الكتاب: علم اللغة العربية المؤلف: د. محمود فهمى حجازى الناشر: دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- علم اللغة العربية د. محمود فهمى حجازى الكتاب: علم اللغة العربية المؤلف: د. محمود فهمى حجازى الناشر: دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] مقدمة هذا الكتاب محاولة لتقديم الأسس العامة للبحث التاريخي والمقارن في اللغة العربية. ويقوم هذا الكتاب على النظرية العامة لعلم اللغة الحديث من جانب، وعلى الاهتمام بالتراث اللغوي العربي من الجانب الآخر. فإذا كان علم اللغة الحديث قد حقق بمناهجه الدقيقة تقدمًا ملحوظًا في مجالاته المختلفة، فإن الإفادة من وضوح الرؤية ودقة المناهج التي طورها علم اللغة في القرنين التاسع عشر والعشرين قد أصبحت ضرورة علمية. لقد شغل عدد من الباحثين بدراسة النحو المقارن للغات السامية، وأتاح هذا المنهج رؤية جديدة للعربية في ضوء اللغات السامية. واهتم كثير من الباحثين في اللغات المختلفة بقضية التأريخ اللغوي، ولا يزال البحث في اللغة العربية بحاجة إلى جهود كثيرة تفيد من كل المصادر المتاحة لإيضاح الجوانب المختلفة من تاريخ اللغة العربية. وهدف هذا الكتاب أن يقدم للدارسين والطلاب في صورة مركزة الملامح العامة والمعلومات الأساسية للبحث العلمي في اللغة العربية في ضوء النظرية الحديثة لعلم اللغة العام وعلم اللغات السامية المقارن والتراث العربي، وآمل أن يحقق هذا الكتاب ما ينشده القارئ من وضوح موضوعي ورؤية علمية محمود فهمي حجازي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 الفهرس الفصل الأول: اللغة والحياة اللغوية 1- طبيعة اللغة 10 2- وظيفة اللغة 16 الفصل الثاني: علم اللغة الحديث 1- علم اللغة وعلم النصوص القديمة 31 2- علم اللغة المقارن 35 3- علم اللغة الوصفي 37 4- علم اللغة التاريخي 39 5- علم اللغة التقابلي 40 6- علم اللغة والبحث النحوي 42 7- علم اللغة العام 43 8- التسميات المختلفة لعلم اللغة 47 9- علم اللغة وعلم النفس 48 10علم اللغة والعلوم الاجتماعية 51 11- علم اللغة وتعليم اللغات 52 12- علم اللغة بين العلوم 54 الفصل الثالث: علوم اللغة في التراث العربي 1- النحو وعلم العربية 59 2- اللغة وعلم اللغة وفقه اللغة 65 3- علم اللسان وعلوم الأدب والعلوم العربية 68 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 الفصل الرابع: كتب طبقات النحويين واللغوين 1- كتب الطبقات 73 2- كتاب الفهرست 75 3 كتب التراجم 76 4 المراجع العامة الحديثة في التراث 81 الفصل الخامس: المكتبة النحوية 1- كتاب سيبويه والنحاة البصريون 84 2- النحاة الكوفيون في القرن الثاني والثالث 87 3- نحاة القرن الرابع 88 4- الكتب النحوية التعليمية والمنظومات 91 5- الموسوعات النحوية والشروح 92 الفصل السادس: المكتبة اللغوية 1- جمع اللغة وتأليف المعاجم 95 2- معاجم الترتيب الصوتي 99 3- معاجم الترتيب الهجائي 103 4- مصادر المعاجم الموسوعية 105 5- المعاجم الدلالية الخاصة 109 6- المعاجم الموضوعية 113 7- كتب الأبنية الصرفية 114 8- كتب التثقيف اللغوي ولحن العامة 9- كتب الموضوعات الصوتية 117 الفصل السابع: المنهج المقارن وتصنيف اللغات 1- تصنيف اللغات 119 2- العرب واللغات الأجنبية 122 3- الأوربيون والمقارنات 124 4- نشوء علم اللغة المقارن 126 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 الفصل الثامن: اللغات السامية بين اللغات الأفروآسيوية 1- اللغات الأفروآسيوية 131 2- اللغات السامية 132 3- اللغات السامية واللغة المصرية القديمة 134 4- اللغان السامية واللغة الليبية القديمة 135 الفصل التاسع: الخصائص المشتركة في اللغات السامية: 1- الأصوات 139 2- بناء الكلمة 142 3- بناء الجملة 147 4- الألفاظ الأساسية 148 الفصل العاشر: التوزيع الجغرافي والتاريخي للغات السامية 1- الفرع الأكادي 151 2- الفرع الكنعاني 157 3- الفرع الآرامي 172 4- العربية الجنوبية 183 5- اللغات السامية في الحبشة 187 الفصل الحادي عشر: العربية في ضوء اللغات السامية 1- الخطوط السامية والواقع الصوتي 194 2- القوانين الصوتية 197 3- أصوات عربية تختلف عن السامية الأولى 200 4- الضمائر 202 5- الأسماء الثنائية 205 6- الأفعال 208 7- تحديد الجذور 208 8- الألفاظ المشتركة 209 9- الدخيل في ضوء اللغات السامية 211 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 10- المقارنات اللغوية وتاريخ الألفاظ 213 الفصل الثاني عشر: العربية في جزيرة العرب 1- النقوش العربية القديمة 217 2- اللهجات العربية واللغة الفصحى 224 3- قضية الاستخدام اللغوي واللهجات 234 الفصل الثالث عشر: العربية في المشرق الآسيوي 1- موجات التعريب في المشرق 339 2- العربية في العصر الأموي 242 3- الجاحظ وملاحظاته اللغوية 254 4- العربية بين البداوة والحضارة 251 5- العربية في القرن الرابع 257 6- الهمداني والحياة اللغوية 261 7- المقدسي والحياة اللغوية 263 8- العلاقات اللغوية من القرن الخامس 267 الفصل الرابع عشر: العربية في القارة الأفريقية 1- تعريب مصر والنوبة والسودان 271 2- المغرب وتعريب البربر 280 3- العربية جنوب دول المغرب 288 4- العربية لغة الدين والثقافة الإسلامية 294 الفصل الخامس عشر: اتجاهات التغير في البنية والمعجم 1- التغير في البنية 299 2- نمو المفردات العربية 309 ببليوجرافيا مختارة بالكتب العربية في الدراسات اللغوية 317 ببليوجرافيا مختارة بالكتب الأوربية في علم اللغة العام وعلم اللغات السامية وعلم اللغة العربية 353 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 الفصل الأول: اللغة والحياة اللغوية مدخل ... الفصل الأول: اللغة والحياة اللغوية هناك تعريفات كثيرة للغة عرفتها الدوائر العلمية المختلفة في شتى الحضارات. ويعد تعريف اللغة عند ابن جني "المتوفى 391هـ" من التعريفات الدقيقة إلى حد بعيد. قال ابن جني: حد اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم1 وهذا تعريف دقيق يذكر كثيرًا من الجوانب المميزة للغة. أكد ابن جني أولا الطبيعة الصوتية للغة، كما ذكر وظيفتها الاجتماعية في التعبير ونقل الفكر، وذكر أيضا أنها تستخدم في مجتمع فلكل قوم لغتهم. ويقول الباحثون المحدثون بتعريفات مختلفة للغة2، وتؤكد كل هذه التعريفات الحديثة الطبيعة الصوتية للغة والوظيفة الاجتماعية للغة، وتنوع البنية اللغوية من مجتمع إنساني لآخر.   1 الخصائص لابن جني 1/ 33، وتعريف ابن خلدون: اللغة في المتعارف هي عبارة المتكلم عن مقصوده، وتلك العبارة فعل لساني ناشئة عن القصد لإفادة الكلام فلا بد أن تصير ملكة متقررة في العضو الفاعل لها وهو اللسان، وهو في كل أمة بحسب اصطلاحاتهم "المقدمة 1254" اللغة ملكة في اللسان وكذا الخط صناعة ملكتها في اليد "المقدمة 1252" 2 انظر:L.Bloomfield, Languge, A set of postulates for the science of Languge, in: Psycholinguistics ed. by Sol Saporta, P. 26-28. B. Bloch and G.L. Teager, Outline of Linguistic, Analysis, pp. 5-7. Carroll, The Study of Language, p. 10. وقد عرف كارول اللغة على النحو التالي: أية لغة من اللغات هي نظام بنيوي Structural System من الأصوات العرفية المنطوقة arbitrary vocal sounds ومن تتابعات الأصوات sequences of sounds التي تستخدم أو التي يمكن أن تستخدم في التعامل بين الأفراد interpresonal communication عند مجموعة من البشر، ويصنف الأشياء والأحداث والعمليات التي تتم في البيئة الإنسانية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 طبيعة اللغة مدخل ... 1- طبيعة اللغة: اللغة أولا وقبل كل شيء نظام من الرموز الصوتية، وتكمن قيمة أي رمز في الاتفاق عليه بين الأطراف التي تتعامل به، وقيمة الرمز اللغوي تقوم على علاقة بين متحدث أو كاتب هو المؤثر وبين مخاطب أو قارئ هو المتلقي. واللغة وسيلة التعامل ونقل الفكر بين المؤثر والمتلقي. وصدور هذه الرموز الصوتية اللغوية لأداء معان محددة متميزة يعنيها المتحدث ويفهمها المتلقي- معناه اتفاق الطرفين على استخدام هذه الرموز للتعبير عن الدلالات المقصودة. وبهذا يكون هناك ارتباط غير مباشر بين الجهاز العصبي للمتكلم والجهاز العصبي للمخاطب وما اللغة إلا وسيلة الربط بينهما وأداة التعبير. فكل موقف كلامي يشترط وجود متحدث ومتلق. وتتم عملية الكلام بأن يصدر الجهاز العصبي عند المتحدث أوامره إلى الجهاز النطقي عنده، فتصدر اللغة وتمضي على شكل موجات صوتية في الهواء فيتلقاها المتلقي بجهازه السمعي، ثم تنتقل بعد ذلك إلى جهازه العصبي فتترجم هذه الرموز الصوتية اللغوية إلى معانيها المرتبطة بها. واللغة وسيلة التعامل الاجتماعي الأولى في المجتمع الإنساني، أما وسائل الاتصال الأخرى مثل الإشارات الصوتية أو أعلام الكشافة فليست إلا محاولة بديلة للنظام اللغوي وهي تقوم أساسًا على النظام اللغوي ولذا ليس لها بدونه وجود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 اللغة والكتابة الرموز اللغوية Linguistic symbols رموز صوتية، ومعنى هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 أن طبيعة اللغة تتخذ في المقام الأول صورة صوتية منطوقة مسموعة. فالكتابة في أحسن أحوالها محاولة للتعبير عن اللغة في واقعها الصوتي. وهذه المحاولة دقيقة أحيانًا وغير دقيقة في أكثر الأحيان. والكتابة محاولة لنقل الظاهرة الصوتية السمعية إلى ظاهرة كتابية مرئية، فاللغة تسمع بالأذن والكتابة ترى بالعين، الكتابة محاولة لترجمة الظاهرة الصوتية السمعية إلى ظاهرة كتابية مرئية، والكتابة محاولة لنقل اللغة من بعدها الزمني إلى البعد المكاني، فالظواهر الصوتية تتتابع في الزمن والحروف المكتوبة تتتابع في المكان. وإذا كانت اللغة في المقام الأول ظاهرة صوتية فمن الطبيعي أن يقوم البحث اللغوي بدراسة اللغة في صورتها الصوتية. وعلينا أن نميز دائمًا بين الطبيعة الصوتية للغة وكيفية تدوين هذه اللغة، فالخط العربي شيء واللغة العربية شيء آخر، الخط العربي ذو إمكانات معينة يحاول بها التعبير عن الواقع الصوتي. ويدوّن الخط العربي الأصوات الصامتة مثل الباء والسين والصاد ... إلخ والحركات الطويلة وهي: الضمة الطويلة والفتحة الطويلة والكسرة الطويلة بحروف الكتابة العربية. الخط يتعامل بالحروف، وعلم اللغة يتعامل بالأصوات. يحاول الخط العربي بشكل ما تدوين أصوات اللغة العربية إلا أن الحركات القصيرة وهي الضمة والفتحة والكسرة ليست لها حروف في الخط العربي. ولذا فكتابتها أمر اختياري، ولكن الحركات القصيرة -شأنها شأن الحركات الطويلة والصوامت- عناصر أساسية في تكوين النظام اللغوي للعربية وكل اللغات. يؤدي تغيير الحركات إلى تغيير المعنى فالفرق بين ضرب المبني للمعلوم وضُرب المبني للمجهول فرق في الحركات أدى إلى تحول في الصيغة وتغير في المعنى. وثمة فرق أساسي بين مجموع الحروف ومجموع الأصوات في أنماط كثيرة من الكلمات العربية فالفعل الماضي: كتبوا، سافروا .... إلخ ينتهي بألف ليست لها أية دلالة صوتية. وعلى العكس من هذه الظاهرة نجد الحروف التي تكتب بها كلمات كثيرة أقل عددًا من الأصوات المكونة لها. وبعض الحركات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 الطويلة لا تكتب في بعض الكلمات. مثل: هذا، هذه .... إلخ. وثمة فرق آخر بين الحروف والأصوات، ويتضح هذا الفرق بأن نلاحظ أن حرف الواو في الخط العربي يرمز إلى ظاهرتين صوتيتين مختلفتين في اللغة العربية، فالواو ترمز في تدوين الكلمات: ورد، ولد، إلى صوت صامت في العربية، بينما ترمز الواو نفسها في تدوين الكلمات خلود، سرور، شهود، إلى حركة طويلة في اللغة العربية. وكذلك حرف الياء في الخط العربي. فهو يرمز تارة إلى صوت صامت في الكلمات: يكتب، يلعب، وتارة أخرى إلى حركة في الكلمات: في، لي. ولهذا كله لا يجوز في بحث اللغة العربية -أو أية لغة أخرى- أن نتعامل بالحروف المكتوبة، بل علينا أن ندرس الأصوات اللغوية المكونة لهذه اللغة، محاولين في كل حالة أن نتبين الواقع الصوتي للغة مراعين مدى الاختلاف بين اللغة باعتبارها ظاهرة صوتية وكيفية تدوينها بالحروف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 النظام اللغوي : الرموز الصوتية، التي يتعامل بها أبناء الجماعة اللغوية الواحدة محدودة، فأكثر اللغات تتعامل كل منها بحوالي ثلاثين رمزًا صوتيًّا، وتتعامل كل اللغات الإنسانية مجتمعة بما لا يزيد على خمسين رمزًا صوتيًّا لكل لغة منها نصيب، ولكن هذه الرموز المحدودة تعبر في كل لغة من هذه اللغات الكثيرة عن أكثر ما يريد الإنسان التعبير عنه في كل مجالات الحياة والفكر. إنها ثلاثون رمزًا تقريبًا في كل لغة من اللغات تكوِّن آلاف الكلمات ثم ملايين الجمل لنقل ملايين الملايين من المعاني وظلال المعاني. وتكوّن هذه الرموز الصوتية المحدودة بنية اللغة باتخاذها عدة أنساق محددة، فالكلمتان كاتب وكتاب تتكونان من نفس الصوامت ونفس الحركات، الصوامت هنا: الكاف والتاء والباء، والحركات هي: الكسرة والفتحة وحركة الإعراب. غير أن هذه الحركات تتخذ في الكلمتين السابقتين نسقين مختلفين. واستخدام الرموز الصوتية المحدودة في كل لغة من لغات الأرض في أنساق مختلفة أتاح لها أن تكوّن الآلاف الكلمات. وتتخذ الأجزاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 المختلفة في النظام اللغوي في كل حالة على حدة ترتيبًا محددًا، فلكل رمز صوتي وظيفته في الكلمة، ولكل كلمة وظيفتها في العبارة أو الجملة، وينبغي الالتزام بالنسق المتفق عليه في البيئة اللغوية الواحدة، وإلا فقد الرمز قدرته على النقل والإيحاء. وهذا النسق اللغوي يتضمن ترتيب الأصوات داخل الكلمة وترتيب الكلمات داخل الجملة. وهنا تكون مهمة الباحث في اللغة أن يتبين طبيعة هذه الرموز الصوتية والأنساق المختلفة التي تتخذها لتكون الكلمات ثم عليه أن يتبين أيضا الأنماط المختلفة لترتيب هذه الكلمات لتكوّن الجمل المختلفة. اللغة ظاهرة غير مادية، شأنها في هذا شأن العرف والعادات. وهناك فرق أساسي بين بحث الظواهر المادية في مجتمع ما وبحث الظواهر غير المادية في نفس المجتمع. ويكمن استيعاب الظواهر المادية مثل أشكال السكن والملابس وأدوات العمل بوصف هذه الأشياء وصفًا مباشرًا، ولكن دارس الظواهر غير المادية يواجه مجموع العناصر غير المرئية وقد تداخلت جزئياتها تداخلا كاملا وهذا شأن عالِم اللغة في بحثه للغة وعالِم الاجتماع في بحثه للعرف مثلا. كلاهما مطالب بملاحظة آلاف الجزئيات المكونة للنظام اللغوي أو النظام العرفي وأن يتبين هذه الجزئيات وأن يصنفها تصنيفًا واضحًا، وأن يبلور العلاقات الكامنة بين هذه الجزئيات المتكاملة. فالباحث في اللغة يلاحظ، ثم يسجل، ثم يصنف، ثم يبلور ليكشف بنية اللغة التي يدرسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 الرموز اللغوية والدلالة : تكتسب الرموز اللغوية قدرتها الإيحائية عن طريق الاستخدام، والكلمة أقل عناصر اللغة ذات الدلالة، وليس هناك معنى محدد لصوت السين أو صوت الصاد أو لأي صوت آخر. وعندما يسمع الإنسان لغة أجنبية لا يعرفها فإنه لا يستطيع - أول الأمر- أن يميز الكلمات المختلفة التي يسمعها، فهو يسمع سلسلة من الأصوات المتتابعة. وهذا شأن الطفل قبل اكتسابه للغة، فهو يسمع اللغة مجرد جرس صوتي غير متميز الملامح، ثم يأخذ الطفل في تمييز الرموز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 الصوتية التي يسمعها شيئًا فشيئًا، وما أن يكتمل تمييز الطفل بين هذه الأصوات وتكتمل قدرته على محاكاتها حتى يكون الطفل قد اكتسب الأساس الصوتي للغته الأم. وترتبط هذه المرحلة بملابسات استخدام كل كلمة وكل عبارة سمعها الطفل، فهو لا يسمع الأصوات المكونة للكلمات والعبارات مجردة عن سياقها، بل يسمع عبارات معينة في مناسبات محددة، وبذلك ترتبط كل كلمة وكل عبارة في عقل مكتسب اللغة أو مستخدمها بمواقف خاصة وظروف معينة. وما المعنى إلا حصيلة المواقف التي استخدم فيها الرمز اللغوي، ولذا فالوسيلة العلمية لمعرفة دلالة كلمة من الكلمات أو عبارة من العبارات تتلخص في بحث الظروف والملابسات التي استخدمت فيها الكلمة فاكتسبت معناها وقدرتها الإيحائية. وليست هناك أية علاقة طبيعية بين الرمز اللغوي ومدلوله في الواقع الخارجي، والعلاقة الوحيدة القائمة بين الرمز الصوتي اللغوي وما يدل عليه هي علاقة الرمز، فالكلمة ترمز إلى شيء مادي أو معنوي، وعلى هذا فلا علاقة طبيعية تربط الأصوات المكونة لكلمة منضدة في العربية أو كلمة Tisch في الألمانية وبين المنضدة كواقع مادي. والمنضدة في اللغة العربية كلمة مؤنثة، لا لأن هناك تأنيثًا في خشب المنضدة ولكن لأنها تنتهي بتاء، والتاء في العربية علامة تأنيث، فالتأنيث هنا ليس للمنضدة كواقع مادي ملموس بل لكلمة منضدة في اللغة العربية ويقابل هذه الكلمة بالألمانية كلمة der Tisch وهذه الكلمة الألمانية تصنف من المذكر. ولذا فتصنيف الكلمات في اللغة الواحدة يكوّن نظامًا لغويًّا مستقلا عن مدلولات هذه الأشياء في الواقع الخارجي، وكل ما يربط الكلمة بمدلولها هو علاقة الرمز. ويصدق هذا على كل ظواهر وكلمات اللغة الإنسانية، فاللغة لها نظامها الداخلي، وليس هذا النظام انعكاسًا مباشرًا للواقع الخارجي بل هو رؤية له بطريقة ما. وتصدق علاقة الرمز على كل الألفاظ في كل اللغات، فليست هناك علاقة طبيعية بين بعض الألفاظ ومدلولاتها في الواقع الخارجي. وقد توهم البعض في عدد من الكلمات مثل: خرير، صهيل، هديل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 محاكاة للطبيعة وأطلق ابن جني1 على هذه الكلمات اسم الأصوات المسموعات ويطلق على هذه الكلمات في الإنحليزية Onomatopoetic Words ولكن هذه الكلمات لا تختلف في شيء عن باقي كلمات اللغة من الناحية الدلالية، إذ إنها لم تكتسب قيمتها الرمزية إلا في بيئة لغوية محددة، فليست دلالات هذه الكلمات طبيعية مشتركة في كل اللغات، بل كل منها ذات إيحاء محدد في مجتمع لغوي بعينه دون غيره. فكلمة "خرير" تؤدي معناها في البيئة اللغوية العربية وتوحي فيها بصوت الماء المتدفق المتلاطم، ولكن هذه الكلمة ليست لها أية دلالة أو معنى أو قدرة إيحائية خارج البيئة اللغوية العربية. وربما توهم البعض وجود علاقة طبيعية بين معنى الإيجاب والموافقة وكلمة "أيوه" في اللهجة العربية القاهرية، والواقع أن هذه الكلمة لا توحي بهذا المعنى إلا في مجتمع يفهم اللغة القاهرية، ولو قيلت وحدها لمخاطب أمريكي لفهم منها اسم ولاية أمريكية ولو نطقت أمام ألماني لما فهم منها أي شيء على الإطلاق، وكل هذا يدل على ارتباط دلالة هذه الكلمة وغيرها من الكلمات بالاستخدام اللغوي في بيئة لغوية محددة، وليست هناك علاقة طبيعية بين الصوت اللغوي أو الكلمة ودلالتها. فالمعنى هو حصيلة استخدام الكلمة في البيئة اللغوية الواحدة. وهناك تصور سائد في بعض البيئات المتحضرة وفي كل البيئات الأقل تحضرًا تجاه بعض الكلمات، فنطق كلمة بعينها عندهم يعني استحضار الشيء، وكأن الكلمة والشيء الذي تدل عليه يكونان وحدة طبيعية واحدة. ويؤدي هذا   1 عد ابن جني على هذه الكلمات - أصل اللغة "انظر: الخصائص1/ 40" أما الاصطلاح الأوربي فيرجع إلى كلمة Onoma "وتعني في اليونانية اسم" + كلمة poesis "وتعني في اليونانية: حدث" وليس هناك شك في إيحاء هذه الكلمات، ولكن هذا الإيحاء نشأ عن الكلمة ولم تنشأ الكلمة من الصوت الموجود في الطبيعة، فصوت الكلب يطلق عليه في الإنجليزية " أمريكا" bowwow وفي فرنسا genaf-genaf وفي اليابان wam-wam ولا يمكن أن تكون كل هذه الكلمات معبرة عن الصوت الحقيقي لنباح الكلب، ومن ثم لا علاقة بين أية كلمة منها وبين صوت الكلب وعلى الرغم من هذا فهي في المثال السابق تشترك في كونها من مقطع متكرر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 التصور إلى تجنب ذكر أسماء الأمراض وأسماء الوحوش حتى لا تحل بالمكان الذي نطقت فيه أسماؤها. ولذا تنوعت تسميات الحيوان المخيف في الجماعة اللغوية الواحدة، وقد تجنبت جماعات لغوية في شمال أوربا ذكر اسم الدب صراحة فكانوا يرمزون له بتسميات أخرى مجازية حتى لا يحضر1كما حاول البعض تجنب حضور الأسد بأن أطلقوا عليه تسميات مجازية أخرى كثيرة حتى لا يحل بالمكان ورغم وجود أمثلة كثيرة لذلك في بيئات حضارية مختلفة فواقع اللغة يثبت أنه لا علاقة بين الرمز اللغوي وما يشير إليه في عالم الواقع إلا علاقة الرمز. وكل الرموز اللغوية سواء في ذلك.   1 يطلق على هذه الظاهرة taboo Influence وأشهر أمثلتها في اللغات الأوربية اختفاء الكملة القديمة للدب من لغات شمال أوربا بينما احتفظت بها السنسكريتية واليونانية، وقد حلت محل هذه الكلمات صفات للدب تحولت بعد ذلك إلى أسماء له، انظر: S. Ulmann, Principled of Semantics, p. 184 W. Havers, Neuere Literature zum Sprachtabu "Akademie Der Wissen-schaften in Wien, Phil -Hist. Kl. Sitzungsberichte. 223, 5, 1946" N.B. Emenau, Taboos on Animal. Names "Language XXIV 1948, 56-63" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وظيفة اللغة مدخل ... 2- وظيفة اللغة: يرتبط الرمز اللغوي ببيئة محددة يطلق عليها الجماعة اللغوية Linguistic Communtity فعندما يسمع إنسان لغة أجنبية لا يعرفها يسمعها أصواتا غير متميزة، وليس لها تصنيف واضح عنده، وليست لها لدلالة رمزية، إنه يسمع سلسلة صوتية لسيت لها وحدات متميزة. ولكن ابن اللغة أو العارف بها لا يسمع هذه السلسلة الصوتية فحسب، بل يميز مكوناتها ويفهم محتواها الدلالي. ومن الممكن بحث الأصوات المنطوقة من ناحية الخصائص الفيزيائية، فالمادة الصوتية موضوع من موضوعات التحليل في الفيزياء، ويكشف التحليل الفيزيائي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 للصوت عن جوانب كثيرة من خصائصه الطبيعية، مما يفيد أيضا من الناحية التطبيقية في تصميم أجهزة التليفونات وأجهزة الإرسال والاستقبال اللاسكلي وتصميم المباني التي يتردد فيها الصوت.. إلخ ولكن البحث اللغوي لا يبحث الخصائص الفيزيائية باعتبارها هدفًا في ذاتها، بل يبحث المادة الصوتية باعتبارها وسيلة لتوصيل المعلومات، ولذا لا يراها مجرد حشد صوتي كما تبدو للأجنبي وكما يسجلها الجهاز الأصم بل يرى فيها نظامًا محددًا من الرموز المتميزة التي تحمل معنى. تختلف الخصائص الفيزيائية للصوت باختلاف الأفراد والمواقف الكلامية داخل الجماعة اللغوية الواحدة، فلكل فعل كلامي خصوصيته. وتختلف الخصائص النطقية والفيزيائة للعبارة الواحدة باختلاف الأفراد، وقد يختلف نطق الإنسان الواحد لنفس العبارة باختلاف أحواله النفسية ويتغير نطقه بتقدم العمر. ومع هذا فالجماعة اللغوية هي الجماعة التي تتشابه فيها مجموع العبارات التي يتعامل بها أبناؤها، على نحو يمكنهم من الفهم المتبادل mutual intelligibility، ومجموع العبارات المستعملة في الجماعة اللغوية يصدر عن بنية لغوية واحدة تربط كل أفراد الجماعة. وتتحدد الجماعة اللغوية باعتبار تشابه مجموع العبارات التي يتعامل بها أفرادها، فتعاملهم بها هو الذي جعل منهم جماعة لغوية واحدة1.   1 إن الفهم المتبادل بين شخصين يتحدثان معا ليس بالضرورة دليلا على كونهما يتحدثان نفس اللغة، ولا بد أن يكون إثبات أنهما يتحدثان نفس اللغة قائمًا على أساس تشابه مكونات أقوالهما بدرجة عالية، أي أن يكون كلاهما يتعامل بنفس النظام اللغوي انظر: Carroll, The Study of Language. P. 8. يعبر بلومفيلد عن رأيه في ذلك على النحو التالي: كل فعل كلامي act of speech ينتج قولا Utterance، والجماعة التي تتشابه فيها مجموع الأقوال التي يتعامل بها أبناؤها، ومجموع الأقوال المستعملة في الجماعة اللغوية "= الكلامية" الواحدة هي لغة هذه الجماعة. والسمات النطقية المشتركة في اللغة الواحدة هي الصيغ Forms أما المعاني Meanings فهي المحتوى الدلالي للفعل الكلامي. "انظر: المرجع السابق". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 الفصحى واللهجات : يوجد في أكثر الجماعات اللغوية في العالم أكثر من مستوى لغوي واحد يشارك الفرد في كل مستوى منها وفق المواقف الكلامية التي يعيشها. فالمواقف الكلامية في مجال الحياة اليومية تختلف عنها في المجالات الثقافية أو مجالات السياسة. قد يكون هذا الاختلاف في إطار اللغة الواحدة كما هي حال المثقفين من أبناء اللغة الألمانية أو الفرنسية أو الإنجليزية في تعاملهم بلغاتهم. وقد يكون الاختلاف أكثر من ذلك، في إطار اللغة الواحدة عندما تستخدم اللهجة العامية والفصحى جنبا إلى جنب. وتوجد أشكال مختلفة من الازدواج اللغوي1. ويحدد الاستخدام اللغوي الوظيفة التي يقوم بها كل مستوى لغوي. وليست هناك سمات في البنية اللغوية من النواحي الصوتية أو الصرفية أو النحوية أو الدلالية تفرض كون أحد المسوتيات هي الفصحى والآخر هو العامية، فكلاهما ينطبق عليه تعريف اللغة باعتبارها نظامًا من الرموز الصوتية، ولكن أبناء الجماعة اللغوية يقفون من الفصحى موقفًا غير موقفهم من العامية. فالفصحى تحترم اجتماعيًّا وتحترم قواعدها عند المثقفين، كما تدعم النماذج الأدبية والكتب الثقافية والعلمية مكانة الفصحى. ويؤدي هذا في حالات كثيرة إلى أن جعل استخدامها موحدًا -أو يكاد يكون موحدًا- عند كل أبنائها، حتى وإن كانوا منفصلين جغرافيًّا واجتماعيًّا عن بعضهم البعض، فيظل الاختلاف الإقليمي في استخدام الفصحى داخل العرف النحوي والمعجمي للغة، ولكن العامية تعد في رأي مستخدميها غير مقننة من الناحية النحوية، على الرغم من أن لكل لهجة قوانينها الخاصة بها. ولا يقف أبناء الجماعة اللغوية من العامية موقف الاحترام، ولذا لا تستخدم العامية في الكتابة الرسمية ولا في المجالات الثقافية والعلمية تاركة ذلك للغة الفحصى.   1 يطلق الازدواج اللغوي Diglossia على وجود مستويين لغويين في بيئة لغوية واحدة، أما الثنائية اللغوية عند الفرد الواحد فتسمى bilingualism. ومن أهم الدراسات اللغوية حول الازدواج اللغوي: Ch. Ferguson, Diglossia ونشر عدة مرات منها: P.P Giglioli, Language and Social context "penguin books" 1972, p.232 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 أشكال التنوع اللغوي : وهناك جماعات لغوية تستخدم أكثر من لغة تختص كل واحدة منها بمجالات محددة. وفي كل هذه الحالات هناك مصطلحات لوصف مستويات الاستخدام اللغوي المختلفة1. اللغة الرسمية Official Language هي اللغة المستخدمة في المجالات الرسمية في الدولة. وتنص الدساتير -غالبًا- على تحديد اللغة الرسمية في كل دولة. قد تكون اللغة الرسمية هي اللغة الوطنية National Languge كما هي الحال في كثير من دول العالم، وقد تكون امتدادا للغة الرسمية في عهد الاستعمار وهذه حال كثير من الدول الجديدة في أفريقيا وآسيا. فاللغة الرسمية في موريتانيا هي اللغة الفرنسية، وليست الفرنسية لغة أبناء موريتانيا فهم عرب وبربر، وما تزال اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية في عدد من الدول الإفريقية. وهناك دول اعترفت لظروف تاريخية بتعدد اللغات الرسمية، فالفرنسية والفلمنكية لغتان رسميتان في بلجيكا، والانجليزية والأفريكانز Afrikaans لغتان رسميتان في اتحاد جنوب إفريقيا، والإنجليزية والفرنسية لغتان رسميتان في كندا. والألمانية والفرنسية والإيطالية هي اللغات الرسمية في سويسرا. وتوصف اللغة التي تستخدم في المجالات التعليمية والثقافية والتقنية بأنها لغة التعليم Educational Language أو لغة الثقافة Cultural Language أو اللغة التقنية Technical Language وكثيرًا ما تكون اللغة الرسمية لغة   1 انظر: W.E Stewart, An outline of Linguistic Typology for Describing Multilingualism p. 15-25 In: Rice, Study of the Role of second Languages Washington D.C 1962. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 التعامل في هذه المجالات، ولكن عددا كبيرا من الجماعات اللغوية في العالم المعاصر تتعامل في المجالات التقنية بلغة تختلف عن اللغة الرسمية التي نص عليها الدستور. فتدريس العلوم والهندسة والطب يتم في أكثر جامعات الدول العربية باللغة الإنجليزية أو اللغة الفرنسية مع أن دساتير هذه الدول تنص على كون اللغة الرسمية هي اللغة العربية. وهناك لغات تستخدم في مجالات خاصة دون أن تكون اللغة الوطنية أو اللغة الرسمية أو لغة التعليم. فلغة الدين Religious Language أو لغة الشعائر الدينية Language Liturgical هي اللغة العربية في كل أنحاء العالم الإسلامي. واللغة اللاتينية هي لغة الطقوس الدينية عند الكاثوليك واللغة العبرية هي لغة الدين عند اليهود. ويؤدي قصر استخدم لغة من اللغات على المجال الديني إلى اهتمام رجال الدين -في المقام الأول- بهذه اللغة ليقرءوا الكتب المؤلفة بها ويؤلفوا بها ما يريدون من كتب دينية. وإلى جانب هذا فهناك لغات توصف كل منها بأنها لغة جماعة Group langugae ويقتصر استخدامها على مجموعة حضارية أو اثنية داخل الدولة، فالمهرية في منطقة من اليمن الجنوبية وعند المهاجرين منهم إلى الكويت هي لغة مجموعة اثنية Ethnic Language وهذا كذلك شأن النوبية في مصر. والكردية في العراق والبربرية في المغرب. وتعد معرفة لغة المجموعة الحضارية أو الاثنية في أكثر الأحوال معيارًا لبيان انتماء الفرد لهذه المجموعة. ويؤدي ارتباط اللغة بمجموعة بشرية بعينها إلى عدم استخدامها عند غير أبنائها للأغراض العامة خصوصًا إذا كانت جماعة أبناء هذه اللغة منفصلة عن باقي أبناء البلاد بحواجز جغرافية أو حضارية أو دينية أو طبقية. وفي أكثر هذه الحالات يتعامل أبناء هذه اللغة مع الآخرين بلغة أخرى تصبح بمثابة لغتهم الثانية1.   1 حول هذه المصطلحات، انظر: M. Pei. Colssary of Linguistic Terminology New York 1966 = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 لغات التعامل واللغات الدولية : وإذا كان التعاون بين البشر ضرورة اجتماعية وحضارية فإن التعامل بين الأفراد المنتمين إلى جماعات لغوية مختلفة يشكل في أكثر الأحوال صعوبة كبيرة. ويطلق على اللغة التي تتعامل بها جماعات تختلف لغاتها الأم اسم لغة التعامل1 Lingua franca وهناك عدة لغات تعامل في العالم الحديث. ومن أمثلة لغات التعامل استخدام العربية بين القبائل غير العربية في السودان وإريتريا.   = وقارن أيضا المصطلحات التالية: اللغة القديمة Classical Language اللغة الراقية " المشتركة " Standard Language لغة " أصحاب" المكانة Prestige Language لغة التأليف "والأدب" Mother Language اللغة الأم "= الأولى" other tongue = frist language = native language لغة الثانية second language العامية vernacular = colloquial لهجة محلية dialact لغة طبقة "في مجتمع" class language لهجة فئة اجتماعية argot العامية الهجين "غير مقننة" pidgin اللغة الهجين "مقننة" creole لغة منطقة "في دولة" area language 1 يرجع تاريخ المصطلح الأوربي Lingua franca إلى عصر الحروب الصليبية، عندما كان الصليبيون يتعاملون مع بعضهم البعض بلغة تختلف عن لغاتهم ولهجاتهم المختلفة في جنوب ووسط أوربا. فقد جاءوا من مناطق تتحدث الآن بالألمانية والإيطالية والفرنسية والإسبانية والإنجليزية إلخ. ولم يكن كل هؤلاء يستطيعون التعامل باللاتينية، فاستخدمت هذه الجماعات لغة مطورة عن لغة البروفنسال التي كانت آنذاك على طول الساحل الجنوبي لأوربا من مرسيليا إلى جنوا، وأطلقوا على هذه اللغة اسم Lingua franca ومعناها الحرفي لغة الفرنجة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 واستخدام الإنجليزية بين أبناء اللغات المختلفة في الهند1 وأكثر لغات التعامل لغات طبيعية Natural Languages أي لغات تطورت ونمت نموًّا طبيعيًّا، ولكن بعض الأفراد حاولوا وضع لغات أخرى توخوا فيها البساطة ويطلق عليها اللغات المصطنعة Artificial Language أو اللغات المساعدة auxiliary Language مثل الإسبرانتو. ولكن هذه اللغات المصطنعة ليست سهلة لجميع أبناء اللغات بنفس الدرجة، الإسبرانتو مثلا أكثر عناصرها تتشابه مع الإيطالية والإسبانية وباقي هذه العناصر أوربية ولذا فاكتساب الأوربيين عموما للإسبرانتو أسهل من اكتساب غيرهم لها. إن العالم المعاصر به أكثر من ثلاثة آلاف لغة، ولكن أكثر هذه اللغات يقتصر استخدامها على أعداد محدودة من البشر. وهناك إحدى عشرة لغة من هذه اللغات يتحدث بها أكثر من خمسين مليونًا وهي: الصينية والإنجليزية والهندية، الأردية، والإسبانية، والروسية، والعربية، والبرتغالية، واليابانية، والبنغالية، والألمانية، والفرنسية ولكن ليست كل هذه اللغات مما يمكن وصفها بأنها من اللغات الدولية International Language فاللغة الدولية لا تتحدد مكانتها بانتشارها وعدد أبنائها فحسب، بل تتحدد مكانتها بأهميتها الحضارية وإقبال غير أبنائها على تعلمها والتعامل بها2 فاللغة لاتعيش إلا في جماعة لغوية، ولا ترقى إلا بالإنسان.   1حول تعريف أنماط لغات التعامل المعاصر، انظر: The use of vernacular languages in education, UNESCO, paris 1953, P. 46. w.j. Samarin, Lingua francis in: F.A. Rice, Study of the Role of Second Languages, Washington D.C. 1962 p. 54-64. 2 حول قضية اللغات الدولية، انظر: محمود فهمي حجازي: اللغة العربية بين اللغات الدولية المعاصرة، مجلة كلية الآداب والتربية بجامعة الكويت، العدد الأول 1972 ص 27-54 ويمكن الحصول على الأعداد الخاصة بأبناء كل لغة من اللغات المعاصرة بالاستعانة بما تنشره الأمم المتحدة سنويًّا في: Demographic Year book "= الكتاب السنوي الديمجرافي" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 مستويات الاستخدام اللغوي : النظام الرمزي الصوتي لا يصبح لغة إلا إذا استخدم للتعامل في بيئة إنسانية، ولذا فالبحث اللغوي يتناول البنية اللغوية ويربطها بالعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السائدة في هذه البيئة اللغوية. فطبيعة اللغة ووظيفتها شيئان مترابطان، فلو حاولنا أن نكتب اليوم عن الحياة اللغوية في العالم العربي الحديث فإننا نجد عددا من مستويات الاستخدام اللغوي تستخدم اللغة الفصحى في التأليف الأدبي والثقافي وفي كثير من برامج الإذاعة وتستخدم في المحاضرات العامة إلى حد كبير، ولكنها لا تكاد تستخدم في الحديث بين المثقفين، أما اللهجات المحلية فيدور بها الحديث اليومي في أمور الحياة. وليس من الصحيح أن نقول بوجود مستويين اثنين هما الفصحى والعامية، فبين هذه وتلك عدة مستويات لغوية وللنظر في حديث المثقفين العرب حيث تتخذ عناصر كثيرة من الفصحى مكانها إلى جانب عناصر أخرى من اللهجات المحلية، نجد المصطلحات العلمية فصيحة وصيغ الأفعال عامية والضمائر عامية، ففي عامية المثقفين هذه تستقر عناصر من الفصحى وأخرى من العامية. ولا يجوز أن نعمم هذا التقسيم، فكل مجتمع يعرف علاقاته اللغوية الخاصة ففي المجتمعات الأوربية المثقفة يدور الحديث باللغة الأدبية الفصحى، ويحاول كل مثقف في حديثه أن يجرد نفسه المثقف بقدر الإمكان عن التأثير باللون المحلي أو اللهجة الإقليمية، ويحاول الشباب المثقف في وسط أوربا استخدام الفصحى بقدر الإمكان، حتى إن الكثير من مثقفى المدن لم يعد يستخدم اللهجة المحلية على الاطلاق واقتصر استخدام اللهجات على التعامل المحلي بين أبناء القرية الواحدة أو القرى المتجاورة وهو استخدام متناقص مع الزمن. فمجالات استخدام اللغة الفصحة في البيئات الأوروبية المثقفة وبيئات المدن عموما أكثر من مجالات استخدام العربية الفصحى في العالم العربي. وتبدو هذه الحقيقة من مقارنة الاستخدام اللغوي في المدارس والمعاهد العلمية هنا وهناك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 كما تبدو هذه الحقيقة واضحة بمقارنة الاستخدام اللغوي بين المثقفين الأوربيين والمثقفين العرب. ويلاحظ في بعض المجتمعات ارتباط لغة بعينها بجماعة بشرية محددة، ففي واحة سيوة الواقعة في صحراء مصر الغربية يتحدث الرجال اللغة العربية بجانب استخدام اللغة السيوية وهي لغة مستقلة تختلف عن العربية، وأما النساء فلا يتحدثن إلا باللغة السيوية ولا يستطعن التعامل بالعربية. وشبيه بهذا ما نجده في المناطق النوبية في مصر أو البربرية في المغرب العربي والمهرية في شرق اليمن الجنوبية. وارتباط لغة بعينها بالرجال دون النساء يرجع إلى طبيعة العلاقات الاجتماعية. فمجتمع النساء في هذه البيئات منفصل تمامًا عن التعامل الخارجي ولذا لم تدخله العربية لغة التعامل الخارجي ولغة التعليم والثقافة. ففي هذه المجتمعات يسود ازدواج لغوي والمقصود بهذا استخدام لغتين في بيئة واحدة. ونجد الازدواج اللغوي في الجزر اللغوية غير العربية في شمال العراق مثلا، فهناك عدة جزر لغوية آرامية في عدد من القرى الجبلية، وتستخدم العربية في هذه الجزر اللغوية بدرجة اتصال أبناء هذه المناطق بالجماعة اللغوية العربية وبدرجة انتشار التعليم بينهم, وفي مثل هذه الحالات ينبغي على الباحث أن يحدد مجالات استخدام كلتا اللغتين فإحداهما تستخدم في الحياة المنزلية والأخرى وسيلة التعامل الثقافي، ومن النادر أن نجد اللغتين تستخدمان في البيئة اللغوية الواحدة في كل المجالات، بل هناك ضرب من تقسيم مجالات الاستخدام. وتصدق هذه الملاحظة على الجزر اللغوية في أوربا وعلى المناطق التي تتعامل بلغتين في نفس الوقت، ففي دولة لوكسمبورج يسود ازدواج لغوي، تستخدم اللوكسمبورجية وهي لهجة ألمانية في الحياة اليومية، أما الثفافة والتعليم والتعامل مع الدوائر الرسمية فيتم باللغة الفرنسية، فلكل لغة منهما وظيفة محددة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 مستويات الاستخدام اللغوي والقوانين الصوتية : لا بد إذن في دراسة الحياة اللغوية من تحديد مستويات الاستخدام اللغوي وليس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 هناك تقسيم مسبق لهذه المستويات. ولكن تحديد هذه المستويات اللغوية والتعرف على خصائصها ومجالات استخدام كل منها شرط أساسي لبحث العلاقات المتبادلة بين المستويات اللغوية المختلفة. لقد ثبت من أبحاث اللغوين الأوربيين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أن القوانين الصوتية مطردة لا تعرف الشذوذ، ومعنى هذا أن التغير الصوتي يحدث في كل ألفاظ المستوى اللغوي. فإذا لاحظنا مثلا أن القاف الفصحى قد اختفت من لهجة القاهرة وحلت محلها الهمزة، فهذا قانون صوتي مطرد لا يعرف الشذوذ أو الاستثناء. ولكن رغم هذا نجد عدة كلمات تستخدم اليوم عند أبناء لهجة القاهرة وتحتفظ بالقاف مثل كلمتي القاهرة والقرآن. وهنا يتضح لنا السبب في احتفاظ الكلمتين بالقاف في ضوء التمييز بين مستويين لغويين اثنين، فكلمة القرآن لم تستخدم إلا على المستوى الثقافي فظلت تنطق بالقاف، ولذا لم يطبق عليها قانون تحول القاف إلى همزة. وكان مستخدم اللهجة المحلية يستعيض عن كلمة القرآن بكلمة مصحف أو ربعة، وعندما استعيرت كلمة القرآن من المستوى الثقافي إلى العامية احتفظت بصورتها القديمة ولم تتأثر بالقانون الصوتي الذي كان قد حول كل قاف إلى همزة. فالكلمة إذن مستعارة من الفصحى أو بالأحرى من المستوى الفصيح في الاستخدام اللغوي، وأما كلمة القاهرة فلم يكن استخدامها جاريًا في العامية لأن كلمة مصر حلت محلها في الاستخدام العامي. ولذا ظلت كلمة القاهرة على المستوى الفصيح فاحتفظت بصورتها الصوتية الفصيحة. وتصدق قضية التمييز بين المستويات اللغوية المختلفة في كل البيئات اللغوية، ففي الكويت ومناطق الخليج العربي التي تستخدم الياء في مقابل صوت الجيم الفصحى نجد كلمات تنطق بالجيم، وليس في هذا ما ينقض كون القوانين الصوتية مطردة، فالقانون الصوتي الخاص بتحول الجيم الفصحية إلى ياء في هذه اللهجات خاص بمستوى الألفاظ الأساسية، وليست له علاقة بالألفاظ الهابطة من الفصحى إلى هذه اللهجات. لقد تحولت الجيم الفصحى إلى ياء في كل الألفاظ الأساسية في اللهجة، مثال ذلك الكلمات: جاء يا، واجد وايد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 "بمعنى كثير". ولكن الألفاظ الهابطة من الفصحى في مرحلة تاريخية حديثة احتفظت بالجيم الفصيحة نجد هذا في كلمات مثل: جمعية، جامعة. يؤدي وجود ألفاظ من مستويين اثنين في البيئة اللغوية الواحدة إلى وجود أمثلة لانقسام الكلمة الواحدة إلى كلمتين بدلالتين مختلفتين، فكلمة "يامعة" في اللهجة الكويتية تعني التعويذة أو الحجاب، وكلمة "جامعة" تستخدم بمعناها الفصيح ولا شك أن استخدام الكلمة الأولى في تناقص والثانية في ازدياد بسبب التحول الثقافي في المنطقة، ولكن وجود إحداهما الآن بالياء والأخرى بالجيم يوضح انتماءهما إلى مستويين لغويين اثنين، وهكذا تطرد القوانين الصوتية، وكل اختلاف عنها يفسر بمعايير منها تحديد مستوى الاستخدام اللغوي، وهذا يعني أن البنية اللغوية لا يمكن أن تدرس أو تفسر تاريخيًّا إلا في ضوء استخدامها في المجتمع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 اللغة والكلام : اللغة ظاهرة اجتماعية ولكن استخدامها الحقيقي لا يتم إلا بين الفرد والآخرين. وقد اهتم علم اللغة ببيان العلاقة بين اللغة باعتبارها ظاهرة اجتماعية واستخدام الأفراد لهذه اللغة. ويفرق الباحثون في القرن العشرين بين اللغة من جانب والكلام من الجانب الآخر1 والفرق بينهما على النحو التالي: اللغة نظام من الرموز الصوتية المتفق عليه في البيئة اللغوية الواحدة، وهي حصيلة الاستخدام المتكرر لهذه الرموز الصوتية التي تؤدي المعاني المختلفة. أما الكلام فهو الكيفية الفردية للاستخدام اللغوي، ويختلف استخدام كلمتي اللغة والكلام في الكتب اللغوية عن الاستخدام الشائع للكلمتين، فكثيرًا ما نستخدم في كلامنا اليومي كلمة لغة للتعبير عن الكلام، نقول لغته جيدة أو لغته رديئة   1يرجع التمييز بين Language بمعنى القدرة اللغوية عند الإنسان و langue بمعنى اللغة و parole بمعنى الكلام إلى اللغوي السويسري دي سوسير انظر: F. de Saussure, Courso de linguistiqe general p. 28-39 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 والمقصود بهذا الاستخدام الفردي للغة، ولكن المعنى الاصطلاحي لكلمة لغة يجعلها عبارة عن مجموعة الإمكانات التعبيرية في البيئة اللغوية الواحدة، أما الكلام فهو كيفية اختيار الفرد لعناصر بعينها من هذه الإمكانات التعبيرية الكثيرة، وتتضح هذه القضية في التراكيب والمفردات بصفة خاصة، فلا يوجد فرد يستخدم كل التراكيب المتاحة في لغته. وليس هناك فرد يستخدم كل مفردات لغته مهما أوتي من الفصاحة واللسن والتمكن اللغوي، فكل فرد يستخدم جزءا من الإمكانات التعبيرية المتاحة في البيئة اللغوية، ويعبر بهذا الجزء عن حاجاته اليومية أولا ثم عن حرفته -وما أكثر الحرف- ومجالات اهتمامه وفكره وثقافته. والتمييز بين اللغة والكلام ضروري في دراسة قضية التغير اللغوي، والتغير اللغوي شبيه بالتغير في العادات والتقاليد والأزياء. وهذا معناه أن التغير اللغوي يبدأ عند فرد ما، أي على مستوى الكلام، فإذا وجد هذا التجديد قبولا من المجتمع أصبح بمضي الوقت عرفًا لغويًّا سائدًا. يهتم علم اللغة بالتغير اللغوي على المستوى الاجتماعي، ويرجع التغير اللغوي دائما إلى تجديد فردي يقبله المجتمع، أما التجديد الذي يرفضه المجتمع فيبقى خارج مجال علم اللغة؛ لأن علم اللغة يبحث اللغة باعتبارها ظاهرة اجتماعية. وليس كل تغير لغوي عند فرد ما أو مجموعة أفراد يقبل اجتماعيًّا، فإلى جانب تغيرات بدأت على مستوى الفرد ثم أصبحت على مستوى البيئة اللغوية كلها، هناك تجديدات فردية ظلت مرتبطة بمجموعة أفراد ولم تقبل اجتماعيًّا. وقد لوحظ مثلا أن نطق الراء في الفرنسية الباريسية بدأ هكذا منذ قرن عند أحد المرموقين في الدولة، ثم قلده رجال البلاط وتلاهم عدد من أبناء الطبقات المترفة، وأصبح هذا النطق هو العرف اللغوي السائد. وعلى العكس من هذا نجد أن اتجاه نطق أصوات الإطباق العربية دون الإطباق لم ينجح. فمنذ سنوات أخذت بعض الطالبات في جامعات مصر في نطق الطاء والقاف والضاد والصاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 دون القدر الضروري من الإطباق. فكادت الطاء تنطق تاء والقاف كافًا والضاد دالا. ولكن هذا الاتجاه ظل عدة سنوات محدود الانتشار مقصورًا على مجموعة أفراد ولم يقبل اجتماعيًّا.. لم يؤد إلى تغير في نطق هذه الأصوات العربية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 3- المؤثرات العامة في الحياة اللغوية : يتأثر انتشار الصيغ اللغوية والتراكيب بعوامل كثيرة، أهمها في العالم المعاصر العامل الحضاري. فإذا كانت مكانة أية لغة من اللغات الكبرى المعاصرة تتحدد في المقام الأول بما تحمله من تراث حضاري وما تقدمه من نتاج حضاري حديث فإن للعلماء والمثقفين ووسائل الإعلام أثرًا كبيرًا في البيئة اللغوية. وفي المجال الصوتي تعد الإذاعة من العوامل الحاسمة، فالنطق الذي يرتضيه مذيعو الإذاعة يؤثر في آلاف المستمعين، ولذا تهتم دول كثيرة في العالم المعاصر بكيفية نطق المذيعين وتدربهم تدريبًا صوتيًّا دقيقًا. ويؤثر المحاضرون في الجامعات في الحياة اللغوية من ناحية المصطلحات، فهم يدخلون بصفة مطردة مصطلحات علمية جديدة للتعبير عن المعاني الجديدة أو العلوم الحديثة. فتستخدم هذه المصطلحات عند طلابهم وقرائهم ثم في دوائر أوسع إلى أن تستقر في العرف اللغوي. وبذلك تصبح من المشاع اللغوي العام. فإن اختلف واضعو الاصطلاحات وتعددت معهم اصطلاحاتهم للشيء الواحد حدث ارتباك في استخدام المصطلحات وربما تعذر التفاهم. ويؤثر كبار الكتاب والأدباء في الحياة اللغوية من ناحية التراكيب بصفة خاصة، ولكن أي نطق جديد أو اصطلاح جديد أو تركيب أسلوبي جديد- يظل ظاهرة فردية إلى أن يقبل اجتماعيًّا ويصبح من العرف اللغوي. وكثير مما يستحدث في الإذاعة ووسائل الإعلام وفي الجامعات وعند كبار الأدباء يقبل اجتماعيًّا، ولذا تعد هذه الدوائر الحاكمة لغويًّا أهم ما يؤثر في الحياة اللغوية المعاصرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وقد تأثرت اللغات على مدى التاريخ وما زالت تتأثر بعوامل أخرى غير العامل الحضاري المذكور. فالعامل الديني أبقى اللغة العربية مقروءة أكثر من عشرين قرنًا، فكان اليهود يتعلمون قدرًا من العبرية لأنها لغة العهد القديم، وهو كتاب اليهود المقدس. والتقاء العرب حول الفصحى وعدم نجاح الدعوى إلى الكتابة بالعامية يرجع إلى عوامل منها الالتقاء حول لغة القرآن الكريم، وقد مهد العامل الديني لدخول عدد كبير من الألفاظ العربية المتعلقة بالدين والحضارة إلى لغات العالم الإسلامي في إفريقيا وآسيا وجنوب أوربا، ففي اللغات السواحلية والتركية والفلبينية وأيضا في اللغة الصربوكرواسية نجد المسلمين يستخدمون الألفاظ الخاصة بالعبادات وبالسلوك اليومي مستعارة من اللغة العربية. وارتباط الخط العربي بالدين الإسلامي جعل المتحدثين بالحبشية في هرر، وكلهم من المسلمين يكتبون الحبشية بالخط العربي، وقد دخلت في الهررية ألفاظ عربية كثيرة وكأنهم أرادوا بذلك أن يثبتوا ارتباطهم بالعالم الإسلامي وتميزهم عن الأحباش المسيحيين حولهم. والعامل السياسي ذو أثر كبير في حياة اللغات، وقد ظهرت اللغات الرومانية المختلفة من فرنسية وإسبانية وإيطالية ورومانية في فترة واحدة كانت الوحدة السياسية لهذه المناطق قد تمزقت نهائيًّا، وكان الوعي القومي آخذًا في الظهور. وقد أدى النفوذ الاستعماري في الهند إلى انتشار اللغة الإنجليزية حتى أصبحت أكثر اللغات استخدامًا في الهند، وقد حدد تقسيم القارة الإفريقية إلى مناطق للنفوذ الاستعماري مسار انتشار لغات المستعمرين فيها، فالدول التي أعلنت الفرنسية لغة رسمية فيها أو التي تتعامل في المجالات الثفافية والسياسية والتجارية بالفرنسية قد احتفظت بذلك باللغة التي دخلت هذه المناطق مع الاستعمار، وهناك دول إفريقية كثيرة تتعامل في هذه المجالات بالفرنسية وأخرى تتعامل بالإنجليزية. وعندما تقسم الدول الإفريقية إلى الدول الناطقة بالفرنسية والدول الناطقة بالإنجليزية، ففي هذا -رغم الاستقلال- أثر للسيطرة الاستعمارية الفرنسية والإنجليزية واليوم يتعلم التلاميذ في أوزبكستان "التركستان سابقًا" اللغة الروسية لأن أوزبكستان تابعة للاتحاد السوفيتي وهكذا يؤثر العامل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 السياسي في الحياة اللغوية، ولكنه تأثير يتفاوت طبقًا لطبيعة العلاقات السائدة في البيئة اللغوية. أما العامل الاجتماعي فهو من أهم العوامل في حياة اللغات، فانتقال مجموعة بشرية معينة من مكان لآخر واختلاط المجموعة الوافدة مع السكان الأصليين كفيل بخلق علاقات لغوية جديدة. ومن المعروف أن هجرة القبائل العربية عقب الفتح الإسلامي وفي القرون التالية للشام والعراق ومصر والمغرب كانت من أهم العوامل في انتشار اللغة العربية، وبذلك لم تعد اللغة العربية لغة شمال الجزيرة العربية فحسب بل أصبحت بمضي الوقت لغة الحديث والعلم والأدب في الدول الإسلامية الكبرى، وفوق هذا فالطبقة العليا في المجتمع الواحد ذي الطباقات المتعددة تؤثر تأثيرًا حاسمًا في الاستخدام اللغوي لدى الطبقات الأخرى، ومحاكاة الطبقة العليا أو الفئة الحاكمة أمر معروف في دول العالم المختلفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 الفصل الثاني: علم اللغة الحديث مدخل ... الفصل الثاني: علم اللغة الحديث علم اللغة في أبسط تعريفاته هو دراسة اللغة على نحو علمي. وتدرس اللغة في إطار علم اللغة في المجالات الآتية: أ- الأصواتphonetics, Phonology ب- بناء الكلمة "الصرف" Morphology, Morphematics ج_ بناء الجملة "النحو" Syntax د- المفردات ودلالتها Semantics الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 1- علم اللغة وعلم النصوص القديمة : ويختلف علم اللغة1 Linguistics بمفهومه الحديث عن علم النصوص،   1يرجع مصطلح Linguistics والمصطلحات الأوربية المقابلة مثل Linguistique في الفرنسية، Linguistica في الإيطالية إلى الكلمة اللاتينية Lingua بمعنى "اللسان". أو "اللغة" وقد بدأ استخدام الكلمة في اللغات الأوربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وتحدد معناها بتقدم علم اللغة في القرن العشرين، وكان يقابلها في اللغة الألمانية إلى عهد قريب كلمة Sprachwissenschaft ولكن الجيل الجديد من الباحثين الألمان يفضلون التسمية الأوربية العامة Linguistik انظر: K-D bunting Einfuhrung in die linguistik. Frankfurt 1971 S. 13 Das Fischer Lexikon Sprachen. Frankfurt 1961 s. 7 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 وكثيرًا ما يحدث خلط بين مجالي العلمين، فعلم النصوص هو ما يطلق عليه في اللغات الأوربية اسم Philoligy، وقد تحدد مجال علم الفيلولوجي1 بمعناه الدقيق بتحقيق المخطوطات وإعدادها للنشر العلمي وفك رموز الكتابات القديمة وكل ما يتعلق بتقديم النصوص والنقوش القديمة على نحو يمكن من القيام بأبحاث متخصصة فيها، ولا شك أن تحقيق النصوص وفك الرموز ونشر النقوش أعمال علمية جليلة تقوم على دراسات تاريخية أو لغوية أو أدبية إلخ. ولكن هذا العمل الفيلولوجي يخرج عن ميدان اللغة، ويعتبر علم الفيلولوجي بهذا المعنى أساسًا لعلم اللغة ولغيره من العلوم التي تقوم على النصوص. ارتبط البحث اللغوي الحديث في طور نشأته في القرن التاسع عشر بالبحث في النصوص والنقوش القديمة. لقد كانت المدرسة المقارنة في علم اللغة تهدف إلى التعرف على العلاقات التي تربط كل لغة من لغات الأسرة اللغوية الواحدة بالمراحل الأقدم، بل حاولوا التعرف على ملامح اللغة الهندية الأوربية الأم التي يفترض الباحثون في أن اللغات الهندية الأوربية المختلفة قد انحدرت منها. وحاول الباحثون في اللغات السامية أيضا إيضاح العلاقات التي تربط كل لغة من اللغات السامية باللغة السامية الأم التي افترض العلماء وجودها قبل اللغات السامية المعروفة. وأدى هذا الهدف التاريخي إلى الاهتمام بالنصوص القديمة وإلى النظر في المراحل التاريخية التالية باعتبارها انعكاسًا للماضي وامتدادًا له، ومن ثم فقد   1 يرجع اشتقاق هذه الكلمة إلى كلمتين يونانيتين Philos, وتعني "حب" و Logos وتعني "كلمة" أو "دراسة" وقد استخدمت الكلمة في الإنجليزية ابتداء من القرن الرابع عشر بمعنى دراسة التراث القديم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 شغل علماء كثيرون بالبحث في النقوش والنصوص القديمة1 لقد اكتشفت اللغة الأكادية وبدأت دراستها في القرن التاسع عشر، وفي نفس الفترة اكتشفت العربية الجنوبية القديمة وكان التعرف على هاتين اللغتين قائمًا على مقارنة الصيغ الواردة في نقوشهما بما هو معروف في اللغات السامية الأخرى، وخصوصًا العربية والعبرية والآرامية والحبشية. وعندما اكتشفت النقوش العربية الشمالية القديمة وهي المعروفة باسم النقوش الثمودية والصفوية واللحيانية في أواخر القرن الماضي وأوائل القرن العشرين كان نشر هذه النقوش وفهم نصوصها يقوم أيضًا على أساس المقارنة مع اللغات السامية الأخرى. ولكن تنوع جوانب البحث اللغوي في القرن العشرين فرض التخصص على من يريد المشاركة في البحث العلمي. وهنا أصبح نشر النصوص والنقوش القديمة علما مستقلا عن علم اللغة، فعلم اللغة بمفهومه الحديث يختلف عن علم النصوص القديمة PhiLology ولم يكن التمييز بينهما واضحًا في القرن التاسع عشر لارتباط البحث اللغوي بالنصوص القديمة، وكان الباحثون الألمان يميزون منذ القرن التاسع عشر بين العمل الفيلولوجي Phiology وعلم اللغة 2Sprachwissenschaft وقد أخذ غيرهم من الباحثين يميل إلى تمييز   1 عندما أخذ الباحثون في القرن التاسع عشر يقارنون اللغات الهندية الأوربية بهدف التوصل إلى أصولها القديمة كان عليهم أن يتوسلوا ببحث لغة النصوص القديمة فأطلق الباحثون الإنجليز والفرنسيون على هذه المقارنات Comparative philologie compatative, philology 2 قامت المدرسة الفيلولوجية الألمانية في القرن التاسع عشر بفضل جهود K. Lachmann الذي استطاع أن يطور منهجًا واضحًا في التحقيق، فارتبطت كلمة Philolgie في الألمانية بتحقيق النصوص القديمة ونشرها، انظر: F. Schanbel, Deutsche Geschichte im neunzehten jahrhundert "Herder-Bucherei Band 207 - 1965 s. 99-102 أما دراسة الخصائص اللغوية من الجوانب الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية فقد أطلقوا عليها منذ القرن التاسع عشر Sprachwissenschaft أي علم اللغة انظر المرجع السابق ص 103-105 ومادتي philologie وSprachwissenschaft. في موسوعة Der grosse Brockhaus 1956. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 المجالين وعدم خلطهما تحت اسم واحد1 وقد تحدد مجال علم النصوص القديمة الفيلولوجي بمعناه الدقيق بتحقيق المخطوطات وإعدادها للنشر العلمي وفك رموز الكتابات القديمة وإعدادها للنشر العلمي أيضا. فكل ما يتعلق بتقديم النصوص والنقوش القديمة على نحو يمكن من القيام بأبحاث متخصصة فيها يعد من علم الفيلولوجي، ولا شك أن تحقيق النصوص والنقوش ونشرها أعمال علمية جليلة وهي الأساس الذي تقوم عليه دراسة هذه النصوص والنقوش من الجوانب التاريخية أو اللغوية أو الاجتماعية المختلفة. ويعتبر العمل الفيلولوجي بذلك أساسًا لعلم اللغة ولغيره من العلوم التي تعنى بتفسير النصوص وتحليل مادتها. فتحقيق ديوان من الدواوين المخطوطة يعتبر عملا فيلولوجيا يفيد البحث في اللغة كما يفيد البحث في الأدب ولكنه لا يدخل في مجال علم اللغة. فالدراسة اللغوية للديوان تعني دراسة النص من جوانبه الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية أي من الجوانب التي تعارف العلماء على جعلها مجال البحث في علم اللغة.   1 ذكرت دائرة المعارف البريطانية ط1970 مادة Linguistics أن هذا المصطلح واضح الدلالة على عكس مصطلح Philology الذي يمكن أن يدل إلى جانب دراسة اللغة على بحث التراث Literature ونقد النصوص texual criticism والفن Art والآثار Archaeology والدين Religion. انظر حول الاستخدام الأمريكي للكلمة I.B. Carrool, the study of Language, Harvard Un. Press 1960 P. 3 65-66 وفيه يجعل كارول علم الفيلولوجي في مركز وسط بين علم اللغة من جانب والدراسات الأدبية والإنسانية من الجانب الآخر. كما أنه يعتبر دراسة التاريخ الحضاري للغة وإعداد المعاجم بالإضافة إلى تحقيق النصوص ودراسة الفولكلور والميثولوجيا من مجالات علم الفيلولوجي، ويحاول بعد هذا تقسيم العمل الفيلولوجي إلى مجالين هما: Linguistic Philology ويعنى بإعداد المعاجم و Literary Philology وموضوعه تحقيق النصوص وتفسيرها ونقد المؤلفات الأدبية اعتمادًا على دراسة لغتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 2- علم اللغة المقارن Comparative Linguistics: وموضوع علم اللغة المقارن دراسة الظواهر الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية في اللغات المنتمية إلى أسرة لغوية واحدة أو فرع من أفرع الأسرة اللغوية الواحدة1 ولذا يقوم المنهج المقارن في علم اللغة على أساس تصنيف اللغات إلى أسرات، ويقسم اللغويون منذ القرن التاسع عشر اللغات المختلفة إلى مجموعات أو أسرات. فهناك أسرة اللغات الهندية الأوربية التي تضم أكثر لغات المنطقة الممتدة من الهند إلى أوربا، وتضم بذلك عددًا كبيرًا من اللغات التي عرفتها وتعرفها الهند وإيران والقارة الأوربية2. وعرف العلماء الأوربيون في القرن التاسع عشر أيضا أن العربية تنتمي إلى أسرة اللغات السامية التي تضم أيضا اللغات العبرية والآرامية والأكادية والحبشية3 وقد تمكن العلماء من تقسيم   1 حول تاريخ المنهج المقارن، انظر: R.H robin A short hitory of linguistics "london 1967" pp. 164-197 B.E vidos, handbuch der romanischen sprachwissenschaft munchen 1968 s. 37-56 2 حول قصة اكتشاف اللغة السنسكريتية ونشوء البحث المقارن في اللغات الهندية الأروبية: s. potter, language in the modern world "pelican books A pp. 11-20, 90-110, 144-162 470,1968 3 حول تاريخ الدراسات السامية وبحث العلاقات التاريخية بين اللغات السامية. انظر الفصل الذي كتبه يوهان فك: J. juck, geschichte der semitischen sprachwissenschaft s. 31-39 ضمن كتاب: Handbuch der orientalistik, band III abschnitt II ed. b. spuler, leiden 1954 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 اللغات المختلفة إلى أسرات أو فصائل بمقارنة هذه اللغات واكتشاف أوجه التشابه بينها من الجوانب الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية. ووجود جوانب شبه أساسية بين عدد من اللغات معناه أنها انحدرت من أصل واحد مشترك أي من اللغة الأولى التي خرجت عنها هذه اللغات على مر التاريخ. وجد العلماء ظواهر مشتركة في اللغات المنتشرة على مدى القرون بين إيران والهند وأوربا. فعدوا هذه اللغات أسرة لغوية واحدة خرجت لغاتها عن لغة قديمة مفترضة أطلق عليها العلماء اسم اللغة الهندية الأوربية الأو Indoeuropean - Proto. ووجد العلماء اللغات العربية والعبرية والفينيقية والآكادية والحبشية تحمل بعض الخصائص الأساسية المشتركة فاستنتج العلماء أنها لغات تشكل أسرة لغوية واحدة وأنها انحدرت من أصل واحد أطلقوا عليه: اللغة السامية الأولى1 Proto-semitic أو Ursemitisch. ومقارنة اللغات المختلفة المنتمية إلى أسرة لغوية واحدة موضوع البحث في علم اللغة المقارن. فعلم اللغات السامية المقارن يقارن اللغات الآكادية والأجريتية والعبرية والفينيقية والآرامية والعربية الجنوبية والعبرية الشمالية والحبشية، لأن هذه اللغات تكون أسرة لغوية واحدة. وعلم اللغات الهندية الأوربية المقارن يبحث اللغات المختلفة التي تدخل في إطار هذه الأسرة اللغوية. وتضم أسرة اللغات الهندية الأوربية عددًا من الفروع اللغوية أهمها الفرع الجرماني والفرع الروماني والفرع السلافي والفرع الإيراني والفرع الهندي. وقد أدت كثرة لغات هذه الأسرة إلى اهتمام بعض العلماء بالمقارنات اللغوية في إطار فرع واحد من أفرعها الكثيرة. فعلم اللغات الجرمانية المقارن يقوم ببحث اللغات: الألمانية والإنجليزية والنوردية القديمة والدانماركية وغير ذلك من اللغات واللهجات التي تدخل في هذا الفرع، وعلم اللغات الرومانية المقارن يبحث: اللغة اللاتينية واللغات واللهجات التي خرجت   1 يرجع الاصطلاحي الألماني Ursemitisch الذي دخل اللغات الأوربية الأخرى ‘RESEMITIC إلى عنصرين: الأول UR وتعني أول أو قديم أو أصلي، والثاني نسبة إلى Sem أي سام، بن نوح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 عنها ويطلق عليها اللغات واللهجات الرومانية وتضم اللغات الرومانية الحديثة: الفرنسية والإسبانية والإيطالية ولغة جمهورية رومانيا، إلى جانب عدد كبير من اللهجات. ومقارنة هذه اللغات باللغة اللاتينية وباللاتينية الشعبية هو مجال البحث في علم اللغات الرومانية المقارن، أما علم اللغات السلافية المقارن فيبحث اللغات: الروسية والبولندية والأكرانية والتشيكية والسلوفاكية والصربوكرواسية والبلغارية، فبيان العلاقات التاريخية بين اللغات التي تكون فرعًا لغويًّا واحدًا أو أسرة لغوية واحدة هو مجال البحث في علم اللغة المقارن1   1 لا يزال بعض اللغويين العرب من الجيل القديم يطلقون على: علم اللغة المقارن: فقه اللغة، انظر مثلا: السيد يعقوب بكر: دراسات في فقه اللغة العربية، بيروت 64، 70. ويضم هذا الكتاب دراسات في العربية في ضوء علم اللغات السامية المقارن. وقد التزم المؤلف أيضا بتسمية هذا التخصص philology وهي تسمية غامضة رغب عنها اللغويون المحدثون -حتى في إنجلترا أخيرا- إلى التسمية الواضحة Linguistics ولعل أقدم ملاحظة باللغة العربية حول عدم وضوح كلمة philology ما كتبه على عبد الواحد وافي: مدلول philolgie قد اختلف كثيرا باختلاف العصور المختلفة واختلاف الأمم ولا يزال العلماء يختلفون في فهمها وإطلاقها، علم اللغة ص 12. وما يقال عن هذه الكلمة يقال أيضا عن كلمة: فقه اللغة، من ناحية عدم وضوح المعنى، فقد ارتبطت بدلالة قديمة محدودة ودلت على دراسة الألفاظ ولذا يميل أكثر اللغويين العرب المحدثين إلى عدم استخدامها للدلالة على: "علم اللغة الحديث". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 3- علم اللغة الوصفي : Descriptive Linguistics يتناول علم اللغة الوصفي بالدراسة العلمية لغة واحدة أو لهجة واحدة في زمن بعينه ومكان بعينه. ومعنى هذا أن علم اللغة الوصفي يبحث المستوى اللغوي الواحد من جوانبه الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية. لقد ظل العلماء يبحثون اللغات في القرن التاسع عشر وأوائل العشرين بالمنهج المقارن، ولم يكن هناك تصور واضح لإمكان بحث اللغة الواحدة أو اللهجة الواحدة على نحو علمي دقيق. ولكن الباحث السويسري دي سوسير De Saussure أثبت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 بدراساته في نظرية اللغة ووظيفتها إمكان بحث اللغة الواحدة وصفيًّا أو تاريخيًّا1 وبذلك بدأ الباحثون في تطوير مناهج البحث لتحليل البنية اللغوية، وزاد اهتمام الباحثين بالمنهج الوصفي في الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية. وأصبح المنهج الوصفي المنهج السائد في السنوات العشر الماضية عند أكثر المشتغلين بعلم اللغة الحديث في كل أنحاء العالم. يهتم علم اللغة الوصفي بدراسة بنية أية لغة أو أية لهجة، فكل لغة وكل لهجة تتكون من أصوات لغوية، تنتظم في كلمات، وتتألف منها الجمل، لتعبر عن المعاني المختلفة. والفرق بين اللغة واللهجة فرق حضاري لا ينبع من البنية اللغوية، ولكنه يقوم على أساس مجالات الاستخدام، فالاستخدام في المجالين الثقافي والعلمي يجعل من المستوى اللغوي المستخدم لغة، وأما التعامل المحلي فيمكن أن يكون بهذه اللغة عند المثقفين في بعض الخدمات الراقية ولكنه يكون في أكثر الجماعات اللغوية في العالم باللهجة2 المحلية. ويمكن تطبيق   1كان اللغوي السويسري دي سوسير أول من أبرز إمكان بحث اللغة بالمنهج الوصفي، وكان الباحثون في القرن التاسع عشر لا يعرفون من مناهج البحث اللغوي إلا المنهج المقارن، وقد أطلق دي سوسير على علم اللغة الوصفي Lnguistique Synchronique وترجع كلمة Synchronique الفرنسية إلى Syn - في اليونانية تعنى: ما + chronos في اليونانية تعني زمن وتستخدم هذه الكلمة المركبة في اللغات الأوربية بمعنى متزامن أي في نفس الوقت وحول آراء دي سوسير في علم اللغة الوصفي انظر: F. de Saussure, Cours de Linguistique Generale Paris 1916 وقد ترجم الكتاب إلى الإنجليزية بعنوان: Course in General Lnguistice Now York 1959 وحول آراء دي سوسير، انظر: محمود فهمي حجازي: أصول البنيوية في علم اللغة والدراسات الإثنولوجية ص 156-161 في عالم الفكر المجلد الثالث /1 الكويت 1972 2 أكثر الدراسات الوصفية حول العربية ولهجاتها أعدت في الولايات المتحدة الأمريكية وقدمت لنيل درجة الدكتوراه. وأكثر هذه الرسائل تتناول اللهجات العربية الحديثة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 المنهج الوصفي في تحليل البنية اللغوية لأية لغة أو لهجة. فدراسة أبنية الأفعال في لهجة الكويت أو النظام الصوتي في لهجة عمان أو جملة الاستفهام في النثر العربي في القرن الرابع الهجري موضوعات تدخل في إطار علم اللغة الوصفي. وأية دراسة صوتية أو صرفية أو نحوية أو دلالية لإحدى اللهجات القديمة الوسيطة أو الحديثة تعد دراسة وصفية. وهناك مجالات كثيرة لبحث النقوش والنصوص العربية القديمة بالمنهج الوصفي. فدراسة الأبنية الصرفية التي وردت مستخدمة في مجموعة من النقوش أو في مجموعة من النصوص المنتمية إلى مستوى لغوي واحد تعد دراسة صرفية بالمنهج الوصفي. فدراسة أي جانب من جوانب بناء الجملة في مستوى لغوي واحد تعد دراسة نحوية بالمنهج الوصفي. وفضلا عن هذا فهناك مجال كبير لإعداد المعاجم الصغيرة التي تسجل الألفاظ الورادة أو المستخدمة في أحد مستويات الاستخدام اللغوي مثل إعداد معاجم يسجل كل منها الألفاظ الورادة في ديوان بعينه أو في لهجة واحدة، وكل هذه الجهود تتم بالمنهج الوصفي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 4- علم اللغة التاريخي Historical Linguistics: يبحث علم اللغة التاريخي تطور اللغة الواحدة عبر القرون. فتاريخ اللغة من جوانبها الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية يدخل في مجال علم اللغة التاريخي1.   1أطلق دي سوسير مصطلح Linguistique Diachronique على البحث اللغوي التارخي وترجع كلمة Diachronique إلى كلمة Dia- وتعني في اليونانية "عبر" وكلمة Chronos وتعني في اليونانية: زمن ومن أهم كتب المنهج المقارن: Hermann Paul, Prinzipene der Spracheschichte 1886 Tubingen 1960 وترجم الكتاب إلى اللغة الإنجليزية. وحول الدراسات الخاصة بتاريخ اللغة العربية، انظر Arabiyya في دائرة المعارف الإسلامية، الطبعة الإنجليزية الثانية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 ومعنى هذا أن دراسة تطور النظام الصوتي للعربية الفصحى هي دراسة صوتية تاريخية. وتطور الأبنية الصرفية ووسائل تكوين المفردات في العربية على مدى القرون مما يدخل في الدراسة الصرفية التاريخية وتطور الجملة الشرطية أو جملة الاستفهام في العربية الفصحى مما يدخل في الدراسات النحوية التاريخية والمعاجم التاريخية التي يسجل كل منها تاريخ حياة كل كلمة من كلمات اللغة من أقدم نص جاءت به متتبعًا تطور دلالتها على مر التاريخ - تعد أيضا من علم اللغة التاريخي. فالتاريخ الصوتي والصرفي والنحوي والمعجمي لأية لغة من اللغات يدخل في مجالات البحث اللغوي التاريخي، والنحو التاريخي والمعاجم التاريخية من الأركان الأساسية في علم اللغة التاريخي. ولا يتناول تاريخ اللغات تطورها البنيوي والمعجمي فحسب، بل يبحث أيضًا تطورها وحياتها في المجتمع، فقضية انتشار لغة من اللغات والظروف التي مهدت لذلك وأثر ذلك في بنية اللغة تعد من موضوعات علم اللغة التاريخي، وارتباط اللغة بوظيفتها أو بوظائفها المختلفة في الجماعة اللغوية يؤثر بالضرورة في حياة اللغة. فهناك فرق كبير بين أن تكون اللغة لغة جماعة محدودة، أو أن تكون اللغة الرسمية في دولة عظمى، أو أن تكون لغة حضارة دولية. ودراسة مستويات الاستخدام اللغوي المختلفة في حياة كل لغة وأثر ذلك في بنيتها وأهميتها الحضارية ومكانتها بين اللغات مما يدخل في إطار علم اللغة التاريخي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 5- علم اللغة التقابلي Contrastive Liguistics: يقوم تعليم اللغات في رأي الباحثين المعاصرين على عدة أسس من أهمها ما يطلق عليه علم اللغة التقابلي1 وموضوع البحث في علم اللغة التقابلي-   1 اهتمت الجامعات الأمريكية أول الأمر ثم الجامعات الأوربية بعد ذلك بالدراسات التقابلية بهدف تيسير تعليم اللغات لغير أبنائها، وتهتم مراكز بحوث تعليم اللغات وجمعيات اللغويين في عدة بلاد في العالم أهمها: اليابان وألمانيا، بالدراسات التقابلية وتشغل هذه الدراسات حيزًا كبيرًا في المؤتمرات الدولية لعلم اللغة التطبيقي International Conference of applied Linguistics والكتاب الوحيد المنشور في مقارنة لهجة عربية مع الفصحى هو بحث صالح الطعمة: Salih J. AItoma, The Problem of Diaglossia in Arabic, Harvard University Press 1969. ويقارن اللهجة العراقية باللغة الفصحى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 أحدث مناهج علم اللغة - هو المقابلة بين لغتين اثنتين أو لهجتين اثنتين أو لغة ولهجة أي من مستويين لغويين متعاصرين. ويهدف علم اللغة التقابلي إلى إثبات الفروق بين المستويين، ولذا فهو يعتمد أساسًا على علم اللغة الوصفي. فإذا كان المستويان اللغويان قد وصفا وصفًا دقيقًا بمنهج لغوي واحد أمكن بحثهما بعد ذلك بالمنهج التقابلي. وإثبات الفروق بين المستويين يوضح جوانب الصعوبة في تعليم اللغات، فإذا كان أحد أبناء اللغة الإنجليزية يود تعلم العربية فالصعوبات التي تواجهه ترجع في المقام الأول إلى اختلاف لغته الأم وهي الإنجليزية عن اللغة التي يريد تعلمها وهي العربية. فهناك فروق فردية تجعل بعض الأفراد قادرين على تعلم اللغات الأجنبية أسرع من غيرهم، ولكن علم اللغة التقابلي لا يهتم بهذه الفروق الفردية بل يهتم بالفروق الموضوعية. ولذا فهو يقابل مستويين لغويين اثنين بهدف بحث أوجه الاختلاف بينهما والتعرف على الصعوبات الناجمة عن ذلك. فالصعوبات التي تواجه أبناء اللغة اليابانية في تعلمهم للعربية ليست هي الصعوبات التي تواجه أبناء اللغة الأسبانية في أثناء تعلمهم للعربية. وبالمثل فتعليم اللغات الأجنبية للعرب تختلف صعوباته باختلاف اللغة المنشودة، وهذا مجال علم اللغة التقابلي، أما تحويل هذا إلى برامج تطبيقية مع التوسل بكل الوسائل التعليمية الحديثة فهو موضوع علم اللغة التطبيقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 6- علم اللغة والبحث النحوي : وهناك مصطلح آخر يستخدم كثيرًا مرادفًا لمصطلح Linguistics، وهو مصطلح Grammatik أو Grmmaire، أو Grammar فكثير من الباحثين الأوربيين في القرن التاسع عشر وأوئل العشرين ألفوا كتبًا في النحو المقارن، وتضم هذه الكتب فصولا في الأصوات، وبناء الكلمة وبناء الجملة. وبذلك كان المقصود من علم النحو المقارن نفس المقصود من علم اللغة المقارن، فكأن الكلمتين قد استخدمتا مترادفتين يؤديان نفس المعنى1. وإذا نظرنا في المؤلفات اللغوية الأوربية الحديثة نلاحظ حديثهم تارة عن النحو المقارن Cpmarative Linguistics وتارة أخرى عن علم اللغة المقارن Compartive Grammar كما نجدهم يكتبون عن النحو الوصفي Descriptive Grammar، أو علم اللغة الوصفي Linguistics Descriptive، ثم نجدهم يؤلفون في النحو التاريخي Historical Linguistics، وعلى الرغم من اختلاف مسميات هذه الكتب فإنها تدلنا على أن كلمتي Grammar أي نحو وLinguistices أي علم اللغة تستخدمان نفس الاستخدام في إطار البحث العلمي2.   1 من أشهر المؤلفين كارل بروكلمان C.Brockelmann وعنوان كتابه في النحو المقارن للغات السامية: Grundriss der vergleichenden Grammatik dr Semitischen Sprachen berlin 1908-1913 تناول بروكلمان هذه القضايا في كتاب صغير له صدر بعد ذلك بعنوان: Semitische Sprachwissenschaft أي علم اللغات السامية المقارن. 2 أما النحو بالمعنى التعليمي المعياري أي بهدف وضع ضوابط الاستخدام اللغوي الصحيح لأبنية المفردات وأبنية الجمل فهو مختلف -فيما يبدو- عن علم اللغة، فعلم اللغة يبحث اللغة أو اللغات بهدف كشف جوانبها المختلفة، لا بهدف الحكم بالخطأ والصواب على الاستخدام اللغوي، ولم يكن ثمة لقاء بين علم اللغة باعتباره علمًا أساسيًّا والنحو باعتباره علمًا تطبيقيًّا، واليوم يقوم علم اللغة التطبيقي Applied liguistics وهو أحدث مناهج علم اللغة بالدراسة العلمية لكيفية تعليم اللغات الأجنبية والقومية مستخدمًا في هذا نتائج علم اللغة وعددًا آخر من العلوم. وبهذا تم لقاء جديد بين علم اللغة وتعليم اللغات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 علم اللغة العام مدخل ... 7- علم اللغة العام General Linguistics موضوع علم اللغة العام نظرية اللغة، ومناهج البحث فيها1، والأساس النظري لعلم اللغة العام أن اللغة ظاهرة إنسانية عامة تؤدي نفس الوظائف في المجتمعات الإنسانية على اختلافها. وتتألف بنيتها دائمًا من أصوات تنتظم في كلمات تكون الجمل لتؤدي الدلالات المختلفة. ومن هذا المنطلق يهدف علم اللغة العام إلى وضع نظرية شاملة في بنية اللغة وكيفية تحليل هذه البنية إلى عناصرها التي تجعل منها وسيلة التعامل في الجماعة اللغوية. وهذه النظرية ليست مجرد فكر نظري فلسفي ولكنها ثمرة الدراسات المنهجية والتطبيقية في اللغات المختلفة، فهي نتاج التحليل العلمي لأبنية لغوية مختلفة ونتاج معرفة السمات الأساسية التي توجد في كل لغة من اللغات الإنسانية والتي لا بد من وجودها لكي تؤدي اللغة وظيفتها. ويقوم علم اللغة العام أيضا برسم الأسس المنهجية للتحليل اللغوي من جوانبه الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية2 فإذا كانت أصوات اللغات تبدو   1 من أهم كتب علم اللغة العام كتاب دي سوسير،انظر ملاحظة رقم 11، والكتب الأساسية التالية: E. Sapir, Language New York 1921 L. Blovomfield, Language New York 1933 H.A Gleason, An Introduction to Descriptive LinguisticsNew York 1955 2 من أهم الكتب المنهجية: N.S. Trubetzkoy Grundzuge der phonologie. prag 1933, Gottingen 1967 وترجمه J. Cantuneau إلى اللغة الفرنسية باريس 1949، 1967 بعنوان: Principes de Phonologie, Paris 1949, 1967 E.A Nida, Morphology. The descriptive Analysis of Words; Ann Arbor, Mich. 1946, 1967 N. Chomasky, Syntactic Structires, The Hague 1957. S. Ullmann, Principles of Semantics, Oxford 1957. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 قضايا البحث في علم اللغة ... قضايا البحث العلمي في علم اللغة Linguistics الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 لأول وهلة مختلفة متنافرة فإن كل أصوات اللغات تصدر من الجهاز الصوتي الإنساني وهو مشترك عند كل البشر. ولذا فهناك أصوات كثيرة تتكرر في أكثر اللغات. وهناك وسائل محددة تتوسل بها اللغات المختلفة للتمييز بين أصواتها. فالتعرف على هذه الجوانب والاستفادة من خبرات الباحثين في اللغات المختلفة لوضع نظرية شاملة في بنية اللغة مما يدخل في علم اللغة العام، فهناك وسائل محددة تتبعها اللغات المختلفة للتمييز بين الكلمات في جمل لأداء المعاني المختلفة. فكل اللغات مثلا بها جمل شرطية وجمل استفهامية إلخ ... والتعرف على هذه الوسائل وعلى منهج تحليل اللغة من هذه الحوانب جزء من علم اللغة العام. وهناك معاجم كثيرة ألفت للغات مختلفة، بلورت في أثناء إعدادها مناهج دقيقة في العمل المعجمي، وهذه الأسس المنهجية الناجمة عن العمل التطبيقي جزء من علم اللغة العام. وفضلا عن هذا يهتم علم اللغة العام ببيان طبيعة العلاقات المؤثرة في حياة اللغة في المجتمعات الإنسانية1 فاللغة لا تعيش في فراغ، بل لا بد لها من جماعة تستخدمها حتى تصبح لغة، وهنا يهدف علم اللغة العام إلى إيضاح   1 انظر مثلا الدراسات المنشورة في: J.A Fishman, Ch. A. Ferguson. J.D. Gupta, Language Problems of Developing Nations New York 1964 J.D Gupta, Language Conflict and National Development, Unitersity of California press 1970. إبراهيم أنيس: اللغة بين القومية والعالمية، القاهرة 1970. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 الجوانب الحضارية المختلفة التي تؤثر في حياة اللغة، ويحاول إيضاح عوامل انتشار اللغات وموتها وعوامل التجديد اللغوي ومشكلات الازدواج اللغوي وغير ذلك من المشكلات التي تتكرر في مجموعات إنسانية مختلفة. إن كل بحث دقيق يعد حول بنية أية لغة أو وظائفها في المجتمع هو بحث يفيد علم اللغة العام، ولذلك تتطور النظرية العامة للغة ولمناهج بحثها بتطور الأبحاث الجزئية في اللغات واللهجات المختلفة. إن علم اللغة الحديث يحاول بتطوير مناهجه وبالإصرار على الدقة العلمية أن يصل إلى نتائج دقيقة. ولذلك استبعدت من البحث في اللغة تلك الموضوعات التي لا يمكن بحثها بمناهج دقيقة. وأشهر هذه الموضوعات نشأة اللغة، ومرجع الاهتمام القديم بهذا الموضوع إلى الدين، فقد تكونت عند الجماعات الدينية المختلفة آراء راسخة نسبيًّا حول نشأة اللغة الإنسانية، فاليهود يصرون على كونها هي العبرية ومسيحيو الشرق يجعلونها السريانية، وحار المؤلفون العرب، بين جعلها العربية أو السريانية1. وإذا كان المفكر العربي ابن حزم قد وجد أنه من العبث التفكير في اللغة الأولى عند الإنسان ونسبتها إلى الدين دون دليل2، فإن علم اللغة الحديث لا يتناول البحث في قضية نشأة اللغة الإنسانية لعدم وجود منهج علمي لبحث ذلك. لقد حاول بعض الباحثين في القرن الماضي إعادة تكوين عدد من اللغات الموغلة في القدم مثل اللغة الهندية - الأوروبية الأولى واللغة السامية الأولى. واللغة الهندية - الأوربية الأولى هي الأصل المفترض الذي خرجت عنه كل لغات الأسرة الهندية - الأوربية المختلفة. واللغة السامية الأولى هي الأصل المفترض الذي خرجت عنه اللغات السامية المختلفة. ولكن محاولات إعادة تكوين اللغة الهندية- الأوربية الأولى واللغة السامية الأولى لم تنجح إلا في التعرف على بعض الخصائص المغرقة في القدم، ولكن من الصعب القول بأن   1 السيوطي: المزهر في علوم اللغة 1/ 30-35 2 ابن حزم: الإحكام في أصول الأحكام 1/ 30 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 هذه الأبحاث استطاعت أن ترسم الملامح الكاملة للغات بادت منذ عصور سحيقة. ولهذا عزف الباحثون المحدثون عن البحث في المراحل التي لم تصل إلينا في النقوش والنصوص، وأصبح البحث في اللغة لا يهتم إلا بالمراحل التاريخية والمعاصرة، فعلم اللغة يبدأ حين نجد نقشًا قديمًا أو نصًا مدونًا، وليس من الممكن أن يمضي الباحث في تأريخه للأسرة اللغوية إلى المراحل السابقة على تدوين أقدم النقوش المكتوبة، فنشأة اللغة تخرج تمامًا عن مجال البحث في علم اللغة، وعلم اللغة يشبه في هذا علم التاريخ في أن كليهما يبدأ من أقدم الكتابات والرسوم تاركًا لعلم ما قبل التاريخ بحث المراحل السابقة على ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 8- التسميات المختلفة لعلم اللغة : من المفيد في هذا الصدد إيضاح التسميات المختلفة لمجالات علم اللغة ومناهجه، في محاولة لإزالة الغموض القائم عند البعض نتيجة لكثرة التسميات وغموضها وتداخلها. يطلق البعض على علم اللغة عدة تسميات: 1- فقه اللغة: بمعنى: علم اللغة المقارن، أو بمعنى: دراسة الألفاظ العربية، أو بمعنى: الدراسة المقارنة للألفاظ العربية في ضوء اللغات السامية، أو بمعنى: بحث الأصوات في الفصحى، أو بمعنى: بحث اللهجات القديمة والحديثة. 2- علم اللغة: بمعنى، علم اللغة العام، أو بمعنى: دراسة الأصوات في الفصحى، أو بمعنى: دراسة اللهجات، أو بمعنى: دراسة الدلالة. 3- علم اللسان: بنفس المعاني المتعددة المذكورة 4- اللسانيات، الجزائر 5- الألسنيات 6- اللِسْنِيَّات، للدلالة على نفس المجالات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 7- النحو المقارن بمعنى: دراسة بناء الكلمة؟ في اللغات السامية. 8- اللغويات، محاكاة للكلمة الإنجليزية Linguistics، وتتناول في أكثر الأحوال ما يدرس في أقسام اللغة الإنجليزية من تدريبات نحوية، مع مدخل عن نظرية اللغة والبحث الصوتي وتاريخ اللغة، وتستخدم الكلمة أيضًا في الأزهر بعد محاولة تطويره. وتتداخل هذه المصطلحات مع بعضها البعض تداخلا لا يفيد العلم، كما تتداخل مع اصطلاحي النحو والصرف، وقد أدى هذا إلى تمزق مجالات البحث العملي في اللغة وإهمال كثير من قضاياه وإلى عدم وضوح في تصور الكثيرين تجاه جوانبه المتكاملة. ولذا نرى ضرورة ترك الدلالات الموروثة من الماضي للحديث في تاريخ العلم، واستخدام تسمية موحدة واضحة: علم اللغة، تخصص بعد ذلك: المقارن، التاريخي، الوصفي، التقابلي، التطبيقي. ويضم كل منها قطاعات: الأصوات، الكلمة، الجملة، الدلالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 9- علم اللغة وعلم النفس ترجع العلاقة بين علمي اللغة والنفس إلى طبيعة اللغة باعتبارها أحد مظاهر السلوك الإنساني. فإذا كان علم النفس يعنى بدراسة السلوك الإنساني عمومًا فإن دراسة السلوك اللغوي تعد أحد جوانب الالتقاء بين علم اللغة وعلم النفس. لقد اهتمت المدرسة السلوكية Behaviorism بالسلوك اللغوي1.   