العادة بنوع فيحمل المطلق عليه ومن هذا النوع الاستئجار لتعليم القرآن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 309 ذكر الامام وصاحب الكتاب انه يعين السورة والايات التى يعلمها أو يقدر المدة فيقول لتعلمني شهرا وفي ايراد غيرها ما يفهم عدم الاكتفاء بذكر المدة واشتراط تعيين السور والايات لتفاوت التعليم سهولة وصعوبة وفيه وجه انه لا يجب تعيين السور وإذا ذكر عشر آيات كفى وفي المهذب وجه انه لابد من الجزء: 12 ¦ الصفحة: 310 تعيين السور لكن يكتفى باطلاق العشر منها ولا يعين واحتج له بما روى انه صلى الله عليه وسلم قال في قصة التى عرضت نفسها عليه لعبض القوم " أي أريد أن أزوجك هذه ان رضيت فقال ما رضيت لى يا رسول الجزء: 12 ¦ الصفحة: 311 الله فقد رضيت فقال للرجل هل عندك شئ قال لا قال ما تحفظ شيئا من القرآن قال سورة البقرة والتى تليها قال قم فعلمها عشر آيات وهى امرأتك " وفي جوب تعيين رواية ابن كثير ونافع وغيرهما الجزء: 12 ¦ الصفحة: 312 وجهان (أصحهما) المنع لان الامر فيهما قريب ويدل عليه الخبر السابق قال الامام وكنت أود ان لا يصح الاستئجار للتعليم حتى يختبر حفظ المتعلم كما لا تصح اجارة الدابة للركوب حتى يعرف حال الراكب لكن ظاهر كلام الاصحاب أنه لا يشترط والخبر يدل عليه وانما يجوز الاستئجار لتعليم القرآن إذا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 313 كان من يعلمه مسلما أو كافرا يرجى اسلامه فان كان لايرج لا يعلم القرآن كما لا يباع المصحف من الكافر ولايجوز الاستئجار له وان كان المستأجر على تعليمه يعلم الشئ بعد الشئ ثم ينساه فهل على الاجير اعادة التعليم فيه أوجه (أحدهما) أنه ان تعلم آية ثم نسيها لم يجب تعليمها ثانيا وان تعلم دون الجزء: 12 ¦ الصفحة: 314 آية ونسيى وجب (والثانى) ان الاعتبار بالسورة (والثالث) ان نسى في مجلس التعليم وجب اعادته وان نسى بعده فلا (والرابع) ان الرجوع فيه إلى العرف الغالب وهو الاصح * (فرع) عن القاضى الحسن في فتاويه ان الاستئجار لقراءة القرآن على رأس القبر مدة جائز الجزء: 12 ¦ الصفحة: 315 كالاستئجار للاذان وتعليم القرآن * واعلم أن عود المنفعة إلى المستأجر شرط في الاجارة كما سبق فيجب عود المنفعة إلى المستأجر أو ميته لكن المستأجر لا ينتفع بأن يقرأ الغير ومشهور أن الميت لايلحقه ثواب لقراءة المجردة فالوجه تنزيل الاستئجار على صور انتفاع الميت بالقراءة وذكر له طريقتين (أحدهما) أن يعقب القراءة بالدعاء للميت فان الدعاء يلحقه والدعاء بعد القراءة أقرب إلى الاجابة وأكثر بركة (والثانى) ذكر الشيخ عبد الكريم السالوسى أنه ان نوى القارئ بقراءته أن يكون ثوابها للميت لم يلحقه لكن أن قرأ ثم جعل ما حصل من الاجر له فهو دعاء بحصول ذلك الجزء: 12 ¦ الصفحة: 316 ذلك الاجر للميت فينتفع الميت (ومنه) الاستئجار للرضاع يجب فيه التقدير بالمدة كما سبق ولا سبيل إلى ضبط مرات لارضاع ولا القدر الذي يستوفيه في كل مرة وقد تعرض له الامراض ولاسباب الجزء: 12 ¦ الصفحة: 317 الملهية ويجب تعيين الصبى لاختلاف الغرض باختلاف حال الرضيع وتعيين الموضع الذي يرضع فيه أهو بيته أم ببيتها فان ارضاعها في بيتها أسهل عليها فلارضاع في بيته اشد وثوقا هذا ما ذكره في الجزء: 12 ¦ الصفحة: 318 استئجار الادمى وقد يستأجر لامور أخر منها الحج وقد ذكرناه في بابه (ومنها) إذا استأجر لحفر بئر أو نهر أو قناة قدرا ما بالزمان فيقول تحفر لى شهرا أو بالعمل فيقدر الطول والعرض والعمق الجزء: 12 ¦ الصفحة: 319 ويجب معرفة الارض بالمشاهدة للوقوف على صلابتها ورخاوتها ويجب عليه اخراج التراب المحفور فان انهار شئ من جوانب البئر لم يلزمه اخراج ذلك التراب وإذا انتهى إلى موضع صلب أو حجارة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 320 نظر ان كان يعمل فيه المعول وجب حفره على أظهر الوجهين وبه قال القاضى أبو الطيب (والثانى) لا يجب وبه قال ابن الصباغ لانه خلاف ما اقتضته المشاهدة فعلى هذا له فسخ العقد وان لم يعمل به المعول أو نبع الماء قبل أن ينتهى إلى القدر المشروط وتعذر الحفر انفسخ العقد في الباقي ولا يفسخ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 321 فيما مضى على الاصح فتوزع الاجرة المسماة على ما عمل وعلى ما بقي * وان