الكتاب: فائدة جليلة في قواعد الأسماء الحسنى المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ) المحقق: عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر الناشر: غراس، الكويت الطبعة: الأولى، 1424هـ/2003م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- فائدة جليلة في قواعد الأسماء الحسنى ابن القيم الكتاب: فائدة جليلة في قواعد الأسماء الحسنى المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ) المحقق: عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر الناشر: غراس، الكويت الطبعة: الأولى، 1424هـ/2003م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] فائدة جليلة: في قواعد الأسماء الحسنى تأليف: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية تحقيق: عَبْد الرّزاق بن عَبد المحسِن البَدْر بسم الله الرحمن الرحيم ال مقدمة الحمد للَّه المحمود على كال حال، الموصوف بصفات الجلال والكمال، له الأسماء الحسنى وهو الكبير المتعال. أما بعد: فإنَّ من أجل العلوم وأعظمها نفعّا وأكثرها فائدةً معرفةً القواعد والأصول والضوابط الكلية الجامعة، ذلك أنَّ الأصول والقواعد للعلوم بمنزلة الأساس للبنيان والأصول للأشجار لا ثبات لها إلا بها، والأصول تبنى عليها الفروع، والفروع تثبت وتتقوى بالأصول، وبالقواعد والأصول يثبت العلم ويقوى وينمى نماءً مطردًا، وبها تعرف مآخذ الأصول، وبها يحصل الفرقان بين المسائل التي تشتبه كثيراً، كما أنَّها تجمع النظائر والأشباه التي من جمال العلم جمعها"1 إلى   1 طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول للشيخ عبد الرحمن بن سعدي (ص 4) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 غير ذلك من الفوائد العظيمة والمنافع الجليلة التي لا تحصى. بل إنَّ "من محاسن الشريعة وكمالها وجمالها وجلالها: أنَّ أحكامها الأصولية والفروعية والعبادات والمعاملات وأمورها كلها لها أصول وقواعد تضبط أحكامها وتجمع متفرقها وتنشر فروعها وتردها إلى أصولها"1. والقاعدة: هي أمر كليٌ ينطبق على جزئياتٍ كثيرةٍ تفهم أحكامها منها2. فإذا ضُبطت القاعدة وفهم الأصل أمكن الإلمام بكثيرٍ من المسائل التي هي بمثابة الفرع لهذه القاعدة، وأُمن الخلطُ بين المسائل التي قد تشتبه، وكان فيها تسهيلٌ لفهم العلم وحفظه وضبطه، وبها يكون الكلام مبنيّا على علم متين وعدل وإنصاف. ولذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: "لابد أن يكون مع الإنسان أصولٌ كلية ترد إليها الجزئيات؟ ليتكلم بعلم   1 الرياض الناضرة للشيخ عبد الرحمن بن سعدي (ص 243) . 2 انظر شرح الكوكب المنير للفتوحي (ص 6) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت، وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات فيتولد فسادٌ عظيمٌ) 1. لأجل هذا عُني أهل العلم كثيراً. بوضع القواعد وجمعها في الفنون المختلفة، فلا تكاد تجد فناً من الفنون إلا وله قواعدُ كثيرةُ وضوابطُ عديدةٌ تجمع متفرقه، وتزيل مشتبهه، وتنير معالمه، وتيسر فهمه، وحفظه، وضبطه. وهذا الجزءُ الذي بين يديك مشتمل على أصولٍ عظيمةٍ وقواعدَ وضوابطَ مهمةٍ في فقه أسماء الله الحسنى، مستمدةٍ من الشرع معلومةٍ بالاستقراء والتتبع لنصوص الكتاب والسنة، تعين مطالعها وقارئها على فهم الأسماء الحسنى فهماً صحيحاً سليمًا بعيداً عن شطط أهل الأهواء وانحرافاتهم الكثيرة في قواعدهم التي قعدوها وأصولهم التي أصلوها بعقولهم الفاسدةٍ، وأهوائهم المنحرفةِ، فناقضوا بها أصول الشريعة، وعارضوا بها النصوص المحكمة، وأضلوا بها كثيرًا، وضلوا عن سواء السبيل   1 الفتاوى (19/ 203) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 وأصله "فائدة جليلة"أودعها الإمام المحقق والعلامة المدقق ابن قيم الجوزية كتابه العظيم "بدائع الفوائد"1 نبه فيها رحمه الله على ضوابط مهمةٍ، وقواعد عظيمةٍ، وأصولٍ كليةٍ متينةٍ متعلقةٍ بفهم أسماء الله الحسنى وفقهها. قال في تمامها رحمه الله "فهذه عشرون فائدةً مضافةٌ إلى القاعدة التي بدأنا بها في أقسام ما يوصف به الربُ تبارك وتعالى، فعليك بمعرفتها ومراعاتها، ثم اشرح الأسماء الحسنى إن وجدت قلبّا عاقلاً، ولساناً قائلاً، ومحلاً قابلاً، وإلا فالسكوت أولى بك فجناب الربوبية أجلُّ وأعزُّ مما يخطر بالبال أو يعبر عنه المقال ... ". وقد رأيت أنَّ من المفيد جدًّا إفراد هذه الفائدة الجليلة بالنشر، لتكثر فائدتها ولتكون سهلة التناول قريبة المأخذ، وقد تحصَّل لي بحمد الله ثلاث نسخ خطية لهذا الموضع من بدائع الفوائد: الأولى: من مكتبة المخطوطات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تحت رقم (2976/ ف) ورمزت لها بالحرف (خ) .   (1/159- 170) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 والثانية: أيضا من مكتبة المخطوطات بجامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية تحت رقم (105/ ف) ورمزت لها بالحرف (ص) . والثالثة: من مكتبة الأخ الفاضل الشيخ الوليد بن عبد الرحمن الفريان وقد صورها من إحدى المكتبات الخاصة. ورمزت لها بالحرف (ب) . فقابلت بين هذه النسخ الثلاث، والنسخة المطبوعة، ولوامع الأنوار البهية1 للسفاريني فقد نقل جملةً كبيرةً من هذه القواعد نصًا عن بدائع الفوائد؟ ونظرًا لكثرة الأخطاء الواقعة في النسخ الخطية الثلاث، وفي النسخة المطبوعة لم اعتمد شيئًا منها أصلاً أبني عليه، وإنَّما قابلت بين النسخ وأثبت في المتن ما رأيته صحيحًا صوابًا؛ وللسبب ذاته لم أر أيضًا إثقال الهوامش بإثبات جميع الفروقات الواقعة بين النسخ، وإنَّما رأيت الاقتصار على ما في إثباته فائدة، ثم إنّي مع هذا قد عزوت الآيات القرآنية إلى أماكنها، وخرجت   (1/123-128) و (1/ 132) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 الأحاديث باختصار، وعلقت على بعض المواطن اليسيرة، فأرجو اللَّه أنْ يكون هذا العمل متقبلاً عنده وسائر أعمالي إنَّه قريبٌ مجيب. وكتب عبد الزراق بن عبد المحسن البدر في 15/6/1415هـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 اقسام ما يجري صفة أو خبرا على الرب ... النص المحقق بسم الله الرحمن الرحيم قال الإمام العلامة المحقق شمس الدين أبو عبد الله محمد ابن أبي بكر الزرعي الشهير بابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في كتابه القيم "بدائع الفوائد"ما نصه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 فائدة جليلة: ما يجري صفةً أو خبراً على الرب تبارك وتعالى أقسامٌ: أحدها: ما يرجعُ إلى نفس الذات؟ كقولك: ذات وموجود وشيء. الثاني: ما يرجعُ إلى صفاتٍ معنويةٍ، كالعليم والقدير والسميع. الثالث: ما يرجعُ إلى أفعاله؛ نحو: الخالق والرزاق. الرابع: ما يرجعُ إلى التنزيه المحض. ولابد من تضمنه ثبوًا إذ لا كمال في العدم المحض؟ كالقدوس السلام. الخامس: ولم يذكره أكثرُ الناس، وهو الاسم الدال على جملة أوصافٍ عديدةٍ لا تختصُ بصفةٍ معينةٍ، بل هو دالٌ على معانٍ1 لا على معنى مفردٍ؛ نحو: المجيد العظيم الصمد، فإنَّ المجيد من اتصف بصفاتٍ متعددةٍ من صفات الكمال، ولفظه يدل على هذا، فإنَّه موضوعٌ للسعة والكثرة والزيادة،   1 في (المطبوعة) "معناه"وفي (ص) "معاني". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 ومنه قولهم: "في كل شجر نار واستمجد المَرْخُ والعَفارُ"1 وأمجد الناقة علفًا، ومنه {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} 2 صفة للعرش لسعته وعظمه وشرفه. وتأمل كيف جاء هذا الاسمُ مقترنًا بطلب الصلاة من الله على رسوله كما علمناه صلى الله عليه وسلم3؛ لأنه في مقام طلب المزبد   1 في جميع النسخ الخطية والمطبوعة "فمنه استمجد المرخ والعفار"والمثبت من لوامع الأنوار (1/ 123) . وقد وقع في المطبوعة "الغفار"بإعجام العين، وفي (ب) "العقار"وكلاهما خطأ. قال الأزهري في تهذيب اللغة (10/ 683) : "ومن أمثال العرب: في كل الشجر نار، واستمجد المَرْخُ والعَفارُ؛ أي: استكثرا من النار فصلحا للاقتداح بهما"اهـ. والمَرْخُ: شجر سريع الوري، والعَفارُ: شحر يتخذ منه الزِّناد. 2 سورة البروج، الآية: 15. وقد جاء في المطبوعة وجميع النسخ الخطية (رب العرش المجيد) وهو خطأ. 3 يشير رحمه الله إلى ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "لقني كعب بن عُجرة فقال: ألا اهدي لك هدية؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم، خرج علينا فقلنا يا رسول الله، فد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: "قولوا اللهمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ، البخاري (رقم: 57 63) ومسلم: (رقم406) . والحديث مرويٌ عن غبر واحد من الصحابة منهم: عقبة بن عمرو، وأبو مسعود الأنصاري، وأبو حميد الساعدي وغيرهم رضي الله عنهم. وانظر "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: لإسماعيل بن إسحاق القاضي بتحقيق العلامة الألباني رحمه الله، انظر رسالة الوالد الشيخ عبد المحسن العباد "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فضلها وكيفيتها". وهي مطبوعة متداولة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 والتعرض لسعة العطاء وكثرته ودوامه، فأتى في هذا المطلوب باسم يقتضيه1؛ كما تقول: اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، ولا يحسن إنك أنت السميع البصير، فهو راجعٌ إلى المتوسل إليه2 بأسمائه وصفاته، وهو من أقرب الوسائل وأحبها إليه. ومنه الحديث الذي في المسند والترمذي: "أَلِظُّوا بياذا الجلال والإكرام " 3 ومنه: "اللهم إني أسألك بأن لك الحمد   1 في (المطبوعة) "تقتضيه". 2 في (ص) "التوسل إليه" 3 رواه أحمد (4/ 177) والحاكم (1/ 498) وابن منده في التوحيد (2/ 202) من طريق عبد الله بن المبارك عن يحيى بن حسان عن ربيعة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الحاكم "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي وصححه الألباني. انظر السلسلة الصحيحة (4/ 49) . ورواه الترمذي (رقم 3524) من حديت أنس بن مالك، وقال: "حديت غريب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 لا إله إلا أنت المنان بديعُ السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام " 1. فهذا سؤالٌ له وتسولٌ إليه بحمده2، وأنه الذي لا إله إلا هو المنان، فهو توسلٌ إليه بأسمائه وصفاته، وما أحق ذلك بالإجابة وأعظمه موقعًا عند المسؤول، وهذا بابٌ عظيمُ من أبواب التوحيد أشرنا إليه إشارةً، وقد فتح لمن بصره الله. ولنرجع إلى المقصود وهو وصفه تعالى بالاسم المتضمن لصفاتٍ عديدةٍ، فالعظيم من اتصف بصفات كثيرة من صفات الكمال وكذلك الصمد، قال ابن عباس: "هو السيد الذي كمل ني سؤدده"3. وقال أبو وائل4: "هو السيد الذي   1 رواه أحمد (3/ 120) وأبو داود (رقم: 1495) وابن ماجه (رقم: 3858) والنسائي (3/52) والحاكم (1/504) وصحح الألباني إسناده. انظر "التوسل أنواعه وأحكامه" (ص 30) . 2 في (المطبوعة) و (ب) و (خ) "وبحمده" 3 رواه ابر جرير في تفسيره (15/346) . 4 في (المطبوعة) و (خ) و (ب) "ابن وائل"، وهو خطأ، وأبو وائل هو: شقيق بن سلمة الأسدي ثقة مخضرم مات في خلافة عمر بن عبد العزيز وله مائة سنة "التقريب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 انتهى سؤدده"1. وقال عكرمة: "الذي ليس فوقه أحد"2. وكذلك قال الزجاج: "الذى ينتهي إليه السؤدد ففد صمد له كل شيء"3. وقال ابن الأنبارى: "لا خلاف بين أهل اللغة أنَّ الصمد السيد الذي ليس فوقه أحد الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وأمورهم"4 واشتقاقه يدل على هذا، فإنَّه من الجمع والقصد، فهو5 الذي اجتمع القصد نحوه، واجتمعت فيه صفات السؤدد، وهذا أصله في اللغة كما قال6:   1 رواه ابن جرير (15/ 346) . 2 ذكره ابن تيمية في تفسير سورة الإخلاص. الفتاوى (17/ 216) . 3 انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج (5/ 377، 378) . 4 نقله ابن تيمية في تفسير سورة الإخلاص. الفتاوى (17/ 216) . 5 "فهو"ساقطة من (المطبوعة) و (ب) و (خ) . 6 القائل هو: سبرة بن عمرو الأسدي، وقيل هو لهند بنت معبد بن نضلة تبكي عميها اللذين قتلهما النعمان انظر "مجاز اللغة"لأبي عبيدة (2/ 316) وهامشه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 ألا بكر الناعي بخيري بني أسد ... بعمرو بن يربوع1 وبالسيد الصمد والعرب تسمي أشرافها بالصمد؛ لاجتماع قصد القاصدين إليه، واجتماع صفات السيادة فيه. السادس: صفة تحصل من اقتران أحد الاسمين والوصفين بالآخر، وذلك قدرٌ زائدٌ على مفرديهما؛ نحو: الغني الحميد، العفو القدير، الحميد المجيد، وهكذا عامة الصفات المقترنة والأسماء المزدوجة في القرآن. فإنَّ الغني صفة كمال، والحمد كذلك، واجتماع الغني مع الحمد كمال آخر، فله ثناءٌ من غناه، وثناءٌ من حمده، وثناءٌ من اجتماعهما. وكذلك العفو القدير، والحميد المجيد2، والعزيز الحكيم، فتأمله فإنَّه من أشرف المعارف. وأما صفات السلب المحض فلا تدخل في أوصافه تعالى إلا   1 ورد البيت في "مجار اللغة"و"تفسير الطبري"وغيرهما بلفظ: "بعمرو بن مسعود". 2 من قوله: "وهكذا عامة ... "إلى قوله: " ... والحميد المجيد، ساقط من (ب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 أن تكون متضمنةً لثبوتٍ؛ كالأحد المتضمن لانفراده بالربوبية والإلهية، والسلام المتضمن لبراءته من كل نقص يضاد كماله، وكذلك الإخبار عنه بالسلوب إنما1 هو لتضمنها ثبوتًا كقوله تعالى: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} 2 فإنَّه متضمنٌ لكمال حياته وقيوميته، وكذلك قوله تعالى: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} 3 متضمنٌ لكمال قدرته، وكذلك قوله: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ} 4 متضمنٌ لكمال علمه، وكذلك قوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} 5 متضمنٌ لكمال صمديته وغناه، وكذلك قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} 6 متضمنٌ لتفرده بكماله وأنه لا نظير له، وكذلك قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} 7 متضمنٌ لعظمته وأنَّه جلَّ عن أن يُدرك بحيث يحاط به، وهذا مطردٌ في كلِّ ما وصف به نفسه من السلوب.   1 "إنما"زيادة من لوامع الأنوار. 2 سورة البقرة، الآية: 255. 3 سورة ق، الآية: 38. 4 سورة يونس، الآية: 61. وقع في (خ) و (المطبوعة) : "لا يعزب ". 5 سورة الإخلاص، الآية: 3. 6 سورة الإخلاص، الآية: 4. 7 سورة الأنعام، الآية: 103. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 باب الإخبار أوسع من باب الأسماء والصفات ... ويجب أن يعلم هنا أمورٌ1: أحدها: أنَّ ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته؟ كالشيء والموجود والقائم بنفسه، فإنَّه2 يخبر به عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا3.   1 في (ب) : "ويجب أن تعلم هنا أمورًا". 2 في (ص) : "فإن هذا ... ". 3 انظر درء التعارض لابن تيمية (4/ 140) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 الثاني: أن الصفة إذا كانت منقسمة إلى كمال ونقص لم تدخل بمطلقها في أسمائه، بل يطلق عليه منها كمالها، وهذا كالمريد والفاعل والصانع، فإنَّ هذه الألفاظ لا تدخل في أسمائه؛ ولهذا غلط من سماه بالصانع عند الإطلاق، بل هو الفعَّالُ لما يريد فإنَّ الإرادة والفعل والصنع منقسمةٌ؛ ولهذا إنَّما أطلق على نفسه من ذلك أكمله فعلاً وخبرًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 لا يلزم الإخبار عنه بالفعل مقيدا أن يشتق له من أسم مطلق ... الثالث: أنَّه لا يلزم من الإخبار عنه بالفعل مقيدًا أن يشتق له منه اسمٌ مطلقٌ كما غلط فيه بعضُ المتأخرين فجعل من أسمائه الحسنى المضل الفاتن الماكر تعالى الله عن قوله، فإنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 هذه الأسماء لم يطلق عليه شحانه منها إلا أفعالٌ مخصوصةٌ معينةٌ فلا يجوز أن يسمى بأسمائها المطلقة، واللَّه أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 أسماء الله الحسنى أعلام وأوصاف والوصف لا ينافي العلمية ... الرابع: أنَّ أسماءَه الحسنى هي أعلامٌ وأوصافٌ، والوصفُ بها لا يُنافي العَلَمِيَة، بخلاف أوصاف العباد فإنَّها تنافي علميتهم؛ لأن أوصافهم مشتركةٌ فنافتها العلميةُ المختصةُ بخلاف أوصافه تعالى1.   1 انظر بدائع الفوائد (1/ 24) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 دلالة الأسماء على الذات تكون بالمطابقة والتضمن الإلتزام ... الخامس: أنَّ الاسم من أسمائه. له دلالات: - دلالة على الذات والصفة بالمطابقة. - ودلالة على أحدهما بالتضمن. - ودلالة على الصفة الأخرى باللزوم2.   2 كاسم "الحي "مثلاً، فإنَّه دالٌ على الذات وعلى صفة الحياة بالمطابقة. ودالٌ على الذات وحدها وعلى صفة الحياة وحدها بالتضمن، ودالٌ على القدرة والسمع والبصر والعلم وغيرها من الصفات باللزوم. ودلالة المطابقة هي دلالة اللفظ على كامل معناه، ودلالة التضمن هي دلالة اللفظ على بعض معناه، ودلالة اللزوم هي دلالة اللفظ على أمر خارج عن معناه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 الأسماء الحسنى لها إعتبار من حيث الذات وإعتبار من حيث الصفات ... السادس: أنَّ أسماءَه الحسنى لها اعتباران: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 - اعتبار من حيث الذاتُ. - واعتبار من حيث الصفاتُ. فهي بالاعتبار الأول مترادفةٌ، وبالاعتبار الثاني متباينةٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 عنه به نحو: الحي، بل يطلق عليه الاسم والمصدر1 دون الفعل، فلا يقال: حيي2.   