1 حول السلوكية والسلوك اللغوي، انظر: J.B watson, behaviour: An introduction to coparative psychology, holt rindehart 1914, psychology from the standpoint of a behaviourist, lippencott 1919 B.F skinner, vcrbal behaviour behaviour. appelton 1957 وكذلك: فؤاد أبو حطب في: السلوكية في علم النفس، عالم الفكر "1973" 4/ 1 ص 167 - 200 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وكان لها أثر كبير في البحث اللغوي الأمريكي في النصف الأول من القرن العشرين. ولكن ثمة فرقًا بين بحث اللغويين وبحث علماء النفس في قضايا اللغة. يهتم علم اللغة بالعبارة المنطوقة عند صدروها من الجهاز الصوتي للمتحدث وفي أثناء مرورها في الهواء وعند تلقي الجهاز السمعي للمخاطب لها. ومعنى هذا أن العمليات العقلية السابقة على صدور العبارات المنطوقة لا تدخل في إطار علم اللغة. والعلاقة بين الجهاز العصبي والجهاز النطقي عند المتحدث ليست من مجالات البحث اللغوي، فاللغوين يهتمون باللغة عند صدورها ولا يهتمون بالعلميات العقلية السابقة على ذلك، فهي موضوع من موضوعات البحث في علم النفس، وعندما تصل اللغة الجهاز السمعي للمتلقي ويقوم بنقلها إلى الجهاز العصبي تحدث عمليات عقلية يبحثها علم النفس أيضا. أما تلك الظاهرة الصوتية التي تصدر عن المتحدث وتمضي في شكل موجات صوتية فتصل الملتقي فهي اللغة، وهي مجال البحث في علم اللغة1. وهناك فرق أساسي بين منهج اللغويين وعلماء النفس تجاه الظواهر اللغوية، فقد صرف علماء النفس جهدهم إلى اكتشاف قوانين عامة تفسر السلوك الإنساني، وركزوا جهدهم على الظواهر العامة مثل التعليم والإدراك والقدرات. ولكنهم لم يهتموا بمحتوى السلوك نفسه، ففي بحث قضية التعليم لم يهتموا بالمادة المنشودة التي تعلم، بل كان اهتمامهم مركزًا على عملية التعليم باعتبارها عملية عقلية2. وفي السنوات الأخيرة حاول بعض الباحثين النظر إلى اللغة من الجانبين، فلم تعد الاستجابات اللغوية Verbal responses تدرس باعتبارها ضربًا من ضروب الاستجابات فحسب بل روعيت البنية اللغوية في   1 انظر: Bloomfield, Language 2 انظر التقرير العلمي العميق الذي كتبه كارول أستاذ علم النفس بجامعة هارفارد حول علم اللغة والعلوم المرتبطة به والمنشور بعنوان: Caroll, The Study of Lunguage- Harvard Universuty Press 1953 , 1966 ويتناول الفصل الثاني من الكتاب: علم اللغة وعلم النفس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 ذلك أيضا. ويتضح هذا من مقارنة الدراسات السابقة حول اللغة عند الطفل بالدراسات المعاصرة. فهي تبحث نفس الموضوع بطريقة اللغويين. أي بتحليل لغة الطفل من جوانبها الصوتية والنحوية والدلالية1. وقد أفاد علماء النفس في السنوات الأخيرة من مناهج التحليل اللغوي في بحثهم للسلوك اللغوي. ولكن هذا لا يمنع من تحديد مجال اختصاص كل من الفريقين. فمجال الدراسة النفسية للغة هو كيفية تحويل المتحدث للاستجابة إلى رموز لغوية to encode، وهذه عملية عقلية تتم عند الإنسان. وينتج عنها إصدار الجهاز الصوتي للغة، وعندما تصل اللغة إلى المتلقي ويقوم بفك هذه الرموز اللغوية في العقل إلى المعنى المراد to decode تتم عملية عقلية أخرى تدخل في إطار علم النفس أيضا، أما تلك الرموز الصوتية التي تنتقل من المتحدث عبر الهواء إلى المتلقي، فهي مجال البحث في علم اللغة. ويرى بعض اللغويين وعلماء النفس أن دراسة السلوك اللغوي إسهام مثمر لا لفهم اللغة فحسب بل لتكوين النظرية العامة لعلم النفس وقد تطورت الدراسات اللغوية والنفسية في العشرين عامًا الماضية لتجعل من جوانب اللقاء بين علم النفس وعلم اللغة فرعًا مستقلا بذاته هو علم اللغة النفس2 Psychoinguistics   1 انظر مثلا كتاب: P. Menyuk, The Acquisition and Development of Language الصادر في سلسلة: The prentice-Hall-Series in Developmental Pasychology 1971 2 يسمى أيضا علم نفس اللغة Psyachology of Language علم النفس اللغوي LInguistic Pasychology انظر: F. Carroll, P. 70. وقد جمعت مجموعة دراسات في علم اللغة النفسي ضمن كتاب: Sol Saporta, Psycho-liguistics Holt, Rinehart, Winston 1966. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 10- علم اللغة والعلوم الاجتماعية : اللغة ظاهرة اجتماعية وحضارية، ولذا يلتقي في بحثها علم اللغة مع العلوم الاجتماعية المختلفة، وهناك عدة تسميات أطلقت على جوانب اللقاء بين علم اللغة والعلوم الاجتماعية في بحثها للغة. وتعددت هذه التسميات بتعدد أسماء العلوم الاجتماعية ومدارسها المختلفة. وليس من شأننا هنا أن ندخل في اختلافات التسميات بين العلوم الاجتماعية المتداخلة. ويكفي أن نشير إلى جوانب اللقاء الكثيرة بينها وبين علم اللغة1. لقد أفاد الباحثون في العلوم الاجتماعية من نتائج البحث اللغوي من عدة جوانب؛ منها أن اللغة أهم مظاهر السلوك الاجتماعي وأوضح سمات الانتماء الاجتماعي للفرد. وأفاد اللغويون كذلك من الدراسات الاجتماعية، فدراسة الألفاظ ودلالاتها على نحو دقيق لا تتم إلا في إطارها الاجتماعي والحضاري. والتغير اللغوي لا يفسر تفسيرًا كاملا إلا في ضوء الظروف الحضارية والاجتماعية، وإلى جانب هذا تؤثر المواقف الاجتماعية من مستويات اللغة في مكانة هذه المستويات وتحدد مسار التغير فيها. هناك قضايا لغوية كثيرة لا يمكن اتضاح معالمها الكاملة إلا بالتعاون بين الدراسات اللغوية والاجتماعية والحضارية2.   1 يطلق على دراسة القضايا اللغوية في ضوء العلوم الاجتماعية عدة تسميات: علم الاجتماع اللغوي sociology of language علم اللغة الاجتماعي sociolinguistics علم اللغة الإثنولوجي anthropological علم اللغة الإنثروبولوجي Anthropological linguistics علم الإنثروبولوجيا اللغوية linguistic anthropology وحول تاريخ اللقاء بين علم اللغة والعلوم الاجتماعية: محمود فهمي حجازي: أصول البنيوية في علم اللغة والدراسات الإثنولوجية، عالم الفكر 1972 3/ 1 ص 151- 180 2 انظر مجموعة البحوث المنشورة في: Dell hymes, language in culture and society, new york 1965. p.p glioli, language and social context "penguin" 1972. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 11- علم اللغة وتعليم اللغات : يعد علم اللغة التطبيقي Applied Linguistics ثمرة اللقاء بين علم اللغة والتربية. موضوع علم اللغة التطبيقي هو الإفادة من علم اللغة بمناهجه ونتائج دراساته، وتطبيق هذا كله في مجال تعليم اللغات. لقد كان علماء اللغة في القرن التاسع عشر وأوائل العشرين ينهجون في أبحاثهم المنهج المقارن، ولم يكن ثمة لقاء بين دراساتهم وعلم التربية. ولكن البحث الوصفي للغات والتقدم الذي أحرزه علم اللغة العام في القرن العشرين أوضحا حقائق كثيرة عن بنية اللغة وحياتها. وبدأ المختصون في تعليم اللغة وخصوصًا في العشرين عاما الماضية يحاولون تطبيق مناهج علم اللغة ونتائجه في تعليم اللغات1. فلم تعد اللغة الأجنبية تعلم باعتبارها ظاهرة مكتوبة بل باعتبارها ظاهرة صوتية في المقام الأول. بدأ الاهتمام بالنطق يحتل المكان الأول في تعليم اللغات، فهو الأصل، أما الكتابة فهي ظاهرة تابعة، ومن ثم أصبح من المتفق عليه في علم اللغة التطبيقي أن يعد تعليم النطق أساسا لتعليم الكتابة. فيبدأ تعليم اللغة بالجانب الصوتي ثم تأتي كيفية الكتابة بعد ذلك، مع ملاحظة أن الفروق بين البنية الصوتية للغة ونظام   1 اهتمت كثير من الدول بالاستفادة من علم اللغة التطبيقي في نشر لغاتها وتعليمها للأجانب وأنشئت مراكز لعلم اللغة التطبيقي مثل: Center for applied Linguistics. Washington Center de recherche et d'eude pour la diffusion due Francais- Paris CREDIF ومركز الدراسات التابع لمعهد جوته Goethe-Institut في ميونخ وتكونت في السنوات الماضية عدة جمعيات علمية لعلم اللغة التطبيقي وعقدت مؤتمرات دولية كثيرة في السنوات الماضية لبحث قضايا علم اللغة التطبيقي 1972 وانظر حول هذا الاتجاه الجديد في تعليم اللغات: R. lado, language teaching, new york" 1955". M. de greve, linguistique et enseignement des langues etrangeres" 1970". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 كتابتها يشكل صعوبات التدوين، ومن ثم ينبغي الإشارة إليها باعتبارها ظواهر خاصة بالكتابة لا باللغة. وإذا كان علم اللغة التقابلي يهتم بمقارنة أي مستويين لغويين بهدف إثبات الفروق بينهما، فإن مقارنة اللهجة المحلية التي اكتسبها التلميذ في طفولته باللغة الأدبية التي ينبغي له أن يتعلمها توضح لنا الصعوبات التي تواجهه في ذلك، ولذا تعد الدراسات اللغوية التقابلية من أهم أدوات البحث في وضع برامج تعليم اللغة القومية، كما أنها تفيد بنفس القدر في تحديد الصعوبات التي تواجه أبناء جماعة لغوية ما في تعلمهم للغة أجنبية, وبذلك تستطيع الدراسة التقابلية أن تحدد بطريقة موضوعية جوانب الصعوبة الناجمة عن اختلاف بنية اللغتين: اللغة الأم واللغة المنشودة1. وإذا كان علم اللغة قد أوضح أن المعنى هو حصيلة الاستخدام في المواقف الكلامية والثقافية المختلفة، وأن إيحاءات الرمز اللغوي هو حصيلة استخدامه في هذه المواقف، فإن تعليم اللغات أخذ يضع في اعتباره أن دلالة الكلمة أو العبارة لا تتضح عند التلميذ إلا إذا درست مرتبطة بمواقف استخدامها. فاستظهار قوائم المفردات لا يعني إدراك إيحاءات المعنى المراد، ودلالة الألفاظ لا تكتسب إلا في مواقف استخدامها، ولا تعلم إلا في مثل هذه المواقف أو ببيان هذه المواقف. لقد أثبت علم اللغة وجود مستويات متنوعة للاستخدام اللغوي، ولذا ينبغي تحديد المستوى اللغوي المراد وعدم قضاء الوقت في تعلم مستويات لغوية متداخلة دون وعي بالمستوى اللغوي المنشود2، ولا بد من تحديد هذا   1 اللغة المنشودة = target language أي اللغة المراد تعلمها. 2 تهتم بعض مراكز بحوث تعليم اللغات بقضية الاستخدام اللغوي في مجال التخصص. وقد بحث المعهد المركزي للانجليزية central institute of english في حيدر أباد بالهند الاستخدام اللغوي المحدود restricted language بهدف تحديد ما يلزم الطالب الهندي من الإنجليزية لقراءة كتب العلوم الطبيعية وما يلزمه لقراءة كتب العلوم الاجتماعية إلخ، وقد أصدر مركز CREDIF في فرنسا عدة كتب في هذا الاتجاه أي حول Les Langues des Specialites تناولت عدة فروع للمعرفة، وتعمل هذه المراكز الآن في تطوير الوسائل التربوية المناسبة للإفادة في هذه البحوث اللغوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 المستوى في ضوء الأهداف الحضارية والثقافية والاجتماعية المختلفة، فتعليم لغة من اللغات بهدف التعامل اليومي بها يختلف عن تعليمها بهدف قراءة المؤلفات الطبية بها، وتعليم اللغة بهدف قراءة كتب الفيزياء أو الرياضيات يختلف عن تعليمها لقرءاة الصحف، فهذه المستويات متنوعة متفاوتة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 12- علوم اللغة بين العلوم : هناك فرق أساسي بين مكانة علوم اللغة في التراث العربي ومكانة علم اللغة بين العلوم الحديثة. فإذا كانت مدارس علم اللغة المتتابعة عبر القرون تختلف في مناهج التحليل اختلافًا كبيرًا فإن الفرق الأساسي بين علم اللغة في التراث العربي وعلم اللغة الحديث ينبع من مكان علم اللغة بين العلوم، كان البحث اللغوي عند العرب أداة لفهم الدين، وقد ارتبط منذ نشأته بالبحث في لغة القرآن الكريم، وظل هذا الارتباط قائمًا في الدوائر العلمية على مدى القرون. وظهر هذا بصفة خاصة عند المؤلفين المسلمين من غير العرب، مثل الثعالبي وأبي حاتم الرازي والخوارزمي والتهانوي. فالثعالبي يرى العربية خير اللغات والألسنة والإقبال على تفهمها من الديانة، إذ هي أداة العلم ومفتاح التفقه في الدين1. وقد جاء أبو حاتم الرازي للغات العربية والعبرية والسريانية والفارسية أفضل لغات الأرض لأن الكتب الدينية دونت بها، فالمعيار الديني هو معيار تفضيل لغة على لغة. ومن ثم فهو يرفض أيضا الرأي القائل بفضل اللغة اليونانية والهندية لأن كتب الفلاسفة والأطباء وأصحاب النجوم والهندسة والحساب بها.2 لقد كان   1 فقه اللغة ص1، ط 1954 2 كتاب الزينة، ص61. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 العلوم الدينية تشغل حيزًا كبيرًا من الاهتمام العلمي في مجال الحضارة الإسلامية. وكان الاهتمام بعلوم اللغة جزءًا من الدراسة الهادفة إلى التعمق في الدين. فعندما صنف الخوارزمي العلوم التي عرفتها الحضارة الإسلامية جعلها في مجموعتين: العلوم الشرعية وما يقترن بها من العلوم العربية، ثم: علوم العجم من اليونانيين وغيرهم من الأمم1. ونجد في مقدمات كتب كثيرة إشارات إلى أن الدراسة اللغوية أداة من أدوات فهم نصوص القرآن والحديث، فابن القوطية -مثلا- قدم لكتابه الأفعال بأنها: أصول مباني أكثر الكلام ... وبعلمها يستدل على أكثر علم القرآن والسنة2. وقد عد ابن خلدون معرفة: علوم اللسان العربي ضرورية على أهل الشريعة إذ مأخذ الأحكام الشرعية كلها من الكتاب والسنة، وهي بلغة العرب، ونقلتها من الصحابة والتابعين عرب، وشرح مشكلاتها من لغاتهم3. وعندما قسم ابن خلدون العلوم إلى علوم مقصودة بالذات وعلوم آلية، عد علوم اللغة من العلوم الآلية باعتبار أنها مجرد وسيلة لفهم العلوم الشرعية، ولذا فالبحث اللغوي عند ابن خلدون ليس هدفًا في ذاته4 بل إنه يرى: الاشتغال بهذه العلوم الآلية تضييعًا للعمر وشغلا بما لا يعني.5 وتتضح هذه الفكرة عند التهانوي الذي جعل علم اللغة من فروض الكفاية التي تسقط عن الكل إذا قام بها البعض، فعلم اللغة لم يكن مستقلا بذاته، ولم يكن إلا وسيلة لفهم النصوص الدينية. أو كما يقول التهاوني: آلة لتحصيل العلم بالشرعيات6 وتوضح هذه النصوص موقفا عاما من علوم اللغة في إطار   1 مفاتيح العلوم، ط القاهرة 1342، ص4. 2 كتاب الأفعال لابن القوطية، تحقيق: علي فودة 1952، ص1. 3 مقدمة ابن خلدون 1254. ط وافي - القاهرة 1962. 4 مقدمة ابن خلدون 1238 5 مقدمة ابن خلدون 1239، وقد ردد هذه الفكرة حسين المرصفي في الوسيلة الأدبية ط 2/ 1924، 1/ 106 6 يقول التهانوي: الأصل هو العلم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وإجماع الأمة وآثار الصحابة ...... والتعلم بعلم اللغة التي هي آلة لتحصيل العلم بالشرعيات ....... كلها من فروض الكفاية ..... وعلم الطب من فروض الكفاية أما التعمق في الطب فليس بواجب. انظر: كشاف اصطلاحات الفنون 1/ 73. ومنطلق فكرة التهانوي في تصنيفه للعلوم هو اعتبار الدنيا مرحلة إلى الآخرة، وأن العمل من أجل الآخرة هو طريق الصلاح في الدنيا، "الآخرة سبب استقامة الدنيا وفي استقامتها استقامتها"، المرجع المذكور1/ 74. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 الحضارة الإسلامية، فقد كان الاشتغال بعلوم اللغة أداة لفهم العلوم الدينية، ولم تكن فكرة استقلال كل علم واردة في فكر العصور الوسطى ولم يكن الهدف العلمي واضحا في تصنيف العلوم. ولكن التقدم العلمي في العصر الحديث أدى إلى اتساع مجالات المعرفة عند الإنسان وفرض التخصص على من يريد المشاركة في البحث العلمي، وهنا أخذ علم اللغة يستقل بنفسه شأنه في هذا شأن فروع المعرفة الأخرى، وإذا كان ثمة ضرورة لتصنيف العلوم في العصر الحديث فإن علم اللغة يشغل في التصنيف العشري لديوي1 مكانًا وسطًا بين علم الاجتماع والعلوم الطبيعية. وفي هذا إدراك واضح لمكان علم اللغة الحديث بين العلوم والمعارف الحديثة. لم يعد علم اللغة مجرد وسيلة لفهم النصوص الدينية أو أداة لفهم النقوش القديمة فحسب، بل له أيضا أهدافه العلمية العامة بجانب الأهداف التطبيقية الكثيرة. فعلم اللغة علم أساسي بمعنى أنه يحاول- مثل باقي العلوم الأساسية الأخرى- كشف جوانب موضوعه بأدق المناهح العلمية. أما الأهداف التطبيقية مثل الإفادة من نتائج علم اللغة في تعليم اللغات والتخطيط اللغوي فتأتي ثمرة طبيعية للدراسات الأساسية، ولكن علم اللغة لا يهدف بطريقة مباشرة نحو هذه القضايا التطبيقية، وهذا أيضا شأن كل فروع المعرفة العلمية. لقد أصبح علم اللغة علمًا مستقلا هدفه الأساسي بحث كل جوانب اللغة والحياة اللغوية في العالم. ويقدم علم اللغة هذه النتائج، فتكون متاحة لعدة تخصصات وعلوم تستفيد من علم اللغة ومن غيره. وما أكثر العلوم التي تتعامل.   1 انظر: Dewey Decimal Classification الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 بنتائج علم اللغة. منها: علم الأصوات العلاجي. علوم التربية. علم النفس. العلوم الاجتماعية. هندسة أجهزة الاتصال Comunication Engineering إلخ ... وإذا كان ابن خلدون وغيره قد اعتبروا الحساب أداة للعلوم الدينية1 فلم يعد أحد يعتبر الرياضيات مجرد وسيلة لتنظيم المعاملات الفقهية. وإذا كانت الرياضيات قد أصبحت علمًا مستقلا. وأصبح للطب الذي كان فرض كفاية2 فروع كثيرة مستقلة ومتكاملة، فإن علم اللغة قد أصبح علما مستقلا ببحث اللغة ويستفيد من كل فروع المعرفة التي تنير له جوانب مختلفة في بحث اللغة، فإلى جانب الإفادة من أجهزة القياس الصوتي والوسائل الإحصائية ونتائج علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء وعلم فيزياء الصوت فإن علم اللغة يرتبط بأوثق الوشائج مع العلوم الإنسانية الأخرى. مثل علم النفس وعلم الاجتماع ولذا يصفه البعض بأنه أكثر العلوم الدقيقة إنسانية وأكثر العلوم الإنسانية دقة.   1 مقدمة ابن خلدون ص 1238. 2 كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي 1/ 73. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 الفصل الثالث: علوم اللغة في التراث العربي مدخل ... الفصل الثالث: علوم اللغة في التراث العربي اهتم عدد من الباحثين العرب بعلوم اللغة منذ بداية الحركة العلمية في إطار الدولة الإسلامية، فكانت لهم جهودهم في مجالات الأصوات وبناء الكلمة وبناء الجملة والمفردات. وكان المشتغلون بعلوم اللغة يصنفون مجموعتين، تهتم المجموعة الأولى ببنية اللغة، وتهتم المجموعة الثانية بمفردات اللغة ودلالاتها. وقد وصف مجال بحث عند المجموعة الأولى "النحو" أو "علم العربية" بينما وصف مجال بحث المجموعة الثانية بأنه "اللغة" أو "علم اللغة" أو "فقه اللغة" أو "متن اللغة". وإلى جانب هذه المصطلحات، ولكن منها تاريخ مستقل، وجدت محاولات لوصف علوم اللغة مجتمعة، فسميت "علم اللسان" أو "علوم اللسان العربي" أو "علوم الأدب" أو "العلوم العربية"، كما وجدت إلى جانب هذا محاولات لبيان ترابط هذه الأفرع وإيضاح النسق الذي يتخذه كل منها في إطار البحث اللغوي العام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 1- النحو وعلم العربية : أطلق علماء اللغة على دراسة بنية اللغة من جوانبها الصوتية والصرفية والنحوية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 في التراث العربي اسمين اثنين، هما النحو وعلم العربية، ويرجع مصطلح النحو إلى القرن الثاني الهجري، وظل مستخدمًا لوصف هذا المجال من مجالات البحث إلى يومنا هذا. لقد صنف كتاب سيبويه بأنه كتاب في النحو، ووصفه أبو الطيب اللغوي، ت 351 هـ، بأنه قرآن النحو كما وصف سيبويه بأنه أعلم الناس بالنحو بعد الخليل1. ويضم النحو بهذا المعنى مجموعة الدراسات التي تصنف في علم اللغة الحديث في إطار الأصوات وبناء الكلمة وبناء الجملة. إن سيبويه صاحب أقدم كتاب وصل إلينا في النحو العربي -لم يقسم كتابه إلى موضوعات كبرى متميزة. وإنما اكتفى بحشد الأبواب الكثيرة متتابعة. لقد بدأ كتابه بقضية الإعراب وانتقل منها إلى عدد من القضايا الخاصة ببناء الجملة، وعندما تحول بعد ذلك إلى الأبواب الخاصة بالأبنية الصرفية وجد لزامًا عليه أن يفسر بعض الأبنية في ضوء البحث الصوتي فجاءت الأبواب الخاصة بالأصوات في آخر كتابه. لم يضع سيبويه مصطلحات تميز في وضوح قطاعات الأصوات وبناء الكلمة وبناء الجملة، فكل هذا يدخل عنده في مجال واحد هو مجال النحو. وظل الباحثون في القرون الأولى للهجرة يستخدمون مصطلح النحو في أكثر الأحوال بهذا المعنى العام. يضم النحو في تعريف ابن جني، ت 391هـ، المجالات التالية: الإعراب، التثنية، الجمع، التحقير، التكسير، الإضافة، النسب، التركيب وغير ذلك2. فالنحو يضم عند ابن جني هذه الدراسات التي تصنف الآن في إطار بناء الكلمة إلى جانب ما يتعلق ببناء الجملة ويتناول علم النحو عند أبي حيان الأندلسي: معرفة الأحكام التي للكلمة العربية من جهة   1 مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي، ص: 65. 2 الخصائص لابن جني 1/ 34، وتعريف ابن جني للنحو: "النحو هو انتحاء سمت كلام العرب في تصرفه من إعراب وغيره كالتثنية والجمع والتحقير والتكسير والإضافة والنسب والتركيب وغير ذلك ليلحق من ليس أهْل اللغة العربية بأهلها في الفصاحة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 إفرادها ومن جهة تركيبها1 أي أنه يبحث بنية الكلمة المفردة وعلاقات الكلمات في الجملة. وظل كثير من النحويين يعدون النحو شاملا لكل هذه الدراسات، فالنحو عندهم يتناول كل ما يتعلق بالكلمة والجملة. لقد ألف ابن الحاجب، ت 646هـ، كتاب "الكافية" في النحو ويتناول فيه القضايا الخاصة بالإعراب وبناء الجملة بينما خصص لبناء الكلمة كتابا آخر هو "الشافية" ولكنه على الرغم من هذا التقسيم ظل ابن الحاجب يعد "التصريف" قسما من النحو لا قسيما له2. وهناك مؤلفون آخرون استخدموا كلمة "النحو" بمدلول أضيق، فقصروا استخدام هذه الكلمة على البحث في بناء الجملة، وبهذا المعنى استقر المصطلح في القرون المتأخرة للحضارات العربية الإسلامية3. وهناك مصطلح آخر وصف به البحث في بنية اللغة، وهو مصطلح "العربية" أو "علم العربية". لقد وصل إلينا المصطلحان في مؤلفات القرن الرابع الهجري، فابن النديم وابن فارس يستخدمان مصطلح العربية بمعنى النحو. فعندما نوقشت قضية أولية التأليف في النحو نجد عندهما العبارة التالية: أول من وضع العربية ... 4 وظل استخدام هذين   1البحر المحيط لأبي حيان 1/ 5-6 وانظر كتاب: أبو حيان النحوي لخديجة الحديثي. ص213. 2 انظر: شرح الشافية للاستراباذي، "ط محي الدين 1939" 1/ 6. تعريف النحو عند الأشموني: العلم المستخرج بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب الموصلة إلى معرفة أحكام أجزائه التي ائتلف منها. انظر: شرح الأشموني على الألفية 1/ 5، ط النهضة بالقاهرة 1955، ولكن مضمون البحث النحوي كما يتضح من الألفية عبارة عن أحكام الجملة والكلمة. وقد ذكر التهانوي التعريف التالي للنحو: علم يعرف به كيفية التركيب العربي صحة وسقامًا وكيفية ما يتعلق بالألفاظ من حيث وقوعها فيه، انظر: كشاف اصطلاحات الفنون، مؤلف 1158هـ، 1/ 23 3 قارن أيضا تعريفات النحو عند أبي حيان في الإدراك ط إستانبول 1309 ص66، والبحر المحيط 1/ 5-6، وعند ابن خلدون في المقدمة 1254. 4 نزهة الألباء ص47. انظر الصاحبي في فقه اللغة لابن فارس، ط بيروت ص38، 66، والفهرست لابن النديم، ط فلوجل، ص39 ونفس العبارة في نزهة الألباء، "ط القاهرة، د. ت" ص4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 المصطلحين في كتب المشارقة في القرون التالية يمثل ظاهرة فردية محددة، على نحو ما نجد في مؤلفات ابن الأنباري، ت 577هـ، ولكن المغاربة والأندلسيين كانوا يفضلون وصف ذلك التخصص بأنه علم العربية. لقد ذكر أبو البركات بن الأنباري مصطلح العربية في مواضع كثيرة بمعنى النحو، كما جاء هذا المصطلح في تراجم كثير من العلماء، فعند يونس بن حبيب يلتقي طلبة العربية وفصحاء الإعراب1 واليزيدي أخذ علم العربية من أبي عمرو بن العلاء وعبد الله بن إسحق الحضرمي والخليل بن أحمد2 كما وصف ابن الأنباري كتابه الإنصاف بأنه أول كتاب صنف في علم العربية3 حول القضايا الخلافية. وسمى ابن الأنباري أحد كتبه في النحو أسرار العربية ولكن استخدان مصطلحي العربية وعلم العربية بمعنى النحو يعد ظاهرة محدودة الانتشار عند المشارقة مثل ابن الأنباري. أما في المغرب والأندلس فهناك نصوص كثيرة توضح تفضيلهم لمصطلح العربية في القرن الرابع الهجري ذكر الزبيدي، ت 379هـ، في تراجم لكثير من علماء الأندلس والمغرب مصطلح العربية بمعنى النحو فإذا كان المشارقة قد كتبوا عن النحو واللغة فإن الزبيدي ذكر في مواضع كثيرة "العربية" و"اللغة"4 والعربية أو علم العربية عند الزبيدي مصطلحان   1نزهة الألباء ص 47 2 نزهة الألباء ص 205. 3 انظر مقدمة كتاب "الإنصاف في مسائل الخلاف، ط القاهرة 6/1 ص 5 4 انظر العبارات التالية للزبيدي في طبقات النحويين واللغويين حيث تجد التقابل بين "علم العربية" بمعنى النحو و"علم اللغة" بمعنى بحث المفردات: - كان يستفتى في الكلمة من اللغة والمسألة من العربية، ص 281. - كان من أهل العلم بالعربية واللغة، ص 287. - جلب إلى الأندلس علما كثيرا من الشعر والغريب والعربية والأخبار، ص 289. - وكان أستاذًا في علم العربية واللغة ص 294. - من أهل العلم بالعربية والحفظ للغة ص 309، وكذلك ص 312 - كان مؤدبًا عالمًا بالعربية وكان يميل إلى مذهب الكوفيين، ص 323. - كان بصيرًا بالعربية حاذقًا فيها، وكان قد طالع كتاب سيبويه ونظر فيه ص 321 وهناك مواضع كثيرة مماثلة أخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 دارا كثيرا في مؤلفاته بمعنى النحو1 وليس استخدام مصطلحي العربية وعلم العربية عند الزبيدي سمة فردية خاصة، فالمصطلحان وردا في كتب مغربية وأندلسية كثيرة2، كما وردا في تراجم أندلسية تناقلتها كتب الطبقات3، وهناك مواضع كثيرة عند ابن خلدون توضح أن المغاربة والأندلسيين كانوا قد اعتادوا حتى عصره التعبير عن النحو بمصطلح "العربية" أو "علم العربية". لقد وصف ابن خلدون كتاب سيبويه بأنه في علم العربية وأن ألفية ابن مالك في العربية أيضا4 وإذا كان ابن خالويه، ت 370هـ، وهو أحد علماء المشرق قد استخدم عبارة "أهل صناعة النحو" فإن ابن خلدون وهو مغربي قد ذكر في نفس المعنى عبارة "أهل صناعة العربية"5، وقد أطلق ابن خلدون على القواعد النحوية مصطلحين مترادفين هما: "قوانين العربية"، و"القوانين النحوية"6. ومن هذا كله يتضح أن المغاربة   1 وصل إلينا كتاب نحوي للزبيدي في مخطوطين اثنين: الأول: مخطوط مكتبة الجامع المقدس بصنعاء71 نحو عنوانه فيها: "الواضح في علم العربية"، ومنه مصورة في دار الكتب بالقاهرة. والثاني: مخطوط الإسكوريال 2/ 197 وعنوانه فيها: "الواضح في النحو" انظر: لحن العامة للزبيدي، مقدمة: عبد العزيز مطر8. 2 ووصف ابن عصفور، ت 669، التصريف بأنه من "علم العربية" انظر: الممتع 37/1 باعتبار أن "علم العربية" يضم كل ما يتعلق ببناء الجملة وبناء الكلمة. 3 وردت كلمة "العربية" في تراجم أندلسية نقلها السيوطي في بغية الوعاة 1/ 7، 1/ 8، 1/ 9. 4 مقدمة ابن خلدون 1231. 5 قارن: الحجة في القراءات السبع ص 38، مقدمة ابن خلدون 1231/ 1278. 6 مقدمة ابن خلدون 1248. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 والأندلسيين كانوا يستخدمون مصطلح العربية في الوقت الذي كان فيه المشارقة يميلون إلى مصطلح النحو. ظل النحو عند المشارقة أو علم العربية عند المغاربة يضم الدراسات الخاصة ببنية اللغة من جوانبها المختلفة. وعندما ألف المازني، ت 349هـ، كتابه التصريف لم يكن البحث في بناء الكلمة إلا جزءًا من النحو بالمعنى الشامل. لم يضع سيبويه اصطلاحًا مستقلا للعلم الذي يبحث بناء الكلمة، ويبدو أن المازني من أوائل من خصصوا للأبنية الصرفية كتبًا مستقلة، وكتابه "التصريف" أقدم كتاب مستقل كامل وصل إلينا في الأبنية الصرفية، وقد حدد ابن جني، ت 391هـ، مجال البحث في التصريف بأنه معرفة أصول كلام العرب من الزوائد الداخلة عليه وأن التصريف هو الأساس الذي تقوم عليه معرفة الاشتقاق1، ولم يكن التصريف عند ابن جني إلا جزءا من النحو، وألف ابن عصفور الأندلسي، ت 699هـ، في بنية الكلمة كتابه "الممتع في التصريف"، والتصريف عنده جزء من البحث في علم اللغة2، وصرح الاستراباذي، ت 688هـ، بأن التصريف جزء من أجزاء النحو بلا خلاف من أهل الصناعة3. أما مصطلح الصرف الذي استقر في الاستخدام المدرسي بعد ذلك فهو اصطلاح متأخر نسبيا. فالسكاكي، ت 617هـ، استخدم مصطلح الصرف في حديثه عن الأحكام الخاصة ببنية الكلمة4، وبهذا المعنى ذكر طاشكبري زاده علم الصرف5. ويلاحظ عند هؤلاء المؤلفين المتأخرين أن الصرف عندهم ليس جزءا من النحو، بل هو قسيم النحو. وهكذا استقر مجال عالم النحو عندهم باعتبار أنه دراسة الإعراب وبناء الجملة في مقابل الصرف الذي يتناول بنية الكلمة.   1 انظر المنصف شرح التصريف 1/ 2. 2 الممتع 1/ 27. 3 شرح الشافية "تحقيق: محيي الدين، القاهرة 1939، 1/ 6. 4 مفتاح العلوم للساسكي ص3، وأحمد مطلوب: البلاغة عند الساسكي، بغداد 1964 ص65. 5 مفتاح السعادة 1/ 99. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 2- اللغة وعلم اللغة وفقه اللغة: أطلق المؤلفون العرب على الاشتغال بالمفردات اللغوية جمعًا وتأليفًا عدة مصطلحات أقدمها مصطلح "اللغة". لقد وصف أبو الطيب اللغوي، ت 351هـ، أبا زيد الأصمعي وأبا عبيدة. وقارنهم من جانب معرفتهم باللغة. كان أبو زيد أحفظ الناس للغة، وكان الأصمعي يجيب في ثلث اللغة، وكان أبو عبيدة يجيب في نصفها، وكان أبو مالك يجيب فيها كلها1. والمقصود هنا بكلمة اللغة مجموع المفردات ومعرفة دلالاتها. وبهذا المعنى كانت كتب الطبقات تميز بين المشتغلين بالنحو أو العربية من جانب والمشتغلين باللغة من الجانب الآخر. لذا عد سيبويه والمبرد من النحاة بينما عد الأصمعي وأقرانه من اللغويين. وقد ظل استخدام كلمة اللغة بهذا المعنى عدة قرون، وأصبح اللغوي هو الباحث في المفردات جمعًا وتصنيفًا وتأليفًا. فالأصمعي لغوي لأنه جمع ألفاظ البدو وسجلها في رسائل لغوية مصنفة في موضوعات دلالية. والخليل لغوي لأنه أول من حاول حصر الألفاظ العربية وتسجيلها في معجم، وابن دريد لغوي أيضا لأنه ألف معجمه جمهرة اللغة. والأزهري لغوي لأنه ألف معجمه تهذيب اللغة، وظل استخدام كلمة اللغة بمعنى بحث المفردات وتصنيفها في معاجم وكتب موضوعية سائدًا في الدوائر العلمية عدة قرون. وهناك مصطلح ظهر في القرن الرابع الهجري عند اللغوي العربي ابن فارس، ت 395هـ، وأخذه عنه الثعالبي، ت 429هـ. لقد أطلق ابن فارس على أحد   1 مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي ص 41. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 كتبه "الصاحبي في فقه اللغة"، وبذلك ظهر مصطلح فقه اللغة لأول مرة في التراث العربي عنوانًا لكتاب، وتسمية لفرع من فروع المعرفة. ولم ينتشر هذا المصطلح إلا بقدر محدود، وأشهر من استخدمه بعد ابن فارس- لغوي أديب هو الثعالبي، فقد سمى كتابه "فقه اللغة وسر العربية". يتفق كتابا ابن فارس والثعالبي، في معالجتهما لقضايا الألفاظ العربية، فموضوع فقه اللغة عندهما هو معرفة الألفاظ العربية ودلالاتها وتصنيف هذه الألفاظ في موضوعات وما يتعلق بذلك من دراسات1. يضم كتاب ابن فارس إلى جانب هذا مجموعة من القضايا النظرية حول اللغة، من أبرزها قضية نشأة اللغة، فإذا كان العلماء قد اختلفوا في ذلك فرآها البعض "اصطلاحًا" أي عرفًا اجتماعيًّا فإن ابن فارس رفض هذا الرأي واعتبرها توقيفًا أي بمنزلة الوحي المنزل من السماء2. ولا يدخل موضوع اللغة ولا موضوع ارتباط اللغة بالوحي في إطار قضايا علم اللغة الحديث، لأنه ليس من الممكن بحث الموضوعين بمعايير علمية دقيقة. كما تضمن كتاب الثعالبي قسمًا ثانيًا هو سر العربية، وقد تناول الثعالبي في القسم الثاني عددًا من الموضوعات الخاصة ببناء الجملة العربية. ولكن المؤلفين   1 تناول القسم الخاص بفقه اللغة في كتاب: فقه اللغة وسر العربية المفردات في مجموعات دلالية: النبات والشجر، أنواع الحيوان، الطعام، الثياب، الإبل، الآلات، والأدوات أوائل الأشياء وأواخرها، الطول والقصر، اليبس واللين، القلة والكثرة، الملء والصفورة والخلاء، الأصول والرءوس والأعضاء والأطراف، الأمراض والدواء، الأصوات وحكايتها، الحجارة ..... إلخ. 2 انظر: الصاحبي في فقه اللغة. وأيضا المزهر للسيوطي 1/ 8 وما بعدها يتضح رأي ابن فارس في أصل اللغة من الفقرة التالية: وقف الله عز وجل آدم عليه السلام ما شاء الله أن يعلمه إياه مما احتاج إليه علمه في زمانه ..... ثم علم بعد آدم من الأنبياء صلى الله عليه وسلم ما شاء أن يعلمه حتى انتهى الأمر إلى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فآتاه الله من ذلك ما لم يؤته أحدًا قبله، تمامًا على ما أحسنه من اللغة المتقدمة، ثم قر الأمر قراره، فلا نعلم لغة من بعده حدثت، فإن تعمل لذلك متعمل وجد من نقاد العلم من ينفيه ويرده، وقد وافق ابن حزم على القول بالأصل التوقيفي للغة الإنسانية ورفض خلط اللغات وعدم التمييز بينها ونسبة اللغات إلى الأنبياء دون دليل علمي، انظر: الإحكام في أصول الأحكام ص30-31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 متفقان على جعل فقه اللغة هو دراسة دلالات الألفاظ وتصنيفها في موضوعات. أما مصطلح "علم اللغة" فقد استخدم عند بعض اللغويين المتأخرين وكان المقصود منه دراسة الألفاظ مصنفة في موضوعات مع بحث دلالاتها. فالرضي الاستراباذي يفرق بين علم اللغة وعلم التصريف، موضوع الأول: دراسة الألفاظ، والثاني: معرفة القوانين الخاصة ببنية هذه الألفاظ1، أما أبو حيان فقد ذكر مصطلح علم اللغة في عدة كتب له، وموضوع علم اللغة عنده هو دراسة مدلول مفردات الكلم2. ولا يختلف استخدام مصطلح علم اللغة عند ابن خلدون عن هذا المعنى، فعلم اللغة عنده هو بيان الموضوعات اللغوية والمقصود بذلك الدلالات التي وضعت لها الألفاظ3. وقد ذكر ابن خلدون في إطار كلامه عن علماء اللغة الخليل بن أحمد وغيره من أصحاب المعاجم العربية. ويوضح كل هذا أن مصطلح علم اللغة يعني عند الرضي الاستراباذي وأبي حيان وابن خلدون وغيرهم4 دراسة المفردات وتصنيفها في معاجم وكتب. وهناك اصطلاحا آخر أطلقه بعض المؤلفين على دراسة دلالات المفردات اللغوية وهو اصطلاح "علم متن اللغة"5 وقد حاول المرصفي6 وحمزة   1 شرح الكافية"المقدمة". 2 انظر: الإدراك للسان الأتراك ص 66، البحر المحيط لأبي حيان 1/ 5 - 6، أبو حيان النحوي لخديجة الحديثي ص 213، وكذلك ص 176، 1838. 3 مقدمة ابن خلدون 1258. 4 قارن: المواهب الفتحية لحمزة فتح الله 1/ 21- 22، ودراسات في علم اللغة لكمال بشر 2/ 47 -48. 5 ذكر ابن يعقوب المغربي في شرح التلخيص 1/ 146: علم متن اللغة، أي معرفة أوضاع المفردات اللغوية، ويسمى هذا العلم علم المتن، لأن هذا المتن هو ظهر الشيء ووسطه وقوته وهذا العلم تعلق بذات اللفظ ومعناه. وانظر كذلك: المواهب الفتحية 1/ 20-22. 6 انظر الوسيلة الأدبية إلى العلوم العربية للشيخ حسن المرصفي، "ط 2 سنة 1924" جـ 1 ص 20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 فتح الله استخدام هذا المصطلح بهذا المعنى، كما أطلق أحمد رضا أيضا على معجمه متن اللغة. وهكذا استخدم المؤلفون العرب قبل العصر الحديث، وتابعهم المؤلفون السلفيون في أوائل القرن العشرين بصفة خاصة مصطلحات اللغة وفقه اللغة وعلم اللغة ومتن اللغة في عناوين مؤلفاتهم أو وصفًا لجهود مؤلفي المعاجم وكتب المفردات اللغوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 3- علم اللسان وعلوم الأدب والعلوم العربية : ترجع أول محاولة جادة1 لترتيب علوم اللغة في نسق واحد إلى الفارابي، وقد أطلق الفارابي على كل العلوم اللغوية اسما شاملا لها هو "علم اللسان"، يتألف علم اللسان عنده من عدة مجالات. يقابل "علم الألفاظ المفردة" في تصنيف الفارابي "علم الدلالة" في التصنيف الحديث. ويتناول "قوانين الألفاظ عندما تكون مفردة وعندما تركب" البحث في الأصوات وبناء الكلمة وبناء الجملة على التوالي. ولكن الفارابي أدخل في علم اللسان بعض الموضوعات التي لا تدخل في علم اللغة بالمعنى الحديث، من ذلك علم الألفاظ المركبة التي صنعها خطباؤهم وشعراؤهم أي دراسة الشعر والنثر. ومن ذلك أيضا قوانين تصحيح الكتابة وقوانين تصحيح القراءة وقوانين الأشعار2. وهكذا ضم علم اللسان عند الفارابي علوم اللغة إلى جانب غيرها من العلوم والمهارات. ويدل مصطلح علوم الأدب عند ابن الأنباري على علوم اللغة: النحو   1 ابن فارس الصحابي ص 9-20 ميز بين "علم العرب أصلا وفرعًا". وهو تمييز القضايا اللغوية من جانب ومعرفة الألفاظ ودلالاتها من الجانب الآخر. 2 انظر: إحصاء العلوم للفارابي، تحقيق عثمان أمين 1948. ص 47 - 50. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 واللغة والتصريف وعلم الجدل في النحو وعلم أصول النحو بالإضافة إلى العروض والقوافي وصنعة الشعر وأخبار العرب وأنسابهم1. أي أن علوم الأدب تشمل عند ابن الأنباري مجموعة العلوم اللغوية والأدبية وما يتعلق بها من معارف. وكان ابن الأنباري أول من اعتبر علم أصول النحو أي مناهج البحث النحوي علمًا قائمًا بذاته، وقد ألف فيه محتذيًا حذو المؤلفين في علم أصول الفقه يقول ابن الأنباري أصول النحو هي أدلة النحو التي تفرعت عنها فروعه وفصوله كما أن معنى أصول الفقه أدلة الفقه التي تفرعت عنها جملته وتفصيله. والأديب عند ابن الأنباري وعند ياقوت الحموي هو المشتغل بهذه العلوم اللغوية الأدبية وما يرتبط بها من معارف، وبهذا المعنى ألف ابن الأنباري كتابه نزهة الألباء في طبقات الأدباء، وألف ياقوت الحموي إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب. أما تصنيف السكاكي لعلوم اللغة فيقوم على أساس "مثارات الخطأ"، فالخطأ اللغوي يمكن أن يكون في بنية الكلمة وهذا موضوع علم الصرف وقد يكون في تأليف المفردات داخل الجملة وهذا موضوع علم النحو وقد يكون في مطابقة العبارة للمعنى وهذا موضوع علمي المعاني والبيان. واعتبر السكاكي علوم الصرف والنحو والمعاني والبيان بالإضافة إلى علم اللغة مجموعة علوم متكاملة انتظمت عنده في نسق واحد2. وكان أبو حيان النحوي أول من أطلق مصطلح علوم اللسان العربي على علوم اللغة. وقد تابعه ابن خلدون في استخدام هذا المصطلح. تضم علوم اللسان   1 انظر: نزهة الألباء في طبقات الأدباء لابن الأنباري تحقيق: عطية عامر. ص 53، انظر: لمع الأدلة في أصول النحو، تحقيق: عطية عامر، ص 227. 2 انظر: مفتاح العلوم للسكاكي المؤلف سنة 716 هـ تقريبا ص 3، والبلاغة عند السكاكي لأحمد مطلوب ص 65. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 العربي عند أبي حيان علم اللغة وعلم التصريف وعلم النحو. يتناول علم اللغة "مدلول مفردات الكلم" ويتناول علم التصرف "أحكام مفردات الكلم قبل التركيب" أما علم النحو فيتناول أحكام مفردات الكلم "حالة التركيب" وبذلك كان مصطلح "علوم اللسان العربي" عند أبي حيان شاملا لعلوم اللغة عند العرب دون غيرها من العلوم1. ولا يقتصر مجال علوم اللسان العربي عند ابن خلدون على النحو واللغة بل ضم إليهما علم البيان وعلم الأدب، وبذلك لم يفصل ابن خلدون بين علوم اللغة بمعناها المحدد والدراسة الأدبية2. ويقوم تصنيف طاشكبري زاده للعلوم اللغوية وما يتعلق بها من دراسات على أساس التمييز بين ما يتناول "المفردات" من جانب وما يتناول "المركبات" من الجانب الآخر3. ذكر طاشكبري زاده أن دراسة المفردات تتناول مجالات خمسًا، أولها: علم مخارج الحروف. ويعد هذا المصطلح أول تسمية محددة شاملة لما يطلق عليه في العصر الحديث علم الأصوات، فإذا كانت الدراسة الصوتية قديمة في التراث العربي فإن سيبويه والخليل ومن جاء بعدهما لم يضعوا لها تسمية خاصة وشاملة إلى أن جاء طاشكبري زاده وحاول في تصنيفه للعلوم أن يخصص هذه الدراسة. فأطلق عليها علم مخارج الحروف، وجعل هذا العلم أول مجالات البحث اللغوي، وبهذا اتفق طاشكبري زاده مع ما تعارف عليه اللغويون المحدثون بعده بقرون. يتناول علم مخارج الحروف معرفة تصحيح مخارج الحروف -كيفية وكمية- وصفاتها العارضة لها بحسب ما تقتضيه طباع العرب ... ويستمد من العلم الطبيعي وعلم التشريح ويتضح من تحديد   1 انظر: الإدراك للسان الأتراك ص66. 2 مقدمة ابن خلدون 1254، وقد أطلق عليها ابن خلدون في موضع آخر ص1263 "العلوم اللسانية". 3 مفتاح السعادة ص99. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 طاشكبري زاده لمكان علم مخارج الحروف في أول مجالات البحث اللغوي إدراكه العميق لأهمية علم الأصوات، بل ويعد فهمه لعلاقة البحث الصوتي بالعلم الطبيعي وبعلم التشريح سابقا لعصره ولكثيرين ممن جاءوا بعده. وإلى جانب علم مخارج الحروف تضم دراسة المفردات عند طاشكبري زاده: "علم اللغة" ويبحث "جواهر المفردات وهيئاتها من حيث الوضع للدلالة على المعاني الجزئية" كما يضم "علم الوضع"، ويبحث في "تفسير الوضع وتقسيمه إلى الشخصي والنوعي والعام والخاص"، والمقصود بذلك دراسة الدلالات التي وضعت لها الألفاظ، ويضم أيضا "علم الاشتقاق" وموضوعه كيفية خروج الكلم بعضها عن بعض. وآخر مجالات دراسة المفردات: علم الصرف1 وعلى هذا تتناول دراسة المفردات عند طاشكبري زاده ما يقابل علم الأصوات وعلم بنية الكلمة وعلم الدلالة في مجالات علم اللغة الحديث. أما بنية الجملة فقد جعلها طاشكبرى زاده الموضوع الأول للبحث في المركبات، وتضم دراسة المركبات عنده النحو والمعاني والبيان والبديع والعروض والقوافي ... إلخ2 .... وبذلك ضم طاشكبري زاده ... هذه الدراسات الأدبية مع علم النحو في إطار واحد. ويتفق التهانوي في تصنيفه لما أطلق عليه العلوم العربية مع تصنيف هذه العلوم عند طاشكبري زاده اتفاقًا بعيدًا، ولكن التهانوي لم يخصص لعلم الأصوات قسمًا مستقلا كما فعل طاشكبري زاده. بل بدأ التهانوي حصره للعلوم العربية بعلم اللغة، ثم جاء علم الصرف، وعلم الاشتقاق، وعلم النحو، وعلم المعاني، وعلم البيان، وعلم العروض، وعلم القافية ..... إلخ3 وقد   1 مفتاح السعادة ص100. 2 مفتاح السعادة ص144 3 كشاف اصطلاحات الفنون 1/ 18- 19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 ظل مصطلح العلوم العربية مستخدمًا عند أصحاب الثقافة السلفية في العالم العربي الحديث. فقد صنف الشيخ المرصفي العلوم العربية إلى علم "متن اللغة" و"فقه اللغة" و"علم الصرف" و"علم النحو"، والفرق بين علم متن اللغة وفقه اللغة عند المرصفي أن الأول يبحث في "أوضاع الألفاظ لمعانيها" والثاني يبحث الألفاظ "باعتبار تخالفها في المعاني التي وضعت لها"1 أي أنه يعتبر علم متن اللغة هو معرفة المعاني الحقيقية للألفاظ وفقه اللغة هو دراسة الفروق في المعاني. وهكذا تنوعت التسميات التي أطلقت في مراحل تاريخية مختلفة على مجال البحث في اللغة، ولذا تعتبر هذه المصطلحات جزءًا من تاريخ البحث اللغوي. وينبغي أن نترك هذه المصطلحات للحديث في تاريخ العلم على أن تكون المصطلحات الحديثة قائمة على أساس النظرية الحديثة لعلم اللغة.   1 الوسيلة الأدبية إلى العلوم العربية 1/ 20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 الفصل الرابع: كتب طبقات النحويين واللغويين مدخل ... الفصل الرابع: كتب طبقات النحويين واللغويين هناك عدة مصادر عربية وغير عربية ترجمت للنحويين واللغويين وحدهم أو مع غيرهم من المشتغلين بالعلوم الأخرى. وتضم هذه الكتب أخبار النحويين واللغويين مع ذكر مكوناتهم الثقافية ومؤلفاتهم في علوم اللغة وفي غيرها، لذا تعد هذه المصادر مدخلا طبيعيا للتعرف على الحياة الثقافية والعلمية للمسهمين في التراث اللغوي العربي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 1- كتب الطبقات لقد اهتم النحاة ولما تمض مائة عام على وفاة سيبويه بتصنيف النحاة إلى طبقات على غرار تصنيف ابن سعد في كتابه "الطبقات الكبرى" لأعلام علمي الحديث والتفسير. ويبدو أن أول كتاب في هذا الموضوع هو كتاب "طبقات النحويين البصريين وأخبارهم" للمبرد، ت 285 هـ، لم يصل إلينا هذا الكتاب، غير أننا نتعرف على طبيعة مادته من النقول التي أخذها السيرافي عنه. كان السيرافي، ت 368 هـ، يورد في كتابه "أخبار النحويين البصريين" مادته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 بطريقتين متميزتين، فهو يقدم لبعض أخباره بسلسلة إسناد تسبق كل خبر وتشير إلى أخذه له عن طريق الرواية الشفوية1، ولكن السيرافي لا يقدم للأخبار التي أخذها عن المبرد بأية سلسلة إسناد ويكتفي بعبارة: قال المبرد2، وإذا كان السيرافي قد ولد سنة 280هـ ووفاة المبرد كانت 285هـ، فلا بد أن أخذ السيرافي للمادة المنسوبة للمبرد إنما قام على أساس اعتماد السيرافي على كتاب المبرد المؤلف في نفس الموضوع. وترجع أقدم كتب الطبقات الموجودة والتي ترجمت للنحويين واللغويين إلى القرن الرابع الهجري. ويعد كتاب مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي، ت 351هـ، أقدم كتاب وصل إلينا في الترجمة للنحويين، وله أهميته أيضا لأن المؤلف لغوي عرف الكثيرين ممن ترجم لهم من المشتغلين بعلوم اللغة حتى ذلك الوقت. أما كتاب أبي سعيد السيرافي، ت 368هـ، فقد وصل إلينا بعنوان "أخبار النحويين البصريين" وقد اعتمد السيرافي في كتابه هذا على كتاب المبرد، وأضاف إلى ذلك أخبار كثيرة وصلت مشافهة. موضوع كتاب السيرافي: ذكر مشاهير النحويين وطرف من أخبارهم وذكر أخذ بعضهم عن بعض والسابق منهم إلى علم النحو3. ذكر السيرافي في النحاة البصريين   1 مثال الإسناد: حدثنا أبو مزاحم موسى بن عبيد الله قال: حدثني عبد الله بن أبي سعيد الوراق، قال: حدثني مسعود بن عمرو، قال: حدثنا علي بن حميد الزارع، قال: سمعت حماد بن سلمة يقول: "من لحن في حديثي كذب علي" أخبار النحويين البصريين 33-34. 2 أمثلة الأخذ المباشر عن المبرد: قال أبو العباس: كان الأخفش أكبر سنًا من سيبويه " أخبار النحويين البصريين 38" ذكر أبو العباس محمد بن يزيد عن المازني عن الأخفش عن الكسائي قال ... "أخبار النحويين البصريين40" قال أبو العباس محمد بن يزيد: أبو زيد سعيد بن فارس الأنصاري صليبة من الخروج "أخبار النحويين البصريين41" ذكر أبو العباس قال: حدثني أبو بكر القرشي ..... "أخبار النحويين البصريين42" وكذلك المواضع في 44، 44، 45، 49، 49، 50، 50، 54، 58. 3 أخبار النحويين البصريين ص10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 فقط. ولم يذكر شيئًا عن النحاة الكوفيين وكأنه لا يعترف بهم ولا يهتم بأخبارهم. لم يترجم السيرافي في كتابه لكل النحويين البصريين حتى عصره بل قصر كلامه على نحاة البصرة حتى أبي العباس محمد بن يزيد المبرد وتلاميذه، وكأنه تحرج من الترجمة لمعاصريه فلم يترجم لهم. لم يهتم السيرافي إلا بذكر الأخبار الخاصة بهؤلاء النحاة فكتابه كتاب أخبار، ولذا فهو لا يذكر عن مؤلفات هؤلاء النحاة أية معلومات ولا يشير إلى أسماء هذه المؤلفات إلا نادرًا. أما كتاب طبقات النحويين واللغويين لأبي بكر الزبيدي، ت 379هـ، فهو كتاب أندلسي، مؤلفه لغوي ونحوي من أهم من أنجبتهم الأندلس في علوم اللغة. وترجع أهمية هذا الكتاب إلى كونه أندلسيا، فالكتب التي ذكرناها -من قبل- كانت كلها من العراق، وتقدم لنا صورة للحياة الثقافية والعلمية لنحاة المشرق، ولكن كتاب الزبيدي اهتم إلى جانب ترجمته لنحاة المشرق بالترجمة أيضا لعلماء المغرب والأندلس في النحو واللغة، فأتى بمادة جديدة لها أهميتها في دراسة النحويين واللغويين المغاربة والأندلسيين1.   1 أطلق الزبيدي على نحاة القيروان وما حولها "القرويين". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 2- كتاب الفهرست : ويعد كتاب الفهرست لابن النديم المؤلف سنة 377هـ المصدر الأول للتعرف على مؤلفات النحويين واللغويين حتى تاريخ تأليفه، وقد خصص ابن النديم المقالة الثانية أي الباب الثاني، من كتابه لأخبار النحويين واللغويين وأسماء كتبهم. وقد اعتمد ابن النديم على المصادر التي أتيحت له حول أخبار النحويين مثل كتاب أخبار النحويين البصريين لأبي سعيد السيرافي، ولكنه يمتاز عن الكتب السابقة عليه بأنه يذكر المصنفات التي ألفها كل نحوي ولغوي حتى عصره، وهو بذلك أقدم وثيقة تضم أسماء الكتب العربية في علوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 اللغة وفي غيرها. قسم ابن النديم هذه المقالة إلى قسم خاص بالبصريين وقسم آخر للكوفيين وقسم ثالث لمن خلط المذهبين. وقد تابع ابن النديم حركة التأليف في النحو واللغة منذ بدايتها حتى عصره. وبذلك يختلف ابن النديم عن كثير من علماء عصره والذين كانوا يتجنبون الترجمة لمن عاصرهم، فابن النديم يحترم النابهين من أبناء عصره وترجم لهم في حياتهم، فقد ذكر ابن النديم في ترجمة الرماني النحوي أنه كان على قيد الحياة وقت تأليف الكتاب1.   1 الفهرست لابن النديم "فلوجل" ص63: "أبو الحسن ..... الرماني ...... ويحيا إلى الوقت الذي بيض هذا الكتاب فيه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 3- كتب التراجم : هناك مجموعة كثيرة من الكتب التي ترجمت للنحويين واللغويين وحدهم أو مع غيرهم من أصحاب العلوم، ولكنها رتبتهم ترتيبا مخالفا لكتب الطبقات. كانت كتب الطبقات ترتبهم ترتيبا زمنيا، فكل طبقة تمثل مجموعة متعاصرة من العلماء، ولكن كتب التراجم لم تتبع هذا المنهج في الترتيب بل كانت ترتب الرجال وفق الأسماء الحقيقية لكل منهم، فالمبرد لا يذكر بهذا الاسم، بل ينبغي البحث تحت اسمه الحقيقي: محمد بن يزيد وسيبويه يذكر في هذه الكتب تحت اسمه الحقيقي: عمرو بن عثمان، وبغض النظر عن بعض السمات الخاصة ببعض هذه الكتب فإن أكثرها يرتب أسماء النحاة واللغويين الحقيقية ترتيبًا هجائيًّا. وصل إلينا من القرنين الخامس والسادس الهجريين كتابان مهمان ترجما للنحاة واللغويين، هما كتاب "تاريخ بغداد" لابن الأنباري، ت 577هـ، كتاب تاريخ بغداد من كتب التاريخ العام بل هو كتاب في تاريخ الرجال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 الذين كانت لهم ببغداد صلة مولد أو دراسة أو إقامة1، ولذا يضم الكتاب تراجم لعدد كبير من أعلام الحضارة الإسلامية حتى عصره؛ فما أكثر من كانت لهم صلة ببغداد حتى القرن الخامس الهجري. ويلاحظ في ترجمة الخطيب البغدادي للنحويين واللغويين أنه اعتمد على مصادر شفوية بجانب أخذه عن المؤلفات السابقة عليه في هذا المجال، وقد اهتم في المقام الأول بذكر الأخبار الخاصة بكل نحوي أو لغوي أتى بترجمته، وقد جاءت هذه الأخبار مزودة بأسانيدها المفصلة، فكتابه في الأخبار وليس في حصر المؤلفات وتصنيفها. ومن هذا الجانب يختلف كتاب "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي عن كتاب "الفهرست" لابن النديم. أما كتاب "نزهة الألباء في طبقات الأدباء" لابن الأنباري فهو كتاب موجز لخص المادة التي وجدها في الكتب السابقة عليه مثل الفهرست لابن النديم وتاريخ بغداد، ولكن ابن الأنباري حذف كثيرًا من أسانيد الأخبار التي وجدها في تاريخ بغداد. ولا يكاد كتاب نزهة الألباء يقدم مادة جديدة بخصوص النحويين واللغويين الذين جاءت ترجمتهم في المصادر التي ألفت قبل ابن الأنباري. ولكنه أضاف   1 يقول الخطيب البغدادي " ...... بدأنا بذكر الصحابة مفردًا عمن سواهم، أما التابعون ومن بعدهم فإنا سنورد أسماءهم في جملة البغداديين عند وصولنا إلى ذكر كل واحد منهم إن شاء الله تعالى، وهذه تسمية الخلفاء والأشراف والكبراء والقضاة والفقهاء والمحدثين والقراء والزهاد والصلحاء والمتأدبين والشعراء من أهل مدينة السلام الذين ولدوا بها أو بسواها من البلدان ونزلوها، وذكر من انتقل عنها ومات ببلدة غيرها، ومن كان بالنواحي القريبة منها ومن قدمها من غير أهلها ..... ألفته أبوابًا مرتبة على نسق حروف المعجم من أوائل أسمائهم وبدأت منهم بذكر من اسمه محمد تبركًا ..... ولم أذكر من محدثي الغرباء الذين قدموا مدينة السلام ولم يستوطنوها، سوى من صح عندي أنه روى العلم بها ...... غير نفر يسير عددهم عظيم عند أهل العلم محلهم ثبت عندي ورودهم مدينتنا ولم أتحقق تحديثهم بها، فرأيت أن لا أخلي كتابي من ذكرهم لرفعة أخطارهم وعلو أقدارهم" تاريخ بغداد 1/ 212- 213. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 مجموعة تراجم للغويين ونحويين ترد ترجماتهم لأول مرة في كتابه، وله أهميته من هذا الجانب. وهناك ثلاثة كتب من القرن السابع الهجري تضمنت تراجم النحويين واللغويين وهي "إنباه الرواة" للقفطي، ت 634 هـ، و"إرشاد الأريب" لياقوت، ت626 هـ، و "وفيات الأعيان" لابن خلكان، ت 681هـ، تناول القفطي وهو مؤلف مصري في كتابه "إنباه الرواة على أنباه النحاة" اللغويين والنحويين وحدهم. ولا يقتصر كتابه على ذكر النحويين واللغويين المصريين بل هو كتاب شامل لعلماء اللغة والنحو ومن ألف في علوم اللغة أو درس علوم اللغة في أرض الحجاز واليمن والبحرين وعمان واليمامة والعراق وأرض فارس والجبال وخرسان ..... والشام والساحل ومصر ....... وأفريقية ووسط المغرب وأقصاه وجزيرة الأندلس وجزيرة صقلية1" يتسم كتاب إنباه الرواة بالشمول والإحاطة؛ فقد ترجم للمشتغلين بعلوم اللغة في كل أنحاء الدول الإسلامية حتى عصره، إلا أنه لا يكاد يأتي بجديد حول النحويين الذي ترجم لهم مؤلفو القرن الرابع مثل السيرافي وابن النديم، وأهميته ترجع إلى ترجمته للنحاة الذين جاءوا بعد ذلك. ويضم كتاب "إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب" لياقوت الحموي تراجم كثيرة للمشتغلين بالعلوم المختلفة حتى عصره، فالأديب عنده هو المشتغل بالعلوم أيضا، ولذا عرف كتابه باسم "معجم الأدباء"2 خصص ياقوت تراجم مستفيضة للنحويين واللغويين واستقى مادته من كتب الطبقات السابقة عليه ومن كتاب الفهرست لابن النديم، كما أضاف إلى ذلك مادة كثيرة   1 إنباه الرواة 1/ 2 2 إرشاد الأريب، ط فريد رفاعي القاهرة، ويتناول هذا الكتاب: من عرف بالتصنيف واشتهر بالتأليف وصحت روايته وشاعت درايته وقل شعره وكثر نثره 1/ 50. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 أخذها من كتب أخرى، فقد اعتمد في ترجمته لأبي سعيد السيرافي، الحسن بن عبد الله، على كتب الطبقات وكتاب الفهرست، واقتبس نصوصا كثيرة حول السيرافي من كتب تليمذه أبي حيان التوحيدي مثل كتاب محاضرات العلماء وكتاب مثالب الوزيرين وكتاب الإمتاع والمؤانسة، أيضا من كتاب تقريظ الجاحظ، وقد ضاع الكتاب الأخير ولم يعد له أثر إلا ما نقل عنه ياقوت الحمودي وغيره1. ويعد ياقوت في كتابه "إرشاد الأريب" من أكثر العلماء العرب دقة في استخدام المصادر، يظهر هذا من عبارات كثيرة له تحفظ فيها تجاه النصوص التي ذكرها. فقد علق على خبر ذكره بقوله: أو كما قال أبو حيان فإني لم أنقل ألفاظ الخبر لقدم الأصل الذي قرأت منه2. وكان ياقوت يقارن عدة نسخ من الكتاب الواحد ليصل إلى حقيقة ما عناه مؤلفه دون تصحيف الوراقين والكتاب، نجد هذا واضحا في تعليقاته على بعض العبارات مثل: "وكانت النسخة غير مرضية فتركتها إلى أن يقع لي ما أرتضيه". وأكثر النسخ ... لا توجد هذه الرقعة فيها3. فياقوت كان يتحرى الدقة في النقل عن مصادره ويقارن النسخ بعضها ببعض تحقيقًا لمبدأ الأمانة العلمية في صحة النقل. ولذا يعتبر كتاب إرشاد الأريب على الرغم من تأخره زمنيًّا - من أهم الكتب التي ترجمت للنحويين واللغويين وغيرهم.   1 انظر ترجمة أبي سعيد السيرافي "الحسن بن عبد الله، ت 368" في إرشاد الأريب 8/ 14-233، وقد أشار ياقوت كثيرًا إلى مصادره: قرأت بخط أبي حيان التوحيدي في كتابه الذي ألفه في تقريظ عمرو بن بحر 8/ 150 "مفقود"، "وقال أبو حيان في كتاب محاضرات العلماء 8/ 152"، "قال في كتاب الإمتاع ... 8/ 178" ونص مناظرة أبي سعيد السيرافي مع متى بن يونس 8/ 190-233 " مأخوذ من الإمتاع والمؤانسة. 2 إرشاد الأريب 7/ 147. 3 إرشاد الأريب 7/ 260. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وقد اتبع ابن خلكان في كتابه "وفيات الأعيان" الترتيب الهجائي للأعلام المترجم لهم، اعتمد ابن خلكان على الكتب السابقة عليه، وأضاف إليها ما أخذه من أفواه الأئمة المتقنين وما أن فكر المؤلف في تحرير كتابه في صيغته الأخيرة سنة 654هـ حتى وجد أن ترتيب أسماء الأعلام ترتيبًا هجائيًّا أفضل من ترتيبهم وفق المعيار الزمني. ويفيد كتاب "وفيات الأعيان" في الترجمة للعلماء الذين لا نجد لهم تراجم في الكتب السابقة عليهم، ولكنه في كثير من التراجم لا يكاد يضيف إلى مصادره المعروفة لنا شيئًا. ويعد كتاب "بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة" للسيوطي، ت 911هـ، أحد الكتب الموسوعية التي ظهرت في مصر قبيل الفتح العثماني، ألف السيوطي في كل فروع المعرفة التي اعترف بها عصره، وهو فيها جميعا ناقل جامع لا يضيف إلى العلم جديدًا، تتركز قيمة كتبه في احتفاظها بنقول أخذها السيوطي من مصادر لم تعد متاحة للباحث الحديث. اعتمد السيوطي في بغية الوعاة على كتب الطبقات السابقة عليه، وأفاد أيضا من معرفته الواسعة للتراث العربي الأندلسي، ففصل القول في ذكر النحويين واللغويين والأندلسيين، وله أهميته من هذا الجانب، ويفيد كتاب بغية الوعاة في معرفة أعلام النحاة واللغة حتى عصره، وتتسم تراجم النحاة واللغويين عند السيوطي بالتركيز على ثقافة النحوي ومؤلفاته. وقد لاحظ السيوطي صعوبة البحث عن النحوي تحت اسمه الحقيقي، فأعد في آخر كتابه ثبتًا بالنحويين واللغويين وفق ألقابهم وكناهم، وبذلك يستطيع الباحث إذا عرف لقب النحوي أو كنيته أو اسمه الذي اشتهر أن ينظر في هذا الثبت ليجد الاسم الحقيقي للنحوي أو اللغوي1   1 يتناول الباب الأخير من بغية الوعاة الكنى والألقاب والنسب والإضافات، وهو باب مهم تشتد إليه الحاجة يذكر فيه من اشتهر بشيء من ذلك لينظر اسمه ويسهل الكشف عليه من بابه 2/ 367-395. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 4- المراجع العامة الحديثة في التراث : خصص المستشرق الألماني كارل بروكلمان C. Brokelman عدة فصول للمشتغلين بعلوم اللغة في كتابه عن التراث العربي1 وقد اهتم بروكلمان ببيان المسهمين في التأليف اللغوي العربي واحدًا واحدًا، وقد رتبهم ترتيبًا زمنيًّا ثم مكانيًّا. وترجع أهمية كتابه إلى اهتمامه بذكر الكتب التي ألفها كل واحد منهم. وبين أماكن وجود مخطوطاتها وأرقام هذه المخطوطات، وذكر طبعاتها إن كانت قد طبعت. وقد ظل كتاب بروكلمان أفضل دليل مصنف بالمخطوطات العربية عدة سنوات. ثم اتضح القصور في عمل العالم الكبير، ولم يعد الكتاب شاملا للتراث العربي المخطوط. فقد ظهرت آلاف المخطوطات التي لم تكن معروفة لبروكلمان وصنفت مجموعات كاملة لم يكن أحد قد سمع بها قبل اكتشافها. وهنا شرع عالم تركي هو فؤاد سزكين في إكمال كتاب بروكلمان، ولكن عمله تجاوز حدود الإكمال والتذييل فأصبح عملا مستقلا متكاملا. وقد أطلق سزكين على كتابه في الأصل الألماني اسم Geschichte des arabischen Schrifttums أي: تاريخ التراث العربي2. ويمتاز هذا العمل الكبير عن كتاب بروكلمان بمميزات أساسية، فقد عرف سزكين مخطوطات أكثر، وعرف عن المخطوطات   1ترجع كلمة Litteratur في الألمانية إلى الكلمة اللاتينية Litteratura وتعني الكتابة بالحروف والكتابات عمومًا. وتستخدم الكلمة الألمانية بمعنى التراث المدون في كل فروع المعرفة، وبهذا المعنى استخدم بروكلمان الكلمة عنوانًا لكتابه الذي لا يتناول الأدب الفني فحسب، بل يضم أيضا كل فروع المعرفة العربية ومنها، علوم اللغة، ولذا فكتاب بروكلمان ليس في تاريخ الأدب العربي، بل في تاريخ التراث العربي. 2 يضم كتاب سزكين في الجزء الأول قائمة تكاد تكون كاملة بمكتبات المخطوطات العربية في العالم وبفهارسها ويتناول الجزء الرابع والجزء الخامس من الترجمة العربية التراث اللغوي العربي، يصدر الجزء الرابع من: تاريخ التراث العربي في 1974. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 التي عرفها بروكلمان معلومات أكثر. يمتاز كتاب سزكين عن كتاب بروكلمان بأنه يذكر عند كل مخطوط معلومات مهمة عن حالته وعدد أوراقه وتاريخ نسخه. وهو بهذا أفضل عمل ببليوجرافي حديث للتراث العربي. وينبغي عند دراسة النحويين واللغويين والأخبار الواردة عنهم وعند التعرف على صحة نسبة مؤلفاتهم لهم أن يراعي الباحث الترتيب التارخي المذكور لكتب الطبقات والتراجم فقد أثبتت الدراسة المقارنة لهذه الكتب أن اللاحق منها ينقل عن السابق نقلا، ولا يضيف جديدًا، والكتب المتأخرة لا تعنى بالأسانيد مما يجعل من الصعب دراسة مصدر النص ورواته، وإذا افترضنا صحة النقل في أكثر الكتب المتأخرة فلا جدوى من استخدامها إذا كانت المصادر الأقدم متاحة للباحث الحديث. والواجب العلمي يقتضي أن نستخدم أقدم المصادر، فلا فائدة من النقل عمن نقل عن المصدر الأصلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 الفصل الخامس: المكتبة النحوية مدخل ... الفصل الخامس: المكتبة النحوية ذكر السيرافي في أخبار النحويين البصريين قصة كتابين نسبهما البعض لعيسى بن عمر، ت 149هـ، وهما كتاب "الجامع" و"المكمل" ثم قال السيرافي بعد ذلك وهذان الكتابان ما وقعا إلينا ولا رأيت أحدًا يذكر أنه رآهما1. وأكد ابن النديم هذا بقوله وقد فقد الناس هذين الكتابين منذ المدة الطويلة ولم تقع إلى أحد علمناه، ولا خبرنا أحد أنه رآهما2. فإذا افترضنا صحة ما نسب إلى عيسى بن عمر فإن البحث العلمي لا يستطيع القول بشيء في كتابين لم يبق منهما أثر. وقد اهتم مؤلفو كتب الطبقات بقصة وضع النحو عن أبي الأسود وحاول ابن النديم بحث هذه القصة قال: "ورأيت ما يدل على أن النحو عن أبي الأسود ما هذه حكايته. وهي أربعة أوراق أحسبها من ورق الصين. ترجمتها هذه: فيها كلام في الفاعل والمفعول من أبي الأسود ... ثم لما   1 انظر: أخبار النحويين للبصريين ص25. 2 الفهرست لابن النديم ط فلوجل ص42 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 مات هذا الرجل فقدنا القمطر وما كان فيه فما سمعنا له خبرًا1. والمقصود بذلك الرجل أحد أصحاب خزائن الكتبة ولا يستطيع الباحث أن يخرج بشيء من هذا الخبر عن جهود أبي الأسود الدؤلي في النحو إن كانت له فيه جهود على الإطلاق.   1 الفهرست لابن النديم ص41. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 1- كتاب سيبويه والنحاة البصريون : يعد "الكتاب" أو كتاب سيبويه أقدم ما وصل إلينا في النحو العربي. يضم كتاب سيبويه إلى جانب آراء مؤلفه أبي بشر، عمرو بن عثمان جهود نحويين آخرين تقدموا سيبويه، وعرف آراءهم فذكرها في كتابه وهؤلاء النحويين هم: 1- عبد الله بن إسحق الحضرمي، ت 117هـ. 2- عيسى بن عمر الثقفي، ت 149هـ. 3 أبو عمرو بن العلاء، ت 154هـ. 4- الخليل بن أحمد، ت 174هـ. 5- يونس بن حبيب، ت 183هـ. وأقدم هؤلاء النحاة عبد الله بن إسحق الحضرمي الذي عده ابن سلام صاحب طبقات الشعراء أول من بعج النحو ومد القياس وشرح العلل1 ولا شك أن أهم هؤلاء الخليل بن أحمد، أستاذ سييبويه وأكثرهم تأثيرًا في فكره العلمي. وقد حدد كتاب سيبويه لأجيال النحويين على مدى القرون معالم البحث   1 طبقات فحول الشعراء لابن سلام. وقارن أخبار النحويين للبصريين للسيرافي ص20 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 النحوي ومنهج معالجة قضايا النحو، وظل فكرهم في إطاره بغض النظر عن اختلافات جزئية بسيطة قامت عليها المدارس النحوية وقد كان كتاب سيبويه منذ تأليفه في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري أساس دراسة النحو في كل أنحاء العالم الإسلامي، قال السيرافي وكان كتاب سيبويه لشهرته وفضله، علمًا عند النحويين. فكان يقال بالبصرة: قرأ فلان الكتاب. فيعلم أنه كتاب سيبويه وقرأ نصف الكتاب، ولا يشك أنه كتاب سيبويه1 والمتتبع لتاريخ النحويين العرب يلاحظ أن الكتاب كان عمدة الدراسة النحوية حتى القرن الثامن الهجري. وكان طلاب العلم يقرءون كتاب سيبويه على نحويين تخصصوا فيه، وعرفوا بإجادتهم له وحسن تدريسهم له. كان الأخفش سعيد بن مسعدة، ت 221هـ، أول من قام بتدريس كتاب سيبويه، يقول السيرافي، الطريق إلى كتاب سيبويه الأخفش، وذلك أن كتاب سيبويه لا نعلم أحدًا قرأه على سيبويه ولا قرأه عليه سيبويه ولكن لما مات سيبويه قرأ الكتاب على أبي الحسن الأخفش، وكان ممن قرأه، أبو عمر الجرمي صالح بن إسحق. وأبو عثمان المازني بكر بن محمد، وغيرهما2. وبذلك كان تلاميذ الأخفش أول مجموعة من النحاة تتلمذت على كتاب سيبويه، وكان لكل واحد منهم اهتمام خاص بالكتاب. اهتم أبو عمر الجرمي، ت 225هـ، بدراسة الأبنية الصرفية التي وردت في كتاب سيبويه، وصنف في ذلك كتبًا كثيرة لا نعرف إلا أسماءها، كما ألف أيضا في "تفسير غريب سيبويه" وكتابًا آخر بعنوان "الفرخ"، أي فرخ كتاب سيببويه، لم يبق أي كتاب من كتب الجرمي، ولكنها كانت من أهم المصادر التي اعتمدت عليها شروح سيبويه التالية. أما أبو إسحق الزيادي، ت 249هـ، فهو أول من ألف   1 طبقات النحويين للسيرافي ص 39. 2 طبقات النحويين للسيرافي ص 39. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 كتابًا بعنوان "شرح كتاب سيبويه" ولم يبق من هذا الكتاب إلا بعض النقول في الكتب التي نقلت عنه. ويعد كتاب التصريف للمازني الكتاب الثاني الذي وصل إلينا في النحو العربي بعد كتاب سيبويه. لقد تتلمذ أبو عثمان المازني، ت 248هـ، على الأخفش، وقرأ عليه كتاب سيبويه، واهتم أيضا بالأبنية الصرفية كما فعل زميله الجرمي وقد وصل كتاب التصريف للمازني مشروحًا بقلم أبي الفتح عثمان بن جني، ت 392هـ، وكتاب التصريف أقدم كتاب مستقل وصل إلينا حول الأبنية الصرفية. يتفق مؤلفو كتب الطبقات على أن أبا العباس محمد بن يزيد المبرد، ت 285هـ، أهم نحاة المدرسة البصرية في القرن الثالث الهجري، لقد ألف المبرد مجموعة كبيرة من الكتب اللغوية بالمعنى الشامل، ولكن أهمها هو كتاب "المقتضب" وهو كتاب شامل يضم كل الجوانب النحوية والصرفية والصوتية التي تناولها كتاب سيبويه وهذا الكتاب هو الكتاب الثاني بعد كتاب سيبويه في تناوله لكل هذه الجوانب، وهناك قضايا نحوية ولغوية كثيرة تناولها المبرد في كتبه الأخرى وخصوصا في كتابه الكامل وفضلا عن الكتب التي وصلت إلينا للمبرد فله كتاب آخر مفقود ذكرته كتب الطبقات والتراجم باسم "الرد على سيبويه" ويعني تأليف المبرد لكتاب بهذا العنوان عدم اتفاقه -وهو البصري- مع كبير نحاة البصرة سيبويه. أي أن وحدة المدرسة البصرية أمر نسبي، وقد أدى اختلاف وجهات نظر المبرد عن سيبويه في بعض المسائل إلى ظهور كتاب في الدفاع عن سيبويه والرد على المبرد، وهو كتاب "الانتصار لسيبويه من المبرد" للنحوي المصري ابن ولاد، ت 332هـ1. وقد درس على المبرد عدد كبير من النحويين المبرزين الذين كان لهم أثر   1 كتاب الانتصار لسيبويه من المبرد لابن ولاد، يوجد مخطوطًا في: دار الكتب بالقاهرة، مخطوط 705 نحو تيمور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 كبير في حمل التراث النحوي ودراسته والتعليق عليه. وأهم تلاميذ المبرد أبو بكر بن السراج، ت 316 هـ، وأبو إسحق الزجاج، ت 311هـ، وابن درستويه، ت بعد 330 هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 النحاة الكوفيون في القرنين الثاني والثالث ... 2- النحاة الكوفيون في القرن الثاني والثالث: هناك أسماء كثيرة تذكرها كتب الطبقات وكتاب الفهرست لنحويين ولغويين كوفيين، وقد خصص لهم ابن النديم فصلا مستقلا يحتوي على "أخبار النحويين واللغويين الكوفيين" ويعد الكسائي والفراء وثعلب أكثر أسماء الكوفيين شيوعًا في كتب النحو العربي. لم يصل إلينا أي كتاب كامل يوضح منهج الكوفيين في التحليل النحوي1، فلا نعرف لهم كتابًا يضارع كتاب سيبويه أو كتاب المقتضب للمبرد ولكن نتعرف على آرائهم اللغوية من كتبهم التي ضمنت موضوعات مختلفة من بينها قضايا النحو واللغة. فالكسائي، ت 197هـ، نحوي كوفي مشهور عاصر سيبويه وكانت بينهما اختلافات ومشاحنات، ولم يبق من مؤلفات الكسائي إلا رسالة صغيرة في لحن العامة، وقد ضاعت باقي كتبه ولا نستطيع التعرف على آرائه إلا من خلال الكتب النحوية التي نقلت هذه الآراء وحفظتها بذلك من الضياع. وقد ذكر ابن النديم للفراء، ت 207هـ، كتبًا كثيرة في علوم اللغة منها كتاب الحدود في النحو، وقد ضاع هذا الكتاب، ولم يبق منه إلا فهرس موضوعاته، فقد نقله ابن النديم في كتاب الفهرست2 وأهم مصدر نتعرف   1 كتاب "الموفي في النحو الكوفي" تأليف صدر الدين الكنغراوي الإستانبولي ليس من تأليف أحد نحاة الكوفيين المعروفين، بل هو بحث علمي لنحوي متأخر حول مذهب الكوفيين في النحو وقد طبع ضمن مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق. 2 نقل ابن النديم فهرست كتاب "أسماء الحدود" في الفهرست ص67. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 منه على آراء الفراء النحوية واللغوية هو كتابه "معاني القرآن" وهو أهم كتبه التي وصلت إلينا. وليس كتاب "معاني القرآن" في التفسير بالمعنى المباشر بل هو كتاب في اللغة اتخذ القرآن الكريم موضوعًا له، وقد وصلت إلينا ثلاثة كتب أخرى للفراء تناولت موضوعات لغوية، وهي "المذكر المؤنث" و"المنقوص والممدود" و"الأيام والليالي والشهور". وثالث النحويين الكوفيين المبرزين هو ثعلب، ت 291 هـ، وكثيرًا ما كان أبو العباس ثعلب بين معاصريه موضع مقارنة مع أبي العباس المبرد، كان المبرد كبير نحاة البصرة بينما كان ثعلب أكبر نحوي كوفي في نفس الفترة وقد وصلت إلينا عدة كتب لثعلب أهمها كتاب "الفصيح"، وهو كتاب في المفردات، ولكن آراءه النحوية واللغوية موجودة أيضا في كتاب مجالس ثعلب. وهناك علماء كثيرون تذكرهم كتب الطبقات، وكان جهدهم في علوم اللغة مقصورًا على جمع المفردات، وتحديد أبنيتها الصرفية، وتصنيفها وتدوين الملاحظات عليها، ومن هؤلاء أبو عمرو الشيباني صاحب كتاب "الجيم"، وهو معجم لغوي، وأبو عبيد القاسم بن سلام مؤلف "الغريب المصنف" وهو كتاب في المفردات، وابن السكيت مؤلف "إصلاح المنطق" وهو كتاب في التثقيف اللغوي، وكل هذا يشير إلى أن جهد العلماء الكوفيين كاد ينصرف إلى بحث المفردات وتصنيفها، ولم يكن اهتمامهم ببنية اللغة إلا اهتمامًا ثانويًّا لا يرقى إلى مستوى المدرسة البصرية، ولذا فقد سادت آراء البصريين في النحو العربي وحدها دون غيرها في القرون التالية، وأصبح المنهج النحوي وتعليم النحو يقوم -في المقام الأول- على آراء البصريين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 3- نحاة القرن الرابع : عرف القرن الرابع مجموعة من النحاة أكثرهم في بغداد، وأهمهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 ابن السراج، ت 316 هـ، والزجاج، ت 311هـ، وابن درستويه توفي بعد 330 هـ وأبو سعيد السيرافي ت 368 هـ وأبو علي الفارسي ت 377هـ والرماني ت 385هـ وابن جني 391هـ. وقد وصلت إلينا كتب كثيرة من مؤلفات هؤلاء النحاة. اهتم ابن السراج، ت 316 هـ، بكتاب سيبويه اهتمامًا كبيرًا، فقد كان يقوم بتدريس كتاب سيبويه وقد لاحظ ابن السراج تعدد نسخ كتاب سيبويه فقارن النسخ المتداولة في عصره وأثبت مجموعة الفروق والاختلافات بين هذه النسخ. كان كتاب سيبويه حتى ذلك الوقت أساس تدريس النحو، ولذا كثرت نسخه وكثرت معها التصحيفات والاختلافات وأحس ابن السراج الذي ولد بعد وفاة سيبويه بأقل من مائة عام بضرورة المقابلة بين نسخ الكتاب المختلفة للتوصل إلى النص الصحيح، فقام بذلك وسجل ملاحظاته حول اختلاف نسخ كتاب سيبويه في كتاب أصول النحو1 ويعد كتاب أصول النحو لابن السراج الكتاب النحوي الثالث بعد كتاب سيبويه والمقتضب للمبرد، فإذا كان ابن السراج هو صاحب أول محاولة لتحقيق كتاب سيبويه فهو إلى جانب هذا مؤلف "أصول النحو". وقد وصل إلينا من كتب أبي إسحق الزجاج، ت 311هـ، أكثر من كتاب وأهم مؤلفاته التي بقيت لنا كتاب "سر النحو" ويتناول هذا الكتاب موضوع الممنوع من المصرف. وقد اتضح من مقارنة هذا الكتاب أنه ألف تيسيرًا لفهم كتاب سيبويه. وكأن الزجاج أراد أن يشرح كتاب سيبويه فألف كتابه "سر النحو" يدل على ذلك أن ترتيب موضوعات "سر النحو" هو   1 وصل إلينا كتاب "أصول النحو" لابن السراج -بعد أن كان في حكم المفقود- في عدة قطع متكاملة، وجدت في المتحف البريطاني والمغرب وتركيا وهناك مواضع كثيرة نقل بعضها السيرافي في شرحه لكتاب سيبويه تشهد بجهد ابن السراج في تحقيق نص كتاب سيببويه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 نفس ترتيب أبواب كتاب سيبويه في موضوع الممنوع من الصرف فالترتيب الداخلي واحد في الكتابين. وفي منتصف القرن الرابع الهجري عرفت بغداد ثلاث شخصيات مرموقة من اللغويين والنحويين. لقد عُرف أبو سعيد السيرافي،ت 368هـ، بشرحه الكبير لكتاب سيبويه، كما اشتهر الرماني، ت 385هـ، بشرحه لكتاب سيبويه أيضا يتفق السيرافي والرماني في إعجابهما بسيبويه والتزامهما بمنهج نحاة البصرة ولكن شرحيهما يختلفان، فقد ذكر السيرافي كثيرًا من الشواهد والآراء النحوية وعرض في كتابه لمعارفه النحوية واللغوية العميقة. أما شرح الرماني فلا يعكس أي اهتمام بالشواهد وآراء النحاة الذين عاشوا بعد سيبويه وكأنه اكتفى بشرح مضمون كتاب سيبويه بطريقة منطقية. ويمتاز شرح السيرافي باهتمامه بموضوعات لم تنل عند معاصريه نفس الاهتمام، فقد خصص السيرافي في آخر شرحه لسيبويه بابًا خاصًا لآراء الكوفيين في الدراسات الصوتية، وهذا الباب هو مصدرنا الوحيد للتعرف على آراء الكوفيين في الأصوات. أما ثالث الثلاثة فهو أبو على الفارسي، ت 377هـ، وقد وصلت إلينا كتب كثيرة له منها المسائل الشيرازيات إلى جانب كتابه في علم القراءات "الحجة في القراءات". لقد تتلمذ أبو الفتح عثمان بن جني، ت 392 هـ، على هؤلاء النحاة الأعلام فأصبح أهم نحاة بغداد في عصره. ألف ابن جني كتبًا كثيرة في علوم اللغة منها كتاب "الخصائص" الذي يضم حشدَا من القضايا الصرفية والدلالية والنحوية، وكتاب "سر صناعة الإعراب" لابن جني ليس في الإعراب النحوي بل هو أول كتاب عربي مستقل في الدراسات الصوتية فالإعراب عنده هو الإبانة نطقًا. بدأت علوم اللغة في مصر والأندلس في القرن الرابع الهجري امتداد لجهود علماء بغداد. لقد درس ابن ولاد، ت 332هـ، وأبو جعفر النحاس، ت 338هـ، النحو في بغداد على الزجاج وأسسا علم النحو في مصر فابن ولاد أول نحوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 مصري، وقد وصلت إلينا بعض كتبه، مثل: المقصور والممدود، والانتصار لسيبويه من المبرد، أما أبو جعفر النحاس فقد اهتم بالقراءات وبكتاب سيبويه وألف فيهما. وبدأت علوم اللغة في الأندلس تأخذ شكلها الواضح بهجرة أبي علي القالي، ت 356 هـ، بعد أن درس علوم اللغة في بغداد. وبذلك نقل أبو علي القالي دراسة كتاب سيبويه وتدريس اللغة والأدب إلى الأندلس، وبه بدأت المدرسة الأندلسية في علوم اللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 4- الكتب النحوية التعليمية والمنظومات : عرف القرن الرابع الهجري اتجاهًا جديدًا لتأليف كتب تعليمية في النحو، وأول كتاب في هذه المجموعة هو كتاب الجمل للزجاجي، ت 337هـ، وقد ضم الزجاجي في كتابه "الجمل" كل أبواب النحو والصرف بأسلوب سهل موجز وألف ابن السراج، ت 316هـ، كتابًا تعليميًّا بعنوان "الموجز في النحو". ثم ألف أبو علي الفارسي، ت 377هـ، كتابين تعليميين هما "الإيضاح في النحو" و"التكملة في الصرف" وألف ابن جني، ت 391هـ، كتابًا تعليميًّا هو "اللمع" وتختلف هذه الكتب مجتمعة عن الكتب النحوية السابقة عليها فالكتب التعليمية كتب موجزة واضحة الشواهد شاملة لكل الأبواب في عرض سهل وعبارة واضحة، ولذا دارت حولها دروس تعليم النحو عدة قرون، فكثرت شروحها بتعدد مدرسي هذه الكتب وقد اهتم الأندلسيون بكتاب "الجمل" للزجاجي فألفوا عليه أكثر من عشرين شرحًا. وزادت الكتب النحوية التعليمية في القرن الخامس الهجري والقرون التالية زيادة ملحوظة وظهرت محاولات أخرى لوضع منظومات تعليمية تلخص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 النحو في منظومة أعدت لكي يحفظها التلاميذ. وأشهر هذه المحاولات ألفية ابن مالك، ت 672هـ، حاول ابن مالك أن ينظم كل قواعد النحو نظمًا لتكون في قصيدة ألفية يسهل حفظها، يتركز جهد ابن مالك في الصياغة وترجيح رأي نحوي على آخر، فلقد كان ابن مالك وأبناء عصره أبعد الناس عن ملاحظة التغير اللغوي وتسجيل مادة جديدة أو النظر إلى مادة قديمة بمنهج جديد لقد أعجب معاصروه كما أعجبت القرون التالية ببراعة ابن مالك في صياغة ألفيته التي فاقت غيرها من الألفيات، فاهتم مدرسو النحو بشرحها وبتعليق الحواشي على شروحها، واستمرت حركة تأليف الشروح على الألفية دون انقطاع أكثر من خمسة قرون، ومن أشهر هذه الشروح شرح ابن عقيل، ت 769هـ، والأشموني، ت 929هـ، وقد وضع الصبان، ت 1206هـ، حاشية على شرح الأشموني، ولا تزال هذه المنظومات والشروح والحواشي تشغل ساعات دراسة النحو في أكثر المعاهد العلمية المهتمة بذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 5- الموسوعات النحوية والشروح : كانت ظاهرة تأليف الموسوعات النحوية موازية لاتجاه تأليف الكتب التعليمية والمنظومات. تتسم الموسوعات النحوية التي بدأت بالمفصل للزمخشري، ت 538هـ، بالتركيز الشديد ومحاولة حشد آراء النحاة والاهتمام بالتقسيمات الداخلية للموضوعات. وقد أدت الصياغة المركزة لهذه الكتب إلى ضرورة شرحها كي نفهم، وكأنها ألفت موجزة لكي تحفظ حفظًا، فكتاب "المفصل" للزمخشري كتاب مركز يضم بين دفتيه كل أبواب النحو العربي، وقد شرح "المفصل" عشرات المرات لم يطبع منها إلا شرح ابن يعيش، ت 643هـ. وبعد أن ألف ابن الحاجب، ت 646هـ، متنيه التعليميين: "الكافية"في النحو و"الشافية" في الصرف بدأ الشراح في تناول الكتابين بالتفصيل والتعليق فألفت على كل منهما عشرات الشروح العربية والتركية. وأشهر شروح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 الكافية والشافية شرح الرضي الإستراباذي، ت 688هـ، عليها. وهناك محاولات كثيرة للتعليق على شرح الإستراباذي على الكافية وإيضاح شواهده، أشهرها كتاب "خزانة الأدب" لعبد القادر البغدادي، ت 1093هـ. ولا شك أن أفضل جهد موسوعي في هذه الفترة هو كتاب "مغني اللبيب" لابن هشام، ت 762هـ، لقد شارك ابن هشام أبناء عصره في الاهتمام بتأليف المتون التعليمية وشرحها، فألف متن "شذور الذهب" ومتن "قطر الندى" وشرحهما وكتاب ابن هشام "أوضح المسالك في شرح ألفية ابن مالك" ولكن كتابه الأكثر أهمية هو كتاب "مغنى اللبيب"، فهو أفضل كتاب حول الجملة العربية وتحليلها النحوي. وشارك السيوطي، ت 911هـ، في التأليف الموسوعي في النحو بعدة مؤلفات ضخمة ضم فيها آراء السابقين عليه. فالسيوطي في كل كتبه عالم على طريقة الجمع والتأليف، كان يجمع ما أمامه في الكتب المختلفة حول موضوع واحد، فيؤلف فيه كتابًا ضخمًا. ومن أشهر جهوده في النحو كتاب: همع الهوامع، وقد ألف السيوطي متنًا صغيرًا هو جمع الجوامع، ثم شرحه بكتاب موسوعي هو "همع الهوامع". وترجع أهمية همع الهوامع إلى تسجيله لكثير من الآراء والخلافات النحوية وإلى اهتمامه بالنحاة الأندلسيين الذين أتيحت كتبهم له، نجد في "همع الهوامع" في مئات المواضع أسماء النحاة الأندلسيين والمغاربة المتأخرين مثل: ابن عصفور وابن خروف وابن الطراوة والشّلَوْبين ولا نعرف اليوم آراء هؤلاء بقدر ما نعرفها خلال اقتباسات السيوطي من كتبهم. ويضم كتاب "الأشباه والنظائر" للسيوطي نقولات كثيرة من الكتب النحوية المشرقية والمغربية التي أتيحت للسيوطي. ظلت حركة التأليف في النحو العربي في العصر العثماني في إطار وضع الشروح على المتون والمنظومات التعليمية. وكانت قيمة أي مؤلف في النحو تتركز في إحاطته إن كان يؤلف شرحًا موسوعيًّا، أو في حسن صياغته إن كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 يشرح متنًا تعليميًّا. ويعد عبد القادر البغدادي نموذجًا لشرح الشواهد، وله كتابان الأول "خزانة الأدب" في شرح شواهد الكافية والثاني في شرح شواهد "مغني اللبيب"، وكلا الكتابين موسوعة ضخمة تضم كثيرًا من المعلومات اللغوية والنحوية والأدبية. وهناك شروح تعليمية كثيرة ألفها مدرسو النحو في الأزهر مثل الشيخ حسن العطار. وتناول بعض هؤلاء شواهد الكتب التعليمية فشرحوها مثل: "شرح شواهد شرح ابن عقيل" للجرجاوي، و"شرح شواهد شرح شذور الذهب" للفيومي. وظل اهتمام مدرسي النحو في الأزهر محصورًا داخل إطار هذه الشروح العقيمة التي لم تأت بجديد. وليس مصادفة أن أول من اهتم بكتاب سيبويه في العصر الحديث وحققه تحقيقًا علميًّا هو المستشرق الفرنسي درنبور. وارتبطت حركة التجديد في عرض النحو العربي في شكل حديث بكتاب "التحفة المكتبية لتقريب اللغة العربية". وقد ألف رفاعة الطهطاوي هذا الكتاب على نمط مؤلفات الفرنسيين في عرض النحو. لقد أعجب رفاعة الطهطاوي في أثناء إقامته في فرنسا بمنهج الفرنسيين في عرض النحو، فخرج عن طريقة معاصريه في الشروح والهوامش والتعليقات والتقريرات. وألف كتابًا بسيط العبارة سهل العرض ليس له متن أو شرح، بل له نص واحد يقرأ فيفهم، وكان الطهطاوي أول من استخدم الجداول الإيضاحية في كتب النحو العربي1 وبذلك بدأت الكتب التعليمية الحديثة في النحو العربي، ثم ظهرت بعد ذلك حركة تحقيق التراث النحوية وأخذت الكتب النحوية الأساسية المبكرة تظهر بتحقيق العلماء العرب   1 حول الطهطاوي، انظر محمود فهمي حجازي: أصول الفكر العربي الحديث عند الطهطاوي، عالم الفكر، أبريل 1973. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 الفصل السادس: المكتبة اللغوية 1- جمع اللغة وتأليف المعاجم : قامت حركة التأليف في المعاجم العربية على أساس المادة التي جمعها اللغويون في البادية في القرن الثاني الهجري. لقد خرج عدد كبير من اللغويين إلى البادية. وأخذ كل منهم يجمع اللغة من أبناء القبائل العربية، وبذلك تم إنجاز أول عمل لغوي ميداني في الجزيرة العربية. ولاحظ كثير من البدو اهتمام اللغويين بتلقي اللغة عنهم، فهاجروا إلى جنوب العراق حيث ازدهرت علوم اللغة في البصرة والكوفة، وأخذوا يبيعون المادة اللغوية التي عندهم لكل من ينشدها من اللغويين. ولم تكن عملية جمع اللغة شاملة لتسجيل كل الألفاظ التي عرفتها القبائل العربية، بل كان اللغويون يصدرون في اختيارهم للقبائل واختيارهم للرواة عن مبدأ أساسي هو تسجيل اللغة الفصحى والابتعاد عن الصيغ والألفاظ غير الفصحى. وبهذا المعيار ركز اللغويون عملهم على لغة تلك القبائل التي تقترب كل الاقتراب من العربية الفصحى، ورفضوا لهجات القبائل البعيدة عن الفحصى، وبين هذا وذلك صنفت لهجات القبائل المختلفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 وظل هذا الأساس سائدًا في عملية جمع اللغة في القرن الثاني الهجري. وبذلك حفظت لنا كتب اللغة الاستخدام اللغوي عند مجموعة من القبائل العربية الشمالية. لقد اهتم اللغويون بقبائل قيس وتميم وأسد وهذيل وبعض بطون قبيلة كنانة وبعض بطون طيء1. وقد تجنب اللغويون أخذ اللغة عن الحضر، أي عن العرب المستقرين وعن القبائل العربية التي عاشت بالقرب من جماعات لغوية غير عربية، فلم يؤخذ من قبيلة لخم ولا من قبيلة جذام، لمجاورتهم أهل مصر والقبط، وبالمثل تجنب اللغويون أخذ اللغة عن قضاعة وغسان وإياد لمجاورتهم أهل الشام2. وأعرض جامعو اللغة عن قبائل تغلب لاختلاط هذه القبائل بالجماعات اللغوية غير العربية في الشام والعراق ومصر. أما قبائل العرب في اليمن وشرق الجزيرة العربية ومدن الحجاز فقد خرجت أيضا عن اهتمام اللغويين، وقد فسروا عدم أخذ اللغة عن أهل اليمن أن لغتهم تغيرت لمخالطتهم للهند والحبشة ورفضوا أخذ اللغة عن قبائل شرق الجزيرة العربية ومدن الحجاز باعتبار أن لغتهم اختلطت بلغة غير العرب. والواقع أن اللغويين لم يهتموا في القرن الثاني الهجري بالتنوع اللغوي في الجزيرة العربية، وقصروا اهتمامهم على تقرير فصاحة لغة القبيلة أو عدم فصاحتها، فشغلتهم قضية الفصاحة عن باقي القضايا الكثيرة التي يمكن طرحها في العمل اللغوي الميداني. فسر اللغويون التغير الذي لاحظوه في لهجات بعض القبائل   1 نص الفارابي المقتبس في المزهر للسيوطي 1/ 211. 