استأجر لحفر قبر بين الموضع والطول والعرض والعمق ولا يكفى الاطلاق خلافا لابي حنيفة ولا يجب عليه رد التراب بعد وضع الميت خلافا له أيضا (ومنها) إذا استأجر لضرب اللبن قدر بالزمان أو العمل وإذا قدر بالعمل بين الجزء: 12 ¦ الصفحة: 322 العدد والقالب فان كان القالب معروفا فذاك والا بين طوله وعرضه وسمكه وعن القاضى أبى الطيب الاكتفاء بمشاهدة القالب ويجب بيان الموضع الذي يضرب فيه لانهه يبعد من الماء ويقرب وربما يحتاج إلى نقل التراب أيضا ولا يجب عليه إقامتها حتى تجف خلافا لابي حنيفة * ولو استأجر لطبخ اللبن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 323 فطبخ يجب عليه الاخراج من الاتون خلافا له (ومنها) أذا استأجر لبناء قدر بالزمان أو بالعمل فان قدر بالعمل بين موضعه وطوله وعرضه وسمكه وما ينبنى منه من الطين أو الاجر وان استأجر للتطيين أو التجصيص قدر بالزمان ولا سبيل فيه إلى تقدير العمل فان سمكه لا ينضبط رقة وثخانة (ومنها) إذا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 324 استأجر كحالا ليداوي عينيه قدر بالمدة دون البرء فان برئت عينيه قبل تمامها انفسخ العقد في الباقي ولا يقدر بالعمل لان قدر الدواء لا ينضبط ويختلف بحسب الحاجة (ومنها) إذا استأجر للرعى وجب بيان المدة وجنس الحيوان ثم يجوز العقد على قطيع معين ويجوز في المدة وحينئذ فاظهر الوجهين الجزء: 12 ¦ الصفحة: 325 عند الشيخ أبى اسحق الشيرازي أنه يجب بيان العدد (والثاني) وبه أجاب ابن الصباغ والقاضى الرويانى انه لا يجب ويحمل على ما جرت العادة أن يرعاه الواحد قال الرويانى وهو مائة رأس من الغنم على التقريب وان توالدت حكي ابن الصباغ أنه لا يلزمه رعى أولادها إن رد العقد على أعيانها الجزء: 12 ¦ الصفحة: 326 وان كانت في الذمة لزمه (ومنها) إذا استأجر نساخا ليكتب له بين عدد الاوراق والاسطر في كل صحيفة ولم يتعرضوا للتقدير بالمدة والقياس جوازه وأن يجب عند تقدير العمل بيان قدر الحواشى والقطع الذي يكتب فيه * (فرع) يجوز الاستئجار لاستيفاء الحد والقصاص خلافا لابي حنيفة في قصاص النفس * (فرع) يجوز الاستئجار لنقل المتية عن الدار إلى المزبلة والخمر لترق وبل يجوز نقل الخمر من بيت إلى بيت خلافا لابي حنيفة * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 327 قال ((أما الاراضي) فما يطلب للسكني يرى المستأجر مواضع الغرض فينظر في الحمال إلى البيوت وبئر الماء ومسقط القماش والاتون والوقود ويعرف قدر المنفعة بالمدة * فان أجر سنة فذاك * فان زاد فالاصح (و) أنه جائز ولاضبط فيه وقولان آخران * (أحدهما) أنه لا يزاد على السنة لانه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 328 مقيد بالحاجة * (والثاني) أنه لا يزاد على ثلاثين سنة * ولو آجر سنين ولم يقدر حصة كل سنة من الاجرة فالاصح (و) الجواز كما في الاشهر من سنة واحدة * ولو قال آجرتك شهرا بدرهم وما زاد فبحسابه فهو فاسد إذ لم يقدر جملته * وقيل أنه يصح في الشهر الاول ويفسد في الباقي) * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 329 (النوع الثاني) العقارات وتستأجر لاغراض منها السكني فإذا استأجر دارا وجب أن يعرف موضعها وكيفية ابنيتها لاختلاف الغرض باختلافها وفي الحمام يعرف البيوت والبئر التى يسقى منها ماؤه والقدر التى يسخن فيها والاتون وهو موضع الوقود ومبسط القماش والذي يجمع للاتون من الجزء: 12 ¦ الصفحة: 330 السرجين ونحوه والموعض الذي يجمع فيه الزبل والوقود ومطرح الرماد والمستنقع الذي يجمع فيه الماء الخارج من الحمام وعلى هذا قياس سائر المساكن (وقوله) في الكتاب يرى المستأجر مواضع الغرض فينظر في الحمام مبني على أن اجارة الغائب لا تجوز (أما) إذا جوزناها فلا تعتبر الرؤية بل يكفى الذكر (وقوله) ومبسط القماش والاتون والوقود الوجه تقدم لفظ لوقود ليصير المعني ومبسط القماش وموضع الوقود والاتون وهذا لفظه في الوسيط فاما نفس الوقود فلا حاجة إلى رؤيته ولا هو الجزء: 12 ¦ الصفحة: 331 داخل في بيع الحمام واجارتها كالازر والاسطال والحبل والدلو وذكر في الشامل في رؤية قدر الحمام انه اما أن يشاهد داخلها من الحمام أو ظاهرها من الاتون والقياس على اعتبار الرؤية أن يشاهد الوجهين عند الامكان كما تعتبر مشاهدة