1 فيقال: من أسمائه سبحانه "الحي "ومن صفاته "الحياة". 2 انظر كتاب "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى"للشيخ محمد العثيمين رحمه الله القاعدة الثالثة من قواعد الأسماء (ص 10، 11) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 السابع : أنّ ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفيٌ، وما يطلق عليه في باب الإخبار1 لا يجب أن يكون توقيفيًا؛ كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه. فهذا فصل الخطاب في مسألة أسمائه: هل هي توقيفيةٌ، أو يجوز أن يطلق عليه منها بعضُ ما لم يرد به السمع.   1 في (المطبوعة) و (خ) و (ب) "من الأخبار"وفي (ص) "في الأخبار"والمثبت من لوامع الأنوار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 الإسم إذ اطلق على الله جاز أن يشتق من المصدر والفعل ... الثامن: أنَّ الاسم إذا أطلق عليه جاز أنْ يشتق منه المصدر والفعل فيخبر به عنه فعلاً ومصدراً؛ نحو: السميع البصير القدير، يطلق عليه منه السمع والبصر والقدرة ويخبر عنه بالأفعال من ذلك؛ نحو: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ} 2، {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} 3 هذا إنْ كان الفعل متعديًا، فإنْ كان لازمًالم يخبر   2 سورة المجادلة، الآية:1. 3 سورة المرسلات، الآية: 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 أفعال الرب صادرة عن أسمائه وصفاته ... التاسع: أن أفعال الرب تبارك وتعالى صادرة عن أسمائه وصفاته، وأسماءُ المخلوقين صادرةٌ عن أفعالهم، فالرب تبارك وتعالى فِعاله عن كماله، والمخلوق كماله عن فعاله، فاشتقت له الأسماء بعد أنْ كمل بالفعل، فالرب لم يزل كاملاً فحصلت أفعاله عن كماله؟ لأنَّه كاملٌ بذاته وصفاته، فأفعاله صادرةٌ عن كماله؛ كَمُلَ ففعل، والمخلوق فعل فكمل الكمال الائق به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 العاشر : إحصاءُ الأسماء الحسنى والعلمُ بها أصلٌ للعلم بكل معلوم، فإنِّ المعلومات سواه إمَّا أن تكون خلقًا له تعالى أو أمرًا، إمَّا علمٌ بما كونه، أو علمٌ بما شرعه. ومصدرُ الخلق والأمر عن أسمائه الحسنى، وهما مرتبطان بها ارتباط المقتضى3 بمقتضيه، فالأمرُ كلهُّ مصدره عن أسمائه   3 في (ص) "ارتباطًا للمقتضى " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 الحسنى، وهذا كلَّه حسنٌ1 لا يخرج عن مصالح العباد والرأفة والرحمة بهم والإحسان إليهم بتكميلهم بما أمرهم به ونهاهم عنه، فأمره كلُّه مصلحةٌ وحكمةٌ ورحمةٌ ولطفٌ وإحسانٌ، إذ مصدرهُ أسماؤه الحسنى، وفعله كلُّه لا يخرج عن العدل والحكمة والمصلحة والرحمة، إذ مصدره أسماؤه الحسنى فلا تفاوت في خلقه ولا عبث، ولم يخلق خلقه باطلاً ولا سدى ولا عبثًا، وكما أَنَّ كل موجودٍ سواه فبإيجاده فوجود من سواه تابعٌ لوجوده تبع المفعول المخلوق لخالقه، فكذلك العلمُ به2 أصلٌ للعلم بكل ما سواه. فالعلم بأسمائه وإحصاؤها أصلٌ لسائر العلوم فمن أحصى أسماءَه كما ينبغي للمخلوق أحصى جميعَ العلوم، إذ إحصاءُ أسمائه أصلٌ لإحصاء كلِّ معلوم؛ لأنَّ المعلومات هي من مقتضاها3 ومرتبطةٌ بها. وتأمل صدور الخلق والأمر عن علمه وحكمته تعالى؛ ولهذا لا تجد فيها خللاً ولا تفاوتًا؛   1 في (ب) "مصدر حسن". 2 في (ص) "بها". 3 في (ص) "مقتضياتها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 لأنَّ الخلل الواقع فيما يأمرُ في العبد أو يفعله؛ إمَّا أنْ يكون لجهله به، أو لعدم حكمته. وأمَّا الرب تعالى فهو العليم الحكيم، فلا يلحق فعله ولا أمره خللٌ ولا تفاوتٌ ولا تناقضٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 أسماء الله كلها حسنى وليس فيها اسم غير ذلك ... الحادي عشر: أنَّ أسماءه كلَّها حسنى ليس فيها اسمٌ غير ذلك أصلاً، وقد تقدم أنَّ من أسمائه ما يطلق عليه باعتبار الفعل؛ نحو الخالق والرازق والمحيي والمميت، وهذا يدل على أنَّ أفعاله كلَّها خيراتٌ محضةٌ1 لا شر فيها؛ لأنَّه لو فعل الشر لاشتق له منه اسم ولم تكن أسماؤه كلُّها حسنى، وهذا باطلٌ، فالشر ليس إليه، فكما لا يدخل في صفاته ولا يلحق ذاته فلا يدخل في أفعاله، فالشر ليس إليه، لا يضاف إليه فعلاً ولا وصفًا، وإنَّما يدخل في مفعولاته. وفرقٌ بين الفعل والمفعول، فالشر قائمٌ بمفعوله المباين له، لا بفعله الذي هو فعله، فتأمل هذا فإنه خفي على كثير من المتكلمين وزلت فيه أقدامٌ وضلت فيه أفهامٌ، وهدى اللَّه أهل.   1 في (المطبوعة) "محض". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 الحق لما اختلفوا فيه بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم1.   1 ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنَّ الشر لم يضف إلى الله في الكتاب والسنة إلا على أحد وجوه ثلاثة: 1- إما بطريق العموم؟ كقوله: {اللَّه خالق كل شيء} . 2- وإما بطريقة إضافته إلى السبب، كقوله: {من شر ما خلق} . 3- وإما بحذف فاعله كقوله عن الجن: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} ثم قال: "ولهذا ليس من أسماء اللَّه الحسنى اسم يتضمن الشر، وإنما يذكر الشر في مفعولاته؛ كقوله: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ} وقوله: {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} ، انظر الفتاوى (8/ 94- 96) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 بيان مراتب إحصاء أسماء الله الحسنى ... الثاني عشر: في بيان مراتب إحصاء أسمائه التي من أحصاها دخل الجنة وهذا هو قطب السعادة، ومدار النجاة والفلاح. المرتبة الأولى: إحصاءُ ألفاظها وعددها. المرتبة الثانية: فهمُ معانيها ومدلولها. المرتبة الثالثة: دعاؤه بها؛ كما قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادعُوهُ بِهَا} 1. وهو مرتبتان: إحداهما: دعاء ثناءِ وعبادةٍ. والثاني: دعاء طلب ومسألة. 