2 هناك خطأ وقع فيه الفارابي هنا إذ ذكر أن أكثرهم "نصارى يقرءون بالعبرانية" فمعرفة العبرية في القرن الثاني الهجري، الثامن الميلادي كانت مقصورة على رجال الدين اليهود وقلة من المهتمين بالتراث اليهودي. والصحيح أن أهل الشام كانوا في فجر الإسلام من أبناء الآرامية بلهجاتها المختلفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 التي رفضوها بأنه ثمرة الاختلاط بأبناء الجماعات اللغوية غير العربية في مصر والشام والعراق وبأبناء الجماعات اللغوية الهندية والحبشية الذين اختلط بهم نفر من العرب. ولكن جامعي اللغة في القرن الثاني الهجري لم يهتموا بالعربية الجنوبية التي كانت دون شك منتشرة في مناطق من الجنوب العربي آنذاك، بل عدوا ما وجدوه عند قبائل اليمن من ظواهر لغوية مخالفة ضربًا من الاختلاط الذي أصاب اللغة وجعلها غير نقية وغير سليمة. وبذلك لم يكن العمل اللغوي في القرن الثاني الهجري محاولة لتسجيل جوانب الحياة اللغوية عند أبناء اللغة العربية أو محاولة لبحث جوانب التنوع اللغوي في الجزيرة العربية، بل كان محاولة للبحث عن الصيغ الفصيحة والكلمات الفصيحة عند القبائل العربية التي يقترب استخدامها للغة من المستوى اللغوي المنشود. وقد أثمرت حركة جمع اللغة مجموعة من الكتب والرسائل اللغوية، لقد جمع تجنب اللغويون ما عرفته القبائل الفصيحة من ألفاظ، وصنفوها في مجموعات دلالية وألفوا في هذا مجموعة كبيرة من الكتب. ألف الأصمعي، ت 216هـ، في خلق الإنسان والإبل والخيل والوحش والنبات والشجر، وألف أبو زيد الأنصاري في اللبن والمطر والنبات والشجر، وظلت الرسائل هي الشكل الوحيد الذي اتخذته دراسة الألفاظ العربية من الناحية الدلالية وقتا طويلا، إلى أن برزت إلى الدوائر العلمية حركة تأليف المعاجم. وقد كان لما ألفه الأصمعي وأبو زيد الأنصاري ومن عاصرهما من اللغويين أكبر الأثر في المعاجم العربية وفي نظرية اللغة عند العرب بشكل عام. لقد أخذ مؤلفوا المعاجم المادة التي دونها علماء القرن الثاني واحتفلوا بكل ما سجله الأصمعي وأبو زيد ومعاصروهما كل الاحتفال، ولذا تتكرر أسماء هؤلاء اللغويين في المعاجم اللغوية الكثيرة التي ظهرت في القرون التالية. وإذا كان هؤلاء اللغويون في القرن الثاني قد قصروا جهدهم على جمع الصيغ والدلالات الفصيحة أو القريبة كل القرب من الفصيحة فإن الأكثرية المطلقة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 علماء اللغة في القرون التالية قد لاحظت تغير الاستخدام اللغوي بعد القرن الثاني ولذا توقفت حركة العمل اللغوي الميداني توقفًا تامًا. ولم يكن العمل اللغوي الميداني في القرن الثاني الهجري هادفًا إلى دراسة التنوع اللغوي والتغير اللغوي في الجزيرة العربية أو في البيئات العربية الأخرى، بل اقتصروا على ما اتفقوا على القول بفصاحته. وظل اللغويون في القرون التالية يقصرون عملهم على المادة اللغوية التي اعترف علماء القرن الثاني بفصاحتها. وبذلك حددت حركة جمع اللغة في القرن الثاني الهجري إطار النظرية العامة للعمل اللغوي في القرون التالية. وظلت التعبيرات الشائعة في كتب اللغة مثل لغة الحجاز أو لغة أهل الحجاز أو لغة تميم أول لغة هذيل لا تعني الاستخدام اللغوي عند هذه القبائل عموما. بل تعني الاستخدام اللغوي عند هذه القبائل في القرن الثاني الهجري، وبذلك لم تختلف الظواهر التي عالجها السيرافي في القرن الرابع الهجري عن الظواهر التي ناقشها السيوطي في القرن التاسع الهجري، فهما يناقشان مثل باقي النحاة العرب ما سجله الباحثون في القرن الثاني الهجري. وعندما يذكر ابن منظور، ت 711هـ، والزبيدي، ت 1205هـ، في لسان العرب وتاج العروس مجموعة من الملاحظات حول دلالات الألفاظ، فإنهما لم يسجلا هذه الملاحظات عن الاستخدام اللغوي في القرن السابع الهجري أو القرن الثاني عشر للهجرة، بل نقلاها عن كتب تعود بدورها إلى كتب قام أكثرها على أساس ما جمعه اللغويون في القرن الثاني الهجري. وبذلك تعد حركة جمع اللغة في القرن الثاني الهجري أساس المادة اللغوية ونظرية اللغة عند أصحاب المعاجم العربية التالية. يعد نشاط العلماء العرب في عصر الحضارة الإسلامية لتأليف المعاجم من أبرز مظاهر جهدهم العملي، وهم بهذا أهم من ألف المعاجم قبل العصر الحديث على الإطلاق. لقد بدأت حركة تأليف المعاجم العربية موازية لتدوين الرسائل اللغوية في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة. وفي هذه الفترة أيضا ألف كتاب سيبويه. وبذلك عرف النصف الثاني من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 القرن الثاني للهجرة جمع اللغة وتدوين الرسائل اللغوية وبداية العمل المعجمي وبداية التأليف النحوي. وإذا كان القرن الرابع الهجري قد عرف مجموعة كبيرة من أعلام النحاة فإن نفس الفترة الزمنية أخرجت لنا عددًا كبيرًا من المعاجم اللغوية التي تمثل اتجاهات مختلفة في التأليف المعجمي، وكانت حركة تأليف الموسوعات النحوية موازية لتأليف المعاجم الموسوعية مثل لسان العرب، كما كانت حركة تأليف الحواشي والشروح النحوية مصحوبة بتأليف حواش على المعاجم وشروح لها، وكان عبد القادر البغدادي، ت 1093هـ، بكتابيه خزانة الأدب وشرح شواهد مغني اللبيب ظاهرة موازية لتأليف مرتضى الزبيدي لتاج العروس شرحًا للقاموس المحيط، وإذا كانت كتب النحو تختلف اختلافًا بسيطًا في تبويبها الداخلي وترتيبها للموضوعات فإن المعاجم العربية تقسم من ناحية ترتيبها للألفاظ الواردة فيها إلى مدارس مختلفة، لكل منها منهجها الخاص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 2- معاجم الترتيب الصوتي : يعد كتاب "العين" أقدم المعاجم العربية على الإطلاق ورائد أقدم مدرسة في التأليف المعجمي، يختلف كتاب العين عن الجهود الأخرى المبكرة في التأليف اللغوي في أنه أول محاولة لحصر ألفاظ اللغة العربية على نحو شامل وفي إطار نظام منهجي واضح، يتفق الباحثون على أن خطة كتاب العين من عمل الخليل بن أحمد، ولكن مدى إسهامه وإسهام تلميذه الليث بن المظفر في تنفيذ المعجم ظل موضع خلاف بين الباحثين. فمنهم من ينسب العمل كله للخليل ومنهم من ينكر نسبته للخليل وينسبه لليث بن الظفر1 وأغلب الظن أن جهد الخليل   1 انظر الفهرست لابن النديم 420 والمعجم العربي لحسين نصار 1/ 254 وما بعدها. المعاجم العربية مع اعتناء خاص بمعجم العين للخليل بن أحمد، تأليف عبد الله درويش القاهرة 1956. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 في كتاب العين هو المقدمة المنهجية1 وهي أهم ما في الكتاب، مع محاولة تطبيقها في الأبواب. أما الليث فهو رواية ما أعده الخليل ومؤلف باقي الكتاب. يقوم منهج الخليل في ترتيب ألفاظ اللغة العربية على مجموعة أسس عامة. 1- ترتب الكلمات باعتبار حروفها الأصول فقط، ومعنى هذا أن الخليل بنى معجمه على أساس التمييز بين الحروف الأصول والحروف الزوائد في الكلمة الواحدة، وهو أساس صرفي لم يكن من الممكن تصوره قبل اتضاح ملامح البحث في بنية الكلمة العربية، من هذا الجانب يختلف كتاب العين عن الرسائل الكثيرة التي ألفت في القرن الثاني الهجري والتي صنفت فيها الألفاظ تصنيفًا موضوعيًّا، وقد ظل المبدأ الذي وضعه الخليل في كتاب العين باعتبار الحروف الأصول دون الحروف الزوائد في ترتيب الكلمات أساسًا متعارفًا عليه في كل المعاجم العربية العامة حتى العصر الحديث، لم تخرج عنه إلا قلة من المعاجم الخاصة وبعض المعاجم التعليمية الحديثة. 2- ترتب الكلمات المندرجة في مادة لغوية واحدة ترتيبًا داخليًّا على أساس الأبنية الثنائي، الثلاثي -الصحيح والمعتل واللفيف- الرباعي الخماسي. والثنائي مثل: قد، لم، هل، والثلاثي مثل: ضرب، خرج، والرباعي مثل: دحرج، قرطس، والخماسي مثل: اقشعر. وقد اتبع هذا الأساس في الترتيب الداخلي لعدد من المعاجم العربية التالية التي التزمت بمنهج الخليل، وهي "البارع" للقالي، ت 356هـ، و"تهذيب   1 يقول الأزهري: "ولم أر خلافا بين اللغويين أن التأسيس المجمل في أول كتاب العين لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد، وأن ابن المظفر أكمل الكتاب عليه بعد تلقفه إياه عن فيه" تهذيب اللغة 1/ 41، وانظر مقدمة النسخة المطبوعة من الكتاب رواية الليث عن الخليل، ومعجم مقاييس اللغة 1/ 3-4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 اللغة" للأزهري، ت 370هـ، و"المحيط" للصاحب بن عباد، ت 385هـ، و"المحكم والمحيط الأعظم" لابن سيده ت 458هـ. 3- توضع الكلمة ومقلوباتها في مادة واحدة وبذلك ترد الكلمة وقد جردت من حروفها الزوائد في أول موضع ممكن، فالحروف "ك ت ب" يمكن أن تأخذ الترتيبات التالية: 1- كتب، 2- كبت، 3- تكب، 4- تبك، 5- بكت، 6- بتك، وتعد كل هذه المواد مجموعة واحدة. ولا شك أن هذه الفروض الرياضية لا تجد لها في اللغة شواهد على كل صيغة من الصيغ السابقة، وقد أطلق الخليل على الصيغ الموجودة فعلا مصطلح المستعمل وعلى الصيغ غير الموجودة والممكنة نظريًّا المهمل، وبغض النظر عن نسبة المستعمل والمهمل من كل مجموعة من الحروف فإن هذه المجموعة تناقش كوحدة واحدة. وتأتي المجموعة كاملة وفق أحد حروفها، قد يكون الأول أو الثاني أو الأخير، يتحدد ذلك بجدول المخارج، فكلما كان الحرف سابقًا في جدول المخارج جاء بمجموعته كاملة إلى مكانه. وبذلك تأتي أي كلمة بها حرف العين في القسم الخاص بالعين وهو أول أقسام كتاب العين، وبالمثل لا تأتي كلمة بكت تحت الباء لأن الباء تأتي متأخرة في ترتيب المخارج ولكنها تأتي تحت الكاف لأن الكاف أسبق من الباء والتاء في التريب المخرجي. 4- رتب الخليل الحروف العربية وفق المخارج، وبدأ بأصوات الحلق ثم ذكر باقي الحروف منتهيًا بالحروف الشفوية، وختم ترتيبه بأصوات العلة والهمزة، لم يبدأ الخليل بالهمزة أو بالألف لما لاحظه من تغير صوتي يؤدى بها، ولكنه بدأ معجمه بكتاب العين باعتبارها الصوت الحلقي الأول الذي لا يتغير في الأبنية الصرفية، وقد سمي المعجم باسم أول قسم فيه كتاب العين. وقد احتفظت مجموعة من المعاجم العربية العامة بمنهج الخليل وطبقته من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 الجوانب المذكورة، ولكنها اختلفت في تريبها للحروف عن ترتيب الخليل اختلافًا يسيرًا، وهذه المعاجم هي "البارع" للقالي، ت 356هـ، و"تهذيب اللغة" للأزهري، ت 370هـ، و"المحيط" للصاحب بن عباد، ت 385هـ، و"المحكم والمحيط الأعظم" لابن سيده، ت 458هـ، وقد ألفت هذه المعاجم في القرنين الرابع والخامس للهجرة في مناطق متباعدة من العالم الإسلامي، فقد ألف القالي معجمه "البارع" في الأندلس وألف ابن سيده معجمه "المحكم والمحيط الأعظم" في الأندلس أيضا ولكن "تهذيب اللغة" للأزهري و"المحيط" للصاحب بن عباد معجمان مشرقيان ألفا في خرسان والري. وقد اعتمدت كل هذه المعاجم على المادة اللغوية المتاحة في كتاب العين وفي الكتب اللغوية الأخرى وتختلف قيمتها باختلاف مصادرها ومدى اعتماده عليها فقد اعتمد ابن سيده في "المحكم" على مجموعة مصادر منها الكتب اللغوية النحوية وكتب التفسير والحديث، وبهذا اختلف "المحكم" من هذا الجانب عن المعاجم المشابهة، ولكن أهم معاجم الترتيب الصوتي التي وصلت إلينا هو تهذيب اللغة للأزهري فقد وصل إلينا هذا المعجم كاملا بينما لم يصل إلينا من المعاجم التى التزمت بمنهج الخليل إلا قطع منها. ولكن أهم سمة تميز تهذيب اللغة للأزهري عن المعاجم المماثلة أن الأزهري جمع مادة جديدة عن البدو الذين عاش بينهم فترة من الزمن، وقد ذكر الأزهري في مقدمته أنه وقع أسيرًا في أثناء ثورة القرامطة وعاش بين مجموعة من العرب أكثرهم هوازن بعضهم من تميم وأسد، ولا يكاد يقع في منطقتهم لحن أو خطأ فاحش فبقيت في إسارهم دهرًا طويلا واستفدت من مخاطبتهم ومحاورة بعضهم بعضًا ألفاظا جمة ونوادر كثيرة أوقعت أكثرها في مواقعها من الكتاب1، وبهذا يعتبر الأزهري اللغوي الوحيد الذي اهتم في القرن الرابع الهجري بالعمل اللغوي الميداني وكانت حركة جمع اللغة قد توقفت منذ أكثر من قرن.   1 تهذيب اللغة للأزهري 1/ 7 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 3- معاجم الترتيب الهجائي : تنتظم المعاجم العربية ذات الترتيب الهجائي في مجموعتين. فالمجموعة الأولى بدأت بكتاب "الحروف" أو كتاب "الجيم" للشيباني، ت 206هـ، وترتب فيها الكلمات وفق الحرف الأول من حروفها الأصول. أما المجموعة الثانية فبدأت بـ"ديوان الأدب" للفارابي، ت 305هـ، و"الصحاح" للجوهري، ت 393هـ، وترتب فيها الكلمات وفق الحرف الأخير من حروفها الأصول. لقد أفادت معاجم الترتيب الهجائي من منهج الخليل بن أحمد، فكل هذه المعاجم حذت حذوه في ذكر الكلمات باعتبار حروفها الأصول، وقد ظل هذا المبدأ سائدًا في كل المعاجم العربية العامة قبل العصر الحديث، التزمت به معاجم الترتيب الصوتي كما التزمت به معاجم الترتيب الهجائي. ولكن معاجم الترتيب الهجائي اتخذت ترتيب الحروف المتعارف عليه عند جمهور المثقفين أساسًا لها، ويرجع هذا الترتيب إلى نصر بن عاصم الذي طوره عن النظم السامي الشمالي المعروف باسم الأبجدية. كان ترتيب الحروف عند الأجريتين والفينيقيين والعبريين والآراميين يتخذ النظام التالي، أب ج د هـ وز ح ط ي ك ل م ن س ع ف ص ق ر ش ت1. وعندما استخدم هذا الترتيب الأبجدي عند العرب وضعوا الحروف العربية التي لم ترد فيه في آخر الترتيب وهي ث خ ذ ض ظ غ. ولكن نصر بن عاصم، ت 89هـ، أعاد ترتيب الحروف على أساس شكلي فوضع إلى جانب الباء التاء والثاء، ووضع إلى جانب الجيم الحاء والخاء وهكذا.. وبذلك ظهر الترتيب الهجائي للحروف العربية وهو الترتيب الذي قامت عليه   1 انظر: Mayer. hebraische grammatik, berlin 1966, 1/36-38. والأصفهاني، حمزة: التنبيه على حدوث التصحيف، ص15-16. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 معاجم الترتيب الهجائي1 يعد "كتاب الجيم" , كتاب "الحروف" للشيباني، ت 206 هـ، أقدم المعاجم ذات الترتيب الهجائي. لقد رتب الشيباني الكلمات الوادرة في إطار الجذر الواحد ترتيبًا داخليًّا على نحو ما فعل الخليل. وقد ألف الزمخشري معجمه "أساس البلاغة" على هذا النسق فكتاب الجيم وأساس البلاغة متفقان من هذا الجانب. ولكن معاجم الترتيب الهجائي التي ألفت في القرن الرابع الهجري احتفظت بفكرة الترتيب الداخلي وفق الأبنية، والمعاجم المقصودة هي "جمهرة اللغة" لابن دريد، ت 321 هـ، ومعجم "مقاييس اللغة" لابن فارس، ت 395هـ، و"المجمل" لابن فارس أيضا، تتفق هذه المعاجم في اتخاذها للترتيب الهجائي أساسًا للترتيب العام للجذور، ثم في مراعاتها للأبنية باعتبارها أساس الترتيب الداخلي. ولكن ثمة خلافا بين هذه المعاجم؛ فجمهرة اللغة لابن دريد وهو أقربها زمنا إلى عصر الخليل بن أحمد احتفظ بنظام ذكر الكلمة ومقلوباتها في أقرب موضع ممكن. أي أن ابن دريد أفاد من الخليل من عدة جوانب ولكنه عدل ترتيب الحروف. أما معجم مقاييس اللغة لابن فارس فقد رتب الجذور وفق نظام الدائرة فعندما تأتي الكلمات التي تبدأ بالباء تنتظم الجذور فيها على النحو التالي: ب ب، ب ت، ب ث .... ويكون آخر هذه الحروف ب أوعندما تأتي الكلمات التي تبدأ بالثاء تنتظم فيها الجذور على النحو التالي: ث ث، ث ج، ث ح ... ويكون آخر هذه الجذور ث أ، ث ت. أي أن ابن فارس يبدأ من   1 انظر المعجم العربي بين الماضي والحاضر لعدنان الخطيب - القاهرة 66-1967ص 22-24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 الحرف نفسه ثم يأتي الحرف مع الحرف الذي يليه في الترتيب الهجائي إلى أن تنتهي حروف الترتيب الهجائي ثم تأتي الحروف الأخرى السابقة على ذلك الحرف في الترتيب الهجائي. أما معاجم الترتيب الهجائي التي رتبت الجذور فيها وفق الحرف الأخير بدأت بـ"ديوان الأدب" للفارابي، ت 350هـ، و"الصحاح" للجوهري، ت 393هـ، أقام الفارابي معجمه على أساس تقسيم الكلمات العربية وفق أبنيتها. ويقوم الترتيب الداخلي في كل قسم من أقسام "ديوان الأدب" على أساس الترتيب الهجائي أي أن "ديوان الأدب" معجم للأبنية مرتب داخليًّا على أساس الترتيب الهجائي للحروف1. أما "الصحاح" للجوهري فهو معجم عام اتبع نظام الباب والفصل والمقصود بهذا أن الكلمات ترتب بمراعاة حروفها الأصول وفق الحرف الأول وقد ظل هذا النظام سائدًا في المعاجم العربية التي ألفت في القرون التالية، أهمها "العباب" للصاغاني، ت 577هـ، و"لسان العرب" لابن منظور، ت 711هـ، و"القاموس المحيط" للفيروزآبادي، ت 817هـ، و"تاج العروس" للزبيدي، ت 1025هـ، والمعاجم الثلاثة الأخيرة هي أكثر المعاجم العربية شهرة وانتشارًا.   1 انظر: البحث اللغوي عند العرب لأحمد مختار عمر، القاهرة 1971، ص191 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 4- مصادر المعاجم الموسوعية العامة : يعد لسان العرب لابن منظور، ت 711هـ، أول معجم موسوعي ضخم. كان مؤلفو المعاجم قبل لسان العرب ينزعون إلى الاختيار والانتقاء من المادة اللغوية المتاحة لهم في مصادرهم، ومن ثم سميت المعاجم بأسماء تعبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 عن هذا الاتجاه الانتقائي. وعبر مؤلفو "جمهرة اللغة" و"تهذيب اللغة" و"صحاح اللغة" في مقدمات معاجمهم عن هذا. أما ابن منظور فقد أراد تأليف معجم موسوعي كبير ولكنه لم يلجأ إلى جمع المادة جمعًا مباشرًا كما فعل اللغويون في القرن الثاني وكما فعل الأزهري في القرن الرابع، بل اعتمد على خمسة معاجم اعتمادًا كاملا فأخذ مادتها وحشدها في كتابه. يقول ابن منظور: وأنا مع ذلك لا أدعي فيه بدعوى فأقول شافهت أو سمعت أو فعلت أو صنعت أو شددت أو رحلت أو نقلت عن العرب العرباء أو حملت ... فكل هذه الدعاوى لم يترك الأزهري وابن سيده لقائل مقالا ولم يخليا فيه لأحد مجالا1. وقد صرح ابن منظور بعد ذلك بمصادره التي اعتمد عليها وهي: 1- تهذيب اللغة للأزهري، ت 370هـ. 2- المحكم لابن سيده، ت 458هـ. 3- الصحاح للجوهري، ت 393هـ. 4- حواشي ابن بري، ت 583هـ على الصحاح. 5- النهاية في غريب الحديث لابن الأثير الجزري، ت 606هـ. أخذ ابن منظور ما وجده في هذه المعاجم ونقله نقلا، قال ابن منظور: ليس لي في هذا الكتاب فضيلة أمت بها، ولا وسيلة أتمسك بسببها، سوى أني جمعت فيه ما تفرق في تلك الكتب من العلوم ... ونقلت من كل أصل مضمونه، ولم أبدل منه شيئًا ... بل أديت الأمانة في نقل الأصول بالنص، وما تصرفت فيه بكلام غير ما فيها من النص2. وبذلك اعتمد ابن منظور على مصادر تعود بدورها إلى المادة التي جمع أكثرها في القرن الثاني الهجري بالإضافة إلى نقله المواد الموجودة في معجم متخصص هو "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير.   1 مقدمة لسان العرب، المقدمة 1/ 3. 2 لسان العرب 1/ 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 ولكن ضخامة حجم لسان العرب أتاح للقاموس المحيط للفيروزآبادي، ت 816هـ، أن ينتشر ويصبح عنوانه بعد ذلك علمًا على كل معجم عربي حديث، وتقابل كلمة قاموس التي فسرها الفيروزآبادي بأنها البحر الأعظم إلى الكلمة اليونانية Oceanos واللاتينية Oceanus وتعني المحيط، وكان الفيروزآبادي قد عرف كلمة القاموس بهذا المعنى في البيئة اللغوية والفارسية التي نشأ فيها1. اعتمد الفيروزآبادي على معجمين موسوعيين هما "المحكم" لابن سيده و"العباب" للصاغاني ويعتمد كل منهما على معاجم أخرى سبقتهما فالمحكم يضم ما جاء في كتاب "العين" و"جمهرة اللغة" و"البارع". أما العباب فيضم مادة معجم مقاييس اللغة والصحاح والمعاجم المؤلفة حول الصحاح. وبذلك يقوم عمل الفيروزآبادي على كل هذه الجهود ولكنه لم ينسخ ما أخذه من مصادره، بل كان يأخذ خلاصة ما فيها، ويحذف الشواهد، ويضيف إلى هذه المادة معلومات جديدة خاصة بالأعلام وبالنباتات وبذلك ضم القاموس المحيط مادة لغوية متنوعة، وقد شرحت شرحًا بسيطًا، محذوف الشواهد مطروح الزوائد. ويعد "تاج العروس" للزبيدي، ت 1025هـ، أكبر المعاجم العربية على الإطلاق. لقد ألف الزبيدي تاج العروس شرحًا للقاموس المحيط ولكن عمله تجاوز حدود الشرح اللغوي البسيط، فأصبح تاج العروس أضخم المعاجم   1 هناك عدة معاجم عربية اتخذت أسماء البحر أو صفاته، منها: المحيط للصاحب بن عباد. المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده. العباب للصاغاني. انظر: المعجم العربي لعدنان الخطيب ص48. وقد وردت كلمة القاموس بمعنى ماء البحر -قبل الفيرزآبادي- عند المقدسي ت 375 في: أحسن التقاسيم ص124. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 العربية وأكثرها مادة وشرحًا، واعتمد الزبيدي على المعاجم العربية الكثيرة التي أتيحت له؛ منها الصحاح للجوهري وتهذيب اللغة للأزهري والمحكم لابن سيده ولسان العرب لابن منظور وأساس البلاغة للزمخشري والمجمل لابن فارس والمعاجم الكثيرة التي ألفت إكمالا لهذه المعاجم أو تلخيصًا لها. ولكن الزبيدي لم يكتف بهذه المعاجم -كما فعل كثير ممن سبقوه في التأليف المعجمي- بل اعتمد على المعاجم القرآنية والحديثة، والكتب اللغوية وكتب الطبقات، وشروح اللغويين على النصوص الأدبية. اعتمد الزبيدي على مجموعة من معاجم ألفاظ القرآن والحديث مثل: كتاب "الغريبين" لأبي عبيد الهَرَوِي و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير الجزري و"المفردات" للراغب الأصفهاني و"مشكل القرآن" لابن قتيبة إلى جانب كتب القراءات. مثل: الحجة في قراءات الأئمة السبعة لابن خالويه، واعتمد الزبيدي على مجموعة كبيرة من كتب الدراسات اللغوية والتثقيف اللغوي، مثل فصيح ثعلب، وإصلاح المنطق لابن السكيت، والخصائص لابن جني، وسر صناعة الإعراب لابن جني، والمقصور والممدود للقالي، والأضداد لأبي الطيب اللغوي، وتهذيب الأبنية والأفعال لابن القطاع، واعتمد الزبيدي أيضا على كتب كثيرة في الطبقات والأعلام والتراجم مثل جمهرة الأنساب لابن حزم، وطبقات الشافعية للسبكي، والوافي بالوفيات للصفدي إلخ ...... واعتمد الزبيدي أيضا على شروح الدواوين والمجموعات الشعرية. مثل: شرح ديوان الهذليين للسكري، وشرح المعلقات السبع لابن الأنباري ....... إلخ1. ولكن الزبيدي أخذ ما أخذه من هذه المصادر المتنوعة دون تعليل أو تعليق أو إضافة.. وكان شرحه لما جاء في القاموس المحيط نقولا من هذه المصادر التي اعتمد عليها، وفي هذا يقول الزبيدي "عن كل كتاب نقلت   1 صرح الزبيدي بأسماء الكتب التي اعتمد عليها في مقدمة تاج العروس 1/ 5-9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 مضمونه، فلم أبدل شيئًا، فيقال: فإنما إثمه على الذين يبدلونه، بل أديت الأمانة في شرح العبارة بالنص، وأوردت ما زدت على المؤلف بالنص". وإذا كان الزبيدي قد شرح القاموس بالنقل من الكتب فإن مقدمته أيضا تكاد في بعض فقراتها أن تكون منقولة من مقدمة لسان العرب1. الجديد عند الزبيدي أنه عاد إلى الكتب المبكرة وأخذ عنها أخذًا مباشرًا في عصر عزت فيه معرفة التراث العربي القديم، كان معاصرو الزبيدي ومن سبقوه بقرون يعتمدون على الكتب التي نقلت بدورها ما جاء في التراث الأقدم، ولكن الزبيدي عاد إلى هذه الكتب الأقدم، وقال: نقلت بالمباشرة لا بالوسائط عنها2. ولذا يعد معجم تاج العروس جامعا لجهد مؤلفي المعاجم واللغويين والشراح في أكبر موسوعة معجمية باللغة العربية.   1 قارن عبارة اللسان 1/ 3: "وأنا مع ذلك ... لا أجد مجالا"، وقد نقلها الزبيدي "1/ 10 عمود أ"، كذلك عبارة اللسان 1/ 3-4: "وليس لي في هذا الكتاب ... ما فيها من النص" نقلها تاج العروس "1/ 10 عمود ب". 2 تاج العروس 1/ 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 5- المعاجم الدلالية الخاصة ذات الترتيب الهجائي: هناك عدد كبير من الكتب رتبت فيها الألفاظ وفق الحروف الأصول، أو حروف الكلمة كاملة أو وفق الموضوعات أو وفق الأبنية، وقد تناولت المعاجم الدلالية الخاصة مستوى بعينه من مستويات اللغة، فهناك معاجم لألفاظ القرآن الكريم ومعاجم لألفاظ الحديث. ومعاجم للمصطلحات العلمية العربية. وإلى جانب هذا فهناك معاجم بحثت الألفاظ الدخيلة في العربية من الناحيتين الاشتقاقية والدلالية وهذه المعاجم الدلالية الخاصة تختلف عن المعاجم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 العامة السابقة في أنها لم تهدف إلى ألفاظ اللغة عموما أو إلى جمهرة هذه الألفاظ, بل كانت تتناول مجموعة محدودة من الألفاظ وتبحثها من النواحي الدلالية وتصنفها هجائيًّا. ومن أهم المعاجم الدلالية المؤلفة لألفاظ القرآن الكريم، "المفردات في غريب القرآن" للراغب الأصفهاني، ت 502 هـ، يختلف كتاب المفردات عن الجهود السابقة عليه في نفس الموضوع من ناحية الترتيب، فكتاب "مجاز القرآن" لأبي عبيدة معمر بن المثنى، ت 209 هـ أو 213 هـ، يضم بعد مقدمة عامة عن قضايا المجاز تفسيرًا للألفاظ القرآنية من الجوانب الدلالية والصرفية مستشهدًا على ذلك بشواهد من الشعر والأحاديث والأمثال. ولكن "مجاز القرآن" لم يرتب موضوعاته أو ألفاظه ترتيبًا معجميًّا بل جاء بها وفق السور، وشرح أبو عبيدة في إطار كل سورة ما ورد بها من قضايا. وقد ظل هذا المنهج سائدًا عند كثير من المؤلفين الذين بحثوا القضايا الدلالية لألفاظ القرآن الكريم في إطار تفسيرهم للسور، ولذا لا يعتبر جهدهم معجميًّا. نجد هذا أيضا في كتاب "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة، ت 276 هـ، لقد ذكر ابن قتيبة في أول كتابه أسماء الله الحسنى، ثم الألفاظ الشائعة في القرآن الكريم، وأخذ يشرح بعد ذلك الكلمات الغريبة مرتبة وفق السور، كان يذكر الآية القرآنية ويشرح ما بها من غريب شرحًا مختصرًا دون إفاضة في تفصيلات صرفية أو نحوية أو دلالية. لا يعد مجاز القرآن لأبي عبيدة ولا تفسير غريب القرآن لابن قتيبة من معاجم مفردات القرآن الكريم، فإنهما وإن تضمنا قضايا دلالية كثيرة إلا أن الكتابين لم يتخذا منهجًا معجميًّا في ترتيب الألفاظ التي شرحت فيهما وبذلك يختلف هذان الكتابان وغيرهما من الكتب عن كتاب المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، وقد رتب الراغب الأصفهاني مفردات القرآن باعتبار حروفها الأصول ترتيبًا هجائيًّا، واتبع بذلك ما جرت عليه المعاجم العربية العامة من ترتيب الكلمات وفق حروفها الأصول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 ويعد كتاب "النهاية" في غريب الحديث لابن الأثير الجزري، ت 606هـ، ثمرة كتب كثيرة تناولت موضوع غريب الحديث وقد أشار ابن الأثير إلى هذه الجهود في مقدمة كتابه، ويرجع الاهتمام بألفاظ الحديث إلى أبي عبيدة معمر بن المثنى والأصمعي وأبي عبيد القاسم بن سلام وابن قتيبة، ولكن هؤلاء لم يرتبوا الألفاظ التي شرحوها ترتيبًا معجميًّا بل كانت تشرح وفق الأحاديث، وقد اعتمد ابن الأثير الجزري في معجمه "النهاية في غريب الحديث" على معجمين ألفا قبله في هذا الموضوع. ففي القرن الرابع الهجري ألف أبو عبيد الهروي أول معجم لألفاظ الحديث. ثم ألف أبو موسى الأصفهاني معجمًا مكملا لمعجم الهروي. وقام ابن الأثير الجزري بالجمع بين معجمي الهروي والأصفهاني في معجم واحد خاص بألفاظ الحديث وحدها. وقد رتب ابن الأثير معجمه مثل ترتيب الهروي والأصفهاني وفق الحروف الأوائل. ولكن منهج ابن الأثير اختلف عن معجمي الهروي والأصفهاني والمعاجم العربية العامة من ناحية أساسية. فقد وجد أنه من الصعب الالتزام بفكرة ترتيب الكلمات وفق حروفها الأصول فقط، وعدم مراعاة باقي حروف الكلمة، وإذا كانت المعاجم العربية من كتاب العين إلى تاج العروس قد رتبت الكلمات وفق حروفها الأصول فقط، فإن ابن الأثير كان قد وجد في هذا صعوبة عملية، فرتب الكلمات بمراعاة كل حروفها دون تمييز بين الأصول والزوائد، وفي هذا يقول ابن الأثير: وجدت في الحديث كلمات كثيرة في أوائلها حروف زائدة قد بنيت الكلمة عليها حتى صارت كأنها من نفسها ..... فرأيت أن أثبتها في باب الحرف الذي هو في أولها وإن لم يكن أصليا ونبهت عند ذكره على زيادته لئلا يراها أحد في غير بابها فيظن أني وضعتها فيه للجهل بها1. ومن هذا الجانب أيضا يختلف كتاب النهاية في غريب الحديث عن المعاجم العربية العامة.   1 النهاية في غريب الحديث 1/ 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 وأهم المعاجم العربية الخاصة بالألفاظ الدخيلة هو كتاب "المعرب من الكلام الأعجمي" للجواليقي، ت 540هـ، وقد حدد الجواليقي موضوع كتابه بالبحث في الألفاظ الدخيلة من اللغات الأجنبية المختلفة والتي استخدمت في القرآن المجيد وأخبار الرسول والصحابة وفي أشعار العرب وأخبارها. وقد أثبت الجواليقي أن هذه الألفاظ الدخيلة من لغات مختلفة، مثل: الفارسية والآرامية التي تسمى عنده بالنبطية. ولذا لم يكن ترتيب هذه الألفاظ باعتبار حروفها الأصول أمرًا مقبولا، فإجراء الألفاظ غير العربية وغير السامية على النمط الصرفي للغة العربية نوع من التعسبف غير المقبول علميًّا. ولذا رتب الجواليقي الألفاظ التي ناقشها في كتابه من الجانبين الدلالي والاشتقاقي ترتيبًا معجميًّا يراعي كل حروف الكلمة، وبذلك خرج الجواليقي على المبدأ السائد في المعاجم العربية العامة. وهناك عدد من المعاجم الخاصة بالمصطلحات العلمية، منها التعريفات لعلي بن محمد الجرجاني، ت 816هـ، وكشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي المؤلف 1158هـ، ويعد كتاب التهانوي أكبر معجم عربي للمصطلحات العلمية، والتهانوي مؤلف هندي وجد المصطلحات المتداولة في التراث العربي في العلوم المختلفة بحاجة إلى معجم دلالي يوضح معانيها. فإذا كانت المعاجم العربية العامة قد اعتمدت على حركة جمع اللغة والشعر القديم في القرن الثاني الهجري فإن المصطلحات العلمية لم تنشأ في البادية عند القبائل التي اعتمد عليها اللغويون، لقد كثرت المصطلحات العملية العربية مع تنوع جوانب المعرفة العربية واتساع الأفق العلمي في القرن الثالث والقرون التالية، ولذا كانت المصطلحات خارج إطار اهتمام المعاجم العربية، وليس مصادفة أن يكون الاهتمام بهذه المصطلحات واضحًا عند عدد من العلماء غير العرب، فهؤلاء وجدوا صعوبة في فهم هذه المصطلحات، فأثارت اهتمامهم. وكانت ثمرة هذا الاهتمام معجمًا كبيرًا، مثل كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي، وفي هذا يقول التهانوي "ولم أجد كتابا حاويا لاصطلاحات جميع العلوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 المتداولة بين الناس وغيرها، وقد كان يختلج في صدري أوان التحصيل أن أؤلف كتابًا وافيًا لاصطحلات جميع العلوم، كافيًا للمتعلم من الرجوع إلى الأساتذة العالمين بها"1. قدم التهانوي لكتابه بعرض عام حول العلوم وتصنيفها، أما المصطلحات العلمية فقد جاءت عنده مرتبة ترتيبًا معجميًّا وفق الحرف الأول من حروفها الأصول، وبهذا نهج التهانوي نهج بعض المعاجم العربية مثل أساس البلاغة للزمخشري.   1 كشاف اصطلاحات الفنون 1/ 1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 6- المعاجم الموضوعية : توجد عدة أنواع من المعاجم الموضوعية في التراث العربي، فهناك معاجم اهتمت بالألفاظ الغريبة، مثل: الغريب المصنف لأبي عبيد القاسم بن سلام، ت224هـ، وهناك مجموعة كبيرة من الكتب التعليمية التي كانت تهدف إلى تقريب الألفاظ لمن أراد حصيلة لغوية تعينه على الكتابة العربية الفصيحة، وتصنف هذه الكتب ألفاظها في موضوعات وتذكر الألفاظ الخاصة بكل موضوع بغض النظر عن حروفها الأصول أو الزوائد. وأهم هذه الكتب التعليمية الدلالية ذات التصنيف الموضوعي كتاب "الألفاظ" لابن السكيت، ت 244هـ، وكتاب "جواهر الألفاظ" لقدامة بن جعفر، ت 337هـ، و"متخير الألفاظ" لأحمد بن فارس، ت 395هـ، و"الألفاظ الكتابية" لعبد الرحمن الهمذاني، ت327هـ، و"فقه اللغة" للثعالبي، ت429هـ. وهذه الكتب التعليمية لا تهتم بالألفاظ الغريبة بل تهتم بالألفاظ التي ارتضتها الدوائر الثقافية التي كانت تنفر من التقعر كما تنفر من العامية. ولكن أكبر معجم موضوعي باللغة العربية هو "المخصص" لابن سيده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 ت 458هـ، تناول ابن سيده - بعد مقدمة عامة في قضايا اللغة- المفردات العربية وصنفها تصنيفًا موضوعيًّا. فعندما ذكر الألفاظ الخاصة بخلق الإنسان أورد ما يتعلق بجسم الإنسان وحياته الاجتماعية، ثم جاءت بعد ذلك الأقسام الخاصة بالأبنية والسلاح والخيل والإبل والغنم .... إلخ والأنواء ..... والماء ...... والمشاورة ..... والاسبتداد ....... والغناء والرقص واللعب ...... إلخ وأفرد ابن سيده قسمًا كبيرًا في آخر كتابه لمجموعة من القضايا الصرفية شغلت السدس الأخير من كتاب المخصص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 7- كتب الأبنية الصرفية : هناك مجموعات من الكتب في موضوعات صرفية تناولت الكلمات في إطار الوزن الصرفي أو الظاهرة الصرفية وأهم هذه الكتب مجموعة من الكتب الخاصة بأبنية الأفعال ومجموعة أخرى خاصة بالمقصور والممدود ومجموعة ثالثة خاصة بالمذكر والمؤنث. تناولت كتب الأفعال موضوعًا خاصًا بصيغتي فعل وأفعل. وألف عدد من اللغويين كتبًا بعنوان: فعلت وأفعلت، وأهم هؤلاء أبو حاتم السجستاني، ت 255هـ، والزجاج، ت 311هـ، وضمت مجموعة أخرى -من كتب الأبنية- الأفعالَ في اللغة العربية وقد رتبت بمراعاة بنيتها وحروفها الأصول ومن هذه الكتب كتاب الأفعال لابن القوطية، ت 367هـ، وكتاب الأفعال للسرقسطي، ت بعد 400 هـ، وكتاب الأفعال لابن القطاع، ت 515هـ. واهتمت الكتب الخاصة بأبنية الأسماء بموضوع المقصور والممدود ويبدو أن الفراء، ت 207هـ، كان أول من ألف في هذا الموضوع, وفي القرن الرابع الهجري ألف كتابان مهمان في هذا الموضوع هما كتاب القالي، ت 356هـ، وابن ولاد، ت 332هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وهناك مجموعة أخرى من كتب الأبنية الخاصة بالأسماء تناولت موضوع التذكير والتأنيث، وأهم من ألف كتبًا بعنوات المذكر والمؤنث: الفراء، ت 207هـ، وأبو حاتم السجستاني، ت 255هـ، والمبرد، ت 285هـ، والمفضل بن سلمة، ت بعد 290هـ، والأنباري، ت 328هـ، والتستري، ت بعد 360هـ، وابن جني، ت 292 هـ، وابن فارس، ت 395هـ، وابن الأنباري ت 577هـ. وقد خصصت كتب التثقيف اللغوي ولحن العامة فصولا للأبنية الصرفية للأفعال والأسماء واهتمت ببيان الأبنية في الفصحى ومدى اختلاف اللهجات العربية عن الفصحى من هذا الجانب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 8- كتب التثقيف اللغوي ولحن العامة : بدأ الاهتمام بتأليف الكتب اللغوية الهادفة إلى تعليم الفصحى والابتعاد عن التأثيرات العامية في الاستخدام اللغوي في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة1. كان اللغويون قد اعتبروا اللهجات صورًا فاسدة من الاستخدام اللغوي، فسجلوا بعض ظواهر اللهجات لبيان خطئها وأشاروا إلى ما ينبغي أن يقال بدلا منها في الفصحى، ولكن البحث اللغوي الحديث يتناول تراث لحن العامة والتثقيف اللغوي باعتباره من مصادر التاريخ اللغوي. وهناك مجموعة من الكتب التي ألفت في العراق من القرن الثاني إلى القرن السادس الهجري وتدخل في هذا الإطار. وأهم هذه الكتب: ما تلحن فيه   1 حول التطور الدلالي لكلمة لحن، انظر: العربية ليوهان فك، ترجمة: عبد الحليم النجار 235 - 246 القاهرة 1951. لحن العامة في ضوء الدراسات اللغوية الحديثة لعبد العزيز مطر. لحن العامة والتطور اللغوي لرمضان عبد التواب 9-33، القاهرة 1967. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 العامة" للكسائي، ت 189هـ، و"إصلاح المنطق" لابن السكيت، ت 244هـ، و"أدب الكاتب" لابن قيبة، ت 276هـ، ودرة الغواص للحريري، ت 516هـ، والتكملة للجواليقي، ت 539هـ، و"تقويم اللسان" لابن الجوزي، ت 579هـ. ويرجع قسم كبير من المادة المسجلة في كل كتاب من هذه الكتب إلى مؤلف كل كتاب منها، ولذا يمكن التعرف منها على جوانب الاستخدام اللغوي في جنوب العراق من القرن الثاني حتى القرن السادس الهجري. وقد وصلت إلينا من المغرب والأندلس وصقلية مجموعة كتب في لحن العامة والتثقيف وأقدم هذه الكتب "لحن العوام" لأبي بكر الزبيدي، ت 379هـ، وهو كتاب أندلسي ولكن أكبر هذه الكتب هو كتاب "تثقيف اللسان" لابن مكي الصقلي، ت 501 هـ، الذي يصور لهجة صقلية العربية آنذاك وقد وصل من تونس كتاب بعنوان "الجمانة في إزالة الرطانة" منسوبًا لابن الإمام، ت بعد 827هـ، وأما مصر والشام فلا نعرف عنهما كتبًا في لحن العامة والثقيف اللغوي إلا من القرنين التاسع والعاشر للهجرة، فكتب ابن الحنبلي، ت 971هـ، قد تكون المصدر الوحيد للتعرف على لهجة الشام في العصر الإسلامي ولا تزال أكثر هذه الكتب مخطوطة1. والأثر المصري الوحيد الذي وصل إلينا في لحن العامة هو كتاب "دفع الأصر عن كلام أهل مصر" ليوسف المغربي، ت 1019هـ، وقد حاول ابن الحنبلي والمغربي أن يبحثا جوانب من لهجة الشام ومصر بهدف إثبات عروبتها والدفاع عنها، وبذلك تختلف هذه الكتب عن مجموعة كتب لحن العامة المؤلفة في العراق والأندلس.   1 المرجع السابق ص293 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 9- كتب الموضوعات الصوتية : اهتم اللغويون العرب بتأليف الكتب والرسائل في القلب والإبدال من جانب، وفي الضاد والظاء من الجانب الآخر، ويرجع التركيز على كلا الموضوعين إلى كون اللهجات العربية كانت تمد اللغويين بمادة ثرية فيهما. فهناك عدة مئات من الكلمات العربية، عرفت اللهجات العربية القديمة كل كلمة منها في عدة صيغ. كل صيغة منها في صوت بعينه. وذلك مثل: هتن، هتل، وقد ألفت عدة كتب تتناول هذه الصيغ، وأهم هذه الكتب "القلب والإبدال" لابن السكيت، ت 244هـ، و"الإبدال والمعاقبة والنظائر" للزجاجي، ت 377. كتاب "الإبدال" لأبي الطيب اللغوي، ت 351. وقد أدى الخلط بين الضاد والظاء في اللهجات العربية الوسيطة إلى اهتمام كثير من اللغويين بتأليف رسائل لغوية تضم الألفاظ التي يرد فيها أحد الصوتين ومن أهم من ألف في الفرق بين الضاء والظاء، أبو عمر الزاهد، ت 345هـ، والصاحب بن عباد، ت 385هـ، وأبو الحسن الصقلي، ق 5 هـ، وأبو القاسم الزنجاتي ق 5 هـ. والحريري، ت 516هـ وغيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 الفصل السابع: المنهج المقارن و تصنيف اللغات 1- تصنيف اللغات قسم اللغويون الأوربيون في القرن التاسع عشر اللغات المختلفة إلى مجموعات؛ فهناك أسرة اللغات الهندية -الأوربية التي تضم عددًا كبيرًا من اللغات المنتشرة في منطقة شاسعة من الهند وإيران إلى أوربا، وهناك أسرة اللغات السامية التي تنتمي إليها اللغة العربية. وإلى جانب هاتين الأسرتين الكبيرتين هناك أسرات لغوية كثيرة أخرى، ويقوم تصنيف اللغات إلى أسرات على أساس أوجه الشبه بين هذه اللغات من الجوانب الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية1. قد يحدث تغير في المكونات الصوتية يجعل لغة من اللغات تختلف في مرحلة من   1 حول المنهج المقارن وتصنيف اللغات، انظر: R.H Robins. A short History of linguistics. london 1967. وقد خصص المؤلف روبنز الفصل السابع من الكتاب المذكور لبيان تطور المنهج المقارن: Comparative and historical linguistics in the nineteenth Century. S. potter, language in the modern world. pelican 1960. 10, p. 144-162 B.E. vidos, Handbuch der romanischen sprachwissenschaft. Munchen 1968. s. 37-56. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 من مراحل تطورها عن اللغة الأم التي انحدرت عنها، وهنا يحاول اللغويون تسجيل هذا التغير في قوانين تفسر التغيير الصوتي ويطلق عليها اسم القوانين الصوتية، وقد تنمو الصيغ الصرفية وتتغير أشكالها وتنشأ من العناصر القديمة كلمات جديدة، وهنا يبحث اللغويون مدى الاتفاق والتشابه في الصيغ الصرفية بين اللغات المندرجة في أسرة لغوية واحدة، بهدف إثبات اتجاهات التغير الصرفي. ومثل هذا يقال بالنسبة للتغير الدلالي فإن دلالة الكلمات تتغير وتختلف بشكل ما في اللغات المختلفة التي خرجت عن أصل واحد مشترك وهنا تكون مقارنة الكلمات المشتركة بدلالتها المتغيرة في لغات الأسرة الواحدة موضوعًا من موضوعات البحث المقارن. إن تصنيف اللغات إلى أسرات يعني أن اللغات المندرجة في أسرة لغوية واحدة ترجع إلى لغة واحدة هي الأصل الذي تفرعت عنه لغات الأسرة كلها، فعندما يقال بأن العربية والآرامية لغتان ساميتان فالمقصود أن اللغتين من أصل واحد، وأنهما تطورتا عن لغة واحدة هي اللغة السامية الأولى، وقد افترض العلماء وجود هذه اللغة في عصور مغرقة في القدم لتفسير انتماء اللغات العربية والآرامية والحبشية إلخ.. إلى أسرة لغوية واحدة، وعندما يذكر الباحثون أن اللغتين العربية والفارسية من أصلين مختلفين؛ العربية سامية والفارسية هندية أوربية، فالمقصود أن كليهما تطورت عن أصل مستقل وأنهما بذلك من أسرتين لغويتين مختلفتين. وتكون الفارسية مع عدد من اللغات في الهند وأوروبا أسرة لغوية كبيرة، وهي الأسرة الهندية - الأوروبية. لقد أدت الدراسة اللغوية المقارنة في القرن التاسع عشر إلى تصنيف اللغات على أساس أوجه الشبه بينها وكلما زادت أوجه الشبه بين لغتين أو أكثر عدت هذه اللغات الأكثر تشابهًا فرعًا لغويًّا في إطار الأسرة اللغوية الواحدة. وبهذا المعنى يذكر الباحثون العربية الشمالية والعربية الجنوبية واللغات السامية في الحبشة باعتبارها تكون الفرع الجنوبي من أسرة اللغات السامية لأن هذه اللغات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 أكثر تشابهًا، وتشترك في صفات أكثر من الصفات التي تشترك فيها مع باقي اللغات السامية. وتنقسم الأسرة الهندية - الأوربية بدورها إلى عدة أفرع، فإذا قارن أحد الباحثين اللغة الأردية باللغة الفرنسية مثلا لم يستطع أن يتبين أوجه شبه تذكر، ولكن أوجه الشبه تتضح بمقارنة اللغات الفرنسية والإيطالية والإسبانية والرومانية. ترجع هذه اللغات إلى أصل واحد هو اللاتينية ولذا تكون هذه اللغات فرعًا واحدًا من أفرع الأسرة الهندية - الأوربية وهو الفرع الروماني. وهناك أوجه شبه كبيرة بين الإنجليزية والألمانية وغيرهما من لغات الفرع الجرماني من الأسرة الهندية - الأوربية. تتضح أوجه الشبه بصورة متزايدة كلما كانت النصوص موضع البحث قديمة. ولذا فقد أمكن عن طريق مقارنة اللغات الأقدم في كل فرع من أفرع الأسرة الهندية - الأوربية إثبات أن هذه اللغات من أصل واحد هو اللغة الهندية الأوربية الأولى، وكانت مهمة البحث بعد ذلك بيان أوجه الاختلاف بين هذه اللغات وتفسير ذلك بقوانين تاريخية1. يقوم علم اللغة المقارن على دراسة مجموعة من اللغات المنتمية إلى أسرة لغوية واحدة وليس المقصود بذلك القدرة على التحدث بهذه اللغات القديمة والحديثة أو القدرة على الكتابة بهذه اللغات، بل المقصود بحث هذه اللغات، فعلى الرغم من ضرورة معرفة الباحث المقارن بكل اللغات موضع المقارنة فعليه أن يبحث بنية ومعجم هذه اللغات بهدف إيضاح العلاقة التاريخية التي تربط لغات الأسرة الواحدة وأن يفسر هذه العلاقات بقوانين ثابتة مطردة، لقد أثبت تاريخ الحضارة في الشرق والغرب أن مجرد المعرفة باللغات المتشابهة والمختلفة لا يعني بالضرورة قيام بحث مقارن فيها، فلم يؤد معرفة كثير من العلماء على مدى القرون بعدة لغات إلى قيام دراسات مقارنة بالمعنى الذي حدث في القرن التاسع عشر، ففي العصور الوسطى كان كثير من العلماء يؤلفون بلغات ويتحدثون في حياتهم اليومية بلغات أخرى.   1 حول ملامح واتجاهات التغير اللغوي: H. paul, prinzipien der Sprachgeschichte. 1886, tubingen 1960. وقد ترجم هذا الكتاب إلى الإنجليزية: principals of the history of language. london 1890. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 2- العرب واللغات الأجنبية : ففي إطار الحضارة العربية الإسلامية كان كثير من النحويين واللغويين يؤلفون بالعربية ويعرفون الفارسية أو التركية، فسيبويه صاحب أقدم كتاب وصل إلينا في النحو العربي كان يعرف الفارسية1، والسيرافي مؤلف أقدم شرح وصل إلينا على كتاب سيبويه نشأ أيضا في بيئة لغوية فارسية2 أما أبو الفرج بن العبري المتوفي 1289م فكان يعرف العبرية وألف بالسريانية والعربية، كان ابن العبري مؤرخًا ولغويًّا اهتم بجهود النحاة العرب ودرس "المفصل" للزمخشري وألف في النحو السرياني على غرار "المفصل"3 أما النحاة اليهود في الأندلس الإسلامية فقد درسوا النحو العربي وألفوا نحوا للعبرية على أساس معرفتهم بمنهج التحليل النحوي عند العرب4. وإلى جانب هؤلاء جميعًا كان النحوي العربي أثير الدين بن حيان رائد التأليف في   1 حول سيبويه ومعرفته بالفارسية، الكتاب 2/ 342. 2 نشأ السيرافي في منطقة جنوب غرب إيران المواجهة لدولة عمان الحالية، وكانت المنطقة التي نشأ بها تستخدم الفارسية كما تتعامل مع باقي أنحاء الدولة الإسلامية بالعربية، ولم يكن السيرافي من العرب الذين هاجروا إلى هذه المنطقة بل كان أبوه فارسيًّا مجوسيًّا أسلم وتغير اسمه. وتدل القرائن ونصوص الرحالة الجغرافيين على أن سكان هذه المنطقة كانوا يعيشون في بيئة ثنائية اللغة حول سيراف انظر: كتاب المسالك للإصطرخي "ليدن 1870" ص148، أحسن التقاسيم للمقدسي "ليدن 1900" ص138، 139، 422. 3 حول الجهود النحوية لأبي الفرج بن العبري، انظر: Oeuvres grammaticales d'abou 'l. faradj dit bar Hebraeus editees par m. l'abbe martin. paris 1872. barhebraeus buch der strahlen. ويضم هذا الكتاب ترجمة لكتاب اللمع إلى اللغة الألمانية أعدها A. moberg وآخر تحقيق للنص السرياني لهذا الكتاب. le livre des splendeurs la grande grammaire de gregorie barhebraeus, texte syriaque ed. et notes par axel moberg, lund 1922. 4 حول النحاة العبريين في العصور الوسطى، انظر: H. Hirschfeld, literary history of hebrew grammarians and lexicographers. london 19626, 7. p. wechter, ibn barun,s arabic arabic works on Hebrew grammar and lexicograhpy, philadelphia, 1964. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 النحو التركي، وربما كان أيضا أول مؤلف في النحو الحبشي1. وفوق هذا فقد عرف ابن حزم القرابة اللغوية بين العربية والعبرية والسريانية، وشبه هذه القرابة بقرابة لهجات اللغة الواحدة. قال ابن حزم: "الذي وقفنا عليه وعلمناه يقينا أن السريانية والعبرانية والعربية التي هي لغة مضر وربيعة لا لغة حمير لغة واحدة تبدلت مساكن أهلها فحدث فيها جرش كالذي يحدث من الأندلسي إذا رام نغمة أهل القيروان. ومن القيراوني إذا رام نغمة الأندلسي. ونحن نجد من سمع لغة أهل فحص البلوط وهي على ليلة واحدة من قرطبة كاد يقول إنها لغة أخرى غير لغة أهل قرطبة، وهكذا في كثير من البلاد فإنه بمجاورة أهل البلدة بأمة أخرى تتبدل لغتها تبدلا لا يخفى على من تأمله وإذا تعرب الجليقي أبدل من العين والحاء هاء فيقول: مهمدا، إذا أراد أن يقول: محمدا، ومثل هذا كثير فمن تدبر العربية والعبرانية والسريانية أيقن أن اختلافهما   1 حول أبي حيان النحوي ومؤلفاته: أبو حيان النحوي لخديجة الحديثي بغداد 1966. ومنهج السالك في الكلام على ألفية ابن مالك تحقيق سدني جليزور وقد ألف أبو حيان في نحو عدد من اللغات غير العربية: أ- الأفعال في لسان الترك "ذكره في الإدراك". ب- الإدراك للسان الأتراك "موجود في مخطوط بالقاهرة، وطبع بتركيا 1309. ج- زهو الملك في نحو الترك "مفقود". د- منطق الخرس في لسان الفرس "مفقود". هـ- نور الغبش في لسان الحبش = جلاء الغبش عن لسان الحبش "مفقود" قارن الهجر المحيط 4/ 163-164. و المخبور في لسان البشمور = المخبور في لسان اليحمور "مفقود". ولم نستطع التعرف على تلك اللغة التي أشار إليها أبو حيان بكتابه هذا، انظر: خديجة الحديثي 176- 187 وانظر كذلك النصر الهام: "وقد اطلعت على جملة من الألسن كلسان الترك ولسان الفرس ولسان الحبش وغيرهم وصنفت فيها كتبًا في لغتها ونحوها وتصريفها" منهج السالك 230. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 إنما هو من نحو ما ذكرنا من تبديل ألفاظ الناس على طول الأزمان واختلاف البلدان ومجاورة الأمم وأنها لغة واحدة في الأصل1 وهكذا أتيح لبعض النحاة والمفكرين في الدولة الإسلامية أن يعرفوا لغات متشابهة ومن أصل واحد مثل العربية والعبرية والسريانية وأن يعرف بعضهم إلى جانب العربية لغات تختلف بنيتها عن بنية اللغات السامية مثل اللغة الفارسية وهي لغة هندية أوربية، واللغة التركية وهي لغة تنتمي إلى مجموعة لغوية أخرى.   1 الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم ط القاهرة د. ت راجعه: أحمد شاكر 1/ 30. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 الأوروبيون والمقارنات ... 3- الأوربيون والمقارنات وفي إطار العصور الوسطى اللاتينية كان النحو أحد الفنون السبعة أي العلوم التي تناولها التدريس والشرح والتعليق في كل أنحاء غرب أوربا1، وكان كثير من أبناء المنطقة الحضارية اللاتينية منتمين أيضا إلى بيئات لغوية تختلف لغاتها عن اللاتينية اختلافا بعيدا، ولا تمت إليها إلا بصلة قرابة بعيدة. اهتم عدد من المؤلفين المنتمين للبيئات اللغوية الإنجليزية والأيسلندية والألمانية ابتداء من القرنين السابع والثامن للميلاد بتأليف المعاجم البسيطة للغة اللاتينية مع الألفاظ المقابلة بلغة أخرى مثل الإنجليزية القديمة، كما اهتموا بالتأليف في النحو اللاتيني2   1 الفنون السبعة "seven liberal arts" هي النحو والجدل والبلاغة من جانب والموسيقى والحساب والهندسة والفلك من الجانب الآخر. وقد أطلق علماء العصور الوسطى اللاتينية على العلوم الثلاثة الأولى trivium وعلى العلوم الأربعة الأخيرة quadrivium، ويرجع المصطلحان كما يرجع التصنيف إلى العالم السياسي الروماني boethius في أواخر القرن الخامس الميلادي انظر أيضا: R.H. robins, A short history of linguistics. p. 69. J. koch ed. , artes liberales, leiden 1956. 2 من أقدم الجهود في النحو اللاتيني في أواخر القرن العاشر للميلاد: Aelfric's, latin grammar and colloquium وقد كان المؤلف أحد رجال الدين الذين اهتموا بتعليم اللاتينية للتلاميذ الإنجليز من أبناء اللغة الإنجليزية القديمة "الأنجلو-سكسونية"، انظر المرجع المذكور ص70. وكذلك تحقيق هذا الكتاب مع المعجم: J. zupitza ed. aelfrics Grammar and glosser, berlin 1880 sammlung englischer denkmaler I. وقد ذكر روبنز في كتابه المذكور كتابًا لنحوي أيسلندي غير معروف، انظر ص72 وما كتبه حول First grammatical treatise الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 كان هؤلاء المؤلفون يتعاملون في حياتهم اليومية بلغات تختلف عن اللاتينية اختلافا بعيدا ولكنها تمت إليها بصلة قرابة بعيدة وعلى الرغم من هذا فلم تؤد معرفتهم بهذه اللغات إلى بحث بنيتها وبيان أوجه الشبه والخلاف أو العلاقات التاريخية بينها وكل ما عرفه أولئك العلماء مجموعة ملاحظات عابرة للتعرف على علاقات القرابة بين اللغات في القرن الرابع عشر الميلادي، فقد أدرك دانتي 1265-1321 ببحث عدد من المفردات في اللغات الإسبانية والبرفسالية والفرنسية والإيطالية أن هذه اللغات ترجع إلى أصل واحد، ولكن دانتي لم يجعل هذه اللغات متفرعة عن اللاتينية، لأنها في رأيه لغة مصنوعة صنعها العلماء ليتعاملوا بها وأنها لم تكن لغة حية طبيعية في وقت من الأوقات، وإذا كان البحث العلمي قد أثبت خطأ هذا الرأي وأوضح أن اللغات الرومانية المختلفة إنما تطورت عن أصل واحد هو اللاتينية الشعبية، أي اللاتينية في صورتها المنطوقة، فإن أهمية رأي دانتي ترجع إلى تصنيفه لهذه اللغات في إطار واحد1. وهناك محاولات كثيرة تالية لتصنيف اللغات الأوربية المختلفة في مجموعات ولكن قصور هذه المحاولات يرجع إلى كونها قامت على دارسة المفردات ولم تقم على دراسة البنية الصرفية والنحوية، وقد صنف سكاليجر Scaliger 1540- 1609 اللغات الأوربية إلى أربع مجموعات رئيسية، وهي   1 جاء هذا في بحث دانتي: dante de bulgari eloquentia I 8. B.E. bidos, handbuch der romanischen sprachwissenchaft, s. 23-24 وكذلك munchen 1968. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 المجموعة الرومانية والمجموعة اليونانية والمجموعة الجرمانية والمجموعة السلافية، وأضاف إلى هذه المجموعات سبع مجموعات فرعية تدخل فيها باقي لغات القارة الأوربية. وتدخل الفنلندية والمجرية وهما من غير اللغات الهندية- الأوربية في هذه المجموعات الفرعية1. ولكن نجاح سكاليجر ومؤلفي المعاجم المتعددة اللغات في القرن السابع عشر لم يتجاوز مجرد التصنيف، فلم يتجاوز هؤلاء تصنيف المفردات ولم يبحثوا المراحل الأقدم لهذ اللغات من الجوانب الصوتية والصرفية والنحوية، ولذا كان عملهم مجرد ملاحظات جزئية كثيرة لم يخرجوا منها بقواعد عامة أو بقوانين توضح الفروق بين اللغات الأقدم واللغات الأحدث وتفسر مسار التغير اللغوي. وظل هؤلاء المؤلفون أسرى الفكر الموروثة عن العهد القديم القائلة بأن العبرية هي أصل لغات الأرض. وهكذا كان الاطمئنان إلى صحة هذه الفكرة معوقًا أمام جهد هؤلاء العلماء في النظر إلى المراحل الموغلة في القدم في تاريخ اللغات.   1 انظر روبنز: R.h. robins, p. 167 وقد أطلق سكاليجر على كل مجموعة من هذه المجموعات مصطلح: Mutteesprache اللغة الأم باعتبار أنها اللغة التي خرجت منها لغات أخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 4- نشوء علم اللغة المقارن : لقد بدأ التقدم الحقيقي في علم اللغة المقارن في القرن التاسع عشر بعد أن اكتشف الأوربيون اللغة السنسكريتية1 وهي لغة تراث الهند القديم إن السنسكريتية لم تمت ولا يزال بعض العلماء الهنود يقرءون نصوصها ويألفون بها، لاحظ اللغويون الأوربيون الشبه الواضح للسنسكريتية باللغات الأوربية القديمة. ولا تقتصر أوجه الشبه على طائفة من المفردات المتشابهة فالألفاظ   1 يطلق الباحثون الأوربيون على معرفة الغرب لأول مرة للغة السنسكريتية إعادة اكتشاف اللغة السنسكريتية رغم أنها كانت معروفة بصورة مطردة عند عدد من العلماء الهنود، وأول أوربي ذكر في العصر الحديث السنسكريتية هو Sir William Jones "1746-94" وكان قاضيًا إنجليزيًّا في البنغال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 تنتقل في يسر من لغة إلى أخرى. ولكن الباحثين ركزوا جهدهم على إيضاح جوانب الشبه في بنية اللغة السنسكريتية واللغات الأوربية القديمة من الجوانب الصوتية والصرفية والنحوية، ومر البحث اللغوي المقارن بعد بدايته الموفقة مع اكتشاف السنسكريتية بعدة مراحل، مضى فيها شيئا فشيئا نحو استخراج القوانين التاريخية للتغير اللغوي، كان شليجل F. Schlegel أول من طالب بدراسة البنية اللغوية للغة السنسكريتية باعتبارها منطلقا للمقارنات اللغوية1. لقد درس شليجل اللغة السنسكريتية، وكان إعجابه بها على نحو إعجاب الرومانتيكيين الألمان بكل شيء قديم وغريب، ورأى اللغات الأوربية القديمة مثل الإغريقية واللاتينة والجرمانية من أصل سنسكريتي. كان شليجل سعيد كل السعادة باللغة السنسكريتية وكأنه قد توصل بها إلى طفولة البشرية وإلى اللغة القديمة النقية والأصلية وقد أحرز علم اللغة المقارن في الأجيال التالية لشليجل تقدما مطردا حقق للبحث اللغوي درجة من الدقة العلمية، وخفت نشوة الولع بالهند وبالسنسكريتية ووهم أنها هي الأصل النقي القديم، كان فرانتس بوب F. Bopp أول من ألف كتابا جادا في علم اللغة المقارن، فصدر كتابه النحو المقارن 1833-1851 كان فرانتس بوب يرى الهدف من النحو المقارن إعادة تكوين اللغة الهندية - الأوربية الأولى، ولم يكن يرى رأي شليجل أن السنسكريتية أصل كل اللغات الهندية - الأوربية، فحاول بوب أن يستخرج ملامح اللغة الهندية -الأوربية الأولى اعتمادا على مقارنة اللغات الأوربية المختلفة والمضي من المراحل القديمة إلى المراحل الأقدم في محاولة للتعرف على اللغة الأقدم التي خرجت عنها كل هذه اللغات2 وفي النصف   1 انظر كتاب فردريخ شليجل F. Schlegel, Uber die Sprache und Weisheit der Indier. Heidelberg 1808. 2 من مؤلفات فرانتس بوب المبكرة: F. Bopp, Uber das Conjugationssystem der Sanskritsprache in Ver- gleichung mit jenem der griechischen, lateinischec, perschen und germanischen Sprachel. Frankfurt 1816. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 الأول من القرن التاسع عشر كان هدف البحث المقارن التوصل إلى اللغة الأقدم ولذا كان البحث مرتبطًا بالنصوص المدونة، حاولوا بحث النصوص المختلفة التي وصلت إليهم باللغات الهندية الأوربية عبر التاريخ محاولين الوصول عبر أقدم هذه النصوص إلى اللغة الهندية الأوربية الأولى، ولم يكن هناك اهتمام جاد بدراسة اللهجات الحية -أول الأمر- ولكن الباحثين تبينوا بعد ذلك أهمية بحث اللهجات الحديثة في إطار علم اللغة المقارن، أي أنهم بحثوا اللهجات لا باعتبارها هدفا في ذاتها أو موضوعا متكاملا في ذاته، بل باعتبارها أداة توضح جوانب من التاريخ اللغوي القديم أي أنها كانت وسيلة لفهم الماضي1. ودخل علم اللغة المقارن في النصف الثاني من القرن التاسع عشر مرحلة جديدة خبت فيها الروح الرومانتيكية، ونزع فيها البحث اللغوي إلى العلمية وتطوير المناهج الدقيقة في التصنيف والتفسير واستخراج القوانين الدقيقة على نحو ما فعل الباحثون في العلوم الطبيعية. تأثر علم اللغة في هذه المرحلة بالداروينية تأثرا بعيدا. كان اللغوي شلايشر متخصصًا أيضا في العلوم البيولوجية، أعجب بآراء دارون في تطور الكائنات، وألف في محاولة نقل فكرة التفسير التطوري التاريخي في علم اللغة كتابا بعنوان نظرية دارون وعلم اللغة2 وقد عد شلايشر نفسه عالما طبيعيا ببحث اللغة لا بوصف مظهرها الخارجي، بل بتأريخ جزئيات ظواهرها وتعليل نشوء هذه الجزئيات بقوانين ثابتة. وإذا كان علماء النبات قد نجحوا في تصنيف النباتات إلى أسرات اعتمادا على بنيتها ومكوناتها ووضعوا بذلك مجموعة من قوانين التغير التاريخي -فإن شلايشر حاول أن يتوسل بهذا المنهج في بحث اللغات. ويعد كتاب شلايشر في النحو المقارن للغات الهندية -   1 انظر: B.E. vidos, hanbbuch, s. 26 وكذلك ص30 وبها إشارة إلى جهود الباحث الإيطالي G..ascoli 1873 2 أهم كتب شلايشر: A. schleicher. dic darwinische theoric und die sprachwissenschaft. weimar 1863 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 الأوربية1 من أهم الكتب التي جعلت من علم اللغة علما دقيقا يحاول تفسير التغير بقوانين واضحة، وكان لهذا الكتاب أثر مباشر في قيام مدرسة النحاة الشبان2 Junggrammariker وينتمي إلى هذه المدرسة أهم اللغويين الألمان في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين. وأعلام هذه المدرسة لسكين A.Leskien وأستهوف H. Osthoff وبروجمان K. Brugmann في مجال علم اللغة الهندية - الأوربية وتبعهم نولدكه3 The Noldeke وبروكلمان4 C. Brockelman في مجال علم اللغات السامية. إن مدرسة النحويين الشبان أفادت من التقدم المنهجي في العلوم الطبيعية وحاولت استخراج القوانين المفسرة للتغير اللغوي، وعرفت بالتزامها الصارم بفكرة القوانين الصوتية، وأفادت مدرسة النحويين الشبان في مجال اللغات الشرقية أيضا من الكشوف الأثرية التي تمت في القرن التاسع عشر وأماطت اللثام عن لغات قديمة بائدة، ويكفي أن نذكر اللغات المصرية القديمة والآكادية والفينيقية والعربية الجنوبية باعتبارها أوضح الأمثلة في الشرق، وبالإضافة إلى هذا وذلك فقد كانت حركة تحقيق النصوص القديمة ذات نتائج مباشرة.   1 عنوان هذا الكتاب: compendium der verglechenden grammatik der indogermanischen sprachen, kurzer abriss einer laut-und formenlehre der indogermanischen ursprache weimar 1861. 2 أطلقت هذه التسمية على هؤلاء النحاة عندما كانوا في فجر شبابهم تهكما عليهم ثم أعجب بها هؤلاء الشبان فأطلقوها على أنفسهم، وأكثر هؤلاء النحاة ولدوا في منتصف القرن التاسع عشر مثل "ولد اوستهوف 1847، وبرجمان 1849". 3 انظر: J. fuck, die arabischen studien in europa, leiapzig 1955, s. 217-220. 4 انظر: محمود فهمي حجازي في مقاله المنشور في مجلة الكتاب العربي - القاهرة، أبريل 1969 بعنوان: كارل بروكلمان بين التراث العربي وعلم اللغة المقارن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 فأتاحت للغويين نصوصًا كثيرة اعتمدوا عليها وعلى غيرها في بحث اللغات وتوسلوا في هذا البحث بمنهج دقيق يهدف عن طريق القوانين التاريخية إلى تفسير العلاقات بين اللغات والمستويات اللغوية المختلفة القديمة والحديثة في إطار الأسرة اللغوية الواحدة، وفي ظل هذه الظروف نشأ علم اللغة المقارن في اللغات الهندية الأوربية ثم في باقي الأسرات اللغوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 الفصل الثامن: اللغات السامية بين اللغات الأفروأسيوية 1- اللغات الأفروأسيوية يطلق مصطلح الأفروأسيوية على مجموعة كبيرة من اللغات في غرب آسيا وشمال وشرق إفريقيا ومنها اللغات السامية1. ويعني تصنيف مجموعة من اللغات في أسرة لغوية واحدة اشتراك هذه اللغات في عدد من الخصائص البنيوية باعتبار هذه اللغات ترجع إلى أصل واحد تفرعت عنه، ثم تباعدت خصائصها بعد ذلك على مدى التاريخ. ومعنى هذا أن اللغات العربية والأكادية   1 انظر حول العلاقات بين اللغات الأفروأسيوية في مفهوم جرينبرج: J.H. Greenberg, languages of africa. indiana university 1966, PP. وحول توزيع اللغات السامية وخصائصها المشتركة، انظر: E.renan, historie gengerale des langues semitiques, paris 1855. TH. noldede, die semitischen sprachen, eine skitzze 1887. ترجمة: رمضان عبد التواب بعنوان: اللغات السامية، القاهرة 62 وقد اعتمد على كتاب ريتان المذكور على عبد الواحد وافي في كتابه: فقه اللغة، انظر مثلا الطبعة الخامسة 1962. hanbduch der orientalistik, band III, semitistik. وكتب مواد هذا الكتاب نخبة من المستشرقين منهم كارل بروكلمان واينو ليتمان E. Littmaan الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 والكنعانية والآرامية والحبشية فرعًا من أفرع أسرة لغوية كبيرة، تضم أيضا اللغات المصرية القديمة والبربرية والتشادية والكوشية. ويقوم تصنيف اللغات في أسرة لغوية واحدة على أساس الخصائص المشتركة، وكلما تقاربت هذه الخصائص بين لغتين أو أكثر كونت اللغتان فرعًا لغويًّا داخل الأسرة اللغوية، وتقل الخصائص المشتركة بالضرورة كلما بحثنا العلاقات بين فرع لغوي وآخر، ولكن وجود قدر مشترك من الخصائص بين هذه اللغات جعل الباحثين المعاصرين يميلون إلى اعتبار اللغات السامية جزاء من الأسرة اللغوية الآفروأسيوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 2- اللغات السامية كان كثير من الباحثين الأوربيين قد لاحظوا منذ قرون أوجه الشبه بين العربية والعبرية، وكان العارفون بهما وبالسريانية في عصر الحضارة الإسلامية قد أدركوا أن هذه اللغات متقاربة، بل وعرف ابن حزم أنها من أصل لغوي واحد. وعندما بدأ بحث اللغة العربية في أوربا في القرن السادس عشر بهدف قراءة العهد القديم في نصه العبري أفاد علماء اللاهوت من اللغة العربية لفهم بعض الجوانب الغامضة في النص العبري للعهد القديم. وهكذا ارتبطت بداية الاهتمام الأوربي باللغة العبرية القديمة بحركة الإصلاح الديني التي نادت في هذا الصدد بضرورة بحث العهد القديم في نصه العبري لا في ترجماته اللاتينية. إن العهد القديم نص عبري، ولكن به سفرين بالآرامية، ولذا كان الاهتمام المبكر بالآرامية متواضعًا بقدر هذه الصفحات الآرامية القليلة في العهد القديم. وبذلك تركز البحث في اللغات السامية القديمة في أوربا على لغتي الأسفار الدينية وهما العبرية والآرامية. وتوسلوا في فهمها باللغة العربية التي كانت معروفة عند بعض الباحثين الأوربيين بصورة مستمرة. واتسعت دائرة الاهتمام باللغات السامية في القرن السابع عشر عندما بدأ البحث اللغوي في لغة الجعز، أي الحبشية القديمة، بينما استمر بالعبرية والآرامية والعربية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 ولا شك أن العارفين بهذه اللغات قد لاحظوا أوجه شبه كثيرة بينها. فحاول شلوتسر Schlozer 1798 تسمية هذه اللغات: العبرية والعربية والآرامية والحبشية -باسم عام يجمعها، ووجد في العهد القديم تقسيما للشعوب إلى أبناء حام وأبناء سام وأبناء يافث. لاحظ شلوتسر أن أسماء هذه اللغات ينطبق إلى حد كبير على أسماء أولاد سام، فسمى هذه اللغات باسم اللغات السامية1. ولكن إدراك العلاقات التاريخية بين هذه اللغات لم ينتظم على أساس منهجي واضح وفي إطار نظرية شاملة إلا بعد تصنيف اللغات الهندية الأوروبية. ففي القرن التاسع عشر نجح العلماء في تصنيف اللغات الهندية - الأوربية بمنهج علمي واضح. وكان لهذا المنهج أثره المباشر عند الباحثين في اللغات السامية، فحاولوا التوسل بنفس المنهج لتصنيف اللغات السامية. وفي نفس الفترة زاد الاهتمام بالأبحاث التاريخية والأثرية واكتشفت آلاف النقوش في أنحاء مختلفة من الشرق،   1 انظر رأي شلوتسر في: aug. ludwig schlozer, von jen chaldern. وقد ظهر هذا البحث سنة 1781 في: J.G. eichhorn, repetouium fur biblische und morgenlandische litteratur VIII leipzig 1781, 161 والواقع أن لغات الأرض لا يمكن أن تقسم على نحو ما جاء في الإصحاح العاشر من سفر التكوين هذا التقسيم البسيط إلى ثلاث أسرات لغوية فقط، فهناك أسرات لغوية متعددة، وليس هناك ثمة دليل على قرابة هذه الأسرات الكثيرة. لقد وجد شلوتسر مصطلح اللغات السامية مناسبًا، واستقر هذا المصطلح بعد ذلك على الرغم من اختلاف دلالة مصطلح اللغات السامية في البحث اللغوي عما جاء حول أبناء سام في سفر التكوين. فكاتب سفر التكوين كان يقسم الشعوب لاعتبارات سياسية، فمن صادقهم اليهوم جعلهم من أبناء سام ومن عاداهم اليهود جعلهم من غير الساميين، ولذا ذكر سفر التكوين كنعان من غير أبناء سام في حين أن البحث الحديث يثبت أن الكنعانية فرع من أفرع اللغات السامية. وذكر التكوين أن عيلام من أبناء سام، وأثبت البحث الحديث أن اللغة العيلامية ليست من اللغات السامية. انظر عن العيلاميين ولغتهم: w. hinz, des rejch elam. stuttgart 1964. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وكشفت هذه النقوش عن لغات قديمة بائدة منها العربية الجنوبية والأكادية والفينيقية وثبت في أثناء بحث هذه اللغات القديمة أنها تتشابه أيضا مع اللغات السامية المعروفة حتى ذلك الوقت. ويتضح اللقاء بين البحث في اللغات السامية المختلفة في عدة شخصيات فاللغوي الألماني جيزينيس Gesenius 1776-1842 ألف للعبرية نحوًا ومعجمًا، واهتم أيضا بالآرامية وكان جيزينيس أول من نجح في فك أكثر رموز خط المسند أي الخط الذي كتبت به النقوش اليمنية القديمة. وقد أفاد الباحثون في القرن التاسع عشر من معرفتهم باللغات العربية والعبرية والآرامية والحبشية في فهم اللغات المكتشفة في النقوش. ولم تقتصر الأبحاث على لغات الكتب الدينية ولغات النقوش القديمة، بل اهتم عدد من الأوربين ولأسباب علمية غالبًا - بدراسة عدد من اللهجات العربية الحديثة وبتدوين عدد من اللهجات الآرامية الحديثة واللغات السامية الحديثة في الحبشة وبكل هذه الأدوات أتيح لعلماء القرن التاسع عشر ما لم يتح لمن سبقهم؛ ففي منتصف القرن التاسع عشر كانت اللغات العربية والعبرية والآرامية والحبشية والعربية الجنوبية والفينيقية والأكادية معروفة للباحثين الأوربيين وكان المنهج المقارن الذي صقلته أبحاث اللغات الهندية الأوربية معروفا لهم أيضا، ومعنى هذا أن البحث المقارن في اللغات السامية بدأ بعد أن اتضحت لهم ملامح هذه اللغات وبعد أن اتضح لهم أيضا منهج علمي لتصنيفها ولمقارنتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 3- اللغات السامية واللغة المصرية القديمة : كانت القرابة اللغوية بين اللغات السامية واللغات الأخرى القديمة والحديثة أحد موضوعات البحث المقارن، ولم يهتم بهذا الموضوع لصعوبته إلا عدد قليل من العلماء، ورغم هذا فقد طرحت فيه منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر عدة فروض تتفق في جعل اللغات السامية -بالمعنى الضيق للكلمة- ليست مختلفة كل الاختلاف عن لغة مصر القديمة، وقد افترض1 بروجش 1867.   1 انظر: Brugsch, Hieroglyph- demot. Worterbuch I, 1867. IX. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 أن اللغة المصرية القديمة لغة سامية وفسر إرمان أوجه الشبه بين اللغات السامية واللغة المصرية القديمة بأن هذه اللغة قد انفصلت في وقت مبكر عن الأسرة السامية وشقت طريقها وحدها عدة آلاف من السنين1 وشبيه بهذا أمر العلاقة بين اللغات السامية وتلك اللغات المسماة بالحامية. كان البعض يجعل: لغات البربر، والنوبة ولغة الهوسا والفولبا، واللغات الكوشية مثل: لغات البشارية، والبجه، والماهو، والجالا، والصومالية وغيرها ضمن أسرة لغوية واحدة، أطلقوا عليها اسم الأسرة الحامية، وقد أدت دراسة أوجه الشبه بين هذه اللغات واللغات السامية إلى افتراض أنها جميعًا تكون أسرة لغوية كبرى وأن اللغات الحامية قد انفصلت عن اللغات السامية2 في وقت مغرق في القدم، فشق كل فرع لغوي طريقه المستقل في التغيير اللغوي، ويقول هذا الرأي أيضا بأن اللغة المصرية القديمة قد انفصلت عن الأسرة الكبرى في مرحلة تالية، واحتفظت لذلك بقدر أكبر من الملامح المشتركة مع اللغات السامية.   1 انظر بحث إرمان erman المنشور في: ZDMG 46, 125 ff. 2 انظر الدراسات التالية: pratorius. UPer die hamitischen sprachen ostafrikas, beitrage zur assyriologie, II 312-41. A. meillet, m. cohen, les langues du monde. paris 1928. وفي هذا الكتاب عرض مفصل للغات الحامية السامية: m. clhen, essai copatatif du chamitosemitique paris 1947. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 4- اللغات السامية واللغة الليبية القديمة وفي السنوات الأخيرة اهتم اللغوي الألماني روسلر ببحث لغة النقوش الليبية القديمة المسماة بالنقوش النوميدية1. وأثبت روسلر بما لا يقبل الشك أن اللغة النوميدية لغة سامية انفصلت عن اللغات السامية في الشرق في مرحلة مغرقة في القدم، ثم تطورت بعد ذلك في اتجاه خاص جعلها تختلف إلى حد كبير عن باقي   1حول خصائص اللغة النوميدية: انظر: o. rossler, die sprache numidiens. festschrift hans krahe الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 اللغات السامية1 واستطاع روسلر أن يفسر كثيرًا من الجوانب الصوتية والصرفية والمعجمية في اللغة النوميدية القديمة باعتبارها تغيرات حدثت فيها بعد انفصالها عن الأصل القديم المشترك. لاحظ روسلر عدم وجود أصوات حلق في اللغة النوميدية. لكنه فسر هذا باعتبار أن النوميدية عرفت أصوات الحلق قديما بدليل وجودها في اللغة الصومالية التي تمت بصلة القرابة مباشرة للغة الليبية القديمة. فوجود أصوات الحلق في الصومالية دليل على أنها كانت موجودة في اللغة النوميدية في أقدم مراحلها. وقد أوضح روسلر اشتقاق كثير من الكلمات النوميدية على أساس المقارنة باللغات السامية في المشرق، فكلمة "بُِن" بكسر الباء أو ضمها تعني في النوميدية واللغات البربرية التي تطورت عنها ما يعبر عنه في اللغات السامية بالمشرقية بكلمة "بيت" ومعنى هذا أن اللغة النوميدية اشتقت من المادة اللغوية الخاصة بالبناء كلمة تدل على البيت، بينما اشتقت اللغات السامية المشرقية من نفس المادة اللغوية كلمات تدل على الاتصال الجنسي بالمرأة والإنجاب منها، ونجد كلا المعنيين في المادة العربية "بنى": بنى البيت، بنى بالمرأة، فكأن الفعل العربي "بنى" ضم المعنيين: بناء البيت، والبناء بالمرأة أي الدخول بها والإنجاب، أما الكلمة العربية "بيت" فترتبط بالفعل "بات" أي قضى الليل، أي أنها من مادة لغوية مخالفة، وتثبت المواد اللغوية النوميدية التي بحثها روسلر أن اللغة النوميدية لغة سامية قديمة، ولكنها خضعت لمؤثرات إفريقية جعلتها تتخذ طابعها الخاص المتميز. وهكذا أوضحت الأبحاث حول اللغات السامية بالمعنى الضيق، واللغة المصرية القديمة، واللغة النوميدية أو الليبية القديمة أوجه الشبه بين كل هذه   1 انظر كذلك بحث روسلر Rossleer عن الطابع السامي للغة الليبية: Der Semitische Charakter der Iibyschen sprache. المنشور في: Zeitschrift fur Assyriologie العدد 50. كذلك البحث التالي: Libysh- Hamitisch - Semitich المنشور في: Oriens Vol 17, 1964, S. 199-216. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 اللغات. وترجع صعوبة البحث في هذا الموضوع إلى طبيعة المادة المدونة المتاحة، فالمادة المتاحة باللغة المصرية القديمة مدونة في أكثر الأحوال بخط صوري لا يعكس الخصائص الصوتية، والنقوش النوميدية قليلة جدًّا وتزيد هذه الصعوبة إذا أدخلنا في مجال المقارنة اللغات الأخرى، في الأسرة الأفروأسيوية ومنها اللغات الكوشية واللغات التشادية1 ومشكلة هذه المقارنات أنها لا يمكن أن تقارن بالمنهج التاريخي المقارن المتعارف عليه في بحث اللغات القديمة، فكثير من هذه اللغات لم يدون إلا منذ سنوات معدودة، ومن الطبيعي ألا يجد الباحث أوجه شبه كثيرة بين هذه اللغات القديمة البائدة والحديثة التي لم تكد تدون. شأن هذا البحث شأن من يقارن اللغة الفرنسية واللغة الروسية المعاصرة باللغة السنسكريتية وهذه مشكلة عامة في تصنيف اللغات الإفريقية وغيرها من اللغات التي ليست لها نصوص قديمة مدونة، وقد أثبت اللغوي الأمريكي جرينبرج وجود سمات بنوية مشتركة في كل أفراد الأسرة الأفروأسيوية: السامية، والبربرية، والمصرية القديمة، والكوشية، والتشادية، وأهم هذه السمات: التمييز بين المذكر والمؤنث باستخدام التاء للتأنيث، واستخدام النون للربط بين وحدتين صرفيتين، مثل نون الوقاية في العربية، ووجود الضمائر المتصلة، واستخدام الواو كصوت علة يسقط كثيرًا، وتكوين عدد من المشتقات بأبنية تبدأ بالميم مثل اسم المكان واسم المفعول في العربية2. وكل هذه الدراسات الصعبة توضح أن اللغات السامية ليست أسرة لغوية مستقلة كل   1 انظر J.H. Greenberg Languages of Africa. Indiana University 1966 p. 42-65. 2 المرجع المذكور ص46-48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 الاستقلال، وأغلب الظن أنها تشكل فرعًا من الأفرع الخمسة للأسرة الأفروأسيوية1.   1 لا يدل مصطلح الأفروأسيوية عند جرينبرج على ما كان غيره يصفه بمصطلح الحامية السامية فهناك اختلافات بين رأيه في تصنيف اللغات ورأي الباحثين السابقين عليه، فاللغة القولانية لا تدخل في تصنيف جرينبرج ضمن اللغات الأفروأسيوية بينما جعلها باحثون آخرون من اللغات الحامية. ولم يكن ثمة يقين حول انتماء لغة الهوسا إلى السامية- الحامية وقد أثبت جرينبرج أن لغة الهوسا وباقي اللغات التشادية تكون فرعًا من أفرع المجموعة اللغوية الكبرى "الأفروأسيوية". انظر المرجع السابق ص45. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 الفصل التاسع: الخصائص المشتركة بين اللغات السامية 1- الأصوات اهتمت كتب النحو المقارن في اللغات السامية -وكلها كتب أوربية ببيان الخصائص التي تتسم بها اللغات السامية. ومن الطبيعي أن تتناول هذه الدراسات الجوانب الصوتية- والصرفية والنحوية والمعجمية1. هناك أصوات لا تكاد تخلو منها أية لغة، مثل: الأصوات الشفوية كالباء والميم، والأصوات الأسنانية: كالتاء والدال، إلى جانب أصوات أخرى توجد في لغات ولا توجد في لغات أخرى. وقد لاحظ الباحثون الأوربيون أن اللغات السامية تضم مجموعة من أصوات لا توجد في اللغات الأوربية، ولذا أبرزوا وجود هذه الأصوات في حديثهم عن الخصائص العامة للغات السامية، والمقصود بهذه الأصوات مجموعة أصوات الحلق   1 c. brockelmann, grundriss. 1/ 5. R. meyer, hebraische grammatik, I, s. 17 ff. berlin 1966. B. spuler, der sem. sprachtypus, in; handbuch der orientalistik, band III, 1,s. 3-25 von soden grundriss der akkadischen grammatik. roma 1969 s. 1-2 G. Bergstrasser, einfuhrung, s 3-19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 ومجموعة أصوات الإطباق. أصوات الحلق مثل الغين والحاء والعين والخاء والهاء والهمزة في اللغة العربية، وهي تلك الأصوات التي تخرج من الحلق، وأصوات الإطباق مثل القاف والصاد والطاء وهي أصوات تشترك في سمة واحدة تتلخص في اتخاذ اللسان شكلا مقعرًا منطبقًا على الحنك الأعلى ويرجع إلى الوراء قليلا1، والواقع أن هاتين المجموعتين موجودتان بدرجات متفاوقة في اللغات السامية المختلفة، فليست كل لغة سامية تضم كل الأصوات الحلقية والمطبقة الموجودة في العربية، فالعربية مثلا تضم عددًا أكثر من أصوات الحلق والإطباق بالمقارنة مع باقي اللغات السامية، وليست هناك لغة سامية واحدة تخلو من عدد من أصوات الحلق والإطباق. والمقصود هنا بوجود أصوات الحلق وأصوات الإطباق كونها في اللغات السامية تكون وحدات صوتية متميزة، وتظهر هذه الحقيقة إذا قارنا ولو بصورة شكلية مباشرة أية لغة سامية، ولتكن العربية مثلا بأية لغة أوربية. فنلاحظ عدم وجود هذه الأصوات الحلقية والمطبقة في اللغات الأوربية كرموز صوتية متميزة، ولكن بعضها مثل الهمزة قد يسمع بصورة ما في بعض اللغات الأوربية؛ ففي اللغة الألمانية نسمع نوعًا من الهمز قد يسمع بصورة ما في بعض اللغات الأوربية، ففي اللغة الألمانية نسمع نوعا من الهمز قبل نطق صوتي "a" في كلمة Abart، ورغم هذا فلا تشكل الهمزة هنا وحدة صوتية متميزة، بل هي مجرد وسيلة نطقية لإبراز نطق الحركة. ولكن اللغات السامية تعرف الهمزة باعتبارها وحدة صوتية متميزة، ففي العربية مثلا هناك فرق دلالي بين "سأل" و"سال"، وشبيه بهذا أمر أصوات الإطباق التي ربما تسمع في كلمات معينة في اللغات الأوربية ولكنها تشكل فيها أصواتًا متميزة وظيفيًّا. ويميل أكثر الباحثين إلى اعتبار أصوات الحلق في اللغات السامية موروثة من اللغة السامية الأولى، واللغة العربية تعد بصفة عامة أصدق تعبيرًا عن اللغة السامية الأولى، وتضم كل من العربية الشمالية والعربية الجنوبية ستة أصوات.   1 إبراهيم أنيس: الأصوات اللغوية ص51. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 حلقية وتضم اللغات السامية الأخرى أصواتًا حلقية بعدد أقل. فاللغة السامية الوحيدة التي تضم كل أصوات الحلق المعروفة في العربية الشمالية هي اللغة العربية الجنوبية القديمة أي لغة النقوش اليمنية، ففي العربية الشمالية والعربية الجنوبية نجد نفس أصوات الحلق كاملة غير منقوصة، أما في المهرية، وهي امتداد حديث للعربية الجنوبية القديمة، فإنا نجد هذه الأصوات عدا صوتًا واحدًا لأن المهرية تخلو من العين كصوت متميز. ويقل عدد أصوات الحلق في اللغات السامية التي عرفتها منطقة الشام قبل الإسلام، فأصبحت الحاء في العبرية مثلا تمثل الحاء العربية والخاء العربية معًا، وبذلك أصبح الصوتان المتميزان الحاء والخاء في اللغة السامية الأولى صوتًا واحدًا هو الحاء في اللغة العبرية. وهكذا قلت أصوات الحلق في اللغات السامية في الشام قبل الإسلام، وهناك لغة سامية فقدت أكثر أصوات الحلق وهي اللغة الأكادية في العراق القديم، ولذا لم يبق في اللغة الأكادية من أصوات الحلق إلا صوتان حلقيان، هما: الهمزة والخاء فقد حدثت في هذه اللغات تغيرات قللت عدد أصوات الحلق، أما اللغة العربية فقد احتفظت بالمجموعة كاملة، ولذا تعد العربية من هذا الجانب امتدادًا مباشرًا للغة السامية الأم. أما أصوات الإطباق وهي في العربية: القاف، والصاد، والطاء والضاد، والظاء، فقد قل عددها أيضا في بعض اللغات السامية الأخرى، وتوجد هذه المجموعة كاملة غير منقوصة في اللغة العربية الجنوبية القديمة وتضم كل اللغات السامية الأخرى عددا أقل من أصوات الإطباق، وأكثر هذه الأصوات ثباتًا الصاد والقاف والطاء، فهذه الأصوات الثلاثة موجودة في كل اللغات السامية القديمة، ولكن الظاء والضاد قد تعرضتا للتغير الصوتي في عدد من اللغات السامية، فكل ضاد وكل ظاء وكل صاد عربية يقابلها مثلا صاد في العبرية، وبذلك حل صوت واحد في العبرية محل ثلاثة أصوات في العربية. ويلاحظ نفس الشيء في الأكادية فالصاد الأكادية تقابل ثلاثة أصوات عربية هي الصاد والضاد والظاء، أما اللغة الآرامية فقد كان موقفها من الضاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 جديرًا بالملاحظة، فقد تحولت الضاد الموروثة عن اللغة السامية الأولى في اللغة الآرامية مرة إلى قاف ثم إلى عين. ويعد هذا التحول من أصعب التحولات الصوتية تفسيرًا. ولكن مقارنة أصوات الإطباق الموجودة في اللغات السامية المختلفة أثبت أن أصوات الإطباق الموجودة في العربية تعد امتدادًا مباشرًا لأصوات الإطباق الموجودة في اللغة السامية الأولى. ويطلق على تلك التحولات القياسية التي طرأت على بعض الأصوات في اللغات السامية مصطلح القوانين الصوتية، والمقصود بهذا المصطلح أن هذه التغيرات قياسية مطردة تسري على كل الكلمات دون استثناء. وتعني كلمة "قانون" إطار علم اللغة نفس معناها في العلوم الطبيعية، فالقانون تفسير للظاهرة، وليس وسيلة للتحكم فيها، فالقوانين الصوتية تفسر التغيرات الصوتية التي حدثت فعلا، فليس هناك قوانين تفرض على اللغات. بل هناك قوانين تفسر ظواهرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 2- بناء الكلمة ويقوم بناء الكلمة في اللغات السامية على أساس الصوامت ويرتبط معنى المادة اللغوية في اللغات السامية بمجموع الصوامت التي تكون كل مادة، وأكثر الكلمات في اللغات السامية تتكون من مادة ثلاثية. وقد عبر النحاة العرب عن هذه الصوامت بالفاء والعين واللام، وتقوم فكرة الميزان الصرفي على أساس التمييز بين الحروف الأصول الممثلة في الميزان الصرفي بالفاء والعين واللام وبين ما يطرأ على الكلمة المفردة من تغيير بالإضافة أو الحذف1. ويرتبط معنى الكلمات الكثيرة المشتقة من المادة اللغوية الواحدة في اللغات السامية بالصوامت فالكلمات: كَتَبَ، كُتِبَ، كتاب، مكتب، مكتبة، مكتبات، تكون أسرة واحدة تقوم وحدتها على أساس وجود الأصوات الصامتة الثلاثة، الكاف والتاء والباء بهذا الترتيب. ويؤدي وجود هذه الأصوات الصامتة الثلاثة إلى تحديد المعنى الأساسي الذي تدور حوله معاني الكلمات المختلفة المكونة من   1 انظر مثلا: الممتع في التصريف لابن عصفور، ط حلب 1970- تحقيق: فخر الدين قباوة، باب تبيين الحروف الزوائد والأدلة التي يتوصل بها إلى معرفة زيادتها من أصالتها 1/ 39-59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 تتابع هذه الصوامت. ويتحدد المعنى الخاص لكل كلمة من هذه الكلمات المشتركة في الحروف الأصول بمعايير أخرى، فالحركات المختلفة من ضم وفتح وكسر تشكل الصيغ المختلفة داخل الإطار الدلالي الذي حددته الصوامت وبذلك تختلف كلمة: كَتَبَ عن كلمة: كُتِبَ رغم اتحاد الحروف الأصول لأن الأولى بوزن: فَعَلَ المبني للمعلوم والثانية: فُعِلَ المبني للمجهول وتتكون صيغ صرفية كثيرة بإضافة سوابق مثل الميم، نجد هذا مثلا في الكلمات: مكتب مكتبة. تتكون صيغ صرفية أخرى عن طريق إلحاق نهاية تؤدي معنى محددًا. وذلك مثل نهاية المذكر السالم وجمع المؤنث السالم بالنسبة للأسماء. وهكذا يقوم بناء الكلمة في اللغات السامية على أساسين متكاملين: المادة اللغوية، والوزن. وتصنف الأسماء في اللغات السامية وفق معايير ثابتة يمكن تطبيقها على كل اللغات السامية لأنها مستخرجة منها. هذه المعايير ليست انعكاسًا لمنطق عقلي عام ليس له وجود. ولكن واقع اللغات السامية جعل من الممكن تحديد معايير تغيرات الصيغ في الأسماء فيها وفق ثلاثة جوانب، هي: العدد numbur والحالة الإعرابية case والجنس gender. والمقصود هنا بالعدد كل ما يتعلق بالإفراد والتثنية والجمع، فاللغات السامية تقسم الأسماء وفق هذا التقسيم الثلاثي. فكل اسم في اللغات السامية لا بد وأن يعبر عن مفرد أو عن مثنى أو عن جمع. وليست هذه دائمًا حال اللغات الأخرى، فاللغات الأوربية الحديثة مثلا تقسم الأسماء من هذا الجانب تقسيمًا ثنائيًّا. فهناك صيغة للمفرد تسمى Singular وصيغة لغير المفرد تسمى plural وبهذا تختلف اللغات السامية عن اللغات الأوربية المعاصرة، فالاسم الدال على اثنين او اثنتين له في اللغات السامية صيغة متميزة في صيغة المثنى القياسية في العربية. ويبدو أن صيغة المثنى كانت هكذا في اللغة السامية الأولى، ولكن استخدام هذه الصيغة قل في بعض اللغات السامية مثل العبرية، فلم تعد صيغة المثنى تستخدم فيها إلا في الأشياء التي توجد في الواقع الخارجي مثنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 مثنى مثل: اليدين والرجلين. أما الحالة الإعرابية للأسماء في اللغات السامية فذات تنوع ثلاثي. وقد أطلق النحاة العرب على هذه الحالات الإعرابية مصطلحات الرفع والنصب والجر، ويعد الإعراب على هذا النحو الثلاثي في العربية امتدادًا للغة السامية الأولى وقد احتفظت اللغة الأكادية بظاهرة الإعراب على هذا النحو أيضا فالخط الأكادي يثبت الحركات دائمًا، ولذا فقد أمكن التعرف من رموزه المدونة على حقيقة أن الاسم في الأكادية كان يتخذ ثلاثة أشكال، ينتهي أحدها بالضمة والثاني بالفتحة والثالث بالكسرة، وتطابق هذه الأشكال الثلاثة للاسم الأكادي الأشكال المقابلة في العربية رفعًا ونصبًا وجرًّا، لم تحتفظ أكثر اللغات السامية بالنهايات الإعرابية وفقدت اللهجات العربية التمييز بين الحالات الإعرابية للاسم أيضًا، ولكن الباحثين يرون الإعراب على نحو ما تعرفه العربية وما عرفته الأكادية ظاهرة أصيلة في اللغة السامية الأولى. ولا يعكس التنوع الإعرابي على هذا النحو المعروف في العربية منطقًا عقليًّا عامًا يسري على كل اللغات، فهناك لغات كثيرة لا تصنف الأسماء أي تصنيف وفق هذا المعيار، وهناك لغات تصنف الأسماء من هذا الجانب إلى أربع صيغ. فاللغة الألمانية تميز في إعراب الاسم بين المرفوع Nominativ والمنصوب Akkusativ والمجرور Dativ والمضاف إليه Genitiv ولا تكاد التقسيمات العربية تطابق التقسيمات الألمانية إلا في حالات معدودة، فلكل لغة نمطها الخاص في ذلك1. وتعرف اللغة اللاتينية عددًا أكبر من الحالات الإعرابية، منها مثلا حالة النداء Vocativ، وفي بعض اللغات السلافية توجد حالة الأداة Instrumental وفي اللغة التركية توجد حالة مكانية Locativ وكل هذه الحالات يعبر عنها في العربية   1 يتضح الاختلاف مثلا بين العربية والألمانية تجاه الاسم التالي لحرف الجر فجميع حروف الجر العربية يأتي الاسم بعدها مجرورًا ولكن حروف الجر الألمانية أنواع، بعضها يأتي بعده بحالة النصب Akkusativ وبعضها بحالة الجر Dativ وبعضها بإحدى الحالتين المذكورتين وبعضها بحالة الإضافة Genitiv الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 بأداة أو بحرف مع الاسم التالي. فاللغات المختلفة تتباين من هذا الجانب وتختلف اختلافًا كبيرًا. ويعكس هذا الاختلاف اختلاف الطرق التي تميز بها اللغات المختلفة بين صيغ الأسماء. وتصنف اللغات السامية الأسماء أيضا من ناحية الجنس إلى ما يطلق عليه المذكر وما يطلق عليه المؤنث، ولا علاقة هنا بين الواقع الخارجي والصيغ اللغوية، وإنما تعارف النحويون على وصف صيغة الاسم بأنها من المذكر أو المؤنث على سبيل الاصطلاح والتقريب فقط، وتتضح نسبية هذا التقسيم بالنظر في الأشياء التي ليس لها بحكم طبيعتها أي نصيب من التذكير والتأنيث مثل: الكتاب. والشمس. والمنضدة. ولكن كل اسم في اللغة العربية أو في اللغات السامية الأخرى ينبغي أن يصنف من ناحية الجنس، وهنا تصبح بعض هذه الأشياء من المذكر، وبعضها من المؤنث لاعتبارات شكلية أحيانًا، وربما يعكس بعضها رواسب من فكر إنساني قديم، فكل الأسماء الدالة على جماد والتي تنتهي بتاء التأنيث تصنف في العربية باعتبارها مؤنثة، وبهذا الاعتبار تصنف كلمة "المنضدة"، وعلى العكس منها تصنف كلمة نضد، وقد لوحظ في عدد كبير من اللغات التي تميز الأسماء إلى مذكر ومؤنث أن الكلمتين الدالتين على الشمس والقمر في كل لغة من هذه اللغات لا تتفقان بل تتكاملان من ناحية الجنس فالشمس في العربية من المؤنث والقمر من المذكر، وكذلك كلمة der Mond وكلمة dir Sonne في الألمانية أما في اللغة اللاتينية واللغات المتفرعة عنها فإنا نلاحظ العكس ولكن مع الاحتفاظ بالتكامل؛ ففي اللاتينية كلمة Sol تصنف من المذكر وتدل على الشمس وكلمة Luna تصنف من المؤنث وتدل على القمر، ومعروف أنه لا علاقة طبيعية بين الشمس والقمر، والتذكير والتأنيث في الواقع الخارجي، وليس من الضروري أن تقسم اللغات الأسماء هذا التقسيم الثنائي؛ فهناك لغات مثل التركية لا تصنف الأسماء وفق هذا الاعتبار. وهناك لغات أخرى تصنف الأسماء من هذا الجانب تصنيفًا ثلاثيًّا، ففي اللغات الجرمانية يوجد إلى جانب المذكر والمؤنث صيغة ثالثة يطلق عليها neutrum الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 ويترجم هذا المصطلح بالمحايد، ولا علاقة هنا بين الكلمة كصيغة لغوية وما تدل عليه في واقع الحياة، فكل كلمة تنتهي في الألمانية بالنهاية chen أو بالنهاية lein تعد من المحايد بغض النظر عن مدلولها في واقع الحياة، ومن هذا النوع في اللغة الألمانية كلمة Fraulein ومعناها آنسة، وكلمة Madchen ومعناها بنت وكلمة Hauschen ومعناها بيت صغير. فكل هذه الأسماء تصنف في اللغة الألمانية من المحايد وذلك وفق الصيغ اللغوية لا وفقًا لما تدل عليه الكلمة في الواقع الخارجي، وكل هذه الأمثلة توضح أن تصنيف اللغات للأسماء من هذا الجانب يختلف من لغة لأخرى، ولكنه في كل حالة لا يخرج عن كونه مجرد تصنيف للكلمات. وقد صنفت اللغات السامية الأسماء من هذا الجانب تصنيفا ثنائيا، وهو تصنيف للأسماء لا للأشياء. وتصنف اللغات السامية الفعل فيها إلى عدة صيغ، ويطلق على هذه الصيغ الموجودة في العربية: المضارع والماضي والأمر. وهكذا حال الفعل أيضا في اللغات السامية القديمة في الشام والحبشة، ولكن اللغة الأكادية طورت لنفسها نظاما مخالفا إلى حد ما، ففيها نجد صيغا أكثر، وأغلب الظن أن نظام الأفعال في اللغات السامية المختلفة لا يعكس ظاهرة موروثة على نحو مباشر من اللغة السامية الأولى، فالاختلاف كبير بين نظام الفعل الأكادي ونظام الفعل في اللغات السامية الأخرى. وليس من الصحيح أن نتصور أن قدرة اللغة العربية على التعبير عن الزمن غير متنوعة لعدم تنوع صيغ الأفعال فيها، فالمضارع لا يعبر بالضرورة عن الحال أو الاستقبال، بل قد يعبر أيضا بالصيغ المركبة عن الحديث الذي استمر في الماضي: كان يكتب. وبالمثل فإن الماضي لا يعبر بالضرورة عن الزمن الماضي، فيمكن أن يستخدم الفعل الماضي في اللغة العربية للتعبير عن الحاضر أو المستقبل. فجملة الشرط يمكن أن تتكون بفعلين ماضيين دون أية دلالة عن الماضي: إن كتب كتبت. فالصيغتان الفعليتان الماضي والمضارع في العربية تعبران عن أشياء كثيرة، ويتحدد معنى الصيغة المستخدمة وفق بنية الجملة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 بناء الجملة : أما من ناحية بناء الجملة فالاختلاف كبير بين اللغات السامية في عصورها القديمة واللغات السامية في العصور التالية، ويبدو أن اللغة السامية الأولى لم تكن ذات جمل طويلة، بل كانت تسودها ظاهرة التوازي Parataxe أي أن الجمل كانت قصيرة وترتبط الجملة بالأخرى عن طريق الواو، فهذه الجمل القصيرة تتوازى الواحدة بجانب الأخرى1. ونجد في اللغة العبرية القديمة ظاهرة التوازي ونجدها أيضا في اللغة العربية في نصوصها القديمة إلى حد كبير. فالجمل قصيرة، والواو تربط بين جملة قصيرة وأخرى، ولكننا نلاحظ بمضي الوقت أن اللغات السامية أخذت تكون شيئًا فشيئًا جملا طويلة معقدة، فالجملة العربية تعقدت مع تطور الفكر ورقيه تعقيدًا كبيرًا، حتى إننا نجد صيغ الاستثناء والقصر في العربية على نحو لا نجده في اللغات السامية التي دونت قبل العربية. فكلما تقدم الزمن تعقدت الجملة ولم تعد على بساطتها الأولى، ظهر نمط جديد يطلق عليه التركيب Hypotaxe. ومن الممكن أن تلاحظ إلى اليوم سيادة ظاهرة التوازي في اللهجات العربية ولا سيما عند المتحدثين الذين لم يتأثروا بالفصحى كثيرًا، ونلاحظ نفس الظاهرة في اللغة المهرية، فالجملة فيها قصيرة تتكون من بضع كلمات لا تزيد، وسرعان ما تنتهي الجملة وتبدأ أخرى، فالكلام العادي يتكون من وحدات صغيرة متراصة الواحدة بجانب الأخرى. وهذا شأن اللغات التي لم تدخل بعد إلى مرحلة التعبير عن الفكر المعقد المتنوع، فما أشبه بساطة الجملة المهرية بالجملة التي كتبت في النقوش العربية القديمة، وما أبعد هذه الجمل البسيطة عما نقرأه في النثر العربي الحديث. فالجملة تتعقد كلما دخلت إلى مجال التعبير عن الأفكار الكثيرة المتميزة والمتنوعة. وتعقد أنماط الجملة وتنوعها على مستوى التأليف يعد سمة عامة، تقابلها سمة التوازي على مستوى اللغة المنطوقة، فعندما يكون الحديث باللغة الفصحى في أحد المواقف الكلامية التي يحدث فيها ذلك نلاحظ رغم هذا أن الجمل المنطوقة أقل تركيبًا من الجمل المكتوبة، ففي اللغة الألمانية يمكن أن تكون الجملة   1 انظر ماير: R. Meyer, Hebtaische Grammatik 1.s.22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 المكتوبة الواحدة من خمسة أسطر ولكن الجملة المنطوقة الفصيحة لا يمكن في الأحوال الكلامية العادية أن تبلغ نصف هذا الطول. ليست الجمل المكتوبة طويلة لمجرد أن وحداتها كثيرة متوازية، ولكنها طويلة لأن بها وحدات كثيرة متكاملة في نظام محكم يضمها جميعا في إطار جملة واحدة مركبة، ولم تكن الجملة السامية الأولى تعرف مثل هذا التركيب، فأقدم النصوص السامية تسودها الجمل الصغيرة المتراصة. ما أشبه هذه الجمل الصغيرة المتوازية بالاستخدام اللغوي عند الطفل، فالطفل يستخدم أيضا في حديثه العادي جملا صغيرة كثيرة. وكلما ارتقى فكره تعقدت جمله شيئا فشيئا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 4- الألفاظ الأساسية : وهناك ألفاظ أساسية تشترك فيها اللغات السامية، وليس المقصود بذلك أن هذه الألفاظ موجودة بنفس دلالتها في كل اللغات السامية، فكثيرا ما تتغير الدلالات، ولكن المقصود أن هذه الألفاظ ترجع إلى أصل اشتقاقي واحد في اللغة السامية الأولى1. فكلمة "هلك" في اللغة العربية يقابلها في اللغة العبرية الفعل "هالخ"، ومعنى هذا أن كلا الفعلين يرجع إلى المادة السامية المشتركة "هـ ل ك" ولكن ثمة خلافا بين معنى "هلك" في العربية و"هالخ" في العبرية. إذ تدل "هلك" في العربية على الذهاب إلى العالم الآخر ولكن الفعل العبري "هالخ" يدل على مطلق الذهاب ومنه الذهاب إلى المدرسة والذهاب إلى العمل ...... إلخ فالمقارنات الاشتقاقية بين الألفاظ في اللغات السامية لا تعني بالضرورة أن معنى الكلمتين أو الكلمات موضع المقارنة هو نفس المعنى بل تعني أن الكلمتين أو الكلمات المقصودة من أصل اشتقاقي واحد. فكلمة "لحم" تدل في العربية على معنى يخالف كلمة "لحم" في العبرية، لأن الكلمة العبرية تدل على الخبز. وتعد الكلمتان من أصل واحد باعتبار الاشتقاق رغم اختلاف المعنى وإذا ما اختلف معنى الكلمتين المشتقتين من أصل واحد كان السؤال عن   1 انظر قائمة الألفاظ الأساسية المشتركة في اللغات السامية، وقد أعد هذه القائمة برجشتر أسر: G. Bergsirasser, Einfuhrung in die semitischen Sprachen, s. 182-192.Munchen 1963. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 الدلالة الأقدم موضوع بحث، وهذا البحث ممكن بربط هذه الدلالات المتفرعة. فيمكن أن تكون كلمة "لحم" قد أدت في اللغة السامية الأولى معنى الطعام اليابس، أي غير السائل فيكون معنى هذه الكلمة في العبرية ضربا من تخصيص الدلالة، ويكون المعنى الموجود للكلمة العربية المقابلة ضربا آخر من تخصيص الدلالة. وهكذا ينطلق علم اللغة المقارن في مجال المفردات من الأصول الاشتقاقية ثم ينظر بعد ذلك في الدلالة ومدى اتفاقها وتغيرها. وقد صنف كثير من الباحثين الألفاظ المشتركة في كل اللغات السامية. وتضم هذه الألفاظ المشتركة عدة كلمات تدخل في مجالات: الأسرة، وجسم الإنسان وتسمية الحيوان والنبات، والأعداد، وتضم أيضا بعض الأفعال. تضم كل اللغات السامية عدة كلمات متشابهة في كل هذه اللغات، منها الألفاظ الدالة على العلاقات الأساسية القديمة في الأسرة. وهذه الألفاظ مثل: أب، أم، أخ، أخت، حم. وتوجد هذه الكلمات في اللغات السامية القديمة مما يدل على كونها موروثة من اللغة السامية الأولى، ويلاحظ مثلا في هذ المجموعة المشتركة أن العم والخال لم يتخذا مكانهما ضمن الألفاظ المشتركة في اللغات السامية الخاصة بالأسرة. غير أن كلمة "عم" توجد في أكثر اللغات السامية بدلالات أخرى، فكلمة "عم" في العبرية تعني الشعب، وقد وُصِفَ الإله الكبير في اليمن القديم بأنه "عم" وكأن هذه الكلمة دلت في اللغة السامية على الأب الكبير، وتغيرت دلالاتها بعد ذلك في اللغات السامية. وهناك كلمات مشتركة في كل اللغات السامية تدل على أجزاء من جسم الإنسان، وليس من المتوقع أن نجد ألفاظا تعبر عن تفصيلات تشريحية كثيرة في جسم الإنسان، بل هي ألفاظ عامة، فالكلمات: عين، رجل، يد، شعر، أذن، رأس، مشتركة في كل اللغات السامية. أما أسماء الحيوانات في اللغات السامية فتشترك في كلمات معدودة منها مثلا: ليث وكلب، وعجل، وقد لوحظ أن كثيرًا من اللغات السامية تتخذ للحيوان الذكر اسما وللحيوان الأنثى اسما آخر لا يمت للأول بصلة، ومثال ذلك في العربية: حمار وأتان، أسد ولبؤة. وهناك عدة أسماء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 للنباتات تشترك فيها اللغات السامية منها: كمون، سنبلة، قمح، ثوم، وتشترك اللغات السامية أيضا في الأعداد الأساسية. وتتفق اللغات السامية كلها اتفاقا شبه كامل في الأعداد من 2 إلى10 ولكن الكلمة الخاصة بالعدد واحد تختلف في الأكادية والمهرية عن باقي اللغات السامية1. ويبدو أن اللغة السامية الأولى عرفت هذه الأعداد إلى العشرة، ثم عرفت كلمتين أخريين للمائة والألف. إن المنهج المقارن يفترض أن الظواهر المشتركة في كل اللغات السامية، أو في أكثر اللغات السامية ظواهر موروثة عن اللغة السامية الأولى، يصدق هذا على الأصوات وعلى الأبنية الصرفية وعلى أبنية الجمل وعلى المفردات أيضا؛ فتلك الظواهر المشتركة ميراث سام قديم، أضافت إليه كل لغة من اللغات السامية على مر الزمن. وليس من المفيد أن يكثر الجدل حول مهد هذه اللغة السامية الأولى التي سبقت اللغات السامية المختلفة في الوجود2. وأغلب الظن أن أبناء اللغة السامية الأولى كانوا في بيئة تعرف قدرا من الزراعة وقدرا من الرعي، فهناك قدر كبير من الألفاظ الزراعية والرعوية المشتركة في اللغات السامية، وإذا صح لنا أن نفترض أن الجماعة اللغوية السامية الأولى قد عاشت في شمال الجزيرة العربية وبادية الشام والعراق فإن الهجرات التي خرجت من مهد الساميين قد اتجهت في موجات تاريخية متتالية إلى منطقة الرافدين وإلى أرض الشام وإلى اليمن والحبشة، وفي هذه المناطق تكونت اللغات السامية المختلفة.   1 انظر حول هذا في الأكادية: ungned-=matous, grammatik des akkadischen, munchen 1964, s.59 أما في المهرية فكلمة واحد يعبر عنها بكلمة "طاد" للمذكر "وطيط" للمؤنث 2 انظر حول مهد الساميين والآراء الكثيرة التي قيلت في ذلك C. Brockelmann, grundriss, 1/ 2. H.Fleische, introduction, pp. 22-32. وتتلخص هذه الآراء في افتراض أن الساميين عاشوا في اليمن أو في شمال جزيرة العرب أو في العراق أو في الحبشة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 الفصل العاشر: التوزيع الجغرافي والتاريخي للغات السامية 1- الفرع الأكادي يضم الفرع الأكادي من اللغات السامية1 كل اللغات واللهجات التي نشأت عن اللغة السامية الأولى التي دخلت أرض العراق مع الوافدين إليها حوالى سنة 2500ق. م. وقد سميت هذه اللغات واللهجات باسم شامل لها يميزها عن سواها، وتنسب الأكادية إلى "أكد" وهي أول مدينة سكنها الساميون الوافدون في شمال بابل، وقد أطلق هؤلاء اسم الأكادية على لغتهم تمييزا لها عن اللغة السائدة في جنوب أرض الرافدين آنذاك، وهي اللغة السومرية2 لقد وجد الساميون المهاجرون إلى أرض العراق شعبا ذا حضارة زراعية سبقهم إلى الإقامة في هذه المنطقة، وهو الشعب السومري،   1انظر المراجع المذكورة في هامش 1 من هذا الباب انظر: Von Soden, Grundriss der akkadischen Grammatik, Analecta Orientalia 33/ 47, Roma 1969, s.2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وقد أظهرت الكشوف الحديثة عددا كبيرا من النقوش السومرية واتضحت ملامح اللغة السومرية1 وملامح الحضارة التي سجلها السومريون بلغتهم ولكن انتماء اللغة السومرية لا يزال مشكلة لم تحل، السومرية من أقدم اللغات التي دونت، وربما تكون أقدم لغة دونت في العالم، ولم تكن الكتابة في التاريخ القديم أمرا شائعا، بل ولا تزال آلاف اللغات في عالمنا المعاصر منطوقة لا يكتبها أهلها، ولذا لا يستطيع البحث المقارن التعرف على القرابة اللغوية للسومرية، وربما كانت السومرية منتمية إلى أسرة لغوية بادت كل لغاتها ولم يكتبها أهلها. لقد التقى الساميون المهاجرون إلى أرض العراق بالسومريين، كان السومريون أكثر حضارة، وكان الأكاديون فيما يبدو لا يقلون عن السومريين عددا. ولذا لم تستطع الأكادية أول الأمر أن تقضي على السومرية ولم تستطع السومرية أن تقضي على الأكادية فساد ازدواج لغوي مستمر أكثر من ستة قرون "2500-1900ق. م". وفي هذه الفترة اختلط الساميون البسطاء بالسومريين الأكثر حضارة واندمج السومريون شيئا فشيئا مع الساميين الأكاديين لم يحدث هذا عند دخول الساميين أرض العراق وإنما حدث بعد ذلك وزاد بمضي الوقت وأدى في النهاية إلى سيادة اللغة الأكادية في كل مناطق العراق وانتهاء استخدام اللغة السومرية. فهناك عدد كبير من النقوش السومرية والنقوش الأكادية وصلت إلينا من هذه الفترة التي ساد فيها الازدواج اللغوي، ويطلق على اللغة الأكادية في هذه الفترة اسم الأكادية القديمة تمييزا لها عن المراحل اللغوية التي جاءت بعد ذلك، وهي البابلية القديمة والوسيطة الجديدة والحديثة والمتأخرة، والآشورية القديمة والوسيطة والجديدة2.   1 حول السومريين وحضارتهم انظر: H. schmokel, somer et la civilisation sumeriene, paris 1964, p. 192. biblio theque historique. s.n. kramer, the sumerians, chicago 1970 2 انظر: von soden, grundriss, s.2-4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 كانت فترة الازدواج اللغوي بين السومرية والأكادية القديمة فترة مهمة تركت آثارها في حياة الأكاديين. لقد تعلم الأكاديون الكتابة عن السومريين. ولم يكن الأكادييون يعرفون قبل ذلك أن لغتهم المنطوقة يمكن أن تدون وتتحول إلى ظاهرة مرئية، لقد كتب السومريون لغتهم بالخط المسماري، ويطلق على هذا الخط اسم الخط المسماري لأنه يشبه المسامير، أي أن وصفه بهذه الكلمة لا يدل على طبيعته، بل يشير إلى شكله الخارجي فقط، وقد كتبت شعوب كثيرة بعد السومريين والأكاديين بالخط المسماري، ومن أشهر اللغات القديمة التي كتبت بالخط المسماري اللغة الحيثية وهي لغة هندية - أوربية. فالخط المسماري إذن وسيلة من وسائل التدوين ابتكرها السومريون وقلدهم غيرهم، فكتبوا بها لغاتهم المتباينة المختلفة، فالسومرية لا تربطها علاقة قرابة بالأكادية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 ولا علاقة بين هذه أو تلك باللغة الحيثية، فهذه لغات مختلفة الانتماء تكتب بخط واحد. تقوم الكتابة المسمارية -عموما- على أساس صوتي، فالكلمة تقسم إلى مقاطع ولكل مقطع رمز يكتب به1 وبذلك يختلف أساس الخط المسماري عن الأساس الذي يقوم عليه الخط الهيروغليفي الذي كتبت به في نفس الفترة الزمنية اللغة المصرية القديمة، فالخط الهيروغليفي لا يقوم -في أساسه- على تدوين الصوت المنطوق بل على أساس الكتابة بالصور. ومن هذا الجانب يوضح الخط المسماري كما دونت به اللغة الأكادية جوانب كثيرة من طبيعة اللغة الأكادية. وهو من هذا الجانب أكثر تعبيرا عن واقع اللغة من خطوط كثيرة لم تكن تدون الحركات بأية صورة مثل الخط العربي الجنوبي القديم ويمكن إيضاح هذا الأمر ببيان قضية النهايات الإعرابية وقضية أصوات الحلق2 في ضوء النقوش الأكادية التي تدون المقاطع بالرموز المسمارية. إعراب الاسم في الأكادية كلمة: "كلب"   1 حول نظام الكتابة الأكادية: von sodem das akkadische syllabar. roma 1948. 2 انظر الفصول الخاصة بإعراب الاسم والأصوات في كتاب فون زودن. هامش 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 فالاسم الأكادي يظهر في النقوش المختلفة على ثلاثة أشكال، تتحدد بوظيفة الاسم في الجملة، ويطابق أحد هذه الأشكال حالة الرفع في العربية ويطابق الشكل الثاني حالة النصب في العربية، والشكل الثالث حالة الجر، فقد عرفت الأكادية إعراب الاسم على نحو ما عرفته العربية، أي بالرفع والنصب والجر، أما الميم التي تنتهي بها الصيغ المذكورة في الأكادية القديمة "انظر الجدول" فتقابل نون التنوين في العربية، أي أن التيميم في الأكادية يقابل التنوين في العربية. وإذا كان وجود أصوات الحلق يعد من السمات المميزة للغات السامية عموما فأغلب الظن أن اللغة السامية الأولى عرفت مجموعة أصوات الحلق بالتنوع الموجود في العربية. أما اللغة السامية فقد عرفت صوتين حلقيين، هما الهمزة والخاء، ولذا لم تكن هناك مشكلة تجاه هذين الصوتين. فقد كان السومريون الأكاديون ينطقون الصوتين، ولكن الأكاديين قلدوا السومريين في عدم نطقهم لصوتي العين والحاء، ولا يمكننا تصور هذا التأثير إلا إذا لاحظنا الازدواج اللغوي الذي ساد عدة قرون، فكان كثير من السومريين يعرفون الأكادية وينطقونها، وربما كان بعض الأكاديين يعرفون السومرية، ومعنى هذا أن نطق اللغة الأكادية تأثر بكيفية نطق السومريين لها، وبذلك اختفت العين والحاء من الأكادية، بينما ظلت الهمزة والخاء موجودتين. اختفاء العين والحاء والهاء في الأكادية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 ومثل هذا التغير الصوتي يفسر في إطار الأساس اللغوي، والمقصود تأثير اللغة الأقدم في اللغة الوافدة1 وقد كان للغة السومرية تأثيرات كثيرة في اللغة الأكادية. لقد انتقلت عدة كلمات من السومرية إلى الأكادية. وانتقل بعضها من الأكادية إلى العبرية والعربية بعد ذلك، وأشهر هذه الكلمات كلمة "هيكل" وأصل هذه الكلمة في السومرية ekallum دون هاء يعني البيت الكبير ثم دخلت منها الأكادية بمعنى البيت الكبير أو القصر أو المعبد ثم انتقلت بالمعنى الأخير إلى العبرية مع إضافة الهاء إلى الآرامية والعربية أي أن الصيغة العربية لهذه الكلمة تبدأ بالهاء التي أضيفت إليها في اللغة العبرية. وامتد التأثير السومري أيضا إلى بناء الجملة الأكادية فقد كان الفعل السومري يتخذ مكانه في آخر الجملة، بينما يكون الفعل في الجملة السامية في أول الجملة لتكوين الجملة الفعلية أو في وسط الجملة في بعض أنواع الجملة الاسمية، ولكن النصوص النثرية الأكادية تأثرت باللغة السومرية فتحرك الفعل إلى آخر الجملة الأكادية، وكان العشر الأكادي محافظا فاحتفظ بالنمط السامي لبناء الجملة، وبذلك ظل الفعل في مكانه في أول أو وسط الجملة الأكادية. واللغة الأكادية من أهم اللغات السامية لغويا وحضاريا فالأكادية أقدم لغة سامية دونت، ولذا يعد وجود أية ظاهرة لغوية في الأكادية والعربية دليلا على كون الظاهرة موروثة عن اللغة السامية الأولى، وبذلك نستطيع التأريخ لأقدم الظواهر في العربية عن طريق المقارنة بالأكادية. عاشت الأكادية أكثر من خمسة وعشرين قرنا، وبعد انهيار الاستقلال السياسي للمنطقة اللغوية الأكادية ودخول العراق في الإمبراطورية الفارسية ظلت   1 يطلق على هذا النوع من التأثير Substrat sub- ,معناها تحت -strata ومعناها طبقة والمقصود بهذا تأثير اللغة الأقدم مثل السومرية في اللغة التي جاءت بعدها في نفس المنطقة وهي الأكادية، وهذا مثل تأثير الآرامية في اللهجات العربية في الشام والعراق وتأثير القبطية في عربية مصر وتأثير الكلتية في اللاتينية الشعبية في فرنسا ... إلخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 اللغة الأكادية تستخدم في بعض النقوش. لقد ظلت الأكادية لغة الحياة والدولة حتى القرن السابع قبل الميلاد، وبسقوط الدولة الآشورية في القرن السابع قبل الميلاد بدأ احتضار اللغة الأكادية فقد كانت الآرامية تواصل انتشارها كلغة حديث ولغة تعامل، ولكن التغير اللغوي حدث ببطء شديد، فظل الازدواج اللغوي قائما عدة قرون انتهت بأن تركت الأكادية الحياة مخلفة وراءها تراثا أدبيا مثل ملحمة جلجامش1 وتراثا قانونيا مثل شريعة حمورابي2 وعددا كبيرا من النقوش ذات المضمون السياسي والاجتماعي.   1 حول ملحمة جلجامش انظر ترجمة النص كما أعدها schott ونقحها von soden وطبعت بعنوان: das gilgamesch-epos. stuttgart 1970. the Gilgamesh epic and old testament parallels chicago and london 6th. impr, 1967. 2 حول تاريخ حمورابي انظر: R.F. Garper, the code of hammurabi chicago 1904 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 الفرع الكنعاني مدخل ... 2- الفرع الكنعاني: يضم الفرع الكنعاني من اللغات السامية عدة لغات كانت في منطقة الشام1 وأهم هذه اللغات واللهجات الكنعانية: الأجريتية والعبرية والفينيقية واليونانية والمؤابية، وقد امتدت بعض هذه اللغات إلى مناطق أخرى خارج أرضها الأولى، ويمكن تقسيم اللغات واللهجات الكنعانية من الناحية الجغرافية إلى الكنعانية الشمالية وتمثلها الأجريتية، والكنعانية المتوسطة وتمثلها الفينيقية، والكنعانية الجنوبية وتمثلها العبرية والمؤابية   1 حول تاريخ الكنعانية ولهجاتها والعلاقات اللغوية بينها، انظر: R.Meyer, hebraische grammatik, I, s. 22-27. Z.S Harris, development of the canaanite dialects, new haven 1939. "= american oriental series 16". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 الأجريتية : تعد الأجريتية اللغة الوحيدة التي نعرفها من لغات الفرع الكنعاني الشمالي وأغلب الظن أن الأجريتية لم تكن وحدها في منطقة شمال الشام. فهناك لغات أخرى مثل العمورية بادت منذ زمن بعيد ولم تدون في نقوش، ولذا فليس لها صورة واضحة بين اللغات القديمة1. وتنسب اللغة الأجريتية إلى اسم مدينة عتيقة هي مدينة أجريت، وقد جاء اسم هذه المدينة الساحلية في مراسلات وجدت بالعراق ومصر من القرنين الثامن عشر والرابع عشر قبل الميلاد، واللغة الأجريتية هي آخر لغة سامية اكتشفت، وهي اللغة السامية الوحيدة التي اكتشفت في القرن العشرين، وقد بدأت الكشوف بالقرب من مدينة رأس شمراء على الساحل السوري 1929، فكشفت عن مجموعة كبيرة من النقوش الأجريتية، ولم تكن اللغة الأجريتية معروفة قبل هذا التاريخ، ولذا تخلو كتب اللغات وكتب النحو المقارن في اللغات السامية المؤلفة قبل هذا التاريخ من أية إشارة إلى اللغة الأجريتية2. لقد كشفت هذه الحفريات عن عدد كبير من النقوش المدونة على ألواح طينية مكتوبة بخط مسماري، أي أن هذا الخط يشبه من ناحية الشكل ذلك الخط الذي كتبت به من قبل اللغات السومرية والأكادية والحيثية ولكن عدد الرموز   1 هناك أيضا بضع أسماء من لغة أو لهجة كنعانية شمالية وصلت إلينا من عهد حمورابي "1728- 1636ق. م" وكذلك من القرن الخامس عشر قبل الميلاد، إن هذه الأسماء يتضح منها انتماؤها إلى لغة كنعانية شمالية: 2 حول الأجريتية انظر: C.H. gordon, ugaritic manual والطبعة الأجريتية، انظر: analecta orientalia 35, roma 1955. والطبعة الموسعة المعدلة بعنوان: C.H. gordon, ugaritic textbook. 3 vols grammar; glossary and indices text in transliteration. analecta orientalia 38 reprinted: roma 1965-67. وأهم المعاجم J. Aistleitner, worterbuch der ugaritischen sprache, berlin 1963. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 التي تتكرر في هذه النقوش الأجريتية الكثيرة يقل كثيرا عن عدد الرموز المستخدمة في الخط المسماري الأكادي، ويرجع هذا إلى سبب يتعلق بطبيعة الكتابة الأكادية واختلافها عن الكتابة الأجريتية. لقد كتب الأكاديون برموز مسمارية يدل كل منها بصفة عامة على مقطع، ولذا كانت هناك حاجة إلى استخدام مئات الرموز. ولكن الأجريتيين كتبوا برموز قليلة لا يتجاوز عددها الثلاثين. ومعنى هذا أن الأجريتيين بسطوا نظام الكتابة فلم تعد هناك حاجة لتعلم مئات الرموز، بل بسط الأجريتيون الرموز المكتوبة إلى عدد قليل. لقد عبر الأجريتيون عن كل صوت من أصوات اللغة بحرف واحد، ولذا كانت الحروف بعدد الوحدات الصوتية الموجودة في لغتهم، غير أنهم جعلوا للهمزة المفتوحة ثم للهمزة المضمومة ثم للهمزة المسكورة رموزا مختلفة، وهذا القصور في تدوين الهمزة أصبح ميراثا تناقلته كل الكتابات السامية الأبجدية بعد ذلك. وبذلك كان الأجريتيون أول من دون أية لغة من اللغات تدوينا صوتيا يقوم على أساس استخدام الحرف الواحد -دائما- للوحدة الصوتية الواحدة، وكانت الكتابة قبلهم إما صورية مثل الكتابة الهيروغليفية، أو مقطعية مثل الكتابة السومرية والأكادية، ولم تكن الكتابة الهيروغليفية صورية مائة في المائة كما لم تسلم الكتابة الأكادية من تأثيرات الكتابة السومرية؛ بمعنى أن يؤخذ الرمز الدال على الكلمة السومرية ويستخدم بمعناه في النقوش الأكادية. وابتكار الأجريتيين للأبجدية وهي نظام سهل يقوم على أساس صوتي منتظم مكن الإنسانية أن تمضي في ركب الحضارة وأن تصبح المعرفة شيئا متاحا لعدد كبير من البشر، بعد أن كانت في الحضارات الأقدم وقفا على نخبة من كبار رجال الدولة. ولكن الكتابة الأجريتية تعد من جانب بعينه مختلفة عن الكتابة الأكادية، وقد امتد هذا القصور إلى الكتابات السامية الأبجدية عدة قرون بعد ذلك، كان الأكاديون يدونون الحركات، فالرمز المقطعي كان يدل على الصامت مع الحركة، وبذلك اختلف الرمز الخاص بالباء المفتوحة عن الرمز الخاص بالباء المكسورة عن الرمز الخاص بالباء المضمومة. ولذا يمكن التعرف على البنية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 الصوتية للحركات الأكادية على نحو أفضل من معرفتنا بالحركات الأجريتية، فالأجريتيون لم يدونوا الحركات على الإطلاق، وتقوم كتابتهم على تدوين الصوامت فقط. وقد ظلت الكتابات السامية تدون الصوامت فقط على نحو ما فعل الأجريتيون ولا تدون الحركات عدة قرون بعد الميلاد. لقد اتبع الأجريتيون لأول مرة في التاريخ النظام الأبجدي في تدوين اللغة وترجع كلمة الأبجدية إلى ترتيبهم للحروف التي كتبوا بها لغتهم1 فالحروف انتظمت عندهم وفق الترتيب التالي: أب ج د هـ وز ح ط ي ك ل م ن س ع ف ص ق ر ش ت. وهذا الترتيب الأبجدي هو الأبجدية لأنه يبدأ بالألف والباء والجيم والدال. وقد ظل الترتيب الأبجدي للحروف سائدا عند كل الشعوب التي تعلمت الخط من الأجريتيين بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وأكثر النظم المعروفة في ترتيب الحروف ترجع بشكل مباشر إلى الترتيب الأبجدي الأجريتي أخذته كما هو أو عدلت فيه قليلا، فترتيب الحروف على النحو الأبجدي هو ترتيبها في العبرية وفي كل اللهجات الآرامية إلى اليوم. النقوش الأجريتية تلي الأكادية من الناحية الزمنية، فالأكادية أول لغة سامية دونت، وكان هذا حوالي سنة 2500ق. م ثم دونت بعد ذلك اللغة الأجريتية حوالي 1400 ق. م ولذا تحمل اللغة الأجريتية سمات قديمة كثيرة، بل إنها تختلف -من هذا الجانب عن باقي لغات الفرع الكنعاني, وتقترب بذلك من العربية، فالعربية احتفظت بصفة عامة بالأصوات السامية الأولى، نجد في العربية مثلا تمييزا واضحا بين الحاء والخاء، وهذه هي الحال أيضا في الأجريتية، أما في العبرية والفينيقية فقد تحولت كل حاء وكل خاء إلى صوت واحد هو الحاء، وهناك تمييز بين العين والغين في العربية وكانت الأجريتية تميز بينهما أيضا، ولكن العبرية جعلت منهما صوتا واحدا هو العين. ويوضح تمييز الأجريتية بين أصوات اختلطت بعد ذلك في العبرية والفينيقية   1 انظر ما كتبه ماير: R. Mayer Hebrauache, Grammatik, 1, s. 37-39 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 أنها -من هذا الجانب- أقرب إلى اللغة السامية الأولى، ولذا تعد دراسة الأجريتية أداة مهمة لدراسة عبرية العهد القديم والفينيقية كما جاءتنا في النقوش. ويعتمد الباحثون المعاصرون على الأجريتية لبيان المرحلة السابقة على العبرية والفينيقية، فالأجريتية أقدم لغة وصلت إلينا من المجموعة الكنعانية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 الفينيقية : الفينيقية هي إحدى لغات المجموعة الكنعانية1 وقد وصلت إلينا الفينيقية في مجموعة من النقوش، فلا تعرف الفينيقية إلا من هذه النقوش. وأقدم ما وصل إلينا من اللغة الفينيقية بضع جمل وجدت في مجموعة رسائل تل العمارنة بصعيد مصر. وتمثل هذه العبارات الموجزة لهجة منطقة جبيل في القرن الرابع عشر قبل الميلاد. ولكن أكثر النقوش الفينيقية ترجع إلى الفترة بين سنة 1000ق. م وسنة 100م. كانت الفينيقية لغة الساحل الفلسطيني والسوري واللبناني، وفي هذه المنطقة وجدت مجموعة كبيرة من النقوش. وقد وجدت نقوش فينيقية كثيرة خارج منطقة الشام، فقد كان الفينيقيون مهتمين بالتجارة البحرية فكانت لهم محطاتهم التجارية وجالياتهم في مناطق مختلفة من جزر البحر المتوسط، ولذا هناك نقوش فينيقية كثيرة من قبرص. وقد انتشرت المحطات التجارية الفينيقية في كل أنحاء   1 حول الفينيقية J. friedrich, w. rolling, phonizisch-punische grammatik. roma 19701. z.s. harris, a grammar of the phoenician language. new haven 1936. V. den branden, grammaire phenicienne. beyruth 1969. ولا يوجد معجم مستقل للفينيقية بل يوجد معجم للنقوش السامية الغربية يفيد بصورة مباشرة في فهم النقوش الفينيقية وهو معجم: ch-f. jean-j. hoftijer, dictionaire des inscriptions semitiques d'ouest. leiden 1965. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 حوض البحر المتوسط، فهناك نقوش فينيقية وجدت في المنطقة الساحلية لآسيا الصغرى وعلى الساحل الأوربي للبحر المتوسط وخصوصا في جنوب إسبانيا1. ويطلق على اللغة الفينيقية في امتدادها في المغرب اسم اللغة البونية، وتقع المنطقة اللغوية البونية على الساحل التونسي، وأهم المدن التي أسسها الفينيقيون هناك مدينة "قرت حدشت" أي "القرية الحديثة" بمعنى المدينة الحديثة2 ويقسم تاريخ اللغة الفينيقية في هذه المنطقة الإفريقية إلى مرحلتين: البونية والبونية الحديثة. تبدأ اللغة البونية بانتشار الفينيقيين في منطقة الساحل التونسي حوالي القرن التاسع قبل الميلاد، وتنتهي بسقوط الكيان السياسي للدولة البونية سنة146. فقد قضى الرومان الذين نازعوا الفينيقيين السيادة البحرية ودخلوا معهم في حروب متصلة على مدينة قرطاجنة واحتلوا المنطقة اللغوية البونية، وبعد سقوط قرطاجنة تبدأ الفترة الثانية في حياة اللغة البونية. لقد خضع البونيون للرومان، وكان الرومان في مركز السيادة ولذا تأثرت اللغة البونية الجديدة باللغة اللاتينية من أكثر من جانب. لقد دخلت ألفاظ لاتينية كثيرة إلى اللغة   1 انظر حول توزيع النقوش الفينيقية وغيرها جغرافيا وتاريخيا كتاب: H.Donner, w. rolling, kanaanaische und aramaische inschriften. wiesbaden 1966. ويضم هذا الكتاب الممتاز ثلاثة مجلدات، أولها للنصوص والثاني للتعليق والثالث معجم لغوي وفهارس، وبهذا تصبح هذه المجلدات أفضل أداة لدراسة النقوش الفينيقية وغيرها من النقوش التي تناولها الكتاب. 2 تدل كلمة "قرت" هنا على المعنى القديم للكلمة كما جاء في القرآن الكريم؛ فالقرية تعني ما نعبر عنه اليوم بكلمة مدينة، انظر المواضع التي وردت فيها الكلمة في القرآن الكريم. وأشار القرآن الكريم إلى "رجل من القريتين" تدل على أن القريتين وهما مكة والطائف لم تكونا قريتين بالمعنى الحديث بل هما مدينتان، وهناك مدن كثيرة يوازي اسمها اشتقاقيا مدينة "قرت حدشت" فمدينة "نابولي" تكون اسمها من الكلمتين Neo+ polis وتعني كلمة جديد أو حديث، وكلمة Polis تعني المدينة. أما تسمية "قرت حدشت" باسم قرتاج أو قرطاجنة ...... إلخ، فيعكس عدم نطق صوت الحاء وهو صوت حلق كان النطق قد ضعف به في البونية الحديثة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 البونية في هذه الفترة، ويبدو أن الازدواج اللغوي الحادث مع إقامة عدد من أبناء اللغة اللاتينية إلى جوار المتحدثين بالبونية قد أدى إلى ضعف النطق بأصوات الحلق في اللغة البونية الجديدة. وقد أمكن التعرف على هذه الظاهرة من النقوش البونية الجديدة. فكتابها يخلطون في التدوين بين الكلمات التي ينبغي أن تكتب بحرف العين والكلمات التي يجب أن تكتب بالهمزة، كما يخلطون بين الكلمات التي ينبغي أن تكتب بالحاء والكلمات التي ينبغي أن تكتب بالهاء، ويرجع هذا الخطأ في الكتابة إلى أنهم في النطق لم يكونوا يميزون بين العين والهمزة وبين الحاء والهاء، وفي عدد من النقوش البونية الجديدة تلاحظ مزيدا من الخلط بين الهاء والألف، وفي مرحلة متأخرة من تاريخ البونية الحديثة نجد الحروف التي كانت تستخدم قديما للتعبير عن أصوات الحلق تصبح وسيلة لكتابة الحركات القصيرة، ولا بد أن هذا حدث في فترة لم يعد أحد يحس فيها بأن هذه الحروف تعبر عن أصوات تنطق فعلا، فوجدوها بلا وظيفة فأفادوا منها لتدوين الحركات. ونلاحظ في هذه المحاولة التأثير المباشر لليونان واللاتين فقد قلدهم البونيون الخاضعون للرومان في كتابة الحركات داخل الكلمة على نحو ما فعل اليونان والرومان. كان اليونان قد تعلموا في أثناء احتكاكهم بالفينيقيين حوالي القرن التاسع قبل الميلاد الكتابة الأبجدية. والكتابة الأبجدية الفينيقية امتداد مباشر للأبجدية الأجريتية. كان الأجريتيون قد بسطوا نظام الكتابة وجعلوها أبجدية. احتفظ الفينيقيون بفكرة النظام الأبجدي، غير أنهم عدلوا أشكال الحروف لتصبح سهلة في الكتابة. واحتفظ الفينيقيون في نفس الوقت بترتيب الحروف كما رتبها الأجريتيون. وعندما تعلم اليونان الكتابة من الفينيقيين بدأت أوربا حضارتها الراقية القديمة؛ ففي القرن التاسع قبل الميلاد كان عمر الحضارة في الشرق بضع آلاف من السنين وكان تاريخ الكتابة قد مر بمراحل متتابعة، ثم أخذ اليونان عن الفينيقيين فكرة التدوين الصوتي بالحروف، أي أنهم أخذوا الأبجدية. واحتفظوا أيضا بترتيب الحروف كما عرفه الفينيقيون، ولكن اليونان وجدوا مجموعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 حروف عبرت عند الفينيقيين عن أصوات الحلق وأصبحت بالنسبة لليونان دون فائدة، وهنا أدخل اليونان تجديدا منهجيا على الخط بأن استخدموا مجموعة الحروف المذكورة للدلالة على الحركات في سياق الكلمة، ويعد هذا التجديد مرحلة مهمة من تاريخ الخط بصفة عامة، وقد حدث في الكتابة اليونانية تعديل آخر جعلها تختلف عن الكتابة الفينيقية، فقد جعل اليونان اتجاه الكتابة من اليسار إلى اليمن، بعد أن كانت بخلاف ذلك عند الفينيقيين، وهذان التعديلان -تدوين الحركات وتعديل اتجاه الكتابة- ظلا سمتين أساسيتين في كل الخطوط المأخذوة عن الخط اليوناني، وأهمها الخط الكريلي الذي انتشر مع انتشار المسيحية الأرثوذكسية في شرق أوربا، والخط الروماني الذي انتشر مع الكاثوليكية في غرب أوربا. وبذلك كان للأجريتيين ثم للفينيقيين دور كبير في تبسيط نظام الكتابة، وهو ما أتاح تحول المعرفة الإنسانية إلى ظاهرة ذات بعد اجتماعي عريض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 اللهجات الكنعانية الجنوبية : أقدم ما وصل إلينا بالكنعانية الجنوبية مجموعة هوامش مدونة على رسائل أكادية أرسلها بعض أمراء فلسطين إلى حكام مصر، وترجع هذه النصوص إلى عهد أمنحتب الثالث 1413-1377 ق. م وأمنحتب الرابع "إخناتون" 1377-1358 ق. م، وتعد لغة هذه الهوامش صورة قديمة من اللهجات الكنعانية الجنوبية1. وهناك نقش يعرف باسم الملك ميشع، ويعبر عن لهجة خاصة به تختلف في بعض الخصائص عن الفينيقية، كما تختلف في خصائص أخرى عن العبرية 2   1 meyer, hebraische grammatik I. 2 انظر حول نقش الملك ميشع كتاب: h. donner w. rollling, kanaanaische und aramaische inschriften. wiesbaden, 1946, 1/ 33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 إن هذا النقش الذي يقع في 34 سطرًا يؤرخ بمنتصف القرن التاسع قبل الميلاد. وهو الأثر الوحيد الباقي من تلك اللهجة الكنعانية الجنوبية: المؤابية. ولكن أهم اللهجات الكنعانية الجنوبية هي العبرية، وترجع أهميتها إلى أنها دونت في أسفار العهد القديم، ومرت بازدهار في الأندلس الإسلامية، وعادت للحياة مرة أخرى في العصر الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 العبرية : تبدأ اللغة العبرية تاريخها في القرن الثاني عشر قبل الميلاد عندما دخلت قبيلة إسرائيل أرض فلسطين. وقد تعلم أبناء القبلية الوافدة لهجة المنطقة التي حلوا فيها من فلسطين، وهي إحدى اللهجات الكنعانية الجنوبية، ويكاد العهد القديم يكون المصدر الوحيد للتعرف على تاريخ العبرية مدة ألف عام، تبدأ بدخول قبيلة إسرائيل لأرض فلسطين وتمضي إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وقد أوضحت الكشوف الأثرية في القرن العشرين عددا من النقوش العبرية القديمة، وهو عدد قليل لا يقارن على الإطلاق بعدد النقوش الفينيقية فضلا عن الأجريتية أو الأكادية. وفي السنوات الأخيرة ظهرت مجموعة نصوص دينية وأدبية مكتوبة على البردي وعلى الجلد سميت باسم لفائف البحر الميت Dead Sea Scrolls وترجع هذه الكتابات إلى الفترة ما بين القرن الثالث قبل الميلاد والقرن الثاني الميلادي. وتحاول السلطات الحاكمة في إسرائيل تدعيم ارتباطها بالأرض بالاهتمام بالكشوف الأثرية ولكن هذه الكشوف لا تكاد تظهر إلا القليل، وفي سنة 1960 وجدت مجموعة رسائل عبرية أرخها أحد المؤلفين بالقرن الثاني للميلاد1. اللغة العبرية القديمة هي لغة العهد القديم، وهو الكتاب المقدس عند اليهود,   1 Meyer,I. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وأحد الكتابين المقدسين عند المسيحيين1 يطلق عليه اليهود "تنخ" اختصارا للعناوين العبرية لأقسامه الثلاثة: التوراة والأنبياء والمكتوبات. ويطلق عليه المسيحيون اسم العهد القديم The Old Testament باعتبار أن الأناجيل هي العهد الجديد The New Testament ويكون الكتابان معا الكتاب المقدس عند المسيحيين The Bible. أما التسمية الشائعة في العربية "التوراة" فتعكس ضربا من إطلاق اسم الجزء على الكل، فالتوارة هي الثلث الأول من العهد القديم. ولذلك يمكن اعتبار كلمة "التوراة" تسمية لهذا القسم وحده، أو للعهد القديم كله. وليس العهد القديم كله باللغة العبرية، ففيه عدة صفحات بالآرامية وهي سفر عزرا 4/ 8 -6 و18، 7/ 12-26 صفر دنيال 2/ 4-7، 28 وسفر إرميا 10/ 11، وهناك كلمتان آراميتان في سفر التكوين 31، 47 ويطلق على العبرية كما نعرفها في العهد القديم اسم العبرية القديمة أو العبرية الكلاسيكية2.   1 انظر: حول العهد القديم introduction to the old testament. g.fohrer, das alte testament. gutersloh 1969-70. وقد ترجم هذا الكتاب إلى الإنجليز بعنوان: introduction to the old testament. وهناك كتب كثيرة بنفس العنوان لمؤلفين متعددين منهم: R.k. Harrison, pfeiffer. انظر كذلك: d.kaiser, einleitung in das alte testament. gutersloh 1969. 2 أهم أدوات البحث في اللغة العبرية القديمة: w. gesenius, hebraisches und aramaisches lexikon zum alten testament. leiden, 1967. وقد اهتم المعجمان المذكوران ببيان المقابلات السامية لعدد من الكلمات. H.Baurer und p. leander, historische grammatik der hebraischen sprache I. halle 1922. وقد طبع الكتاب مرة ثانية سنة 1965 ضمن سلسلة olms paperbacks w. gesenius-E. kautzsch, hebraische grammatik. leizig 1910. وقد ترجم إلى الإنجليزية، وطبع بالألمانية عدة طبعات أهمها بعناية برجشتراسر bergstrasser في ليبزج 1918. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 تمييزا لها عن المراحل التالية في تاريخ العبرية. ومن المعروف أن العبرية المستخدمة في العصر الحديث هي العبرية الحديثة، ولكن هناك خلافا بين الباحثين في تصنيف المراحل التي مرت بها اللغة العبرية بعد العهد القديم وقبل العصر الحديث، ويجعلها البعض فترة واحدة باسم العبرية الوسيطة، ويقسم بعض الباحثين هذه الفترة إلى مراحل مختلفة. لم تكن اللغة العبرية حية تستخدم في التعامل اليومي في كل هذه الفترة الطويلة، بل كانت لغة التعامل اليومي حتى سقوط سامريا سنة 721 ق. م ثم سقوط القدس سنة 587ق. م أي أن الحياة الحقيقية للغة العبرية بدأت في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، ثم أخذت العبرية في الانكماش في القرن السادس قبل الميلاد، وكانت اللغة الآرامية قد أخذت تسود منطقة الشام شيئا فشيئا قبل هذا التاريخ، وما نكاد نصل إلى القرن السادس قبل الميلاد حتى نجد اليهود يتعاملون باللغة الآرامية في حياتهم اليومية. وأوضح مثال لذلك أن المرتزقة اليهود الذين تركوا فلسطين في القرن السادس قبل الميلاد تقريبا كانوا يتعاملون مع سلطات القدس، كما تثبت كتاباتهم البردية باللغة الآرامية، ولم يكن تعاملهم باللعة العبرية1. وعلى الرغم من أن اللغة العبرية قد انكمشت بعد القرن السادس قبل الميلاد كلغة تعامل فقد ظلت لغة الدين اليهودي. اهتم بها رجال الدين، وكتبت بها بعض الكتب الدينية اليهودية وظل بعض اليهود يهتمون بتعلمها وبقراءة كتبها الدينية. لم يدون العهد القديم في شكله الحالي في فترة حياة اللغة العبرية، ولكنه دون   1 انظر بروكلمان في بحثه عن الآرامية: aramaisch, einschliesslich des syrischen, in: handbuch der orientalisitik "ed. Spuler", Semitistik s. 138-139 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 على مراحل متعاقبة فمن المؤكد أنه لم يجمع وترتب أسفاره قبل القرن الثاني الميلادي. تم ذلك على يد عدد من علماء الدين اليهود العارفين بالعبرية المتحدثين في حياتهم اليومية باللغة الآرامية. لقد دون العهد القديم- أول الأمر- بالخط العبري غير المضبوط بالشكل، أي أن النص المدون كان نصا يدون الصوامت ولا يدون الحركات القصيرة، في هذه الفترة كان العهد القديم يتلى بعد أن يحفظ، فلم تكن كتابته كاملة بل كان النص المكتوب يذكر القارئ بالنطق وترجع إضافة الحركات إلى النص العبري إلى مرحلة تالية امتدت من القرن الخامس الميلادي حتى القرن التاسع الميلادي. وكانت هناك عدة مدارس تعنى بالنص العبري للعهد القديم، ويطلق عليها مدارس الماسورا1. وتم عمل رجال الماسورا في مرحلة لم تكن فيها اللغة العبرية لغة حية، ومعنى هذا أن رجال الماسورا كانوا من أبناء اللهجات الآرامية ثم اللهجات العربية. وقد تأثر رجال الماسورا في محاولاتهم لضبط النص العبري بالحركات بطريقة النساطرة السريان في ضبط الخط السرياني. أما النظام المتداول إلى اليوم في ضبط النص العبري للعهد القديم والنصوص العبرية بصفة عامة فلا يقوم على جهد المدارس اليهودية في العراق، بل يعتمد على جهود مدرسة طبرية في فلسطين، وقد أبرز البحث الحديث وجود مجموعة أسر اهتمت بالنص العبري للعهد القديم، وتوارثت هذه المعرفة ومن أهم هذه الأسر أسرة نفتالي وأسرة بن أشر. وهكذا وصل إلينا العهد القديم بعد أن ألف على مراحل، ودون على مراحل. وضبط بالحركات في مدارس مختلفة، ولذا ينبغي وضع كل هذا في الاعتبار عند استخراج الصيغ اللغوية من العهد القديم.   1 حول رجال الماسورا والقضايا الخاصة بضبط النص العبري للعهد القديم انظر كتاب بأول كاله: P.E. Kahle, die kairoer genisa. untersuchungen zur geschte des hebraischen bibeltextes und sieiner ubersetzungen. berlin 1962. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 وقد ألف اليهود باللغة العبرية على مدى القرون عدة كتب دينية، وتصنيف هذه الكتب من الموضوعات الخلافية بين فرق اليهود وأحبارهم وربانييهم. ولكن أهم هذه الكتب الدينية العبرية: المشنا1 وهو الكتاب العبري الثاني بعد العهد القديم. وترجع كلمة المشنا إلى المادة العبرية ش ن هـ -وهي تقابل المادة العبرية الدالة على التثنية والتكرار. فالمشنا في رأي اليهود هو النص الثاني من النصوص الدينية وقد ألف نص المشنا بين أواخر القرن الأول الميلادي ومنتصف القرن الثالث الميلادي، لقد انتهى آخر كيان سياسي لليهود في فلسطين القديمة سنة 70م، وعندما قضى الرومان على الاستقلال الداخلي لمنطقة صغيرة حكمها اليهود حتى ذلك التاريخ، وبذلك وجدت ظروف جديدة عاشها اليهود في اختلاط مع أبناء العقائد الأخرى، فألف رجال الدين لهم نص المشنا، ليدعم ارتباطهم بأنفسهم على أساس الدين وتحيزهم عن الآخرين تبعا لذلك. وقد ألف نص المشنا باللغة العبرية في فترة كانت معرفة اللغة العبرية فيها قاصرة على رجال الدين اليهودي. ولذا فقد كان من الضروري أن يشرح النص بلغة مفهومة لليهود، فكان رجال الدين يقرءون لعامة اليهود نص المشنا بالعبرية ثم يشرحونه   1 أهم معجم يفيد في قراءة المشنا: M. Jastrow, A Dictionary of the Targumim, the Talmud Babli and Yeru-shalmi, and the Midrashic literature. New York 1926. وحول المشنا ولغتها، انظر:.Segal, Mischnaic Hebrew; Oxford 1958 أما نص المشنا فقد طبع عدة طبعات وحده وطبع طبعات أخرى داخل التلمود مثل: Der Babylonische Talmud, herausgegeben von L. Goldschmidt Den Haag 1933. وحول رأي البحث اليهودي في المشنا، انظر: Ch. Albeck, Einfuhrung in die Mishna. Aus dem Hebraischen iibersetzt von Tamar und Pessach Galewski. Berlin 1970. انظر أيضا:.Strack, Einleitung in den Talmud, Leipzig 1908. وانظر بالعربية مقال محمود فهمي حجازي عن: "التلمود:"، مجلة المجلة - القاهرة يناير 1968-ص44-54. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 لهم بالآرامية. ولم تكن هناك لغة آرامية موحدة، بل هناك لهجات آرامية كثيرة، وتعددت الشروح الشفوية الآرامية بتعدد هذه اللهجات ثم كتب الأحبار والربانيون هذه الشروح الآرامية على المشنا. وهكذا ظهر التلمود، فالتلمود البابلي يتألف من المشنا وهي نص عبري، ومن الجمارا وهي الشرح الآرامي للنص العبري. والتلمود الفلسطيني يتألف من المشنا نفسها، ومن الشرح المدون باللهجة الآرامية الفلسطينة ويسمى الجمارا أيضا. المشنا نص عبري واحد، والجمارا "أي النص المُكَمِّل أو الإكمال" تختلف باختلاف اللهجة الآرامية وباختلاف مؤلفيها. وفي العصور الوسطى لم تزدهر اللغة العبرية إلا في إطار الدولة الإسلامية1 ففي الأندلس الإسلامية عاشت جماعات من اليهود. وشارك اليهود في الحياة الثقافية العربية مشاركة عميقة، فكانوا يتعلمون المعارف العربية، وأراد اليهود أن يؤلفوا بما اكتسبوه من معارف عربية كتبا عبرية. وبذلك كانت المؤلفات العبرية الأندلسية انعكاسا واضحا للثقافة الإسلامية في كل فروع المعرفة، فكتب النحو العبري التي ألفها يهود الأندلس، مثل: مروان بن جناح القرطبي وحيوج والمعاجم التي ألفوها للعبرية والعربية تعد امتدادا وتطبيقا لمناهج البحث اللغوي عند العرب. وقد اهتم اليهود الأندلسيون بالتأليف الأدبي بالعبرية أيضا، وهنا نلاحظ أن الشعر العبري الأندلسي انعكاس واضح للشعر العربي. وكما ألف العرب في فن المقامة ألف الحريزي بعض مقامات عبرية، لقد ترجم الحريزي   1 ولد يهوذا بن سليمان الحريزي حوالي سنة 1165، وتوفي 1335، عاش في الأندلس وقضى فترة من حياته مترجما في البروفانس "وتقع الآن في فرنسا". وحول الترجمات العبرية والأدب العبري في العصور الوسطى: انظر M. stenischneider, die gebraischen ubersetzungen des mittelalters und die juden als dometscher. berlin 1893. وانظر كذلك: محمد حسن ظاظا: الساميون ولغاتهم، القاهرة 1971، ص98-101. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 -وهو يهودي أندلسي- مقامات الحريري، والتزم في الترجمة بالجوانب البيانية والبديعية التي اتسمت بها المقامات في نصها العربي، ثم حاول الحريزي بعد ذلك أن يؤلف مقامات عبرية فألفها محاكيا المقامات العربية، فالتراث العبري الأندلسي هو تراث باللغة العبرية ألفه اليهود في إطار الثقافة العربية الإسلامية. أما العبرية الحديثة التي يطلق عليها Evrit فهي اللغة الرسمية الأولى في إسرائيل وتعد العبرية الحديثة محاولة من اليهود الأوربيين لبعث لغة سامية إلى الحياة المعاصرة1. فاليهود الأوربيون هم أصحاب المكانة الأولى في إسرائيل لأنهم أرقى حضاريا واجتماعيا ولأنهم هم أصحاب الفكرة الصهيونية التي تقوم عليها الدولة. وقد كان لهؤلاء الأوربيين أثر بعيد في تكوين الإطار اللغوي الجديد للعبرية، فمن الناحية الصوتية تأثرت العبرية الحديثة باللغات الأوربية، فخف النطق بأصوات الحلق وأصوات الإطباق لأنها غير موجودة في اللغات الأوربية، ولم تعد الصاد تنطق مثل الصاد العربية، بل تأثرت بنطق صوت Z في الألمانية ويرجع هذا التأثير الألماني إلى أن لغة البيدش -التي كان يهود وسط وشرق أوربا يتعاملون بها قبل إحياء اللغة العبرية- هي عبارة عن لهجة ألمانية، وقد أصبح العارفون بلغة البيدش أصحاب مكانة في الدولة الصهيونية، ولكنهم رفضوا جعل لغة البيدش اللغة الرسمية، لأن انتماءهم إلى العبرية يربطهم بتاريخهم القديم ولا يفصلهم عاطفيا عن يهود المشرق، وقد دخلت إلى العبرية الحديثة ألفاظ كثيرة من اللغات الأوربية. ولعل مقارنة بين الألفاظ الأوربية الكثيرة الدخيلة في العبرية الحديثة مع محاولات   1 انظر حول العبرية الحديثة: Haim Blanc, The Israeli Konie as an emergent National Standard, in: Language problems of developing Nations. "ed". J.A. Fishman New York 1968, pp. 237-251. وانظر حول الأدب العبري الحديث: Pnina Nave, Die neue hebraische Bern 1962. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 التعريب في العالم العربي توضح اختلاف النسبة، فالعبرية الحديثة زاخرة بألفاظ أوربية خصوصا في المجال العلمي. والتأثير الأوربي في العبرية الحديثة لا يقتصر على الأصوات والمفردات، ولكنه يتضح أيضا في كثير من التراكيب والتعبيرات الأوربية التي نقلت نقلا حرفيا إلى العبرية. وهذا شيء طبيعي بالنسبة للعبرية الحديثة، فهي تدور بعناصر مأخذوة من العبرية القديمة مع كثير من الإضافات داخل الإطار الفكرى الأوربي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 الفرع الآرامي مدخل ... 3- الفرع الآرامي: يضم الفرع الآرامي من اللغات السامية مجموعة من اللهجات المتقاربة في بنيتها اللغوية تقاربا كبيرا، وانتشرت هذه اللهجات المختلفة في منطقة الشام والعراق، وتجاوزتها في بعض المراحل التاريخية عندما استخدمت الآرامية كلغة تعامل دولي في الشرق القديم1. ليست هناك لغة آرامية بالمعنى المتعارف عليه لكلمة لغة في الاستخدام العام للكلمة، بل هناك لهجات آرامية متقاربة، لقد ذكر الآراميون في التاريخ في النقوش الآشورية في الألف الثالث قبل الميلاد2. وهذه حال كثير من الشعوب القديمة عندما يرد اسمها لأول مرة عند جيرانهم الأكثر حضارة ولكن الآرامية لم تدون - وفق معلوماتنا المعاصرة إلا بعد ذلك بوقت طويل، فأقدم النقوش الآرامية ترجع إلى القرن العاشر قبل الميلاد، ومرت الآرامية بعد ذلك بمراحل تاريخية متعاقبة، ارتبطت الآرامية في بعض مراحلها التاريخية   1 انظر الفصل القيم الذي كتبه كارل بروكلمان: C. Brockelmann, Das aramaische, einschliesslich des Syrischen, in: Handbuch der Orientalistik, Band III, LEIDEN 1954, S. 135-162. وأفضل مدخل لدراسة اللهجات الآرامية المختلفة: F. Rosenthal, Aramaic handbook. Wiesbaden 1967. 2 انظر مقال: P.N. Schneider, Aram und Aramaer in der Ur III- Zeit, Bibllica 30, 1949. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 بإمبراطوريات الشرق القديم، ثم كانت إحدى لهجاتها أداة للتبشير المسيحي ووسيلة لنقل معارف اليونان إلى الحضارة الإسلامية، فالسريانية إحدى اللهجات الآرامية التي كان لها دور كبير في تاريخ الحضارة في الشرق، وانحسر استخدام اللغة الآرامية مع الفتح الإسلامي، ولكنها ما زالت تستخدم في عدة أشكال حديثة في عدد من القرى في شمال العراق وإيران وسوريا، ويبلغ هذا التاريخ الطويل حوالي ثلاثة آلاف عام منذ أقدم النقوش الآرامية إلى اليوم، وقد أطلقت عدة تسميات علمية على اللهجات الآرامية المختلفة عبر التاريخ، وأهم هذه اللهجات: الآرامية القديمة وآرامية الدولة والسريانية، واللهجات الآرامية اليهودية والنبطية والمندعية واللهجات الآرامية الحديثة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 الآرامية القديمة : يطلق على مجموعة النقوش القديمة المدونة بالآرامية مصطلح الآرامية القديمة1، وترجع هذه النقوش إلى الفترة بين القرن العاشر قبل الميلاد والقرن الثامن قبل الميلاد وقد وجدت هذه النقوش في مناطق مختلفة من الشام والعراق. وأهم ما يميز الآرامية القديمة عن اللهجات الآرامية الأخرى، أنها تستخدم القاف في كلمة "أرقا" ومعناها الأرض، بينما تأتي هذه الكلمة في اللهجات الآرامية الأخرى "أرعا". ومعنى هذا أن الضاد العربية وهي الامتداد المباشر للضاد في اللغة السامية الأولى قد تحولت في الآرامية القديمة إلى قاف وفي اللهجات الآرامية إلى عين. وهذا التحول من أصعب التحولات الصوتية تفسيرا.   1انظر بروكلمان في المرجع المذكور 137. وكتاب ديجن: Degen, Altaramaische Grammatik der Inschriften des 10-8 Jh. v. Chr. Wiesbaden 1969. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 آرامية الدولة : المقصود بها الآرامية المستخدمة في النقوش الكثيرة التي دونت في القرن من السابع إلى الخامس قبل الميلاد، وقد سميت آرامية هذه النقوش باسم آرامية الدولة لأن دولة الفرس الأخمينيين اعترفت بالآرامية لغة رسمية في الدولة، فالدولة المقصودة هي دولة الفرس الأخمينيين1 كانت اللغة الآرامية قد استخدمت قبل ذلك في الدولة الآشورية على نطاق واسع فقد لاحظ الباحثون في كثير من العقود المدونة على نقوش من أواخر عهد الدولة الآشورية استخدام الأكادية والآرامية جنبا إلى جنب، وعندما سقطت الدولة الآشورية سنة 625ق. م ودخل العراق في إطار الإمبراطورية الفارسية دعم الحكام الفرس مكانة الآرامية واعترفوا بها لغة رسمية في كل أنحاء الدولة، وبهذا دخلت الآرامية إيران أيضا، ودخلت مع النفوذ الفارسي إلى كل أنحاء الشرق القديم وتعد الآرامية في هذه الفترة التي تبدأ في القرن السابع قبل الميلاد لغة دولية لأنها كانت مستخدمة في منطقة واسعة من العالم القديم؛ في التعامل التجاري والسياسي بين أبنائها وغير أبنائها. تشهد بذلك النقوش الكثيرة التي وجدت في إيران والعراق والشام وشمال الجزيرة العربية ومنطقة أسوان في مصر، ووجدت في آسيا الصغرى نقوش ثنائية اللغة، فبعضها آرامي يوناني وبعضها آرامي ليدي.   1 ترجع هذه التسمية إلى الباحث J. Markwart انظر المرجع السابق من بروكلمان ص 139-140. وحول الأهمية الدولية للآرامية في تلك الفترة، انظر: F. Altheim und R. Stiel, Aramaisvh als weltsprache, 1. Band. Berlin 1964, s. 181-203 وانظر المواضع الكثيرة المذكورة في البحث المذكور، وكذلك: A. Cowley. Aramaic Papyri of the Fifth Century BC. 1923. Bauer-Meissner, in: Sitzungsberichte der Preussischen Akademie. 1937, s. 412f. G.R. Driver, Aramaic Documents of the Century Century. Oxford 1957. Th. Noldeke, in Zeitschrift fur Assyriologie, 7,350f. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وهكذا كانت الآرامية اللغة الوحيدة التي تجاوز استخدامها في هذه الفترة التعامل المحلي المحدود وأصبحت تستخدم عند الكثيرين ممن ينتمون إلى بيئات لغوية مختلفة، وإذا كان سفر أستير قد ذكر أن أوامر الملك الفارسي كانت تمضي من إيران إلى الهند وإلى الحبشة فلا شك أن هذه الأوامر كانت تصل إلى هذه المناطق بالآرامية. وأدى انتشار الآرامية في إيران والمناطق المجاورة لها إلى أن كل رجال الدين البوذي يستخدمونها في مواعظهم الدينية في منطقة الحدود الإيرانية الهندية. وتشير النقوش الكثيرة التي وصلت إلينا من القرون السابع والسادس والخامس والرابع قبل الميلاد من إيران والعراق وآسيا الصغرى والشام ومصر إلى أن اللغة الآرامية أصبحت في هذه الفترة لغة التعامل الدولي في الشرق القديم بالإضافة إلى كونها لغة الإدارة في دولة الفرس الأخمينيين، ولكن مكانة اللغة الآرامية أخذت تقل شيئا فشيئا، وعندما انتهت الدولة الأخمينية وأعلنت الدولة الساسانية في مطلع القرن الرابع قبل الميلاد عدل الساسانيون عن استخدام الآرامية في الإدارة، وبذلك انتهت آرامية الدولة. ولكن التعامل اليومي باللغات الآرامية أو بمعنى آخر اللهجات الآرامية المختلفة ظل يسود الحياة اللغوية في الشام والعراق عدة قرون بعد هذا التاريخ. لقد قلت مكانة اللغة الأكادية في العراق مع انتشار اللغة الآرامية قبيل سقوط الدولة الآشورية. وقل استخدام اللهجات الكنعانية المختلفة في منطقة الشام مع انتشار الآرامية، لقد ظلت الآرامية إلى جوار العبرية والفينيقية واللهجات الكنعانية المختلفة عدة قرون، ولكن استخدام اللهجات الكنعانية قل شيئا فشيئا إلى أن حلت الآرامية محل كل لهجة كنعانية بادت، وما نكاد نصل إلى فترة انحسار الآرامية عن الاستخدام الدولي حتى نجد اللهجات الآرامية قد أصبحت وحدها في العراق والشام، وهنا نجد عدة لهجات آرامية تختلف باختلاف المكان؛ فهناك لهجات شرقية وأخرى غربية وتختلف باختلاف الطائفة الدينية فهناك لهجات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 لليهود وأخرى للوثنيين والمندعيين. ثم تأتي بعد ذلك السريانية وتتحول مع انتشار المسيحية إلى لغة من أهم لغات الشرق المسيحي في القرون التالية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 السريانية : السريانية لهجة آرامية ارتبطت بالمسيحية، ولذا يحب أبناؤها تمييزها عن اللهجات الآرامية الأخرى، وقد انتشرت السريانية بعد أن كانت في منطقة محدودة في شمال الشام لتصبح لغة جماعة كبيرة في شمال العراق والشام، وتكون السريانية مع لغة التلمود البابلي والمندعية مجموعة آرامية واحدة يطلق عليها المجموعة الشرقية، فهذه اللهجات الثلاث تتفق في عدد كبير من الخصائص اللغوية وهي متقاربة كل التقارب من ناحية البنية اللغوية. ومن الطبيعي أن تتأثر آرامية التلمود البابلي بالعبرية، وأن تأخذ مندعية الصابئة اتجاها خاصا بها، وأن تتأثر السريانية المسيحية بالثقافة السائدة في منطقة الشام والأفكار المسيحية. وقد ازدهرت السريانية مع انتشار المسيحية شيئًا فشيئًا، ووصل التأليف بالسريانية والترجمة إليها مع بداية القرن الثالث الميلادي إلى مستوى رفيع، وقد ازدهرت حركة التأليف بالسريانية في الفترة من القرن الثالث الميلادي حتى القرن السابع، ولكن لغة التأليف انقسمت في القرن الخامس الميلادي -أي في منتصف فترة الازدهار- إلى سريانية شرقية وسريانية غربية1. إن السريانية عمومًا   1 حول اللغة السريانية وآدابها، انظر: C. Brocklmann, Syrische Grammatik. Leipzig 1955. ويضم هذا الكتاب القيم نحوا علميا واضحا للغة السريانية وقائمة ببليوجرافية بالتراث السرياني والدراسات المؤلفة عنه ونصوصا سريانية مختارة ودليلا بالمفردات الواردة في الكتاب ولا يزال أفضل كتاب في تاريخ التراث السرياني كتاب باو مستارك: A. Baumstark, geschichte der syrischen literatur mit Ausschluss der christlich-palastinensischen texte. bonn 1922. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 هي إحدى لهجات المجموعة الشرقية من الآرامية، ولذا ينبغي ألا يختلط انتماء السريانية إلى الآرامية الشرقية بانقسام السريانية ابتداء من القرن الخامس الميلادي إلى سريانية شرقية وسريانية غريبة. لقد حدثت اختلافات عقيدية في إطار المسيحية السريانية أدت إلى انشطارها إلى فرقتين: النساطرة واليعاقبة: والنساطرة هم السريان الشرقيون الذين كانوا خاضعين آنذاك للدولة الفارسية، أما اليعاقبة فهم السريان الغربيون الخاضعون آنذاك لحكم الرومان. وقد أدى هذا الانقسام أيضا إلى تطور الخط السرياني. وهو خط أبجدي، في اتجاهين. وترجع الأهمية التاريخية للسريانية إلى أنها كانت المعبر الذي انتقلت عليه الثقافية اليونانية إلى الحضارة العربية الإسلامية، فبعد غزو الإسكندر لمصر والشام في القرن الرابع قبل الميلاد بدأت هذه المناطق تدخل شيئًا فشيئًا في إطار الثقافة اليونانية. وهنا تحدث صحوة التراث الهيليني تمزجه بالروح الشرقية فتبدأ مرحلة جديدة للحضارة يطلق عليها الحضارة الهيلينستية. والحضارة الهيلينية هي حضارة اليونان في جنوب أوربا في عصرها المبكر، والحضارة الهيلينستية هي حضارة اللغة اليونانية في مصر والهلال الخصيب بعد فتح الإسكندر وقبل الفتح الإسلامي. نقل السريان كتبا كثيرة من التراث اليوناني وشروحها الهيلينستية من اليونانية إلى السريانية، وكان السريان أيضا نقلة هذا التراث إلى اللغة العربية في عصر الحضارة الإسلامية، ولذا تعد الترجمات السريانية ذات أهمية في نقل   = والمعجم الذي يعتمد عليه في السريانية عند الباحثين المعاصرين هو المعجم الذي أعده بروكلمان للسريانية واللاتينية بعنوان: Lexicon Syriacum. Halle 1928. ويمكن أيضا لغير العارفين باللاتينية الإفادة من معجم Smith: j. payne smith, A compendious syriac dictionary. oxford 1903, 1967. وقد ظهر بالعربية كتبان بعنوان: تاريخ الأدب السرياني الأول للأب السمعاني القدس 1933-36 والثاني لمحمد حمدي البكري بالقاهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 تراث اليونان إلى العربية1. وعقب ظهور الإسلام وقيام الدولة العربية الإسلامية التي ضمت أيضا الشام والعراق بدأت السريانية واللهجات الآرامية الأخرى تفقد قيمتها في التعامل اليومي. ولكن حركة التأليف بالسريانية استمرت في العصر الإسلامي على الرغم من التناقص المطرد لعدد المتحدثين بالسريانية وبباقي اللهجات الآرامية وكانت هذه المؤلفات السريانية المدونة في العصر الإسلامي انعكاسًا لتراث اليونان والسريان من جانب والتراث العربي الإسلامي من الجانب الآخر، ومن أهم المؤلفين السريان الذين عاشوا في عصر الحضارة الإسلامية وتمثلوا جوانب كثيرة من علوم القدماء والعلوم العربية أبو الفرج بن العبري، المتوفى 1286م. وقد ألف ابن العبري كتبا كثيرة، بعضها بالعربية وبعضها بالسريانية. وفي كتب ابن العبري تلتقي معرفته بتراث اليونان والتراث السرياني المسيحي والتراث العربي الإسلامي لتكوِّن الروافد الأساسية لكتبه في فروع المعرفة المختلفة: التاريخ والطب وعلوم اللغة2. وهناك جوانب اتصال كثيرة بين السريانية والعربية في اللغة والحضارة، فقد انتقلت كلمات كثيرة من السريانية إلى العربية، وبعض هذه الكلمات ليست أصلا في السريانية، فأكثر الكلمات اليونانية التي دخلت إلى العربية مثل كلمة "فيلسوف" انتقلت من السريانية، وخصوصا المصطلحات الفلسفية   1أهم هذه الدراسات في هذا الموضوع: Oleary, How Greek Scence Passed to the Arabs وقد ترجم الكتاب مرتين إلى اللغة العربية: - علوم اليونان وسبل انتقالها إلى العرب، ترجمة وهيب كامل، القاهرة 1962. - مسالك الثقافة الإغريقية إلى العرب، القاهرة 1957. 2 انظر قائمة مؤلفات ابن العبري في: Brocelmann, Syrische Grammatik Leipzig 1995, s. 173-175 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 والطيبة. أما اللقاء الحضاري بين التراث السرياني والتراث العربي فله جوانب كثيرة، فهناك عدد كبير من القصص الشعبية نجدها في نصوص سريانية ثم عربية، أشهرها قصة أهل الكهف، قصة السندباد، كليلة ودمنة، لقمان الحيكم، قصة الإسكندر ذي القرنين، قصص القديسين وكراماتهم. وبعض هذه القصة ليس أصيلا في التراث السرياني بل ترجم إلى السريانية، ومن الأهمية بمكان مقارنة الصياغة السريانية بالصياغة العربية لهذه الأقاصيص1.   1 حول الأدب الشعبي السرياني، انظر: F.Nau, historie et sgesse d.htm'ahikar l'assyrien. paris 1909. G.hunnius, das syr. alexanderlied, diss, gottigen 1904. G.bickell, kalilag und demmag. dammag. alte syr. ubersetzung. leipzig 1876. وقد كتب المقدمة التحليلية لهذا الكتاب بنفي th.benfey أستاذ الدراسات الهندية وصاحب نظرية الأصل الهندي للقصة الشعبية. وتوضح هذه المقدمة نظريته في ضوء كتاب كليلة ودمنة وهناك دراسات كثيرة أخرى حول هذا الموضوع: sindbad oder die sieben weisen meister, syriscvh und deutsch von fr. baethgen leipzig 1879. وقد اهتم بعض المستشرقين بدراسة المصادر السيريانية للتاريخ الإسلامي ومن هذه الأبحاث بحث نولدكه: th. noldede, zur geschichte der araber im I. hagrh. d.H. aus syrischen quellen, zdmg 29, 76-98. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 اللهجات الآرامية اليهودية : هناك عدد من اللهجات الآرامية ارتبطت بكتب اليهود المقدسة وبالجماعات اليهودية التي عاشت في فلسطين والعراق في فترة ازدهار الآرامية، ولا تزال هناك أقليات لغوية يهودية في شمال إيران تتعامل في الحياة اليومية بلهجة آرامية حديثة. لقد استخدمت الآرامية في بعض أسفار العهد القديم، وفيه سفران الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 بالآرامية هما سفر عزرا وسفر دانيال. وهذان السفران جزيرة لغوية آرامية في محيط عبري1. وعندما قلت معرفة اليهود بالعبرية وأصبح أكثرهم لا يستطيع قراءة نصوصها فضلا عن التحدث بها، نجمت ضرورة لترجمة أجزاء من العهد القديم إلى اللهجات المحلية التي كان اليهود يفهمونها آنذاك. وبدأت هذه الترجمات الآرامية في صورة نقل شفوي، فكان رجل الدين يترجم النص العبري ترجمة شفوية إلى لهجة المستمعين الآرامية، وكان ثمة تحرج من تدوين هذه الترجمات حتى لا تكون منافسا للكتاب المقدس الأصلي، ولكن هذا الحرج قل بمضي الوقت فدونت هذه الترجمات، وبذلك ظهر الترجوم البابلي والترجوم الفلسطيني والترجوم السامري. ويمثل كل ترجوم من هذه "الترجوميم"2.   1حول آرامية العهد القديم: H. Bauer und P. leander, Kurzgefasste biblish-aramaische Grammatik. Halle 1929-1969. 2 حول الترجوم البابلي، انظر: F.Rosenthal, Grammar of biblical Hebrew, VViesdaben 1960. Targum Onkelos (ed.) Abraham Berliner 1884. وانظر أيضا: M. Ginsburger, Pseudo-Jonathan: Thargum Jonathan zum Pentateuch. Berlin 1903. وانظر حول اللهجات الآرامية في فلسطين عند اليهود G.Dalman, Grammatik des jiidisch-Palastinischen AramStsch, 2 Aufl. Leipzig 1905. W. Stevenson, Grammar of Palestinian Jewish Aramaic. Oxford 1962. وحول الترجوميم، انظر ما كتبه باومشتارك: A. Baumstark, Die aramaische und syrische Literatur, in: Handbuch der Orientalistik, ed (spuler) Semitistik 162-168. أهم معاجم الترجوم والتلمود والمدارش: G. Dalman, Aramaisch-neuhebraisches Worterbuch. Frankfurt 1901. Jastrow, Dictionary of Targumim, the Talmud New York 1926. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 لهجة آرامية متميزة، فلهجة الترجوم البابلي قريبة في كثير من الخصائص من باقي اللهجات الآرامية الشرقية، ولكن الترجوم الفلسطيني والترجوم السامري يمثلان مع غيرهما المجموعة الآرامية الغربية، ويلاحظ في كل هذه اللهجات أن اليهود كتبوها بالخط العبري, وهذا شأنهم مع كل اللغات التي كانوا يستخدمونها في التعامل الداخلي فيما بينهم. وقد أدى استخدام الخط العبري لكتابة هذه اللهجات الآرامية إلى دخول كلمات كثيرة من العبرية إلى هذه اللهجات الآرامية. وقد كتب أحبار اليهود وربانيوهم في فلسطين والعراق نصوصًا أخرى باللهجات الآرامية. ودخلت هذه النصوص في التلمودين البابلي والفلسطيني. يتكون التلمود البابلي من النص العبري للمشنا مع الشروح الآرامية عليه. ويتكون التلمود الفلسطيني أيضا من المشنا العبرية والشروح الآرامية، وثمة اختلاف بين اللهجة المستخدمة في الجمارا وهي الشرح الآرامي في كلا التلمودين، فكلاهما يمثل لهجة مختلفة عن الأخرى وكلاهما مكتوب بالخط العبري مثل الترجوميم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 النبطية : النبطية لهجة آرامية كتب بها النبط نقوشهم حتى أواخر القرن الثالث الميلادي، والنبط شعب عربي عاش في أقصى شمال الجزيرة العربية وجنوب بادية الشام1. وعاش النبط حياة رعوية وكان لهم في النشاط التجاري مكانة كبيرة. وكانت لغتهم العربية آنذاك لغة محلية، ولم يكن لها خط فكتب النبط   1 حول النبط الآرامية عندهم، انظر: J.cantineau, le nabateen, I: notions generales, ecriture grammaire, II: choix de textes, lexique. paris 1930, 1932. C. Brockelmann, das aramaische, einschliesslich es syrischen, in: handbuch der orientalistik III, s. 148. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 كما كان يكتب جيرانهم. كانت الآرامية لغة التعامل في الفترة التي ازدهر فيها النبط، وكانوا يتعاملون بالآرامية مع غير العرب، وفرض عليهم نشاطهم التجاري التعامل بالآرامية لكي يفهمهم الآخرون، ولذا كان من السهل على النبط أن يكتبوا نقوشهم باللغة الآرامية التي اعتادوا عليها، تعلم النبط من جيرانهم الكتابة بالآرامية، وبذلك كان النبط أول شعب عربي شمالي كتب. تظهر عروبة النبط من استخدامهم اللغوي فهناك ألفاظ تأتي بمعانيها العربية في نقوشهم مثل: آل "للدلالة على الانتماء العربي القبلي". ولد "بمعنى أبناء". أخر "بمعنى ذرية". وجر "بمعنى قبر صخري". ضريح "بمعنى حجرة"، إحدى "بمعنى واحدة". غير "بمعناها العربي الحالي". والأفعال هلك، صنع، لعن. بمعانيها في العربية، وبالإضافة إلى هذا فقد أفاد النبط من أداة التعريف العربية "أل" وتظهر في نقوشهم، بينما لا تستخدم اللهجات الآرامية الأخرى للتعريف إلا الفتحة الطويلة في آخر الكلمة، وللنبط أهمية كبيرة في تدوين العربية. فقد كانوا أول شعب عربي كتب، وهم معلمو سائر العرب كيف يكتبون، فالخط العربي يقوم على الخط النبطي، والخط النبطي يعود على نحو غير مباشر للخط الأجريتي، فالتطور الذي بدأ عند الأجريتيين وصل عن طريق النبط إلى العرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 المندعية : المندعية هي لهجة آرامية شرقية ارتبطت بجماعة دينية عرفت باسم الصابئة1. وللمندعيين كتاب مقدس يطلقون عليه اسم: جنزا، أي الكنز.   1 تسمى عند بعض الباحثين العرب: المندائية أو المندئية، وهما تسميتان صحيحتان دون شك غير أن الاسم القديم للكلمة قد وصل بالعين لا بالهمزة، وبعد ذلك فقد المندعيون نطق العين فينطقون بهمزة بدلا منها، وأهم دراسة لغوية عن اللهجة الآرامية للمندعيين: Th. noldeke, mandaische grammatik. halle 1875. R.mach, handbook of classsical and modern mandaic berlin 1965. وحول المندعيين وعاداتهم ودينهم، انظر: E.drower, the mandaeans of iraq and iran. oxford 1937, 1962. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 وقد جمعوا في هذا الكتاب ترانيمهم الدينية وآراءهم في الدين فأصبحوا بعد الفتح الإسلامي من أهل الكتاب، وبذلك أتيحت لهم في إطار الدولة الإسلامية حقوق أهل الكتاب، ولا يزال المندعيون يتعاملون داخليا بلهجتهم الآرامية إلى اليوم وهم يعيشون في عدة قرى في جنوب العراق. وهكذا ارتبطت اللهجات تارة بالمسيحية، وأخرى باليهودية، وثالثة بالصابئة، ولكنها كانت في كل هذه الأحوال -وفي غيرها أيضا- في منطقة سادتها العربية بعد الفتح الإسلامي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 4- العربية الجنوبية : تكون العربية الجنوبية والعربية الشمالية و اللغات السامية في الحبشة الفرع الجنوبي من اللغات السامية. وهناك خصائص مشتركة لا نجدها إلا في لغات الفرع الجنوبي من اللغات السامية منها ظاهرة جمع التكسير، فكل الجموع في اللغات السامية الأخرى يمكن أن توصف بأنها من الجمع السالم. أما المجموعة الجنوبية فقد أفادت من الجمع السالم، وطورت أيضا عدة أبنية لجموع التكسير1 وأول لغة من الفرع الجنوبي كان لها دور في التاريخ هي اللغة العربية الجنوبية.   1 انظر دراسات: murtonen, early semitic. leiden 1967. murtonen, broken plurals. leiden 1964. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 القديمة التي عرفت قديما باسم الحميرية. وقد اكتشفت النقوش العربية الجنوبية القديمة في القرن التاسع عشر، وأمكن بعد فك رموز خطها المسند التعرف على مضمون هذه النقوش وتحليل خصائصها اللغوية1. ترجع النقوش العربية الجنوبية القديمة إلى فترة امتدت أكثر من ألف عام، فأقدم هذه النقوش من القرن الخامس قبل الميلاد، ويؤرخه البعض بالقرن الثامن قبل الميلاد. أما آخر هذه النقوش فيرجع باتفاق الباحثين إلى الربع الثالث من القرن السادس الميلادي2 ومعنى هذا أن النقوش العربية الجنوبية القديمة ترجع إلى أكثر من عشرة قرون. وعندما قلت النقوش الجنوبية في أواخر القرن السادس الميلادي كانت العربية الشمالية قد بدأت تنتشر في المنطقة اللغوية الجنوبية. وقد وجدت النقوش العربية الجنوبية في النصف الجنوبي من الجزيرة العربية، فقد كانت المنطقة اللغوية العربية الجنوبية تضم الأقاليم الحالية لدولتي اليمن والقسم الجنوبي من المملكة السعودية، وهناك عدد من النقوش الجنوبية خارج هذه المنطقة، فقد أقام عدد من عرب الجنوب محطات تجارية في شمال غرب الجزيرة العربية، مثل ديدان التي توجد في مكانها اليوم مدينة العلا. وقد   1 حول الأبحاث التي أنجزت وما ينبغي القيام به في الدراسات العربية الجنوبية، انظر التقرير، الذي كتبته ماريا هوفنر: M. Hofner, stand und aufgaben der sudarabischen forschung, in; beitrage zur arabistik, semitistik, hartmann 1944, s. 42 ff. والفصل الذي كتبته مارسا هوفنر أيضا بعنوان: Das sudarabische der inschriften und der lebenden Mundarten, in: handbch der orientalistik III, 314-341. وقد اهتمت جامعة القاهرة منذ إنشائها "باسم الجامعة المصرية" بدراسة النقوش العربية الجنوبيةوطبع بجامعة القاهرة كتاب للمستشرق جويدي "الموجز في علم اللغة العربية الجنوبية1930، وقد نشر خليل يحيى نامي عددا من النقوش العربية الجنوبية القديمة. 2 حول التوزيع الجغرافي والتاريخ للنقوش العربية الجنوبية انظر: A.F.L. Beeston, A descriptive grammar of epigraphic south arabian. london 1962. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وجدت في العلا عدة نقوش كتبها عرب الجنوب بلغتهم. وفضلا عن هذا فقد ترك بعض الرحالة والتجار اليمنيين نقوشا دونوها في خارج الجزيرة العربية، فقد وجدت عدة نقوش في صعيد مصر مكتوبة بالعربية الجنوبية، كما وجد نقش في جزيرة دبلوس. وقد انتشر عرب الجنوب أيضا في شرق إفريقيا؛ فأقدم النقوش التي وجدت في الحبشة ليست مدونة بإحدى اللغات المنسوبة إلى الحبشة بل هي بالعربية الجنوبية القديمة. كتبت النقوش العربية الجنوبية القديمة بخط أبجدي يتكون من تسعة وعشرين رمزًا. ويقوم الخط المسند على أساس تدوين الصوامت فقط، فهو خط لا يدون الحركات لذا تظل معرفتنا بطبيعة الحركات في اللغة العربية الجنوبية القديمة مجرد افتراض يقوم على القياس مع أقرب لغتين إلى العربية الجنوبية وهما العربية الشمالية ولغة الجعز الحبشية. وهناك نصوص كتبت بعناية Inseriptions وأخرى دونها أفراد بسطاء بخط أقل وضوحا ويطلق عليها الجرافيتي Graffiti وأهم اللهجات العربية الجنوبية القديمة: السبئية والمعينية والقتبانية والحضرمية والهرمية. وأكثر النقوش التي وجدت تمثل اللهجة السبئية. وهي نقوش كتبت في حوالي ألف عام. ولذا فالمعرفة باللهجة السبئية تفوق المعرفة بباقي اللهجات العربية الجنوبية القديمة، ومن السمات الأساسية في اللهجة السبئية استخدام الهاء في تكوين عدد من الصيغ الصرفية، فوزن التعدية في العربية الشمالية أفعل يقابله في السبئية وزن هفعل ولذا يعد الفعل أراق بوزن أفعل أصيلا في العربية الشمالية، بينما يعد الفعل هراق دخيلا من العربية الجنوبية إلى العربية الشمالية. أما اللهجة المعينية فقد وجدت نقوشها في منطقة معين قرنا وبرافش في اليمن، كما وجدت أيضا في المستعمرة المعينية في ديدان في شمال غرب الجزيرة العربية، ويبدو أن اللهجة المعينية لم تعمر طويلا، فكل نقوشها ترجع إلى الفترة السابقة على الميلاد بينما ظلت اللهجة السبئية عدة قرون بعد هذا التاريخ. والسمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 الفارقة بين بنية السبئية وبنية المعينية هي استخدام الهاء في السبئية واستخدام السين في المعينية، فوزن أَفْعَلَ في العربية الشمالية يقابله وزن هَفْعَلَ في السبئية ويقابله وزن سَفْعَلَ في المعينية. أما اللهجات الأخرى وهي القتبانية والحضرمية والهرمية فيبدو أنها أقل انتشارا. وتنسب اللهجة القتبانية إلى مملكة قتبان في وادي بيحان وحريب، وتنسب اللهجة الحضرمية إلى حضرموت، وقد وجدت أكثر نقوشها في منطقة شبوة ووادي حضرموت وساحل حضرموت، وقد عمرت اللهجة الحضرمية أكثر من اللهجة القتبانية، فآخر النقوش القتبانية يرجع إلى القرن الأول الميلادي بينما ظلت الحضرمية حتى القرن الثالث الميلادي على أقل تقدير، وكلا اللهجتين تشبهان اللهجة المعينية من ناحية استخدام السين ولكنهما تختلفان عنها من جوانب أخرى. وأقل اللهجات العربية الجنوبية شأنا هي اللهجة الهرمية المنسوبة إلى منطقة هرم في غرب معين قرناو. وأهم خصائص هذه اللغة المحددة الانتشار قديما استخدام حرف الجر "من" على نحو استخدامه في العربية الشمالية وبذلك خالفت اللهجة الهرمية باقي اللهجات العربية الجنوبية لأنها تستخدم بدلا من هذا الحرف كلمة "بن" وهذا التقسيم يقوم في المقام الأول على الخصائص اللغوية لا على التوزيع المكاني ففي كل المواضع التي وجدت فيها نقوش عربية جنوبية قديمة تنوعت اللهجات، فليست كل النقوش الموجودة في منطقة هرم مكتوبة باللهجة الهرمية بل هي أيضا بالسبئية والمعينية. وبعد انهيار سد مأرب هاجرت قبائل عربية جنوبية إلى الشمال ولم تكن القبائل المهاجرة في وضع اقتصادي طيب، ولذا تعربت بعربية الشمال ولم يبق لها من الأصل القديم إلا الذكرى والنسب، حتى إن شعراء هذه القبائل قبل الإسلام مثل امرئ القيس نظموا شعرهم بالعربية الشمالية، يضاف إلى هذا أن الإسلام قد ساعد على انتشار العربية الشمالية في اليمن فتعرب جنوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 الجزيرة العربية شيئًا فشيئًا. ولكن هذا التعريب لم يشمل إلى اليوم كل مناطق اليمن, فهناك مجموعة لغات عربية جنوبية معاصرة في جنوب الجزيرة العربية والجزر القريبة من الساحل الحضرمي، وأهم هذه اللغات: اللغة المهرية وهي لغة حوالي ثلث مليون مواطن في جمهورية اليمن الديمقراطية في المحافظة السادسة التي تقع على الحدود الواقعة مع عمان في الربع الخالي. ويعيش بعض المتحدثين بالمهرية في جاليات صغيرة في دول الخليج العربي، أما السقطرية فهي لغة جزيرة سقطرة. وفي كل هذه المناطق التي يتم فيها التعامل الداخلي بلغات المهرة المذكورة يعرف الرجال اللغة العربية بقدر تعاملهم مع جيرانهم بها1.   