الكتاب: رحلة السيرافي المؤلف: أبو زيد حسن بن يزيد السيرافي (المتوفى: بعد 330هـ) الناشر: المجمع الثقافي، أبو ظبي عام النشر: 1999 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- رحلة السيرافى السيرافي، أبو زيد الكتاب: رحلة السيرافي المؤلف: أبو زيد حسن بن يزيد السيرافي (المتوفى: بعد 330هـ) الناشر: المجمع الثقافي، أبو ظبي عام النشر: 1999 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] سليمان السيرافي كان تاجراً إيرانياً من أهالي ميناء السيراف المطل على الخليج الفارسي فسافر إلى الصين ودوّن ذكريات رحلته هذه في كتاب ألفه باللغة العربية وقد تلقفها عنه ورواها وهذّبها أبو زيد حسن بن يزيد السيرافي ونحن لا نعرف شيئاً عن حياته أو عن تاريخ ولادته ووفاته، سوى أنه كان يعيش في النصف الأول من القرن الرابع. قضى أبو زيد فترة الطفولة والمراهقة في مسقط رأسه سيراف، ثم هاجر عام 330 هـ إلى البصرة وأقام فيها. وهو لم يكن في الحقيقة رحالة ولا عالماً بل كان على ما يظهر من المغرمين بأمثال هذه القصص التي كان من السهل جمع روايات كثيرة منها سواء في مسقط رأسه سيراف أو في البصرة. وكان خير مثال للتجار العرب والفرس الذين توجهوا إلى الصين، وقد محّص ما ورد عنه وتابع خطواته على ضوء الخرائط الحديثة المستشرق الفرنسي فيرن فوجدها من حيث الدقة والأمانة العلمية بمكانة سامية. المقدمه فيما يتعلق بالتجارة عن طريق البحر وقصص الأسفار للبحارة العرب والفرس مع بلاد الهند وارخبيل الملايو والصين، فإن أولئك التجار العرب قد ساروا على التقاليد القديمه لمنطقة جنوبي العراق وسواحل الخليج العربي منذ العصر الساساني. ويقال انه عند ما استولى العرب على ميناء (الأبله) قرب البصرة في خلافة عمر بن الخطاب وجد بها المسلمون سفنا صينية، وقد كان الفرس حتى عصر السيادة العربية هم أكثر الناس جسارة على ركوب البحر، وكان من الواضح منذ عهد طويل ان المستعمرة العربية الفارسية بمينا كانتون بالصّين، كانت قد بلغت حدا من القوة أصبحت معها في سنة 758 م تضع يدها على المدينة وتتحكم فيها ثم تنهبها وتغادر البلاد عن طريق البحر. وفي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي حالف الحظ بعض المستشرقين بأن عثر على شواهد قبور تثبت زيارة بعض العرب للصين في ذلك العهد القديم وذلك في مقبرة تثبت زيارة بعض العرب للصين في ذلك العهد القديم وذلك في مقبرة تثبت وجود جماعة من أهل عمان والخليج العربي. وعزز هذا الإثبات مصدر تاريخي آخر هو كتاب لأبي سفيان محبوب العبدي المتوفي في النصف الأول من القرن التاسع الميلادي حيث جاء فيه أن أحد شيوخ الإباضية وهو أبو عبيدة عبد الله بن القاسم من أهل عمان، وكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 عالما كبيرا في عصره وتاجرا معروفا اشتغل بتجارة المر، وكان قد سافر بتجارة من الصبر والمر الى الصين، يقول المستشرق كراتشكوفسكى: ولكن تاريخ تلك الرحلة غير معروف لنا ولو انه لإعتبارات عديدة يمكن القول بأنها حدثت دون شك قبل نهب كانتون السابق الذكر عام 758 م. أما التاجر العماني الآخر فهو النّضر بن ميمون الذي عاش بالبصرة على ما يظهر في حدود القرنين الثامن والتاسع الميلاديين، ومن هناك سافر الى الصين، ولكن لا نملك تفاصيل دقيقة عن رحلته تلك. وعلى كل حال فإنه يمكن اعتبار أولئك التجار العمانيين بما فيهم أهل الإمارات بمثابة ممهدين لتجار آخرين كبار، أمثال صاحب رحلتنا هذه التي بين يديك، وهو التاجر سليمان ورفيقه ابن وهب اللذان تلقى رحلتهما مؤرخ جغرافي هو أبو زيد السيرافي، ونقلها عنهما ومحّص روايتهما وهي هذه التي ننشرها الآن ضمن مطبوعات المجمع الثقافي. تحمل اسم المذكور. ونعود الى ما كنا بصدده فنرى أن الرحالة العرب قد كونوا عن بلدان الشرق الأقصى وغيرها مادة مقتضبة منذ عهود مبكرة تعود الى القرن التاسع الميلادي معتمدين في ذلك على ما يتناقله الرحالة المغامرون، وهم شخصيات في الغالب عربية بحته ساهمت في بعض الأسفار التجارية، ويذكر لنا ابن رسته في كتابه «الاعلاق النفيسة» حقائق عن الهند هامة يرويها عن شخص غير معروف عند المؤرخين، هو أبو عبد الله محمد بن اسحاق، وهو غير ابن اسحاق صاحب السيرة والمغازي المعروف، وكان هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 الرجل قد أمضى قرابة عامين في جزيرة قمارى (أي خمير، وهو الاسم القديم لكمبوديا) وكان ذلك على أغلب الظن في أوائل القرن التاسع. ويرى أكثر الباحثين الأوربيين من المستشرقين في الجغرافيا أن هذا الرجل يكاد يكون هو المصدر الوحيد لكل من ابن رسته وابن خرداذبة، وهو الذي ينقل عنه ياقوت فقرات معينة في بعض مواد كتابه. هذا فيما يتعلق بالطريق البحري من قبل الرحالة العرب من التجار، أما اذا رجعنا الى رحلاتهم البرية في العهود المبكرة فسنجدها تتمثل في روايات استقاها الجغرافيون العرب من أفواه رحالة عرب آخرين مرّوا بالطريق البري الذي يخترق آسيا الوسطى الى الصين، وذلك نجده في الوصف الذي يقدمه تميم بن بحر المطوعي. وكما يظهر من لقبه فالرجل لم يكن من فئة التجار المعروفين، وأغلب الظن انه عاش حياة الجهاد والمرابطه في الثغور الإسلامية، التي تمتد مساحتها على سائر تخوم الخلافة الإسلامية، وكان المذكور قد توجه الى خاقان الترك (التغزغز) بمهمة دبلوماسية كما يظهر، ويرى بارتولد انها تعود الى الفترة ما بين 760 م- 800 م وأورد ياقوت في كتابه (معجم البلدان) أهم قطعة من هذه الرحلة عرفنا بواسطتها الاستدلال على شخصية صاحب الرحلة. وبهذا فإن تميم بن بحر المطوعي، يكون أول جغرافي عربي يذكر لنا وصف الطريق البري الى الصين، ويمكن أن نجد أثر تميم المذكور في النصوص التي أوردها عنه جغرافيون كبار ورحالة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 معروفون، أمثال أبي دلف، وقدامه، وأيضا عند الإدريسي صاحب أشهر كتاب في الجغرافيا، وهو كتاب (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) بل وعند ابن خرداذبه، وياقوت كما أسلفنا، وتميم هو أول عربي يعطينا معلومات هامة عن التغزغز تعتمد في الأساس على معلومات شخصية مباشرة شاهدها بنفسه، فهو يصف لنا عاصمة التغزغز (قامجو) قرب (طرفان) ويذكر معلومات عن حجر المطر عند الترك الى غير ذلك. سليمان التاجر نرجع الى صاحب رحلتنا هذه التاجر سليمان التي تلقفها عنه ورواها وهذّبها أبو زيد السيرافي، فالمذكور هو من قدامى الرحالة الذين عرفوا برحلاتهم الغريبه ورواياتهم الطريفة عن البلدان التي زاروها، ونحن لا نعرف شيئا عن حياته، سوى ما وصل إلينا من الرواية التي ذكرها عن رحلته، وهي ترجع في الغالب الى حوالي سنة 237 هـ، وقد سافر مرارا بغرض التجارة الى الهند والصين، وقد محّص ما ورد عنه وتابع خطواته على ضوء الخرائط الحديثة المستشرق الفرنسي فيرن فوجدها من حيث الدقة والأمانة العلمية بمكانة تذكر له، يقول: وهو خير مثال للتجار العرب والفرس الذين توجهوا الى الصين. وقد أبحر من (سيراف) الى (مسقط) على الخليج العربي، ومن هناك الى (كلم) على ساحل مليبار، ثم مر بمضيق (بالك) شمالي جزيرة (سيلان) ثم عبر خليج البنغال فوصل جزيرة (لنجبالوس) (احدى جزر نيكوبار) ثم تقدم الى (كله بره) على ساحل الملايو الغربي، ومر هناك الى جزيرة (تيومن) الواقعة الى الجنوب الغربي من (ملقا) ومنها الى راس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 القديس يعقوب قرب (سايجون) ومن هناك الى جزيرة (هاينان) فعبر المضيق الذي يفصلها عن أرض الصين ليصل الى مينا (خانفو) أو (كانتون) الحديثة بالصين. وكانت الرحلة البحرية من (مسقط) الى الصين تستغرق أكثر من أربعة أشهر ولم يقتصر سليمان في وصفه على ذكر المراحل وتقدير المسافات بالأيام وأحيانا بالفراسخ، بل ترك أيضا وصفا حيّا للسواحل والجزر والمواني المختلفة والمدن وسكانها والمحاصيل والمنتجات وسلع التجارة. كما ثبت أن المعلومات التي أوردها عن (كانتون) تتميز بالتفصيل والدقة. يقول كراتشكو في الحديث عن نسبة تلك الرحلات الى سليمان التاجر: ونظر العدم وجود معلومات عن سليمان نفسه فإن بعض كبار علماء (الصينيات) مثل (يول) و (بليو) قد تشككوا في نسبة القصص إليه. كما ظهر رأي آخر يرى أن هذه القصص لعربي زار الهند. غير أن (فيرن) لفت الأنظار الى أن ابن الفقيه ينسب القصص صراحة الى سليمان، ولهذا فإن مسألة تأليفه لها لا يحوم حولها أدنى شك. وقد أضاف الى القصص المنسوبة الى سليمان وذلك بعد عشرين عاما من رحلة المذكور، رحالة آخر هو ابن وهب الذي يرجع نسبه الى قريش، وكان من الأعيان الأثرياء وقد غادر بلده البصرة عند ما سقطت على أيدي ثوار الزنج سنة 257 هـ، واستقر رأيه على القيام برحلة طويلة من سيراف الى الصين، وحالفه التوفيق فوصل الى عاصمة الصين، وكانت في ذلك (خمدان) ولوصفه أهمية خاصة إذ بعد ذلك عام 264 هـ يتم القضاء على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 المستعمرة العربية في (كانتون) نتيجة للحروب الداخلية فانقطعت بذلك الصّلات المباشرة بين العرب والصين. وأصبح آخر ميناء تصله السفن العربية (ميناكله) وكله بره بشبه جزيرة الملايو، ولم بتجدد الاتصال بالصين إلّا في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي. وقصص سليمان وابن وهب قد دونها في بداية القرن العاشر الميلادي أبو زيد الحسن السيرافي من أهل البصرة، وهو الذي اعطاها الشكل المعروف لنا الأن، والسيرافي المذكور لم يكن في الحقيقة رحالة ولا عالما بل كان على ما يظهر من المغرمين بأمثال هذه القصص التي كان من السهل جمع روايات كثيرة منها سواء في مسقط رأسه (سيراف) أو في (البصرة) ، وقد التقى به المسعودي عام 303 هـ، وقد استفاد منه رواية ابن وهب الواردة في رحلتنا هذه. ومخطوطة رحلة ابي زيد السيرافي التي وصلتنا في نسخة فريدة وحيدة هي الموجودة بمكتبة باريس الأهلية، وقد أضاف إليها النّساخ مقدمة لا علاقة لها البته بمحتويات الكتاب، وزاد المشكلة تعقيدا أن المخطوطة تحمل عنوانا غير مناسب على الإطلاق، ولا يتفق مع موضوع الكتاب، هو عنوان (سلسلة التواريخ) وقد صدرت طبعة رينو سنة 1811 م تحمل هذا العنوان. ولأهمية رحلة التّاجر سليمان فقد استوقف هذا الأثر أنظار كبار المستشرقين في القرن الثامن عشر فظهرت له منذ عام 1718 م ترجمة فرنسية، وكانت هذه الترجمة مدعاة الى اختلاسها وإضافة أشياء من قبل بعض المغامرين ونسبتها الى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 أنفسهم. ويعود الفضل في دراسة هذه الرحلة وتحقيق نصوصها الى المستشرق الفرنسي رينو، ثم جاء بعده المستشرق الفرنسي أيضا فيرن وأعاد تحقيقها وترجمها بمنهجيّة تذكر له. وقد استفدنا نحن من كلا الطبعتين، وحاولنا ان نظهرها في هذا القالب مع إضافة بعض التعليقات اللازمة التي تتوافق مع هذه الرحلة ومن حيث الصبغة التراثية وكما سيراها القارئ، وبالله التوفيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 [الكتاب الاول] هذا كتاب فيه سلسلة التواريخ والبلاد والبحور وأنواع الأسماك وفيه علم الفلك وعجايب الدنيا وقياس البلدان والمعمور منها، والوحش وعجائب غير ذلك، وهو كتاب نفيس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 باب في البحر الذي بين بلاد الهند والسند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 وغوز وماغوز «1» ، وجبل قاف، وبلاد سرنديب، وفتح أبو حبيش، وهو الرجل الذي عاش من العمر مائتين وخمسين سنة وكان في بعض السنين نزل في الماغوز فرأى أبو حبيش الحكيم السواح فأتي به الى البحر وروّاه «2» سمكة مثل الشراع «3» ، وربما رفع رأسه [عن الماء] «4» فتراه كالشيء العظيم، وربما نفخ الماء من فيه فيكون كالمنارة العظيمة، فاذا سكن البحر اجتمع السمك فحواه بذنبه، ثم يفتح فمه فيرى السمك في جوفه يغيض كأنه يغيض «5» في بئر، والمراكب التي تكون في البحر تخافه فهم يضربون بالليل بنواقيس مثل نواقيس النصارى مخافة أن تتكئ على المركب فتغرقه. وفي هذا البحر [سمكة اصطدناها] «6» يكون طولها عشرين ذراعا فشققنا بطنها فأخرجنا منها أيضا سمكة من جنسها، ثم شققنا بطن الثانية فإذا في بطنها مثلها، وكل هذا حيّ يضطرب يشبه بعضه بعضا في الصورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 ولهذا السمك الكبير الذي يدعي الوال «1» مع عظم خلقه سمكة تدعى اللشك «2» طولها قدر ذراع فاذا طغت هذه السمكة وبغت وآذت السمك في البحر، سلّطت عليها هذه السمكة الصغيرة، فصارت في أصل أذنها «3» ولا تفارقها حتى تقتلها. وتلتزق «4» بالمركب فلا تقرب المركب هذه السمكة الكبيرة فرقا من الصغيرة. وفي هذا البحر أيضا سمكة يحكى وجهها وجه الانسان تطير فوق الماء، واسم هذا السمك الميج «5» وسمك آخر من تحت الماء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 يرصده حتى إذا سقط ابتلعه ويسمى هذا السمك العنقتوس «1» والسمك كله يأكل بعضه بعضا. [بحر هركند] والبحر الثالث بحر هركند «2» وبينه وبين بحر دلاروى «3» جزائر كثيرة يقال أنها ألف وتسعمائة جزيرة، وهى فرق ما بين هذين البحرين دلاروى وهركند. وهذه الجزائر تملكها امرأة ويقع في هذه الجزائر عنبر عظيم القدر، فتقع القطعة مثل البيت «4» ونحوه، وهذا العنبر ينبت في قعر البحر نباتا، فإذا اشتد هيجان البحر قذفه من قعره مثل الفطر والكمأة. وهذه الجزائر التي تملكها المرأة، عامرة بنخل النارجيل «5» وبعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 ما بين الجزيرة والجزيرة فرسخان «1» وثلاثة وأربعة، وكلها عامرة بالناس والنارجيل، وما لهم الودع «2» وهذه الملكة تذخّر الودع في خزائنها، ويقال أن أهل هذه الجزيرة «3» لا يكون أصنع منهم، حتى انهم يعملون القميص مفروغا منه نسجا بالكمين والدخريصين «4» والجيب، ويبنون السفن والبيوت، ويعملون سائر الأعمال على هذا النسق من الصنعة، والودع يأتيهم على وجه الماء، وفيه روح فتوخذ سعفه من سعف النارجيل فتطرح على وجه الماء فيتعلق فيها الودع وهم يدعونه الكبتح «5» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 وآخر هذه الجزائر سرنديب» في بحر هركند، وهى رأس هذه الجزائر كلها، وهم يدعونها الدبيجات «2» وبسرنديب «3» منها مغاص اللؤلؤ بحرها كله حولها. وفي أرضها جبل يدعى الرهون «4» وعليه هبط آدم عليه السلام، وقدمه في صفا «5» رأس هذا الجبل منغمسة في الحجر: في رأس هذا الجبل قدم واحدة. ويقال انه عليه السلام خطا خطوة أخرى في البحر، ويقال: إن هذه القدم التى على رأس الجبل نحو من سبعين ذراعا وحول هذا الجبل معدن جوهر الياقوت الأحمر والأصفر والاسمانجوني «6» . وفي هذه الجزيرة ملكان، وهى جزيرة عظيمة عريضة فيها العود، والذهب، والجوهر، وفي بحرها اللؤلؤ، والشنك وهو هنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 (البوق) الذي ينفخ فيه ممّا يدخرونه. وفي هذا البحر اذا ركب الى سرنديب جزائر ليست بالكثيرة، غير انها واسعة لا تضبط، منها: جزيرة يقال لها الرامني «1» فيها عدة ملوك، وسعتها يقال ثمانمائة أو تسعمائة فرسخا، وفيها معادن الذهب، وفيها معادن تدعى فنصور «2» يكون الكافور الجيّد منها. ولهذه الجزائر جزائر تليها منها: جزيرة يقال لها النيان «3» لهم ذهب كثير واكلهم النارجيل، وبه يتأدمون ويدهنون، واذا أراد أحد منهم أن يتزوج لم يزوج إلّا بقحف رأس رجل من أعدائهم، فإذا قتل اثنين زوج اثنتين، وكذلك ان قتل خمسين زوج خمسين امراة بخمسين قحفا، وسبب ذلك أن أعدائهم كثير، فمن أقدم على القتل أكثر كان رغبتهم فيه أوفر. وفي هذه الجزائر أعنى الرامنى فيلة كثيرة، وفيها البقم «4» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 والخيزران «1» . وفيها: قوم يأكلون الناس، وهى تشرع على بحرين هركند وشلاهط «2» . وبعد هذا جزائر تدعى لنجبالوس «3» ، وفيها خلق كثير عراة الرجال منهم والنساء، غير أن على عورة المرأة ورقا من ورق الشجر، فاذا مرّت بهم المراكب جاءوا إليها بالقوارب الصّغار والكبار وبايعوا أهلها العنبر والنارجيل بالحديد وما يحتاجون إليه من كسوة لأنه لا حرّ عندهم ولا برد. ومن وراء هؤلاء جزيرتان بينهما بحر يقال لهما «4» اندامان «5» وأهلهما يأكلون الناس أحياء، وهم سود مفلفلوا الشعور مناكير الوجوه والأعين، طوال الأرجل، فرج «6» أحدهم مثل الذراع [يعني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 ذكره] عراة ليست لهم قوارب، ولو كانت لهم لأكلوا كل من مرّ بهم، وربما أبطأت المراكب في البحر وتأخر بهم المسير بسبب الريح فينفذ ما في المراكب من الماء فيقربون إلى هؤلاء فيستقون الماء، وربما أصابوا منهم ويفلتون أكثر. وبعد هذه الجزيرة جبال ليست على الطريق، يقال: ان فيها معادن فضة وليست بمسكونة، وليس كل مركب يريدها يصيبها، وإنما دلّ عليها جبل منها يقال له الخشناميّ «1» ، مرّ به مركب فرأوا الجبل فقصدوا له فلما اصبحوا انحدروا إليه في قارب ليحتطبوا وأوقدوا نارا فانسبكت الفضة فعلموا انه معدن فاحتملوا ما أرادوا منه، فلما ركبوا اشتدّ عليهم البحر فرموا بجميع ما أخذوا منه، ثم تجهّز الناس بعد ذلك الى هذا الجبل فلم يعرفوه. ومثل هذا في البحر كثير لا يحصى من جزائر ممنوعة لا يعرفها البحريون، فمنها ما لا يقدرون عليه. وربما رؤي في هذا البحر سحاب أبيض يظل المراكب فيشرع منه لسان طويل رقيق حتى يلصق ذلك اللسان بماء البحر، فيغلى له ماء البحر مثل الزوبعة فإذا أدركت الزوبعة المركب ابتلعته، ثم يرتفع ذلك السحاب فيمطر مطرا فيه قذى البحر، فلا أدري أيستقى السحاب من البحر أم كيف هذا. وكلّ بحر من هذه البحار تهيج فيه ريح تثيره وتهيجه حتى يغلى كغليان القدور، فيقذف ما فيه الى الجزائر التي فيه ويكسر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 المراكب، ويقذف السمك الميّت الكبار العظام، وربما قذف الصّخور والجبال كما يقذف القوس السهم. وأما بحر هركند فله ريح غير هذه ما بين المغرب الى بنات نعش فيغلي لها البحر كغليان القدور ويقذف العنبر الكثير، وكلما كان البحر أغزر وأبعد قعرا كان العنبر أجود، وهذا البحر- أعني هركند- اذا عظمت أمواجه تراه مثل النّار يتّقد. وفي هذا البحر سمك يدعى اللخم «1» وهو سبع يبتلع الناس «2» في [أيديهم كل هذه] «3» فيقل المتاع، ومن أسباب قلة المتاع حريق ربّما وقع ب (خانفوا) «4» وهو مرفأ السفن، ومجتمع تجارات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 العرب، وأهل الصين، فيأتي الحريق