الكتاب: رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت المؤلف: عبيد الله بن سعيد بن حاتم السجزيّ الوائلي البكري، أبو نصر (المتوفى: 444هـ) المحقق: محمد با كريم با عبد الله الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية الطبعة: الثانية، 1423هـ/2002م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت عُبَيْد الله السِّجْزي الكتاب: رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت المؤلف: عبيد الله بن سعيد بن حاتم السجزيّ الوائلي البكري، أبو نصر (المتوفى: 444هـ) المحقق: محمد با كريم با عبد الله الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية الطبعة: الثانية، 1423هـ/2002م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت. تأليف: أبي النصر عبيد الله بن سعيد ابن حاتم الوائلي السجزي. بسم الله الرحمن الرحيم ال مقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومِن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} . أما بعد: فإن من تمام حفظ الله تبارك وتعالى لهذا الدين أن هيأ له علماء عاملين، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. ولقد كان في كل عصر منهم أفاضل لهم في الذّبِّ عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والرّدِّ على أهل البدع والانحراف جهود مشكورة، وآثار مشهورة. كان من أعلامهم في القرن الخامس الهجري إمام من أئمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 أوراقها، وعدد أسطرها وكلماتها. ونوع الخط ووصفه وذكرت نماذج منه، وأخيرا السماعات والتملكات التي على النسخة. الفصل الثالث: منهجي في التحقيق والصعوبات التي واجهتها والاصطلاحات والرموز التي استعملتها. القسم الثاني: الكتاب المحقق. وقد ذكرت في منهجي في التحقيق كيفية العمل فيه. ولقد حرصت على أن أخرج الكتاب على الصورة التي تركه عليها المؤلف وبذلت في ذلك قصارى جهدي فإن وفقت لذلك وأصبت فمن عند الله وله المنة. وإن زل قلمي، أو نبا فهمي أو قصر عن إدراك المراد علمي فكل ذلك مني، وعذري أني قد استنفدت في البحث طاقتي، ولم أبخل في ذلك بجهد ولا وقت. واستغفر الله لذنبي. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 السنة أبلى في الذود عن حياض السنة وعقيدة السلف، والرد على المخالفين بلاءً حسناً، هو شيخ السنة في عصره الإمام أبو نصر عبيد الله ابن سعيد الوايلي السجزي (444هـ) . ولقد وقفت على مصنف جليل من مصنفات هذا الإِمام في الرد على من أنكر الحرف والصوت في كلام الله عز وجل، فألفيته سار فيه على منهج السلف وقرر ما دل عليه الدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، في هذه المسألة تقريراً أجاد فيه وأفاد رحمه الله تعالى. فرأيت أن في تحقيقه وإخراجه خدمة للسنة وأهلها. فعقدت العزم على ذلك واخترته ليكون أطروحتي لنيل درجة الماجستير، وقد شجعني على اختياره أفاضل من أساتذتي ومشايخي الكرام، ممن عرفوا بالحرص على عقيدة السلف والذب عن السنة، أجزل الله مثوبتهم. وإن من أهم الأسباب التي حفزتني لاختيار هذا الكتاب دون غيره، ما يأتي: أولا: أن مسألة الحرف والصوت من المسائل الدقيقة التي زلت فيها أقدام طوائف من المسلمين فالحاجة ماسة لبيان القول الحق فيها. ثانيا: أن هذا الكتاب يعد من أهم الكتب وأقدم المصنفات التي أفردت هذه المسألة بالتأليف، وقد فصل فيه المؤلف القول فيها، واستدل لمذهب السلف وانتصر له، ورد على المخالفين وبين بطلان ما تعلقوا به من شبهات ظنوها أدلة تؤيد ما ذهبوا إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 ثالثا: أن في تحقيقه وإخراجه إحياءً لتراثنا الإِسلامي، وإبرازاً لجهود سلفنا الصالح، الذين أثروا المكتبة الإِسلامية بما صنفوا من كتب قيمة في شتى الفنون. هذا وقد قسمت العمل في تحقيق الكتاب ودراسته إلى قسمين، الأول: في دراسة المؤلف والكتاب، والثاني: في تحقيق الكتاب. قدمت بين يدي ذلك: مدخلا. في نشأة الكلام في مسألة كلام الله عز وجل وفق الخطة التالية: المدخل: ويشتمل على ثلاثة مباحث: الأوّل: عرض تاريخي لظهور الكلام في هذه المسألة. الثاني: افتراق الناس في المسألة وأهم وأشهر الأقوال التي انتهوا إليها فيها. الثالث: في ذكر نماذج من المؤلفات التي ألفت فيها وعنيت ببيان منهج السلف. القسم الأول: ويشتمل على بابين: الباب الأوّل: في التعريف بالمؤلف. وفيه فصول ثلاثة: الفصل الأوّل: في عصر المؤلف، ودرست فيه الحالة السياسية في عصره وأوضحت أنه عصر انحسار نفوذ الخلفاء ونشوء الدويلات داخل دولة الخلافة. كما بينت الحالة الاجتماعية: وأنها سيئة جداً غلب عليها تفشي الغلاء واضطراب نظام الأمن في البلاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 ثم تعرضت للحالة العلمية: وبينت: أنها كانت مزدهرة في عصره، جنى فيها علماء العصر ما غرسه الأسلاف في ذلك. وأخيرا: ختمت بالحالة الدينية، وكيف أنها كانت متأثرة بالحالة السياسية إلى حد كبير. الفصل الثاني: في ترجمته: ذكرت فيها: اسمه، ونسبته، وكنيته ومولده، وموطنه ونشأته، ثم وفاته. الفصل الثالث: في حياته العلمية وثقافته وتحدثت فيه عن بيئته العلمية، رحلته في طلب العلم، أشهر شيوخه، وأشهر تلاميذه، وثقافته، مؤلفاته وآثاره، مكانته العلمية وثناء الناس عليه، ومذهبه الفقهي، وعقيدته. الباب الثاني: في التعريف بالكتاب، ووصف المخطوطة ومنهج التحقيق، وفيه ثلاثة فصول: الفصل الأول: في التعريف بالكتاب وبينت فيه: اسمه، وتوثيق نسبته للمؤلف، وموضوعه، وسبب التأليف، وتاريخه، ومكانه، ومنهج المؤلف وأسلوبه فيه، وموارده، ومصادره فيه، وأخيراً قيمته العلمية، ثم نقده والمآخذ عليه. الفصل الثاني: التعريف بالمخطوطة ووصفها. وبينت الأمور التالية: الاسم المثبت على غلافها، ناسخها، وتاريخ نسخها، وسندها، وعدد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 تمهيد تدور أبحاث هذا الكتاب حول مسألة من أهم المسائل في باب العقيدة، وهي مسألة كلام الله عز وجل. تلك المسألة التي شدَّت إليها أنظار العالم الإسلامي ردحا من الزمن لكثرة ما دار حولها من الجدل والخلاف الذي وصل إلى حد استعمال القوة والسلطان فحصل بذلك من الفتنة والمحنة ما هو معلوم ومدون في مظانه. واستكمالا للفائدة أحببت أن أقدم بين يدي الكتاب ودراسته، مدخلا أبين فيه الأمور الآتية: أولاً: عرضا تاريخيا لظهور الكلام في هذه المسألة. ثانياً: افتراق الناس فيها وأهم وأشهر الأقوال التي انتهوا إليها. ثالثاً: ذكر نماذج من المؤلفات التي ألفت فيها وعنيت ببيان منهج السلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 المبحث الأوّل: عرض تاريخي لظهور الكلام في هذه المسألة: لم يؤثر عن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم الكلام في هذه المسألة ولم تعرف في زمنهم، بل كان الناس يؤمنون بجميع ما جاء في كتاب الله عز وجل، بما في ذلك إخباره سبحانه عن نفسه بأنه ينادي ويتكلم ويبصر ويسمع إلى غير ذلك في دائرة قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} . ثم سار التابعون بعدهم على ذلك المنهج الراشد من الإيمان بكل ما جاء في كتاب الله عز وجل أوفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فمتى حدث القول في هذه المسألة؟ ومن أول من أحدث ذلك؟. أول من أظهر القول بإنكار كلام الله: تشير المصادر التي بين أيدينا إلى أن: أول من عرف1 عنه إظهار القول بإنكار تكلم الله عز وجل هو (الجعد بن درهم ت 124هـ) وذلك في أواخر أيام دولة بني أمية، إذ كان الجعد مؤدباً لمروان الجعدي أو مروان الحمار آخر خلفاء بني أمية. ولما أظهر مقالته طلبه بنو أمية فهرب إلى الكوفة ثم قتله بها خالد بن عبد الله القسري- عامل بني أمية فيها- في يوم عيد الأضحى حيث   1 انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2/ 382، والبداية والنهاية 9/ 35، وفتاوى ابن تيمية 2 1/ 26، والوسائل في معرفة الأوائل للسيوطي 121. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 خطب الناس وقال في خطبته: "أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليماً، تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا ثم نزل فذبحه في أصل المنبر" 1. لكن قبل أن يقتل هذا الضال كان قد أوحى ببدعته إلى (الجهم بن صفوان الترمذي ت 128 هـ) 2 حيث لقيه بالكوفة وأخذ عنه، ثم نُفِيَ إلى ترمذ وبقي إلى أن قتله بأصبهان وقيل بمرو سلم بن أحوز. ثم تلقف هذه المقالة عن أتباع جهم، بشر المريسي (ت 218) 3 الذي كان عين الجهمية وعالمهم في عصره4.   1 انظر البداية والنهاية 9/ 350، وسرح العيون لابن نباته 293، وميزان الاعتدال للذهبي 1/ 399. 2 جهم بن صفوان أبو محرز السمرقندي، الضال المبتدع، رأس الجهمية، قال الذهبي: هلك في زمان التابعين وما علمته روى شيئا، لكنه زرع شراً عظيماً. ميزان الاعتدال 1/426 قتل سنة 128 0 انظر: البداية والنهاية 10/27. 3 وهو: بشر بن غياث بن أبي كريمة المريسي، كان من أصحاب الرأي، اشتغل بعلم الكلام وجرد القول بخلق القرآن، وحكي عنه أقوال شنيعة، ومذاهب مستنكرة كفره أهل العلم بسببها وإليه تنسب الطائفة المريسية، توفي سنة 218. انظر ترجمته لدى: الخطيب البغدادي تاريخ بغداد 7/56، وابن خلكان وفيات الأعيان 1/277، وابن كثير البداية والنهاية 10 / 281، والذهبي ميزان الاعتدال: 1/ 322. 4 انظر: سير أعلام النبلاء10/ 200. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 ثم أخذ عن بشر أحمدُ بن أبي دؤاد1 الرجل الذي أغرى المأمون العباسي بالمحنة وإجبار الناس على القول بخلق القرآن فافتتن خلق كثير وثبت إمام السنة – أحمد بن حنبل رحمه الله- على الحق وصبر على الضرب والأذى. الجذور التاريخية لهذه المسألة: لقد عرفنا فيما سبق أن أول من تفوه بنفي كلام الله عز وجل- من أهل القبلة- هو الجعد بن درهم، كما عرفنا خلفاءه الذين ورثوا عنه هذا القول وأضلوا به خلقاً وأناسي كثيراً. لكن هل بوسعنا أن نعرف من أين للجعد هذه المقالة الخبيثة؟. بين أيدينا نص ذكره ابن عساكر وغيره مفاده: (أن الجعد بن درهم أخذ هذا القول عن بيان بن سمعان 2، وبيان أخذه عن طالوت بن أخت لبيد بن الأعصم، وطالوت أخذه عن خاله لبيد- ذلك اليهودي الذي سحر رسول الله والذي كان يقول بخلق التوراة 3.   1 وهو: أحمد بن فرج بن حريز الإيادي الجهمي، كان داعية إلى خلق القرآن، توفي سنة 240 هـ المصدر السابق 11/169. 2 هو بيان بن سمعان النهدي من بني تميم، ظهر بالعراق بعد المائة، وقال بإلهية علي، وأن فيه جزءاً إلهياً متحداً بناسوته، ثم من بعده في ابنه محمد بن الحنفية، ثم في أبي هاشم ولد ابن الحنفية، ثم من بعده في بيان هذا قال ابن نمير: قتله خالد بن عبد الله القسري وأحرقه بالنار. ميزان الاعتدال: 1/357. 3 راجع: البداية والنهاية9/350، والوسائل في معرفة الأوائل للسيوطي131-132. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 فاليهود إذاً وراء هذه الفتنة، وليس ذلك بغريب عليهم فما زالوا منذ أن بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم يكيدون للإسلام ولرسول الإسلام ليلاً ونهاراً سرّاً وجهاراً، فسحروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسَمُّوه، وحاولوا قتله بإلقاء الحجارة عليه، وبعد وفاته حاولوا تفريق المسلمين وفتنتهم، كما فعل ابن سبأ الخبيث. وذلك معروف مذكور في كتب التاريخ والعقائد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 المبحث الثاني: افتراق الناس في مسألة كلام الله عز وجل، وأهم الأقوال التي انتهوا إليها. بعد أن بذر أولئك النفر الأخباث بذور الفتنة والخلاف في هذه المسألة. اشتغل الناس بها اشتغالاً عظيماً، وكثر فيها الكلام والجدال؛ ولذا قيل في سبب تسمية علم الكلام: إنه سمي بعلم الكلام؛ لأن مسألة الكلام أشهر أجزائه 1، حيث كثر فيها التناحر ودار حولها من الجدل ما لم يدر حول مسألة غيرها. فقد تنازع الناس في كلام الله عز وجل نزاعاً كثيراً، وتعددت أقوالهم في ذلك فبلغت تسعة أقوال كما ذكر ابن أبي العز 2، وقال ابن تيمية مرة ستة أقوال، ومرة قال سبعة أو تزيد3 بينما عدها ابن القيم ثمانية أقوال 4. ولن أطيل على القارئ الكريم بتعداد هذه الأقوال فهي مذكورة في مظانها التي أشرت إليها وإنما اكتفي هنا بذكر ثلاثة من أهمها وأشهرها والتي يمكن اعتبارها الأقوال الرئيسة في الباب لكثرة القائلين بكل منها.   1 انظر: المواقف للإيجي ص 9. 2 شرح الطحاوية: 119. 3 الفتاوى 12/49، 162. 4 مختصر الصواعق المرسلة 2/286. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 القول الأوّل: قول السلف من أهل الحديث والسنة. وهو أنَّ كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود وأنه سبحانه يتكلم إذا شاء بما شاء، وأن كلامه يسمع ويتلى وأنه بحرف وصوت. القول الثاني: قول الجهمية والمعتزلة وهو: أن كلام الله مخلوق خلقه في غيره، وليس هو بمتكلم عند الجهمية، بينما يطلق المعتزلة أنه متكلم1 تقية- لئلا يشنع عليهم. إذ معنى أنه متكلم عندهم: أنه فعل الكلام وخلقه في غيره وهذا بعينه قول الجهمية 2. وهؤلاء يقولون: إن كلامه حرف وصوت، سور وآيات له أجزاء وأبعاض. القول الثالث: قول الكلابية والأشاعرة: وهو: أن كلام الله تعالى معنى قائم بالنفس لازم لذاته تعالى لزوم الحياة والعلم، وأن الله لا يتكلم بمشيئته وإرادته، ولا يتكلم بحرف وصوت. وأن الحروف والأصوات حكاية عن كلامه عند (الكلابية) ، وعبارة عنه (عند الأشاعرة) وأن كلامه معنى واحد لا يتجزأ ولا يتبعض هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار إن عبر عنه بالعربية كان قرآناً، وإن عبر عنه بالعبرانية، كان توراة، وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلاً.   1 انظر: المغني للقاضي عبد الجبار 7/3. 2 راجع الفتاوى 12/311. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 وأول من عرف عنه هذا القول (عبد الله بن سعيد بن كلاب ثم وافقه عليه الأشعري والقلانسي وغيرهما) 1. والرد على هذا القول هو موضوع كتاب (الرد على من أنكر الحرف والصوت) الذي أقدم هذه الدراسة بين يديه. هذه أهم الأقوال التي قيلت في الموضوع لخصتها للقارئ بإيجاز والقصد إعطاؤه فكرة موجزة وإلمامة مقتضبة عما قيل في هذه المسألة، إذ ليس المراد إحاطته علما بدقائق ما قيل وتفاصيل ما أوجزت، فإن ذلك مما يضيق عنه هذا المبحث وهو مدون في مظانه ومصادره التي أشرت إلى طائفة منها. ثم بعد ذلك نشأ الخلاف في عدة مسائل، كمسائل اللفظ والملفوظ والتلاوة والمتلو، وهل يقال لفظي بالقرآن مخلوق 2، أو غير مخلوق فمنع التلفظ بالعبارتين إمام أهل السنة رحمه الله- أحمد بن حنبل- وجهّم من قال: لفظي بالقران مخلوق، فقال: ((من زعم أن ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام الله فهو جهمي)) 3.   1 سيأتي التعريف بهم. 2 وكان أول من أظهر هذه المسألة حسين بن علي الكرابيسي، في زمن الإمام أحمد. انظر: سير أعلام النبلاء 11/289. 3 انظر: السنة له ص 49 ضمن شذرات البلاتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 المبحث الثالث: في ذكر نماذج من المؤلفات التي عنيت ببيان مذهب السلف في المسألة. لما اشتد افتتان الناس بهذه المسألة، وعمت البلوى بها وعميت الحقيقة على عامة الأمة بادر علماء السلف لإيضاح الحقيقة ورد الحكم في هذه المسألة وغيرها إلى كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فألفوا في ذلك المؤلفات التي تبين منهج الكتاب والسنة وسلف الأمة الصالح في هذا الباب، وردوا على أهل الباطل باطلهم، وبينوا للناس ضلالهم وكشفوا عوارهم وبينوا أنهم دعاة فتنة وإلحاد في أسماء الله وصفاته. فمن تلك المؤلفات ما هو عام في بيان السنة في كثير من مسائل العقيدة، ومنها ما هو خاص بمسألة القرآن. فمن النوع الأوّل: 1- كتاب الرد على الجهمية والزنادقة للإِمام أحمد بن حنبل (ت241 هـ) . 2- كتاب السنة للإِمام أحمد أيضاً. 3- كتاب السنة لعبد الله بن الإِمام أحمد (ت 290 هـ) . 4- كتاب الرد على الجهمية لعثمان بن سعيد الدارمي (ت280هـ) . 5- كتاب الرد على بشر المريسي للدارمي أيضاً. 6- كتاب الرد على الجهمية لابن منده (ت 395 هـ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 7- شرح أصول اعتقاد أهل السنة للإِمام اللالكائي (ت418هـ) . 8- الإبانة لأبي الحسن الأشعري (ت 324 هـ) . 9- الإِبانة لابن بطه (ت 387 هـ) . ومن النوع الثاني: 1- كتاب الحيدة في الرد على المريسي للمكي عبد العزيز بن يحيى الكناني (ت 240 هـ) . 2- كتاب خلق أفعال العباد للإِمام البخاري (ت 256 هـ) . 3- كتاب الاختلاف في اللفظ للإِمام عبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت 276 هـ) . 4- الإِبانة في مسألة القرآن لأبي نصر السجزي (المؤلف) (ت 444هـ) . فهذه نماذج من الكتب المؤلفة في الباب وهناك الكثير غيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 الباب الأول: التعريف بالمؤلف الفصل الأول: عصر المؤلف ... الفصل الأول: عصر المؤلف (000 - 444هـ) تمهيد: قبل الشروع في دراسة حياة المؤلّف والتعريف به، رأيت أن أقدم بين يدي ذلك عرضاً موجزاً للبيئة التي عاش فيها، والظروف التي سادت في عصره، وأحاطت بحياته، إذ أن المرء ابن بيئته، يتأثر بالظروف والمؤثرات المحيطة به. لذا كان لزاما علينا ونحن ندرس حياة عَلم من أعلام الإسلام، كالإِمام أبي نصر السجزي، أن نلم بالأحوال التالية في عصره: الحالة السياسية. الحالة الاجتماعية. الحالة العلمية. الحالة الدينية الحالة السياسية: لم تذكر لنا مصادر ترجمة الإِمام أبي نصر السجزي متى كانت ولادته، وإنما اكتفت بذكر تاريخ وفاته وأنه بعد الأربعين وأربعمائة، ثم أشير فيها إلى أنه كان يعيش قبل الأربعمائة، حيث بدأ رحلته في طلب العلم كما سيأتي معنا. إذاً علينا أن نعرض للحالة السياسية في الربع الأخير من القرن الرابع والنصف الأول ومن القرن الخامس الهجريين وهي الحقبة التي عاشها الإِمام أبو نصر على وجه التقريب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وعلى هذا فقد عاصر أبو نصر دولة بني العباس في عصر انحسار نفوذ الخلفاء وتقلص سلطان الدولة الفعلي، حيث استقل كل أمير بإمارته وكل أهل ناحية، بما يليهم، فقامت دويلات متناحرة، ولم يبق للخليفة العباسي سوى بغداد، ولم تكن سلطته عليها سائدة على كل حال. فأدرك أبو نصر الخليفة العباسي القادر بالله أبا العباس أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر بالله (381-422 هـ) ، ثم الخليفة القائم بأمر الله أبا جعفر عبد الله بن القادر بالله (422-467 هـ) 1. وكان الضعف قد دب في كيان هذه الدولة في نهاية الربع الأول من القرن الرابع الهجري، حيث أصيب العالم الإسلامي في نحو سنة 324 هـ بانقسام كبير حتى كأنه عقد قد انفرط أو صخرة قد تفتت - كما يقول أحمد أمين 2 - وإن كانت قد انفصلت بعض أجزاء الدولة قبل ذلك التاريخ، إلا أنه لم يحصل مثل هذا التمزق إلا في نحو هذا العام. يقول ابن كثير: في هذه السنة: "وهَيَ أمر الخلافة جداً، واستقل نواب الأطراف بالتصرف فيها ولم يبق للخليقة حكم في غير بغداد ومعاملاتها، ومع هذا فليس له فيها نفوذ ولا كلمة تطاع" 3. ثم لازم هذا الوضع المتردي الدولة العباسية إلى أن أفل نجمها، وانثل عرشها على أيدي التتار سنة ست وخمسين وستمائة حين قضى هولاكو   1 انظر: البداية والنهاية11/308، 12/31، 110. 2 انظر: ظهر الإسلام 2/1. 3 انظر: البداية والنهاية 11/184. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 على آخر خلفائها، المستعصم بالله 1. فنرى القادر بالله والقائم بأمر الله الخليفتين اللذين عاصرهما الإمام السجزي، وليس لهما من الخلافة إلا الاسم والرسم، حيث استبد البويهون 2 بأمور الدولة في العراق وفي بغداد نفسها، فضلاً عن سائر الأقاليم التي أصبحت دولاً لها ملوكها الذين لا يخضعون للدولة العباسية إلا اسماً. إذ لم تزل بقية من هيبة الخلافة وجلالها تكمن في أذهان أولئك السلاطين والأمراء. فكان ملوك وسلاطين الأقاليم المنفصلة عن دولة الخلافة يعترفون بالسيادة الاسمية لدولة الخلافة، ويدعون للخليفة العباسي في المساجد وعلى المنابر، ويبعثون إليه من الهدايا ما يشترون به الألقاب، ويحرصون على الظفر بموافقته لاكتساب الصبغة الشرعية أمام العامة 3.   1 انظر: المرجع السابق 13/200. 2 نسبة إلى جدهم أبي شجاع بويه. وقد استبدوا بالسلطة في عهد الدولة العباسية في الفترة من (320ـ447) ـ وكانوا شديدي التعصب للشيعة. ومن أهم زعمائهم في عصر الخليفة العباسي القادر بالله وابنه القائم بأمر الله، بهاء الدولة وابنه سلطان الدولة حكما من 403ـ411 هـ ومشرف الدولة 411ـ416هـ، وجلال الدولة 416ـ435هـ وأبو كاليجار 435ـ440. انظر: تاريخ الإسلام السياسي 3/37ـ63. 3 انظر: تاريخ الإسلام السياسي 3/249. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وكانت حينئذ الأندلس بيد الأمويين، ومصر وإفريقية والشام بيد الباطنيين، وغزنه ونواحيها بيد السبكتكينيين وخرسان وناحيتها يسيطر عليها السلاجقة 1. هكذا كانت الحالة السياسية في عصر الإِمام أبي نصر السجزي، عصر الدويلات المتناحرة على السلطة، عصر السطو على سلطان الخليفة العباسي وتجريده من مسئولياته، مع الحفاظ على بقائه على عرش الخلافة اسما والدعاء له بذلك على المنابر، ما دام قانعاً راضياً، بذلك فإن طمع في أكثر منه، قضي عليه بصورة أو بأخرى وجيء بمن هو أكثر منه قناعة، وأسلس قياداً. الحالة الاجتماعية: لقد لاحظنا فيما سبق الفوضى السياسية التي عمت البلاد، وكيف سُلب الخليفة سلطانه الفعلي، وفقد سيطرته على أجزاء مملكته فاستقل الأمراء والسلاطين بالسلطة، واشتغلوا بالاقتتال عليها والتناحر من أجلها. في ظل هذا الواقع السياسي غير المستقر، لا يمكن أن تكون الحياة الاجتماعية مستقرة وادعة. فاشتغال السلاطين والأمراء بالوصول إلى السلطة، شغلهم عن تأمين حياة اجتماعية، كريمة آمنة للأمة. والإِنفاق المفرط على الحروب التي نشبت بينهم، أرهق اقتصاد   1 انظر: محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية 2/400 بتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 البلاد، فنضبت أكثر الموارد وتفشى بين الناس أمران خطيران: غلاء المعيشة، واضطراب نظام الأمن في البلاد. فأما الغلاء فقد بلغ حداً لا يتحمله عامة الناس، ففي سنة 382 غلت الأسعار ببغداد وهي حاضرة الخلافة، حتى بيع رطل الخبز بأربعين درهماً والجزر بدرهم 1. وزاد الحال سوءاً في سنة 393 هـ فغلت الأسعار ببغداد جداً وعدمت الحنطة وبيع الكر2 بمائة وعشرين ديناراً كما يقول ابن كثير3. وفي سنة 411 هـ بلغ الغلاء ذروته، والجوع غايته، فحل بالعراق غلاء مفرط حتى أكل الناس الكلاب والحمر4. وإذا كان هذا الحال في العراق وبغداد، عاصمة الدولة وحاضرتها فما بالك بما سواها من القرى والأمصار. لقد ضاق بأهلها الحال وجاع العيال. ومع هذأ فقد كان هناك إلى جانب هذه الفاقة والجوع وهذا الغلاء الذي حل بالبلاد، وعم أكثر العباد، كان هناك ترف وسرف في   1 انظر: البداية والنهاية 11/311. 2 الكر: مكيال لأهل العراق. والكر: ستة أوقار حمار وهو عند أهل العراق ستون قفيزاً، قال أبو منصور. الكر: ستون قفيزاً، والقفيز ثمانية مكاكيك، والمكوك صاع ونصف. قال الأزهري: والكر من هذا الحساب اثنا عشر وسقاً، وكل وسق ستون صاعاً. انظر: اللسان 5/137. 3 البداية والنهاية 11/332. 4 انظر: العبر 3/104. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 بيوت الخلفاء والأمراء، كما كان هناك جدة للمال في أيدي بعض التجار وكثير من العيارين 1 والحرامية الذين سلبوا أموال الناس وسطوا على المتاجر والمنازل ونهبوا ما فيها، فتكونت في أيديهم ثروة وأموال أنفقوها على شهواتهم وملذاتهم. وأما اضطراب نظام الأمن: فحدث عنه ولا حرج. فنتيجة لضعف السلطان، وزوال هيبته، انتشر أمر العيارين والحرامية وقطاع الطرق، دون أن يجدوا سلطة رادعة من الدولة في أكثر الأحيان. ففي سنة 384 هـ في خلافة القادر بالله عظم الخطب بأمر العيارين وعاثوا ببغداد فساداً وأخذوا أموال الناس وحرقوا مواضع كثيرة وأخذوا من الأسواق الجبايات، وتطلبهم الشُّرَطُ فلم يُفِدْ ذلك شيئا ولا فكروا في الدولة، بل استمروا على ما هم عليه من أخذ الأموال وقتل الرجال وإرعاب النساء والأطفال في سائر المحال، فلما تفاقم الحال بهم تطلبهم السلطان بهاء الدولة وألح في طلبهم فهربوا بين يديه واستراح الناس من شرهم 2. لكن هروبهم لم يدم طويلاً فكثيراً ما كانوا يظهرون ويعودون للنهب والسلب. ففي سنة 390 هـ عظم أمرهم وأتوا بيوت الناس   1 رجل عيار: إذا كان كثير التطواف والحركة ذكياً، قال ابن الأعرابي: والعرب تمدح بالعيار وتذم به يقال: غلام عيار: نشيط في المعاصي، وغلام عيار نشيط في طاعة الله. انظر: لسان العرب 4/623. 2 البداية والنهاية 11/212، والعبر 3/24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 نهاراً جهاراً، وواصلوا العملات 1 وقتلوا ... وأشرف الناس بهم على أمر عظيم وقويت شوكتهم كما يقول الذهبي 2. وهكذا حدث في سنة 3923 و416هـ، 417 4 ثم استمر الحال على ذلك حتى إنهم قتلوا صاحب الشرطة في سنة 424 وأخذوا أموال الناس عيانا بقيادة البرجمي الذي أرعب الناس فكانوا لا يجسرون أن يقولوا فعل البرجمي خوفاً منه بل يقولوا عنه: القائد أبو علي 5. هذا ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه إلى قطع طريق الحاج وصده عن البيت الحرام. ففي سنة 392 هـ رجع حجاج خراسان من بغداد خوفاً من الأعراب الذين عاثوا في الأرض فساداً ولا ناصر ولا ناظر ينصرهم أو ينظر في أمرهم فرجعوا إلى بلادهم ولم يحج من بلاد المشرق أحد في هذه السنة. وهكذا حدث في سنة 399 هـ، حيث اعترض الأعراب طريق الحجاج فصدوهم عن السبيل وعاقوهم حتى فاتهم الحج. وكذا وقع سنة 416 هـ فلم يحج من أهل العراق وخراسان أحد. وهكذا نرى الحياة الاجتماعية في هذه الفترة تعاني من اضطراب في الأمن ونقص في الأرزاق إلى درجة الجوع وأكل المحرمات والمستقذرات   1 أي السرقات. 2 العبر 3/45. 3 البداية والنهاية 12/18. 4 العبر 3/121، 123. 5 انظر: انظر المصدر نفسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 كالكلاب والحمر، وذلك بسبب الفوضى السياسية التي عمت البلاد كما أشرنا من قبل. الحالة العلمية: قد يظن القارئ وقد ارتسمت في ذهنه تلك الصورة السيئة للوضع السياسي ةالإجتماعي الذي ساد البلاد الإسلامية في هذه الحقبة من الزمن التي نحن بصدد دراستها، قد يظن أن الحالة ليست بأسعد حظا من سابقتيها. ولكن الواقع - والحمد لله - كان خلاف ذلك فقد كانت الحالة العلمية في القرن الرابع والخامس الهجريين في اوج أزدهارها، ولم تتأثر بالضعف السياسي أو الفوضى الاجتماعية التي سادت، فلئن كانت الثمار السياسية قد تساقطت في هذه الفترة، فالثمار العلمية قد نضجت فيها1 وجنى علماء هذه الحقبة ثمار ما غرسته الأسلاف فكثرت التصانيف في كل فن في الحديث والتفسير، والفقه والأصول، والكلام، وغير ذلك من أنواع المعارف والعلوم. فبلغ الهتمام بالتصنيفو التأليف أوجه وذروته. وما بين أيدينا وفي مكتبابتنا اليوم من نتاج هذه الحقبة خير شاهد على أزدهار الحركة العلمية في ذلك العصر ازدهارا لا مثيل له. فلقد عاش في هذه الحقبة الكثير من العلماء والرواد في كل فنمن محدثين وفقهاء ومفسرين وأدباء وفلاسفة، وأطباء، وغيرهم. نهاراً جهاراً، وواصلوا العملات 1 وقتلوا ... وأشرف الناس بهم على أمر عظيم وقويت شوكتهم كما يقول الذهبي 2.   1ظهر الاسلام 2/2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وأنشئت دور العلم وزودت بالكتب القيمة وأوقفت على العلماء 1 وشجع الخلفاء والأمراء العلم وطلابه وتباروا في إكرامهم والتحبب إليهم 2 فكان الخليفة العباسي القادر بالله محباً للعلم وأهله 3. وعلى الرغم من انقسام الدولة إلى دويلات، فقد كان العلماء يستطيعون الرحلة في طلب العلم من مكان إلى آخر دون قيود، وحيثما حلوا وجدوا الترحيب فالبلاد كلها باختلاف دويلاتها بلد للمسلم. مما سهل على علماء الحديث وغيرهم شد الرحال إلى أهل العلم للرواية عنهم والسماع منهم، كما فعل الإمام السجزي رحمه الله الذي طوف البلاد فخرج من بلده سجستان طلباً اللحديث وحل خراسان والشام ومصر إلى أن انتهى به المقام في مكة حرسها الله. الحالة الدينية: أما الحالة الدينية فقد كانت وليدة الحالة السياسية. وربما كان العكس صحيحاً أيضاً، فبينهما تلازم شديد بحيث تتأثر إحداهما بالأخرى. فالإمامة والخلافة أمر ديني. ومن هنا نشأ الخلاف بين أهل السنة والشيعة فيمن يكون أحق بالإمامة. لذا فقد ساءت الحالة الدينية كثيراً نظراً لتردي الوضع السياسي، واهتزاز مكانة الخليفة وسلطانه في أعين وقلوب الناس.   1 البداية والنهاية 11/312. 2 ظهر الإسلام 2/2. 3 انظر: البداية والنهاية 12/31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 فكثيراً ما تحصل الفتنة بين الرافضة وأهل السنة كما وقع في سنة 398 هـ، وسنة 406 1، 444هـ 2 بسبب غلو الشيعة وجرأتهم على إظهار بدعتهم، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نلحظ في هذا العصر تسرب الخرافة والغلو إلى قلوب العامة. ففي سنة 386 هـ كشف أهل البصرة عن قبر عتيق فإذا هم بميت طري عليه ثيابه وسيفه فظنوه الزبير بن العوام، وانتهى بهم الأمر أن بنوا على قبره مسجداً وأجروا عليه الأوقاف3. وفي سنة 389هـ عمد جاهلة السنة إلى إحداث يوم في مقابلة يوم الغدير عند الشيعة وهو يوم السادس والعشرين من شهر ذي الحجة زاعمين أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه اختفيا في الغار في هذا اليوم. يقول الحافظ الذهبي بعد أن نقل هذه القصة: وهذا جهل وغلط فإن أيام الغار إنما كانت بيقين في شهر صفر وأول ربيع الأول 4. هذا حال العامة جهل بحقائق الدين والتاريخ، وغلو لم يأذن به الله عز وجل وفي مسائل الاعتقاد الأخرى كان يتجاذب الناس طوائف ثلاث في هذه الفترة:   1 انظر: البداية والنهاية 11/338، 12/6. 2 انظر: الكامل 9/591. 3 العبر. 4 العبر 3/42. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 1- المعتزلة: ويمثلهم في هذا العصر القاضي عبد الجبار الهمذاني (415) هـ 1 وأبو الحسين البصري 2 (وغيرهما) . 2- الأشاعرة: ومن كبرائهم في هذا العصر: ابن الباقلاني 3، وابن فورك 4، وابن اللبان 5، وغيرهم ممن عاصر المؤلف وأدركه. 3- أهل الحديث: ويعدّ أبو نصر السجزي - رحمه الله - من أعلامهم في زمنه. وكان الصراع محتدما بين هذه الفرق الثلاث وهو امتداد طبيعي للصراع الناشب في هذا الباب منذ ظهور فتنة الجعد، والجهم، وابن كلاب في القرنين الثاني والثالث الهجريين. ولقد ألف المصنف في الرد على الطائفتين المعتزلة والأشاعرة كتابيه (الإِبانة) و (الرد على من أنكر الحرف والصوت) الذي نقدمه للقارئ الكريم اليوم.   1 وهو: أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمداني، إليه انتهت رياسة المعتزلة حتى صار شيخها وعالمها غير مدافع توفي سنة 415 هـ انظر: المنية والأمل لابن المرتضى ص 66. 2 وهو: أبو الحسين محمد بن علي البصري صاحب المعتمد في أصول الفقه، أخذ عن القاضي عبد الجبار انظر: المصدر السابق ص 70. 3 وهو: أبو بكر محمد بن الطيب المعروف بالباقلاني. انظر: ترجمته ص 163. 4 وهو: محمد بن الحسن بن فورك. انظر: ترجمته ص 269. 5 وهو: عبد الله بن جمعة بن عبد الرحمن المعروف بن اللبان انظر. ترجمته ص 357. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وفيه يبدي أبو نصر تذمراً واضحاً من سير الأمور في عصره التي اضطرته إلى أن يتكلم ويرد على أمثال هؤلاء، وكأنه يرى أن على السلطان أن يأخذ على أيديهم. فيقول: "ومن علم منه خرق إجماع الكافة ومخالفة كل عقلي وسمعي قبله لم يناظر بل يجانب ويقمع، ولكن لما عدم من ينظر في أمر المسلمين محنا بالكلام مع من ينبغي أن يلحق بالمجانين" 1. وفي الحقيقة لقد كان الخليفة القادر بالله ذا عناية بأمر العقيدة السلفية ونشرها فقد ألف كتاباً في الاعتقاد على مذهب السلف، وأمر بقراءته على الناس وإلزامهم به، ورد فيه على أهل البدع وفسق أو كفر من قال بخلق القرآن، وذكر ما وقع بين المريسي وعبد العزيز الكناني، وأخذ خطوط أهل العلم على ذلك وموافقتهم، وعزل خطباء الشيعة ورد خطباء السنة 2. وفي سنة ثمان وأربعمائة استتاب فقهاءَ المعتزلة فأظهروا الرجوع وتبرؤوا من الاعتزال، ثم نهاهم عن الكلام والتدريس والمناظرة في الاعتزال والرفض والمقالات المخالفة للإِسلام وأخذ خطوطهم بذلك وأنهم مهما خالفوه حل بهم من النكال والعقوبة ما يتعظ به أمثالهم 3.   1 انظر: مقدمة المؤلف ص 122. 2 انظر: البداية والنهاية 12/26، حوادث سنة 420. 3 انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة 3/733 حـ 1333. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 لكن المؤلف رحمه الله ربما كان يريد منه أن يصنع نحو ذلك مع الأشاعرة أيضاً. وربما يكون قال ما قال بعد انقضاء خلافته حيث آلت الأمور إلى القائم بأمر الله، وهو الذي أميل إليه لأن تأليف الكتاب كان بعد وفاة القادر بالله كما سيأتي في الباب الثاني في مبحث تاريخ تأليف الكتاب. والله تعالى أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 الفصل الثاني: ترجمة المؤلف . اسمه: هو: عبيد الله بن سعيد بن حاتم بن أحمد، بن محمد بن حاتم بن علوية، بن سهل بن عيسى بن طلحة الوايلي البكري السجزي1. أجمعت مصادر ترجمته على أن اسمه عبيد الله بالتصغير، لم تختلف في ذلك اللهم إلا ما كان من ابن الجوزي فإنه قال: "عبد الله" واقتفى أثره في ذلك كحالة الذي ترجم له في موضعين قال في أحدهما: عبد اللِّه وفي الآخر: عبيد الله، وقد أشرت إلى الموضعين في الحاشية، وهو في ذلك تبع للمصادر التي نقل عنها، فمصدره في الموضع الأول المنتظم. وفي الموضع الثاني: التذكرة للذهبي.   1 انظر ترجمته في الكتب الآتية: 1 ـ الإكمال 4/551، حـ2،7/397. 12 ـ طبقات الحفاظ 429. 2 ـ الأنساب 578. 13 ـ حسن المحاضرة 1/353. 3 ـ المنتظم 8/310. 14 ـ الجواهر المضيئة 2/495. 4 ـ اللباب في تهذيب الأنساب 3/352. 15 ـ تاج التراجم 39. 5 ـ الاستدراك 2/252 (مخطوط) 16 ـ الأنساب المتفقة 164. 6 ـ سير أعلام النبلاء 17/654ـ657 17 ـ شذرات الذهب 3/271ـ272. 7 ـ تذكرة الحفاظ 3/1118ـ1120. 18 ـ هداية العارفين 1/648. 8 ـ العبر 3/206ـ207. 19 ـ معجم المؤلفين 6/58، 239. 9 ـ المشتبه 1/354. 20 ـ كشف الظنون4/349. 10 ـ البداية والنهاية 12/117. 21 ـ الأعلام 4/349.. 11- تبصيرالمنتبه بتحريرالمشتبه 2/727. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 نسبته: يقال له: الوايلي- البكري- السجزي أو السجستاني. فأما الوايلي: "بفتح الواو وكسر الياء المنقوطة باثنتين من تحتها: فنسبة إلى (وايل) قرية من قرى سجستان على ثلاثة فراسخ من سجستان1. وأما البكري: فنسبه إلى بكر بن وايل. قال تلميذه عبد العزيز النخشي في معجم شيوخه: أبو نصر الوايلي كان من بكر بن وائل 2. وكذا قال ابن ماكولا 3. أما ابن الأثير فيبدي تحفظا إزاء هذه النسبة فيقول عقب إيراده قول النخشبي السابق: "فإن اتفق له هذه النسبة في الأب والمكان وإلا فأحدهما خطأ" 4 ولا أرى مجالاً لاحتمال الخطأ هنا: لأن نسبة الوايلي: إلى قرية وايل لاشك في ذلك. وهذه نسبة مستقلة لا علاقة لها بنسبة (البكري) . أما (البكري) فنسبة إلى (بكر بن وائل) كما قال النخشبي "كان   انظر: معجم البلدان 5/356، والأنساب 578، واللباب3/352، والبداية والنهاية 12/117. 2 انظر: الأنساب 578. 3 الإكمال 7/397. 4 اللباب 3/353. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 من بكر بن وائل" ولم يقل من وائل بن بكر، ولو كانت النسبة لوائل بن بكر لكان هناك مجالا للالتباس واحتمال الخطأ. ثم إن نسبته (البكري) أثبتها كما ذكرنا أعرف الناس به، تلميذه الذي أخذ عنه وتلقى على يديه عبد العزيز النخشبي، فيبعد أن تكون خطأ. ثم إن هذه السلسلة الطويلة من الأسماء العربية التي وردت في اسمه، توحي بأنه ينحدر من أصل عربي، وليس ذلك ببعيد فإن الصحابة والتابعين قد تفرقوا في الأمصار أيام المد الإسلامي والفتوحات التي شملت الكثير من البلدان بما فيها سجستان. وأما السجزي: بكسر السين وسكون الجيم في آخرها زاي: فنسبة إلى (سجستان) على غير قياس 1 والقياس (السجستاني) . وسجستان: بكسر أوله وثانيه، ناحية كبيرة وولاية واسعة، واسم مدينتها زرنج، بينها وبين هراة عشرة أيام، ثمانون فرسخاً، وهي جنوبي هراة 2. كنيته: أبو نصر. أجمعت مصادر ترجمته على ذلك. مولده: لم تذكر المصادر تاريخ ولادته، لكن الأمر الذي نستطيع القطع به، أن مولده كان قبل الأربعمائة بزمن يؤهله للارتحال ذلك أن السمعاني ذكر أنه رحل إلى غزنة قبل الأربعمائة، والإمام الذهبي   1 انظر: اللباب 2/104. 2 انظر: معجم البلدان 3/190. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 يذكر أنه طلب الحديث في حدود الأربعمائة وهذا يعني أنه كان في سنة الأربعمائة قد بلغ سناً يتمكن معه من الطلب والفهم. ثم إنا نلحظ أن شيوخه الذين تلقى عنهم كانت وفياتهم بين سنة 405- 415هـ، فلابد أن يكون قد أنهى فترة التلقي عنهم قبل سنة 415هـ وأن يكون مولده قبل ذلك بزمن. موطنه ونشأته: تدل نسبته إلى قرية (وايل) بسجستان على أنها كانت موطنه الأول الذي نشأ به واستحق أن ينسب إليه. فنشأ بها وتلقى علومه الأولية على أبيه الذي كان فقيهاً حنفياً، وأخذ عن بعض مشائخ سجستان قبل أن يبدأ رحلته الطويلة في طلب الحديث. وفاته: أدركه الأجل رحمه الله بمكة، في شهر المحرم من سنة أربع وأربعين وأربعمائة للهجرة، على الصحيح، على ذلك أكثر من ترجم له، وقال بعضهم مات بعد الأربعين وأربعمائة بدون تحديد. وذهب ابن الجوزى في المنتظم إلى أن وفاته كانت سنة تسع وستين وأربعمائة وتابعه على ذلك ابن كثير، وكحالة في موضع وهو خطأ. وقد أخطأ من قبل ابن الجوزى في ذكر اسمه كما تقدم وخالف سائر من ترجم له. ومما يرجح القول بأن وفاته بعد الأربعين وأربعمائة ما ذكره السمعاني عن عبد العزيز النخشبي تلميذ أبي نصر السجزي فقال: ذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 عبد العزيز- النخشبي- في معجم شيوخه. وقال: أبو نصر بن الوايلي كان من بكر بن وائل ... ومات بعد الأربعين وأربعمائة 1. لكن لم استطع أن أجزم فيما إذا كانت العبارة الأخيرة من كلام النخشبي أم هي من كلام السمعاني فإن كانت من كلام النخشبي فهي دليل قاطع في الموضوع. وإن كانت من كلام السمعاني. فاتفاق جمهور من ترجم له كاف في الموضوع والله تعالى أعلم.   1 الأنساب 578. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 الفصل الثالث: حياته العلمية وثقافته . بيئته: نشأ أبو نصر السجزي في بيت له عناية بالعلم، فقد كان أبوه1 فقيها على مذهب الكوفيين، كما نقل ذلك السمعاني عن النخشبي، ولقد أفاد أبو نصر من فقه أبيه فتفقه عليه 2، ثم ولت وجهته بعد ذلك شطر الحديث وعلومه، فبدأ بعلماء بلده سجستان، فأخذ عنهم، وسمع بها: أبا سليمان محمد بن محمد بن داود الأصم، وأبا عمر محمد بن إسماعيل العنبري، وأبا زهير مسعود بن محمد بن الحسين اللغوي وأبا سعيد حاتم ابن أحمد 3. وقد يكون أبو سعيد هذا جد المصنف، وإن كنت لا أجزم بذلك، إذ لم أجد له ترجمة، فإن كان كذلك فلا شك أن ذلك يعد عمقاً علمياً في بيت أبي نصر. رحلته في طلب العلم: لما كانت الرحلة في طلب العلم ولا سيما علم الحديث وروايته ديدن طلبة العلم منذ عهد الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، حيث كان   1 وهو: سعيد بن حاتم بن أحمد بن محمد بن علوية بن سهل بن عيسى بن طلحة السجزي. قال الحافظ أبو محمد النخشي كان فقيهاً على مذهب الكوفيين. انظر: الجواهر المضيئة 2/224، وانظر أيضاً: الأنساب في ترجمة ابنه. 2 انظر: تاج التراجم 39. 3 انظر: الأنساب 578. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 أحدهم يرحل في طلب حديث لم يكن سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، المسافات الطويلة، كما فعل جابر رضي الله عنه حين رحل إلى الشام ليسمع حديث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه، ثم كانت الرحلة في طلب الحديث بعد ذلك سنة متبعة لدى طلبة العلم. لذا فقد اقتفى أبو نصر السجزي سنن أولئك الأخيار وخرج من سجستان بعد أن سمع بها من ذكرنا، قاصداً أمهات المدن والأمصار التي كانت آنذاك مراكز علمية يوجد بها الكثير من علماء الحديث، والمعنيين بروايته والاشتغال به. فرحل إلى غزنة وهي مدينة من أول بلاد الهند، خرج منها جماعة من العلماء في كل فن 1، وكانت رحلته إليها قبل الأربعمائة كما ذكرنا. ثم دخل نيسابور، فسمع بها أبا عبد الله الحاكم صاحب المستدرك، وأبا يعلى حمزة بن عبد العزيز المهلبي. ثم رحل بعد الأربعمائة، فدخل خراسان وحل بأطرافها فترة كما يذكر السمعاني، كما رحل إلى العراق فدخل البصرة وبغداد، وشملت رحلته الشام، ومصر فنزل بها وسمع الكثير. ثم انتهى به المطاف إلى مكة حرسها الله، حيث دخلها حاجاً سنة 404هـ فسمع بها أبا الحسن أحمد بن إبراهيم بن فراس العبقسي، وجاور بها إلى أن توفي بها سنة 444هـ.   1 اللباب 2/380. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 أشهر شيوخه: طوف أبو نصر رحمه الله الكثير من البلاد ولقي الكثير من أهل العلم وحفاظ الحديث فسمع منهم وروى عنهم، فمن هؤلاء: 1- والده، حيث سبق وأن ذكرت أنه تفقه عليه. 2- أبو سليمان محمد بن محمد بن داود الأصم. سمع منه بسجستان كما تقدم، ولم أجد له ترجمة، ويبدو أن له عناية بالقراءات حيث ذكره ابن الجزري في طبقات القراء 1. 3- أبو زهير مسعود بن محمد بن الحسين اللغوي. 4- أبو سعيد حاتم بن أحمد. 5- أبو عمر محمد بن إسماعيل العنبري. وهؤلاء الثلاثة سمع منهم بسجستان أيضاً، ولم أجد من ترجم لهم. 6- أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم، الحافظ الكبير، المتوفى سنة 405هـ 2، لقيه بنيسابور وسمع منه كما تقدم. 7- أبو يعلى المهلبي حمزة بن عبد العزيز بن محمد النيسابورِي، تفرد بالسماع من غير واحد، توفي سنة 406هـ3، وكان شيخاً عالماً ثقة متقدماً أيضاً في معرفة الطب 4.   1 غاية النهاية في طبقات القراء 2/237. 2 انظر: ترجمة في تذكرة الحفاظ 3/1039. 3 شذرات الذهب3/181. 4 انظر سير أعلام النبلاء 17/264. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 8- أبو الحسن أحمد بن إبراهيم بن فراس، العبقسي، المكي العطار، مسند الحجازِ والحرم في وقته، مات بمكة سنة خمس وأربعمائة عن ثلاث وتسعين سنة 1، وكان ثقة ثبتاً، قاضياً عدلاً، وثَّقه أبو ذر في معجمه وكذا السجزي، وكان من كبار أهل زمانه وإليه الرحلة في أوانه2. 9- أبو أحمد الفرضي عبيد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي مسلم المقري، شيخ بغداد مات سنة 456 هـ، وله اثنتان وثمانون سنة3. قال الخطيب: كان ثقة ورعا ديناً، وقال الأزهري: عبيد الله كان إماماً من الأئمة 4. 10- محمد بن محمد بن محمد بن بكر الهزّاني 5. 11- أبو العلاء علي بن عبد الرحمن الخزاز السوسي اللغوي، ذكر صاحب اللباب أن أبا نصر السجزي سمع منه 6. 12- أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن القاسم بن الصلت المجبر البغدادي، مسند بغداد، توفي سنة خمس وأربعمائة وله إحدى وتسعون   1 تذكرة الحفاظ 3/1063، شذرات الذهب 3/173. 2 سير أعلام النبلاء 17/181ـ183. 3 شذرات الذهب 3/181، والمنتظم 7/278، واللباب 2/422، والسير 17/213. 4 تاريخ بغداد 10/380. 5 التذكرة 3/1119. 6 اللباب 2/154. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 سنة وكان صالحاً ديناً ضعيفاً في الحديث 1. 13- أبو عبد الرحمن السلمي محمد بن الحسين بن موسى النيسابوري، كان شيخاً عالماً متصوفاً، غير أنه ضعيف الحديث. توفي سنة 412هـ 2. 14- أبو سعد أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الأنصاري الهروي الماليني، أحد الرحالين في طلب الحديث والمكثرين فيه، رحل إلى البلاد الكثيرة، وسمع من أشياخ كثيري العدد، ثم رحل إلى مصر فمات بها سنة 412 هـ وكان ثقة متقناً صدوقاً 3. 15- أبو العباس أحمد بن محمد الحاج بن يحيى الأشبيلي المعدل بمصر، انتقى عليه أبو نصر السجزي، ومات سنة 415 هـ 4. 16- الشيخ الصدوق مسند الوقت أبو عمر عبد الواحد بن محمد ابن عبد الله بن محمد بن مهدي، قال الخطيب: كان ثقة أميناً، وكان مولده سنة 318هـ ووفاته سنة 410هـ 5. أشهر تلاميذه: كان الحافظ أبو نصر السجزي أحد أئمة أهل الحديث في وقته فقد كان إماماً حافظاً متقناً ثقة فيه، لذا فقد حرص على السماع منه والرواية   1 الشذرات 3/174، وانظر: سير أعلام النبلاء 17/186. 2 التذكرة 3/1046. 3 المنتظم 3/8، والتذكرة 3/1070، والسير 17/301ـ303. 4 شذرات الذهب 3/202. 5 انظر: أعلام النبلاء 17/221ـ222، وتاريخ بغداد 11/13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 عنه الكثير من طلبة علم الحديث، يقول أحد أشهر تلاميذه وهو أبو إسحاق الحبال: "خرج الحافظ أبو نصر السجزي على أكثر من مائة لم يبق منهم غيريِ"1. وكان الحبال أحد المكثرين عن أبي نصر يقول ابن طاهر عنه: "خرج له عشرين جزءاً في وقت الطلب وكتبها في كاغد عتيق" 2 فمن أشهر تلاميذه: 1- الحافظ الإمام المتقن محدث مصر أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد ابن عبد الله النعماني مولاهم الحبال المصري، كان أحد المكثرين عن أبي نصر كما أسلفنا وكان مولده سنة391هـ ووفاته سنة482 هـ3. 2- ومنهم: الحافظ الإمام أبو الفضل جعفر بن يحيى بن إبراهيم التميمي المعروف بابن الحكاك، سمع أبا نصر السجزي بمكة، وكان يترسل من أمير مكة ابن أبي هاشم إلى الخلفاء والملوك، ويتولى قبض الأموال منهم، ويحمل كسوة البيت، قال المؤتمن الساجي صحب أبا نصر السجزي وأبا ذر الهروي وكان ذا معرفة ولد سنة 416 هـ وكانت وفاته سنة 485 هـ 4. 3- ومنهم المسند أبو الحسين أحمد بن عبد القادر بن يوسف اليوسفي - وهو راوي كتاب الرد على من أنكر الحرف والصوت هذا –   1 انظر: تذكرة الحفاظ 3/1194. 2 المصدر السابق. 3 المصدر السابق 3/1191، وطبقات الحفاظ 442. 4 تذكرة الحفاظ (3/1313، وطبقات الحفاظ 446. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 ذكره الذهبي في وفيات سنة 492 هـ 1. 4 – ومنهم: الحافظ عبد العزيز بن محمد بن عاصم النخشبي. كان حافظاً حسن الفهم والإِتقان2وكان قد ذكر أبا نصر في معجم شيوخه كما سبق أن نقلنا ذلك عن السمعاني 3. 5- ومنهم: الإِمام المفيد أبو سعد محمد بن الحسن بن محمد المكي الحافظ المعروف بالحرمي، سمع أبا نصر بمكة وكانت وفاته بهراة سنة 491هـ 4. 6- ومنهم: أبو الفرج سهل بن بشر الإسفرائيني محدث دمشق، توفي سنة 491 هـ عن 82 سنة 5. ثقافته: لقد كان أبو نصر رحمه الله ذا ثقافة حديثية عالية، إذ كان واسع الرواية جيد الحفظ، بصيراً بطرق الحديث ورجاله، بلغ في ذلك شأواً بعيدا، استحق أن يطلق عليه لقبا الحافظ الإِمام. وهما لقبان لهما مدلولهما ومفهومهما عند أهل العلم، لا يطلقان جزافاً، ولا ينالهما كل أحد. وسنرى فيما بعد من أطلق عليه ذلك عندما نتحدث عن ثناء الناس عليه.   1 تذكرة الحفاظ 4/1230. 2 التذكرة 3/1156. 3 راجع الأنساب 578. 4 تذكرة الحفاظ 4/1228، وطبقات الحفاظ 449. 5 تذكرة الحفاظ 4/1228. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 وهو رحمه الله إلى جانب عنايته بالحديث وحفظه وبصره بطرقه ورجاله، ضم إلى ذلك الفهم والفقه. يقول عنه ابن الجوزى: "سمع أبو نصر الحديث الكثير، وفقه وفهم وصنف وخرج وكان قيما بالأصول والفروع وله التصانيف الحسان" 1. فقد شملت ثقافته إذاً الحديث وعلومه كما ذكرنا، والأصول، ونعني بها أمور العقيدة، وكتاباه (الإبانة) ، و (الرد على من أنكر الحرف والصوت) يبرزان مدى عنايته بذلك، كما شملت الفروع، على أنه لم يُذكر لنا شيء عن مؤلفاته في ذلك، كما تناولت ثقافته جانب التاريخ كما يذكر السمعاني، وجانب الأدب ونظم القوافي 2. ولعلنا لا نعدوا الحقيقة إذا قلنا إن أبا نصر كان عالماً مشاركاً في كثير من الفنون. في الحديث، في الأصول، في الفروع، في التاريخ. وله في ذلك التصانيف الحسان، على أن كتب التراجم لم تذكر لنا من ذلك إلا كتاب الإبانة كما سيأتي، ووجدنا بعضها في زوايا المكتبات، بالإضافة إلى نقول وإشارات إلى بعضها في ثنايا الكتب التي اقتبست عنها واستفادت منها.   1 المنتظم 8/310. 2 هناك خمسة أبيات من نظمه بعث بها إلى أبي يعلى الفراء جواباً لكتاب ورد منه. أولها: كتابك سيدي لما أتاني ... سررت به وجدد لي ابتهاجا وذكرك بالجميل لنا جميل ... يقلدنا ولم نمزج مزاجا انظر: طبقات الحنابلة 2/202. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 مؤلفاته وآثاره: لقد كان الإمام أبو نصر صاحب تصانيف حسان، كما ذكرنا ذلك ونقلناه عن الإمام ابن الجوزي رحمه الله. وقبل ابن الجوزى وصفه السمعاني بقوله: "كان صاحب التصانيف والتاريخ" 1 وقبلهما ابن ماكولا- رحمه الله - قال: "الإمام صاحب التصانيف" 2. وبعدهم جميعاً الحافظ ابن كثير، قال عنه: "صنف وخرج ... وله الإِبانة في الأصول وله في الفروع أيضاً" 3. لكن ما هي هذه التصانيف، ما الذي بقي لنا منها، أو على الأقل ما الذي ذكر لنا اسمه منها وإن لم يبق. ذلك ما سنعرض له فيما يلي: من أهم وأعظم مصنفات الإِمام السجزي إن لم يكن أهمها وأعظمها على الإِطلاق: 1- كتابه العظيم (الإِبانة في الرد على الزائغين في مسألة القرآن) : وهو الكتاب الذي اقترن اسمه باسم المؤلف، فقلما يذكر السجزي إلا ويذكر كتاب الإبانة معه. وسأورد لك كلام الأئمة الذين ذكروه، وإن اختلفت عباراتهم في التعريف به إلا أن الجميع اتفقوا على أن اسمه   1 الأنساب 578. 2 الإكمال 4/551. 3 البداية والنهاية 12/117. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 (الإِبانة) واختلفوا فيما وراء ذلك: فهو عند ابن الجوزى 1: (الإِبانة في الرد على الرافعين) 2 وعند ابن كثير "الإِبانة في الأصول" كما تقدم. أما الذهبي: فيقول في تذكرة الحفاظ3: (كتاب الإِبانة الكبرى) في مسألة القرآن- ثم يقول-: "وهو كتاب طويل دال على إمامة الرجل وبصره بالرجال". ويقول في سير أعلام النبلاء 4 (الإِبانة الكبرى) في أن القرآن غير مخلوق وهو مجلد كبير دال على علم الرجل بفن الأثر. ونقل السيوطي 5 عبارة الذهبي في التذكرة. وهو في كشف الظنون6 باسم (الإِبانة في الحديث) . وعند الكتاني 7 باسم (الإِبانة في أصول الديانة) . وعنه أخذ الزركلي في الأعلام 8. وفي شذرات الذهب 9 (الإبانة في القرآن) .   1 المنتظم 8/310. 2 الرافعين: يظهر أنها صحف عن (الزائغين) . 3 التذكرة 3/1118. 4 17/654. 5 انظر: طبقات الحفاظ 429. 6 1/2. 7 الرسالة المستطرفة 30. 8 الأعلام 4/349. 9 الشذرات 3/272. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 أما كحالة 1 فمرة ينقل عبارة الذهبي (الإِبانة الكبرى في مسألة القرآن) . ومرة أخرى ينقل عبارة ابن الجوزى (الإبانة في الرد على الرافعين) والذي أرجحه أن اسم الكتاب هو (الإبانة) وأن باقي العبارات إنما هي زيادة بيان لموضوع الكتاب. والمؤلف نفسه ذكر أن اسم الكتاب هو (الإبانة) ثم أفصح عن موضوعه وبين أنه في الرد على الزائغين في مسألة القرآن. فقال في مقدمته لكتاب (الرد على من أنكر الحرف والصوت) - هذا-: (كتاب الإبانة الذي ألفته في الرد على الزائغين) . ولقد بحثت في كتب التراث، وفهارس المكتبات عن مؤلفات السجزي، وخاصة كتاب الإبانة هذا، فعثرت في فهرس مكتبة كوبرلي بتركيا على أنه موجود بها تحت رقم (231) حديث. وقد قام فضيلة شيخنا حماد الأنصاري حفظه الله بالسعي للحصول على صورة لهذا الكتاب، وبعث بالرقم المشار إليه، ووصلت إليه صورة تحمل نفس الرقم، لكن الكتاب اتضح أنه (الإبانة) لابن بطة، وليس إبانة السجزي. ولم أيئس، وقلت في نفسي لابد أن يكون في هذه المكتبة كتاب للسجزي وربما حصل خطأ في الفهرسة، فسافرت إلى استانبول   1 معجم المؤلفين 6/239. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 (القسطنطينية) وزرت مكتبة (كوبرلي) فاتضح لي أن الإبانة التي بها لابن بطة وليست للسجزي ولم أجد بها أثارة من علم السجزي. ثم بحثت في باقي مكتبات هذه المدينة وهي كثيرة جداً، بها من روائع تراثنا الإسلامي الشيء الكثير مما يستحق أن تشد إليه الرحال ويسترخص في سبيله المال. على أني وإن لم أجد بها بغيتي فإنني والحمد لله لم أعد منها بخفي حنين. وهناك، اقتباسات عن كتاب الإبانة لدى شيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام ابن القيم والإمام الذهبي في عدد من مؤلفاتهم، اكتفي بالإشارة إلى مواطن هذه الاقتباسات بذكر اسم الكتاب والجزء والصفحة: 1- درء تعارض العقل والنقل، طبعة جامعة الإمام 2/86-94، 6/250، 7/236. 2- بيان تلبيس الجهمية 2/38،416-417. 3- الفتاوى 12/ 428-429، 397. 4- مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم 2/214. 3- العلو للعلي الغفار للذهبي 180. 6- سير أعلام النبلاء للذهبي 17/657. 7- عدّه السيوطي: أحد مصادره في كتابيه (جمع الجوامع) و (الجامع الصغير) . 2- الكتاب الثاني من مؤلفات الإِمام السجزي: كتاب (رواية الأبناء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 عن الآباء) ذكره ابن الصلاح في كتابه (علوم الحديث) 1 فقال: (النوع الخامس والأربعون. معرفة رواية الأبناء عن الآباء. ولأبي نصر الوايلي الحافظ في ذلك كتاب) . كما ذكره ابن كثير في (اختصار علوم الحديث) فقال- تحت موضوع: رواية الأبناء عن الآباء -: وقد صنف فيه الحافظ أبو نصر الوايلي كتاباً حافلاً، وزاد عليه بعض المتأخرين أشياء مهمة نفيسة) 2. ولم يذكر هذا الكتاب أيٌّ ممن ترجم له، ولعل شهرة كتاب الإِبانة طغت على غيره، فاكتفي به ولم يذكر له سواه. 3- والثالث من مصنفاته: هو كتابنا هذا (الرد على من أنكر الحرف والصوت) وسيأتي الكلام عليه في الباب الثاني من هذه الدراسة. 4- هناك نصوص من كلام الإِمام السجزي، لدى ابن الصلاح في كتابه (علوم الحديث) نقلها ولم يشر إلى اسم الكتاب أو الكتب التي اقتبسها منها. وإليك هذه النصوص: النص الأوّل: قوله: "أجمع أهل العلم الفقهاء وغيرهم على أن رجلا لو حلف بالطلاق أن جميع ما في كتاب البخاري مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قد صح   1 انظر: علوم الحديث 283. 2 انظر: الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث 204. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 عنه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاله لاشك فيه، أنه لا يحنث والمرأة بحالها في حبالته"1. النص الثاني: قال ابن الصلاح: "وذكر أبو نصر السجزي الحافظ قول الراوي: " بلغني " نحو قول مالك: بلغني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: للمملوك طعامه وكسوته.. قال السجزي: أصحاب الحديث يسمونه المعضل"2. النص الثالث: قال ابن الصلاح في مسألة الإجازة: "وممن أبطلها من أهل الحديث الإِمام إبراهيم بن إسحاق الحربي، وأبو محمد عبد الله بن محمد الأصبهاني الملقب بأبي الشيخ، والحافظ أبو نصر الوايلي السجزي،- قال- وحكى أبو نصر فسادها عن بعض من لقيه، قال أبو نصر "وسمعت جماعة من أهل العلم يقولون: قول المحدّث: "قد أجزت لك أن تروي عني" تقديره: قد أجزت لك ما لا يجوز في الشرع، لأن الشرع لا يبيح رواية ما لم يسمع"3. فهذه النصوص تدلنا على مكانة الإِمام السجزي في علوم الحديث، وبصره بهذا الفن حتى غدتْ أقواله فيه ذات قيمة عالية عند أهل الفن تؤخذ بعين الاعتبار.   1 علوم الحديث، ص 22. 2 علوم الحديث ص: 54. 3 علوم الحديث ص: 134. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وهي تدل أيضاً على أن له مؤلفات في هذا الفن ضاعت فيما ضاع من تراث هذه الأمة من كتب أئمة السلف وعلماء الأثر. مكانته العلمية وثناء الناس عليه: رغم أن المصادر التي تحدثت عن الإمام السجزي لم تستوعب جوانب كثيرة من حياته، غير أنها لم تخل من إشارات ومقتطفات متفرقة نستطيع أن نلمح من خلالها المنزلة العلمية العالية التي تبوأها أبو نصر رحمه الله، فلقد وصف بالعلم، والإِمامة والحفظ والإتقان، وسعة الرواية، والدراية بالرجال والطرق. وصفه بذلك تلامذته الذين تلقوا عنه، ومترجموه الذين عرفوا منزلته وفضله. وسأورد هنا طائفة من أقوالهم وهي وإن كانت مقتضبة إلا أنها تدل على مكانة عالية وذكر حسن. فهذا تلميذه: عبد العزيز النخشبي يقول فيه: (العالم الحافظ، شيخ متقن ثقة ثبت من أهل السنة) 1. وهذا تلميذه: أبو إسحاق الحبال يصفه بالحفظ، يقول ابن طاهر: "سألت الحافظ الحبال عن أبي نصر السجزي، والصوري2 أيهما أحفظ؟ فقال: كان السجزي أحفظ من خمسين مثل الصوري" 3.   1 الأنساب ص: 578. تذكرة الحفاظ3/1119 2 وهو: الإمام الحافظ عبد الله محمّد بن علي بن عبد الله الصوري أحد الأعلام (377- 441هـ) ترجمته في: سير أعلام النبلاء17/627، والتذكرة 3/1115-1116. 3 تذكرة الحفاظ3/1119 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 ولنا أن نتخيل سعة حفظ الإِمام السجزي إذ عرفنا أن الإِمام الصوري وصف بقوة الحفظ إلى درجة أن أبا الوليد الباجي يقول فيه: "الصوري أحفظ من رأيناه"1 وليس ذلك رأي الباجي فحسب بل هو رأي كثير من أهل العلم. يقول غيث بن علي الأرمنازي: "رأيت جماعة من أهل العلم يقولون ما رأينا أحفظ من الصوري"2. وكان الإِمام الصوري لقوة تمكنه من الحفظ يقول: "انظروا إلى أي حديث شئتم من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرءوا إسناده لأقرأ متنه، أو اقرءوا متنه حتى أخبركم بإسناده"3. فإذا كانت هذه هي مكانة الحافظ الصوري في الحفظ والضبط والإِتقان، فما بالك بمكانة الإمام السجزي الذي شهد له بأنه أحفظ من خمسين مثل الصوري رحم الله الجميع. ويقول فيه ابن ماكولا: "كان أحد الحفاظ المتقنين"4. يقول السمعاني: "كان أحد الحفاظ ... وكان صاحب التصانيف والتاريخ"5. ويقول ابن نقطة: "أبو نصر الحافظ ... الإِمام"6.   1 تذكرة الحفاظ3/1115. 2 تذكرة الحفاظ3/1115. 3 المصدر نفسه. 4 الإكمال7/397. 5 الأنساب ص: 587. 6 الاستدراك2/552- ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 ويقول ابن الجوزى: "هو ... الحافظ ... سمع الحديث الكثير وفقه وفهم وصنف وخرج وكان قيماً بالأصول والفروع وله التصانيف الحسان"1. ويقول فيه الإمام الذهبي: "الإمام العالم الحافظ المجود شيخ السنة أبو نصر عبيد الله بن سعيد ... شيخ الحرم ومصنف الإبانة الكبرى في أن القرآن غير مخلوق وهو مجلد كبير دال على علم الرجل بفن الأثر"2. وقال في التذكرة: "الحافظ الإمام علم السنة عبيد الله بن سعيد ... صاحب الإبانة الكبرى … وهو كتاب طويل في معناه دال على إمامة الرجل وبصره بالرجال والطرق"3. فهذه الطائفة من كلام أهل العلم عن الحافظ أبي نصر تبين لنا المكانة التي احتلها رحمه الله في الحفظ والعلم والضبط والإتقان، والإمامة والتقدم على أقرانه في ذلك. رحمه الله رحمة واسعة. زهده في الدنيا وإخلاصه في طلب العلم: نتبين ذلك من خلال قراءتنا لهذه القصة التي يرويها عنه تلميذه الحبال فيقول:   1 المنتظم8/310. 2 سير أعلام النبلاء17/654. 3 التذكرة 3/1118. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 "كنت يوماً عند أبي نصر السجزي فدق الباب، فقمت ففتحت، فدخلت امرأة، وأخرجت كيساً فيه ألف دينار، فوضعته بين يدي الشيخ، وقالت: أنفقها كما ترى. قال: ما المقصود؟ قالت: تتزوجني ولا حاجة لي في الزوج لكن لأخدمك، فأمرها بأخذ الكيس وأن تنصرف، فلما انصرفت قال: خرجت من سجستان بنية طلب العلم، ومتى تزوجت سقط عني هذا الاسم، وما أوثر على ثواب طلب العلم شيئاً". أورد هذه القصة الإمام الذهبي ثم عقب بقوله: "قلت: كأنه يريد: متى تزوج للذهب نقص أجره، وإلا فلو تزوج في الجملة لكان أفضل، ولما قدح ذلك في طلبه العلم، بل يكون قد عمل بمقتضى العلم، لكنه كان غريباً فخاف العيلة وأن تتفرق عليه حاله عن الطلب"1. مذهبه الفقهي: سبق أن ذكرت أن أبا نصر تفقه على أبيه، وأن أباه كان فقيهاً على مذهب الكوفيين. والكوفيون على مذهب أبي حنيفة، فهل يعني ذلك أن أبا نصر كان حنفي المذهب في الفقه؟ لعل ذلك ما فهمه القرشي2 والبغدادي3 وغيرهما عندما عداه في الحنفية.   1 سير أعلام النبلاء 17/655-656، وانظر القصة دون التعقيب أيضاً في: تذكرة الحفاظ3/1119. 2 الجواهر المضئية2/495. 3 هداية العارفين1/648. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 ولقد كان المذهب الحنفى سائداً في سجستان موطن أبي نصر الأوّل، كما يقول أحمد أمين: " وأغلب أهلها- أي سجستان - على مذهب أبي حنيفة لا ترى من غيرهم إلا القليل"1. فهل يكفي ذلك للدلالة على أن أبا نصر كان حنفياً؟ الواقع أن أبا نصر رحمه الله كان من أهل الحديث بل من أئمتهم والمقدمين فيهم، ولم يثبت انتماؤه إلى مذهب فقهي2، لذا نرى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عندما يذكر مذاهب الناس في مسألة ويذكر قول الأحناف، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، يذكر أهل الحديث طائفة غير منتمية إلى أي من المدارس الفقهية المذكورة، ويذكر أبا نصر في أهل الحديث. فمثلاً عندما تكلم رحمه الله عن مذاهب الناس في مسألة الحسن والقبح العقليين ذكر أقوال الأشاعرة، والحنابلة، والأحناف، والمالكية، والشافعية، ثم أشار إلى قول أهل الحديث فقال: قول طوائف من أئمة   1 ظهر الإسلام1/278. 2 وقفت عند اعداد الكتاب للطبعة الثانية على إشارة غير موثقة للكوثري يزعم فيها أن أبا نصر السجزي وصاحبه السعد الزنجاني كانا ينتحلان مذهب الشافعي. انظر تكملته على السيف الصقيل ص 20 حاشية رقم (2) ولم يوثق قوله هذا، فلا يلتفت إليه فيما يتعلق بالسجزي خاصة وأما الزنجاني فمذكور في طبقات الشاقعية بخلاف السجزي فلم أقف على من ذكره في الشافعية، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 الحديث … ثم ذكر أبا نصر السجزي وعزا إليه1. وفي هذا الكتاب نرى تعاطفه الشديد مع الحنابلة وشيوخهم2 ودفاعه عنهم وإعجابه الشديد بالإمام أحمد رحمه الله وتسليمه له بالإمامة والتقدم في الفقه والسنة إذ يقول فيه: "فأيد الله سبحانه بمنه أبا عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني رحمه الله حتى قام بإظهار المنهاج الأول وكان جامعاً قد تقدم في الفقه فنظر في مذهب أبي حنيفة وسفيان أولا، ثم نظر في مذهب الشافعي واختار لنفسه ما وجده في الحديث وكان في معرفته مبرزاً شديد الورع متمسكاً بآثار السلف3. على أنه ليس في تعاطفه وإشادته بالإمام أحمد ودفاعه عن الحنابلة وشيوخهم ما يدعو للقول بأنه كان حنبلياً فقد يكون داعيه لذلك ما كان عليه الإمام أحمد وأصحابه من التمسك بالسنة والثبات عليها في المحنة. ومن الأمور التي تدعونا على الأقل للشك في كونه حنفياً: أنَّا نجده غير عالم بمذهب أبي حنيفة فعندما احتاج أن يعرف حقيقة مذهب أبي حنيفة في مسألة جواز قراءة الفاتحة بالفارسية4، ذهب يسأل أبا جعفر النسفي، وأبا محمد الناصحي عن ذلك، فلو كان حنفياً لكان ذا علم   1 انظر: منهاج السنة1/317. 2 الردّ على من أنكر الحرف والصوت (ق 40-آ) ، (ق 52-ب) ص: 185، 227 3 الردّ على من أنكر الحرف والصوت (ق 49-آ) ص: 215. 4 الردّ على من أنكر الحرف والصوت (ق 32-آ) ص: 157. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 بالمذهب ولا سيما بهذه المسألة التي يهمه معرفتها. ولا يقال إنه ليس من لازم التمذهب أن يكون المرء عالماً بالمذهب. فإنا نقول: ذلك في حق العامي، أما مثل أبى نصر الذي علم وفهم وفقه فيجدر به إذا كان حنفياً أن يكون من علمائهم. والله تعالى أعلم. عقيدته: تقدم لنا في مبحث ثناء الناس عليه، وصف غير واحد له بأنه من أهل السنة وأنه علم من أعلامهم، وكتابه هذا خير شاهد على انتمائه لأهل السنة واتباعه للنصوص على مذهب السلف، فهو قد بين فيه في الفصل الثاني منه أن "أهل السنة هم الثابتون على اعتقاد ما نقله إليهم السلف الصالح رحمهم الله عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه رضي الله عنهم فيما لم يثبت فيه نص في الكتاب ولا عن الرسول صلى الله عليه وسلم لأنهم رضي الله عنهم أئمة وقد أمرنا باقتداء آثارهم واتباع سنتهم"1. ثم بين في آخر الفصل أنّه على السنة، وأنّ خصومه على البدعة. ثم أفصح عن منهجه في باب الاعتقاد، فقال في هذا الكتاب أيضاً: "وقبل كل شيء ينبغي أن يعلم أن اعتمادنا في المعتقدات أجمع على السمع فإذا ورد السمع بشيء قلنا به، ولم نلتفت إلى شبهة يدعيها مخالف"2.   1 الردّ على من أنكر الحرف والصوت (ق 10-آ) ص: 96. 2 الردّ على من أنكر الحرف والصوت (ق 29-ب) ص: 153. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 وهذا هو منهج أهل السنة الذين هم سلف هذه الأمة الصالح، الذين كان الإمام السجزي يترسم خطاهم ويقتفي آثارهم، وقد ذكر في كتاب الإبانة الأئمة الذين بهم اقتدى وبهداهم اهتدى فقال: "وأئمتنا كسفيان ومالك والحمادين وابن عيينة والفضيل وابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق"1 ثم ذكر قولهم في الاستواء. كما ذكر في كتاب الرد هذا عدداً من أئمة الهدى الذين بين أنهم هم الأئمة الذين ينبغي اتباع آثارهم. وبعد: يمكننا القول بأن أبا نصر سلفي العقيدة سائر مع النص الصحيح، متبع للسلف الصالح. رضي الله عن الجميع وشمل كلا برحمته. بل يمكننا القول: إن أبا نصر كان إماماً من أئمة أهل السنة وعلماً من أعلامهم وفحلاً من فحولهم. فهو كما وصفه ابن تيمية: "من أكابر أهل الإثبات "2. وكما وصفه الذهبي: "شيخ السنة"3.   1 سير أعلام النبلاء1/656، والعلو للعلي الغفار ص: 180. 2 انظر: بيان تلبيس الجهمية1/446. 3 تقدمت الإشارة إ لى المرجع في ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 الباب الثاني: التعريف بالكتاب ووصف المخطوط ومنهج البحث الفصل الأول: التعريف بالكتاب ... الفصل الأول: التعريف بالكتاب اسمه: الاسم المثبت على غلاف الكتاب في الورقتين الأولى والثانية هو: (الرد على من أنكر الحرف والصوت) . ولكن الكتب التي ذكرته واقتبست منه لم تذكره بهذا الاسم المدوّن على الغلاف. فهذا شيخ الإِسلام ابن تيمية يذكره في عدة مواطن من كتبه، مقتبساً منه بعض النصوص فيقول تارة: قال الحافظ أبو نصر السجزي في: رسالته المعروفة إلى أهل زبيد في الواجب من القول في القرآن1. وتارة يقول: قال في رسالته المشهورة إلى أهل زبيد2. ويقول تارة أخرى: (رسالته المعروفة في السنة) 3. أما المؤلف فلم يصرح باسم الكتاب، لكنه قال في المقدمة: (ذكر لي عنكم وقوفكم على كتاب الإِبانة الذي ألفته في الرد على الزائغين في مسألة القرآن، وأنكم وجدتم المخالفين ببلدكم يشغبون عند ذكر الحرف والصوت4.   1 درء تعارض العقل والنقل2/83. 2 انظر: بيان تلبيس الجهمية1/446. 3 انظر: منهاج السنة1/317. 4 لوحة (3-آ- ب) من المخطوط ص: 79. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 ثم قال في آخر المقدمة بعد تعداده لفصول الكتاب (فجميع ما ذكرت أن بكم إليه حاجة عند الرد عليهم أحد عشر فصلاً، من أحكمها تمكن من الرد عليهم1. فمن هنا نشأت تسمية الكتاب باسم (الرد على من أنكر الحرف والصوت) وإن لم يصرح المؤلِّف بإطلاق ذلك اسماً لمؤلَّفه. وهو إلى ذلك عبارة عن رسالة إلى أهل بلد- وهو زبيد- يشرح لهم هذه المسألة وغيرها من مسائل السنة، فجاز لابن تيمية أن يسميها رسالة، وهو لم يأت بذلك من عند نفسه لأنا نرى المؤلف نفسه يصرح بأن الكتاب عبارة عن رسالة. فيقول في آخر الفصل الخامس: "ولعل غير هذه الرسالة يأتي على شرح موافقته لهم"2. ويقول في آخر الفصل التاسع: "لأن هذه الرسالة إنما اشتملت على نكت وإشارات) 3. ويقول في آخر الفصل الحادي عشر: "وأنا أرجو أن من تأمل هذه الرسالة حق التأمل وجد فيها بتوفيق الله سبحانه شفاء غليله"4. ويوجد في النهاية العبارة التالية: (تمت الرسالة والحمد لله وحده..)   1 ورقة (7-آ) من المخطوط ص: 86. 2 ورقة (24-آ) مخطوط ص: 140. 3 ورقة (46-آ) مخطوط ص: 205. 4 ورقة (54-ب) ص: 236. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 لكن لم أستطع الجزم هنا فيما إذا كانت عبارة المصنف أم هي من كلام الناسخ. فبان بذلك أن الكتاب عبارة عن رسالة إلى أهل بلد معين في الرد على من أنكر الحرف والصوت. ولا أرى ما يمنع من أن نطلق عليه: "رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت" لا سيما وأن المؤلف لم يطلق اسماً معيناً لكتابه وإنما أشار إلى أنه رسالة وأنه في الرد على من أنكر الحرف والصوت. توثيق نسبة الكتاب للمؤلف: يدل على صحة نسبة الكتاب للمؤلف عدة أمور: الأمر الأوّل: أنه دون على الورقة الأولى والثانية اسم الكتاب كما أشرنا مقرونا باسم المؤلف. الأمر الثاني: سند النسخة الذي ورد في أول الورقة الثالثة، من المخطوطة1. الأمر الثالث: أن شيخ الإسلام ابن تيممية رحمه الله نقل عن الكتاب في عدد من مؤلفاته، وصرح بنسبته للمؤلف وقد قابلت النصوص المقتبسة عنده بمواطنها في هذا الكتاب، وأثبت بعض الاختلافات.   1 في هذا السند أبو محمد المفدي بن عبد الله الأيويى، لم أجد ترجمته، على أن ذلك لا يقدح في إثبات الكتاب للمؤلف لأن راوي النسخة هو أحد تلامذة المؤلف. بالإضافة إلى الأدلة الأخرى التي لدينا على صحة نسبة الكتاب للمؤلّف. وذلك كاف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 وإليك طرفا من هذه النصوص: 1- قال في كتابه درء تعارض العقل والنقل: "وقال الحافظ أبو نصر السجزي في رسالته المعروفة إلى أهل زبيد في الواجب من القول في القرآن اعلموا - أرشدنا الله وإياكم - أنه لم يكن خلاف بين الخلق، على اختلاف نحلهم من أول الزمان إلى الوقت الذي ظهر فيه ابن كلاب والقلانسي، والأشعري، وأقرأنهم الذين يتظاهرون بالرد على المعتزلة، وهم معهم بل أخس حالاً منهم في الباطن، من أن الكلام لا يكون إلاّ حرفاً وصوتاً، ذا تأليف واتساق وإن اختلفت به اللغات، وعبر عن هذا المعنى الأوائل الذين تكلموا في العقليات وقالوا: الكلام حروف متسقة وأصوات مقطعة ... إلى قوله - وهذه مقالة تبين فضيحة قائلها في ظاهرها من غير رد عليه ومن علم منه خرق إجماع الكافة ومخالفة كل عقلي وسمعي قبله لم يناظر بل يجانب ويقمع"1. وهذا الكلام بنصه مع بعض الاختلافات اليسيرة، يطابق ما ورد في الكتاب من الورقة (3- ب إلى 5- آ) ص. 2- وقال في " بيان تلبيس الجهمية ": "وممن نفى لفظ " الحدّ " أيضاً من أكابر أهل الإِثبات أبو نصر السجزي، قال في رسالته المشهورة إلى أهل زبيد: "وعند أهل الحق أن الله سبحانه مباين لخلقه بذاته، وأن الأمكنة غير خالية من علمه، وهو بذاته تعالى   1 2/83-86. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 فوق العرش بلا كيف، بحيث لا مكان. وقال أيضاً- أي: السجزي- فاعتقاد أهل الحق أن الله سبحانه وتعالى فوق العرش بذاته من غير مماسة، وأن الكرامية، ومن تابعهم على القول بالمماسة ضلال. وقال: وليس من1 قولنا أن الله فوق العرش تحديد له، وإنما التحديد يقع للمحدثات، فمن العرش إلى ما تحت الثرى محدود والله سبحانه وتعالى فوق ذلك بحيث لا مكان ولا حد لاتفاقنا أن الله تعالى كان ولا مكان ثم خلق المكان وهو كما كان قبل خلق المكان، قال: وإنما يقول بالتحديد من يزعم أنه سبحانه وتعالى على مكان، وقد علم أن الأمكنة محدودة فإن كان فيها بزعمهم كان محدوداً، وعندنا أنه مباين للأمكنة ومن حلها وفوق كل محدث فلا تحديد لذاته في قولنا. هذا لفظه "2. وهذه النصوص اقتبسها ابن تيمية من مواطن متفرقة من الفصل الرابع من كتابنا هذا حسب حاجته ولم يراع ترتيب المؤلف وسأشير في الحاشية إلى مواطن هذه الاقتباسات من المخطوط3.   1 كذا في بيان تلبيس الجهمية وفي الرد على من أنكر الحرف والصوت (في) ، وهو المناسب. 2 بيان تلبيس الجمهية1/446. 3 انظر المواطن التالية من المخطوط: (ق21-ب) وفيها: ((وعند أهل الحق أن الله سبحانه مباين لخلقه بذاته فوق العرش بلا كيفية بحيث لا مكان)) انظر ص: 129. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 3- وقال: في (منهاج السنة) في ذكر مقالة أهل السنة في الحسن والقبح العقليين بعد أن ذكر القول الثاني وهو أن العقل قد يعلم به حسن كثير من الأفعال وقبحها في حق الله تعالى وحق عباده، ثم ذكر طوائف القائلين بهذا القول إلى أن قال: وهو قول طوائف من أئمة أهل الحديث، وعدوا القول الأول - وهو القول بأن العقل لا يعلم به حسن فعل ولا قبحه - من أقوال أهل البدع كما ذكر ذلك أبو نصر السجزي في رسالته المعروفة في السنة) 1. وقد وجدته كما ذكر شيخ الإِسلام رحمه الله فقد ذكر المؤلف: أن الأشعري يقول: إن العقل لا يقتضي حسناً ولا قبيحاً ثم أعقبه بقوله: وهذا لعمري مخالفة العقل عياناً يقصد جمع الأشعري بين إنكاره تحسين العقل وتقبيحه وبين القول: بوجوب معرفة الله بالعقل قبل ورود الشرع2. ومما يدل على صحة نسبة الكتاب للسجزي ما نقله ابن قدامة في كتابه: " الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم " ص 48 بعد أن أورد حديث ابن مسعود " إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء ... " قال: "قال السجزي: وما في رواة هذا الخبر إلا إمام مقبول " وهذا النقل موجود في كتاب الحرف والصوت ص.   1 انظر: منهاج السنة1/317. 2 انظر: (ق 9-ب، ق 23-آ-ب) ص: 95، 160. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 والأمر الرابع: من الأمور الدالة على صحة نسبة الكتاب للمؤلف: ورود ذكر كتاب (الإبانة) للمؤلف في عدة مواطن من الكتاب وأنّ هذا الكتاب عبارة عن تجريد القول في مسألة الحرف والصوت الواردة في كتاب الإِبانة، لصعوبة استخلاص هذه المسألة منه لكثرة الأسانيد كما أشار المؤلف لذلك في المقدمة. وهذا يعني أن نصوصاً وعبارات كثيرة سترد في هذا الكتاب هي بعينها واردة في كتاب الإبانة، ولئن كان كتاب الإبانة في حكم المفقود، إلاّ أن المصادر التي جاءت بعده اقتبست عنه الكثير من النصوص، بعضها مطابق لما ورد في كتاب الرد على من أنكر الحرف والصوت، فمثلا: نجد اقتباسات كثيرة عند ابن تيمية مقتبسة من كتاب الإبانة للمؤلف، وهي بنصها موجودة في كتاب الرد على من أنكر الحرف والصوت. من ذلك: ما نقله في كتاب: (درء تعارض العقل والنقل) قال: "حكى محمّد بن عبد الله المغربي المالكي، وكان فقيهاً صالحاً، عن الشيخ أبي سعيد البرقي، وهو من شيوخ فقهاء المالكيين ببرقة، عن أستاذه خلف المعلم، وكان من فقهاء المالكيين، قال أقام الأشعري أربعين سنة على الاعتزال، ثم أظهر التوبة فرجع عن الفروع، وثبت على الأصول". وهذا كلام خبير بمذهب الأشعري وغوره1 وقال: ذكره السجزي في الإِبانة.   1 انظر: درء تعارض العقل والنقل7/263. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وهذا الكلام بنصه هو ما جاء في كتاب (الرد على من أنكر الحرف والصوت) ففي ذلك دلالة على التوافق بين الكتابين في أصول المادة العلمية، وبالتالي نستخلص منه دليلاً على صحة إثبات كتاب (الرد على من أنكر الحرف والصوت) للمؤلف. الأمر الخامس: ما ذكره تقي الدين السبكي في كتابه: " السيف الصقيل" ص 19 من أن إمام الحرمين الجويني له كتاب باسم نقض كتاب السجزي، قال والسجزي هذا له كتاب مترجم بـ " مختصر البيان " وجده إمام الحرمين حين جاور بمكة شرفها الله. قال- اشتمل كتاب السجزي هذا على أمور منها: أن القرآن حروف وأصوات ". وهذا هو موضوع كتابنا هذا " الرد على من أنكر الحرف والصوت" الذي هو مختصر لكتاب " الإبانة " كما أشار إلى ذلك المؤلف رحمة الله عليه وهو الذي عبر عنه السبكي بـ" مختصر البيان" والله أعلم. موضوع الكتاب: الموضوع الرئيس للكتاب هو كما يفهم من اسمه، ومن مقدمة المؤلف، إثبات أن كلام الله عز وجل بحرف وصوت والرد على من أنكر ذلك والاستدلال عليه بنصوص الكتاب والسنة واللغة. وبيان أن الكلام لا يمكن أن يعرى عن الحرف والصوت البتة.   1 انظر: المخطوطة (ق 24-آ) ص: 140. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 هذا هو الموضوع الذي ألف من أجله الكتاب، لكن المؤلف لم يقتصر على ذلك وإنما تعرض لمسائل أخرى هامة، من مسائل العقيدة كالاستواء والنزول وإثبات اليدين وغير ذلك من صفات الباري جل وعلا. ونستطيع أن نلم بموضوع الكتاب بشكل أوفى إن نحن استعرضنا فصوله الأحد عشر، التي ذكرها المصنف في مقدمته فقال: فالذي تحتاجون إليه حفظكم الله معهم في إزالة تمويههم: 1- أن تقيموا البرهان على أن الحجة القاطعة هي التي يرد بها السمع لا غير وأن العقل آلة للتمييز فحسب. 2- ثم تبينوا ما السنة؟ وبماذا يصير المرء من أهلها، فإن كلا يدعيها. وإذا علمت وعرف أهلها بان أن مخالفها زائغ لا ينبغي أن يلتفت إلى شبهه. 3- إقامة الدليل على أن مقالة المخالفين-وهم الكلابية والأشاعرة- مؤدية إلى نفي القرآن أصلاً، وإلى التكذيب بالنصوص الواردة فيه، والرد لصحيح الأخبار ورفع أحكام الشريعة. 4- إقامة البرهان على أنهم مخالفون لمقتضى العقل بأقاويل متناقضة، مظهرون لخلاف ما يعتقدونه وذاك شبيه بالزندقة. 5- تعريف العوام أن فرق اللفظية والأشعرية موافقون للمعتزلة في كثير من مسائل الأصول وزائدون عليهم في القبح وفساد القول في بعضها. 6- وأن توردوا الحجة على أن الكلام لن يعرى عن حرف وصوت البتة، وأن ما عري عنهما لم يكن كلاماً في الحقيقة، وإن سمي في وقت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 بذلك تجوزاً واتساعاً، وتحققوا جواز وجود الحرف، والصوت من غير آلة، وأداة وهواء منخرق، وتسوقوا أقوال السلف وإفصاحهم بذكر الحرف والصوت أو ما دلَّ عليهما، وتجمعوا بين العلم والكلام في إثبات الحدود بهما. 7- ثم تذكروا فعلهم في إثبات الصفات في الظاهر وعدولهم إلى التأويل في الباطن وادعاءهم أن إثباتها على ظاهرها تشبيه. 8- ثم تشرحوا أن الذي يزعمون بشاعته من قولنا في الصفات ليس على ما زعموا ومع ذلك فلازم لهم في إثبات الذات مثل ما يلزمون أصحابنا في الصفات. 9- وأن تذكروا شيئاً من قولهم ليقف العامّة على ما يقولونه فينفروا عنهم ولا يقعوا في شباكهم. ثم تنظروا كون شيوخهم أئمة ضلال، ودعاة إلى الباطل، وأنهم مرتكبون لما نهوا عنه. 10- ثم تحذروا الركون إلى كل أحد والأخذ من كل كتاب، فإن التلبيس قد كثر والكذب على المذاهب قد انتشر. فجميع ما ذكرت أن بكم إليه حاجة عند الرد عليهم أحد عشر فصلاً من أحكمها تمكن من الرد عليهم إذا سبق له العلم بمذهبه ومذهبهم. فتبين مما تقدم أن موضوع الكتاب ليس قاصراً على مسألة الحرف والصوت فحسب وإنما شمل مسائل وجوانب أخرى، فهو يكاد أن يكون رداً شاملاً على الكلابية، ولأشاعرة في كثير من المسائل التي خالفوا فيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 السلف، وهو يتضمن مناقشة جادة لهم، وبياناً لتنكبهم سبيل السلف في كثير من أبواب ومسائل الاعتقاد. وأترك للقاريء الكريم تفاصيل ذلك، ليقيني أن قراءته للكتاب، خير مترجم له عن موضوعاته. سبب تأليفه: ذكر المؤلف سبب تأليفه هذا الكتاب وهو أنه سئل: إفراد القول في مسألة الحرف والصوت التي هي إحدى مسائل كتابه الكبير (الإِبانة) وأنه أجاب إلى ذلك. فقال في المقدمة: (ذكر لي عنكم ـ وفقنا الله وإياكم لمرضاته، ـ وقوفكم على كتاب الإِبانة الذي ألفته في الرد على الزائغين في مسألة القرآن، وأنكم وجدتم المخالفين ببلدكم يشغبون عند ذكر الحرف والصوت، وأنه قد صعب عليكم تجريد القول فيهما واستخراج ذلك من الكتاب، لكثرة الأسانيد المتخللة للنكت التي تحتاجون إليها، وسألتم إفراد القول في هذا الفصل بترك الأسانيد ليسهل عليكم الأخذ بكظم المخالف ... وسامحت نفسي بذلك رجاء وصولكم إلى طلبتكم وحصول العلم لكم بفساد مذهب الخصم والله ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل) . فبين رحمه الله السبب الذي دعاه إلى التأليف في هذه المسألة وتجريد القول فيها. وأنه الطلب الذي تقدم به إليه أهل (زبيد) التي عبر عنها بقوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 (ببلدكم) كما ذكر شيخ الإِسلام ابن تيمية في بعض كتبه1 أن الكتاب عبارة عن رسالة من المؤلف إلى أهل زبيد. وزبيد: بفتح أوّله وكسر ثانيه ثم ياء مثناة من تحت، اسم واد به مدينة يقال لها الحصيب، ثم غلب عليها اسم الوادي فلا تعرف إلا به، وهي مدينة مشهورة باليمن، أحدثت في أيام المأمون2. تاريخ تأليفه: لم يفصح المؤلف عن التاريخ الذي ألف فيه هذا الكتاب، لكنا نستطيع أن نقطع في ذلك بأمرين: الأوّل: أن تأليف هذا الكتاب متأخر عن كتاب الإِبانة، لأنه عبارة عن إفراد القول في مسألة من أهم مسائله، كما أشار المؤلف إلى ذلك في المقدمة. الثاني: أن تأليفه كان بعد سنة 427هـ. وذلك لأن المؤلف قال في الفصل الحادي عشر: " فلقد وقفت على رسالة عملها رجل من أهل أصبهان يعرف بابن اللبان وهو حي بعد فيما بلغني … - ثم قال- وأخرج هذا الرجل من بغداد بهذا السبب "3. وقد وجدت في ترجمة ابن اللبان لدى ابن عساكر: أنه كان في بغداد   1 انظر: درء تعارض العقل والنقل2/83، وبيان تلبيس الجهمية1/446. 2 انظر: معجم البلدان3/131 ط: دار صادر. 3 انظر ص: 357-358. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 في شهر رمضان سنة 427هـ ثم ذكر وفاته بأصبهان سنة 446هـ1. فلو كان تأليف الكتاب قبل هذا التاريخ، لما ذكر المصنف إخراج ابن اللبان من بغداد حيث كان موجوداً بها في سنة 427هـ. مكان تأليفه: واضح أن المصنف ألف هذا الكتاب بمكة حرسها الله، حيث نراه يقول في الفصل الحادي عشر: (وها هنا بمكة معنا من شغله برواية الحديث أكثر وقته) 2. ثم إننا إذا قلنا إن تاريخ تأليف الكتاب هو بعد سنة 427هـ كما تقدم، جزمنا بأن مكان التأليف هو مكة حيث أقام بها المؤلف من سنة 404هـ إلى حين وفاته بها إذ لم تذكر المراجع أنه خرج منها بعد انتقاله إليها. منهج المؤلف وأسلوبه في الكتاب: سلك المؤلف في كتابه هذا منهجاً علمياً يعتمد على ذكر شبه الخصم وحججه ومن ثم بيان بطلانها ودحضها والرد عليها وبيان مخالفة خصومه للعقل الذي يقدمونه والشرع واللغة والعرف جميعاً وموافقتهم للمعتزلة في كثير مما يقولون.   1 انظر: تبيين كذب المفتري ص: 261-262. 2 انظر ص: 358-359.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 وقبل ذلك بدأ بتحديد الحجة التي ينبغي أن يعتمد عليها في الاحتجاج والاستدلال، وبين أنّ الحجة القاطعة التي لا تتطرق إليها شبهة ولا يغتالها شك هي ما جاء به السمع من الكتاب العزيز والسنة المطهرة وأن العقل ليس بحجة في ذاته وإنما هو آلة للتمييز والفهم، ولا ينبغي أن نعدو به قدره هذا إلى تقديمه على السمع واعتباره هو الحجة دونه. ثم بين المفهوم الصحيح للسنة ما هي، ومن هم أهل السنة، فبين أنهم هم الثابتون على اعتقاد ما نقله السلف الصالح إليهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه رضي الله عنهم فيما لم يثبت فيه نص من الكتاب ولا عن الرسول صلى الله عليه وسلم. وبيّن أن من قال في نفسه قولاً وزعم أنه مقتضى عقله، وأن الحديث المخالف له لا ينبغي أن يلتفت إليه لكونه من أخبار الآحاد وهي لا توجب علماً وعقله موجب للعلم؛ يستحق أن يسمى محدثاً مبتدعاً مخالفاً. ثم بيّن في سائر فصول الرسالة مدى مناقضة خصومه لهذين الأصلين معتمداً فيما يورده من أقوالهم وشبههم على كتبهم ـ وإن كان لم يفصح بأسماء هذه الكتب لكن بمراجعتي لكثير مما وجدت من كتبهم تبيّن لي صحة كثير مما نقله عنهم، وإن لم يتبيّن لي بعض ذلك لعدم وجود الكتب التي نقل عنها. وهو لا يعتمد في ذكر آراء القوم ومثالبهم على ما يذكره خصومهم، ومناوؤوهم من الفرق الأخرى وإنما يدينهم من كتبهم وأقوالهم. فيقول في بيان منهجه في ذلك: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 " ونحن لا نذكر من فضائح الأشعري ومن وافقه ما ذكره من لا يرضى مذهبه من معتزلي وكرامي، بل ما لا يمكنهم إنكاره وتنطق به كتبهم"1. موارد المؤلِّف ومصادره في هذا الكتاب: يمكن أن نحدد موارد الإمام السجزي في كتابه هذا على النحو التالي: أوّلاً: القرآن الكريم. ثانياً: السنة المطهرة، وآثار السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وذلك فيما استشهد به من الأحاديث النبويّة الشريفة، والآثار المروية عن سلف هذه الأمة. ثالثاً: ومن أهم الموارد التي استقى منها المؤلِّف مادة كتابه هذا، كتابه الكبير "الإبانة في مسألة القرآن" باعتبار أن كتابه هذا مستخلص منه، ومأخوذ عنه، كما أشير في المقدمة إلى ذلك. رابعاً: كتب الأشعري والباقلاني وغيرهما من أئمة الأشاعرة، وذلك فيما نقله عنهم من أقوال وآراء، وإن كان لم يفصح بذكر اسم واحد من هذه الكتب، وإنما كان يقول قال الأشعري، أو ابن الباقلاني في بعض كتبه، وذلك مما يؤخذ عليه.   1 انظر ص: 195 (ق 44-آ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 قيمته العلمية: يقدم لنا الكتاب دراسة علمية جيدة حول مسألة من أهم المسائل التي دار حولها جدل كبير بدءاً من أوائل المائة الثالثة من الهجرة. وهي: هل كلام الله عز وجل بحرف وصوت كما يقول السلف وكما دلت عليه الآثار، أم إن كلامه سبحانه ليس بحرف ولا صوت وإنما هو كلام نفسي قائم بذات الله كما يقول ابن كلاب ومن وافقه. وهذا الكتاب من كتب أئمة الحديث النادرة التي وصلت إلينا في هذا الباب، فمؤلفه علم من أعلام السنة، وإمام من أئمة علماء الحديث والأثر، ولقد أجاد إذ أفرد القول في هذه المسألة وأورد من الآيات والأحاديث والآثار من أقوال السلف ما يكفي ويشفي طالب الحق. وفند أقوال المخالفين ودلل على فسادها ومناقضتها للعقل والسمع جميعاً وبين أنها مؤدية إلى القول بخلق القرآن وموافقة المعتزلة في ذلك. ولقد أدرك شيخ الإسلام ابن تيمية أهمية هذا الكتاب في بابه فأفاد منه واعتمد عليه واقتبس منه نصوصاً كثيرة في عدد من مؤلفاته وفتاواه وقد سبقت الإشارة إلى هذه الكتب وإلى النصوص المقتبسة فيها عن كتاب الرد هذا. فقد أصبح إذاً، هذا الكتاب مصدراً ومرجعاً في بابه أفاد منه من جاء بعده وفى ذلك دلالة على مكانته وقيمته العلمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 نقد الكتاب والمآخذ على المؤلف فيه: من أهم المآخذ التي تؤخذ على المؤلف في هذا الكتاب: الأمور التالية: أولاً: عدم ذكره لأسماء كتب المخالفين التي ينقل عنها حيث كان يكتفي بقوله: وقال الأشعري في بعض كتبه، أو قال الأشعري، أو قال الباقلاني ولو ذكر أسماء هذه الكتب التي نقل عنها، لأعطى كتابه هذا قيمة علمية أكبر، ولوفر عليَّ الكثير من الجهد الذي بذلته في تلمس مصادر النقول التي أوردها عن الأشعري أو الباقلاني أو غيرهما. ثانياً: حدّته في الكلام على خصومه ومخالفيه، يتجلى ذلك في وصفه إياهم بأوصاف قاسية ترك مثلها أولى. لكن إذا عرف أن دافعه إلى ذلك غيرته على عقيدته وحماسه في الدفاع عن الأثر وأهله ربما عذر أو التمس له العذر. من تلك الأوصاف قوله عن ابن كلاب والقلانسي والصالحي والأشعري وأقرانهم: بأنهم (أخس حالا من المعتزلة) 1. ومن ذلك رميه خصومه بالجنون في قوله (ولكن لما عدم من ينظر في أمر المسلمين محنا بالكلام مع من ينبغي أن يلحق بالمجانين) 2. ومن ذلك وصمه الأشعري بأنه قليل الحياء حيث قال: " وإنما حمله   1 انظر ص: 79 (ق 3-ب) . 2 انظر ص: 83 (ق 5-آ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 - أي الأشعري - على ذلك التحير مع قلة الحياء"1. ونحو ذلك من العبارات والألفاظ، التي كان تركها وتجنبها أولى، ونحن مأمورون بالمجادلة بالتي هي أحسن فالله سبحانه وتعالى يقول: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} فإنه أدعى لتفهم الخصم وجهة نظر خصمه وأحرى بتقبله الحق وانقياده له2.   1 ص: 109 (ق 14-آ) . 2 بعد صدور الطبعة الأولى للكتاب، وقفت على كلام لإمام الحرمين الجويني (419-478) في كتاب له بعنوان ((نقض كتاب السجزي)) ألفه ردا على كتاب ((مختصر البيان للسجزي)) ، وهو كتابنا هذا. نقله عنه تقي الدين السبكي في كتابه: ((السيف الصقيل)) ص (19-20) ، نال فيه من الإمام أبي نصر السجزي، وأوسعه فيه شتماً وذماً، فرماه بالحمق، والجهل، وسخف العقل، ولم يقف عند ذلك بل أسف في ذمه وشتمه حتى قال: " وقد كسا هذا التيس الأئمة صفاته ... - إلى أن قال -: قد ذكر هذا اللعين الطريد المهين فضولاً، وزعم أن الأشعرية يكفرون بها، - قال – فعليه لعائن الله تترى، واحدة بعد أخرى – قال – وما رأيت جاهلاً أجسر على التكفير وأسرع إلى التحكم على الأئمة من هذا الأخرق. كما وقفت أيضا على كتاب معنون بـ ((فهرست اللبلي)) لمؤلفه أحمد بن يوسف الفهري (623-691هـ) رأيت مؤلفه سار فيه على منوال إمامه الجويني في شتم الإمام السجزي والنيل منه حيث قال فيه: (وكذلك اللعين المعروف بالسجزي فإنه تصدى أيضاً للوقوع في أعيان الأئمة، وشرع الأمة بتأليف تالف، وهو على قلة مقداره، وكثرة عواره، ينسب أئمة الحقائق، وبحور العلوم إلى التلبيس والمراوغة = والتدليس- قال-: وهذا الرزل الخسيس-كذا- أحقر من أن يكترث به ذو لب، ولا يغير البحر الخضم ولغة الكلب!! ... )) ولست هنا بصدد تفنيد أقوال هؤلاء، لكني أرى من الضرورة بمكان إيضاح دعوى الجويني أن السجزي يكفر الأشعرية وأنه لم ير أجسر منه على ذلك، فالحق أني لم أر السجزي رحمه الله كفر أحداً من الكلابية أو الأشعرية في كتابنا هذا – وهو الذي يرد عليه الجويني في كتابه المشار إليه – والكتاب بين يديك أيها القارئ الكريم، فأين فيه تكفير الأشعرية؟!! صحيح أن الإمام السجزي حمل عليهم، وحط عليهم، ووصفهم بأنهم أخس حالاً من المعتزلة لأن المعتزلة أظهرت القول بخلق القرآن فعرفهم الناس وهؤلاء موهوا ولبسوا، لكنه لم يكفرهم كما لم يكفر المعتزلة. بينما نرى الجويني في قوله: ((وتكلم السجزي في النزول والانتقال والزوال، والاتصال، والانفصال، والذهاب والمجيء ... - قال -: ومن قال بذلك حل دمه)) (السيف الصقيل ص 202) أكثر جرأة وجسارة إذ يكاد يقول بحل دم الإمام السجزي لقوله بما جاءت به النصوص، من نزول المباري جل وعلا ومجيئه، إذ من يثبت ذلك عند الجويني على قوله المشار إليه حلال الدم إن صح النقل عنه. فانظر رعاك الله، كيف كان السجزي متكايساً وقوراً في حطه عليهم مع ما بينه من تلبيسهم وتمويههم، وما كشفه من عوارهم وكيف كان أئمة الأشاعرة غالين موغلين في عدائهم له وشتمهمم إياه بغير حق، وتقويله ما لم يقله، وكيف بعدوا عن العدل والانصاف وخرجوا إلى لون من الجور والإسفاف. وكل قد أفضى إلى ما قدم، والجميع بين يدي الله موقوفون، وعنده تلتقي الخصوم، ويُقتص من الظالم للمظلوم. على أني أرجو أن يدخل الله جل وعلا الجميع في رحمته، ويشملهم بعفوه ومغفرته، إنه واسع المغفرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 الفصل الثاني: التعريف بالمخطوطة مصدر النسخة الخطية وانفرادها: اعتمدت في تحقيق هذا الكتاب على مصورة نسخة واحدة فريده وهي نسخة خطية بالمكتبة السعيدية بحيدر آباد في الهند، مصنفة في علم الكلام تحت رقم 226، وهي مصورة بمكتبة المخطوطات بالجامعة الإِسلامية ضمن مجموع برقم (834) ميكروفلم يحتوي على ثلاثة كتب الأول بعنوان (متعة الأريب لابن القصار) ويقع في مائة واثنتي عشرة ورقة والآخر بعنوان (الثبات عند الممات) لابن الجوزي، ويقع في (58) ثمان وخمسين ورقة، والثالث: هو الكتاب الذي نحققه ويقع في أربع وخمسين ورقة، ولم تتعرض كتب تاريخ التراث أو كتب فهارس المكتبات لذكر هذا الكتاب حتى النسخة السعيدية المعتمدة في التحقيق، لم يشر إليها. الاسم المثبت على غلافها: مكتوب على الصفحة الأولى (جزء فيه الرد على من أنكر الحرف والصوت تأليف الشيخ الإِمام الحافظ أبي نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم الوايلي السجستاني رحمه الله تعالى) . ومكتوب على اللوحة الثانية (ب) (الرد على من أنكر الحرف والصوت تأليف الحافظ الإمام أحد فحول أهل السنة أبي نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم الوايلي السجستاني رضي الله عنه، وفي شقها الآخر (آ) أبيات شعر للخطيب أبي البقاء يحي بن سلامه الجمكفي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 فيظهر أن العنوانين لنسختين. ذلك أن العنوان الأول على اللوحة الأولى بخط: (هبة الله بن أبي علي بن عبدوس الحراني) والعنوان على اللوحة الثانية مغاير مكتوب في الركن الأيسر من أعلاها عبارة (نقلها جميعها مع اسم هذه النسخة محمد بن عبد الله بن المحب سامحه الله) . ويبدو أنه لم يبق من النسخة الثانية إلا الورقة التي كتب عليها اسم النسخه، والله تعالى أعلم. ناسخها: مكتوب على الورقة الأولى كما ذكرت: اسم كاتب النسخة، وصورة ما كتب هكذا (مالكه كاتبه هبة الله بن أبي علي بن عبدوس الحراني غفر الله له ولجميع المسلمين) . وعلى الورقة الثانية التي تحمل اسم النسخة كما مرّ مكتوب عبارة: (نقلها جميعها مع اسم هذه النسخة محمّد بن عبد الله بن المحب سامحه الله) . لكن الذي تبين لي من خلال مقارنة الخطوط: أن النسخة بكاملها بخط الناسخ الأوّل، لأنه الذي نسخ كتاب الثبات عند الممات لابن الجوزي) الذي هو وكتابنا هذا في مجموع واحد. فقارنت الخط في كتاب (الثبات) بالخط في (كتاب الرد على من أنكر الحرف والصوت) فإذا به بيد ناسخ واحد هو هبة الله. تاريخ النسخ: لم يدون الكاتب تأريخ النسخ على هذا الكتاب، لكن وجدت في آخر: (كتاب الثبات عند الممات) : ونقله صاحبه هبة الله بن أبي عليّ بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 عبدوس ثالث شهر رمضان من سنة سبع وستمائة) . وعليه نستطيع الجزم بأن الكتاب نسخ في أوائل القرن السابع الهجري، ذلك إذا لم نقل إن تأريخ النسخ هو واحد للكتابين. وهو الذي أرجحه، لاقتران الكتابين في مجموع واحد، بخط ناسخ واحد. والله تعالى أعلم. سند النسخة: ورد ذكر سند النسخة في أوّل الورقة (3-آ) في أوّل الكتاب، ونصّه: أخبرنا الشيخ الإمام أبو محمّد المغدي بن عبد الله الأيوبي1 قلت: أخبركم الشيخ الإمام العارف أبو محمّد المبارك بن المبارك بن عليّ بن نصر السراج2 قراءة عليه وأنا أسمع يوم الجمعة سادس عشر ذي الحجة سنة خمسين وخمسمائة، قال: أخبرنا الشيخ الصالح أبو الحسن أحمد بن عبد القادر بن محمّد بن يوسف بن محمّد الأصبهاني3. قال: ناولني الشيخ   1 لم أقف على ترجمته. 2 أبو محمّد المبارك بن المبارك بن عليّ بن نصر السراج، المشهور بالتعاويذي. قال السمعاني: كان شيخاً سديد الرأي في سوق الحوريين ببغداد، ولعل والده كان يرقي ويكتب التعاويذ، وكانت وفاته سنة: ثلاث وخمسين وخمسمائة. انظر: الأنساب ص: 107، ووفيات الأعيان4/437. 3 أبو الحسن أحمد بن عبد القادر بن محمّد يوسف بن محمّد الأصبهاني وهو تلميذ المؤلِّف وراوي هذه النسخة عنه، وكان له عناية بالإسناد، ولذا، أطلق عليه الذهبي لقب المسند، وكان ثقة جليل القدر. توفي سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة. له إحدى وثمانون سنة كما ذكر ابن العماد. انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ3/1119، و4/1230، وشذرات الذهب3/397. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 العالم أبو نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم الوايلي السجستاني الحافظ رحمه الله) . عدد الأوراق: تقع هذه النسخة في أربع وخمسين ورقة، الورقتان الأولى والثانية عليهما اسم الكتاب، ويبدأ نصّ الكتاب من الورقة (الثالثة) بذكر سندها كما تقدم. عدد الأسطر والكلمات في كل سطر: عدد الأسطر في كل صفحة يتراوح ما بين أحد عشر سطراً وستة عشر سطراً، بينما يتراوح عدد الكلمات في كل سطر من ست إلى تسع كلمات. نوع الخط ووصفه ونماذج منه: وخطها: نسخي جيد، منقوط، وقد يهمل النقط أحياناً، كما يهمل الهمزة في جميع المواضع ويبدلها ياء أو ألفاً أو واواً حسب المقام. وإليك بعض النماذج لذلك: الرد على الزائغين: الرد على الزايغين قائم: قايم الرأي: الراي وتكثر فيها التحريفات والتصحيفات، وبعض الأخطاء الإِملائية والنحوية، رغم أن النسخة مقابلة كما تشير إلى ذلك علامات المقابلة التي أثبتت في النسخة، وقد قام الناسخ بتصحيح بعض الأخطاء وإلحاق بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 الكلمات الساقطة في الهامش، وأشار إليها بعلامة لحق. ومع ذلك فقد فاته كثير. السماعات والتملكات: لا يوجد سماعات على النسخة أما التملكات: فقد كتب على الورقة الأولى العبارة التالية: (مالكه كاتبه هبة الله بن أبي علي بن عبدوس الحراني1 غفر الله له، ولجميع المسلمين) . وعلى الورقة الثانية، التي أشرنا إلى أنها تحمل اسم النسخة بخط مغاير، كتب في أعلى الورقة من جهة الشمال عبارة (نقلها جميعها مع اسم هذه النسخة محمد بن عبد الله بن المحب) 2. وكتب تحت اسم النسخة مباشرة كلمة (وقف) وتحتها: عبارة: نظر في هذا الكتاب المبارك أحمد بن حسن بن أحمد ابن حسن بن عبد الهادي المقدسي3 (سامحه الله) وفوقها: توقيعه.   1 كان موجوداً سنة: 607هـ كما تقدم في تأريخ النسخ، ولم أجد له ترجمة. 2 وهو: أبو بكر محمّد بن المحب عبد الله بن أحمد بن المحب عبد الله الصالحي المقدسي الحنبلي المعروف بالصامت، وهو إمام فاضل بقية المحدّثين. سمي بالصامت لكثرة سكوته ووقاره. ولد سنة: 722هـ وتوفي سنة: 780هـ. انظر: شذرات الذهب6/309، وطبقات الحفاظ 535. 3 هو: المعروف بابن المبرد، فاضل من أهل دمشق. له تواليف. مات سنة: 895هـ ثمانمائة وخمس وتسعين. انظر ترجمته في: الجوهر المنضد ليوسف بن عبد الهادي ص: 9، والأعلام1/107. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 الفصل الثالث: منهج التحقيق والصعوبات التي واجهتها والرموز والمصطلحات التي استعملتها فيه . منهج التحقيق: أوّلاً: ضبط النص وتقويمه. قمت بقراءة النص قراءة سليمة صحيحة وصححت ما اعتراه من تصحيف، أو تحريف وأكملت ما سقط منه، وأضفت وحذفت ما اقتضى السياق إضافته أو حذفه، من كلمة أو حرف. مستعيناً في ذلك بكتب التراجم، ومعاجم اللغة، والكتب ذات العلاقة بمادة الكتاب. وذلك نظراً لانفراد النسخة الخطية التي اعتمدت عليها. وقد أثبت ما رأيته صواباً في الصلب بين حاصرتين، ونبهت عليه في الحاشية. هذا إذا كنت قاطعاً بخطأ ما أثبته الناسخ. أما إذا لم أقطع بذلك أو كانت الكلمة محتملة فأتركها في الصلب كما هي وأنبه على الاحتمال الآخر في الحاشية. قمت بضبط بعض الكلمات اللغوية والأعلام التي توقعت أن تلتبس على القارئ أو تشكل عليه. ثانياً: تغيير رسم بعض الكلمات طبقاً للرسم المستعمل في الوقت الحاضر وذلك على النحو التالي: أهمل الناسخ نقط الكثير من الكلمات فقمت بنقطها. كتب الناسخ بعض الأعلام بحذف حرف أو أكثر فقمت بكتابة العلم طبقاً للرسم المستعمل. وذلك نحو: مالك، والحارث. رسمها الناسخ هكذا (ملك- الحرث) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 درج الناسخ على إهمال الهمزة وتسهيلها وذلك كثير في الكتاب، فقمت برسم الكلمة بإثبات الهمزة موافقة للرسم الحاضر أيضاً. وذلك نحو: مسألة، الأوائل، الفؤاد، المبتدئين، أئمة. رسمها الناسخ: مسلة، الاوايل، الفواد، المبتدين، أيمة. ثالثاً: التخريج: عزوت الآيات القرآنية إلى سورها وأشرت إلى رقم الآية. ووضعت الآية بين قوسين. خرجت الأحاديث النبوية والآثار، وذلك بالإِشارة إلى مظانها من كتب السنة، وربما نقلت ما قاله بعض أهل العلم في الحكم على الحديث أو الأثر. وقد جعلت الأحاديث والآثار بين قوسين. خرجت أبيات الشعر الواردة في النص. اجتهدت في تخريج النصوص والأقوال التي أوردها المصنف وعزاها للأشاعرة والكلابية مثلاً، وذلك بالرجوع إلى كتب الأشعري وابن الباقلاني وغيرها من كتب الأشاعرة. وربما نقلت النصوص أو الأقوال المشابهة أو المماثلة لما نقله أو المخالفة لما أورده، وأثبتها في الحاشية للمقارنة وقد أكتفي بالإِشارة إلى مظان النص بذكر الكتاب والجزء والصفحة، وإذا لم أجد النص قلت: لم أجد ذلك فيما وقفت عليه من كتبه أو كتبهم، ولعله فيما لم أقف عليه أو لم يبلغنا منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 أشرت إلى النصوص التي اقتبستها المصادر اللاحقة عن الكتاب وقابلتها وأثبت الاختلافات في الحاشية. رابعاً: التعريف بالأعلام وغيرها: قمت بتحرير ترجمة موجزة لجميع الأعلام الوارد ذكرهم في الرسالة، مترجما للعلم عند أول ذكر له، وقد أشير إذا تكرر لمكان ترجمته. عرفت بالأماكن والبقاع التي وردت في النص. شرحت بعض الألفاظ والمصطلحات الغريبة بالرجوع لقواميس اللغة وكتب غريب الحديث وغيرها. خامساً: التعليق على النص ووضع العناوين: لما كان الكتاب يبحث في أمور العقيدة وتطرق لكثير من مسائلها، فقد اقتضى الأمر أحياناً أن أعلق بتعليق يقتضيه المقام لإيضاح مراد المؤلف أو بيان الحقيقة، وربما خالفت المصنف فيما ذكر إذا كان ينقصه الدليل، أو لا يؤيد ما ذهب إليه. ذكرت اسم كل فصل في بدايته، نقلت ذلك من مقدمة المؤلف الذي اكتفى بذكر أسماء الفصول في المقدمة، ولم يذكر اسم كل فصل في أوله. ووضعت إشارة في الهامش للتنبيه على بداية الكلام في كل صفحة من المخطوطة وذلك نحو: (5- آ) الرقم يشير إلى رقم الورقة والحرف يشير إلى الصفحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 سادساً: قمت بدراسة عن المؤلف والكتاب، وجعلتها في بابين: الباب الأول: في التعريف بالمؤلف. ترجمت له، ودرست حياته العلمية وثقافته. والباب الثاني: في التعريف بالكتاب ووصف المخطوطة. وقد تقدم تفصيل ذلك في المقدمة. سابعاً: وضع الفهارس: وضعت الفهارس التفصيلية للكتاب تسهيلاً على القارئ الكريم ورغبة في أن يدرك بغيته منه بيسر وسهولة. فصنعت الفهارس التالية: 1- فهرساً للآيات القرآنية. 2- فهرساً للأحاديث والآثار ورمزت للأثر أمامه بحرف (ث) . 3- فهرساً للأبيات الشعرية. 4- فهرساً للأعلام ورمزت لمكان الترجمة بحرف (م) أمام رقم الصفحة المترجم للعلم فيها. 5- فهرساً للكتب التي ورد ذكرها في صلب الكتاب. 6- فهرساً للأماكن والبقاع والبلدان. 7- فهرساً للفرق والطوائف والمصطلحات. 8- فهرساً للغريب. 9- فهرساً للمراجع. 10- فهرساً لموضوعات الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 الصعوبات التي واجهتها في التحقيق: لا أريد أن أطيل الحديث في ذلك وإنما أشير إلى أهم هذه الصعوبات. فأهمها: 1- انفراد النسخة، وكثرة الأخطاء اللغوية والإملائية، مع وجود بعض السقط. والاضطراب في بعض العبارات. وقد اجتهدت في تقويم النص حسب استطاعتي كما ذكرت ذلك في منهج التحقيق. 2- عدم ذكر المؤلف لمصادر الأشاعرة التي نقل منها أقوالهم، وقد وجدت صعوبة بالغة في استخراج ذلك من كتبهم المتوفرة، والكثير مما عزاه لأبي الحسن الأشعري ليس في كتبه التي وصلت إلينا. الرموز والمصطلحات المستعملة في التحقيق: استعملت في الدراسة والتحقيق بعض الرموز والمصطلحات التي تعارف الكثير من المحققين على استعمالها من باب الاختصار وذلك كما يلي: خ: للبخاري م: لمسلم ت: للترمذي د: لأبي داود ن: للنسائي جه: لابن ماجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 حم: لأحمد في المسند ط: الموطأ دي: الدارمي. وقد استعمل (مي) ب: لكتاب (بيان تلبيس الجهمية) لابن تيمية. درء: لكتاب (درء تعارض العقل والنقل) لابن تيمية ولم استعمل الرمز لهذين الكتابين إلا عند مقابلة النصوص التي اقتبسها ابن تيمية عن المؤلف. أما عند الاستفادة منهما كمراجع فأذكرهما باسميهما صراحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 الباب الثالث: الكتاب المحقق مقدمة المؤلف ... القسم الثاني: الكتَاب المُحقَّق بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين أخبرنا الشيخ الإمام أبو محمد (المغدى) 1 بن عبد الله الأيوبي، قلت: أخبركم الشيخ الإمام العارف أبو محمد المبارك بن المبارك بن علي ابن نصر السرّاج، قراءة عليه وأنا أسمع، يوم الجمعة سادس عشر ذي الحجة من سنة خمسين وخمسمائة، قال: أخبرنا الشيخ الصالح أبو الحسين أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف بن محمد الأصفهاني2 قال: ناولني الشيخ العالم أبو نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم الوايلي السجستاني3 الحافظ رحمه الله. قال: (مقدمة المؤلف) الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله على محمد النبي وآله أجمعين. أما بعد: فقد ذُكر لي عنكم، وفقنا الله وإياكم لمرضاته وقوفكم   1 في الأصل: الكلمة غير واضحة تحتمل ما أثبتُ وتحتمل أن تكون (المفدى) . 2 تقدم الكلام على رجال السند عن الكلام على سند النسخة. انظر: الباب الثاني من الدراسة. 3 هو: المصنِّف وقد تقدمت ترجمته. انظر: الباب الأوّل من الدارسة (التعريف بالمؤلِّف) . 4 العنوان ليس في الأصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 على كتاب (الإبانة) 1 الذي ألفته في الرد على الزائغين2 في مسألة القرآن، وأنكم وجدتم المخالفين ببلدكم3/ يشغبون4 عند ذكر الحرف والصوت، وأنه قد صعب عليكم تجريد القول فيهما، واستخراج ذلك من الكتاب لكثرة الأسانيد المتخللة5 للنكت التي تحتاجون إليها، وسألتم إفراد القول في هذا الفصل بترك الأسانيد، ليسهل عليكم الأخذ بكظم6   1 تقدم الكلام عليه في الباب الأوّل من الدراسة عند الكلام على مؤلَّفاته. 2 الزيغ: الميل. ومنه قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} أي: لا تملنا عن الهدى والقصد ولا تضلّنا. انظر: ابن منظور: اللسان 8/432. والمراد هنا: المائلين عن قول الحقّ في هذه المسألة. 3 وهو: مدينة زبيد. كما صرح بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في: (درء تعارض العقل والنقل 2/83) و (بيان تلبيس الجهمية 1/446) . وتقدم توضيح ذلك عند الكلام على إثبات نسبة الرسالة للمؤلِّف. انظر: ص: (76-77) . 4 الشَّغْب "بسكون الغين" تهييج الشرّ والفتنة والخصام. والعامة تفتحها. وشَغَب فلان عن الطريق، يشغَب شغْباً، وفلان مِشغَب: إذا كان عانداً عن الحقّ. والشغب: الخلاف. انظر: ابن منظور: لسان العرب 1/504، والرازي: مختار الصحاح ص: 340. 5 في الأصل: (المتحللة) بالحاء المهملة، وهو تصحيف. 6 الكَظَم – بفتح الكاف والظا -: مخرج النفس. يقال: كظمني وخذ بكَظَمي، وأخذ بكَظَمه، أي: بحلقه. ويقال: أخذت بكَظَمِه، أي: بمخرج نفسه. ابن منظور: في لسان العرب12/520. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 المخالف، (ورد الإِسناد معه) 1 وسامحت نفسي2 بذلك، رجاء وصولكم إلى طلبتكم، وحصول العلم لكم بفساد مذهب الخصم، والله ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل. اعلموا- أرشدنا الله وإياكم- أنه لم يكن خلاف بين الخلق على اختلاف نِحَلهم من أول الزمان إلى الوقت الذي ظهر فيه ابن كلاب3   1 هذه العبارة لم يتضح لي المراد بها، فأثبتها كما هي لوضوحها في النسخة أولا، ثم إنه قد يجد القارئ الكريم لها مناسبة. 2 أي: وافقت على المطلوب. يقال: سمح لي فلان، أي: أعطاني، واسمح، وسامح وافقني على المطلوب. ويقال: أسمحت نفسه إذا انقادت. انظر: ابن منظور: لسان العرب2/489 3 واسمه: عبد الله بن سعيد – ويقال: ابن محمّد – أبو محمّد بن كلاب القطان، وكلاب مثل خطاف وزناً ومعنى، لقب به لأنه كان لقوته في المناظرة يجتذب من يناظره. توفي بعد الأربعين ومائتين. وإليه تنسب الطائفة الكلابية. انظر ترجمته لدى: ابن النديم: الفهرست 255، وذكر أنه كان يقول: إن كلام الله هو الله، وأنكر ذلك السبكي في طبقات الشافعية1/52، والحقّ أنه أوّل من عرف عنه القول بأن الكلام معنى واحد قائم بالنفس، وأن الله لم يتكلم بصوت، كما أشار المصنف. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " … وليس من طوائف المسلمين من أنكر أن الله يتكلم بصوت إلا ابن كلاب ومن اتبعه، كما أنه ليس في طوائف المسلمين من قال: إن الكلام معنى واحد قائم بالمتكلم إلا هو ومن اتبعه". الفتاوى6/528. وانظر عن مذهبه: مقالات الأشعري1/249-250، و350، والشهرستاني: الملل والنحل1/148، ونهاية الأقدام 181، 203، والبغدادي: أصول الدين 89، 90، 97، 104. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 والقلانسي1 والصالحي2 والأشعري3. وأقرانهم الذين يتظاهرون   1 هو: أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن خالد القلانسي الرازي – قال ابن عساكر: من معاصري أبي الحسن الأشعري لا من تلامذته كما قال الأهوازي … واعتقاده موافق لاعتقاده في الإثبات. وعلق الشيخ الكوثري على ذلك بقوله: "بل هو متقدم على الأشعري من حيث الذب عن السنة، وأعلى طبقة منه وكان لسان السنة قبل رجوع الأشعري عن الاعتزال"، … قال: "والأشعري تأخر عنه ذباً عن السنة ووفاة وإن أدركه سناً". انظر: تبيين كذب المفتري ص:389، حاشية (1) ، ولم أجد له ترجمة في غيره من كتب التراجم التي توفرت بين يدي. انظر مذهبه لدى البغدادي في أصول الدين ص: 40، 45، 67، 54، والفرق ص:80، 96، 213، 221، والشهرستاني في: الملل والنحل1/93. والشيخ الكوثري إنما يقصد بالسنة، المذهب الكلابي الذي اعتقده الأشعري ردحاً من الزمن، وكذا القلانسي، ولا يقصد بالسنة القول بما في الأحاديث والآثار من الصفات، فمعلوم موقفه من السنة وأهلها وتجهيله لهم وتأويله لآيات الصفات والأحاديث الواردة فيها. ولم يذكر لنا الشيخ الكوثري المرجع الذي استند إليه في كلامه عن القلانسي وتقدمه على الأشعري ولو ذكره لأفادنا. وذكر الدكتور حسين القوتلي محقِّق كتاب (فهم القرآن للمحاسبي) أن وفاة القلانسي كانت سنة: 355هـ. انظر: مقدمة للكتاب ص:. 2 الصالحي: لم أعرف من هو. 3 هو: أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري (260-324هـ) يتصل نسبه بأبي موسى الأشعري رضي الله عنه، كان أوّلاً معتزلياً ثم رجع عن ذلك وتاب وألف في الرد على المعتزلة كتاب الإبانة، وغيره، وإليه تنسب الطائفة الأشعرية على أنهم يخالفونه إلى ما قد تاب منه ورجع عنه. انظر ترجمته لدى ابن عساكر: تبيين كذب المفتري ص: 147، والأنساب ص:39، والسبكي في طبقات الشافعية2/245، وابن خلكان: وفيات الأعيان2/285، وابن العماد: شذرات الذهب2/303. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 بالرد على المعتزلة1 وهم معهم بل أخس حالاً منهم في الباطن في أن الكلام لا يكون إلا حرفاً وصوتاً ذا تأليف واتساق2 وإن اختلفت به اللغات. وعبر عن هذا المعنى الأوائل الذين تكلموا في العقليات3 وقالوا: الكلام حروف متسقة، وأصوات مقطعة. وقالت العرب4: الكلام: اسم وفعل وحرف جاء لمعنى [4 – أ] فالاسم   1 المعتزلة: "بضم الميم وسكون العين وفتح التاء" نسبة إلى الاعتزال وهو الاجتناب. وسبب تسميتهم بذلك أن شيخهم ومقدمهم، واصل بن عطاء الغزال 80- 131هـ كان هو وعمرو بن عبيد142هـ من تلامذة الحسن البصري فلما أحدثا مذهباً وهو: أن الفاسق ليس بمؤمن ولا كافر وأنه في منزلة بين المنزلتين. اعتزلا حلقة الحسن البصري، فسموا معتزلة لذلك. ومن مقالاتهم: نفي صفات الله عز وجل، والقول بأن كلام الله مخلوق، وغير ذلك. انظر عنهم وعن مقالاتهم: البغدادي في الفرق بين الفرق ص: 21-22، و114، والشهرستاني: في الملل والنحل1/43، والرازي: اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص:38، و49، وابن الأثير في اللباب3/231 2 اتسق الكلام: ضم بعضه إلى بعض، وكل ما انضم وجمع بعضه إلى بعض فقد اتسق. انظر: مادة (وسق) : في لسان العرب 10/379. 3 كالمعتزلة والفلاسفة. انظر مثلاً: شرح الأصول الخمسة (528) ونهاية الأقدام ص: (318) . 4 أي علماء العربية، إذ هم الذين قسموا الكلام هذا التقسيم أما العرب الأوائل فلم يتكلموا في حد الكلام ما هو، ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله عند نقله لعبارة السجزي المذكورة-: (قالت - أي علماء العربية) انظر درء تعارض العقل والنقل 2/84. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 مثل: زيد، وعمرو، وحامد، والفعل مثل: جاء، وذهب، وقام، وقعد، والحرف الذي يجيء لمعنى مثل: هل، وبل، وما شاكل ذلك. فالإجماع منعقد بين العقلاء على كون الكلام حرفاً وصوتاً1 فلما نبغ ابن كلاب وأضرابه وحاولوا الرد على المعتزلة من طريق مجرد العقل، وهم لا يخبرون أصول السنة، ولا ما كان السلف عليه، ولا يحتجون بالأخبار الواردة في ذلك زعماً منهم أنها أخبار آحاد، وهي لا توجب علماً2 وألزمتهم المعتزلة أن الاتفاق حاصل على أن الكلام حرف، وصوت، ويدخله التعاقب، والتأليف، وذلك لا يوجد في الشاهد إلا بحركة وسكون، ولا بد له من أن يكون ذا أجزاء وأبعاض، وما كان بهذه المثابة لا يجوز أن يكون من صفات ذات الله، لأن ذات الله سبحانه لا توصف بالاجتماع والافتراق، والكل والبعض، والحركة والسكون. وحكم الصفة الذاتية حكم الذات. قالوا: فعلم بهذه الجملة أن الكلام المضاف إلى الله سبحانه خلق له أحدثه وأضافه إلى نفسه. كما تقول: عبد الله، وخلق الله وفعل الله. فضاق بابن كلاب وأضرابه النفس عند هذا الإِلزام/ لقلة معرفتهم بالسنن، وتركهم قبولها وتسليمهم العنان3 إلى مجرد العقل، فالتزموا ما   1 أي: قبل ابن كلاب ومن قال بمقالته. 2 بزعمهم وسيأتي الكلام على ذلك في الفصل الثامن. انظر ص: (283-284) . 3 العنان "بكسر العين" هو: السير الذي تمسك به الدابة. انظر: لسان العرب 13/291. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 قالته المعتزلة وركبوا مكابرة العِيان1 وخرقوا الإِجماع المنعقد بين الكافة المسلم والكافر. وقالوا للمعتزلة: الذي ذكرتموه ليس بحقيقة الكلام، وإنما يسمى ذلك كلاماً على المجاز لكونه حكاية أو عبارة عنه، وحقيقة الكلام: معنى قائم بذات المتكلم2. فمنهم من اقتصر على (هذا) 3 القدر، ومنهم من احترز عما علم دخوله على هذا الحد فزاد فيه ما ينافي السكوت والخرس والآفات المانعة من الكلام4. ثم خرجوا من هذا إلى أن إثبات الحرف والصوت في كلام الله سبحانه تجسيم. وإثبات اللغة فيه تشبيه. وتعلقوا بشبه5 منها: قول الأخطل6:   1 في (درء) 2/85 ضبطها بكسر العين أي: ما لا يشك فيه. يقال رأيته عياناً إذا لم يشك في رؤيته إياه. وأشار في الحاشية إلى أنه في نسخة أخرى: (الأعيان) والأعيان: أفاضل القوم وأشرافهم. انظر لسان العرب 13/352-303. 2 أنظر الباقلاني: الإِنصاف ص: 106، 108، 110، والتمهيد ص: 251، والشهرستاني في نهاية الأقدام ص:320. وسيأتي مزيد بيان لذلك في الفصل الرابع. 3 الزيادة من (درء) 2/85، والسياق يقتضيها. 4 انظر تبصرة الأدلة للنسفي 1/281. 5 في الأصل: (شبهه) وهو تحريف. 6 الأخطل، هو غياث بن غوث به الصلت بن طارقة بن عمر بن بني تغلب أبو مالك (19-90هـ) وهو شاعر نصراني، اشتهر في عهد بني أمية، ومدح خلفاءهم وله ديوان شعر مطبوع. الأعلام5/318، وانظر ترجمته في (الشعر والشعراء لابن قتيبة) 1/490، ط 3 سنة 1977 تحقيق أحمد محمود شاكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 إن البيان1 من الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلاً2 فغيروه وقالوا: إن الكلام من الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الكلام دليلاً3   1 في الأصل: "البتان". وهو تصحيف. 2 هذا اللفظ أشار إليه ابن تيمية حيث قال. وقال بعضهم لفظه: إن البيان لفي الفؤاد ... انظر الإِيمان ص: 132. وأشار إليه أيضاً ابن أبي العز بصيغة التمريض ثم قال: وهذا أقرب إلى الصحة. 3 لم أجد هذا البيت في ديوان الأخطل المطبوع، وفي ثبوت نسبته إليه نظر، بل أنكر بعضهم أن يكون من شعره، وقال بعضهم إنهم فتشوا ديوان الأخطل ولم يجدوه. قال ابن تيمية وهذا يروى عن أبي محمد الخشاب. انظر المصدر السابق نفس الصفحة. انظر أيضاً. ابن أبي العز شرح الطحاوية ص: (98) . وهذا البيت يورده متكلمو الأشاعرة في مصنفاتهم للاستدلال به على الكلام النفسي، وقد ذكره منهم (أبو بكر الباقلاني) مع بيت قبله في كتاب الإنصاف ص: 110 فقال: وأنشد الأخطل: لا تعجبنك من أثير خطبة ... حتى يكون مع الكلام أصيلاً إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلاً وأوردهما أيضاً: الغزالي: في الاقتصاد في الاعتقاد ص: 59، ولم ينسبهما للأخطل. وأورد البيت الأول غيرهما، كالآمدي في غاية المرام ص: 97، وأشار محقِّقه الأستاذ حسن محمود عبد اللطيف في الحاشية: إلى أن الآمدي أورده في الأبكار 6/ 96 آ) - قال - وانظر الاقتصاد (69) حيث أورد قبله بيتاً أخر وهما للأخطل كما ذكر ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية، وابن حزم في الفصل (3/219) وقد أورده محقِّق شعر الأخطل ط 2 دار الشرق بيروت ص 805 ضمن ما نسب إليه، ويؤكّد الأستاذ علي السباعي - أستاذ النحو الأسبق بدار العلوم - نسبته إليه أ. هـ حاشية 3 ص: 97 غاية المرام. وتعقيباً على قول الأستاذ المحقق "وهما للأخطل كما أشار ابن أبي العز الحنفي" أقول: "الواقع أن ابن أبي العز لم يذكر البيتين وإنما ذكر البيت الأوّل فقط ثم أشار إلى ما قيل من أنه مصنوع أو موضوع منسوب للأخطل وليس في ديوانه كما أشار إلى الرواية الأخرى للبيت، وهي. إن البيان لفي الفؤاد … وقال: وهذا أقرب إلى الصحة". انظر شرح الطحاوية ص: 198 وصنيع المحقق الفاضل فيه إيهام للقارئ بأن ابن أبي العز نسب البيتين للأخطل جزماً مع أن الواقع ما ذكرتُ، وكان من الأمانة العلمية أن يشير المحقق إلى رأي ابن أبي العز ما دام أنه تطرق إليه واستشهد بنسبته البيت للأخطل. وكذلك ابن حزم فإنه وإن كان ذكر البيت الأوّل فقط ونسبه للأخطل إلا أنه صاحب ذلك نكير شديد. ولم يشر المحقق إلى ذلك أيضاً. وعلى فرض صحة نسبة البيت للأخطل: فليس ذلك بدليل ملزم. لأن الأخطل نصراني والنصارى قد ضلوا في مسمى الكلام، وقالوا: إن عيسى عليه السلام هو نفس كلمة الله وأنه اتحد اللاهوت بالناسوت. فكيف يستدل بكلام نصراني ضال في هذا الباب. ثم إن القائلين بالاحتجاج بهذا البيت لا يحتجون في باب الاعتقاد بأحاديث الآحاد حتى ولو كان الحديث صحيحاً أخرجه الشيخان أو غيرهما. فكيف يحتجون ببيت شعر، لم يثبت نقله عن قائله بسند صحيح، ولم يتلقه أهل العربية بالقبول. ومثل هذا لا يثبت به أدنى شيء من اللغة فضلاً عن مسألة تتعلق بالاعتقاد اللهم. أهدنا سبيل الرشاد. (شرح الطحاوية ص: 198، والإيمان لابن تيمية 132 بتصرف) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وزعموا أن لهم حجة على مقالتهم في قول [5-أ] الله سبحانه: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} 1 وفي قوله عز وجل: {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ   1 سورة المجادلة: آية (8) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً} 1. واحتجوا بقول العرب: ":أرى في نفسك كلاماً، وفي وجهك كلاماً" 2. فألجأهم الضيق مما يدخل عليهم في مقالتهم إلى أن قالوا: الأخرس متكلم، وكذلك الساكت والنائم، ولهم في حال الخرس والسكوت والنوم كلام هم متكلمون به، ثم أفصحوا بأن الخرس والسكوت والآفات المانعة من النطق ليست بأضداد الكلام، وهذه مقالة تبين فضيحة قائلها في ظاهرها من غير رد عليه. ومن علم منه خرق إجماع الكافة ومخالفة كل عقلي وسمعي قبله لم يناظر بل يجانب، ويقمع، ولكن لما عدم من ينظر في أمر المسلمين محنّا 3 بالكلام مع من4 ينبغي أن يلحق بالمجانين. وأصل5 تلبيسهم على العوام وتموههم 6 على المبتدئين هو أن   1 سورة يوسف: آية (77) . 2 انظر مثلا: الباقلاني في التمهيد ص 251، والانصاف ص 110.. 3 أي: ابتلينا. يقال محنته وامتحنته بمنزلة خبرته واختبرته، وبلوته وابتليته انظر: لسان العرب 13/401. 4 في الأصل زيادة (أن) هنا. ولعله خطأ من الناسخ. 5 في الأصل هكذا (وصل) بدون ألف، والصواب إثباتها. 6 التمويه: التلبيس، ومنه قيل للمخادع: مموه، وقد موه فلان باطله إدا زينه وأراه في صورة الحق. ابن منظور: لسان العرب13/544. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 الحرف والصوت لا يجوز أن يوجدا1 إلا عن آلة وانخراق مثل: الشفتين [5-ب] والحنك2 وأن لكل حرف مخرجاً معلوماً، وأن الله سبحانه ليس بذي أدوات بالاتفاق، فمن أثبت الحرف والصوت في كلامه فقد جعله جسماً ذا أدوات، وهو كفر3 قال الله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 4 فيجب أن لا يكون ككلامه كلام. ونفوس ذوي النقص مسرعة إلى قبول هذا التمويه، يظنون أن في ذلك تنزيها لله سبحانه والأمر بخلاف ذلك. وزاد علي بن إسماعيل الأشعري في التمويه فقال: "قد أجمعنا على أن لله سبحانه سمعاً، وبصراً، وكلاماً، ووجهاً، واتفقنا على أن سمعه بلا انخراق، وبصره بلا انفتاح، ووجهه بلا تنضيد5 فوجب أن يكون كلامه بلا حرف ولا صوت"6 وقالوا جميعاً: إن أحداً من السلف لم يقل إن كلام الله حرف وصوت، فالقائل بذلك محدث، والحدث في الدين   1 في الأصل (يوجد) هكذا بدون ألف وهو تحريف. 2 الحنك من الإِنسان والدابة: باطن أعلى الفم من داخل، وقيل هو الأسفل من طرف مقدم اللحيين من أسفلهما. انظر: لسان العرب10/416. 3 انظر مثلاً: الباقلاني في الإِنصاف ص: 79، و. 12. 4 سورة الشورى آية 11 وتمامها { ... وهو السميع البصير} 5 تنضيد: يقال: نضدت المتاع أنضِده بالكسر نضداً ونضّدتُه جعلت بعضه على بعض. ابن منظور: لسان العرب 3/423. 6 لم أجد هذا الكلام في شيء من كتب أبي الحسن الأشعري التي وصلت إلينا ولعله في بعض كتبه التي ألفها قبل رجوعه إلى مذهب السلف. والله تعالى أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 مردود1 والأشعري خاصة أضرب2 قوله في هذا الفصل فقال في بعض كتبه [6-أ] : "كلام الله ليس بحرف ولا صوت كما أن وجهه ليس بتنضيد وكلام كلّ متكلم سواه حرف وصوت"3. وقال في غير ذلك من كتبه: "الكلام معنى قائم بنفس المتكلم كائناً من كان ليس بحرف ولا صوت"4. وإثبات قولين مختلفين في باب التوحيد، وإثبات الصفات تخبط، وضلال، والعقليات بزعم القائلين بها لا تحتمل5 مثل هذا الاختلاف،   1 أجاب المصنف على قولهم هذا. انظر الفصل السادس من هذه الرسالة حيث قال بعد أن أورد الأحاديث والآثار الدالة على ذلك: "فقول خصومنا إن أحداً لم يقل إن كلام الله حرف وصوت كذب وزور، بل السلف كلّهم كانوا قائلين بذلك ... " ص (259) . 2 يقال أضرب الرجل في البيت: أقام فيه. انظر لسان العرب (1/547) والمعنى: أن الأشعري أقام على هذا القول وأطال الكلام فيه، والله أعلم. 3 لم أقف على هذا القول في شيء من كتب الأشعري التي بين أيدينا - ولعله فيما لم يصل إلينا منها مما كتبه إبان إقامته على المذهب الكلابي. 4 لم أقف على هذا القول أيضاً في شيء من كتب الأشعري التي وصلت إلينا، وقد عزا نحوه إليه الشهرستاني في نهاية الأقدام 320 فقال: وصار أبو الحسن الأشعري إلى أن الكلام معنى قائم بالنفس الإنسانية وبذات المتكلم وليس بحرف ولا صوت. قلت: ويحمل ذلك على المرحلة التي سبقت انتقاله إلى مذهب السلف. 5 في الأصل (يحتمل) وهو تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 والحدود العقلية لا يرجع فيها إلا إلى من تقدم دون من أراد أن يؤسسَ1 لنفسه اليوم باختياره أساساً واهياً. (فصول الرسالة) فالذي تحتاجون إليه حفظكم الله معهم في إزالة تمويههم: (الفصل الأول) أن تقيموا البرهان أن الحجة القاطعة هي التي يرد بها السمع لا غير وأن العقل آلة للتمييز فحسب. (الفصل الثاني) ثم تبينوا ما السنة؟ وبماذا يصير المرء من أهلها؟ فإن كلاً يدعيها وإذا علمت وعرف أهلها بان [6-ب] (أن مخالفها3 زائغ لا ينبغي أن يلتفت إلى شبهه. (الفصل الثالث) وأن تدلوا4 على مقالتهم أنها مؤدية إلى نفي القرآن أصلاً. وإلى   1 في الأصل (يؤسسُ) بالرفع وهو خطأ لأنه منصوب بـ (أن) . 2 ما بين القوسين ليس في الأصل. 3 في الأصل: (بأن مخلفها) وهو تحريف. 4 تدلوا: يقال: دله على الشيء يدله دلاً ودلالة فاندل: سدده إليه ودللته فاندل، والدليل ما يستدل به. انظر لسان العرب11/248. والمقصود هنا. إقامة الدليل على أن مقالتهم مؤدية إلى نفي القرآن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 التكذيب بالنصوص الواردة فيه والرد لصحيح1 الأخبار ورفع أحكام الشريعة. (الفصل الرابع) ثم تبرهنوا على أنهم مخالفون لمقتضى العقل بأقاويل متناقضة مظهرون لخلاف ما يعتقدونه وذاك شبيه بالزندقة. (الفصل الخامس) ثم تعرفوا العوام أن فرق اللفظية، والأشعرية موافقون للمعتزلة في كثير من مسائل الأصول وزائدون عليهم في القبح، وفساد القول في بعضها. (الفصل السادس) وأن توردوا الحجة على أن الكلام لن يعرى2 عن حرف وصوت البتة، وأن ما عري عنهما لم يكن كلاماً في الحقيقة وإن سمي في وقت بذلك تجوزاً واتساعاً، وتحققوا جواز وجود الحرف والصوت من غير آلة وأداة وهواء منخرق، وتسوقوا قول السلف، وإفصاحهم بذكر الحرف والصوت أو ما دل عليهما، وتجمعوا بين العلم والكلام في إثبات الحدود بهما.   1 في الأصل (بصحيح) والأفصح ما أثبت. 2 يقال لكل شيء أهملته وخليته: عريته. فالمعنى: لن يخلى ولن يهمل الكلام عن حرف وصوت. انظر مادة عرا: في لسان العرب 15/44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 (الفصل السابع) ثم تذكروا [7-أ] فعلهم في إثبات الصفات في الظاهر وعدولهم إلى التأويل المخالف له في الباطن وادعاءهم1 أن إثباتها على ظاهرها تشبيه. (الفصل الثامن) ثم تشرحوا أن الذي يزعمون بشاعته من قولنا في الصفات ليس على ما زعموه، ومع ذلك فلازم لهم في إثبات الذات مثل ما يلزمون أصحابنا في الصفات. (الفصل التاسع) وأن تذكروا شيئاً من قولهم لتقف العامة على ما يقولونه فينفروا عنهم، ولا يقعوا في شباكهم. (الفصل العاشر) ثم تنظروا كون شيوخهم أئمة ضلال ودعاة إلى2 الباطل ومرتبكين3 إلى ما قد نهوا عنه. (الفصل الحادي عشر) ثم تحذروا الركون إلى كل أحد والأخذ من كل كتاب، فإن التلبيس قد كثر والكذب على المذاهب قد انتشر.   1 في الأصل: في الصلب (وأعداهم) والتصويب من الهامش. 2 في الأصل: (إلي) بالياء، وهو خطأ. 3 يقال: ارتبك في الأمر إذا وقع فيه ونشب ولم يتخلص. انظر ابن منظور: لسان العرب10/431 مادة: (ربك) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 فجميع ما ذكرت أن بكم إليه حاجة عند الرد عليهم أحد عشر فصلاً من أحكمها تمكن من الرد عليهم إذا سبق له1 العلم بمذهبه ومذهبهم، وأما العامي والمبتدئ [7-ب] فسبيلهما أن لا يصغيا إلى المخالف ولا يحتجا2 عليه، فإنهما إن أصغيا إليه أو حاجاه خيف عليهما الزلل عاجلاً والانفتال3 آجلاً، نسأل الله العون على بيان ما أشرنا إليه فإنه لا حول لنا ولا قوة إلا به وهو حسبنا ونعم الوكيل. هـ   1 في الأصل: (لهم) وهو تحريف، والصواب ما أثبت لاقتضاء السياق. 2 في الأصل: (يحتج) وهو تحريف. 3 الفتل: ليُّ الشي. يقال: انفتل فلان عن صلاته أي: انصرف … وفتله عن وجهه فانفتل أي: صرفه فانصرف. ابن منظور: لسان العرب11/514. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 الفصل الأول: في إقامة البرهان على أن الحجة القاطعة هي التي يرد بها السمع لا غير وأن العقل آلة للتمييز فحسب 1 قال الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} 2. فأمر جل جلاله نبيّه عليه السلام3 أن يدعو4 إلى إثبات الوحدانية بالوحي وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} 5 فبيّن أن من تقدم من الرسل كانوا يحتجون على الكفار في الوحدانية بالوحي ولم يؤمروا إلا بذلك. وقال جل جلاله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} 6.   1 عنوان الفصل لم يثبت في الأصل هنا، وقد نقلته من مقدمة المؤلف، وكذا سائر عناوين الفصول. 2 سورة الكهف آية: 110. 3 الأولى أن يجمع بين الصلاة والسلام لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} الأحزاب آية: 56. 4 في الأصل: (بدعوا) بزيادة الألف، وهو خطأ من النساخ. 5 سورة الأنبياء آية: 25. 6 سورة النساء آية: 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وقال: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} 1. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى" 2. ولم يدع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المحاجة بالعقل أحداً ولا أمر بذلك أمته. وقال عمر3 وسهل بن حنيف4:   1 سورة الأنعام آية: 116. 2 خ: كتاب الإيمان / باب: فإن تابوا وأقاموا الصلا … 1/75ح: 25 من حديث ابن عمر. وفي كتاب الصلاة / باب فضل استقبال القبلة1/497 ح: 392 من حديث أنس. وفي كتاب الزكاة / باب وجوب الزكاة، 3/262 ح: 1399 من حديث أبي هريرة. وفي كتاب الاعتصام / باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم 13/251 ح: 7284 من حديث أبي هريرة. م: في كتاب الإيمان / باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله 1/52-53 ح: 33-36 من حديث أبي هريرة وجابر وابن عمر رضي الله عنهم. 3 عمر؛ هو: ابن الخطاب بن نفيل القرشي، أبو حفص أمير المؤمنين رضي الله عنه استشهد في ذي الحجة سنة 23هـ وولي الخلافة عشر سنين ونصفا. انظر ترجمته في الإصابة 2/518؛ والاستيعاب2/458 مع الإِصابة. 4 هو: سهل به حُنيف بن واهب الأنصاري الأوسي يكنى أبو عبد الله صحابي من أهل بدر، استخلفه علي رضي الله عنه علي البصرة، ومات في خلافته سنة 38هـ. ترجمته في الإصابة2/87؛ والاستيعاب2/92 بهامش الإصابة، وضبطه ابن حجر في التقريب بضم الحاء المهملة1/336. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 "اتهموا الرأي على الدين"1 ولا مخالف لهما في الصحابة، وقد كانا يجتهدان في الفروع، فعلم أنهما أرادا بذلك المنع من   1 خ: في كتاب الاعتصام/ باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس13/282؛ حـ: 8308، موقوفاً على سهل بن حنيف. وفي كتاب الجزية / باب6/281 حـ: 3181، و3182. وفي كتاب التفسير/ باب إذ يبايعونك تحت الشجرة8/587، حـ:4844. وفي كتاب المغازي / باب غزوة الحديبية7/457؛ حـ: 4189. م: في كتاب الجهاد / باب صلحِ الحديبية3/1412؛ حـ: 95، و96، موقوفاً على سهل بن حنيف. وأخرجه عن عمر الطبراني مطولاً بلفظ "يا أيها الناس اتهموا الرأي على الدين فلقد رأيتني أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي اجتهاداً فوالله ما آلو عن الحق، وذلك يوم أبي جندل والكتاب بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل مكة. فقال: اكتبوا: بسم الله الرحمن الرحيم فقالوا: ترانا قد صدقناك بما تقول؟ ولكنك تكتب باسمك اللهم فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيت حتى قال لي رسول الله: تراني أرضى وتأبى؟ ! قال: فرضيت" أ. هـ المعجم الكير 1/26، حـ: 82. ورجاله ثقات غير مبارك بن فضاله فإنه صدوق يدلس ويسوي. قاله في التقريب2/227. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد:" رواه أبو يعلى ورجاله موثوقون وإن كان فيهم مبارك بن فضاله. وهو في: "المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي": ص: 175. وقال محققه: والحديث بهذا السند لا يقل عن درجة الحسن، فرجاله كلهم موثوقون، وفيهم مبارك بن فضاله وهو صدوق وقد صرح بالتحديث فأمن تدليسه –قال-: وقد تقدم عن أبي زرعة أنه ثقة إذا قال: حدثنا، وعن أبي داود أنه ثبت إذا قال حدثنا". اهـ."اتهموا الرأي على الدين"1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 الرجوع إلى العقل في المعتقدات1. ولا خلاف بين الفقهاء في أن الكفار والملحدين لا يجب أن يناظروا بالعقليات2، وأن المسلمين قد أمروا بالأخذ بما آتاهم الرسول، والانتهاء عما نهاهم عنه، وحذروا من أن تصيبهم الفتنة أو (العذاب) 3 الأليم في مخالفتهم أمره، قال الله سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} 4 وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 5 وقد (كره) عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع جلالته الصلح6 يوم الحديبية، واستعظم رد المسلمين على الكفار، وكان ذلك من طريق العقل   1 لأن المعتقدات لا مجال للرأي والاجتهاد فيها بل العمدة على النص، فالرأي المذموم هو: ما خالف النص سواء كان في المعتقدات أو في الفروع، أما الرأي إذا كان يستند إلى أصل شرعي من كتاب أو سنة أو إجماع فلا بأس به بل منه ما هو محمود ولا سيما في الفروع التي يدخلها الاجتهاد. 2 للمؤلف زيادة إيضاح لهذه المسألة في الفصل التاسع. انظر ص: (305) . 3 في الأصل في الهامش أشير إليها بعلامة لحق. وكتب بعدها (صح) . 4 سورة الحشر آية (7) . 5 سورة النور آية: (63) . 6 في الأصل العبارة هكذا: "وقد عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع جلالته كره الصلح". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "تراني قد رضيت يا عمر وتأبى "1 فانتبه عند ذلك عمر وسكت علماً منه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مفترض2 الطاعة، (ولأنه) 3 لا ينطق عن الهوى، وأن الوحي لا يقابل بالعقل. ولا خلاف بين المسلمين في أن كتاب الله لا يجوز رده بالعقل. بل العقل دل على وجوب قبوله والائتمام به، وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم إذا ثبت عنه لا يجوز رده وأن الواجب رد كل ما خالفهما أو أحدهما. واتفق السلف على أن معرفة الله من طريق العقل ممكنة غير واجبة، وأن الوجوب من طريق السمع4 لأن الوعيد مقترن بذلك قال تعالى:   1 أخرجه الطبرانى في المعجم الكبير 1/26 حـ 82 وقد تقدم بلفظه عند تخريج قول عمر: "اتهموا الرأي على الدين" انظر: ص: (132) حاشية رقم: (1) . 2 أي: واجب الطاعة. انظر: لسان العرب7/202. 3 كذا بالأصل ولعل الصواب (وأنه) . 4 وذهب المعتزلة إلى أن معرفة الله لا تنال إلا بالعقل، قال القاضي عبد الجبار بعد أن ذكر أنواع الدلالة وقسمها أربعة أنواع: العقل، والكتاب والسنة، والإجماع. قال: "ومعرفة الله لا تنال إلا بححة العقل" ثم علل ذلك بأن ما عدى العقل من الدلالات والحجج فرع على معرفة الله وتوحيده وعدله. ولو استدل بشيء منها على الله لكان ذلك استدلال بفرع للشيء على أصله وذلك لا يجوز". (شرح الأصول الخمسة ص: 88) وحكى الشهرستانى اتفاق المعتزلة على أن أصول المعرفة وشكر النعمة واجبة قبل ورود السمع وأن الحسن والقبح يجب معرفتهما بالعقل. (الملل والنحل1/45) . أمّا الأشاعرة فيوافقون السلف في أن معرفة الله عز وجل ممكنة بالعقل وأن الوجوب لا يكون إلا بالسمع. يقول الشهرستاني في حكاية مذهب الأشعري: "قال – أي الأشعري – والواجبات كلها سمعية، والعقل لا يوجب شيئاً ولا يقتضي تحسيناً ولا تقبيحاً، فمعرفة الله تعالى بالعقل تحصل وبالسمع تجب". (الملل والنحل 1/101) وقال الإيجي: "النظر في معرفة الله واحب إجماعاً، واختلف في طريق ثبوته فهو عند أصحابنا السمع وعند المعتزلة العقل" المواقف 28. فالأشاعرة إذاً يوافقون أهل السنة في أن معرفة الله إنما تجب بالسمع لا بالعقل وأن حصولها بالعقل ممكن فقط. غير أنهم يفارقونهم في قولهم إن أول الواجبات المعرفة أو النظر في المعرفة أو القصد إلى النظر في معرفة الله على اختلاف بينهم في ذلك. انظر: الإنصاف للباقلاني ص: 22، والمواقف للإيجي ص: 32، وإن وافقهم في ذلك بعض متكلمي أهل السنة من الحنابلة وغيرهم مثل أبي الفرج المقدسي كما نقل ذلك عنه ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل8/5، ومثل القاضي أبي يعلى إذ يقول في كتابه "المعتمد": "إذا ثبتت صحة النظر ووجوبه فإن أول ما أوجب الله على خلقه العقلاء النظر والاستدلال المؤديين إلى معرفة الله تعالى". نقل ذلك عنه ابن تيمية في المصدر السابق ص: 349. والذي دلت عليه النصوص أن أول واجب على المكلف هو الشهادتان وأنه بهما يكون المرء من أهل الإسلام ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحداً ليكون مؤمناً بأن يستدل على معرفة الله وينظر في ذلك وإنما قال صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله"، ولم يقل حتى يستدلوا على معرفة الله، وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ عندما أرسله إلى اليمن: " يا معاذ إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ". ثم إن معرفة الله أو الاستدلال على معرفته ليس كافياً لاعتبار الإِنسان مسلماً أو مؤمناً ففرعون كان عارفاً بربه، وأكثر مشركي العرب كانوا يعرفون الله عز وجل بأنه خالق الكون وأنه رب السماوات والأرض ومع ذلك لم تغن عنهم معرفتهم تلك شيئاً. وللسلف في المسألة قول آخر وهو أن معرفة الله صلى الله عليه وسلم فطرية بمعنى أن الخلق فطروا على معرفة خالقهم. يقول شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما الرب تعالى فهو معروف بالفطرة، {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكّ} ، فالمشركون من عباد الأصنام وغيرهم من أهل الكتاب معترفون بالله مقرون به أنه ربهم وخالقهم ورازقهم وأنه رب السماوات والأرض والشمس والقمر … وقال: في موضع آخر: والصحيح أنها – أي معرفة الصانع فطرية لأنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل مولود يولد على الفطرة … " قال: لكن قد يعرض للفطرة ما يفسدها فتحتاج حينئذ إلى النظر فهي في الأصل ضرورية وقد تكون نظرية". الرسائل الكبرى 2/337، و340. ولا خلاف بين ما قاله المؤلف من أن المعرفة ممكنة بالعقل وبين قول شيح الإِسلام عن الفطرة، فالعقل السليم موافق للفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها. وأما قول المصنف إنها لا تجب إلا بالسمع فإنه يقصد أن الحجة لا تقوم على المكلف إلا بعد بعث الرسل. وقد استدل على ذلك بقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاًً} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاًً} 1 فلمّا علمنا بوجود العقل قبل الإِرسال، وأن العذاب مرتفع عن أهله، ووجدنا من خالف الرسل والنصوص مستحقا للعذاب بينا2 أن الحجّة هي ما ورد به السمع لا غير. وقد اتفقنا أيضاً على أن رجلاً لو قال: العقل ليس بحجّة في نفسه وإنما يعرف به الحجّة لم يكفر ولم يفسق، ولو قال رجل: كتاب الله سبحانه ليس بحجّة علينا بنفسه، كان كافراً مباح الدم.   1 سورة الإسراء آية: 15. 2 هكذا في الأصل ويحتمل أن تكون (تبينا) تحرفت على الناسخ، وهو أوجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 فتحققنا أن الحجّة القاطعة هي التي (يرد) 1 بها السمع لا غير. ووجدنا أيضاً القائلين بالعقل المجرّد وأنه أوّل الحجج مختلفين فيه، كلّ واحد يزعم أنّ الحقّ معه وأنّ مخالفه قد أخطأ الطريق، ولا سبيل إلى من يحكم بينهم في الحال، وإنما الحاصل دوام الجدل المنهي عنه، ونجدهم أيضاً يقولون اليوم قولاً يزعمون أنه مقتضى العقل، ويرجعون عنه غدا إلى غيره، وما كان بهذه المثابة لا يجب أن يكون حجّة في نفسه. ووجدنا الكتاب المنزل غير جائز ورود النسخ عليه2. وقد وجب (علينا) 3 الإذعان له، والدخول تحت حكمه، فكانت الحجّة فيه لا في مجرّد العقل. وإنما ورد الكتاب بالتنبيه على العقل وفضله4وبيّن أن من خالف الكتاب ممن لا يعقل5 لأنّ العقل يقتضي قبول العبد من مولاه، وترك ظنه   1 هذه الكلمة ليست في الأصل زدتها لاقتضاء السياق ذلك. 2 أي: في باب المعتقدات، والإخبار عما كان ويكون فإنه لا يجوز ورود النسخ فيها، وقد أشار المصنِّف إلى ذلك في الفصل الثامن. 3 في الأصل: "على" في الصلب، صوبت في الهامش. 4 والآيات في ذلك كثيرة منها قوله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} النحل آية: 67، وكثيراً ما يشير القرآن إلى العقل {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} الروم آية: 28. 5 والآيات في ذلك كثيرة كقوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} البقرة آية: 44، وقوله تعالى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} المائدة آية: 58، وقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} العنكبوت آية: 63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 له، ومصيره إلى طاعته ويحكم بقبح ما خالف ذلك. وفي هذا القدركفاية إن شاء الله تعالى. على أنّ الأشعري يزعم أن العقل لا يقتضي حسناً ولا قبيحاً1. وهذا لعمري مخالفة العقل عياناً، وسيأتي بيان ذلك في غير هذا الفصل2 بمشيئة الله عز وجل. وإذا ثبت ما قلناه زال شغبهم في أن العقل يقتضي ما يقولونه، لأنا لم نؤثر3 باتباع عقل يخالف السمع، وسنذكر كذبهم في اقتضاء العقل ما صاروا4 إليه بعد هذا5 إن شاء الله عز وجل هـ.   1 انظر: الملل والنحل 1/101، فقد نقل عنه نحو ذلك. 2 انظر: الفصل الخامس من هذه الرسالة. 3 هكذا في الأصل، وأحسب أن الصواب "نؤمر". 4 في الأصل: "وما" وهو خطأ من النساخ؛ لأن مقصود المؤلّف أنه سيذكر كذبهم في قولهم إن العقل يقتضي ما قالوه وما صاروا إليه. 5 انظر: الفصل الرابع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 الفصل الثاني: في (بيان السنة ما هي؟ وبم يصير المرء من أهلها؟) اعلموا رحمكم الله أنّ السنة في لسان العرب هي: الطريقة1 فقولنا: سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني: طريقته، وما دعا إلى2 التمسك به ولا خلاف بين العقلاء في "أن"3 سنّة الرسول عليه السلام لا تعلم بالعقل وإنما تعلم بالنقل. فأهل السنة: هم الثابتون على اعتقاد ما نقله إليهم السلف الصالح رحمهم الله عن الرسول صلى الله عليه وسلم4 "أو"5 عن أصحابه رضي الله عنهم فيما لم يثبت فيه نص في الكتاب ولا عن الرسول صلى الله عليه وسلم / لأنهم رضي الله عنهم أئمة، وقد أمرنا باقتداء6 آثارهم، واتباع سنّتهم وهذا أظهر من أن يحتاج   1 انظر: لسان العرب 13/226. 2 في الأصل: "إلي" وهو تصحيف من النساخ. 3 ما بين القوسين ليس من الأصل، زدته لاقتضاء السياق. 4 قال شيخ الإسلام في إطلاق لفظ أهل السنة: " شاد به من خلافة الخلفاء الثلاثة فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلاّ الرافضة، وقد يراد به أهل الحديث والسنّة المحضة، فلا يدخل فيه إلاّ من يثبت الصفات لله تعالى ويقول: إن القرآن غير مخلوق وأن الله يرى في الآخرة، ويثبت القدر، وغير ذلك من الأمور المعروفة عند أهل السنة". انظر: منهاج السنة 2/163. 5 " أو " ليست في الأصل والسياق يقتضي إثباتها. 6 في الأصل رسم الكلمة هكذا: " باقدا " وأعلاها إشارة صحّ، ويجوز أن تكون "باقتفاء " حرفت. والمعنى: لزوم سننهم وطريقهم وفي "اللسان": تقدّت به دابته: لزمت سنن الطريق. انظر: لسان العرب 15/172. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 فيه إلى إقامة برهان. والأخذ بالسنّة واعتقادها مما لا مرية في وجوبه. قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} 1، وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} 2 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي عضّوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإنّ كلّ محدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة " 3 وقال عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) :   1 سورة آل عمران آية: 31. 2 سرورة الأحزاب آية: 21. 3 الحديث جزء من حديث العرباض بن سارية في سياق موعظة الرسول صلى الله عليه وسلم أخرجه. د: في كتاب السنّة/ باب لزوم السنة 5/ 13 ح: 4617 عن العرباض بن سارية بسند رجاله ثقات غير عبد الرحمن بن عمرو السلمي، فقد قال فيه ابن حجر في التقريب مقبول، 1/493، وقد توبع من قبل يحيى بن أبي المطاع عند ابن ماجة وابن أبي بلال عند أحمد 4/126، وفيه الوليد بن مسلم قال فيه ابن حجر في التقريب: "ثقة كثير التدليس والتسوية 2/236 " وقد صرح بالتحديث عن ثور ابن يزيد هنا. (في رواية أبي داود) . ت: كتاب العلم/ باب في الأخذ بالسنة واجتناب البدعة 5/44 من حديث العرباض أيضاً ح: 2676 وقال: " حديث حسن صحيح " على أن في سنده بقية ابن الوليد قال عنه ابن حجر: " كثير التدليس عن الضعفاء " 1/105، وقد عنعن هنا غير أنه صرّح بالتحديث عن بحير في رواية أحمد في المسند 4/126. جه: المقدّمة/ باب اتباع سنّة الخلفاء الراشدين 1/15،من حديث العرباض ح: 42دي: المقدّمة/ باب اتباع السنّة 1/44. حم: 4/126 من عدّة طرق عن العرباض، وأخرجه ابن أبي عاصم في السنّة 1/18-19-29، وقال الألباني: " إسناده صحيح ورجاله ثقات ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 "من خالف السنّة كفر ":1 2.   1 ذكره الهيثمي عن مورق قال: "سألت ابن عمر عن الصلاة في السفر فقال ركعتين ركعتين من خالف السنّة كفر، وقال رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح " أ. هـ. مجمع الزوائد 2/154-155، ولم أجده في المطبوع من المعجم. وأخرجه ابن عبد البرّ بسنده في جامع بيان العلم وفضله 2/238 عن صفوان بن محرز القاري المأزري، وقال عقبه: " وقد بينا معنى قوله في هذا الحديث كفر في كتاب التمهيد فأغنى عن إعادته هنا ". قال في بيان ذلك في التمهيد: " الكفر ههنا: كفر النعمة وليس بكفر ينقل عن الملّة، كأنه قال: كفر لنعمة التأسي التي أنعم الله على عباده بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ففيه الأسوة الحسنة في قبول رخصه كما في امتثال عزيمته صلى الله عليه وسلم " 11/175-176، وذكره ابن بطة بدون إسناد. انظر: كتاب الشرح والإبانة على أصول السنّة والديانة ص: 123، وقال محقّقه: رواه عبد بن حميد في مسنده بتمامه (ق 109/2) . وله شاهد من حديث ابن مسعود عند مسلم موقوفاً عليه … وفيه: " ولو تركتم سنّة نبيّكم لكفرتم ". انظر: 1/453/ كتاب المساجد باب صلاة الجماعة من سنن الهدى ح: 654، وأخرجه أبو داود 1/373، كتاب الصلاة: باب في التشديد في ترك الجماعة. 2قال الخطابي في معنى كفرتم في حديث ابن مسعود: "أي يؤديكم إلى الكفر بأن تتركوا شيئاً منها حتى تخرجوا من الملة" انظر: معالم السنن 1/291. والمراد هنا أن مخالفة السنة: مؤدية إلى الكفر لا سيما إذا كانت المخالفة من باب الإنكار والجحود والمعاندة لله ورسوله. أما إذا كان المخالف متأولاً، ظانا أن الحق معه فلا يعتبر كافرا وإن كان مخالفا لها. والله تعالى أعلم. وسيأتي مزيد بحث لمسألة الكفر والتكفير في الفصل الرابع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 وإذا كان الأمر كذلك فكلّ مدع1 للسنّة يجب أن يطالب بالنقل الصحيح بما يقوله، فإن أتى بذلك عُلِم صدقه، وقبل قوله، وإن لم يتمكن من نقل ما يقوله عن السلف، علم أنه محدث زأئغ وأنه لا يستحق أن يصغا2 إليه أو (يناظر) 3 في قوله، وخصومنا المتكلمون معلوم منهم أجمع اجتناب النقل والقول به بل تمحينهم4 لأهله ظاهر، ونفورهم عنهم بين، وكتبهم عارية عن إسناد بل يقولون: قال الأشعري، وقال ابن كلاب، وقال القلانسي/ وقال الجبائي5 فأقل ما يلزم المرء في بابهم أن يعرض ما قالوه على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن وجده موافقاً له   1 في الأصل: " مدعى ". 