2 فلا يثنى عليه إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وكذلك لا يُسأل إلا بها، فلا يقال: يا موجود أو يا شيء أو يا ذات اغفر لي وارحمني، بل يُسأل في كل مطلوب باسم يكون مقتضيًا لذلك المطلوب، فيكون السائل متوسلاً إليه بذلك الاسم. ومن تأمل أدعية الرسل، ولاسيما خاتمهم وإمامهم "- صلوات الله وسلامه عليهم- وجدها مطابقةً لهذا. وهذه العبارة أولى من عبارة من قال: يتخلق بأسماء اللَّه، فإنَّها ليست بعبارةٍ سديدةٍ3، وهي منتزعةٌ من قول الفلاسفة:   1 سورة الأعراف، الآية: 180. 2 انظر بدائع الفوائد لابن القيم (3/ 2-12) . 3 وأما حديث "تخلقوا بأخلاق الله"فلا يعرف له أصلٌ في شيء من كتب السنة انظر تخريج العقيدة الطحاوية للألباني (ص 63) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 الفلسفة التشبه بالإله على قدر الطاقة1، وأحسن منها عبارة أبي الحكم بن بَرَّجان2 وهي التعبد، وأحسن منها العبارة المطابقة للقرآن وهي الدعاء المتضمن للتعبد والسؤال. فمراتبها أربعة: أشدها إنكارًا عبارة الفلاسفة وهي التشبه، وأحسن منها عبارة من قال: التخلق، وأحسن منها عبارة من قال التعبد، وأحسن من الجميع الدعاء وهي لفظ القرآن3.   1 في (المطبوعة) "من قول الفلاسفة بالتشبه بالإله على قدر الطاقة"وفي (ب) و (خ) "من قول الفلاسفة بالإله على قدر الطاقة"وانظر التعريفات للجرجاني (ص 169) . 2 في (المطبوعة) و (ب) و (خ) "بن برهان"وفي (ص) "لأن الحكم برزخان"وكلاهما خطأ. والصواب المثبت كما في لوامع الأنوار. وهو أبو الحكم عبد السلام بن عبد الرحمن اللخمي الإشبيلي، يقال له: ابن برجان توفي سنة 536هـ. سير أعلام النبلاء (20/72) . 3 في لوامع الأنوار "وهي المطابقة للأمر القرآني". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 اختلاف النظار في الأسماء التي تطلق على الله وعلى العبد ... الثالث عشر: اختلف النظار في الأسماء التي تطلق على الله وعلى العباد؛ كالحي والسميع والبصير والعليم والقدير والملك ونحوها فقالت طائفة من المتكلمين: هي حقيقةٌ في العبد مجازٌ في الرب وهذا قول غلاة الجهمية، وهو أخبث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 الأقوال وأشدها فسادًا. الثاني: مقابلُهُ، وهو أَنَّها حقيقةٌ في الرب مجازٌ في العبد، وهذا قول أبي العباس الناشي1. الثالث: أَنَّها حقيقة فيهما، وهذا قول أهل السنة، وهو الصواب2. واختلاف الحقيقتين فيهما لا يخرجها عن كونها3 حقيقة فيهما، وللرب تعالى منها ما يليق بجلاله، وللعبد منها ما يليق به4.   1 في (ص) "ابن عباس"وهو خطأ. وهو عبد الله بن محمد الأنباري، الملقب بالناشي، المتكلم الشاعر توفي سنة 263هـ. قال الذهبي "وكان من كبار المعتزلة الأرعواء"تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 291-300، صلى الله عليه وسلم 181) . 2 في (ص) "وهذا قول الأكثرين وهو الصواب"وفي (ب) و (خ) "وهذا قول وهو الصواب". 3 في (ب) "لا يخرجهما عن كونهما". 4 قال شيخ الإسلام بعد أن عرض هذه الأقوال: "ولو كانت أسماء الله وصفاته مجازًا يصح نفيها عند الإطلاق لكان يجوز أنَّ اللَّه ليس بحي ولا عليم ولا قدير ولا سميع ولا بصير ولا يحبهم ولا يحبونه ولا استوى على العرض، ونحو ذلك، ومعلومٌ بالاضطرار من دين الإسلام أنه لا يجوز إطلاق النفي على ما أثبته الله تعالى من الأسماء الحسنى والصفات بل هذا جحد للخالق وتمثيل له بالمعدومات "ثم نقل حكاية ابن عبد البر إجماع أهل السنة والجماعة على الإقرار بالصفات الواردة في الكتاب والسنة وحملها على الحقيقة لا على المجاز خلافًا لأهل البدع كالجهمية وغيرهم. انظر الفتاوى (5/ 197) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وليس هذا موضع التعرض لمأخذ هذه الأقوال وإبطال باطلها وتصحيح صحيحها، فإِنَّ الغرض الإشارةُ إلى أمورٍ ينبغي معرفتها في هذا الباب، ولو كان المقصود بسطها لاستدعت سفرين أو أكثر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 الأسم والصفة لها ثلاث إعتبارات ... الرابع عشر: أن الاسم والصفة من هذا النوع له ثلاثُ اعتباراتٍ: - اعتبارٌ من حيث هو مع قطع النظر عن تقييده بالرب تبارك وتعالى أو العبد. - الاعتبار الثاني: اعتباره مضافا إلى الرب مختصًا به. - الثالث: اعتباره مضافًا إلى العبد مقيدًا به. 1- فما لزم الاسم لذاته وحقيقته1 كان ثابتًا للرب والعبد،   1 في (ب) و (خ) "لذاته حقيقة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 وللرب منه ما يليق بكماله وللعبد منه ما يليق به. وهذا كاسم السميع الذي يلزمه إدراك المسموعات والبصير الذي يلزمه رؤية المبصرات، والعليم والقدير وسائر الأسماء، فإنَّ شرط صحة إطلاقها حصول معانيها وحقائقها للموصوف بها. فما لزم هذه الأسماء لذاتها فإثباته للرب تعالى لا محذور فيه بوجه، بل يثبت له1 على وجه لا يماثلُ2 فيه خَلْقَهُ ولا يشابهُهُم، فمن نفاه عنه لإطلاقه على المخلوق ألحد في أسمائه وجحد صفات كماله، ومن أثبته له على وجهٍ يماثل فيه خلقه فقد شبهه بخلقه، ومن شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن أثبته له على وجهٍ لا يماثل فيه خلقه بل كما يليق بجلاله وعظمته فقد برئ من فرث التشبيه ودم التعطيل وهذا طريق أهل السنة. 2- وما لزم الصفةَ لإضافتها إلى العبد وجب نفيه عن الله، كما يلزمُ حياة العبد من النومِ والسِنةِ والحاجةِ إلى الغذاءِ ونحو ذلك، وكذلك ما يلزمُ إرادته من حركة نفسه في جلب ما   1 في المطبوعة "بل ثبتت له "وفي (ب) "بل ثبت له ". 