على المتاع، وذلك أنّ بيوتهم هناك من خشب ومن قنا «1» مشقق، ومن أسباب ذلك أن تنكسر المراكب الصّادرة والواردة أو ينهبوا أو يضطرّوا إلى المقام الطويل فيبيعوا المتاع في غير بلاد العرب، وربما رمت بهم الرّيح إلى اليمن أو غيرها فيبيعون المتاع هناك، وربما أطالوا الإقامة لاصلاح مراكبهم وغير ذلك من العلل. وذكر سليمان التاجر أن في (خانفو) وهو مجتمع التجار رجلا مسلما يولّيه صاحب الصّين الحكم بين المسلمين الذين يقصدون الى تلك الناحية، يتوخى ملك الصين ذلك، واذا كان في العيد صلّى بالمسلمين وخطب ودعا لسلطان المسلمين، وان التجار العراقيين لا ينكرون من ولايته شيئا في أحكامه وعلمه بالحق وبما في كتاب الله عزّ وجل وأحكام الاسلام. فأما المواضع التي يردونها ويرقون اليها فذكروا أن أكثر السّفن الصينية تحمل من سيراف «2» وأن المتاع يحمل من البصرة وعمان وغيرها الى سيراف فيعبّا في السفن الصينيّة بسيراف وذلك لكثرة الأمواج في هذا البحر، وقلة الماء في مواضع منه. والمسافة بين البصرة وسيراف في الماء مائة وعشرون فرسخا فاذا عبّى المتاع بسيراف استعذبوا منها الماء، وخطفوا- وهذه لفظة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 يستعملها أهل البحر يعني يقلعون- الى موضع يقال له مسقط «1» وهو آخر عمل عمان، والمسافة من سيراف إليه نحو مائتي فرسخ. وفي شرقي هذا البحر فيما بين سيراف ومسقط من البلاد سيف بني الصفاق «2» وجزيرة ابن كاوان «3» ، وفي غربي هذا البحر جبال عمان وفيها الموضع الذي يسمى الدردور «4» وهو مضيق بين جبلين «5» تسلكه السفن الصغار ولا تسلكه السفن الصينية، وفيها الجبلان اللذان يقال لهما كسير وعوير «6» وليس يظهر منهما فوق الماء الا اليسير، فاذا جاوزنا «7» الجبال صرنا إلى موضع يقال له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 صحار «1» عمان فيستعذب الماء من مسقط من بئر بها، وهناك [جبل] «2» فيه غنم من بلاد عمان، فتخطف المراكب منها إلى بلاد الهند وتقصد الى كولم ملى «3» ، والمسافة من مسقط الى كولم ملي شهر على اعتدال الريح، وفي كولم ملي مسلحة «4» لبلاد كولم ملي تجيء السفن الصينية، وبها ماء عذب من آبار فيؤخذ من [السفن] الصينية ألف درهم، ومن غيرها من السفن ما بين عشرة دنانير الى [عشرين] «5» دينارا. وبين مسقط وبين كولم ملي وبين هركند نحو من شهر، وبكولم ملي يستعذبون الماء، ثم تخطف المراكب- اي تقلع- الى بحر هركند، فاذا جاوزوه صاروا الى موضع يقال له لنجبالوس «6» لا يفهمون لغة العرب ولا ما يعرفه التجار من اللغات، وهم قوم لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 يلبسون الثياب، بيضا كواسج «1» ، وذكروا أنهم لم يروا منهم النساء «2» ، وذلك أن رجالهم يخرجون اليهم من الجزيرة في زواريق منقورة من خشبة واحدة، ومعهم النارجيل، وقصب السكر والموز، وشراب النارجيل: وهو شراب أبيض، فاذا شرب ساعة يؤخذ من النارجيل، فهو حلو مثل العسل، فاذا ترك ساعة صار شرابا «3» وإن بقى أياما صار خلا، فيبيعون ذلك بالحديد، وربما وقع اليهم العنبر اليسير فيبيعونه بقطع الحديد، وانما يتبايعون بالإشارة يدا بيد إذ كانوا لا يفهمون اللغة، وهم حذّاق بالسّباحة فربما استلبوا من التجار الحديد ولا يعطونهم شيئا. ثم تخطف المراكب إلى موضع يقال له كلاة بار «4» المملكة والساحل كل يقال له كلاه بار وهى مملكة الزّابج «5» متيامنه عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 بلاد الهند يجمعهم ملك، ولباسهم الفوط «1» يلبس السرىّ «2» والدني منهم الفوطة الواحدة، ويستعذبون هناك الماء من آبار عذبة، وهم يؤثرون ماء الآبار على مياه العيون والمطر. ومسافة ما بين كولم وهي قريبة من هركند الى كله بار شهر، ثم تسير المراكب الى موضع يقال له بتومة «3» وبها ماء عذب لمن أراده، والمسافة إليها عشرة أيام. ثم تخطف المراكب الى موضع يقال له كدرنج «4» عشرة أيام، وفيها ماء عذب، لمن أراده، وكذلك جزائر الهند اذا احتفرت فيها الآبار وجد فيها الماء العذب، وبها جبل مشرف وربما كان فيه الهراب «5» من العبيد واللصوص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 ثم تسير «1» المراكب إلى موضع يقال له صنف «2» مسيرة عشرة أيام، وبها ماء عذب، ومنه يؤتي بالعود الصنفي، وبها ملك، وهم قوم سمر يلبس كل واحد منهم فوطتين، فإذا استعذبوا منها خطفوا الى موضع يقال له صندر فولات «3» وهي جزيرة في البحر، والمسافة اليها عشرة أيام، وفيها ماء عذب، ثم تخطف المراكب الى بحر يقال له صنجى «4» ثم إلى أبواب «5» الصين، وهى جبال في البحر بين كل جبلين فرجة تمرّ فيها المراكب [ثم إلى الصين] . فإذا سلّم الله من صندر فولات «6» خطف المراكب الى الصين في شهر إلّا ان الجبال التي تمرّ بها المراكب مسيرة سبعة أيام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 فإذا جاوزت السفينة الأبواب ودخلت الخور «1» صارت إلى ماء عذب إلى الموضع التي ترسى إليه من بلاد الصين، وهو يسمى خانفو: مدينة، وسائر الصين فيها الماء العذب من أنهار عذبة وأودية ومسالح واسواق في كل ناحية. وفيها مد وجزر مرتين في اليوم والليلة، الّا انّ المدّ يكون فيما يلي البصرة إلى جزيرة بنى كاوان «2» اذا توسط القمر السماء [واذا قابل وسط السماء] «3» ، ويكون الجزر عند طلوع القمر وعند مغيبه، والمدّ يكون بناحية الصين إلى قريب من جزيرة بني كاوان «4» اذا طلع القمر، فاذا توسّط السماء جزر الماء، فاذا غاب كان المدّ، فاذا كان في مقابلة وسط السماء جزر. [جزيرة ملجان] وذكروا: أن في جزيرة يقال له ملجان «5» فيما بين سرنديب وكله وذلك من بلاد الهند في شرقي البحر قوم من السودان عراة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 اذا وجدوا الانسان من غير بلادهم علقوه منكسا وقطّعوه وأكلوه نيّا، وعدد هؤلاء كثير، وهم في جزيرة واحدة، وليس لهم ملك، وغذاؤهم السمك والموز والنارجيل «1» وقصب السكر، ولهم [مواضع يأوون إليها] «2» شبيه بالغياض والآجام. [جراد الماء] وذكروا ان في ناحية البحر سمكا صغيرا طيارا يطير على وجه الماء يسمى جراد الماء وذكروا ان بناحية البحر سمكا يخرج حتى يصعد على النارجيل فيشرب ما في النارجيل من الماء ثم يعود إلى البحر «3» . [حيوان الكحل] وذكروا: أن في البحر حيوانا يشبه السرطان فاذا خرج من البحر صار حجرا، قال: يتخذ منه كحل لبعض علل العين. [جبل النار] وذكروا ان بقرب الزايج «4» جبلا يسمى جبل النار لا يقدر على الدنوّ منه، يظهر منه بالنهار دخان، وبالليل لهب نار، ويخرج من أسفله عين باردة عذبة، وعين حارة عذبة «5» . ولباس «6» أهل الصين الصغار والكبار الحرير، وفي الشتاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 والصيف، فأما الملوك فالجيّد من الحرير، ومن دونهم فعلى قدرهم، واذا كان الشتاء لبس «1» الرجل السراويلين «2» ، والثلاثة، والأربعة، والخمسة، وأكثر من ذلك على قدر ما يمكنهم، وانما قصدهم أن يدفوا أسافلهم لكثرة الندى وخوفهم منه، فأمّا الصيف فيلبسون القميص الواحد من الحرير ونحو ذلك ولا يلبسون العمائم وطعامهم الأرز، وربما طبخوا معه الكوشان «3» فصبّوه على الأرز فأكلوه، فأما الملوك منهم فيأكلون خبز الحنطة، واللحم من سائر الحيوان ومن الخنازير وغيرها. ولهم من الفاكهة التفاح، والخوخ، والأترج، والرمان، والسفرجل، والكمثرى، والموز، وقصب السكر، والبطيخ، والتين، والعنب، والقثاء، والخيار، والنبق، والجوز، واللوز، والجلوز «4» ، والفستق، والاجاص، والمشمش، والغبيراء «5» ، والنارجيل، وليس لهم فيها كثير نخل إلّا النخلة في دار أحدهم. وشرابهم النبيذ المعمول من الأرز، وليس في بلادهم خمر، ولا تحمل اليهم ولا يعرفونها ولا يشربونها ويعمل من الأرز الخلّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 والنبيذ والناطف «1» وما أشبه ذلك، وليس لهم نظافة ولا يستنجون بالماء اذا أحدثوا بل يمسحون ذلك بالقراطيس الصينية ويأكلون الميتة وما أشبهها مما يصنعه المجوس فان دينهم يشبه دين المجوس، ونساءهم يكشفن رؤوسهن ويجعلن فيها الأمشاط فربما كان في رأس المرأة «2» عشرون مشطا من العاج وغير ذلك، والرجال يغطون رؤوسهم بشيء يشبه القلانس، وسنتهم في اللصوص أن يقتل اللصّ اذا أصيب «3» . أخبار بلاد الهند والصّين أيضا وملوكها أهل الهند والصّين مجمعون على أن ملوك الدنيا المعدودين أربعة. فأول من يعدون من الأربعة: ملك العرب، وهو عندهم اجماع لا اختلاف بينهم فيه انه ملك أعظم الملوك وأكثرهم مالا وأبهاهم جمالا وانه ملك الدين الكبير الذي ليس فوقه شيء. ثم يعدّ ملك الصين نفسه بعد [الملك بلهرا] ملك العرب. ثم ملك الروم ثم بلهرا «4» ملك المخرّمى الآذان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 فأما بلهرا هذا فانه أشرف الهند، وهم له مقرّون بالشرف وكل ملك من ملوك الهند متفرد بملكه غير أنهم مقرون لهذا، فاذا وردت رسله على سائر الملوك صلّوا لرسله تعظيما له، وهو ملك يعطي العطاء كما تفعل العرب، وله الخيل والفيلة الكثيرة والمال الكثير، وماله دراهم تدعى الطاطريّة «1» ، وزن كل درهم درهم ونصف بسكة الملك، وتاريخة في سنة من مملكة «2» من كان قبله، ليس كسنة العرب من عصر النبي عليه السلام بل تاريخهم بالملوك، وملوكهم يعمّرون ربما ملك احدهم خمسين سنة، ويزعم أهل مملكة بلهرا: انما يطول مدة ملكهم وأعمارهم في الملك لمحبّتهم للعرب، وليس في الملوك أشد حبّا للعرب منه، وكذلك أهل مملكته. وبلهرا اسم لكل ملك منهم ككسرى ونحوه، وليس باسم لازم وملك بلهرا وأرضه أولها ساحل البحر وهي بلاد تدعى الكمكم «3» متصلة على الأرض الى الصين وحوله ملوك كثيرة يقاتلونه، غير انه يظهر عليهم. [ملك الجرز] فمنهم ملك يدعى ملك الجرز «4» وهو كثير الجيش ليس لأحد من الهند مثل خيله، وهو عدّو العرب غير انه مقرّ أن ملك العرب أعظم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 الملوك وليس أحد من الهند أعدى للإسلام منه، وهو على لسان من الأرض وأموالهم كثيرة وإبلهم ومواشيهم كثيرة، ويتبايعون بالفضة التبر، ويقال ان لهم معادن وليس في بلاد الهند آمن من السرقة «1» منها. [ملك الطافق] والى جانبه ملك الطافق وهو قليل المملكة ونساؤهم بيض أجمل نساء الهند، وهو ملك موادع لمن حوله لقلّة جيشه، وهو يحب العرب كحب بلهرا. [الملك رهمي] ويلي هؤلاء ملك يقال له درهرم «2» يقاتله ملك الجرز، وليس له شرف في الملك وهو أيضا يقاتل بلهرا كما يقاتل ملك الجرز، ورهمى هذا أكثر جيشا من ملك بلهرا ومن ملك الجرز ومن الطاقي «3» ، ويقال: انه اذا خرج الى القتال يخرج في نحو من خمسين ألف فيل «4» ، ولا يخرج الّا في الشتاء لأن الفيلة لا تصبر على العطش، فليس يسعه الّا الخروج في الشتاء، ويقال: ان قصارى عسكره نحو من عشرة ألف إلى خمس عشر الفا. وفي بلاده الثياب التي ليس لأحد مثلها، يدخل الثوب منها في حلقه خاتم دقة وحسنا، وهو من قطن، وقد رأينا بعضها، والذي ينفق في بلاده الودع وهو عين البلاد يعني مالها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وفي بلاده الذهب والفضة والعود والثياب الصمر «1» الذي يتخذ منه المذاب «2» [حيوان الكركدن] وفى بلاده البشان المعلم وهو الكركدن له في مقدم جبهته قرن واحد، وفى قرنه علامة «3» ، صورة خلقه كصورة الانسان في حكايته، القرن كلّه اسود والصورة بيضاء في وسطه، وهذا الكركدن دون الفيل في الخلقه الى السّواد ما هو، ويشبه الجاموس، قوى ليس كقوّته شى من الحيوان، وليس له مفصل في ركبته ولا في يده، وهو من لدن رجله الى ابطه قطعة واحدة، والفيل يهرب منه، وهو يجتر كما تجتر البقر والابل، ولحمه حلال قد أكلناه، وهو في هذه المملكة كثير في غياضهم وهو في سائر بلاد الهند، غير أن قرون هذا أجود، فربما كان في القرن صورة رجل [وصورة طاؤوس] وصورة سمكة وسائر الصور، وأهل الصين يتخذون منها المناطق وتبلغ المنطقة «4» ببلاد الصين ألفى دينار وثلاثة ألف وأكثر على قدر حسن الصورة، وهذا كله يشترى من بلاد دهرم بالودع وهو عين البلاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 [ملك الكاشبين] وبعده ملك داخل ليس له بحر يقال له ملك الكاشبين «1» وهم قوم بيض مخرّموا الآذان، ولهم جمال، وهم أصحاب بدو وجبال. [ملك القيرنج] وبعده بحر عليه ملك يقال له القيرنج «2» وهو ملك فقير فخور، يقع اليه العنبر الكثير، وله أنياب فيلة وعنده فلفل يوكل رطبا لقلّته. [ملوك آخرون] وبعد هذا ملوك كثيرة لا يعلم عددهم إلّا الله تبارك وتعالى، منهم الموجه «3» وهم قوم بيض يشبهون الصين في اللباس، ولهم مسك كثير، وفي بلادهم جبال بيض ليس شيء أطول منها، وهم يقاتلون ملوكا كثيرة حولهم، والمسك الذي يكون في بلادهم جيد بالغ. [ملوك المابد] ومن ورائهم ملوك المابد مدائنهم كثيرة، وهم إلى حيث الموجه وأكثر من الموجة غير ان المابد «4» أشبه بالصّين منهم، ولهم خدم خصيان مثل الصين عمّال عليهم، وبلادهم تتّصل ببلاد الصين وهم مصالحون لصاحب الصين، غير أنّهم لا يسمعون له. وللمابد في كل سنة رسل الى ملك الصين وهدايا، وكذلك ملك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 الصين يهدي إليه وبلادهم واسعة وإذا دخلت رسل المابد بلاد الصين حفظوا مخافة أن يغلبوا على بلادهم لكثرتهم، وليس بينهم وبين بلاد الصين إلّا جبال وعقاب. ويقال أن لملك الصين من أمهات المدائن أكثر من مائتي مدينة، ولكل مدينة ملك وخصى «1» وتحت كل مدينة مدائن فمن مدائنهم خانفو وهى مرسى السفن تحتها عشرون مدينة، وانّما تسمى مدينة اذا كان لها الجادم. [الجادم] والجادم «2» مثل البوق ينفخ فيه وهو طويل وغلظة ما يجمع الكفين جميعا، وهو مطلي بدواء الصينيات «3» وطوله ثلاث أو أربع أذرع، ورأسه دقيق بقدر ما يلتقمه الرجل، ويذهب صوته نحوا من ميل، ولكل مدينة أربعة، فعلى كل باب منها من الجادم خمسة تنفخ في أوقات من الليل والنهار، وعلى كل [باب] «4» مدينة عشرة طبول تضرب معه، وانما يفعل ذلك لتعلم طاعتهم للملك، وبه يعرفون أوقات الليل والنهار، ولهم علامات ووزن للساعات. [معاملات أهل الصين] ومعاملاتهم بالفلوس، وخزائنهم كخزائن الملوك، وليس لأحد من الملوك فلوس سواهم، وهى عين البلاد، ولهم الذهب والفضة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 واللؤلؤ والديباج والحرير، كل ذلك كثير عندهم، غير أن ذلك متاع، والفلوس عين، وتحمل اليهم العاج واللبان وسبائك النحاس، والذبل «1» من البحر وهي جلود ظهور السلاحف، وهذا البشان الذي وصفنا «2» ، هو الكركدن يتخذون من قرونه مناطق، ودوابهم كثيرة، وليس لهم خيل عربية بل غيرها، ولهم حمير وإبل كثيرة لها سنامان، ولهم الغضار الجيد، ويعمل منه أقداح في رقة القوارير يرى ضوء الماء فيه، وهو من غضار «3» . [معاملة أهل الصين للتجار] وإذا دخل البحريون من البحر قبض الصّينيون متاعهم، وصيّروه في البيوت وضمنوا الدرك إلى ستة أشهر إلى أن يدخل آخر البحريين، ثم يؤخذ من كل عشرة ثلاثة ويسلم الباقي إلى التجار، وما احتاج إليه السلطان أخذه بأغلى الثمن وعجّله، ولم يظلم فيه، ومما يأخذون الكافور المنا «4» ، بخمسين فكوّجا والفكوج ألف فلس، وهذا الكافور إذا لم يأخذه السلطان يساوي نصف الثمن خارجا. [عادة أهل الصين في الموت] وإذا مات الرجل من أهل الصين لم يدفن إلّا في اليوم الذي مات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 في مثله من قابل، يجعلونه في تابوت، ويخلّونه في منازلهم ويجعلون عليه النّورة «1» ، فتمصّ ماءه ويبقى، والملوك يجعلون في الصبر والكافور، ويبكون على موتاهم ثلاث سنين، ومن لم يبك ضرب بالخشب، كذلك النساء والرّجال، ويقولون: انه لم يحزنك ميّتك، ويدفنون في ضريح كضريح العرب، ولا يقطعون عنه الطّعام، ويزعمون انه يأكل ويشرب، وذلك انّهم يضعون عنده الطعام بالليل فيصبحون ولا يجدون منه شيئا، فيقولون قد أكل، ولا يزالون في البكاء والاطعام ما بقى الميت في منزلهم، فيفتقرون على موتاهم، فلا يبقى لهم نقد ولا ضيعة إلا أنفقوه عليه، وقد كانوا قبل هذا يدفنون الملك وما ملك من آلة بيته من ثياب ومناطق، ومناطقهم تبلغ مالا كثيرا، وقد تركوا ذلك الآن، وذلك انه نبش بعض موتاهم وأخذ ما كان معه. [عناية أهل الصين بتعلم الخط والكتابة] والفقير والغني من أهل الصين والصغير والكبير يتعلّم الخط والكتابة. [أسماء ملوكهم وعادتهم في الملك] واسم ملوكهم على قدر الجاه وكبر المدائن، فما كان من مدينة صغيرة يسمّى ملكها طوسنج «2» ، ومعنى طوسنج أقام المدينة، وما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 كان من مدينة مثل خانفو قاسم ملكها ديفو، والخصىّ يدعى الطوقام وخصيانهم منهم مسلولون، وقاضي القضاة يقال له لقشى مامكون «1» ونحو هذا من الأسماء مما لا نضبطه. وليس يملك أحد منهم لأقلّ من أربعين سنة، يقولون: قد حنّكته التجارب. والملوك الصغار إذا قعد أحدهم يقعد في مدينته على كرسيّ في بهو عظيم، وبين يديه كرسيّ وترفع إليه الكتب التي فيها أحكام الناس، ومن وراء الملك رجل قائم يدعى لينجون «2» اذا زلّ الملك في شى ممّا يأمر به وأخطأ ردّه، وليس يعبئون بالكلام ممّن يرفع اليهم دون أن يكتبه في كتاب، وقبل أن يدخل صاحب القصّة على الملك ينظر في كتابه رجل قائم بباب الدار ينظر في كتب الناس، فإن كان فيها خطأ ردّه، فليس يكتب إلى الملك الّا كاتب يعرف الحكم ويكتب الكاتب في الكتاب: كتبه فلان بن فلان، فان كان فيه خطأ رجع إلى الكاتب اللّوم فيضرب بالخشب، وليس يقعد الملك للحكم حتى يأكل ويشرب لئلا يغلط، وأرزاق كل ملك من بيت مال مدينته. فأمّا الملك الأكبر فلا يرى إلّا في كل عشرة أشهر، يقول إذا رآني النّاس استخفوا بيّ، والرّئاسات لا تقوم الّا بالتجبّر، وذلك أن العامة لا تعرف العدل فينبغي أن يستعمل معهم التجبّر لنعظم عندها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 وليس على أرضهم خراج ولكن عليهم جزية على الجماجم الذكور حسبما يرون من الأحوال، وان كان بها أحد من العرب أو غيرهم أخذ منه جزية ماله ليحرز ماله. وإذا غلا السعر «1» أخرج السلطان من خزائنه الطعام فباعه بأرخص من سعر السوق، فلا يبقى عندهم غلا، والذي يدخل بيت المال إنما هو من الجزية التي على رؤوسهم، وأظن أن الذي يدخل بيت مال خانفو في كل يوم خمسون ألف دينار على أنّها ليست بأعظم مدائنهم. ويختصّ الملك من المعادن بالملح، وحشيش، يشربونه بالماء الحارّ، ويباع منه في كل مدينة بمال عظيم، ويقال له الساخ «2» وهو أكثر ورقا من الرطبة «3» وأطيب قليلا وفيه مرارة فيغلى الماء ويذرّ عليه، فهو ينفعهم من كل شيء. وجميع ما يدخل بيت المال الجزية والملح وهذا الحشيش. وفي كل مدينة شى يدعى الدّرا وهو جرس على رأس ملك تلك المدينة مربوط بخيط ماد على ظهر الطريق للعامة كافة، وبين الملك وبينه نحو من فرسخ، فاذا حرّك الخيط الممدود أدنى حركة تحرّك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 الجرس، فمن كانت له ظلامة حرّك هذا الخيط فيتحرك الجرس منه على رأس الملك فيؤذن له بالدخول حتى ينهي حاله بنفسه ويشرح ظلامته، وجميع البلاد فيها مثل ذلك. ومن أراد سفرا من بعضها الى بعض أخذ كتابين من الملك ومن الخصّى «1» ، أما كتاب الملك فللطريق باسم الرجل واسم من معه وكم عمره وعمر من معه، ومن أي قبيلة هو، وجميع من ببلاد الصين من أهلها ومن العرب وغيرهم لابد لهم أن ينتموا الى شيء يعرفون به، وأما كتاب الخصّى فبالمال وما معه من المتاع، وذلك لأنّ في طريقهم مسالح «2» ينظرون في الكتابين، فإذا ورد عليهم الوارد كتبوا: ورد علينا فلان بن فلان الفلاني في يوم كذا، وشهر كذا وسنة كذا ومعه كذا، لئلا يذهب من مال الرجل ولا من متاعه شئ ضياعا، فمتى ما ذهب منه شئ أو مات، علم كيف ذهب، وردّ عليه أو على ورثته من بعده. [إنصاف أهل الصين في المعاملات] وأهل الصين ينصفون في المعاملات والديوان، فإذا كان لرجل على رجل دين كتب عليه كتابا، وكتب الذي عليه الدّين أيضا كتابا، وعلّمه بعلامة بين أصبعيه الوسطى والسبابة، ثم جمع الكتابان فطويا جميعا، ثم كتب على فصلهما، ثم فرق فأعطى الذي عليه الدين كتابه باقراره، فمتى جحد احدهما غريمه، قيل له: أحضر كتابك، فإن زعم الذي عليه الدّين انه لا شيء له ودفع كتابه بخطه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وعلامته وذهب كتاب صاحب الحق، قيل للجاحد الذي عليه الحق: أحضر كتابا بأنّ هذا الحق ليس عليك، فمتى ما بيّن عليك صاحب الحق الذي جحدته فعليك عشرون خشبة على الظهر، وعشرون ألف فكّوج فلوسا، والفكوج ألف فلس يكون ذلك قريبا من ألفى دينار، والعشرون الخشبه فيها موته، فليس يكاد أحد ببلاد الصين يعطى هذا من نفسه مخافة تلف النفس والمال، ولم نر أحدا أجاب إلى ذلك. وهم يتناصفون بينهم وليس يذهب لأحد حق ولا يتعاملون بشاهد ولا يمين. وإذا أفلس رجل بمال قوم فحبسه الغرماء بأموالهم عند السلطان، أخذ إقراره، فإن لبث في السجن شهرا أخرجه السلطان فنادى عليه: انّ هذا فلان بن فلان أفلس بمال فلان بن فلان فإن يكن له عند أحد وديعة أو كان له عقار أو رقيق أو ما يحيط بدينه أخرج في كل شهر فضرب خشبات على استه، لأنه أقام في الحبس يأكل ويشرب وله مال، فهو يضرب أقرّ له أحد بمال أو لم يقرّ له فهو يضرب على كل حال، يقال: ليس لك عمل الّا اخذ حقوق الناس والذهاب بها، ويقال له: احتل حقوق هؤلاء القوم فإن لم يكن له حيلة وصحّ عند السلطان أنه لا شيء له دعى الغرماء فأعطوا من بيت مال البغبون «1» وهو الملك الأعظم وانما سمى البغبون ومعناه ابن السماء، ونحن نسميه المغبون، ثم ينادى: من بايع هذا فعليه القتل، فليس يكاد يذهب لأحد مال، وأن علم أنّ له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 عند أحد مالا ولم يقرّ المودع بالمال قتل بالخشب، ولم يقل لصاحب المال شيء فيؤخذ المال ويقسم على الغرماء ولا يبايع بعد ذلك. [الحجر الذي فيه ذكر الأدوية] ولهم حجر منصوب طوله عشرة أذرع مكتوب فيه نقرا في الحجر ذكر الأدوية والادواء، داء كذا دواؤه كذا، فان كان الرجل فقيرا أعطى ثمن الدواء من بيت المال. وليس عليهم خراج في ضياعهم وإنما يؤخذ من الرءوس على قدر أموالهم وضياعهم، وإذا ولد لأحد ذكر كتب اسمه عند السلطان فإذا بلغ ثماني عشرة سنة أخذت منه الجزية، فإذا بلغ ثمانين سنة لم يؤخذ منه جزية وأجرى عليه من بيت المال، ويقولون: أخذنا منه شابا ونجرى «1» عليه شيخا. وفي كل مدينة كتّاب ومعلّم يعلم الفقراء، وأولادهم من بيت المال يأكلون، ونساؤهم مكشفات الشعور والرجال يغطون رؤوسهم. وبها قرية يقال لها تايوا في الجبل فهم قصر، وكلّ قصير ببلاد الصين ينسب إليها. وأهل الصين أهل جمال وطول وبياض نقي مشرّب حمرة، وهم أشدّ الناس سواد شعور، ونساؤهم يجزّون شعورهنّ. [ذكر بلاد الهند] وأمّا بلاد الهند فانّه اذا ادعى رجل على آخر دعوى يجب فيها القتل، قيل للمدّعي: أتحامله النار، فيقول: نعم، فتحمى حديدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 إحماء شديدا حتى يظهر النار فيها، ثم يقال له: إبسط يدك فتوضع على يده سبع ورقات من ورق شجر لهم، ثم توضع على يده الحديدة فوق الورق ثم يمشي بها مقبلا ومدبرا حتى يلقيها عن يده فيؤتى بكيس من جلود فيدخل يده فيه، ثم يختم بختم السلطان، فإذا كان بعد ثلاث أتي بأرز غير مقشّر فيقال له افركه، فان لم يكن في يده أثر فقد فلح ولا قتل عليه، ويغرّم الذي ادعى عليه منا من ذهب يقبضه السلطان لنفسه، وربّما اغلوا الماء في قدر حديد أو نحاس حتى لا يقدر أحد يدنوا منه ثم يطرح فيه خاتم حديد ويقال ادخل يدك فتناول الخاتم، وقد رأيت من ادخل يده وأخرجها صحيحة، ويغرم المدّعي أيضا منا من ذهب. [عادة أهل سرنديب في موت ملوكهم] وإذا مات الملك ببلاد سرنديب صيّر على عجله قريبا من الأرض وعلّق في مؤخرها مستلقيا على قفاه يجر شعر رأسه التراب عن الأرض، وامرأة بيدها مكنسة تحثو التراب على رأسه، وتنادي: أيها الناس هذا ملككم، بالأمس قد ملككم وكان أمره نافذا فيكم، وقد صار الى ما ترون من ترك الدنيا، وأخذ روحه ملك الموت، فلا تغترّوا بالحياة بعده، وكلام نحو هذا ثلاثة أيام، ثم يهيّأ له الصندل «1» والكافور والزعفران فيحرق به، ثم يرمي برماده في الريح «2» ، والهند كلّهم يحرقون موتاهم بالنار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 [عادات أهل الهند في إحراق موتاهم وعباداتهم] وسرنديب «1» أخر الجزائر وهى من بلاد الهند، وربما أحرق الملك فتدخل نساؤه النار فيحترقن معه، وان شئن لم يفعلن. وببلاد الهند من ينسب إلى السياحة في الغياض والجبال وقلّ ما يعاشر الناس ويأكل أحيانا الحشيش وثمر الغياض، ويجعل في احليله حلقه حديد لئلا يأتي النساء، ومنهم العريان، ومنهم من ينصب نفسه للشمس مستقبلها عريانا، إلا أن عليه شيئا من جلود النّمور، فقد رأيت رجلا منهم كما وصفت، ثم انصرفت وعدت بعد ست عشرة سنة، فرأيته على تلك الحال، فتعجّبت كيف لم تسل عينه من حر الشمس. [توارثهم الملك والصناعات] وأهل بيت المملكة في كلّ مملكة أهل بيت واحد لا يخرج عنهم الملك ولهم ولاة عهود، وكذلك أهل الكتابة والطبّ أهل بيوتات لا تكون تلك الصناعة الّا فيهم. وليس تنقاد ملوك الهند لملك واحد بل كل واحد ملك بلاده، وبلهرا ملك الملوك بالهند، فأمّا الصين فليس لهم ولاة عهود. [امتناع ملوك الهند عن اللهو والشراب] وأهل الصين أهل ملاه، وأهل الهند يعيبون الملاهي، ولا يتخذونها، ولا يشربون الشّراب ولا يأكلون الخلّ لأنّه من الشراب، وليس ذلك دين ولكن أنفه، ويقولون: أيّ ملك شرب الشراب فليس بملك، وذلك أنّ حولهم ملوكا يقاتلونهم، فيقولون: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 كيف يدبّر أمر ملكه من هو سكران «1» ، وربما اقتتلوا على الملك وذلك قليل، لم أر أحدا غلب أحدا على مملكته إلّا قوم تلو بلاد الفلفل، وإذا غلب ملك على مملكة ولّى عليها رجلا من أهل بيت الملك المغلوب، ويكون من تحت يده لا يرضى أهل تلك المملكة الّا بذلك. [أكل أهل الصين لحم ملوكهم] فأما بلاد الصين فربما جار الملك الذي من تحت يد الملك الأكبر فيذبحونه ويأكلونه، وكل من قتل بالسيف أكل الصينيون لحمه. وأهل الهند والصين اذا أرادوا التزويج تهانئوا بينهم، ثم تهادوا، ثم يشهرون التزويج بالصّنوج والطبول، وهدّيتهم من المال على قدر الامكان. واذا احضر الرجل منهم امراة فبغت، فعليها وعلى الباغي بها القتل في جميع بلاد الهند، وإن زنى رجل بامرأة اغتصبها نفسها قتل الرجل وحده فان فجر بامرأة على رضى منها قتلا جميعا. [حكمهم في حد السرقة] والسرقة «2» في جميع بلاد الصين والهند في القليل منه والكثير القتل، فأما الهند اذا سرق السارق فلسا فما فوقه أخذت خشبة طويلة فيحدّد طرفها ثم يعقد عليها على أسته حتى تخرج من حلقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وأهل الصين يلوطون بغلمان قد أقيموا لذلك بمنزلة زواني البددة «1» . [بناء أهل الصين والهند] وحيطان أهل الصين الخشب، وبناء أهل الهند حجارة وجصّ وآجرّ وطين، وكذلك ربّما كان بالصين أيضا، وليس الصين ولا الهند بأصحاب فرش. ويتزوج الرجل من الصين والهند ما شاء من النساء. وطعام الهند الأرز وطعام الصين الحنطة والأرز، وأهل الهند لا يأكلون الحنطة ولا يختتن الهند ولا الصين. [ديانة أهل الصين والهند] وأهل الصين يعبدون الاصنام ويصلّون لها ويتضرّعون اليها ولهم كتب دين. [عجائب متفرقة] والهند يطولون لحاهم ربّما أربت لحية أحدهم ثلاث أذرع، ولا يأخذون شواربهم، وأكثر أهل الصين لا لحالهم خلقة لأكثرهم. وأهل الهند اذا مات لأحدهم ميت حلق رأسه ولحيته. والهند اذا حبسوا رجلا أو لازموه منعوه الطّعام والشراب سبعة أيام وهم يتلازمون. ولأهل الصّين قضاة يحكمون بينهم دون العمّال وكذلك أهل الهند. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 والنمور والذئاب ببلاد الصين جميعا، فأما الأسد فليست بكلى الولايتين. ويقتل قاطع الطريق، وأهل الصين، والهند يزعمون أن البددة تكلمهم وانما يكلمهم عبّادهم. والصّين والهند يقتلون ما يريدون أكله ولا يذبحونه فيضربون هامته حتى يموت. ولا يغتسل الهند ولا الصين من جنابة، وأهل الصين لا يستنجون الا بالقراطيس، والهند يغتلسون كل يوم قبل الغدا ثم يأكلون. والهند لا يأتون النساء في الحيض ويخرجونهنّ عن منازلهم تقزّرا منهنّ. والصّين يأتونهنّ في الحيض ولا يخرجونهنّ. وأهل الهند يستاكون ولا يأكل احدهم حتى يستاك ويغتسل وليس يفعل ذلك أهل الصّين وبلاد الهند أوسع من بلاد الصين وهى أضعافها وعدد ملوكهم أكثر، وبلاد الصين أعمر، وليس للصين ولا للهند نخل ولهم سائر الشجر، وثمر ليس عندنا، والهند لا عنب لهم، وهو بالصين قليل، وسائر الفواكه عندهم كثيرة والرّمان بالهند أكثر. وليس لأهل الصّين علم وانما أصل ديانتهم من الهند، وهم يزعمون أنّ الهند وضعوا لهم البددة، وانهم هم أهل الدين، وكلا البلدين يرجعون إلى التناسخ ويختلفون في فروع دينهم «1» . والطبّ بالهند والفلاسفة ولأهل الصين أيضا طبّ، وأكثر طبّهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 الكىّ ولهم علم بالنجوم وذاك بالهند أكثر، ولا أعلم أحدا من الفريقين مسلما ولا يتكلم بالعربيّة. وللهند خيل قليل، وهى للصين أكثر، وليس للصين فيلة ولا يتركونها في بلادهم تشاؤما بها. وجنود ملك الهند كثيرة ولا يرزقون وإنما يدعوهم الملك الى الجهاد فيخرجون ينفقون من أموالهم ليس على الملك من ذلك شيء، فأمّا الصين فعطاؤهم كعطاء العرب. وبلاد الصّين أنزه وأحسن، وأكثر الهند لا مدائن لها، وأهل الصّين في كل موضع لهم مدينة محصّنة عظيمة، وبلاد الصين أصح وأقلّ أمراضا وأطيب هواء لا يكاد يرى بها أعمى ولا أعور ولا من به عاهة، وهكذا كثير ببلاد الهند. وأنهار البلدين جميعا عظام فيها ما هو أعظم من أنهارنا، والأمطار بالبلدين جميعا كثيرة. وفي بلاد الهند مفاوز كثيرة والصين كلها عمارة، وأهل الصّين أجمل من أهل الهند، وأشبه بالعرب في اللباس والدّواب، وهم في هيئتهم في مواكبهم شبيه بالعرب يلبسون الأقبية «1» والمناطق وأهل الهند يلبسون فوطتين، ويتحلّون باسورة الذهب والجوهر الرجال والنساء. ووراء بلاد الصين من الأرض التغزغز «2» وهم من الترك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 وخاقان «1» تبّت «2» هذا ممّا يلي بلاد الترك فأما ما يلي البحر فجزائر السيلا وهم بيض يهادون صاحب الصّين، ويزعمون انهم إن لم يهادوه لم تمطرهم السماء، ولم يبلغها أحد من اصحابنا فيحكى عنهم، ولهم بزاة بيض. تمّ الكتاب الأول نظر في هذا الكتاب الفقير محمد في سنة احدى عشر بعد ألف أحسن الله عاقبتها وما بعدها آمين اللهم اغفر لكاتبه ووالديه والمسلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 الكتاب الثاني من أخبار الصين والهند قال أبو زيد الحسن السيرافي: انّني نظرت في هذا الكتاب يعنى الكتاب الأول الذي أمرت بتأمله وإثبات ما وقفت عليه من أمر البحر وملوكه وأحوالهم وما عرفته من أحاديثهم ممّا لم يدخل فيه، فوجدت تاريخ الكتاب في سنة سبع وثلاثين ومائتين وأمور البحر في ذلك الوقت مستقيمة لكثرة اختلاف التجار اليها من العراق. [تكذيب المؤلف لخرافة أكل الموتى الطعام] ووجدت جميع ما حكى في الكتاب على سبيل حق وصدق، إلّا ما ذكر فيه من الطّعام الذي يقدّمه أهل الصين إلى الموتى منهم وانه إذا وضع بالليل عند الميت أصبحوا فلم يوجد وادعوا انه يأكله، فقد كان بلغنا هذا حتى ورد علينا من ناحيتهم من وثقنا بخبره فسألناه عن ذلك فأنكره، وقال: هى دعوى لا أصل لها كدعوى أهل الأوثان انّها تكلمهم. وقد تغيّر بعد هذا التاريخ أمر الصين خاصّة، وحدثت فيه حوادث انقطع لها الجهاز «1» اليهم وخرب البلد وزالت رسومه وتفرق أمره وأنا أشرح ما وقفت عليه من السّبب في ذلك إن شاء الله: السبب في تغيّر أمر الصين عما كان عليه من الاحكام والعدل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 وانقطاع الجهاز اليه من سيراف: انّ نابغا نبغ فيهم من غير بيت الملك يعرف ببابشو «1» وكان مبتدا أمره الشطارة «2» والفتوّة وحمل السلاح والعيث واجتماع السفهاء إليه حتى اشتدت شوكته وكثر عدده واستحكم طمعه، فقصد خانفو من بين مدن الصين، وهى المدينة التي يقصدها تجّار العرب، وبينها وبين البحر مسيرة أيام يسيرة، وهى على واد عظيم وماء عذب، فامتنع أهلها عليه فحاصرهم مدّة طويلة، وذلك في سنة اربع وستين ومائتين إلى أن ظفر بها، فوضع السيف في أهلها، فذكر أهل الخبرة بأمورهم: انّه قتل من المسلمين واليهود والنصارى والمجوس سوى من قتل من أهل الصين مائة وعشرون ألف رجل كانوا تبؤوا بهذه المدينة فصاروا بها تجارا، وانما عرف مقدار عدد هذه الملل الأربع لتحصيل أهل الصّين بعددهم، وقطع ما كان فيه من شجر التّوت وسائر الأشجار، وذكرنا شجر التّوت خصوصا لاعداد أهل الصين ورقه لدود القزّ حتى يلف الدود، فصار سببا لانقطاع الحرير خاصّة عن بلاد العرب. ثم قصد بعد تخريب خانفو إلى بلد بلد فأخربه، وعجز ملك الصين عنه إلى أن قارب مدينة الملك وتعرف بخمدان «3» فهرب الملك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 منه إلى مدينة بمذو متاخمة لبلاد التبت فأقام بها، ودامت أيام هذا النابغ وعظم شأنه، وكان قصده ووكده خراب المدن وقتل أهلها إذ لم يكن من بيت ملك ومن يطمع في اتّساق الأمر له، فبلغ من ذلك مبلغا فسد به أمر الصّين إلى وقتنا هذا، ولم تزل تلك حال هذا النابغ الى أن كتب ملك الصين الى ملك التغزغز من بلاد الترك وبينهم مجاورة ومصاهرة ووجّه إليه رسلا يسأله كشف هذا الرجل عنه فأنفد ملك التغزغز ابنا له إلى هذا النابغ «1» في عدد كثير وجموع وافرة فأزاله بعد حروب متصلة ووقائع عظيمة، فزعم قوم انه قتل، وزعم آخرون انّه مات، وعاد ملك الصّين إلى بلده المعروف بخمدان وقد أخربه عليه وعلى سبيل ضعف في نفسه ونقص في أمواله وهلاك قوّاده وصناديد رجاله وكفاته، وغلب مع ذلك على كل ناحية متغلب منع من أموالها وتمسّك بما في يده منها، فدعت ملك الصّين الضرورة لقصور يده إلى قبول العفو منهم بإظهار الطاعة والدعاء له دون السمع والطاعة في الأموال، وما كان من الملوك ينفذ فيه، فصارت بلاد الصّين على سبيل ما جرت عليه أحوال الأكاسرة عند قتل الاسكندر لدارا «2» الكبير وقسّمته أرض فارس على ملوك الطوائف، وصار بعضهم يعضد بعضا للمغالبة بغير أذن الملك ولا أمره، فاذا أناخ القوىّ منهم على الضعيف تغلّب على بلاده واجتاح ما فيه وأكل ناسه كلهم، وذلك مباح لهم في شريعتهم لأنهم يتبايعون لحوم الناس في اسواقهم، وامتدت أيديهم مع ذلك الى ظلم من قصدهم من التجار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 ولما حدث هذا فيهم التأم اليه ظهور الظلم والتعدى في نواخذة «1» العرب وأرباب المراكب فألزموا التجار ما لا يجب عليهم وغلبوهم على أموالهم واستجازوا ما لم يجر الرسم به قديما في شيء من أفعالهم، فنزع الله جلّ ذكره البركات منهم جميعا ومنع البحر جانبه ووقع الفناء بالمقدار الجاري من المدبّر تبارك اسمه في الربابنة «2» والادلاء» بسيراف وعمان. [بعض من أحكام أهل الصين في الجنايات] وذكر في الكتاب طرف من سنن أهل الصّين ولم يذكره غيره وهو سبيل المحصن والمحصنة عندهم اذا زنيا القتل، وكذلك اللص والقاتل، وسبيلهم في القتل، أن تشدّ يدا من يريدون قتله شدا وثيقا، ثم تطرح يداه في رأسه حتى يصيرا على عنقه، ثم تدخل رجله اليمنى فيما ينفذ من يده اليمنى، ورجله اليسرى فيما ينفذ من يده اليسرى، فتصير قدماه جميعا من ورائه ويتقبض ويبقى كالكرة لا حيلة له في نفسه ويستغني عن ممسك يمسكه، وعند ذلك تزول عنقه عن مركبها وتتزايل خرزات ظهره عن بطنها وتختلف وركاه ويتداخل بعضه في بعض ويضيق نفسه ويصير في حال لو ترك على ما هو به بعض ساعة لتلف، فإذا بلغ منه ضرب بخشبة لهم معروفة على مقاتله ضربات معروفة لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 تتجاوز فليس دون نفسه شيء، ثم يدفع إلى من يأكله. [ديوان الزواني] وفيهم نساء لا يردن الإحصان ويرغبن في الزنا، وسبيل هذه أن تحضر مجلس صاحب الشرط فتذكر زهدها في الاحصان ورغبتها في الدخول في جملة الزواني، وتسأل حملها على الرسم في مثلها، ومن رسمهم فيمن أراد ذلك من النساء أن تكتب نسبها وحليتها وموضع منزلها وتثبت في ديوان الزواني، وتجعل في عنقها خيط فيه خاتم من نحاس مطبوع بخاتم الملك ويدفع اليها منشور يذكر فيه دخولها في جملة الزواني وأن عليها لبيت المال في كل سنة كذا وكذا فلسا، وإنّ من تزوّجها فعليه القتل، فتؤدي في كلّ سنة ما عليها ويزول الانكار عنها. فهذه الطبقة من النساء يرحن بالعشيات عليهنّ ألوان الثياب من غير استتار فيصرن إلى من طرا إلى تلك البلاد من الغرباء من أهل الفسق والفساد وأهل الصّين، فيقمن عندهم وينصرفن بالغدوات، ونحن نحمد الله على ما طهّرنا به من هذه الفتن. [معاملات أهل الصين بالفلوس والتجارة] وأما تعاملهم بالفلوس، فالسبب فيه انكارهم على المتعاملين