2 صغا: بالمقصورة والممدودة: مال، وأصغى إليه رأسه وسمعه: أماله، وأصغيت إلى فلان ملت بسمعك نحوه. انظر: لسان العرب 14/461. 3 هكذا بالأصل: ويحتمل أنها محرفة عن (ينظر) وهو متجه. 4 التمحين: الابتلاء والاختبار وقد تقدّم. انظر: لسان العرب 13/401. 5 بضمّ الجيم وتشديد الباء الموحّدة نسبة إلى (جبى) قرية من قرى البصرة. وهو محمّد بن عبد الوهّاب الجبائي، أبو عليّ من معتزلة البصرة، وكان رأساً في علم الكلام. وعنه أخذ أبو الحسن الأشعري علم الكلام. ولد سنة: 235هـ وتوفي سنة: 303هـ. انظر ترجمته في وفيات الأعيان 4/607، والمنتظم 6/137، وطبقات المعتزلة ص: 80، وشذرات الذهب 2/241، واللباب 1/255. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 ومستخرجاً منه قبله، وإن وجده مخالفاً له رمى به1. ولا خلاف أيضاً في أن الأمة ممنوعون من الإحداث في الدين ومعلوم أن القائل بما ثبت من طريق النقل الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يسمى محدثاً بل يسمى سنّياً متبعاً، وأن من قال في نفسه قولا وزعم أنه مقتضى عقله، وأنّ الحديث المخالف له لا ينبغي أن يلتفت إليه، لكونه من أخبار الآحاد وهي لا توجب علماً وعقله موجب للعلم، يستحقّ أن يسمى محدثاً مبتدعاً، مخالفاً، ومن كان له أدنى تحصيل أمكنه أن يفرق بيننا وبين مخالفينا / بتأمل هذا الفصل في أوّل وهله (ويعلم) 2 أن أهل السنّة نحن دونهم وأنّ المبتدعة خصومنا دوننا. وبالله التوفيق هـ.   1 في الأصل: (رمي) وهو تصحيف من النساخ. 2 في الأصل: (ويعلم) بالضم، وهو خطأ، والصواب الفتح، لأنّه معطوف على منصوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 الفصل الثالث: في التدليل على أنّ مقالة الكلابية وأضرابهم مؤدية إلى نفي القرآن أصلاً، وإلى التكذيب بالنصوص الواردة فيه والردّ لصحيح الأخبار ورفع أحكام الشريعة لا خلاف بين المسلمين أجمع في أن القرآن كلام الله عز وجل، وأنه الكتاب المنزل بلسان عربي مبين1 الذي له أوّل وآخر، وهو ذو أجزاء وأبعاض، وأنه شيء ينقري2 ويتأتي أداؤه، وتلاوته. ثم اختلفوا بعد هذه الجملة: فقال أهل الحقّ. هو غير مخلوق، لأنه صفة من صفات ذاته، وهو المتكلم به على الحقيقة، وهو موصوف بالكلام فيما لم يزل3.   1 أي: قبل ظهور مقالة ابن كلاب التي خرق بها إجماع المسلمين وهي قوله: " إن هذا القرآن الموجود بين أيدي المسلمين الذي يتلى ويقرأ ليس كلام الله وإنما هو عبارة عنه ". انظر: المقالات 2/258، ونقل الإجماع على ذلك ابن حزم. انظر: مراتب الإجماع ص: 173، وانظر أيضاً: فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 6/534، 543-546. 2 ينقري: هكذا في الأصل، وهو بمعنى: يقرأ. 3 وهذا قول السلف قاطبة. قال الآجري: " اعلموا - رحمنا الله وإياكم أنّ قول المسلمين الذين لم تزغ قلوبهم عن الحقّ ووفقوا للرشاد قديماً وحديثاً؛ أن القرآن كلام الله عز وجل ليس بمخلوق، لأن القرآن من علم الله تعالى وعلم الله عز وجل لا يكون مخلوقاً تعالى الله عز وجل عن ذلك ". انظر: الشريعة ص: 75. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وقال بعض أهل الزيغ: " هو مخلوق أحدثه في غيره وأضافه إلى نفسه"1. وقال آخرون2 منهم: هو كلامه، ولا نزيد عليه، ولا نقول:   1 وهو قول الجهمية والمعتزلة والخوارج، وأكثر الزيدية، والمرجئة وكثير من الرافضة. انظر: مقالات الإسلاميين 2/456، وشرح الأصول الخمسة ص: 528، والملل والنحل 1/45، 88، والفصل 3/105. 2 وهؤلاء يعرفون بالواقفة: لوقوفهم وإمساكهم عن إطلاق القول بخلق القرآن أو عدم خلقه. وهم ثلاثة أصناف: 1- صنف وقفوا شكّاً ولم يتبين لهم الأمر بزعمهم ويطلق عليهم شكّاك، وبعضهم بدع من خالفه. وقد أنكر السلف على هذا الصنف أشد النكير، وعدّوهم من الجهمية، فهذا إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل يقول وقد سئل عن الواقفة: "من كان منهم يخاصم ويعرف بالكلام فهو جهمي ". انظر: السنّة / لعبد الله بن أحمد ص: 36. ويقول في كتاب السنّة له ص: 51، ضمن مجموعة شذرات البلاتين: " وهم شرّ الأصناف وأخبثها، وقد عقد الإمام الدارمي باباً في الاحتجاج عليهم في كتابه الردّ على الجهمية ص: 102-105، وقد نقل الإمام اللالكائي في (شرح اعتقاد أصول أهل السنّة ص: 321) عن جماعة من أهل العلم كابن الماجشون وغيره أنهم قالوا: من وقف في القرآن بالشكّ فهو كافر. 2- وصف: سكتوا عن الخوض في ذلك مع اعتقادهم بأن القرآن كلام الله غير مخلوق تورعاً ورأوا أن من كان قبلهم من السّلف لم يتكلموا في ذلك. ولمثل هؤلاء يقول الإمام أحمد وقد سئل هل لهم رخصة أن يقول الرجل: كلام الله ثم يسكت فقال ولم يسكت؟ لولا ما وقع فيه الناس كان يسعه السكوت لكن حيث تكلموا فيما تكلموا لأي شيء لا يتكلمون. انظر: مسائل أحمد لأبي داود 264، فكان الأولى أن يبينوا للناس ولا سيما إذا كانوا من أهل العلم والحديث، لأن الناس بهم يقتدون وإليهم ينظرون. 3- وصنف جاهل: " وهذا عليه أن يسأل ليتعلم ". ويجمع كلّ هذه الأصناف ما رواه عبد الله بن أحمد في كتاب السّنّة ص: 36: " سمعت أبي سئل عن الواقفة فقال أبي: " من كان منهم يخاصم ويعرف بالكلام فهو جهمي، ومن لم يكن يعرف بالكلام يجانب حتى يرجع، ومن لم يكن له علم يسأل حتى يتعلم ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 إنه مخلوق أو غير مخلوق. واتفق المنتمون إلى السّنة بأجمعهم على أنه غير مخلوق، وأنّ القائل بخلقه كافر، فأكثرهم قال: إنه كافر كفراً ينقل عن الملة، ومنهم من قال: هو كافر بقول غير الحق في هذه المسألة. والصحيح الأوّل، لأن من قال: إنه مخلوق صار منكراً لصفة من صفات ذات الله عز وجل، ومنكر الصفة كمنكر الذات، فكفره كفر جحود لا غير1.   1 ورد تكفير من يقول بخلق القرآن عن عدد من أئمة السّلف، عدّ منهم الإمام اللالكائي أكثر من خمسمائة وخمسين نفساً من التابعين وتابعيهم، كلّهم قالوا: " القرآن كلام الله غير مخلوق ومن قال: مخلوق فهو كافر. ثم قال: ولو اشتغلت بنقل المحدّثين بلغت أسماؤهم ألوفا كثيرة لكني اختصرت ". شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/312. لكن هل هو كفر ينقل عن الملة أم لا؟ فالمشهور من مذهب الإمام أحمد وعامة أئمة السنة تكفير الجهمية لقولهم إن القرآن مخلوق ومناقضتهم للكتاب والسنة، وقال فيهم ابن المبارك: " إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية " وعدّهم هو وغيره من السلف خارجين عن الاثنتين وسبعين فرقة التي افترقت إليها الأمة. ذكر ذلك ابن تيمية، ثم ذكر قول أبي نصر السجزي فقال: " ثم حكى أبو نصر السجزي عنهم في هذا قولين: أحدهما: أنه كفر ينقل عن الملة، قال: وهو قول الأكثرين. والثاني: أنه كفر لا ينقل ". قال: ولذلك قال الخطابي: " إن هذا الذي قالوه على سبيل التغليظ ". الفتاوى 12/486-487. والحاصل أن إطلاق تكفير هؤلاء مأثور عن السلف، لكن لا يكفر المعين منهم، إلا إذا توفرت به شروط التكفير وانتفت عنه موانعه. ولذلك كان الإمام أحمد وهو من أعظم القائلين بتكفير الجهمية، يدعو للخليفة وغيره، ممن أراد أن يجبره على التجهم، ويستغفر لهم فلو كانوا كفاراً لم يستغفر لهم، فدلّ ذلك على أنه رحمه الله لا يقول بتكفير المعين منهم لاحتمال عدم توفر شروط التكفير وعدم انتفاء موانعه. راجع الفتاوى أيضاً 12/488-489. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وقال أبو محمّد بن كلاب ومن وافقه، والأشعري وغيرهم: "القرآن غير مخلوق، ومن قال بخلقه كافر إلا أن الله لا يتكلم بالعربية، ولا بغيرها من اللغات ولا يدخل كلامه النظم، والتأليف، والتعاقب، ولا يكون حرفاً ولا صوتاً "1.   1 هذا القول ثابت عن ابن كلاب ذكره الأشعري في المقالات 2/257، وهو قول الكلابية وكثير من الأشعرية. ولا سيما متأخريهم وقد نقل الشهرستاني عن الأشعري نفسه أنه يقول ببعض ما ذكر. انظر: الملل 1/96. والذي رأيته في كتب الأشعري أنه يقول: " القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال بخلقه فهو كافر، وأنه لا يجوز أن يقال: إن شيئاً من القرآن مخلوق لأن القرآن بكماله غير مخلوق. وقال عند قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماًً} قال: والتكليم: المشافهة بالكلام. وهذا يرجح أنه رحمه الله رجع عن القول بكلام النفس وإنكار الحرف والصوت، لأن إثباته للمشافهة يوحي بذلك إذ المشافهة بالكلام لا تكون إلا بحرف وصوت. والله تعالى أعلم. انظر: الإبانة ص: 25، 72، 101 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 فقد بان بما قالوه1 أن القرآن الذي نفوا الخلق عنه ليس بعربي، وليس له أوّل ولا آخر. ومنكر القرآن العربي وأنه كلام الله كافر بإجماع الفقهاء2 ومثبت قرآن لا أوّل له ولا آخر كافر بإجماعهم، ومدعي قرآن لا لغة فيه جاهل غبي عند العرب، لأن القرآن اسم لكتاب الله عز وجل العربي مختص به عند كثير من العلماء ولذلك لم يهمزه غير واحد من القراء والفقهاء وهو قول الشافعي3 رحمة الله عليه4 وقراءة   1 في الأصل: " قالقوه " وهو تحريف. 2 نقل أبو سعيد خلف بن عمر المعروف بمعلم الفقهاء: إجماع العلماء على أن من ردّ حرفاً من القرآن فقد كفر. انظر: ترتيب المدارك للقاضي عياض 2/490. وقال عبد الله بن مسعود: " من كفر بحرف من القرآن فقد كفر به أجمع ". انظر: مصنف عبد الرّزّاق 8/472. فإذا كان هذا فيمن أنكر حرفاً منه فكيف بمن أنكره أجمع. وقد تقدم الكلام على مسألة إطلاق التكفير قبل هذا. 3 هو الإمام أبو عبد الله محمّد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الشافعي. أحد الأئمة الأربعة. ولد بغزة سنة: 150هـ وتوفي بمصر سنة: 204هـ. انظر: تذكرة الحفاظ 1/361، والتقريب 2/143، والأعلام 6/249. 4 روى الإمام أبو الحسن عليّ بن أحمد الواحدي في كتابه: (الوسيط) أن الشافعي رحمه الله كان يقول: " القرآن: اسم وليس بمهموز، ولم يؤخذ من قرأت ولكنه اسم لكتاب الله تعالى مثل: التوراة والإنجيل ". نقلاً عن تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/83. وانظر: لسان العرب 1/128-129، وانظر أيضاً: التفسير الكبير للرازي 5/86. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 ابن كثير1 وغيره2. وقالوا: " إذا قرأ القارئ قوله سبحانه {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} 3 همز قرأت؛ لأنه مشتق من القراءة"4. وعند بقية القراء والعلماء أن القرآن مهموز وهو اسم مشتق من قرأ قراءة وقرآناً، أو من ضم بعضه إلى بعض5. والعقل غير (موجب) 6 لتسمية صفة لله سبحانه قرءآناً بالاتفاق7. وإنما أخذ هذا الاسم سمعاً والسمع قوله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} 8،   1 هو: عبد الله بن كثير الكناني مولاهم الفارسي الأصل أحد القراء السبعة. ولد بمكة سنة خمس وأربعين، وتوفي بها سنة عشرين ومائة. كنيته: أبو سعيد، وقيل: أبو معبد. انظر ترجمته في: وفيات الأعيان 3/41، وشذرات الذهب 1/157، وطبقات القراء 1/443 ترجمة رقم: 1853. 2 كعمر بن العلاء. انظر: لسان العرب 1/129. 3 سورة الإسراء آية: 45. 4 في الأصل: " القراة " على عادة الناسخ في تسهيل الهمزة وإهمالها في أكثر المواضع. 5 انظر: لسان العرب 1/128. 6 في الأصل: " موجباً " وهو خطأ. والصواب ما أثبت لأنه مضاف إليه. 7 اتفق السلف على أن الله سبحانه لا يوصف إلا بما وصف به نفسه جلّ علا أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم. 8 سورة الزخرف آية: 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} 1، وقوله تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} 2، وقوله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} 3. وما لا يجوز أن يكون لغة لا يكون شعراً عند أحد، فلما نفى الله عز وجل كون ما زعم كفار قريش أنه شعر4 وأثبته قرآناً لم تبق شبهة لذي لبّ في أن القرآن المختلف في حكمه الذي أمر الجميع بالإيمان به هو كتاب الله سبحانه العربي، الذي علم أوّله وآخره، فمن زعم أن القرآن اسم لما (هو) 5 غيره وخلافه دونه بان حمقه6 ا. هـ. فإن أقرّ الأشعري ومن وافقه بأن القرآن هو الذي يعرفه الخلق   1 سورة يوسف آية: 2. 2 سورة الشعراء آية: 195. 3 سورة يس آية: 69. 4 في الأصل: " شعراً " وهو خطأ. 5 " هو " ليست في الأصل زدتها لاقتضاء السياق. 6 يجد القارئ صعوبة في فهم مراد المؤلِّف من هذه الجملة. والذي اتضح لي منها: أنه يريد أن يثبت أن هذا الذي ادعت قريش أنه شعر وأثبته الله قرآناً، أنه لغة وأنه هو هذا الكتاب العربي الذي هو كلام الله، لأن في ادعاء قريش أنه شعر إثباتاً لكونه لغة، لأن الشعر لا يكون إلا لغة، والله سبحانه إنما نفى كونه شعراً ولم ينف كونه لغة؛ لأنه ليس كلّ لغة شعراً، ثم أثبته قرآناً عربياً مبيناً. يرد بذلك على الكلابية الذين قالوا إن الله لا يتكلم بالعربية ولا بغيرها من اللغات ولا يدخل كلامه النظم والتأليف كما تقدم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 انتقض عليه قوله: إن الحرف والصوت لا مدخل لهما في كلام الله عز وجل وقد أقرّ بأنه غير مخلوق، وإذا لم يكن مخلوقاً وكان حروفاً لا محالة كان إنكارهم للحروف بعد ذلك سخفاً. وإن زعموا أن القرآن غير الذي عرفه الخلق كفروا، ولم يجدوا حجّة على قولهم من عقل ولا سمع. وإن قالوا: إن القرآن اسم لكلام الله جملة، وجب أن تسمى التوراة والإنجيل1 والزبور2 والقرآن، وصحف إبراهيم3 وموسى أجمع قرءآناً، ووجب أن يكون المؤمن بالتوراة من اليهود مؤمناً بالقرآن وبما فيه، وغير جائز أن تؤخذ منه الجزية بعد وجوب الحكم بإيمانه. ثم قد أطلق الأشعري أن هذه التسميات لم يستحقها كلام الله / في الأزل، وإنما هي تسميات للعبارات المختلفة التي نزلت في الأزمان المتغايرة، وكلّ ذلك محدث فبين أن التوراة اسم الكتاب بالسريانية، وأنه   1 التوراة والإنجيل: كتابان أنزلا على موسى وعيسى عليهما السلام، - على الترتيب - إلى بني إسرائيل، قال تعالى: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} سورة المائدة آية: 46. 2 هو الكتاب الذي أنزل على نبيّ الله داود عليه السلام. 3 قال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى. صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} سورة الأعلى آية: 18، 19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 محدث، وأن القرآن اسم الكتاب بالعربية وأنه محدث1. فقوله: القرآن غير مخلوق مع هذا القول تلاعب. وقد ذكرنا في كتاب " الإبانة"2 ضرباً مما ورد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى، وتكلمنا على صحيحه وغريبه، وأن أحداً من الأمة قبل خصومنا هؤلاء ما عرف قرءآنا ينقري ولا يدخله الحرف والصوت، والأشعري   1 لم أجد ذلك عن الأشعري في كتبه التي اطلعت عليها كالإبانة، المقالات، واللمع، لكن حكي الشهرستاني عنه أنه قال: " والعبارات والألفاظ المنزلة على لسان الملائكة إلى الأنبياء عليهم السلام دلالات على الكلام الأزلي والدلالة مخلوقة محدثة، والمدلول قديم أزلي ". انظر: الملل 1/96، وهذا مذهبه قبل أن ينتقل إلى مذهب السلف. فقد أثبت في كتاب الإبانة ص: 101: " أنه لا يجوز أن يقال: إن شيئاً من القرآن مخلوق، لأن القرآن بكماله غير مخلوق، وأنكر على من قال: لفظي بالقرآن مخلوق". وما ذكره المؤلِّف هو مذهب ابن كلاب. فقد ذكر الأشعري عنه أنه قال: " إنما سمي كلام الله سبحانه عربياً لأن الرسم الذي هو العبارة عنه وهو قراءته عربي فسمي عربياً لعلة، وكذلك سمي عبرانياً لعلة، وهي أن الرسم الذي هو عبارة عنه عبراني ". انظر: المقالات 2/258. وهو مذهب المنتسبين إلى الأشعري؛ يقول البغدادي - وهو من أئمتهم -: " قال أصحابنا إن كلام الله سبحانه أمره … وقراءة كلامه بالعربية قرآن، وقراءته بالعبرانية توراة، أو زبور، وبالسريانية إنجيل والقراءة غير المقروء لأن المقروء كلام الله وليست القراءة كلامه … ". انظر: أصول الدين ص: 107-108. 2تقدم الكلام عليه عند الكلام على مؤلَّفات المؤلِّف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 أيضاً لم يعرف ذلك، وإنما حمله على ما قال التحير1 مع قلة الحيا، ألا ترى أنه يقول: " القراءة مخلوقة والمقروء بها صفة الله عز وجل غير مخلوقة2، والخلق بالاتفاق لا يتوصلون إلى قراءة ما ليس بحرف ولا صوت، فليس يكون مقروء البتة، فإن جاز كونه مقروءاً فهو حروف، وأصوات لا محالة، وإن لم يجز أن يكون حروفاً فمحال أن يصير مقروءاً، وهذا ظاهر لمن هدي رشده ". وأما رفع أحكام الشريعة، فلأنها إنما ثبتت بالقرآن فإذا كان الأشعري عنده القرآن غير هذا النظم العربي، وأهل الحل والعقد لا يعرفون ما يقوله ارتفعت أحكام الشريعة، ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد سورة من القرآن، أو آية منه، أو حرفاً متفقاً عليه فهو كافر3. وفي هذا الإجماع تسويد وجه كلّ مخالف لنا وفيما ذكرت في هذا الفصل إشارات إذا تأملها ذو قريحة جرى في الميدان قوي الجنان. وبالله التوفيق.   1 يقال: تحير واستحار وحار؛ أي: لم يهتد لسبيله. وحار يحار حيرة وحيراً أي: تحير في أمره. انظر: لسان العرب 4/222 مادة: حير. 2 لم أجد هذا القول في شيء من كتبه التي اطلعت عليها، غير أن الشهرستاني حكى عنه أنه يقول: " والفرق بين القراءة والمقروء، والتلاوة والمتلو، كالفرق بين الذكر والمذكور، فالذكر محدث، والمذكور قديم ". الملل 1/96. وهذا مذهب ابن كلاب. انظر: المقالات 2/720، والباقلاني وغيره من أئمة الأشاعرة كإمام الحرمين والغزالي. انظر: الإنصاف ص: 103، والإرشاد ص: 130، والاقتصاد ص: 63-64. 3 انظر: مراتب الإجماع لابن حزم ص: 174، وتقدم كلام خلف المعلم وقول ابن مسعود في ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 الفصل الرابع: في (إقامة البرهان على أنهم مخالفون لمقتضى العقل بأقاويل متناقضة مظهرون لخلاف ما يعتقدونه) وأما مخالفتهم لمقتضى العقل، ونص الكتاب، قولهم: إنّ الله سبحانه أفهم موسى- عليه السلام1- كلامه بلطيفة أدرك بها موسى أنه كلامه بلا واسطة2 والكلام قديم غير مخلوق. وقال أبو بكر بن الباقلاني3: إنّ الله متكلم في الأزل، ولا يجوز أن يقال: إنه مكلِّم في الأزل4.   1 جملة "عليه السلام" ليست في الأصل. 2 أوضح المؤلف في كتاب الإبانة أنّ ذلك حقيقة مذهبهم وإن كانوا يتحاشون التصريح به؛ لئلا يشنع عليهم. انظر "النص الذي اقتبسه ابن تيمية عن "الإبانة" في كتابه "درء تعارض العقل والنقل 2/ 90- ا 9". 3 هو أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم، المعروف بالباقلاني، البصري المتكلم المشهور، انتهت إليه الرئاسة في مذهب الأشاعرة في عصره، ولد بالبصرة وسكن بغداد وتوفي بها سنة 403 هـ. والباقلاني: "بفتح الباء وكسر القاف بعدها لام وألف ونون": نسبة إلى الباقلى وبيعه: انظر "وفيات الأعيان لابن خلكان 4/ 269" وتبيين كذب المفترى ص 217، واللباب لابن الأثير 1/ 112، والأعلام 7/ 46. ويقال ابن الباقلاني كما ذكر المؤلف وابن عساكر في التبيين، ويقال الباقلاني كما في وفيات الأعيان وغيره. 4 انظر الإنصاف ص 110 لكن ليس فيه الجملة الأخيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 وفي هذا الفصل تناقض؛ لأنّ الإِفهام من صفات الفعل، وأفعال الله تعالى محدثة 1 في غيره، فالكلام على هذا الأصل مخلوق محدث، وإذا لم يجز أن يقال: إنه مكلِّم في الأزل كان التكليم فعلاً لا غير، فيكون الكلام مخلوقاً. وأحد2 ما استدل به العلماء على نفي الخلق عن كلام الله سبحانه قوله عزوجل: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} 3 فقالوا: أتى بالمصدر ليعلم   1 أي عند الكلابية والأشعرية، يريد المؤلف رحمه الله إلزامهم بأن قولهم: "إن الله أفهم موسى عليه السلام كلامه بلطيفة.." مؤد إلى القول بخلق القرآن، لأن من مذهبهم وقولهم أن أفعال الله الاختيارية مخلوقة في غيره، والإفهام فعل اختياري، فيكون القرآن مخلوقا بناء على قولهم هذا، أما عند السلف، فأفعال الله تعالى ليست محدثة وإنما هي صفات له عز وجل قائمة به حاصلة بمشيئته وقدرته، كالخلق والرزق والمعافاة، ونحو ذلك، والذي عليه السلف أن الخلق غير المخلوق فالخلق فعل الخالق، والمخلوق مفعوله، وأفعال الرب قائمة به، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بأفعال الرب وصفاته كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك … " فاستعاذ بمعافاته، وهو فعل من أفعال الرب، ولو كان محدثاً لما جاز الاستعاذة به. راجع رسالة الصفات الاختيارية / لشيخ الإسلام ابن تيميه ضمن جامع الرسائل 2/ 19-20. وكنت قد وهمت في الطبعة الأولى في فهم كلام المؤلف رحمه الله فنبهني أخي الفاضل "ماجد بن سليمان الخليفة" إلى ذلك فجزاه الله خيراً وجعل ذلك في موازين حسناته. 2 في الأصل "واحدٌ" بالتنوين. 3 سورة النساء: جزء من آية "164". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 أنه كلام من مكلِّم إلى مكلَّم. وقال نوح بن أبي مريم1 في تكليماً: (يعني المشافهة بين اثنين) 2 وإن لم يكن هناك مشافهة، فالله تعالى قال لموسى عليه السلام: {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} 3 والاستماع بين الخلق لا يقع إلا إلى صوت، وهو غير الإفهام؛ لأنّ الفهم يتأخر عن السمع. وقول الأشعري: "إنّ كلام الله شيء واحد، لا يدخله التبعيض"4 فإذا قال إنّ الله أفهم موسى كلامه، لم يخل5 أمر6 من أن يكون قد أفهمه كلامه مطلقاً، فصار موسى عليه السلام عالماً بكلام الله حتى لم يبق له كلام من الأزل إلى الأبد إلا وقد فهمه. وفي ذلك اشتراك مع الله في علم الغيب، وذلك كفر بالاتفاق.   1 هو نوح بن أبي مريم أبو عصمة المروزي القرشي مولاهم، مشهور بكنيته، ويعرف بالجامع لجمعه العلوم، لكن كذبوه في الحديث، وقال ابن المبارك: كان يضع. مات سنة 173 هـ. انظر التقريب 2/ 309، واسم أبيه يزيد بن جعونة. انظر "الكنى للإمام مسلم 1/ 643 ترجمة رقم: 2613" والكنى للدولابي 2/ 31. 2 أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في السنة ص 64، وابن جرير في التفسير "9/ 403". 3 سورة طه: جزء من آية "13". 4 ليس ذلك في شيء من كتبه التي وصلت إلينا، وقد حكاه عنه الشهرستاني في الملل 1/ 96، وهو قول الكلابية والأشعرية. انظر "المقالات 2/ 257" والإرشاد لإمام الحرمين ص 136. 5 في الأصل "يخلو" بإثبات حرف العلة. والصواب حذفها "كما أثبت" لدخول أداة الجزم. 6 كذا في الأصل بالتنكير، والتعريف أفصح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وفيه أيضاً رد لقول الله عز وجل: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} 1 فبيَّن أنّ الرسل عليهم السلام لا يعلمون ما في نفسه عز وجل. والأشعري يقول:"إنّ الكلام معنى قائم بنفس ليس بلغة ولا حرف"2 فإذا فهمه موسى صار عالماً لما في نفس الله، وذاك غير جائز بالاتفاق. ثم إذا لم (يكن) 3 الكلام حرفاً ولا صوتاً، وكان معنى قائماً بالنفس فهو والإرادة شيء واحد4 وإن قالوا: أفهمه ما شاء من كلامه، رجعوا إلى التبعيض الذي يكفِّرون به أهل الحق، ويخالفون فيه نص الكتاب حيث قال الله   1 سورة المائدة جزء من آية "116". 2 تقدم الكلام على أنّ هذا مذهب الكلابية والأشاعرة. 3 في الأصل سقطت من السطر وكتبت أعلاه. وهي غير واضحة، وأثبتت في الحاشية. 4 لأن الإرادة عند الأشاعرة: صفة أزلية قائمة بذاته تعالى وهي واحدة محيطة بجميع مراداته. انظر: "أصول الدين للبغدادي ص 102"، "والملل والنحل 1/ 96". والإرادة عند محققي السلف نوعان: 1- إرادة قدرية كونية خلقيه. 2- وإرادة أمرية دينية شرعية. فالإرادة الشرعية هي المتضمنة للمحبة والرضى. والكونية هي المشيئة الشاملة لجميع الموجودات. وانظر: "شرح العقيدة الطحاوية ص116". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 سبحانه: {وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ} 1 وقال: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} 2 والكتاب عند السلف هو القرءآن باتفاق المسلمين كلام الله3 ويقولون في الظاهر للعوام: "قد سمع موسى كلام الله على الحقيقة4 وكلامه ليس بصوت"5. والعقل لا يقتضي أن يسمع بشر6 مبقى على بنيته وعادته ما ليس   1 سورة الأحزاب: جزء من آية "36" 2 سورة البقرة: جزء من آية "58" 3 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والكتاب اسم للقرآن العربي بالضرورة والاتفاق" "قاعدة في صفة الكلام ضمن الرسائل المنيرية 2/ 56" وانظر: كلام الرازي: "التفسير الكبير1/ 14" "والنسفي في تفسير القرآن الجليل 1/ 195" و"الغزالي في المستصفى /120". 4 انظر مثلاً قول الباقلاني في الإنصاف ص 96، وإمام الحرمين: الإرشاد ص 134. 5 تقدّم إثبات ذلك عنهم من كتبهم. 6 في الأصل "يسمعوا" وهو تحريف. وللمؤلف زيادة إيضاح لهذه المسألة في "الإبانة" انظر: النص المقتبس عنها لدى ابن تيمية في درء التعارض 2/ 90. وفيه قال أبو نصر: "قلت له – أي لبعض الأشاعرة – أتقر بأنّ الله أسمع موسى كلامه على الحقيقة بلا ترجمان؟ فقال: نعم – وهم يطلقون ذلك ويموهون على من لم يخبر مذهبهم – وحقيقة سماع كلام الله من ذاته على أصل الأشعري محال؛ لأن سماع الخلق على ما جبلوا عليه من البنية وأجروا عليه من العادة – لا يكون البتة إلا لما هو صوت أو في معنى الصوت. – قال – وإذا لم يكن كذلك فالواصل إلى معرفته بضرب من العلم والفهم وهما يقومان في وقت مقام السماع، لحصول العلم بهما كما يحصل السماع، وربما سمى ذلك سماعاً على التجوز لقربه من معناه، فأما حقيقة السماع لما يخالف الصوت فلا يتأتى للخلق في العرف الجاري".إهـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 بصوت على الحقيقة. ويقولون1: " إنّ كلام الله لا يجوز وجوده بغير الله2، ولا نزوله إلى محل3، وهو يتلى ويقرأ، وليس بلغة ولا حرف وتلاوة بل لا وصول للخلق إليه ولا يوجد عندهم، ولا مدخل للحروف فيه"4 (وهذا) 5 ممتنع في العقل. واختلف قول الأشعري في كتبه6   1 في الأصل "فيقولون" وما أثبت أظهر. 2 في الأصل "كغيره" والظاهر أنه خطأ من الناسخ، ولعل الصواب ما أثبت. 3 لأنه عندهم معنى قديم قائم بذات الله عز وجل، ومعنى نزوله عندهم نزول الإفهام والإعلام لا غير ويقولون في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} الشعراء: من آية 193-195 قالوا: يجب أن نعتقد هنا أربعة أشياء. منزل، ومنزل، ومنزول عليه، ومنزول به … والمنزل على الوجه الذي بيناه من كونه نزول إعلام وإفهام لا نزول حركة وانتقال كلام الله تعالى القديم الأزلي القائم بذاته … "والمنزول به هو اللغة العربية التي تلا بها جبريل ونحن نتلوا بها إلى يوم القيام" اهـ من الباقلاني الإِنصاف ص97 بتصرف. وانظر الإرشاد ص135. 4 لأنه قائم بذات الله عز وجل لا يفارقها. "العقيدة النظامية للجويني ص29 وما بعدها". 5 الزيادة يقتضيها السياق ليستقيم الكلام. 6 أي في كتبه التي تعرض فيها لمسألة النسخ وليس المقصود أنّ له كتباً بهذا الاسم؛ إذ لم أجد من ذكر ذلك له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 (في) 1 الناسخ والمنسوخ فقال في بعضها: "الناسِخ والمنسوخ في كلام الله على الحقيقة ". فإذا كان كلام (الله) 2 عنده شيئاً واحدًا كان الناسخ هو المنسوخ لا فرق بينهما ولا … 3 من العقل ما يقوله البتة. وقال في بعضها: الناسخ والمنسوخ في كتاب الله دون كلامه4 ففرق بين كتاب الله وكلامه، ونصوص القرآن تنطق5 بأن كتاب الله كلامه، ألا ترى أن الجن قالت في ما أخبر الله سبحانه عنها: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً} 6 وفي موضع آخر: {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} 7 فبيَّن جل جلاله أنّ الكتاب هو القرءآن لا غير بتقريره ما قالوه وتركه النكير عليهم لوجود الاتفاق على أن مسموع الجن في هذه القصة شيء واحد   1 "في" ليست في الأصل والسياق يقتضي زيادتها. 2 ليست في الأصل، والزيادة يقتضيها السياق. 3 في الأصل كلمة لم أتبيّن معناها ورسمها هكذا "يتمعنا". 4 لم أجد ذلك عنه ولعله فيما لم يصل إلينا من كتبه الكثيرة التي ألفها قبل إيابه إلى مذهب السلف. ومذهب السلف: أن كتاب الله هو القرآن الذي بين دفتي المصحف وهو كلام الله عز وجل وقد تقدم بيانه. وقال البغدادي في حكاية مذهب أصحابه: "وفي أحكامه ناسخ ومنسوخ ولا ينسخ كلام الله؛ لأنه لا يجوز عدمه ورفعه". انظر: "أصول الدين 108". 5 في الأصل "ينطق" بالياء. والصواب كما أثبت لعود الضمير على "نصوص" 6 سورة الجن آية "1". 7 سورة الأحقاف آية "30". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 في دفعة واحدة، وإنما أخبر الله سبحانه عنهم في غيرسورة فقال في بعضها: القرءآن وقال في غير ذلك: الكتاب1 والقرءآن كلام الله بالاتفاق. واختلف قول الأشعري أيضاً في الإعجاز، فقال في موضع: الإعجاز يتعلق بهذا النظم، وليس ذلك بكلام الله عز وجل، وإنما هو عبارة عنه، وأما صفة الله تعالى فلا يجوز أن يقال: إنّ الخلق يعجزون عنها كما لا يجوز أن يقال: يقدرون عليها. فجعل المعجز غير القرءآن، وإجماع الأمة حاصل على أنّ القرءآن هو المعجز للكافة2 فمن زعم أنه ليس (بمعجز والمعجز) 3 غيره كان راداً لخبر الله سبحانه، وخارقاً للإِجماع، وذلك كفر. وقال في غير ذلك الموضع: (الإعجاز متعلق بكلام الله، وكلام الله شيء واحد لا سورة فيه ولا حرف) 4.   1 بل قال سبحانه ذلك في سورة واحدة فقال تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} سورة الاحقاف آية "29، 30" فبيّن سبحانه أن الكتاب هو القرآن لا غير. 2 انظر: "ابن حزم الفصل 3/ 15". 3 في الأصل "بمعجزه والعجز" وهو تحريف. 4 ما ذكره المؤلف رحمه الله في هذه المسألة ونقله عن كتب الأشعري لم أجده في كتبه التي وقفت عليها، ولعل ذلك فيما لم يصل إلينا منها مما كتبه في سابق أحواله ورجع عنه في آخر عمره وكلاَ القولين ثابت عن الأشاعرة، والباقلاني وهو مقدمهم في عصره يصرح بأن الإعجاز يتعلق بالحروف المنظومة التي هي عبارة عن كلام الله القديم القائم بذاته تعالى عندهم، وأن التحدي واقع إلى هذه الحروف المنظومة وليس إلى الإتيان بمثل الكلام القديم الذي لا سبيل إليه، وأوضح أن هذا القول هو الذي عول عليه مشايخه. وحكى أنّ بعض أصحابه من الأشاعرة جوز القول الآخر وهو أنّ التحدي والإعجاز عائد إلى الكلام النفسي. انطر: "إعجاز القرآن 260". وعزا هذا القول للأشعري ابن حزم في "الفصل 3/15" بصيغة التمريض. ويرى الآمدي تارة: أن المعجز هو هذه العبارات والكلمات، وتارة يرىَ أنّ المعجز هو إظهار ذلك المقروء القائم بالنفس على لسان الرسول بما خلق الله من العبارات الدالة عليه. فلا يكون كلامه - أي كلام الرسول- الدال هو المعجز، ولا المدلول. بل إظهار ذلك المدلول بكلامه عند تحديه بنبوته. انظر: غاية المرام "351" وعلى هذا الرأي: يكون قد نفى الإعجاز عن العبارة وعن المعبر عنه وأثبته لما لا يتصور، فتأمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 وفي هذا القول تكذيب للنص وإحالة: فأما التكذيب فإن الله سبحانه قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 1 وقال: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراًً} 2. فبيّن أنّ التحدي واقع إلى مثل كلامه القرءآن وإلى سورة منه، فقول الأشعري:   1 سورة البقرة: آية "23" 2 سورة الإسراء: آية "88" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 (إنّ المعجز هو الكتاب1 دون القرءآن) تكذيب للنص وخبره، وقوله: (إنّ المعجز هو الكلام وليس بسورة) تكذيب للنص أيضاً. والإِحالة هي في أنّ التحدي واقع إلى الإتيان بمثل ما يعلم ويعقل2، ولو كان بخلاف ذلك لما صح جملة لأن العقل يقتضي أن (لا) 3 يتحدى واحد إلى الإِتيان بمثل ما لا يدري ما هو، ولا يعقل معناه4، ومثل ذلك إذا سيم5 واحد كان لعباً وهزواً، والله سبحانه يتعالى عن ذلك علوأً كبيراً. وقال الأشعري: "إنّ الله سبحانه يرى يوم القيامة على الحقيقة" وأظهر الرد على من أنكرها. وأفصح في بعض كتبه (أنه يرى بالأبصار) 6 وقال في موضع آخر:   1 سبق أن ذكر المؤلف أنّ الأشعري فرق بين كلام الله وكتابه في مسألة النسخ. 2 وهو كلام الله الموجود بين أيدينا الذي نتلوه ونعقله. 3 "لا" ليست في الأصل وزيادتها يقتضيها السياق. 4 "مثل الكلام النفسي القائم بالذات فالله عز وجل لم يكلفنا بمعرفته ولا سبيل للخلق لمعرفة ما في نفسه عز وجل؛ يعلم ما في نفوس عباده ولا يعلمون ما في نفسه". 5 سيم: أي كلف: في اللسان: سمته حاجة أي كلفته إياها من قوله تعالى: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَاب} أي يجشمونكم أشد العذاب. قال: وفي حديث علي – رضي الله عنه – من ترك الجهاد ألبسه الله الذلة وسيم الخسف" أي كلف وألزم. إهـ 12/ 312 "لسان العرب". 6 انظر: "الإبانة 35" و"اللمع 61، 63". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 (لا تختص الرؤية بالبصر1 ولا تكون عن مقابلة2 لأنّ3 ما يرى مقابلة كان جسماً) . فهو إذا قال: إنه يرى بالأبصار لم يجز في العقل أن تكون عن غير مقابلة، وإن قال إنّ الرؤية لا تختص البصر عاد إلى قول المعتزلة، وصارت الرؤية في معنىالعلم الضروري4. وقد حكي عن بعض متأخريهم أنه قال: لولا الحياء من مخالفة شيوخنا لقلتُ إنّ الرؤية هي العلم لا غير5. وهكذا قالوا في سماع موسى عليه السلام كلام الله سبحانه إنه لم يخص الأذن6، وإذا لم يخص بزعمهم الأذن لم يكن سماعاً؛ لأن هذه البنية   1 في الأصل "البصر". 2 لم أجد ذلك في كتبه التي وقفت عليها. وعزا هذا القول إليه أيضاً: الشهرستاني في "الملل والنحل 1/100" أما مذهبه الذي استقر عليه فهو ما صرح به في الإبانة من إثبات رؤية الله بالأبصار. وسبقت الإحالة إلى موضعه وهو مذهب السلف في هذه المسألة. 3 في الأصل "لأنه" وهو تحريف. 4 لأن من مذهب المعتزلة نفي رؤية الله عز وجل بالأبصار، وتأويل الرؤية في قولهصلى الله عليه وسلم: "سترون ربكم" بالعلم، يقول القاضي عبد الجبار في ذلك: "ثم نتناوله – أي حديث سترون ربكم – نحن على وجه يوافق دلالة العقل فنقول: المراد به سترون ربكم يوم القيامة أي ستعلمون ربكم يوم القيامة كما تعلمون القمر ليلة البدر" انظر: "شرح الأصول الخمسة 232، 270، وراجع أيضاً المقالات 1/ 289". 5 لم أجده نسبة هذه الحكاية فيما اطلعت عليه من كتب القوم، ونسب شيخ الإسلام لمتأخري الأشاعرة من أتباع الجويني صاحب الإرشاد أنهم فسروا الرؤية بمزيد علم. انظر: "درء التعارض 7/ 237". 6 لأنهم يقولون: السماع يطلق ويراد به الإدراك بحاسة الأذن، وقد يطلق ويراد به الانقياد والطاعة، وقد يطلق بمعنى الفهم والإحاطة، وعليه حملوا سماع موسى عليه السلام كلام الله. انظر: الآمدي: غاية المرام ص 110، والشهرستاني: نهاية الأقدام ص 367. إذْ يقرر أنه يتحقق كلام في جانب المتكلم وسماع من جانب المستمع ولا حرف ولا صوت ولا لسان ولا صماخ – ثم قال: فإذا تصور مثل ذلك في الشاهد حمل استماع موسى كلام الله على ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 مجبولة1 على أنها لا تسمع إلا بالأذن. والمقابلة لا تقتضي التجسيم كما زعموا؛ لأن المرئيات في الشاهد لا تخرج عن أن تكون جسماً أو عرضاً على أصلهم، والله سبحانه باتفاقنا مرئي. وليس بجسم2 ولا عرض، وإذا صح ذلك، جاز أن يرى عن مقابلة، ولا يجب أن يكون جسماً. وقد نص مالك بن أنس3 رحمه الله، وغيره من الأئمة رحمهم الله على أنّ الله سبحانه يرى يوم القيامة بالأبصار4.   1 يقال: جبله على الشيء: طبعه، وجبل الإنسان على كذا: أي طبع عليه. وانظر لسان العرب مادة "جبل" 11/ 98. 2 منهج أهل السنة: التوقف عن مثل هذه الألفاظ نفياً أو إثباتاً، والمؤلف – رحمه الله – خالف هذا المنهج. وسيأتي تحقيق القول في المسألة. 3 والإمام الحافظ فقيه الأمة شيخ الإسلام أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني، إمام دار الهجرة، كان مولده سنة 93 هـ ووفاته سنة 179 هـ. انظر ترجمته في: "تذكرة الحفاظ 1/ 207"، "والتقريب 2/ 223". 4 أخرج الإِمام اللالكائي رحمه الله بسنده إلى أشهب عبد العزيز صاحب مالك قال "قال رجل لمالك يا أبا عبد الله هل يرى المؤمنون ربهم يوم القيامة؟ قال: لو لم ير المؤمنون – ربهم يوم القيامة لم يعير الله الكفار بالحجاب فقال: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} . انظر: "شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2/ 468 ح 808". وأخرج الآجري في الشريعة بسنده إلى عبد الله بن وهب قال: قال مالك – رحمه الله تعالى – "الناس ينظرون إلى الله عز وجل يوم القيامة بأعينهم". "ص254". وممن صرح بأن الله عز وجل يرى يوم القيامة بالأبصار وأنكر على من أنكر ذلك. إمام أهل السنة أحمد بن حنبل - رحمه الله -. انظر: "الرد على الجهمية والزنادقة له ص 126 وما بعدها" وانظر: "الشريعة ص 254 و255" والإمام الشافعي – رحمه الله -. انظر: "شرح أصول اعتقاد أهل السنة ص 2/ 468/ 809" وهو مروي عن عدد من الصحابة والتابعين وغيرهم من السلف الصالح. انظر: المصدر السابق 2/ 470 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وزعموا أنّ كلام الله مكتوب في المصاحف (على) 1 الحقيقة وليس بحروف2.   1 في الأصل الكلمة غير واضحة ورسمها هكذا "مل" وما أثبته من الإنصاف للباقلاني ص93. 2 "3" هذا النص وارد في كثير من كتب أئمة الأشاعرة: انظر: الإنصاف للباقلاني 93 و 99 حيث يقول في الموضع الأول: "ويجب أن يعلم أنّ كلام الله تعالى مكتوب في المصاحف على الحقيقة". ويقول في الموضع الثاني: "ويجب أن يعلم أنّ الله تعالى لا يتصف كلامه القديم بالحروف والأصوات ولاشيء من صفات الخلق". وانظر أيضاً "التمهيد ص 251" وانظر "الجويني: العقيدة النظامية: 27، 29" حيت يقول: "ثم معتقد أهل الحق أنّ كلام الله تعالى ليس بحروف منتظمة ولا أصوات مقطعة وإنما هو صفة قائمة بذاته تعالى". ثم يقول: "كلام الله تبارك وتعالى مكتوب في المصاحف، مقروء بالألسنة محفوظ في الصدور". وهذا في كتبهم كثير يطول ذكره، وكلامهم، مؤد إلى أنّ هذا المكتوب في المصاحف ليس بكلام الله؛ لأنه مكتوب بحروف وليس كلامه سبحانه بحرف ولا صوت بزعمهم فتأمل. أما الأشعري نفسه فيقول في الإِبانة " … القرآن مكتوب في مصاحفنا في الحقيقة، محفوظ في صدورنا في الحقيقة، متلو بألسنتنا في الحقيقة، مسموع لنا في الحقيقة، كما قال تعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} وأنكر على من قال لفظي بالقرآن مخلوق – ثم قال: "ولا يجوز أن يقال إن شيئاً من القرآن مخلوق؛ لأن القرآن بكامله غير مخلوق" انظر: "الإبانة 100/ 101". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 والعقل لا يقتضي وجود مكتوب عارياً عن الحروف، وقالوا: ينبغي أن يكون كلام الله بخلاف كلام غيره. ثم قالوا: (كلامه) 1، (و) 2 كلام غيره معنى قائم في النفس3.   1 في الأصل بالحاشية. 2 ليست في الأصل. 3 هذا ثابت عنهم وهو مدون في أمهات كتبهم. انطر: "التمهيد: للباقلاني" حيث يقول فيه- في معرض الرد على خصومه: "ثم يقال لهم قد وهمتم علينا في قولكم أنا لم نعقل كلاماً إلا حرفاً وصوتاً. لأننا لم نعقل قط ذلك، لأن الكلام فيما بيننا إنما هو معنى قائم بالنفس يعبر عنه بهذه الأصوات المسموعة تارة وبغيرها أخرى" 251. وقال في "الإنصاف" " … فحصل من هذه الجملة أن حقيقة الكلام على الإطلاق في حق الخالق والمخلوق، إنما هو المعنى القائم بالنفس لكن جعل لنا دلالة عليه تارة بالصوت والحروف نطقاً … " 108، انظر. 106، 109 منه. وانظر أيضاً: "نهاية الأقدام للشهرستانى ص320" فقد عزاه للأشعري فقال: "وصار أبو الحسن الأشعري إلى أنّ الكلام معنى قائم بالنفس الإنسانية وبذات المتكلم وليس بحروف ولا أصوات وإنما هو القول الذي يجده العاقل من نفسه ويجيله في خلده، وفي تسمية الحروف التي في اللسان كلاماً حقيقياً تردد أهو على سبيل الحقيقة أم على طريق المجاز" وعزاه الجويني لبعض أصحابه، الإرشاد 108. وحكَى الأشعري أنّ ابن كلاب كان يقول "إن كلام الإنسان معنى قائم بالنفس يعبر عنه بالحروف وحكى عنه أَنه حروف" انظر: المقالات 2/273 وحكى عنه قبل ذلك انه يقول: "إنّ كلام الله سبحانه صفة له قائمة بذاته وأنه قديم وليس بحرف ولا صوت" انظر: "2/ 257". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 فرفعوا ما أوجبوه من الخلاف1، وهذا تناقض. وقالوا: إثبات الحروف في كلام الله تشبيه، ثم قالوا: (كلام الله وكلام غيره لا حروف فيهما) فافصحوا بالتشبيه2. ولو كان قولنا: إن الكلام لا يعرى عن الحروف تشبيهاً، مع كون الكتاب دالا على صحة قولنا، وكذلك الأثر، وكلاّ أن يكون كذلك، لكان تشبيهم أفظع وأشنع، فإنهم زعموا أنّ كلام الله لا حرف فيه ولا صوت، وكلام الله وذو النحل3 وساير الحكل4 لا حرف فيه ولا صوت فشبهوا كلام الله   1 أي بين كلام الله وكلام خلقه إذ جعلوا الكلام الحقيقي في حق الخالق والمخلوق هو الكلام النفسي. 2 لأنهم قالوا: إنّ الجميع معنى قائم بالنفس وليس بحرف ولا صوت كما تقدم نقل ذلك عنهم. 3 هكذا في الأصل ولعل الصواب "ودويُّ النحل" أي صوته، والدوي. صوت ليس بالعالي كصوت النحل وغيره، ويقال لصوت الرعد دوي ابن منظور: "لسان العرب 14/ 281" وهو وإن كان صوتاً إلا أنه ليس بحروف مفهومة. 4 الحكل: "بضم الحاء المهملة وسكون الكاف" العجم من الطيور والبهائم. قال ابن سيده: والحكل من الحيوان ما لا يسمع له صوت كالذر والنمل. وكلام الحكل: كلام لا يفهم. انظر: "لسان العرب 11/ 162". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 بكلام الحكل، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. وقد اتفقت الأئمة على أنّ الصفات لا تؤخذ إلا توقيفاً، وكذلك شرحها لا يجوز إلا بتوقيف. فقول المتكلمين في نفي الصفات أو إثباتها بمجرد العقل أو حملها على تأويل مخالف للظاهر ضلال. ولا يجوز أن يوصف الله سبحانه (إلا) 1 بما وصف به نفسه أو وصفه2 به رسوله صلى الله عليه وسلم3 وذلك إذا   1 في الأصل بالحاشية. 2 في الأصل "وصف" وهو تحريف. 3هذه هي القاعدة التي اتفق عليها السلف في باب أسماء الله وصفاته، وهي أنّ أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته توقيفية لا تعرف إلا من طريق الشرع فلا يوصف الله سبحانه إلا بما وصف به نفسه في كتابه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم كما أشار المصنف رحمه الله. والنقول عن أئمة السلف في ذلك متكاثرة كلها تدل على هذا المعنى: قال الإمام أحمد بن حنبل: "لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا يتجاوز القرآن والحديث" عن ابن تيمية في الحموية ص 1001. ويقول الإمام الدارمي ت 280: " … نصفه بما وصف به نفسه أو وصفه به الرسول، ثم ذكر طرفاً من أسماء الله وصفاته الواردة في الشرع ثم قال: "فبهذا الرب نؤمن وإياه نعبد، وله نصلي ونسجد فمن قصد بعبادته إلى إله بخلاف هذه الصفات فإنما يعبد غير الله" الرد على الجهمية 3- 4. وقال ابن عبد البر: "أهل السنة مجمعون على الإِقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز إلا أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك ولا يحدون فيه صفة محصورة، وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئاً منها على الحقيقة، ويزعمون أنّ من أقر بها مشبه، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود، والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة والحمد لله ". التمهيد: "7/ 145" فتدبر هذا الكلام فإن عليه من الله برهان. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان مذهب السلف: "فمن سبيلهم – أي السلف – في الاعتقاد الإيمان بصفات الله تعالى وأسمائه التي وصف بها نفسه وسمى بها نفسه في كتابه وتنزيله، أو على لسان رسوله من غير زيادة عليها ولا نقص منها ولا تجاوز لها … " الفتاوى 4/ 2., وخالف في هذا الباب فريقان: 1- الجهمية والمعتزلة: ومذهبهم قائم على النفي والتعطيل: فنفوا صفات الله عز وجل وقالوا: هو عالم بذاته، وقادر بذاته، وحي بذاته، لا بعلم وقدرة وحياة. ونفوا كلامه وقالوا إنه محدث مخلوق. انظر: "الشهرستاني: في الملل والنحل 1/ 44". وقال الأشعري: وزعمت الجهمية أنّ الله تعالى لا علم له ولا قدرة ولا حياة ولا سمع ولا بصر له، وأرادوا أن ينفوا أنّ الله عالم قادر حي سميع بصير فمنعهم خوف السيف من إظهارهم نفي ذلك فأتوا بمعناه؛ لأنهم إذا قالوا لا علم لله ولا قدرة له فقد قالوا إنه ليس بعالم ولا قادر ووجب ذلك عليهم – قال – وهذا إنما أخذوه عن أهل الزندقة والتعطيل – انظر: "الإبانة: 143" 2- الأشاعرة والكلابية: الذين أولوا بعض صفات الله جل وعلا وأخرجوها عن ظاهرها ومفهومها فأولوا: الاستواء بالاستيلاء، وعلو المرتبة، واليدين. حملوها على القدرة، والعينين على البصر، والوجه على الوجود … الخ. ومن أئمة هؤلاء إمام الحرمين الجويني: انظر "الإرشاد 155" والغزالي: انظر: الاقتصاد 31، وابن فورك: انظر مشكل الحديث 193، 108، 185, وكلا الفريقين قد ضل في هذا الباب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 ثبت الحديث1 ولم يبق شبهة في صحته.   1 قال الإمام أحمد في أحاديث الرؤية: "أحاديث صحاح نؤمن بها ونقر، وكلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد جيدة نؤمن به ونقر" اللالكائي: شرح أصول السنة رقم: 889، وقال ابن عيينة في أحاديث الرؤية أيضاً: حق نرويها على ما سمعنا ممن نثق به ونرضاه. الدارقطني الصفات: 41، وعبد الله بن أحمد في السنة 40، وفي هذا بيان منهج السلف في الاستدلال بالسنة الثابتة والإذعان لها والقبول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 فأما ما عدا ذلك من الروايات المعلولة والطرق الواهية، فلا يجوز أن يعتقد في ذات الله سبحانه ولا في صفاته ما يوجد فيها1 باتفاق العلماء للأثر2. ومخالفة الأشعري وأضرابه للعقليات، ومناقضتهم تكثر ولعل الله سبحانه يسهل لنا جمع ذلك في كتاب بمنه، وإنما أشرنا هاهنا إلى يسير منه وفيه مقنع إن شاء الله تعالى. وأما تظاهرهم بخلاف ما يعتقدونه كفعل الزنادقة ففي إثبات أن الله سبحانه استوى على العرش، ومن عقدهم: أنّ الله سبحانه لا يجوز أن يوصف بأنه في سماء ولا في أرض، ولا على عرش ولا فوق3.   1 في الحاشية زيادة "إلا" بعد كلمة "فيها" والسياق يأبى ذلك. لأن في إثباتها عكس المعنى المراد. لأنه ليس للعلماء ولا لغيرهم أن يجتهدوا في إثبات صفة لله عز وجل لم يرد بها نص من الكتاب والسنة. 2 هكذا في الأصل والتركيب غير سليم ولو قال: "باتفاق علماء الأثر" لكان أولى. 3 ويؤولون آيات وأحاديث الاستواء والفوقية: بأنّ المراد الاستيلاء وعلو القدر والمرتبة وليس المراد فوقية الذات والمكان. انظر: "ابن فورك: مشكل الحديث 64 – 65" و"الغزالي: الاقتصاد 24، 31"، و"الآمدي: غاية المرام 141". أما الأشعري نفسه: فقد أثبت استواء الله عز وجل على عرشه استواء يليق بجلاله، وأنكر على من أوله بالقدرة والاستيلاء واحتج عليهم. فقال رحمه الله: "إن قال: ما تقولون في الاستواء؟ قيل له: نقول: إن الله عز وجل يستوي على عرشه استواء يليق به. . . إلى أن يقول: " ورأينا المسلمين جميعاً يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء، لأن الله تعالى مستو على العرش الذي هو فوق السماوات، فلولا أنّ الله عز وجل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش كما لا يحطونها إذا دعوا إلى الأرض" انظر: الإبانة 105 – 107". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 وقد ذكر ابن1 الباقلاني: "أن الاستواء فعل له أحدثه في العرش"2 وهذا مخالف لقول علماء الأمة، وقد سئل مالك بن أنس رحمة الله عليه عن هذه المسألة فأجاب: "بأن الاستواء غير مجهول، والكيفية غير معقولة، الإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة"3.   1 في الأصل "بن" 2 لم أجد ذلك في كتبه التي وقفت عليها "كالتمهيد والإنصاف" وقد عزاه إليه أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية. انظر: "الفتاوى 16/ 394" ونراه فيما وصل إلينا من كتبه يثبت استواء الله على عرشه كما أخبر في كتابه استواء يليق بجلاله من غير تكييف ولا تحديد ولا تصوير. انظر: "التمهيد: 260" وانظر: الذهبي: العلو 173 – 174". وقد نسب هذه العبارة لأبي الحسن الأشعري البيهقي في الأسماء والصفات 410 فقال: "وذهب أبو الحسن علي بن إسماعيل إلى أنّ الله تعالى جل ثناؤه فعل في العرش فعلاً سماه استواء، كما فعل في غيره فعلاً فسماه رزقاً ونعمة … " والبغدادي في أصول الدين 113. وينبغي أن يحمل ذلك على مرحلة ما قبل الإبانة. والله أعلم. 3 أخرجة الدارمي: الرد على الجهمية 33 بزيادة على لفظ المصنف. واللالكائي: شرح أصول اعتقاد أهل السنة ص398 برقم: 664. والبيهقي: الأسماء والصفات 408. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 قال الله سبحانه: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} 1 وقال: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} 2 وقال {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} 3 وقال: {مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} 4 وقال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ} الآية5 والآية التي بعدها6. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بين سماء إلى سماء مسيرة كذا – حتى ذكر سبع سماوات- وفوق ذلك بحر ما بين أعلاه وأسفله مثل ما بين سماء إلى سماء، وفوق ذلك ثمانية أوعال7 كواهلهم تحت عرش الرحمن، وأقدامهم تحت الأرض السابعة السفلى، وفوق ذلك العرش، والله (سبحانه)   1 سورة النحل آية "50" 2 سورة السجدة آية "5" وتمامها {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} . 3 سورة فاطر: "جزء من آية "10". 4 سورة المعارج: آية "3" وجزء من آية "4". 5 سورة الملك: آية "16" وتمامها {تَمُورُ} . 6 وهي قوله تعالى {أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} "17" الملك. 7 قال ابن الأثير: "الوعول تيوس الجبل واحده وعل" وقال معنى قوله تعالى {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} قيل: ثمانية أوعال: أي ملائكة على صورة الأوعال. انظر: "النهاية: 5/ 207". 8 في الأصل بالحاشية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 فوق ذلك". (أخرجه) 1 أبو داود2 في كتاب السنن عن أبي هريرة3 4   1 ويحوز أن تكون "أخرج" فإنه مناسب لقوله "هذا المعنى" أي أخرج هذا المعنى الذي هو ذكر السموات وأن العرش فوقها والله فوق ذلك، إذ ليس كل من ذكر من الصحابة أخرج عنهم حديث الأوعال بنصه. 2 هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق السجستاني ولد لسنة 2 20، بالبصر ة وتوفي بها سنة 275. انظر: "الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/ 591". 3 وهو الصحابي الجليل عبد الرحمن بن صخر الدوسي، مشهور بكنيته، اختلف في اسمه واسم أبيه كثيراً، أسلم عام خيبر وشهدها، لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من أحفظ أصحاب رسول الله، مات بالعقيق سنة سبع وقيل ثمان وقيل تسع وخمسين وهو ابن ثمان وسبعين سنة. انظر: "ابن عبد البر: الاستيعاب: 4/ 202 مع الإصابة. و"ابن حجر: الإصابة: 4/ 202". 4 لم يخرج أبو داود حديث الأوعال ولا ما في معناه عن أبي هريرة، وإنما أخرجه من حديث العباس بن عبد المطلب: كتاب السنة/ باب الرَّد على الجهمية 5/ 93 حـ4723 من عدة طرق عن إلى سماك عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس. وأخرجه الترمذي: كتاب التفسير/ باب سورة الحاقة 5/424 حـ3320 وقال هذا حديث حسن غريب. وابن ماجه في المقدمة/ باب فيما أنكرت الجهمية 1/69حـ 193. حم: 1/ 206 "وفيه يحيى بن العلاء" رمي بالوضع. انظر: التقريب 2/ 355. ابن أبي عاصم: السنة 1/ 253 حـ577، والآجري: الشريعة 292. ومداره على عبد الله بن عميره متكلم فيه، قال الذهبي: في "الميزان 2/469": فيه جهالة، قال البخاري لا يعرف له سماع من الأحنف بن قيس له عن العباس حديث المزن والعنان، رواه عنه سماك بن حرب ورواه عن سماك الوليد بن ثور وجماعة، ورواه أيضاً يحيى بن العلاء وهو واه ... ". فالحديث ضعيف لا تقوم به حجة في هذا الباب، وفي الآيات والأحاديث الصحيحة الثابتة في الباب غنية. وأخرج عن أبي هريرة- هذا المعنى "مسيرة ما بين سماء وسماء خمسمائة عام … "الترمذي2/ 525" و"أحمد: 2/370" و"ابن أبي عاصم في السنة 1/254 حـ 578" و"أبو الشيخ: العظمة: لوحة "34- ب" و"البيهقي: الأسماء والصفات400" كلهم من طريق الحسن البصري عن أبي هريرة. وهو منقطع؛ إذ لم يسمع الحسن من أبي هريرة. انظر: "ابن أبي حاتم الرازي: كتاب المراسيل 34" و"ابن المديني: العلل 57". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 وجبير بن مطعم 1 2 وغيرهما3 عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى والطرق مقبولة4   1 ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف كان من أكابر قريش وحلمائها وسادتها عالماً بأنسابها، أسلم بين الحديبية والفتح، ومات في خلافة معاوية سنة سبع، وِقيل ثمان، وقيل تسع وخمسين، انظر: "ابن عبد البر: الاستيعاب 1/230 مع الإصابة" و"ابن حجر: الإصابة 1/266". 2 الذي أخرجه أبو داود عنه هو حديث الأطيط 5/ 94حـ 4726 وفيه أتدري ما الله إنّ عرشه على سماواته هكذا وقال بأصبعية مثل القبة عليه وإنه ليئط أطيط الرحل بالراكب. قال الألباني: إسناده ضعيف ورجاله ثقات لكن ابن إسحاق مدلس ومثله لا يحتج به إلا إذا صرح بالتحديث وهذا ما لم يفعله فيما وقفت عليه من الطرق إليه. انظر: "حاشية ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم 1/ 252 ح 575". 3 منهم أبو ذر رضي الله تعالى عنه: أخرجه عنه البيهقي: الأسماء والصفات 401 وقال فيه انقطاع. وقال الألباني: وهو مع انقطاعه ضعيف لضعف أحمد بن عبد الجبار. السنة لابن أبي عاصم 1/255. 4 أما طرق هذا الحديث فليست كذلك، وإن كان يشير إلى أن المعنى الذي هو العلو والاستواء له طرق ثابتة مقبولة فهو كذلك كحديث الجارية، "وسيأتي قريباً" وحديث أنس في قول زينب زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماواته البخاري/ كتاب التوحيد/ باب وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم 13/ 403 حـ 7420. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 محفوظة وروي عن عبد الله بن مسعود12 وعبد الله بن عباس34 وعبد الله بن عمر56 وأنس بن   1 وهو عبد الله بن مسعود بن غافل "بمعجمة وفاء" ابن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن، أحد السابقين إلى الإسلام هاجر الهجرتين وشهد بدراً وما بعدها، لازم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان صاحب نعله، كان من كبار العلماء من الصحابة ومناقبه جمة، مات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين وقيل: ثلاث وثلاثين. انظر "ابن حجر الإصابة 2/ 369" و"التقريب 1/450". 2 أخرجه الدارمي: الرد على الجهمية 26 موقوفاً ... عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "ما بين السماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمسمائة عام.. والعرش على الماء، والله تعالى فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه "، وابن خزيمة: كتاب التوحيد 105، 106 وأبو الشيخ: العظمة. لوحة "35-1"، والبيهقي: الأسماء والصفات 401. 3 هو عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد قبل الهجرة، بثلاث سنين دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل، كان يسمى حبر الأمة، مات بالطائف سنة ثمان وستين وله إحدى وسبعون سنة. انظر: "ابن حجر: الإصابة 2/330". 4 أخرج عنه الدارمي موقوفاً عليه قصة دخوله على عائشة وهي تموت وأنه قال لها: " وأنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات" الرد على الجهمية 27. 5 ترجمته في الإصابة 2/ 347. 6 لم أهتد إلى تخريجه عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 مالك12 وغيرهم3 مثل ذلك موقوفاً. هـ ونص أحمد بن حنبل4رحمة الله عليه على أن الله تعالى بذاته5 فوق العرش، وعلمه بكل مكان6. وروى ذلك هو وغيره عن عبد الله بن نافع7 عن مالك بن   1 أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم الأنصاري الخزرجي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، خدمه عشر سنين، وأحد المكثرين من الرواية عنه، مات بالمدينة سنة 91، 92، 93، وقد جاوز المائة. انظر: "ابن عبد البر: أسد الغابة 1/ 71 مع الإصابة" و"ابن حجر: الإصابة 1/ 71" و"التقريب 1/ 84". 2 لم أهتد إلى تخريجه عنه. 3 كعبد الله بن عمرو بن العاص. انظر: الأسماء والصفات للبيهقي 402. 4 هو الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الذهلي الشيباني ناقد السنة وقامع البدعة والثابت في المحنة. كانت ولادته سنة 164 هـ ووفاته سنة 241 هـ وله 77 سنة. انظر في ترجمته: "الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/ 431" و"ابن أبي يعلى: طبقات الحنابلة 1/ 4" و "العليمي: المنهج الأحمد 1/ 51". 5 لم يؤثر عن هؤلاء الأئمة إطلاق هذه اللفظة وسيأتي الكلام عليها قريباً. 6 انطر: "السنة" حيت يقول رحمه الله "الله تبارك وتعالى على العرش فوق السماء السابعة العليا يعلم ذلك كله. وهو بائن من خلقه لا يخلو من علمه مكان … " 48 شذرات البلاتين، وقال في الرد على الجهمية: 137: " … وهو على العرش وقد أحاط علمه بما دون العرش ولا يخلو من علم الله مكان ولا يكون علم الله في مكان دون مكان … ". 7 هو عبد الله بن نافع الصائغ صاحب مالك. كان قد لزم مالكاً لزوماً شديداً، وكان لا يقدم عليه أحداً. وثق، وقال البخاري: في حفظه شيء، وقال أحمد: لم يكن بذاك في الحديث، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال أبو حاتم: هو لين في حفظه وكتابه أصح. وقال النسائي: لا بأس به، وقال مرة: ثقة. ولد سنة نيف وعشرين ومائة، وتوفي بالمدينة في رمضان سنة 186هـ. وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: توفي سنة 206 ثم قال: فهذا الصواب في وفاته وما عداه فوهم وتصحيف. انظر ترجمته في: "ميزان الاعتدال 3/513" و"الديباج المذهب لابن فرحون 1/ 409 و"سير أعلام النبلاء 10/ 371". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 أنس رحمة الله عليه1 وقد رواه غير وحد مع ابن نافع عن مالك بن أنس، وكذلك رواه الثقات عن سفيان بن سعيد الثوري23 وروي نحوه عن/ الأوزاعي45 وهؤلاء أئمة الآفاق. واعتقاد أهل   1 قال الإمام أحمد حدثنا شريح بن النعمان قال حدثنا عبد الله بن نافع قال: قال مالك: "الله في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو من علمه مكان". انظر: "مسائل أحمد من رواية أبي داود 263"، "السنة لعبد الله بن أحمد ص62"، "والشريعة للآجري 289"، "وشرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي 673". 2 هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي ثقة حافظ فقيه، إمام حجة، قال فيه شعبة ويحيى بن معين وجماعة: سفيان أمير المؤمنين في الحديث، وكان ربما دلس. توفي سنة 161هـ وله أربع وستون سنة. انظر: "ترجمته في التقريب1/ 311" و"تذكرة الحفاظ 1/ 202" و"ميزان الاعتدال 2/ 69". 3 انظر: "السنة لعبد الله بن أحمد ص 72" و"البخاري: خلق أفعال العباد 122" و"الآجري: الشريعة 289" و"اللالكائي: شرح أصول اعتقاد أهل السنة 672". 4 هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو الفقيه ثقة جليل، قال ابن سعد: وكان ثقة مأموناً صدوقاً فاضلاً خيراً كثير الحديث والعلم والفقه حجة. مات ببيروت سنة 157هـ. انظر ترجمته في: "التقريب 1/ 493" و"طبقات ابن سعد 7/ 488". 5 انظر: "البيهقي: الأسماء والصفات 408" فقد روى عنه رحمه الله قوله: "كنا والتابعون متوافرون نقول: إنّ الله تعالى ذكره فوق عرشه ونؤمن بما وردت السنة به من صفاته جل وعلا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 الحق أنّ الله سبحانه فوق العرش بذاته 1 من غير   1 أجمع أهل السنة والجماعة وسلف هذه الأمة على أنّ الله عز وجل مستو على عرشه استواء يليق بجلاله من غير تكييف ولا تمثيل. نقل إجماعهم على ذلك كثير من الأئمة الأعلام، كالإمام الأوزاعي حيث يقول: "كنا والتابعون متوافرون نقول: إنّ الله تعالى ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما وردت السنة به من صفات الله جل وعلا". روى ذلك عنه البيهقي في الأسماء والصفات 408 كما تقدم. كما نقل ذلك ابن أبي حاتم وأبو زرعة الرازي: قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك؟ فقالا: أدركنا العلماء من جميع الأمصار حجازًا وعراقاً وشاماً ويمناً فكان من مذهبهم: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص … وأنّ الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بلا كيف أحاط بكل شيء علماً {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} روى ذلك اللالكائي: شرح أصول اعتقاد أهل السنة رقم 321. ومنهم الإمام أبو عمر الطلمنكني إذ يقول في كتاب الوصول إلى معرفة الأصول: أجمع المسلمون من أهل السنة على أنّ معنى قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} ونحو ذلك من القرآن أنه علمه، وأنّ الله تعالى فوق السماوات بذاته مستو على عرشه كيف شاء" نقلاً عن العلو للذهبي 178. ومنهم الحافظ ابن عبد البر: "ت 463": قال بعد إيراده لحديث النزول "وفيه دليل على أنّ الله عز وجل في السماء على العرش من فوق سبع سماوات كما قالت الجماعة وهو من حجتهم على المعتزلة في قولهم إنّ عز وجل في كل مكان وليس على العرش، والدليل على صحة ما قاله أهل الحق قول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} التمهيد 7/ 129 وقال في الرد على استدلال أهل التأويل بقول الله عز وجل {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} قال: فلا حجة لهم في ظاهر هذه الآية؛ لأن علماء الصحابة والتابعين الذين حملت عنهم التآويل في القرآن قالوا في تأويل هذه الآية: "هو على العرش وعلمه في كل مكان وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله". المصدر السابق 7/ 138- 139. فبان بهذه النقول عن هؤلاء الأئمة الفحول أنّ القول باستواء الله على عرشه حقيقة هو قول سلف هذه الأمة من التابعين وأتباعهم أهل القرون المفضلة وهم القوم. والذين حكوا الإجماع على ذلك كثير. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن نقل أقوال عدد من أهل العلم في حكاية الإجماع على استواء الله على عرشه: "وهذا باب واسع لا يحصيه إلا الله تعالى، فإن الذين نقلوا إجماع أهل السنة أو إجماع الصحابة والتابعين على أنّ الله فوق العرش بائن من خلقه لا يحصيهم إلا الله " بيان تلبيس الجهمية 2/ 531 وهو كما قال رحمة الله. وأما إطلاق لفظ "بذاته" فلم يعرف قبل القرن الثالث: وأول من نقل عنه إطلاقها فيما وقفت عليه ابن أبي شيبة "ت 297". انظر: كتاب العرش له ص 51، ثم أطلق ذلك بعده ابن أبي زيد القيرواني "ت 389" وأبو عمر الطلمنكي وأبو نصر السجزي – المؤلف – وابن عبد البر وغيرهم. وأومأ الإمام الذهبي إلى أنّ ذلك من فضول الكلام الذي يحسن تركه، وأنكر على السجزي نسبة ذلك للأئمة كسفيان الثوري والإمام مالك وغيرهما، والحق أنه لم يثبت عن سفيان وطبقته إطلاق ذلك "العلو: 171، 180". ولعل السجزي نسبها إليهم بالمعنى وأنهم يثبتون الاستواء على الحقيقة. والذي دعا هؤلاء إلى إطلاق لفظ "بذاته" هو أنّ الجهمية لما قالوا إنّ الاستواء مجاز صرح أهل السنة بأنه مستو بذاته مبالغة في إثبات استواء المولى عز وجل على عرشه على الحقيقة. وذلك مثل إطلاقهم في القرآن: أنه كلام الله غير مخلوق. فإن الصحابة لم يصرحوا بلفظ "غير مخلوق" وإنما كانوا يقولون القرآن كلام الله. فلما ظهر من يقول إنه مخلوق دعا ذلك الأئمة إلى أن يصرحوا بأنه غير مخلوق وأنكر الإمام أحمد على من يقول: كلام الله ويسكت فقال ولِمَ يسكت؟ لولا ما وقع فيه الناس كان يسعه السكوت ولكن حيث تكلموا لأي شيء لا يتكلمون "روى ذلك عنه أبو داود في مسائله ص 263 – 264" وانظر: " ابن القيم: مختصر الصواعق 2/ 134 "، "والألباني مختصر العلو 18 – 19" ففيهما مزيد بيان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 مماسة1 وأن الكرامية 2 ومن تابعهم على قول المماسة ضلال 3. وقد أقر الأشعري بحديث النزول45 ثم قال: [النزول فعل   1 الأولى عدم إطلاق لفظ المماسة نفياً أو إثباتاً؛ لأنه لم يرد نفيه ولا إثباته عن الشارع. 2 الكرامية: هم أصحاب وأتباع أبي عبد الله محمد بن كرام السجستاني "المتوفى سنة 255" الذي بالغ في إثبات الصفات إلى حد التجسيم، وهم فرق وطوائف بلغ عددها اثنتي عشرة فرقة. وقد أطلق ابن كرام في كتابه: "عذاب القبر" إن الله مماس للعرش من الصفحة العليا. وقال بعضهم امتلأ العرش به. انظر: عن هذه الطائفة: "الشهرستاني: الملل 1/ 108 – 109" والبغدادي: "الفرق بين الفرق 216" و"ابن حزم: الفصل 4/ 204" و"الاسفرائيني: التبصير في الدين 265 و"الرازي: اعتقادات فرق المسلمين والمشركين 67". 3 الكلام من قوله: "واعتقاد أهل الحق ... – إلى هنا -: اقتبسه بنصه شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذه الرسالة في كتاب بيان تلبيس الجهمية 1/ 466" وقد قابلته به هنا. 4 حديث النزول: أخرجه البخاري: كتاب التهجد باب الدعاء والصلاة في آخر الليل 3/ 29 حـ 1145 من حديث أبي هريرة. م: كتاب صلاة المسافرين / باب الترغيب والدعاء في آخر الليل1/ 521حـ 168. 5 انظر: الإبانة ص 29 حيث صرح رحمه الله بذلك فقال: "ونصدق بجميع الروايات التي يثبتها أهل النقل من النزول إلى السماء الدنيا وأنّ الرب عز وجل يقول: هل من سائل؟ هل من مستغفر "وسائر ما نقلوه وأثبتوه خلافاً لما قال أهل الزيغ والتضليل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 له يحدثه في السماء] 1. وقال بعض أصحابه: [المراد به نزول أمره] 2 ونزول الأمر عندهم لا يصح3 وعند أهل الحق الذات بلا كيفية 4 5.   1 هذا القول ليس فيما بين أيدينا من كتبه، ولكن عزاه له البيهقي فقال: " ... وهكذا قال - أي الأشعري - في أخبار النزول أنّ المراد فعل يحدثه الله عز وجل في سماء الدنيا كل ليلة يسميه نزولاً بلا حركة ولا نقله": "الأسماء والصفات 449". وأشار ابن تيمية إلى أن هذا مذهب الأشعري وأصحابه. فقال رحمه الله: "ومعنى ذلك - أي معنى النزول والقرب - عنده - الأشعري - وعند من ينفي قيام الأفعال الاختيارية بذاته أنه يخلق أعراضاً في بعض المخلوقات يسميها نزولاً كما قال: إنه يخلق في العرش معنى يسميه استواء. . . إلى أن قال – الأشعري وأئمة أصحابه كالقاضي أبي بكر وغيره يقولون: إن الله فوق العرش بذاته، لكن يقولون في النزول ونحوه من الأفعال هذا القول بناء على أصلهم نفي قيام الأفعال الاختيارية به" "شرح حديث النزول 51" وانظر أيضاً: "أصول الدين للبغدادي 113". 2 انظر هذا المعنى لدى ابن فورك في "مشكل الحديث" ص 80 – 81. 3 بناء على قولهم في كلام الله: "إنه نفسي قائم بذاته" فلا يتصور نزوله. 4 في الأصل "لا كيفية". والمراد بلا كيفية نعلمها. 5 هذا مذهب السلف في هذا الباب يقول إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله: "وينزل تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف يشاء ليس كمثله شيء وهو السميع البصير". رسالة السنة 37. ويقول شيخ الإسلام الصابوني رحمه الله في عقيدة السلف وأصحاب الحديث: "ويثبت أصحاب الحديث نزول الرب سبحانه وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا من غير تشبيه له بنزول المخلوقين ولا تمثيل ولا تكييف" "مجموع الرسائل المنبرية 1/ 112". ونقل الإمام ابن القيم التصريح بلفظ: "ينزل بذاته" عن جماعة من أهل العلم كنعيم ابن حماد وإن لم يصح الحديث المرفوع الذي روى من طريقه في ذلك. وعلى أي حال فقد تقدم في المسألة الاستواء قريباً الكلام على إطلاق بعض العلماء لفظ "بذاته" فيقال هنا ما قيل هناك. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 وزعم الأشعري: أن الله سبحانه غير ممازج للخلق وغير مباين لهم، والأمكنة غير خالية منه، وغير ممتلية به1. وهذا كلام مسفت2 لا معنى تحته، وتحقيقه النفي بعد الإثبات. وبعض أصحابه وافق المعتزلة وسائر الجهمية في قولهم: إن الله بذاته في كل مكان3 / وذكر عن بشر المريسي4 أنه قيل له: فهو في جوف حمارك فقال نعم5.   1 هذا مذهب متأخري الأشعرية كالرازي حيث يقول: "إنا ندعي وجود موجود غير حال في العالم ولا مباين عنه في شيء من الجهات الست". انظر: أساس التقديس ص 4 ط حلبي. 2 في القاموس: سفت: كسمع أكثر من الشراب ولم يرو، والسفت: بالكسر: الزفت، وككتف: طعام لا بركة فيه. "1/ 155". وعليه فالكلام المسفت: هو الذي لا بركة فيه ولا معنى تحته كما أشار المؤلف رحمه الله. 3 لم أقف على من قال بذلك منهم. 4 تقدمت له ترجمة. 5 قال ابن عبد البر: قال- أبو داود- وحدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال: "حدثني محمد بن عمرو الكلابي، قال سمعت وكيعاً يقول: كفر بشر المريسي في صفته هذه، قال: هو في كل شيء، قيل له: وفي قلنسوتك هذه؟ قال نعم. قيل له: وفي حمارك؟ قال: نعم". انظر: "التمهيد 7/ 143". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 ومن قال هذا فهو كافر، والله سبحانه متعال عما قالوه. وعند أهل الحق أن الله سبحانه مباين لخلقه بذاته فوق العرش بلا كيفية بحيث لا مكان1. وقد ثبت الحديث الذي في موطأ مالك2 بن أنس رحمه الله وفي   1 إطلاق لفظ المكان في حق الله عز وجل نفياً أو إثباتاً من الأمور التي لم يرد بها كتاب ولا سنة وينبغي الإمساك عن إطلاق هذا اللفظ والوقوف عند ما ورد به النص من استواء الله على عرشه فوق سماواته. لأن لفظ المكان من الأمور التي تحتمل حقاً وباطلاً ولأهل العلم تفصيل في ذلك: 1- فقد يراد بالمكان أمر وجودي وهو ما يحوي الشيء ويحيط به، أو ما يستقر الشيء عليه بحيث يكون محتاجاً إليه. والله عز وجل منزه عن المكان بهذا المعنى الذي يقتضي الإحاطة والافتقار وهذا الذي قصد المصنف نفيه عن الله عز وجل بقوله "بحيث لا مكان". 2- وقد يراد بالمكان: أمر عدمي: وهو ما فوق العالم من العلو. والله سبحانه وتعالى فوق العالم غير مفتقر إلى شيء من مخلوقاته. فيصح إطلاق أن الله في مكان بهذا المعنى. وإن كان الأولى الإمساك عن إطلاق هذا اللفظ نفياً أو إثباتاً كما قدمت والانتهاء حيث انتهت النصوص من إثبات العلو المطلق في حقه سبحانه وتعالى وأنه مستو على عرشه كما أخبر. راجع: "ابن تيمية: منهاح السنة 2/ 106" و"الألباني: مقدمة مختصر العلو 72". 2 انظر الموطأ: كتاب العتق والولاء/ باب ما يجور من العتق في الرقاب الواجبة 2/ 776 حـ 8 من حديث عمر بن الحكم. وهو خطأ والصواب معاوية بن الحكم كما نبه إلى ذلك ابن عبد البر في الحاشية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 غيره من كتب العلماء1: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال للجارية التي أراد عتقها من عليه عتق رقبة مؤمنة: " أين الله؟ قالت: في السماء، فقال: من أنا؟ قالت: رسول الله. قال: اعتقها فإنها مؤمنة". وعند الأشعري أن من اعتقد أن الله بذاته في السماء فهو كافر2. وإن زمانا يقبل فيه قول من يرد على الله سبحانه، وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ويخالف العقل، ويعد مع ذلك إماماً، لزمان صغب3 والله المستعان. ولقد قال الأوس بن حارث بن ثعلبة4 عند موته قصيدة يوصي   1 انظر: م: كتاب المساجد/ باب تحريم الكلام في الصلاة 1/ 381 حـ 33 من حديث معاوية بن الحكم السلمي أيضاً. د: كتاب الأيمان والنذور/ باب الرقبة المؤمنة 3/ 857 حـ3282. وفي الصلاة/ باب تشميت العاطس في الصلاة 1/ 570 حـ 930. حم: مسند أبي هريرة 2/ 291 مسند الشريد بن سويد الثقفي 4/ 221 مسند معاوية بن الحكم 5/ 447. ن: وصايا/ باب فضل الصدقة عن الميت 6/ 211 من حديث الشريد بن سويد الثقفي. 2 لم أعثر على تخريج هذا النص عنه. 3 في اللسان: يقال لبيضه القملة: صغاب وصؤاب "1/ 525" المصغبة لغة في "المسغبة" وهي الجوع. انظر: "تاج العروس 1/ 335" والمعنى أن هذا زمان لا خير ولا فائدة فيه ما دام الحال فيه ما ذكر. 4 هو جد قبيلة الأوس، ارتحل هو وأخوه الخزرج من اليمن إلى نجران ثم مكة المكرمة ثم إلى يثرب حيث أقاما بها، وإليهما تنسب الأوس والخزرج الأنصار بالمدينة. انظر ترجمته لدى: "اليعقوبي: تاريخ اليعقوبي 1/ 203"، "وابن قتيبة: المعارف 109" "وابن حزم: جمهرة أنساب العرب 332" "والزركلي: الأعلام 1/374". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 فيها إلى ابنه مالك1 وذلك قبل الإسلام فيها: فإن تكن الأيام أبلين أعظمي وشيبن رأسي والمشيب مع العمر فإن لنا ربا عليٌ فوق عرشه عليماً بما نأتي من الخير والشر2 وقال غيره قبل الإِسلام: وأن العرش فوق الماء طاف ... وفوق العرش رب العالمينا 3   1 نفس المراجع. 2 لم أجد تخريجهما. 3 البيت لعبد الله بن رواحة كما أشار المصنف، أخرجه الدارمي مع بيت قبله وآخر بعده بسنده إلى قدامة بن إبراهيم بن محمد بن حاطب أن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وقع بجارية له فقالت له امرأته: فعلتها؟ قال أما أنا فأقرأ القرآن، فقالت: أما أنت فلا تقرأ القرآن وأنت جنب فقال: أنا أقرأ لك فقال: شهدت بأن وعد الله حق ... وأن النار مثوى الكافرينا وأن العرش فوق الماء طاف ... وفوق العرش رب العالمينا تحمله ملائكة كرام ... وملائكة الإله مسومينا فقالت: آمنت بالله وكذبت البصر. "الرد على الجهمية 27". وقال ابن عبد البر في ترجمته وقصته مع زوجته حين وقع على أمته مشهورة رويناها من وجوه صحاح. ثم ساق القصة وذكر الأبيات. انظر: "الاستيعاب 2/ 296" هذا ولم أجد من نسب هذا البيت لغير عبد الله بن رواحة لا قبل الإسلام ولا في الإسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 وقيل إن عبد الله بن رواحة1 قاله في الإسلام، وهو صحابي. ومثله في الشعر وكلام العرب قديماً كثير. وليس2 في3 قولنا: إنّ الله سبحانه فوق العرش تحديد4 وإنما التحديد يقع للمحدثات، فمن العرش إلى ما تحت الثرى محدود والله سبحانه5 فوق ذلك بحيث لا مكان ولا حد، لاتفاقنا أن الله سبحانه6 كان ولا مكان، ثم خلق المكان وهوكما كان قبل خلق المكان) 7.   1 هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة، أحد النقباء، شهد العقبة وبدراً وأحداً والخندق والحديبية وعمرة القضاء والمشاهد كلها إلا الفتح وما بعده، قتل يوم مؤتة شهيداً، وهو أحد الأمراء في هذه الغزوة، وأحد الشعراء المحسنين الذين كانوا يردون الأذى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ترجمته لدى: ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 293 بهامش الإصابة. 2 النص ما بين الحاصرتين. اقتبسه شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذه الرسالة في كتابه بيان تلبيس الجهمية. انظر: 1/ 446. 3 في "ب": "من". 4 في "ب" زيادة: "له". 5 في "ب" زيادة "وتعالى". 6 في "ب": "تعالى". 7 أنكر شيخ الإسلام ابن تيمية إطلاق هذه الجملة، وأنكر على من زادها على لفظ حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه الذي فيه قوله صلى الله عليه وسلم "كان الله ولم يكن قبله شيء" وفي لفظ "معه" وفي لفظ "غيره" وكان عرشه على الماء خ: 13/ 403حـ 7418 فزاد بعضهم: "وهو الآن على ما عليه كان" وهذه الزيادة لا تصح. ووصفها بأنها "زيادة الحادية: قصد بها المتكلمة والمتجهمة نفي الصفات التي وصف - الله -بها نفسه من استوائه على العرش ونزوله من سماء الدنيا وغير ذلك، فقالوا: كان في الأزل ليس مستوياً على العرش وهو الآن على ما عليه كان فلا يكون على العرش" انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/564، والفتاوى 18/ 221. ولا شك أنّ المصنف رحمه الله بإثباته هذه الجملة لم يقصد ما قصده المتكلمة والمتجهمة من نفي الاستواء، كيف وهو الذي لم يأل جهداً في إثبات استواء الله عز وجل على عرشه وبينونته عن خلقه، وإيراد الدلائل على ذلك والإنكار على المخالف. وإنما قصد رحمه الله من إطلاق هذه الجملة: إثبات تنزيه الله عز وجل واستغنائه عن المكان الوجودي الذي هو مخلوق له، وأنه سبحانه غني عن مخلوقاته غير مفتقر إلى شيء منها. ولا ريب أنّ ترك إطلاق هذه العبارة، والوقوف عند ما ورد به النص أولى وأسلم، فإن أقل ما يقال فيها: إنها عبارة تحتمل حقاً وباطلاً ولم يرد أثر بإطلاقها، وما كان كذلك كان تركه أولى والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 وقد ذكر الله سبحانه في القرآن ما يشفي الغليل وهو قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} 1 فخص العرش بالاستواء، وذكر ملكه لسائر الأشياء فعلم أنّ المراد به غير الاستيلاء. وإنما يقول بالتحديد من يزعم أنه سبحانه بكل2 مكان، وقد علم أنّ الأمكنة محدودة، فإذا3 كان فيها بزعمهم كان محدوداً، وعندنا أنه   1 سورة طه آية "5،6" 2 في "ب" "على". 3 في"ب" "فإن". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 مباين للأمكنة، ومن حلها ومن فوق1 كل محدث. فلا تحديد2 في قولنا3 وهو ظاهر لا خفاء به4 هـ.   1 "من" ليست في "ب" وحذفها أظهر. 2 في "ب" "لذاته". 3 من قوله: "وإنما يقول بالتحديد.. - إلى هنا - اقتبسه شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذه الرسالة في كتابه: بيان تلبيس الجهمية 1/ 446". 4 اختلف السلف في قضية الحد: وهل يقال لله سبحانه وتعالى حد أم ليس له حد وقبل أن نذكر أقوالهم في ذلك ينبغي أن نبين أولاً معنى الحد في اللغة فالحد في اللغة: هو الفصل بين شيئين لئلا يختلط أحدهما بالآخر أو لئلا يتعدى أحدهما على الآخر. وحد الشيء من غيره يحده حداً وحدده: ميزه. انظر: لسان العرب 3/140 فالحد إذا: ما يتميز به الشيء عن غيره. والسلف مجمعون على أن الله عز وجل متميز عن خلقه بائن منهم مستو على عرشه وورد إطلاق لفظ الحد لله عز وجل بهذا المعنى عن شيخ الإسلام عبد الله ابن المبارك "ت 181". فقد روى الدارمي بسنده عن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك أنه سئل: بم نعرف ربنا؟ قال: بأنه فوق العرش، فوق السماء السابعة على العرش بائن من خلقه- قال- قلت: بحد قال فبأي شيء انظر: الرد على الجهمية ص:5، ورواه عبد الله ابن أحمد من عدة طرق إلى الحسن بن شقيق وفي بعضها لفظ "بحد" وليس في بعضها ذكر ذلك، انظر: السنة: 7، 35. . وروى الخلال بسنده عن الإمام أحمد بن حنبل أنه سئل عن قول ابن المبارك هذا قال: قد بلغني ذلك عنه وأعجبه. وفي رواية أخرى قال: هكذا على العرش استوى بحد، قال: فقلنا له: ما معنى قول ابن المبارك بحد؟ قال لا أعرفه، ولكن لهذا شواهد من القرآن في خمسة مواضع {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّب} {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} … وهو على العرش وعلمه بكل مكان. وكذلك روى عن ابن راهوية قال الخلال: أخبرنا حرب بن إسماعيل قال قلت لإسحاق- يعني ابن راهوية- على العرش بحد؟ قال نعم بحد- وذكر قول ابن المبارك، نقلا عن ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية: 1/428-429. والذي دعا هؤلاء الأئمة لإِطلاق لفظ الحد: هو أن الجهمية لما قالوا إن الخالق في كل مكان وأنه غير مباين لخلقه ولا متميز عنهم بيَّن هؤلاء الأئمة أن الرب سبحانه على عرشه مباين لخلقه وذكروا الحد لأن الجهمية كانوا يقولون ليس له حد وما لا حد له لا يباين المخلوقات ولا يكون فوق العالم. انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/443. ومنع بعض السلف من إطلاق الحد عليه سبحانه وتعالى وهو قول: الخطابي: الذي يرى أنه لفظ لم يرد في الكتاب ولا في السنة فلا ينبغي إطلاقه في حق الله، لأن صفات الله إنما تؤخذ عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجيب بأن الذين أثبتوا الحد لم يثبتوه صفة لله. وممن منع منه: القاضي أبو يعلى في سابق قوليه وقد رجع عنه وقال بإطلاقه وروى الخلال عن الإمام أحمد أنه قال: "نحن نؤمن بالله تعالى على العرش كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف ويحده أحد فصفات الله له ومنه، وهو كما وصف نفسه لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية.."، نقلا عن ابن تيمية، بيان تلبيس الجهمية: 1/430. فقد نفى الإِمام أحمد الحد في هذه الرواية، وأثبته في الرواية المتقدمة وأحسن ما قيل في الجمع بين الروايتين: إن إطلاق الحد يحمل على معنى أنه سبحانه: خارج العالم متميز عن خلقه، وأنه سبحانه على صفة يبين بها من غيره ويتميز. وتحمل رواية المنع: على الحد الذي بمعنى الصفة وأن خلقه لا يحدونه ولا يصفونه إلا بما وصف به نفسه ولا يدركون كنه وكيفية صفاته، كما في رواية عن أحمد "له حد لا نعلمه". أما الحد الذي نفاه الحافظ السجزي فهو الذي بمعنى الحصر فهو رحمه الله ينفي عن الله سبحانه وتعالى أن يكون محدوداً بشيء من الأمكنة لا تحده ولا تحصره لأنه سبحانه مباين لها، ولأنها محدثة والله سبحانه فوق المحدثات. أما الحد الذي أثبته ابن المبارك والإمام أحمد وغيرهما فهو الحد الذي بمعنى التمييز والمباينة للخلق. والإمام السجزي لا ينازع فيه بهذا المعنى. فهورحمه الله موافق للإمام أحمد وسائر السلف في إثبات علو الله على خلقه ومباينته وتميزه عن سائر مخلوقاته. والخلاف إنما هو في إطلاق لفظ الحد ولكل وجهة والاتفاق بينهم حاصل على التنزيه وإثبات العلو ومباينته سبحانه للمخلوقات. والله تعالى أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 الفصل الخامس: في بيان أن فرق اللفظية والأشعرية موافقون للمعتزلة في كثير من مسائل الأصول وزائدون عليهم في القبح وفساد القول في بعضها وأما موافقتهم للمعتزلة: فإن المعتزلة قالت: لا تجوز رؤية الله تعالى بالأبصار، وأنه ليس بمرئي1. وقال الأشعري: هو مرئي ولا يرى بالأبصار عن مقابلة2. فأظهر   1 وانظر لتحرير مذهبهم في ذلك: (شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار232) و (المقالات: للأشعري 1/ 238) . 2 نقل الشهرستاني عنه أنه كان يقول: "لا يجوز أن تتعلق به الرؤية على جهة ومكان وصورة ومقابلة واتصال شعاع، أو على سبيل انطباع فإن كل ذلك مستحيل ثم قال:- وله في ماهية الرؤية قولان: أحدهما: أنه علم مخصوص .... والثاني أنه إدراك وراء العلم.." انظر: (الشهرستاني: الملل والنحل 1/ 100) و (نهاية الأقدام 356) . والذي في كتب الأشعري التي اطلعت عليها: إثبات رؤية الله تعالى بالأبصار؛ إذ يقول في كتاب الإبانة ص25: وندين بأن الله تعالى يرى في الآخرة بالأبصار كما يرى القمر ليلة البدر يراه المؤمنون كما جاءت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عقد باباً في إثبات رؤية الله تعالى بالأبصار في الآخرة ص 35. وقال في رسائله لأهل الثغر: "وأجمعوا على أن المؤمنين يرون الله عز وجل يوم القيامة بأعين وجوههم على ما صرح به تعالى في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وقد بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ورفع كل إشكال فيه بقوله للمؤمنين: "ترون ربكم عياناً "، وقوله: "ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته ". فبين أن رؤيته تعالى بأعين الوجوه أ. هـ (لوحة 148 مخطوط مصور بمكتبة الدراسات تحت رقم 47 عقائد) . وفي المطبوع ص 134، ويحمل ما ذكره المؤلف وما نقله الشهرستاني عنه على ما كان عليه قبل أن يرجع إلى مذهب السلف، ومذهب السلف أن الرؤية لا تكون إلا عن مقابلة، وعند سائر عقلاء الأمم لابد أن يكون المرئي مقابلاً للرائي، والنقل دل على أن المؤمنين يرون ربهم من فوقهم كما قال صلى الله عليه وسلم: " بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الجبار جل جلاله قد أشرف عليهم من فوقهم … ". انظر: (مختصر الصواعق لابن القيم 1/ 280 –- 281) والحديث أخرجه (ابن ماجه: المقدمة/ باب ما أنكرت الجهمية 1/ 65 حـ 184) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 خلافهم وهو موافق لهم. وقالت المعتزلة: لا يجوز أن توصف ذات الله بالكلام1، ولا كلام إلا ما هو حرف وصوت2. وقال الأشعري: [يجب وصف ذاته سبحانه بالكلام وليس ذلك بحرف ولا صوت] 3 فنفى ما نفته المعتزلة وأثبت ما لا يعقل، فهو مظهر خلافهم موافق لهم في الأصل. وأنكرت حديث المعراج.   1 لأن مذهب المعتزلة أن الكلام ليس من صفات ذاته تعالى ولكنه صفة فعلية فيقولون إن الله متكلم بمعنى أنه خلق الكلام: يقول القاضي عبد الجبار: "أما مذهبنا في ذلك فهو أن القرآن كلام الله ووحيه وهو مخلوق محدث". (شرح الأصول الخمسة 528) . 2 انظر المصدر السابق 528 حيث يقول: "ونذكر حقيقة الكلام وأنه الحروف المنظومة والأصوات المقطعة". 3 تقدم الكلام على ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وقال الأشعري: إنه ثابت1، ثم قال: [الله لا يجوز أن يوصف أنه فوق] 2 فكذب بما في حديث المعراج، فصار موافقاً لهم مع (إظهاره) 3 الخلاف. وقالت المعتزلة: السور والآي مخلوقة، وهي قرآن معجز4.   1 انظر الإبانة ص 31 حيث يقول: "ونصدق بحديث المعراج". 2 لم أجد هذا القول فيما اطلعت عليه من كتبه ولعل هذا قوله قبل أن ينتقل إلى مذهب السلف. فالثابت عنه إثباته الفوقية لله جل وعلا، وأنه سبحانه مستوى على عرشه. يقول في الإبانة ص93 بعد استدلاله بحديث الجارية: "وهذا يدل على أن الله عز وجل على عرشه فوق السماء" ويقول في رسائله إلى أهل الثغر "وأنه تعالى فوق سماواته على عرشه دون أرضه". وقد دل على ذلك بقوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} … إلى أن قال – وليس استواؤه على العرش استيلاء كما قال أهل القدر؛ لأنه عز وجل لم يزل مستولياً على كل شيء. ورقة 147 مخطوط بمكتبة الدراسات بالجامعة الإسلامية تحت رقم 47 عقائد. وفي المطبوع ص130. والقول بنفي الفوقية هو ما تبناه متأخروا الأشاعرة، أمثال الرازي في تأسيس التقديس ص4 إذ يقول: "اعلم أنا ندعي وجود موجود لا يمكن أن يشار إليه بالحس أنه هاهنا أو هناك". وأبي حامد الغزالي: إذ يقول: "ندعي أنه ليس في جهة مخصوصة من الجهات الست … ثم قال فالجهات ست فوق وأسفل وقدام وخلف ويمين وشمال" انظر: الاقتصاد في الاعتقاد ص24. 3 في الأصل (اظهارهم) وهو تحريف. 4 انظر: (شرح الأصول الخمسة ص528 حيث زعم أن هذا القرآن كلام الله مخلوق وأنه هذا الذي يتلى ويسمع. ثم يقرر في ص 586 – 587 أن القرآن معجز وأن التحدي واقع بهذه الآيات المسموعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 وقال الأشعري: [القرآن كلام الله سبحانه والسور والآي ليست بكلام الله سبحانه وإنما هي عبارة عنه، وهي مخلوقة] 1. فوافقهم في القول بخلقها، وزاد عليهم بأنها ليست قرآن ولا كلام الله سبحانه. فإن زعموا أنهم يقرون بأنها قرآن. قيل لهم: إنما يقرون بذلك على وجه المجاز، فإن من مذهبهم أن القرآن غير مخلوق، وأن الحروف مخلوقة، والسور حروف بالاتفاق، من أنكر ذلك لم يخاطب. وإذا كانت حروفاً مخلوقة لم يجز أن يكون قرآناً غير مخلوق. وقالت المعتزلة: الزنا والسرقة، وأخذ أموال الناس بغير حق، وما   1 ليس هذا في شيء من كتب الأشعري التي بين يدي الناس اليوم كالإبانة والمقالات واللمع ورسائل أهل الثغر، بل نراه يقرر في هذه الكتب أنه لا يجوز أن يقال شيء من القرآن مخلوق؛ لأن القرآن كله بكماله غير مخلوق وأنكر على من قال لفظي بالقرآن مخلوق. انظر مثلاً: (الإبانة: ص101) . ولعل ما ذكره المصنف عنه مما كان يقول به قبل رجوعه إلى مذهب أهل السنة، وهو ما عليه المنتسبون إليه، ويحكون عنه أن كان يقول: "وكلامه واحد وهو أمر ونهي وخبر واستخبار ووعد ووعيد، وهذه الوجوه ترجع إلى اعتبارات في كلامه لا إلى عدد في نفس الكلام، والعبارات والألفاظ المنزلة على لسان الملائكة إلى الأنبياء عليهم السلام دلالات على الكلام الأزلي، والدلالة مخلوقة محدثة، والمدلول قديم أزلي … " انظر: (الملل والنحل 1/ 96) . وهذا مخالف كما ترى لقول الأشعري الذي انتهى إليه آخر الأمر في (الإبانة وغيرها) "أنه لا يجوز أن يقال شيء من القرآن مخلوق". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 شاكل ذلك حرام وهو قبيح في العقل قبل التحريم1. وقال الأشعري: العقل لا يقتضي حسن شيء ولا قبحه، وإنما عرف القبيح والحسن بالسمع ولولا السمع ما عرف قبح شيء ولا حسنه2.   1 ذلك أن من مذهبهم: "أن الحسن والقبح يجب معرفتهما بالعقل، واعتناق الحسن واجتناب القبيح واجب كذلك بالعقل". انظر: (الشهرستاني: الملل والمحل1/ 45) . 2 ليس ذلك في شيء من كتبه المعروفة، لكن نقل نحوه عنه. الشهرستاني: انظر: (الملل 1/ 101) وهو قول الأشاعرة بعده. كالجويني في: (الإرشاد 258) و (الشهرستاني في نهاية الأقدام 370) . وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية اختلاف الناس في هذه المسألة، وأشار إلى كلام السجزي هنا. ويحسن أن أورد كلامه فإنه أحسن من تكلم في هذه المسألة ولخص مقاصدها تلخيصاً حسناً. فقال رحمه الله: لكن تنازعوا- أهل السنة- في مسألتين: إحداهما: أن العباد هل يعلمون بعقولهم حسن بعض الأفعال، ويعلمون أن الله متصف بفعله، ويعلمون قبح بعض الأفعال ويعلمون أن الله منزه عنه؟ على قولين معروفين: أحدهما: أن العقل لا يعلم به حسن فعل ولا قبحه، أما في حق الله تعالى فلأن القبيح منه ممتنع لذاته، وأما في حق العباد فلأن الحسن والقبح لا يثبت إلا بالشرع. وهذا قول الأشعري وأتباعه، وكثير من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد، وهؤلاء لا ينازعون في الحسن والقبح إذا فسر بمعنى الملائم والمنافي أنه قد يعلم بالعقل، وكذلك لا ينازعون- أو لا ينازع أكثرهم أو كثير منهم- في أنه إذا عنى به كون الشيء صفة كمال أو نقص أنه يعلم بالعقل. والقول الثاني: أن العقل قد يعلم به حسن كثير من الأفعال وقبحها في حق الله تعالى وحق عباده، وهذا مع أنه قول المعتزلة فهو قول الكرامية وغيرهم من الطوائف، وهو قول جمهور الحنفية، وكثير من أصحاب مالك والشافعي وأحمد كأبي بكر الأبهري، وغيره من أصحاب مالك وأبي الحسن التميمي وأبي الخطاب الكلوذاني من أصحاب أحمد، وذكر أن هذا القول قول أكثر أهل العلم، وهو قول أبي علي بن أبي هريرة وأبي بكر القفال وغيرهما من أصحاب الشافعي، وهو قول طوائف من أئمة أهل الحديث. وعدوا القول الأول من أقوال أهل البدع، كما ذكر ذلك أنو نصر السجزي في رسالته المعروفة في السنة وذكره صاحبه أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني في شرح قصيدته المعروفة في السنة. قال- وفي المسألة قول ثالث اختاره الرازي في آخر مصنفاته وهو القول بالتحسين والتقبيح العقليين في أفعال العباد دون أفعال الله) أ. هـ (منهاج السنة 1/316 – 317) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 ثم زعم أن معرفة الله سبحانه واجبة في العقل قبل ورود السمع، وأن تارك النظر فيها مع التمكن منه مستحق للعقوبة1. والنص2 إنما دل على ترك عقوبته لا على أنه مستحق لها. فإن قال: إن معرفة الله وجبت ولم يعلم حسنها واستحق تارك النظر فيها اللوم. كان متلاعباً. وإن قال: إنها حسنة. فقد أقر بأن العقل يقتضي معرفة الحسن والقبيح. وِإنما ضاق به النفس لما قالت له المعتزلة: الظلم قبيح في العقل، وإذا أراد (الله) 3 شيئاً ثم عذب عليه كان ظلماً. فركب الطريقة الشنعاء   1 سيأتي الكلام على هذه المسألة في الفصل التاسع. 2 وهو قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} . 3 لفظ الجلالة ليس في الأصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 في أن لا حسن في العقل ولا قبيح. وكان الأمر (أيسر) 1 في رد ما قالوه من هذا، لأن موضوع اسم الظلم: لوضع الشيء في غير موضعه، وأخذ ما ليس للآخذ أخذه2 والله خالق الأشياء ومالكها، ومدبرها وليس لأحد أن يعترض عليه فيما يصنع فيها، ولا يضع الشيء إلا فيما يجعله موضعاً له، ولا يأخذ شيئاً إلا وهو أولى به، ولا يتصور معنى الظلم في أفعاله. وقد قال الله سبحانه: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} 3. ولقد حكى محمد بن عبد الله المالكي المغربي45 وكان فقيهاً صالحاً عن الشيخ أبي سعيد البرقي6 وهو من شيوخ فقهاء المالكيين ببرقة7 عن أستاذه خلف المعلم8 وكان من فقهاء المالكيين   1 في الأصل (اليسر) . 2 وانظر: (لسان العرب 12/ 373) مادة: (ظلم) . 3 سورة الأنبياء: آية (23) . 4 في النص الوارد في درء التعارض 7/236، (المغربي المالكي) : 5 لم أجد له ترجمة. 6 لم أجد له ترجمة. 7 برقة: "بفتح الباء وسكون الراء وفتح القاف" اسم صقع كبير يشتمل على مدن وقرى بين الاسكندرية وإفريقية. انظر: (معجم البلدان: للحموي 1/ 388) . 8 وهو أبو سعيد: خلف بن عمر، وقيل اسمه: عثمان بن عمر، وقيل عثمان بن خلف، المعروف بابن أخي هشام الخياط، من أهل القيروان، وكان شيخ الفقهاء، وإمام أهل زمانه في الفقه والورع، وكان يعرف بمعلم الفقهاء، لم يكن في وقته أحفظ منه، اختلط علم الحلال والحرام بلحمه ودمه وما اختلف الناس فيه، وما اتفقوا عليه، عالماً بنوازل الأحكام حافظاً بارعاً فراجاً للكروب مع تواضع ورقة قلب وسرعة دمعة ونية خالصة. كان مولده سنة 299، وقيل 297، وتوفي سنة 371 وقيل 373 هـ. انظر ترجمته في: (الديباج المذهب1/ 347) و (ترتيب المدارك 2/ 488 - 491) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 أيضاً أنه1 قال: أقام الأشعري أربعين سنة على الاعتزال، ثم أظهر التوبة، فرجع عن الفروع وثبت على الأصول. وهذا كلام خبير بمذهب الأشعري وغوره 2.   1 عبارة (أيضاً أنه) ليست في درء التعارض. 2 نقل شيخ الإسلام ابن تيمية هذه الجملة من كلام المؤلف- (من قوله: (حكى.. إلى قوله (وغوره) في كتابه درء تعارض العقل والنقل7/ 236 وقال: ذكره السجزي في الإبانة. وهو بنصه في هذه الرسالة، ولعل المصنف ذكره في الكتابين وقد أشرت إلى ذلك في الدراسة. ثم علق ابن تيمية على قول المعلم: (فرجع عن الفروع وثبت على الأصول) . بقوله: (قلت ليس مراده بالأصول ما أظهره من مخالفة السنة، فإن الأشعري مخالف لهم فيما أظهروه من مخالفة السنة كمسألة الرؤية والقرآن والصفات، ولكن أصولهم الكلامية العقلية التي بنوا عليها الفروع المخالفة للسنة مثل هذا الأصل الذي بنوا عليه حدوث العالم وإثبات الصانع، فإن هذا أصل أصولهم كما قد بينا كلام أبي الحسين البصري وغيره في ذلك، وأن الأصل الذي بنت عليه المعتزلة كلامها في أصول الدين، هو هذا الأصل الذي ذكره الأشعري، لكنه مخالف لهم في كثير من لوازم ذلك وفروعه، وجاء كثير من أصحابه المتأخرين كأتباع صاحب "الإرشاد" فوافقوا المعتزلة على موجبها، وخالفوا شيخهم أبا الحسن وأئمة أصحابه، فنفوا الصفات الخبرية ونفوا العلو، وفسروا الرؤية بمزيد علم، لا ينازعهم فيه المعتزلة، وقالوا: ليس بيننا وبين المعتزلة خلاف في المعنى، وإنما خلافهم مع المجسمة. وكذلك قالوا في القرآن: إن القرآن الذي قالت المعتزلة إنه مخلوق، نحن نوافقهم على خلقه، ولكن ندعي ثبوت معنى آخر وأنه واحد قديم. قال- والمعتزلة تنكر هذا بالكلية، وصارت المعتزلة والفلاسفة مع سائر جمهور العقلاء يشنعون عليهم بمخالفتهم لصريح العقل، ومكابرتهم للضروريات. إ هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 ففي هذا القدر كفاية، ولعل غير هذه الرسالة يأتي على شرح موافقته لهم فيقفوا عليه إن شاء الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 الفصل السادس: في إيراد الحجة على أن الكلام لن يُعرَّى عن حرف وصوت البتة، وأن ما عُرّى عنهما لم يكن كلاماً في الحقيقة وإنما سمي في وقت بذلك تجوزاً واتساعاً وتحقيق جواز وجود الحرف والصوت من غير آلة وأداة وهواء منخرق وبيان قول السلف وإفصاحهم بذكر الحرف والصوت أو ما دل عليهما. ينبغي: أن ينظر في كتب من درج، وأخبار السلف هل قال أحد منهم: إن الحروف المتسقة التي يتأتى1 سماعها وفهمها ليست بكلام الله سبحانه على الحقيقة؟ وأن الكلام غيرها ومخالف لها، وأنه معنى لا يدرى ما هو غير محتمل شرحاً وتفسيراً؟ فإن جاء ذلك عن أحد من الأوائل والسلف، وأهل النحل قبل مخالفينا الكلابية والأشعرية عذروا في موافقتهم إياه. وإن لم يرد ذلك عمن سلف من القرون2 والأمم ولا نطق به كتاب منزل ولا فاه به نبي مرسل ولا اقتضاه عقل، علم جهل مخالفينا وإبداعهم3   1 في الأصل (يأتي) . 2 في الأصل (القران) وهو تحريف. 3 أي ابتداعهم: يقال: أبدع الرجل وابتدع: إذا أتى ببدعة، ويقال: أبدعت الشيء إذا اخترعته على غير مثال سابق. انظر: (تاج العروس مادة (بدع) 5/ 271) و (الصحاح: للجوهري: 3/1182) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 ولن يقدر أحد (في) 1 علمي على إيراد ذلك عن الأوائل ولا اتخاذه إيانا2 في أثر ولا عقل. وكل ما يتعلق به مخالفونا في هذا الفصل فمن المجاز، أو بنيات الطرق، والعقل والسمع معاً يؤيدان ما نقوله، وبه ينطق الكتاب والأثر، وثبت العرف به. فأما تعلقهم ببيت الأخطل3 فإن معنى قوله: إن البيان من الفؤاد4 … هو: أن المرء إنما يروي في نفسه أولاً ما يريد أن يتكلم به، فالموجب للبيان هو الذي انطوى عليه القلب5 وحقيقة الكلام هو النطق به المسموع لا غير. والذي قاله الأخطل إنما يكون في أوقات مخصوصة لآحاد من الناس. والغالب من أحوالهم الكلام على الهاجس6 بما لم يرددوه في أنفسهم ولم يهموا به.   (في) ليست في الأصل وزدتها لاقتضاء السياق. 