2 في (المطبوعة) و (ب) و (خ) "لا يماثله"والمثبت من (ص) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 ينتفع به ودفع ما يتضرر به، وكذلك ما يلزمُ علوه من احتياجه إلى ما هو عالٍ عليه وكونه محمولاً به مفتقرًا إليه محاطًا به. كلُّ هذا يجب نفيه عن القدوس السلام تبارك وتعالى. 3- وما لزم صفة من جهة اختصاصهِ تعالى بها فإنَّه لا يَثْبُتُ للمخلوق بوجه كعلمه الذي يلزمه القِدَمُ والوجوبُ والإحاطةُ بكل معلومٍ، وقدرتهِ، وإرادتهِ، وسائر صفاته. فإنَّ ما يختصُ به منها لا يمكنُ إثباتُهُ للمخلوق. فإذا أحطتَ بهذه القاعدة خُبرًا وعَقَلْتَها كما ينبغي خلصتَ من الآفتين اللتين هما أصل بلاءِ المتكلمين: آفةِ التعطيل وآفةِ التشبيه، فإنَّك إذا وفيت هذا المقامَ حقه من التصور أثبت لله الأسماء الحسنى والصفاتِ العلى حقيقةً فخصلت من التعطيل، ونفيت عنها خصائص المخلوقين ومشابهتهم فخلصت من التشبيه، فتدبر هذا الموضع واجعله آخيَّتَكَ1 التي ترجعُ إليها في هذا الباب والله الموفق للصواب.   1 في (المطبوعة) "جُنتك"والآخيَّةُ: بالمد والتشديد واحدة الأواخيّ، وهي أن يدفن طرفًا قطعة من الحبل في الأرض وفيه عصية أو حُجير فيظهر منه مثل عروة تشد إليه الدابة. الصحاح للجوهري (6/ 2265) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 الصفة إذا قامت بموصوف لزمها أمور أربعة ... الخامس عشر: أنَّ الصفة متى قامت بموصوفِ لزمها أمورٌ أربعةٌ: أمران لفظيان، وأمران معنويان. فاللفظيان: ثبوتي وسلبي، فالثبوتي: أنْ يشتق للموصوف منها اسمٌ. والسلبي: أنْ يمتنع الاشتقاق لغيره. والمعنويان: ثبوتي وسلبي؛ فالثبوتي: أنْ يعود حكمها إلى الموصوف ويخبر بها عنه. والسلبي أنْ لا يعود حكمها إلى غيره ولا يكون خبرًا عنه. وهي1 قاعدةٌ عظيمةٌ في معرفة الأسماء والصفات، فلنذكر من ذلك مثالاً واحدًا وهو2 صفةُ الكلام. فإنَّها إذا قامت بمحل كان هو المتكلم3 دون من لم تقم به4، وأُخبر عنه بها وعاد حكمها إليه دون غيره، فيقال: قال، وأمر، ونهى، ونادى، وناجى، وأخبر، وخاطب، وتكلم، وكلم، ونحو   1 في (ص) "وهذه". 2 في (ص) "وهي ". 3 في (المطبوعة) "فإنه إذا قامت بمحل كانت هو التكلم"وفي (ب) و (خ) "فإنه إذا قامت بمحل كانت هو المتكلم، والمثبت من (ص) . 4 في (ب) "دون من لم يقم به". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 ذلك، وامتنعت هذه الأحكامُ لغيره فيستدل بهذه الأحكام والأسماء على قيام الصفة به وسلبها عن غيره على عدم قيامها به، وهذا هو أصل السنة الذي ردوا به على المعتزلة والجهمية وهو من أصح الأصول طردًا وعكسًا1.   1 راجع في هذه القاعدة شرح العقيدة الأصفهانية لابن تيمية (ص 62) . والطرد: هو التلازم في الثبوت، والعكس: هو التلازم في الانتفاء الذي هو السلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 السادس عشر: أن الأسماء الحسنى لا تدخل تحت حصرٍ ولا تحد بعددٍ 2، فإنَّ للَّه تعالى أسماءٌ وصفاتٍ استأثر بها في علم الغيب عنده لا يعلمها ملكٌ مقربٌ ولا نبيٌ مرسلٌ، كما في الحديث الصحيح: "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته ني كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك" 3.   2 في (ص) "ولا تحد ولا تعدد". 3 جزء من حديث، أخرجه أحمد (1/ 391) والحاكم (1/ 509) وصححه، والطبراني في "الكبير" (10/ 309) وغيرهم، وصححه ابن القيم في شفاء العليل (ص 274) والألباني في السلسلة الصحيحة (1/336) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 فجعل أسماءه ثلاثة أقسام: - قسم سمى به نفسه فأظهره لمن شاء من ملائكته أو غيرهم ولم بنزل به كتابه. - وقسم أنزل به كتابه فتعرف به إلى عباده. - وقسم استأثر به في علم غيبه فلم يُطلع عليه أخدًا1 من خلقه؛ ولهذا قال: "استأثرت به" أي: انفردت بعلمه، وليس المرادُ إنفرادَهُ بالتسمي به2؛ لأنَّ هذا الانفراد ثابتٌ في الأسماء التي أنزل بها كتابه. ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة: "فيفتح عليَّ من محامده بما لا أحسنه الآن" 3 وتلك المحامد هي بأسمائه4 وصفاته. ومنه. قوله صلى الله عليه وسلم "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على   1 في (المطبوعة) و (خ) "أحد". 2 في (ب) "بالسمى به ". 3 رواه البخاري (8/ 395 الفتح) ومسلم (1/184) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. 4 في (المطبوعة) "وتلك المحامد هي تفي بأسمائه ... ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 نفسك" 1. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ للَّه تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة" 2 فالكلام جملةٌ واحدةٌ، وقوله: "من أحصاها دخل الجنة" صفة لا خبرٌ مستقلٌ3. والمعنى له أسماءٌ متعددةٌ4 من شأنها أن من أحصاها دخل الجنة، وهذا لا ينفي أنَّ يكون له أسماءٌ غيرها، وهذا كما تقول: لفلان مائةُ مملوكٍ قد أعدهم للجهاد فلا ينفي هذا أنْ يكون له مماليكٌ سواهم معدين5 لغير الجهاد، وهذا لا خلاف بين العلماء فيه6.   1 رواه مسلم (1/ 352) عن عائشة رضي الله عنها. 2 رواه البخاري (13/ 377 الفتح) ومسلم (2/2062) عن أبي هريرة رضي الله عنه. 3 في (المطبوعة) و (ب) و (خ) "مستقبل". 4 في (ص) "معدودة". 5 في (المطبوعة) "معدون". 