بالدنانير والدراهم: أنّ لصّا لو دخل منزل رجل من العرب المتعاملين بالدنانير والدراهم لتهيأ له حمل عشرة آلاف دينار ومثلها من الورق على عنقه، فيكون فيها عطب صاحب المال، وأنّ لصّا لو دخل إلى رجل منهم لم يحمل أكثر من عشرة آلاف فلس، وإنما ذلك عشرة مثاقيل ذهب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 [فلوس أهل الصين] وهذه الفلوس معمولة من نحاس وأخلاط من غيره معجونه به، والفلس منها في قدر الدرهم البغلي «1» ، وفي وسطه ثقب واسع ليفرد الخيط فيه، وقيمة كل ألف فلس منها مثقال من ذهب، وينظم الخيط منها ألف فلس على رأس كلّ مائة عقدة، فإذا ابتاع المبتاع ضياعا أو متاعا أو بقلا فما فوقه دفع من هذه الفلوس على قدر الثمن، وهى موجوده بسيراف وعليها نقش بكتابتهم. [طريقة أهل الصين في بناء بيوتهم] وأمّا الحريق ببلاد الصّين والبناء وما ذكر فيه فالبلد مبنّى على ما قيل من خشب ومن قنا مشبّك على مثال الشقاق القصب، عندنا ويليّط بالطين وبعلاج لهم يتخذونه من حب الشهدانج (128) «2» فيصير في بياض اللبن، وتدهن به الجدر فيشرق اشراقا عجيبا، وليس لبيوتهم عتب (129) «3» لأن أملاكهم وذخائرهم وما تحويه أيديهم في صناديق مركبة على عجل تدور بها، فإذا وقع الحريق دفعت تلك الصناديق بما فيها فلم يمنعها العتب من سرعة النفوذ. [خدم ملوك الصين وخصيانهم] وأما أمر الخدم فذكر مجملا وانما هم ولاة الخراج وأبواب المال، فمنهم من قد سبى من الأطراف فخصى، ومنهم من يخصيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 والده من أهل الصّين ويهديه إلى الملك تقرّبا به إليه، فأمور الملك في خاصّته وخزائنه ومن يتوجه إلى مدينة خانفو التي يقصد اليها تجار العرب هم الخدم، ومن سننهم في ركوب هؤلاء الخدم وملوك سائر المدن إذا ركبوا: أن يتقدمهم رجال بخشب تشبه النواقيس يضربون بها، فيسمع من بعد فلا يقف أحد من الرعية في شيء من ذلك الطريق الذي يريد الخادم أو الملك أن يمرّ فيه، ومن كان على باب دار دخلها وأغلق الباب دونه، حتّى يكون اجتياز الخادم أو الملك المملك على تلك المدينة، وليس في طريقه أحد من العامّة ترهيبا وتجبرا، ولئلا يكثر نظر العامة إليهم ولا يمتدّ لسان آحد إلى الكلام معهم. «1» [حذق أهل الصين في صناعة الحريري وغيرها] ولباس خدمهم ووجوه قوّادهم فاخر الحرير الذي لا يحمل مثله إلى بلاد العرب عندهم ومبالغتهم في أثمانه. وذكر رجل من وجوه التجار ومن لا يشكّ في خبره: أنّه صار إلى خصىّ كان الملك أنفذه إلى مدينة خانفو لتخيّر ما يحتاج إليه من الأمتعة الواردة من بلاد العرب، فرأى على صدره خالا يشفّ من تحت ثياب حرير كانت عليه، فقدّر أنّه قد ضاعف بين ثوبين منها فلما ألحّ في النّظر، قال له الخصى: أراك تديم النظر إلي صدري فلم ذلك، فقال له الرجل: عجبت من خال يشفّ من تحت هذه الثياب، فضحك الخصىّ ثم طرح كمّ قميصه إلى الرجل، وقال له: أعدد ما علىّ منها، فوجدها خمسة أقبية بعضها فوق بعض والخال يشفّ من تحتها. والذي هذه صفته من الحرير خام غير مقصور، والذي يلبسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 [حذق أهل الصين في دقيق الصناعات] «1» وأهل الصين من احذق خلق الله كفّا بنقش وصناعة وكلّ عمل لا يقدمهم فيه أحد من سائر الأمم، والرجل منهم يصنع بيده ما يقدّر أنّ غيره يعجز عنه، فيقصد به باب الملك يلتمس الجزاء على لطيف ما ابتدع، فيأمر الملك بنصبه على بابه من وقته ذلك إلى سنة، فان لم يخرج أحد فيه عيبا جازاه وأدخله في جملة صنّاعه، وان أخرج فيه عيب اطّرحه ولم يجازه. وأن رجلا منهم صوّر سنبلة عليها عصفور في ثوب حرير لا يشكّ الناظر إليها أنها سنبلة وأن عصفورا عليها، فبقيت مدّة وانّه اجتاز بها رجل أحدب فعابها، فأدخل إلى ملك ذلك البلد وحضر صانعها فسأل الأحدب عن العيب، فقال: المتعارف عند النّاس جميعا انّه لا يقع عصفور على سنبلة إلّا أمالها، وأن هذا المصوّر صوّر السنبلة قائمة لا ميل لها، وأثبت العصفور فوقها منتصبا فأخطأ فصدّق ولم يثبت الملك صانعها بشيء، وقصدهم في هذا وشبهه رياضة من يعمل هذه الأشياء ليضطرهم ذلك إلى شدّة الاحتراز وإعمال الفكر فيما يصنع كل منهم بيده. [قصة ابن وهب القرشي وما وقع له مع ملك الصين] «2» وقد كان بالبصرة رجل من قريش يعرف بابن وهب من ولد هبّار «3» بن الاسود، خرج منها عند خرابها فوقع إلى سيراف، وكان فيها مركب يريد بلاد الصّين فنزعت به همّته بالمقدار الجاري على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 أن ركب في ذلك المركب إلى بلاد الصّين ثم نزعت به همّته إلى قصد ملكها الكبير، فسار إلى خمدان في مقدار شهرين من المدينة المعروفة بخانفو، وأقام بباب الملك مدّة طويلة يرفع الرقاع ويذكر انّه من أهل بيت نبوة العرب، فأمر الملك بعد هذه المدّة بإنزاله في بعض المساكن وإزاحة علّته فيما يحتاج إليه، وكتب الملك إلى الوالي المستخلف المقيم بخانفو يأمره بالبحث ومسألة التجار عمّا يدّعيه الرجل من قرابة نبي العرب صلى الله عليه وسلم، فكتب صاحب خانفو بصحة نسبه فأذن له ووصله بمال واسع عاد به إلى العراق، وكان شيخا فهما، فأخبرنا: أنّه لمّا وصل إليه وسأله عن العرب، وكيف أزالوا ملك العجم، فقال له بالله جل ذكره وبما كانت العجم عليه من عبادة النيران والسّجود للشمس وللقمر من دون الله، فقال له: لقد غلبت العرب على أجل الممالك وأوسعها ريفا وأكثرها أموالا وأعقلها رجالا وأبعدها صوتا، ثم قال له: فما منزلة سائر الملوك عندكم فقال ما لي بهم علم، فقال للترجمان: قل له إنا نعدّ الملوك خمسة فأوسعهم ملكا الذي يملك العراق لأنّه في وسط الدنيا، والملوك محدقة به، ونجد اسمه عندنا ملك الملوك وبعده ملكنا هذا ونجده عندنا ملك الناس لأنه لا أحد من الملوك أسوس منّا ولا أضبط لملكة من ضبطنا لملكنا، ولا رعيّة من الرعايا أطوع لملوكها من رعيّتنا، فنحن ملوك الناس، ومن بعدنا ملك السّباع وهو ملك التّرك الذي يلينا، وبعدهم ملك الفيلة وهو ملك الهند، ونجد عندنا ملك الحكمة لأن أصلها منهم، وبعده ملك الروم، وهو عندنا ملك الرّجال، لأنّه ليس في الأرض أتمّ خلقا من رجاله ولا احسن وجوها، فهؤلاء أعيان الملوك، والباقون دونهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 ثم قال للترجمان قل له أتعرف صاحبك أن رأيته يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وكيف لى برؤيته وهو عند الله جلّ وعزّ، فقال: لم أرد هذا انما أردت صورته، فقال أجل فأمر بسفط فأخرج فوضع بين يديه فتناول منه درجا، وقال للترجمان: أره صاحبه فرأيت في الدرج صور الأنبياء فحركت شفتي بالصلاة عليهم، ولم يكن عنده أني أعرفهم، فقال للترجمان: سله عن تحريك شفته، فسألني، فقلت: أصلي على الأنبياء فقال من أين عرفتهم، فقلت مما صوّر من أمرهم، هذا نوح في السفينة ينجوا بمن معه لمّا أمر الله جل ذكره الماء فغمر الأرض كلها ممن فيها وسلّمه ومن معه، فضحك وقال: أمّا نوح فقد صدقت في تسميته، وأمّا غرق الأرض كلها فلا نعرفه وانّما أخذ الطوفان قطعة من الأرض ولم يصل إلى أرضنا ولا أرض الهند، قال ابن وهب: فتهيّبت الرّد عليه وإقامة الحجة لعلمى بدفعه ذلك، ثم قلت: هذا موسى وعصاه وبنو إسرائيل، فقال: نعم على قلّة البلد الذي كان به وفساد قومه عليه، فقلت: وهذا عيسى على حمار والحواريون معه، فقال: لقد كان قصير المدّة انّما كان أمره يزيد على ثلاثين شهرا شيئا يسيرا وعدّد من أمر سائر الأنبياء ما اقتصرنا على ذكر بعضه، وزعم انه رأى فوق كلّ صورة لنبيّ كتابة طويلة قدّر انّ فيها ذكر أسماءهم ومواقع بلدانهم وأسباب نبؤاتهم، ثمّ قال: رأيت صورة النبي صلّى الله عليه وسلّم على جمل وأصحابه محدقون به على إبلهم في أرجلهم نعال عربيّة وفي أوساطهم مساويك مشدودة، فبكيت، فقال للترجمان: سله عن بكائه فقلت هذا نبيّنا وسيّدنا وابن عمّي عليه السلام، فقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 صدقت لقد ملك هو وقومه أجل الممالك الّا انّه لم يعاين ما ملك وانّما عاينه من بعده، ورأيت صور أنبياء ذوى عدد كثير، منهم من قد أشار بيده اليمنى وجمع بين الابهام والسبابة كأنّه يومئ في اشارته إلى الحق، ومنهم قائم على رجله مشير بأصابعه إلى السماء، وغير ذلك، زعم الترجمان انّهم من أنبيائهم وأنبياء الهند، ثم سألني عن الخلفاء وزيّهم وكثير من الشرائع ووجوهها على قدر ما اعلم منها، ثمّ قال: كم عمر الدّنيا عندكم، فقلت قد اختلف فيه فبعض يقول: ستّة آلاف سنة وبعض يقول دونها، وبعض يقول أكثر منها إلّا بيسير، فضحك ضحكا كثيرا ووزيره أيضا واقف دلّ على انكاره ذلك، وقال: ما أحسب نبيكم قال هذا، فزللت وقلت: بلى هو قال ذلك، فرأيت الانكار في وجهه، ثم قال للترجمان: قل له ميّز كلامك فانّ الملوك لا تكلّم الّا عن تحصيل، أمّا ما زعمت أنّكم تختلفون في ذلك فانّكم انّما اختلفتم في قول نبيّكم، وما قالته الأنبياء لا يجب ان يختلف فيه بل هو مسلّم فاحذر هذا وشبهه أن تحكيه، وذكر أشياء كثيرة قد ذهبت عنّي لطول العهد، ثمّ قال لي: لم عدلت عن ملك وهو أقرب اليك منّا دارا ونسبا، فقلت: بما حدث على البصرة ووقوعي إلى سيراف ونظري إلى مركب ينفذ إلى الصّين وما بلغني من جلال ملك الصّين وكثرة الخير به فأحببت الوقوع إلى تلك الناحية ومشاهدتها، وأنا راجع عنها إلى بلادي وملك ابن عمّي ومخبر بما شاهدت من جلال هذا الملك وسعة هذه البلاد، وسأقول بكلّ حسن واثنى بكلّ جميل، فسرّه ذلك وأمر لى بالجائزة السنية، وبحملى على بغال البريد الى مدينة خانفو، وكتب الى ملكها باكرامي وتقديمي على جميع من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 في ناحيته من سائر الملوك، وإقامة النزل لى الى وقت خروجي، فكنت في أخصب عيش وأنعمه، الى أن خرجت من بلاد الصّين. [مدينة خمدان ومقر الملك] فسألناه عن مدينة خمدان التي بها الملك وصفتها، فذكر سعة البلد وكثرة أهله وأنّه مقسوم على قسمين يفصل بينهما شارع طويل عريض، فالملك ووزيره وجنوده وقاضي القضاة وخصيان الملك وجميع أسبابه في الشقّ الأيمن منه وما يلي المشرق لا يخالطهم أحد من العامّة ولا فيه شيء من الأسواق بأنهار في سككهم مطرّدة، وأشجار عليها منتظمة ومنازل فسيحة. وفي الشقّ الأيسر مما يلي المغرب: الرعيّة والتجار والميرة والأسواق، واذا وضح النهار رأيت قهارمة «1» الملك وأسبابه وغلمان داره، وغلمان القواد ووكلائهم من بين راكب وراجل قد دخلوا الى الشقّ الذي فيه الأسواق والتجار فأخذوا وظائفهم وحوائجهم، ثمّ انصرفوا فلم يعد أحد منهم الى هذا الشقّ الّا في اليوم الثاني «2» . وأن بهذا البلد من كلّ نزهة وغيضة حسنة وأنهار مطرّدة الا النخل فانّه معدوم. [اتصال بحر الصّين والهند ببحر الشام «3» ] وممّا حدث في زماننا هذا ولم يعرفه من تقدّمنا انه لم يكن أحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 يقدّر أنّ البحر الذي عليه بحر الصين والهند يتّصل ببحر الشّام ولا يقوم في أنفسهم حتى كان في عصرنا هذا، فانّه بلغنا انّه وجد في بحر الرّوم خشب مراكب العرب المخروزة التي قد تكسّرت بأهلها فقطّعها الموج وساقتها الرّياح بأمواج البحر فقذفته إلى بحر الخزر، ثمّ جرى في خليج الرّوم ونفذ منه إلى بحر الرّوم والشّام، فدلّ هذا على أن البحر يدور على بلاد الصّين والسّيلا «1» وظهر بلاد الترك والخزر، ثمّ يصب في الخليج ويفضى إلى بلاد الشّام، وذلك إنّ الخشب «2» المخروز لا يكون الّا لمراكب سيراف خاصّة، ومراكب الشّام، والرّوم مسمورة غير مخروزة. وبلغنا أيضا أنّه وجد في بحر الشّام عنبر وهذا من المستنكر وما لم يعرف في قدم الدهور، ولا يجوز إن كان ما قيل حقّا أن يكون العنبر وقع الى بحر الشّام إلّا من بحر عدن والقلزم، وهو البحر الذي يتّصل بالبحار التى يكون فيها العنبر لأن الله جلّ ذكره قد جعل بين البحرين حاجزا، بل هو إن كان صحيحا ممّا يقذفه بحر الهند إلى سائر البحار واحدا بعد واحد حتى يفضى به إلى بحر الشّام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 [ذكر مدينة الزّابج] ثم نبتدى بذكر مدينة الزابج «1» اذ كانت تحاذى بلاد الصّين وبينهما مسيرة شهر في البحر وأقلّ من ذلك اذا ساعدت الرّياح، وملكها يعرف بالمهراج «2» ، ويقال: أنّ تكسيرها «3» تسعمائة فرسخ، وهذا الملك مملك على جزائر كثيرة يكون مقدار مسافة ملكه ألف فرسخ وأكثر، وفي مملكته جزيرة تعرف بسريرة «4» تكسيرها على ما يذكرون أربعمائة فرسخ، وجزيرة أيضا تعرف بالرامى «5» تكسيرها ثمانمائة فرسخ، فيها منابت البقّم والكافور وغيره، وفي مملكته جزيرة كله وهى المنصّف بين أراضى الصّين وأرض العرب وتكسيرها على ما يذكرون ثمانون فرسخا، وبكله مجمع الأمتعة من الأعواد والكافور والصّندل والعاج والرّصاص القلعي والأبنوس والبقّم والأفاويه كلها، وغير ذلك ممّا يتسع ويطول شرحه، والجهاز من عمان في هذا الوقت اليها، ومنها الى عمان واقع، وأمر المهراج نافذ في هذه الجزائر، وجزيرته التي هو بها في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 غاية الخصب وعمارتها منتظمة. وذكر من يوثق بقوله: أنّ الدّيكة اذا غرّدت في الاسحار للأوقات كتغريدها عندنا تجاوبت الى مائة فرسخ وما فوقها يجاوب بعضها بعضا لاتّصال القرى وانتظامها، وانّه لا مفاوز فيها، ولا خراب، وانّ المتنقّل في بلادهم اذا سافر وركب الظّهر سار إذا شاء، فإذا ملّ وكلّ الظهر نزل حيث شاء. [قاعدة المهراج في خزن الذهب وتفريقه] ومن عجيب ما بلغنا من أحاديث هذه الجزيرة المعروفة بالزابج أنّ ملكا من ملوكهم في قديم الأيام، وهو المهراج وقصره على ثلاج يأخذ من البحر، ومعنى الثلاج واد كدجلة مدينة السلام «1» ، والبصرة، يغلب عليه ماء البحر بالمد وينضب عنه الماء العذب بالجزر، ومنه غدير صغير يلاصق قصر الملك، فإذا كان في صبيحة «2» كلّ يوم دخل قهرمان الملك ومعه لبنة قد سبكها من ذهب فيها أمنا «3» ، قد خفى عنّي مبلغها، فيطرحها بين يدي الملك في ذلك الغدير، فإذا كان المدّ علاها وما كان مجتمعا معها من أمثالها غمرها، فإذا كان الجزر نضب عنها فأظهرها فلاحت في الشّمس، والملك مطلع عليها عند جلوسه في المجلس المطلّ عليها، فلا تزال تلك حالة يطرح في كل يوم في ذلك الغدير لبنة من ذهب ما عاش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 ذلك الملك من الزمان لا يمسّ شيء، منه فاذا مات الملك أخرجها القائم من بعده كلّها فلم يدع منها شيئا، وأحصيت ثمّ أذيبت وفرّقت على أهل بيت المملكة رجالهم ونسائهم وأولادهم وقوّادهم وخدمهم على قدر منازلهم ورسوم لهم في كلّ صنف منهم، فما فضل بعد ذلك فضّ على أهل المسكنة والضعف، ثمّ دون عدد اللّبن الذهب ووزنه، وقيل انّ فلانا ملك من الزمان كذا وكذا سنة، وخلّف من لبن الذهب في غدير الملوك كذا وكذا لبنة، وانها فرقت بعد وفاته في أهل مملكته، فالفخر عندهم لمن امتدت أيام ملكه وزاد عدد اللبن الذهب في تركته. [ملك القمار] ومن أخبارهم في القديم أن ملكا من ملوك القمار «1» وهى الأرض التي يجلب منها العود «2» القمارى، وليست بجزيرة بل هى على ما يلي أرض العرب وليس في شيء من الممالك أكثر عددا من أهل القمار، وهم رحّالة، كلهم يحرّمون الزّنا والأنبذة كلّها، فلا يكون في بلادهم ومملكتهم شيء منه، وهى مسامته لمملكة المهراج والجزيرة المعروفة بالزايج، وبينهما مسافة عشرة أيام إلى عشرين يوما عرضا في البحر إذا كانت الرّيح متوسّطة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 [حديث ملك القمار وزيره وقصته مع ملك الزايج] فقيل انّ هذا الملك تقلّد الملك على القمار في قديم الأيام، وهو حدث متسرع، وانّه جلس يوما في قصره وهو مشرف على واد يجري بالماء العذب ك (دجلة) العراق، وبين قصره والبحر مسيرة يوم، ووزيره بين يديه، إذ قال لوزيره- وقد جرى ذكر مملكة المهراج وجلالتها وكثرة عمارتها وما تحت يده من الجزائر- في نفسي شهوة كنت أحبّ بلوغها، فقال له الوزير- وكان ناصحا وقد علم منه السرعة- ما هي أيّها الملك، قال: كنت أحبّ أن أرى رأس المهراج ملك الزايج في طست بين يديّ، فعلم الوزير أنّ الحسد أثار هذا الفكر في نفسه، فقال: أيّها الملك ما كنت أحبّ أن يحدّث الملك نفسه بمثل هذا إذ لم يجر بيننا وبين هؤلاء القوم لا في فعل ولا في حديث ترة «1» ، ولا رأينا منهم شرّا، وهم في جزيرة نائية غير مجاورة لنا في أرضنا، ولا طامعين في ملكنا، وليس ينبغي أن يقف على هذا الكلام أحد ولا يعيد الملك فيه قولا، فغضب ولم يسمع من الناصح، وأذاع ذلك لقوّاده ومن كان يحضره من وجوه أصحابه، فتناقلته الألسن حتّى شاع واتّصل بالمهراج وكان جزلا «2» متحرّكا محنّكا، قد بلغ في السنّ مبلغا متوسّطا، فدعا بوزيره، وأخبره مما اتّصل به، وقال له: ليس يجبّ مما شاع من أمر هذا الجاهل وتمنّيه ما تمناه بحداثة سنّه وغرّته وانتشار ذلك من قوله أن نمسك عنه، فانّ ذلك مما يفتّ في عضد الملك وينقصه ويضع منه وأمره بستر ما جرى بينهما، وأن يعدّ له ألف مركب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 من أوساط المراكب بآلاتها، ويندب لكلّ مركب منها من جملة السّلاح وشجعان الرّجال من يستقلّ به، وأظهر انّه يريد التنزّه في الجزائر التي في مملكته، وكتب إلى الملوك الذين في هذه الجزائر وهم في طاعته، وجملته بما عزم عليه من زيارتهم والتنزه بجزائرهم حتى شاع ذلك، وتأهب ملك كل جزيرة لما يصلح للمهراج، فلمّا استتب أمره وانتظم دخل في المراكب وعبر بها وبالجيش الى مملكة القمار وهو وأصحابه أهل سواك دائم، يفعل الرجل منهم ذلك في اليوم مرّات، وسواك كلّ واحد منهم معه لا يفارقه أو مع غلامه، فلم يشعر به ملك القمار حتّى هجم على الوادي المفضى إلى دار ملك القمار، وطرح رجاله فأحدقوا به على سبيل غرّة فأخذه واحتوى على داره، وطار أهل المملكة من بين يديه، فأمر بالنداء بالأمان، وقعد على السّرير الذي كان يجلس عليه ملك القمار، وقد أخذه أسيرا فأحضره وأحضر وزيره، فقال لملك القمار: ما حملك على تمنّي ما ليس في وسعك ولا لك فيه حظ لو نلته، ولا أوجبه سبب يسهّل السبيل إليه، فلم يحر جوابا، ثمّ قال له المهراج: أمّا انّك لو تمنّيت مما تمنّيته من النظر إلى رأسي في طست بين يديك إباحة أرضي وملكها أو الفساد في شيء منها لاستعملت ذلك كلّه فيك، لكنّك تمنّيت شيئا بعينه، فأنا فاعله بك وراجع إلى بلدي من غير أن أمدّ يدا إلى شيء من بلادك ممّا جلّ ودقّ لتكون عظة لمن بعدك ولا يتجاوز كلّ قدره وما قسم له، وأن يستغنم العافية من لبسته، ثمّ ضرب عنقه. ثمّ أقبل على وزيره، فقال له: جزيت خيرا من وزير، فقد صح عندي انّك أشرت على صاحبك بالرأى لو قبل منك، فانظر من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 يصلح للملك من بعد هذا الجاهل فأقمه مقامه. وانصرف من ساعته راجعا إلى بلاده من غير أن يمدّ هو ولا أحد من أصحابه يده إلى شيء من بلاد القمار. فلمّا رجع إلي مملكته قعد على سريره وأشرف على غديره ووضع الطست بين يديه وفيها رأس ملك القمار، وأحضر وجوه مملكته وحدّثهم بخبره والسّبب الذي حمله على ما أقدم عليه، فدعا له أهل مملكته وجزوه خيرا، ثم أمر بالرأس فغسل وطيّب وجعله في ظرف وردّه إلى الملك الذي قام بالأمر ببلاد القمار من بعد الملك المقتول. وكتب إليه: أن الذي حملني على ما فعلناه بصاحبك بغيه علينا وتأديبنا لأمثاله، وقد بلغنا منه ما أراده بنا، ورأينا ردّ الرأس إليك اذ لا درك لنا في حبسه ولا فخر بما ظفرنا به منه. واتّصل الخبر بملوك الهند والصّين فعظم المهراج في أعينهم وصارت ملوك القمار من بعد ذلك كلّما أصبحت قامت وحوّلت وجوهها نحو بلاد الزايج فسجدت وكفّرت للمهراج تعظيما. وسائر ملوك الهند والصّين يقولون بالتناسخ ويدينون به، وذكر بعض من يوثق بخبره انّ ملكا من ملوكهم جدّر «1» فلمّا خرج من الجدري نظر في المرآة فاستقبح وجهه فأبصر ابنا لأخيه، فقال له: ليس مثلي أقام في هذا الجسم علي تغيره وانّما هو ظرف للرّوح متى زال عنه عاد في غيره فقم بالملك فانّي مزيل بين جسمي وروحي إلى أن انحدر في جسم غيره، ثم دعا بخنجر له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 مشحوذ قاطع فأمر به فحزّ رأسه ثمّ أحرق. رجع الى اخبار الصّين وذكر بعض أمورهم كان أهل الصّين من شدّة التفقّد لأمرهم في قديم أيامهم وقبل تغيّره في هذا الوقت على حالة لم يسمع بمثلها. [خبر التاجر الخراساني مع خصي الملك] وقد كان رجل من أهل خراسان «1» ورد العراق فابتاع متاعا كثيرا وخرج إلى بلاد الصّين، وكان فيه بخل وشح شديد، فجرى بينه وبين خصيّ للملك كان أنفده إلى خانفو وهى المدينة التي تقصدها تجار العرب لأخذ ما يحتاج إليه ممّا يرد في المراكب- وكان هذا الخصيّ من أجل خدم الملك وإليه خزائنه وأمواله- مشاجرة في أمتعة العاج وغيره، امتنع عن بيعها حتّى شرق الأمر بينهما، وحمل الخصيّ نفسه على انتزاع خيار الأمتعة التي كانت معه واستهان بأمره، فشخص مستخفيا حتّى ورد خمدان، وهو بلد الملك الكبير في مقدار شهرين من الزّمان وأكثر، فخرج إلى السلسلة التّي وصفت في الكتاب، وسبيل من حرّكها على الملك الكبير أن يباعد إلى مسيرة عشرة أيام على سبيل النفى، ويؤمر بحبسه هناك شهرين، ثم يخرجه ملك تلك الناحية، ويقول: انك تعرّضت لما «2» فيه بوارك وسفك دمك إن كنت كاذبا، وإذ كان الملك قد قرّب لك ولأمثالك من وزرائه وملوكه من لا يعوزك الانتصاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 بهم، واعلم أنك متى وصلت إلى الملك فلم يكن ما تظلمت منه ممّا يجب في مثله الوصول إليه، فليس دون دمك شيء لئلّا يقدم على ما أقدمت كلّ من يهمّ بمثله، فاستقل نقلك وامض لشأنك، فإن استقال ضربه خمسين خشبة ونفى إلى البلاد التي منها قصد، وان أقام على تظلّمه وصل ففعل ذلك بالخراسانيّ، فأقام على ظلامته والتمس الوصول، فبعث به ووصل إلى الملك، فسأله الترجمان عن أمره، فأخبره بما جرى عليه من الخادم وانتزاعه من يده ما انتزع وكان الأمر فيه قد شاع بخانفو وذاع فأمر الملك بحبس الخراساني وإزاحة علّته في مطعمه ومشربه، وتقدّم إلى وزيره في الكتاب إلى العمال بخانفو بالفحص عمّا ادّعاه الخراساني وكشفه والصّدق عنه، وأمر صاحب الميمنة والميسرة وصاحب القلب بمثله، وهؤلاء الثلاثة عليهم يدور بعد الوزير أمر جيوشه ويثق بهم على نفسه، واذا ركب بهم بحرب أو غيره كان كل واحد منهم في مرتبته، فكتب كلّ واحد منهم وقد كشف عن الأمر بما وقف به على صحة الدعوى من الخراساني، فتتابعت به الأخبار عند الملك من كلّ جهة، فأشخص الخصيّ، فلمّا ورد قبض أمواله ونزع خزائنه من يده، وقال له كان حقك القتل إذا عرّضتني لرجل قد سلك من خراسان، وهى على حدّ مملكتي، وصار إلى بلاد العرب، ومنها الى ممالك الهند، ثمّ إلى بلدي طلبا للفضل، فأردت أن يعود مجتازا بهذه الممالك ومن فيها فيقول: انّي ظلمت ببلاد الصّين وغصب مالي، لكنّي أتجافى عن دمك لقديم حرمتك وأولّيك تدبير الموتى إذ عجزت عن تدبير الأحياء، وأمر به فجعله في مقابر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 الملوك يحرسها ويقوم بها. [ذكر من يتولى القضاء واختبارهم لأمره] ومن عجيب تدبيرهم في قديم الأيام دون هذا الوقت أمر الاحكام وجلالها في صدورهم، واختيارهم لها من لا يخالج قلوبهم الشّك في علمه بشرائعهم وصدق لهجته وقيامه بالحقّ في كلّ أحواله وتجنّبه الإغماض عمّن جلّ مقداره حتّى يقع الحقّ موقعه، ويكون عفيفا عن أموال أهل الضّعف وما يجري على يده، فإذا عزموا على تقليد قاضي القضاة أنفذوه قبل تقليده إلى جميع البلدان التي هي أعمدة بلادهم، حتى يقيم في كل بلد شهرا أو شهرين فيبحث عن أمر أهله وأخبارهم ورسومهم، ويعلم من يجب قبول قوله منهم معرفة يستغني بها عن المسألة، فإذا سلك به هذه الامصار، ولم يبق في المملكة بلد جليل الّا وطيه، رحل إلى دار المملكة وولى قضاء القضاة وجعل إليه اختيارهم، فيليهم، وعلمه بجميع المملكة ومن يجب أن يقلّد في كلّ بلد من أهله أو غيرهم علم من يستغني بعلمه عن الرجوع إلى من لعله ان يميل فيه أو يقول بغير الحقّ فيما يسأل عنه، ولا يتهيأ لأحد من قضاته أن يكاتبه بشيء قد علم خلافه أو يزيله عن جهته، ولقاضي القضاة مناد في كلّ يوم ينادي «1» على بابه يقول: هل من متظلّم على الملك المستور عن عيون رعيّته، أم من أحد من أسبابه وقواده وسائر رعيته فانّي أنوب في ذلك كلّه عنه لما بسط به يدي وقلّدني، يقول ذلك ثلثا، لأن الملك في عقدهم ان الملك لا يزول عن موضعه حتّى تنفذ الكتب من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 دواوين الملوك بالجور المصرّح، وأن يهمل أمر الحكم والحكام، وانّه متى تحفّظ من هذين الأمرين، فلم تنفذ الكتب من الدواوين الّا بالعدل، ولم يل الحكم الّا من يقوم بالحقّ فالملك منتظم. فأمّا خراسان ومتاخمتها لبلاد الصّين فالذي بينها وبين الصغد مسيرة شهرين الّا انّه في مفازة ممتنعة ورمال منتظمة لا ماء فيها ولا أودية لها ولا عمارة بقربها، فهو السّبب المانع من هجوم أهل خراسان على بلدهم وأمّا ما كان من الصّين يلي مغرب الشّمس، وهو الموضع المعروف بمذو فهو على حدود التبّت والحروب بينهم متّصلة. وقد رأينا ممّن دخل الصّين ذكر: أنّه رأى رجلا حمل على ظهره مسكا في زقّ وورد من سمرقند راجلا يقطع بلدا بلدا من مدن الصّين حتّى صار الى خانفو وهو مجتمع التّجار القاصدين من سيراف. [ذكر استخراج المسك] وذلك أن الأرض التي بها ظباء المسك الصّينيّ والتبّت أرض واحدة لا فرق بينهما، فأهل الصّين يجتذبون ما قرب منهم من الظباء وأهل التبّت ما قرب منهم وانّما فضل المسك التبتيّ على الصّينيّ بحالتين: إحداهما أنّ ظبي المسك يكون في حدّ التبّت رعية من سنبل الطيب، وما يلي أرض الصّين منها رعيه سائر الحشائش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 والحالة الأخرى: ترك أهل التبّت النوافج في حالها وغشّ أهل الصّين لما وقع إليهم منها، وسلوكهم أيضا في البحر وما يلحقهم من الإيذاء فإذا ترك أهل الصّين المسك في نوافجه وأودعت البراني، واستوثق منها وورد أرض العرب كالتبتّي في جودته، وأجود المسك كلّه ما حكّه الظبي على أحجار الجبال إذ كان مادة تصير في سرّته ويجتمع دما عبيطا كاجتماع الدم فيما يعرض من الدمامل، فإذا أدرك حكّه واضجره فيفرع إلى الحجارة حتّى يخرقه فيسيل ما فيه، فإذا خرج عنه جفّ واندمل وعادت المادّة تجتمع فيه من ذي قبل. وللتبّت رجال يخرجون في طلب هذا، ولهم به معرفة فإذا وجدوه التقطوه وجمعوه وأودعوه النوافج وحمل الى ملوكهم، وهو نهاية المسك إذ كان قد أدرك في نوافجه على حيوانه، وصار له فضل على غيره من المسك كفضل ما يدرك من الثمار في شجرة على سائر ما ينزع منه قبل ادراكه، وغير هذا من المسك فانّما يصاد بالشرك المنصوب أو السّهام، وربما قطعت النوافج عن الظبي قبل ادراك المسك فيها، وعلى أنّه اذا قطع عن ظبائه كان كريه الرائحة مدّة من المدد حتّى «1» يجفّ على الأيام الطويلة، وكلّما جف استحال حتى يصير مسكا، وظبي المسك كسائر الظباء عندنا في القدّ واللّون، ودقة القوائم، وافتراق الأظلاف، وانتصاب القرون، وانعطافها، ولها نابان دقيقان أبيضان في الفكّين قائمان في وجه الظبي، طول كلّ واحد منهما مقدار فتر، ودونه على هيئة ناب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 الفيل، فهو الفرق بينها وبين سائر الظباء. ومكاتبات ملوك الصّين لملوك أمصارهم وخصيانهم على بغال البريد مجهّزة الاذناب على سبيل بغال البريد عندنا على سكك معروفة. وأهل الصّين مهما وصفناهم من أمرهم يبولون من قيام، وكذلك سائر رعيتهم من أهل بلادهم، فأمّا الملوك والقوّاد والوجوه فلهم أنابيب من خشب مدهونة طول كل خشبة منها ذراع، وفي الطرفين ثقبتان تتّسع العليا للحشفة فيقف على رجله اذا اراد البول ويباعدها عن نفسه ويبول فيها، ويزعمون انّ ذلك أصحّ لأجسامهم، وأنّ سائر ما يعتري من وجع المثانة والبول من الاستحجار «1» فيها، انّما هو من الجلوس للبول، وأنّ المثانة لا تصفوا بما فيها إلّا مع القيام لذلك. والسبب في تركهم الشعور على رؤوسهم أعني الرجال امتناعهم من تدوير رأس المولود وتقويه كما يستعمل العرب، وقولهم ان ذاك ممّا يزيل الدّماغ عن حالة التي خلق عليها، وانّه يفسد الحاسة المعروفة، فرؤوسهم مضطربة يسترها الشعر ويعفّى عليها. فأمّا المناكح ببلاد الصّين وهم شعوب وقبائل كشعوب بني اسرائيل «2» والعرب وبطونها يتعارفون ذاك بينهم، ولا يزوّج احد منهم قريبا ولا ذا نسب ويتجاوزون ذلك حتّى لا تتزوّج القبيلة في قبيلتها، مثال ذلك ان بنى تميم لا تتزوّج في تميم، وربيعة لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 تتزوّج في ربيعة وإنما تتزوّج ربيعة في مضر، ومضر في ربيعة، ويدعون أنّ ذلك أنجب للولد. بعض أخبار الهند في مملكة بلهرا وغيره من ملوك الهند من يحرق نفسه بالنار، وذلك لقولهم بالتناسخ وتمكّنه في قلوبهم، وزوال الشكّ فيه عنهم. [ذكر إحراق اهل الهند لأنفسهم] وفي ملوكهم من اذا قعد للملك طبخ له أرز ثمّ وضع بين يديه على ورق الموز، وينتدب من أصحابه الثلاثمائة والأربعمائة باختيارهم لأنفسهم لا بإكراه من الملك لهم، فيعطيهم الملك من ذلك الأرز بعد أن يأكل منه، ويتقرّب رجل رجل منهم فيأخذ منه شيئا يسيرا فيأكله، فيلزم كلّ من أكل من هذا الأرز اذا مات الملك أو قتل أن يحرقوا أنفسهم بالنّار عن آخرهم في اليوم الذي مات فيه لا يتأخّرون عنه حتّى لا يبقى منهم عين ولا أثر. وإذا عزم الرّجل على إحراق نفسه صار إلى باب الملك فاستأذن، ثمّ دار في الأسواق وقد أجّجت له النّار في حطب جزل كثير عليها رجال يقومون بإيقادها حتّى تصير كالعقيق حرارة والتهابا، ثمّ يعدوا، وبين يديه الصنوج دائرا في الأسواق، وقد احتوشه أهله وقرابته، وبعضهم يضع على رأسه إكليلا من الريحان يملؤه جمرا، ويصبّ عليه السندروس «1» ، وهو مع النّار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 كالنفط، ويمشي وهامته تحترق وروائح لحم رأسه تفوح، وهو لا يتغتّر في مشيته، ولا يظهر منه جزع، حتّى يأتي النّار فيثبت فيها فيصير رمادا. فذكر بعض من حضر رجلا منهم يريد دخول النّار، انّه لما اشرف عليها أخذ الخنجر فوضعه على رأس فؤاده فشقّه بيده إلى عانته، ثمّ أدخل يده اليسرى فقبض على كبده، فجذب منها ما تهيأ له، وهو يتكلّم ثمّ قطع بالخنجر منها قطعة فدفعها إلى اخيه استهانة بالموت وصبرا على الألم، ثم زجّ بنفسه في النّار إلى لعنة الله. «1» وزعم هذا الرجل الحاكي: أنّ في جبال هذه الناحية قوما من الهند سبيلهم سبيل الكنيفية «2» والجليدية «3» عندنا في طلب الباطل والجهل وبينهم وبين أهل الساحل عصبية، وانه لا يزال رجل من أهل الساحل يدخل الجبل فيستدعي من يصابره على التمثيل «4» بنفسه، وكذلك أهل الجبل لأهل الساحل، وأنّ رجلا من أهل الجبال صار إلى أهل الساحل لمثل ذلك، فاجتمع إليه النّاس بين ناظر ومتعصب، فطالب أهل العصبية بأن يصنعوا مثل ما يصنع فإن عجزوا عنه اعترفوا بالغلبة، وانه جلس عند رأس منابت القنا وأمرهم باجتذاب قناة من تلك القنا وسبيله سبيل القصب في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 التفافه، وأصله مثل الدّن «1» وأغلظ، واذا حطّ رأس القناة استجابت حتّى تقارب الأرض، فإذا تركت عادت إلى حالها، فجذب رأس قناة غليظة حتّى قربت منه ثمّ شدّ بها ضفائره شدّا وثيقا، ثمّ أخذ الخنجر وهو كالنّار في سرعتها، فقال لهم: انّي قاطع رأسي به فإذا بان عن بدني فاطلقوه من ساعته، فسأضحك اذا عادت القناة برأسي إلى موضعها، وتسمعوا قهقهة يسيرة، فعجز أهل السّاحل عن أن يصنعوا مثل ذلك. ولقد أخبرنا بهذا من لا نتّهمه وهو اليوم متعارف اذ كانت هذه البلاد من الهند تقرب من بلاد العرب، وأخبارها متصلة بهم في كل وقت، ومن شأنهم اذا أخذت السّنّ من رجالهم ونساءهم وضعفت حواسهم أن يطالب من صار في هذه الحال منهم أهله بطرحه في النّار أو تغريقه في الماء ثقة منهم بالرجعة، وسبيل موتاهم الاحراق. وقد كان بجزيرة سرنديب وبها جبل الجوهر ومغاص اللؤلؤ وغيره، يقدم الرّجل الهندي على دخول السوق ومعه الجربى وهو خنجر لهم عجيب الصنعة مرهف فيضرب بيده إلى أجلّ «2» تاجر يقدر عليه، ويأخذ بتلابيبه ويشهر الخنجر عليه ويخرجه عن البلد في مجمع من النّاس لا يتهيأ لهم فيه حيلة، وذلك انّه متى أريد انتزاعه منه قتل التّاجر وقتل نفسه، فاذا خرج عن البلد طالبه بالفدية وتبع التّاجر من يفتديه بالمال الكثير، فدام ذلك بهم مدّة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الزّمان حتّى ملكهم ملك أمر بمن فعل ذلك من الهند أن يؤخذ على أيّة حال كان، ففعل ذلك فقتل الهندي التّاجر وقتل نفسه، فجرى هذا على جماعة منهم، وتلفت فيه أنفس الهند وأنفس العرب، فلمّا وقع البأس انقطع ذلك وأمن التّجار على أنفسهم. والجوهر الأحمر والأخضر والأصفر مخرجة من جبل سرنديب وهى جزيرة وأكثر ما يظهر لهم في وقت المدود «1» يدحرجه الماء عليهم من كهوف ومغارات ومسائل مياه لهم عليها أرصاد للملك، وربّما استنبطوه أيضا كما تستنبط المعادن فيخرج الجوهر ملصقا بالحجارة فيكسر عنه. [ذكر أديان أهل جزيرة سرنديب وشرائعهم] ولملك هذه الجزيرة شريعة ومشايخ لهم مجالس كمجالس محدّثينا، يجتمع إليهم الهند فيكتبون عنهم سير أنبيائهم وسنن شرائعهم. وبها صنم عظيم من ذهب ابريز يفرط البحريون في مبلغ وزنه، وهياكل قد انفق عليها أموال عظيمة. وبهذه الجزيرة جمع من اليهود كثير، ومن سائر الملل، وبها أيضا ثنويّة «2» ، والملك يبيح لكلّ فريق منهم ما يتشرّع به. ومحاذى هذه الجزيرة أغباب واسعة ومعنى الغبّ الوادي العظيم إذا أفرط في طوله وعرضه، وكان مصبّه إلى البحر، يسير المجتازون في هذا الغبّ المعروف بغبّ سرنديب شهرين وأكثر في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 غياض ورياض وهواء معتدل، وفي فوّهة هذا الغبّ البحر المعروف بهركند، وهو نزة المكان، الشاة فيه بنصف درهم، وما يشرب جمع من الرّجال من الشّراب المطبوخ من عسل النحل بحبّ الداذى «1» الرطب، بمثل ذلك، وأكثر أعمالهم القمار بالدّيكة والنرد والدّيكة عندهم عظيمة الأجسام وافرة الصّياصي «2» يستعملون لها من الخناجر الصّغار المرهفة ما يشدّ على صياصيها، ثمّ ترسل وقمارهم في الذهب والفضّة والأرضين والنّبات وغير ذلك، فيبلغ الديك الغالب جملة من الذهب، وكذلك لعبهم بالنرد دائم علي خطر واسع، حتّى أنّ أهل الضعف منهم ومن لا مال له ممّن يذهب الى طلب الباطل والفتوة، ربّما لاعب في أنامله فيلعب وإلى جنبه شيء قد جعل فيه من دهن الجوز أو دهن السمسم إذ كان الزّيت معدوما عندهم وتحته نار تحميه وبينهما فاس صغيرة مشحوذة، فإذا غلب أحدهما صاحبه وضع يده على حجر وضرب القامر بالفأس أنملة المقمور فابانها، ووضع المقمور يده في الدّهن وهو في نهاية الحرارة فيكويها، ولا يقطعه ذاك عن المعاودة في اللعب، فربّما افترقا وقد بطلت أناملهما جميعا. ومنهم من يأخذ الفتيلة فينقعها في الدّهن، ثمّ يضعها على عضو من أعضائه ويشعل النّار فيها فهى تحترق ورائحة اللحم تفوح وهو يلعب بالنرد لا يظهر منه جزع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 والفساد في هذا الموضع فاش في النساء والرّجال غير محظور، حتّى أنّ تجار البحر ربما دعا الواحد منهم ابنة ملكهم فتأتيه إلى غياضهم بعلم أبيها، وكان مشايخ أهل سيراف يمنعون من الجهاز إلى هذه الناحية وخاصة الأحداث. وأمر اليسارة التي تكون ببلاد الهند وتفسيرها المطر، فانه يدوم عليهم في الصّيف ثلاثة أشهر تباعا ليلا ونهارا لا تمسك السماء «1» عنهم بتّة، وقد استعدوا قبل ذلك لأقواتهم، فاذا كانت اليسارة أقاموا في منازلهم لأنها معمولة من خشب مكنسة السقوف مظللة بحشائش لهم، فلا يظهر أحد منهم الّا لمهمّ، على أن أهل الصّناعات يعالجون صنائعهم في هذه الأماكن هذه المدة، وربما عفنت أسافل أرجلهم في هذا الوقت، وبهذه اليسارة عيشهم واذا لم تكن هلكوا لأن زراعتهم الأرز لا يعرفون غيره، ولا قوت لهم سواه، انما يكون في هذا الوقت في حرامات «2» لهم طريحا لا يحتاجون الى سقي ومعاناة، ومعنى الحرامات منابت الأرز عندهم، فإذا انكشفت السماء عنهم بلغ الأرز النهاية في الريع والكثرة ولا يمطرون الشتاء. [ذكر عبّاد الهند وشعرائها وفلاسفتها] وللهند عبّاد وأهل علم يعرفون بالبراهمة وشعراء يغشون الملوك، ومنجمون وفلاسفة وكهّان، وأهل زجر للغربان وغيرها، وبها سحرة وقوم يظهرون التخاييل ويبدعون فيها، وذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 بقنّوج «1» خاصة، وهو بلد عظيم في مملكة الجوز [ذكر البيكرجيين] وبالهند قوم يعرفون بالبيكرجيين عراة قد غطّت شعورهم أبدانهم وفروجهم، وأظفارهم مستطيلة كالحراب اذ كانت لا تقصّ إلا ما ينكسر منها، وهم على سبيل سياحة، وفي عنق كلّ رجل منهم خيط فيه جمجمة من جماجم الأنس، فاذا اشتدّ به الجوع وقف بباب بعض الهنود فأسرعوا إليه بالأرز المطبوخ مستبشرين به فيأكل في تلك الجمجمة، فاذا أشبع انصرف فلا يعود لطلب الطعام الّا في وقت