2 هكذا في الأصل والكلام غير مستقيم ويحتمل أن يكون صوابها هكذا: (ولا اتخاذهم إياه دينًا في أثر أو عقل) . والله أعلم. 3 تقدم التعريف به، انظر ص 120. 4 تقدم البيت بتمامه مع تخريجه، انظر ص 120. 5 وهو المعنى. 6 الهاجس: الخاطر: والهجس: "ما وقع في خلدك، تقول: هجس في قلبي هم وأمر". انظر: (لسان العرب 6/ 246) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 ولو كان حقيقة الكلام ما يتعلق بالفؤاد دون النطق لكان كل ذي فؤاد ناطقاً متكلماً في حال سكوته، ووجود الآفة به، كالأخرس1 والطفل والنائم. ولا خلاف بين العقلاء في أن الطفل الرضيع أول (ما) 2 يولد غير متكلم، وأن الأخرس والساكت ليسا بمتكلمين، وكذلك النائم في الغالب3. وقد دل القرآن على أن القرآن هو النطق، وذلك قوله سبحانه: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} 4. والإنصات عند العرب ترك النطق5، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " رحم الله (من) 6 تكلم فغنم،   1 في الأصل (كالخرس) . (ما) ليست في الأصل. 3 احترز بقوله في الغالب عما قد يقع من النائم من الكلام في الأحلام والرؤى أحياناً. 4 سورة الأعراف آية (204) . 5 قال الراغب: والإنصات: هو الاستماع مع ترك الكلام. (المفردات 289) . والإنصات: هو السكوت والاستماع للحديث. انظر: (تاج العروس 1/ 591) و (لسان العرب 2/ 99) والسكوت: خلاف النطق، وقيل: هو ترك الكلام مع القدرة عليه. انظر: (تاج العروس أيضاً 1/ 553) . (من) في الأصل بالهامش وعليها إشارة تضبيب، ولم أقف على هذه اللفظة إلا عند ابن المبارك في لفظ أشار إليه المحقق في الحاشية انظر: الزهد 128 حاشية 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 أو سكت فسلم" 1 فعلم بذلك أن السكوت والكلام لا يجتمعان في الوقت الواحد، في محل واحد. ولا خلاف بين صدور علماء المسلمين (في أن) 2 من قال في نفسه: عبدي حر من غير أن ينطق بذلك، لم يعتق عبده. ولو قال: عبدي حر نطقاً ثم قال: لم أنو بما قلت عتقه. حكم بعتق العبد ولم يلتفت إلى نيته.   1 الحديث روي بألفاظ مختلفة ففي بعضها "رحم الله امرءاً تكلم فغنم أو سكت فسلم". أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن مرسلاً، وفي بعضها "رحم الله عبداً قال فغنم أو سكت فسلم ". أخرجه أبو الشيخ عن أبي أمامة، وفي بعضها: "رحم الله عبداً قال فغنم أو سكت عن سوء فسلم". أخرجه ابن المبارك عن خالد ابن أبي عمران مرسلاً. انظر: السيوطي: الجامع الصغير 2/ 23، وابن المبارك: الزهد 128. وللحديث طرق أخرى عند البغوي من حديث كامل بن طلحة (3/ 2) والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 47) . من طريقين عن الحسن مرسلاً ومرفوعاً. أشار إلى ذلك الشيخ ناصر الدين الألباني، وقال بعد أن ذكر من خرج الحديث: "فالحديث عندي حسن بمجموع هذه الطرق والله أعلم" انظر: الصحيحة 2/ 535 ح 855. وأخرج نحوه الطبراني بلفظ " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شهد أمراً فليتكلم بحق أو ليسكت " من حديث أبي هريرة رضي الله عنه من طريق الجعفي عن زائدة ابن قدامة عن ميسرة الأشجعي، قال: لم يروه عن ميسرة إلا زائدة تفرد به عن الجعفي (المعجم الصغير 1/ 262) . 2 في الأصل (بأن) والسياق يقتضي ما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 ولو قال إنسان في نفسه: أم فلان زانية أو فلان زان ولم ينطق بذلك لم يلزمه حد القذف، وإن نطق بذلك وقال: ما في نفسي شيء مما قلته. حُدّ، ولم يلتفت إلى ما في نفسه1. وغير جائز عند ذوي التحصيل تعلق الأحكام بالمجاز دون الحقيقةفيها. فلما وجدنا أحكام الشريعة المتعلقة بالكلام منوطة بالنطق الذي هو حرف وصوت، دون ما في النفس، علمنا أن حقيقة الكلام هي الحرف والصوت. ولو حلف امرء أنه لا يتكلم ساعة من النهار، فأقام في تلك الساعة   1 ذلك لأن الشارع علق المؤاخذة والأحكام على ما يتكلم وينطق الإنسان به دون ما يجول في نفسه، من الحديث والوسوسة، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل به". وسيورد المؤلف نص الحديث قريباً. وقد نقل الخطابي الإجماع على معنى ذلك حيث قال: وأجمعوا على أنه لو عزم على الظهار لم يلزمه حتى يلفظ به،- قال: وهو بمعنى الطلاق وكذلك لو حدث نفسه بالقذف لم يكن قاذفاً، ولو حدث نفسه في الصلاة لم يكن عليه إعادة، وقد حرم الله تعالى الكلام في الصلاة، فلو كان حديث النفس بمعنى الكلام لكانت صلاته تبطل. انظر: (معالم السنن 3/ 135) . وقال ابن قدامة المقدسي- في مسألة العتق: ويحصل العتق بالقول والملك والاستيلاد،- ثم قال: ولا يحصل بالنية المجردة، لأنه إزالة ملك فلا يحصل بالنية المجردة كسائر الإزالة – وقال: "ولو قال. عبدي حر نطقاً ثم قال لم أنو بما قلت عتقه حكم بعتق العبد ولم يلتفت إلى نيته". (المغني: 10/ 293 – 294) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 يحدث نفسه بأشياء، ولا ينطق بها، كان باراً غير حانث، ولو كان الكلام هو ما في النفس حنث في أول ما يحدث به نفسه1. فإن قيل: الأيمان إنما تعلق بالعرف فلذلك لم يحنث إذا لم ينطق. قيل: هذا أعظم الحجج عليكم لأنكم أُلجئتم إلى إقرار بأن عرف الناس كافة، هو: أن حقيقة الكلام هي النطق الذي لا يعرى عن حرف وصوت، دون ما في النفس. ولو كان الكلام من الفؤاد على ما زعموا لم يجز أن يوصف الله سبحانه بالكلام أصلاً؛ لأنه ليس بذي فؤاد تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً2.   1 حكى ابن قدامة إجماع الفقهاء على ذلك فقال: "واتفق العلماء بأجمعهم على أن من حلف لا يكلم فحدث نفسه بشيء دون أن ينطق بلسانه لم يحنث ولو نطق حنث". انظر: (روضة الناظر 98) . ويشهد لذلك قضية الكلام في الصلاة فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس". وقد اتفق العلماء على أن المصلي إذا تكلم في الصلاة عامداً لغير مصلحتها بطلت صلاته. واتفقوا كلهم على أن ما يقوم بالقلب من تصديق بأمور دنيوية وطلب لا يبطل الصلاة، وإنما يبطلها التكلم بذلك. فعلم اتفاق المسلمين على أن هذا ليس بكلام. انظر: (شرح الطحاوية: 199) و (الإيمان لابن تيمية: 127) . 2 منهج السلف في باب أسماء الله وصفاته 0"أن لا يوصف الله سبحانه إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم" فلا يجوز أن يوصف الله سبحانه إلا بما ورد به النص ولم يرد نص أنه ذو فؤاد ولا أنه ليس بذي فؤاد، فلا يثبت ولا ينفى لعدم ورود النص. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 والأخطل نصراني1 إسلامي2 وهو ومن تقدمه من شعراء الجاهلية، إنما نحتج بقولهم في موضوعات لغة العرب. ومعرفة الكلام ما هو؟ مما يشترك فيه العرب وسائر الناس ولا يحتج فيه ببيت نادر مع ظهور فساده3. وأما احتجاجهم بقوله سبحانه: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ يما نقول} 4   1 تقدم نقل ذلك في ترجمته، كما تقدم بيان ضلال النصارى في مسألة كلام الله. انظر: ص120. 2 هذه الكلمة لم يتضح لي مناسبتها للسياق، والمعنى بدونها واضح والكلام تام. وقد يكون في الكلام سقط وتقدير الكلام (والأخطل نصراني وليس بإسلامي) أي شاعر نصراني وليس بمسلم. 3 لشيخ الإسلام ابن تيمية كلام حسن في هذا المعنى يؤيد ما ذهب إليه المؤلف يقول رحمه الله: " … ثم يقال: مسمى الكلام والقول ونحوهما ليس مما يحتاج فيه إلى قول شاعر، فإن هذا مما تكلم به الأولون والآخرون من أهل اللغة وعرفوا معناه في لغتهم كما عرفوا مسمى الرأس، واليد، والرجل. وأيضاً فالناطقون باللغة يحتج باستعمالهم للألفاظ في معانيها لا بما يذكرونه من الحدود فإن أهل اللغة الناطقين لا يقول أحد منهم إن الرأس كذا واليد كذا، والكلام كذا، واللون كذا، بل ينطقون بهذه الألفاظ دالة على معانيها فتعرف لغتهم من استعمالهم. فعلم أن الأخطل لم يرد أن يذكر مسمى الكلام ولا أحد من الشعراء يقصد ذلك البتة وإنما أراد – إن كان قال ذلك – ما فسره به المفسرون للشعر. أي: أصل الكلام من الفؤاد، وهو المعنى … ." انظر: الإيمان (132/ 133) . 4 في الأصل الآية هكذا (ويقولون في أنفسهم ما ليس لهم علم) وهو خطأ من الناسخ فليس في المصحف آية بهذا النص، وصواب الآية ما أثبت في الأصل وهي في سورة (المجادلة آية 18) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 فنقلت1 عليهم؛ لأن القول لما كان في الحقيقة هو الحروف المتسقة2 المسموعة، والذي من المنافقين بخلاف ذلك بين الله سبحانه أنهم قالوه في أنفسهم. ونحن لا ننكر تجويز العرب وسائر العقلاء أن يقال: قلت في نفسي، وحدثت نفسي، وإنما نقول: إن ذلك تجوز واتساع وليس بحقيقة الكلام لما ذكرنا أولاً من تعلق الأحكام بما هو حروف دون ما في النفس3. وأما تعلقهم بقوله جل جلاله: {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً} 4 فمثل الأول والقول في النفس مجاز وإنما سمي بذلك لأنه يصير في ثاني الحال قولاً، والعرب تسمي الشيء باسم الشيء إذا كان قريباً منه أو كان منه بسبب5.   1 كذا في الأصل، ولعلها: فتقلب. 2 في الأصل المشتقة وهو خطأ من الناسخ؛ لأن الحروف ليست من المشتقات. 3 تقدم ذلك في أول هذا الفصل. 4 سورة يوسف آية (77) . 5 قال الثعالبي: "العرب تسمي الشيء باسم غيره إذا كان مجاوراً له أو كان منه بسبب كتسميتهم المطر بالسماء؛ لأنه منها ينزل وفي القرآن: {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً} أي المطر، وكما قال جل اسمه: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً} أي عنباً ولا خفاء بمناسبتها … " انظر: (فقه اللغة وسر العربية 484 – 485) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 وقد ذكرنا قول الأوائل والعرب قبل هذا1 وأن الكلام هو الحروف المتسقة2 والأصوات المقطعة والاسم والفعل والحرف الجاي لمعنى. وقد " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم الصمت "3. وإذا كان الصامت متكلماً في حال صمته فلا معنى للنهي. ومن قول الحكماء: [لئن كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب] 4.   1 انظر: مقدمة المؤلف. 2 في الأصل المشتقة وهو خطأ. 3 د/ الوصايا / باب ما جاء متى ينقطع اليتم 3/ 293 ح 2873 من حديث علي ابن أبي طالب رضي الله عنه ولفظه "حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يتم بعد احتلام ولا صمات يوم إلى الليل ". وقال المنذري: في إسناده يحيى بن محمد المدني الجاري. قال الخطابي: يتكلمون فيه. وقال ابن حبان يجب التنكب عما انفرد به من الروايات. وذكر العقيلي هذا الحديث، وذكر أن هذا الحديث لا يتابع عليه يحيى الجاري … قال – وقد روي هذا الحديث من رواية جابر بن عبد الله وأنس بن مالك وليس فيها شيء يثبت. إهـ (مختصر سنن أبي داود 4/ 152 – 153) وقال ابن حجر في ترجمة يحيى الجاري: "إنه صدوق يخطيء". انظر: (التقريب 2/ 357) على أن الإمام السيوطي أشار إلى أن الحديث حسن. (الجامع الصغير 2/ 204) وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر: (صحيح الجامع الصغير 6/ 213) . 4 روي ذلك من كلام لقمان الحكيم: انظر: ابن أبي عاصم: الزهد ص 22، وابن أبي الدنيا: الصمت وآداب اللسان 614 حـ 741. ورواه ابن أبي الدنيا من كلام سليمان بن داود عليهما السلام. انظر: ص 216 حـ 47 المرجع السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 ففضل السكوت على الكلام لاقتران السلامة به. فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صمت نجا "1. والشاعر قال: ما إن ندمت على سكوت مرة ... فلقد ندمت على الكلام مرارًا2   1 ت: صفة القيامة / باب رقم 50 جـ 4/ 660 حـ 2501 من حديث عبد الله ابن عمرو. وقال: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة … ". دي: رقائق / باب في الصمت 2/ 299 من طريق ابن لهيعة من حديث عبد الله ابن عمرو أيضاً. حم: 2/ 159، 177. قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني بعد أن ساق قول الترمذي السابق: "قلت يعني أنه ضعيف لسوء حفظ ابن لهيعة الذي عرف به، لكن رواه عنه بعض العبادلة الذين حديثهم عنه صحيح عند المحققين من أهل العلم منهم عبد الله بن المبارك فقال في كتاب الزهد: (ق172/1 كواكب 575 ورقمه 385) . طبع الهند وانظر كتاب الزهد/ باب حفظ اللسان ص130 بتحقيق الأعظمي. انبأنا عبد الله بن لهيعة به، ومنهم عبد الله بن وهب فرواه في الجامع 49، وأخرجه ابن شاهين في الترغيب (ق 107 / 1) من طريق ابن وهب عنه به، لكنه قرن معه عمرو بن الحارث، وهو ثقة. ولعل الطبراني أخرجه من هذه الطريق فقد قال المنذري: (4/ 9) رواه الترمذي وقال غريب والطبراني رواته ثقات، ونقل المناوي عن الزين العراقي أنه قال: "سند االترمذي صعيف وهو عند الطبراني بسند جيد اهـ، انظر: فيض القدير 6/171. (سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/ 62 حـ 171) . 2 ذكره ابن حبان البستي مع بيت قبله وبيتين بعده ولم يعزها لأحد. فقال: ولقد أحسن الذي يقول: إن يعجبك السكوت فإنه ... قد كان يعجب قبلك الأخيارا ولئن ندمت على سكوت مرة ... فلقد ندمت على الكلام مرارا إن السكوت سلامة ولربما ... زرع الكلام عداوة وضرارا وإذا تقرب خاسر من خاسر ... زادا بذلك خسارة وتبارا (روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ص 45) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 والذي يقول في نفسه من غير أن ينطق به ساكت عند الخلق كافة. ولا يقع التفاضل بينه وبين السكوت وإنما يقع ذلك بين النطق بالحروف والأصوات والسكوت عنه. وقال عمر1بن الخطاب رضي الله عنه في حديث السقيفة2: [وكنت زورت في نفسي مقالة أردت أن أقوم بها بين يدي أبي بكر] 3 فبين أنه لم يقم بها في حال تزوره. والتزوير4 في هذا الموضع هو: أن يروي المرء في نفسه أولا ما يحب أن يتكلم به ويصلحه، ويتأمل إن قيل به، حتى يتصور كالمقول ثم ينطق به. وهذا شأن ذوي التحصيل خيفة منهم على5 وقوع الزلل مع العجلة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما   1 في الأصل (بن عمر) ومضروب على كلمة (بن) . 2 أي سقيفة بني ساعدة. 3 خـ: كتاب الحدود / باب رجم الحبلى من الزنا 12/ 144 حـ 6830 من حديث عبد الله بن عباس. وفيه: "وكنت قد زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر". حم: 1/ 56. بلفظ البخاري. 4 قال الأصمعي: "التزوير تهيئة الكلام وتقديره، والإنسان يزور كلاماً، وهو أن يقومه ويتقنه قبل أن يتكلم به". انظر: (لسان العرب 4/ 337) . 5 كذا بالأصل ولعل الأصوب (من) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 لم تكلم أو تعمل به" 1. وهو حديث صحيح مشهور، وقد تلقته الأمة بالقبول وعلقوا به كثيراً من الأحكام. وقد أخرج النبي صلى الله عليه وسلم حديث النفس عن أن يكون كلاماً في الحقيقة بقوله: "ما لم تتكلم به2 فبين أن من تحدث (في) 3 نفسه بالشيء غير متكلم به في تلك الحالة وغير مؤاخذ بما كان منه. وقال اليزيدي4 في كتاب "ما اتفق لفظه واختلف معناه من لغات   1 خ: كتاب العتق / باب الخطأ والنسيان 5/ 160 حـ 2528 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وكتاب الأيمان والنذور / باب إذا حنث ناسياً في الأيمان 11/ 548 حـ 6664. وكتاب الطلاق باب الطلاق في الإغلاق … والنسيان 9/ 388 حـ 5269. م: الإيمان /باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر 1/116 حـ 201، 202 ت: الطلاق / باب ما جاء فيمن يحدث نفسه بطلاق امرأته 3/ 480 حـ 1183 د: الطلاق / باب في الوسوسة بالطلاق 2/ 657 حـ 2209. ن: الطلاق / باب من طلق في نفسه 6/ 127. جه: الطلاق / باب من طلق في نفسه ولم يتكلم 1/ 658 حـ 2040، وباب طلاق المكره والناسي 1/ 659 حـ 2044. حم: 2/ 425، 474، 481، 491 مسند أبي هريرة. 2 في الأصل يتكلم وهو خلاف الرواية. 3 ليست في الأصل. والسياق يقتضيها. 4 هو إبراهيم بن أبي محمد يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي اليزيدي أبو إسحاق، أديب وشاعر من ندماء المأمون العباسي، توفي سنة 225 هـ. ترجمته لدى: ابن خلكان: وفيات الأعيان 6/ 190، والأعلام: 1/ 74. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 العرب"1: الحرف هو الواحد من حروف الكلام، والحرف حرف البئر وحرف الرغيف، وحرف كل شيء جانبه، والحرف الشك، فسروا قوله جل وعز: (على حرف) 2 على شك، والحرف الناقة الضامرة التي قد نحلت3. فبين أن الكلام عند العرب هو الحروف لا غير. واليهود، والنصارى، مقرون بأن لله كلاماً، ومختلفون في نفي الخلق عنه وإثباته كاختلاف المسلمين، ومجمعون على أن الكلام لا يكون إلا حرفاً وصوتاً. فإن قال قائل: إن أكثر ما ذكرت في هذا الفصل مما يتعلق / بالشاهد والله تعالى بخلاف المشاهدات. فوجب أن لا يكون كلامه حرفاً وصوتاً، إلا أن يأتي نص من الكتاب أو إجماع من الأمة، أو خبر من أخبار التواتر بأن كلام الله سبحانه حرف وصوت. قيل له: الواجب أن يعلم أن الله تعالى إذا وصف نفسه بصفة هي معقولة عند العرب، والخطاب ورد بها عليهم بما يتعارفون بينهم ولم يبين سبحانه أنها بخلاف ما يعقلونه، ولا فسرها النبي صلى الله عليه وسلم لما أداها بتفسير   1 ص: 245، بتحقيق د. عبد الرحمن بن سليمان العثيمين. 2 سورة الحج آية 11 – وهي قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ} . 3 وانظر هذه المعاني والإطلاقات للحرف في: (لسان العرب 9/ 41 – 42) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 يخالف الظاهر فهي على يعقلونه ويتعارفونه. والذي يوضح ذلك: هو أن الله سبحانه قد أثبت لذاته علماً ونطق بذلك كتابه فقال: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} 1 وكان المعقول من العلم عند المخاطبين به أنه إدراك المعلوم على ما هو به فكان علم الله سبحانه إدراك المعلوم على ما هو به، وعلم المحدث أيضاً إدراك المعلوم على ما هو به. وكذلك لما أثبت الله لنفسه السمع بدلالة النص حيث قال: {ِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} 2 وقال النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر الحجب: (ما أدركه بصره) 3 وقالت عائشة4 رضي الله عنها: (يا سبحان الله من وسع سمعه الأصوات)   1 سورة النساء: جزء من آية (166) . 2 سورة النساء جزء من آية (58) . 3 م: كتاب الإيمان / باب قوله عليه السلام إن الله لا ينام، وفي قوله: حجابه النور 1/ 161 ح 293 من حديث أبي موسى وفيه: "حجابه النور – وفي رواية أبي بكر النار – لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".جه: المقدمة / باب فيما أنكرت الجهمية 1/ 70 حـ 195 – 196. حم: 4/ 401، 405 من حديث أبي موسى من طريقين في أحدهما: " لوكشفه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره". 4 أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، أفقه نساء العالمين توفيت سنة58 وقيل 57 هـ. انظر: (ابن حجر: الإصابة 4/ 359) و (الاستيعاب 4/ 356 مع الإصابة) . 5 خ: تعليقاً بصيغة الجزم: كتاب التوحيد / باب: "وكان الله سميعاً بصيراً" 13/ 372 فقال: قال الأعمش عن تميم عن عروة عن عائشة قالت: "الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات … ". جه: المقدمة/باب فيما أنكرت الجهمية 1/67حـ 118 بلفظ البخاري وبأتم منه. حم: 6/ 46. ابن أبي عاصم: السنة 1/ 278 حـ 625. والآجري في الشريعة 291 من طريقين أحدهما بلفظ "الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات". والآخر: "تبارك الله الذي وسع سمعه الأصوات كلها". واللالكائي: شرح أصول اعتقاد أهل السنة 3/ 410 حـ689. وقال الشيخ الألباني في ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم: "إسناده حسن، ورجاله ثقات رجال مسلم على ضعف في يحيى بن عيسى الفاخوري الرملي، لكنه قد توبع كما يأتي، فالحديث صحيح. ثم أشار إلى رواية الإمام أحمد وابن ماجه وابن جرير. ثم قال – قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم … " انظر: السنة 1/ 278. ولم أجده بنص لفظ المصنف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 وكان المعقول أن السمع هو إدراك المسموعات على ما هي به، والبصر إدراك كل ما يبصر على ما هو به، كان سمعه سبحانه إدراك المسموع، وبصره إدراك ما يبصر (به) 1 وكذلك سمع المحدث وبصره، ومع ذلك فليس مثل علمه علم، ولا مثل سمعه وبصره سمع ولا بصر، لأن علمه صفة لازمة لذاته سبحانه في الأزل لا يدخل عليه السهو، ولا يجوز الجهل ولا النسيان2. وعلم المحدث عرض مكتسب، يوجد وقتاً ويعدم وقتاً. وكذلك السمع والبصر ليسا من الله تعالى جارحتين، وهما   1 قوله (به) زائدة هنا ولعلها خطأ من الناسخ، إذ أن في إثباتها إخلالاً بالمعنى المراد. والله أعلم. 2 في الأصل (نسيان) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 من المحدث جارحتان. وهذه القضية توجب أن يكون كلامه حرفاً وصوتاً، وكذلك كلام المحدث، إلا أن كلامه معجز ولا انتهاء له وأزلي1 وكلام المحدث غير معجز وهو متناه، وعرض لم يكن في وقت، ولا يكون في وقت. وكلامه سبحانه بلا أداة ولا آلة ولا جارحة، وكلام المحدث لا يوجد إلا عن أداة وآلة وجارحة في المعتاد2. وقول الأشعري: "لما كان سمعه بلا انخراق وجب أن يكون كلامه بلا حرف ولا صوت". مغالطة وبناؤه لا يقتضي ما قاله، وإنما يقتضي: أن سمعه لما كان بلا انخراق وجب أن يكون كلامه من غير لسان وشفتين وحنك، ولو قال ذلك لاستمر ولم يقع فيه خلاف. وإنما موه، وغالط ويمر ذلك على من قصر علمه.   1 يريد رحمه الله أنه أزلي النوع. فإن من مذهب محققي أهل السنة أن كلام الله عز وجل أزلي النوع حادث الآحاد. وصنيع المصنف رحمه الله في هذا الكتاب يدل على ما أشرنا إليه. 2 احترز عما ورد أنه تكلم من المحدثات وليس له في الشاهد أداة ولا جارحة كما ذكر جل وعلا عن السماوات والأرض أنها (قالتا أتينا طائعين) وما ورد من تكلم الذراع والحجر وحنين الجذع كما سيأتي كل ذلك قريباً. ومذهب السلف عدم النفي والإثبات إلا بنص، فلا نثبت الأدوات والجوارح ولا ننفيها إذ لم يرد دليل على تكلمه بأدوات، أو أن كلامه بدون أدوات. فيتوقف في الأمر ويكتفي بإثبات ما أثبته النص وهو تكلمه سبحانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 فهذا الذي ذكرناه من طريق العقل الذي يدعون أنه الحجة القاطعة. وأما على طريقتنا1: فالله سبحانه قد بين في كتابه ما كلامه؟ وبين رسوله صلى الله عليه وسلم، واعترف به الصدر الأول والسلف الصالح رحمهم الله، وآمنوا به. فقال الله سبحانه: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ 2 اللَّهِ} 3 وقال: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} 4 وقال: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} 5. وما سمع مستجير قط إلا كلاماً ذا حروف وأصوات، ولا قرأ قارئ البتة إلا ذلك. فلما (سمى) 6 سبحانه هذا القرآن العربي (الفصل) 7 كلامه علم أن كلامه حروف، كيف وقد أكد ذلك بذكر الحروف المقطعة في أوائل السور منه مثل: {الم} 8، و {الر} 9،   1 أي طريقة السلف في إثبات الأسماء والصفات. وهي اتباع النص والإيمان بما وردت به النصوص الصحيحة. 2 في الأصل (كلامه) وهو خطأ. 3 سورة التوبة: آية (6) . 4 سورة المزمل: آية (20) . 5 سورة المزمل: آية (20) . 6 في الأصل: في الحاشية من أعلى، وفي الحاشية من اليمين أعادها مع الكلمة التي بعدها. (7) لعلها (المفصل) . (آية 1) في كل من سورة (البقرة) و (آل عمران) و (العنكبوت) و (الروم) و (لقمان) و (السجدة) . (جزء من آية 1) في كل من سورة (هود) و (يوسف) و (إبراهيم) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 و {كهيعص} 1، و {طه} 2، و" {حم} 3، و {يس} 4، و {ص} 5، و {ق} 6، و {ن} 7. فمن زعم أنها ليست من القرآن فهو كافر، ومن زعم أنها من القرآن والقرآن ليس بكلام الله فهو كافر، ومن زعم أنها عبارة عن الكلام الذي لا حروف فيه قيل له: هذا جهل وغباء؛ لأن الكلام الذي تزعمه ليس يعرفه سواك، ولا يدري ما هو غيرك وأنت أيضاً لا تدريه8 وإنما تتخبط فيه. ثم لو كان قولك صحيحاً لوجب أن تكون عنه مفهومة المعنى بالاتفاق، لأن موضوع العبارة التفسير، ليفهم ما أشكل من ظاهر الكلام، فإذا كان الكلام شيئاً واحداً لا يدرى ما تفسيره، وكانت العبارة عنه حروفاً كثير الاختلاف في معانيها، ولم يتفق على معنى منها لم تفد العبارة شيئاً. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من قرأ سورة الإخلاص "9   1 سورة مريم: (آية 1) . 2 سورة طه: (آية 1) . 3 آية (1) في كل من سورة (غافر) و (فصلت) و (الشورى) و (الزخرف) و (الدخان) و (الجاثية) و (الأحقاف) . 4 سورة يس: (آية 1) . 5 سورة ص: (جزء من آية 1) . 6 سورة ق: (جزء من آية 1) . 7 سورة القلم: (جزء من آية 1) . 8 في الأصل (فلا تدريه) . 9 المشهور لفظ: (من قرأ قل هو الله أحد) وانظر: السيوطي في الجامع 2/ 178. ولم أجد تخريجه بنص المؤلف. وحيث إنه إنما أورده بهذا اللفظ للاستشهاد به على أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن القرآن سورٌ، فيحسن أن نبين أنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صرح بذلك في عدة أحاديث صحيحة ثابتة نذكر منها على سبيل الإيجاز: 1- قوله صلى الله عليه وسلم "اقرأوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران … اقرأوا سورة البقرة " أخرجه م: / كتاب صلاة المسافر 1/ 553 حـ 252 وحـ 253 وفيه: " يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران". 2- وقوله صلى الله عليه وسلم: "الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه" م: / صلاة المسافر 1/ 553 حـ 255. 3 – قوله صلى الله عليه وسلم "من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عصم من الدجال" م: / كتاب صلاة المسافر 1/ 553 حـ 255. والله عز وجل قد أفصح في القرآن الكريم بأن القرآن سور وآيات فقال عز وجل: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} (سورة البقرة آية 23) وقال: {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} (سورة هود آية 13) وذلك كثير في كتاب الله عز وجل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 و" من قرأ آية الكرسي "1. و" من قرأ حرفاً من   1 الحديث له بقية مذكورة في مواطنها من كتب الحديث والمصنف اقتصر على محل الشاهد منه وأنا أشير إلى من خرجه دون الإشارة إلى ألفاظه نظراً لاتفاق الروايات على محل الشاهد. فأخرجه: ت/ فصائل القرآن / باب ما جاء في فضل سورة البقرة وآية الكرسي 5/ 157 حـ 2879 من حديث أبي هريرة، وقال هذا حديث غريب. دي/ فصائل القرآن / باب فضل أول سورة البقرة وآية الكرسي 2/ 449 من حديث أبي هريرة أيضاً. وابن السني (عمل اليوم والليلة/ باب ما يستحب أن يقرأ في اليوم والليلة 254 حـ 692 من حديث أبي هريرة أيضاً. وأورده الهيثمي من حديث أبي أمامة رضي الله تعالى عنه، وقال رواه الطبراني في الكبير والأوسط بأسانيد وأحدها جيد. مجمع الزوائد 10/ 152) كما أورده الألباني في (سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/697 ح 972 وأشار إلى صحة الحديث من عدة طرق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 القرآن" 1. فبين أن القرآن سور وآي وحروف. ويقول: " من حلف بسورة البقرة لزمه في (كل) 2 آية كفارة " 3.   1 ت/ فصائل القرآن/ باب ما جاء فيمن قرأ حرفاً من القرآن ما له من الأجر 5/ 175 حـ 2910 من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وفيه "من قرأ حرفاً من كتاب الله … ". وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وذكره الهيثمي: من حديث عوف بن مالك الأشجعي. وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير والبزار، وفيه موسى بن عبيد الربذي وهو ضعيف. (مجمع الزوائد 7/ 163) . 2 في الأصل: في الهامش، أشار إليها بعلامة الحاق. 3 أخرجه عبد الرزاق مرسلاً عن مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: "من حلف بسورة من القرآن فعليه لكل آية يمين صبر من شاء بره ومن شاء فجره " وأخرجه عن الحسن موقوفاً (المصنف 8/ 473 حـ 15948 و 15949) . ورواه الخلال عن الإمام أحمد عن الحسن مرسلاً أيضاً (المسند من مسائل الإمام أحمد برواية الخلال لوحة 172) مخطوط. وفي المطبوع 6/ 88 برقم 1923 وأخرجه البيهقي من طريق مجاهد ومن طريق الحسن. وقال: هذا الحديث إنما روي من وجهين جميعاً مرسلاً، ثم قال: وروي عن ثابت الضحاك موصولاً مرفوعاً وإسناده ضعيف. (السنن الكبرى 10/ 43) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 وروى: "في كل حرف"1 وأفتى بذلك غير واحد من الصحابة - رضوان الله عليهم - منهم عبد الله بن مسعود2 وأبو هريرة3. وأظهر مما ذكرنا ويبين خزي مخالفينا فيه قول الله سبحانه: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} 4 وكن حرفان ولا يخلو الأمر من أحد وجهين، إما أن يكون المراد بقوله: (كن) التكوين كما قالت   1 ورد بهذا اللفظ موقوفاً على ابن مسعود عند عبد الرزاق: انظر: (المصنف 8/ 472 حـ 15950) . 2 انظر: (المصنف 8/ 472 حـ 15947) ولفظه: (عن أبي كنف أن ابن مسعود مر برجل وهو يقول وسورة البقرة. فقال: أتراه مكفراً؟ أما إن عليه بكل آية يميناً) . وبرواية أخرى عن أبي الأحوص عن ابن مسعود أنه سمع رجلاً يقول: وسورة البقرة يحلف بها فقال أما إن عليه بكل حرف منها يميناً) . (حـ 15950) . وأخرجه بنحو اللفظ الأول: الخلال في (المسند من مسائل الإمام أحمد لوحة (172 خـ) . وفي المطبوع 6/ 88 برقم 1925. وأخرج نحوه أيضاً البيهقي في (السنن الكبرى 10/ 43) وقال: "فقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مع الحديث المرسل فيه دليل على أن الحلف بالقرآن يكون يميناً في الجملة، ثم التغليظ في الكفارة متروك بالإجماع". ونقل ابن عبد البر الإجماع على اعتبار ذلك يميناً تجب فيه الكفارة فقال: (فالذي أجمع عليه العلماء في هذا الباب هو أنه من حلف بالله أو باسم من أسماء الله أو بصفة من صفاته أو بالقرآن أو بشيء منه فحنث فعليه كفارة يمين، وعلى ما وصف الله في كتابه من حكم الكفارة، وهذا ما لا خلاف فيه عند أهل الفروع) التمهيد14/369. 3 أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده: 1/ 402 برقم 442. 4 سورة النحل: آية (40) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 المعتزلة1 أو يكون المراد به ظاهره وأن الله تعالى إذا أراد إنجاز شيء قال له كن. على الحقيقة فيكون. وقد اتفق الأشعري معنا على أنه على ظاهره لا بمعنى التكوين2 واستدل على نفي الخلق عن القرآن لما رد على المعتزلة بقوله: (كن) فإن ثبت على أنه على ظاهره فهو حرفان وانتقض مذهبه. وإن قال: إنه ليس بحرف البتة صار بمعنى التكوين، ولم يبق بينه وبين المعتزلة فرق. وأيضاً فلو كان الكلام غير حرف، وكانت الحروف عبارة عنه لم يكن بد3 من أن يحكم لتلك العبارة بحكم إما أن يكون الله أحدثها في صدر، أو لوح، أو أنطق بها بعض عبيده فتكون منسوبة إليه. (فيلزم) 4 الأشعري أو من قال بقوله أن يفصح بما عنده في السور   1 قال القاضي عبد الجبار: (وإن الصحيح في هذا الباب إنما يحدث ما يحدثه بكونه قادراً على ما نقوله) (شرح الأصول الخمسة 563) . 2 انظر: (الإبانة 65 –66) . وقال في: كتاب اللمع ص34: "فإن قال قائل: ما أنكرتم أن يكون معنى قوله تعالى: {أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} أي نكونه فيكون من غير أن يقول له في الحقيقة شيئاً، قيل له: قال الله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ، فلو جاز لقائل أن يقول لم يكن الله تعالى قائلاً لشيء في الحقيقة "كن" وإنما المعنى أن نكونه فيكون، لجاز لزاعم أن يزعم أن الله تعالى لا يريد شيئا.. وإنما معنى (أردناه) فعلناه من غير أن تكون إرادة على وجه من الوجوه … " 3 في الأصل: (مد) وهو تحريف. 4 في الأصل: (فليزم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 والآي والحروف، أهي عبارة جبريل أم عبارة محمد عليهما السلام. ثم يلزمه أيضاً أن يوسع على الخلق في العدول عن ألفاظها إلى غير تلك الألفاظ مما يؤدي معناها، كما وسع عليهم في التفسير والمعاني. وأن يجيز لهم القراءة في الصلاة بأي لغة أرادوا، إذا أدوا معنى ما في السور؛ لأن التضييق إنما وقع لكون السور كلام الله. فأما من قال: إنها ليست بكلام الله البتة فلا معنى لتضييقه. والإجماع حاصل من الفقهاء على أن الصلاة لا تجزي إلا بقراءة هذا النظم على ما هو به1 إلا ما كان من أبي حنيفة2 فإنه قال: " تجوز القراءة بالفارسية "3. وقد سألت القاضي أبا جعفر   1 حكى الباقلاني المنع من قراءة القرآن بالفارسية وقال إن القرآن سنة متبعة وإن ذلك مذهب السلف والخلف من الأمة، وأنه لا يجوز بدل اللفظة منه بما هو في معناه من العربية بالفارسية – قال – ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن حدث خلاف بعض أصحاب أبي حنيفة – فبعضهم ينكره على أبي حنيفة وبعضهم يثبته. (الانتصار للقرآن 337) وقال ابن قدامة: "ولا تجزئه القراءة بغير العربية. ولا إبدال لفظها بلفظ عربي سواء أحسن قراءتها – أي الفاتحة – بالعربية أو لم يحسن، وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك". (المغني 1/ 486) . 2 وهو النعمان بن ثابت بن زوطا التيمي مولاهم الكوفي (80 – 150) أحد الأئمة الأربعة. انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1/ 168) . 3 قال السرخسي: "إذا قرأ في صلاته بالفارسية جاز عند أبي حنيفة رحمه الله ويكره" المبسوط 1/ 37) وقال السمرقندي في (تحفة الفقهاء) "ولو قرأ القرآن بالفارسية في الصلاة فعلى قول أبي حنيفة تجوز صلاته سواء كان يحسن العربية أو لا يحسن. وقال أبو يوسف ومحمد: إن كان يحسن العربية لا يجوز وإن كان لا يحسن يجوز، وقال الشافعي لا يجوز في الحالتين" (1/ 225) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 النسفي1 عن هذه المسألة، فحكى عن أبي بكر الرازي2 أنها تجوز عند أبي حنيفة إن سميت الفارسية قرآنا3 وقال أبو جعفر: فالكلام يرجع إلى ارتفاع الخلف. وسألت أبا محمد عبد الله بن الحسين الناصحي4 قاضي قضاة5   1 هو: محمد بن أحمد بن محمود القاضي أبو جعفر النسفي، كان من أعيان الفقهاء، أخذ عن أبي بكر الرازي عن الكرخي، ومات سنة أربع عشرة وأربعمائة. انظر: (الفوائد البهية في تراجم الحنفية 157) . 2 هو أبو بكر أحمد بن علي الجصاص، شيخ الحنفية في وقته صاحب أبي الحسن الكرخي له من الكتب شرح مختصر الطحاوي، وكتاب أحكام القرآن، وكتاب شرح الجامع الكبير لمحمد بن الحسن. ولد سنة 305هـ وتوفي ببغداد سنة370هـ. انظر ترجمته لدى: ابن النديم: الفهرست ص293، الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/959 وابن العماد: شذرات الذهب 3/71، وسزكين: تاريخ التراث العربي 2/95. 3 وحكى ذلك عنه أيضاً: الباقلاني: الانتصار 337. 4 هو عبد الله بن الحسين أبو محمد الناصحي – وناصح اسم بعض أجداده ... شيخ الحنفية في عصره والمقدم على الأكابر من القضاة والأئمة في دهره، كان ورعاً مجتهداً ثقة صالحاً ديناً، وكان إماماً كبيراً له مجلس التدريس والفتوى، ولي قضاء القضاة للسلطان محمود بن سبكتكين ببخارى. قدم بغداد حاجاً سنة 412، وتوفي سنة 447 هـ. ومن تصانيفه: تهذيب أدب القضاة للخصاف. انظر ترجمته في: (الجواهر المضيئة 2/ 305 – 306) و (الفوائد البهية 102) و (الأعلام 7/ 103 في الحاشية) . 5 كره بعض أهل العلم إطلاق قاضي القضاة، وألحقوه بالتسمي ب (ملك الأملاك) الذي ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أخنع اسم عند الله رجل يسمى ملك الأملاك لا مالك إلا الله" في: 10/ 588، م: 3/ 1688. وممن كره ذلك ابن أبي جمرة، والعراقي. انظر: (تيسير العزيز الحميد 613) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 خراسان1 عنها فقال: إنما تجوز القراءة بالفارسية إذا وافقت النظم والبلاغة وذلك متعذر. ثم عند أبي حنيفة لا يجوز أن يقرأ بالعربية بغير ألفاظه، ومقتضى مذهب الأشعري جواز ذلك. وإذا أفصح بأنها عبارة محمد وافق الوليد بن المغيرة2 لما قال: {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ} 3 ونحن (نقول) 4 هو كلام الله تعالى. لقوله سبحانه: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} 5 فمن لم يميز بين المقالتين كان كمن حش له6. فهذا في الحروف.   1 خراسان: سيأتي التعريف بها. 2 هو: الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم أبو عبد شمس، من قضاة العرب في الجاهلية، ومن زعماء قريش، أدرك الإسلام وهو شيخ هرم فعاداه وقاوم دعوته. هلك بعد الهجرة بثلاثة أشهر وهو والد سيف الله خالد بن الوليد. انظر ترجمته في: تاريخ اليعقوبي 1/ 258 وانظر تحقيق مقالته في القرآن: (تفسير ابن كثير 4/ 442 – 443) . 3 سورة المدثر: (آية 25) . (نقول) ليست في الأصل، والسياق يقتضي إضافتها. 5 سورة التوبة (آية 6) . 6 أي: كالدابة يقطع ويجلب لها الحشيش وهو اليابس من الكلأ. انظر: (ابن منظور: لسان العرب 6/ 282) مادة (حشش) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 وأما الصوت: فقد زعموا أنه لا يخرج إلا من هواء1 بين جرمين وذلك لا يجوز وجوده من ذات الله تعالى. والذي قالوه باطل من وجوه: ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر سلام الحجر عليه2، وعلم تسليم الحصا في يده3، وتسبيح   1 في الأصل: (هوايين) وهو تصحيف. 2 وذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن". أخرجه م / فضائل / باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم وتسليم الحجر عليه 4/ 1782 حـ (2277) من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه. ت / مناقب / باب في آيات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم 5/ 592 حـ 3624 نحوه. حم: 5/ 89. دي: المقدمة باب ما أكرم الله به نبيه من إيمان الشجر والبهائم والجن 1/ 12. 3 يشير إلى ما جاء من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ حصيات فسبحن في يده، ثم وضعهن فخرسن، ثم أخذهن فسبحن، ثم أعطاهن أبا بكر فسبحن في يده فوضعهن فخرسن، ثم أعطاهن عمر فسبحن في يده، ثم وضعهن فخرسن، ثم أخذهن فخرسن، ثم أعطاهن عثمان فسبحن في يده، ثم أعطاهن علياً فوضعهن فخرسن". قال الزهري: "الخلافة أعطاها الله أبا بكر وعمر وعثمان" قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن أبي حميد وهو ضعيف. وله طريق أحسن من هذا في علامات النبوة وإسناه صحيح. (مجمع الزوائد 5/ 179) . وقال بعد إيراده الطريق الآخر: رواه البزار بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات وفي بعضهم ضعف (8/ 299) . وأخرجه اللالكائي في (شرح) أصول اعتقاد أهل السنة 4/ 800 حـ 1457 من حديث أبي ذر أيضاً – رضي الله عنه – وقال محققه (إسناده ضعيف) . وقال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر الحديث وأشار إلى من خرجه: وأما تسبيح الحصى فليس له إلا هذه الطريق مع ضعفها. انظر: (فتح الباري 6/ 592) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 الطعام1، بين يديه2، وحنين الجذع عند مفارقته إياه3، وما (جا) 4 لشيء من ذلك هواء منخرق بين جرمين.   1 في الأصل (العظام) وهو تحريف. والذي ورد في الحديث تسبيح الطعام. 2 أخرجه البخاري / كتاب المناقب / باب علامات النبوة في الإسلام 6/ 587 حـ 3579 من حديث عبد الله بن مسعود وفيه " ... ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل ". قال الحافظ ابن حجر بعده: (أي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقع ذلك عند الاسماعيلي صريحاً أخرجه عن الحسن بن سفيان عن بندار عن أبي أحمد الزبيري في هذا الحديث "كنا نأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نسمع تسبيح الطعام" (الفتح 6/ 592) . 3 أخرجه: خ: / مناقب / باب علامات النبوة 6/ 601 حـ 8583 من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ولفظه: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع فلما اتخذ المنبر تحول إليه فحن الجذع فأتاه فمسح عليه ". ت: كتاب المناقب 5/ 594 حـ 3627 من حديث أنس. جه: إقامة الصلاة / باب ما جاء في شأن بدأ المنبر 1/ 454 حـ 1414 من حديث الطفيل بن أبي كعب عن أبيه. دي: المقدمة / باب ما أكرم النبي صلى الله عليه وسلم بحنين المنبر 1/ 15 من حديث ابن عمر وجابر وأبي سعيد وابن عباس. حم: 1/ 249، 267 من حديث ابن عباس وأنس. ن: الجمعة / باب مقام الإمام في الخطبة 3/ 83. 4 في الأصل (الكلمة غير واضحة ورسمها مقارب لما أثبت) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 وقد أقر الأشعري: أن السماوات والأرض {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} 1 حقيقة لا مجازاً2، ولا خلاف بين العقلاء ... 3 في أن الله سبحانه قادر على أن ينطق الحجر الأصم على ما هو به، وقال الأشعري: (بعد أن يجعل فيه روحاً) 4 والناس كلهم مخالفون له فيما قال. وإذا وصف بقدرة على إنطاق الحجر الأصم على ما هو به. بطل قول من زعم أن وجود الصوت غير جائز إلا من هواء منخرق بين جرمين. ثم لو كان الأمر على ما زعموا، لم يجب أن يوصف الله سبحانه بما يخالف الشاهد ألا ترى أن الله سبحانه بالاتفاق واحد، حي، قادر، عالم،   1 سورة فصلت: (جزء من آية 1) . 2 انظر: (الإبانة: 79) و (اللمع ص 36) حيث يقول فيها (فإن قال ما معنى قوله تعالى: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} ؟ قيل: له معنى ذلك أنهما قالتا في الحقيقة (أتينا طائعين) . 3 في الأصل كلمة لم أتبين معناها رسمها هكذا (علمي) . 4 نسب هذا القول إليه أيضاً: البغدادي في أصول الدين ص29 فقال: "وإنما اختلف أصحابنا في كون الحياة شرطاً في وجود الكلام فيما ليس بحي، فاشترطها الأشعري فيه وأجاز القلانسي وجود الكلام لما ليس بحي" إهـ. وصنيع الأشعري رحمه الله في الإبانة على خلاف ذلك إذ قال في معرض الرد على المعتزلة: "فإن قالوا: لا تكون الشجرة متكلمة لأن المتكلم لا يكون إلا حياً، قيل لهم: ولا يجوز خلق الكلام في شجرة، لأن من خُلق الكلام فيه لا يكون إلا حياً، فإن جاز أن يخلق الكلام فيما ليس بحي فلِمَ لا يجوز أن يتكلم من ليس بحي" (79) . فدل ذلك على أنه لا يشترط الحياة في المتكلم، كما دل على رجوعه عما نقل عنه، إذ الإبانة من آخر ما صنف رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 سميع، بصير، قوي، مريد، فاعل، وليس بجسم ولا في معناه1.   1 لفظ الجسم من الألفاظ المبتدعة في حق الله عز وجل، فلم ينقل عن الأنبياء ولا الصحابة ولا التابعين ولا سلف هذه الأمة، أن الله جسم أو أن الله ليس بجسم، بل نفي ذلك أو إثباته في جانب الله عز وجل بدعة في الشرع. ذلك لأن إطلاق لفظ الجسم في حق الله عز وجل من الألفاظ التي لم ترد في الشرع والتي تحتمل حقاً وباطلاً، وما كان هذا شأنه فالأولى التوقف عنه وعدم إطلاقه في حق الله عز وجل نفياً أو إثباتاً؛ لأنه قد ينفيه عنه قوم: ليتوصلوا بنفيه إلى نفي ما أثبته الله تعالى ورسوله كالجهمية والمعتزلة ينفون الجسم حتى يتوهم المسلمون أن قصدهم التنزيه ومقصودهم بذلك أن الله لا يرى في الآخرة وأنه لم يتكلم بالقرآن ولا غيره وإنما خلق كلاماً. ولذلك احتج أبو عيسى محمد بن عيسى بن برغوث على الإمام أحمد لما ناظره في القرآن وأن كلام الله غير مخلوق قال ابن برغوث: إذا كان غير مخلوق لزم أن يكون الله جسماً وهذا منتف: فلم يوافقه الإمام أحمد لا على نفي ذلك ولا على إثباته بل قال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} ونبه – رحمه الله – على أن هذا اللفظ لا يدري ما يريدون به، وإذا لم يعرف مراد المتكلم به لم يوافق، لا على إثباته ولا على نفيه. وقد يثبته قوم: ومرادهم أن يتوصلوا بإثباته إلى إثبات ما نفاه الله ورسوله من اتصافه بالنقائص ومماثلته للمخلوقات. والخلاصة: أن ما كان هذا سبيله من الألفاظ المحتملة التي لم يرد بها الشرع لا تثبت ولا تنفى إلا بعد الاستفسار عن معانيها، فإن وجدت معانيها مما أثبته الرب لنفسه أثبتت، وإن وجدت مما نفاه عن نفسه نفيت، وإن وجدنا اللفظ أثبت به حق وباطل أو نفي به حق وباطل، أو كان مجملاً يراد به حق أو باطل وصاحبه أراد به بعضها لكنه عند الإطلاق يوهم الناس ويفهمهم ما أراد وغير ما أراد فهذه الألفاظ لا يطلق نفيها ولا إثباتها كلفظ الجوهر والجسم والتحيز والجهة ونحو ذلك. انظر فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 5/ 429 – 434، وتلبيس الجهمية 2/ 47، وتفسير سورة الاخلاص ص92، 97، 105 – 106 بتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وفي الشاهد لا يجوز وجود حي عالم، قادر، سميع بصير، إلا جسماً. وإذا صح ما ذكرناه. لم يضرنا قول من زعم أن الصوت في الشاهد لا يوجد إلا من هواء منخرق بين جرمين كيف وقد بينا بطلان دعواه قبل هذا. وقبل كل شيء ينبغي أن يعلم اعتمادنا في المعتقدات أجمع على السمع، فإذا ورد السمع بشيء قلنا به، ولم نلتفت إلى شبهة يدعيها مخالف. وقد ورد السمع بذكر الصوت من قبل الله تعالى، ومن قبل أنبيائه- (عليهم السلام) 1 ومن قبل الأئمة والعلماء بعدهم. قال الله سبحانه لموسى عليه السلام: {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} 2 وكان يكلمه من وراء حجاب، لا ترجمان بينهما، واستماع البشر في الحقيقة لا يقع إلا للصوت. ومن زعم أن غير الصوت يجوز في المعقول أن يسمعه من كان على هذه البنية التي نحن عليها، احتاج إلى دليل. وقد روى الزهري3 عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن   1 ليست في الأصل. 2 سورة طه: (أية 13) . 3 هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارت بن زهرة ابن كلاب القرشي الزهري، وكنيته أبو بكر، الفقيه الحافظ، متفق على جلالته وإتقانه. مات سنة 125، وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين. (ابن حجر: تقريب 2/ 207) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 الحارث1 عن جرير بن جابر2 عن كعب3 أنه قال: "لما كلم الله موسى عليه السلام كلمه بالألسنة كلها، قبل لسانه فطفق موسى يقول: والله يا رب ما أفقه هذا حتى كلمه بلسانه آخر الألسنة بمثل صوته". وذكر الحديث4.   1 هو: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارت بن هشام بن المغيرة المخزومي المدني، قيل: اسمه محمد، وقيل: المغيرة، وقيل أبو بكر اسمه، وكنيته: أبو عبد الرحمن، وقيل اسمه كنيته. ثقة، فقيه عابد، مات سنة 94 هـ وقيل غير ذلك (ابن حجر: تقريب 2/ 398) . 2 اختلف في اسمه: فقال البخاري: جرز بن جابر ... وقال عبد الرزاق عن معمر: جرير، وقال يونس وابن أخي الزهري والزبيدي: جزؤ، وقال إسماعيل عن أخيه عن ابن عتيق: جرو ابن جابر) التاريخ الكبير (2/ 256 حـ 2378) . وقال ابن أبي حاتم: جزء بن جابر الخثعمي، روى عن كعب وروى عنه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. في رواية شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، وفي رواية معمر جزء بن جابر وهو وهم. وتابعه الزبيدي، ويقال: حزن بن جابر سمعت أبي يقول ذلك. (الجرح والتعديل 2/ 547) . وقال الحافظ المزي في ترجمة تلميذه أبي بكر بن عبد الرحمن: روى عن جرير بن جابر ويقال جزء بفتح الجيم وسكون الزاي الخثعمي. (تهذيب الكمال: 792/ آ) . 3 هو كعب بن ماتع الحميري أبو إسحاق المعروف بكعب الأحبار ثقة، من أوعية العلم ومن كبار علماء أهل الكتاب، ثقة مخضرم، قدم من اليمن في زمن عمر فسكن الشام، مات في خلافة عثمان وقد زاد على المائة. انظر: (الذهبي: التذكرة 1/ 52) و (ابن حجر: تقريب 2/ 135) . 4 أخرجه عبد الله بن أحمد من طريق معمر عن الزهري به ولفظه: "لما كلم الله موسى كلمه بالألسنة كلها قبل لسانه فطفق موسى يقول: يا رب والله ما أفقه هذا حتى كلمه آخر ذلك بلسانه مثل صوته، فقال: موسى هذا يا رب كلامك فقال الله: "لو كلمتك بكلامي لم تك شيئاً" أو قال: "لم تستقم له" قال: أي رب فهل من خلقك شيء يشبه كلامك قال: لا. وأقرب خلقي شبهاً بكلامي أشد ما يسمع الناس من الصواعق. قال عبد الله: والحديث على لفظ حديث أبي عن عبد الرزاق. (السنة ص 63) . وأخرجه: الدارمي من طريق شعيب عن الزهري. بمثل لفظ المصنف وفي آخره زيادة (يعني بمثل لسان موسى وبمثل صوت موسى) . (الرد على الجهمية 93) . وذكر نحوه الإمام أحمد بدون سند، مع اختلاف في اللفظ يسير. (الرد على الجهمية والزنادقة 132) . وابن كثير في التفسير: من طريق معمر أيضاً عن الزهري. وقال: "وهذا موقوف على كعب الأحبار، وهو يحكي عن الكتب المتقدمة المشتملة على أخبار بني إسرائيل وفيها الغث والسمين". (تفسير ابن كثير 1/ 588) وأخرجه الطبراني في الأوسط 1/ 527. وفي الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث الصحيحة والحسنة الواردة في هذا الباب ما يغني ويكفي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 وهذا محفوظ عن الزهري رواه عنه ابن أبي عتيق1 والزبيدي2، ومعمر3   1 هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، أبو بكر، المعروف بابن أبي عتيق، صدوق فيه مزاح. انظر: (ابن حجر: التقريب 1/ 447) . 