6 وراجع درء التعارض لابن تيمية (3/332) والفتاوى له (22/ 486) وشفاء العليل لابن القيم (ص 277) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 الأسماء الأحسنى منها مايطلق عليه مفردا ومقترنا بغيره ... السابع عشر: إنَّ أسماءَه تعالى منها ما يطلق عليه مفردًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 ومقترنًا بغيره وهو غالب الأسماء؛ كالقدير والسميع والبصير والعزيز والحكيم، وهذا يسوغ أنْ يدعا به مفردًا ومقترنًا بغيره، فتقول: يا عزيز يا حليم، يا غفور يا رحيم، وأنْ يفرد كل اسم. وكذلك في الثناء عليه والخبر عنه به يسوغ لك1 الإفرادُ والجمعُ، ومنها مالا يطلق عليه بمفرده بل مقرونًا بمقابله؛ كالمانع والضار والمنتقم، فلا يجوز أن يفرد هذا عن مقابله فإنَّه مقرونٌ بالمعطي والنافع والعفو. فهو المعطي المانع، الضار النافع، المنتقم العفو، المعز المذل؛ لأن الكمال في اقتران كل اسم من هذه بما يقابله؛ لأنَّه يراد به أنَّه المنفردُ بالربوبية وتدبير الخلق والتصرف فيهم عطاءٌ ومنعًا، ونفعًا وضرًا، وعفوًا وانتقامًا. وأمَّا أنْ يثنى عليه بمجرد المنع والانتقام والإضرار فلا يسوغ. فهذه الأسماءُ المزدوجةُ تجري الأسماءُ منها مجرى الاسم الواحد الذي يمتنع فصلُ بعض حروفه عن بعض، فهي وإن تعددت جارية مجرى الاسم الواحد؛ ولذلك لم تجئ مفردة ولم تطلق عليه إلا مقترنة فاعمله. فلو قلت: يا مذل يا ضار   1 في (المطبوعة) "بما يسوغ لك". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 يا مانع وأخبرت1 بذلك لم تكن مثنيًا عليه ولا حامدًا له حتى تذكر مقابلها2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 الرب تعالى متصف بصفات الكمال المحض وله من الكمال أكمله ... الثامن عشر: أنَّ الصفات ثلاثةُ أنواع: صفات كمال، وصفات نقص، وصفات لا تقتضي كمالاً ولا نقصًا، وإن كانت القسمةُ التقديرية تقتضي قسمًا رابعًا وهو ما يكون كمالاً ونقصًا باعتبارين. والرب تعالى منزهٌ عن الأقسام الثلاثة وموصوفٌ بالقسم الأول، وصفاتُهُ كلُّها صفاتُ كمالٍ محضٍ فهو موصوفُ من الصفات بأكملها، وله من الكمال أكمله. وهكذا أسماؤه الدالة على صفاته هي أحسن الأسماء وأكملُها، فليس في الأسماء أحسنُ منها ولا يقوم غيرُها مقامها ولا يؤدي معناها، وتفسير الاسم منها بغيره ليس تفسيرًا بمرادفٍ محضٍ، بل هو على سبيل التقريب والتفهيم. وإذا عرفت هذا فله سبحانه من كلِّ صفةٍ كمالٍ أحسنُ اسمٍ وأكملُهُ وأتمُهُ معنى وأبعدُه وأنزهُه عن شائبة عيبٍ أو نقصٍ،   1 في (ص) "أو أخبرت"وفي (ب) "فأخبرت". 2 في (ص) "مقابله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 فله من صفة الإدراكات: العليم الخبير دون العاقل الفقيه، والسميع البصير دون السامع والباصر والناظر، ومن صفات الإحسان: البر الرحيم الودود دون الرفيق1 والشفوق2 ونحوهما، وكذلك العلي العظيم دون الرفيع3 الشريف، وكذلك الكريم دون السخي، والخالق الباريء المصور دون الفاعل الصانع المشكل، والغفور العفو دون الصفوح الساتر. وكذلك سائر أسمائه تعالى يجري على نفسه منها أكملها وأحسنها وما لا يقوم غيرُهُ مقامه. فتأمل ذلك فأسماؤه أحسن الأسماء كما أنَّ صفاته أكمل   1 كذا في جميع النسخ الخطية التي بين يدي، والصواب "الرقيق"- بالقاف-، فإن اسم "الرفيق"- بالفاء- نابت في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّه رفيق يحب الرفق". وقد عده ابن القيم في كتاب مدارج السالكين (2/294) من أسماء الله عز وجل، ثم تبين لي بعد ذلك وجوده في بعض النسخ الخطية الأخرى، بلفظ "الرقيق". 2 في (ب) و (خ) "والمشوق"وفي (ص) "والمعشوق". 3 ورد هذا الاسم مضافًا كما في قوله تعالى: {رفيع الدرجات ذو العرش} [غافر: 15] ، قال ابن سعدي في تفسيره (6/ 515) : (أي: العلي الأعلى، الذي استوى على العرش واختص به وارتفعت درجاته ارتفاعًا باين به مخلوقاته وارتفع به قدره وجلت أوصافه ... ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 الصفات فلا تعدل عما سمى به نفسه إلى غيره كما لا تتجاوز ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله إلى ما وصفه به المبطلون والمعطلون1.   1 كما قال تعالى: {سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين} قال شيخ الإسلام ابن تيمية في أول "العقيدة الواسطية"في معنى الآية: "فسبح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 من الأسماء الحسنى ما يكون دالا على عدة صفات ... التاسع عشر: إنَّ من أسمائه الحسنى ما يكون دالاً على عدة صفات ويكون ذلك الاسمُ متناولاً لجميعها تناول الاسم الدال على الصفة الواحدة لها كما تقدم بيانه؛ كاسمه العظيم والمجيد والصمد؛ كما قال ابن عباس رضي الله عنه فيما رواه عنه ابن أبي حاتم في تفسيره: (الصمد: السيد الذي قد كمل ني سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع شرفه وسؤدده، وهو الله سبحانه. هذه صفته لا تنبغي إلا له، ليس له كفوًا أحد، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 وليس كمثله شيء، سبحان الله الواحد القهار"1 هذا لفظه. وهذا مما خفي على كثيرٍ ممن تعاطى الكلام في تفسير الأسماء الحسنى ففسر الاسم بدون معناه، ونقصه من حيث لا يعلم، فمن لم يحط بهذا علمًا بخس الاسم الأعظم حقه وهضمه معناه، فتدبره.   1 رواه ابن جرير في تفسيره (15/ 346) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 بيان أنواع الإلحاد في أسمائه وصفاته ... العشرون: وهي الجامعةُ لما تقدم من الوجوه، وهو معرفة الإلحاد في أسمائه حتى لا يقع فيه، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 2. والإلحاد في أسمائه هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها. وهو مأخوذٌ من الميل كما يدل عليه مادته3 "ل ح د"فمنه: اللحد وهو الشق في جانب القبر الذي قد مال عن الوسط، ومنه: الملحد في الدين المائل عن الحق إلى الباطل. قال ابن السكيت: "الملحد المائل عن الحق   2 سورة الأعراف، الآية: 180. 3 في (ص) "مادة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 المدخل فيه ما ليس منه"1 ومنه: الملتحد وهو مفتعل من ذلك. وقوله تعالى: {وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً} 2 أي: من تعدل إليه، وتهرب إليه، وتلتجئ إليه، وتبتهل إليه فتميل إليه عن غيره. تقول العرب التحد فلان إلى فلان إذا عدل إليه. إذا عرفت هذا فالإلحاد في أسمائه أنواعٌ: أحدها: أنْ يسمى الأصنام بها؛ كتسميتهم اللات من الإلهية والعزى من العزيز، وتسميتهم الصنم إلهّا. وهذا إلحاد حقيقة فإنَّهم عدلوا بأسمائه إلى أوثانهم وآلهتهم الباطلة3. الثاني: تسميته بما لا يليق بجلاله كتسمية النصارى له أبًا،   1 انظر تهذيب اللغة للأزهري (4/421) . 