1 اهتم الباحث النمساوي بيتر m.bittner بدراسة المهرية. انظر دراساته: stud. zur laut-und formenlehre des mehri I-V, sitzungsberichte der kaiser-lichen akademie der wissenschaften in wine. وقد نشرت هذه الدراسات بين 1909، 1915 وبخصوص الدراسات المختلفة والنصوص المسجلة من اللغات العربية الجنوبية الحديثة. w.leslay, modern south arabic languages. A Bibliography new york 1946. ويقوم الآن مؤلف هذا الكتاب بدراسة ميدانية عن المهرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 5- اللغات السامية في الحبشة : ليست كل اللغات القديمة والحديثة في منطقة الحبشة من أسرة اللغات السامية، فقد عرفت المنطقة قديما لغات كثيرة أخرى، ولا تزال الحبشة تضم لغات غير سامية مثل لغة ساهو ولغة الجالا. والمقصود هنا باللغات السامية في الحبشة تلك اللغات التي نشأت عن العربية الجنوبية القديمة، لقد دخلت اللغات السامية إلى الحبشة عن طريق بعض القبائل من جنوب الجزيرة العربية، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 ويبدو أن هذه الهجرة تمت حوالي القرن السابع قبل الميلاد، فهناك نقش عربي جنوبي من هذا التاريخ وجد في منطقة أريتريا التي يسيطر عليها الأحباش. عرف الباحثون أسماء بعض القبائل التي هاجرت عابرة باب المندب إلى إفريقيا، ونقلت لغتها السامية إلى هذه المنطقة من القارة الإفريقية، وأهم هذه القبائل قبيلة حبشت وقبيلة الأجعازي. وقد سميت هذه المنطقة عندنا باسم الحبشية نسبة إلى القبيلة الأولى، بينما سميت اللغة باسم لغة الجعز نسبة إلى القبيلة الثانية، فأبناء هذه اللغة وسكان الحبشة يسمون لغتهم القديمة باسم الجعز. وهناك تسميتان أخريان أقل استخداما في مجال العلم. وهما تسمية هذه اللغة باسم الحبشية والأثيوبية. والتسيمة الأولى شائعة في الكتب العربية، أما الثانية فمأخوذة من كلمة أثيوبيا التي وصفت بها منطقة البحر الأحمر جنوب مصر في كتب الرحالة الأوربيين القدماء. وقد جاءت كلمة أثيوبيا في الكتاب المقدس فأحبها الأحباش مع تحولهم إلى المسيحية، فأطلقوها على دولتهم باعتبارها تسمية مقدسة1.   1 حول توزيع اللغات السامية في الحبشة، انظر: E. Ullendorff, the semitic languages of ethiopia. oxford 1957. ----, the ethiopians, an introduction to counry and people. london 1960. وقد كتب أوليندورف في الفصل السادس من كتابه الأخير عن اللغات في الحبشة ص116- 135. وانظر كذلك الفصل الخاص بالحبشة: E. littmann, aethiopisch, in: handbuch der orientalistik III 250-375. والببليوجرافيا التي أعدوها ليسلاو عن الحبشية: w. leslau, bibliography of the semitic languages of ethiopia new york 1946. وأهم أدوات البحث في نحو لغة الجعز ومفرداتها: A. dillmann, grammatik der athiopischen sprache. leipzig 1899, lexicon aethiopicum, leipzig 1865. M. chaine, grammaire ethiopienne, beyruth 1938. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 ولغة الجعز هي أقدم لغة سامية في الحبشة، ومن الصعب تتبع مراحل نشوء هذه اللغة أو بمعنى آخر تمييز هذه اللغة عن العربية الجنوبية القديمة، وهناك خلاف بين الباحثين في تصور الحياة اللغوية في الحبشة في القرون الأولى بعد الميلاد فضلا عن القرون السابقة على ذلك. يرى البعض أن الحبشة عرفت تنوعا لغويا وأن لغة الجعز هي لغة إحدى القبائل التي سيطرت على منطقة الجنوب وأن لغات أخرى وجدت إلى جانبها، ولكنها لم تدون إلا بعد ذلك بقرون طويلة. ويرى بعض الباحثين أن كل اللغات السامية في الحبشة ترجع إلى لغة واحدة هي لغة الجعز، وأنها بذلك من أصل واحد لا أكثر. ومن الصعب الوصول في هذه القضية إلى رأي واحد مفصل لقلة المصادر، فالأحباش لم يكتبوا إلا أقل من القليل. فقد مضى أكثر من ألف عام على هجرة القبائل اليمنية إلى الحبشة قبل أن يكتب هؤلاء الذين أصبحوا أحباشا لغتهم. فالنقوش الجعزية القليلة التي وصلت إلينا ترجع إلى الفترة بين القرن الرابع حتى القرن السابع للميلاد، وفي بداية هذه الفترة تحول الأحباش إلى المسيحية وأطلقوا على بلدهم اسم أثيوبيا وأصبحوا تابعين للكنيسة القبطية المصرية، وبعد تحول الأحباش إلى المسيحية. ويعد تحولهم أهم حدث في تاريخهم القديم، فتراثهم من الكتب الجعزية لا يكاد يتجاوز الإطار الديني المسيحي، كان الكتاب المقدس أول كتاب ترجم إلى لغة الجعز، وإلى جانبه ترجمت في هذه الفترة المبكرة من تاريخ الأدب الجعزي عدة نصوص دينية قليلة العدد قليلة الأثر، كما ترجم كتاب واحد يضم مجموعة من الأقاصيص الوثنية والمسيحية حول الحيوانات والنباتات وخصائصها. وأغلب الظن أن حركة الترجمة إلى لغة الجعز كانت جهد المبشرين الذين عرفوا الكتب الدينية في نصوصها السريانية أو اليونانية ونقلوها بعد ذلك إلى لغة الجعز. ومضت بعد هذه الفترة عدة قرون تمثل فراغا في تاريخ اللغة الجعزية والأدب الجعزي، فبعد القرن السابع قل التدوين بلغة الجعز، ثم توقف الأحباش عن الكتابة أربعة قرون كاملة لم يصل منها أي أثر مدون في نقش أو روقة أو كتاب، وكأن الحياة قد توقفت عندهم. ولكن المعرفة بالخط الجعزي ظلت متوارثة لأن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 رجال الدين كانوا يقرءون، ويعظون في الكنائس بلغة الجعز، فظلوا حفظة المعرفة بلغة الجعز المكتوبة وبالخط الجعزي وبذلك القدر المحدود من الكتب الجعزية المترجمة، وهكذا ارتبطت لغة الجعز بالكنيسة. وازدهرت لغة الجعز مرة ثانية بعد طول سبات عندما تأسست الأسرة السليمانية 1270م، فبدأت حركة التأليف بلغة الجعز، ولكن الثراث الجعزي ظل في هذه الفترة أيضا مرتبطا بالكنيسة، وكانت الكنيسة الأم بالقاهرة قد تعربت، وأصبح رجال الدين الأقباط يؤلفون بالعربية، فترجمت كتب قبطية عربية كثيرة إلى لغة الجعز. فالأثر المصري واضح في كل كتب هذه الفترة المترجمة أو المؤلفة. وتجاوزت هذه الكتب المجال الديني إلى مجال واحد هو التاريخ، فقد دون الأحباش تاريخهم من وجهة نظرهم وتدعيما لشرعية وجود الأسرة السليمانية الحاكمة، لم تكن لغة الجعز آنذاك لغة الحياة، ولكنها ظلت في الفترة من القرن الثالث عشر إلى القرن السابع عشر لغة الكنيسة والثقافة الدينية والتدوين التاريخي1. وظهرت في بداية هذه الفترة لغات أخرى يعد بعضها أو تعد كلها امتدادا للغة الجعز وأهم هذه اللغات: الأمهرية والتيجرينية والتيجرية والهررية. اللغة الأمهرية هي أكثر اللغات السامية انتشارا في الحبشة وقد بدأ تدوين اللغة الأمهرية في القرن الرابع عشر، وهناك عدة أناشيد ملكية أمهرية ترجع إلى   1 ناقش الباحثون قضية النطق التقليدي للغة الجعز اعتمادا على طرق قراءتها عند الأحباش المعاصرين وأهم هذه الأبحاث: M. Cohen, la pronounciation rtaditionelle due gueze ethiopien classique, journal asiatique 1921, s. 217-269. E. mittwoch, die rtaditionelle aussprache des aethiopischen. berlin und laipzig. وآخر هذه الدراسات ما كتبه أوليندورف: E.ullendorff, the semitic languages in ethiopia. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 نفس الفترة تقريبًا. لكن الأمهرية ظلت ذات لون شعبي إلى أن حاول اليسوعيون تحويل مسيحي الحبشة عن مذهبهم الديني إلى الكاثوليكية، فترجم المبشرون الوافدون العهد الجديد إلى اللغة الأمهرية ليفهمه الشعب الذي لم يكن يفهم الطقوس الجعزية في الكنيسة الأرثوذكسية. ولكن هؤلاء المبشرين طردوا من الحبشة، ولم يبدأ ازدهار اللغة الأمهرية إلا في منتصف القرن التاسع عشر. واللغة الأمهرية هي اللغة الرسمية في الحبشة، ولذا يطلق عليها هناك لسان النجاشي وتستخدم اللغة الأمهرية عند أبنائها وعند غير أبنائها باعتبارها لغة تعامل رسمي في الدولة، ونظرا للتخلف الإحصائي في الحبشة وللتمزق الداخلي يصعب تقدير عدد المتحدثين باللغة الأمهرية، ويقدر هذا العدد بما لا يقل عن ثلاثة ملايين وما لا يزيد على خمسة ملايين، واللغة الأمهرية الحالية هي لغة الصحف والكتب المدرسية في الحبشة. وقد حدثت تغيرات كثيرة في الأمهرية جعلتها تختلف عن لغة الجعز وعن باقي اللغات السامية، فلا توجد في الأمهرية من أصوات الحلق إلا الهاء والهمزة. وقد دخلت في الآونة الأخيرة ألفاظ أوربية كثيرة إلى اللغة الأمهرية بالإضافة إلى الألفاظ التي استعيرت من قبل من اللغات الإفريقية المجاورة. وهناك عدة لغات سامية أخرى في الحبشة منها اللغة التيجرينية التي تعد أقرب اللغات السامية في الحبشة من لغة الجعز القديمة، ويقدر عدد أبناء اللغة التيجرينية بحوالي مليون ونصف. وقد أعلنت اللغة التيجرينية لغة رسمية في دستور أريتريا الصادر سنة 1952، أي قبل استيلاء دولة الحبشة على السلطة في أريتريا. وبعض أبناء التيجرينية مسيحيون، وبعضهم مسلمون، أما لغة التيجري فهي لغة حوالي ربع مليون في الحبشة وفي إقليم كسلا في السودان، وأكثرهم من المسلمين، أما اللغة الهَرَرِيَّة فهي لغة سكان مدينة هَرَر وكلهم من المسلمين، وقد ارتبط مسلمو الحبشة وأريتريا على مر التاريخ بمصر باعتبارها مركز الثقافة الإسلامية. تعد العربية في كل هذه المناطق الإسلامية لغة الثقافة ولغة التعامل بين القبائل ذات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 اللغات المختلفة. ومن اللغات السامية ذات الانتشار المحدود في الحبشة لغة جوارج ولغة جفت ولغة أرْجبا. ويختلف الخط المستخدم في تدوين اللغات السامية في الحبشة عن كل الخطوط السامية المعاصرة له. فقد كتبت لغة الجعز بخط مقطعي يتكون من 182 رمزا تنتظم على النحو التالي: لكل صوت صامت مع الحركة التالية رمز مستقل. وتضم الكتابة الجعزية رموزا لستة وعشرين صامتا يرتبط كل منها بإحدى الحركات التالية: فتحة قصيرة، فتحة طويلة، فتحة ممالة طويلة، فتحة ممالة قصيرة، وهذا الرمز غامض الدلالة وقد يكون مجرد سكون، وضمة طويلة مثل صوت حرف O الأجنبي في اللغات الأوربية وضمة طويلة مثل صوت U الألمانية وكسرة طويلة. أي أن الرمز الواحد يمثل في الخط الأثيوبي أحد الصوامت الستة والعشرين مع إحدى الحركات السبع، ولذا يعد الخط الحبشي من أكثر الخطوط السامية تعقيدًا، فهو مرحلة تخلف أعادت التقدم الذي أحدثه الأجريتيون مرحلة إلى الخلف، وقد أثبت تاريخ الحضارة في العالم كله أن صعوبة الخط معوق أمام انتشار المعرفة والعلم. واللغة السامية الوحيدة التي تكتب في الحبشة بخط سهل هي اللغة الهررية فيكتبها أبناؤها، وهم مسلمون بالخط العربي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 الفصل الحادي عشر: العربية في ضوء اللغات السامية مدخل ... الفصل الحادي عشر: العربية في ضوء اللغات السامية ظلت نصوص الشعر الجاهلي عدة قرون أقدم نصوص عربية معروفة عند الباحثين. لكن البحث الحديث في القرن التاسع عشر أوضح بعد اكتشاف اللغة الأكادية وبحث اللغات السامية بالمنهج المقارن أن خصائص البنية اللغوية للعربية ولهجاتها القديمة يمكن أن تؤرخ في ضوء علم اللغات السامية المقارن1. وبذلك أمكن عن طريق الدراسة المقارنة تأريخ كثير من الظواهر العربية في مرحلة أسبق من الشعر الجاهلي بأكثر من ألفي عام، فالظواهر المشتركة في العربية والأكادية لا يمكن أن تكون إلا موروثة عن اللغة السامية الأولى التي خرجت عنها كل اللغات السامية، ولذا يبدأ البحث في تاريخ العربية ببيان علاقة العربية باللغات السامية الأخرى وباللغة السامية الأولى، في محاولة لتأريخ الجوانب الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية للغة العربية قبل تدوينها.   1 حول المنهج المقارن ونتائجه في اللغات السامية ومكانة العربية بين اللغات السامية: Brockelmann, grundriss. moscati, introduction to the coparative grammar of semitic languages. وبراجشتراسر: التطور النحوي للغة العربية. القاهرة 1929. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 1- الخطوط السامية والواقع الصوتي : يوضح البحث المقارن في اللغات السامية عددا من الحقائق المهمة حول تاريخ العربية من الجوانب الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية وإذا كانت اللغة العربية أحدث لغة سامية دونها أبناؤها. فإن اللغات السامية الأخرى قد دونت قبل اللغة العربية بقرون طويلة، فالأكادية دونت حوالي سنة 2500ق. م والأجريتية كتبت حوالي سنة 1400ق. م وتوضح المقارنات بين اللغات السامية المختلفة أن العربية احتفظت بمجموعة من الخصائص المغرقة في القدم والتي ترجع إلى اللغة السامية الأولى، فالخصائص المشتركة في كل اللغات السامية، أو أكثرها هي الخصائص التي يفترض الباحثون أنها موروثة عن اللغة السامية الأولى التي خرجت عنها كل اللغات السامية. تكتب اللغات السامية بعدة خطوط ولكل خط منها خصائصه الشكلية وإمكاناته التعبيرية فالخط المسماري الذي دونت به اللغة الأكادية يدون الكلمات مقسمة إلى مقاطع، وبذلك احتفظ الخط الأكادي رغم صعوبته بتدوين الحركات مع الصوامت، ومن هذا الجانب تفصح الكتابة الأكادية عن طبيعة الحركات سواء أكانت في وسط الكلام أم في آخره، وهناك لغات سامية قديمة لم يتح خطها التعرف على الحركات التي كانت بها، فاللغة العربية الجنوبية القديمة واللغة الأجريتية واللغة الفينيقية دون كل منها بخط متميز من الناحية الشكلية، فالخط العربي الجنوبي لا يشبه الخط الأجريتي والخط الفينيقي ولكن هذه الخطوط تشترك في سمة أساسية، وهي أنها تدون الصوامت ولا تدون الحركات. وبهذا لا نكاد نتعرف على طبيعة الحركات في هذه اللغات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 إلا بالقياس على اللغات الأخرى القريبة من كل واحدة منها. أما اللغات السامية الحية وهي العربية والأرامية واللغات السامية في الحبشة فنستطيع بشكل متفاوت التعرف من طريقة النطق المتوارث عند أبنائها على النطق القديم لهذه اللغات. ويدل وصف الخليل وسيبويه لنطق الأصوات العربية في القرن الثاني الهجري على أن النطق الحالي المتوارث للعربية الفصحى لا يكاد يختلف إلا من جوانب محدودة عن نطقها آنذاك. أما النطق المتوارث للعبرية عند اليهود الشرقيين والآرامية عند العارفين بالسريانية القديمة من مسيحي العراق والشام وللغة الجعز عند العارفين بها من أبناء الحبشة فينبغي أن يؤخذ بتحفظ شديد. فقد تغير نطق هذه اللغات لعوامل كثيرة أهمها أنها لم تعد اللغات الأساسية عند أية مجموعة بشرية منذ قرون. فاللغة العبرية تستخدم عند هؤلاء استخدامًا محدودًا بالطقوس الدينية, أما استخدامها في إطار الصهيونية فقد تأثر تأثراً حاسما بنطق الأوربيين للغة العبرية. وتتحدث الأقليات الآرامية بلهجات تختلف كل واحدة منها عن اللهجات القديمة اختلافا واضحا. ولم يعد للغة الجعز أي استخدام في الحبشة منذ قرون, وهي لغة الطقوس الدينية يقرؤها أبناء الأمهرية متأثرين بالأمهرية, وأبناء لغة التيجري متأثرين بها وكذلك أبناء لغة التيجرينا. ولكنا نستطيع رغم كل هذا التعرف بشكل تقريبي على النطق القديم للعبرية والآرامية ولغة الجعز. وذلك لأن الخطوط التي كتبت بها هذه اللغات تدون الحركات والصوامت. وبمقارنة الكلمات الأساسية المشتركة في كل اللغات السامية1 يستطيع الباحث أن يتبين مجموعة من السمات المشتركة المغرقة في القدم، فكل اللغات السامية لا تتمايز أو تختلف أي اختلاف من ناحية أصوات الراء واللام والنون والتاء والدال. فالراء العربية يقابلها راء في الأكادية وراء في العبرية وراء في الآرامية وراء في الحبشية دون أدنى تغيير حقيقي، أما اختلاف نطق   1 انظر القائمة التي أعدها برجشتراسر بالألفاظ المشتركة في اللغات السامية: G. Bergstrasser, Einfuhrung s.182-192. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 الصور الصوتية المختلفة للراء تارة بالتفخيم وأخرى دون تفخيم فيخرج عن إطار بحثنا لعدم إمكان التعرف عليها بالنسبة لأكثر اللغات السامية، وشبيه بهذا أمر اللام التي نجدها في كل اللغات السامية لاما. وكذلك النون والدال والباء والميم. ولكن مجموعة من الأصوات المشتركة الثابتة في اللغات السامية كلها قد تعرضت لتغيرات محدودة في النظام الصوتي للعبرية والآرامية، فالباء تنطق مثل الباء الغربية إذا كانت في أول الكلام ولكنها تنطق مثل حرف "V" الأجنبي في الإنجليزية لو كانت غير مشددة ومسبوقة بحركة، والكاف تنطق مثل الكاف العربية في أول الكلام وتنطق خاء إذا كانت غير مشددة ومسبوقة بحركة. وتنطق التاء تاء كما تنطق بعد أي حركة ثاء إلخ ...... ويلاحظ أن كل هذه التحولات تعبر عن صور صوتية في إطار الوحدة الصوتية الواحدة. وإذا نظرنا إلى هذه التغيرات التي تشترك فيها العبرية والآرامية لاحظنا أنها تعبر عن تطور داخلي في اللغتين وأن هذه الظاهرة التي لا تعرف في باقي اللغات السامية هي من الظواهر التي وجدت في اللغتين ومعنى هذا أنها غير موروثة عن اللغة السامية الأم، أما النطق العربي لهذه الأصوات فيعبر عن النطق الموروث عن اللغة السامية الأم. ومن هذا الجانب يعتبر النطق العربي لهذه الأصوات أقدم من الهجرات السامية. وهناك مجموعة أصوات نجدها واضحة متميزة في كل أفرع اللغات السامية عدا الفرع الآكادي وهي مجموعة أصوات الحلق مثل العين والحاء، وهنا يمكن افتراض أحد أمرين، فإما أن تكون هذه الأفرع اللغوية قد عرفت أصوات الحلق في إطار التغير الذي طرأ على هذه اللغات، وهذا فرض مستبعد، وإما أن تكون الأكادية قد فقدت التمييز بين أصوات الحلق متأثرة في ذلك باللغة السومرية، وهذا هو الرأي المرجح. ومعنى هذا أن أصوات الحلق كانت معروفة في اللغة السامية الأم وعرفتها أكثر اللغات السامية باعتبارها من الظواهر الموروثة عن اللغة الأم. وبذلك نستطيع أن نفترض قدم أصوات الحلق في العربية، وأنها كانت موجودة في اللغة السامية الأم قبل أقدم الهجرات أي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 قبل عام 2500 ق. م تقريبًا أي أن أصوات الحلق في العربية يزيد عمرها على 45 قرنًا من الزمن وكذلك كل الخصائص التي نجدها في العربية وننسبها إلى اللغة السامية الأم. ومن الممكن تطبيق هذا المنهج على باقي الظواهر اللغوية في المجالات الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية. فالظواهر التي تشترك فيها كل اللغات السامية، أو التي تثبت المقارنات أنها كانت موجودة في اللغات السامية القديمة هي ظواهر ترجع إلى اللغة السامية الأم، وعلى العكس من هذا تكون الظواهر التي تختلف من لغة سامية لأخرى، وذلك مثل ظاهرة أداة التعريف، فهي في العربية "أل" سابقة على الاسم، وهي في العبرية الهاء تسبق الاسم، وفي الآرامية فتحة طويلة تأتي بعد الاسم، واختلاف هذه الظاهرة من لغة سامية لأخرى معناه أنها غير موروثة عن اللغة السامية الأم، وأن كل لغة طورت لنفسها أداة للتعريف فاختلفت بذلك أدوات التعريف في اللغات السامية المختلفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 القوانين الصوتية مدخل ... 2- القوانين الصوتية: قد ركز الباحثون جوانب الاختلاف المطرد بين الأصوات في اللغات السامية في شكل قوانين تسجل أوجه التقابل الصوتي1. ويمكن استخراج قوانين التقابل الصوتي في اللغات السامية من مقارنة الألفاظ الأساسية المشتركة في هذه اللغات، وذلك تجنبًا للانطلاق من ألفاظ غير مشتركة ودخيلة. ونوضح فكرة القوانين الصوتية في ضوء عدد من أهم هذه القوانين في اللغات السامية.   1 انظر: Brockelmann, Grundriss I, 125-136 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 الثاء العربية ومقابلاتها في اللغات السامية : تدل مقارنة مجموعة من الألفاظ الأساسية في اللغات السامية والتي جاء في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 العربية صوت الثاء1 أن الأكادية تعرف مكانها صوت الشين، وأن العبرية تعرف في مكانها الشين أيضًا، لكن الآرامية تعرف التاء، والحبشية تعرف السين في نفس المواضع. ويتضح هذا من الأمثلة التالية: وهنا نلاحظ اطراد بعض التغيرات، فالثاء العربية تقابلها الشين في الأكادية والعبرية، وتكتب الشين في الخط الصوتي بعلامة السين وفوقها علامة مميزة تكاد تكون بديلا مرئيًّا عن نقط الشين العربية بشكل معكوس وليس من الممكن تصور أن الشين هنا هي الصوت الأصلي في اللغة السامية الأم، بل من الممكن تفسير كل الأصوات الموجودة هنا باعتبار أن الثاء تمثل الصيغة الأقدم، وأن الشين والتاء والسين تمثل تطورات خاصة بكل لغة من هذه اللغات على حدة، ونكتفي هنا ببيان تحول الثاء التي افترضناها في اللغة السامية الأم والموجودة في العربية إلى تاء في الآرامية فهذا التغير عبارة عن تحول نطق الأصوات بين الأسنانية مثل الثاء والذال إلى المقابلات الأسنانية التاء والدال على نحو ما حدث في تغير العربية الفصحى إلى لهجات مصر والشام، والثاء في العربية يقابلها في هذه اللهجات كما يقابلها في الآرامية صوت التاء، نجد هذا واضحا في الكلمات اثنين، اتنين، ثعلب، تعلب، في العربية وكذلك في اسم الإشارة: ذا، ده، ذه، دي فالتغير الذي حدث للثاء السامية الأولى إلى تاء في الآرامية مواز للتغير   1 Bergatasser, Einfuhurng s. 183. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 الذي حدث بعد ذلك عندما تحولت الثاء في العربية الفحصى إلى تاء في اللهجات العربية في مصر والشام. وفي هذا دليل على قدم الثاء العربية وأنها رغم اختلاف مقابلاتها في اللغات السامية الأخرى تعد امتداد مباشرا للثاء في اللغة السامية الأولى أي قبل الهجرات السامية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 الضاد العربية ومقابلاتها في اللغات السامية : وصفت العربية بأنها لغة الضاد وكأن الضاد لم تأت إلا في العربية. والواقع أن الضاد من الأصوات التي تشترك فيها العربية الشمالية مع العربية الجنوبية القديمة. ويقابلها في اللغات السامية الشمالية الصاد في العبرية والأكادية، والعين في الآرامية يتضح هذا من المثال التالي1: وتعد الضاد هنا سمة من سمات العربية الشمالية والعربية الجنوبية. ويرى أكثر الباحثين أن الضاد تمثل الصوت الأقدم في هذه المجموعة، ولكن هناك اختلافا في معرفة كيفية نطق تلك الضاد في اللغة السامية الأولى فضلا عن نطقها العربي القديم الذي لا يزال موضوع خلاف بين الباحثين. ويعد التقابل بين الضاد العربية والعين الآرامية من الظواهر المؤكدة التي يصعب إيجاد تفسير صوتي لها. وفي كل الأمثلة السابقة لاحظنا وجود ضمة الرفع في الصيغة الأكادية. ويعد الإعراب رفعًا ونصبًا وجرًّا من السمات المشتركة للعربية والأكادية مما   1 انظر Bergatasser, Einfuhurng s.185. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 يشير إلى كونه موروثا من اللغة السامية الأولى، كما لوحظ في الأمثلة السابقة انتهاء الصيغة الآرامية بفتحة طويلة كانت تدل على كون الكلمة مَعْرِفة. وبغض النظر عن عدد من الأصوات التي تغيرت في اللغة العربية عنها في السامية الأولى، فإن أصوات العربية تعد بصفة عامة امتدادًا مباشرًا للأصوات التي افترض العلماء وجودها في اللغة السامية الأولى قبل الهجرات السامية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 أصوات عربية تختلف عن السامية الأولي مدخل ... 3- أصوات عربية تختلف عن السامية الأولى: تعد الأصوات العربية عمومًا امتدادًا مباشرًا للأصوات في السامية الأولى وأغلب الظن أن بضعة أصوات في العربية قد اختلفت عنها في اللغة السامية الأولى. ومن هذه الأصوات العربية الفاء ومجموعة أصوات السين والشين1.   1 انظر: brockelmann, grundriss I 136 براجشتراسر: التطور النحوي للغة العربية ص14. bergstrasser, einfuhrung 148. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 الفاء العربية والباء المهموسة السامية : يقابل الفاء في العربية صوت آخر في اللغات السامية الأخرى وهذا الصوت الآخر هو الباء المهموسة "P" ويتضح هذا التقابل من الجدول التالي لكلمة فم العربية وما يقابلها اشتقاقا في اللغات السامية الأخرى. وهنا نلاحظ اتفاق اللغات السامية -عدا العربية- في وجود صوت الباء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 المهموسة في هذه الكلمة، مما يرجح أن هذا الصوت كان موجودًا على هذا النحو في اللغة السامية الأولى، ومعنى هذا أن صوت الفاء العربية ليس امتدادًا مباشرًا للغة السامية بل هو ثمرة تغير صوتي؛ فقد تحولت الباء المهموسة وهي صوت شفوي ينطق بالتقاء الشفتين تمام الالتقاء إلى صوت الفاء، وهو صوت شفوي أسناني ينطق بالتقاء الشفة السفلى والأسنان العليا، أي أن الباء المهموسة والفاء لا تختلفان إلا من ناحية المخرج بدرجة ما، فالشفة السفلى تشترك في نطقها ولذا لم يكن من الصعب حدوث هذا التغير. فالفاء العربية إذن صوت نتج عن صوت الباء المهموسة في اللغة السامية الأولى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 السين والشين العربيتان وأصولهما السامية : وهناك فرق آخر بين الأصوات العربية والأصوات التي افترض الباحثون وجودها في اللغة السامية الأولى، ويتعلق هذا الفرق بمجموعة أصوات السين والشين، وتضم هذه المجموعة في العربية صوتين فقط هما السين والشين، ولكنها تضم في لغات سامية أخرى مثل المهرية ثلاثة أصوات هما السين الجانبية والسين والشين، وتضم الكتابة العبرية رمزًا للسين ورمزًا للشين ورمزًا ثالثا لحرف السامخ مما يشير إلى وجود ثلاثة أصوات في هذه المجموعة في العبرية، وقد أثبت البحث المقارن أن اللغة السامية الأولى كانت تضم ثلاثة أصوات تحولت في العربية إلى صوتين اثنين1 لقد نشأت السين العربية عن صوتين اثنين أحدهما السين السامية الأولى والثاني الشين السامية الأولى. أما ذلك الصوت الثالث الذي افترض وجوده في اللغة السامية الأولى فقد ظل موجودًا في المهرية، وتحول في العربية والحبشية والأكادية إلى شين. ويتضح توزيع هذه الأصوات من الجدول التالي   1انظر Bergatasser, Einfuhurng I, 128 برجشتراسر: التطور النحوي للغة العربية ص14-15 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 ويوضح هذا الجدول مدى تعقد العلاقات بين هذه الأصوات ونكتفي هنا بملاحظة أن السين العربية تمثل السين السامية الأولى من جانب كما تمثل الشين السامية الأولى من الجانب الآخر، أما الشين العربية فتمثل السين الجانبية المفترضة في اللغة السامية الأولى. وهكذا أوضحت الدراسة المقارنة لأصوات اللغات السامية عدة قوانين تلخص التقابل الصوتي وأثبتت هذه القوانين الصوتية أن اللغة العربية تمثل بصفة عامة أصوات اللغة السامية الأولى، غير أن بعض أصوات العربية ثمرة تغير لغوي في العربية جعلها تختلف عن السامية الأولى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 4- الضمائر : يتناول التحليل المقارن لبنية الكلمة كل مفردات اللغة، وبهذا يتناول المنهج المقارن أنواعًا من الكلمات كانت خارج إطار التحليل الصرفي عند النحاة العرب. وأهم هذه الأنواع الضمائر وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة وأسماء الاستفهام ويصنف علم اللغة الحديث كل هذه الأنواع تحت اسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 "الضمائر"، وتضم الضمائر بالمعنى الحديث الضمائر الشخصية وضمائر الإشارة والضمائر الموصولة وضمائر الاستفهام1 وإذا كان التحليل الصرفي عند النحاة العرب لا يتناول هذه الكلمات، فإنها تكون أحد موضوعات البحث في علم اللغة المقارن إلى جانب البحث في الأسماء "الأخرى) والأفعال والأدوات. ويقوم تحليل الضمائر العربية في ضوء اللغات السامية على أساس تحليل صيغة كل ضمير إلى مكوناتها.   1 انظر القسم الخاص ببحث pronomina في كتاب: brockelmann, grundriss I 297 ff. وكذلك: برجشتر اسر: التطور النحوي للغة العربية ص47 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 يلاحظ من الجدول السابق أن الضمائر الشخصية المنفصلة للمفرد ترتبط عناصرها المكونة بأحرف المضارعة. ويتضح أيضا من مقارنة صيغ الضمائر الشخصية المنفصلة في اللغات السامية أنها تتكون بعناصر مأخوذة من السوابق التي يتكون بها صيغ الفعل المضارع "أحرف المضارعة" أو من اللواحق التي يتكون بها صيغ الفعل الماضي "ضمائر الرفع المتصلة" ومعنى هذا أن صيغ الضمائر الشخصية المنفصلة في اللغات السامية تضم عناصر أساسية تشترك فيها اللغات السامية، وهذه عناصر موروثة مغرقة في القدم، وقد كونت اللغات المختلفة الصيغ المختلفة للضمائر الشخصية المنفصلة من عناصر مأخوذة من سوابق المضارع كما هي حال الصيغ العربية المذكورة أو من عناصر مأخوذة من الضمائر الشخصية المتصلة كما هي حال الضمير الأكادي المذكور. وتختلف صيغ الضمير الشخصي المتصل بالماضي للمتكلم المفرد من لغة سامية لأخرى، فهو في بعض اللغات يتكون من الكاف وفي لغات أخرى يتكون من التاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 ويرجح الباحثون هنا أن اللغة السامية الأولى كانت تستخدم الكاف في هذا الموضع وأن العربية والعبرية اختلفتا بذلك من هذا الجانب عن اللغة السامية الأم. ويقوم هذا الرأي على أساس أن الكاف كانت ضمير المخاطب وأن التاء كانت ضمير المتكلم في اللغة السامية الأم، ثم استخدمت العربية التاء للمتكلم والمخاطب معا، وميزت بعد التاء بالضمة والفتحة والكسرة بين الصيغ المختلفة. وهكذا يوضح المنهج المقارن العناصر المكونة لصيغ الضمير من جانب كما يوضح عناصرها القديمة الموروثة عن اللغة السامية الأولى، وعناصرها المتكونة في إطار اللغة العربية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 5- الأسماء الثنائية : تقوم فكرة الميزان الصرفي عند النحاة العرب على أساس أن أكثر الألفاظ العربية من أصل ثلاثي وقد أثبت البحث المقارن في اللغة السامية أن الأصل الثلاثي كامن وراء أكثر كلمات اللغات السامية وفي نفس الوقت ظهر عن طريق المقارنة بين مجموعة من الكلمات يمكن أن ترد إلى أصول ثنائية. والأصل هنا هو الصيغة الأقدم التي خرجت عنها الصيغ الأخرى الأحدث وهنا فرق بين منهج النحاة العرب ومنهج علماء اللغات السامية بخصوص تحديد الأصل، كان العلماء العرب يحاولون التوصل إلى أصل الكلمة بتقليب الكلمات المشتقة من نفس المادة في العربية، ولكن علم اللغة المقارن يحاول التعرف على الأصل التاريخي بمقارنة كل الكلمات السامية المنتمية إلى جذر واحد في محاولة لتحديد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 الأصل الذي صدرت عنه كل هذه الكلمات. ولا شك أن الضمائر وأكثر الأدوات تخرج عن إطار الأصل الثلاثي. والبحث في قضية الثلاثية والثنائية يتناول الأسماء والأفعال التي يمكن أن ترد إلى أصل ثنائي1. ويمكن تصنيف الألفاظ التي يردها العلماء إلى أصل ثنائي إلى عدة مجموعات من أهمها مجموعة الأسماء الدالة على القرابة، ومجموعة الأسماء الدالة على أعضاء جسم الإنسان. تعد الكلمات أب، أم، أخ، حم، ابن، من أصل ثنائي وقد تطورت هذه الكلمات في اتجاه الثلاثي لإحداث هذا التطور في عدة اتجاهات أحدها يجعل حركة الإعراب طويلة فيكون الرفع بضمة طويلة أبوك والنصب بفتحة طويلة أباك والجر بكسرة طويلة أبيك غير أن هذه الكلمات تحتفظ بثنائيتها عندما تضاف إلى ضمير المتكلم أبي، حمي، أخي والاتجاه الثاني لجعل هذه الكلمات متوازنة مع الثلاثي كان بتشديد الصامت الثاني في الكلمات أب أم أخ حم. ونجد هذا في لهجات عربية كثيرة، أما كلمة "بن" فقد وسعت صيغتها بألف الوصل وتظهر هذه الكلمة بالباء والنون في الآشورية والعبرية والعربية ولكنها في الآرامية والمرهية بالباء والراء، وتدل صيغ الجمع في الآرامية والمهرية بالإضافة إلى صيغ المفرد والجمع في اللغات السامية الأخرى على أن أصل هذه الكلمة هو الباء والنون كما في العربية، وأما صيغة المفرد في الآرامية والمهرية فهي تطور خاص باللغتين ولا يعكس الصيغة الموروثة من اللغة السامية الأم. هناك مجموعة ألفاظ ذات أصل ثنائي في اللغات السامية وتدل على أعضاء   1أهم الدراساتحول قضية الأسماء ذات الأصل الثنائي ما كتبه نولدكه: Noldeke, zweiradikalige substantive, in: neue beitrage zur semitischen sprachwissenschaft, s. 109-178. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 جسم الإنسان منها كلمة "يد" وكلمة "دم" وكلمة "رئة" وكلمة "لثة". ترد كلمة يد في اللغات السامية كلها مكونة من الباء والدال مما يشير إلى ثنائية أصل هذه الكلمة. غير أن بعض اللهجات العربية حاولت جعل هذه الكلمة في شكل الثلاثي بأن شددت الدال، وحاولت لهجات عربية أخرى جعلها ثلاثية بإضافة همزة في أول الكلمة. أما كلمة "دم" فهي من أصل ثنائي أيضا كما تشهد بذلك الصيغ في العربية الفصحى وغيرها من اللغات السامية. أما الصيغة التي تعرفها بعض اللهجات العربية بتشديد الميم فترجع إلى الاتجاه العام لجعل هذه الكلمة الثنائية الأصل في شكل ثلاثي مثل أكثر الكلمات العربية. أما الكلمات "رئة" و"لثة" و"شفة" فتعد من أصل ثنائي تطور باضافة تاء التأنيث إلى الأصل الثنائي. وهناك كلمة ترد إلى أصل أحادي وهي كلمة الفم: فوك، فيك، فاك فالأصل المشترك هو الفاء التي ترد في اللغات السامية أصلا لهذه الكلمة وقد تكونت الصيغ العربية من هذه الفاء مع حركة طويلة في الرفع والنصب والجر، أما الميم التي تظهر في كلمة فم فيمكن أن تكون راسبا من رواسب ظاهرة التمييم وهي ظاهرة تقابل التنوين في بعض اللغات السامية. وقد أوضح البحث ثنائية كلمات أخرى كانت موضع خلاف بين النحاة العرب. وقد اختلفوا قديما في كلمة اسم أهي مشتقة من السمة أم من السمو1، وأثبت البحث المقارن أن الأصل ثنائي هو الشين والميم في اللغة السامية الأم بدليل الصيغ السامية المختلفة. وبمراعاة أن الشين السامية الأم قد تغيرت إلى سين عربية يتضح أن الصيغة ذات أصل ثنائي، أما ألف الوصل التي أدخلت على الصيغة العربية فكانت لجعل الكلمة مشابهة للألفاظ الثلاثية ولإحداث نوع من التوازن مع أكثر الكلمات العربية.   1 انظر: ابن الأنباري: الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين، "المسألة الأولى" في تحقيق قابل ص1-6 ونولدكه "البحث المذكور في 9" ص140-143. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 6- الأفعال هناك مجموعة من الأفعال التي نعرفها في شكل ثلاثي، ويمكن ردها بالمقارنة إلى أصل ثنائي. وتنتظم هذه الأفعال في مجموعتين: أ- أفعال تبدأ بالسين مثل: سكب بالمقارنة مع كب، فواضح هنا تقارب المعنيين وتقارب الصيغة مما يشير إلى كون الأصل الكاف والباء وأن الصيغة قد وسعت في اتجاه الثلاثي بإضافة السين في أولها أو بتشديد الحرف الثاني "قارن خف، سخف". ب- أفعال تبدأ بالنون مثل: نقص بالمقارنة مع قص، فمعنى الكلمتين متقارب، والصيغتان ترجعان إلى أصل ثنائي وسِّع بإضافة النون قبل الأصل الثنائي أو بتشديد الحرف الثاني من الأصل. "قارن جس ونجس وكذلك ذل ونذل"، ويمكن جمع مزيد من الأمثلة بتتبع الظاهرتين في المعجم العربي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 7- تحديد الجذور في ضوء المقارنات : توضح الدراسات المقارنة عدة حقائق تجاه تحديد الجذور في بعض الكلمات. لقد ورد الفعل "هرق" في اللغة العربية وكأنه من الجذر "هرق"1 والواقع   1 انظر: فصيح ثعلب. مادة هرق. في باب: "فعلت بغير ألف". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 أن الهاء هنا ليست أصلية، بل هي هاء وزن "هَفْعَلَ"، وهذا الوزن قياسي في العبرية والعربية الجنوبية في مقابل وزن "أَفْعَلَ" في العربية الشمالية، ولعل مقارنة كلمة أراق وكلمة هراق بنفس المعنى توضح لنا أن الأولى بوزن أَفْعَلَ وأن الثانية بوزن هَفْعَلَ، وكلا الوزنين للتعدية في اللغات السامية. وعلى ذلك فكلمة هراق بوزن هفعل، ومن الممكن أن تكون دخيلة من العربية الجنوبية، ومن الممكن أيضًا أن تكون راسبًا من اللغة السامية الأولى إذا افترضنا أنها عرفت أيضًا وزن هفعل للتعدية، ويصدق ما ذكرناه حول كلمة هراق على كلمات أخرى في العربية مثل: هجرع، هيلع ... إلخ. وقد يكشف بحث الكلمات المبدوءة بالهاء في العربية عن أمثلة كثيرة من هذا النوع الهاء فيها زائدة لا أصلية. وإذا كان ثمة خلافا في تحديد الحروف الأصول في كلمة مدينة1 فإن بحثها في ضوء اللغات السامية يوضح أن الميم زائدة، ففي العربية والعبرية نجد كلمة "دين" بمعنى القانون وفي الآرامية "دينا". كما نجد في العبرية "بيت دين" بمعنى المحكمة، وفي العربية والعبرية ديان بمعنى القاضي، وقد ظهرت كلمة مدينة في الآرامية في منطقة الشام قبل الإسلام بمعنى المنطقة الإدارية أو الدائرة القضائية مرتبطة بهذا المعنى القضائي الذي ما زلنا نجده في كلمات عربية مثل دائن، مدين، أدان، إدانة .... إلخ. وعندما أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم على يثرب اسم المدينة كان هذا الاستخدام مرتبطًا بظهور الدولة الإسلامية الصغيرة حول الرسول وهو يحكم في المدينة وهكذا توضح الدراسة المقارنة جوانب مختلفة في تحديد الجذور في كلمات عربية مختلفة.   1 انظر: مادة: مدن، دين، في المعاجم العربية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 8- الألفاظ المشتركة : العلاقة بين الألفاظ العربية وما يقابلها اشتقاقيًّا في اللغات السامية الأخرى تتناول موضوعين اثنين. فهناك ألفاظ تشترك فيها اللغات السامية بصفة عامة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 وترجع إلى اللغة السامية الأم. وإلى جانب هذا فهناك ألفاظ دخلت من إحدى اللغات السامية إلى لغة سامية أخرى، كأن تدخل كلمة عربية إلى الحبشية أو كلمة عبرية إلى الآرامية.. إلخ. ومعنى هذا أن البحث يتناول الألفاظ السامية المشتركة من جانب. والألفاظ الدخيلة من لغة سامية لأخرى من الجانب الآخر. هناك مجموعة من الألفاظ المشتركة في اللغات السامية، والمقصود بذلك أن جذورها الاشتقاقية مشتركة، وليس معنى هذا أن معناها متفق في اللغات السامية المختلفة كل الاتفاق، فالتغير الدلالي ظاهرة معروفة في إطار اللغة الواحدة فضلا عنه في إطار الأسرة اللغوية الواحدة، فكلمة "لحم" تعني في العربية شيئًا مخالفًا لما تعنيه كلمة Lehem في العبرية، فالأخيرة تعني الحبز واضح أن الكلمتين العربية والعبرية من جذر اشتقاقي واحد هو ل ح م. ويتفق معنى هذا الجذر اتفاقًا بعيدًا في أن المقصود هو الأكل اليابس غير السائل، ولكن اختلاف معنى الكلمتين قد جعل كلا منهما تتخصص بمعنى آخر يوضح فكرة وحدة الأصل الاشتقاقي وتغير دلالات الكلمات المشتقة منه في اللغات السامية المختلفة. فكلمة "أهل" في العربية يقابلها في العبرية Ohel هما من أصل واحد هو همزة وهاء ولام. ولكن الكلمة العبرية تعني "الخيمة" ولا تعني أي شيء آخر، أما الكلمة العربية فتعني الأسرة عمومًا أو الزوجة بصفة خاصة. وهناك علاقة بين المعنيين يمكن تصورها بأن المجتمع البدوي أشبه وصف الخيمة أو الزوجة التي بها أو الزوجة أو الأولاد الذين بها بنفس الكلمة، لقد تغير المعنى وتحدد باختلاف دلالة الكلمة العبرية عن الكلمة العربية المقابلة لها اشتقاقًا، فلا شك أن الزوجة تختلف عن الخيمة فالمعجم الاشتقاقي للغات السامية وأية دراسة للمقابلات السامية من ناحية المفردات تبحث الكلمات التي انحدرت من أصل اشتقاقي واحد ثم يبحث مدى الاتفاق أو الاختلاف الدلالي بعد ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 9- الدخيل في ضوء القوانين الصوتية : وتحديد أية كلمة مشتركة في لغتين ساميتين موروثة فيهما من اللغة السامية الأم أو دخيلة من إحدى اللغتين إلى اللغة الأخرى، إنما يتم بمعيار لغوي في المقام الأول. وهذا المعيار الذي ارتضاه البحث الحديث يدخل في إطار التطبيقات المباشرة لفكرة القوانين الصوتية وليس هذا المعيار جديدًا كل الجدة فقد عرف اللغويون العرب وجود مقابلات مطردة بين العربية والآرامية. وهناك مثالان ذكرهما الجواليقي، ت540هـ، في كتابه "المُعَرَّب"1 يوضحان أنه طبق فكرة القوانين الصوتية لإثبات كون الكلمة دخيلة في العربية، ذكر الجواليقي أن كلمة "الناطور" من المعرب وأنها تعني حافظ النخل والشجر وقد استدل على كونها عربية الأصل بما ذكره الأصمعي أن المقابل العربي لهذه الكلمة هو "الناظور" بالظاء والواقع أن الظاء العربية يقابلها طاء في الآرامية، وهذا قانون من القوانين الصوتية المطردة، وكان الجواليقي قد لاحظ اطراد التقابل بين الظاء العربية والطاء الآرامية فالمادة "نظر" في العربية لا بد وأن يقابلها "نطر" في الآرامية؛ يقول الجواليقي والنبط تجعل الظاء طاء وتدل كلمة النبط عند الجواليقي على البيئة اللغوية الآرامية ويبدو أن هذا يرجع إلى أن النبط كانوا من أقرب مستخدمي اللغة الآرامية إلى العرب، واستدل الجواليقي على اطراد هذا القانون الصوتي بكلمة: "برطلة" وتعني ابن الظل والواقع أن كلمة "بر" في الآرامية تعني "ابن" في العربية وأما الكلمة الثانية فتنتهي بفتحة طويلة، دونت تاء مربوطة للدلالة على التعريف وباقي الكلمة متفق مع الكلمة العربية ظل إلا في التقابل بين الظاء العربية والطاء الآرامية. وبهذا عرف الجواليقي معتمدًَا على ملاحظات اللغويين في القرن الثاني الهجري مثل الأصمعي فكرة القوانين الصوتية بين العربية والآرامية وطبقها تطبيقًا محدودًا للتعرف على عدم   1 انظر: المعرب للجواليقي، ص334، ص68 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 أصالة الكلمة في العربية ولتحديد أصلها. وقد ارتضى البحث الحديث تطبيق فكرة القوانين الصوتية باعتبارها المعيار الأول لتحديد أصالة الكلمة أو عدم أصالتها من الناحية الاشتقاقية1 ونوضح هذه الفكرة بمجموعة أمثلة تنتمي إلى المادة العربية "ثغر" وما يقابلها وفق القوانين الصوتية في اللغات السامية المختلفة. الثاء العربية تعبر عن الثاء في اللغة السامية الأم. ويقابلها الشين في العبرية والتاء في الآرامية، أما الغين العربية فيقابلها في الآرامية والعبرية صوت العين ومعنى هذا أن المقابل الاشتقاقي المباشر للمادة العربية "ث غ ر" هو "ش ع ر" في العبرية و"ت ع ر" في الآرامية. وهذا ما نجده في الكلمات "ثغر" في العربية وsaar في العبرية. و tara في الآرامية، وواضح أن هذه الكلمات من جذر اشتقاقي واحد وقد طرأ على الكلمة الآرامية قلب مكاني وألحقت بها الفتحة الطويلة التي كانت أداة التعريف في الآرامية أما معنى هذه الكلمات فمتقارب لكنه غير متفق مثل كثير من الكلمات ذات الأصل الاشتقاقي الواحد، المعنى الأساسي لكل هذه الكلمات هو معنى الفتحة فتدل كلمة ثغر في العربية على منافذ الدولة نحو الخارج ونقط الحدود، فكانت توصف منطقة الحدود العربية البيزنطية بأنها الثغور. وعندما تطورت دلالة هذه الكلمة إلى معناها الحديث في العربية تحدد معناها بالمنافذ البحرية للدولة وكانت من قبل تدل على المنافذ البحرية أو البرية دون تخصيص. يضاف إلى هذا اسخدام كلمة "ثغر" بمعنى فتحة الفم، أما في العبرية فتدل كلمة "شعر" على الباب أو المدخل، وتدل الكلمة الآرامية "ترعا" على الباب أو المدخل أو الشيء الموصل إلى شيء آخر، وعندما انتقلت الصيغة الآرامية المذكورة إلى العربية احتفظت بسمتين أساسيتين دلتا على كونها غير أصلية في العربية ودخيلة من الآرامية، وهما وجود التاء - لا الثاء   1 انظر مثلا: برجشتراسر: التطور النحوي للغة العربية ص 140-154 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 وجود الفتحة الطويلة في آخر الصيغة وكلاهما من السمات المميزة للصيغة الآرامية وحدث تخصيص دلالي عندنا انتقلت هذه الصيغة الآرامية إلى العربية فأصبحت تدل في العربية على المجرى المائي الموصل من منطقة إلى منطقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 10- المقارنات اللغوية وتاريخ الألفاظ : وتوضح المقارنات اللغوية تاريخ كثير من الألفاظ العربية. فالألفاظ التي وردت في الشعر الجاهلي أو في المعاجم العربية أو في القرآن الكريم لا ترجع من الناحية الاشتقاقية التاريخية إلى مرحلة واحدة. ففيها ألفاظ مغرقة في القدم وفيها ألفاظ أحدث عهدًا. ويمكن بصفة عامة اعتبار الألفاظ المشتركة في اللغات السامية عمومًا أو المشتركة بين العربية والأكادية بصفة خاصة من ذلك التراث اللغوي الذي عرفته اللغة الأساسية الأم قبل أن تبدأ الهجرات إلى العراق والشام، أي أن هذه الألفاظ ترجع إلى ما قبل سنة 2500ق. م أما الألفاظ التي تجدها في الشعر الجاهلي أو القرآن الكريم أو المعاجم العربية ولا نجد مقابلها الاشتقاقي في اللغات السامية القديمة فهذه ألفاظ دخلت العربية أو كونتها العربية في الفترة ما بين الهجرات وتأليف الشعر الجاهلي أو نزول القرآن الكريم، ونوضح هذه القضية ببحث مجموعة ألفاظ دلت في مستويات لغوية متعاقبة على الرجل والمرأة وعلاقتهما. تشترك اللغات السامية كلها في كلمتي "ذكر" و"أنثى" وينطبق على صيغ الكلمتين في الأكادية والعبرية والآرامية القوانين الصوتية الخاصة بالأصوات المكونة دون أدنى شذوذ وهذا يدل على أن كلمتي "ذكر" و"أنثى" من المعجم السامي المغرق في القدم الذي عرفته اللغة السامية الأم قبل أن تبدأ الهجرات السامية حوالي سنة 2500ق. م ولكنا نجد في العربية كلمتين أخريين هما "بعل" و"زوج" ولكل كلمة من الكلمتين نشأة مغايرة ولكن معناهما يفهم كوحدة تضاد دلالي، وترجع كلمة "بعل" إلى المعجم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 السامي القديم وهي معروفة في أكثر اللغات السامية وتعني الإله أو الرب أو السيد. ولكن استخدامها بمعنى الرجل المتزوج ارتبط بوجود كلمة "زوج" وترجع كلمة زوج إلى أصل غير سامٍ فهي من الكلمة اليونانية Zeugos التي دخلت الآرامية أول الأمر فكانت بصيغة تنتهي لا بالنهاية اليونانية os بل بالنهاية الآرامية وهي الفتحة الطويلة ولذا فالصيغة الآرامية "زوجًا" تكونت إلى جانب الصيغة غير المنتهية بأداة التعريف "زوج" ثم انتقلت هذه الكلمة الى العربية واتخذت فيها ذلك المعنى المقابل لمعنى كلمة "بعل" فالبعل هو الرجل المتزوج وزوجته هي "الزوج" وظل هذا الاستخدام سائدًا إلى أن لاحظ الأصمعي أن بعض أبناء عصره يستخدمون كلمة زوجة وأنكر الأصمعي هذه الصيغة واعتبرها لحنا1. ويمكن تفسير ظهور هذه الصيغة أحد تفسيرين: أحدهما أنها الصيغة العامية التي استمرت من الآرامية. والثاني أنها محاولة لإضافة علامة التأنيث إلى الصيغة دالة على المؤنث. وفي القرون التالية لما لاحظه الأصمعي أصبح التقابل الدلالي بين كلمة زوج الدالة على الرجل المتزوج وكلمة زوجة الدالة على المرأة المتزوجة أي أن وجود كلمتي زوج وزوجة جنبًا إلى جنب أدى إلى أن تختص الكلمة الأولى بالمذكر والثانية بالمؤنث. وبهذا المعنى استمر استخدام الكلمتين في النصوص العربية إلى اليوم. ويعكس التحول في التسمية من "ذكر، أنثى" إلى "بعل، زوج" تحول الإنسان من الوصف البيولوجي البيسط الذي حددته الطبيعة إلى العلاقة الاجتماعية التي جعلت منه إنسانًا يسهم في تكوين الحضارة. أما التحول في "بعل، زوج" إلى "زوج، زوجة" فقد أدى إلى اختفاء كلمة بعل فلم يبق لها وجود حي في اللغة العربية إلا في بعض أسماء الأماكن في لبنان مثل بعلبك إله البقاع أو الإله باخوس وبعل شمية = إله السماء   1حول رأي الأصمعي في هذه الكلمة، انظر: الموشح للموزباني ص283-284 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 واختفت الكلمة1 عندما ظهر التقابل الجديد بين "زوج، زوجة". ولكن اللغة العربية ذات قدرة كبيرة على الاستفادة من الجذور الأصيلة والدخيلة فيها ولذا صيغت كلمات كثيرة من مادة "ز - و - ج" كما لو كانت هذه المادة عربية سامية. ولذا ظهرت الكلمات التالية: زوج - تزويج - زواج - مزاوجة - مزدوج - ازدواج ..... إلخ وبهذا يمكن عن طريق القوانين الصوتية وتتبع المجموعات الدلالية وانتقال الألفاظ من اللغات السامية وغير السامية إلى العربية تأريخ جوانب مختلفة من حياة الألفاظ العربية.   1 لم أدخل في الاعتبار وجود كلمة "بعل" في لهجات العراق، وفي اللغة المهرية - دون عين، وفي صيغة النسبة: بعلي الموجودة في لهجات منطقة الشام وصفًا للأراضي التي تروى بمياه الأمطار. وفي هذه الأمثلة نجد كلمة "بعل" بمعنى السيد الزوج، أو الإله، "بعلي" بمعنى ما يأتي به الإله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 الفصل الثاني عشر: العربية في جزيرة العرب النقوش العربية القديمة مدخل ... الفصل الثاني عشر: العربية في جزيرة العرب 1- النقوش العربية القديمة: كشفت الدراسات الميدانية التي قام بها عدد من الأوربيين في منطقة شمال الجزيرة العربية ابتداء من منتصف القرن التاسع عشر إلى اليوم عن عدة آلاف من النقوش1. وقد لوحظ أن بعض هذه النقوش مكتوب بعناية وبإتقان، فلكل حرف شكله الواضح المتميز، ولكن بعض هذه النقوش لم تكتب بعناية، ولذا لا يتخذ كل حرف ملامح واضحة متميزة، ويطلق على النوع الأول مصطلح نقش inscription، بينما يسمى النوع الثاني باسم الجرافيتي   1 بدأ اكتشاف هذه النقوش على يد Doughty "1867- 1877" ونشرت أقدم مجموعة من هذه النقوش في Ch. Doughty documents epigraphiques recueillis dans le nord l'arabia paris 1884. وحول تاريخ هذه الكشوف انظر ما كتبه ليتمان: E. Littmann, thamud und safa, s. 1-6, 92, 92-95 leipzig 1940 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 1Craffiti أي المخربشات. وقد أمكن تقسيم هذه النقوش الكثيرة إلى عدة مجموعات أهمها: مجموعة النقوش الثمودية، مجموعة النقوش الصفوية، ومجموعة النقوش اللحيانية. ويقوم هذا التقسيم على عدة معايير متكاملة، أهما: أماكن وجود النقوش، الخصائص اللغوية، خصائص الكتابة. ومجموع هذه المعايير يحدد لنا كون نقش بعينه صفويًّا أو ثموديًّا أو لحيانيًّا.   1 يرجع مصطلح inscriptions إلى الكلمة اللاتينية المركبة inscriptio وتعني الكتابة أو الكتابة الغائرة. أما كلمة graffito فهي اصطلاح أوربي يرجع إلى الإيطالية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 النقوش الثمودية : تنسب النقوش الثمودية1 إلى قبيلة ثمود، التي ورد اسمها في هذه النقوش كما ورد اسمها في آيات كثيرة من القرآن الكريم وجاءت قصة أهلها فيه. وقد أثار بعض الباحثين قضية كون كتاب هذه النقوش قبيلة واحدة أو عدة قبائل تعاملت بنفس اللغة2 وليس لهذا التساؤل أية إجابة، لأن النقوش هي مصدرنا الوحيد للتأريخ لكُتّاب هذه النقوش، وليس هناك تحديد واضح لكلمة قبيلة، فإذا كان كل تجمع بشري يحس بنوع من الانتماء العرقي يمكن أن يعد قبيلة، فمن الممكن أن تنشطر القبيلة الواحدة إلى قبيلتين أو أكثر. ولكن الثابت أن الثموديين كونوا جماعة لغوية واحدة، وهذا ما يهمنا في إطار البحث اللغوي. وجدت النقوش الثمودية في منطقة مدائن صالح غرب الجزيرة   1 أهم مجموعات النقوش الثمودية المنشورة: A. van den branden. les inscriptions thamoudeennes. louvain 1950. 2 حول هذه القضية انظر ما كتبه: A. van den branden. histoire de thamoud. p. 21. bayrouth 1966. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 العربية في مناطق أخرى محددة مجاورة لها مثل مدينة العلا "= ديدان، في التاريخ القديم" كما وجدت في حائل وتيماء وتبوك، وهناك عدة نقوش ثمودية تتناول أشياء شخصية لا ترتبط بقرائن تاريخية أو أحداث مهمة تمكن من تأريخ هذه النقوش، ولذا فليس من الممكن تحديد زمن تدوين أكثر هذه النقوش على نحو مباشر، والتاريخ الوحيد المؤكد هو تاريخ نفش ثمودي مواز لنقش نبطي وكلاهما من سنة 162 بعد سقوط دولة النبط فقد كان عرب شمال الجزيرة العربية يؤرخون بسقوط دولة النبط سنة 105م، أي أن النقش الثمودي المقصود يرجع إلى سنة 267م ويميل الباحثون إلى تأريخ النقوش الثمودية اعتمادًا على قرائن أخرى خاصة بأشكال الحروف، فالحروف المتشابهة تكون من فترة زمنية واحدة، وكلما تباينت أشكال الحروف كانت من فترات زمنية متباعدة، ووفق هذا المعيار يؤرخ أقدم النقوش الثمودية بالقرن الخامس قبل الميلاد ويؤرخ أحدثها بالقرن الرابع الميلادي، أي أنها امتدت وفق هذا التقدير حوالي تسعة قرون1.   1 حول أماكن وجود النقوش الثمودية وقضية تأريخها انظر: E. Litmann, Theamud und Safa. Leipzig1940. وقد تناول ليتمان في كتابه المذكور الموضوعات الأساسية الخاصة ببحث هذه النقوش ص1-39 ثم جاء بمجموعة من النقوش المختارة مع شرحها والتعليق عليها ص40-91 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 النقوش الصفوية : تنسب النقوش الصفوية إلى المكان الذي وجدت فيه، فبالقرب من منطقة جبل الصفا الواقع جنوب شرق دمشق وجدت مجموعة كبيرة من هذه النقوش فسميت باسم النقوش الصفوية وقد وجدت بعد ذلك نقوش كثيرة في مناطق مجاورة لهذه المنطقة، ولكنها تتفق معها في الخط والخصائص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 اللغوية، ولذا عدت أيضا من النقوش الصفوية1 وأكثر النقوش الصفوية يخلو من أية إشارة تاريخية ولكن بعضها يشير إلى بعض الأحداث المعروفة. فقد ذكرت النقوش أحداثًا كثيرة من القرن الثاني الميلادي. ولا شك أن الصفويين كانوا في هذه المنطقة قبل هذه الأحداث بوقت طويل. وهناك مجموعة من النقوش بها أسماء بعض الشخصيات المعروفة في تاريخ المنطقة. فالملك أذينة كان يحكم في تدمر في منتصف القرن الثالث الميلادي. وقد جاء اسمه في نقوش معاصرة له، وترجع نقوش أخرى جاءت فيها بعض أسماء شخصيات رومانية مثل Alexander Severus, Septimus Severus إلى القرن الثالث الميلادي أيضًا. وهناك نقش به ذكر لامرئ القيس ملك العرب، فإن صح هذا فهو من أوائل القرن الرابع الميلادي وهكذا تمكن بعض النقوش من تحديد زمن تدوينها في القرن الثاني أو الثالث أو أوائل الرابع بعد الميلاد، ولكن بداية كتابة النقوش الصفوية لا يزال يكتنفها الغموض.   1 حول النقوش الصفوية وقضايا البحث فيها انظر الكتاب المذكور لليتمان الصفحات 92-120، وقد وجاء ليتمان بمجموعة نصوص مختارة مع شرحها والتعليق عليها 121- 143. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 النقوش اللحيانية : تنسب النقوش اللحياينة1 إلى دولة لحيان التي تذكرها النقوش باعتبارها كيانًا سياسيًّا يحكم منطقة في شمال غرب الجزيرة العربية، وقد وجدت مجموعة من هذه النقوش في منطقة العلا "= ديدان". ويبدو أن ظهور مملكة لحيان ارتبط بسقوط الدولة المعينية، وهي دولة عربية جنوبية كانت لها مستعمراتها في الشمال، وفي القرن الثاني قبل الميلاد أخذت منطقة ديدان تحس باستقلالها.   1 حول النقوش اللحيانية ودولة لحيان، انظر: W. Caskel, Lihyan und Lihyanish, Koln 1954. ويضم الكتاب المذكور مجموعة مختارة من النقوش مع شرحها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 فبدءوا يكتبون على نحو متميز وهناك نقوش لحيانية تمضي بنا حتى أواخر القرن الثالث الميلادي. أي أن هذه النقوش كتبت على مدى خمسة قرون بدأت باستقلال لحيان وانتهت بنهاية مملكة لحيان على يد الرومان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 الخط : كتبت النقوش الثمودية والصفوية واللحيانية بخط أبجدي يقوم على أساس الخط العربي الجنوبي القديم1. ورغم الاختلاف الكبير في شكل الحرف الواحد في كل مجموعة من مجموعات النقوش الكثيرة إلا أن كل هذه الأشكال تعد امتدادًا مباشرًا لشكل الحرف في الخط العربي الجنوبي القديم، هناك نقوش مدونة من اليمين إلى اليسار وأخرى من اليسار إلى اليمن فاتجاه الكتابة يختلف من نقش لآخر. وهناك نقوش مكتوبة بخط المحراث boustrohedon بأن يكتب السطر الأول من اليمين إلى اليسار ثم يكتب السطر الثاني من اليسار إلى اليمن ثم يكتب السطر الثالث من اليمين إلى اليسار وهكذا؟ تتفق كل النقوش العربية القديمة في تدوينها للصوامت مثل الباء والتاء والسين. لكل صوت منها حرف متميز، ولكن الفرق الأساسي بين كتابة هذه النقوش والخط العربي الحالي أن هذه النقوش لا تدون الحركات الطويلة، فضلا عن عدم تدوينها للحركات القصيرة، فعندما يرد في أحد النقوش "أل" فقد يكون المقصود كلمة "آل" الدالة على الانتماء القبلي، وقد يكون المقصود كلمة "ايل" الدالة على الإله، وقد يكون المقصود حرف الجر "إلى" ومعنى هذا أنه من الصعب التعرف على النطق الكامل لأية كلمة وردت في هذه النقوش، فالحركات الطويلة ناقصة والحركات القصيرة ناقصة أيضًا. وتؤثر هذه السمة في عدم بروز أوزان كاملة، فالفرق بين وزن "فَعَلَ" ووزن "فَاعَلَ" يقتصر على وجود فتحة   1 انظر الفصول الخاصة بالكتابة في كتاب ليتمان المذكور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 قصيرة بعد فاء الأول وفتحة طويلة بعد فاء الثاني، وكلتاهما لا تدون في هذه النقوش وعلى ذلك فالفعلان "سعد" و "ساعد" يكتبان بنفس الحروف س ع د. ومعنى هذا أنه إذا وجدت الواو مكتوبة فهي تدل بالضرورة على صوت صامت لا على حركة طويلة، فإذا دونت النقوش "ج ور" فالمقصود اسم العلم "جوير" وبالمثل إذا دونت الياء فهي تدل على صوت صامت لا على حركة، فمثلا "ي خ ل د" تدل فيها الياء على صوت صامت تعقبه فتحة ويؤدي عدم تدوين الحركات القصيرة إلى عدم معرفتنا بطبيعة هذه الحركات داخل الكلمة وفي آخرها، وعلى ذلك فلا يمكن بحث قضية النهايات الإعرابية وهل كانت موجودة أم لا في ضوء هذه النقوش، وبالمثل فالتنوين لا يدون في هذه النقوش، حتى إن افترضنا وجوده فيها. وعلى ذلك فكيفية تدوين هذه النقوش تجعل الإفادة منها للتعرف على الخصائص اللغوية محدودة وهي تفيد في التعرف على وجود بعض الكلمات في هذه النقوش وفي التعرف من السياق على معانيها فيها، كما تفيد أيضا في التعرف على بعض خصائص الجملة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 اللغة : عندما يجد الباحث مجموعة من النقوش في شمال الجزيرة العربية بالقرب من منطقة الشام والعراق تطرح دائمًا عدة فروض حول لغة هذه النقوش فقد تكون عربية وقد تكون كنعانية وقد تكون آرامية، وقد تكون امتدادًا للغة أخرى من خارج هذه المنطقة مثل العربية الجنوبية. وقد أثبتت الدراسات المبدئية للغة هذه النقوش أنها عربية، ومن الممكن دون صعوبة قراءة هذه النقوش باعتبار أنها نصوص عربية. ترد في النقوش مجموعة أفعال تعرفها بصيغها ومعانيها في العربية، وأهم هذه الأفعال: علم، حل، بات، رعى، ذكر، نعم، خط، تشوق، كتم، ود، قنص، صاد، قاد، حب. ويضم معجم الأسماء في هذه النقوش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 ألفاظًا كثيرة تعرفها الحياة الصحراوية مثل: وعل. جمل. فجع، أثر، دار وتضم هذه النقوش مجموعة من الحروف المعروفة في العربية منها: إلى من، لم، الباء، الفاء، اللام، وهكذا تتفق النقوش من الناحية المعجمية مع عربية الجاهلية1. وثمة ظاهرتان جديرتان بالملاحظة في لغة هذه النقوش وهما: استخدام الاسم الموصول "ذ" واستخدام أداة التعريف "هـ"، وكلتا السمتين موجودة في بعض اللهجات العربية. أما "ذ" المدونة في النقوش فقد تكون منصرفة إعرابيًّا "ذو، ذا، ذي" وقد تلزم حالة واحدة من الحالات المذكورة دون تصويب إعرابي ومع هذا فلا شك أن استخدام هذه الكلمة كاسم موصول هو ما عرف قديمًا عند قبيلة طيئ. فقد ذكر النحاة أن قبيلة طيئ كانت تستخدم كلمة "ذو" اسمًا موصولًا2 وأما استخدام الهاء كأداة للتعريف تحمل الدلالة الإشارية فهو ما تعرفه لهجات عربية كثيرة في الشام وجزيرة العرب إلى اليوم عندما يقولون: "هالولد" و "هالبنت". إن الخصائص اللغوية للنقوش الثمودية والصفوية واللحيانية تثبت أن كتابها كانوا من البيئة اللغوية العربية، وتثبت أسماء الأعلام الورادة في هذه النقوش أن كتابها عرب جاهليون وثنيون نجد فيها أسماء عربية مثل: حبيب وذهل وقيس ومطر كما نجد فيها أسماء مركبة منسوبة إلى معبودات الجاهلية مثل: عبد مناة، وزيد شمس، وعبد ايل، وعبد يغوث، وتيم يغوث، وتيم اللات. فهذه أسماء عربية جاهلية، عاش أصحابها حياة تشهد النقوش بأنها   1 حول لغة النقوس الصفوية انظر ما كتبه ليتمان في: Semitic Inscriptions, Leiden 1904. وكذلك ما كتبه حول النقوش الثمودية في: Thamud und Safa, s. 31-34 2 حول "ذو" الطائية انظر: ابن هشام: مغني اللبيب 2/ 470 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 قبلية. فأصحاب هذه النقوش يذكرون أنسابهم ويعرفونها معرفة تفصيلية, فسلاسل الأنساب أبرز ما تأتي به النقوش. وكتاب هذه النقوش ينسبون أنفسهم إلى قبائلهم في عدد كبير من النقوش مستخدمين كلمة "آل" المعبرة عن الانتماء القبلي. وهكذا تثبت الخصائص اللغوية لهذه النقوش وأسماء الأعلام الواردة فيها وسلاسل النسب فيها أن كتاب هذه النقوش عرب وأن لهجاتهم اليومية تدخل في إطار اللهجات العربية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 اللهجات العربية واللغة الفصحى مدخل ... 2- اللهجات العربية واللغة الفصحى: المصادر القديمة التي تمدنا ببعض الظواهر اللغوية في اللهجات العربية القديمة تنقسم إلى مجموعتين رئيسيتين, أولاهما: كتب النحو, الثانية: كتب اللغة والمعاجم. ومعظم المادة التي جاءت في كتب النحو واللغة إنما جمعت من لهجات البادية في القرنين الأول والثاني. حاول اللغويون الذين جمعوا هذه المادة النظر بمعيار الخطأ والصواب إلى كل الظواهر اللغوية التي عرفها عصرهم, ولذا رفضوا أخذ اللغة عن القبائل التي عاشت في مناطق متاخمة للحضر في بادية الشام أو العراق, كما نظروا إلى اللهجات العربية في الجنوب بعين الشك، ولم يأخذوا اللغة عنها. لم يحاولوا جمع الظواهر بهدف بحثها بحثًا شاملا ينسب لكل قبيلة كل ما عندها من ظواهر, وإنما قصروا همهم على تسجيل بعض الظواهر التي لفتت نظرهم عند بعض القبائل. ومن هنا نستطيع أن نقول أن كتب النحو واللغة لم تقدم لنا إلا قطاعًا صغيرًا محدودًا من الحياة اللغوية حتى القرن الثاني للهجرة, وهذا القطاع هو بعض لهجات البدو. أخذ النحاة واللغويون اللغة عن بعض قبائل شبه جزيرة العرب, واستبعدوا عددًا كبيرًا من القبائل التي اختلطت في حياتها بغير العرب, واستبعدوا كذلك اللهجات الناشئة في الأمصار المفتوحة, كما رفضوا أخذ اللغة عن القبائل الجنوبية, والناظر في كتب النحو واللغة يلاحظ أن أكثر المادة التي جاءت بها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 هذه الكتب تنسب إلى لهجات الحجاز وتميم وهذيل وطيئ, وهناك ظواهر كثيرة جاءت دون نسبة إلى قبيلة بعينها. اتخذ جامعو اللغة موقفًا مختلفًا عن موقف الباحث اللغوي الحديث, فقد نظروا إلى هذه اللهجات وقاسوها بمعيار اللغة الفصحى واعتبروا أي اختلاف عنها خروجًا على النمط الصحيح وخروجًا على الضوابط وفسادًا لغويًّا لا يجوز أن يقبل ممن يندرج ضمن المثقفين. ومن ثم فقد أهملوا تلك اللهجات التي أصبح البون بينها وبين الفصحى شاسعًا ولم ينظروا ويهتموا إلا باللهجات التي تقترب في خصائصها من العربية الفصحى، وهذه هي لهجات الحجاز وتميم وهذيل وطيئ. وسنحاول دراسة بعض الظواهر التي جاءت في كتاب سيبويه منسوبة إلى هذه اللهجات دراسة لغوية وصفية وسنبدأ بالأصوات, ثم بعد ذلك إلى بناء الكلمة فبناء الجملة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 الهمز بين التحقيق والتخفيف : أول ما يلفت النظر في لهجة الحجاز من الناحية الصوتية أنها لا تعرف تحقيق الهمز, أي النطق بالهمزة باعتبارها صامتًا, والكتب العربية تتحدت دائمًا عن تحقيق الهمز وتنسبه إلى لهجة تميم, وعن تخفيف الهمز أو نطق الهمزة نطقًا بين بين, وتنسبه إلى لهجة الحجاز. قال سيبويه: "اعلم أن كل همزة مفتوحة كانت قبلها فتحة فإنك تجعلها إذا أردت تخفيفها بين الهمزة والألف الساكنة, وذلك قولك سال في لغة أهل الحجاز إذا لم تحقق كما يحقق بنو تميم"1. وواضح من هذا النص أن تحقيق الهمزة عند بني تميم كان يقابله التخفيف عند أهل الحجاز, ويعبر سيبوبه عن الهمزة المخففة قائلا بأنها تنطق نطقًا يجعلها بين الهمزة والألف   1 الكتاب 2/ 163. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 الساكنة. وإذا حاولنا فهم كلامه على نحو صوتي لاحظنا أن الهمزة, ويعني بها الهمزة المحققة. إنما تنطق نتيجة التقاء تام يحدث إغلاقًا لحظيًّا في أقصى الحنجرة يتبعه انفراج مفاجئ فيصدر هذا الصوت الذي نعرفه بالهمزة. وهذا النطق يختلف اختلافًا أساسيًّا عن نطق الفتحة الطويلة, وهو ما يطلق عليه سيبويه "الألف". فالفتحة الطويلة إحدى الحركات, والحركات تختلف عن الأصوات الساكنة في اتساع مخرجها, وأنه لا يحدث ضيق شديد يسبب عقبة في سبيل تيار الهواء, فظهور العقبة ثم انفراجها من خصائص النطق بالأصوات الصامتة، أما الحركات فيمضي في النطق بها تيار الهواء من الداخل إلى الخارج دون عقبة، والهمزة من الأصوات الصامتة, ولكن الحركة الطويلة التي تكتب في الخط العربي بالألف ليست من الأصوات الصامتة. ويبدو أن تخفيف الهمزة كان يعني عند سيبويه أن الالتقاء الذي يحدث إغلاقًا لحظيًّا في أقصى الحنجرة لم يحدث, وأن الهواء المندفع إلى الحنجرة كان يمضي من دون أن يعترضه هذا الإغلاق الحنجري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 الإمالة : من الظواهر التي ذكرها سيبويه ظاهرة الإمالة. والإمالة إحدى الظواهر الخاصة بنطق الفتحة الطويلة نطقًا يجعلها بين الفتحة الصريحة والكسرة الصريحة، يقول سيبويه في هذا: "الألف تمال إذا كان بعدها حرف مكسور، وذلك قولك: عابد، وعالم، ومساجد. ومفاتيح ... إنما أمالوها للكسرة التي بعدها، أرادوا أن يقربوها منها وجمع هذا لا يميله أهل الحجاز"1. ويتضح من هذا النص أن الإمالة ظاهرة من ظواهر المماثلة، وتعني المماثلة   1 الكتاب 2/ 259. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 أن صوتًا من الأصوات في كلمة أو ما يشبه الكلمة أثر في صوت آخر في نفس الكلمة فجعل نطقه قريبًا من نطقه، أي جعل نطقه مماثلا لنطقه. وفي شرح سيبويه لهذه الظاهرة تعليل بأن إمالة الفتحة الطويلة إنما حدث نتيجة لقربها من الكسرة، فيتحدث سيبويه عن الألف ونتحدث نحن عن الفتحة الطويلة، ويعتبر سيبويه الألف غير الممالة أصلا والممالة فرعًا، ونتحدث -نحن- عن نطق الألف الطويلة بصورة ما تجعلها قريبة -نطقًا- من الكسرة التي تلي اللام والباء. وهذا يعني أن الفتحة الطويلة الممالة إنما تأتي في محيط صوتي بعينه دون غيره، ومن هنا فنحن نتحدث عن صورة صوتية لا عن وحدة صوتية. فالفتحة الطويلة في تلك اللهجات لها صورتان: صورة بلا إمالة، وصورة بالإمالة، وكلتاهما وحدة صوتية واحدة، وكانت لهجة الحجاز القديمة لا تعرف الإمالة. بقي أن نشير إلى المثال الأخير الذي ذكره سيبويه وهو "مفاتيح"، فالإمالة هنا في تفسير سيبويه أثر للكسرة، وكأنه تصور -في كلمة مفاتيح- الكسرة شيئًا والياء شيئًا آخر، فالواقع أن نظرة النحويين العرب للخط جعلتهم يتصورون أن ما نطلق عليه كسرة طويلة هو كسرة ثم ياء ساكنة، ولهذا لم يلاحظ سيبويه أن الإمالة حدثت كأثر لمد الياء "الكسرة الطويلة" وكفاه أن وجد الكسرة هنا وهناك، والصحيح أن الإمالة حدثت كأثر للكسرة الطويلة. هذا وقد علل سيبويه ظاهرة الإمالة بالتماس الخفة، وهذا الرأي هو التفسير السائد في علم اللغة إلى عهد قريب، فكان كل تطور يفسر بعامل السهولة في كثير من اللغات. ولنحاول المضي قليلا مع سيبويه وهو يتحدث عن الإمالة. يقول سيبويه: "هذا باب ما يمتنع من الإمالة من الألفات ... فالحروف التي تمنعها الإمالة هذه السبعة: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والغين، والقاف، والخاء. إذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 كان حرف منها قبل الألف تليه، ذاك قولك: قاعد، غائب، خامد، صاعد، طائف، وضامن، وظالم، إنما منعت هذه الحروف الإمالة لأنها حروف مستعلية إلى الحنك الأعلى، والألف إذا خرجت من موضعها استعلت إلى الحنك الأعلى فلما كانت مع هذه الحروف المستعلية غلبت عليها كما غلبت الكسرة عليها في مساجد ... ولا نعلم أحد يميل هذه الألف إلا من لا يؤخذ بلغته"1. وهذا النص واضح في أن الإمالة صورة لنطق الفتحة الطويلة أن نطقها يتأثر بالمحيط الصوتي، فهي ممالة على مقربة من الكسرة أو الكسرة الطويلة، وهي غير ممالة على مقربة من مجموعات من الأصوات. إذا نظرنا إلى تلك الأصوات التي ذكرها سيبويه مانعة للإمالة لاحظنا فيها وجود كل أصوات الإطباق، وهي: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والقاف، كما نجد من أصوات الحلق: الغين والخاء. يبدو أن اللهجات التي كانت تميل مع الكسرة والكسرة الطويلة كانت تنطق الفتحة الطويلة بلا إمالة إذا كانت تميل مع الكسرة والكسرة الطويلة كانت تنطق الفتحة الطويلة بلا إمالة إذا كانت قريبة من أصوات الإطباق أو الحلق. وهذا يؤكد ما ذكرناه من أن تلك اللهجات عرفت صورتين لنطق الفتحة الطويلة، كل واحدة منها تظهر في محيط صوتي بعينه. والعبارة الأخيرة في نص سيبويه السابق تشير إلى موقف اللغويين من بعض اللهجات فهو لم يسجل إلا بعض اللهجات، ورفض الأخذ عن البعض الآخر، ويبدو أن بعض اللهجات التي رفض سيبويه الأخذ عنها كانت تعرف الإمالة بصورة أكثر ولكن إلى أي حد؟ هذا ما لم نستطع أن نعرفه، فهذه من لغة من لا يؤخذ بلغته، ولذا لم يجد سيبويه نفسه مطالبًا بتسجيلها ودراستها.   1 الكتاب 2/ 264. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 الاتباع = التوافق الحركي مما سجله سيبويه في كتابه ظاهرة أطلق عليها "الاتباع"، ويطلق عليها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 عند اللغويين المحدثين اسم Vowel Harmony أي التوافق الحركي. وهذه الظاهرة تدخل أيضًا في باب المماثلة، وهي هنا مماثلة حركة لحركة أخرى مماثلة تامة، فنحن نقول في العربية الفصحى: منه، فوقه، تحته، فنجعل الحركة التالية للهاء ضمة، ولكنا نقول: به، عليه، فيه، فنجعل الحركة التالية للهاء كسرة، والضمير هو الضمير، فلماذا حدث هذا الاختلاف؟ ولنقرأ الفصل الذي عنونه سيبويه بقوله: هذا ما تكسر فيه الهاء التي هي علامة الإضمار: "اعلم أن أصلها الضم وبعدها الواو، لأنها في الكلام كله هكذا، إلا أن تدركها هذه العلة التي أذكرها لك. وليس يمنعهم ما أذكره لك أيضًا من أن يخرجوها على الأصل، فالهاء تكسر إذا كان قبلها ياء أو كسرة.. فكما أمالوا الألف في مواضع استخفافًا، كذلك كسروا هذه الهاء.. فالكسرة هنا كالإمالة في الألف لكسرة ما قبلها وما بعدها نحو كلاب وعابد، وذلك قولك: مررت بهِي وَلَدَيْهِي مال ومررت بِدَارِهِي ... وأهل الحجاز يقولون مررت بِهُو قبل، وَلَدَيْهُو مال، ويقرءون "فخسفنا بِهُو وبِدارِهُو الأرض". فإذا لحقت الهاء الميم في علامة الجمع كسرتها كراهية الضمة بعد الكسرة، ألا ترى أنهما لا يلزمان حرفًا أبدًا. فإذا كسرت الميم قلبت 1. وهذا النص مهم، فسيبويه اعتبر الأصل في ضمير الغائب أن تعقبه ضمة طويلة، وهو يتحدث دائمًا عن الواو في هذا الصدد كما لو كان الضمير مكونًا من هاء تليها واو. وقد حدد سيبويه المواضع التي كسرت فيها هذه الهاء فالهاء تكسر إذا كان قبلها ياء أو كسرة، فهذه الظاهرة إذن من ظواهر المماثلة، ولكنها مماثلة حركة لحركة. عندما نتحدث عن "فيه" فالحركة التي بعد الفاء كسرة طويلة أتت بكسرة بعد الهاء. عندما نناقش كلمة "عليه" فالصوت المزدوج "ay" جعل الضمة كسرة، وهذا أيضا ضرب من التوافق الحركي.   1 الكتاب 2/ 293. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 ويبدو أن التوافق الحركي كان يميز بعض اللهجات عن البعض الآخر. فبعض اللهجات كان يعرف التوافق الحركي على هذا النحو الذي تعرفه العربية الفصحى. ولكن لهجة الحجاز كانت بعيدة عنه كل البعد كما نرى في نص سيبويه عن التوافق الحركي بعدها عن الإمالة. فالحجازيون كانوا لا يقولون "بِهِ" بكسر الهاء، بل قالوا "بِهُ" بضمها، أو كما كتب في كتاب سيبويه "بِهُو" وكانوا يقولون "لديهو" بواو مسبوقة بضمة. ولم يقتصر الأمر على هذا، بل إن قراءاتهم للقرآن الكريم كانت تعكس لهجتهم المحلية التي لا تعرف التوافق الحركي، فبينما كان غيرهم يقرأ: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ} بكسرة بعد الهاء كان الحجازيون يستخدمون الضم دون أن يستشعروا حاجة إلى التوافق الحركي. ويبدو أن التوافق الحركي كان من خصائص لهجة تميم، وهو ما نجده في الفصحى بينما كانت لهجة الحجاز بعيدة عن التوافق الحركي. ولكن بعض اللهجات مضت في التوافق الحركي شوطًا أبعد مما تعرفه اللغة الفصحى. يقول سيبويه: "واعلم أن قومًا من ربيعة يقولون: مِنْهِمِ، بكسر الميم والهاء والميم أتبعوها الكسرة، ولم يكن المسكن حاجزا عندهم. وهذه لغة رديئة، إذا فصلت بين الهاء والكسرة فالزم الأصل"1. فلهجة ربيعة كانت تستخدم صيغة، مِنْهِمِ، بكسر الهاء والميم، بينما لا تعرف الفصحى اليوم إلا ضم الهاء وضم الميم، وهو ما قرره سيبويه أيضًا، فلهجة ربيعة تمثل طورًا أبعد من الفصحى في التوافق الحركي. فالكسرة بعد الميم في: مِنْهِمِ، جعلت حركتي الضمير كسرتين رغم البعد. وهنا يظهر سيبويه الذي يريد أن يشرع للحياة اللغوية فيقول وهذه لغة رديئة. لاحظ سيبويه أيضا وجود التوافق الحركي في بعض أبنية الأسماء، يقول سيبويه: وفي: فَعِيل، لغتان، فَعِيل، وفِعِيل. إذا كان الثاني من الحروف الستة   1 الكتاب 2/ 294. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 "حروف الحلق" مطرد ذلك فيهما لا ينكسر في فعيل ولا فعل. وإذا كان كذلك في فعيل أو فعل كسرت الفاء في لغة تميم وذلك قولك لئيم "بكسر اللام" وشهيد وسعيد ونحيف ورغيف وبخيل، وشهد "بكسر الشين والهاء ولعب وضحك .... أما أهل الحجاز فيجرون جميع هذا على القياس"1. وهذا النص على صعوبته في الصياغة واضح المضمون، فالكتب العربية تقدم لنا فعيل "بفتح الفاء" وفعيل "بكسر الفاء" لعدد كبير من المفردات. والصيغة الأخيرة تمثل صورة من صور التوافق الحركي، فالكسرة الطويلة بعد العين جلبت كسرة سابقة على العين عند من يعرفون التوافق الحركي، ومن ثم فهم يقولون: فعيل، وهذا خاص بلهجة تميم. أما لهجة الحجاز التي لا تعرف الإمالة أو التوافق الحركي فتقدم لنا صيغة فعيل بفتح الفاء. وشبيه بهذا وزن فعل عند الحجازيين مثل شهد لعب ضحك، يقابل هذا الوزن في لهجة تميم كسر الفاء وكسر العين. وهنا تتفق اللغة الفصحى كما نعرفها اليوم مع لهجة الحجاز، ومن الجدير بالبحث أن ننظر إلى المعجم العربي المتوارث في ضوء هذه الاختلافات.   1 الكتاب 2/ 255. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 كسر أحرف المضارعة : كانت كل اللهجات التي اعترف سيبويه بصحة أخذ اللغات عنها تكسر حروف المضارعة على عكس ما نعرفه في العربية الفصحى اليوم. وكان أهل الحجاز هم من لم يعرفوا كسر حروف المضارعة. قال سيبويه: "هذا باب ما تكسر فيه أوائل الأفعال المضارعة للأسماء كما كسرت ثاني الحروف حين قلت فعل وذلك في لغة جميع العرب إلا أهل الحجاز وذلك قولهم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 أنت تعلم ذلك "بكسر التاء" وأنا إعلم "بكسر الهمزة" وهي تعلم "بكسر التاء" ونحن نعلم "بكسر النون" ..... وكذلك كل شيء من بنات الواو والياء التي الياء والواو فيهن لام أو عين والمضاعف، وذلك قولك: شقيت فأنت تِشقى "بكسر التاء" وخشيت فأنا إخشى "بكسر الهمزة" وخلنا فنحن نخال "بكسر النون" .... وجميع ذلك مفتوح في لغة أهل الحجاز وهو الأصل"1. وواضح من الأمثلة التي ذكرها سيبويه أن كسر حرف المضارعة كان مطردًا في الفعل الثلاثي في كل اللهجات إلا لهجة الحجاز، وأن الفعل الناقص أو الأجوف ذا الواو أو الياء كان يعرف كسر حرف المضارعة أيضًا. ولهجة الحجاز أقرب في هذا الجانب إلى العربية الفصحى.   1 الكتاب 2/ 256. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 مطابقة الفعل والفاعل : من أهم الظواهر اللهجية التي سجلها سيبويه وألقت الضوء على بناء الجملة ظاهرة تطابق الفعل الماضي المقدم مع فاعله في التثنية والجمع. من المعروف في كتب النحو العربي أن الفعل الذي تلاه فاعله يأتي بصيغة واحدة قبل الفاعل المفرد والمثنى والجمع، وهذه الصيغة هي صيغة المفرد الغائب، مثل: قال رجل، قال رجلان، قال الرجال. قال نسوة، أما المطابقة الكاملة في العدد والجنسين بين الفاعل والفعل فتنسب في كتب النحو العربي إلى بعض اللهجات، ذكر البعض أن المطابقة الكاملة من خصائص لهجة طيئ. وأطلقوا على هذه الخاصية اسم "لغة أكلوني البراغيث". قال سيبويه: "اعلم أن من العرب من يقول: ضربوني قومك، ضرباني أخواك فشبهوا هذا بالتاء التي يظهروها في قالت فلانة"1، فهذه الظاهرة إذن مثلما   1 الكتاب 1/ 237. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 نجد في بعض اللهجات العربية الحديثة. ولم تكن هذه الظاهرة مقصورة على الحديث اليومي عند طيئ. فالواقع أن هذه الظاهرة وجدت في بعض اللهجات القديمة، وفي أبيات من الشعر الجاهلي والإسلامي، وهي مطردة في اللهجات العربية الحديثة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 ما الحجازية : اختلفت اللهجات القديمة في الحالة الإعرابية للاسم الثاني بعد "ما" النافية، فلهجة الحجاز تجعل اسم الثاني بعد "ما" وهو خبرها منصوبًا، أما لهجة تميم فتستخدم هذا الاسم مرفوعًا. قال سيبويه: "هذا باب ما أجرى مجرى ليس في بعض المواضع بلغة أهل الحجاز، ثم يصير إلى أصله. وذلك الحرف هو ما، نقول: ما عبد الله أخاك، ما زيد منطلقًا. وأما بنو تميم فيجرونها مجرى أما وهل، وهو القياس لأنه بفعل كليس، ولا يكون فيه إضمار. وأما أهل الحجاز فيشبهونها بليس، إذ كان معناها كمعناها .... ومثل ذلك قوله عز وجل: {مَا هَذَا بَشَرًا} في لغة أهل الحجاز، وبنو تميم يرفعونها إلا من عرف كيف هي في المصحف"1. وبجانب الآية التي ذكرها سيبويه نجد هذه الظاهرة في آية أخرى هي: {مَا هُنَّ أُمَهَاتِهِم} قرأها الحجازيون بكسر التاء وذلك باعتبار خبرها منصوبًا. أما التميميون فكانوا يرفعون عملا برفع الخبر بعد ما. وهكذا نلاحظ أن لهجة الحجاز تتفق مع العربية الفصحى التي نعرفها مطردة في الشعر الجاهلي والقرآن في ظواهر، وتختلف معها في ظواهر أخرى، كما أن لهجة تميم لا تمثل العربية الفصحى في كل مظاهرها.   1 الكتاب 1/ 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 3- قضية الاستخدام اللغوي للفصحى واللهجات : تثبت كتب اللغة والنحو وجود اختلافات في اللهجات التي سادت شمال الجزيرة العربية ووسطها في فجر الإسلام والقرنين الأول والثاني للهجرة وتختلف العربية الفصحى كما نعرفها في الشعر الجاهلي اختلافات بعينها عن كل لهجة من اللهجات العربية القديمة، حتى إنه من الصعب اعتبار العربية الفصحى امتدادًا مباشرًا لإحدى هذه اللهجات فالثابت أنها كانت لغة الشعر. وقد أثار بعض الباحثين منذ أواخر القرن التاسع عشر قضية لغة الحديث اليومي في جزيرة العرب في هذه الفترة، تسائل البعض هل كانت اللغة الفصحى لغة الشعر فقط أم أنها كانت أيضًا لغة التعامل في الأمور غير اليومية ولغة التعامل بين القبائل. وارتبط بهذا التساؤل تساؤل آخر حول اللغة التي كان الرسول يستخدمها في قراءته للقرآن، هل كان يقرأ القرآن بلهجة الحجاز، أم وفق الخصائص الصوتية للغة الفصحى أي لغة الشعر الجاهلي. كان المتعارف عليه عند اللغويين العرب قديمًا واللغويين المحدثين حتى أواخر القرن التاسع عشر أن لغة الشعر الجاهلي ولغة القرآن الكريم تمثلان العربية الفصحى1 والمقصود بهذا أن هذه اللغة لم تكن مجرد لغة أدبية، بل كانت أيضًا لغة التعامل الراقي ولغة التعامل بين أبناء القبائل المختلفة. وقد أثار فولرز وهو متخصص ألماني في اللغة العربية كثيرًا من الشكوك حول كون هذه اللغة قد استخدمت في الحديث اليومي أو في التعامل الشفوي في الفترة التي ألف فيها الشعر الجاهلي. ولذا رفض فولرز تسمية هذه اللغة باسم: "العربية الفصحى"، واقترح تسميتها باسم اللغة "المكتوبة الأقدم"2. وبهذا عد فولرز المعايير المتعارف   1 وصف نولدكه اللغة الفصحى كما جاءت إلينا في الشعر الجاهلي والقرآن بأنها هي العربية الكلاسيكية أي العربية الفصحى، ولذا أطلق نولدكه على أحد كتبه اسم: Th. Noldeke, Zur Grammatik des Klassischen Arabisch 1896. 2 أطلق فولرز على لغة الشعر الجاهلي: alteste schriftsprache وانظر تفاصيل رأي فولرز في: K. Vollers, Volkssprache und Schriftsprache im alten Arabien Strassburg 1906. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 عليها حول العربية الفصحى والتي سجلتها الأمثلة الواردة في كتب النحو شيئًا مصنوعًا أقامه النحاة ودعوا إليه. ومعنى هذا في رأي فولرز. أن لغة الحديث اليومي في عصر تأليف الشعر الجاهلي وفي صدر الإسلام كانت تخلو من عدد كبير من السمات التي تنسب للعربية الفصحى، ومنها مثلا الإعراب. فيرى فولرز أن اللغويين العرب صنعوا ظاهرة الإعراب، ولم يكن لها وجود حقيقي من قبل. أما القرآن الكريم فرأى فولرز اعتمادًا على المصاحف المخالفة للمصحف المتداول، واعتمادًا على بعض القراءات - أنه كان يقرأ في صدر الإسلام على نحو محلي، أي وفق العادات الصوتية لأهل الحجاز في مكة والمدينة، أما قراءته وفق معايير اللغة الفصحى فقد كان عملا متأخرًا، هذه خلاصة رأي فولرز. ويقوم هذا الرأي على بعض المعلومات التي جاءت بها كتب اللغة والنحو وكتب الطبقات، مع تجاهل البعض الآخر. فاللغويون العرب في القرن الثاني الهجري لم يعتمدوا على الشعر والقرآن فقط، بل اعتمدوا أيضًا على لغة الإعراب الفصحاء. وكان الإعراب من أهم السمات التي لاحظها اللغويون العرب عند رواتهم، واعترفوا بصحة لغة مجموعة من القبائل، فعدوا أبناءها حجة في قضايا اللغة، ولو كانت لغة الحديث اليومي عند هذه القبائل تخلو من الإعراب في الشعر والقرآن الكريم على هذا النحو المطرد وفي قراءة القرآن الكريم على نحو يجعلنا نقتنع بأنه ليس من عمل النحاة بل هو انعكاس للواقع اللغوي الحي وأغلب الظن أن اللغة الفصحى كانت مستخدمة في الأغراض الفنية وفي التعامل الرفيع بين أصحاب المكانة في القبائل وفي التعامل بين أبناء القبائل المختلفة. فإذا كانت لغة الشعر الجاهلي لا تختلف باختلاف القبائل، بل يقتصر الاختلاف على الاستخدام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 اللغوي من شاعر لآخر في إطار المستوى اللغوي الواحد فإن الطبيعي أن يكون ترتيل القرآن بهذه اللغة الفصحى التي يحترمها ويتعامل بها أبناء القبائل المختلفة في الأمور الجادة. وإذا كان القرآن ينص على أنه "بلسان عربي مبين" فمن غير المتوقع أن يكون بعد هذا ذا لون محلي والأقرب إلى طبيعة الأمور أن تكون قراءة القرآن وأن يكون الاستخدام اللغوي في القرآن مطابقًا بصفة عامة للمتعارف عليه في اللغة الفصحى آنذاك. لقد عرفت اللهجات القديمة مجموعة من الظواهر المغرقة في المحلية مثل الكشكشة والكسكسة والعجعجة. إلخ. والمقصود بالكشكشة إبدال الشين من كان الخطاب المؤنثة فبدلا من "عليك" يكون نطق هذه الكلمة في اللهجات التي تعرف الكشكشة "عليش"، وبالمثل "منش" و "بش". وهنكا أشكال للكشكشة لا تزال مسموعة في اللهجات البدوية الحالية. وقريب من الكشكشة ظاهرة الكسكسة وهي استخدام السين مع ضمير المؤنث بديلا للكاف أو ملحقة بالكاف، فبدلا من: "رأيتك" تكون الصيغة عند بعض القبائل "رأيتكس"، وبدلا من "أخوك" تنطق بعض القبائل "أخوس". أما العجعجة فهي ثمرة اختلاط نطق الجيم مع نطق الياء فبدلا من "تميمي" كانت بعض القبائل تقول "تميمج"1. فهذه الظواهر الصوتية المحلية كانت مما أثار انتباه اللغويين العرب. ولكن الشواهد التي جاءوا بها لبيان هذه الخصائص شواهد شعرية محدودة العدد تتكرر في كل الكتب، وكأنها انعكاس خافت للهجات المحلية. وبغض النظر عن هذه الظواهر المحدودة الأثر في الشعر الجاهلي فإن لغته لا تختلف باختلاف القبائل، ويبدو أن اللغة الفصحى وفق ما تعارف عليه القوم آنذاك كان ينبغي لها أن تخلو من مثل الظواهر المحلية. ولذا كان من الطبيعي أن يحاول المسلمون في صدر الإسلام تجنب استخدام هذه   1 انظر "الصاحبي في فقه اللغة" لابن فارس ص52-54. وكذلك: السيوطي: المزهر 1/ 221–222. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 السمات المغرقة في المحلية في قراءتهم للقرآن الكريم، وأن يكون المثل اللغوي المنشود في لغة القرآن الكريم بعيدًا عن المحلية في الخصائص اللغوية بمثل ما هو بعيد عن المحلية في المضمون الفكري. ولذا فليس من الممكن تصور أن لغة القرآن الكريم تعكس لهجة الحجاز وأية لهجة أخرى، بل الأقرب إلى واقع الأمر أن يكون بتلك اللغة الفصيحة المحترمة من الجميع. لقد شك فولرز في كون اللغة المنطوقة في فجر الإسلام ذات نظام إعرابي واضح المعالم، وظنها تخلو من النهايات الإعرابية. وقد ورد نولدكه على فولرز بمجموعة من الأدلة اللغوية مثبتًا عدم صحة ما قال به فولرز1. فعلامات الإعراب رفعًا ونصبًا وجرًّا مطردة في اللغة الأكاديمة على نحو اطرادها في لغة الشعر الجاهلي والقرآن الكريم ولغة القبائل التي أخذت عنها شواهد كتب النحو. والصحيح أن العربية ورثتها كما ورثتها الأكادية عن اللغة السامية الأولى. وقد بقيت من علامات الإعراب في اللغة الحبشية علامة النصب، وهي تطابق تمام المطابقة علامة النصب في العربية فما جاء عند النحاة العرب يعد تسجيلا لواقع يفسره ما جاء في النقوش الأكادية والنصوص الحبشية. وإذا كانت ثمة شك في الحركات النهائية للفعل الماضي، فهو ينتهي مثلا بالفتحة في "كتب" بينما ينتهي دون هذه الفتحة في اللهجات العربية، فإن العربية الفصحى كانت تعرف نهاية هذه الصيغة بالفتحة كما تعرفها اللغة الأمهرية إلى اليوم. لقد أثبت "نولدكه" أن الشك في النهايات الإعرابية للأسماء أو الحركات النهائية للأفعال لا يقوم على دليل، وأثبت بمقارنة العربية بالأكادية بالحبشية من هذا الجانب أن هذه النهايات لا يمكن أن تكون من صنع النحاة، بل كان جهد النحاة تسجيلا لها كما وجدوها في الشعر الجاهلي والإسلامي وفي القرآن الكريم وعند القبائل المعترف بفصاحتها.   1 انظر: رد "نولدكه" على فولرز في المقال التالي: Das Kiassische Arabisch und die arabischen Dialekte, in: Beitrage zur semitischen Sperachwissenschaft, 1910 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 الفصل الثالث عشر: العربية في المشرق الأسيوي مدخل ... الفصل الثالث عشر: العربية في المشرق الأسيوي اتسعت رقعة اللغة العربية بعد تكوين الدولة الإسلامية اتساعًا كبيرًا، فمع الفتوح الإسلامية بدأت الهجرات العربية إلى المناطق المفتوحة، ومع ازدياد الهجرات بدأ استخدام اللغة العربية في هذه المناطق، ومهد هذا لانتشار العربية في هذه الأقاليم مما أدى إلى تغير الحدود الجغرافية للمنطقة اللغوية العربية تغيرًا حاسمًا. ولذا تعد دراسة موجات انتشار العرب في المناطق المفتوحة أساسًا ضروريًّا لفهم موجات انتشار اللغة العربية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 1- موجات التعريب في المشرق : خرجت بطون كثيرة من القبائل العربية في السنوات التالية للفتح الإسلامي إلى مناطق مختلفة من الشام والعراق وإيران لقد كانت جماعات عربية تعيش في بادية الشام وبادية العراق قبل الفتح الإسلامي، ولكن دخول هذه المناطق وغيرها في إطار الدول الإسلامية جعل هذه القبائل وغيرها تتوغل وتستقر في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 مناطق لم تكن مجالا لها من قبل. لقد هاجرت هذه القبائل واستقرت في الأمصار المفتوحة داخل معسكرات، ثم أدى اختلاط هؤلاء العرب الوافدين مع السكان الأصليين في هذه المناطق إلى تعريف العراق والشام شيئًا فشيئًا كانت اللهجات الآرامية المختلفة تسود الحياة اللغوية في هذه المناطق، وهي لهجات قريبة من الجوانب الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية من اللغة العربية، فالآرامية لغة سامية مثل العربية، ولذا لم يكن التحول من الآرامية إلى العربية أمرًا صعبًا. وليس معنى هذا أن التحول اللغوي تم دون صعوبات، بل لا تزال هذه الصعوبات النسبية واضحة في التأثيرات الآرامية في اللهجات العربية في هذه المناطق. لقد سهل عليهم أن يتحولوا من الآرامية إلى العربية، ولكن عربيتهم تأثرت بالآرامية فاختلفت عن عربية البدو في الجزيرة العربية. ولكن درجة التعريب في الشام والعراق اختلفت من منطقة لأخرى ومن جماعة بشرية لأخرى فالمناطق السهلية تعربت على نحو أسرع من تعريب المناطق الجبلية، ولا تزال المناطق الجبلية في شمال العراق وفي بعض أنحاء منطقة الشام تضم جماعات لغوية احتفظت بلغتها القديمة منذ الفترة السابقة على الفتح الإسلامي، فالأقليات الآرامية في هذه المناطق تعيش في مناطق جبلية وعرة، وكأن صعوبة الاتصال بهذه المناطق قد حال دون تعريبها. فلم تصل الهجرات العربية إلى هذه المناطق الوعرة، وبذلك ظلت بعيدة عن تأثيرات التعريب وقتًا طويلًا، ولا يزال بعضها محتفظًا بلغته القديمة إلى اليوم. ولم تقتصر الهجرات في المشرق على الشام والعراق، بل امتدت أيضًا إلى أنحاء الدول الفارسية التي دخلت في إطار الدول الإسلامية المنتصرة. فإذا كانت المصادر تشير إلى وجود جماعات عربية على الساحل الإيراني للخليج منذ العصر الجاهلي فإن عدد هذه الجماعات العربية زاد في صدر الإسلام بإطراد الهجرات زيادة ملحوظة. فقد هاجرت قبائل من عبد القيس كانت تقيم في منطقة ساحل عمان إلى إيران عن طريق الخليج، استقرت بعض هذه القبائل على الساحل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 وتوغلت بعضها في الداخل، وظلوا هناك متميزين لغويًّا عدة قرون حتى العصر المغولي1. ودخلت موجات عربية أخرى إلى إيران عن طريق العراق. وقد تكونت جاليات عربية كبيرة في القرن الثاني الهجري في مناطق مختلفة من إيران. فقد كانت هناك جماعات عربية كثيرة العدد في كاشان وهمذان وأصفهان. بل وكان العنصر العربي سائدًا في منطقة "قم" ولكن أكبر تجمع عربي دخل إلى هذه المناطق استقر في منطقة خراسان، ففي منتصف القرن الأول الهجري هاجر عدة آلاف البصرة إلى خراسان، وعدة آلاف من الكوفة إلى خراسان أيضًا. وتتابعت الهجرات، وزادت نسبة العرب في خراسان، وما نكاد نصل إلى أوائل القرن الثاني الهجري حتى نجد عدد العرب في خراسان يقدر بمائتي ألف2. لم يعش العرب في خراسان في المدن فحسب، بل عاش بعضهم في الريف الإيراني أيضًا، واختلطوا بصورة متزايدة مع السكان الأصليين. لقد كان العرب المهاجرون إلى هذه المناطق منتمين إلى قبائل مختلفة، ففيهم عرب من بكر ومن تميم ومن عبد القيس ومن الأزد3، ولكن استقرار هؤلاء العرب في الريف الإيراني واختلاطهم المتزايد مع أبناء اللغات واللهجات الإيرانية خلق في هذه المناطق ظاهرتين متوازيتين عدة قرون، فقد تعلم كثير من   1 حول العرب وهجراتهم إلى إيران انظر: A, Christensen, L'Iran sous les sassanides, pp. 87- 126. Spuler, Die, Mongolen in Iran, Leipzig 1955, 142- 49 وكذلك المصادر المذكورة في مادة "Arab" في الطبعة الانجليزية الثانية من Encyclopeadia of Islam, 2 انظر تاريخ الطبري 2/ 1929. وفي عهد قتيبة بن مسلم كان العرب في خراسان على نحو ما وصف البلاذري: "وبخراسان يومئذ من مقاتلة أهل البصرة أربعون ألفًا ومن أهل الكوفة سبعة آلاف ومن الموالي سبعة آلاف"، فتوح البلدان 596. 3 فتوح البلدان 584، 405 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 الإيرانيين اللغة العربية كما تعلم كثير من العرب لغة هؤلاء الإيرانيين. وقد كان أكثر العرب في جيش أبي مسلم الخراساني يتحدثون الفارسية. وزادت درجة انتشار الفارسية بين هؤلاء العرب بزيادة ارتباطهم بالمناطق التي عاشوا فيها وانفصالهم عن الارتباط القبلي بجزيرة العرب. لقد كانت هناك قبائل عربية في القرن الرابع الهجري في إيران، ولكن هذه القبائل ذابت شيئًا فشيئًا وأصبح أبناؤها من أبناء اللغة الفارسية، وما أن أصبحت اللغة الفارسية اللغة الرسمية في البلاد حتى قل تمسك هؤلاء العرب باللغة العربية، وبذلك لم يؤد تيار الهجرة العربية إلى إيران إلى النتيجة التي أحدثها تيار الهجرة العربية إلى الشام والعراق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 2- العربية في العصر الأموي : وكان العرب يمثلون في ظل الحكم الأموي طبقة أرستقراطية مترفة، وهذه الطبقة تعتمد على أمرين يربطان أفرادها، أولهما: الأصل البدوي، والثاني: القدرة على التحدث بالعربية كأحد أبناء البادية. وفي ظل هذا المجتمع كانت الطبقات الدنيا والوسطى لا تزال مرتبطة إنْ قليلًا أو كثيرًا باللغات التي سادت المنطقة قبل الفتح الإسلامي، كانت القبطية لغة الطبقات الدنيا في المجتمع المصري وكانت اللهجات الآرامية تسود لدى معظم سكان الشام وبعض مناطق العراق، وكان المغرب العربي يستخدم عددًا من اللهجات البربرية. وفي شرق الدولة الإسلامية أي في أقاليم إيران والمناطق التي بعدها كانت لغات الحديث مجموعة من اللهجات الإيرانية. وفوق هذا وذاك فقد كانت العربية الجنوبية وهي لغة تختلف اختلافًا كبيرًا عن العربية الشمالية لا تزال سائدة في مناطق شاسعة في جنوب جزيرة العرب. ولذا فقد كان التحدث بالعربية دليلا على التفوق الاجتماعي، بينما كان استخدام اللغات أو اللهجات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 الأخرى دليلًا على الضعة الاجتماعية1. في ظل هذه الظروف كان من الطبيعي أن يحرص سادة المجتمع على تنشئة أبنائهم في بيئة عربية بدوية حتى يستقيم لهم الانتظام في الطبقة الحاكمة وحتى يتضح تميزهم عن الطبقات الدنيا. والكتب العربية حافلة بروايات تروى لنا أن سادة المجتمع وأمراء البيت الأموي كانوا ينظرون نظرة فزع إلى أي خطأ لغوي يقع فيه أبناؤهم، وكانوا يحرصون كل الحرص على أن يستخدم أبناؤهم اللغة العربية وينطقون بها على النحو الذي يعرفه البدو الذين لم تفسد لغتهم بالاختلاط بالأعاجم2. وأهم ما يلاحظ في تاريخ اللغة العربية ابتداء من الثلث الأخير من القرن الأول الهجري أنها أصبحت ذات مكانة مرموقة وطيدة في الدولة الإسلامية، وذلك لعدة أسباب أهمها أن: 1- العربية أصبحت اللغة الرسمية للدولة الإسلامية، فقد عربت الدواوين حوالي سنة 87هـ/ 705م. 2- العربية كانت لغة الطبقات الحاكمة في المجتمع واستخدام الفصحى دليل على الرقي وعلى المكانة الاجتماعية. 3- العربية المولدة أي التي بها أخطاء كانت لغات الطبقات الدنيا في المجتمع. 4- العربية الفصحى ظلت لغة الشعر الذي تعتز به الطبقات العليا من المجتمع.   1 حكى البلاذري: لما قدم "الوالي" أمر كاتبه بقراءة عهده، وكان لحانًا، فقال سعيد "=الوالي" أيها الناس: إن الأمير بريء مما تسمعون من هذا اللحن"، فتوح البلدان 601. 2 انظر المواضع المذكورة في كتاب "العربية" ليوهان فك 26-27. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 5- العربية هي لغة الدين ولغة القرآن الكريم ولغة العبادات1. كان تعلم العربية هو أساس العمل في الدواوين وأقبل كثير من غير العرب على هذه الأعمال بعد تعلمهم للعربية وإجادتهم للكتابة بها، مما دفع أقرانهم إلى محاكاتهم، وكان ينظر طوال العصر الأموي إلى إجادة النطق بالعربية على أنها صفة من صفات الأرستقراطية العربية. ولذا كان سادة البيت الأموي يرسلون أبناءهم إلى البادية لينشئوا في جو عربي بدوي وحتى يدرجوا على استخدام العربية على النحو الذي كان معروفًا عند البدو. وكان سادة البيت الأموي يفزعون أشد الفزع عند ملاحظاتهم لبعض الأخطاء اللغوية عند الناشئة من أبنائهم فقد كانوا يعتزون بالعربية في صورتها البدوية اعتزازهم بأصلهم البدوي. وأقبل كثير من الأعاجم على العربية لا لمجرد التعبير بها تعبيرًا يفي بمطالب الحياة اليومية بل كي يرتفع في المجتمع. فزياد الأعجم -وهو كما يبدو من اسمه من أصل غير عربي– تعلم العربية لينطلق إلى التأليف في الشعر. وكان ينظم الشعر رغم أن نطقه مشوب بلكنة أجنبية، حتى إن أحد الولاة أهداه غلامًا سليم النطق ليقوم بإلقاء شعره2. وقد كان شعره القديم على النمط القديم حتى إن سيبويه لم يجد غضاضة في الاستشهاد بأبيات من شعره، ويبدو أن ابن قتيبة حين ذكر أن زياد الأعجم كثير اللحن، كان يعني عدم قدرته على التعامل الشفوي بلغة عربية سليمة. حاولت الطبقات غير العربية في المجتمع الإسلامي تعلم اللغة العربية، فالعربية لغة القرآن الكريم ولغة الصلاة. وقد أدى دخول أكثر سكان المناطق المفتوحة في الإسلام إلى ظهور الرغبة لدى هؤلاء لدراسة القرآن الكريم لفهم أحكام الإسلام وللعمل في ضوئها، ولذا كان الاشتغال بنص القرآن الكريم   1 انظر الدراسة الممتازة التي خصصها يوهان فك J.Fuck لهذا الموضوع في كتابه: "العربية دراسات في اللغة والهجات والأساليب" ص50 وما بعدها. 2 الأغاني 14/ 102-103. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 ومحاولة فهمه وتقريبه أول مظهر للبحث العلمي في المجتمع الإسلامي. وقد حدث الانتقال إلى العربية شيئًا فشيئًا، فالتحول اللغوي سواء في لغة الكتابة أم في لغة الحديث لا يحدث في جيل واحد بل يمتد إلى أكثر من جبل وتعتمد سرعة الانتقال أو التحول من لغة إلى أخرى على مجموعة من العوامل منها مدى القرابة بين اللغة القديمة واللغة الوافدة. ومن المعروف أن الانتقال من لغة سامية إلى لغة سامية أخرى أمر سهل ميسور، ولذا، فقد تعربت منطقة الشام والعراق في مرحلة مبكرة نسبيًّا، فقد كانت اللهجات الآرامية المختلفة الكثيرة عددًا والمتقاربة في بنيتها تسود هذه المنطقة. وهذه اللهجات قريبة من العربية في أكثر من جانب، وكان من السهل على المتحدث بالآرامية أن يتعلم العربية بينما لم يكن الانتقال من القبطية أو البربرية إلى العربية سهلا قريب المنال. ولذا تم تعريب مصر في فترة استمرت أطول من الفترة التي عربت فيها سوريا والعراق والجنوب العربي. وينبغي أن نشير إلى أن المناطق الجبلية تستعصي على التحول اللغوي والديني، ولذا فالمناطق غير السهلة في العراق لا تزال تحتفظ بلغات قديمة سبقت العربية في هذه المنطقة، وأكثر سكان هذه القرى غير العربية لم يدخلوا الدين الإسلامي. ويلاحظ أن القرى الآرامية في سوريا مثل المعلولة، وفي العراق مثل القوش تقع في مناطق جبلية وعرة. ويبدو أن تعريب المناطق الجبلية أو النائية في سوريا والعراق امتد وقتًا أطول من زمن تعريب المدن ومناطق السهول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 3- الجاحظ وملاحظاته اللغوية : سجل الجاحظ إعجابه وإعجاب عصره بحديث الأعراب، يقول: "ليس في الأرض كلام هو أمتع، ولا آنق، ولا ألذ في الأسماع، ولا أشد اتصالا بالعقول السليمة، ولا أفتق للسان، ولا أجود تقديمًا للبيان، من طول استماع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 حديث الأعراب الفصحاء العقلاء، والعلماء البلغاء"1. وهذا الكلام يعلن موقفًا عاما في القرن الثاني للهجرة. وقد لاحظ الجاحظ اختلاف لهجات الأمصار الجديدة، وعلل هذا تعليلًا علميًّا سليمًا، فقال بأن الاختلاف يرجع إلى لهجات القبائل الوافدة التي احتك بها واتصل بها السكان الأصليون في تلك المناطق. يقول الجاحظ: "وأهل الأمصار إنما يتكلمون على لغة النازلة فيهم من العرب، ولذلك تجد الاختلاف في ألفاظ أهل الكوفة والبصرة والشام ومصر"2. فسكان البصرة يستخدمون كلمة "قدر" والجمع "قدور" لأن العرب الذين نزلوا البصرة كانوا يستخدمون الكلمتين، بينما يستعمل أهل مكة كلمة "برمة" والجمع "برام"3. وسمى أهل مكة "البيت إذا كان فوق البيت عليَّة" وجمعها "علالِي"، بينما أطلق عليها أهل البصرة: "الغرفة"، والجمع: "الغرفات والغرف" ويستخدم أهل مكة كلمة "الكافور" بينما يتحدث أهل البصرة عن الطلع"4. وفوق هذا وذاك فإن الجاحظ لاحظ انتشار الألفاظ الفارسية في المدينة والبصرة والكوفة. يقول: "ألا ترى أن أهل المدينة لما نزل فيهم أناس من الفرس، في قديم من الدهر علقوا بألفاظ من ألفاظهم. لذلك يسمون البطيخ "الخربز" ويسمون السميط "الرزدق" ويسمون المصوص "المزوز" ويسمون الشطرنج "الأشترنج"5 .... كما يسجل الجاحظ أيضا أن: أهل البصرة إذا التقت أربع طرق يسمونها مربعة، ويسميها أهل الكوفة الجهار سوك والجهارسوك بالفارسية، ويسمون السوق أو السويقة وازار، والوازار بالفارسية، ويسمون القثاء خيارا، والخيار فارسية"6.   1 البيان والتبين: 1/ 145. 2 البيان: 1/ 18. 3 البيان: 1/ 19. 4 البيان: 1/ 19. 5 البيان: 1/ 19. 6 البيان: 1/ 20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 سجل الجاحظ بعض العبارات التي استخدمت في لغة الحديث اليومي بين الجيش العربي الفاتح وبين المتعاونين معه من الأمصار المفتوحة، وهذه العبارات على قلتها تعكس صورة من الحياة اللغوية في ذلك العصر، ورغم أنها ممسوخة إلا أنها طريفة. يحكى الجاحظ أن الحجاج قال لأحد تجار الدواب الخراسانيين الذين كانوا يبيعون الدواب للجيش الإسلامي: الحجاج: أتبيع الدواب المعيبة إلى جند السلطان؟ التاجر: شريكاننا في هوازها، وشريكاننا في مداينها، وكما تيجي تكون. الحجاج: ما تقول ويلك ... فقال بعض من كان قد اعتاد سماع الخطأ .... حتى صار يفهم مثل ذلك يقول: شركاؤنا بالأهواز والمدائن يبعثون إليها بهذه الدواب فنحن نبيعها على وجوهها1. يلاحظ في هذا النص أن الحجاج لم يفهم ما قاله التاجر الخراساني، وهذا أمر لا نستبعده، فمن درج على استخدام اللغة متحدثا وسامعًا وفق نسق معين لا يفهم نفس اللغة إذا استخدمت بطريقة مختلفة عما درج عليه ... اللهم إلا إذا كان لديه مران على فهم هذه اللغة الهجين المختلفة. وإذا نظرنا إلى الجملة التي قالها التاجر نلاحظ أنه استخدم كلمة "شريكاننا" بدلا من "شركاؤنا"، وبذلك لم يعرف المتحدث صيغة الجمع الصحيحة "شركاء"، وهي صيغة جمع تكسير. وجمع التكسير ذو صيغ متعددة في العربية، ولذا كان صعبًا عليه. ولكنه لم يجمع هذه الكلمة على نحو عربي، بل أضاف علامة الجمع في الفارسية "آن"، وبذلك نشأت هذه الصيغة الهجين، كلمة عربية ونهاية جمع فارسية. نلاحظ أيضًا في الجملة التي قالها التاجر استخدام النسبة إلى الأهواز بأن قال: "هوازها" على نحو لم تعرفه العربية، والجملة مختصرة اختصارًا شديدًا لا تكاد تمضي على   1 البيان: 1/ 161–162. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 النسق الذي عرفته لغة الشعر الجاهلي والقرآن الكريم. سجل الجاحظ أيضا عبارة مشابهة، يقول الجاحظ: "وقلت لخادم لي: في أي صناعة أسلموا هذا الغلام؟ قال أصحاب سند نعال. يريد في أصحاب النعال السندية"1. نلاحظ هنا التعبير المركب "سند نعال" بدلا من التعبير العربي النعال السندية أو نعال السند، والعربية لا تعرف هذه التعبيرات المركبة وإنما تعبر عن هذا المعنى بالموصوف والصفة أوالمضاف والمضاف إليه. ولكن بعض اللغات الهندية الأوروبية، والفارسية لغة منها تعرف التعبيرات المركبة. وواضح أن مستخدم التعبير "سند نعال" متأثر بالأساس اللغوي الفارسي. ويلاحظ الجاحظ أن هذه العبارة الغريبة عن الذوق العربي لم تكن سهلة الفهم على من لم يعتد سماع مثل هذا ويمضي الجاحظ فيقول: "ومن لم يفهم هذا لم يفهم قولهم: ذهبت إلى أبو زيد، ورأيت أبي عمرو، ومتى وجد النحويون أعرابيًّا يفهم هذا وأشباهه بهرجوه ولم يسمعوا منه؛ لأن ذلك يدل على طول إقامته في الدار التي تفسد اللغة وتنقص البيان"2. ومن الطريف أن نجد عند الجاحظ ملاحظات قيمة عن أثر الأساس اللغوي في نطق متعلمي العربية من الشعوب المفتوحة. يقول الجاحظ: "وقد يتكلم المغلاق الذي نشأ في سواد الكوفة بالعربية المعروفة، وقد يكون لفظة متخيرًا فاخرًا، ومعناه شريفًا كريمًا، ويعلم مع ذلك السامع من الكلام ومخارج حروفه أنه نبطي. وكذلك إذا تكلم الخراساني على هذه الصفة فإنك تعرف من إعرابه وتخير ألفاظه في مخرج كلامه أنه خراساني، وكذلك إن كان من كتاب الأهواز. ومع هذا فإنا نجد الحاكية من الناس من يحكي ألفاظ سكان اليمن مع مخارج كلامهم لا يغادر من ذلك شيئًا، وكذلك تكون حكايته للخراساني،   1 البيان: 1/ 162. 2 البيان: 1/ 162–1963. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 والأهوازي، والزنجي، والسندي، والأجناس وغير ذلك، نعم حتى تجده كنه أطبع منه"1. وفي موضع آخر يفصل الجاحظ بطريقة أدق ما لوحظ من أثر للأساس اللغوي الأجنبي فيقول: ألا ترى أن السندي إذا جلب كبيرًا فإنه لا يستطيع إلا أن يجعل الجيم زايًا، ولو أقام في عليا تميم، وسفلى قيس، وبين عجز هوزان خمسين عامًا. وكذلك النبطي القح خلاف المغلاق الذي نشأ في بلاد النبط، لأن النبطي القح يجعل الزاي سينًا، فإذا أراد أن يقول زروق قال سورق ويجعل العين همزة"2. وفي مواضع أخرى يسجل الجاحظ أن أبا مسلم الخراساني لم يكن يستطيع النطق بالقاف، فكان يقول بدلا من: قلت كلت، ومن: قمر كمر3، والملاحظ أن القاف من أصوات الإطباق التي لا تعرفها الفارسية، ولذا كانت صعبة النطق على فارسي يتعلم العربية، ويروي الجاحظ أن زيادًا الأعجم كان يجعل السين شينًا4، ويفهم من هذا النص أنه لم يكن يميز بينهما تمييزًا واضحًا وكان زياد الأعجم لا ينطق الطاء كما ينبغي أن يكون، بل يجعلها تاء أي أنه لم يستطع نطق الطاء المطبقة وأبدلها بصوت غير مطبق، كما لاحظنا عند أبي مسلم الخراساني، وذكر الجاحظ أن بعض مواطني الدولة الإسلامية من غير العرب لم يكونوا يميزون تمييزًا واضحًا بين الدال والذال5. ولا شك أن هؤلاء كانوا من بيئة لغوية لا تميز بين الدال والذال فالدال والذال في الآرامية مثلا صورتان صوتيتان لوحدة صوتية واحدة. ونظرًا لأن استخدام صورة   1 البيان: 1/ 69. 2 البيان: 1/ 70. 3 البيان: 1/ 71. 4 انظر أيضًا، فك: العربية 33- 34، البيان: 1/ 71. 5 البيان: 1/ 74. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 صوتية في أي لغة محل صورة صوتية أخرى لنفس الوحدة الصوتية لا يغير المعنى، فلم يكن المتحدث بالآرامية يجد فرقًا في المعنى بين استخدام الدال محل الذال أو الذال محل الدال. ويطلق الجاحظ على هذه الظاهرة ظاهرة عدم قدرة المستعربين على النطق بالأصوات العربية اسم: اللكنة، بضم اللام. يقول الجاحظ: "ويقال في لسانه لكنة إذا أدخل بعض حروف العجم في حروف العرب وجذبت لسانه العادة الأولى إلى المخرج الأول"1. فاصطلاح اللكنة محدد بهذا النوع من الخطأ في النطق، واللكنة أثر مباشر للأساس اللغوي وكل الأصوات العربية التي لم تعرفها لغات الأساس اللغوي تشكل نوعًا من الصعوبة وتنطق بلكنة. ينبغي أن نقف قليلًا عند المصطلحات الأخرى المعبرة عن العجز في الأداء النطقي عند الجاحظ. أهم هذه المصطلحات الحبسة والحكلة واللثغة، وكلها بوزن فُعْلَة، بضم الفاء. يقول الجاحظ: ويقال في لسانه حُبْسَة إذا كان الكلام يثقل عليه ولم يبلغ حد الفأفاء والتمتام .... وإذا قالوا في لسانه حكلة فإنما يذهبون إلى نقصان آلة المنطق"2. ويعني الجاحظ بكل من الحبسة والحكلة عيبين من عيوب النطق على المستوى الفردي، وينبغي أن نذكر أن كليهما مرتبط بالظروف الخاصة للفرد ويخرج عن نطاق البحث في اللغة كنظام إلى البحث في اللغة كظاهرة نفسية، أي أن دراسة اللكنة والحبسة ليست من البحث في اللغة كظاهرة نفسية، أي أن دراسة اللكنة والحبسة ليست من البحث في علم اللغة بل هما من علم النفس اللغوي وعلم الأصوات العلاجي. فعلم اللغة يعني باللغة كظاهرة اجتماعية، ولا يهتم بالاختلافات الفردية إلا إذا أصبحت سارية المفعول في المجتمع. معنى الحبسة عند الجاحظ عدم السلاسة في النطق، ومعنى الحكلة عدم اكتمال العادات الصوتية وعدم قدرة الجهاز الصوتي، أو كما يقول الجاحظ "نقصان آلة المنطق" عن النطق الواضح المبين.   1 البيان: 1/ 39–40. 2 البيان: 1/ 40. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 4- العربية بين البداوة والحضارة : كانت لغة البدو لا تزال حتى القرن الثاني من الهجرة موضع إعجاب، وكان البدو حجة في أمور اللغة، وكان إليهم المرجع إذا اختلفت النحاة، وكثيرًا ما اختلفوا، فعرفت مجتمعات العراق عددًا من البدو الوافدين المعتمدين على ثقة المجتمع في صحة لغتهم، جاء هؤلاء واستقروا على مقربة من المدن يبيعون الغريب لكل نحوي يلجأ إليهم وكل لغوي ينشدهم مادة لكتاب أو لرسالة. وعندما اختلف سيبويه مع الكسائي في مدى صحة التعبيرين: "فإذا هو إياها" أو "فإذا هو هي" احتكما إلى البدو ليجدا عندهم الخبر اليقين1. ويفسر البعض اختلاف الضوابط البصرية في النحو عما قال به الكوفيون بأن هذا يرجع لاختلاف لهجات البدو الذين أخذ عنهم كل فريق. ومن المعروف أن النحاة العرب لم يحاولوا توزيع الظواهر اللغوية واقعيًّا بأن يقرروا لكل قبيلة ما عندها من أصوات وأبنية، بل نظروا إلى كل هذا بمعيار الصحة والخطأ، واعتبروا البدو حجة لا يرقى إليها الشك. وكان ينظر إليه كل اختلاف بين اللهجات بمقياس الصحة والخطأ وبهدف المفاضلة بين الصور اللغوية إن كانت كلها بدوية، بأن يقال هذا فصيح وهذا أفصح. كان الأمويون مرتبطين بالبادية مؤمنين بتنشئة الأبناء في بيئة لغوية بدوية، ولكن العباسيين آمنوا بضرورة إجادة الأبناء للعربية، غير أنهم لم يكونوا   1 ياقوت الحموي: إرشاد الأريب 13/ 187، وعبارة الكسائي: "هذه العرب في بابك قد جمعتهم من كل أوب، ووفدت عليك من كل صقع، وهم فصحاء الناس وقد قنع بهم أهل المصرين، وسمع أهل الكوفة وأهل البصرة منهم فيحضرون ويسألون". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 مرتبطين فكريًّا أو عاطفيًّا بالمجتمع البدوي، وأرادوا لأبنائهم حياة رغدة في قصور بغداد ومعرفة جيدة بالعربية، ولهذا ظهر الأعراب في قصور السادة الجدد يعلمون اللغة، وهكذا اختلفت الصورة، قديمًا كان الأبناء يرسلون إلى البادية، وفي القرن الثاني كان الأعراب يفدون إلى القصور يعلمون اللغة. ويبدو أن المثقفين في القرن الثاني من الهجرة كانوا يحاولون استخدام العربية الفصحى في حديثهم ولم يقصروها على الكتابة، وهناك مجموعة من الأخبار تروي أن حمادًا الراوية "كان يكذب ويلحن ويكسر" أو أنه "لحنه لحانة". ويروى عن حماد أنه قال عن نفسه: "إني رجل أكلم العامة فأتكلم بكلامها". ويرى البعض أن هذه الاتهام إنما نشأ من التأثر بالخصومة التي كانت بين حماد وبين غيره من الرواة1. كما يروى أن الفراء، وهو نحوي كوفي، لحن مرة بمحضر هارون واعتذر قائلا بأن اللحن عند سكان المدن كالأعراب عند أهل البادية. وإذا نظرنا إلى طبيعة الأخطاء التي تنسب إلى المثقفين في القرن الثاني لاحظنا أنها تتناول الخلط بين الحالات الإعرابية، كأن يقول أحدهم: "أن نقم" بالجزم بدلا من "أن نقوم" بالنصب، أو أن يستخدم متحدث حالة النصب بعد حرف جر كان يقول "بخيرا" وكأنه يقول "خيرا"، أو أن يخلط المتحدث بين صيغ الممدود وصيغ المقصور كأن يقول "قفاء" بدلا من "قفا"2. وهذه الأمثلة نادرة ولكنها تعكس أمرًا مأخوذًا من لغة الحديث اليومي، لا لغة الكتابة. وندرة هذه الأمثلة دليل على أن لغة الحديث عند مثقفي القرن الثاني كانت هي الفصحى أو أنهم حاولوا استخدام الفصحى، ولو كان   1 انظر طبقات الشعراء لابن سلام ص15 "ط أوروبا" والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 13/ 145، والأغاني "دار الكتب 6/ 71"، وقد جمع هذه المواضع يوهان فك في كتابه: العربية 62–63. 2 انظر: فك العربية 68- 7، والمرجع المذكورة به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 حديثهم باللهجات المحلية لما لوحظت هذه الأخطاء. كانت لغة المثقفين هي الفصحى، بينما كانت اللهجات المحلية المختلفة وسيلة التفاهم عند السواد الأعظم من سكان الدولة الإسلامية. على أن محاولة الابتعاد عن اللهجات المحلية وتوهم الاختلاف الشاسع بين الفصحى واللهجات المحلية في غير أماكن هذا الاختلاف دفع إلى عدد من الأخطاء وإلى خروج على ضوابط البنية اللغوية الفصحى. فالقارئ نافع يجمع كلمة "معيشة" على معائش" بينما الصيغة القياسية "معايش"، لأن الأخيرة لا تعرف الهمز1. والهمز من الظواهر التي تميز العربية الفصحى عن بعض اللهجات القديمة، فأراد نافع أن يجعل الكلمة فصيحة فأضاف إليها الهمزة في غير موضع لها. فقد اعتقد أن المفرد "معيشة" على وزن "فعيلة" دون أن يعلم بأن الميم هنا ليست من أصل الكلمة، وجمع فعيلة فعائل، مثل: كريمة كرائم، ولكن معيشة هي في واقع اللغة بوزن مفعلة الذي يجمع على مفاعل، فتكون صيغة الجمع القياسية معايش بلا همزة، ولكن هذا لم يدر في ذهن من جمع معيشة على معائش لأنه يعتقد أن الهمزة تكسب الكلمة طابعا فصيحا، فأضافها في غير موضعها، ويطلق على هذه الظاهرة اسم Overcorrectness، أي المبالغة في تقليد الفصحاء أو التفاصح. ودفع الإعجاب بلغة البدو إلى محاولتهم إظهار اختلافهم في النطق عن أهل الحضر، فكانوا يتشدقون أو يتشادقون وكانوا يحتفلون بالغريب ويهتمون به غاية الاهتمام، ولذا نجد في كتب اللغويين اهتمامًا بالغريب، أي بالألفاظ الغريبة النادرة، وحاول بعض البدو إرضاء رغبة اللغويين في استخدام الغريب وولعهم به. وفي هذا الإطار اخترعت بعض الشخصيات الأسطورية ونسبوا لها بعض الأقاصيص2. يروى عن أبي علقمة أنه كان نحويًّا، ولا تذكر كتب   1 سورة الأعراف /10، شرح المفصل لابن يعيش 1434. 2 ياقوت الحموي: إرشاد الأريب 12/ 205–215. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 الطبقات أي شيء عنه، أو عن تلاميذه، أو عن مؤلفاته، أو عن آرائه. إنها لا تذكر أي شيء إلا أنه كان مريضًا، وذهب للطبيب فأخبره بعبارات غريبة لا تفهم، فرد عليه الطبيب بعبارات لا تقل غموضًا، وعندما رد أبو علقمة قائلا للطبيب: لم أفهم ما قلت، قال الطبيب: وهل فهمت أنا ما قلت!. وهناك رواية أخرى عن عبارات تنسب لأبي علقمة هي عبارات اخترعت اختراعًا، ولكنها تعبر عن روح العصر. كان هذا في إطار ولعهم بالغريب والألفاظ النادرة البدوية، وتعبيرًا عن روح العصر في تمجيده للحياة البدوية. دخلت العربية في العصر الأموي مجالًا جديدًا هو مجال التأليف، فإذا نظرنا في التراث العربي قبل ذلك العصر لاحظنا أن يتركز في الشعر القديم والأمثال. يضاف إلى هذا أن القرآن الكريم بالعربية. لم يعرف المجتمع التأليف بالعربية واستخدامها كلغة كتابة إلا في العصر الأموي. وكان ابن المقفع المتوفى سنة 142هـ من أوائل من استخدم العربية لغة كتابة. وقد ترجم من البهلوية إلى العربية مجموعة من الكتب منها "خداي نامة" أي "أخبار الملوك"، كما ترجم أيضا كتاب: "كليلة ودمنة"1، وبذا دخلت العربية إلى مستوى جديد من مستويات الاستخدام اللغوي، فلم تعد العربية لغة الشعر فقط بل أصبحت أيضا لغة التأليف والثقافة. فكان على كل من يعيش في الدولة الإسلامية ويرغب في الإسهام بالتأليف أو بالترجمة أن يتعلم العربية ليترجم إليها أو يكتب بها أو يفهم المأثور الذي كتب بها. ولا شك أن استخدام العربية في مستويات جديدة دفع إلى تجديدات لغوية بعيدة المدى، فسيبويه يتحدث عن "الاسم" و"الفعل" و"الحرف" كاصطلاحات ذات معنى محدد، وشتان بين المعنى القديم لهذه المفردات في لغة البادية اليومية وبين المعنى الاصطلاحي المحدد، فسيبويه خلع على هذه الكلمات مدلولا علميًّا. وهو حين تحدث عن "الهمس" و"الجهر" و"المخارج" ابتكر اصطلاحات استقاها وانتقاها من لغة الحديث، واستخدمها كاصطلاحات.   1 الفهرست: 67، وفك: العربية 55-57. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 علمية، محددًا معناها تحديدًا يتفق وطبيعة الاصطلاح العلمي. وعندما اكتشف الخليل أوزان الشعر العربي وضع لهذه الأوزان أسماء لم تكن تخطر للشعراء على بال، لقد أخذ اصطلاحات "الطويل" و"الخفيف" و"البسيط" و"الكامل" ... إلخ، من لغة الحياة العامة، واستخدمها بدلالة جديدة. وفي كل فروع المعرفة نجد ظهور اصطلاحات علمية مع ظهور العلم نفسه. ومن الطريف ما لاحظة الجاحظ بشأن المصطلحات التي استدعت وجودها العلوم المختلفة التي جدت في العصر العباسي، فلاحظ أن المتكلمين "اشتقوا منك كلام العرب تلك الأسماء، وهم اصطلحوا على تسمية ما لم يكن له في لغة العرب اسم، فصاروا في ذلك سلفًا لكل خلف وقدوة لكل تابع. ولذلك قالوا العرض والجوهر وأيس وليس، وفرقوا بين البطلان والتلاشي وذكروا الهذية والهوية وأشباه ذلك، كما وضع الخليل بن أحمد لأوزان القصيد وقصار الأرجاز ألقابًا ولم تكن العرب تتعارف تلك الأعاريض بتلك الألقاب وتلك الأوزان بتلك الأسماء، كما ذكر الطويل والبسيط والمديد والوافر والكامل وأشباه ذلك، كما ذكر الأوتاد والأسباب والخرم والزحاف ... وكما سمى النحويون فذكروا الحال والظرف وما أشبه ذلك ... وأصحاب الحساب قد اجتلبوا أسماء وجعلوها علامة للتفاهم"1. فالجاحظ لاحظ وضع هذه الأسماء كمصطلحات علمية، وهذه الكلمات إما جديدة في الصياغة مثل الماهية أو ذات معنى اصطلاحي جديد مثل البسيط والكامل. وهكذا دخلت العربية عصر الثقافة الإسلامية، كانت لغة بعض القبائل البدوية في شمال جزيرة العرب فصارت لغة الدولة الإسلامية من إيران إلى الأندلس ومن الشام إلى اليمن، وكانت لغة الحياة اليومية البسيطة فأصبحت لغة العلوم وأداة حضارة راقية. عندما كانت العربية لغة بعض القبائل البدوية في شمال ووسط جزيرة   1 البيان والتبيين: 1/ 139–140. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 العرب كانت اللغة تعيش دون موقف مدرسي أو تقنين نظري، كانت في مرحلتها البدوية المتأثرة بما تتأثر به الحياة اللغوية، من مؤثرات غير مدرسية. لم يكن هناك موقف مدرسي أو ديني تجاه اللغة، ولكن خروج القبائل مع الجيوش الإسلامية داعية معربة الأقاليم المفتوحة أحدث تغيرًا لغويًّا، وظهرت عند المستعربين ظواهر جديدة أزعجت الحس اللغوي لمن كان قد أعجب بالعربية البدوية ومن وجد في لغة القرآن الكريم اللغة المثلى والنموذج الممتاز للتعبير اللغوي. خرج اللغويون لجمع اللغة من القبائل التي أعجب العصر بفصاحتها، ورفضوا أخذ اللغة وتعلمها عن باقي القبائل، ومعنى هذا أن تعلم اللغة الفصحى متاح لمن أراد إذا اتجه هادفًا لذلك نحو بعض القبائل. كان مجتمع الشام والعراق يريد العربية، ولكن إعجابه بالبداوة وبحياة البادية قل مع الأجيال التي لم تعرف حياة البادية، لقد أرادوا العربية وحياة الحضارة. وما أن بدأت حركة التأليف العلمي في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة حتى بدأ التأليف أيضًا في تعليم اللغة العربية. فقد ظهرت الرسائل اللغوية التعليمية الأولى في ذلك الوقت، وكتبت رسالة صغيرة في "لحن العامة" تنسب للغوي الكوفي الكسائي1. يضم هذا الكتيب مجموعة من المفردات التي شاعت في القرن الثاني في صورة رفضها اللغويون لمخالفتها للمأثور عن لغة فصحاء البادية. فالمؤلف يعتبر صيغة فعلول بفتح الفاء مثل عصفور برغوت صيغة فاسدة، لأن المأثور عن لغة فصحاء البادية وزن فعلول بضم الفاء لا بفتحها. أكد الكسائي أيضًا أن وزن فعيل يستخدم للمؤنث دون تاء التأنيث، وأن إضافة التاء خطأ. والكتاب يعكس بهذه الملاحظات الصورة المضادة للاستخدام اللغوي كما عرفه القرن الثاني للهجرة. ونحن لا ننظر نظرة الكسائي بأن نحكم عليها بالخطأ أو بالصواب، بل نحاول أن ننظر إليها كجزء من واقع لغوي عرفه القرن الثاني للهجرة.   1 طبعت هذه الرسائل: ثلاث رسائل، تحقيق عبد العزيز الميمني، القاهرة 1387. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 أراد الكسائي أن يعلم برسالته في "لحن العامة" الاستخدام اللغوي الصحيح، وهذا ما أراده ثعلب أيضًا بكتابه "الفصيح"1. ويعد ثعلب أهم نحوي ولغوي عرفته مدرسة الكوفة في القرن الثالث للهجرة، وقد ألف عدة كتب منها كتاب "الفصيح" الذي يسمى كثيرًا باسم "فصيح ثعلب"، ذكر ثعلب فيه الألفاظ الفصيحة التي يود تقديمها لمن أراد تعلم اللغة الفصحى في صورتها المأثورة القديمة البدوية. أما ابن قتيبة وهو مؤلف آخر من القرن الثالث الهجري فله كتاب بعنوان "أدب الكاتب"، خصص المؤلف فيه فصلا عن اللغة وذكر فيه بعض إرشادات تعليمية تعين على استخدام اللغة الفصحى في صورتها المأثورة2. وظهور هذه المؤلفات يعكس أمرًا جديدًا، فلم تعد اللغة تتعلم سماعًا، وإنما أصبحت تؤخذ عن طريق الكتب، وفي هذا تحول جديد بدأ مع أواخر القرن الثاني، واستمر في القرون التالية. وهكذا تغيرت الصورة، فأصبحت اللغة العربية مادة تعليمية تؤلف فيها الكتب.   1 ذكر ثعلب في خاتمة كتاب الفصيح الهدف من كتابه: "ليعرف به فصيح الكلام، ولم نكثر بالتوسعة في اللغات وغريب الكلام، ولكن ألفناه على نحو ما ألف الناس ونسبوه إلى ما تلحن فيه العوام". "ص104، خفاجي". 2 هذا القسم بعنوان: "كتاب تقويم اللسان" 238–332 "ط القاهرة 1963". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 5- العربية في القرن الرابع : وفي القرن الرابع الهجري كانت العربية تؤخذ تعلما من الكتب لا بمخالطة الأعراب، ولذا فقد ظهرت مجموعة من الكتب منها كتاب قدامة بن جعفر: "جواهر الألفاظ"، وكتاب "الألفاظ" لابن السكيت، وكتاب عبد الرحمن الهمذاني: "الألفاظ الكتابية"، وكلها كتب تعليمية من القرن الرابع الهجري. ولنقف قليلا عند مقدمة الكتاب الأخير لنجد المؤلف يقول: " ..... ووجدت من المتأخرين في الآلة قومًا أخطأهم الاتساع في الكلام، فهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 متعلقون في مخاطباتهم وكتبهم باللفظة الغريبة والحرف الشاذ، ليتميزوا بذلك من العامة ويرتفعوا عن الأغبياء عن طبقة الحشو .... فجمعت في كتابي هذا لجميع الطبقات أجناسًا من ألفاظ كتاب الرسائل والدواوين والبعيدة من الاشتباه والالتباس، السليمة من التقعير، المحمولة على الاستعارة والتلويح على مذاهب الكتاب وأهل الخطابة، دون مذاهب المتشدقين والمتفاصحين، .... ولا غنى بالكاتب البليغ ولا الشاعر المفلق ولا الخطيب المصقع عن الاقتداء بالأولين والاقتباس من المتقدمين1 .... ويبدو من مضمون هذا الكتاب أنه تعليمي انتقائي وأن المؤلف يعتبر اللغة العربية مما ينبغي أخذه تعلمًا، واللغة العربية هنا هي لغة الكتابة التي تبعد عن التشادق والغريب وترتفع عن الكلام العامي. فلم تعد محاكاة البدو في تشادقهم أمرًا محمودًا، ولم يعد الاختلاط بهم وسيلة تعلم اللغة. فالهمذاني يرى أن قراءة كتب تعليم اللغة هي الطريق إلى استخدام العربية في الكتابة، وها هو يقدم مجموعة من التعبيرات المختلفة في كل موضوع، فهو يذكر في معنى "صلح الشيء" ما يأتي: "وإذا صلح الفاسد قلت استقام المائل، وانشعب الصدع، وانجبر الوهي، وانحسم الداء، ارتفق الفتق، واعتدل الميل، واندمل الكلم". وعلى هذا النحو ذكر الهمذاني في كل باب التعبيرات المختلفة، وقد اعتمد الهمذاني في انتقائه مادته من البدو وإنما هي "متخيرة من بطون الدفاتر، ومصنفات العلماء"2. وهذا تعبير عن موقف جديد، فاللغة العربية أصبحت لغة كتابة، وأصبحت تطويرها مرتبطًا باستخدامها على المستوى الإداري والثقافي، ولم تعد لغة بعض القبائل هي الفيصل، لم يذكر الهمذاني الأعراب الفصحاء كما كان لغويو القرن الثاني يذكرونهم في فخر واعتزاز.   1 انظر مقدمة الألفاظ الكتابية للهمذاني. 2 انظر مقدمة الألفاظ الكتابية صVIII. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 فقدت لغة البدو في القرن الرابع الهجري قيمتها كمثل أعلى للاستخدام اللغوي، وقد خصص اللغوي ابن جني فصلا في كتابه الخصائص بعنوان "أغلاط الأعراب"1. وعقد فصل بهذا العنوان في كتاب من كتب اللغة معناه أن نظرة القرن الرابع تختلف عن موقف اللغويين الأوائل في القرن الثاني. فعندما اختلف الكسائي وسيبويه في صحة العبارة "فإذا هو هي" أو "فإذا هو إياها". أي: هل يعتبر الضمير الثاني في حالة الرفع أم في حالة النصب؟ كان البدو هم الحكم في القضية. ورغم اختلاف الروايات في هذه القصة إلا أنها تجمع على أن البدو كان الحكم في هذه القضية، وشتان هذا الموقف وموقف ابن جني الذي يجعل نفسه حكمًا يفصل في مدى الصحة اللغوية للغة البدو، ويقضي بأن بعض ما عندهم ليس صحيحًا. وهذا الموقف الجديد يرجع إلى مجموعة من العوامل، أهمها أن العربية في القرن الرابع الهجري كانت قد استقرت كلغة للثقافة. واستدعى هذا بالضرورة معجمًا متنوعًا جديدًا، فلم تعد لغة البدو بمعجمها البدوي وأفقها الصحراوي كافية للتعبير عن الثقافة العربية الإسلامية الراقية. لم يعد من الممكن أن تكتفي لغة الثقافة بالمعجم البدوي، فماذا يفعل الفيلسوف أو المنطقي أو عالم الرياضيات بمائة اسم للجمل أو مائتي اسم للأسد. إن اللغة العربية في القرن الرابع الهجري كانت قد استقرت لغة للثقافة، وأصبحت لغة كتابة تنمو على المستوى الثقافي، فظهرت المصطلحات والتعبيرات المختلفة، ولم يعد مثقفو القرن الرابع الهجري يلوذون بالبادية بحثا عن الغريب، بل كانوا يشتقون المصطلحات والتعبيرات المعبرة عن فكرهم وتخصصهم. ولكن الشعر ظل داخل الضوابط اللغوية القديمة أو على الأقل حاول الشعراء أن يلزموا الخصائص اللغوية للشعر القديم، كما قننها النحاة المبكرون.   1 الخصائص 3/ 283–232. وانظر أيضًا جـ2 ص5 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 اعتبر اللغويون أي خروج على الضوابط القديمة غير جائز في لغة الشعر، وحاول الشعراء دراسة النحو، ومنهم من تعمق هذه الدراسة وأظهر ذلك عن عمد في شعره. آمن شعراء العربية الفصحة بأن اللغة القديمة أي اللغة التي سجلها النحاة هي المثل الأعلى، فكل الصيغ التي جاءت من عصور الاحتجاج صحيحة وجديرة بالاحتذاء، ومنها صيغ نادرة جاءت في أبيات مفردة فقدت قصائدها وسجلها النحاة. وهناك عدد من الصيغ اعترف الكوفيون وحدهم بصحتها، ولم يعرفها أو يعترف بصحتها البصريون. وهنا ظهرت أهمية الثقافة اللغوية والإعداد النحوي للشاعر، والمتنبي من أوضح الأمثلة على هذا. فقد حاول أن يظهر في شعره براعته اللغوية، وكأنه كان يستعرض معرفته بالمعجم القديم وهو يتفاصح بالنادر والغريب، ويثير ثائرة النحاة ليثبت بعد ذلك صحة ما قال من الناحية اللغوية. استخدم المتنبي صيغة الجمع "آخاء" جمعًا لكلمة "أخ" لأنه عرف أن هذه الكلمة استخدمت في بيت من الشعر القديم1. وقد أثار المتنبي غضب أنصار المذهب البصري ليثبت لهم بعد هذا أنه على صواب، أي: سداس، متحديًّا بذلك ضوابط النحاة إذ إنهم أجازوا وزن فعال من العدد واحد إلى العدد أربعة، ورفضوا قياس هذا الوزن من الأعداد الأخرى2. وكان المتنبي يعلم أن بعض اللهجات القديمة استخدمت كلمة "التوراب" بدلا من كلمة التراب، ولذا استخدم هذه الكلمة النادرة3. ولهذا كله فقد اهتم به اللغويون، ولا نعلم شاعرًا عربيًّا في عصر المتنبي أو بعد عصره أثار انتباه اللغويين مثله. فقد كثرت الشروح اللغوية على ديوان المتنبي. ومن هذه الشروح: شرح العكبري، وشروح ابن جني، وشرح المعربي، وشرح التبريزي، وهكذا اهتم المتنبي بالصيغ القديمة النادرة، فأثار اللغويون واهتموا به.   1 انظر حول الاستخدام اللغوي عند المتنبي: فك: العربية ص168–181. 2 الجرجاني: الوساطة بين المتنبي وخصومه "ط القاهرة 1966" 91، 99، 457. 3 الوساطة 86. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 6- الهمداني والحياة اللغوية في القرن الرابع الهجري: وصف الهمداني "ت 334" الحياة اللغوية في جزيرة العرب في أوائل القرن الرابع الهجري وخصص لها فصلا مستقلا عنوانه "لغات أهل هذه الجزيرة"1. ويتضح من عبارات الهمداني في هذا الفصل صورة التنوع اللغوي في الجزيرة العربية آنذاك. لقد قاس الهمداني اللهجات واللغات المختلفة في الجزيرة العربية وفق معايير العربية الفصحى، فبقدر قرب اللهجة من الفصحى تكون هذه اللهجة رديئة. إننا نلاحظ من وصف الهمداني لطبيعة التنوع اللغوي في الجزيرة العربية في أوائل القرن الرابع الهجري عدة أنماط لغوية. ففي أقصى الجنوب وبالتحديد في منطقة الشحر لاحظ الهمداني أن أهلها "ليسوا بفصحاء" مهرة غشم يشاكلون العجم"2. والواقع أنهم يمثلون جماعة لغوية متميزة لغتها الأول هي اللغة المهرية وليست اللغة العربية، فالعربية بالنسبة لهم لغة تكتسب تعلمًا كما تكتسب أية لغة أجنبية أخرى. ولاحظ الهمداني أن منطقة حضرموت القريبة من منطقة المهرة تسودها لغة ليست بفصيحة "وربما كان فيهم الفصيح، وأفصحهم كندة وهمدان"3. ومعنى هذا أن منطقة حضرموت كانت قطعت في ميدان التعريب بعربية الشمال شوطًا بعيدًا، وأن قبيلة كندة بصفة خاصة كانت قد تعربت بدرجة أكبر، ومعنى هذا بالنسبة لعربي مثل الهمداني أنه كان يستطيع التعامل مع أبناء قبيلته بلغته العربية ويستطيع كذلك التعامل مع أبناء قبيلة كندة بالعربية أيضًا، بينما يصعب عليه أن يفهم كلام أهل الشحر، فلغتهم هي اللغة المهرية. ويعكس وصف الهمداني لبعض اللهجات بأنها غير فصيحة أن هذه اللهجات عربية شمالية ولكنها تختلف   1الهمداني: صفة جزيرة العرب "طـ القاهرة 1953 هـ" ص134–136. 2 الهمداني 134. 3 الهمداني 134. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 اختلافًا بينًا عن العربية الفصحى. وقد ذكر الهمداني إلى جانب لغة المهرة لغة أخرى تختلف عن العربية الشمالية، وهي اللغة الحميرية. فذكر أن أهل شبام أقيان والمصانع وتُخلى يستخدمون "الحميرية المحضة"1، وذكر في مواضع أخرى أن بعض القبائل تتعامل "باللسان الحميري"2 أو بالحميرية القحة المتعقدة3. ومن هذا كله يتضح أن القرن الرابع الهجري عرف جماعات بشرية تتعامل في اليمن بالمهرية، وأخرى باللسان الحميري، وجماعات أخرى أخذت تتعرب بعربية الشمال. لقد كان الهمداني يعلم أن منطقة اليمن عرفت لغة أخرى غير العربية الشمالية، وأن هذه اللغة الحميرية تركت أثرًا في استخدام اليمنيين المتعربين بعربية الشمال. فعندما تحدث الهمداني عن سرور حمير وجعده ذكر أنهم: "ليسوا بفصحاء وفي كلامهم شيء من التحمير ..... فيقولون: يا بن مَعَم في يا بن العم وسِمَع في اسمع"4. وبهذا تعربت بعض الجماعات البشرية بعربية الشمال متأثرة بلغتها الأولى العربية الجنوبية. ويبدو أن لغة بعض المناطق في اليمن في القرن الرابع الهجري كانت تتعامل بلغة قريبة من الفصحى غير أنها مولدة أي بها بعض مظاهر اللحن. يقول الهمداني: "عدن لغتهم مولدة ردية"5، "بنو مجيد وبنو واقد والأشعر لا بأس بلغتهم"6 "سرو ومذحج ومأرب وبيحان وحريب فصحاء، ورديء   1 الهمداني 136. 2 الهمداني 135، السطر الأول. 3 الهمداني 135، السطر الثالث وكذلك السطر التاسع. 4 الهمداني 134. 5 الهمداني 134، الثالث من أسفل. 6 الهمداني 134. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 اللغة منهم قليل"1. "خولان صَعْدَه .... فصحاء"2. ويبدو أن هذه المناطق كانت قد تعربت بعربية الشمال إلى حد كبير. لقد ذكر الهمداني في عبارة موجزة لهجة كل قبيلة وكل منطقة اهتم بها. وقد جعل أقرب اللهجات إلى اللغة الفصحى تلك اللهجات العربية الشمالية في مناطق العروض والحجاز ونجد. يقول الهمداني "أما العروض ففيها الفصاحة ما خلا قراها، وكذلك الحجاز فنجد السفلى، فإلى الشام وإلى ديار مضر وديار ربيعة ففيها الفصاحة إلا في قراها"3. ومن هذا يتضح أن مجموعة من اللهجات في هذه المناطق كانت قريبة من الفصحى ولكن لهجات الحضر المستقرين أي سكان القرى كانت مخالفة للفصحى. وهكذا أوضح الهمداني في وصفه للحياة اللغوية في جزيرة العرب بعبارات موجزة بعض جوانب التنوع اللغوي في القرن الرابع الهجري.   1 الهمداني 134. 2 الهمداني 136. 3 الهمداني 136. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 7- المقدسي والحياة اللغوية في القرن الرابع الهجري تضمن كتاب "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" للمقدسي معلومات مختلفة حول العالم الإسلامي في القرن الرابع الهجري. وقد ذكر في مقدمته أنه اهتم أيضًا "باختلاف أهل البلدان في كلامهم وأصواتهم وألسنتهم وألوانهم"1 وتقوم هذه الملاحظات على خبرة المؤلف في أثناء رحلاته وما دونه في أثناء هذه الرحلات حول كل إقليم من الأقاليم التي زارها2. تناول المقدسي الحياة اللغوية في الأقاليم العربية من الدولة الإسلامية بمجموعة.   1المقدسي: أحسن التقاسيم ص1. 2 انظر أيضًا مجموعات المفردات التي تختلف فيها لهجات الأقاليم العربية 30-32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 من الملاحظات حول جزيرة العرب والعراق والشام ومصر والمغرب. لاحظ المقدسي أن العربية هي اللغات السائدة في جزيرة العرب عدا منطقة صُحَار1 وهي المنطقة الواقعة على المحيط الهندي والخليج العربي من عمان. فهذه المنطقة كانت تضم وفق وصف المقدسي جماعات من المتحدثين بالفارسية. وإلى جانب هذه المنطقة التي سادها فيما يبدو ضرب من الازدواج اللغوي، فقد ذكر المقدسي أن اليمن ضمت "قبيلة من العرب لا يفهم كلامهم"2، ولا شك أن المقصود بهؤلاء العرب تلك الجماعات اللغوية التي كانت تتعامل في القرن الرابع الهجري باللغات العربية الجنوبية المختلفة، وقد أشار الهمداني إلى ذلك. وإذا كان الهمداني قد ذكر أن لغة عدن مولدة فإن المقدسي ذكر عدة أمثلة من لهجة عدن، يقول المقدسي: "وأهل عدن يقولون لرجليه رجلينه، وليديه يدينه وقس عليه، ويجعلون الجيم كافا فيقولون لرجب ركب ولرجل ركل"3. ومعنى هذا أن لهجة عدن في القرن الرابع الهجري لم تكن تميز بين الاسم المضاف والاسم غير المضاف وأن النون لم تكن تحذف من الاسم المثنى المضاف إلى ما بعده. وملاحظة المقدسي حول نطق الجيم في عدن على نحو نطق الجيم في لهجة القاهرة المعاصرة واضحة من تدوينه لهذا الصوت بحرف الكاف، فقد أراد أن يعبر دون لبس عن صوت الجيم الشديدة فعبر عنه بالكاف، وهي في العربية صوت شديد أيضًا. ولا شك أن نطق الجيم على هذا النحو في عدن في القرن الرابع الهجري يعد امتدادًا للجيم في اللغة السامية الأم وللجيم في اللغة العربية الجنوبية، وأن أهل عدن عندما تعربوا بعربية الشمال احتفظوا بهذا الصوت ولم ينطقوه النطق العربي الشمالي. ويبدو أن جماعات بشرية غير عربية الأصل كانت قد هاجرت إلى أنحاء من الجزيرة العربية ولكنها تعربت وأصبحت منتمية للإطار اللغوي العربي، يقول المقدسي: "وأكثر أهل عدن وجدة فرس إلا أن   1 المقدسي ص96. 2 المقدسي ص96. 3 المقدسي ص96. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 اللغة عربية"1. وعندما يلاحظ المقدسي أن تلك اللهجات العربية التي أشارت إليها كتب اللغة كانت لا تزال حية في بوادي الجزيرة العربية ذكر ذلك2، ولاحظ أن أقرب اللهجات العربية من الفصحى هي لهجات "هذيل ونجد وبقية الحجاز إلا الأحقاف فإن لسانهم وحش"3. فهذه اللهجات كانت قريبة من الاستخدام اللغوي الفصيح. فضل المقدسي الاستخدام اللغوي في مشرق الدولة الإسلامية على باقي أنحائها. والمقصود بالمشرق عنده المنطقة الواقعة شرقي العراق، وتضم إيران والمناطق التي بعدها. يقول المقدسي في تفسير ذلك: "لأنهم أصح الناس عربية؛ لأنهم تكلفوها تكلفا وتعلموها تلقفًا"4. ومعنى هذا أن اللغة العربية المنشودة في رأي المقدسي كانت لغة تؤخذ بالتعليم لا بالسليقة، ولذا فلم يبرز فيها أبناء الجزيرة العربية، بل اهتم بتعلمها المهتمون بذلك من أبناء لغات أخرى، فأجادوا العربية الفصحى وامتازوا بها. وعندما ذكر المقدسي إقليم العراق والمقصود به جنوب ووسط العراق – لاحظ كثرة اللهجات في هذه المنطقة وهي لهجات "حسنة فاسدة" أي حسنة نطقًا فاسدة نحوًا. لقد فضل المقدسي لهجة الكوفة عن باقي لهجات العراق، وفسر هذا بأن سكان الكوفة قريبون من البادية بعيدون نسبيًّا عن المنطقة اللغوية الآرامية. يقول المقدسي: "لغاتهم مختلفة، أصحها الكوفية لقربهم من البادية وبعدهم عن النبط، ثم هي بعد ذلك حسنة فاسدة، بخاصة بغداد، أما البطائح فنبط لا لسان ولا عقل"5. ويبدو أن المقصود بالبطائح المناطق الزراعية السهلة، وأن اللهجات الآرامية كانت لا تزال مسموعة في هذه الأنحاء وقد قارن المقدسي لهجة شمالي العراق بلهجات الشام   1 المقدسي 96. 2 المقدسي 97. 3 المقدسي 97. 4 أحسن التقاسيم 32. 5 المقدسي 128. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 ولاحظ أن "لغتهم لغة حسنة، أصح من لغة الشام لأنهم عرب، أحسنها الموصلية"1 ويبدو أن المقصود بهذا أن اللهجة الموصلية كانت أقرب إلى الفصحى من لهجات الشام. وفي كل هذه المنطقة كاد استخدام اللغة الفصحى يكون مقصورًا على التأليف والتدوين والإبداع الفني، ولم تكن لغة حديث عادي بين المثقفين، يقول المقدسي: "وكنت إذا حضرت مجلس قاضي القضاة في بغداد أخجل من كثرة ما يلحن، ولا يرون ذلك عيبًا"2. فالعربية الفصحى كانت قد استقرت آنذاك لغة ثقافة، أجادها أيضًا مؤلفون من غير أبناء اللغة العربية، ومن لم يعتمد إجادتها لم يستطع حسن استعمالها. وعندما زار المقدسي مصر والمغرب والأندلس لاحظ وجود لغات أخرى إلى جانب العربية. قال المقدسي عن مصر: "لغتهم عربية غير أنها ركيكة رخوة وذمتهم يتحدثون بالقبطية"3. ومعنى هذا أن اختلاف اللهجة العربية في مصر عن الفصحى جعل المقدسي يصفها على هذا النحو، وفي القرن الرابع الهجري كانت مصر قد قطعت في التعريب شوطًا بعيدًا كاد أن يكون حاسمًا، لكن المقدسي لاحظ معرفة بعض أهل الذمة وبالتحديد بعض المسيحيين، بالقبطية فسجل هذا. وذكر المقدسي أيضًا أن اللهجة العربية في المغرب والأندلس "منغلقة مخالفة لما ذكرنا في الأقاليم" ثم ذكر أيضًا أن "لهم لسانا آخر يقارب الرومي". "والغالب على بوادي هذا الإقليم البربر .... لا يفهم لسانهم"4. ففي ذلك الوقت كانت موجة بني هلال وبني سليم لم تصل بعد، وكانت اللغة البربرية لا تزال تسود منطقة كبيرة من المغرب. وقد فصل المقدسي الكلام عن اللغات الموجودة في المناطق غير العربية في   1 المقدسي 146. 2 المقدسي 183. 3 المقدسي 203. 4 المقدسي 234. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 شرقي العالم الإسلامي، وذكر عددًا كبيرًا من اللغات واللهجات1. ومن أهم هذه اللغات: اللغة الفارسية، واللغة الصغدية "السغدية" ولغة الديلم، ولغة الخزر، واللغة الأرمينية، واللغة الرانية، ولغة البلوش، بالإضافة إلى عدد كبير من اللهجات المحلية. وفي كل هذه المناطق وجد المقدسي معرفة باللغة العربية عند المثقفين، كما وجد أيضًا في إقليم الديلم مجموعة من المتحدثين باللغة العربية واللغة الفارسية يعيشون في عزلة عن باقي أنحاء الدولة الإسلامية. وهكذا صور المقدسي بعبارات موجزة صورة للتنوع اللغوي في أنحاء العالم الإسلامي في القرن الرابع الهجري.   1 المقدسي 259، 443–446. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 8- العلاقات اللغوية في القرن الخامس إلى فجر العصر الحديث يلاحظ اتجاه هذه الفترة التي امتدت سبعة قرون أن العالم العربي كان واقعًا في قبضة عناصر غير عربية تشترك مع غالبية العرب في اعتناقها الدين الإسلامي، ورغم تغير الحكام فقد كانوا دائمًا من غير العرب. كانت الطبقات الحاكمة من عناصر فارسية أو تركية أو شركسية، ويختلف توزيع العناصر من إقليم لآخر، وفي كل هذه الفترة كانت العربية لغة الطقوس الدينية ولغة الفقه الإسلامي مما جعل دراسة العربية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بدراسة الدين، فلم تكن العربية إلا لغة الدين. وهذا الأمر يشبه مركز العربية في إيران الحالية، فكل من أراد أن يشتغل بالدين كان عليه أن يدرس العربية. وظهر في هذا العصر عدد من الملخصات والشروح انتشرت انتشارًا كبيرًا في المشرق والمغرب. وكان الهدف من هذه الملخصات تقريب ما توصل إليه الباحثون القدماء من نتائج في بحث اللغة العربية. كانت المعرفة بالعربية أداة لدراسة الدين، وكل المعاهد العلمية التي نشأت أو أخذت طابعها المميز في تلك الفترة مثل الأزهر والمعاهد المماثلة في العالم العربي والبلدان الإسلامية لا تزال تعتبر دراسة العربية والدين أمرًا واحدًا. وهذا الربط إنما يرجع إلى ظروف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 تاريخية، فالعربية لم تكن إلا لغة الدين عندما كان العالم العربي واقعًا تحت السيطرة الإسلامية غير العربية، فلم تكن العربية لغة الإدارة أو السياسة، كانت الإدارة فارسية في أقصى المشرق الإسلامي وتركية في المناطق الواقعة تحت النفود التركي. بدأت هذه المرحلة بإبعاد العربية عن الإدارة عندما أعلن السلجوقيون في القرن الخامس الهجري اللغة الفارسية لغة رسمية لدولتهم التي ضمت القسم الشرقي من الدولة الإسلامية. وفي ذلك العصر بدأ الإيرانيون يؤلفون بالفارسية وبدأ بعضهم يهجر العربية، وألف بعض المفكرين بالعربية والفارسية، فالغزالي مثلا ألف كتابه "إحياء علوم الدين" بالعربية، وألف بالفارسية كتبًا كثيرة منها "التبر المسبوك". ويلاحظ في المؤلفات الفارسية المبكرة أي في القرن الخامس أنها اعتمدت اعتمادًا كليًّا على المصطلحات العلمية العربية. فقد كان الإيرانيون يستخدمون العربية في القرون الأربعة الأولى للهجرة لغة للتعبير وللتأليف. كان كل ما كتبه الإيرانيون في القرون السابقة بالعربية، وكانت عندهم لغة التأليف، وعندما حاولوا استخدام الفارسية اعتبروا العربية لغة الأساس، وأخذوا منها المصطلحات العلمية المختلفة. أما الأفعال وأدوات الربط اللغوي والألفاظ الأساسية البسيطة فكانت من اللغة الفارسية وهذا يشبه الكتابة العلمية بالألمانية أو بالسويدية، فمعظم المصطلحات لاتينية أو يونانية وأدوات الربط والأفعال والمفردات البسيطة من اللغة التي يفترض أن يكتب الإنسان بها. لقد تغير الموقف في القرن الخامس الهجري إذ دخلت اللغة الفارسية مجال التأليف مدعمة بدولة فارسية مسلمة، ورأت هذه الدولة أن تجعل من الفارسية لغة الإدارة والسياسة ومن العربية لغة الدين. ولعل من الغريب أن أول المدارس العالية التي أنشئت لتعليم العربية إنما ظهرت في القرن الخامس الهجري وهي: "المدرسة النظامية" المنسوبة إلى نظام الملك، فقد أسست سنة 459هـ. وكان تأسيس "المدرسة النظامية" في إطار الوضع اللغوي السائد، فقد اهتم السلجوقيون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 بالعربية الفصحى في عصورها المبكرة، لأن هذا يعين على فهم الدين، ولكنهم اعتبروا الفارسية لغة الحياة. وهذا يشبه موقف الكنيسة الكاثوليكية في أوربا في استخدامها اللغة اللاتينية في الطقوس الدينية. وقد درس في "المدرسة النظامية" أبو زكريا التبريزي المتوفى سنة 502هـ، ومن أهم مؤلفاته: "شرح ديوان الحماسة" ويلاحظ في مقدمات الكتب التي ألفها التبريزي وغيره أنه يعتبر دراسة العربية وسيلة فهم القرآن الكريم والسنة. ونلاحظ عند المشتغلين في ذلك الوقت تدينًا شديدًا جعلهم يذكرون أن أشرف العلوم علم الكتاب والسنة وأن مفتاح هذه الدراسة اللغة العربية. إن الحديث عن العربية في العالم الإسلامي من القرون: الخامس عشر حتى التاسع عشر ذو شجون لقد كان معظم أجزاء العالم العربي تحت السيطرة العثمانية المباشرة أو غير المباشرة، ومعنى هذا أن لغة الإدارة العليا كانت التركية، وأن لغة الإدارة المباشرة كانت التركية في كثير من الأقاليم، ولننظر إلى ألقاب الوظائف الكبرى في مصر في تلك الفترة، لقد كان الديوان الكبير وهو مجلس حكم البلاد يضم عن كل أوجاق موظفين ثلاثة: الأغا والدفتر دار والروز نامجي. والكلمات: أوجاق، أغا دفتر دار، روز نامجي ليست عربية لم تدخل مصر إلا مع الفتح العثماني، والأوجاق هو المنطقة، والأغا قائد الحامية، والدفتر دار مدير المالية، والروز نامجي حافظ السجلات. وكانت أهم وظائف الدولة في يد العناصر غير العربية، فالمماليك يتولون أهم الوظائف العسكرية والمدنية حتى أن شيخ البلد "المحافظ" كان منهم، وكان أعضاء الديوان والمماليك أصحاب الكلمة الأولى في البلاد، فإذا كان منهم، وكان أعضاء الديوان والمماليك أصحاب الكلمة الأولى في البلاد، فإذا أضفنا على ذلك مركز القوة الرابع في البلاد -بجانب الوالي الديوان والمماليك- وهو الحامية التركية والمتتركة لتبينا أن كل مراكز القوة كانت في يد غير العرب. كانت لغة الإدارة المركزية في الدولة العثمانية هي اللغة التركية، وكان أصحاب المراكز العليا يستخدمون في الإدارة اللغة التركية أيضًا، أما العربية فكانت في الإدارة المحلية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 لقد ارتبطت اللغة العربية طوال هذه الفترة بالطبقات غير الحاكمة في المجتمع، فالمتحدثون بالعربية كانوا يمثلون الطبقات المحكومة، وكانت العناصر الحاكمة من أصول غير عربية وكانت العناصر العسكرية المسيطرة من أصول غير عربية أيضًا. كانت الطبقات الأرستقراطية ذات النفوذ من غير العرب فالمماليك الذين حكموا وقتًا طويلًا إنما جلبوا من مناطق مختلفة في وسط آسيا وبعد دخول العثمانيين كانت الطبقات غير العربية في المجتمع تحتفظ لنفسها بكل الوظائف الراقية التي كانت وقفًا على المتحدثين بالتركية. وهكذا ارتبطت دراسة العربية الفصحى في الوجدان الشعبي بدراسة الدين، وأصبح رجل الدين والمتخصص في العربية شخصًا واحدًا هدفه الدين ووسيلته العربية. وأصبح الحديث باللهجات العربية واستخدام هذه اللهجات للإبداع الفني دليلا على الضعة الاجتماعية، وكانت التركية لغة السياسة والإدارة والطبقات الحاكمة في المجتمع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 الفصل الرابع عشر: العربية في القارة الإفريقية مدخل ... الفصل الرابع عشر: العربية في القارة الإفريقية العربية أكثر اللغات الوطنية انتشارًا في القارة الإفريقية، فأكثر من نصف سكان إفريقيا يتعاملون باللغة العربية. وإذا كانت اللغة العربية قد نشأت في آسيا وانتشرت في غربها بعد الفتح الإسلامي، فإن اللغة العربية قد انتشرت في القارة الإفريقية بصورة زادت مع الزمن حتى أصبح أبناء العربية في إفريقيا أكثر منهم في آسيا. وإذا كانت درجة انتشار اللغة العربية في إفريقيا تختلف من قطر لآخر، كما تختلف اللهجات العربية في القارة اختلافًا بعيدًا، فإن هذا يرجع إلى ظروف التعريب التي مرت بها كل منطقة من هذه المناطق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 1- تعريب مصر والنوبة والسودان : ارتبطت بداية تعريب مصر بالفتوح العربية الإسلامية وما صحب ذلك من هجرات بشرية تلتها موجات أخرى من القبائل العربية التي استقرت في مصر فذابت في أهلها، وبذلك أخذت هذه المجموعات الوافدة تتحول من النظام القبلي القائم على وحدة الدم إلى أنماط حضرية مغايرة تقوم على وحدة المكان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 وذوبان القبائل الوافدة وتحولها عن النظام القبلي يجعلها بالضروة لا تهتم بأنسابها القائمة على الدم، وتجعل التجمعات البشرية الناجمة عن اختلاطهم بالسكان الأقدم تترابط وتتغاير على أساس الموطن والمستقر، لا على أساس الأصل والنسب. وقد لاحظ المؤرخ الكبير المقريزي هذه الحقيقة في الأسطر الأول من كتابة: "البيان والإعراب عما بمصر من الأعراب" قال: "اعلم أن العرب الذين شهدوا فتح مصر قد أبادهم الدهر وجهلت أحوال أكثر أعقابهم". فلا شك أن الاستقرار ثم الاختلاط والإقامة في القرى والمدن مما يخلق ظروفًا موضوعية جديدة يصبح فيها الاهتمام بالأنساب أمرًا ثانويًّا لا قيمة له، وفي مثل هذه الظروف يصبح تتبع أحوال أعقاب الموجة البشرية العربية المصاحبة للفتح أمرًا غير ممكن. وقد سجل لنا المقريزي معلومات قيمة عن الموجات العربية المختلفة التي قدمت فاستقرت في أرض مصر، وحاول أن ينسب كل قبيلة إلى عرب الشمال أو على عرب الجنوب وذكر الخلاف في ذلكن يقول المقريزي: "جذام من قدماء عربان مصر قدموا مع عمرو بن العاص"، وهذه القبيلة من عرب الجنوب الذين كانوا قد هاجروا إلى الشمال، يقول المقريزي: "لحقت بالشام فانتمت إلى سبأ ولحقوا باليمن"1. ويبدو أن قبائل الجنوب التي هاجرت إلى مصر كانت من الناحية اللغوية قد تعربت بعربية الشمال قبل رحيلها إلى مصر، فأسهمت في تعريب مصر بلغة الشمال لا بلغة الجنوب، ولا ينفي هذا إمكان وجود تأثيرات جنوبية في الاستخدام اللغوي لهذه القبائل الجنوبية أصلا، الشمالية مهجرًا، المصرية مستقرًا. وتمثل قبيلة قضاعة أكبر تجمع قبلي هاجر إلى مصر في عهد عمر بن الخطاب، وتهجير القبائل إجراء سياسي عرفه التاريخ الإسلامي، ففي عهد   1 المقريزي: البيان والإعراب ص12 وحول تعريب مصر، انظر، أحمد مختار عمر: تاريخ اللغة العربية في مصر "القاهرة 1970". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 عمر بن الخطاب هجّر ثلث قبيلة قضاعة إلى مصر، فقد ذكر المقريزي أن بلى قبيلة عظيمة فيها بطون كثيرة، وكانت بلى بالشام، فنادى رجل من بلى بالشام: "يا لقضاعة! فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكتب إلى عامل الشام أن يسير ثلث قضاعة إلى مصر". وواضح من هذا الخبر أن عمر بن الخطاب رأى في الظروف التي أدت إلى استصراخ القبيلة وحدوث ذلك رده نحو عصبية قبلية كامنة، فكان تهجير ثلث القبيلة إجراء سياسيًّا يهدف إلى كسر حدة تكتل "قبيلة عظيمة فيها بطون كثيرة"، وهكذا جاءت هذه الموجة أرض مصر. وقبيلة قضاعة هذه مختلف في نسبتها إلى عرب الشمال أو عرب الجنوب. يقول ابن حزم: "وأما قضاعة فمختلف فيها، يقولون: هو قضاعة بن معد بن عدنان، وقوم يقولون: هو قضاعة بن مالك بن حمير" ويشير ابن حزم بعد ذلك إلى كتب بطليموس وكتب العجم التي تذكر قضاعة وتحدد مواضعها، قال: "وبلاد قضاعة متصلة بالشام، وببلاد يونان والأمم التي بادت ممالكها بغلبة الروم عليها وببلاد عدنان، ولا تتصل ببلاد اليمن أصلًا1" والواقع أن المصادر المتاحة لا تمكننا من الفصل في قضية أصل قضاعة، وأغلب الظن أن قضاعة من أصل جنوبي، وأنها قد هاجرت مع تلك القبائل العربية الجنوبية التي هاجرت إلى الشمال بعد انهيار سد مأرب، وأن قضاعة قد تعربت في مهجرها إلى الشمال بعربية الشمال تعربا ترك بعض السمات غير الشمالية في لهجتها، الأمر الذي جعل اللغويون ينصون على إعراضهم عن الاستشهاد بلغتها، ولو كانت لغتها جنوبية لما فكر فيهم أحد رفضًا أو قبولًا. ذكر الفارابي2 أنه لم يؤخذ لا من لخم ولا من جذام، فإنهم كانوا مجاورين لأهل مصر والقبط، ولا من قضاعة ولا من غسان ولا من إياد فإنهم كانوا مجاورين لأهل الشام.   1 ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص8 وقارن 440. 2 النص مقتبس عن كتاب الاقتراح للسيوطي ص 19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 وأكثرهم نصارى يقرءون في صلاتهم بغير العربية" فعربيتهم لم تكن إذن عربية جنوبية، بل كانت عربية شمالية مشوبة. هذا وقد كان اعتماد ابن مالك على لغة لخم وقضاعة وغيرهم مما أثار عليه نقد أبي حيان النحوي: "وليس ذلك من عادة أئمة هذا الشأن1" وينبغي لكل هذا ألا نبالغ في تصور الأثر الجنوبي في تعريب مصر، فهذه القبائل وإن كان بعضها -على ما يرجح من أصل جنوبي، فإنها كانت من الناحية اللغوية قد تعربت- بصفة عامة بعربية الشمال، قبل أن تخرج بإرادتها أو بأمر الخليفة مهاجرة إلى مصر، وهذا لا ينفي الانتماء الشعوري لهؤلاء، ولا ينفي ترابط القبائل ذات الأصل الجنوبي في عصبية واحدة جمعتهم فترة ما قبل أن يذوبوا مع السكان الأقدمين في مصر. وفي العصر الأموي حاولت الدوائر الحاكمة إحداث توازن بين عرب الشمال وعرب الجنوب في مصر، والمضي قدمًا في تعريب مصر، فنقلت عدة قبائل شمالية إلى مصر كي تحقق توازنًا مع هؤلاء الذين احتفظوا في وجدانهم الجماعي بأصولهم الجنوبية، وكي تمضي عملية التعريب في مصر على نحو أسرع. فتهجير قبائل شمالية إلى مصر إجراء سياسي اتخذه الخليفة هشام بن عبد الملك سنة 109 هجرية، ذكر المقريزي: "وكان نزول سليم وعدة قبائل من قيس في أرض مصر سنة تسع ومائة .... ولم يكن بأرض مصر أحد من قبس قبل ذلك إلا من كان من فهم وعَدْوَان فإنهما من قيس". وقد ذكر المقريزي أن هذا القرار السياسي ثم استجابة من الخليفة لرغبة عامل خراج مصر، إذ سأله أن ينقل إليها من قيس أبياتا، فأذن له هشام في الحاق ثلاثة آلاف منهم، وتحويل ديوانهم إلى مصر، على أن لا ينزلوا بالفسطاط .... فأنزلهم الحوف الشرقي وفرقهم فيه"2. وفي موضع آخر ذكر المقريزي أنهم نزلوا منطقة بلبيس، وهذا ما يدفعنا إلى افتراض أنهم نزلوا المنطقتين،   1 الاقتراح للسيوطي ص20. 2 المقريزي: البيان والإعراب ص66. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 ولعل تشابه بعض اللهجات في الشرقية مع لهجات في الصعيد إنما يرجع إلى هجرة نفس القبائل إلى كلتا المنطقتين. واستمرت هجرات عرب الشمال إلى مصر في العصر الطولوني. فنزلت قبائل من اليمامة في صعيد مصر في العقد الخامس من القرن الثالث الهجري، وفي هذا يقول المقريزي: "كانوا ينزلون اليمامة وقدموا مصر في خلافة المتوكل على الله أعوام بضع وأربعين ومائتين في عدد كثير، وانتشروا في النواحي، ونزل طائفة منهم بأعلى الصعيد، وسكنوا بيوت الشعر في براريها الجنوبية وأوديتها". وفي العصر الفاطمي عرفت مصر موجتين بشريتين عربيتين، لهما أهمية كبرى في تاريخ التعريب في مصر والسودان والمغرب، لقد هاجرت إلى مصر "جهينة"، كما هاجر إليها بنو هلال وبنو سليم. أما عرب "جهينة" الذين تنتسب إليهم اليوم، أكثر قبائل السودان العربية، فقد نقلوا إلى مصر بقرار سياسي اتخذه الساسة الفاطميون، يقول المقريزي: "وأما جهينة فإنها من قبائل اليمن .... وهي قبيلة عظيمة وفيها بطون كثيرة ..... وكانت مساكنهم في بلاد قريش، فأخرجتها قريش بمساعدة عسكر الفاطميين، ونزلوا في بلاد إخميم أعلاها وأسفلها". وهكذا كان تهجير عرب "جهينة" قرارًا سياسيًّا اتخذه الفاطميون فأسهم في إضافة عنصر عربي إلى مصر. وكانت العوامل السياسية كذلك وراء تهجير بني هلال وبني سليم إلى مصر وإخراجهم منها بعد ذلك، وكانت هذه الموجة العربية الشمالية مثار اهتمام ابن خلدون، وهو مصدرنا الأول في دراسة هذه الهجرة الضخمة ذات العدد الوفير. يذكر ابن خلدون أن "بطون هلال وسليم كانوا يجوبون قفر الحجاز ونجد .... فبنو سليم مما يلي المدينة، وبنو هلال في جبل غزوان عند الطائف، وربما كانوا يطوفون رحلة الصيف والشتاء أطراف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 العراق والشام"1. إن بني هلال وبني سليم من عرب الشمال، ولكن تحالف بني هلال وبني سليم مع القرامطة ثم اندحار القرامطة جعل بني هلال وبني سليم في مركز حرج لم ينقذهم منه إلا دعوتهم إلى مصر الفاطمية، يقول ابن خلدون: " .... ثم تحيز بنو سليم والكثير من ربيعة بن عامر إلى القرامطة عند ظهورهم، وصاروا جندًا لهم بالبحرين وعمان ..... ولما تغلب شيعة ابن عبيد الله المهدي على مصر والشام نقل أشياعهم من العرب من بني هلال وسليم فأنزلهم بالصعيد وفي العدوة الشرقية من بحر النيل، فأقاموا هناك"2. وهكذا جاء الفاطميون الشيعة بأنصار القرامطة الشيعة إلى مصر، وسنشير –بعد– إلى خروج الهلالية من مصر إلى المغرب "تغريبة بني هلال"، ولا بد هنا أن نتحفظ قليلًا، فلم يهاجر كل الهلالية إلى المغرب "تغريبة بني هلال"، ولا بد هنا أن نتحفظ قليلًا، فلم يهاجر كل الهلالية إلى المغرب، بل بقيت بطون منهم في مصر، ذكر المقريزي في وقت لاحق للتغريبة أن "ببلاد الصعيد عدة قبائل من العرب، ففي بلاد أسوان وما تحتها بنو هلال"3. وأغلب الظن أن الموجات البشرية استمرت بعد ذلك، ففي عهد صلاح الدين جاءت هجرة كان العدوان الصليبي قد قطع عليها الطريق إلى مصر، يقول المقريزي: "فلما فتح صلاح الدين .... بلاد غزة، وأعادها من أيدي الفرنج إلى المسلمين جاءت ثعلبة وطائفة من جرهم إلى مصر، وبقيت بقايا جرهم في مكانها"4، وليس من مجال بحثنا هنا أن ننظر في حركات بشرية تالية، فما شأننا بها في وقت كانت مصر قد تعربت تعريبًا كاملًا. غير أن نود أن نشير هنا إلى أحداث جعلت العرب الوافدين يذوبون في الكيان المصري، فلم يكونوا مجموعة لغوية متميزة كما حدث مثلًا عندما.   1 ابن خلدون: العبر 6/ 27. 2 المرجع السابق 6/ 28. 3 المقريزي: 27 – 28. 4 المقريزي: 5 – 6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 هاجرت جماعات جرمانية من وسط أوروبا إلى شرقها، بل ساعدت عوامل مختلفة على انصهارهم في بوتقة واحدة مع السكان الأقدمين. لقد احتفظت القبائل الوافدة فترة من الزمن بالبداوة، إذ نزلوا في مناطق خاصة بهم، عاشوا في فخر الغزاة المحاربين ذوي الرواتب. كان عمر بن الخطاب قد حرم عليهم امتلاك الأرض، فأقاموا في معسكرات خاصة بهم أبقت لهم شخصيتهم متميزة وصقلت لغتهم على نحو قضى على كثير من الفروق المحلية غير الشائعة، وظلت لهم رواتبهم باعتبارهم طبقة عسكرية فاتحة حتى انتهى العصر الأموي. ودفعت عدة عوامل السكان الأصليين إلى تعلم العربية، فهي لغة الدين ولغة القرآن، وهي منذ حوالي 87هـ اللغة الرسمية للدولة، وهي لغة الطبقة العربية الحاكمة، وكل هذا جعل الطامحين في مكانة اجتماعية رفيعة أو في التعامل والتكامل في الدولة الإسلامية يحاولون تعلم العربية. وفي القرن الثاني الهجري زاد الاختلاط بين العرب والسكان الأصليين في مصر، إذ سمح للعرب الوافدين بامتلاك الأرض، وفي هذا يقول المقريزي: "ولم ينتشر الإسلام في قرى مصر إلا بعد المائة من تاريخ الهجرة". وهنا نسجل اتجاه كثير من العرب –في وقت كانت مكانة العربية قد استقرت فيه– إلى الاستقرار في الريف، وهذا ما أتاح مزيدًا من التعريب ونشر الدين خارج مراكز الثقل في المدن والتجمعات العسكرية. ولا نكاد نمضي طويلا حتى نصل في خلافة المعتصم العباسي "218 – 227هـ" إلى نقطة تحول مهمة في وضع العرب في مصر، لقد انتقل الحكم إلى العباسيين اعتمادًا على العناصر غير البدوية، فتكون الجيش الاسلامي من غير البدو، وهنا فقد العرب وظيفتهم كطبقة عسكرية في مصر، ولم تعد لهم أهمية بالنسبة للدولة، فحرم البدو من رواتب الدولة التي كانت تؤدي إليهم باعتبارهم جنودًا1. وفي هذا يقول المقريزي: "فانقرضت دولة العرب   1 انظر مقدمة عبد المجيد عابدين لتحقيق كتاب المقريزي ص104. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 من مصر، وصار جندها العجم والموالي من عهد المعتصم". وأدى هذا الموقف الجديد إلى توطين كثير من البدو المسرحين في الريف فأسهموا في تعريب الريف، ورفض بعضهم احتراف الزراعة وفضل الهجرة جنوبًا إلى منطقة تشاد -وهو ما نشير إليه فيما بعد. وهاجر بعض هؤلاء الوافدين إلى الجنوب الشرقي لصعيد مصر. وكانت قبائل ربيعة قد نزلت أرض مصر في العصر الطولوني، ثم هجرتهم الدولة جنوبا لوقف إغارات البجة الذين كانوا يتحكمون في المنطقة ويرهبون الحجاج، وما أن قتلوا حاكم فقط -على البحر الأحمر- ومن معه من الحجاج حتى دفعت الدولة قبائل ربيعة لكبح جماح البجة، فقاوموهم، ثم تزوجوا منهم واستولوا على معدن الذهب بالعلاقي، فكثرت أموالهم واتسعوا في أحوالهم". وعن هذا التزواج بين البجة وربيعة نجمت أسرة "أولاد الكنز" نسبة إلى جدهم صاحب النفوذ في العصر الفاطمي الملقب بكنز الدولة، وظل الكنوز أصحاب نفوذ في جنوب مصر حتى قضى العادل أبو بكر بن أيوب عليهم سنة 570هـ،1 وبذلك أسهم تهجير ربيعة واختلاطها بالبجة في تعريب هذا القطاع البشري بين الوادي والبحر الأحمر. وقد ظلت منطقة النوبة بعيدة عن موجات تعريب مصر، ولهذا تفسير تاريخي واضح المعالم، فقد عرف النوبيون في فجر الفتح الإسلامي مملكة نوبية متحدة عاصمتها دنقلة "تنطق: دنجلة بجيم مصرية"، ومملكة علوه وعاصمتها سوبه. وظل النوبيون وثنيين حتى القرن السادس الميلادي عندما انتشرت المسيحية بين النوبة والبجة. ولم تتجاوز الجيوش العربية الفاتحة حدود مملكة النوبة، بل وقفت دونها وارتبطت النوبة مع مسلمي الشمال بمعاهدة عقدت سنة 651هـ عرفت باسم البقط "عن الكلمة اللاتينية Pactum وتعنى التعاهد أو الحلف" وقد نصت هذه الاتفاقية على عدم إقامة العرب في النوبة مقابل التزامات أخرى يلتزم بها النوبيون2، والملاحظ هنا أن البقط منع إقامة   1 المقريزي: 44. 2 انظر كتاب مصطفى مسعد "الإسلام والنوبة" وكذلك: المقريزي في المواعظ والاعتبار "بولاق" 1/ 200، والبلاذري في: فتوح البلدان "نشرة دي خويه، ليدن 1866" ص 396، والمسعودي في: التنبيه والإشراف "نشرة ذي خوبيه ليدن 1897" ص 329- 330. والنص عند المقريزي: "على أن تدخلوا بلدنا مجتازين غير مقيمين فيه، وندخل بلدكم مجتازين غير مقيمين فيه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 العرب في المنطقة فحال دون تعريبها. واستمرت مملكة النوبة في عزلتها عن العربية حتى أن ابن سليم الأسواني الذي زار النوبة سنة 365هـ لاحظ أن العرب الذين اختلطوا بالنوبة، قد تعلموا النوبية وكادوا ينسون العربية. واستمرت الحال في النوبة على هذا النحو إلى أن تحولت إلى منطقة تابعة لمصر في القرن الثالث عشر الميلادي على أثر خلاف على عرش مملكة النوبة أدى بنفوذ القاهرة إلى تعيين حاكم من الكنوز المتعربين. ويبدو أن تحول النوبة إلى الإسلام كان بطيئًا، ففي القرن الرابع عشر ذكر ابن بطوطة1 أن حاكمهم مسلم وأنهم مسيحيون. أما تعريب المناطق الواقعة بين وادي النيل والبحر الأحمر فقد زاد، إذ اهتم الفاطميون بتحويل التجارة إلى البحر الأحمر كي ينافسوا العباسيين، فازدهرت المحطات التجارية على الساحل السوداني للبحر الأحمر، وازدهر كذلك ثغر عيذاب. وبعد تخلص المماليك من الاحتلال الصليبي في الشام عادت التجارة إلى طريقها القديم. كانت الحركة التجارية قد دفعت بكثير من العرب إلى منطقة ساحل البحر الأحمر فأسهموا في تعريبها، وعندما كسدت الحركة التجارية عبر البحر الأحمر أخذوا يسلبون العابرين، وكان أن انقضوا على ركب يمني قادم إلى مصر يحمل هدايا لسلطان المماليك، فتحرك جيش السلطان وهزم هؤلاء البدو في معركة أسوان سنة 754هـ، فهرب بعضهم مهاجرًا إلى السودان وهنا حدثت خلخلة بشرية في هذه المنطقة جعلت السلطان يعمل على نقل الهوارة –وسيأتي ذكرهم- إلى المنطقة. وفي النصف الثاني من القرن الرابع عشر الميلادي كان عدد كبير من   1 رحلة ابن بطوطة ص68. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 القبائل العربية قد تجاوز حدود النوبة جنوبًا، يقول ابن خلدون: "وبالصعيد الأعلى من أسوان وما وراءها إلى أرض النوبة إلى بلاد الحبشة قبائل متعددة وأحياء متفرقة، كلهم من جهينة -إحدى بطون قضاعة- ملئوا تلك القفار وغلبوا النوبة على مواطنهم وملكهم، وزاحموا الحبشة في بلادهم وشاركوهم في أطرافها1". والواقع أن هجرة بطون كثيرة من جهينة إلى السودان كانت قد تمت في عصر ابن خلدون، ولا تزال آثار هذه الهجرات واضحة في السودان العربي، فالتجمعات البشرية المسماة باسم: رفاعة والكبابيش ودار حامد والبقارة في كوردفان ودارفور والمناطق الغربية تنسب نفسها إلى جهينة. وينبغي أن نوضح هنا أن هذه التجمعات البشرية إنما نتجت عن الاختلاط بين العرب المهاجرين والسكان الأقدم. وهذه أيضًا حال التجمع البشري العربي الثاني في السودان، ويطلق عليهم اسم "الجعليين"، وهؤلاء الجعليون منتشرون في المنطقة الممتدة من الحبشة إلى تشاد، وهكذا كان تعريب السودان مرتبطًا بالهجرات الوافدة عبر مصر، ولم يتضح بعد دور الهجرات عبر مضيق باب المندب والتي تفترض أنها أمدت السودات كذلك بدماء عربية ولسان عربي، ولكنا لا نستطيع القول بالرأي في هذا لنقص المصادر.   1 ابن خلدون 6/ 10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 2- المغرب وتعريب البربر : كانت هجرة بني هلال وبني سليم هي العامل الحاسم في تعريب المغرب في القرن الحادي عشر الميلادي، فالفتح الاسلامي كان ذا أثر في تعريب منطقة الساحل، وفي هذا يقول ابن خلدون: "العرب لم يكن المغرب لهم في الأيام السابقة بوطن، وإنما انتقل إليه في أواسط المائة الخامسة أفاريق من بني هلال وسليم اختلطوا في الدول هناك"1. وفي موضع آخر يقول ابن خلدون:   1 المرجع السابق 6/ 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 العرب لم يوطنوا المغرب، ثم إنهم دخلوا إليه في منتصف المائة الخامسة وأوطنوه، وافترقوا بأحيائهم وحللهم في جهانة1". والعبارتان تحملان قدرًا من التعميم الذي لا تبرره القرائن التاريخية التي نستقي بعضها من كتابات ابن خلدون نفسه، وعنصر التعميم هنا نفي ابن خلدون وجود تعريب في المغرب قبل الهجرة الهلالية. وقد لاحظ اللغوي الفرنسي وليام مارسيه وجود مجموعتين اثنتين من اللهجات العربية في المغرب2 فالمدن الساحلية مثل القيروان وتونس وتلمسان وفاس تختلف في لهجاتها -وهي متشابهةمتقاربة- عن لهجات البدو والمناطق الريفية ومنخضات برقة وجنوب تونس والريف الجزائري وجنوب المغرب والسواحل الجنوبية. وبهذا تنقسم لهجات المغرب إلى مجموعتين متميزتين، تمثل كل مجموعة منهما مرحلة بعينها من مرحلتي تعريب المغرب. فالمجموعة الأولى وريث اللغة المشتركة التي تكونت في القرون الثاني والثالث والرابع للهجرة مع قيام المدن العربية في المغرب، والمجموعة الثانية وريث لهجات بني هلال وبني سليم. المجموعة الأولى -في المقام الأول- لهجات مدن، ويدعم هذا قول ابن خلدون عن عرب الفتح في المغرب: "إن الملك الذي حصل لهم يمنعهم من سكنى الضاحية ويعدل بهم إلى المدن والأمصار". وينبغي أن نلاحظ هنا أن هذه المجموعة من اللهجات تضم كذلك عددًا من اللهجات التي أثبتتها الدراسات الميدانية الحديثة للمناطق الزراعية التالية: الساحل التونسي، المنطقة الساحلية شمال قسطنطينة، ومنطقة تراره شمال قسطنطينة، وكذلك مرتفعات   1 المرجع السابق 6/ 27. 2 انظر البحث التالي: W. Marcais, Comment Lafrique du Nord s'est arabisee, dans amales de lInst. Det. Orient. Facult, Lettres d'alger 1938, t. IV". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 جبالة في شمال فارس، وكل هذه اللهجات تكون مجموعة واحدة تتفق في عدد من الخصائص التي تميزها عن اللهجات العربية الأخرى في المغرب. فالمجموعة الأولى أقدم من المجموعة الثانية، يتضح هذا من كثرة الألفاظ البربرية بها، كما يتضح من أثر اللغة البربرية في هذه اللهجات. إن هذه اللهجات كانت في القرون الأولى جزرًا لغوية عربية في منطقة تحيط بها لهجات بربرية مختلفة. ومع هذا فقد تم في وقت مبكر تعريب قسم من البربر، فلا شك أن التعامل بالعربية مع مراكز الحكم جعل بعض البربر المحيطين بتلك المراكز يقبلون على تعلم العربية، وليس صحيحًا أن المناطق التي تعربت قبل الموجة الهلالية في القرن الحادي عشر الميلادي كانت تضم عرب الفتح وحدهم، فالبربر الذين بادروا إلى الإسلام وانتظموا في جيوش الفتح الإسلامي الزاحف إلى الأندلس اختلطوا بالعرب وتزاوجوا معهم، فاتخذت كثرة من الأسر الإسلامية الجديدة أنسابًا عربية ليدخلوا في الأرستقراطية الحاكمة. وبعد تأسيس مدينة فاس سنة 193هـ أصبحت هذه المدينة مركزًا للعرب والمتعربين في المغرب ولمن اضطروا لهجر الأندلس أو تونس في الظروف السياسية المضطربة. وفي نفس الوقت كانت العلاقات بين الأندلس والمغرب الأقصى تدعم مكانة العربية باعتبارها لغة التعامل المشتركة فضلا عن كونها لغة القرآن الكريم، وبذلك أسهمت هذه العلاقات في تعريب المنطقة. وقد لاحظ الباحثون تشابه ما عرف عن اللهجات العربية في أسبانيا والاستخدام اللغوي في هذه المدن المغربية الأولى. أما المجموعة الثانية من اللهجات العربية في المغرب فهي لهجات تتحدث بها مجموعات بشرية تنتسب إلى بني هلال وبني سليم. ومعروف أن هجرة بني هلال وبني سليم على المغرب "تغريبة بني هلال" أحدثت أكبر تحول بشري عرفته المنطقة في العصور الوسطى. وينبغي أن نقف قليلا لنتابع ظروف تحركاتهم وخط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 سيرهم، فقد دخل الهلاليون مصر الفاطمية بدعوة من حكامها وعاشوا في الصعيد حياة بدوية، الغزو أحد مقوماتها "فعم ضررهم، وأحرق البلاد والدولة شررهم". وما لبث الفاطميون أن فكروا في دفعهم إلى المغرب ليقفوا في وجه البربر من صنهاجة الذين ثاروا على التبعية للفاطميين. وفي هذا يقول ابن خلدون: "دفعهم إلى حرب صنهاجة، ليكونوا عند نصر الشيعة والسبب في الدفاع عن الدولة، فإن صدقت المخيلة في ظفرهم بالمعز وصنهاجة كانوا أولياء للدعوة وعمالا بتلك القاصية، وارتفع عدوانهم عن ساحة الخلافة، وإن كانت الأخرى فلها ما بعدها"1. وترغيبًا لبني هلال في دخول المغرب "وصل عامتهم بعير ودينار لكل منهم، وأباح لهم إجازة النيل، وقال لهم أعطيتكم المغرب وملك المعز بن بلكين الصنهاجي العبد الآبق فلا تفتقرون"2. وهكذا تحركت بطون كثيرة من بني هلال متجهين إلى المغرب العربي، وفي هذا يقول ابن خلدون: "سارت ... جميع بطون هلال إلى أفريقية كالجراد المنتشر لا يمرون بشيء إلا أتوا عليه حتى وصلوا أفريقية سنة ثلاث وأربعين "443هـ"3. وهكذا بدأت "تغريبة بني هلال" وبدأت بذلك سلسلة طويلة من الصدام والصراع بين الغازين وأبناء المنطقة. وقد اهتم ابن خلدون بهذه الموجة، واستخدم مصطلح "عرب الفتح" للدلالة على الموجة العربية الأولى التي دخلت المغرب، فهو يقول: "ولما تزاحم الفريقان انخذل بقية عرب الفتح وتحيزوا للهلالية للعصبية القديمة، وخانته زناتة وصنهاجة وكانت الهزيمة على المعز"4، وهكذا دخل بنو هلال وبنو سليم المغرب. وبعد فترة سادها الصدام البدوي المعتاد والغزوات المتجددة، لاحظ الهلالية والبربر أن نمط حياتهم ومثلهم متشابهة متماثلة، وفي هذا يقول ابن خلدون:   1 ابن خلدون 6/ 30. 