2 هو محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي، الزاي والموحدة، مصغراً، أبو الهذيل الحمصي، القاضي، ثقة ثبت من كبار أصحاب الزهري، مات سنة ست، وقيل سبع، وقيل تسع وأربعين ومائة. انظر: (ابن حجر: التقريب 2/ 215) . 3 هو: معمر بن راشد الأزدي مولاهم، أبو عروة البصري، نزيل اليمن، ثقة، ثبت فاضل، أحد الأعلام وعالم أهل اليمن مات سنة 154هـ، وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وقال الذهبي: مات سنة 153، وقيل: سنة أربع، والأول أصح ولم يبلغ الستين. انظر: (ابن حجر: التقريب 2/ 266) ، و (الذهبي: التذكرة 1/ 190) وتقدم تخريج روايته عند عبد الله بن أحمد وابن كثير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 شمالك، وأمامك، وخلفك، ومحيط بك) ، وذكر الحديث1. وررى أبو الحويرث2: أن قوم موسى (عليه السلام) كانوا ينظرون إلى أذنه، فقال عليه السلام (ما لكم تنظرون إلى أذني؟ فقالوا: أذن سمعت كلام الله سبحانه3. وروى همام بن يحيى 4 عن القاسم بن عبد الواحد 5 عن عبد الله   1 أخرجه ابن قتيبة بسنده عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبه وذكره باختلاف يسير في اللفظ. ولم يزد على رواية المولف شيئاً. (تأويل مختلف الحديث 275) . وذكره الملطي بدون سند عن وهب بن منبه. وزاد على لفظ المؤلف "فلما سمع موسى عليه السلام علم أنه لا ينبغي ذلك إلا لربه عز وجل، فأيقن به فقال كذلك أنت يا إلهي فكلامك أسمع أم رسولك؟ قال: بل انا الذي أكلمك". ولعل هذه الزيادة هي التي أشار إليها المؤلف بقوله: (وذكر الحديث) انظر: (التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع 126) . وقال ابن القيم: رواه عبد بن حميد في تفسيره، ويعقوب بن سفيان الفسوي، وذكره عن الإمام أحمد. انظر: (مختصر الصواعق 2/ 285) . 2 هو عبد الرحمن بن معاوية بن الحويرث – بالتصغير – الأنصاري الزرقي أبو الحويرث المدني، مشهور بكنيته، صدوق سيء الحفظ، رمي بالارجاء، مات سنة 130 وقيل بعدها. (ابن حجر: التقريب 1/ 498) وذكر الذهبي الاختلاف في توثيقه والاحتجاج به. انظر: (الميزان 2/ 591) . 3 لم أقف على تخريجه. 4 هو همام بن يحيى بن دينار العوذي، "بفتح المهملة وسكون الواو وكسر المعجمة" أبو عبد الله، أبو بكر، البصري، ثقة ربما وهم. مات سنة أربع وقيل خمس وستين ومائة. (ابن حجر: التقريب 2/ 321) و (الذهبي: في الميزان 4/ 309) و (التذكرة 1/ 200) . 5 هو: القاسم بن عبد الواحد بن أيمن المكي، مولى بني مخزوم، مقبول. قاله ابن حجر في: (التقريب 2/ 118) وقال الذهبي: وثق. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وقيل له يحتج به؟ قال: يحتج بسفيان وشعبة. مات شاباً، روى عنه همام وعبد الوارث وداود العطار. (الميزان 3/ 375) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 ابن محمد بن عقيل1 عن جابر بن عبد الله2 عن عب د الله بن أنيس3 عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يحشر الله الناس يوم القيامة عراة حفاة4 بهما5   1 هو: عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي، أبو محمد المدني، أمه زينب بنت علي، صدوق، في حديثه لين، ويقال تغير بآخره مات بعد الأربعين. (ابن حجر: التقريب 1/ 447) . ونقل الذهبي الاختلاف في توثيقه والاحتجاج به عن الأئمة في الميزان 2/ 484. وقال: قلت حديثه في مرتبة الحسن) . 2 هو: جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام، بمهملة وراء، الأنصاري، ثم السلمي بفتحتين، صحابي ابن صحابي، غزا تسع عشرة غزوة، يكنى أبا عبد الله وأبا عبد الرحمن وأبا محمد، أحد المكثرين عن النبي صلى الله عليه وسلم. مات بالمدينة سنة أربع وسبعين وقيل ثلاث وقيل ثمان وسبعين، ويقال عاش أربعاً وتسعين سنة. (ابن حجر: الإصابة 1/ 213، والتقريب 1/ 122) . 3 هو: أبو يحيى عبد الله بن أنيس الجهني الأنصاري المدني، حليف بني سلمة، شهد العقبة وأحد وما بعدها، أحد الذين كسروا آلهة بني سلمة، توفي بالشام سنة 54هـ. (ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 258 بهامش الإصابة) و (ابن حجر: الإصابة 2/ 278) . 4 لفظة: حفاة: لم ترد في الروايات التي خرجتها. والذي فيها: (عراة غرلاً بهما) سوى البيهقي فعنده (عراة بهما) . 5 بهما: في النهاية 1/ 167، جمع بهيم، وهو في الأصل الذي لا يخالط لونه لون سواه، يعني ليس فيهم شيء من العاهات والأعراض التي تكون في الدنيا كالعمى والعرج وغير ذلك، وإنما هي أجساد مصححة لخلود الأبد في الجنة أو النار. وقال بعضهم في تمام الحديث: قيل وما البهم؟ قال: ليس معهم شيء، وفي رواية البخاري في الأدب: قلنا ما بهما؟ قال: (ليس معهم شيء) ، كذا في رواية أحمد وابن أبي عاصم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 فيناديهم بصوت يسمعه من بُعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان" وذكر الحديث. رواه عن همام، يزيد بن هارون1 وأبو الوليد الطيالسي2 وجماعة من الأئمة، واستشهد به البخاري في كتابه الصحيح3.   1 هو: يزيد بن هارون بن زادان، السلمي مولاهم، أبو خالد الواسطي، ثقة متقن عابد، ولد سنة 118 وتوفي سنة 206، وقد قارب التسعين. (الذهبي: التذكرة 1/ 317) و (ابن حجر: التقريب 2/ 372) . 2 في الأصل: (أبو اليد) وهو خطأ. وهو: هشام بن عبد الملك الباهلي مولاهم، أبو الوليد الطيالسي البصري، ثقة ثبت، مات سنة 227هـ. وله أربع وتسعون سنة. (ابن حجر: المصدر السابق 2/ 319) . 3 تعليقاً في كتاب التوحيد / باب قول الله تعالى: {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} 13/ 453، بصيغة التمريض، وذكر الارتحال بصيغة الجزم في كتاب العلم / باب الخروج في طلب العلم 1/ 173. وأخرجه: في الأدب المفرد / باب المعانقة ص 252 حـ 970 من طريق موسى عن همام.. وأخرجه في خلق أفعال العباد ص 192 (ضمن مجموعة عقائد السلف) من طريق داود بن شيبة عن همام. وأخرجه حم: 3/ 495 من طريق يزيد بن هارون. وابن أبي عاصم في السنة / باب ذكر الكلام والصوت 1/ 225 حـ 514 من طريق شيبان بن فروخ عن همام. والحاكم: باب الأهوال 4/ 574 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. والبيهقي: الأسماء والصفات ص 78 – 79 من طريق يزيد بن هارون. وقال الألباني في ظلال الجنة في تخريج السنة: "حديث صحيح" وإسناده حسن (أو قريب منه وذكر من خرجه ثم قال: وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، كذا قالا - قال - وأحسن أحواله أن يكون حسناً كما ذكرنا) (السنة لابن أبي عاصم 1/ 225) . وقال الحافظ ابن حجر: وله طريق أخرى أخرجها الطبراني في مسند الشاميين، وتمام في فوائده من طريق الحجاج بن دينار عن محمد بن المنكدر عن جابر ... وإسناده صالح، وله طريق ثالثة أخرى أخرجها الخطيب في الرحلة من طريق أبي الجارود العنسي عن جابر، وفي إسناده ضعف. (الفتح 1/ 174) . وقال ابن القيم: "هذا حديث حسن جليل، وعبد الله بن محمد بن عقيل صدوق حسن الحديث وقد احتج به غير واحد من الأئمة، وتكلم فيه من قبل حفظه وهذا الضرب ينتفي من حديثهم ما خالفوا فيه الثقات ورووا ما يخالف روايات الحفاظ وشذوا عنهم، وأما إذا روى أحدهم ما شواهده أكثر من أن تحصر مثل هذا الحديث فلا ريب في قبول حديثه، وأما القاسم بن عبد الواحد فحسن الحديث أيضاً وقد احتج به النسائي مع تشدده في الرجال". إهـ. (مختصر الصواعق 2/ 280) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 وروى عطية بن سعد1وأبو صالح السمان2عن أبي سعيد الخدري3   1 هو: عطية بن سعد بن جنادة – "بضم الجيم بعدها نون خفيفة" – العوفي الجدلي. "بفتح الجيم المهملة" الكوفي، أبو الحسن، صدوق يخطئ كثيراً، كان شيعياً مدلساً. مات سنة111هـ. (ابن حجر: التقريب 2/ 24) ونقل الذهبي أقوال الأئمة فيه. انظر: (الميزان 3/ 80) . 2 واسمه: ذكوان، أبو صالح السمان الزيات المدني ثقة ثبت، كان يجلب الزيت إلى الكوفة مات 101. (ابن حجر: التقريب 1/ 238) . 3 هو: سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة الأنصاري، أبو سعيد الخدري، مشهور بكنيته استصغر بأحد، واستشهد أبوه بها، وغزا هو ما بعدها، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم الكثير، مات سنة 74 وقيل 64 وقيل 63 وقيل 65. (ابن حجر: الإصابة 2/ 35) و (التقريب 1/ 289) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 (رضي الله عنه) عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر إسرافيل1 أنه قد التقم القرن بفيه وحنى جبهته وأصغى سمعه تحت العرش ينتظر متى يؤمر فينفخ 2 والنفخة الآخرة التي للبعث قد نطقت الأخبار بأنها تكون ولا حي إذ ذاك إلا الله سبحانه، ثم إن3 إسرافيل4 فإصغاء سمعه تحت العرش انتظارا للأمر لا يكون إلا لصوت5 الآمر. وقال الله تعالى: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى} 6 وقال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً} 7 وقال جل جلاله: {فَلَمَّا أَتَاهَا   1 اسرافيل – عليه السلام -: هو الملك الموكل بالصور والنفخ فيه. وانظر عنه وما ورد فيه: (الحبائك في أخبار الملائك للسيوطي 25 – 30) . 2 أخرجه: ت/باب: ومن سورة الزمر 5/372حـ 3243. وقال هذا حديث حسن. حم: 1/326، 3/7 وفي 3/73 بلفظ (..وصاحب الصور قد التقم الصور ... ) والحميدي: في مسنده 2/ 332. (إن) زائدة. فيما ظهر لي من السياق. 4 جاء في حديث الصور الطويل: أن نفخة البعث: تكون وقد أحيا الله حملة العرش وجبريل وميكائيل. انظر: (ابن كثير: التفسير 2/ 146 – 147) قال: وقد روينا حديث الصور بطوله من طريق الحافظ أبي القاسم الطبراني في كتابه المطولات) . 5 في الأصل: (الصوت الأمر) وهو تحريف. 6 سورة الشعراء: (آية 10) . 7 سورة النازعات: (آية 16) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 1.والنداء عند العرب صوت لا غير2، ولم يرد عن الله تعالى ولا عن رسوله عليه السلام أنه من الله غير صوت. ولا خلاف بيننا في أن موسى مكَلَّم بلا واسطة، فسقط قول من زعم أن العرب تقول: نادى الأمير من ينادي. وروى أحمد بن حنبل3 رحمة الله عليه عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي4 عن الأعمش5, عن مسلم بن صبيح6 عن مسروق7   1 سورة القصص: (آية 30) . 2 قال ابن منظور: النِّداء، والنُّداء: الصوت مثل الدعاء والرغاء، وقد ناداه ونادى به، وناداه مناداة ونداء: صاح به ... والنداء: ممدود: الدعاء بأرفع الصوت. (لسان العرب 15/ 315) . 3 تقدم. 4 هو: عبد الرحمن بن محمد بن زياد المحاربي، أبو محمد الكوفي، لا بأس به، وكان يدلس قاله أحمد، مات سنة 295هـ. (ابن حجر: التقريب 1/497) . 5 هو: سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي، أبو محمد الكوفي الأعمش، ثقة حافظ، عارف بالقراءة، ورع لكنه يدلس. مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومائة، وكان مولده سنة إحدى وستين. (المصدر نفسه 1/ 331) . 6 هو: مسلم بن صبيح - بالتصغير - الهمداني، أبو الضحى الكوفي، العطار، مشهور بكنيته، ثقة فاضل. مات سنة مائة هـ. (المصدر نفسه 2/ 245) . 7 هو: مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي، أبو عائشة، الكوفي، ثقة، فقيه، عابد، مخضرم. مات سنة اثنتين وستين، وقيل ثلاث وستين. (المصدر نفسه 2/ 242) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 عن عبد الله بن مسعود1 (رضي الله عنه) قال: "إذا تكلم الله سبحانه بالوحي سمع صوته أهل السماء فيخرون سجداً". ذكره بهذا اللفظ عبد الله بن أحمد2 عن أبيه في "كتاب الرد على الجهمية"3 وما في رواته إلا إمام مقبول4.   1 هو: الصحابي الجليل، تقدمت ترجمته. 2 وهو: عبد الله بن أحمد بن حنبل الشيباني، أبو عبد الرحمن، ولد الإمام ثقة، مات سنة تسعين ومائتين وله بضع وسبعون سنة ... (ابن حجر: التقريب 1/ 401) . 3 أخرجه في كتاب (السنة له) وليس له كتاب بعنوان الرد على الجهمية ولعل المقصود كتاب السنة فإنه فيه بلفظ المصنف. وفي آخره بعد قوله (سجداً) : "حتى إذا فزع عن قلوبهم قال: سكن عن قلوبهم نادى أهل السماء ماذا قال ربكم؟ قالوا الحق قال كذا وكذا". (ص:62) وقال ابن القيم: (رواه عبد الله بن أحمد في كتاب السنة عن أبيه) (مختصر الصواعق 2/ 284) . وأخرجه: خ: تعليقاً عن ابن مسعود باختلاف في اللفظ / كتاب التوحيد / باب قول الله عز وجل: {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} 13/ 452. د: مرفوعاً: كتاب السنة / باب في القرآن 105حـ 4738 باختلاف في اللفظ. وكذا ابن خزيمة: باب صفة تكلم الله عز وجل بالوحي (كتاب التوحيد 145) . والبيهقي موقوفاً ومرفوعاً في: الأسماء والصفات 201. 4 العبارة في الأصل مضطربة ونصها: "وما في رواية الإمام مقبول". والتصويب من كتاب (الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم. للشيخ موفق الدين ابن قدامة لوحة 195 مخطوط مجموع رقم 1546 بالمكتبة المركزية بالجامعة الإسلامية) حيث نقل عن المصنف أنه قال عقب حديث ابن مسعود: هذه العبارة (وما في رواة هذا الخبر إلا إمام مقبول) . وهو في المطبوع ص 48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 وقد ذكرنا في كتاب الإبانة1 عدة أحاديث سوى ما ذكرناه هاهنا في ذكر الصوت. وحد الصوت: هو ما يتحقق سماعه، فكل متحقق سماعه صوت، وكل ما لا يتأتى سماعه البتة ليس بصوت2. وصحة الحد هذا وهو أن يكون مطرداً، منعكساً3 يمنع غيره من الدخول عليه. وأما قول خصومنا إن الصوت هو: الخارج من هواء بين جرمين. فحد غير صحيح، لأنا قد بينا أنه قد يوجد خلاف ما زعموه، والله أعلم4. فإن قالوا: الصوت والحرف إذا ثبتا في الكلام اقتضينا 5 عدداً والله سبحانه واحد من كل وجه6.   1 تقدم التعريف به. 2 قال الأزهري: "وأما الصوت فهو الذي يسمعه الناس" انظر: (النووي: تهذيب الأسماء واللغات 1/ 180) . 3 الطرد هو: تحقيق المحدود مع تحقق الحد. و (العكس) هو: انتفاء المحدود مع انتفاء الحد. انظر: (الرد على المنطقيين) 17 نقله عن أبي المعالي. وانظر أيضاً: التعريفات للجرجاني 141، 153. 4 يشير إلى تكلم الحجر وحنين الجذع وتسبيح الحصا والطعام. وقد تقدم. 5 هكذا بالأصل ولعل الصواب (اقتضيا) . 6 وانظر هذا المعنى عند الباقلاني، وهو من أئمة الأشاعرة ومقدميهم، إذ يقول: ( ... وأيضاً فإن الحروف متناهية معدودة، وكلام الله قديم لا مفتتح لوجوده، ولا نهاية لدوامه كعلمه وقدرته، ونحو ذلك من صفات ذاته، وقد أكد الله تعالى ذلك بغاية التأكيد وأن كلامه لا يدخله العدد والحصر والحد بقوله: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} . فأخبر تعالى أنه لا نهاية لكلامه إذ كل ما له نهاية له بداية وإنما نتصور النهاية في حق من يتصور في حقه البداية. (الإنصاف 103) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 قيل لهم: قد بينا لكم مراراً أن اعتماد أولى الحق في هذه الأبواب على السمع، وقد ورد السمع بأن القرآن ذو عدد1، وأقر المسلمون بأنه كلام الله حقيقة لا مجازاً. وكلامه صفة وقد عد الأشعري صفات الله سبحانه (سبع عشرة) 2 صفة، وبين أن منها ما لا يعلم إلا بالسمع3 وإذا جاز أن يوصف بصفات معدودة لم يلزمنا بدخول العدد في الحروف شيء. فإن قالوا: إن التعاقب يدخلها وكل ما تأخر عن ما سبقه محدث4.   1 وأنه سور وآيات وحروف، وقد تقدم بيان ذلك في ص 235. 2 في الأصل: (سبعة عشر) . 3 انظر: (الإبانة: 21 – 33) و (المقالات 1/ 345 – 349) . 4 وقد قالوا نحو هذا. قارن هذا القول بكلام الباقلاني في الإنصاف ص 99 إذ يقول: "وأيضاً فإن حروف الكلمة يقع بعضها سابقاً لبعض، فعند خط الكاتب (با) قد حصلت وثبتت قبل خطه (سينا) وكذلك السين حصلت وثبتت قبل خطه ميما - في كلمة (بسم) - وما تقدم بعضه على بعض وتأخر بعضه عن بعض فهو صفة الخلق لا صفة الحق، وكذلك الأصوات يتقدم بعضها على بعض ويتأخر بعضها عن بعض ويخالف بعضها بعضاً، وكل ذلك صفة كلام الخلق لا صفة كلام الحق الذي هو قديم ليس بمخلوق".إهـ فجعل تعاقب الحروف والأصوات ومجيء بعضها عقب بعض دليلاً على حدوث الكلام وخلقه، ثم نفى أن يكون كذلك. أي: ليس بحرف ولا صوت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 قيل: دخول التعاقب إنما يتعين فيما يتكلم بأداة، والأداة تعجز عن (أداء) 1 شيء إلا بعد الفراغ من غيره. وأما المتكلم بلا جارحة2 فلا يتعين في تكلمه التعاقب. وقد اتفقت العلماء على أن الله سبحانه يتولى الحساب بين خلقه يوم القيامة في حالة واحدة3، وعند كل واحد منهم أن المخاطب في الحال هو وحده، وهذا خلاف التعاقب. ثم لو ثبت التعاقب لم يضرنا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما خرج من باب الصفا: "نبدأ بما بدأ الله به ثم قرأ: {إن   1 في الأصل: (أداة) وهو تحريف. 2تقدم التعليق على إثبات الجوارح ونفيها في تكلم الله جلَّ وعلا. 3 يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والله سبحانه يحاسب الخلق في ساعة واحدة، ولا يشغله حساب هذا عن حساب هذا. وكذلك إذا ناجوه أو دعوه أجابهم، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يقول الله تعالى: قسمت الصلاة بيني ويبن عبدي نصفين نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله حمدني عبدي ... " الحديث - أخرجه مسلم 1/ 296 حـ 395 كتاب الصلاة باب قراءة الفاتحة من حديث أبي هريرة – قال شيخ الإسلام: فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يقول هذا لكل مصل والناس يصلون في ساعة واحدة والله تعالى يقول لكل منهم هذا – وقال -: وقد روي أن ابن عباس قيل له: كيف يحاسب الله الخلق في ساعة واحدة؟ فقال: كما يرزقهم في ساعة واحدة. انظر: (درء تعارض العقل والنقل 4/ 129 – 130) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 الصفا والمروة من شعائر الله} 1 2 فبين أن الله بدأ بذكر الصفا. والقرآن كله بإجماع المسلمين كلام الله سبحانه. وفي هذا القدركفاية لمن وفق للصواب. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب "الرد على الجهمية"3 سألت أبي فقلت: إن قوماً يزعمون أن الله لا يتكلم بصوت فقال أبي: بلى إن الله سبحانه يتكلم بصوت وإنما (ينكر) 4 هذا الجهمية، وإنما يدورون على التعطيل5. واحتج بحديث عبد الرحمن بن محمد المحاربي   1 سورة البقرة: (آية 158) . 2 أخرجه: م: الحج / باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم 2/ 886 حـ 147 من حديث جابر وفيه "أبدأ" بدل "نبدأ". ت: التفسير / سورة البقرة 5/ 210 حـ 2967 من جابر وقال: هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم. د: مناسك/باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم 2/455 حـ 1905 من حديث جابر أيضاً. ط: الحج / باب البدء بالصفا 1/ 372 حـ 126. ن: الحج / باب الصفا والمروة 5/ 191. جه: مناسك / باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم 2/ 1022 حـ 3074. دي: المناسك / باب في سنة الحاج 2/ 46. 3 وهو المشهور بكتاب السنة كما تقدم. 4 في الأصل في الهامش (واضحة في الميكروفلم وهي غير ظاهرة في المكبرة) . 5 انظر: (السنة ص 62 ولفظه: قال: سألت أبي عن قوم يقولون: لما كلم الله موسى لم يتكلم بصوت. فقال أبي: بلى تكلم بصوت، هذه الأحاديث نرويها كما جاءت، وقال أبي: حديث ابن مسعود: "إذا تكلم الله سمع له صوت كجر السلسلة على الصفوان" قال أبي: وهذه الجهمية تنكره، قال أبي: وهؤلاء كفار يريدون أن يموهوا على الناس من زعم أن الله لم يتكلم فهو كافر إلا أنا نروي هذه الأحاديث كما جاءت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 الذي سقناه1. فقول خصومنا: إن أحداً لم يقل إن القرآن2 كلام الله حرف وصوت كذب وزور. بل السلف كلهم كانوا قائلين بذلك، وإذا أوردنا فيه المسند وقول الصحابة من غير مخالفة وقعت بينهم في ذلك صار كالإجماع. ولم أجد أحداً يعتد به ولا يعرف ببدعة (من) 3 نفر من ذكر الصوت إلا البويقي4 إن صح عنه ذلك. فإن عند أهل مصر رسالة يزعمون أنها عنه وفيها: لا أقول إن كلاَم الله حرف وصوت ولا أقول إنه ليس بحرف وصوت5.   1 تقدم في هذا الفصل ص 253. 2 في الأصل فراغ بقدر كلمة مسحت، وقد تبينتها بواسطة الميكروفلم فإذا هي (القرآن) . (من) مثبتة في الأصل، والمعنى لا يستقيم، فلعلها زائدة، أو لعلها (ممن) وهو متجه. 4 كذا بالأصل (البويقي) وهو تحريف، وصوابه: البويطي. وهو أبو يعقوب يوسف ابن يحيى المصري، صاحب الإمام الشافعي، كان ممن امتحن في مسألة القرآن وثبت على الحق حتى مات في قيده مسجوناً بالعراق سنة 231هـ. انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء 12/ 58 – 61. 5 لم أجد تخريج هذا القول عنه ولم أطلع على ذكر لرسالته تلك عند غير المصنف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 وهذا إن صح عنه فليس فيه أكثرمن إعلامنا أنه لم يتبين هذه المسألة ولم يقف على الصواب فيها. وأما غيره ممن نفى الحرف والصوت فمبتدع ظاهر البدعة أو مقروف بها 1 مهجور على ما جرى منه. والله الموفق للصواب.   1 أي: متهم بها. وانظر: ص 326. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 الفصل السادس: في إيراد الحجة على أن الكلام لن يُعرَّى عن حرف وصوت البتة، وأن ما عُرّى عنهما لم يكن كلاماً في الحقيقة وإنما سمي في وقت بذلك تجوزاً واتساعاً وتحقيق جواز وجود الحرف والصوت من غير آلة وأداة وهواء منخرق وبيان قول السلف وإفصاحهم بذكر الحرف والصوت أو ما دل عليهما ... ويونس بن يزيد1، وشعيب بن أبي "حمزة"2 وهؤلاءكلهم أئمة ولم ينكره واحد منهم. وقوله: بمثل صوته معناه: أن موسى عليه السلام حسبه مثل صوته في تمكنة من سماعه وثباته عنده ويوضح صحة هذا آخر الحديث فإنه قال: (لو كلمتك يا موسى بكلامي لم تك شيئا ولم تستقم له3) . وروي عن وهب بن منبه4 أنه قال: لما سمع موسى عليه السلام كلام الله تعالى أنس بالصوت فقال: (يا رب (أسمع) 5 صوتك ولا أرى مكانك فأين أنت؟ فقال الله سبحانه: أنا فوقك، وعن يمينك، وعن   1 هو: يونس بن يزيد بن أبي النجاد الأيلي، "بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها لام" أبو يزيد مولى آل أبي سفيان، ثقة، إلا أن في روايته عن الزهري وهماً قليلاً، وفي غير الزهري خطأ. مات سنة 159 على الصحيح. انظر: (ابن حجر: التقريب 2/ 386) . (حمزة) في الأصل بالهامش. وهو: شعيب بن أبي حمزة الأموي مولاهم، واسم أبيه دينار، أبو بشر الحمصي، ثقة عابد، قال ابن معين: من أثبت الناس في الزهري، مات سنة 162 أو بعدها. (ابن حجر: التقريب 2/ 352) وقال الذهبي: كان مليح الضبط أنيق الخط، قال الإمام أحمد: رأيت كتب شعيب ابن أبي حمزة فرأيت كتباً مضبوطةً مفيدةً. (التذكرة 1/ 221) وتقدم تخريجه عند الدارمي. 3 انظر: ص 245 هامش رقم 4. 4 هو: الحافظ: وهب بن منبه أبو عبد الله الصنعاني، عالم أهل اليمن، ولد سنة 34هـ وعنده من علم أهل الكتاب شيء كثير، فإنه صرف عنايته إلى ذلك، وبالغ، كان ثقة واسع العلم، توفي سنة 114هـ. انظر ترجمته لدى: (الذهبي: التذكرة 1/ 100، والميزان 4/ 352) ، و (ابن حجر: التقريب 2/ 339) . 5 في الأصل (استمع) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الفصل السابع: في بيان فعلهم في إثبات الصفات في الظاهر وعدولهم إلى التأويل في الباطن وينبغي أن يتأمل قول الكلابية والأشعرية في الصفات، ليعلم أنهم غير مثبتين (إلهاًَ) 1 في الحقيقة، وأنهم يتخيرون من النصوص ما أرادوه، ويتركون سائرها ويخالفونه. من ذلك اعترافهم بأن الله سبحانه موصوف بأن له يداً وأن هذه الصفة إنما عرفت من جهة السمع، وأظهروا الرد على المعتزلة في ذلك. وأهل السنة متفقون على أن لله سبحانه يدين، بذلك ورد النص في الكتاب والأثر، قال الله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ} 2. وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "وكلتا يدي الرحمن يمين" 3.   1 كذا في الأصل ويجوز أن تكون (لها) . 2 سورة ص: (آية 75) . 3 أخرجه: م: الإمارة/ باب فضيلة الإمام العادل3/1458حـ 18 (1827 من حديث عبد الله بن عمر ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا". حم: 2/160،203. ن: كتاب آداب القضاة/ فضل الحاكم العادل في حكمه 8/ 195 ابن منده: (الرد على الجهمية) ص 73/ ح 44 من حديث ابن عمر. وقال: وهذا حديث ثابت باتفاق. الآجري: (الشريعة) ص 322 عن ابن عمر رضي الله عنهما من عدة طرق. البيهقي: (الأسماء والصفات 324 عن ابن عمر أيضا) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 وعند الكلابية أن له يدا واحدة1 ومن أثبت له يدي صفة فقد ضل. ثم فسروا اليد وعدلوا في التفسيرعن الظاهر إلى تأويل مخالف له فعادوا إلى المعتزلة. والأشعري أثبت يدين لكنه وافق ابن كلاب في التأويل2. وكل حديث جاء في الصحيح مما يتعلق في الصفات عدلوا به إلى معنى غير الصفة. منها حديث ابن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} 3   1 وهي التي بمعنى القدرة، أو النعمة عندهم. 2 الواقع أن الذي انتهى إليه الأشعري في آخر مصنفاته: إثبات اليدين لله عز وجل من غيرتكييف، ورد على من أولها بالنعمة أو القدرة رداً حسنًا أجاد فيه وأفاد رحمه الله. انظر: الإبانة 125 - 140 و (رسائل الثغرص 147 مخطوط بمكتبة الدراسات بالجامعة الإسلامية تحت رقم 47 عقائد) . وانظر المطبوع ص 127. وما ذكره المؤلف هو مذهب المنتسبين إلى أبي الحسن الأشعري المتمسكين بمذهبه الكلابي الذي ثبت رجوعه عنه. وانظر مثلا: (مشكل الحديث وبيانه: 38، 104، 224) و (الإرشاد للجويني 155) . 3 سورة الزمر: آية 7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 فقال1: "يحمل السموات على أصبع والأرضين على أصبع" 2. ومنها حديثه الثابت عنه عليه السلام: "قلوب العباد بين أصبعين من أصابع إلرحمن" رواه النواس بن سمعان 3 وجماعة من   1 في الأصل: بالهامش. 2 طرف من حديث أخرجه: خ: كتاب التوحيد/باب قول الله تعالى لما خلقت بيدي: 13/392 حـ 7414، وحـ: 7415 وفي باب قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا} 13/438 حـ 7451 وفي باب/ كلام الله عزوحل يوم القيامة للأنبياء وغيرهم 13/474 حـ7513 كتاب التفسير/ تفسيرسورة الزمر باب/ وما قدروا الله حق قدره 8/550 حـ 4811. م: كتاب صفات المنافقين/ باب صفة القيامة والجنة والنار 4/2147 حـ19 (2786) . ت. التفسير: باب/ ومن سورة الزمر 5/ 371 حـ 3238 ابن أبي عاصم (السنة 238 حـ541) . ابن خزيمة (التوحيدص 76) الدارقطني (كتاب الصفات ص 21-26 حـ 19-27) ابن منده (كتاب الرد على الجهمية ص83-62) البيهقي (الأسماء والصفات 333) 3 هو النواس به سمعان بن خالد بن عمرو بن قرط الكلابي الأنصاري له ولأبيه صحبة، وحديثه عند مسلم في صحيحه، سكن الشام. (ابن حجر: الإصابة 3/ 576، والتقريب 2/308) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 الصحابة رحمهم الله1. ومنها (حديث) 2 أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يضحك الله سبحانه وتعالى إلى رجلين" 3   1 الحديث أخرحه: م: كتاب القدر/ باب تصريف الله تعالى القلوب كيف يشاء 4/ 2045 حـ 17 (2654) من حديت عبد الله بن عمرو بن العاص. ت: كتاب القدر/ باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن 4/448حـ2114 من حديث أنس. حم: 2/ 168 من حديث عبد الله به عمرو بن العاص رضي ألله عنهما و4/182 من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه و 6/ 251 من حديث عاثشة رضي الله تعالى عنها. جه: المقدمة/ باب فيما أنكرت الجهمية 1/72 حـ199 من حديث النواس (كتاب التوحيد ص 80) . الدارقطني: (كتاب الصفات ص 27حـ 29 من حديث عبد الله بن عمرو. ابن منده: (الرد على الجهمية 87 حـ 68 من حديث النواس وحـ 69 من حديث جابر والبيهقي (الأسماء والصفات 340 من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، والنواس رضي الله عنهم. 2 في الأصل. الكلمة في الهامش من أسفل أشير إليها بعلامة لحق. 3 طرف من حديت أخرجه. خ: الجهاد: باب الكافريقتل المسلم ثم يسلم فيسدد بعد ويقتل 6/39 حـ 2826 من حديث أبي هريرهَ م: الإمارة/ باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان النار 3/1504حـ 128، 129 من حديث أيى هريرة أيضاً. ن: الجهاد/ باب اجتماع القاتل والمقتول في سبيل الله في الجنة 6/ 32 ط. كتاب الجهاد/ باب الشهداء في سبيل الله 2/460حـ 28 ابن خزيمة (التوحيد ص 234) الآجري. (الشريعة ص 277 حـ 278) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 وحديث أبي رزين1 في معناه2. ومن ذلك الغضب، والرضى، وغير ذلك، وقد نطق القرآن بأكثرها3.   1 هو أبو رزين العقيلي. واسمه لقيط بن عامر بن المنتفق بن عامر العامري أبو رزين العقيلي. (ابن حجر: الإصالة 3/330) . 2 ولفظه: "قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره قال قلت يا رسول الله أو يضحك الرب عزّ وجل، قال نعم. قال: لن نعدم من رب يضحك خيراً ". أخرجه بهذا اللفط. الإمام أحمد/ المسند 4/ 11 جه المقدمة/ باب فيما أنكرت الجهمية 1/64 حـ181. ابن أيى عاصم: (السنة 1/ 244) والدارقطي: كتاب الصفات ص 27 حـ 30 واللالكائي: (شرح أصول اعتقاد أهل السنة ص 411 حـ722 والحديث سنده ضعيف لأجل وكيع بن حدس مختلف فيه. فبينما ذكره ابن حبان في الثقات قال فيه ابن القطان مجهول الحال، وقال الذهبي لا يعرف (الميزان 4/ 335) وحكم الألباني بضعفه. انظر (السنة لابن أبي عاصم 1/ 244) . 3 فقال تعالى {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} النساء 93 وقال تعالى: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} الفتح 6 وقال في الرضى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} المائدة 119 {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} التوبة 100 {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} الفتح 18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 وعند أهل الأثر أنها صفات ذاته لا يفسر منها إلا ما فسره النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابي بل نمر هذه الأحاديث على ما جاءت بعد قبولها والإيمان بها والاعتقاد بما فيها بلا كيفية1.   1 وهذا هو مذهب أهل الحق من سلف هده الأمة وخلفها، وقد ثبت عن أئمة السلف رحمة الله علينا وعليهم أنهم- قالوا في أحاديث الصفات: (تمركما جاءت ولا يفسر شيء منها) بمعنى لا يكيف. فهذا سفيان بن عيينة يقول- وقد سئل عن أحاديت العجب والضحك-: (هي كما جاءت نقر بها، ونحدث بها بلا كيف) ، انظر: الصفات للدارقطني 42حـ 63. وقال الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي، ومالك بن أنس وسفيان الثوري والليث ابن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية وغير ذلك فقالوا: امضها بلا كيف انظر: الصفات للدارقطني 44حـ67. وقد ثبت عن الإمام مالك بن أنس وشيخه ربيعة بن أبي عبد الرحمن قولهم في الاستواء: (الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب) وقد تقدم تخريج هذا القول عنهما. ومقصود السلف رحمهم الله بقولهم: أمروها كما جاءت بلا كيف: إثبات حقيقة معاني ألفاظها والإيمان بها، مع نفي علمهم بكيفيتها. وليس المقصود أنهم يؤمنون باللفظ من غير فهم لحقيقة معناه. فهم يفهمون حقيقة معاني هذه الألفاظ الواردة في الصفات كالاستواء والضحك ويؤمنون بذلك على ما يليق بالله سبحانه وتعالى، ويفوضون في الكيفية فقط. يقول شخ الإسلام ابن تيمية: (ولو كانوا يؤمنون باللفظ المجرّد من غير فهم لمعناه لما قالوا: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول) ولما قالوا:"أمروها كما جاءت بلا كيف" فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوما بل مجهول. ثم قال: وأيضا فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية. إذا لم يفهم عن اللفظ معنى، وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبتت الصفات. وأيضا: فإن من ينفي الصفات لا يحتاج إلى أن يقول: (بلا كيف) فمن قال: إن الله ليس على العرش لا يحتاج أن يقول: (بلا كيف) فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا (بلا كيف) . وأيضا: فقولهم أمروها كما جاءت يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه، فإن هذه الألفاظ جاءت دالة على معاني، فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال: "أمرّوا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم غير مراد" أو "أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلّت عليه حقيقة" انظر: الفتوى الحموية ص 112 ضمن مجموعة نفائس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 ولأبي بكر بن فورك الأصبهاني1 كتابان في تفسيرما ورد في القرآن من الصفات، ومعنى ما جاء في الحديث الصحيح2 منها ما يخالف   1 هو محمد بن الحسن بن فورك الأديب المتكلم الأصولي الواعظ النحوي أبو بكر، درس مذهب الأشعري بالعراق على أبي الحسن الباهلي ثم رحل إلى نيسابور ثم إلى غزنه، بلغت تصانيفه في أصول الدين وأصول الفقه ومعاني القرآن قريبا من المائة توفي مسموماً في طريق عودته من غزنة سنة 406هـ. ترجمته لدى (ابن عساكر: تبيين كذب المفتري 232) . و (ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/272) (والسبكي: طبقات الشافعية 3/52) . 2 له كتاب (تفسير القرآن) ذكر سزكين أنه يوجد منه المجلّد الثالث ويقع في 200ورقة. وهو محفوظ في مكتبة فيض الله. انظر: (تاريخ التراث 2/390) وذكره السيوطي ونقل عنه في الإتقان 4/202. وله كتاب (تأويل مشكل الحديث وبيانه) ، وهو مطبوع متداول، وكلّه في أحاديث الصفات وسلك فيه مسلك التأويل ورد على أئمة الإثبات كابن خزيمة وغيره. وإنما جاءه الإشكال في هذه الأحاديث حينما أدخل العقل وحكمه في النص وقاس الغائب على الشاهد فذهب ينفي ويؤول ما ظن أنه مشكل ومؤد إلى التشبيه، ولو سلك سبيل السلف من الإيمان بالنص وإثبات معنى الصفة، ثم فوض العلم بالكيفية لما حصل له إشكال، فآيات الصفات وأحاديثها ليست عند السلف من المتشابه ولا من المشكل أصلاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 في ... 1 أهل السنة. ومن أتقن السنة ثم تأمل كتابيه بانَ له خلاف أبي بكر بن فورك وأصحابه للحق. والمعتزلة مع سوء مذهبهم أقل ضرراً على عوام أهل السنة من هؤلاء، لأن المعتزلة قد أظهرت مذهبها ولم تستقف2 ولم تموه. بل قالت: إن الله بذاته في كل مكان3، وإنه غيرمرئي4 وإنه لا سمع له ولا بصر،   1 في الأصل كلمة لم أتبينها. 2 الاستقفاء: الإتيان من الخلف. يقال: تقفيته بالعصا واستقفيته ضربت قفاه بها. (لسان العرب 15/193) . والمقصود هنا أن المعتزلة صرحوا بمعتقدهم في صفات الله وجاهروا به، ولم يحاولوا إخفاءه ومخادعة خصومهم والتمويه عليهم. 3 وقال بعضهم معنى: كونه في كل مكان: أي أنه مدبر لكل مكان. ولهم قول آخر وهو أنه لا في مكان بل هو على ما لم يزل عليه انظر: (الأشعري: المقالات1/286) 4 وانظر لتحقيق مذهبهم في الرؤية: (القاضي عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة 232) والبغدادي: الفرق بين الفرق 114) والشهرستاني: الملل والنحل 1/45) و (الأشعري: المقالات1/238) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 ولا علم، ولا قدرة ولا قوة، ولا إرادة، ولا كلام، و (لا) 1 صفات مضافة إلى ذاته لازمة لها، بل هذه الأشياء أفعال له محدثة في غيره2 وإن القرآن مخلوق3، وإن من مات من غيرتوبة من أصحاب الكبائر خلد في النار مع الكفار4 وإن الحوض والشفاعة، والميزان لا أصل لها5، وإن من زنا أو سرق أو ارتكب كبيرة   1 في الأصل: (ولا) بالحاشية. 2 وقالوا: هو عالم بذاته قادر بذاته حي بذاته، لا بعلم وقدرة وحياة هي صفات قديمة ومعان قائمة به لأنه لو شاركته هذه الصفات في القدم الذي هو أخص الوصف لشاركته في الألهية. انظر: (الشهرستاني: الملل 1/44) والبغدادي الفرق بين الفرق 114) وانظر تفصيل مذهبهم في باب الصفات: شرح الأصول الخمسة: للقاضي عبد الجبار ص151 وما بعدها) . 3 وانظر: لتحقيق مذهبهم في ذلك: (شرح الأصول الخمسة 528) و (المقالات 2/256) و (الفرق بين الفرق 114) و (الملل 1/44) . 4 وانظر: شرح الأصول الخمسة 666، والملل 1/45) . 5 فأما الحوض فقد حكى إنكارهم له: الأشعري في (الإبانة ص245) وأومأ إليه في المقالات 2/165 وانظر: أيضا: (السفاريني: لوامع الأنوار 2/202) . وأما الشفاعة: فعندهم أنها للتائبين من المؤمنين، وأن الفساق ومرتكبي الكبائر لا شفاعة لهم. انظر: (شرح الأصول الخمسة 688-690) و (الإبانة 15) و (المقالات 2/166 الفصل 4/63) و (لوامع الأنوار 2/222) . وأما الميزان: فهم مختلفون فيه فمنهم من أنكره، ومنهم من أثبته لكنّه أحال وزن الأعمال به لأنها أعراض متقضية ومن هؤلاء القاضي عبد الجبار انظر: شرح الأصول الخمسة 748) . و (متشابه القرآن 1/274) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر وسمي فاسقاً1. وإن الدار إذا (لم) 2 يظهر فيها قولهم دار حرب3، وإن من انتحل مذهب أهل الأثر واعتقد ما في الأحاديث على ظاهرها حشوى4،   1 وهذا أحد الأصول الخمسة من الأصول التي اتفق عليها المعتزلة وهو القول بـ (المنزلة بين المنزلتين، وأول من قال به: واصل بن عطاء الغزال) وانظر: لتحقيق ذلك: (شرح الأصول الخمسة 139، و701) و (الفرق بين الفرق 115) و (الملل 1/47) . (لم) ليست في الأصل، والمقام يقتضي إثباتها. 3 حكى البغدادي عنهم نحو ذلك فقال: (وزعم أكثر المعتزلة أن البلدان التي غلبت عليها أهل السنة دار كفر وزعم بعضهم أنها دار فسق، وجعل للفسق دارا كما جعل الفاسق في منزلة بين المنزلتين) انظر: (أصول الدين 270) وحكى ذلك الأشعري: عن الجبائي من المعتزلة فقال: وقال الجبائي: كل دار لا يمكن فيها أحدا أن يقيم بها أو يجتاز بها إلا بإظهار ضرب من الكفر أو بإظهار الرضى بشيء من الكفر وترك الإنكار له فهي دار كفر ... - قال الأشعري – وبغداد على قياس الجبائي دار كفر لا يمكن المقام بها عنده إلا بإظهار الكفر الذي هو عنده كفر أو الرضا كنحو القول: إن القرآن غير مخلوق وأن الله سبحانه لم يزل متكلما به، وأن الله سبحانه أراد المعاصي وخلقها، لأن هذا كله عنده كفر، وكذلك القول في مصر وغيرها على قياس قوله وفي سائر أمصار المسلمين وهذا هو القول بأن دار الإسلام دار كفر معاذ الله من ذلك. (المقالات 2/154-155) . 4 في الأصل (حشو) . والحشو: من الكلام الفضل الذي لا يعتمد عليه، وكذلك هو من الناس، وحشوة الناس رذالتهم انظر: (لسان العرب14/ 180) وأول من عرف عنه أنه تكلم فِى الإسلام بهذا اللفظ عمرو بن عبيد رئيس المعتزلة فإنه ذكر له عن ابن عمر شيء يخالف قوله فقال: كان ابن عمر حشويا: نسبة إلى الحشو وهو العامة والجمهور – والمعتزلة تطلق على من أثبت الصفات والقدر حشوياً. انظر: (ابن تيمية بيان تلبيس الجهمية 1/244) . وقد عدّ السلف إطلاق هذا النبز على أهل السنة: من علامة الزندقة كما روي عن أبي حاتم أنه قال: علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر، وعلامة الزنادقة تسميتهم أهل الأثر حشوية يريدون بذلك إبطال الأثر، وعلامة القدرية تسميتهم أهل السنة مجبرة، وعلامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشبهة، وعلامة الرافضة تسميتهم أهل الأثر نابتة وناصبة. انظر: (عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني 1/132-133 مجموعة الرسائل المنيرية) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 وعند التحقيق كافر. فعرف أكثر المسلمين مذهبهم وتجنبوهم وعدوهم أعداء. والكلابية والأشعرية قد أظهروا الرد على المعتزلة، والذب عن السنة وأهلها، وقالوا في القرآن وسائر الصفات ما ذكرنا بعضه، وقولهم في القرآن حيره1 يدعون قرآنا ليس بعربي وأنه الصفة الأزلية وأما هذا النظم العربي فمخلوق عندهم2. ويقولون: الإِيمان: التصديق3.   1 أي لم يهتدوا فيه إلى الصواب: وفي اللسان يقال: تحير، واستحار، وحار: لم يهتد لسبيله، وحار يحار حيرة وحيرا أي تحير في أمره، وحيرته أنا فتحير ورجل حائر بائر إذا لم يتجه لشيء. 4/222 مادة: حير) . 2 تقدم ذكر ذلك: وانظر أيضا: (الجويني في الإرشاد 116 إذ يقول في معرض الردّ على المعتزلة ( ... فإنّ معنى قولهم – أي المعتزلة –"هذه العبارات كلام الله)) أنها خلقه، -قال – ونحن لا نمنع أنها خلق الله، ولكن نمتنع من تسمية خالق الكلام متكلما به فقد أطبقنا على المعنى وتنازعنا بعد الاتفاق في تسميته)) . 3 وهذا مذهب جمهور الأشاعرة ويحكونه عن أبي الحسن: انظر: (الباقلاني: التمهيد 346 و (الإنصاف 55) والبغدادي: أصول الدين 248) و (الشهرستاني: الملل والنحل 1/101) و (الإيحبي: المواقف 384) والآمدي: غاية المرام 309) ولبعضهم أقوال أخرى لكن ما ذكرناه هو الذي عليه جمهورهم. والذي اسقرّ عليه أبو الحسن الأشعري في هذا الباب هو قول السلف في الإيمان (وأنه قول وعمل يزيد وينقص) انظر: الإبانة ص 27) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 وعلى أصلهم أن من صدق بقلبه ولم ينطق بلسانه فهو مؤمن، (لأمرين) 1: أحدهما: أن أصل الإيمان عندهم المعرفة كما قال جهم2. والثاني: أن الكلام معنى في النفس فهو إذا صدق بقلبه فقد تكلم على أصلهم به. وعند أهل الأثر أن الإِيمان: قول وعمل يزيد وينقص، وعلماء الآفاق المتبعون كلهم على هذا القول3. ومخالفونا هؤلاء يقولون معنا في الظاهر مثل ذلك، وعندهم أن   1 في الأصل (لم يعين) وهو تحريف من الناسخ. 2 وهو جهم بن صفوان، تقدمت له ترجمة ص 17. ومذهبه: أن الإيمان هو المعرفة بالله تعالى، وأن الكفر هو الجهل به. وانظر: مقالته هذه لدى: (الأشعري: المقالات 1/214 و (البغدادي: الفرق بين الفرق 211) و (الشهرستاني: الملل1/88) . 3 حكى ابن عبد البر إجماع أهل الفقه والحديث على ذلك – نقل ذلك عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في (الإيمان 313) و (قال وكيع: أهل السنة يقولون الإيمان قول وعمل..) أخرج ذلك عنه: الآجري في الشريعة: 145) . وانظر: (الإيمان: لابن أبي شيبة ص 46) . وذكر شيخ الإسلام الصابوني أن ذلك قول أهل الحديث 1/123 (ضمن مجموعة الرسائل المنييرة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 التصديق لا مدخل للزيادة والنقصان فيه وهو الإيمان1. وعند المعتزلة أن الاسم غير المسمى2. وأن أهل السنة (عندهم) 3 أن الاسم هو المسمى. وقد نص على ذلك جماعة من الأئمة (كـ) الشافعي4، والأصمعي56.   1 قارن ذلك بكلام الباقلاني حيث يقول: (نحن لا ننكر أن نطلق أن الإيمان يزيد وينقص كما جاء في الكتاب والسنة، لكن النقصان والزيادة يرجع في الإيمان إلى أحد أمرين إما أن يكون ذلك راجعاً إلى القول والعمل دون التصديق، لأن ذلك يتصور فيهما مع بقاء الإيمان. فأما التصديق فمتى انخرم منه أدنى شيء بطل الإيمان انظر: (الإنصاف 57) . 2 وانظر: (المقالات: 1/253) . 3 في الأصل: بالهامش. 4 فكان رحمه الله يقول:"من حلف باسم من أسماء الله فحنث، فعليه الكفارة، لأن اسم الله غير مخلوق، ومن حلف بالكعبة وبالصفا والمروة فليس عليه الكفارة لأنه مخلوق وذلك غير مخلوق"، روى ذلك عنه الربيع بن سليمان. انظر: (ابن أبي حاتم/ آداب الشافعي ومناقبه 193) و (اللالكائي: شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/221حـ343، 344) والبيهقي: الأسماء والصفات 255) . 5 وهو الإمام الحافظ حجة الأدب ولسان العرب أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع، الأصمعي البصري، اللغوي الإخباري، أحد الأعلام يقال اسم أبيه عاصم ولقبه قريب ولد سنة بضع وعشرين ومائة، ومات سنة 215 وقيل 216. (الذهبي: سير أعلام النبلاء: 10/175) و (ابن خلكان: وفيات الأعيان 3/170) . وقد أخرج اللالكائي بسنده إلى حفص بن عمر السياري قال سمعت أبا سعيد الأصمعي يقول: إذا سمعته يقول الاسم غير المسمى فاحكم – أو قال فاشهد – عليه بالزندقة) (شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/212ح 346، 347) . 6 الواقع أن كلام الإمام الشافعي والأصمعي ليس فيه التصريح بالقول بأن الاسم هو المسمى وإنما فيه الإنكار على من يقول أسماء الله مخلوقة. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وكان الذين يطلقون القول بأن الاسم غير المسمى هذا مرادهم، فلهذا يروى عن الشافعي والأصمعي وغيرهما أنه قال: إذا سمعت الرجل يقول: الاسم غير المسمى فأشهد عليه بالزندقة – قال: ولم يعرف أيضا عن أحد من السلف أنه قال الاسم هو المسمى، بل هذا قاله كثير من المنتسبين إلى السنة بعد الأئمة، وأنكره أكثر أهل السنة عليهم انظر: (الفتاوى 6/187) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 وعند الأشعري: أن الاسم الذي نختلف فيه ليس هو المسمى ولا هو غير المسمى12.   1 حكى الأشعري: أن ذلك قول ابن كلاب. انظر: المقالات 1/250) . وقد نقل الإيحبي: للأشعري تفصيلا في الموضوع فقال: قال الشيخ قد يكون الاسم عين المسمى نحو الله فإنه اسم علم للذات من غير اعتبار معنى فيه، وقد يكون غيره نحو الخالق والرازق مما يدل على نسبته إلى غيره ولا شك أنها غيره، وقد يكون لا هو ولا غيره كالعليم والقدير مما يدل على صفة حقيقية ومن مذهبه أنها لا هو ولا غيره كما مر (المواقف 333) وقال شيخ الإسلام وهو المشهور عن أبي الحسن. (الفتاوى 6/188) . وأما قوله الذي استقرّ عليه بآخره فهو ما أفصح عنه في الإبانة بقوله: (وأن من زعم أن أسماء الله غيره كان ضالاً) ص22. 2 تعليق: الكلام في قضية الاسم المسمى من القضايا التي اشتهر النزاع فيها بعد أئمة السلف الأوائل كالإمام أحمد وغيره، والذي كان معروفا عند أئمة السنة أحمد وغيره في ذلك: هو: الإنكار على الجهمية الذين يقولون أسماء الله مخلوقة أخرج اللالكائي عن إبراهيم بن هانئ قال سمعت أحمد بن حنبل – وهو مختف عندي – فسألته عن القرآن فقال: من زعم أن أسماء الله مخلوقة فهو كافر) شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/214حـ351. لأن الجهمية يقولون: الاسم غير المسمى، وأسماء الله غيره، وما كان غيره فهو مخلوق. فذمهم السلف وغلظوا القول فيهم لأن أسماء الله من كلامه وكلام الله غير مخلوق بل هو المتكلم به وهو المسمى لنفسه بما فيه من الأسماء فأنكر الإمام أحمد قول الجهمية هذا لأنهم يريدون أن يتوصلوا إلى القول بأنّ القرآن مخلوق. على هذا القدر اقتصر القول في هذه المسألة في عصر الإمام أحمد، ثم اشتهر النزاع فيها بعده، وتحصل فيها عدة أقوال: الأول: أن الاسم غير المسمى – وهو قول الجهمية والمعتزلة والخوارج وكثير من المرجئة والزيدية. الثاني: أن الاسم هو المسمى وأن أسماء الباري هي الباري. وهو قول أكثر أصحاب الحديث والمنتسبين إلى السنة مثل أبي بكر بن عبد العزيز، وأبي القاسم الطبري واللالكائي، والبغوي. انظر: المقالات 1/252 و (الفتاوى 6/187) . الثالث: أن الاسم لا هو المسمى ولا هو غيره، وأن أسماء الباري لا هي الباري ولا هي غيره. وعزاه الأشعري لبعض أصحاب ابن كلاب. الرابع: التوقف: فلا يقال: أسماء الباري هي الباري، ولا يقال: لا هي الباري، ولا هي غيره. وذكر هذه الأقوال الأربعة الأشعري في المقالات 1/252-253) . الخامس: وهناك قول خامس في المسألة ارتضاه ابن جرير الطبري في كتابه (صريح السنة بعد أن ذكر أن الكلام في هذه المسألة من الأمور المحدثة التي لم يرد فيها نصٌّ عن السلف. وهو أن لاسم للمسمى. فقال: (وأما القول في الاسم هو المسمى أم هو غيره فإنه من الحماقات الحادثة التي لا أثر فيها فيتبع، ولا قول من إمام فيستمع فالخوض فيه شين، والصمت عنه زين، وحسب امرئ من العلم به والقول فيه أن ينتهي إلى قوله جلّ ثناؤه الصادق وهو قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} وقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} اهـ (صريح السنة ص 11 ضمن المجموعة العلمية السعودية) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عقب إيراده كلام الطبري هذا: (وهذا هو القول بأن الاسم للمسمى، وهذا الإطلاق اختيار أكثر المنتسبين إلى السنة من أصحاب الإمام أحمد وغيره) انظر: الفتاوى 6/187) . وذكر ابن أبي يعلى أن الإمام أحمد كان يشق عليه الكلام في الاسم والمسمى ويقول: هذا كلام محدث ولا يقول إن الاسم غير المسمى ولا هو هو، ولكن يقول: إن الاسم للمسمى اتباعا لقوله تعالى {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} . انظر: (طبقات الحنابلة 2/ 270) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 وعند المعتزلة أن الذي تحويه دفتا المصحف قرآن وكذلك ما وعته الصدور، وكذلك ما يتحرك به لسان القاريء وكل ذلك مخلوق. وعند أهل السنة أن ذلك قرآن غير مخلوق و (عند) 1 الأشعري أنه مخلوق وليس بقرآن وإنما هو عبارة عنه2. وكذلك كثير من مذهبه، يقول في الظاهر بقول أهل السنة مجملاً، ثم عند التفسير، والتفصيل يرجع إلى قول المعتزلة، فالجاهل يقبله بما يظهره، والعالم يجهره3 لما منه يخبره، والضرر بهم أكثر منه بالمعتزلة لإِظهار أولئك ومجاوبتهم4 أهل السنة وإخفاء هؤلاء ومخالطتهم أهل الحق. نسأل الله السلامة من كل برحمته.   