حاجته. [ذكر البدّ] وللهند ضروب من الشرائع يتقرّبون بها فيما «2» زعموا إلى خالقهم جلّ الله وعزّ عمّا يقول الظالمون علوا كبيرا، منها: أن الرجل يبتني في طرقهم الخان للسابلة ويقيم فيه بقالا يبتاع المجتازون منه حاجتهم، ويقيم في الخان فاجرة من نساء الهند يجرئ عليها لينال منها المجتازون، وذاك عندهم مما يثابون عليه، وبالهند قحاب يعرفون بقحاب البدّ، والسّبب فيه أن المرأة إذا نذرت نذرا وولد لها جارية جميلة أتت بها البدّ وهو الصّنم الذي يعبدونه، فجعلتها له ثمّ اتخذت لها في السّوق بيتا وعلّقت عليه سترا وأقعدتها على كرسي ليجتاز بها أهل الهند وغيرهم من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 سائر الملل ممن يتجاوز في دينه، فتمكن من نفسها باجرة معلومة وكلّما اجتمع لها شيء من ذلك دفعته إلى سدنة الصّنم ليصرف في عمارة الهيكل، والله جلّ وعزّ نحمده على ما اختار لنا وطهّرنا من ذنوب الكفرة به. [ذكر الصنم مولتان] فأمّا الصّنم المعروف بالمولتان وهو قريب المنصورة، فإنه يقصد من مسيرة أشهر كثيرة ويحمل الرّجل منهم العود الهندي القامروني، وقامرون «1» بلد يكون فيه فاخر العود حتي يأتي به إلى هذا الصّنم فيدفعه إلى السدنة لبخور الصنم، ومن هذا العود ما قيمة المنا منه مائتي دينار، وربما ختم عليه فانطبع الخاتم فيه للدونته «2» فالتجار يبتاعونه من هؤلاء السدنة. [ذكر النرجيل وما يتخذ منه] وبالهند عبّاد في شرائعهم يقصدون إلى الجزائر التي تحدث في البحر فيغرسون بها النارجيل ويستنبطون بها المياه للأجر وان يجتاز بها المراكب فتنال منها. وبعمان من يقصد إلى هذه الجزائر التي فيها النارجيل ومعهم آلات النجار وغيرها، فيقطعون من خشب النارجيل ما أرادوا فإذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 جفّ قطع الواحا ويفتلون من ليف النّارجيل ما يخرزون به ذلك الخشب ويستعملون منه مركبا وينحتون منه أدقالا «1» وينسجون من خوصه شراعا، ومن ليفه خرابات «2» وهى القلوس «3» عندنا، فإذا فرغوا من جميعه شحنت المراكب بالنارجيل فقصد بها عمان فبيع وعظمت بركته ومنفعته إذ كان جميع ما يتّخذ منه غير محتاج إلى غيره. [ذكر بلاد الزنج] وبلاد الزنج واسعة، وكلّ ما ينبت فيها من الذرة وهو أقواتهم، وقصب السكر وسائر الشجر فهو اسود عندهم، ولهم ملوك يغزوا بعضهم بعضا، وعند ملوكهم رجال يعرفون بالمخزمين قد خزمت أنوفهم، ووضع فيها حلق وركّب في الحلق سلاسل، فإذا كانت الحرب تقدموا، وقد أخذ بطرف كل سلسلة رجل يجذبها ويصده عن التقدم حتى تسفر السفراء بينهم، فإن وقع الصلح والّا شدّت تلك السلاسل في أعناقهم وتركوا والحرب فلم تقم له قائمة، ولم يزل أحدهم عن مركزه دون أن يقتل، وللعرب في قلوبهم هيبة عظيمة، فإذا عاينوا رجلا منهم سجدوا له، وقالوا: هذا من مملكة ينبت بها شجر التمر لجلالة التمر عندهم وفي قلوبهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 [ذكر خطبائهم] ولهم الخطب وليس في الأمم كخطبائهم بألسنتهم، وفيهم من يتعبّد فيستتر بجلد نمر أو جلد قرد ويأخذ بيده عصا ويقبل نحوهم فيجتمع إليه منهم جمع فيقف على رجله يوما إلى الليل يخطب عليهم ويذكرهم بالله جلّ ذكره ويصف لهم أمور من هلك منهم. ومن عندهم تحمل النمور الزنجية، وفيها حمرة وهجانة ولها كبر وسعة. [ذكر جزيرة سقوطرا] وفي البحر جزيرة تعرف بسقوطرا «1» وبها منابت الصّبر الاسقوطريّ، وموقعها قريب من بلاد الزنج وبلاد العرب، وأكثر أهلها نصارى، والسّبب في ذلك أنّ اسكندر لمّا غلب على ملك فارس، كان يكاتبه معلّمه ارسطوطاليس فيعرفه ما وقع عليه من الأرضين، فكتب إليه يؤكد عليه في طلب جزيرة في البحر تعرف بسقوطرا، وإنّ بها منابت الصّبر وهو الدّواء الأعظم الذي لا تتم الايارجات «2» إلّا به، وأن الصواب ان يخرج من كان في هذه الجزيرة، ويقيم فيها من اليونانيين من يحوطها ليحمل منها الصبر إلى الشام والروم ومصر، فبعث اسكندر فأخرج أهلها عنها وأنزل جمعا من اليونانيين فيها، وتقدم إلى ملوك الطوائف- إذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 كانوا عند قتله دارا الكبير طوع يده- بالاحتفاظ بهم فكانوا في صيانة حتّى بعث الله عيسى عليه السلام، فبلغ من بهذه الجزائر من اليونانية أمره فدخلوا في جملة ما دخلت فيه الروم من التّنصر وبقاياهم بها الى هذا الوقت مع سائر من سكنها من غيرهم، ولم يذكر في هذا الكتاب. [ذكر الشحر وبلاد العرب] - يعني الكتاب الأول- ما تيامن من البحر عند خروج المراكب من عمان وأرض العرب وتوسطهم للبحر الكبير، وانما شرح فيه ما تيسر منها اذ كان فيه بحر الهند والصين، وفيه كان مقصد من كتب ذلك الكتاب عنه. ففي هذا البحر الذي عن يمين الهند الخارج عن عمان بلاد الشحر، وهى منابت اللبان «1» وأرض من أراضي عاد وحمير وجرهم، والتبابعة ولهم ألسنة بالعربيّة عادية قديمة لا يعرف أكثرها العرب، وليست لهم قرى، وهم في قشف وضيق عيش إلى أن تنتهي أرضهم إلى أرض عدن وسواحل اليمن وإلى جدّة، ومن جدّة إلى الجار «2» إلى ساحل الشّام، ثمّ تفضى إلى القلزم وينقطع البحر هناك، وهو حيث يقول الله جلّ ذكره، وجعل بين البحرين حاجزا، ثمّ ينعرج البحر من القلزم على أرض البربر ثمّ يتصل بالجانب الغربي الذي يقابل أرض اليمن حتّى يمرّ بأرض الحبشة التي تجلب جلود النمور البربرية منها، وهى أحسن الجلود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وأنقاها، والزيلع وفيها العنبر والذّبل «1» وهو ظهور السّلاحف. [ذكر بحر القلزم] ومراكب أهل سيراف اذا وصلت في هذا البحر المتيامن عن بحر الهند فصارت إلى جدّة أقامت بها ونقل ماف يها من الأمتعة التي تحمل إلى مصر في مراكب القلزم، اذ كان لا يتهيأ لمراكب السيرافيين سلوك ذلك البحر لصعوبته وكثرة جباله النابتة فيه، وانّه لا ملوك في شيء من سواحله ولا عمارة، وأنّ المركب اذا سلكه احتاج في كل ليلة إلى أن يطلب موضعا يستكنّ فيه خوفا من جباله، فيسير النهار ويقيم الليل، وهو بحر مظلم كريه الروائح لا خير في بطنه ولا ظهره، وليس كبحر الهند والصين الذي في بطنه اللؤلؤ والعنبر، وفي جباله الجوهر ومعادن الذهب، وفي أفواه دوابه العاج وفي منابته الأبنوس والبقّم والخيزران وشجر العود والكافور والجوزبو والقرنفل والصندل وسائر الأفواه «2» الطيبة الذكية وطيوره الففاغى يعني الببغاوات، والطواويس، وحرشات أرضه الزباد وظباء المسك وما لا يحصيه أحد لكثرة خيره. [ذكر ما يقذفه بحر القلزم من العنبر] فأمّا العنبر وما يقع منه إلى سواحل هذا البحر، فهو شيء تقذفه الأمواج إليه ومبدأه من بحر الهند، على انه لا يعرف مخرجه، غير أن أجوده ما وقع إلى بربرا وحدود بلاد الزنج والشحر وما والاها وهو البيض المدوّر الأزرق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 ولأهل هذا النّواحى نجب يركبونها في ليالي القمر ويسيرون بها على سواحلهم قد ريضت وعرفت طلب العنبر على الساحل، فإذا رآه النّجيب برك بصاحبه فأخذه، ومنه ما يوجد فوق البحر ويزن وزنا كثيرا، وربما كان كهيئة الثور ودونه، فاذا رآه الحوت المعروف بالبال «1» ابتلعه، فإذا حصل في جوفه قتله وطفا الحوت فوق الماء، وله قوم يراعونه في قوارب قد عرفوا الأوقات التي يوجد فيها هذه الحيتان المبتلعة العنبر، فإذا عاينوا منها شيئا اجتذبوه إلى الأرض بكلاليب حديد فيها حبال متينة تنشب في ظهر الحوت فيشقوا عنه ويخرجوا العنبر منه، فما كان يلي بطن الحوت فهو المند الذي فيه سهوكة وسمكته موجودة عند العطارين بمدينة السلام والبصرة «2» وما لم تصل اليه سهوكة الحوت كان نقيا جدا، وهذا الحوت المعروف بالبال ربما عمل من فقار ظهره كراسي يقعد عليها الرّجل ويتمكّن. وذكروا أن بقرية من سيراف على عشرة فراسخ تعرف بالتاين بيوت عادية لطاف سقوفها من اضلاع هذا الحوت، وسمعت من يقول: انه وقع في قديم الأيام إلى قرب سيراف منه واحدة، فقصد للنظر اليها فوجد قوما يصعدون الى ظهرها بسلم لطيف، والصيادون إذا ظفروا بها طرحوها في الشّمس وقطعوا لحمها وحفروا له حفرا يجتمع فيها الودك «3» ويغرف من عينها إذا أذابت الشمس الودك بالحرارة، ويجمع فيباع على أرباب المراكب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 ويخلط بأخلاط لهم يمسح بها مراكب البحر يسدّ به خرزها، ويسدّ أيضا ما ينفتق من خرزها فيباع ودك هذا الحوت بجملة من المال. [ذكر اللؤلؤ] بدؤ خلق اللؤلؤ بلطيف تدبير الله تبارك اسمه وهو عزّ وجلّ يقول: (سبحان الذي خلق الأزواج كلّها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم وممّا لا يعلمون) «1» فاللؤلؤ يبتدى في مثل قدر الانجدانة «2» وعلى لونها وفي هيئتها وصغرها وخفّتها ورقّتها وضعفها، فيطير على وجه الماء طيرانا ضعيفا ويسقط على جوانب مراكب الغاصة، ثمّ يشتدّ على الأيام ويعظم ويستحجر، فإذا ثقل لزم قعر البحر ويغذوا بما الله أعلم به، وليس فيه الّا لحمة حمراء كمثل اللسان في أصله ليس لها عظم ولا عصب ولا فيها عرق. وقد اختلفوا في بدء اللؤلؤ، فقال قوم: الصّدف اذا وقع المطر ظهر على وجه البحر وفتح فاه حتّى يقطر فيه من المطر فيصير حبّا. وقال آخرون: انّه يتولّد من الصّدفة نفسها، وهو أصحّ الخبرين لأنّه ربّما وجد في الصّدفة وهو نابت لم ينقلع فيقلع، وهو الذي تسميه تجار البحر اللؤلؤ القلع والله أعلم. [ذكر لؤلؤ البحرين] ومن عجائب ما سمعنا من ابواب الرزق: أنّ أعرابيا ورد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 البصرة في قديم الأيام ومعه حبّة لؤلؤ تساوي جملة مال فصار بها إلى عطّار كان يألفه فأظهرها له وسأله عنها وهو لا يعرف مقدارها فأخبره انّها لؤلؤة، فقال: وما قيمتها قال مائة درهم فاستكثر الاعرابىّ ذاك وقال: هل أحد يبتاعها منّى بما قلت، فدفع له العطار مائة درهم فابتاع بها ميرة لأهله، وأخذ العطار الحبة فقصد بها مدينة السلام فباعها بجملة من المال واتسع العطار في تجارته، فذكر العطار انه سأل الاعرابي عن سبب اللؤلؤة فقال مررت بالصمّان «1» وهى من أرض البحرين بينها وبين السّاحل مديدة قريبة، فرأيت في الرمل ثعلبا ميّتا على فيه شيء قد اطبق عليه، فنزلت فوجدت شيئا كمثل الطبق يلمع جوفه بياضا، ووجدت هذه المدحرجة فيه فأخذتها، فعلم أن السبب في ذلك خروج الصّدفة إلى السّاحل تستنشق الريح، وذلك من عادة للصدف، فمرّ بها الثّعلب فلما عاين اللحمة في جوفها، وهى فاتحة فاها وثب بسرعته فأدخل فاه في الصّدف وقبض على اللّحمة، فأطبقت الصّدفة على فيه، ومن شأنها إذا أطبقت على شيء وأحسّت بيد تلمسها، لم تفتح فاها بحيلة حتّى تشقّ من آخرها بالحديد، ظنا منها باللؤلؤة وصيانة لها كصيانة المرأة لولدها، فلمّا أخذت بنفس الثعلب أمعن في العدو يضرب بها الأرض يمينا وشمالا إلى أن أخذت بنفسه فمات وماتت، وظفر رزقا. [عادة ملوك الهند في لبس الأقراط ونحوها] وملوك الهند تلبس الاقراط من الجوهر النفيس في آذانها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 المركّب في الذهب، وتضع في أعناقها القلائد النفيسة المشتملة على فاخر الجوهر الأحمر والأخضر واللؤلؤ ما يعظم قيمته ويجلّ مقداره، وهو اليوم كنوزهم وذخائرهم، وتلبسه قوادهم ووجوههم. والرئيس منهم يركب على عنق رجل منهم، وعليه فوطة قد استتر بها وفي يده شيء يعرف بالجترة «1» وهى مظلة من ريش الطواويس يأخذها بيده، فيتقى بها الشّمس، وأصحابه محدقون به. ومنهم صنف لا يأكل اثنان منهم في غضارة واحدة ولا على مائدة واحدة يجدون ذلك عيبا فاحشا، فإذا وردوا سيراف فدعاهم وجه من وجوه التجار وكانوا مائة نفس أو دونها أو فوقها احتاج أن يضع بين يدى كل رجل منهم طبقا فيه ما يأكله لا يشاركه فيه سواه. وأما ملوكهم في بلادهم ووجوههم فإنه يتّخذ لهم في كل يوم موائد، يسف خوص النارجيل سفا ويعمل منه كهيئة الغضار والصحاف، فإذا أحضر الغذاء أكلوا الطعام في ذلك الخوص المسفوف، فإذا فرغوا من غذائهم رمى بتلك المائدة والغضار المسفوف من الخوص مهما بقى من الطعام إلى الماء، واستأنفوا من غدهم مثله. [الدنانير السندية] وكان يحمل إلى الهند في القديم الدنانير السندية فيباع الدينار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 بثلاثة دنانير، وما زاد، ويحمل اليهم الزمرد الذي يرد من مصر مركبا في الخواتيم مصونا في الحقاق ويحمل البسدّ «1» وهو المرجان وحجر يقال له الدهنج «2» ثم تركوه. وأكثر ملوكهم يظهرون نساءهم إذا جلسوا لمن دخل اليهم من أهل بلدهم وغيرهم لا يحجبن عن النظر اليهنّ. فهذا أجمل ما لحقه الذكر في ذلك الوقت على سعة أخبار البحر، مع التجنب لحكاية شيء مما يكذب «3» فيه البحريون، ولا يقوم في نفس المرء صدقه، والاقتصار من كل خبر على ما صحّ منه وان قل أولى. والله الموفق للصواب والحمد لله رب العالمين، وصلواته على خيرته من خلقه محمد وآله اجمعين، وهو حسبنا ونعم الناصر والمعين قوبل بالمنتسخ منه في صفر سنة 594 والله الموفق تم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 مساحة بعض البلاد الجارية في ملك الملك العادل نور الدين أبى القسم محمود بن زنكى بن آقسنقر رحمه الله تعالى ونوّر ضريحه في سنة أربع وستين وخمسمائة [حلب] حلب دور سور قلعتها: ألف ومائة وثلاثة وأربعون ذراعا ونصف بالقاسمي. أبراجها: تسعة وأربعون برجا. الحوش الكبير: سبعمائة وأربعة عشر ذراعا ونصف بالقاسمي، الحوش الصغير تسعة وستون ذراعا أربعة أبراج. سور البلد جميعه مع قلعة الشريف: «1» سبعة آلاف وتسعة أذرع بالقاسمي. أبراجه: مائة وتسعة وثلاثون برجا. الأبواب ستة: باب العراق، قنسرين، انطاقية «2» ، الجنان، اليهود أربعين. طول الميدان الأخضر: خمسمائة واثنان وستون ونصف بالقاسمي، عرضه: مائة خمسة وستون ونصف بالقاسمي، من جهة الشمال ومن القبلة مائة خمسة باليد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 ميدان باب قنسرين: طوله سبعمائة وتسعة وثمانون، ونصف بالقاسمي، عرضه مائتان وخمسة وعشرون من جهة المشرق، مائة ذراع، من المغرب مائتان باليد. ميدان باب العراق: طوله ثلثمائة وثلاثة وتسعون ذراعا ونصف بالقاسمي، عرضه مائة وستة وستون بالقاسمي. جامع البلد، طوله من الشرق إلى الغرب مائة وخمسة عشر ذراعا ونصف بالقاسمي، عرضه من القبلة إلى الشمال تسعة وستون ذراعا بالقاسمي ونصف وربع. البيت القبلى: عرضه ثمانية وثلاثون ذراعا. البيت الشرقي: تسعة عشرون ذراعا. مئذنة الجامع: اثنان وتسعون ذراعا، عرض رأسها عند الدائر أحد عشر ذراعا ونصفا باليد، درجها مائة وسبعة وخمسون. البيت الشمالي: من الجامع عرضه أحد وعشرون ذراعا باليد. عرض البيت الغربي: أحد عشر ذراعا باليد، أبواب الجامع خمسة، اثنان من الشرق ومن كل جهة واحد. مسافة البلاد المقاربة لحلب عزلة «1» بينهما تسعة فراسخ ونصف. تل باشر «2» أربعة عشر فرسخا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 حارم «1» عشر مائة وتسعة وعشرين ألفا وسبعمائة ذراع باليد، عشرة فراسخ ونصف، وثلث مسافات ما بين منبج وحلب عشرة فراسخ ونصف وثمن. إلى بزاعة «2» خمسة فراسخ وثلثان وثمانمائة ذراع. المعرّه عشر مائة وتسعة وستين ألف وستمائة ذراع باليد، أربعة عشر فرسخا. حماة عشر مائتى ألف وتسعة وأربعين الفا ومائتى ذراع باليد، عشرون فرسخا ونصف، وذلك الى حاضر قنسرين أربعة فراسخ وثمن وربع وثمن عشر فرسخ، والى تل السلطان «3» أربعة فراسخ وربع ونصف عشر فرسخ. وإلى تمنع خمسة فراسخ ونصف وربع بالتقريب. وإلى دوير صوران ثلاثة فراسخ ونصف بالتقريب. وإلى حماة ثلاثة فراسخ ونصف بالتقريب. سرمين عشر: خمسة وألف ذراع سبعة فراسخ وثلثان وربع فرسخ. قلعة جعبار، «4» ما بين تل باشر وعين تاب أربعة فراسخ وثلث ثمن فرسخ. ما بين عين تاب ورعبان تسعة فراسخ وسدس عشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 ما بين رعبان وكيسون ثلاثة فراسخ ونصف وثلاث عشر. منبج: دور سور البلد تسعة الف رامى و .... ذراعا باليد. الابراج: مائة وبرج واحد. بعد ما بين منبج «1» وقلعة نجم أربعة فراسخ ونصف وثلاثة فراسخ. ومن منبج إلى بدايا أربعة فراسخ تقريبا. المعرة: دور سورها تسعة ألف ذراع. [مدينة شيزر] شيزر دائر سور القلعة من برج المقطع إلى الحوش عشر مائة وخمسين ذراعا بالقاسمي، مئتا ذراع باليد. طول الحوش: ستمائة ذراع باليد، من الحوش إلى القلعة مائة وثمن ذراعا باليد، القلعة من القرنه إلى القرنه مائة وخمسة وثلاثون ذراعا باليد. من برج الجسر إلى برج الصخرة مائة وعشرين ذراعا باليد. من برج الصخرة إلى منتهى برج القطائف ثلاثمائة ذراع باليد. من برج المقطع إلى قرنة القلعة من المشرق ألف وعشرون ذراعا باليد. القلعة: على الانفراد مائة وخمسين ذراعا باليد، من برج القطائف إلى القلعة مائة ثمانية، ذراعا باليد. حوش باب القلعة المجدد مائة وعشرون ذراعا باليد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 الحوش الشمالي: تحت برج الصخرة مائة وعشرون ذراعا. دائر القلعة من الشمال اثنى سو «1» ذراعا، باليد. دائرها من الشرق والغرب أربعمائة وخمسة أذرع. الحوش الذي تحت القلعة تسعون ذراعا باليد. مدينة الروم بها ألف عشرين ذراعا باليد. حوش مدينة الروم خمسمائة سو ذراعا باليد. المدينة البرّانية ألف وسبعمائة وخمسين ذراعا باليد. بعد ما بين شيزر وحماة على طريق العقبة في الصخر فرسخان ونصف وخمس. [مدينة حماة] حماة: دائر سور المدينة العليا من باب ابن الثقفي إلى باب العميان ثلاثة ألف وسبعمائة وخمسة أذرع بالقاسمي. دائر سور المدينة السفلى من باب المنشار إلى باب ابن الثقفي ألفان ومائتان وخمسة أذرع قاسمي. دائر سور القلعة ألف ومائة وخمسة وثمانون ذراعا. الميدان الأخضر: بها طوله ثلثمائة وأربعة وثمانين قاسمي، عرضه مائة وثمانية وثلاثون ذراعا قاسمي. بعد ما بين حماه وحمص ... سبعين ألفا وخمسين ذراعا قاسمي، خمسة فراسخ وثلاث عشر ... تفصيله من باب حمص إلى جسر الرستن ثلاثمائة ألفا وستمائة وخمسة سو ذراعا قاسمي فرسخان ونصف تقريبا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 من جسر الرستن إلى باب مدينة حمص المعروف بباب الجامع الفا وثلاثمائة وخمسة وستون ذراعا قاسمي فرسخان ونصف وربع وربع ثمن. [مدينة حمص] مدينة حمص، دائر القلعة من داخل على الممشى تسعمائة وستون ذراعا قاسمية. دائر فصيل القلعة البراني على الممشى ألف وستمائة ذراعا ونصف وربع قاسمية. دائر سور المدينة القديم تسعا الف ومائة وخمسين ذراعا قاسمية. دائر السور المجدد ... ، بعد ما بين حمص ودمشق أربعة وعشرين فرسخا