وجهي الثوب وفي شرح المفتاح أنه لابد من ذكر عدد السكان من الرجال والنساء والصبيان ثم لا يمتنع دخول زائر وضيف وان بات فيه ليالى في اجارة الدار ولابد من تقدير هذه المنفعة بالمدة * ولما كانت منافع هذه العقارات لا تنعقد إلا بالمدة كما ذكرنا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 332 في الفصل السابق تكلم في مدة الاجارة في هذا الموضع وفيها مسائل (احدها) في إجارة الشئ أكثر من سنة قولان (أحدهما) المنع لان الاجارة عقد على معدوم جوز رخصته للحاجة والحاجة تندفع بالتجويز سنة لانها مدة تنظيم الفصول وتتكرر فيها الزروع والثمار والمنافع بتكرر تكررها الجزء: 12 ¦ الصفحة: 333 (وأصحهما) الجواز كما يجوز الجمع في البيع بين أعيان كثيرة وهذا ما أجاب * في المختصر فقال وله أن يؤجر داره وعبده ثلاثين سنة وعلى هذا فطريقان (أحدهما) أن المسألة على قولين (أحدهما) أنه لاتجز الزيادة على ثلاثين سنة لانها نصف العمر والغالب ظهور التغيير على الشئ بمضي هذه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 334 المدة فلا حاجة إلى تجويز الزيادة عليها (وأصحهما) انه لا تقدر كما لا تقدر في الاعيان المختلفة في البيع (والطريق الثاني) القطع بالقول الثاني وحمل ما ذكره المزني على التمثيل للكثرة لا للتحديد وعلى هذا فهل من ضابط (قال) معظم الاصحاب يجب أن تكون المدة بحيث يبقى إليها ذلك الشئ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 335 غالبا فلا يؤجر العبد أكثر من ثلاثين سنة والدابة إلى عشر سنين والثوب إلى سنتين أو سنة على ما يليق به والاراضي إلى مائة أو أكثر وفي كتاب القاضى ابن كج أن العبد يؤجر إلى مائة وعشرين سنة من عمره (وقال) بعضهم يصح وان كانت المدة بحيث لا تبقى إليها العين في الغالب اعتمادا على أن الاصل الدوام والاستمرار فان هلك بعارض فهو كانعدام الدار ونحوه في المدة وحاصل هذا الترتيب الجزء: 12 ¦ الصفحة: 336 أربعة أقوال التقدير لسنة التقدير بثلاثين سنة الضبط بمدة بقاء ذلك الشئ غالبا ومنع الضبط والتقدير من كل وجه (وقوله) فالاصح انه جائز ولاضبط يجوز أن يحمل على ماقاله المعظم ويقال المعنى أنه لاضبط بعد كون المدة بحيث يبقى إليها الشئ ويجوز أن يجرى على ظاهره فيكون اختيارا للقول الرابع اختاره عن أصحاب الامام (وقوله) وفيه قولان آخران يجوز اعلامه بالواو للطريقة القاطعة لقول التقدير بالثلاثين (وقوله) لا يزاد على السنة ولا يزاد على ثلاثين سنة معلما بالحاء والميم والالف الجزء: 12 ¦ الصفحة: 337 لان عندهم لا تقدير وحكم الوقف في مدة الاجارة حكم الملك قال أبو سعيد المتولي الا ان الحكام اصطلحوا على منع اجارته اكثر من ثلاث سنين في عقد واحد لئلا يندرس الوقف وهذا الاصطلاح غير مطرد وهو قريب مما حكوه عن ابى حنيفة في منع اجارة الوقف اكثر من ثلاث سنين في عقد واحد وفي أمالى أبى الفرج السرخسى ان المذهب منع اجارة الوقف اكثر من سنة إذا لم تمس إليها الجزء: 12 ¦ الصفحة: 338 الحاجة لعمارة وغيرها وهو قريب (المسألة الثانية) ان جوزنا الاجارة اكثر من سنة فهل يجب تقدير حصة كل سنة قولان (أصحهما) لا كما لو باع اعيانا صفقة واحدة لا يجب تقديم حصة كل عين منها وكما الجزء: 12 ¦ الصفحة: 339 لو اجر سنة لا يجب تقدير حصة كل شهر (والثانى) ويحكى عن رواية الربيع وحرملة والمزنى في الجامع الكبير نعم لان المنافع تتفاوت قيمتها بالسنين وربما تهلك العين في المدة فيتنازعان في قدر الواجب من الاجرة ومن قال بالاول يوزع الاجرة المسماة على قيمة منافع السنتين فينقطع النزاع وبني القولين الجزء: 12 ¦ الصفحة: 340 بعضهم على القولين فيما إذا أسلم في شيئين أو في شئ إلى أجلين ففى قول يجوز أخذا بظاهر المسألة وفي قول لا لما عساه أن يقع من الجهالة بالاجرة ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب فالاصح الجواز بالواو لان القاضى أبا القاسم بن كج حكى طريقة أخرى قاطعة بانه لا يجب التقدير واختارها مذهبا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 341 (الثالثة) قول العاقد أجرتك شهرا أو سنة محمول على ما يتصل بالعقد في أظهر الوجهين وبه قال أبو حنيفة لانه المفهوم المتعارف (والثاني) وبه قال احمد لابد وان يقول من الان والا فهو كقوله بعتك عبدا من