2 سورة الكهف، الآية: 27. 3 قال ابن جرير في تفسير قوله تعالى: {وذروا الذين يلحدون في أسمائه} "يعني به المشركين، وكان إلحادهم في أسماء اللَّه أنَّهم عدلوا بها عما هي عليه فسموا بها آلهتهم وأوثانهم، وزادوا فيها ونقصوا منها، فسموا بعضها اللات اشتقاقاً منهم لها من اسم الله الذي هو الله، وسموا بعضها العزى اشتقاقًا لها من اسم الله الذي هو العزيز"ثم روى عن مجاهد في معنى الآية: أنَّه قال: "اشتقوا العزى من العزيز، واشتقوا اللات من الله"تفسير ابن جرير الطبري (9/ 133) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وتسمية الفلاسفة له موجبًا بذاته1، أو علةً فاعلةً بالطبع2، ونحو ذلك. وثالثها: وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس من النقائص؛ كقول أخبث اليهود: إنَّه فقير، وقولهم: إنَّه استراح بعد أنْ خلق خلقه، وقولهم: يد الله مغلولة، وأمثال ذلك مما هو إلحادٌ في أسمائه وصفاته. ورابعها: تعطيل الأسماء عن معانيها وجحد حقائقها؛ كقول من يقول من الجهمية وأتباعهم: إنَّها ألفاظٌ مجردةٌ لا تتضمن صفات ولا معاني، فيطلقون عليه اسم السميع والبصير والحي والرحيم والمتكلم والمريد، ويقولون: لا حياة له ولا سمع ولا بصر ولا كلام ولا إرادة تقوم به، وهذا من أعظم الإلحاد فيها عقلاً وشرعًا ولغة وفطرة، وهو يقابل إلحاد المشركين؛ فإنَّ أولئك أعطوا أسمائه وصفاته لآلتهم،   1 الموجب بالذات هو الذي يجب أن يصدر عنه الفعل إن كان علة تامة له من غير قصد وإرادة؛ كوجوب صدور الإشراق من الشمس والإحراق عن النار. التعريفات للجرجاني (ص 237) . 2 العلة الفاعلة بالطبع: هو ما يوجد الشيء بسببه بلا إرادة. التعريفات للجرجاني (ص 140 و155) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 وهؤلاء سلبوه صفات كماله وجحدوها وعطلوها فكلاهما ملحدٌ في أسمائه. ثم الجهمية وفروخُهُم متفاوتون في هذا الإلحاد فمنهم الغالي والمتوسط والمنكوب1. وكل من جحد شيئًا2 مما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله فقد ألحد في ذلك فليستقل أو ليستكثر. وخامسها: تشبيه صفاته بصفات خلقه تعالى الله عما يقول المشبهون علوًا كبيرًا، فهذا الإلحاد في مقابله إلحاد المعطلة فإنَّ أولئك نفوا صفة كماله وجحدوها وهؤلاء شبهوها بصفات خلقه فجمعهم الإلحاد وتفرقت بهم طرقه. وبرأ الله أتباع رسوله وورثته القائمين3 بسنته عن ذلك كله فلم يصفوه إلا بما وصف به نفسه [ووصفه به نبيه، صلى الله عليه وسلم] 4 ولم يجحدوا صفاته، ولم يشبهوها بصفات خلقه، ولم يعدلوا بها عما   1 كذا في (المطبوعة) و (ص) . وأما في نسخة (ب) و (خ) "والمثلوث". وفي توضيح المقاصد لابن عيسى (2/ 225) نقله بلفظ "والمتلون". 2 في (المطبوعة) "عما". 3 في (ص) "والقائمين". 4 ما يين المعكوفتين زيادة من لوامع الأنوار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 أنزلت عليه لفظًا ولا معنى، بل أثبتوا له الأسماء والصفات ونفوا عنه مشابهة المخلوقات فكان إثباتهم بريًا من التشبيه، وتنزيهم خليًا من التعطيل، لا كمن شبه حتى كأنَّه يعبد صنمًا أو عطل حتى كأنَّه لا يعبد إلا عدمًا1. وأهل السنة وسط في النحل كما أن أهل الإسلام وسط في الملل، توقد مصابيح معارفهم {مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} 2 3. فنسأل الله تعالى أن يهدينا لنوره، ويسهل لنا السبيل إلى الوصول إلى مرضاته، ومتابعة رسوله إنه قريبٌ مجيبٌ.   1 روى اللالكائي في شرح الاعتقاد (3/532) عن نعيم بن حماد أنه قال: "من شبه الله بشيء من خلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه". وقال ابن القيم رحمه الله في نونيته: من شبه الله العظيم بخلقه ... فهو النسيب لمشركٍ نصراني أو عطل الرحمن من أوصافه ... فهو الكفور وليس ذا إيمان وانظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (5/ 169) . 2 سورة النور، الآية: 35. 3 من قوله {َكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ ... } إلى تمام الآية ساقط من (ص) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 خاتمة مشتملة على التنبيه على أهمية هذه القاعدة ... فهده عشرون فائدةً مضافةً إلى القاعدة التي بدأنا بها في أقسام ما يوصفُ به الربُ تبارك وتعالى، فعليك بمعرفتها ومراعاتها ثم اشرح الأسماء الحسنى إنْ وجدت قلبًا عاقلاً ولسانًا قائلاً ومحلاً قابلاً، وإلا فالسكوت أولى بك فجَنَابُ الربوبية أجلُّ وأعزُّ مما يخطر بالبال أو بعبر عنه المقال: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} 1 حتى ينتهي العلم إلى من أحاط بكل شيء علمًا. وعسى الله أنْ يعين بفضله على تعليق شرح الأسماء الحسنى2 مراعيًا فيه أحكام هذه القواعد بريئًا من الإلحاد في أسمائه وتعطيل صفاته فهو المانُ بفضله، واللَّه ذو الفضل العظيم3. تم والحمد للَّه أولاً وأخرًا   1 سورة يوسف، الآية: 76. 2 وقد تحقق هذا لابن القيم رحمه الله، فقد ذكر ابن رجب وغيره ضمن مؤلفات ابن القيم كتاب "شرح الأسماء الحسنى"وكان مع هذا له عنايةٌ فائقةٌ في كثير من مصنفاته شرح أسماء الله الحسنى وبيان معانيها ومدلولاتها وقد جمع الشيخ الفاضل بكر أبو زيد حفظه الله أبحاث ابن القيم في الأسماء الحسنى من كتبه المطبوعة ورتبها مع ذكر مصادرها في كتابه "التقريب لعلوم ابن القيم". 3 من قوله "فهذه عشرون فائدة ... "إلى قوله: " ... والله ذو الفضل العظيم"ساقط من (ص) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50