وثلث. [مدينة دمشق] مدينة دمشق، دور القلعة تسعمائة ذراع قاسمية. دور المدينة خمسة ألف وسبعمائة ذراع قاسمية، تفصيله من قرنة القلعة من الجانب القبلى. إلى باب الجابيه سبعمائة ذراع. وإلى باب الصغير ألف وخمسين ذراعا وإلى باب شرقى «1» الفان وأربعمائة وخمسين ذراعا. وإلى باب توما ألف ومائة ذراع وإلى باب السلامة ألف ومائة وخمسين ذراعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وإلى باب الفراديس أربعمائة وخمسين ذراعا. وإلى باب الفرج سبعمائة ذراع. الجامع: الطول مائتان وثمانية وثمانون ذراعا، العرض مائة وثمانون ذراعا، ارتفاع النسر تسعون ذراعا. ميدان الحصى الطول ستمائة وثلاث وخمسين ذراعا ونصف وثمن قاسمية، العرض مائتان وأربعة عشر ذراعا ونصف وربع وثمن قاسمية. الميدان الأخضر الكبير: الطول ثمانمائة وتسعة وستون ذراعا ونصف وربع قاسمية، العرض مائتان وأربعون ذراعا ونصف قاسمية. الميدان الأخضر الصغير: طوله ستمائة وثمانون ذراعا ونصف وثمن قاسمية عرضه مائتان وثلاث وخمسين ذراعا ونصف وثمن قاسمية. ارتفاع قبة النسر، ثلاثة وتسعون ذراعا قاسمي. بعد ما بين داريا ودمشق عشرة الف «1» وخمسمائة ذراع قاسمية. بعد ما بين دمشق وحمص أربعة وعشرين فرسخا وثلث، تفصيله من باب توما إلى محاذى حرستا ستة ألف وثمانمائة ذراع قاسمية، وإلى فندق القصير ستة عشر ألفا ومائتى ذراع فرسخ وثلث وسدس عشر. وإلى نهر يزيد مفرق طريق القطيفة من الجادة ثلاثة فراسخ تقريبا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 وإلى حب القصطل «1» أربعة فراسخ تقريبا. وإلى نهر النبك فرسخ ونصف وثلث. وإلى الخان بقارا «2» فرسخان وثمن عشر. وإلى برج الغسولة أربعة فراسخ ونصف وربع. وإلى خربة القبلى فرسخان تقريبا. وإلى شمسين ... ألفا وثلثمائة ذراعا قاسمية. وإلى كفريا فرسخان وثلث. وإلى حمص فرسخ وسدس. [مدينة بانياس] بعد ما بين بانياس ودمشق عشرة فراسخ ونصف وعشر. بانياس: دور القلعة خمسمائة وستون ذراعا باليد، المدينة ألف وسبعمائة وعشر أذرع باليد. بعد ما بين دمشق وصرخت «3» عشرون فرسخا وربع وسدس عشر على طريق الهيت. وعلى زرا اثنان وعشرون فرسخا وثلث وثمن. قلعة صرخت ستمائة وخمسة وعشرين ذراعا. دور الفصيل سبعمائة وتسعة وستون ذراعا، دائر البركة الكبيرة بها سبعمائة وستون ذراعا الصّغيرة، شرقيها ستمائة وخمسين ذراعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 بعد ما بين دمشق وبصرى إلى الكسوة «1» أربعة وثلاثون ألفا وستمائة وثمانية أذرع فرسخان وثلث ونصف عشر، وإلى الحب «2» فرسخ وثلاث عشر، وإلى الصنمين «3» فرسخان ونصف وربع. وإلى (القعع) «4» فرسخان وثلث وربع. وإلى الفوّار «5» أربعة فراسخ وسدس. وإلى بصرى ثمانية فراسخ وخمس وسدس عشر. [مدينة بصرى] مدينة بصرى، دائر القلعة سبعمائة وثلاثون ذراعا باليد، ستة أبراج. بركة القلعة ثمانية وخمسين ذراعا ونصف. البركة التي في قبو الماء أي الشرقي، طولها خمسة وستون ذراعا، عرضها ثلاث عشر ذراعا. القبو الغربي مثل الشرقي سوى بركة البرانية خارج القلعة طولها من المغرب إلى المشرق ثلاثمائة وعشرين ذراعا، ومن القبلة إلى الشمال مائتان وخمسون ذراعا، دورها ألف ومائة واثنان وأربعون ذراعا، وبها أيضا في الحوش ثلاثة أعين والخندق عين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 أخرى. عمّان قلعة عمّان، دورها ألفان ومائتان وثلاث وثمانون ذراعا باليد. بعلبك بعلبك دور المدينة سبعة آلاف وتسعمائة وأربعون ذراعا باليد. الميدان الأخضر ستمائة ذراع باليد، عرضه مائة وواحد وستون ذراعا باليد. بعد ما بين بعلبك ودمشق اثنى عشر فرسخا وربع وسدس عشر. من دمشق إلى الزبداني ستة فراسخ وسدس وسدس عشر. وإلى بعلبك ستة فراسخ وربع. [جزيرة ابن عمر] البلاد الجزرية الرها دور القلعة الداخله أربعمائة وستون ذراعا. ابراجها: أربعة عشر ذراعا، أبراجها سبعة. القلعة الخارجة ستمائة وسبعون ذراعا ابراجها ستة عشر. دور مركز الرها مائة خمسة وثمانون ذراعا. مساحة ما بين قلعة السن والرّها أربعة فراسخ ونصف وثلث وربع عشر. ما بين الرها وسروج ستة فراسخ ثمن ونصف سدس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 ما بين سروج وقلعة نجم عشر، خمسة وتسعين ألف ذراع سبعة فراسخ وثلثان وربع فرسخ. [حران] حران دور سورها سبعة آلاف وستمائة واثنى عشر ذراعا، مائة وسبعة وثمانون برجا. دور القلعة خمسمائة وثمانية وعشرون ذراعا. الرفقه دور سورها تسعة الف وثلاث وثلاثون ذراعا مائة واثنان وثلاثون برجا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 ملحق «1» - 1 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 وبعد هذا بحر لا يدرك عمقه ولا يضبط عرضه تقطعه المراكب بالرّيح الطيبة في شهرين وليس أيضا في البحار الخارجة عن المحيط أكبر منه ولا أشد أهوالا. وفي عرضه بلاد الواق واق ومنابت القنا والخيزران، وفيه أيضا عجائب وأسماك طول السمكة منها أربع مائة ذراع وأقل وأكثر ويسمى هذا السمك الوال، وفيه سمك صغير بقدر الذراع فإذا طغت هذه السمكة الكبيرة وبغت وآذت دواب البحر ومراكبه سلطت عليها هذه السمكة الصغيرة فصارت في أذنها فلا تفارقها حتى تقتلها، وربما لم تقرب الكبيرة المركب فرقا من الصغيرة، وفيه سمكة يحكى وجهها وجه الانسان تظهر على الماء، وفيه أسماك طيّارة تطير ليلا وتسرح في البرارى فإذا كان قبل طلوع الشمس رجعت إلى الماء، وفيه سمكة يكتب بمرارتها الكتابة فتقرآ بالليل، وفيه سمكة خضراء دسمة من أكل منها اعتصم من الطعام أياما كثيرة لا يحتاجه، وفيه سمكة لها قرنان كأنها قرنا السرطان، وهي التي ترمى بالليل نارا، وفيه سمكة مدوّرة يقال لها المسح فوق ظهرها كالعمود محدودة الرأس لا تقوم لها سمكة في البحر لأنها تلقاها بهذا القرن فتقتلها وربما لقيت بها المراكب فتشقها وقرنها أصفر كالذهب مجزع يقال انه ضرب من الجزع، وفيه سمكة يقال لها ملببن من رأسها إلى صدرها مثل الترس تطيب به عيون تنظر منها وباقيها طويل مثل الحية في طول عشرين ذراعا ونحوها لها أرجل كثيرة مثل أسنان المنشار من صدرها إلى ذنبها فليست الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 تبصر شيئا إلا اتلفته ولا ينطوى ذنبها على شيء إلا أهلكته به، ويقال ان لحمها يشفي من جميع الأوصاب وقل ما يوجد وفي هذا البحر عنبر كثير. وبحر آخر يقال له الكند فيه جزائر كثيرة وفيه سمك ربما نبت على ظهرها الحشيش والصدف، وربما أرسى عليها أهل المراكب يظنون أنها جزيرة فإذا فطنوا اقلعوا عنها، وربما نشر هذا السمك أحد جناحيه الذي في صلبه فيكون مثل الشراع وربما رفع رأسه من الماء فيكون كالجبل العظيم، وربما نفخ الماء فيكون كالجبل العظيم، وربما نفخ الماء من فيه إلى الجو فيكون مثل المنارة العظيمة فإذا سكن البحر جر السمك بذنبه ثم يفتح فاه فينزل السمك في حلقه كأنما ينغمس في بير، ويقال له العندر وطوله ثلاث مائة ذراع، وأهل المراكب يخافون منه وربما ضربوا في الليل بالنواقيس مخافة ان تتكى على المركب فتغرقه، وفيه حيات عظيمة تخرج إلى البر فتبتلع الفيلة ثم تلتف على صخور في البر فتكسر عظامها في جوفها فيسمع لها صوت هائل، وفيه حية يقال لها الملك لا تطعم إلا مرة في العام، وربما احتال فيها ملوك الزنج فأخذوها وطبخوها حتى يخرج ودكها ويدهن به فيزيدهم في قوتهم ونشاطهم، ولهذه الحية وبر اذا قعد على جلدها صاحب السّل أمن من السل وبرى فلا يصيبه أبدا وربما وقعت عند ملوك الهند فاستعملوا جلدها وكان في خزائنهم، وريح هذا البحر من قعره وربما القى اضطرابه به نارا لها ضوء شديد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 [باب ذكر البحر الرابع] يقال انه يسمى ونجل وبينه وبين بحر كند جزائر كثيرة يقال انها ألف جزيرة وتسعمائة جزيرة ويقع بين هذه الجزائر عنبر كثير تكون القطعة منه مثل البيت، وهذا عنبر ينبت في قعر البحر فإذا اشتد هيج البحر قلعه من قعره قذفه فيرتفع على الماء مثل القطن النبات، وهو عنبر ذميم. وقرأت في كتاب الطيب الذي ألفه ابراهيم بن المهدي أن أحمد بن حفص العطار قال: كنت في مجلس أبي اسحاق وهو يصفي عنبرا قد أذابه وأخرج ما كان فيه من الحشيش الذي هو يشبه خلقه مناقر الطير، فسألني عن ذلك فقلت هذه مناقر الطير التي تأكل العنبر اذا راثته الدواب، فضحك أبو اسحاق، وقال: هذا قول تقوله العامة، ما خلق الله دابة تروث العنبر انما العنبر شيء يكون في قعر البحر، وقد عنا الرشيد بالمسألة عن ذلك وأمر حماد البربري بالبحث عن ذلك فكتب له جماعة من عدن ابين انه يخرج من عيون في أرض البحر ثم تقلعه الريح بالأمواج فيطفو على الماء وترميه الريح على البر كما يخرج في أرض هيت القار وفي أرض الروم الزفت الرومي. وآخر جزائر هذا البحر سرنديب وسرنديب في بحر كند وهى رأس هذه الجزائر كلها، وفي سرنديب أكثر مغايص اللؤلؤ ونبات الجوهر، وببحر سرنديب طرق بين جبلين وهى مسالك لمن أراد بلاد الصّين وفي جبال هذا البحر معادن ذهب وفضة ومغايص اللؤلؤ، وفيها بقر وحشية وخلق مختلف، ويسلك من هذا البحر إلى بلاد المهراج، وربما أظلت السحاب هذا البحر لا يبين يوما وليلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 ولا ينقطع عنه المطر ولا تظهر حيتانه ولا دوابه، ويخرج منه إلى بحر الصنف، وفيه يكون شجر العود وغيره وليس له حد يعرف ورأسه يخرج من قرب الظلمة الشمالية ويمر إلى بلاد الواق واق أيضا، وفيه ملك الجزائر الذي يقال له المهرا، وله من الجزائر والأعمال ما لا يحصى عدده، ولو أراد مركب من مراكب البحر أن يطوف بجزائره لم يطفها في سنين عدة، وهو بحر لا يحصى ما فيه من العجائب ولملكه من جميع الافاوة الطيبة الكافور والعنبر والقرنفل والصندل والجوزة والبسباسة والقاقلا والعود وليس لملك من الملوك ما لملك هذا البحر من أصناف الطيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 ملحق «1» - 2 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 قد ذكرنا فيما سلف من هذا الكتاب جملا من ترتيب البحار المتصلة والمنفصلة، ونذكر في هذا الباب جملا من أخبار ما اتصل بنا من البحر الحبشي والممالك والملوك وجملا من ترتيبها وغير ذلك من أنواع العجائب فنقول أن بحر الصين والهند وفارس واليمن متصلة مياهها غير منفصلة على ما ذكرنا إلا أن هيجانها وركودها يختلف لاختلاف مهاب رياحها وأبان ثورانها وغير ذلك، فبحر فارس تكثر أمواجه ويصعب ركوبه عند لين بحر الهند واستقامة الركوب فيه وقلة أمواجه، ويلين بحر فارس ويقل أمواجه ويسهل ركوبه عند ارتجاج بحر الهند واضطراب أمواجه وظلمته وصعوبته عند ركوبه، فأول ما تبتدى صعوبة بحر فارس عند دخول الشمس السنبلة وقرب الاستواء الخريفى ولا يزال كذلك تكثر أمواجه كل يوم إلى أن تصير الشّمس إلى برج الحوت، فأشد ما يكون ذلك في آخر الخريف عند كون الشمس في القوس، ثم يلين إلى أن تعود الشمس إلى السنبلة، وآخر ما يكون ذلك في آخر الربيع عند كون الشّمس في الجوزا، وبحر الهند لا يزال كذلك إلى أن تعود الشمس إلى السنبلة فيركب حينئذ وأهدأ ما يكون عند كون الشمس في القوس. وبحر فارس يركب في سائر السنة من عمان إلى سيراف وهو مائة وستون فرسخا، ومن سيراف إلى البصرة مائة وأربعون فرسخا ولا يتجاوز في ركوبه غير ما ذكرنا من هذين الموضعين ونحوهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وقد حكى أبو معشر المنجم في كتابه المترجم بالمدخل الكبير إلى علم النجوم ما ذكرنا من اضطراب هذه البحار وهدوءها عند كون الشمس فيما ذكرنا من البروج، وليس يكاد يقطع من عمان بحر الهند في تير ماه الا مركب مغرر حمولته يسيرة، وتسمى هذه المراكب بعمان اذا قطعت إلى أرض الهند في هذا الوقت التير ماهية، وذلك ان بلاد الهند وبحر الهند يكون في اليسارة وهو الشتاء ودوام المطر في كانون، وكانون وشباط عندنا صيف وعندهم شتاء، كما يكون عندنا الحر في حزيران وتموز وآب فشتاؤنا، صيفهم وصيفهم شتاؤنا وكذلك سائر مدن الهند والسند وما اتصل بذلك إلى أقاصي هذا البحر، ومن شتى في صيفنا بأرض الهند قيل فلان يسر بأرض الهند أي شتا هنالك، وذلك لقرب الشمس وبعدها. والغوص على اللؤلؤ في بحر فارس انما يكون في أول نيسان إلى آخر أيلول وما عدا ذلك من شهور السنة فلا غوص فيها، وقد أتينا فيما سلف من كتبنا على سائر مواضع الغوص في هذا البحر، إذ كان ما عداه من البحار لا لؤلؤ فيه وهو خاص للبحر الحبشي من بلاد خارك وقطر وعمان وسرنديب وغيرها من هذا البحر، وذكرنا كيفية تكون اللؤلؤ وتنازع الناس في ذلك، ومن ذهب منهم إلى أن ذلك من المطر، ومن ذهب منهم إلى أن ذلك من غيره، وسفه صدف اللؤلؤ العتيق منه والحديث المسمى بالمحار والمعروف بالبلبل، واللحم الذي في الصدف والشحم وهو حيوان يفزع على ما فيه من اللؤلؤ والدر من الغاصة كخوف المرأة على ولدها، وقد أتينا على ذكر كيفية الغوص، وأن الغاصة لا يكادون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 يتناولون شيئا من اللحمان الا السمك والتمر لا غيرهما من الأقوات وما يلحقهم من شق أصول اذانهم لخروج النفس من هنالك بدلا من المنخزين، لأن المنخزين يجعلون عليها شيئا من الذبل، وهو ظهور السلاحف البحرية التي يتخذ منها الأمشاط أو من القرن يضمها كالمشقاص لا من الخشب، ويجعل في آذانهم القطن فيه شيء من الدهن فيعصر من ذلك الدهن اليسير في قعر الماء، فيضيء لهم بذلك البحر ضياء بيّنا، وما يطلون به على أقدامهم وأسواقهم من السواد، خوفا من بلع دواب البحر إياهم ونفورها من السواد وصياح الغاصة في قعر البحر كالكلاب وخرق الصوت الماء حتى يسمع بعضهم صياح بعض. وللغاصة والغواص أخبار عجيبة وللؤلؤ وحيوانه ما قد أتينا على أوصاف ذلك وصفات اللؤلؤ وعلاماته وأثمانه ومقادير أوزانه، فيما سلف من كتبنا. فأول هذا البحر مما يلي البصرة والابلة والبحرين من خشبات البصرة، ثم بحر لاروى وعليه بلاد صيمور اوقاته وسوبارة وتانة وسندان وكنباية وغيرها من الهند والسند، ثم بحر هركند، ثم بحر كلاه بار، وهو بحر كله والجزائر، ثم بحر كربدنج، ثم بحر الصنف، وإليه يضاف العود الصنفى وإلى بلاده، ثم بحر الصين وهو بحر صنجي ليس بعده بحر، فأول بحر فارس على ما ذكرنا خشبات البصرة والموضع المعروف بالكنكلا وهى علامات منصوبة من خشب في البحر معروشة علامات للمراكب إلى عمان المسافة ثلثمائة فرسخ، وعلى ذلك ساحل فارس وبلاد البحرين. ومن عمان وقصبتها تسمى سنجار والفرس يسمونها مرون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 إلى المسقط وهى قرية منها، يستقي أرباب المراكب الماء من أبار هنالك عذبة خمسون فرسخ. ومن المسقط إلى رأس الجمجمة خمسون فرسخا، وهذا آخر بحر فارس وطوله أربعمائة فرسخ هذا تحديد النواتية وأرباب المراكب. ورأس الجمجمة جبل يتصل ببلاد اليمن من أرض الشحر والاحقاف والرمل منه تحت البحر لا يدري إلى أين ينتهي غايته في الماء اعنى الجبل المعروف برأس الجمجمة. واذا كان ما وصفنا من الجبل في البر ومنه تحت البحر سمى في البحر الرومي السفالة من تلك السفالة في الموضع المعروف بساحل سلوقيا من أرض الروم واتصالها تحت البحر بنحو من جزيرة قبرص وعليها عطب أكثر مراكب الروم وهلاكها وإنما نعبر بلغة أهل كل بحر وما يستعملونه في خطابهم فيما يتعارفونه بينهم. فمن رأس الجمجمة تطلق المراكب إلى البحر الثاني. ومن بحر فارس وهو المعروف بلاروى لا يدرك قعره ولا يحصر كثرة من نهاياته ولا تضبط غاياته لغزر مائه واتساع فضائه، وكثير من البحريين يزعمون ان الوصف لا يحيط بأقطاره لما ذكرنا من تشعبه، وربما تقطعه السفن في الشهرين والثلاثة وفي الشهر على قدر مهاب الرياح والسلامة، وليس في هذه البحار أعنى ما اشتمل عليه البحر الحبشي أكبر من هذا البحر لاروى ولا أشد وفي عرضه بحر الزنج وبلادهم، وعنبر هذا البحر قليل، وذلك أن العنبر أكثره يقع إلى بلاد الزنج وساحل الشحر من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 أرض العرب وأهل الشحر اناس من قضاعة بن مالك بن حمير وغيرهم من العرب ويدعى من سكن هذا البلد من العرب المهرة أصحاب شعور وجمم، ولغتهم بخلاف لغة العرب وذلك انهم يجعلو الشين بدلا من الكاف، ومثل ذلك قولهم هل لش فيما قلت لي وقلت لش أن تجعل الذي معي في الذي معش، وغير ذلك من خطابهم ونوادر كلامهم. وهم ذو فقر وفاقه ولهم نجب يركبونها بالليل تعرف بالنجب المهربة وتشبه بالسرعة بالنجب البجاوية، بل عند جماعة انها أسرع منها فيسيرون عليها على ساحل بحرهم، فإذا أحست هذه النجب بالعنبر قد قذفه البحر بركت عليه قد ريضت لذلك واعتادته، فيتناوله الراكب. وأجود العنبر ما وقع الى هذه الناحية وإلى جزائر الزنج وساحله وهو المدور الأزرق النادر كبيض النعام أو دون ذلك، ومنه ما يبلعه الحوت المعروف بالأوال المقدم ذكره، وذلك أن البحر اذا اشتد هيجانه قذف من قعره العنبر كقطع الجبال أو أصغر على ما وصفنا فإذا ابتلع هذا الحوت العنبر قتله فيطفو فوق الماء ولذلك اناس يرصدونه في القوارب من الزنج وغيرهم فيطرحون فيه الكلاليب والحبال ويشقون عن بطنه ويستخرجون العنبر منه فما يخرج من بطنه يكون سميكا ويعرفه العطارون بالعراق وفارس بالند، وما لحق ظهر الحوت منه كان نقيا جيدا على حسب لبثه في بطن الحوت. وبين البحر الثالث وهو هركند والبحر الثاني وهو لاروى على ما ذكر جزائر كثيرة هى فرز بين هذين البحرين، ويقال انها نحو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 من ألفى جزيرة وفي قول المحق ألف وتسعمائة جزيرة، كلها عامرة بالناس. وملكة هذه الجزائر كلها امرأة وبذلك جرت عادتهم من قديم الزمان لا يملكهم رجل، والعنبر يوجد في هذه الجزائر يقذفه البحر، ويوجد في بحرها كأكبر ما يكون من قطع الصخر. وأخبرني غير واحد من نواخذة السيرافيين والعمانيين بعمان وسيراف وغيرها من التجار ممن كان يختلف إلى هذه الجزائر أن العنبر ينبت في قعر هذا البحر، ويتكون كتكون أنواع الفطر من الأبيض والأسود والكماة والمغاريد ونحوها، فإذا خبث البحر واشتد قذف من قعره الصخور والأحجار وقطع العنب، وأهل هذه الجزائر جميعها متفقوا الكلمة لا يحصرهم العدد لكثرتهم، ولا تحصى جيوش هذه المتملكة عليهم. وبين الجزيرة والجزيرة نحو الميل والفرسخ والفرسخين والثلاثة. ونخلهم نخل النارجيل لا يفقد من النخل الا التمر، وقد زعم أناس ممن عنى بتوليدات الحيوان وتطعيم الأشجار أن النارجيل هذا المقل، وانما اثرت فيه تربة الهند حين غرس فيها فصار نارجيلا، وإنما هو المقل، وقد ذكرنا