العبيد * ولو قال أجرتك شهرا من السنة قال لامام يفسد العقد بلا خلاف للابهام واختلاف الاغراض وإذا قال أجرتك هذه الدار كل شهر بدرهم من الان لم تصح الاجارة لانه لم الجزء: 12 ¦ الصفحة: 342 يبين لها مدة وعن الاملاء أن تصح في الشهر الاول لانه معلوم والزيادة مجهولة وبه قال الاصطخرى ولو قال أجرتك كل شهر من هذه السنة بدرهم لم يصح وعن ابن سريج أنه يصح في شهر واحد دون ما زاد ورجحوا الاول واحتجوا له بأنه لم يضف الاجارة إلى جميع السنة وفى النهاية أن الائمة بمثله الجزء: 12 ¦ الصفحة: 343 أجابوا فيما إذا قال بعتك كل صاع من هذه الصبرة بدرهم وقالوا انه لم يضف البيع إلى جميع الصبرة بخلاف مااذا قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم وكان ينبغى أن يفرق بين أن يقول بعتك كل صاع بدرهم فيجعل كما لو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم ويصح العقد في الجميع وبين الجزء: 12 ¦ الصفحة: 344 أن يقول بعتك من هذه الصبرة كل صاع بدرهم فيحكم بالبطلان ههنا أو يصح في صاع واحد كما حكيناه عن ابن سريج في البيع وكذلك ينبغى أن يقول في الاجارة وقد وفى بالقضية المذكورة الشيخ أبو محمد فسوى بين قوله بعتك كل صاع من هذه الصبرة بدرهم وبين قوله بعتك هذه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 345 الصبرة كل صاع بدراهم وصحح البيع في جميع الصبرة باللفظين * ثم اعلم أن عامة النقلة انما نقلوا التجويز في شهر واحد عن ابن سريج فيما إذا ضبط الاشهر بالسنة أما إذا أطلق وقال كل شهر بدرهم فالخلاف فيها منسوب إلى الاملاء واختيار الاصطخرى كما سبق والفرق بين الصورتين بين * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 346 وحكى الامام والمصنف في الوسيط التجويز في شهر عن ابن سريج مع التصوير فيما إذ أطلق ذكر الشهر ولم يساعدا عليه (وقوله) ههنا لو قال أجرتك شهرا بدرهم وما زاد فبحسابه أراد به الصورة الاولى والثانية حيث حكى الخلاف فيه (وأما) ما يشعر به اللفظ فلا يجرى فيه خلاف لان قوله الجزء: 12 ¦ الصفحة: 347 أجرتك شهرا بدرهم إما أن يحمل على شهر غير معين أو على الشهر المصتل باللفظ إن كان الاول فلا خلاف في فساد لاجارة وإن كان الثاني فالشهر مفرد بالعقد مقال بالعوض فيصح العقد فيه بلا خلاف وكذلك أورده صاحب المهذب وغيره (واعلم) أن الحكم في مدة الاجارة كالحكم في أجل الجزء: 12 ¦ الصفحة: 348 السلم في أن مطلق الشهر يحمل على أمرين وكذا السنة في أنه إذا قيد بالعدد أو قال سنة رومية أو فارسية أو شمسية كان الاجل ما ذكره في أن العقد إذا انطبق على أول الشهر اعتبر ذلك الشهر وما بعده بالاهلة وإن لم ينطبق تمم المنكسر بالعدد من الاخر ويحسب الباقي بالاهلة وفي سائر المسائل الجزء: 12 ¦ الصفحة: 349 المذكورة في السلم وفي التأجيل بالسنة الشمسية وجه أنه لا يجوز وهو قريب من الوجه المذكور هناك في التأقيت بفصح النصارى * ولو قال أجرتك شهرا من هذه السنة فان لم يكن إلى من السنة الاشهر صح وإن بقى أكثر من شهر لم يصح الجهالة هكذا ذكره في التهذيب والتتمة والحكم الجزء: 12 ¦ الصفحة: 350 بالبطلان فيما إذا كان الباقي أكثر من شهر يجوز أن يكون تفريعا على قولنا إن الشهر المطلق محمول على المتصل بالعقد ويقال التعقيب بقوله من هذه السنة يمنع من فهم الشهر المتصل بالعقد ويوقع التردد بينه وبين سائر الشهور * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 351 قال (ولو قال اجرتك الارض ولم يعين البناء ولزراعة والغراس لم يجز لانه مجهول ولو قال لتنتفع به ما شئت جاز (و) * ولو قال آجرتك للزراعة ولم يذكر ما يزرع ففيه خلاف لان التفاوت فيه قريب * ولو قال أكريتك إن شئت فازرعها وإن شئت فاغرسها جاز على الاصح الجزء: 12 ¦ الصفحة: 352 (و) ويتخير كما لو قال انتفع كيف شيئت * ولو قال أكريتك فازرعا واغرسها ولم يذكر القدر فهو فاسد * وقيل إنه ينزل على النصف * ولو اكترى الارض للبناء وجب تعريف عرض البناء وموضعه * وفي تعريف ارتفاعه خلاف (و) * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 353 ومما تستأجر له الارض البناء والزراعة والغراس فلو قال أجرتك هذه الارض ولم يذكر البناء ولاغيره وهى صالحة للكل مما تصح لان منافع هذه الجهات مختلفة وكذا ضررها اللاحق بالارض