2 المرجع السابق 6/ 30–31. 3 المرجع السابق 6/ 31. 4 المرجع السابق 6/ 32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 البربر "أشبه الخلق بالعرب" فالبداوة ليست ظاهرة عربية ينفرد بها العرب، وما زلنا نعرف إلى اليوم بدوًا من البربر في المغرب، بل ويعتبر الطوارج "بجيم مصرية" أكثر البربر تبديا، وهم لا يمتون بصلة مباشرة إلى العرب، فهم لا يستخدمون في التعامل اليومي المحلي البربرية. كان البربر والعرب الغازون يمثلون نمطًا من أنماط الحياة يقوم على الرعي، ويدور داخل القبيلة، ويحتفل بالدم والأنساب. وأدى هذا التشابه إلى الاندماج بين العرب والبربر. وكان من الممكن أن يؤدي هذا الاندماج إلى ذوبان العرب في البربر لولا أن اللقاء كان في إطار الإسلام والحضارة العربية الإسلامية وبذا كان هذا الإندماج مشجعًا على تعريب أكثر البربر في المغرب. ونستطيع تتبع مراحل التعريب في ضوء ما كتبه المؤرخ ابن خلدون في القرن الرابع عشر الميلادي، فهو يصور لنا ثلاثة قرون من الانتقال المكاني والاندماج البشري والتحول اللغوي في المغرب. لقد صور ابن خلدون انتشار العرب في المغرب قبل تغريبة بني هلال قائلًا: "إن آخر مواطن العرب كانت برقة، وكان فيها بنو قرة بن هلال بن عامر .... ولما أجاز بنو هلال وسليم إلى المغرب خالطوهم في تلك المواطن، ثم ارتحلوا معهم إلى المغرب .... وبقي في مواطنهم لهذا العهد -القرن الرابع عشر الميلادي- أحياء بن جعفر"1. ومضت تحركات الهلالية وزاد اندماجهم لا مع عرب الفتح فحسب، بل مع البربر كذلك. ويهمنا هنا أن كثيرًا من القبائل البربرية قد تعربت بين القرنين الحادي عشر عندما دخل الهلالية، والرابع عشر عندما دون ابن خلدون كتابة: العبر. لقد تعربت قبائل بربرية كثيرة، فقبيلة كتامة من قبائل البربر2 ولكنها كانت قد تعربت باندماج أهلها مع بني   1 المرجع السابق 6/ 8 -9. 2 جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص51. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 سليم، وأخذ التجمع البشري الناتج ينتسب إلى بني سليم، وفي هذا يقول ابن خلدون: وهم ينتفون من نسب كتامة ويفرون منه لما وقع من أربعمائة سنة من النكير على كتامة بانتحال الرافضة وعداوة الدول بعدهم فيتفادون الانتساب إليهم، وربما انتسبوا في سليم من قبل مضر، وليس بصحيح"1. وذكر ابن خلدون بطونًا أخرى، كانت بربرية ثم اختلطت وتعربت فنسبت نفسها إلى العرب2. ومن أهم الأمثلة الدالة على تعريب قبائل من البربر بين القرنين الحادي عشر والرابع عشر تعربًا كاملًا ما دونه ابن خلدون عن الهوارة3، فهذه القبيلة الكبرى كانت من بطون البرانس، يتفق في هذا نسابة البربر والعرب، وكانت مواطنهم في القرن العاشر الميلادي -كما نقل ابن خلدون عن البكري- بنواحي طرابلس وما يليها من برقة4، ولكنهم اختلطوا أول الأمر ببعض الهذليين الذين "جاءوا من مواطنهم بالحجاز مع العرب الهلاليين عند دخولهم إلى المغرب، واختلطوا بهوارة وحطوا في عدادهم"5. ويبدو أن اشتغالهم بالتجارة مع بلاد السودان عبر الصحراء ومع الإسكندرية عبر الساحل جعلهم ينتشرون في منطقة واسعة ويختلطون ببني سليم. وكانت بطون من بني سليم تعمر المنطقة الممتدة من الإسكندرية إلى برقة، وبمضي الوقت اندمج الهوارة في بني سليم فأصبحت منازلهم جميعًا بين برقة والإسكندرية، وما نكاد نصل إلى القرن الرابع عشر الميلادي حتى نجد الهوارة "صاروا في عداد الناجعة -عرب بني سليم- في اللغة والزي وسكنى الخيام وركوب الخيل والإبل وممارسة الحروب وإيلاف الرحلتين في الشتاء والصيف في تلولهم، قد نسوا رطانة البربر واستبدلوها بفصاحة العرب، فلا يكاد يفرق   1 ابن خلدون 6/ 304 2 المرجع السابق 6/ 380. 3 جمهرة أنساب العرب لابن حزم 500. 4 ابن خلدون 6/ 284. 5 المرجع السابق 6/ 289. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 بينهم"1. وهكذا تحرك الهوراة شيئًا فشيئًا مقتربين من مصر وقد تعربوا باندماجهم مع بطون من بني سليم. ويبدو أن عددًا من الهوارة تحرك جنوباً إلى فزان فكانت لهم بها محطة تجارية عظيمة، أو كما يقول ابن خلدون: "كان لهم بها ملك ودولة"2. ولم تكن هوارة القبيلة البربرية الوحيدة التي اختلطت مع عرب بني سليم وبني هلال فتعربت، فابن خلدون يذكر أن المنطقة الممتدة غرب الدلتا كانت بها "قبائل رحالة ينتقلون في نواحي البحيرة هنا، ويعمرون أرضها بالسكنى والفلح ويخرجون في المشاتي إلى نواحي العقبة وبرقة" ويذكر ابن خلدون من هذه القبائل "بعض بطون لواته" ثم يقول: "ويندرج فيهم أخلاط من العرب والبربر لا يحصون كثرة"3. ولنقف قليلا عند نسب قبيلة لواته، فهي قبيلة من البربر تعربت شيئًا فشيئًا، وما نكاد نصل إلى عصر المقريزي حتى نجده يذكرهم بين القبائل العربية في مصر، ويقول: "وفي معظم بلاد البهنسا لواته، ومنهم طوائف بالجيزة وبالمنوفية"4. وهكذا نلاحظ تحرك البربر المتعربين من المغرب الأوسط إلى البحيرة ثم إلى المنوفية والجيزة. ولكن انتشار البربر المتعربين لم يقتصر على الوجه البحري، فقد ذكر المقريزى هوارة، وحار في أصلها بين العروبة والبربرية5. ثم حدد منازلهم في عصره قائلا: "ثم قدم منهم طوائف إلى أرض مصر، ونزلوا بلاد البحيرة .... وهوارة التي ببلاد الصعيد أنزلهم الظاهر برقوق بعد وقعة بدر بن سلام هنا سنة   1 المرجع السابق 6/ 288. 2 المرجع السابق 6/ 191 – 192. 3 المرجع السابق 6/ 10. 4 البيان والإعراب للمقريزي 27 – 28. 5 المرجع السابق 58. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 اثنين وثمانين وسبعمائة تخمينًا"1، وهكذا دخلت مصر عدة قبائل عربية اللغة بربرية الأصل، فأسهمت في تعريب مصر بعد أن عربهم بنو سليم وبنو هلال في تغريبتهم بعد خروجهم من مصر. ولننظر بعد هذا فيما كتبه ابن خلدون عن قبائل البربر المقيمين في المغرب في عصره، فنلاحظ مع الباحثين أن عددًا من القبائل البربرية التي ذكرها ابن خلدون في المغرب الأقصى والأوسط قد تعربت، فقبيلة زناتة البربرية2 كانت في عصر ابن خلدون قبيلة بربرية كبيرة، يقول: "وشعارهم بين البربر اللغة التي يتراطنون بها، وهي مشتهرة بنوعها عن سائر رطانة البربر، ومواطنهم في سائر مواطن البربر بأفريقية والمغرب"3، ولكن أين هم اليوم؟ لقد ظهرت في المنطقة تجمعات بشرية جديدة تنسب نفسها جميعًا إلى بني هلال وبني سليم وتتوسل بالعربية، ولو سلمنا بأنهم جميعًا من أحفاد الهلالية والسليمية لتصورنا المنطقة كانت خالية قبل التغريبة. والأدنى إلى الصواب أن نقول بأن هؤلاء البربر، ومنهم القبيلة العظيمة زناتة قد تزاوجوا مع العرب، فتعربوا كما تعربت هوارة ولواته قبل ذلك، وبذلك تغيرت الصورة اللغوية للمغرب، فأصبحت، ربوعه –بعض النظر عن الجزر اللغوية البربرية- عربية اللسان. وختامًا لا بد أن نشير إلى أن المصادر التي ترسم لنا مراحل التعريب بعد القرن الخامس عشر لم تر النور بعد، وربما تكون المخطوطات العربية المغربية حافلة بمعلومات في هذا. غير أنا نود أن نوضح أن أكثر التنظيمات العشائرية هناك إنما ترجع على الأرجح إلى فترة الحكم التركي، وهي لا تنسب نفسها إلى زناته أو لواته، بل هي أولاد سيدي .... واليوم لا نجد التوزيع القديم، ولا نجد   1 المرجع السابق 58. 2 جمهرة أنساب العرب لا بن حزم 495. 3 ابن خلدون 7/ 3 وكذلك 7/ 13–14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 اللهجات البربرية الباقية إلا في مناطق مرتفعة. وهنا يحضرنا قول ابن خلدون: "إن العرب لا يتغلبون إلا على البسائط" أي على الأرض السهلة، فالواقع أن موجة التعريب وقفت عند جبال البربر العالية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 3- العربية جنوب دول المغرب : لا تقتصر العربية على الدول التي توصف اليوم بأنها من الدول العربية،* فانتشار اللغة العربية في موريتانيا لا يكاد يقل عنه في المملكة المغربية. وفي حديثنا عن تعريب المغرب كنا نتناول كذلك منطقة موريتانيا التي تمر بنفس الظروف والموجات البشرية تقريبًا، وعرفت الاختلاط بين العرب والبربر وغيرهم مما أتاح لها نوعًا من التعريب. ولا ينفي هذا أن اللهجات البربرية هي اللغات الأصلية لنصف سكان موريتانيا، فيما يقال، وأن نصف هؤلاء يستطيع التعامل بالعربية والبربرية، أي أن ثلاثة أرباع أبناء موريتانيا يستخدمون العربية لغة أساسية أو لغة تعامل أو لغة دين، رغم أن اللغة الفرنسية هي لغة الدولة الرسمية. ويواجهنا موقف مشابه إذا اتجهنا في المنطقة الممتدة من السنغال ومالي إلى تشاد، فالعربية مستخدمة هناك في مناطق كثيرة تارة لغة أم وأخرى لغة تداول. وتختلف كثافة هذه المناطق العربية من منطقة لأخرى، فالبحث لا يزال قاصرًا على استيعاب القارة الإفريقية لغويًّا. غير أنا نكتفي هنا بملاحظة بارت Barth وناختيجال1 Nachtigal أن العربية منتشرة من شمال السنغال ومنطقة النيجر إلى تمبكتو، ثم من بورنو إلى دارفور، والمنطقة الوحيدة التي ينقطع فيها استخدام العربية هي المنطقة من بورنو إلى تمبكتو. وأكبر تجمع بشري يستخدم العربية كلغة أم في هذه المنطقة هم ذوو حسان،   1 اعتمدنا في هذا على بحث G.Kampffmeyer, Materialen Zum Studium der arabischen Beduinendialekte Innerafrikas, in: MSOS II 1899 II pp. 143 – 221. * دخلت موريتانيا -في أثناء طبع هذا الكتاب– عضوًا في جامعة الدول العربية وذلك سنة 1973. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 وتسمى لهجتهم العربية باسم "الحسانية". وهو الحسانية أو بنو حسان أو ذوو حسان يتحدثون العربية في حياتهم الخاصة. وقد دون ابن خلدون أول إشارة وصلت إلينا عن هؤلاء العرب الذين يطلق عليهم "عرب المعقل"، وقد عد ليو الإفريقي ذوي حسان أحد فروع ثلاثة كان عرب المعقل ينقسمون إليها1. يقول ابن خلدون: "كان عرب المعقل منذ دخول عرب الهلاليين إلى صحراء المغرب الأقصى أحلافًا وشيعًا لزناتة "العبر 7/ 175". فهؤلاء العرب ربما جاءوا هذه المنطقة مع الهلالية، وربما جاءوا المغرب قبل الهلالية، أو قبيل الهلالية، غير أنا لا نستطيع لقلة المصادر الفصل في هذا، ولكن عبارة ابن خلدون تشير إلى كون عرب المعقل هناك عند دخول الهلالية صحراء المغرب الأقصى. لقد ألف بنو حسان بالعربية تراثًا لا تزال صورته غير واضحة المعالم، ولعل المكتبات الخاصة والعامة تميط اللثام قريبًا عن هذا التراث غير أنا نود هنا الإشارة على كتاب ألفه محمد بن أحمد يور العاقل الديماني بعنوان: "أخبار الأخبار بأخبار الآبار"2. يقول المؤلف في كتابه بالأصل العربي لبني حسان، يقول: "لا خلاف   1 في القرن السادس عشر الميلادي ألف الحسن الوزان، المعروف باسم Leo Afrikanus ليو الإفريقي كتابًا ضخمًا في "وصف أفريقية" باللغة العربية، لم يصل إلينا إلا في ترجمته الإيطالية وفي الترجمات الفرنسية واللاتينية والإنجليزية والهولندية المنقولة عن الترجمة الإيطالية. وأغلب الظن أن هذا الكتاب ثمرة معايشة وملاحظة استمرت سنين طويلة، وإلا ما استطاع مؤلفه أن يدون ملاحظات مفصلة بعد عثر سنوات من مفارقته القارة الإفريقية دون أن يقرأ طول هذه الحقبة كتابًا عربيًّا واحدًا في موضوع كتابه. وعلى الرغم من عدم وضوح أسماء الأعلام والقبائل الإفريقية عند ليو الإفريقي نستطيع أن نجد في وصف أفريقية ما لا نجده في المصادر العربية المتاحة، فهو يذكر بطون معقل-وهم هؤلاء العرب المقيمون في مالي- ويقسمهم إلى ثلاثة تجمعات منهم حسان، ويقسم عرب إفريقيا عمومًا إلى قبائل شاهين وقبائل هلال وقبائل معقل 2 نشر رينيه باسيه R Basset هذا الكتاب العربي ضمن كتابه: Mission au Senegal Paris "1909". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 بين علمائنا وأهل النسب من قدمائنا كسيد محمد والد صاحب أنساب أهل الصحراء، وشيخه محمد السيد إلى أن بني حسان أصلهم عرب1. وذكر المؤلف بعد ذلك شراء شعرًا في مدح بني حسان بأنهم ورثوا الإقدام والجود والنجدة من قريش، وأنهم من نسل جعفر بن أبي طالب، ثم قال بعد ذلك: "وقد شاع هذا النسب على ألسنة العامة والخاصة ولهج به الصغير والكبير". ويتضح رأي المؤلف في هذا من العبارة التالية: "واعلم أن كون بني حسان من قريش غير متفق عليه ... وأما كونهم من العرب فلا خلاف فيه ولا شك، وبعضهم ينسبهم لهوازن وبعضهم ينسبهم إلى قريش". ويدعم محمد بن أحمد يور القول بالأصل العربي لبني حسان قائلا: "ويعضد ذلك أنهم لم يتكلموا قط إلا بالعربية" فهم ليسوا من البربر المتعربين بل من العرب الوافدين الذين جاءوا بلغتهم إلى وطنهم الجديد، يقول المؤلف: "بل سمعنا من غير واحد أن لغة أولهم كانت عربية قحة غير مشوبة بشيء من كلام البربر إلا أنها غير معربة". وقد حدد المؤلف دخول الحسانية هذه المنطقة بالعبارة التالية: "دخلوا هذه البلاد وتغلبوا عليها وعلى ما حولها من بلاد السوادين عام 1040م". ورغم أن موضوع هذا الكتاب التعريف بالآبار وشرح أسمائها البربرية وأهمية الأماكن التي بها الآبار فإنه يضم كثيرًا من الأخبار ذات الأهمية الاثنولوجية واللغوية، فعندما تحدث عن أحد الأماكن قال عنه: "إنه مستقر بني ديمان من قديم الزمان إلى الآن وكان فيه من العرب أولاد بوزكر ثم جلاهم أمير الترارزة المختار بن عمر" وفي حديثه عن الأماكن المختلفة يذكر العلماء الذين عاشوا فيها أو دفنوا بها، فيقول عن سيد محمد بن سعيد اليدالي "ت 1166هـ" إنه مؤلف "الذهب الإبريز في تفسير كتاب الله العزيز، وحلة السيرى في أنساب خير الورى" .... وبالكتاب فقرات طريفة توضح لنا أن التعليم والتأليف في تلك البقاع لم يكن قاصرًا على الرجال دون النساء، فالمؤلف   1 المصدر السابق 561. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 يذكر في ترجمة أحد العلماء: "أخذ العلم الظاهر عن أخته خديجة بنت محمد العاقل وكانت دولته حينئذ العلامة المختار بن بون صاحب طرة ألفية ابن مالك وغيرها من التصاريف والأمير الصالح الإمام عبد القادر المغربي، قرءوا ثلاثتهم عليها" ويذكر المؤلف بعد ذلك من مؤلفات خديجة: "شرح مليح على عقيدة محمد بن يوسف السنوسي المسماة بأم البراهين يدل على نباهتها في المعقول". ويبدو أن مؤلف هذا الكتاب كان يعرف بجانب العربية البربرية وإحدى لغات إفريقيا السوداء، وهو يشرح أسماء الأماكن في ضوء معارفه هذه "أنو كشوط، أصله أنو كشط" أما كلمة أنو فمعناها بير أو عين ماء، وهو يشرح الكلمة الثانية قائلا: "واكشط بالبربرية من لا أذنان له ومقطوعهما وهو البير الذي بنت الفرانسيسة عنده الآن"1. وهكذا يتيح لنا هذا الكتاب معرفة بالحياة اللغوية هناك. ولعل العبارة التالية توضح لنا مدى الصعوبة التي كانت تواجه هؤلاء المؤلفين في تلك الأنحاء وتبين صلتهم بالثقافة العربية، فهو يقول عن محمد الولي بن المختار .... ابن يدال "ت 1166": وكان إذا أوى الناس إلى مراقدهم بالليل أو قد شمعته ويبيت يؤلف إلى طلوع الفجر وكان يقول على وجه الإخبار لا على وجه الافتخار "لو لم يكن بدويا، فإنه كان حضريا لألف السيوطي". وهكذا عرفت هذه المنطقة اللغة العربية من عدة قرون وعرفى مؤلفين يطالعون مؤلفات ابن مالك ويعلقون عليها ويعرفون السيوطي ويؤلفون بالعربية. ولا تزال انتشار لهجتها في غرب إفريقيا بحاجة إلى بحث لغوي جغرافي دقيق، ولدينا بحث عن لهجة الحسانية في موريتانيا، ومعجم فرنسي عربي، وعربي فرنسي أعده في دراسته عن السنغال المستشرق مفرنسي باسيه.   1 المصدر السابق 579. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 هذا وتوجد في المنطقة الممتدة من تمبكتوا إلى كانم وواداي إلى غرب السودان تجمعات بشرية كثيرة تتحدث العربية كلغة أم أو تستخدم العربية كلغة تداول، وليست لدينا دراسات تفصيلية عن الحياة اللغوية لهذه الجماعات الأثنية، غير أننا نستطيع -اعتمادا على ما جاء في كتب الرحالة العرب في العصور الوسطى وبعض الرحالة الأوروبيين في العصر الحديث- أن نعرف بعض هذه الجماعات العربية في قلب إفريقيا، وترسم المصادر الصورة التالية العربية هناك: 1- منطقة تشاد بها حوالي مليون عربي، وهؤلاء العرب مرتبطون بعرب الشرق الإفريقي، فهم ينتمون إلى بطون جهينة، وهم بذلك امتداد لبطون جهينة في السودان، وأكثرهم يعيش إلى الآن حياة بدوية قبلية. وأقدم إشارة إليهم نجدها في كتاب المسالك والممالك للبكري "ت 487- 1094". "ويزعمون أن هنالك قومًا من بني أمية صاروا إليها عند محنتهم بالعباسيين وهم على زي العرب وأحوالها"1. وهذه العبارة عرفها الباحث كامفماير ولم يستطع تفسيرها وإن سلم عن حس صادق بإمكان كونها تعبيرًا عن حقيقة تاريخية، والواقع أن تفسير هذه العبارة مرتبط بتاريخ القبائل العربية في مصر وصدام هذه القبائل مع العباسيين الذين حرموا هؤلاء البدو من مكانتهم كطبقة عسكرية لها رواتبها الدائمة. لقد اصطدم هؤلاء مع السلطة العباسية فكان عليهم إما التحول إلى احتراف الزراعة وإما الرحيل، فتحركت بطون منهم إلى الجنوب. وها نحن نجدهم في القرن الحادي عشر لا يزالون محتفظين في ذاكرتهم بولائهم للبيت الأموي وبلغتهم وبنمط حياتهم. ويبدو أن عرب جذام الذين دخلوا مصر مع الفتح الإسلامي كانوا من هؤلاء العرب، فلدينا في صبح   1 انظر: أبو عبيد البكري: المغرب في ذكر بلاد أفريقية والمغرب، وهو جزء من كتاب المسالك الممالك، نشره: De Slane, Description de L'afrique septentrionale, Alger, 1857. وأعاد طبعه بالتصوير قاسم الرجب، بغداد 1968. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 الأعشى "8/ 117" وثيقة يشكو فيها حاكم برنو من غزوات "أعراب جذام وغيرهم" وليست هذه الموجة هي المكون البشري العربي الوحيد لمنطقة تشاد فكثير من القبائل العربية هناك تنسب نفسها إلى جهينة، وقد هاجرت جهينة وهي قبيلة جنوبية على مصر في العصر الفاطمي. ونحن لا نعلم علم اليقين الطريق الذي اتخذه هؤلاء من الجنوب العربي إلى تشاد، ربما كان طريقهم عبر سيناء ومصر أو عبر مضيق باب المندب. ولكن الذي يؤكده الرحالة بارت والباحث كامبفماير أنهم لم يصلوا منطقتهم عبر المغرب الأقصى وموريتانيا، فهناك منطقة خاية من الجماعات العربية تقع بين بورنو وتمبكتو، وبذلك ينتمي عرب منطقة تشاد إلى عرب المشرق الإفريقي، فهم مرتبطون مع قبائل السودان لا مع قبائل المغرب. وقد ذكر الرحالة بارت أسماء عدد من البطون العربية اللغة، وبعضها ينتسب إلى الهلالية. وهم منتشرون في دارفور وواداي وبورنو. ويبدو أنهم في رأي كامبفماير، قد جاءوا هذه المنطقة من تونس، وفي هذا نظر، فالموجات الهلالية الباقية في صعيد مصر والعائدة إلى مصر، أو التي كانت في منطقة فزان يمكن أن تكون مصادر خرجت عنها هذه المجموعة إلى تشاد. هذا وتتعدد أسماء القبائل عند الرحالة الذين جابوا هذه المنطقة، فهم يتحدثون عن بني حسن الذين يتحدثون العربية فقط وعن بني وائل الذين قال عنهم الرحالة إنهم لا يتحدثون العربية ولهم لغة خاصة بهم، وعن أولاد راشد، والمحاميد الذين يتحدثون العربية ولونهم يقل سمرة عن جيرانهم من غير العرب. ولعل من المفيد أن نشير هنا أن عرب واداي ينسبون أنفسهم إلى عرب اليمن، وتدل القرائن على صحة ذلك. ويؤكد عرب واداي قرابتهم لمعقل، ومعقل من أصل جنوبي. ولا أدل على جنوبية ذوي حسان وأحد فروع معقل الكبرى، من أنهم يصفون أنفسهم باستخدام كلمة "ذو" التي شاعت في هذا السياق بين عرب اليمن، وذلك: مثل: ذو نواس. وهناك دليل آخر على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 كونهم من أصل جنوبي وهو أنهم يستخدمون الإبل المهرية، ولم تكن هناك إبل قبيل دخول العرب إفريقيا، فالرومان لم يذكروا الإبل في شمال إفريقيا وارتباط الإبل بهذه التسمية ونسبتها إلى المهرة دليل على ارتباطها بمنطقة المهرة على الساحل الجنوبي لجزيرة العرب. وقبل أن نترك هذه المنطقة لا بد أن نشير أن هناك عدة لهجات عربية قد تكونت في وسط إفريقيا1، وهذه اللهجات تنضوي بين ما يطلق عليه عند الباحثين اسم: العربية الهجينpidgin- arabic وأهم هذه اللهجات الهجين توجد في تشاد وجنوب السودان وأوغندا2، وكل هذه اللهجات متأثرة باللهجات الإفريقية تأثرًا بعيدًا حتى إنه من الصعب على من لم يتعلمها من أبناء اللهجات العربية الأخرى أن يفهمها، ومن ثم يطلق عليها اللهجات الهجين.   1 انظر حول الصيغ المهجنة من العربية: Bernd Heine, Afrikanische Verkehrssprachen, Koln "1968" s. 121 ff. 2 انظر مقال المؤلف: "اللغة العربية بين اللغات الدولية المعاصرة" مجلة كلية الآداب والتربية بجامعة الكويت "1972" العدد الأول 32–35. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 4- العربية لغة الدين والثقافة الإسلامية : اللغة العربية هي لغة الدين الإسلامي والثقافة العربية الإسلامية في مناطق أخرى من إفريقيا لا تسودها اللغة العربية. فقد ارتبط الإسلام بحفظ قدر من القرآن الكريم هو الحد الأدنى الضروري للصلاة وحفظ هذه الآيات مرتبط أساسا بقراءة الخط العربي. وفوق هذا فعلى رجال الدين وأصحاب الثقافة الدينية قراءة كتب في الفقه الإسلامي بالعربية ومن أراد منهم التعمق في فهم هذه الكتب فعليه دراسة شيء من العلوم العربية كالنحو والصرف والبلاغة وهكذا ارتبط الإسلام بالعربية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 على نحو يجعل للعربية درجة من الانتشار في كل المناطق الإفريقية التي تضم جماعات إسلامية، ولنحاول أن نوضح هذا بأمثلة من بعض المناطق الإفريقية هذا ولا يجوز اعتبار كل منطقة إسلامية منطقة عربية إذ مدى المعرفة بالعربية يرتبط بالعلاقات الأثنية للمسلمين، فالمسلمون في اتحاد جنوب إفريقيا مثلا يكونون مجموعة أثنية متميزة، فمعظمهم من الملايو وأندونيسيا، وقدر عددهم في إحصاء سنة 1951 بـ63 ألفا بجانب قلة من أصول عربية، يتحدث هؤلاء عن اللهجة الجرمانية التي حملها المستعمرون الجرمان معهم إلى جنوب إفريقيا، غير أن الاستخدام اللغوي للغة الأفريكانز عند المسلمين به عناصر من اللغة العربية لم يأخذوها عن العربية مباشرة بل عبر لغة الملايو. كان هؤلاء المسلمون يلتقون لاستخدامها لغة الملايو المكتوبة بالخط العربي1. ومنذ عدة حقب ظهرت لهم كتب دينية أحلت لغة الأفريكانز محل لغة الملايو في المجالات الدينية، فقديمًا طبعوا كتبهم الدينية كترجمات مالاوية لكتب عربية وهناك كتب كثيرة طبع فيها النصان متوازيين، واليوم أحلوا الأفريكانز محل الملايوية، وأخذوا يكتبون لغة الأفريكانز لا بالحروف اللاتينية كما يفعل المسيحيون بل بالحروف العربية. فهؤلاء مسلمون يكتبون بالخط العربي، ولكنهم لا يكادون يعرفون من العربية إلا ما تسرب منها عبر الملايوية من مصطلحات دينية. فالمصادر العربية تشير كثيرًا إلى "مالي" و "ملك مالي"، فابن خلدون يحدثنا عن "ملك مالي أعظم ملوك السودان"2، وكلمة السودان عند ابن خلدون لا تعني دولة السودان بحدودها الجغرافية التي نعرفها اليوم، بل تدل على   1 انظر: H> Kahler, Studien zur arabisch-afrikansen Literature, der Islam 1961" s 101- 121. 2 انظر: 7/ 554. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 إفريقيا السوداء عمومًا، ويحدد ابن خلدون الرقعة الجغرافية التي كانت عليها مملكة مالي، فهي تجاور المغرب، وتتاخم مواطن قبيلة صنهاجة البربرية وتتاخم كذلك موطن ذوي حسان1. وخصص العمري "487هـ = 1094م" في كتابه مسالك الأبصار فصلا عن مالي. وقد زار ابن بطوطة "ت 1377م" مالي وظل بها عدة أشهر ولاحظ أنهم مسلمون يصومون ويحجون ويقيمون الصلاة ولكنهم على عادات وثنية، ونلاحظ كذلك في حديث ابن بطوطة عن مالي أنهم كانوا على صلة بمصر وأن بعض المصريين كانوا يعيشون هناك. ولكنا نلاحظ أنهم لا يستخدمون العربية، ومن ثم فقد نجمت الحاجة إلى مترجمين ييسرون التعامل. أما الصورة التي يرسمها ابن بطوطة للساحل الصومالي فتشبه ما ذكره عن مالي غير أن السلطان الحاكم في مقديشو "كلامه بالمقدشي ويعرف العربية" ويطول بنا الكلام لو تحدثنا عن انتشار العربية سلبا في غرب إفريقيا أو شرق إفريقيا، والمصادر المتاحة نادرة، والتراث العربي الإفريقي لا يزال مجهولا ولم ينشر أكثره بعد، غير أن الملاحظ في كثير من دول إفريقيا ذات الجماعات أو الأغلبية الإسلامية وجود معرفة بالعربية. ففي نيجيريا الشمالية يعيش حوالي عشرة ملايين مسلم، ويتناول التعليم الديني عندهم في أدنى مراحله الخط العربي والقرآن ومعظم تلاميذه من البنين، وفي المراحل الأعلى يتناول برنامج الدراسة الإسلامية: النحو العربي وعلم الكلام وعلم الحديث وقدرا من النصوص الأدبية، وهناك كتب مشهورة في المعاهد الإسلامية في نيجيريا الشمالية مثل كتاب الأحاديث الأربعين للنووي، ومختصر خليل في الفقه ويطلق عليه الكتاب، ومقامات الحريري2.   1رحلة ابن بطوطة 254. 2 J. schacht, Islam in North Nigeria, Studia Islamica No. 46. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 وينبغي أن نشير هنا أن العربي في هذه المنطقة ليست وحدها لغة الثقافة، فلغة الهاوسا متداولة غير أن المعرفة بها لا تزيد على المعرفة بالإنجليزية هنا. ويخلق الصراع بين النزوع إلى التدين والرغبة في ممارسة الحياة الحديثة- قيام مشكلات كثيرة تؤثر بالضرورة على تعليم اللغة العربية في تلك المنطقة. أما في شرق إفريقيا فتعتبر زنجبار أكبر نقطة تركيز إسلامية تتوسل بالثقافة العربية، وهم مرتبطون في قسم منهم بالجنوب العربي أثنولوجيا وثقافيا. أما في أوغندا فالمسلمون من أصول هندية ويمنية وعدد كبير منهم من أصول إفريقية، وهناك تعليم ديني يقوم به رجال الدين، ويطلق على الواحد منهم ملا وهي التسمية الفارسية لرجال الدين ويقتصر هذا التعليم على المراسم الدينية، أما كبار رجال الدين فلديهم إجازات في الباكستان ودار السلام وزنجبار وحضرموت وعدن، وشبيه بهذا ما يلاحظ في كينيا والمشكلة التي تواجه اللغة العربية هناك أنها مرتبطة بالماضي وتعلم كأداة لفهم الدين، فمعاهد العلم التي تتيح تعلم العربية هي معاهد إسلامية. أما التعليم الفني الحديث فلا يهتم بتعليم العربية، ولعل السنوات القادمة تتيح تغيرا في هذا الموقف. هذا وقد أدت الترجمة السواحلية للقرآن التي أعدتها الطائفة الأحمدية إلى جذب الكثيرين نحو الإسلام، فحوالي 80- 85% من المسلمين الإفريقيين قد أسلموا على يد الأحمدية. ولا ينفي هذا أن هناك دراسات لا تزال تجعل اللغة العربية ضمن برنامج التعليم الديني، ففي مومباسا يلتقي طلاب مع شيوخهم في المساجد لدراسة اللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 العربية والتفسير والفقه والبلاغة والحديث والتصوف والتوحيد في حلقات مسائية ذات برنامج يمتد سنوات. ورغم اختلاف الطوائف الدينية الإسلامية فكل من أراد ثقافة إسلامية عالية يتوسل بقدر من العربية يتيح له الإطلاع والفهم. أما في الصومال فالعربية أكثر انتشارًا واستخدامها إيجابي1فهي لغة التعامل والكتابة والعربية لغة الدين والحياة العامة ولذا فهي تفهم أكثر من اللغتين الإنجليزية والإيطالية هناك. غير أننا نود هنا أن نلاحظ أن المعرفة بها في كل هذه المناطق تكاد تكون قاصرة على الرجال، فهم الذين يتعلمون ويقومون بالعلاقات في الحياة العامة.   1 B. W. Andezeyewski, Speech and writing Dichtonomy as the Pattern of Multilingualism in the Somali Republic, in: Colloque sur ld Multilinguisme, Brazzaville "1962". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 الفصل الخامس عشر: اتجاهات التغير في البنية والمعجم التغير في البنية مدخل ... الفصل الخامس عشر: اتجاهات التغير في البنية والمعجم 1- التغير في البنية: عندما كتب سيبويه في القرن الثاني الهجري كتابه العمدة في النحو لاحظ اللغوي العظيم أن صوت الضاد من الأصوات الصعبة التي لا يسهل نطقها على غير البدو، وتحدث عن نطق آخر لها أطلق عليه "الضاد الضعيفة"1. ولسنا نريد هنا أن نفصل القول في كيفية النطق للضاد البدوية، فهذا لا يزال موضع خلاف بين الباحثين، ولكن الضاد الضعيفة على كل حال ثمرة أثر من آثار الأساس اللغوي، فاللغات التي سبقت العربية في الشام والعراق ومصر والمغرب لم تكن تعرف الضاد ... كانت العراق حيث عاش سيبويه ملتقى لأخلاط من القوم يتحدث أكثرهم باللهجات الآرامية التي لا تعرف صوتا اسمه الضاد. ولذا فقد نتج عن محاولتهم الناقصة النطق بالضاد ذلك الصوت الذي يطلق عليه سيبويه اسم الضاد الضعيفة.   1 الكتاب "ط بولاق 1317" 2/ 404. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 وربما يتصور البعض في مصر أو في العراق أن هذه الضاد التي تنطق اليوم هي الضاد التي كان ينطقها امرؤ القيس أو زهير قبل الإسلام، أو كعب بن زهير في صدر الإسلام، أو الخليل بن أحمد في القرن الثاني للهجرة، وهذا غير صحيح، فالنطق العراقي الحالي للضاد يخلطها مع الظاء خلطًا يجعل التلاميذ يخلطون في الكتابة بين هذه وتلك. وهذه الظاهرة ليست وليدة الساعة بل بزغت مع استقرار العربية في العراق، وهناك عدد كبير من الرسائل أكثرها من العراق والمغرب يحاول مؤلفوها فيها التمييز بين الكلمات ذات الضاد والأخرى ذات الظاء، ولولا الخلط لما كانت هناك صورة لتأليف هذه الرسائل1. لقد التقت الضاد والظاء في العراق في نطق واحد هو النطق الذي يسمعه أبناء مصر ظاء، أما في مصر فهناك تطور مواز، فقد التقت الضاد والظاء في نطق واحد، فنحن نقول اليوم كلمة "ظل" في العامية كما لو كانت بالضاد. ولسنا نريد الآن تحديد زمن هذا الخلط، وقصارى محاولتنا هنا أن نبين أن هذا النطق الذي يتصوره بعض أبناء مصر نطقًا قديمًا للضاد ليس كذلك، فهذا النطق الحديث يجعل من الضاد صوتًا مطبقًا مقابلا للدال. ولكن سيبويه جعل المقابل المطبق للدال هو الطاء لا الضاد. وهنا وجه الخلاف بين القديم والحديث، فالإطباق في اصطلاح علماء الأصوات العرب القدامى والمعاصرين اتخاذ طرف اللسان وأقصاه وضعا مرتفعا نحو الحنك الأعلى مع حدوث تقعر في وسط اللسان. ولو طبقنا الفهم العلمي الدقيق لنصوص سيبويه على البحث الصوتي لخرجنا من هذا أن النطق القديم للطاء "ط" هو ما ينطبق تماما على النطق الحالي للضاد في مصر، فالضاد في مصر تنطق مثل الدال، اللهم إلا أن الضاد مطبقة والدال غير مطبقة، وقديمًا قال سيبويه "ولولا الأطباق لصارت الطاء دالا .... ولخرجت الضاد من الكلام لأنه ليس شيء في موضعها غيرها"2 لقد حدث.   1 رمضان عبد التواب: مشكلة الضاد وتراث الضاء والظاء، في: مجلة المجتمع العلمي العراقي "1971" وبه قائمة بهذه المؤلفات في الفرق بين الضاد والظاء. 2 الكتاب 2/ 406. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 إذن تطور في عدد من الأصوات، لقد صعبت الضاد فتحولت على نطق جديد وتغير نطق الطاء. وهناك قضية يثيرها كثير من الباحثين حول نطق القاف، وقد وصف سيبويه نطق هذا الصوت وصفًا يجعله من الأصوات التي يهتز الوتران الصوتيان اهتزازًا شديدًا عند النطق بها، ويطلق على هذا النوع من الأصوات اسم: "الأصوات المجهورة"، ولكن النطق الحالي لهذا الصوت في قراءتنا للعربية الفصحى لا يجعل الصوت مجهورًا، أي أن الوترين الصوتيين لا يهتزان اهتزازًا يذكر عند النطق بالقاف في نطقها التقليدي على مستوى الفصحى، فكيف نتج الاختلاف؟ هل تطورت القاف من صوت مجهور إلى صوت غير مجهور؟ وكيف كانت القاف القديمة؟ يرى بعض اللغويين أن هذه القاف القديمة هي القاف البدوية أعنى الجاف البدوية، وليعد القارئ الكريم بسمعه إلى البدو يقول "هو جال لي وأنا جلت له"، إن هذه الجاف مجهورة فعلا وقد تكون هي القاف التي عرفها سيبويه. ويرفض بعض الباحثين هذا التفسير قائلين: بأن القاف القديمة تشبه الغين الحالية أي تشبه النطق العامي الحالي للقاف في السودان والكويت والخليج العربي1. ويرى بعض الباحثين أن هذا الصوت هو الوريث الحقيقي للقاف القديمة. أن ظواهر التطور الصوتي كثيرة وحسبنا مع ضيق المكان ما ذكرناه.   1 حول الجانب الصوتي في لهجة الكويت، انظر: عبد العزيز مطر: خصائص اللهجة الكويتية، الكويت فبراير 1969، وقد ناقش الباحث هذه القضية ص34–35. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 كلمات جديدة : أما التطور في الكلمات فأبعد مدى وأكثر وضوحًا، إن وزن فاعل ووزن مفعول والأوزان الأخرى هي هي، لم يكد يطرأ عليها تغير في البنية، ولكن التغير في هذه الأوزان يكمن في بناء كلمات جديدة لم يكن يعرفها المجتمع البدوي القديم. ولننظر نظرة بسيطة إلى مادة جمع في "لسان العرب" مقارنين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 إياها بنفس المادة في معجم دوزي1، والمعروف أن كل المادة التي في لسان العرب المؤلف في القرن السابع الهجري قد أخذت من معاجم سبق تأليفها في مراحل سابقة، وهذه المعاجم أخذت مادتها بدورها من الرسائل اللغوية التي أثمرت عنها حركة جمع اللغة في البادية في أواخر القرن الأول وعلى امتداد القرن الثاني وأوائل القرن الثالث. والاستثناء الوحيد هنا هو ما أخذه صاحب لسان العرب من معجم تهذيب اللغة للأزهري، فقد سجل الأزهري بنفسه في القرن الرابع الهجري مادة لغوية في البادية. إن مادة اللسان إذن مادة بدوية وجلها يرجع إلى القرن الثاني الهجري، فماذا تفعل الحضارة العربية الإسلامية والعلوم الناشئة والمجتمع الحضري في العراق والشام ومصر والمغرب والأندلس بهذا المعجم البدوي الذي يعرف للجمل أكثر من مائة اسم، وماذا يفعل المفكر الأندلسي بمائة اسم للأسد؟. لقد نشأت كلمات جديدة مع الضرورات الحضارية الجديدة، ولولا هذه التجديدات لما عرفنا الحضارة العربية الإسلامية في أبعادها المأثورة. وعندما حاول المستشرقون الأوربيون قراءة التراث العربي الإسلامي لم يسعفهم لسان العرب في الفهم الدقيق للكلمات وطال تفكيرهم، وحاولوا بالمقارنة فهم السياق حتى عرفوا المقصود معرفة تصيب أحيانا وتجافي الصواب أحيانا. وهنا ظهرت الحاجة إلى تأليف معجم مكمل للمعاجم العربية، وقام المستشرق دوزي بعمل هذا المعجم. ومن الطريف هنا أن نقارن مادة من المواد في اللسان كمثل للغة البادية بما جمعه دوزي كنموذج للكلمات التي استخدمت في عصر الحضارة العربية الإسلامية. وكي نكمل الصورة لننظر في المعجم القيم الذي ألفه عالم هندي جليل في القرن الثالث عشر الهجري هو التهانوي، وهذا المعجم هو كشاف اصطلاحات الفنون. لقد أمدت اللغة البدوية مجتمع الحضارة الإسلامية بالمواد اللغوية المختلفة   1 Dozy: Supplement aux Dictionaires arabe, I. II. Leiden/ Paris 1881. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 ونعنى بالمواد هنا الحروف الأصول، وأمدت أيضًا بعدد من القوالب أو الأوزان ولكنها لم تكن بحاجة إلى استخدام جميع الأوزان من كل كلمة، فمثلا وزن انفعل من المادة جمع أي: انجمع. لم يرد في لسان العرب ولكنه استخدم في الأندلس الإسلامية. يقول المقري: "انجمعت عن كل النفوس". الأوزان: أفعال وافعوعل أو افعنلل أو افعنلي وغيرها من الأوزان النادرة لم ترد أيضا من المادة "جمع"، ولكن القضية ليست فقط قضية وجود الكلمة، فالكلمة كرمز صوتي لا قيمة لها دون استخدام، والمعنى هو العنصر الثاني بعد وجود الرمز، فالرمز اللغوي لا يكون رمزًا إلا إذا كان له معنى، وسنحاول فيما يأتي تتبع تطور بعض الألفاظ التي تدخل في مادة "جمع". لقد عرف لسان العرب كلمة "جمع" أنها نتيجة ضم شيء إلى شيء، أو أنها مرادف لكلمة جماعة من الناس، والجمع أيضًا هم القوم المجتمعون، والجمع فوق هذا وذاك: الأشتات من التمر. ولكن العلوم العربية الإسلامية استخدمت كلمة الجمع كاصطلاح، وكل علم عرف لهذا الاصطلاح معناه، يوضح هذا لنا كتاب التهانوي كشاف اصطلاحات الفنون1، فالجمع عند المحاسبين هو زيادة عدد على عدد آخر، أي أننا إذا أضفنا 5+ 6 = 11 لكان هذا جمعًا. ولو أضفنا 5+ 5 = 10 لكان عنده تضعيفًا. ويذكر التهانوي أيضًا الجمع عند علماء أصول الفقه: وهؤلاء هم المهتمون بالقضايا المنهجية للفقه الإسلامي، فالجمع عندهم: أن يجمع بين الأصل والفرع لعلة مشتركة بينهما ليصح القياس". وأما الجمع عند النحويين فله معانيه وصوره المختلفة، ونفس المصطلح تجده أيضًا عند البديعيين والصوفيين والمنطقيين وغيرهم من أصحاب العلوم. وهكذا استخدمت الكلمة القديمة "جمع" استخداما اصطلاحيا متنوعًا. ولنقف قليلا عند كلمة "الجامعة". فهذه الكلمة استخدمت كما يخبر   1 انظر مادة "جمع" في كشاف اصطلاحات الفنون "ط القاهرة 19630" 1/ 33–343. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 لسان العرب- صفة للمؤنث واسما، فالصفة مثل قولهم "سورة جامعة" أي جمعت فيها أشياء كثيرة، و "الجامعة" اسما بمعنى الغل أو القيد، وشتان بين هذا الاستخدام والاستخدام الحديث، نحن نعرف الجامعة اليوم تيارًا سياسيًّا هو الجامعة الإسلامية، ومنظمة دولية هي: الجامعة العربية ومعهدًا أكاديميًّا مثل جامعة القاهرة ومعهدًا علميًّا غير أكاديمي مثل الجامعة الشعبية. أما كلمة "جماعة" فيبدو أن استخدامها كثر وشاع بمعنى محدد جديد في عصر الحضارة الإسلامية إن لسان العرب يعرف الكلمة، فالجماعة عنده الجمع من الناس أو الشجر أو النبات، ولكن إذا نظرنا في معجم دوزي لاحظنا أن معظم أمثلته حول كلمة جماعة مأخوذة من مؤلفات الأندلسيين والمغاربة. ذكر دوزي في استخدام الكلمة: "مذهب السنة والجماعة"، "أهل السنة والجماعة" "جماعة المسلمين" "أمر الجماعة" "افترق أمر الجماعة" "المستمسكون بالجماعة" ... إلخ. وواضح أن كلمة الجماعة تعني هنا الصف الإسلامي "الموحد" وكل هذا نقله دوزي عن المقري وابن خلدون وأبي حيان وغيرهم من المغاربة. ولنفكر قليلا في استخدامنا العامي لكلمة جماعة كناية عن الزوجة. ... لنلاحظ تغيرًا في دلالة الكلمة. وهناك عدد من الألفاظ لم تعرفها اللغة العربية حتى القرن الثاني إذا سلمنا أن لسان العرب قد قدم لنا صورة أمينة لها، فكلمة "جمعية" لم يعرفها اللسان ونجدها لأول مرة في معجم دوزي، وهو يذكر تحتها "جمعية أهل البلد" ولكنا نستخدم الكلمة اليوم استخدامًا اصطلاحيًّا شائعًا فنتحدث عن الجمعية العمومية لإحدى الشركات المساهمة وعن الجمعية العامة للأمم المتحدة كمجموع الأعضاء المساهمين أو المشتركين، وعن جمعية الإسعاف كمنظمة خيرية، وعن الجمعية التشريعية كمجلس نيابي، وعن الجمعية التعاونية، وكذلك عن الجمعية الاستهلاكية. وهكذا ظهرت الكلمة واستخدمت وشاعت. وشبيه بهذا القول في كلمة "اجتماع" فهذه الكلمة لم يعرفها اللسان وذكرها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 دوزي عن أبي الفداء بمعنى اللقاء، ثم أفرد لها التهانوي في "كشاف اصطلاحات الفنون" عرضها مسهبا، وتحدث عن مفهوم "الاجتماع" عند المنجمين وعند علماء الكلام وكذلك عند النحاة، فلكل علم مصطلحه ... وإذا قلنا اليوم كلمة "الاجتماع" تبادر إلى الذهن اجتماع مجموعة من الناس في مكان ما أو اجتماعهم على شيء، وربما تذكر البعض "علم الاجتماع" هذا العلم الجديد الذي استعان بالكلمة القديمة ليسمى نفسه في العربية، وربما خطر في ذهن أحد القراء وزارة الشئون الاجتماعية ... فكلمة اجتماعية من اجتماعي، والأخيرة من اجتماع، وربما تذكرنا المساواة الاجتماعية أو العلاوة الاجتماعية، كل هذا من الكلمة التي لم تكن تعرفها لغة البدو حتى القرن الثاني، وهل كان لمجتمع البداوة أن يعرف العلاوة الاجتماعية أو علم الاجتماع أو اجتماع الساكنين عند النحاة! ولعل من غير المتصور أن يتحدث اليوم مثقف عربي دون أن يستخدم كلمة "مجتمع"، ولكن هذه الكلمة لم يعرفها اللسان، وأقدم استخدام نعرفه لها هو ما سجله دوزي نقلًا عن الجغرافي الصقلي المشهور الإدريسي، وربما كان الإدريسي أول من عرف هذه الكلمة التي أصبحت في العصر الحديث مصطلحًا مهما. وشبيه بهذه كلمة "مجتمع"، نتحدث اليوم عن المجمع العلمي والمجمع اللغوي، فهل عرفت لغة البادية هذه الكلمة؟ نعم لقد عرفتها ولكن بمعنى الجمع من الناس ونقطة الالتقاء وموضع الاجتماع، وهذه المعاني القديمة أصل للاستخدام الحديث. وفوق هذا وذاك فنحن نعرف اليوم كلمة "المجموع" كاسم قائم برأسه وكذلك كلمة "المجموعة" كاسم آخر، ولكن الكلمة عرفت قديمًا، فالمجموع في اللسان ما جمع من هنا وهناك وإن لم يجعل كالشيء الواحد، ولكن كلمة المجموعة لم تعرف قديمًا كاسم قائم بذاته بل كصفة، ولنقرأ أمثلة دوزي: "قرية مجموعة عامرة" بليدة مجموعة أي زاخرة بالسكان، ولكن الكلمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 تحولت اليوم في الاستخدام الحديث إلى اسم قائم بذاته. وأخيرًا نذكر كلمة "تجمع" هذه الكلمة الشائعة في الاستخدام المعاصر والتي لم تعرفها المعاجم القديمة ولا محاولات استكمالها، وكأن هذه الكلمة صياغة جديدة لمادة قديمة في شكل قديم. فإذا كانت المادة قديمة في العربية والأوزان المختلفة قديمة أيضًا، فإن الاستخدام اللغوي القديم لم يكن بحاجة إلى صياغة كل الأوزان والمشتقات من هذه المادة فالتطور الذي حدث يكمن في صياغة كلمة جديدة من وزن معروف ومادة معروفة، وهكذا تظهر من العنصرين كلمة جديدة، ويظهر التطور أيضًا في استخدام الكلمة القديمة لتؤدي دلالة جديدة أرادت العلوم أو الحضارة التعبير عنها، فوجدت في الكلمة القديمة إمكانية طيعة طورتها بالاستعمال في المعنى الجديد فاكتسبته. وأصبحنا لا نعرفها إلا في الاستخدام الجديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 تراكيب نحوية جديدة : وفوق هذا وذاك فهناك ظواهر كثيرة نلاحظها في بناء الجملة العربية الحديثة، ولا تكاد تبدو شائعة في الضوابط التي استخرجها النحاة من لغة القرون الأولى فالجملة العربية الحديثة كما نعرفها في الكتابات والمؤلفات والصحافة تعرف تراكم المصادر على نحو لم يعرف قديمًا بنفس القدر من الانتشار. نقرأ اليوم عن احتمال قيام حرب في منطقة ما، والكلمات: احتمال، وقيام، وحرب، كلها مصادر أضيف سابقها إلى لاحقها ونسمع من الإذاعة على لسان أحد رجال الأمم المتحدة: استحالة منع نشوب حرب بين مصر وإسرائيل والكلمات: استحالة، ومنع، ونشوب، وحرب، كلها مصادر أضيف سابقها إلى لاحقها على نحو لم تكن تعرفه اللغة القديمة على هذا النحو التراكمي. هذا وينبغي أن نذكر في هذا الصدد أن دراسات النحاة العرب للغة إنما قامت على أساس لهجات بعض القبائل ولغة الشعر العربي في القرن الثاني للهجرة، ولم تضع هذه الدراسات نصوص النثر العربي الذي ازدهر بعد هذا في بؤرة التحليل اللغوي، ولذا فمن الصعب الاعتماد على كتب النحاة القدماء لنتعرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 على طبيعة الأساليب التي عرفها النثر العربي الإسلامي، ونحن الآن نلاحظ بعض الظواهر الموجودة في النثر فنلاحظ الشائع الجديد في النثر ولا نراه في تلك المؤلفات التي قامت أساسًا على دراسة لغة الشعر، فأحكامنا هذه تظل نسبية إلى أن يوضح البحث نسبة شيوع هذه الظواهر في الشعر والنثر على نحو تاريخي، وهذا هو ما يصبو إليه النحو التاريخي للغة العربية. يعرف النثر العربي الحديث اتجاهًا إلى فك حالة الإضافة باستخدام حرف جر، وهذه الظاهرة شائعة نمارسها ونفهمها ليل نهار، فنحن نتحدث عن صورة من الصور ونقول: هذا منظر عام للواجهة الأمامية لجامعة القاهرة، تفصيلا للعبارة الموجزة: منظر واجهة جامعة القاهرة، ولنقارن الجملتين: ففي الثاني كلمة منظر مضافة إلى واجهة، وكلمة واجهة مضافة إلى جامعة ولكن الجملة الأولى عرفت فك حالة الإضافة مستخدمة بين المضاف والمضاف إليه حرف جر هو اللام، فبدلا من "منظر واجهة" نقول "منظر لواجهة"، وبدلا من "واجهة الجامعة" نقول "الواجهة .... لجامعة" ... ولكن ينبغي أن نلاحظ هنا أيضًا أن المضاف السابق في كل هذه الحالات قد وصف ثم جاءت اللام ثم المضاف إليه السابق بعد ذلك. وعلى هذا فنحن نتحدث عن منظر عام –للواجهة الأمامية– لجامعة القاهرة. وكذلك عن "المدير العام، لإدارة البعثات، وعن المفوض العام، لشركة السيارات، أو عن: المراسل الخاص، للأهرام أو: الأمين العام، لجامعة الدول العربية وفي كل هذه الحالات وصف المضاف السابق، وفكت حالة الإضافة باللام. وإذا نظرنا على مزيد من الأمثلة الخاصة بفك حالة الإضافة باللام وجدنا أن المضاف السابق يكون في كثير من الأحيان في حالة إضافة جديدة. نقول: "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة"، فالتعبير البسيط "منظمة التربية و ... " قد فك بدخول اللام على المضاف إليه "التربية" وبدخول مضاف إليه جديد مضاف إلى المضاف الأول، فتحدثنا عن منظمة الأمم .... لـ ..... ، وعن وزير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 الدولة لـ .... ، وعن سوء استعمال الحمقى لـ .... ، وعن أول اجتماع لـ..، وعن استلام الدولة لـ .... وهكذا نلاحظ أن ظاهرة فك حالة الإضافة باستخدام اللام بين المضاف القديم والمضاف إليه القديم ارتبطت بتخصيص المضاف القديم إما بالصفة أو بمضاف إليه جديد. وإلى جانب هذا نلاحظ فك حالة الإضافة باستخدام حرف الجر: الباء، فنحن نقرأ عن قرار بتأميم الشركة، أو تفويض بعقد الاتفاقية، أو أمر بإنساء .... ، أو مشروع بتخويل رئيس الدولة .... وهذه الظاهرة شائعة في النثر العربي الحديث. ولا يكاد يعرفها الاستخدام القديم، وعلى كل حال فظاهرة فك حالة الإضافة في النثر العربي الحديث موازية لفك حالة الإضافة في العبرية الحديثة وفي اللهجات العربية الحديثة، ففي العبرية القديمة يكون المضاف والمضاف إليه تركيبًا واضح المعالم مثل "سيفر يوسيف" أي سفر يوسف، ولكن التعبير الحديث "هسيفر شل يوسيف" أي الكتاب الذي ليوسف، ولو كنا أكثر دقة لترجمنا العبارة إلى العامية المصرية قائلين: الكتاب بتاع يوسف، فحالة الإضافة فكانت هنا وهناك في العبرية باستخدام "شل" كأداة للربط بين المضاف والمضاف إليه السابقين، وفي اللهجات العربية الحديثة باستخدام كلمة "بتاع" أو "متاع"، أو "حق"1، فظاهرة فك حالة الإضافة موجودة إذن في مستويات لغوية حديثة مختلفة، وكل مستوى يستخدم للفك أداته الخاصة به، ولم تعد الظاهرة أمرا نادرًا أو خاصًّا بضرورة الشعر كما سجل النحاة القدماء. وفوق هذا وذاك فقد طورت العربية الفصحى في استخدامها الحديث عدة وسائل للتعبير عما يعبر عنه في علم اللغة بالتنكير. ومعروف أن العربية تعرف عدة أنواع من المعارف، وكان التنوين ولا يزال يؤدي فيها وظيفة علامة التنكير. ولكن الاستخدام الحديث يعرف أيضًا استخدام كلمة "أحد" والمؤنث   1 في بعض اللهجات البدوية المعاصر يقال: البيت حج "جيم مصرية" ابراهيم، بمعنى: بيت ابراهيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 "إحدى" مضافة إلى ما بعدها للتعبير عن التنكير. نجد هذا في العبارات الآتية: أحد الأمريكيين، أحد البيوت، أحد رجال الشرطة، أحد كبار الضباط، إحدى السفن الحربية، إحدى المدارس، إحدى الصحف، إحدى المقومات الأساسية، فكلمة أحد أو إحدى أضيفت إلى صيغة الجمع التالية، والتركيب كله معناه معنى المفرد النكرة. وشبيهة بهذا أيضًا استخدام كلمة "ما" بعد المفرد للتعبير عن كونه نكرة، وهذا التعبير له جذوره في القرآن الكريم: {مَثَلًّا مَا} 1، ونجده شائعًا في النثر العربي الحديث مثل: شيء ما، وقت ما، يوم ما، اصطلاح ما، تأليف ما، ..... إلخ، وهكذا عرفت اللغة العربية في العصر الحديث للتنكير تعبيرات مختلفة بأدوات طورتها لذلك وأخذتها لهذا من اللغة المتوارثة.   1 البقرة: 25. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 2- نمو المفردات في العربية : إن نظرة إلى جملة واحدة بسيطة في حديثنا اليومي أو أحد الكتب الحديثة أو القديمة لتعطينا كلمات لها تاريخ، ولكل كلمة في كل لغة تاريخ، فالكلمة تحيا وتستخدم وتتغير وتموت.. والعربية تعرف كلمات ترجع إلى اللغة السامية الأم، وهذه ترجع إلى ما قبل منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، وهناك كلمات لا تعرفها من اللغات السامية إلا العربية، عرفتها بعد أن هاجرت الجماعات السامية الأخرى من عهد الساميين، وهناك طائفة من المصطلحات استخدمت مع العلوم الإسلامية، وفوق هذا وذاك فهناك طائفة من الألفاظ الأجنبية تعربت تعربًا كاملًا، ولم نعد نحس اليوم أنها أجنبية، بجانب طائفة لا تزال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 عجمتها واضحة أمامنا، إن مستخدم اللغة لا يهتم بتاريخ الكلمة أو بأصلها، وكل ما يهمه هو أن يستطيع استخدامها، فالمتحدث ساعة استخدامه للغة لا ينظر إلى حياة كل كلمة بل يستعمل الرمز اللغوي لنقل الفكرة أو الانفعال إلى المتلقى أو للتنفيس عن عاطفة أو شعور. إن ماضي الكلمة وتاريخ اللغة أمر علمي يهتم به الباحثون. ولا غرابة، فالإنسان يحتاج اللغة كما يحتاج هواء للتنفس، ولكن معرفة طبيعة عملية التنفس وطبيعة مكونات الهواء أمران علميان يهمان الباحث كموضوع للبحث، ولا يهتم الإنسان العادي إلا بالممارسة العملية للغة وللتنفس، فدراسة حياة كل كلمة عمل علمي. ولننظر في كتاب الفهرست لابن النديم إلى العنوان البسيط التالي: "أسماء النقلة من اللغات إلى اللسان العربي". لكل اسم من كلمات هذا العنوان في تاريخ اللغة قصة، فكلمة "اسم" كلمة سامية قديمة نجدها في صورة أو أخرى في كل اللغات السامية، نجدها في النقوش الأكادية المؤرخة في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد. فهذه الكلمة يزيد عمرها إذن على خمسة وأربعين قرنًا. وقد بحثت الكلمة في ضوء المنهج المقارن. ويرى معظم الباحثين أنها من أصل ثنائي هو السين والميم أو الشين والميم ثم تطورت بعد هذا في اتجاه الثلاثي، والألف التي نراها في الخط العربي في هذه الكلمة هي ألف وصل تسقط في نطق الكلمة في السياق. والصيغة التي أمامنا من الكلمة هي صيغة جمع التكسير، وجمع التكسير ظاهرة خاصة بالمجموعة الجنوبية من اللغات السامية، أي أنه يوجد في الحبشية والعربية الجنوبية والعربية الشمالية، ولا يوجد في اللغات السامية القديمة في العراق والشام. والكلمة الثانية في هذه العبارة هي كلمة "نقلة" وهي من المادة العربية نقل، وهذه تفيد النقل المادي أي نقل شيء من مكان إلى آخر، وتطور المعنى هنا إلى النقل المعنوي ونقل الفكرة من لغة لأخرى. وهنا نؤرخ أن استخدام كلمة "ناقل- نقلة" بمعنى "مترجم، مترجمين" قد عرف في القرن الرابع الهجري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 عندما ألف كتاب الفهرست لابن النديم، والواقع أن دراسة تاريخ اللغة لا تحقق إلا بدراسة النصوص وتحليلها ثم بتتبع الظاهرة صوتية كانت أو صرفية أو نحوية أو دلالية تتبعًا تاريخيًّا يحدد على نحو دقيق زمن ظهور الكلمة ومكان ظهورها وتطور دلالتها على مر التاريخ. يذكر ابن النديم في هذا العنوان كلمة "اللغات" وكلمة "اللسان"، ولا بد أن نقف قليلا عند الكلمتين، فالكلمة الثانية "اللسان" كلمة ترجع إلى أقدم اللغات السامية، هي من المعجم الأساسي المشترك في اللغات السامية حملتها الهجرة الأكادية معها، فهي أقدم من منتصف الألف الثالث قبل الميلاد. ولو نظرنا إلى الكلمة في اللغات السامية الأخرى وجدناها في العبرية "لاشون" وفي الآرامية "لشانا" والكلمات الثلاث "لسان، لاشون، لشانا" كلمة واحدة من الناحية الاشتقاقية، فالسين في العربية يقابلها شين في العبرية والآرامية، وهذا قانون صوتي والقوانين الصوتية مطردة لا تعرف الشذوذ والحركة التي بعد السين في العربية هي فتحة طويلة وفي العبرية نجد بعد الشين ضمة طويلة، والواقع أن الفتحة الطويلة في العربية يقابلها دائمًا ضمة طويلة في اللغات الكنعانية، والعبرية إحدى اللغات الكنعانية، وهذا أيضًا قانون صوتي مطرد. وإذا نظرنا بعد هذا إلى الكلمة الآرامية "لشانا" لاحظنا أنها بفتحة طويلة، وقد كانت هذه الفتحة الطويلة أداة التعريف في الآرامية فالجماعات السامية الأولى لم تكن تعرف أداة للتعريف فطورت العربية لنفسها أداة هي "أل" تدخل في أول الكلمة وطورت الآرامية لنفسها فتحة طويلة تلحق بآخر الاسم لتفيد التعريف. الكلمات: "لسان، لاشون، لشانا" كلمة واحدة اشتقاقيا وتفيد كل واحدة اللسان. بالمعنى المادي "كجزء من الفم" ثم المعنى المعنوي أيضًا ... فقد تحدثوا عن اللسان العربي أو اللسان الآرامي أو اللسان العبري. لقد استمر استخدام كلمة اللسان بالمعنى المعنوي قرونا طويلة، وعندما تأسست في القرن الماضي مدرسة للغات والترجمة أطلق عليها اسم "مدرسة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 الألسن" وكان ناظر هذه المدرسة رفاعة رافع الطهطاوي يستخدم في كتبه كلمة "لسان" مثلما نستخدم اليوم كلمة "لغة" فهو يتحدث عن اللسان العربي واللسان الفرنساوي واللسان اللاطيني ... ونحن نتحدث اليوم عن الإنجليزي والألماني والعربي والإيطالي، وهذا التعبير ظهر أولا كصفة وموصوف تجده في القرآن الكريم: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِين} 1. ونجده عند ابن النديم في القرن الرابع الهجري: "اللسان العربي، اللسان السرياني، اللسان اليوناني" وعند ابن النديم نجد أيضًا حذف الموصوف والاكتفاء بالصفة، أي: بالعربي، بالسرياني، باليوناني أو إلى العربي أو إلى السرياني أو إلى اليوناني، ومن هنا استقر التعبير الشائع عندنا والذي كان صفة لا لمؤنث بل لمذكر هو اللسان. أما كلمة "لغة" فترجع إلى أصل غير سامي، إنها من الكلمة اليونانية Logos , ومعناها: كلمة، كلام، لغة. وقد دخلت الكلمة العربية في وقت مبكر، فاللغويون العرب جامعو اللغة في القرن الثاني للهجرة تحدثوا عن لغات القبائل وكثيرًا ما وصفت الصيغة اللغوية التي اعتبروها ثانوية أو جانبية بأنها "لغة" وقالوا مثلا: إن كلمة شهد أو كبر فيها أربع لغات شَهْد شِهْد، شَهَد شِهَد وكذلك كبر. فاللغات هنا هي الصيغ أو الأشكال الفرعية. ولكنهم تحدثوا أيضًا عن اللغة بالمعنى الاصطلاحي الذي نعرفه اليوم لكمة: كلام، قالوا: لغته فاسدة أو لغته جيدة، ثم تغيرت دلالة هذه الكلمة في العربية إلى أن حلت شيئًا فشيئًا محل كلمة "لسان" إن الحديث عن تاريخ حياة أي كلمة تاريخ طويل فالكلمة تعيش وتتفاعل، والمعنى هو حصيلة الملابسات التي عاشتها الكلمة. إن العربية لغة ذات قدرة بارعة في هضم الألفاظ الأجنبية وجعلها مثل الألفاظ الأصيلة فيها، فكلمة فيلسوف كلمة يونانية مركبة Philosoph, ومعناها الأول: محب الحكمة، دخلت الكلمة العربية مع عدد كبير من ألفاظ الحضارة والثقافة اليونانية، وعرفتها العربية في عصر الحضارة الإسلامية،   1 النمل: 194. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 ولكن العربية لم تكتف باستخدام الكلمة بل كونت منها كلمات جديدة، صاغت الفعل "تفلسف" وصاغت كلمة "فلسفة" وكلمة "المتفلسفة"، وكل هذه الكلمات صيغت وفق الضوابط العربية من المادة الأجنبية. وقد دخلت معظم الألفاظ اليونانية إلى العربية عبر اللهجات الآرامية التي سادت الشام والعراق قبل الإسلام، ولا سيما السريانية التي حملت ثقافة اليونان إلى العرب. وبجانب هذا فهناك عدد كبير من الألفاظ الآرامية الدخيلة في العربية. إن حياة البادية القديمة لم تكن تعرف زراعة التفاح أو التوت أو الجميز أو الحمص أو الخوخ أو الرمان أو الفستق، لم تعرف البادية هذه الثمار إلا عن طريق المناطق الزراعية في الشام والعراق وكانت هذه المناطق آرامية، وعندما تعربت هذه المناطق احتفظت بهذه الكلمات للتعبير عن تلك السلع، وهذه كلمات آرامية استقرت في العربية1. وشبيه بهذه كلمة "باب" لقد أخذت من الكلمة الآرامية "بابا" والألف الأخيرة أو بمعنى أدق الفتحة الطويلة الأخيرة علامة التعريف الآرامية، ومعنى "بابا" الآرامية: شق، فراغ، خرق، قطع، قسم. وقد دخلت هذه الكلمة اللغة العربية بصيغتين، باب وبابه "نقلا عن بابا" ولها في العربية نفس المعاني: فهذا باب البيت وهذا باب للخروج من المأزق، وهذا باب في كتاب، هذا وقد استخدم ابن دانيال في خيال الظل مصطلح "بابه" للتعبير عن القسم أو الفصل إن الكلمات الآرامية الدخيلة في العربية كثيرة متنوعة وكثير من الألفاظ دخل من اليونانية عبر الآرامية، لذا فدراسة الآرامية تفسر لنا كثيرا من جوانب تاريخ المفردات العربية. كان شأن الألفاظ القبطية في مصر شبيها بالآرامية في الشام والعراق، ولذا فقد دخل اللهجة العربية في مصر عدد كبير من الألفاظ القبطية، فأسماء   1 حول الألفاظ الآرامية الدخيلة في العربية: S. Frankel, Die, aramaischen fremdworter im Arabischen, Leiden 1978. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 الشهور القبطية توت وبابه يعرفها كل فلاح في مصر، كما يعرف كل فلاح سوري أيلول وحزيران وشباط، فأسماء الشهور المتداولة في العراق والشام عرفها الآراميون عمومًا بنفس الشكل* والترتيب كما عرفنا مصر في العهد القبطي توت وبابه وهتور وكيهك وبرمودة وبرمهات. وهناك ألفاظ قبطية كثيرة لا تزال تعرفها لغة الحديث اليومي في مصر مثل: برسيم، بقوطي، بوري، هوش، هلوس، هجص، مهياس، ننوس، شلوت، واحة، طاش، ورور. ويطول بنا القول لو تحدثنا عن كل العناصر الأجنبية التي دخلت الاستخدام اللغوي في المجتمع العربي، ولكنا نكتفي ببعض اللغات1. فالتركية كانت لغة الطبقات الحاكمة اجتماعيًّا، وأثر هذا بأن دخلت بعض الألفاظ التركية إلى لغة الحديث في العالم العربي، فكلمة طظ "طوز" معناها ملح أو تافه أو تراب وهي تركيبة، وكلمة طاسلاق ومعناها فعل: بسرعة ودون عناية دخلت العربية من التركية فأصبحت في الحديث اليومي "طسلأ" وأصبح هذا الفعل متصرفًا مثل باقي أفعال اللهجات العربية. ويعرف أبناء الشام كلمة "بلش" كفعل بمعنى بدأ والواقع أن هذه الكلمة من الأصل التركي: باشلامق بنفس المعنى، وقد اختصرت الكلمة وحدث فيها قلب مكاني بأن تبادلت اللام والشين مكانيهما على طريقة: أرانب أنارب، فأصبح "ب ش ل"، "ب ل ش" وقد استخدمت الكلمة كما يستخدم أي فعل في اللهجات العربية في الشام في مختلف التصريفات. وهناك ألفاظ دخلت في شكلها التركي رغم كون بعض عناصرها من أصل عربي، فنحن نعرف السلاملك، وهو مكان السلام في القصور حيث كان الجنود يصطفون لتحية الباشا، والكلمة مركبة من كلمة سلام العربية والمقطع.   * ليس صحيحًا أنها "رومية" كما زعم المقدسي: أحسن التقاسيم 183. 1 انظر في موضوع الألفاظ الدخيلة في العربية: جرجي زيدان: تاريخ اللغة العربية "القاهرة 1904". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 لك في التركية وهو يفيد المكانية، فالسلاملك مكان السلام، والحرملك مكان الحريم، والسلاحلك مكان السلاح. وهناك ألفاظ صيغت في العهد التركي في مصر من عناصر فارسية، فنحن نعرف "مدرسة المبتديان" بالقاهرة، وقد أسست في القرن الماضي حاملة هذا الاسم. وكلمة المبتديان ذات نهاية فارسية خاصة بالجمع، وعلى هذا فهي "مدرسة المبتدئين"، وما زلنا نستخدم عبارة "كبير الياوران" ولا ننزعج من استخدام الألف والنون في المضاف إليه، وهذا لأن كلمة الياوران ليست إلا جمعًا، والجمع هنا بالنهاية الفارسية آن، وقد كانت الفارسية لغة يعرفها المثقفون في الدولة العثمانية، وكانت تدرس كلغة كلاسيكية. في بعض معاهد العلم في مصر في القرن الماضي حتي دخول الإنجليز. كانت التركية أيضًا المعبر الذي انتقلت عليه ألفاظ أوروبية مختلفة إلينا، فنحن نعرف كلمة وابور وأصلها كلمة Vapour فكيف تحولت الـV إلى واو؟ الواقع أن هذا يفسر عن طريق استخدام الترك للخط العربي، فقد عبروا بحرف الواو عن صوت V في لغتهم فإذا أرادوا كتابة كلمة تركية أو أجنبية بها صوتV كتبوها باستخدام الواو، وعلى هذا فقد كتبوا كلمة وابور هكذا، ونطقوها كما لو كانت "فابور" ثم انتقلت الكلمة بصورتها المكتوبة إلى العربية فنطقت "وابور" أو اعتقد المتحدث العربي آنذاك أن أصلها واو لم يستطع التركي نطقها. ومن ثم دخلت الكلمة العربية بالواو. وشبيه ما نراه في كتب القرن التاسع عشر عندما يكتبون اسم "فينا" بالواو، أي "وينا"، وهذه الظاهرة تفسر لنا وجود بعض أسماء الأعلام في العربية، لقد أخذ الترك عن العرب اسم "توحيدة" ولكنهم نطقوا الواو كما لو كانت ف V ولم ينطقوا بصوت الحلق الحاء فهو لا يوجد في لغتهم، لقد نطقوا كلمة توحيدة كما لو كانت "تفيدة"، ومن هنا ظهر في العربية اسم جديد هو "تفيدة". وهكذا عاشت العربية وتطورت بنيتها في تفاعل دائم مع طبيعة العلاقات الاجتماعية والحضارية والسياسية والدينية التي سادت في المجتمع العربي عبر التاريخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 بيليوجرافيا مختارة بالكتب العربية في الدراسات اللغوية والموضوعات المرتبطة بها ... ببليوجرافيا مختارة بالكتب العربية في الدراسات اللغوية والموضوعات المرتبطة بها إبراهيم أنيس: - الأصوات اللغوية، القاهرة 1950، 1961 - دلالة الألفاظ، القاهرة 1958 - طرق تنمية الألفاظ في اللغة، القاهرة د. ت - اللغة بين القومية والعالمية، القاهرة 1970. - اللهجات العربية، القاهرة ط. ثانية 1952. - مستقبل اللغة المشتركة، القاهرة 1960. - من أسرار اللغة القاهرة 1951، 1966. إبراهيم السامرائي: - الأب أنستاس ماري الكرملي وآراؤه اللغوية، القاهرة 199. - التطور اللغوي التاريخي، القاهرة 1966. - تنمية اللغة العربية في العصر الحديث القاهرة 1973. - التوزيع اللغوي الجغرافي في العراق القاهرة د. ت. - رسائل في اللغة، بغداد 1964. - مباحث لغوية، بغداد 1971. إبراهيم مصطفى: - إحياء النحو، القاهرة 1937، 1951. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 إبراهيم موسى هنداوي: - الحركة الفكرية لليهود في إسبانيا الإسلامية وأثر الفكر الإسلامي فيها من القرن الرابع إلى القرن السادس الهجري، رسالة دكتوراه -جامعة الإسكندرية 1954. إبراهيم اليازجي: - لغة الجرائد، القاهرة 1319. ابن الأثير: - النهاية في غريب الحديث والأثر، القاهرة 1963-1965. ابن الأنباري "كمال الدين أبو البركات" عبد الرحمن: - أسرار العربية، نشره زايبولد Seybold في ليدن 1886، ثم طبع في دمشق. - الإعراب في جدل الإعراب، نشره سعيد الأفغاني في دمشق 1957. - الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين نشره فايل G. weil في ليدن 1913 مع مقدمة عن مدارس النحو العربي، وطبعه محمد محيي الدين عبد الحميد عدة مرات بعد ذلك بالقاهرة. - البيان في غريب إعراب القرآن، تحقيق: طه عبد الحميد طه، القاهرة 1970. - لمع الأدلة في أصول النحو، نشره سعيد الأفغاني في دمشق 1957، وعطية عامر في استكهولم سنة 1963- الموجز في علم القوافي، نشره عبد الهادي هاشمى -في المجلد الحادي والثلاثين من مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق 1956. - نزهة الألباء في طبقات الأدباء نشره بالقاهرة 1294 وبتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم بالقاهرة 1960، وإبراهيم السامرائي في بغداد 1960، وعطية عامر في استوكهولم 1963. ابن بري: - غلط الضعفاء من "أهل الفقه" الفقهاء حققه Torrey في الدراسات المقدمة إلى نولدكه Noldeke بعنوان Or. Stud   رسائل جامعية مجازة وغير منشورة سجلنا عناوينها اعتمادًا على المصادر الببليوجرافية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 ابن الجزري: - غاية النهاية في طبقات القراء. نشره برجشتراسر وبرتسل بالقاهرة 1932-1935. - النشر في القراءات العشر، حققه محمد الضباع -القاهرة د. ت دمشق 1345. ابن جني: - التمام في تفسير أشعار هذيل، بالقاهرة 1962. - جمل أصول التصريف - مختصر التصريف الملوكي، القاهرة 1913. - الخصائص، تحقيق محمد علي النجار دار الكتب المصرية 52-1957. - سر صناعة الإعراب، تحقيق مصطفى السقا وآخرين الجزء الأول فقط القاهرة 1954. - كتاب المقتضب في اسم المفعول من الثلاثي المعتل العين، طبع بالقاهرة 1922 ضمن ثلاث رسائل. - المحتسب، ج1، ج2 القاهرة 1969-1971 - المنصف، شرح كتاب التصريف للمازني، تحقيق إبراهيم مصطفى وعبد الله آمين -القاهرة 1954. ابن الجوزي: - تقويم اللسان تحقيق عبد العزيز مطر، القاهرة 1966 ابن الحاجب: - الكافية، في النحو طبع في روما 1592 وكوانبور 1888-1891 وكازان 1889 وطشقند 1311، 1312. ابن حبيب: - المحبر، تحقيق ايلزه ليختن شتير، حيدرآباد بالهند 1942. ابن حزم الأندلسي: - جمهرة أنساب العرب، تحقيق عبد السلام هارون - القاهرة 1962. ابن الحنبلي: - بحر العلوم فيما أصاب فيه العوام، ط المجتمع العملي بدمشق 1356. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 ابن خاتمة الأنصاري: - إيراد الآل من إنشاء الضوال، نشر Colin في مجلة Hesperis XII ابن خالويه: - إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم، تحقيق عبد العزيز الميمني، القاهرة 1941. - الحجة في القراءات السبع، تحقيق عبد العال سالم مكرم، بيروت 1971. - كتاب الشجر، نشره Nagelberg 1909 في Kirschain ألمانيا، نسبة هذا الكتاب لابن خالويه موضع نظر والصحيح أنه لأبي زيد الأنصاري. - ليس في كلام العرب، نشره الشنقيطي بالقاهرة 1327، وأحمد عبد الغفور عطار القاهرة 1957. غير كامل. - مختصر شواذ القراءات، برجشتراسر في نشريات المكتبة الإسلامية رقم 7/ 1933. ابن خلدون: - مقدمة ابن خلدون، تحقيق: على عبد الواحد وافي، 4 مجلدات القاهرة ط ثانية 1967. ابن خلكان: - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد القاهرة 1948. ابن خير الأشبيلي: - فهرست ما رواه عن شيوخه من الدواوين المصنفة، القاهرة 1963. ابن درستويه: - كتاب الهداية في النحو، طبع في طهران في 1289هـ. ابن دريد: - الاشتقاق، ط جوتنجن 1584 ثم حققه عبد السلام هارون القاهرة 1958. - الجمهرة في اللغة نشر بحيدرآباد 1345. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 - كتاب السرج واللجام، نشره وليم رايت W. Wright في: Opscula arab 1-14. - كتاب صفة السحاب والغيث، نشره وليم رايت في: Opscula arab 15-46 ليدن 1859. ابن السراج: - أصول النحو، تحقيق ودراسة، رسالة دكتوراه. جامعة القاهرة 1971 أعدها عبد الحسين الفتلى. - الموجز في النحو، تحقيق: مصطفى الشويمي، بيروت 1956. ابن السكيت: - الأضداد، نشره هفنر Haffner في الكنز اللغوي في بيروت 1912. - إصلاح المنطق، تحقيق أحمد شاكر وعبد السلام هارون، القاهرة 1956. - تهذيب الألفاظ، نشره لويس شيخو، المطبعة الكاثوليكية، بيروت 1895. - القلب والإبدال في كتاب الكنز اللغوي تحقيق: هفنر، بيروت 1903. ابن سنان الخفاجي: - سر الفصاحة، القاهرة 1952. ابن السيد: - الاقتضاب في شرح أدب الكتاب، بيروت 1901. ابن سيده الأندلسي: - المحكم والمحيط الأعظم، تحقيق: السقا ونصار وآخرين، القاهرة 1958 وما بعدها. - المخصص في اللغة، بولاق 21/1316 في 17 جزءًا. ابن سينا: - أسباب حدوث الحروف، القاهرة 1352، طهران 1955- 1956. ابن الشجري: - الأمالي الشجرية. ط حيدرآباد 1349. وأعيد طبعه في بيروت د، ت حوالي 1972. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 - الحماسة، حيدرآباد بالهند 1345هـ. - ديوان مختارات شعراء العرب، اختيار ابن الشجري -القاهرة 1306 هـ. ابن عصفور: - شرح جمل الزجاجي، حققه صاحب جعفر أبو جناح، رسالة دكتوراه جامعة القاهرة 1971. - الممتع في التصريف، ج1، ج2 تحقيق فخر الدين قباوة في حلب 1970. ابن عقيل: - شرح ألفية ابن مالك طبع بالقاهرة عدة مرات. ابن فارس: - أبيات الاستشهاد، حققه عبد السلام هارون في نوادر المخطوطات، القاهرة 1951. - الإتباع والمزاوجة، طبع بتحقيق R.Brunnow في Giessen سنة 1906، ثم بتحقيق كمال مصطفى بالقاهرة 1947. - تمام فصيح الكلام، نشره آربري Arberry في لندن 1951 ثم نشره د. مصطفى جواد في بغداد 1969 ضمن رسائل في النحو واللغة، وحققه إبراهيم السامرائي في بغداد 1971 في مجلة المجمع العلمي العراقي المجلد الحادي والعشرين. - خلق الإنسان، نشره داود الحلبي في لغة العرب 9/ 1931، ثم فيصل دبدوب في مجلة المجمع العلمي بدمشق 42 /2، 1971. - الصاحبي في فقه اللغة، وسنن العرب في كلامها، نشره محب الدين الخطيب بالقاهرة 1910 ثم مصطفى الشويمي في بيروت 1964. - فتيا فقيه العرب، نشره حسين على محفوظ في مجلة المجتمع العلمي العربي بدمشق 1958. - متخير الألفاظ، حققه هلال ناجي ونشره بالرباط المكتب الدائم لتنسيق التعريب 1970. - المجمل في اللغة، الجزء الأول، نشره محمد محيي الدين عبد الحميد القاهرة 1947. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 - مقالة كلا وما جاء منها في كتاب الله، حققه عبد العزيز الميمنى ضمن ثلاث رسائل القاهرة 1344، 1387. - معجم مقاييس اللغة، طبع بتحقيق عبد السلام هارون 6 أجزاء القاهرة 1366هـ، 1371هـ. - النيروز، نشره عبد السلام هارون ضمن نوادر المخطوطات 1373/ 1954. ابن فرحون: - الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، القاهرة 1351هـ. ابن قتيبة الدينوري: - أدب الكاتب، نشره Grunert في ليدن 1900-1901، ثم نشر بالقاهرة 1355هـ، 1382/ 1963، وهناك عدة طبعات مصرية أخرى. - الأنواء في مواسم العرب، حيدرآباد الدكن 1956. - تأويل مشكل القرآن، تحقيق السيد صقر، د. ت. - الشعر والشعراء، تحقيق أحمد شاكر، القاهرة 1966. - عيون الأخبار، القاهرة 1925-1930. - المعاني الكبير -حيدرآباد الهند 1949. ابن كمال باشا: - التنبيه على غلط الجاهل والنبيه، نشره لاندبرج في ليدن 1889 في طرق عربية، ثم نشر في دمشق 1344 بتحقيق المغربي. ابن مالك: - تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، حققه محمد كامل بركات بالقاهرة 1968. - لامية الأفعال، نشرت في هلسنكي 1854، وبطرسبرج 1864 وليبزج 1866. ابن مسعود: - مراح الأرواح في علم الصرف، القاهرة 1937. ابن مضاء القرطبي: - الرد على النحاة، حققه شوقي ضيف 1947. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 ابن مكي الصقلي: - تثقيف اللسان وتلقيح الجنان، تحقيق: عبد العزيز مطر، القاهرة 1966. ابن منظور الإفريقي: - لسان العرب، بولاق 1300-1307هـ. ابن النديم: - الفهرست، تحقيق Flugel، ليبزج 1871، ثم نشر بالقاهرة 1348 هـ ثم أعيد تصويرها في بيروت 1965، ونشر في طهران 1972. ابن هشام الأنصاري: - أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، نشره محيي الدين عبد الحميد القاهرة 1949. - شذور الذهب في معرفة كلام العرب وشرح شذور الذهب، القاهرة عدة طبعات. - قطر الندى وبل الصدى، القاهرة، عدة طبعات. - مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، نشره محيي الدين عبد الحميد بالقاهرة ومازن المبارك - دمشق 1966. ابن هشام اللخي: - المدخل إلى تقويم اللسان، حققه عبد العزيز مطر بالقاهرة 196. ابن ولاد: - كتاب المقصور والممدود نشره P. Bronnle في لندن 1900 ابن يعيش: - شرح مفصل الزمخشري، نشره G. Jahn في مجلدين - ليبزج 1882 1886، وطبع بالقاهرة بعد ذلك. أبو بكر بن دريد: - الملاحن، نشره إبراهيم أطفيش الجزائري، القاهرة 1347هـ. أبو الحسنات محيي الدين: - العرب في السند، رسالة ماجستير - جامعة القاهرة 1945. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 أبو حنيفة الدينوري: - كتاب النبات، نشر لوين - ليدن 1953. أبو حيان: - منهاج السالك، نشره سدني جلازر Glaser S. في New Haven 1946. أبو زيد القرشي: - جمهرة أشعار العرب، بولاق 1308هـ. أبو زيد الأنصاري: - كتاب المطر، نشره جوتهايل R.Gottheil في JAOS XVI 288-312. - ونشره لويس شيخو في بيروت 1908. - كتاب النوادر في اللغة، نشره سعيد الخوري الشرتوني، بيروت 1895 وطبع مصورًا في بيروت 1965. - كتاب الهمز وتحقيق الهمز، نشره لويس شيخو في مجلة: المشرق 1910 ثم أعيد نشره في بيروت 1911. أبو طاهر التميمي: - المسلسل في غريب لغة العرب، تحقيق محمد عبد الجواد القاهرة 1957. أبو الطيب اللغوي: - الإبدال تحقيق عز الدين التنوخي ط دمشق 1961. - الأضداد في كلام العرب تحقيق عزة حسن، دمشق 1963. - شجر الدر في تداخل الكلام بالمعاني المختلفة، القاهرة 1957. - المثنى، تحقيق عز الدين التنوخي، دمشق 1960. - مراتب النحويين، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة 1955. أبو عبيد البكري الأوبني: - سمط اللآلي في شرح أمالي القالي. تحقيق: عبد العزيز الميمني، القاهرة د. ت. أبو عبيد القاسم بين سلام: - غريب الحديث. حيدرآباد بالهند 1964-1967. أبو عبيدة معمر بن المثنى: - مجاز القرآن تحقيق فؤاد سزكين، القاهرة 1954-1962. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 أبو علي الفارسي: - الإيضاح، القاهرة 1970. - كتاب الحجة، نشر بالقاهرة 1966 بتحقيق علي النجدي ناصف وآخرين. - كتاب الشعر، نشر H.I.Roediger قطعة منه في هاله 1969. أبو عمر المطرز الزاهد: - المداخل، القاهرة 1956. أبو مسحل: - النوادر، تحقيق عزة حسن، دمشق 1961. أبو هلال العسكري: - معرفة الفروق في اللغة، القاهرة 1935. الأجدابي: - كفاية المتحفظ في اللغة، ط بيروت 1305، حلب 1343 المجموعة اللغوية بتحقيق مصطفى الزرقا. أحمد إبراهيم الفحيل: - التذكير والتأنيث في اللغة العربية، رسالة ماجستير، جامعة القاهرة 1942. أحمد تيمور: - أسرار العربية، القاهرة 1954. - تصحيح لسان العرب، القاهرة 1343. - السماع والقياس، القاهرة 1955. أحمد حنفي: - ثعلب ومذهبه في النحو واللغة، رسالة ماجستير -جامعة القاهرة 1961. أحمد شلبي: - تعليم اللغة العربية لغير العرب، القاهرة 1966. أحمد عيسى: - المحكم في أصول الكلمات العامية، القاهرة 1939. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 أحمد ماهر محمود فهمي البدري: - أساليب النفي في القرآن، الإسكندرية 1970. أحمد مختار عمر: - البحث اللغوي عند العرب، القاهرة 1971. - تاريخ اللغة العربية في مصر، القاهرة 1970. أحمد مطلوب: - البلاغة عند السكاكي، بغداد 1964. أحمد مكي الأنصاري: - أبو زكريا الفراء ومذهبه في النحو واللغة، القاهرة 1964. أدي شير: - الألفاظ الفارسية المعربة، بيروت 1908. طهران 1965. الأزهري أبو منصور: - تهذيب اللغة، تحقيق عبد السلام هارون وآخرين- القاهرة 1964-1967. الأزهري خالد بن عبد الله: - شرح التصحيح على التوضيح، القاهرة د. ت. الاستراباذي رضى الدين: - شرح شافية ابن الحاجب مع شرح شواهده لعبد القادر البغدادي، تحقيق محمد الزفزف وآخرين، القاهرة 1356 هـ. - شرح الكفاية. ط استانبول 1305. الإسكافي: - مبادئ اللغة، ط القاهرة 1325 ضمن: الطرق الأدبية. إسماعيل باشا البغدادي: - هدية العارفين في أسماء المؤلفين والمصنفين، استانبول 1955. الأشموني: - شرح الأشموني على ألفية ابن مالك، مطبعة عيسى الحلبي بالقاهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 د. ت وطبع أيضًا بعنوان: مناهج السالك بالقاهرة عدة طبعات وطبع مع حاشية محمد بن على الصبان ت 1206/ 1791 بالقاهرة طبعات كثيرة. الأشناندانى: - معاني الشعر، دمشق 1922. الأصمعي: - الإبل، ضمن كتاب الكنز اللغوي في اللسن العربي، تحقيق: هفتر ليبزج وبيروت 1903- 1905. - كتاب أسماء الوحوش وصفاتها، نشره Geyer و SBWA. - التقارير العلمية لأكاديمية فينا 1895/ 132 فيننا1888. - كتاب الأضداد "؟ " نشره صالحاني في بيروت 1912. - كتاب خلق الإنسان، ضمن كتاب الكنز اللغوي في اللسان العربي. نشره فهنر - ليبزج وبيروت 1903 - 1905 - كتاب الخيل، نشره هفنز Haffiner في SBWA التقارير العلمية لاكاديمية فينا 1895/ 132 - كتاب فحولة الشعراء، نشره توري Ch. Torrey في ZDMG مجلة جمعية المستشرقين الألمانية 65/ 487. 516 واعاد نشره بالقاهرة محمد عبد المنعم خفاجي - كتاب الفرق عن الأصمعي، نشره مولز D.H. Muller في SBWA - التقارير العلمية لاكاديمية فينا العدد 82/ 1878/ ص 235- 288 - كتاب النبات والشجر، نشر هفنر Haffner ضمن مجموعة رسائل علمية عنوانها A. Haffner, Dix Anciens traifes - البلغة في شذور اللغة بيروت 1908. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 - كتاب النخيل والكرم نشره هفنر في مجموعة الرسائل المذكورة. - الأصمعيات، تحقيق أحمد محمد شاكر وعبد السلام هاورن القاهرة 1956. ألفت محمد جلال: - دراسة في أزمنة الفعل وصيغه في اللغتين العربية والعبرية. رسالة ماجيستير - جامعة عين شمس 1965. - مروان بن جناح حياته وأعماله اللغوية والنحوية رسالة دكتوراه جامعة عين شمس 1968. الآمدي: - المؤتلف والمختلف، تحقيق: عبد الستار فراج القاهرة 1961. - الموازنة، تحقيق السيد صقر، في مجلدين، القاهرة. أمين الخولي: - محاضرات عن مشكلاتنا اللغوية القاهرة 1958. - معجم ألفاظ القرآن القاهرة 1972. - مناهج تجديد في النحو والبلاغة والتفسير والأدب، القاهرة د. ت. الأنباري أبو بكر محمد بن القاسم: - الأضداد، نشره هوتسما Houtsma ليدي 1881 وحققه محمد أبو الفضل إبراهيم، الكويت 1960. - البلغة في الفرق بين المذكر والمؤث القاهرة د. ت. - شرح الأنباري على المفضليات اكسفورد 1920. - شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات، تحقيق: عبد السلام هارون، القاهرة 1963. انستاس ماري الكرملي: - أغلاط اللغويين الأقدمين بغداد 1937. - نشوء اللغة العربية ونموها واكتمالها، القاهرة 1938. أنيس فريحة: - محاضرات في اللهجات وأسلوب دراستها، القاهرة 1955. - ملامح وأساطير من أجريت بيروت 1966. - نحو عربية ميسرة، بيروت 1955. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 أولمان Ulmann, Stefan: - دور الكلمة في اللغة ترجمة: كمال محمد بشر - القاهرة - الطبعة الثانية 1969. البحتري: - الحماسة للبحتري، نشره كمال مصطفى، القاهرة 1929. برجشتراسر Bergtrasser: - التطور النحوي للغة العربية، القاهرة 1929. بروكلمان كارل: c. Brockelmann. - تاريخ الأدب العربي، ترجمة: عبد الحليم النجار، القاهرة 1959- 1962. البطليوسي: - الاقتضاب في شرح أدب الكتاب، نشره عبد الله البستاني، بيروت 1901. البغدادي، عبد القادر بن عمر: - خزانة الأدب، 4مجلدات، بولاق 1299، القاهرة 1930 وحققه عبد السلام هارون - القاهرة 1967. البغدادي، الخطيب: - تاريخ بغداد أو مدينة السلام 14جزءًا، القاهرة 1391. البغدادي موفق الدين عبد اللطيف: - ذيل الفصيح، القاهرة 1289. البكري أبو عبيد: - التنبيه على أوهام القالي في أماليه، مطبعة دار الكتب بالقاهرة 1926. - سمط اللآلي في شرح أمالي القالي، تحقيق عبد العزيز الميمني القاهرة 1936. - معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، تحقيق مصطفى السقا القاهرة 1945- 1951. بياجيه، جان j. Piaget: - اللغة والفكر عند الطفل، ترجمة أحمد عزت، القاهرة 1954. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 التبريزي، الخطيب: - تهذيب إصلاح المنطق، القاهرة 1907. - شرح ديون الحماسة نشره فرايتاج Freytag في بون 1838/ 41. - شرح المعلقات، ط كلكتا 1311، القاهرة 1906، 1924، 1933، 1950، 1962، 1964 وبتحقيق فخر الدين قباوة بحلب 1969. - شرح المفضليات، تحقيق: فخر الدين قباوة، المجلد الأول والمجلد الثاني دمشق 1971. - الكافي في علمي العروض والقوافي، تحقيق: الحساني حسن عبد الله القاهرة. - ما يقرأ من آخره كما يقرأ من أوله، نشره كروتكوف بمجلة كلية الآداب والعلوم بغداد 1958م. - الوافي في العروض والقوافي، تحقيق: عمر يحيى وفخر الدين قباوة، حلب 1970. تمام حسان: - اللغة العربية معناها ومبناها، القاهرة 1973. - اللغة بين المعيارية والوصفية، القاهرة 1958. - مناهج البحث في اللغة، القاهرة 1955. التهانوي "محمد علي الفاروقي": - كشاف اصطلاحات الفنون، نشره لطفي عبد البديع وعبد النعيم حسنين وأمين الخولي، القاهرة 1963. تعلب: - فصيح اللغة، نشره بارت Barth في برلين 1875، وطبع في القاهرة 1945 مع الشروح التي عليه. - قواعد الشعر نشره Schiaparelli في ليدن 1980 ثم حققه رمضان عبد التواب، القاهرة 1966. - مجالس تعلب، تحقيق: عبد السلام هارون، القاهرة 1948، 1949، 1960. الثعالبي: - الإيجاز والإعجاز، القاهرة 1897. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 - ثمار القلوب في المضاف والمنسوب، ط القاهرة 1326. - خاص الخاص، مطبعة السعادة بالقاهرة 1809. - فقه اللغة وسر العربية، طبع مرارًا ونشر بتحقيق مصطفي السقا وإبراهيم الإبياري بالقاهرة 1938. - يتيمة الدهر، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة 1956. الجاحظ: - البخلاء، تحقيق: طه الحاجري، القاهرة 1363. - البيان والتبيين، تحقيق: عبد السلام هارون، القاهرة 1948- 1945. - الحيوان، تحقيق: عبد السلام هارون، القاهرة 1938- 1945. الجاربردي: - شرح الشافية، ط كلكتا 1262، لاهور 1304، إستانبول 1310. الجرجاني، عبد القاهر: - أسرار البلاغة في المعاني والبيان، طبع بالقاهرة مرارًا وحققه ريتر في إستانبول 1954. - دلائل الإعجاز، طبع بالقاهرة. الجرجاني، علي بن عبد العزيز: - الوساطة بين المتنبي وخصومه، تحقيق علي البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة 1951. جرجي زيدان: - تاريخ اللغة العربية، القاهرة 1904. جعفر هادي حسن الكريم: - مذهب الكسائي في النحو: رسالة ماجستير- جامعة بغداد 1969. جمال الدين محمد شلبي: - لغة التأليف المسرحي، رسالة ماجستير- جامعة الإسكندرية 1969. - الجمانة في إزالة الرطانة، لمؤلف تونسي في القرن التاسع الهجري، تحقيق: حسن حسني عبد الوهاب، المعهد الفرنسي بالقاهرة 1953. جواد علي: - تاريخ العرب قبل الإسلام 8 أجزاء، بغداد 1950. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 الجواليقي: - تكملة إصلاح ما تغلط فيه العامة، نشره ديرنبورج H. Derenbourg في morgenladisehe Forschungen ليبزج 1875، نشره عز الدين التنوخي بدمشق 1936، وطبع بطهران مصورًا مع كتاب المعرب 1966. - شرح أدب الكاتب، تقديم مصطفي صادق الرافعي، القاهرة 1350هـ. - المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم، حققه: ساخاو Sachau في ليبزج 1827، وأحمد محمد شاكر بالقاهرة، دار الكتب 1360 وطبع بعد ذلك مصورًا في طهران 1966، والقاهرة 1969. جرومان: - أوراق بردي عربية في دار الكتب المصرية، القاهرة 1934- 1937. الجوهري: - الصحاح، ط بولاق 1282، ثم حققه: أحمد عبد الغفور عطار القاهرة 1956. جويدي، إغناطيوس: - مختصر علم اللغة العربية الجنوبية، مطبوعات الجامعة المصرية، 1929. حاجي خليفة: - كشف الظنون عن أساس الكتب والفنون، إستانبول 1943. حسن توفيق: - أصول الكلمات العامية، القاهرة 1896. حسن حسني عبد الوهاب: - تحقيق كتاب: الجمانة في إزالة الرطانة، ط القاهرة 1953. حسن عون: - اللغة والنحو، الإسكندرية 1952. - تطور الدرس النحوي، القاهرة د. ت، 1970؟. حسين نصار: - المعجم العربي نشأته وتطوره، القاهرة 1956. - الأضداد، في: اللسان العربي 1971 ص93 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 الحريري: - كتاب درة الغواص في أوهام الخواص نشره thorbeeke في ليبزج 1871، ومطبعة الجوائب بالقسطنطينية 1399هـ. حفني ناصف: - مميزات لغات العرب وتخريج اللغات العامية عليها، القاهرة 1304 وطبع بمطبعة جامعة القاهرة 1957. حمزة الأصفهاني: - التنبيه على حدوث التصحيف، تحقيق: الشيخ محمد حسن آل ياسين، بغداد 1967، وحققه محمد أسعد طلس بمراجعة أسماء الحمصي وعبد المعين الحلوجي في دمشق 1968. خديجة عبد الرازق الحديثي: - أبنية الصرف في كتاب سيبويه، بغداد 1964. - أبو حيان النحوي، بغداد 1966. الخفاجي، شهاب الدين: - شرح درة الغواص، قسطنطينية 1299هـ. - شفاء العليل فيما في كلام العرب من الدخيل، القاهرة 1282، 1325هـ. الخليل بن أحمد: - العين، نشر أنستاس ماري الكرملي قسمًا منه ببغداد 1914، وحقق: الجزء الأول عبد الله درويش، بغداد 1967. خليل يحيي نامي: - آثار معين، القاهرة 1952. - أصل الخط العربي وتطوره إلى ما قبل الإسلام، رسالة ماجستير- جامعة القاهرة 1934. - حرف الضاد وكثرة مخارجه في اللغة العربية، مقالة في مجلة كلية الآداب، القاهرة المجلد 21 العدد الأول- مايو 1959. - نشر نقوش سامية قديمة من جنوب بلاد العرب وشرحها، القاهرة 1943. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 الخوارزمي: - مفاتيح العلوم، ليدن 1895، وأعيد طبعه بالتصوير في ليدن 1968، وطبع أيضًا بالقاهرة. الخوانساوي، ميرزا باقر: - روضات الجنات في أحوال العلمات والسادات، إيران 1304-1306هـ. خولة تقي الدين الهلالي: - المشكلات اللغوية في القراءات القرآنية- رسالة ماجستير- جامعة بغداد 1969. الداني: - التيسير في القراءات السبع، نشره برتسل otto pretzel في ليبزج وإستانبول 1930. - المحكم في نقط المصاحف، تحقيق: عزة حسن، دمشق 1960. الراغب الأصفهاني: - محاضرات الأدباء، القاهرة 1287. - المفردات في غريب القرآن، القاهرة 1324. الربعي، عبد الله بن أحمد: - المنتقى من أخبار الأصمعي، نشره التنوخي في مجلة المجمع العلمي العربي 14/ 41- 53، 38- 111. الربعي، علي بن عيسي: - نظام الغريب، تحقيق برونله bronnle القاهرة بمطبعة هندية بالموسكي د. ت. رسمية محمد علي المياح: - إسناد الفعل، رسالة ماجستير- جامعة بغداد 1966. رفائيل نخلة اليسوعي: - غرائب اللغة العربية، حلب 1954، بيروت 1960. - غرائب اللهجة اللبنانية السورية، بيروت 1962. رمضان عبد التواب: - التذكير والتأنيث في اللغة، مع تحقيق رسالة أبي موسى الحامض في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 المذكر والمؤنث: القاهرة 1967. - لحن العامة والتطور اللغوي، القاهرة 1967. زاكية محمد رشدي: - ميخائيل السرياني الكبير وتأريخه لعصر صدر الإسلام والعصر الأموي رسالة دكتواره، جامعة القاهرة 1955. زامباور: - معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي، ترجمة زكي محمد حسن وحسن أحمد محمود القاهرة 1951- 1952. الزاهد: - المدخل في اللغة، تحقيق: محمد عبد الجواد، القاهرة 1961. زاهر رياض: - العصر الأول من الأسرة السليمانية في الحبشة وعلاقة المسلمين بالمسيحيين، رسالة دكتوراه - جامعة القاهرة 1955. - مظاهر العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في الحبشة في العصور الوسطى، رسالة ماجستير - جامعة القاهرة 1950. الزبيدي، أبو بكر محمد بن الحسن: - الاستدارك على سيبويه في كتاب الأبنية والزيادات على ما أورده فيه نشره جويدي، روما 1980. - طبقات النحويين واللغويين، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم 1954. - لحن العوام، تحقيق: رمضان عبد التواب، القاهرة 1964 ثم طبع بتحقيق: عبد العزيز مطر في الكويت 1968 بعنوان: لحن العامة. الزبيدي، السيد مرتضي: - تاج العروس من جواهر القاموس، القاهرة 1307 ويطبع الآن في الكويت. الزجاج: - سر النحو، نشر بالقاهرة 1972 بتحقيق هدى قراعة بعنوان: ما ينصرف وما لا ينصرف. - كتاب فعلت وأفعلت، نشر بالقاهرة 1907، 1913، ضمن: الطرف الأدبية لطلاب العلوم العربية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 الزجاجي: - الإبدال والمعاقبة والنظائر، تحقيق عز الدين التنوخي، دمشق 1963. - الإيضاح في علل النحو، تحقيق: مازن المبارك، تقديم، شوقي الجمل، نشره بن شنب، باريس 1927، 1957 - اللامات، تحقيق: مازن المبارك، دمشق 1969. - مجالس العلماء، تحقيق: عبد السلام هارون، الكويت 1962. الزركشي: - البرهان في علوم القرآن، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة 1957- 1958. الزركلي: - الأعلام، القاهرة 1954- 1959. الزمخشري: - أساس البلاغة، ط دار الكتب بالقاهرة 1341/ 1922- 1923- 1960، وطبع بالتصوير عدة مرات. - الأنموذج ط القاهرة 1289، وإستانبول 1298. - الفائق في غريب الحديث، تحقيق: علي محمد البجاوي وأبو الفضل إبراهيم، القاهرة 1945- 1948. - الكشاف، القاهرة. - المفصل في النحو، نشره broch في christiana لندن 1859، 1879 ونشره حمزة فتح الله بالقاهرة بعد ذلك وأعيد طبعه بالتصوير في بيروت 1972. الزنجاني، عز الدين: - تصريف الزنجاني -التصريف العزي- مبادئ التصريف، ط بالقاهرة وإستانبول عدة طبعات. الزوزني: - شرح المعلقات السبع، القاهرة 1952. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 السجستاني "أبو حاتم سهل بن محمد" - الأضداد "في ثلاث كتب" نشره هفنر haffner بيروت 1913. السجستاني" ابن أبي داود": - كتاب المصاحف نشره جفري geffery القاهرة- ليدن 1937. السخاوي: - الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، القاهرة 1353- 1355هـ. سركيس، يوسف إليان: - معجم المطبوعات العربية والمعربة، القاهرة 1928. سعيد الأفغاني: - حاضر اللغة العربية في الشام، القاهرة د. ت بيروت 1971 بعنوان من حاضر اللغة العربية. - نظرات في اللغة عند ابن حزم، بيروت 1969. السكاكي: - مفاتيح العلوم، القاهرة 1317، الاستانة 1317. السكري: - شرح أشعار الهذليين، مراجعة محمود شاكر، القاهرة د. ت "1960؟ ". السمعاني: - الأنساب، ليدن 1912 وحيدر أباد الهند 1381هـ وطبع بالتصوير سنة 1968. سيبويه: - الكتاب نشره ديرنبور h. derenbourg بعنوان le livre de sibawaihi في باريس 1881- 1889، وترجمه يان jahn إلى الألمانية بعنوان sibawaihi's buch uber die grammatik ويضم عمل يان المذكور نشر مقتبسات من شرح السيرافي على سيبويه إلى جانب ترجمة متن "الكتاب" إلى الألمانية. وطبع ببولاق 1316- 1317 في مجلدين وعليه شرح شواهد الكتاب للأغلم الشنتمري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 وتقريرات من شرح السيرافي. وصدر منه بتحقيق: عبد السلام هارون بالقاهرة الأجزاء 1، 2، 3. السيد عبد الهادي إبراهيم: - أساليب النفي في اللغة العربية، رسالة ماجستير جامعة القاهرة 1941. السيد يعقوب بكر: - دراسات في فقه اللغة العربية، بيروت 1969. - نصوص في فقه اللغة العربية، بيروت 1971. - نصوص في النحو العربي، بيروت 1971. السيرافي، أبو سعيد: - أخبار النحويين البصريين، نشره كرنكو في الجزائر وباريس 1935، ونشره بالقاهرة محمد عبد المنعم خفاجي 1955. السيوطي: - الإتقان في علوم القرآن، القاهرة 1318. ثم حققه محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة 1967. - الأشباه والنظائر، 4أجزاء، حيدرآباد 1316- 1317- 1395. - الاقتراح في أصول النحو دلهي 1312 وحيدرآباد 1359. - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: محمد أبو الفضل إبراهيم القاهرة 1964- 1965. - سبب وضع علم العربية، القسطنطينية 1301 ضمن "التحفة البهية". - شرح شواهد المغني، طبع بتصحيح الشنقيطي، القاهرة 1322هـ. - الزهر في علوم اللغة وأنواعها، بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وآخرين القاهرة 1958. - همع الهوامع، القاهرة 1327. شاده A. schaade: - علم الأصوات عند سيبويه وعندنا- محاضرات نشرت بصحيفة الجامعة المصرية- السنة الثانية 1931، وهذه المحاضرة ملخص لكتابه الألماني في نفس الموضوع. sibawaihi lautlehre, leiden 1911 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 الشرتوني، سعيد الخوري: - أقرب الموارد في فصح العربية والشوارد القاهرة د. ت. الشريف المرتضى: - أمالي الشريف المرتضى، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم القاهرة 1954. شكري فيصل: - الفتح الإسلامي من حيث تأثيره في الحياة اللغوية والأدبية، رسالة دكتوراه جامعة القاهرة 1951. - الصحافة الأدبية، القاهرة. الشنتمري، الأعلم: - تسهيل عين الذهب من معادن جوهر الأدب في علم مجازات العرب، شرح شواهد سيبويه، طبع بهامش كتاب سيبويه بولاق 1316- 1317هـ. الشنتريني: - المعيار في أوزان الأشعار، تحقيق: محمد رضوان الداية، دمشق 1968. الشنقيطي: - الدرر اللوامع على الهوامع، القاهرة 1327هـ. شوقي ضيف: - المدارس النحوية، القاهرة د. ت. صالح الشماع: - اللغة عند الطفل، القاهرة 1955. الصبان: - حاشية الصبان على شرح الأشموني، القاهرة د. ت. صدر الدين بن أبي الفرج البصري: - الحماسة البصرية حيدرآباد بالهند 1964. الصغاني: - التكملة والذيل والصلة لكتاب تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق: عبد العليم الطحاوي، القاهرة د. ت1970؟. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 صلاح الدين المنجد: - المنتقى من كتابات المستشرقين ج1، القاهرة 1955. طاشكبري زاده: - مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، تحقيق: كامل بكري وعبد الوهاب أبو النور، القاهرة 1969. الطالقاني: - رسالة الأمثال البغدادية التي تجري بين العامة، نشرها ماسنيون بالقاهرة 1911. طاهر سليمان محمد حمودة: - ظاهرة القياس في دارسة اللغة العربية، رسالة ماجستير- جامعة الإسكندرية 1968. طنطاوي محمد طنطاوي داز: - ظاهرة الاشتقاق في اللغة العربية، رسالة ماجستير- جامعة الإسكندرية 1969. طوبيا العنيسي: - تفسير الألفاظ الداخلية في اللغة العربية، القاهرة 1969. عادل أحمد زيدان: - أبو الطيب اللغوي وآثاره في اللغة، بغداد 1969. عائشة عبد الرحمن: - لغتنا والحياة، القاهرة. عباس حسن: - اللغة والنحو بين القديم والحديث القاهرة د. ت. - النحو الوافي، القاهرة. عباس العقاد: - اللغة الشاعرة القاهرة 1960. عبد الحليم النجار: - في اللهجات العربية مجلة كلية الآداب مايو 1953. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 عبد الحميد حسن: - الألفاظ اللغوية، خصائصها وأنواعها، القاهرة د. ت. عبد الحميد السيد طلب: - من لهجات الجزيرة وآدابها بالسودان، رسالة دكتوراه- جامعة القاهرة 1959. عبد الحميد محمد الشلقاني: - الأصمعي الراوية، ماجستير- جامعة الإسكندرية 1962. - رواية اللغة، القاهرة 1972. عبد الحميد يونس: - الهلالية في التاريخ والأدب الشعبي، القاهرة 1950. عبد الرحمن أيوب: - دراسات نقدية في النحو العربي، القاهرة 1957. - العربية ولهجاتها، القاهرة. عبد الرحمن محمد السيد: - مدرسة البصرة النحوية، القاهرة 1968. عبد الصبور شاهين: - تاريخ القرآن، القاهرة 1967. - القراءات القرآنية، القاهرة 1967. عبد العال سالم مكرم: - القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية، القاهرة 1967. عبد العزيز الأهواني: - ابن سناء الملك ومشكلة العقم والابتكار، القاهرة 1962. - ألفاظ مغربية من كتاب ابن هشام اللخمي في لحن العامة، مجلة معهد المخطوطات العربية القاهرة 1957. عبد العزيز مطر: - خصائص اللهجة الكويتية، الكويت 1969. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 - لحن العامة في ضوء الدراسات اللغوية الحديثة، القاهرة 1966. - لهجة البدو في إقليم ساحل مريوط، القاهرة 1967. - من أسرار اللهجة الكويتية، الكويت 1970. عبد العزيز الميمني: - إقليد الخزانة، أو فهرست الكتب التي ذكرها عبد القادر البغدادي في كتابه خزانة الأدب القاهرة 1927. عبد الفتاح إسماعيل شلبي: - أبو علي الفارسي، القاهرة. - الإمالة في القراءات واللهجات العربية، 1957. عبد الفتاح الصعيدي، وحسن يوسف موسى: - الإفصاح في فقه اللغة، القاهرة د. ت. عبد الله خورشيد البري: - القبائل العربية في مصر وأثرها في القرون الثلاثة الأولى للهجرة رسالة ماجستير- جامعة القاهرة 1956. عبد المجيد أحمد عابدين: - الأمثال في النثر العربي القديم مع مقارنتها بنظائرها في الآداب السامية القاهرة 1956. - بين الحبشة والعرب القاهرة د. ت. - لمحات من تاريخ الحياة الفكرية المصرية قبل الفتح العربي وبعده القاهرة د. ت. - المدخل إلى دراسة النحو العربي، القاهرة 1951. - من أصول اللهجات العربية في السودان، القاهرة 1966. عبد المنعم سيد عبد العال: - لهجة شمال المغرب، تطوان وما حولها، القاهرة 1968. عبد المنعم الشافعي: - المعجم الديموجرافي المتعدد اللغات، ترجمة، القاهرة 1967. عبده الراجحي: - فقه اللغة في الكتب العربية بيروت 1972. - اللهجات العربية في القراءات القرآنية، القاهرة 1968. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 - منهج ابن جني في كتابه المحتسب- رسالة ماجستير، جامعة الإسكندرية 1963. عبد الوهاب حمودة: - القراءات واللهجات العربية، القاهرة 1948. عثمان سعدي: - قضية التعريب في الجزائر، القاهرة 1967. العسكري: - شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف، تحقيق: عبد العزيز أحمد القاهرة 1963. - المصون في الأدب، تحقيق: عبد السلام هارون، الكويت 1960. العكبري: - إملاء ما مَنَّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن ط بالقاهرة 1303، 1306، 1321. - التبيان شرح ديوان المتنبي، تحقيق: مصطفى السقا وآخرون، القاهرة د. ت. علي بن حمزة: - التنبيهات على أغاليط الرواة، تحقيق: عبد العزيز الميمني الراجكوتي، مع كتاب المنقوص والممدود للفراء القاهرة 1967. علي الحديدي: - مشكلة تعليم اللغة العربية لغير العرب، القاهرة 1967. علي عبد الواحد وافي: - علم اللغة القاهرة 1941، 1944، 1950، 1957. - فقه اللغة، القاهرة 1941، 1944، 1950، 1956. - اللغة والمجتمع، القاهرة 1946. - نشأة اللغة عند الإنسان والطفل، القاهرة 1947. علي العناني وليون محرز ومحمد عطية الأبراشي: - المفصل في قواعد اللغة السريانية وآدابها والموازنة بين اللغات السامية القاهرة. علي النجدي ناصف: - سيبويه إمام النحاة، القاهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 العيني: - المقاصد النحوية في شرح شواهد الألفية، طبع في بولاق على هامش خزانة الأدب- بولاق 1299. فؤاد حسنين علي: - الدخيل في اللغة العربية، مجلة كلية الآداب جامعة القاهرة 1948. - قصصنا الشعبي، القاهرة د. ت. الفارابي: - إحصاء العلوم، مدريد 1932، وحققه: عثمان أمين، القاهرة 1948. فاضل صالح السامرائي: - ابن جني النحوي، رسالة ماجستير - جامعة بغداد 1964. الفراء: - الأيام والليالي والشهور، تحقيق: إبراهيم الإبياري، القاهرة 1956. - المذكر والمؤنث، تحقيق: مصطفي الزرقا بيروت حلب 1345هـ. -معاني القرآن، القاهرة جـ1 1955،جـ2 1956. - المنقوص والممدود، تحقيق: عبد العزيز الميمني الراجكوتي، القاهرة د. ت. فضل ربه السيد طمان: - منهج جمال الدين بن هشام في النحو، رسالة ماجستير- جامعة الإسكندرية 1968. فك، يوهان: - العربية: دراسات في اللغة واللهجات والأساليب- ترجمة: عبد الحليم النجار، القاهرة 1951. فليش، هنري اليسوعي: - العربية الفصحى: ترجمة: عبد الصبور شاهين، بيروت 1969. فندريس: - اللغة، ترجمة: محمد القصاص وعبد الحميد الدواخلي القاهرة 1950. الفيروزآبادي: - القاموس المحيط، القاهرة عدة طبعات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 الفيومي: - المصباح المنير، مراجعة: مصطفى السقا، القاهرة د. ت. القالي: - الأمالي، 4 أجزاء، ط دار الكتب بالقاهرة 1344/ 1926. - البارع، قطعة مصورة نشرت في لندن 1933. - نوادر القالي "مع ذيل الأمالي" دار الكتب المصرية 1961. قدامة بن حعفر: - نقد الشعر، تحقيق بونيباكر- ليدن 1956. - جواهر الألفاظ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد، القاهرة. قطرب: - الأضداد نشره kofler في islamica 3/4/5 ليبزج 1932. - ما خالف فيه الإنسان البهمة نشره جاير SBWR و Geyer R "التقارير العلمية لأكاديمية فينا" 1888 ص 380 وما بعدها. القفطي: - إنباه الرواة عل أنباه النحاة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم القاهرة 1950- 1955-، 1972. القلقشندي: - صبح الأعشى في صناعة الإنشا، مطبعة دار الكتب بالقاهرة 1920 ومابعدها. - قلائد الجمان في التعريف بعرب الزمان تحقيق: إبراهيم الإبياري القاهرة 1963. القهندزي: - مختصر النحو ط لكنو 1262. كانتينو، جان: - دروس في علم أصوات العربية ترجمة: صالح القرمادي، تونس 1966. الكسائي: لحن العامة، نشره بروكلمان في مجلة، zeitschrift fur assyriologie XIII 51-46 تحقيق: عبد العزيز الميمني "في ثلاث رسائل" القاهرة 1344هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 كمال محمد بشر: - دراسات في علم اللغة، القسم الثاني 1969. - علم اللغة العام، القسم الثاني: الأصوات القاهرة 1970. لويس شيخو اليسوعي: -شعراء النصرانية، بيروت 1890. ليتمان، أنو: - بقايا اللهجات العربية في الأدب العربي، مجلة كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول، القاهرة، مايو 1948. مازن المبارك: - الرماني النحوي في ضوء شرحه لكتاب سيبويه، دمشق 1962. المازني: - انظر: المنصف شرح تصريف المازني تأليف: ابن جني القاهرة 19. المبرد: - الفضل، تحقيق: عبد العزيز الميمني القاهرة 1956. -كتاب الكامل نشره Wright في ليبزج 1864- 1892 ونشره زكي مبارك ثم محمد أبو الفضل إبراهيم والسيد شحاته القاهرة 1956. - المذكر والمؤنث، تحقيق: رمضان عبد التواب وصلاح الدين الهادي، مطبعة دار الكتب بالقاهرة 1970. - المتقضب، تحقيق: محمد عبد الخالق عضيمة، القاهرة 1963- 1968. مجمع اللغة العربية بالقاهرة: - كتاب في أصول اللغة أخرجها وضبطها وعلق عليها محمد خلف الله أحمد، محمد شوقي أمين 1388/ 1969. محمد بن أبي السرور: - القول المقتضب فيما وافق لغة أهل مصر من لغات العرب، تحقيق إبراهيم سالم، راجعه إبراهيم الإبياري، القاهرة د. ت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 محمد أحمد أبو الفرج: - الاستفهام في اللغة العربية على ضوء الدراسات اللغوية الحديثة، رسالة ماجستير- جامعة الإسكندرية 1953. - المعاجم العربية في ضوء دراسات علم اللغة الحديث، بيروت 1966. - مقدمة لدراسات فقه اللغة بيروت 1966. محمد أحمد خلف الله: - أحمد فارس الشدياق القاهرة 1955. محمد إسماعيل الندوي: المعاجم العربية في الهند وتاريخها ومناهجها: دراسة مقارنة، رسالة دكتوراه- جامعة عين شمس 1967. محمد توفيق: آثار معين، المجلد الأول، القاهرة 1951. محمد الخضري: - حاشية الخضري على ابن عقيل القاهرة 1305هـ. محمد خلف الله أحمد: -معالم التطور الحديث في اللغة العربية وآدابها، القاهرة 1961. محمد رضا الشبيبي: - أصول ألفاظ اللهجة العراقية بغداد 1956. محمد صالح التكريتي: - الزجاج: حياته وآثاره رسالة ماجستير- جامعة بغداد 1967. محمد عبد العزيز النجار: - منار السالك إلى أوضح المسالك القاهرة 1957. محمد عبد المعتصم سيد: - تاريخ إقليم هرر في القرن التاسع عشر، رسالة دكتوراه- جامعة الإسكندرية 1958. محمد علي القصاص: - ابن جني وفلسفته اللغوية، رسالة ماجستير، جامعة القاهرة 1939. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 محمد مصطفى إبراهيم رضوان: - ابن فارس اللغوي، القاهرة 1970. - القاموس المحيط تاريخه وخصائصه ونقده رسالة ماجستير- جامعة القاهرة 1956. محمد مندور: - النقد المنهجي عند العرب مع ترجمة كتاب لانسون: منهج البحث في الأدب واللغة القاهرة 1955. محمود السعران: - اللغة والمجتمع، بنغازي 1958. - علم اللغة مقدمة للقارئ العربي، الإسكندرية - القاهرة 1964. محمود مصطفى الدمياطي: - معجم أسماء النباتات اللغوي، رسالة ماجستير جامعة القاهرة 1966. محيي الدين توفيق إبراهيم: - ابن السكيت اللغوي، رسالة ماجستير، جامعة القاهرة 1966. المرزباني: - معجم الشعراء ط القاهرة 1354. - الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء، تحقيق: علي محمد البجاوي، القاهرة 1965. - نور القبس، المختصر من المقتبس، اختصار الحافظ اليغموري. المرزوقي: - شرح حماسة أبي تمام، تحقيق: أحمد أمين وعبد السلام هارون، القاهرة 1951- 1953. المرصفي: - رغبة الآمل من كتاب الكامل للمبرد، 8 أجزاء 1927-1930 بالقاهرة. مرمرجي الدومينيكي: - المعجمية العربية على ضوء الثنائية والألسنية السامية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 مصطفى جواد: - المباحث اللغوية في العراق، القاهرة 1955. مصطفى السقا، وآخرون: - مختار الشعر الجاهلي، القاهرة د. ت. مصطفى كمال عبد العليم: - أوضاع اليهود في مصر في العصر الروماني، رسالة دكتوراه جامعة عين شمس 1960. مصطفى محمد مسعد: - الإسلام والنوبة في العصور الوسطى، القاهرة 1960. المطرزي: - المصباح في النحو، ط لكنو 1261 حققه عبد الحميد طلب بالقاهرة د. ت. - المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي أعده مجموعة من المستشرقين ومحمد فؤاد عبد الباقي بإشراف Wensinck ليدان من 1933. المفضل بن سلمة: - الفاخر، نشره Storey في ليدن 1915، تحقيق: عبد العليم الطحاوي، القاهرة 1960. - مختصر المذكر والمؤنث حققه: رمضان عبد التواب، القاهرة 1972. المفضل الضبي: - أمثال العرب، مطبعة الجوائب، إستانبول 1300هـ. المقريزي: - البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب دراسة في تاريخ العروبة في وادي النيل تحيقق: عبد المجيد عابدين، القاهرة 1961. مهدي المخزومي: - الخليل بن أحمد الفراهيدي، بغداد 1960. - مدرسة الكوفة، القاهرة. الميداني: - مجمع الأمثال، بولاق 1284 وطبع بالقاهرة 1310هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 نشوان الحميري: - شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم، حققه zettersteen ليدن 1951- 1953. النضر بن شميل: - تشريح الحروف وقوة العربية، نشر لويس شيخو وهفنر في بيروت 1914. نفوسة زكريا سعيد: - تاريخ الدعوة إلى العامية وأثرها في القرن الأخير في مصر، القاهرة 1964. نولدكه تيودور، noldeke, theodor: - اللغات السامية، ترجمة: رمضان عبد التواب القاهرة 1967. نيلسون وآخرون: - التاريخ العربي القديم، ترجمة: فؤاد حسنين علي، القاهرة 1958. هاشم الطعان: - تأثر العربية باللغات اليمنية القديمة، مطبعة الإرشاد- بغداد 1968. الهروي: - التلويح شرح النصيح، القاهرة 1258هـ. ولفنسون، اسرائيل wolfenson, israel: - تاريخ اللغات السامية، القاهرة 1929. ياقوت الحموي: - معجم الأدباء- إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، تحقيق: أحمد فريد رفاعي، القاهرة 1936. - معجم البلدان، تحقيق: فستنفلد- ليبزج 1866- 1870. يحيى الخشاب: - الألفاظ الاصطلاحية التاريخية الواردة في كتاب مفاتيح العلوم للخوارزمي، القاهرة د. ت. يسبرسن، أوتو jespersen O: - اللغة بين الفرد والمجتمع، ترجمة عبد الرحمن أيوب، القاهرة 1954. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 ببليوجرافيا مختارة بالكتب الأوروبية في علم اللغة العام واللغات السامية Selected Bibliography on General, Semitic and Arabic Linguistics Aartun, K. Zur Frage altarabischer Tempora. Oslo 1963. Abbott, N. Studies in Arabic Papyri. Chicago 1967. Abdallah, A.G. An Instrumental Study of the Intonation of Egyptian Colloquial Arabic Ph. D. thesis University of Chicago 1960. Abdel-Tawab R. Das Garib al-Musannaf Diss. Munchen 1962. Aboul-1 etouh, Hilmi M. A. morphological Study of Egyptian Colloquial Arabic. The Hague 1969. ,The plural Morpheme of Egyptian Arabic Nouns. M.A. thesis, University of Texas 1959. Abul-Fadl F., Volksttimliche Texte in arabischen Bauerndialekte der agyptischen. Provinz sarqiyya. Diss. Minister 1961. Afevork, G.J. Grammatica della lingua amarica. Roma 1905. Ris- tampa 1965. Afnan, S.M. A philosophical lexicon in Persian and Arabic. Beirut 1969. Aisleitner, J. Untcrsuchungen zur Grammatik des Ugaritischen. Berlin 1954. ,Worterbuch der Ugaritischen Sprache. Berlin 1963. al-Ani, Salman H. Arabic Phonology. The Hague 1970. Alatis, J. "ed" Contrastive linguistics and its Pedagogical implications. Georgetown Univer. Monograph on language and linguistics. No. 21, 1968. Albeck, Ch. Einfuhrung in die Mischna. Berlin 1970. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 Albright, W.F. Archaeology and the religion of Israel Baltimore 1968. .The Bible and the Ancient Near East. London 1961. ^ The Chronology of Ancient South Arabia in the Light of the First Campaign of Excavation in Qataban. BASOR, No. 119. pp. 5-15. 1950. Al-Toma, S.J. The Problem of diglossia in Arabic. Cambridge, Mass. 1969. AI-Yasin, Izz-al-din. The lexical relations between Ugaritic and Arabic. New York 1952. Andersen, F.I. The Hebrew verbless clause in the Pentateuch. Nashville 1970. Anis, I.The grammatical characteristics of the spoken Arabic of Egypt. Ph. D. thesis, University of London 1941. Aasaldi, C. ii Yemen neila sioria e neiia Leggenda. Roma 1933. Aquilina, J. Papers in Maltese linguistics. Malta 1961. ,The structure of Maltese: A Study in Mixed Grammar and Vocabulary. Malta 1959. Arayathinal, T. Aramaic grammar. Mannheim 1957-1959. Aro, J. Die Akkadischen Infinitivkonstrukionen. Helsinki 1961. Studia Orientalia, 26. fjie Vokalisierung des Giundstammes im semitischen Ver- bum. Helsinki 1964. Studia Orientalia. The Assyrian dictionary of the Oriental institute of the Universily of Chicago. Ed. by M. Civil, I.J. Gelb, ... Chicago ang Gliickstadt 1956-1968 . Ayoub, A. ER. The verbal piece in the Egyptian Language "A morphological Study" M.A. thesis, University of London 1949. Bach, E. An introduction to transformational Grammar. New York 1964. Barr, J. Comparative philology and the text of the Old Testament. Oxford 1968. —،The semantics of biblical Language. London 1961. Barth, J. Die Nominalbiidung in den semitischen Sprachen. Leipzig 1894. Neudruck: 1967. 1 Dje Pronominalbild\ing in den semitischen Sprachen. I dp zig 1913. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 ,Sprachwissenschaftliche Untersuchnungen zum Semitischen. Leipzig 1907. Neudruck: 1971/72. Bauer, H. and P. Leander. Grammatik des Biblish—Armaischen. Halle 1927, Neudruck. 1969. ,Historische Grammatik der herbraischen Sprache des alten Testaments. Halle 1922. Neudruck, 1965. ,Kurzgefasste biblishch-aramaische Grammatik. Halle 1929. Neudruck: 1965. Baumstark, A. Die aramiiische und syrische Literatur Handbuch der Orientalistik, Semitike 162-205. ,Die christlichen Literaturen des Orients II, Leipzig 1911. ,Geschichte der syrischen Literature. Bonn 1922. Beeston, A.F.L. The Arabic Language today. London 1970. ,Epigraphic South Arabian calendars and dating. London 1956. ,Written Arabic. Approach to the basic structures. Cam bridge 1968. Ben-Cheneb, M. Mots turcs et persans le parler algerien. Algiers 1922. Bergstrasser, G. Einfuhrung in die semitischen Sprachen. Munchen 1928. Neudruck: 1963. ,Glosser des neuaramaischen Dialekts von Ma'lula. Leipzig 1921. Neudruck: 1966. Bergstrasser , Hebraische Grammatik. Leipzig 1918-1929. Neudruck: 1962. ,Running, L.G. Hebraisches Wortregister zur hebraischen Grammatik von G. Bergstrasser. Hildesheim 1968. Verneinungs — und Fragepartikel und verwandtes im Kur'an. Leipzig 1914- Neudruck: 1968. ,Zum arabischeh Dialekt von Damaskus. Hannover 1924. Neudruck: 1968. Bertsch, A. Kurzgefasste hebraische Sprachlehre. Stuttgart 1968. Bewer, J.A. The literature of the Old Testament. New York 1962. Beyer, K. Althebraische Grammatik. Gottingen 1969. Beyerlin, W.Einfuhrung in das Alte Testament. Gottingen 1971. Biblia Syriaca — The New Testament in Syriac. London 1919. Reprint 1970. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 Bishr, K.MA. Egyptian Newspaper Headings "A linguistic Study" MA. thoden. Berlin 1965. Birkeiand, H. Altarabische Pausalformen. Oslo 1954. ,Growth and Structure of the Egyptian Arabic dialect. Oslo 1952. ,Stress Patterns in Arabic. Oslo 1954. Bishfti, WJ*. Coptic influence on Egyptian Arabic. Ph. D. thesis, John Hopkins University 1959.,Notes on the Coptic substratum in Egyptian Arabic. Journal of the American Oriental Society 1960. Bishr, K.MA. Egyptian Newspaper Headings "A linguistic Study" MA. thesis university of London 1952. Bittner, M. Studien zur laut-und Formanlehre des Mehri I-V SBWA 162, 5; 168, 2; 172, 5; 174, 4; 176, 1; 178, 2; 178, 3.,Studien zur Shauri-Sprache in den Bergen von Dofaram Pers. Meerbusen HIV SBWA 179, 2; 179, 4; 179, 5; 185, 5. — ,Vorstudien zur Grammatik und zum Worterbuch der Soq-tori-Sprache Mil SBWA 173, 4; 186, 4; 186, 5. Blachere et M. Gaudefroy-Dcmombynes. Grammaire de l'arabe clai-sique. Paris 1970. Boris, G. Lexique de parler arabe des marazig. Paris 1958. Blanc, H. Communal dialects in Baghdad. Cambridge, Mass. 1964. Blau, J. A grammar of Christian Arabic. Louvain 1966-67.:—,Hebraische Grammatik. Wiesbaden 1971 Porta linguarum Orientalium.,On pseudo-corrections in some Semitic Languages. Jerusa lem 1970.,The Importance of Middle Arabic Dialects for the History of Arabic, in: Studies in Islamic History and Civilization. Jerusalem 1961. Bloch, A. Die Hypotaxe im Damaszenisch-Arabischen mit vergleichenzur Hypotaxe im Klassisch — Arabischen. Wiesbaden 1965. Bloch, Vers und Sprache im Altarabischen. Basel 1946. Bloch, B. and Trager, G.L. Outline of linguistic analysis. Baltimore 1942. Bloomfield, L. Language, New York 1933, London 1934 ... 1967. Bohl, F.M.T. Akkadian chrestomathy. Leiden 1947. ,Die Spracheder Amarna-briefe mit besonderer Beriick- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 sichtigung der Kanaanismen. Leipzig 1909. Neudruck: 1968. Leipziger semitische Studien, V, 2. Botterweck, G. J. Der Triliterismus im Semitischen. Bonn 1952. Bowker, J. The Targums and Rabbinic literature. London 1969. Branden, A. van den. Grammaire phenicienne. Beyrouth 1969. Biblio- teque de 1'Universite Saint-Esprit, Kaslikt, 2.,Histoire de Thamoud. Beyrouth 1966. ,Les inscriptions Thamoud6ennes, Louvain 1950.,Les textes Thamoudeenes de Philby, 2 vol., Louvain 1956. ,Les inscriptions dedanites. Beyrouth 1962. Publ. de l'univer-site libanaise, Section des etudes historiques, 8. Brandenstein, W. und M. Mayrhofer. Handbuch des Altpersischen.Wiesbaden 1964. Bravmann, M.M. The Arabic elative. Leiden 1968. —,Materialien und Untersuchungen zu den phonetischen Leh-ren der Araber. Gottingen 1934. ,Notes on the study of the Arabic dialect of Yemen. Tabriz"1942" B., 165-177. Br£al, M. Semantics. New York 1900. Brockelmann, C. Arabische Grammatik. Leipzig 1969.,Materialien und Unterschungen zu den phonetischen Leh-talistik, Semitistik 207-244.,Das Aramaische, in Handbuch der Orientalistik, Semitistik 135-162 . ,Geschichte der arabischen Litteratur. Leiden 1937-49. ,Grundriss der vergleichenden Grammatik der semitischen Sprachen. Berlin 1908. Neudruck: 1966. ,Lexicon Syriacum. Ed. II. aucta et emendata. Halle 1928. Neudruck: 1966. ,Semitische Sprachwissenschaft. Berlin 1916. ,Syrische Grammatik b, Leipzig 1951, 1965. ,F.N. Finck, J. Leipoldt und E. Littmann. Geschichte der christlichen Literaturen des Orients. Leipzig 1909. Bronno, E. Studien iiber hebraische Morphologie und Vokalismus. Leipzig 1943, Neudruck: 1966. Brunner, L. Die gemeinsamen Wurzeln des semitischen und indogerma- nischen Wortschatzes. Bern 1969. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 Cleveland ,R.L. An ancient South Arabian necropolis. Baltimore 1965. Calice, F. Grundlagen der agyptisch-semitischen Wortvergleichung. Kritsche Diskussion des bisherigen Vergleichmaterials. Hrsg. von H. Balcz. Wiener Zeitschrift fur die kunde des Morgenlandes. Beihefte. Wien 1936. Cantineau, J. La dialectologie arabe, in: Orbis 1955, in: Etudes de linguistique arabe. Paris 1960. ,Le dialect arabe de Palmyre. Beyrouth 1934. ,Etudes Linguistique Arabe. Paris 1960. ,G6ographie linguistique des parlers arabes algriens. Revue Africaine 1952. ,Grammaire due Palmyrenien epigraphiques, publ. de l'Inst. d'Etude Orient, de la Faculte" des Lettres d'Alger, IV, Le Caire 1935. ,Inventaire des inscriptions de Palmyre I — VIII, Beyrouth 1930-6 . — ,Le Nabateen, I: Notions generates, Ecritures, Grammaire II Choix de Textes, Lexique. Paris 1930, 1932. ,Nabateen, et Arabe Annates de l'lnstitut d'Etude Or., Alger I 1934 15, 77-97. ,The Phonemic System of Damascus Arabic Word 1956. Carroll, J.B. The Study of Language. Harvard Un. Press 1960. Caskel, W. Lihyan und Lihyanisch. Koln 1954. Cerulli, E. La letteratura etiopica l'oriente cristiano nell'unita delle sue tradizioni. Firenze 1968. Chaine, S. J.M. Grammaire Ethiopienne, Beyrouth, 2ed. 1938. Cheyne, A.G. The Arabic Language, its role in history. Minneapolis 1969. Chiera, E. They wrote on clay. Ed. by G.G. Cameron. Chicago 1964. Chomsky, N. Aspects of the Theory of Syntax. Cambridge, Mass. 1965, 1966. ,Cartesian Linguistics. New York 1966. —,Current Issues in Linguistic Theory. The Hague 1966. ,Logical Syntax and Semantics. Lg. 31.36-45. ,Syntactic structures. The Hague 1957. Christian, V. Die Herkunft der Sumerer Wien 1961. , Die Stellung des Mehri innerhalbe der semitischen Sprachen الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 SBWA ph.-h.-KX. 222/3, 1944, s. 26. Clarity, B.E., K. Stowasser, R.G. Wolfe. A dictionary of Iraqi Arabic:English - Arabic. Washington 1964. Cohen, D. Dictionnaire des racines semitiques ou attested, dans les langues semitiques. Comprenncnt un ficher comparatif de ". Can-tineau. La Haye 1970., Etudes de linguistique semitique et arabe. The Hague 1970. , La prononciation traditionelle du Gueze "6thiopien clas- sique) Journal Asiatique 1912, pp. 217-269. Traits de Langue amharique "Abyssinie". Paris 1936. Cohen, M. Les Langues du Monde, Paris 1924. Colin, G.S. Mots berberes dans le dialect arabc de Malte. Memorial Andre" Besset, Paris 1957., Quelques «emprunts» de morphemes etrangers clans les parlers arabes occidentaux. Comptes rendus, Paris 1947. , Les voyelles de disjonction dans l'arabe de Grenade au XVc Siecle. Memorial to H. Basset, Paris 1928, Cooke, G.A. A Text-Book of North-Semitic Inscriptions. Oxford 1903. Conti Rossini, K. Chrestomathia Arabica meridionalis epigraphica editaet glossario instructa. Roma 1931. , Grammatica elementare della lingua etiophia. Roma 1941. Neudruck: 1967. Copeland, M.A. and Robert CM. Colloquial Damascene Arabic Dictionary. Washington 1952. Corpus inscriptionum semiticarum, Paris IV inscriptiones himjariticas et sabaeas continens, torn. I II III. Correll, C. Materialien zur Kenntnis des neuaramaischen Dialekts von Bah'a. Miinchen 1969. Costaz, L. Dictionnaire syriaque — francais / Syriac — English dictionary / Qamus suryani-'arabi. Beyrouth 1963. Cowley, A.E, Aramaic Papyri of the Fifth Century, Oxford 1923. Dalman, G.H. Aramaisches-neuhebraisches. Handworterbuch zu Tar-gum Talmud und Midrasch. Gottingen 1938. Neudruck: 1967., Grammatik des Jiidisch — Palastinischen Aramaisch. Leip zig 1905 u. 1927. Nachdruck: 1960. Dammron, A. Grammaire de l'arameen biblique, Strasbourg 1962. Dawkins, C.H. The fundamentals of Amharic. Addis Ababa 1969. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 Dawood, T.H.O.M. The Phonetics of the Il-Karnak dialect "Upper Egypt" M.A. thesis, University of London 1949. Degen, R. Altaramaische Grammatik der Inschriften des 10-8 Jh. Wiesbaden 1969. Delaporte, J. Epigraphes arameens 6tude de textes arameens graves ou 6crits sur les tablettes cunelformes. Paris 1912. Denizeau, C. Dictionnaire "arabe-francais" des parlers arabes de Syric, Liban et Palestine. Paris 1960. Denz, A. Die Verbalsyntax des neuarabischen Dialektes von Kwayris "Irak". Wiesbaden 1971. Diakonoff "D'jakonov", I.M. Semito-Hamitic Languages. An essay in Classification. Moscow 1965. Diem, W. Das Kitab al-Gim. Diss. Munchen 1968., Skizzen Jemenitischer Dialekte. Wiesbaden 1972. Dietrich, A. Phonizische Ortsnamen in Spanien. Leipzig 1936. Neu-druck: 1966. Dillmann, A. Chrestomathia Aethiopica. Berlin 1950. Neudruck: 1967. '—'—, Grammatik der athiopische Sprache 2. Auflage von Carl Bezold, Leipzig 1899. Neudruck: 1959, English translation by: James A. Crichton, London 1907.,Lexicon linguae Aethiopicae cum indice Latino. Lipsiae 1865. Neudruck: 1970. Dineen, F. P. An Introduction to General linguistics. New York 1967. Donner, H. und W. Rollig. "1" Kanaanaische und aramaische Inschrift-ejn. "2" Kommentar "3"Glossare und Indizes. Weisbaden 1966, 1968, 1969. Doresse, J. Histoire de l'Ethiopie. Paris 1970. Doughty, Documents 6pigraphiques recueillis dans le Nord de l'Arabie. 1884. Dozy, R.P.A. Dictionnaire d&aille; des noms des vetements Chez les Arabes. Amsterdam 1845. Reimpression 1969., et W.H. Engelmann. Glossaire des mots, espagnols et portu-gais derives de l'arabe. Leyde 1889. Reimpression 1965., Supplement aux dictionnaires arabes Vol. I, II, Leiden 1881. Driver, G.R. Semitic Writing, London 1955., Aramaic documents of the 5th. Century B.C., transcribed and ed. with translation and notes. Oxford 1954 Reprint: 1968. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 Drower, E.S. The Mandaeans of Iraq and Iran, Oxford 1937. Reprint 1962., and R. Macuch. A mandaic dictionary. London 1963. Dunand, M. Byblia grammata. Documents et recherches sur la d£velop-psment de l'ecriture en phdnicie. Beyrouth 1945. Dupont-Sommer A. Les Aramean, L'Orient ancien illustre" II, Paris 1949. Dussaud, R. Les Arabes en Syrie. Paris 1907. Duval, P.R. La literature syriaque. Paris 1907. R6impression 1970., P.R. Traite" de grammaire syriaque. Paris 1881. R6impression 1969. Edel, R.-F. Altagyptische Grammatik. 2 Bde. Roma 1955. Analecta Orieritalia, 34, 39. Eissfeldt, O. Einleitung in das alte Testament. Tubingen 1964. Ennan, A. Neuagyptische Grammatik. 2., vollig umgestaltete Aufl. Geschrieben von W. Erichsen. Leipzig 1933. Neudruck: 1968. , und H. Grapow. Worterbuch der agyptischen Sprache. Erwin, W. M. A basic course in Iraqi Arabic. Washington 1969. Essen, O.V. Allgemeine und angewandte Phonetik. Berlin 1962. Euting. J. Tagebuch einer Reise in Inner — Arabien. Leiden 1896-1914. Ferguson, C.A.The Arabic koine, in: Language 35, 1959., "ed". Contributions to Arabic Linguistics. Cambridge 1964 "U.S.A."., and John M.E. Critical bibliography of spoken arabic Pro verb literature. Journal of American Folklore 1952.~, Digtossia. Word, 15. 325-340, 1959. ,The emphatic L in Arabic, Language. 32, 1956. w% Two problems in Arabic phonology. Word 13, 1957. Firth, J.R. Papers in Linguistics 1934-51 London 1951. Das Pitcher Lexikon Sprachen. Frankfurt 1961. Fischer, W. Farb — und formenbezeichnungen in der Sprache der alta-rabischen Dichrung. Wiesbaden 1965., Silbenstrukrur und Vokalismus im Arabischen, in: ZDMG 117/1 "1967" s. 30-77., Die Sprache der arabischen Sprachinsel in Uzbekistan, in: Der Islam Bd. 36, 1961, s. 232-263. — , Grammatik des klassischen Arabisch. Wiesbaden 1971/72. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 Fishman, J.A., Ch. A. Ferguson, J.D. Gupta. Language problems of Developing Nations. New York 1964. Fleisch, H. L'arabe classique. Beyrouth 1968. , Introduction a l'6tude des langues semitiques. Elements de bibliographie. Paris 1947. ,Traite" de philologie arabe. Beyrouth 1961. Fleischer, H.L. Kleinere Schriften 3 Bande. Leipzig 1885-1888. Fodor, J. A. und Katz, J.J. "Hrsg." The structure of Language. Readings in the Philosophy of Language, Engewood Cliffs 1964. Fohrer, G. Das Alte Testament. Gtitersloh. 1969. , "Hrsg." Hebraisches und aramaisches Worterbuch zum Alten Testament. Berlin 1971. , Introduction to the Old Testament. London 1969. Fonahn, A. Arabic and Latin anatomical terminology chiefly from the middle ages. Kristiania 1922. Fontinoy, C. Le duel dans les langues semitiques. Paris 1969. Foucauld, C. de Dictionnaire abrege touareg-francais de noms propres "dialecte de l'Ahaggar" Paris 1940. Fraenkel, S. Die aramaischen Fremdworter im Arabischen. Leiden 1886. Neudruck: 1962. Frankfort, H. Archeology and the Sumerian problem. Chicago 1932. Frensdorff, S. Die Massora Magna. Hannover 1876. Reprint: 1968. Freytag, G.W. Lexicon Arabico - Latinum ex opero suo mairo excerp- tum. Halis Sax. 1837. Friediander; J. Der Sprachgebrauch des Maimonides, Frankfurt/M 1902. Friedrich, J. und Rollig. Phonizisch — punische Grammatik. 2. erweit. Aufl. Rom 1970. Fritsch C.T. The Qumran Community, its history and scrolls. New York 1956. Flick, J. Arabiya, Untersuchungen zur arabischen Sprach - und Stil-geschichte. Leipzig 1950. "Francais, Paris 1955"., Geschichte der semitischen Sprachwissenschaft, in: Hand- buch, ed. B. Spuler., Die arabischen Studien in Europa bis den Anfang des 20. Jahrhunderts. Leipzig 1955. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 Fugmagaili, G. Bibliografia etiopica, Milano 1893. Gairdner, W.H.T. The Phonetics of Arabic, Oxford University Press 1925. Gall, F.V. Der hebraische Pantateuch der Samaritaner. Berlin 1914-18. Neudruck: 1965. Gamal-Eldin, Saad M. MOrphophonemics of colloquial Egyptian Arabic. M.A. thesis, University of Texas 1959. , A syntactic study of Egyptian colloquial Arabic. The Hague 1967-Carbell, I. The Tewish Neo-Aramaic dialect of persian Azerbaijan. The Hague 1965. Gardiner, A. Egyptian Grammar. 3rd. ed., revised. London 1969. Gauthier, H. Dictionnaire des noms geographiques contenus dans les textes hieroglyphtques. 7 tomes. Le Caire 1925-1931., La grande inscription dedicatoire d'Abydos. Lc Caire 1912., LTslamisation de l'Afrique du Nord. Paris 1927. Gelb, I.J. A Study of Writting. Chicago 1952. Germanus, A.K. Linguistic Foundation of the Arabic speaking peoples. Islamic Review 38, March, 1905. Gesenius, W. Geschichte der hebrliischen Sprache unci Schrift. Leipzig Neudruck: 1971., Hebraisches und aramaisches Handwortcrbuch iiber das Alte Testament. Berlin 1915. Neudruck: 1962., Hebraische Grammatik. Leipzig 1909. Neudruck 1962. Ghaly, M.M. Substantive Morphology of Colloquial Egyptian Arabic. Ph.D. thesis University of Michigan 1960. Gibson, J.C.L.Textbook of Syrian Semitic inscriptions. Vol. 1: Hebrew and Moabite inscriptions. Oxford 1971. Giglioli, P. P. Language and social context "Penguin Books" 1972. Heidel, A. The Gilgamesh epic and Old Testament Parallels. Chicago and London 6th. impr. 1967. Das Gilgamesh-Epos. Neu iibers. und mit Anmerkungen versehen von A. Schott. Durchgesehen und erganzt von W. von Soden. Stuttgart 1970. Gieason, H. A. An Introduction to Descriptive linguistics. New York 1955,1961. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 Goell, Y. "ed". Bibliography of Modern Hebrew literature in English translation. Jerusalem 1968. Goldschmidt L.Der babylonische Talmud. Berlin 1929-1936 "12 Bande". Goldziher, I. Abhandlungen zur arabischen Philologie. Leiden 189.6-99. Neudruck 1971/72. Gordon C.H., Ugaritic manual. 3 vols. Roma 1955. Analecta Orientalia, 35. ,Ugaritic textbook. Rome 1965 ... Analecta Orientalia, 38. Goshen-Gottstein, M.H. A Syriac-English glossary with etymological notes. Wiesbaden 1970. , and language in Bible and Qumran, Jerusalem 1960. Graf, G. Der Sprachgebrauch der altesten christlich-arabischen Litera- tur, Leipzig 1905. Gray L.H. Introduction to Semitic comparative linguistics. New York 1934. Reprint: 1971. Grlbaut, S. Supplement au lexion lingua aethiopicae de A. Dillmann "1865" et Edition d ulexique de J. d'Urbin «1850-1855» . Paris 1952. Greenberg, J. Languages Africa. Indiana University 1966. . The Patterning of Root morphemes in Semitic. Word 6, 1950, — ,"ed". Universals of Language. 2nd. edition. Cambridge Mass. 1963. Greve M. de. Linguistique et Enseignement des langues etrangeres. 1970. Grimtne, Texte und Untersuchungen zur Safatenisch-arabischen Religion, Paderborn 1929. Grohmann, A. Arabische Palaographie. Wien 1967, 1971.,Arabien. Miinchen 1963. ,Chrestomathie zur arabischen Papyruskunde. Leiden 1972. Gupta, J.D. anguage Conflict and national development. University of California press 1970. Haase, R. Einfuhrung in das Studium Keilschriftlicher Rechtsquellen.Wiesbaden 1965. -,Die Keilschriftlichen Rechtssammlungen in deutscher Ueber- setzung. Wiesbaden 1963. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 Haikin, A.S. 201 Hebrew verbs fully conjugated in all the tenses, Alphabetically arranged. Woodbury 1970. Halle, Z.S. Simultaneous Components in Phonology. Language 20, 1944. ,The Sound Pattern of English, London 1968. Hamp, E.P. A glossary of American technical Linguistic usage 1925-1950, Utrecht 1958, 1963.,The personal morphemes of classical Arabic. Studies in lin guistics 14, 1959. Hamzaoui, R. L'academie arabe de Damas et le probleme de la modernisation la langue arabe. Leiden 1965. Handbuch der Orientalistik. Neudruck: Leiden 1964. "ed. Spuler". Hanna, H.M. The phrase structure of Egyptian colloquial Arabic. The Hague 1967 Harden, J.M. An Introduction to Ethiopic Christian Literature, London 1926. Harder, E. Arabische Sprachlehre. Heidelberg 1968. Harding, G. LanJcester. Some Thamudic Inscriptions from the Hashimite Kingdom of the Jordan. Leiden 1952. Harrell, R. The Phonology of colloquial Egyptian Arabic, Washington D.C. 1957.,"ed". A dictionary of Maroccan Arabic. Arabic-English. Compiled by T. Fox and M. Abu-Talib. Washington 1966. "ed". A Short reference grammar of Moroccan Arabic. Washington 1962.Harris, Z. S. Development of the Canaanite dialects. New Haven 1939. Reprint: 1967.,The phonemes of Moroccan Arabic. Journal of American Oriental Society 1942. ,Methods in Structural Linguistics. Chicago 1951. new title Structural Linguistics 1966. Harrison, R. K. Introduction to the Old Testament. Whoston 1970. Haywood, J. A. Arabic lexicography. 2nd. ed. Leiden 1965. Hebraeus= Bar Hebraeus. Oeuvres grammaticales d'Aboul Faradj dit Bar Hebraeus, 6ditees par M. l'abbe" Martin Paris 1872. — ;Le livre Splendeurs, la grande grammaire de Gregoire Barhebraeus, par A. Moberg. Lund 1922. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 Hegazi, Mahmoud F. Abou Sa'id As-Sirafi der Sibawaihi-Kommentator als Grammatiker. Diss. Miinchen 1965. ged. 1971. ,und Schregle G Deutsch-Arabisches Worterbuch, Lieferun- gen 3-7, Wiesbaden 1966-1969. Heidel, A.The Babylonian Genesis. Chicago and London 1963. ,The system of the quadriliteral verb in Akkadian. Chicago 1940. Heim, W. Mehri - und Hadrami - Texte. Suadabische Expedition. Kai-serliche Akademie der Wissenschaften, Wien 1909. Helmy-Hassan, S.E. Verb Morphology of Egyptian colloquial Arabic, Cairene dialect. Ph. D. thesis, University of Michigan 1960. Hetzron, R. The verbal system of Southern Agaw. Berkeley 1969. Hirschfeld, H. Literary history of Hebrew grammarians and lexicographers. London 1926. Hjelmselv, L. Prologomena to a theory of language. 2nd. ed. Madison, Wisconsin 1961. Hockett, C.F, A course in Modern Linguistics. New York 1958, 1967. Hoftijzer, Ch.— F. Jean—J. Dictionnaire des inscriptions sSmitiques de l'ouest, Leiden 1965. flofner, M. Altsiidarabische Grammatik "Porta Ling. Orient. XXIV Leipzig- Wiesbaden 1943". ,Magische Zeichen aus Siidarabien, Archiv fiir Orientforsch- ung XVI; 2, S. 271 ff. ,Stand und Aufgaben der Sudarabischen Forschung; in: Beit- rage zur Arabistik; Semitistik und Islamwissenschaft. herausgege- ben von Richard Hartmann 1944. ,Das Sudarabische der Inschriften und der lebenden Mun darten Handbuch der Orientalistik, Semitistik 314-340. Honeyman, A.M. The etter-Order of the Semitic Alphabets in Africa and the Near East, Africa; Vol. XXII No. 2 April 1952, pp. 136-147. Hurwitz; S.T. Halevy. Root determinatives in Semitic speech. New York 1913.Reprint 1966. Hymes, D. "ed". Language in culture and society. New York 1964. Jakobovits, L.M. Readings in the Psychology of Language, Englewood Cliffs 1967. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 Hjrd, f. Das Arabische und Hebraische in der Anatomic Wien 1879. Neudruck: 1966. lakobson, R. Mufaxxama: The emphatic phonemes in Arabic. The Hague 1957. , u. Halle, M. Fundamentals of language. The Hague 1956. , Fant, Gunnar.C, Halle, Morris. Preleminaries to speech. Analysis. Cambridge, Mass. 1951, 1967. J amine, A. Classification descriptive g6n6rale des Inscriptions sud-arab. Tunis 1948. , Le pantheon sud-arabe pr&slamique;,- Louvain 1947. , Pieces epigraphique de Heid b. 'Aqil, la necropole de Timna', Louvain 1952. , Sabaen inscriptions from Mahram Bilqis "Mfirib". Baltimore 1962. fastrow, M. A dictionary of the Targumim. New York 1926. Jastrow, O. Laut und Formenlehre des neuaramaischen Dialekts von Midin im Tur 'Abdin. Bamberg 1970. Jaussen & Savignac. Mission archeologique en Arabic 1909-1914. feffery, A. Foreign Vocabulary of the Quran. Baroda 1938. Jennings, W. Lexicon to the Syriac New Testament "Peshitta". Reprinted: Oxford 1962. Jirku, A. Geschichte des Volkes Israel. Leipzig 1931. Joos, M. Readings in Linguistics. New York 1968. Jones, D.The phoneme. Its Nature and use. Cambridge 1950. Johnstone, T.M. The affrication of kaf and gaf in the Arabic dialects of the arabian Peninsula. Journal of Semitic studies 8, 1963. , Eastern Arabian dialect studies. London 1967. longeling, B.A. A classified bibliography of the finds in the desert of Judah 1958-1969. Leiden 1971. Kahle, P.E. Die Kairoer Genisa. Berlin 1962. , Der masoretische Text des Alten Testaments nach der t) ber- lieferung der Babylonischen Juden. Leipzig 1902. Neudruck: 1966 , Masoreten des Ostens. Leipzig 1913. Neudruck: 1966. , Masoreten des Westens. Stuttgart 1927-1930. Neudruck:1967. Kamel, N. Political Jargon in Contemporary Egypt. Ph. D. thesis, University of London 1953. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 Kamil, Mtirad. Beitrage zur Entstehung der vierradikaligen Verben in den gesprochenen semitischen Sprachen. Le Caire 1963. Kampffmeyer, G. aterialen zum Studium der arabischen Beduinendia lekte Innerafrikas. Mitteilungen des seminars fur orientalische Sprachen 1899. Katz, J. u. Postal, P, An Integrated Theory of linguistic Descriptions. Cambridges, Mass. 1964. ,The Philosophy of Language. New York 1966. , u. Fodor, J.A. The structure of a Semantic Theory, in: Language 39, 1963, 170-210. Kaufhold, H. Syrische Texte zum islamischen Recht. Munchen 1971. Kent, R.G. Old Persian. 2nd. ed. revised. Reprint: New Haven 1961. Kenyon, K.M. Amorites and Canaanites. London 1966. Koeler, L. und W. Baumgartner. Hebraisches und aramaisches Lexikon zum Alten Testament. Leiden 1967. Kofler, H. Reste altarabischer Dialekte, in: WZKM 47, 1940, s. 60-130; 48; 1941, s. 52-88, 274-274, 49, 1943; s. 15-30, 234-256. Kohn, S. Zur Sprache, Literatur und Dogmatik der Sumaritaner. Leipzig 1876. Neudruck:1965. Konig, F. Hebraisches und aramaisches Worterbuch zum Alten Testament. Leipzig 1936. Neudruck: 1969. Koutsoundas, A. Writting transformational Grammar. New York 1966. Knudtzon, J.A. Die El-Amarna-Tafeln. Mit Einleitung und Erlauterun gen. hrsg. 2 Bande. Leipzig 1915. Neudruck: 1964. Kraemer, Gatje, Spitaler und Ullmann. Worterbuch der Klassischen arabischen Sprache. Wiesbaden "1957" 1970. Kramer, S.N. The Sumerians. Their history, culture, and character. 4th. impr. Chicago 1970. , Sumerian mythology. Study of spiritual and literary achieve ment in the third millennium B.C. Revised New York 1961. Kraus, H.J. Geschichte der historischkritischen Erforschung des Alten Testaments, Neukirchen 1969. Krauss, S. Griechische und Lateinische Lehrworter in Talmud, Berlin 1898-99. Kuhn, K.G. Konkordanz zu den Qumarantexten. Gottingen 1960. ; Rucklaufiges hebraisches Worterbuch. Gottingen 1958. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 Kuhr, E. Die Ausdrucksmittel der Konjunktionslosen Hyptaxe in der altesten hebraischen Prosa. Leipzig 1929. Neudruck: 1968. Kunitzsch, P. Arabische Sternnamen in Europa. Wiesbaden 1959. , Unlersuchungen zur Sternnomenklatur der Araber. Wiesba den 1961. Ladefoged P. Elements of Acoustic Phonetics. London 1962. Lado R. Language Teaching, New York "1966". Lapp, P.W. Biblical archaeology and history. New York 1969. Lagarde, P. de. Ubersicht iiber die im Aramaischen, Arabischen und Hebraischen ursprungliche Bildung der Nomina. Gottingen 1889 Neudruck: 1970. Landau, J.M. Word count of Modern Arabic prose. New York 1959. Lankester, G. Some Thamudic inscriptions from the Hashimite Kingdom of Jordan. Leiden 1952. Landberg, C. de. Glossaire dathinois. Vol. I. alif-dhal. 1920, Zai-kaf. Leiden 1942. , Etudes sur les dialects de PArabie meridionale. Leide 1901. , Langue des Bedouins Anzeh, Leide 1919, Glossaire publ. par K.U. Zettersteen, Uppsala 1940. Leander, P. Laut-und Formenlehre des agyptisch — Aramaischen Gote-borgs Hogskolas Arsskrift XXXIV 1928. Neudruck: 1966. Lecerf, J. La Litterature arabe moderne et L'enseignement de la Langue en Syrie. Revue Africaine 72, 1931. , L'arabe contemporain comme Language de civilisation. Re vue Africain 74, 1933. , Esquisse d'une problematique de l'arabe actuel. L'Afrique et l'Asie 26 1954. Lehmann W.P. Historical Linguistics. New York 1962 Lehn, W Emphasis in Cairo Arabic. Language 39, 1963. , ,and William R. Slager. A contrastive Study of Egyptian Ara bic and American English. The Segmental Phonemes, in: Lan guage Learning 9/25-33. Leslau, W. Amharic context dictionary. Wiesbaden 1971/72. , W. Amharic conversation book. Wiesbaden 1971/72. , Amharic textbook. Wiesbaden 1968. , Bibliography of the Semitic languages of Ethiopia, New York 1946. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 English - Amharic dictionary. Wiesbaden Ca. 1971/72. Ethiopian argots. The Hague 1964. Hebrew Cognates in Amharic. Wiesbaden 1969. English - Amharic context dictionary. Wiesbaden ca. 1971/72. , Lexique Soqtori, Paris 1938. , Modern South Arabic Languages, A Bibliography. New York1946. Levias, G. A Grammar of the Aramaic idiom contained in the Babylonian Talmud. Cincinnati 1900, Reprint: 1971. Levy, J. Chaldaisches Worterbuch iiber die Targum und einem grossen Theil des rabbinischen Schriftthums. Neudruck: Darmstadt 1966. Lindner, G. Einfiihrung in die experimentelle Phonetik. Munchen 1969. Linguistica semitica: presente e future Studi di H. Cazelles, E. Cerulli, G. Garbini, W. von Soden, A. Spitaler, E. Ullendorff. Raccolta da G. Levi della Vida. Studi Semitici, Roma 1961. Littmann E. Die Aiiamharischen Kaiserlieder. Strassburg 1914. , Deutsche Aksum-Expedition. Berlin 1913, 4 Bde. , Ge'ez Siudien. Nachrichten von der K. Gesellschaft der Wissenschaften zu Gottingen, Philologisch-historische Klasse 1917, s. 627-702; 1918, s. 318-339. , Geschichte der athiopischen Literatur. Leipzig 1907. —. , Morgenlandische Worter im Deutschen. Tubingen 1924. —, Safaitic Inscriptions in: Publications of the Brinceton Uni versity Division IV Section C: Syria. , Thamud und Safa. Leipzig 1940. , Zur Entzifferung der Safa — Inschriften. Leipzig 1901. , Zur Entzifferung der Thamudischen Inschriften MVAG 1904. Lyons, J. Introduction to Theoretical linguistics. Cambridge 1968. , Structural Semantics. Oxford 1970. Macuch, R. Grammatik des samaritanischen Hebraisch. Berlin 1969. , Handbook of classical and modern mandaic. Berlin 1965. Malaika, N. Grundziige der Grammatik des arabischen Dialektes von Bagdad. Karri 1959 "Wiesbaden 1963". Malick; A.P. A comparative study of american English and Iraqi Arabic Consonant clusters, language learning 7, 1956/57. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 Malinowski, B. The problem of Meaning in Primitive languages, in: C.K. Ogden and LA. Richards, The meaning of meaning. London 1923. Marcais, P. L'articulation de l'emphase dans un parler arabe mghr£bin. Annales, University of Algiers, 1948. , le parler arabe de Diidielli "Nord Constantinois AlgSrie". Paris 1957. Marcais, W. le dialecte arabe parl6 a Tlemcen. Paris 1902. r, la diglossie arabe. E'Enseignement public 97, 1930. ? , La langue arabe dans l'Afrique du Nord. L'Eenseigenement public 105, 1931. , Les parlers arabes du Fezzan. Travaux. Institute du Re-cherches Sahariennes 1945. Margolis, M.L. Lehrbuch der aramaischen Sprache des babyionischen Talmuds. Marouzeau, Lexique de la terminologie Linguistique. Paris 1943. Martinet, A. Elements de linguistique generate. Paris 1960. , Phonology as Functional Phonetics. London 1949. Massignon, L. Elements arabes et foyers d'arabization: leur role dans le monde musulman actuel. RMM 57, 1924. Mattsson, E. Etudes phonologiques sur le dialecte arabe vulgaire de Beyrouth. Uppsala 1910. Meiilet, A. La m6thode comparative en linguistique historique. Oslo 1925. The comparative method in historical linguistics "trans". Paris 1966. Mercer, S.A.B. Ethiopic grammar with chrestomathy and glossary. Oxford 1920. Reprint: 1961. Mercior, L. Influence des Langues berbere et espagnole sur1 le dialecte arabe. Madrid 1966. Merx, A. Historia artis grammatica apud Syros. Leipzig 1889. Neud- ruck: 1966. Meyer, R. Hebraische Grammatik, I, II. Berlin 1966. Meyer, "Ed". Der Papyrusfund von Elephantine, Leipzig 1912. Mitchell, T.F. The active Participle in an Arabic dialect of Cyrenaica. Bulletin of the School of Or. and Afr. studies 1952. — , Prominence and syllabication in Arabic. Bulletin of the school of Or. and African studies 1960 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 Mittwoch, E. Die traditionalle Aussprache des Aethiopischen. Berlin und Leipzig 1926. Moller, H. Semitsch und Indogermanisch. Neudruck: 2/73. Moller, H. Vrgleichendes indogermanischsemitisches Worterbuch. "Neudruck der Ausleg. 1911" Gottingen 1970. Monteil, V. L'Arabe Moderne. Paris 1960.A ontgomery, J.A. Arabia and the Bible. Philadelphia 1934. , The Samaritans. The earliest Jewish sect, their history, theo logy and literature New York 1968. Nordtmann, J.H. und E. Mittwoch Altsudarabische Inschriften. Rome 1933. f Sabaische Inschriften. Hamburg 1931. Morris, Ch. W. Foundations of the theory of signs. Chicago 1938. Neudruck: 1964. Moscati, S. "ed". An introduction to the comparative grammar of the Semitic languages. Wiesbaden 1969. , Histoire et civilisation des peuples semitiques. Paris 1955. , ie Phoniker. Zurich 1966. Munzel, K. er Gebrauch des Genitivexponenten im arabischen Dialekt von Agypten. Diss. Erlangen 1949, Murtoncn, A. Broken Plurals. Leiden 1964. , arly Semitic. Leiden 1967. Nasser, Fathi Emprunts lexicologiques du francais a l'arabe des origines jusqu'a la fin du XIXe S. Beyrouth 1966. Neusner,] . The formation of Babylonian Talmud. Leiden 1970. Nida, E.A. Morphology. Mich. 1946, 1967. Nielson, D.F. Hommel und N. Rhodokanakis Handbuch der altara- bischen Altertumskunde. Kopenhagen 1927. , Ras Samra Mythologie und biblische Theologie. Leipzig 1936. eudruck 1966. Noldeke, Th. Beitrage zur semitischen sprachwissenschaft. Strassburg 1904, 1910. , Kurzgefasse syrische Grammatik. Leipzig 1880, 1898. Neud ruck 1966. , Lehnworter in und aus dem Athiopischen, in: Neue Beitrage ur semitischen Sprachwissenschaft. Strassburg 1910, s. 31-66. , andaische Grammatik. Halle 1872. Neudruck: 1964. Mittwoch, E. Die traditionalle Aussprache des Aethiopischen. Berlin und Leipzig 1926. Moller, H. Semitsch und Indogermanisch. Neudruck: 1972/73. Moller, H. Vergleichendes indogermanischsemitisches Worterbuch. "Neudruck der Ausleg. 1911" Gottingen 1970. Monteil, V. L'Arabe Moderne. Paris 1960. Montgomery, J.A. Arabia and the Bible. Philadelphia 1934. , The Samaritans. The earliest Jewish sect, their history, theo logy and literature New York 1968. Nordtmann, J.H. und E. Mittwoch Altsudarabische Inschriften. Rome 1933. f Sabaische Inschriften. Hamburg 1931. Morris, Ch. W. Foundations of the theory of signs. Chicago 1938. Neudruck: 1964. Moscati, S. "ed". An introduction to the comparative grammar of the Semitic languages. Wiesbaden 1969. , Histoire et civilisation des peuples semitiques. Paris 1955 , Die Phoniker. Zurich 1966. Munzel, K. Der Gebrauch des Genitivexponenten im arabischen Dialekt von Agypten. Diss. Erlangen 1949, Murtoncn, A. Broken Plurals. Leiden 1964. ,Early Semitic. Leiden 1967. Nasser, Fathi Emprunts lexicologiques du francais a l'arabe des origines jusqu'a la fin du XIXe S. Beyrouth 1966. Neusner,] . The formation of Babylonian Talmud. Leiden 1970. Nida, E.A. Morphology. Mich. 1946, 1967. Nielson, D.F. Hommel und N. Rhodokanakis Handbuch der altara- bischen Altertumskunde. Kopenhagen 1927. Ras Samra Mythologie und biblische Theologie. Leipzig 1936. Neudruck 1966. Noldeke, Th. Beitrage zur semitischen sprachwissenschaft. Strassburg 1904, 1910. , Kurzgefasse syrische Grammatik. Leipzig 1880, 1898. Neudruck 1966. , Lehnworter in und aus dem Athiopischen, in: Neue Beitrage zur semitischen Sprachwissenschaft. Strassburg 1910, s. 31-66. , Mndaische Grammatik. Halle 1872. Neudruck: 1964. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 , Zur Grammatik des classischen Arabisch. Wien 1896. , Neue Beitrage zur semitischen Sprachwissenschaft. Strass-burg 1910. — , Uberlieferungsgeschichte des Pentateuch. Stuttgart 1966. , Die Welt des Alten Testaments. Berlin 1940. O'Leary, De lacy: Comparative grammar of the Semitic Languages. London 1923 Reprint: 1969. Omar, M.K. The acquisition of Egyptian Arabic as a native language. The Hague 1972. Ostroya — Doma, S. Notes preliminaires a P6tude des parlers arabes de l'arrondissement de Phillippeville. Revue Africaine 1938. Oxtoby, W.G. Some inscriptions of the Safaitic bedouin. New Haven 1968. Paul, H. Prinzipien der Sprachgeschichte. 1886 — Tubingen 1960. Pei, M. Glossary of linguistic Terminology. New York 1966. P£res, H. L'arabe dialectal alge>ien et Saharien: bibliographic analy- tique avec un index m^thodique. Algiers 1957. , L'arabe dialectal en Espagne musulmane aux Xe et Xle siecles de notre ere 3. Melanges 1950. Petracek, K. Zum arabischen Dialekt von Agypten: Zum Koptischen Einfluss im Arabischen. Archiv Orientalani 1956. Phillips, W. Qataban and Sheba. London 1955. Piamenta, M. Studies in the Syntax of Palestinian Arabic. Jerusalem 1966. Pike, K.L. Phonemics. Ann Arbor 1947. , Phonetics. Ann Arbor 1943. , Language in Relation to a unified Theory of Human Behaviour. The Hague 1967. Potter, S. Language in the modern world. Pelican Books A 470, 1968. Praetorius, F. Die amharische Sprache. Halle 1878-79. Neudruck: 1970. , Athiopische Grammatik mit Paradigmen, Literatur, Chres-tomathie und Glossar, Karlsruhe und Leipzig 1886. Neudruck: 1955. The principles of the International phonetic Association. London 1949, ... 1968. Rabin, C. Ancient West-Arabian. London 1951. , The Beginning of classical Arabic. Studia Islamica 4, 1955. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 Rockendorf, H. Arabische Syntax. Heidelberg 1921. , Die syntaktischen Verbaltnisse des Arabischen. I Leiden 1895-1896 . Reinhardt, C. Ein Arabischer dialekt gesprochen in Oman and Zanzibar. Berlin 1894. Repertoire d'6pigraphie s6mitique, torn V, VI, VII 1928. Rescher, O. Eine lexikographische liste zum dialekt der Brakma "Sen-gal Araber" Mitteilungen des Seminare fur orientalische spracheil. 1918. Rhodokanakis, N. Studien zur lexikographie und Grammatik des Alt-siidarabischen I SBWA ph.-h. Kl. 178/4. Wien 1915 - 17. , Der vulgararabische dialekt in Dofar. Vienna 1908, 1911. Rice, F.A. Study of the Role of Second Languages. Washington D. C. 1962. Robins, R.H. Ancient and Medievial Grammatical Theory in Europe. London 1951. , A Short history of linguistics. London 1967. Robinson, T.H. Paradigms and exercises in Svriac grammar. London 1962. Rosenthal, Fr. Die aramaische Forschung seit Th. Noldekes Veroffent- lichungen. Leiden 1929. , Die Sprache der Palmyrenischen Inschriften und ihre stet lung innerhalb des Aramaischen. Leipzig 1936. , "ed". Studia Semitica. London 1970; Roth-Laly, A. Lexique des parlers arabes tchadosudanais. Paris 1971. Rothstein, G. Die Dynastie der lahmiden in al-Hira-Versuch zur ara- bisch-persischen Geschichte zur zeit der Sasaniden. Berlin 1899. Neudruck: 1968. Rowley, H.H. The aramaic of the Old Testament. London 1929. Rundgren, F. Das althebraische Verbum. Stockholm 1961. , Das altsyrische Verbalsystem. Uppsala 1960. Rupp, A. Arbeitscheft fiir den Hebraischunterricht. Darmstadt 1971. Ruwet, N. Introduction a la grammaire generative. Paris 1967, 1968. Ryckmans, J. Inscriptions historiques sabeennes de I'Arabie centrale, le Museon LXVI 1953, p. 319 etc. , Inscriptions Saracenicae I. Paris 1952. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 , Inscriptions sud-arabes Xe serie, Le Musean LXVI 1953, p. 267 etc. , L'institution monorchique en Arabie meridionale avant l'lslam, Louvain 1951. , Paganisme de l'Arabie du sud preislamique. Louvain 1972. , Les religions arabes preMsJamique, in: L'histoire generate des religions, p. 307 etc. 5aggs, H.W.F. Assyriology and the study of the Old Testament. An inaugural leeture delivered at university college, Cardiff, 1968 samarin, w. field lingusistics. New york 1967 Saporta, S. Psycho-linguistics, Holt, Reinhart, Winston 1966. I Saranw, W. Die altarabische Dialektspaltung ZA XXI 1908, 31-48. _ Cher Akzeni und Silbenbildung in den alteren semitischen Sprachen. Kobenhavn 1939. Sasse, H.f. Linguistiche Analyse des arabischen Dialekts der Mhallamlye in der Provinz Mardin "Siidosttiirkei" "MCmchen" 1971. Saussey, E. Les mots turcs dans le dialecte arabe de Damas. in: Melange de l'lnstitut Francais de Damas I, 1929, pp. 75-129. Saussure, F. de cours de linguistique Generate. 2nd. ed. Paris 1922. "Translated:" Course in General linguistics. New York 1959. Schaade, Sibawaihi Lautlehre, Leiden 1911. Schaeffer, G.F.A. Ugaritica TV, Paris 1962, V, Paris 1968, VI, Paris 1969. Schiaparelli, C. "ed". Vocabulista in arabico. Firenze 1871. Ristampa: 1971/72. Schfesinger, M. Satzlehrc der nrarnalschen Sprachc des babylonischen Talmuds. Leipzig 1928. Schokel, L.A. Estudios de poetiea Hebrea Barcelona 1963. Schmidt, W. und G. DelNng. Worterbuch zur Bibel. Hamburg. Zurich 1971. Schulthess, F. und E. littmann. Grammatik des christlichpalastinischeo Aramaisch. Hrsg. V.E. litlmann, Tiibingen 1924, Neudruck: 1965. Schwarz, K. Verzeichnis deutschsprachiger Hochschulschriften zum islamischen Orient 1884-1970. Freiburg 1971-72. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 Sebeok, T.A. "ed". Current trends in linguistics. Vol. 6, linguistics in South West Asia and North Africa. The Hague 1970. Seidl, S.H. Gedanken Zum Tempussystem im Hebraischen und Akka- dischen. Wiesbaden 1971. Selim, G.D. American doctoral dissertations on the Arab World 1883- 1968. Washington 1970. Schramm, G.M. An outline of classical arabic verb structure Language 38, 1962. Schreiher, G. Der arabische dialekt von Mekka. Freiburg 1971. Sellin, E. und G. Fohrer. Einleitung in das Alte Testament. Heidelberg 1969. Semaan, K.I. Linguistics in the middle ages. Leiden 1968. Sezgin, F. Geschichte des arabischen Schrifttuins. Leiden 1967, 1972 etc. Siddiqi, A. Studien iiber die persischen Fremdworter im Klassischen Arabisch. Gottingen 1919. Siggel, A. Arabisch-deutsches Worterbuch der stoffe aus den drei Na-turreichen, die in arabischen alchemistischen Handschriften vor-kommen, nebst Anhang: Verseichnis Chemischen Gerate. Berlin 1950. Simon, M. Punique ou berbere ? Bulletin, Institut de philologie et d'Histoire Ori. et Slaves 1953. Singer, H. Grundziige der Morphologie des arabischen Dialekes von Tetuan, in: ZDMG 108, 1958, s. 229-265. —, Neuarabische Frageworter. Diss. Erlangen 1958. Skinner, B.F. Verbal Behaviour. Appelton 1957. Sobelman, H. "ed". Arabic dialect studies, A Bibliography Washington 1962. , and R.S. Harrell, A dictionary of Moroccan Arabic: English- Moroccan. Washington 1963. Socin, A. Der arabische Dialekt von Mosul und Marden. Leipzig 1904. , Diwan aus Central-arabien. Leipzig 44, 1901. Soden, W.v. Akkadisches Handworterbuch. Wiesbaden 1965 etc. , and W. Rollig. Das akkadische Syllaber. 2., Volling neu- bearbeitete Aufl. Roma 1967. Analecta Orientalia 42. Sola-soil, J.M. L'infinitif semitique. Paris 1961. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 Smeaton, B.H. Some problems in the description of arabic. Word 12, 1956. Smend, R. und A. Socin Die Inschrift Des konigs MeSa von Moab. Freiburg 1886. Smith, H.L. The phonology of Arabic lang. Words in Old Spanish. Minneapolis 1953. Sperber, A.A. A historical grammar of biblical Hebrew. Leiden 1966. Spitaler, A. Grammatik des ncuaramaischen Dialekts von Ma'lula "An-tilibanon" Leipzig 1938. Neudruck 1966. Torczyner, H. Die Entstehung des semitischen sprachtypus. Wien 1916. Trager, G.L. and F.A. Rice. The personal pronouns system of classical Arabic Language 30, 1954. Trubetzkoy; N.S. Grundziige der phonologic Prague 1939, Gottingen 1967. Twaddell, W.F. On defining the phoneme lg. Monograph 16, 1966. , Aramaic handbook in 4 vols. Wiesbaden 1967. Porta lingua-rum Orientalium. —: , A Grammar of biblical Aramaic. Wiesbaden 1968, Portalinguarum Orientalium. Ullendorff; E. Ethiopia and the Bible. London 1968. , The Ethiopians. London 1960. , Exploration and study of Abyssinia, Asmara 1945. , The Semitic languages of Ethiopia. London 1955. ; What is a Semitic language? in: Orientalia, January 1958. Ullmann, S. Principles of semantics. Oxford 1957. , Semantics. An Introduction to the science of Meaning. Oxford 1962. Ungnad, A. Grammatik des Akkadischen. Vollig neubearbeitet von L. Mltous. Miinchen 1969. —, Syrische Grammatik. Miinchen 1913. Voliers, K. The system of arabic sounds as based upon Sibaweih and --. The vowels of verbs with third weak Radical. Journal of the Faculty of Arts. Malta 1957. Sydon, P.P. The Pre-Arabic Latin Element of Maltese. Orbis 1956. Spitta-Bey, W. Grammatik des arabischen Vulgardialektes von Agypten. Leipzig 1880. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 Spulet, B. Die Ausbreitung der arabischen Sprache Handbuch der Orientalistik, Semitik 245-252 Leiden 1954. Steinschneider, M. Die hebraischen Obersetzungen des Mittelalters. Berlin 1893. Neudruck 1956. , Jewish literature. London 1857. Reprint: 1967. Stetkevych, J. The Modern Arabic literary language. Chicago 1970. Stevenson, W.B. Grammar of Palestinian Jewish Aramaic. Oxford 1966. Struck, H.L. Einleitung in Talmud und MidraS, Miinchen 1901. , Hebraische Grammatik. Miinchen 1952. Strothmann, W. Die Anfange der syrischen Studien in Europa. Wiesbaden 1971. Sultanov, A.F. National language and script reform in countries of the Arab East. Trans, by: Moshe Perlmann, unpublished. Moscow 1953. Sutcliffe, E.F. A grammar of the Maltese language with chrestomathy and Vocabulary. London 1936. Ibn ya'ish. London 1893. Vollers, Volkssprache und Schriftssprache im alten Arabien, Strass- burg 1966. Neudruck: 1972. Wagner, M. Die lexikaiichen und grammatikalischen Aramaismen imalttestamentlichen Hebraisch. Berlin 1966. echter, P. Ibn Barun's Arabic works on Hebrew grammar and lexicography. Philadelphia; 1964. Wehr, H. Beitrage zur Lexikographie des Hocharabischen der Gegen- wart, in: Islamica, 1934, 4 S. 435-449. -, Entwicklung und traditionnelle Pfiege der arabischen Schriftsprache in der Gegenwart, in:ZDMG, 1943, 97, I, S. 16-46 . , Die Besonderheiten des heutigen Hocharabischen mit Be-rucksichtigung der Einwirkung der europaischen Sprachen, in: MSOS XXVII, II, pp. 1-64. Berlin 1934. , Der arabische Elativ. Mainz, Akademie, 1952 "Nr. 7,S. 567-621". '—, Arabisches Worterbuch fur die Schriftsprache der Gegen wart "Arabisch-Deutsch". Wiesbaden 1959-68. —, Supplement zum Arabischen Worterbuch. Wiesbaden 1959. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 , A dictionary of Modern written Arabic. Ed. by: M. Cowan. 2nd. printing, Wiesbaden 1966. Weil, G. Die grammatischen Schulen von kufa und Basra. Leiden 1913. Weingreen, J. A practical grammar for classical Hebrew. London 1959. , Classical Hebrew composition. Reprint: London 1962. Weinreich, U. Explorations in semantic Theory, in: Current Trends in linguistics III, Ed. by: Sebeok, Thomas, A. The Hague 1966. , Languages in contact. The Hague 1953. Wensink, Some aspects of gender in the Semitic languages. Whorf, B.I. Language Thought and Reality: selected papers, New York 1956. Wild, S Das Kitab al 'Ain und die arabische lexikographie. Wiesbaden 1965. Williams, R. J. Hebrew syntax. Toronto 1967. Winnett, F.V. and W.L. Read. Ancient records from North Arabia. Toronto 1970. , A study of the lihyanite and Thamudic Inscriptions. Toronto 1937. Wright, W. A grammar of the Arabic language. Cambridge 1967. , Lectures on the comparative grammar of the Semitic languages "ed. by: W.R. Smith". Cambridge 1890. Reprint: 1966. Young, G.D. Concordance of Ugaritic. Roma 1956. Yushmanov, N.V. The structure of the arabic language. Trans, by: Moshe perlmann. Washington, D.C. 1961. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379