في كتابنا المترجم بكتاب القضايا والتجارب ما تؤثره كل بقعة من بقاع الأرض وهواءها في حيوانها من الناطقين وغيرهم، وما تؤثر البقاع في النامي من النبات مما ليس بنام مثل الحمار، كتأثير أرض الترك في وجوههم وصغر أعينهم حتى آثر ذلك في جمالهم فقصرت قوائمها وغلطت رقابها وابيض وبرها، وأرض يأجوج ومأجوج في صورهم وغير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 ذلك مما اذا تبينه ذو المعرفة في سكان الأرض من المشرق والمغرب وجده على ما ذكرنا. وليس يوجد في جزائر البحر ألطف صنعة من أهل هذه الجزائر في سائر المهن والصنائع في الثياب والآلات وغير ذلك. وبيوت أموال هذه الملكة الودع، وذلك ان الودع فيه نوع من الحيوان، فإذا قل مالها أمرت أهل هذه الجزائر فقطعوا من سعف نخل النارجيل بخوصه وطرحوه على وجه الماء فيتراكب عليه ذلك الحيوان فيجمع ويطرح على رمل الساحل فتحرق الشمس ما فيه من الحيوان ويبقى الودع خاليا مما كان فيه فيملأ من ذلك بيوت الأموال. وهذه الجزائر تعرف جميعها بالدبجات ومنها يحمل أكثر النارنج وهو النارجيل. وآخر هذه الجزائر جزيرة سرنديب، ويلي سرنديب جزائر أخرى نحو من ألف فرسخ تعرف بالرامنى معمورة فيها ملوك وفيها معادن ذهب كثيرة، ويليها بلاد فضور، وإليها يضاف الكافور الفضورى، والسنة التى تكون كثيرة الصواعق والبروق والرجف والقذف والزلازل يكثر فيها الكافور، واذا قل ذلك نقص في وجوده. وأكثر ما ذكرنا من هذه الجزائر غذاؤهم النارجيل، ويحمل من هذه الجزائر خشب البقم والخيزران والذهب، وفيلتها كثيرة، ومنهم من يأكل لحوم الناس. ويتصل هذه الجزائر بجزائر النجمالوس، وهم أمم عجيبة عراة يخرجون في القوارب عند اجتياز المراكب بهم معهم العنبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 والنارجيل وغير ذلك، فيتعاوضون بالحديد وشيء من الثياب، ولا يبيعون ذلك بالدّراهم والدنانير. ويليهم جزائر يقال لها ابرامان فيها أناس سود عجيبين الصور والمناظر مفلفوا الشعور، قدم الواحد منهم أكبر من الذراع، لا مراكب لهم فإذا وقع الغريق اليهم ممن قد كسر به في البحر أكلوه، وكذلك فعلهم بالمراكب اذا وقعت إليهم. وذكر لي جماعة من النواخذة أنهم ربما رأوا في هذا البحر سحابا أبيض قطعا صغارا يخرج منه لسان أبيض طويل حتى يتصل بماء البحر، فإذا اتصل به غلا البحر لذلك وارتفعت منه زوابع عظيمة لا تمر زوبعة منها بشيء إلا أتلفته، ويمطرون عقيب ذلك مطرا زهكا، فيه أنواع من قذا البحر. فأما البحر الرابع هو كلاه بار على حسب ما ذكرناه وتفسير ذلك بحر كله، وهو بحر قليل الماء وإذا قل ماء البحر كان أكثر لافاته وأشد لخبثه، وهو كثير الجزائر والصرائر، واحدها صر، وذلك أن أهل المراكب يسمون ما بين الخليجين إذا كان طريقهم فيه الصرّ. ولهذا البحر أنواع من الجزائر والجبال عجيبة، وإنما غرضنا تلويح لمع من الأخبار عنها لا البسط. وكذلك البحر الخامس المعروف بكردنج فكثير الجبال والجزائر فيه الكافور وماء الكافور، وهو قليل الماء كثير المطر لا يكاد يخلو منه فيه أجناس من الأمم، منهم جنس يقال لهم الفنجب شعورهم مفلفلة وصورهم عجيبة يعرضون في قوارب، لهم لطاف للمراكب اذا اجتازت بهم، ويرمون بنوع من السهام عجيب قد اسقى السم. وبين هذه الأمة وبين بلاد كله معادن الرصاص الأبيض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وجبال من الفضة، وفيه أيضا معادن ذهب ورصاص لا يكاد يتميز. ثم يليه بحر الصنف على ما رتبنا آنفا وفيه مملكة المهراج ملك الجزائر، وملكه لا يضبط كثرة، ولا تحصى جنوده ولا يستطيع أحد من الناس أن يطوف في أسرع ما يكون من المراكب بجزائره في سنتين، وقد حاز هذا الملك أنواع الأفاويه والطيب، وليس لأحد من الملوك ما له وما يتجهز به من بلاده ويحمل من أرضه الكافور والعود والقرنفل والصندل والجوزبوا والبسباسة والقاقلة والكبابة وغير ذلك مما لم نذكره، وجزائره تتصل ببحر لا يدرك غايته ولا يعرف منتهاه وهو مما يلي بحر الصين. وفي أطراف جزائره جبال كثيرة فيها الناس مخزمون الآذان بيض الوجوه كقطع التراس مطرقة، يجزّون شعورهم كما يجز الشعر من الزق مدرجا، تظهر من جبالهم النار بالليل والنهار، فنهارها نار حمراء، وبالليل تسود وتلحق بأعنان السماء بعلوها وذهابها في الجو تقذف بأشدّ ما يكون من صوت الرعود والصواعق وربما يظهر منها صوت عجيب مفزع ينذر بموت ملكهم وربما يكون أخفض من ذلك فينذر بموت بعض رؤسائهم، قد عرف بما ينذر من ذلك لطول العادات والتجارب على قديم الزمان وان ذلك غير مختلف، وهذه أحد اطام الأرض الكبار. ويليها الجزيرة التي يسمع منها على دوام الأوقات أصوات الطبول والسرنايات والعيدان، وسائر أنواع الملاهي المطربة المستلذة، ويسمع ايقاع الرّقص والتصفيق، ومن يسمع ذلك يميز بين صوت كل نوع من الملاهي المطربة وغيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 والبحريون ممن اجتاز بتلك الديار يزعمون ان الدجال بتلك الجزيرة. وفي مملكة المهراج جزيرة سريرة يكون مسافتها في البحر نحو من أربعمائة فرسخ وعمائرها متصلة، وله جزائر الرانج والرامى وغير ذلك مما لا يؤتي على ذكره من جزائره وملكه، وهو صاحب البحر السادس وهو بحر الصنف. ثم البحر السابع وهو بحر الصين على ما رتبنا آنفا ويعرف ببحر صنجي وهو بحر خبيث كثير الموج والخب، وتفسير الخب الشدة العظيمة في البحر، وإنما نخبر عن عبارة أهل كل بحر وما يستعملونه في خطابهم، وفيه جبال كثيرة لابد للمراكب من النفوذ بينها، وذلك أن البحر إذا عظم خبه وكثر موجه ظهر منه أشخاص سود طول الواحد منهم نحو الخمسة الأشبار أو الأربعة كأنهم أولاد الأحابيش الصغار شكلا واحدا وقدّا واحدا، فيصعدون على المراكب ويكثر منهم الصعود من غير ضرر، فإذا شاهد الناس ذلك تيقنوا الشدة فإن ظهورهم علامة للخب، فيستعدون لذلك فمبتلي ومعافي، فإذا كان ذلك فربما شاهد المعافي فمنهم في أعلى الدقل ويسميه أرباب المراكب في بحر الصين وغيره الدقل، وتسميه رجال البحر الرومي الصاري، شيئا على صورة الطائر يورى يتوقد لا يستطيع الناظر منهم على مليء بصره منه ولا ادراكه كيف هو، فإذا استقل على أعلى الدقل يرون البحر يهدءا والأمواج تصغر والخب يسكن، ثم ذلك النور ينفد فلا يدري كيف أقبل ولا كيف ذهب، فذلك علم الخلاص، ودليل النجاة، وما ذكرنا فلا تناكر فيه عند أهل المراكب والتجار من أهل البصرة وسيراف وعمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وغيرهم ممن قطع هذه البحار، وما ذكرناه عنهم فممكن غير ممتنع ولا واجب اذ كان جائز في مقدور الباري عزّ وجلّ خلاص عباده من الهلاك واستنقادهم من البلا. وفي هذا البحر نوع من السراطين تخرج من البحر كالذراع والشبر وأصغر من ذلك وأكبر، فإذا أبان عن الماء بسرعة حركة وصار على البرصارت حجارة وزال عنها الحيوانية، وتدخل تلك الحجارة في اكحال الأعين وأدويتها وأمره مستفيض أيضا. وليس بعد بلاد الصين مما يلي البحر ممالك تعرف ولا بلاد توصف إلا بلاد السيلى وجزائرها، ولم يصل إليها من الغرباء أحد من العراق ولا غيرها فخرج عنها لصحة هواها ورقة ماءها وجودة تربتها وكثرة خيرها الا النادر من الناس، وأهلها مهادنون لأهل الصين وملوكها والهدايا منهم لا تكاد تنقطع وقد قيل انهم شعب من ولد عامور سكنوا هنالك على حسب ما ذكرنا من سكنى أهل الصين في بلادهم. وللصين انها كبار مثل الدجلة والفرات تجري من بلاد الترك والتبت والصّغد، وهم بين بخارى وسمرقند. وهنالك جبال النوشادر، فإذا كان في الصيف رأيت في الليل نيران فارتفعت من تلك الجبال من نحو مائة فرسخ وبالنهار يظهر منها الدخان يغلبه شعاع الشمس وضوءها وضوء النهار ومن هنالك يحمل النوشادر فإذا كان في أول الشتاء فمن أراد من بلاد خراسان أن يسلك إلى بلاد الصين صار إلى ما هنالك وهنالك واد بين تلك الجبال طوله أربعين ميلا أو خمسون ميلا فيأتي إلى أناس هنالك إلى فم الوادي فيرغبهم في الأجرة النفيسة فيحملون ما معه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 على أكتافهم، وبأيديهم العصى يضربون جنبيه خوفا ان يثلج ويقف فيموت من كرب الوادي، وهو يحضر أمامهم حتى يخرجون إلى ذلك الرأس من الوادي. وهنالك غابات ومستنقعات لها فيطرحون أنفسهم في ذلك الماء لما قد نالهم من شدة الكرب وحرّ النوشادر ولا يسلك ذلك الطريق شيء من البهائم، لأن النوشادر يلهب نارا في الصيف فلا يسلك ذلك الوادي داع ولا مجيب، فإذا كان الشتاء وكثرت الثلوج والأنداء وقع ذلك على الموضع فأطفأ حرّ النوشادر ولهيبه، فيسلك الناس حينئذ ذلك الوادي والبهائم لا صبر لها على ما ذكرنا من حرّه، وكذلك من ورد من بلاد الصين فعل به من الضرب ما فعل بالمارّ. والمسافة بين بلاد خراسان على الموضع الذي ذكرنا إلى بلاد الصين نحو من أربعين يوما بين عامر وغامر ودهاس ورمال، وفي غير هذا الطريق مما يسلكه البهائم نحو من أربعة أشهر إلا أن ذلك في خفارات أنواع من الترك. وقد رأيت ببلخ شيخا جميلا ذا رأى وفهم وقد دخل الصين مرارا كثيرة ولم يركب البحر قط، وقد رأيت عدة من الناس ممن سلك من بلاد الصغد على جبال النوشادر إلى أرض التبت والصين ببلاد خراسان، وبلاد الهند متصلة ببلاد خراسان والسند مما يلى المنصورة والمولتان والقوافل متصلة من السند إلى خراسان وكذلك إلى الهند إلى أن تتصل هذه الديار ببلاد زابلستان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 كشاف عام بالأعلام والبلدان والألفاظ العلمية والحضارية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 آجر: 49 آدم: 19 الإبل: 36، 39 الابنوس: 66، 89 أبواب الصين: 92 الأترج: 32 الأجاص: 32 إحراق أهل الهند انفسهم: 78 أدقال: 86 الأدلاء: 56 أرباب المراكب: 56 الارز: 32، 33، 83، 78 ارسطوطاليس: 87 أرض العرب: 68 الأسد: 50 بنو اسرائيل: 62، 77 الإسكندر: 75، 78 الأسمانجوني: 19 الأسواق: 64، 78 الأصنام: 49 الأفاوية: 66 الأفواه: 89 أقبية: 51، 59 الأقراص: 92 الأكاسرة: 55 أنابيب: 77 الأنبياء: 62، 63 الأنجدانة: 91 أندامان: 21 أهل الساحل: 79، 80 أهل الصناعات: 83 أهل الصين: 60 الأنهار: 51 الايارجات: 87 باشو: 54 البال: 90 الببغاوات: 89 بتومه: 28 البحار: 55 بحر الروم: 65 بحر الشام: 64، 65 بحر الصين: 64، 65 بحر عدن: 65 بحر القلزم: 65، 89 بحر الهند: 64، 65، 89 البحرين: 91، 92 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 البحريون: 39 البد: 84 البدده: 49، 50 البراني: 75 البراهمة: 83 بربرا: 89 البربر: 88 بزاة: 92 البسد: 94 البصرة: 24، 63، 67، 90 ، 93 البطيخ: 32 بغال البريد: 63، 77 البغبون: 44 البقر: 36 البقم: 20، 66، 89 بلاد العرب: 59 بلهرا: 34، 35، 78 بمذو: 55، 75 البنا: 81 بنات نعش: 23 بنى كاوان: 30 البوق: 20، 38 بيت المال: 57، 58 بيت نبوة العرب: 61 البيكرجيين: 84 بيوت: 58 التاجر: 80 التاجر الخراساني: 72، 73 تايو: 45 التبابعة: 88 تبت: 52، 55، 75، 76 التبر: 35 تجار العرب: 54 الترجمان: 61، 62، 63 الترك: 51، 55، 65 التفاح: 32 التمر: 86 بنو تميم: 77 التناسخ: 50، 55 التوت: 54 التين: 32 ثعلب: 92 ثلاج: 67 ثنوية: 81 ثياب. ثوب الحرير: 59، 60 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 الثياب الصمر: 36 الجادم: 68 الجار: 88 جائزة: 63 جبل قاف: 15 جبل النار: 31 الجترة: 93 جدّر: 71 جدة: 88، 89 الجربي: 80 جرس: 42، 43 جرهم: 88 الجزائر: 85 الجزر: 34، 35، 65، 67 جزر الهند: 28 جزيرة ابن كاوان: 25 جزيه: 42 جلود النمر: 88 الجلوز: 32 الجليدية: 79 الجماجم: 42، 84 جنابة: 50 جنود: 51 الجهاز: 53، 83 الجوز: 32 الجوزبو: 89 الجوهر: 81، 92، 93 الحبشة: 88 حبل: 39 أبو حبيش: 15 حجر الأدوية: 45 الحديد: 27 الحرامات: 83 حرشات: 89 الحرير: 31، 32، 54، 59 الحقاق: 94 حمير: 39، 88 الحنطة: 32، 49 الحواريون: 62 الحيض: 50 حيوان الكحل: 31 خاتم: 35 خاقان: 52 خانفو: 23، 30، 38، 42، 54، 59، 61، 63، 71، 73، 75 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 ختان: 49 خدم: 58، 59، 68 خرابات: 86 خراج: 42، 58 خراسان: 71، 73، 75 الخزينة: 45 خشب: 49 خشب المراكب: 65 الخشنامي: 22 خصي: 38، 41، 43، 58، 59، 71، 73، 74 خصيان الملك: 64 خطفوا: 25 الخل: 32 الخليج: 65 خمدان: 54، 55، 64، 61، 71 خمر: 32 الخنازير: 32 خنجر: 71، 79، 80 الخواتيم: 94 الخور: 30 خوص النارجيل: 93 الخيار: 89 خيل: 51 الداذي (عسل) : 81 دارا: 55 الدبيجات: 19 دجلة: 67 الدخريص: 18 درج: 62 الدردور: 25 الدرك: 39 درهم. دراهم: 35، 36، 57 الدرهم البغلي: 58 الدن: 80 الدنانير السندية: 93، 94 الدهن: 38 دهن الجوز: 82 دهن السمسم: 82 الدهنج: 94 الدواوين: 75 دود القز: 54 الدونته: 85 الديكة: 67، 82 ديفو: 41 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 دينار: 85 الديوان: 43 ديوان الزواني: 57 الذبل: 39، 89 ذراع: 49 الذئاب: 50، 57 الرامني: 20 الرامي: 66 الربابنة: 56 ربيعة: 77، 78 الرصاص القلعى: 66 الرطبة: 42 الرعية: 64 الرقاع: 61 الرهان: 32 الرهون (جبل) : 19 الروم: 87 الريحان: 78 الزابج: 31، 66، 68، 69، 71 الزباد: 89 الزعفران: 45 الزمرد: 94 الزنج: 86، 89 الزواج: 49 الزواريق: 27 الزيت: 82 زيلع: 89 الساخ: 42 سبائك النحاس: 39 سبيكة: 67 السحر: 89 السحرة: 73 السدنة: 85 السراويل: 32 سربزه (جزيرة) : 66 السرقة: 48 سرنديب: 15، 19، 20، 30، 45، 46، 80، 81 السعر: 42 السفرجل: 32 السفن: 24 السفن الصينية: 25 سفينة: 62 سقوطرة: 78 السقوف: 83 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 السكر: 27 سكك: 64 السلاحف: 89 سلاسل: 86 السلسلة: 71 سمرقند: 75 سمك: 31 سنبل الطيب: 75 السندروس: 78 سواك: 50، 70 سيراف: 24، 25، 54، 56 ، 57، 60، 63، 65، 75، 83، 89، 90، 90، 93 السيرافى (ابو زيد الحسن) : 53 السيف: 54 سيف بن الصفاق: 25 السيلا: 52، 65 شارع: 64 الشام: 65، 87 الشحر: 88 الشطار: 54 الشعراء: 83 شلاهط: 21 الشنك: 19 الشهدانج: 58 الصبر: 39، 78، 89 صحار: 26 الصدف: 91 الصفر: 75 الصمان: 92 الصناعات: 60 صناديق: 58 صنجي: 29 الصندل: 89 صندر فولات: 29، 45، 66 صنف: 28 صنم: 81، 85 الصنوج: 48 صور: 60 صور الأنبياء: 62 الصياصي: 82 الصين: 24، 30، 30، 31، 33، 36، 37، 38، 43، 44، 45، 47، 48، 50، 52، 53، 54، 55، 56، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 58، 59، 60، 61، 63، 64، 65، 66، 71، 72، 75، 77 الصينيات: 38، 48، 49 الصينيون: 39 الطاطرية: 34 الطافن: 35 الطافي: 35 الطب: 50 الطبول: 38، 48 طست: 70 الطوائف: 87 طوسنج: 40 الطواويس: 89، 93 الطوفان: 62 الطوقام: 41 الطين: 58 ظباء المسك: 75، 89 ظبي المسك: 49 العاج: 66، 70، 89 عاد: 88 العامة: 64 عتب: 58 عجل (عجلة) : 58 العجم: 61 عدن: 88 العراق: 61، 71 العرب: 42، 56، 50، 86، 87 عسل: 32، 50 العمائم: 33 عمارة: 50 عمان: 24، 25، 56، 66، 85، 88 العنب: 32 العنبر: 17، 21، 23، 37، 65، 88، 89، 90 العنقتوس: 17 العود: 89 العود القمارى: 68 عيسى عليه السلام: 62، 88 الغب: 81 الغبيراء: 32 الغدير: 67 الغضار: 39 غضارة: 93 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 غلمان الدار: 64 غلمان القواد: 64 غوز: 15 فارس: 55 فاس: 82 فدية: 80 فراسخ، فرسخ: 18، 42، 66، 90 الفستق: 32 الفضة: 35 الفطر: 17 الفغاعي: 89 الفكوج (عملة) : 39، 44 الفلاسفة: 50، 83 فلس، فلوس: 38، 44، 57 ، 58 فنصور: 20 الفوط:، الفوطة: 28، 29، 51 الفيل. الفيلة: 36، 61، 82 قامرون (بلد) : 85 القثاء: 32 قحاب البد: 84 القراطيس: 50 القراطيس الصينية: 33 القرنفل: 89 قريش: 60 قصب السكر: 31، 32 قصر: 67 القضاء. القضاه: 49، 74 القلانس: 33 القلزم (بحر) : 88، 89 القلوس: 86 القمار (بلد) : 68، 70، 71 القمار (اللعب) : 82 القميص: 33، 59 قناة: 79، 80، 58 قنوج: 84 قهارمة: 64 قهرمان: 67 قواد: 68 القوارير: 39 القيرنج: 37 الكاشبين: 37 الكافور: 20، 38، 39، 45 ، 66، 89 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 الكبتح: 18 كتان: 45 كدرنج: 28 كراسي: 90 الكركدن: 36، 39 كسرى: 34 كسير وعوير: 25 كلابار: 27، 28 كلاليب: 90 كله (جزيرة) : 66 كم القميص: 59 الكمأة: 17 الكمثرى: 32 الكمكم: 34 الكنيفية: 79 الكهان: 83 كواسج: 27 الكوشان: 32 كولم: 26 الكي: 50 لاروي: 17 اللبان: 88 اللبن الذهبية: 68 لحية: 49 اللخم: 23 اللشك: 16، 19 لقشى: 41 لنجبالوس: 21، 26 اللؤلؤ: 19، 39، 89، 91، 92، 93 ليف النار: 86 لينجون: 41 المابد: 37 المجوس: 33، 54 المحصن: 56 المخزمون الأنوف: 86 المد. المدود: 67، 81 مدائن: 51 مدينة السلام: 90 المرأة: 71 مراكب الخاصة: 91 مراكب الروم: 65 مراكب الشام: 65 المراكب المخزومة: 65 المرجان: 94 مركب. مراكب: 60، 61، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 63، 70، 71، 91 مساويك: 62 مسالح: 43 مسقط: 25، 76 المسك الصيني: 75 مسلم: 51 مشط: 33 المشمش: 32 مصر: 78، 87، 89 المطر: 83 مغاص اللؤلؤ: 80 مفاوز: 51 ملجان: 30 الملح: 42 الملك: 59، 60، 61، 63، 64، 74، 78 ملك الترك: 61 ملك الروم: 61 ملك العجم: 61 ملك العراق: 61 ملك القمار: 68، 69، 71 ملك الهند: 51، 61 ملوك الصين: 77 ملوك الطوائف: 55 ملوك الهند: 92 مملكة الجوز: 84 من. منا: 45، 67، 85 المنازل: 64، 83 المناطق. مناطق: 39، 50 المند: 90 المنصورية: 85 الموجه: 37 الموز: 27، 32 موسى (عليه السلام) : 62 مولتان (صنم) : 85 المهراج: 66، 67، 68، 69، 70، 71 الميج: 16 الميرة: 64 ناب الفيل: 77 النارجيل: 17، 18، 20، 21، 27، 31، 32، 85، 93 الناطف: 33 النبق: 32 النبي (صلّى الله عليه وسلم) : 62 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 النبيذ: 32، 33 نحاس: 85 النخل: 64 النصارى: 15، 54 النعال العربية: 62 النفط: 79 النمور: 50، 87 النواخذة: 56 نوافج المسك: 75، 76 نواقيس: 59 نوح (عليه السلام) : 62 النورة: 39 النيان (جزيرة) : 20 هبار بن الأسود: 60 الهرابة: 28 هركند: 17، 19، 21، 23، 26، 28، 81 الهند: 28، 30، 33 34، 35، 36، 45، 46، 49، 50، 51، 53، 62، 71، 73 ، 78، 79، 80، 81، 85 هيكل. هياكل: 81، 85 الوال: 16 الودع: 18، 35، 36 الودك: 90، 91 ورق الموز: 78 الوزراء: 70، 71 ولاة الخراج: 58 ابن وهب: 60، 62 الياقوت: 19 اليسارة: 83 اليمن: 88 اليهود: 54، 81 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139