الجزء: 12 ¦ الصفحة: 354 فوجب التعيين كما لو اجر بهيمة لا يجوز الاطلاق هذا جواب الاصحاب في هذا الموضع وقد رأوه متفقا عليه حتى احتجوا به لاحد الوجهين فيما لو اعار الارض مطلقا كما سبق في العارية لكنا قد نقلنا في مسألة إجارة الارض التى لاماء لها تصريحهم بجواز الاجارة مطلقا فشبه ان تكون الاجارة مطلقا على وجهين كاعارتها والظاهر المنع فيها وما ذكروه في اجارة الارض التى لاماء لها مفرع على الوجه الاخر الجزء: 12 ¦ الصفحة: 355 أمؤول ولو اجر دارا أو بيتا لم يحتج إلى ذكر السكني لان الدار لا تستأجر الا للسكنى ووضع المتاع فيها وليس صررها مختلف فيحوز الاطلاق كذا ذكروه ويجوز ان يمنع فيقال كما تستأجر الدار للسكنى كذلك تستأجر لتتخذ مسجدا ولعمل الحدادين والقصارين ولطرح المزابل فيها وهى أكثر ضررا الا ترى أنه إذا استأجر للسكني لم يكن له شئ من هذه الانتفاعات فإذا ما جعلوه مبطلا في اجارة الارض مطلقا موجود في الدار ولئن قيل الاجارة لا تكون الا لاستيفاء منفعة فإذا أجر الدار واطلق منزل على ادنى الجهان ضررا وهى السكنى ووضع المتاع لزم في اجارة مثله حتى ينزل على ادنى الجهات الجزء: 12 ¦ الصفحة: 356 ضررا وهى لزراعة ويصح العقد بها وهذا الاشكال ينساق إلى انه لابد في استئجار الدار من بيان انه يستأجر للسكنى أو العمل فيها وقد اجاب به بعض شارحي المفتاح ولو قال اجرتك هذه الارض تنتفع بها ما شئت فمنقول الامام وصاحب الكتاب ان الاجارة صحيحة وله ان يتنتفع ما شاء لرضاه وفي التهذيب وجه اخر أنها لا تصح كما لو قال بعتك من هذه العبيد من شئت ولو قال اجرتكما للزراعة ولم يذكر ما يزرع أو للبناء والغراس واطلق فوجهان كالوجهين المذكورين فيما إذا اعار الارض للزراعة ولم يبين الزرع (أظهرهما) عند الاكثرين الجواز وبالمنع قال أبو حنيفة وابن سريج ونقله القاضى ابن كج عن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 357 نصه في الجامع الكبير وحكى للاول عن تخريج ابن القطان حكاية الشئ الغريب ومن جوز قاله ان يزرع ما شاء لاطلاق اللفظ وكان يجوز أن ينزل على أقل الدرجات ولو قال اجرتكها لتزرع أو تغرس لم يصح ولو قال ان شئت فازرعها وان شئت فاغرسها فاصح الوجهين على ما ذكر في الكتاب صحة الاجارة ويخير المستأجر (والثانى) المنع كما لو قال بعتك بالف مسكرة ان شئت وصحيحة ان شئت واستشهد في الكتاب للوجه الاول بماذا قال لتنتفع كيف شئت لكنا حكينا الخلاف فيه ايضا فلا فرق ولو قال اكريتك فازرعها واغرسها أو لتغرسها وتزرعها ولم يبين القدر فوجهان (أحدهما) وبه قال ابن سلمة يصح وينزل على النصف وعلى هذا فله ان يزرع الكل لجواز العدول من الغراس إلى الزرع ولايجوز الجزء: 12 ¦ الصفحة: 358 أن يغرس الكل واقربهما وبه قال المزني وابن سريج وابو اسحق انه لا يصح لانه لم يبين كم يزرع وكم يغرس بل لو قال لتزرع النصف وتغرس النصف فعن القفال انه لا يصح لانه لم يبن المغروس والمزروع فصار الجزء: 12 ¦ الصفحة: 359 كما إذا قال بعتك احد هذين بالف والاخر بخمسمائة ويجب في استئجار الارض للبناء بيان موضعه وطوله وعرضه وفي بيان قدر ارتفاعه وجهان ذكرهما في كتاب الصلح بتوجيههما (والاظهر) ما اجاب به في الكتاب هناك وهو انه لا حاجة إليه بخلاف مااذا استأجر سقفا للبناء * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 360 قال (أما الدوب) فان استؤجر للركوب عرف (م) الاجر الراكب برؤية شخصه أو سماع صفته في الضخامة والنحافة ليعرف وزنه تخمينا * ويعرف المحمل (ح) بالصفة في السعة والضيق وبالوزن فان ذكر الوزن دون الصفة أو بالعكس ففيه خلاف (و) * ويعرف تفاصيل المعاليق * فان شرط المعاليق مطلقا فهو فاسد (ح م) على النص لتفاوت الناس فيه * والمستأجر يعرف الدابة برؤيتها أو بوصفها إن أوردت الاجارة على العين أهى فرس أم بغل أم ناقة أم حمار * وفى ذكر كيفية السير من كونها مهملجا أو بحرا خلاف (و) * ويعرف تفصيل السير والسرى ومقدار المنازل ومحل النزول أهو الفرى أو الصحراء إن لم يكن للعرف فيه ضبط * وان كان فالعرف متبع) * (النوع الثالث * الدواب وتستأجر لاغراض (منها) الركوب وفيه مسائل (احداها) الجزء: 12 ¦ الصفحة: 361 يجب أن يعرف المؤجر الراكب وفي طريق معرفته وجوده قيل الطريق المشاهدة لان الغرض يتعلق بثقل الراكب وخفته بالضخامة والنحافة وكثرة الحركات والسكنات والوصف لا يفي بذلك ومنهم من قال إن كان غائبا وصفه وذكر وزنه وقال آخر بل يذكر صفته في الضخامة والنحافة ليعرف وزنه تخمينا وهذا ما ذكره الامام وصاحب الكتاب وأكثر الاصحاب على اعتبار المشاهدة لكن الحاق الوصف التام بهذا أشبه في المعنى لانه يفيد التخمين كالمشاهدة ويجوز أن يعلم (قوله) عرف المؤجر الراكب بالميم لان الحكاية عن مالك أنه يجوز فيه الاطلاق لتفاوت أجسام الناس غالبا (الثانية) ان كان الراكب مجردا ليس معه ما يركب عليه فلا حاجة إلى ذكر ما يركب عليه لكن المؤجر يركبه على ما يشاء من سرج أو اكاف زاملة على ما يليق بالعادة وان كان يركب على رحل أو فوق زاملة أو فوق محمل أو عمارية وفي غير الابل أراد الركوب على سرج أو اكاف وجب ذكره الجزء: 12 ¦ الصفحة: 362 وينبغى أن يعرف المؤجر هذه الالات فان شاهدها كفى والا فان كانت سروجهم وما في معناها على وزن وتقطيع لا يتفاضل فيه التفاوت كفى الاطلاق وحمل على معهودهم وان لم يكن معهود مطرد فلابد من ذكر وزن السرج والا كاف والزاملة هذا هو المشهور وفي النهاية أن أحدا من الاصحاب لم يتعرض لاشتراط الوزن في السرج والاكاف لانه لا يكثر فيهما التفاوت وفي المحل والعمارية ثلاثة أوجه (أحدهما) أنه لا يصح العقد ولابد من مشاهدتهما (وأشبههما) وهو المذكور في الكتاب أنه يكفى فيها الوصف وذكر الوزن لافادتهما التخمين كالمشاهدة ولك أن تحتج بقوله في المختصر فان ذكر محملا أو مركبا أو زاملة بغير رؤية ولاوصف فهو مفسوخ للجهل بذلك فاعتبر الوصف كالرؤية وعلى هذا لو ذكر الوزن أو الصفة دون الوزن فوجهان (أظهرهما) أنه لا يكفي لبقاء الجهل مع سهولة ازالته وذكر في التهذيب أن الزاملة تمتحن باليد ليعرف خفتها وثقلها بخلاف الراكب الجزء: 12 ¦ الصفحة: 363 لا يمتحن بعد المشاهدة وينبغى أن يكون المحمل والعمارية في ذلك كالزاملة ولابد في المحمل ونحوه من الوطاء وهو الذي يفرش فيه ليجلس عليه فينبغي أن يعرف بالرؤية والوصف والغطاء الذي يستظل به ويتوقي من المطر قد يكون وقد لا يكون فيحتاج إلى شرطه فجواب الشيخ أبى حامد وابن الصباغ انه يكفى فيه الاطلاق لان التفاوت فيه قريب ويغطيه بجلد أو كساء أولبد وفي شرح القاضي ابن كج والتتمة انه يعتبر وصفه أو رؤيته كالوطاء وهو ظاهر النص نعم لو كان فيه عرف مطرد كفى الاطلاق كما سبق في المحمل وغيره وقد يكون للمحمل طرف من لبو أو أدم فهو كالغطاء وليعلم (قوله) في الكتاب ويعرف المحمل بالحاء لان عند أبى حنيفة يجوز فيه الاطلاق ولا حاجة إلى تعريفه (وقوله) بالصفة بالواو للوجه الذاهب إلى المشاهدة (الثالثة) إذا استأجر للركوب وشرط حمل المعاليق وهى السفرة والادارة والقدر والقمقمة ونحوها نظران رآها المؤجر أو وصفها وذكر الجزء: 12 ¦ الصفحة: 364 وذنها فذاك وان اطلق قال الشافعي رضى الله عنه القياس انه فاسد ومن الناس من يقول له بقدر ما يراه الناس وسطا وفيه طريقان للاصحاب (أشهرهما) ان في المسألة قولين وما ذكره تمثيل قولين (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة ومالك يتم العقد ويحمل الشرط على الوسط المعتاد (وأصحهما) المنع لاختلاف الناس فيها (والثانية) القطع بالقول الثاني وحمل ما ذكره على نقل مذهب الغير وان استأجر للركوب من غير شرط المعاليق لم يستحق حملها لان الناس فيه مختلفون فقد لا يكون للراكب معاليق أصلا وفيه وجه انه كما لو شرط واطلق وما ذكرناه في السفرة والادواة الخاليتين فان كان في هذه طعام وفي تلك ماء فسيأتي في الباب الثاني ان شاء الله تعالى (الرابعة) ان كانت الاجارة على عين الدابة فلابد من تعيينها وفي اشتراط رؤيتها الخلاف في شراء الغائب فان كانت في الذمة فلابد من ذكر جنسها اهى من الابل أو الخيل أو البغال أو الحمير ومن ذكر نوعها اهى عربية أم نجيبة ومن ذكر الانوثة والذكورة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 365 لاختلاف الغرض فان الانثى اسهل يسيرا والذكر اقوى وفي المسامحة به بذكر الانوثة والذكورة وجه وهل يجب ان يقول مهملج أو نحر أو قطوف فيه وجهان (أظهرهما) نعم لان معظم الغرض يتعلق بكيفية السير (الخامسة) إذا استأجر دابة للركوب فليبينا قدر السير كل يوم فإذا بيناه حملا على المشروط فان زادافي يوم أو نقصا فلا جبران بل يسيران بعد على المشروط وإذا اراد أحدهما المجاوزة عن المشروط أو النزول دونه لخوف أو خصب لم يكن له ذلك الا ان يوافقه صاحبه قاله في التهذيب وكان يجوز ان يجعل الخوف عذرا لم يحتاط ويؤمر الاخر بموافقته وان لم يبينا قدر السير واطلقا العقد نظر إن كان في الطريق منازل مضبوطة صح العقد وحمل عليها وان لم يكن فيه منازل أو كانت والعادة مختلفة فيها لم يصح العقد حتى يبينا أو يقدر بالزمان هذا ما اشتملت عليه الطرق ووراءه شيئان (أحدهما) عن ابى اسحق انه قال إذا اكترى إلى مكة في زماننا لم يكن بد من ذكر المنازل لان السير في هذا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 366 الزمان شاق لا تطيقه الحمولة فلا يمكن حمل الاطلاق عليه والثانى ذكر القاضى أبو الطيب انه إذا كان الطريق مخوفا لم يجز تقدير السير فيه لانه لا يتعلق بالاختيار وتابعه على هذا القاضى الرويانى في التجريد وقضيته امتناع التقدير بالزمان ايضا وحينئذ يتعذر الاستئجار في الطريق الذي ليس له منازل مضبوط إذا كان مخوفا والقول في وقت السير لهو الليل أو النهار وفي موضع النزول في المرحلة أهو نفس القرية أو الصحراء أو في الطريق الذي نسلكه إذا كان للمقصد طريقان على ما ذكرنا في قدر السير في الحمل على المشروط المعهود وقد يختلف المعهود في فصلى الشتاء والصيف وحالتي الامن والخوف فكل عادة تراعي في وقتها (وقوله) في الكتاب ويعرف تفصيل السير والسرى المراد من السير المسير بالنهار ومن السرى المسير بالليل أو المعنى انه يجب ذكر ذلك وبيانه ان لم يكن للعرف ضبطا فيه وان كان فيتبع ان اطلقا العقد ان إذا شرطا خلاف المعهود فهو المنبع لا المعهود * الجزء: 12 ¦ الصفحة: 367 قال (وان استؤجر للحمل فيعرف قدره بالتخمين إن كان حاضرا * فان كان غائبا فبتحقق الوزن بخلاف الراكب * وان كان في الذمة فلا يشترط معرفة وصف الدابة إلا إذا كان المنقول زجاجا إذ يختلف الغرض بصفات الدابة * وإذا شرط مائة من الحنطة بكون الظرف ورآه فليعرف قدره ووزنه الا إذا تماثلت الغرائر بالعرف * وان قال مائة من فهو مع الظرف على الاصح (و) * من الاغراض التى تستأجر لها الدواب للحمل عليها فينبغي أن يكون المحمول معلوما وان كان حاضرا ورآه المؤجر كفى وان كان في ظرف وجب أن يمتحنه باليد تخمينا لوزنه فان لم يكن حاضرا فلابد من تقديره بالوزن أو الكيل ان كان مكيلا وبالوزن في كل شئ أولى وأخصر فلابد من ذكر جنسه لان تأثير الجيد والقطن في الدابة وان استويا في القدر مختلف فالحديد يهد مؤخرة الدابة والقطن يعمها ويتثاقل إذا دخله الريح نعم لو قال أجرتكها لتحمل عليها مائة مما شئت فأصح الجزء: 12 ¦ الصفحة: 368 الوجهين أنه يجوز ويكون رضا منه باضر الاشياء فلا حاجة مع ذلك إلى بيان الجنس وفي الرقم أن حذاق المراوزة قالوا إذا استأجر دابة ليحمل مطلقا جاز وجعل راضيا بالاضر وحاصله الاستغناء بالتقدير عن ذكر الجنس هذا في التقدير بالوزن (أما) إذا قدر بالكيل فالمفهوم مما أورده أبو الفرج والسرخسى أنه لا يغنى عن ذكر الجنس وان قال عشرة أقفزة مما ينبت لاختلاف الاجناس في الثقل مع الاستواء في الكيل لكن يجوز أن يجعل ذلك رضا بأثقل الاجناس كما جعل رضا بأضر الاجناس ولو قال أجرتك لتحمل عليها ما شئت لم يجز بخلاف ما إذا أجر الارض ليزرع ما شاء لان الدابة لا تطيق كل ما يحمل وأما ظروف المتاع وجبا له فان لم تدخل في الوزن فان قال مائة من من الحنطة أو كان التقدير بالكيل فلابد من معرفتها بالرؤية أو الوصف إلا أن تكون هناك غرائر متماثلة اطرد العرف باستعمالها فيحمل مطلق العقد عليها وان دخلت في وزن المتاع بان قال مائة من من الحنطة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 369 بظرفها صح العقد لزوال الغرر بذكر الوزن هكذا ذكر لكنا إذا اعتبرنا ذكر الجنس مع الوزن وجب أن يعرف قدر الحنطة وحدها وقدر الظرف وحده ولو اقتصر على قوله مائة من فأصح الوجهين أن الظرف من المائة (والثانى) أنه وراءها لانه السابق إلى الفهم فعلى هذا يكون الحكم كما لو قال مائة من الحنطة وتصوير المسألة يتفرع على الاكتفاء بالتقدير واهمال ذكر الجنس اما مطلقا أو إذا قال مائة مما شئت هذا حكم المحمل على الدابة أما الدابة الحاملة إن كانت معينة فعلى ما ذكرنا في الركوب فان كانت الاجارة على الذمة فلا يشترط معرفة جنس الدابة وصفتها بخلاف ما في الركوب لان المقصود تحصيل المتاع في الموضع المنقول إليه فلا يختلف الغرض بحال الحامل نعم لو كان المحمول زجاجا أو خزفا وما أشبهها فلابد من معرفة حال الدابة ولم ينظروا في سائر المحمولات إلى تعلق الغرض بكيفية سير الدابة بسرعة أو بطء وقوة أو ضعف أو تخلفها عن القافلة على بعض التقديرات ولو نظروا إليها لم يكن بعيدا والكلام في المعاليق وتقدير السير على ما ذكرنا في الاستئجار للركوب الجزء: 12 ¦ الصفحة: 370 (فرع) لو استأجره ليحمل هذه الصبرة إلى موضع كذا كل مكيلة بدرهم أو مكيلة منها بدرهم وما زاد فبحسابه صح العقد كما لو باع كذلك بخلاف مالو قال أجرتك كل شهر بدرهم لان جملة الصبرة معلومة محصورة وليست الاشهر كذلك ولو قال لتحمل مكيلة منها بدرهم على أن تحمل كل مكيلة منها بدرهم أو على أن ما زاد فبحسابه ففيه وجهان عن صاحب التقريب (أشبههما) المنع لانه شرط عقد في عقد (والثانى) الجواز والمعنز أن كل قفيز بدرهم ولو قال لتحمل هذه الصبرة وهى عشرة مكاييل كل مكيلة بدرهم فان زادت فبحساب ذلك صح العقد في العشرة المعلومة دون الزيادة المشكوكة وعلى هذا أول مؤلون قوله في المختصر ولو اكتري حمل مكيلة وما زاد فبحسابه فهو في المكيلة جائز وفي الزيادة فاسد وسهم من حمله على مااذا قال لتحمل هذه المكاييل كل واحدة بدرهم فان قدم إلى طعام فبحساب ذلك وعن أبى اسحق في الزيادات على الشرح حمله على مااذا قال استأجرتك لتحمل هذه الصبرة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 371 مكيلة منها بكذا والباقى بحسابه لكن في هذه الصورة صحة العقد في الجميع لان الصبرة معلومة المشاهدة والاجرة بالتقسيط ولو قال استأجرتك لتحمل من هذه الصبرة كل مكيلة بدرهم لم يصح على المشهور وقد مر في نظيره من البيع أنه يصح في مكيلة واحدة فيعود ههنا * قال (وان استأجر للبيهقي فيعرف قدر الدلاء والعدد وموضع البئر وعمقه * وان كان للحراثة فيعرف بالمدة (و) أو بتعيين الارض فيعرف صلابتها ورخاوتها وعلى الجملة ما يتفاوت بها الغرض ولا يتسامح به في المعاملة يشترط تعريفه) * من الاغراض سقى الارض بادارة الدولا ب أو لاستقاء من البئر بالدلو فان كانت الاجارة على عين الدابة وجب تعيينها كما في الركوب والحمل وان كانت في الذمة لم يجب بيان الدابة ومعرفة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 372 جنسها وعلى التقديرين فينبغي أن يعرف المكرى الدولاب والدلو وموضع البئر وعمقها بالمشاهدة أو الوصف ان كان الوصف يضبطها وتقدر المنفعة إما بالزمان بأن يقول للبيهقي بهذا الدلو من هذه البئر اليوم أو بالعمل بان يقول لنسقى خمسين دلوا من هذه البئر بهذه الدلو ولايجوز التقدير بالارض بان يقول لتسقى هذا البستان أو جزء منه لان ريه مختلف بحرارة الهواء وبرودته وكيفية حال الارض ولا تنضبط ومنها الحراثة فيجب ان يعرف المكترى الارض لاختلاف الاراضي في   بياض بالاصل الجزء: 12 ¦ الصفحة: 373 الصلابة والرخاوة ومقدار المنفعة إما بالزمان بان يقول لتحرث هذه الارض اليوم مثلا أو بالعمل بان يقول لتحرث هذه القطعة أو إلى موضع كذا منها وفيه وجه آخر أن هذه المنفعة لا يجوز تقديرها بالمدة وبه أجاب الشيخ أبو حامد في التعليق والظاهر الاول واما معرفة الدابة فلابد منها ان كانت الاجارة في عين وان كانت في الذمة فكذلك ان قدر بالمدة وجوزناه لان العمل يختلف باختلاف الدابة وان قدر بالارض المحروثة فلا حاجة إلى معرفتها - ومنها الدياس فيعرف المكرى الجنس الذي يريد دياسته وتقدر المنفعة بالمدة أو بالزرع الذي يدوسه والقول في معرفة الدابة على ما ذكرنا في الحراثة والاستئجار للطحن كالاستئجار للدياس (وقوله) في الكتاب في الاستئجار للحراثة فيعرف بالمدة يجوز اسلامه بالواو ثم في (قوله) فيعرف بالمدة أو بتعين الارض فيعرف صلابتها ورخاوتها مضايقة من جهة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 374 ان ما فيه الخيار هو الضبط بالمدة والضبط بقدر الارض أو بتقدير الارض وتعتبر الارض بالاشارة عند المشاهدة وبالوصف أو في الوصف بالمقصود (وقوله) على الجملة إلى آخره كلام جملي ذكره ليعرف ما يجب تعريفه في الاجارات شامل لما وقع النص عليه ولغيره والله أعلم الجزء: 12 ¦ الصفحة: 375