1 في الأصل: (وان) وهو تحريف. 2 تقدم تخريج هذه الأقوال في ص 154. 3 أي: يكشفه: يقال جهرت الشيء إذا كشفته. وانظر: (ابن منظور: لسان العرب 4/ 149 مادة جهر) . 4 كذا في الأصل ولعلها: ومجانبتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 الفصل الثامن: في بيان أن الذي يزعمون بشاعته من قولنا في الصفات ليس على ما زعموه، ومع ذلك فلازم لهم في إثبات الذات مثل ما يلزمون أصحابنا في الصفات وقد زعموا أن أصحاب الحديث يعتقدون ما في الأحاديث من ذكر الصفات على ظاهرها، ويثبتون لله سبحانه الكف، والأصابع، والضحك، والنزول، وأنه في السماء فوق العرش وهذه من صفات الأجسام حتى قال بعض سقاطهم: (ما بين شيوخ الحنابلة، وبين اليهود إلا خصلة واحدة) 1. ولعمري إن بين الطائفتين خصلة واحدة، لكنها بخلاف ما تصوره الساقط. وتلك الخصلة أن الحنابلة على الإسلام والسنة، واليهود على الكفر والضلالة. أول ما نقول: إن القول بما في الأحاديث (الثابتة) 2 مما أمر الله سبحانه بقبوله فقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} 3 ولا خلاف بين عقلاء أهل الملة في أن الرسل أعرف بالله سبحانه، وبصفاته من غيرهم، لأنهم أوفر الناس عقلاً، والوحي ينزل عليهم، والعصمة من الضلال   1 لم أتوصل إلى معرفة قائل ذلك. 2 في الأصل: (ثابتة) . 3 سورة الحشر: (آية 7) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 تصحبهم، وقد جعل الله سبحانه طاعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم مقرونة بطاعته، ووعد من أطاعه وأطاع رسوله بالفوز العظيم1. فأمر هذه الأخبار التي وقع الخلاف (فيها) 2 لا يخلو من أن يكون (صدقاً) 3 أو كذباً. فإن كانت صدقا، وجب المصير إليها، وإن كانت كذباَ لزم تركها. ووجدنا رواة هذه الأحاديث أئمة المسلمين وصدورهم وعلماءهم4 وثقاتهم خلفاً عن سلف، وهم من أهل العدالة الظاهرة، والمرجوع إليهم وإلى فتاويهم في الدماء والفروج، كسفيان الثوري5، ومالك بن أنس الأصبحي6، وحماد بن زيد الأزدي7،   1 فقال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} سورة الأحزاب (آية 71) . 2 ليست في الأصل. 3 في الأصل: بالحاشية. (صدقا به) . 4 في الأصل: (علمائهم) وهو خطأ نحوي. 5 تقدمت ترجمته ص 187. 6 تقدمت ترجمته ص 174. 7 هو حماد بن زيد بن درهم الإمام الحافظ المجود شيخ العراق، أبو إسماعيل الأزدي مولاهم البصري، قال فيه الإمام أحمد بن حنبل: هو من أئمة المسلمين من أهل الدين، وهو أحب إليّ من حماد بن سلمة. مولده سنة ثمان وتسعين ووفاته سنة 179هـ. وكان ثقة ثبتاً رحمه الله. الذهبي: التذكرة 1/228) و (ابن حجر: التقريب 1/197 و (ابن العماد: الشذرات 1/292) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 وسفيان بن عيينة الهلالي1، وعبد الله بن المبارك المروزي2، وأمثالهم. وفي طبقة كل من قبلهم وبعدهم من حاله في العلم والعدالة كحالهم، فغير جائز أن يكذب خبرهم. وما من حديث منها إلا وقد ورد من عدة طرق متساوية الحال في تعلّق الأسباب الموجبة للقبول بها، ومع ذلك فهم الذين رووا الأحكام والسن، وعليهم مدار الشريعة، فمن صدقهم في نقل الشريعة لزمه أن يصدقهم في نقل الصفات ومن كذبهم في أحد النوعين وجب عليه تكذيبهم في النوع الآخر. فلم يبق بعد هذا إلا قولهم3: إن أخبار الآحاد لا توجب عند   1 هو الإمام سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي الكوفي، أبو محمد، محدث الحرم، مولى محمد بن مزاحم كان إماماً حجة حافظاً واسع العلم كبير القدر. مولده سنة (107) ووفاته سنة (198) هـ. الذهبي: التذكرة 1/262) و (الميزان: 2/170) و (ابن حجر: التقريب 1/312) . 2 هو الإمام شيخ الإسلام عالم زمانه أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك المروزي الحنظلي مولاهم، كان رحمه الله ثقة ثبتا فقيها عالما جوادا مجاهدا جمعت فيه خصال الخير، مولده سنة 118هـ ووفاته سنة 181هـ. انظر: ترجمته لدى: الذهبي في: التذكرة 1/274) وسير أعلام النبلاء 8/378) و (ابن حجر: التقريب1/445) . 3 أي الكلابية والأشاعرة. وانظر لتفصيل مذهبهم في ذلك: (الباقلاني: التمهيد 386 وما قبلها) و (البغدادي: أصول الدين ص 12 وهو مذهب المعتزلة أيضا انظر: (شرح الأصول الخمسة 768) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 أكثر العلماء علماً وإنما يجب العمل بها1. وقد بينا في كتاب ((الإبانة)) هذا الفصل، وجملته أن المطلوب من التواتر سكون النفس إليه وتبلج الصدر بكونه، وينتفي2 ظن الكذب والوهم والتواطؤ عنه، وأكثر ما ورد في الصفات بهذا الوصف. وقد اتفق أكثر الأصوليين على أن المتواتر ليسر له عدد محصور،   1 وليس الأمر كما زعموا فإن القول بأن خبر الآحاد لا يفيد العلم هو قول لبعض أهل الكلام فقط وأكثر أهل العلم بل جمهور الأمة يقولون إن خبر الآحاد الذي تلقته الأمة بالقبول يفيد العلم. كما نقل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية عن أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم فقال: (وأما القسم الثاني من الأخبار) فهو ما لا يرويه إلا الواحد العدل ونحوه ولم يتواتر لفظه ولا معناه، ولكن تلقته الأمة بالقبول عملاً به أو تصديقا له ... فهذا يفيد العلم اليقيني عند جماهير أمة محمد صلى الله عليه وسلم، من الأولين والآخرين. أما السلف فلم يكن بينهم في ذلك نزاع. وأما الخلف فهذا مذهب الفقهاء الكبار من أصحاب الأئمة الأربعة والمسألة منقولة في كتب الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية، مثل: السرخسي وأبي بكر الرازي من الحنفية والشيخ أبي حامد وأبي الطيب والشيخ أبي إسحاق من الشافعية وابن خواز منداد وغيره من المالكية، ومثل أبي يعلى وابن أبي موسى وأبي الخطاب وغيرهم من الحنبلية ومثل أبي إسحاق الاسفرائيني وابن فورك وأبي إسحاق النظام من المتكلمين وإنما نازع في ذلك طائفة كابن الباقلاني ومن تبعه مثل أبي المعالي والغزالي وابن عقيل. انظر: مختصر الصواعق المرسلة 2/372-373. وقال: ((وخبر الواحد المتلقي بالقبول يوجب العلم عند جمهور العلماء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وهو قول أكثر أصحاب الأشعري كالاسفرائيني وابن فورك)) الفتاوى 18/41. 2 هكذا في الأصل ولعل الصواب (انتفاء) فهو الذي يناسب ما قبله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 وليس المراد بذلك أنهم يخرجون الكثرة عن الحصر، وإنما المراد أنه لا يحصر بأن الذي يوجب العلم ما نقله اثنان، أو ثلاثة، أو عشرة، بل ننظر إلى وقوع العلم به وانتفاء الظنّ عنه. فربما حصل ذلك بمائة أو أكثر، وربما حصل بأربعة أو أقل1.   1 اختلف الناس: في تحديد العدد الذي يحصل به التواتر. فقال بعضهم: لا يقبل الخبر إلا من جميع أهل المشرق والمغرب. وقال بعض الفقهاء يشترط أن يكونوا عددا لا يحصيهم عدد ولا يحويهم بلد. وقالت طائفة يشترط أن لا يقل عن ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً عدد أهل بدر. وقالت طائفة يشترط أن لا يقل عن سبعين عدد المختارين من قوم موسى. وقالت طائفة يشترط أن لا يقل عن خمسين عدد القسامة. وقالت طائفة يشترط أن لا يقل عن أربعين لأنه العدد الذي لما بلغه المسلمون أظهروا الدين وتنعقد به الجمعة. وقالت طائفة يشترط أن لا يقل عن عشرين. وقالت طائفة يشترط أن لا يقل اثني عشر. وقالت طائفة أن يكونوا أكثر من أربعة وهو قول الباقلاني والقاضي أبي يعلى. وقالت طائفة يشترط ألا يقل عن ثلاثة: لقوله صلى الله عليه وسلم ((حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه أنه قد نزل به جائحة. وأكثر الأصوليين ذكر هذه الأقوال، ثم بين أنه لا برهان عليها ولا يصح في تعيين العدد شيء. وذكر أن المقصود سكون النفس إلى الخبر وعدم تأتي التواطؤ على الكذب: يقول ابن تيمية: (ولا يعتبر في التواتر عدد محصور، بل يعتبر ما يفيد العلم على حسب العادة في سكون النفس إليهم وعدم تأتي التواطؤ على الكذب منهم، إما لفرط كثرتهم وإما لصلاح دينهم ونحو ذلك) . المسودة 235، وانظر: نحوه في: الفتاوى 18/50. وقال ابن حزم: عقب ذكره الأقوال في العدد (وهذه كلها أقوال بلا برهان وما كان هكذا فقد سقط ... إلى أن قال – فلم يبق إلا قول من قال بالتواتر ولم يحدد عددا. ثم بين أن المقصود بالتواتر وسكون النفس وانتفاء التواطؤ. (الإحكام: 1/117، 118، 120) . وقال الإمام الحرمين الجويني بعد أن ذكر اختلاف الناس في تحديد العدد ونقض أقوالهم قال: فإذا تمهد لنا ذلك قلنا: ((لا يتوقف حصول العلم بصدق المخبرين على حد محدود وعدد معدود، لكن إذا ثبتت قرائن الصدق ثبت العلم به، ثم ذكر أن العلم قد يحصل بخبر مخبر واحد إذا حف به من القرائن ما يتضمن العلم بصدقه وضرب لذلك مثالاً. ثم قال: إذا ثبت إمكان حصول العلم بصدق مخبر واحد، فإنه قد يتخلف العلم بالصدق عن اخبار عدد كثير وجم غفير إذ جمعتهم إيالة (سياسية) وضمهم في اقتضاء الكذب حالة، ثم ضرب لذلك مثالاً أيضا. انظر: (البرهان 1/576-577) . وقال ابن قدامة: الصحيح: أنه ليس له عدد محصور ... وأما ما ذهب إليه المخصصون بالأعداد فتحكم فاسد لا يناسب الغرض ولا يدل عليه، وتعارض أقوالهم يدلّ على فسادها، ثم بين أن المقصود حصول العلم. انظر: روضة الناظر 50-51. وانظر: هذا المبحث في (أصول السرخسي – أيضا – ص 294) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 ونحن والحمد لله نجد أنفسنا ساكنة إلى هذه الأحاديث المشار إليها، ورواتها ممن لا يظن بهم الكذب، ولا الوهم، ولا التواطؤ في هذه الروايات. ولا شك في اختلاف أحوال الناس فمائة منهم يجوز عليهم أن يهموا في الشيء، وأن يتواطؤوا عليه، وعشرة منهم تخالف أحوالهم أحوال المائة، فيعلم أن الوهم، والكذب والتواطؤ منتفية عن خبرهم1،   1 تقدم هذا المعنى في كلام الجويني وغيره قبل هذا. وانظر أيضا الفتاوى حيث يقول شيخ الإسلام: ((فرب عدد قليل أفاد خبرهم العلم لما هم عليه من الديانة والحفظ الذي يؤمن معه كذبهم أو خطؤهم، وأضعاف ذلك العدد من غيرهم قد لا يفيد العلم. هذا هو الحق الذي لا ريب فيه وهو قول جمهور الفقهاء والمحدثين وطوائف من المتكلمين)) . (20/258) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 وهذا لا يعلمه إلا من عرف الحديث وأهله وأتقن معرفته1 ذلك، وعند الأشعري وأصحابه أن العلم يقع بنقل المجوس واليهود والنصارى، إذا تواتر نقلهم، وليس من شرط التواتر أن يكون ناقلوه مسلمين عدولا2 ومن الطريق3 العلم بنقل الكفار إذا كثروا، وعدم العلم بنقل عدول المسلمين إذا كانوا دونهم. وقد أجمعنا في الأحكام على أن شهادة عدلين من المسلمين تقتضي الحكم في الأموال، وبعض الحدود4 وشهادة أربعة منهم في الزنا وما في حكم ذلك5 ولوشهد ألف من الكفار لم تقبل شهادتهم على مسلم في   1 كذا في الأصل ولعلها (معرفة) . 2 ليس هذا عند الأشعري وأصحابه فقط، بل هو مذهب غيرهم من سائر أهل السنة فكما يقول بذلك الباقلاني – وهو من أئمة الأشاعرة – في التمهيد 385. وإمام الحرمين – وهو من أئمة متأخريهم – كما في الإرشاد له 416. كذلك يقول آل تيمية بما فيهم شيخ الإسلام. انظر المسودة 210. وكذلك يقول ابن قدامة الحنبلي - انظر: (روضة الناظر 51 ويعلل ذلك بأن إفضاء خبر التواتر إلى العلم من حيث أنهم مع كثرتهم لا يتصور اجتماعهم على الكذب وتواطؤهم عليه ويمكن ذلك في الكفار كإمكانه في المسلمين. 3 ويجوز أن تكون (الطريف) بالفاء. 4 وحكى الإجماع على ذلك أيضا: (ابن حزم في: مراتب الإجماع ص 52) . 5 وحكى الإجماع على ذلك أيضا: (ابن حزم في: مرتب الإجماع 53) . و (ابن المنذر: الإجماع ص 143) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 مال ولا حد1. ولا ينبغي أن ينقلب الأمر في باب المتواتر ويرجع إلى التسوية بين الكفار والمسلمين، فإن كل طائفة حكم بسقوط عدالة كل واحد منهم على الانفراد، لم يردهم الاجتماع إلى العدالة، وكل فرقة حكم لكل امريء منهم بالعدالة على حدته فإذا اجتمعوا زادوا خيرا، وقوي القلب بما شهدوا به. فلما كان الكفار ساقطي العدالة، مجتمعين وفرادى، لم يجز أن يكون خبرهم موجبا للعلم الضروري إلا باقتران دلالة به مقتضية لوجوبه. وأخبار الآحاد عند أحمد بن حنبل (و) 2 غيره من علماء النقل ضربان. فضرب لايصح أصلاً، ولا يعتمد، فلا العلم يحصل بمخبره ولا العمل يجب به. وضرب: صحيح موثوق بروايته وهو على ضربين: أ- نوع منه قد صح لكون رواته عدولاً ولم يأت إلا من ذلك الطريق، فالوهم وظن الكذب غير منتف عنه، لكن العمل يجب. ب- ونوع: قد أتى من طرق متساوية في عدالة الرواة، وكونهم   1 قال ابن حزم: (واتفقوا على أنه لا يقبل مشرك على مسلم في غير الوصية في السفر) المصدر السابق ص 53. 2 في الأصل (أو) وهو غير سديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 متقنين أئمة متحفظين من الزلل. فذلك الذي يصيرعند أحمد في حكم المتواتر1. وينبغي أن يعلم أن الأخبار في الجملة إنما ترد في أحد معنيين: إمّا ما يراد به العمل وإمّا ما سبيله الاعتقاد. فما كان وارداً في العمل، جائز ورود مثله في الصحة، وثقة الرواة مخالفا لحكمه، وذلك لجواز ورود النسخ في الأحكام، فيطالب عند ذلك (بالعلم) 2 بالناسخ ليعمل به، وبالمنسوخ ليترك هـ. وما كان وارداً في المعتقدات برواية الثقات لا يجوز أن يرد برواية   1 قال ابن قدامة: اختلفت الرواية عن إمامنا رحمه الله في حصول العلم بخبر الواحد. فروي أنه لا يحصل به، وهو قول الأكثرين والمتأخرين من أصحابنا. وروي عنه أنه قال في أخبار الرؤية يقطع على العلم بها.. قال – وهذا يحتمل أن يكون في أخبار الرؤية وما أشبهها مما كثرت رواته وتلقته الأمة بالقبول ودلت القرائن على صدق ناقله فيكون إذن من المتواتر إذ ليس للمتواتر عدد محصور. ويحتمل أن يكون خبر الواحد عنده مفيدا للعلم وهو قول جماعة من أصحاب الحديث وأهل الظاهر. 3- وقال بعض العلماء: إنما يقول أحمد بحصول العلم بخبر الواحد فيما نقله الأئمة الذين حصل الاتفاق على عدالتهم وثقتهم واتقانهم ونقل من طرق متساوية وتلقته الأمة بالقبول ولم ينكره منهم منكر.. ثم ذكر اتفاق السلف على نقل أخبار الصفات وليس فيها عمل وإنما فائدتها وجوب تصديقها واعتقاد ما فيها. انظر: (روضة الناظر ص 52) وانظر هذا المبحث أيضا في المسودة: 216-223) . 2 في الأصل (العلم) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 أمثالهم ما يخالف ذلك. لأن الخبر عن كون الشيء وصفته إذا كان صدقاً لا يجوز ورود النسخ عليه1 ولا كون مخبره على صفتين متضادتين.   1 وهذا مذهب جمهور أهل العلم، كما نقل ذلك غير واحد من علماء الأصول قال السرخسي: قال جمهور العلماء لا نسخ في الأخبار أيضا يعنون في معاني الأخبار واعتقاد كون المخبر به على ما أخبر به الصادق الحكيم، بخلاف ما يقوله بعض أهل الزيغ من احتمال النسخ في الأخبار التي تكون في المستقبل. (الأصول 2/59) . وذكر الأشعري اختلاف الناس في أسماء الله ومديحه وأخباره هل يجوز نسخها أو لا؟ فقال: أجاز ذلك طوائف من أهل الأثر فزعموا أن ما تأخر تنزيله ناسخ لما تقدم نزوله وأن المدني ناسخ للمكي خبراً كان أو مدحاً من مديح الله عزّ وجلّ. وأنكره أكثر الناس وقالوا: (لا يجوز النسخ في أخبار الله عز وجل ومديحه وأسمائه) . المقالات 2/279) . وقال ابن تيمية: (لا يدخل النسخ في الخبر في قول أكثر الفقهاء والأصوليين وقال قوم يجوز ذلك. وقال الباقلاني: لا يجوز ذلك في خبر الله وخبر رسوله فأما ما أمرنا بالإخبار به فيجوز نسخه بالنهي عن الإخبار به. وذكر عن القاضي – (أبي يعلى – ضابطاً – للخبر الذي يدخله النسخ والذي لا يدخله فقال: وضابط القاضي: في نسخ الخبر أنه إن كان مما لا يجوز أن يقع إلا على وجه واحد كصفات الله وخبر ما كان وما سيكون لم يجز نسخه، وإن كان مما يصح تغيره وتحوله كالإخبار عن زيد بأنه مؤمن وكافر وعن الصلاة بأنها واجبة جاز نسخه، قال- وهذا قول جيد) انظر: (المسودة 176-177 وانظر هذا المبحث أيضا في: الإحكام: لابن حزم 577 وما بعدها، وكتاب فهم القرآن للمحاسبي (332) وقد منع فيه ورود النسخ في معنيين: باب الأسماء والصفات، والإخبار عما كان أو يكون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 ولم نجد والحمد لله في الأخبار الواردة في الصفات، التي حكم العلماء بصحتها، وتلقوها بالقبول اختلافاً في صفة ولا معنى. ولو وجدنا ذلك لكان دالاً على كونها كذبا أو وهماً. وإنما وجد هذا الوصف فيما سبيله العمل به دون وقوع العلم الضروري بمخبره1. وإذا ثبت ما ذكرناه وعلم أن طاعة الرسول واجبة، وأن قبول خبره لازم، وجب اعتقاد ما في هذه الأحاديث المذكورة في الصفات، ولو لم يلزم اعتقاد ذلك، لم تكن هذه الأخبار لا محالة دون سائر الأخبار الواردة فيما سبيله العمل به فينبغي أن يعمل (بها) 2 أيضاً والعمل بها هو القول بمخبرها. وقبل وبعد فالأئمة الذين رووها غير منكرين3 لشيء منها، بل قد أوردوها في السنن، وبينوا4 أن اعتقادها سنة وحق بل واجب وفرض. ولا يخلو أمرهم من أن يكونوا مخطئين في فعلهم أو مصيبين في رأيهم. فإن أصابوا، فاتباعهم على الصواب هدى.   1 في الأصل (مخبره) وهو تحريف. 2 في الأصل: (بهذا) وهو تحريف. 3 في الأصل في الحاشية أمام هذه الكلمة توجد عبارة (وإنما ينكر) ولم يشر إليها بعلامة لحق ولم أر لها مناسبة. 4 في الأصل (وبينوها) وهو تحريف، والسياق بعده يقتضي ما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 وإن أخطأوا (بزعمهم) 1 – بزعم المخالف – وهم الأئمة المقبولون، المرضيون بالاتفاق، فالمخالفون الذين قد حكم بأنهم من أهل الزيغ والضلال أقرب إلى الخطأ وأبعد من الصواب منهم، فيجب أن لا يصغى إليهم، ولا يعول على تمويههم. ثم نهاية شغبهم أن إثبات هذه الصفات يقتضي التشبيه والتجسيم لما نراه في الشاهد، وهذا الشغاب ينعكس عليهم، ويعلم بطلانه بذلك. ألا ترى أن في الشاهد أن الفاعل للأشياء المتقنة العالم الخبير الحي السميع البصير جسم والله سبحانه حي سميع بصير عليم فاعل وليس بجسم2. وإثبات الصفات له على ما جاء به النص عنه وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يوجب التجسيم والتشبيه، بل كل شيء يتعلق بالمحدثات مكيف، وصفات الباري لا كيفية لها3، فالتجسيم والتشبيه منتفيان عنه وعن صفاته. وبالله التوفيق هـ.   1 أحسبها زائدة. أو أن ما بعدها توضيح لها. 2 تقدم التعليق على إطلاق لفظ الجسم في حق الله تعالى نفياً وإثباتاً وبيان مذهب السلف في ذلك. انظر: ص 243 حاشية رقم 1. 3 أي (لا كيفية لها نعلمها) إذ المراد نفي علمنا بكيفية صفاته جل وعلا. وليس المراد أنه لا كيفية لها. ولذا قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله (الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والإيمان به واجب) . وقد تقدم فبين رحمه الله أن كيفية الاستواء لا نعقلها ولا نعلمها. ولو كان ليس لاستوائه عز وجل كيفية أصلا لقال: وقد سئل: كيف استوى؟ -: لا كيفية لاستوائه. والله تعالى أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 الفصل التاسع: في ذكر شيء من أقوالهم ليقف العامة عليها فينفروا عنهم ولا يقعوا في شباكهم . قد صنف غير واحد من1 المتكلمين من المعتزلة والكرامية في فضائح الأشعرية، والكلابية، كما صنف هؤلاء في فضائح الآخرين أيضًا. ولكل مخالف للسنة وطريقة أهل الأثر ما يفتضح به عند التأمل. وأهل الأثر لا فضيحة عليهم عند محصل. لأنهم لم يحدثوا شيئاً وإنما تبعوا الأثر، ومن ادعى في الأثر فضيحة بعد الحكم بصحته، لم يكن مسلماً2. ونحن لا نذكر من فضائح الأشعري ومن وافقه ما ذكره من لا يرضى مذهبه من (معتزلي وكرامي) 3 بل ما لا يمكنهم إنكاره، وتنطق به كتبهم، فمنها: (1) أن الأمر عند الفقهاء على الوجوب إلا أن يقترن به ما يدل أن   1 في الأصل: (عن) وهو تحريف. 2 وقد كفر بعض السلف من جحد ما ثبت بخبر الواحد، فكيف بمن يدعي أن في إثباته فضيحة. والتكفير منقول عن إسحاق بن راهويه. انظر: (آل تيمية: المسودة ص 245) . 3 في الأصل: (معزلي وكرمي) وهو تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 المراد به الندب، أو الإباحة1. وعند أكثر المتكلمين صيغة الأمر للندب والإباحة، إلا أن يدل دليل على أن المراد به الوجوب2. وعند الأشعري: أن الأمر لا صيغة له. إذا قال الله سبحانه افعلوا كذا لا يفهم منه وجوب ولا ندب ولا غيرذلك، ولا يفيد بمجرده شيئاً حتى يقترن به دليل على المراد به3.   1 وهو مذهب الإمام أحمد والشافعي وعامة المالكية وجمهور الفقهاء، وبه قال جماعة من المتكلمين أيضا كأبي الحسن البصري -كذا عند الآمدي، ولعله أبو الحسين البصري صاحب (المعتمد في أصول الفقه) - والجبائي في أحد قوليه. وانظر هذا المبحث في: (المسودة: لآل تيمية ص 5) والآمدي: في الإحكام 2/144) و (السرخسي: الأصول 1/15) و (ابن قدامة: روضة الناظر 100) و (الجويني: البرهان 1/216 وهو مذهب أهل الظاهر أيضاً) . انظر: (ابن حزم: الإحكام3/329) . 2 وهو مذهب كثير من المتكلمين من المعتزلة وغيرهم، وهو قول بعض الشافعية انظر: المسودة: 5) و (الآمدي: الإحكام 2/144) و (ابن قدامة: الروضة 100) وانظر أيضا: (إمام الحرمين: 1/215) وذكر لهم قولا آخر، وأشار إلى أن الأول أقرب إلى حقيقة مذهب القوم. (البرهان) . 3 لأن: صيغة (افعل) للوجوب عند التجرد عن القرائن عند جمهور الفقهاء. وعند الأشاعرة: لا تدل عليه وإنما يتوقف فيها لأن قول القائل (افعل) متردد بين الأمر والنهي والإباحة والندب.. فوجب التوقف في ذلك، ولا يصار إلى حمله على أحد هذه المعاني إلا بقرينة. ولذا سموا الواقفة أو الواقفية. وحكى إمام الحرمين أن ذلك منقول عن الأشعري ... ثم قال: والذي أراه في ذلك قاطعا به: أن أبا الحسن رحمه الله لا ينكر صيغة تشعر بالوجوب الذي هو مقتضى الكلام القائم بالنفس نحو قول القائل: أوجبت والزمت، أو ما شاكل ذلك، وإنما الذي تردد فيه مجرد قول القائل: (افعل) من حيث الفاه في وضع اللسان مترددا. ثم رجح إمام الحرمين أن صيغة (افعل) لمحض الطلب. وأسقط النهي والإباحة فقال: لكن الوجوب يستفاد من الوعيد – على المخالفة وعدم الامتثال –ثم أراد أن يوفق بين قوله هذا وقول جمهور الفقهاء والشافعي فقال: وأنا أبني على منتهى الكلام شيئا يقرب ما اخترته من مذهب الشافعي رحمه الله فأقول: ثبت في وضع الشرع أن التمحيض في الطلب متوعد على تركه وكل ما كان كذلك لا يكون إلا واجباً. انظر: (البرهان 1/214،213، 222-223) وانظر: المسألة أيضا لدى: (الآمدي: في الإحكام 2/145،141) وآل تيمية في المسودة 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 وهذا شيء ينفرد به الأشعري ومن وافقه وهو مؤد إلى فساد كثير. هـ (2) ومنها: أن الإيمان والنبوة عرضان يحلان الأجسام في حال الحياة ويزولان عنها بزوال الحياة، فالمؤمن إذا مات يدخل قبره ولا إيمان معه، والنبي صلى الله عليه وسلم إذا مات يدفن وليس بنبي1 وعلى هذا الأصل يقتضي أن   1 وحكى ذلك أيضا ابن حزم واقتصر على مسألة نفي النبوة، ونقل عن الباجي أن ابن فورك يقول بذلك وأن السلطان محمود بن سبكتكين قتله بالسم لذلك. ثم ذكر ابن حزم أن الذي حمل الأشاعرة على القول بذلك قولهم: أن الروح عرض والعرض يفني أبدا ويحدث ولا يبقى وقتين، فروح النبي صلى الله عليه وسلم عندهم قد فنيت وبطلت ولا روح له الآن عند الله تعالى وأما جسده ففي قبره موات فبطلت نبوته بذلك ورسالته. انظر: الفصل 1/88. وأما القشيري الذي أنكر نسبة هذا القول للأشعري وأصحابه، وقال: إن ذلك بهتان عظيم وكذب محض لم ينطق به منهم أحد، ولا سمع في مجلس مناظرة عنهم، ولا وجد ذلك في كتاب لهم. فيرى أن أصل هذه المقالة هو: (أن بعض الكرامية الزم بعض الأشاعرة وقال: إذا كان عندكم الميت في حال موته لا يحس ولا يعلم فيجب أن يكون النبيّ صلى الله عليه وسلم في قبره غير مؤمن لأن الإيمان عندكم المعرفة والتصديق والموت ينافي ذلك فإذا لم يكن له علم وتصديق لا يكون له إيمان ومن لا يكون مؤمنا لا يكون نبيا ... ثم قال – واعلموا رحمكم الله أن ما يلزمه الخصم بدعواه فيقول هذا على أصلكم ومقتضى علتكم يلزمكم فلا يجوز أن ينسب ذلك إلى صاحب المذهب فيقال هذا مذهب فلان) انظر: (رسالة شكاية أهل السنة (ضمن طبقات الشافعية 2/ 279-282) . ونفى السبكي أن يكون ابن فورك قال بذلك وقتل لأجله، وذكر أن الكرامية دسوا عليه ذلك لدى السلطان وأن ابن فورك أنكر ذلك أمامه. فأمر بإعزازه وإكرامه وإرجاعه إلى وطنه. فسلط عليه بعض الكرامية من سمه. انظر الطبقات: 3/54. والحق أني لم أجد في كتب القوم التي اطلعت عليها من قال بذلك ولم أجد من نسب ذلك إليهم غير المصنف وابن حزم. فهذا الباقلاني وهو من أئمتهم ورؤوسهم يقول في: الإنصاف: ((ويجب أن يعلم أن نبوات الأنبياء صلوات الله عليهم لا تبطل، ولا تنخرم بخروجهم عن الدنيا وانتقالهم إلى دار الآخرة، بل حكمهم في الدنيا كحكمهم في حالة نومهم، وحالة اشتغالهم، إما بأكل أو شرب أو قضاء وطر ... ثم قال: وقد غلط من نسب إلى مذهب المحققين من الموحدين إبطال نبوة الأنبياء عليهم السلام بخروجهم من دار الدنيا. وليس ذلك بصحيح، لأن مذهب المحققين أنه ما استحق شرف الرسالة بتأدية الرسالة وإنما صار رسولا واستحق شرف الرسالة والنبوة بقول مرسله: وهو الله تعالى (أنت رسولي ونبي، وقول الله قديم لا يزول ولا يتغير)) الإنصاف ص63-64. والذي أراه: أن في ثبوت نسبة هذا القول للقوم نظراً إذ لم يقم دليل على ذلك. بل كتب أئمتهم تصرح بعكس ذلك وتفصح بإثبات نبوة الأنبياء بعد موتهم كما أشرت، ولم يقم لدينا دليل قوي ولا ضعيف على نسبة ذلك إليهم، وإنما يدان القوم من كتبهم أو النقل الصحيح الموثق عنهم، فنسبة ذلك إليهم تشنيع لا دليل عليه ولا مبرر له، والذي يظهر أنه إلزام ألزم به بعضهم كما ذكر القشيري وأومأ إليه ابن حزم كما سبق. ولازم المذهب ليس بمذهب على الصحيح. والله اعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 يزول الإيمان عن الرجل إذا نام وهذا من أشنع الأقاويل. هـ (3) ومنها: أن وقوع الكبائر من الأنبياء عليهم السلام في حال النبوة جائز إلا فيما يختص بالرسالة (فإنه) 1 لا يجوز عليهم الكذب فيها ولا التغيير، ولا الكتمان2.   1 في الأصل: (فإن) وهو تحريف. 2 نقل ابن حزم أن هذا قول الباقلاني ومن اتبعه من الأشعرية وقال: وأما هذ الباقلاني فإنا رأينا في كتاب صاحبه أبي جعفر السمناني قاضي الموصل أنه كان يقول إن كل ذنب دق أو جل فإنه جائز على الرسل حاشى الكذب في التبليغ فقط، قال وجائز عليهم أن يكفروا، قال: وإذا نهى النبيّ صلى الله عليه وسلم عن شيء ثم فعله فليس ذلك دليلا على أن ذلك النهي قد نسخ لأنه قد يفعله عاصياً لله عز وجل وليس لأصحابه أن ينكروا عليه ذلك (الفصل 4/2) ونقل عن ابن فورك أنه: لا يجوز عليهم الكبيرة. وجوز عليهم الصغائر بالعمد. قلت: إن هذا النقل عن الباقلاني ليس فيه أكثر من أن يكون ذلك قولا له، لا يعبر بالضرورة عن مذهب جمهور الأشاعرة، فإن جمهورهم ليسوا على ذلك: يقول البغدادي: أجمع أصحابنا على وجوب كون الأنبياء معصومين بعد النبوة عن الذنوب كلها، وقال: وأما السهو والخطأ فليس من الذنوب فلذلك ساغ عليهم. (أصول الدين 167-168) ونقل الإيحبي: إجماع الأمة على عصمة الأنبياء من تعمد الكذب فيما دل المعجز على صدقهم فيه كدعوى الرسالة، وعلى عصمتهم من الكبائر عمداً عند الجمهور، أما الصغائر فجائز عمداً أو سهوا. (المواقف 358-359) . ونقل شيخ الإسلام: عن الآمدي: أن القول بعصمة الأنبياء من الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر الأشعرية. انظر: الفتاوى4/319) وذكر إمام الحرمين: أن عصمتهم من الفواحش المؤذنة بالسقوط وقلة الديانة تجب إجماعاً. انظر: (الإرشاد 356) . فما ذكره المصنف ليس قول أكثر الأشاعرة، وإنما هو قول لبعضهم وجمهورهم يقول بقول السلف في ذلك. وسيأتي ذكر قول السلف بعد هذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 وعند المعتزلة: لا يجوز حصول كبيرة منهم في حال الأداء، ولا قبله1. وعند أهل السنة: أن وجود الكبائر منهم عليهم السلام قبل أن يوحى إليهم جائز، فأما بعد الوحي فهم معصومون من ارتكاب الكبائر2.   1 انظر: القاضي عبد الجبار: (شرح الأصول الخمسة 573) والمغني: (15/300-304) و (الأشعري: المقالات 1/296) . 2 دون الصغائر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف حتى إنه قول أكثر أهل الكلام كما ذكر أبو الحسن الآمدي أن هذا قول أكثر الأشعرية، وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول. (الفتاوى:4/319) . وقال في منهاج السنة: وعامة الجمهور الذين يجوزون عليهم الصغائر يقولون إنهم معصومون من الإقرار عليها. 1/331) . ويرى ابن حزم أنهم معصومون أيضا من الصغائر عمدا (الفصل 4/2) وقال إن هذا مذهب جميع أهل الإسلام، ولا يخفى ما فيه من تجوز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 (4) ومنها: أن عوام المسلمين الذين لا يعرفون الله تعالى بالأدلة العقلية ليسوا بالمؤمنين في الحقيقة وإنما تجرى عليهم أحكام الشريعة1 وهو   1 وقد نقل عنهم ابن حزم أيضا مثل ذلك فقال: (ذهب محمد بن جرير الطبري، والأشعرية كلها حاشا السمناني، إلى أنه لا يكون مسلما إلا من استدل وإلا فليس مسلما، وقال الطبري: من بلغ الاحتلام أو الإشعار من الرجال والنساء، أو بلغ المحيض من النساء ولم يعرف الله عز وجل بجميع أسمائه وصفاته من طريق الاستدلال فهو كافر حلال الدم والمال. الفصل 4/ 35. قال شيخ الإسلام ابن تيمية تعقيباً على ذلك: هذا القول: هو في الأصل معروف عمن قاله من القدرية والمعتزلة ونحوهم من أهل الكلام وإنما قاله من قاله من الأشعرية موافقة لهم، ولهذا قال أبو جعفر السمناني: القول بإيجاب النظر: بقية بقيت في المذهب من أقوال المعتزلة ... ثم قال – وليس إيجاب النظر على الناس هو قول الأشعرية كلهم، بل هم متنازعون في ذلك. فقال الأشعري في بعض كتبه: قال بعض أصحابنا: أول الواجبات الإقرار بالله تعالى وبرسله وكتبه ودين الإسلام. وقال أيضا: لو سأل سائل عمن ورد من الصين ورأى الاختلاف ماذا يلزمه؟ فقال عنه جوابان: أحدهما: أنه يلزمه النظر ليعرف الحق فيتبعه. والثاني: يلزمه إتباع الحق وقبول الإسلام ثم تصحيح المعرفة بالنظر والاستدلال على أقل ما يجزئه. (درء التعارض 7/407) وقد أنكر: القشيري أن يكون الأشعري قال: بتكفير العوام – فقال: وأما ما قالوا: أن الأشعري يقول بتكفير العوام فهو أيضا كذب وزور ... ثم قال فنحن نحكم لجميع عوام المسلمين بأنهم مؤمنون مسلمون في الظاهر ونحسن الظن بهم ونعتقد أن لهم نظرا واستدلالا في أفعال الله وأنهم يعرفونه سبحانه والله أعلم بما في قلوبهم ... وقال- فإن قالوا: فالأشعري يقول إن العوام إذا لم يعلموا علم الكلام فهم أصحاب التقليد، فليسوا بمؤمنين قيل هذا تلبيس، ونقول: إن الأشعري: لا يشترط في صحة الإيمان ما قالوا من علم الكلام بل هو وجميع أهل التحصيل من أهل القبلة يقولون يجب على المكلف أن يعرف الصانع المعبود بدلائله التي نصبها على توحيده واستحقاق نعوت الربوبية، وليس المقصود استعمال ألفاظ المتكلمين من الجوهر والعرض. انظر: (شكاية أهل السنة ضمن طبقات الشافعية 2/285-286) . وهذه المسألة تعرف بمسألة وجوب الاستدلال على معرفة الله، ووجوب النظر والاستدلال مع أنه قول المعتزلة وكثير من الأشاعرة، فهو أيضا قول كثير من أتباع الأئمة الأربعة: كأبي الفرج المقدسي الحنبلي. انظر: (درء التعارض 8/4) و (أبي الفرج البغداي صاحب محجة الساري إلى معرفة الباري (المصدر السابق ص25) وأبي يعلى (المصدر السابق 7/442) و (ابن الزاغوني نفس المصدر 443) وغيرهم، مع اختلافهم في كيفية الاستدلال. والواقع أننا إذا نظرنا في النصوص الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الباب نجد أنه صلى الله عليه وسلم: ما كان يأمر أحداً بالنظر والاستدلال ابتداء، ليدخل في الإسلام، وما كان يدعوا الناس إلى ذلك عندما يغزوهم ويدعوهم للإسلام، بل كان أول ما يدعوهم إليه: الشهادتان، وبذلك أمر معاذ بن جبل في الحديث الصحيح لما بعثه إلى اليمن فقال له: "إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات.." م / كتاب الإيمان / باب الدعاء إلى الشهادتين 1/50حـ29. وبين صلى الله عليه وسلم انه يقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله.. " خـ 1/ 75حـ25، ولم يقل حتى يستدلوا على معرفة الله. فإذا قالوها كف عن قتالهم وقبل إسلامهم، ولم يؤمر بمطالبتهم بالاستدلال على معرفة معبودهم، ومِنْ ثَمَّ أنكر صلى الله عليه وسلم على أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما قتله الرجل بعد تلفظه بالشهادة وقال له صلى الله عليه وسلم: "يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله قال- أسامة قلت يا رسول الله إنما كان متعوذا، قال قتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ قال فما زال يكررها عليّ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم " خـ 12/ 191 كتاب الديات حـ 2/687. فدل ذلك على أن من تلفظ بكلمة التوحيد دخل في الإسلام، وحرم دمه، وإن لم يستدل. قال شيخ الإسلام: (وهذا مما اتفق عليه أئمة الدين، وعلماء المسلمين، فإنهم مجمعون على ما علم بالاضطرار من دين الرسول أن كل كافر فإنه يدعى إلى الشهادتين، سواء كان معطلاً أو مشركا أو كتابياً بذلك يصير الكافر مسلما ولا يصير مسلما بدون ذلك. وقال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن الكافر إذا قال أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأن كل ما جاء به محمد حق وأبرأ إلى الله من كل دين يخالف دين الإسلام – وهو بالغ صحيح يعقل – أنه مسلم ... ) انظر الإجماع لابن المنذر 154. ودرء التعارض 8/7. قلت: وهذا هو المذهب الحق في هذه المسالة الذي ندين الله به؛ لأنه هو الثابت المأثور عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وسائر أصحابه الذين فتحوا البلدان بعده وفي عهده، لم يؤثر عنهم انهم كانوا يدعون الناس إلى النظر والاستدلال وإنما كانوا يدعونهم إلى الشهادتين أولاً ويكتفون منهم بها، ويكفون عن قتال من قالها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 من أفضع الأقاويل، وهو قول جهم. (5) ومنها: أن كل حديث ورد مخالفاً للعقل لا يمكن الجمع بينه وبين العقلِ فهو زور، وإن رواه من لا يشك في عدالته قبل ذلك، وأن من رواه مع العلم بحاله مثبتاً له، تسقط عدالته، ولا يجوز قبول خبر في باب الاعتقاد، إلا ما وافق قضية العقل فيه1. وهذا يؤدي إلى رد الأخبار   1 المعروف عن الأشاعرة أنهم يشترطون لحديث الآحاد إذا صحّ إسناده أن لا يكون متنه مخالفا للعقل. يقول البغدادي: (وأخبار الآحاد متى صح إسنادها وكانت متونها غير مستحيلة في العقل كانت موجبة للعمل بها دون العلم) أصول الدين 12 وهذا في الأصل قول المعتزلة: فإن من مذهبهم أن أحاديث الآحاد تقبل في الاعتقاد إذا كانت متونها موافقة لعقولهم، يقول القاضي عبد الجبار وإن كان – أي حديث الآحاد – مما طريقه الاعتقاد ينظر فإن كان موافقاً لحجج العقول قبل موجبه لا لمكانه بل للحجة العقلية، وإن لم يكن موافقا لها فإن الواجب ان يرد ويحكم بأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يقله وإن قاله فإنما قاله على طريق الحكاية عن غيره، هذا إذا لم يحتمل التأويل إلا بتعسف) . انظر: (شرح الأصول الخمسة ص 770) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 الواردة في الصفات وإلى تفسيق أئمة المسلمين1 هـ. (6) ومنها: أن الصلاة وسائر قوانين الشريعة لا يعتد بقيام المرء بها إلا بعد معرفته ربه بدليل العقل2 وأول الفروض عليه النظر في الأدلة ليعرفه، وإذا اشتغل3 بالفروع قبل إحكام الأصول لم ينتفع به4. وشهادة أن لا إله إلا الله إذا لم يعرف قائلها صحة الأدلة شهادة   1 أما كونه مؤد إلى رد أخبار الصفات فواضح، لأنهم لا يقبلون الكثير منها بدعوى مخالفته لمقتضى عقولهم، وما قبلوه منها جنحوا فيه إلى التأويل. وأما كونه مؤد إلى تفسيق أئمة المسلمين، فلأن رواة أحاديت الصفات هم أئمة المسلمين من سلف هذه الأمة فإذا ردت أحاديثهم وقيل بإسقاط عدالتهم لأنهم رووا من الأحاديث ما يخالف عقول المعتزلة والأشاعرة، وكان ذلك تفسيقاً لهم. وحاشاهم من ذلك بل هم الأئمة العدول، الذين رووا احاديث الأصول والفروع والأحكام. فالقول بتفسيقهم وإسقاط عدالتهم، هدم للدين وإبطال لسنة سيد المرسلين. 2 في الأصل: (العقلي) وهو تحريف.. 3 في الأصل: (استقل) وهو تصحيف. وقد يصح على وجه. 4 هذه المسألة متفرعة عن المسألة رقم (4) وهي قضية إيمان العوام، ووجوب الاستدلال والنظر وقد تقدم الكلام عليها هناك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 عارية عن العلم غيرمنتفع بها. هـ (7) ومنها: أن الملحد، والمجوسي، واليهودي، والنصراني ينبغي أن يدعوا إلى المناظرة ويتعلم الكلام لجدالهم و ... 1 الله سبحانه قد منع من الجلوس مع الخائضين في آياته2 واتفق أهل الحل والعقد من العلماء على أن الملحد، والمجوسي، وأهل سائر النحل لا يلزمنا جدالهم، وأجمع أكثرهم على أن الجدال منسوخ بالأمر بالقتال، وفي مناظرتهم أكبر فساد (لانتشار) 3 شبههم بها في الناس، وجواز عدم من يصل إلى حلها في الحال. (8) ومنها: أن المخالف من أصحاب الحديث، وأهل الأثر، لا يبلغ عقل كثير منهم معرفة العقليات ولا يفهمونها، فإن كل واحد منهم ينبغي أن يخاطب على قدر عقله. وفي ضمن هذا إخفاء المذهب عن قوم وإظهاره لآخرين، وهذا شبيه بالزندقة. وبهذا الفعل منهم دخل كثير من العوام والمبتدئين في مذهبهم لأنهم يظهرون له الموافقة في الأول ويكذبون بما ينسب إليهم حتى يصطادوه، فإذا وقع جروه قَليلاً قليلاً حتى ينسلخ من السنة. وكان أبو بكر بن الباقلاني من أكثرهم استعمالاً لهذه الطريقة وقد   1 في الأصل كلمة (وقد) ولا معنى لها هنا، والكلام مستقيم بدونها. 2 يشير إلى نحو قوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} . النساء آية 140. 3 في الأصل (لانتشاره) وهو تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 وشح كتبه بمدح أصحاب الحديث واستدل على الأقاويل بالأحاديث في الظاهر، وأكثر الثناء على أحمد بن حنبل رحمة الله عليه، وأشار في رسائل له إلى أنه كان يعرف الكلام، وأنه لا خلاف بين أحمد والأشعري1 وهذا من رقة الدين، وقلة الحياء. (9) ومنها: ما أظهره متأخروهم و ... 2 منهم وهو أن القرآن إذا كتب بمداد فيه نجس أو رمي المصحف في الخلاء، أو طرح عليه قذر على سبيل العمد لم يجب فيه كبير نكير3.   1 أما استدلاله بالأحاديث فملاحظ في كتبه غير أنه يؤولها حسب اعتقاده كما فعل في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو ... " أوله بأن المراد: لا تسافروا بكتابة القرآن، لأنه يعتقد أن ما في المصحف كتابة القرآن وليس هو القرآن. انظر: (الإنصاف ص 137) . وأما قوله: (إن الإمام أحمد كان يعرف الكلام ... ) فلم أقف عليه في شيء من كتبه (التي اطلعت عليها) . 2 في الأصل كلمة لم أتبينها. 3 لم أجد تخريج هذا القول من كتب القوم التي وقفت عليها، لكن ذكر عنهم ابن تيمية نحوه وعزاه للجهال والغالية منهم، وليس هو قول أهل العلم بالمقالة والإيمان بالشريعة منهم، فإن هؤلاء يعظمون المصحف ويعرفون حرمته، ويوجبون له ما أوجبته الشريعة من الأحكام. ثم بين السبب الذي دعا أولئك إلى إنكار حرمة المصحف فقال: لكن جهالهم وغاليتهم إذا تدبروا حقيقة قول مقتصديهم: إن القرآن العربي لم يتكلم الله به وإنه ليس إلا معنى واحد قائم بالذات، وأصوات العباد، ومداد المصاحف يدل على ذلك المعنى، وإنه ليس لله في الأرض كلام في الحقيقة، وليس في الأرض إلا ما هو دال على كلام الله ... وكلام الله إن عبر عنه بالعربية كان قرآنا، وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلاً وهو معنى واحد لا يتعدد ولا يتبعض، ولا يتكلم الرب بمشيئته وقدرته إلى أمثال ذلك من حقائق قول المقتصدين اسقطوا حرمة المصحف وربما داسوه ووطؤوه وربما كتبوه بالعذرة وغيرها. ذلك لأنهم لم يروا في المصحف أكثر من كونه دليلاً على كلام الله وليس فيه كلام الله حقيقة، فلم يوجبوا له احتراما، كالدليل على الخالق المتكلم بالكلام فإن الموجودات كلها أدلة عليه ومع ذلك لا يجب احترامها. انظر: مجموع الفتاوى: 12/ 381-382، 8/425. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 لأن صفة الله سبحانه ليست في الدنيا، وإنما المصحف بما فيه مخلوق وهومن جملة المثمنات1 والله تعالى يقول: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} 2 والنبي صلى الله عليه وسلم3 نهى عن حمله إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو4.   1 الثمن: ما يستحق به الشيء وهو قيمته، وشيء ثمين: أي مرتفع الثمن انظر: لسان العرب 13/82. والمقصود هنا: أن المصحف من العروض التي تباع وتشترى بثمن. وليس هو كلام الله عندهم، لأن كلام الله عندهم كلام نفسي فلا يتأتى بيعه وتثمينه. 2 سورة الواقعة: آية: 79. 3 ليست في الأصل. 4 يشير إلى حديث ابن عمر رضي الله عنهما- في ذلك وقد أخرجه: خ: كتاب الجهاد/ باب كراهية السفر بالمصحف إلى أرض العدو 6/ 133، حـ2990، ولفظه "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو". م: الإمارة/ باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه في أيديهم 3/1490، 92، 93 وفيه: (مخافة أن يناله العدو) . د: الجهاد / باب في المصحف يسافر به إلى أرض العدو 3/ 82 ح 2610. جه: الجهاد/ باب النهي أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو 2/ 961 حـ2879، 2880. حم: مسند ابن عمر 2/6، 10، 55، 63. ط: الجهاد / باب النهي عن أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو 2/446 حـ 7 وفيه ان قوله (مخافة أن يناله العدو) من كلام الإمام مالك وليس من كلام النبيّ صلى الله عليه وسلم. ونقل الحافظ ابن حجر عن ابن عبد البر قوله: ((وأكثر الرواة عن مالك جعلوا التعليل من كلامه ولم يرفعوه – قال ابن حجر- وأشار إلى ابن وهب تفرد برفعها- قال وليس كذلك لما قدمته من رواية ابن ماجه ثم ذكر من رفعها غير ابن وهب ... وقال فصح أنه مرفوع وليس بمدرج ولعل مالكا كان يجزم به ثم صار يشك في رفعه فجعله من تفسير نفسه)) . انظر فتح الباري 6/134. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 والفقهاء مجمعون على أن مس المحدث إياه لا يجوز1. (10) ومنها: ما ارتكبه أهل الوقت منهم2، خصوصاً من كان منهم من المغاربة، وهو أن كل من (يخالفهم) 3 نسبوه إلى سب العلماء   1 ذكر ابن قدامة أن القول بعدم جواز مسّ المحدث المصحف، مروي عن ابن عمر والحسن وعطاء وطاووس، والشعبي والقاسم بن محمد - قال –وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي – ثم قال – لا نعلم لهم مخالفا إلا داود. وهؤلاء هم فقها الأمة.. انظر (المغني 1/147) . 2 لم أتوصل إلى معرفة المقصود منهم. 3 في الأصل: (مخالفهم) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 لينفروا1 قلوب العوام عنه وقرفوه2 بأقاويل لا يقول بها ولا يعتقدها بهتا منهم وكذبا؛ لأن البهتان والكذب لا قبح لهما في العقل وإنما علم قبحهما بالسمع. والقائلون بخلاف قولهم ضلال عندهم ولا حرمة لهم. وفي المذهب أشياء كثيرة في نهاية الشناعة لم أرد ذكرها في الحال خوفاً من الإطالة؛ لأن هذه الرسالة إنما اشتملت على نكت وإشارت، ولعلنا في غيرها نشرح بعض ما أشرنا إليه من فضائح مذهبهم إن شاء الله تعالى.   1 في الأصل (لينفر) . 2 يقال قرفه بكذا: إذا أضافه إليه واتهمه به. انظر لسان العرب (9/280) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 الفصل العاشر: في بيان أن شيوخهم أئمة ضلال ودعاة إلى الباطل وأنهم مرتبكون إلى ما قد نهوا عنه لما1 زعم عوام مخالفينا: أنهم موافقون للأئمة، متبعون لهم، احتجنا أن نشير2 إلى أمر الأئمة، وإلى معنى الإمامة في العلم، ليعلم مَن3 المستحق منهم للاتباع، ومَن الواجب هجرانه. اعلموا أرشدنا الله وإياكم أن الإمامة هي التقدم4 في معنى بالناس إلى معرفته حاجه أو قضى/ (46/ب) عليهم (خوض) 5 فيه وارتكابه وإن كان بهم عنه غنى6. فأئمة قد أثنى الله عليهم خيراً قال: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً7 يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا   1 في الأصل (لم) وهو تحريف. يدل عليه السياق بعده. 2 في الأصل غير واضحة تماما في الصلب. فأعادها الناسخ في الحاشية. 3 جملة (ليعلم من) غير واضحة عليها أثار طمس، أعادها الناسخ في الحاشية. 4 في الأصل (التعدم) وهو تصحيف 5 في الأصل (خصوص) وهو تحريف. 6 وفي اللسان: أم القوم، وأم بهم: تقدمهم، وهي الإمامة، والإمام: كل من ائتم به قوم كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين. 12/24. 7 قرأ: أئمة، بتحقيق الهمزتين، و: (أيمة) بتسهيل الهمزة الثانية وإبدالها ياء. وهما قراءتان سبعيتان متواترتان. قرأ بالأولى: ابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي. قرأ بالثانية: نافع، وأبو عمرو، وابن كثير، وأبو جعفر، ورويس، واختلف هؤلاء في كيفية تسهيل الهمزة، فمنهم من جعلها بين بين، ومنهم من جلعها ياء خالصة. راجع: (النشر في القراءات العشر لابن الجزري (1/ 378-379) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} 1. وقال تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} 2. وأئمة قد أثنى3 الله سبحانه عليهم شرا فقال: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ} إلى آخر الآية4. وقال: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} 5.   1 سورة السجدة: (آية:24) . 2 سورة القصص: (آية 5) . 3 الثناء: يستعمل في الخير والشر، والمدح والذم، يقال أثنى عليه خيراً ويقال: أثنى عليه شراً. انظر: (لسان العرب 14/124) و (الفروق للعسكري: 42) وفي الحديث "مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: وجبت ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا.." خـ 3/128. 4 وتمامها { ... وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} سورة التوبة: (آية 12) . 5 سورة القصص: (آية 41، 42) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 فلما علم أن الأئمة على ضربين: أئمة حق ممدوحون، وأئمة ضلال (مذمومون) 1. احتجنا إلى أن نبين أحوال الضربين ليتبع المحق ويهجر المبطل. فأئمة الحق: هم المتبعون لكتاب ربهم سبحانه، المقتفون سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، المتمسكون بآثار سلفهم الذين أُمروا بالاقتداء بهم. وعلومهم التي صاروا بمعرفتها وجمعها والتقدم فيها أئمة/ (47/أ) لغيرهم: القرآن ومعرفة (قراءآته) 2 وناسخة ومنسوخة، وأحكامه، وفيمن نزل، والعلم بمحكمه ومتشابهه، والأخذ بالآيات المحكمات منه، والإيمان بالمتشابه. ثم الحديث، وتبيين صحيحه من سقيمه، وناسخه من منسوخه، ومتواتره من آحاده، ومشهوره من غريبه، وما تلقته الأمة منه بالقبول، وما تركوا العمل به، وما يجب اعتقاد ما فيه، ومعرفة علله وأحوال رواته. ثم الفقه: الذي مدار الشريعة على ضبطه، وهو مستنبط من الكتاب والحديث، وطلبه فرض، وأحكام أصوله التي شرحها متقدموا الفقهاء3، دون ما أحدثه المتكلمون منها ومزجوه ببدعهم، ورضي به بعض المتأخرين.   1 في الأصل (مذمون) . 2 في الأصل (قراته) . 3 كالإمام الشافعي رحمه الله (في الرسالة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 وما يستقيم لكم تحصيل1 هذه العلوم إلا بأن يشرع في أخذ لغة العرب قبل ذلك، ليعلم معنى ما يرد عليه في القرآن، والحديث، والفقه. ولا بد له من تعلم شيء من/ (47/ب) النحو الذي به يوزن كلام العرب ويعرف صحيحه من فاسده. فإذا تقدم واحد في هذه العلوم، وكان أخذه إياها ممن علم تقدمه فيها، وكونه متبعا (للسلف) 2 مجانبا للبدع حكم بإمامته3، واستحق أن   1 في الأصل بعد كلمة (تحصيل) لفظ: (ذلك) مضروب عليه. 2 في الأصل (السلف) بالتنكير، وإثباتها بالتعريف يقتضيه السياق. لأن السلف بالتعريف إذا أطلق لا يفهم منه إلا السلف الصالح.. أما بالتنكير فقد يفهم منه غير ذلك فإن لكل خلف سلفاً. والمؤلّف إنما يقصد هنا المعهود في الذهن وهو السلف الصالح الذين هم أئمة الحق والهدى. 3 اشترط المؤلف رحمه الله ثلاثة شروط للحكم على شخص ما بأنه إمام: الأول: أن يتقدم في العلوم التي ذكرها. وهو شرط وجيه لأن الجاهل ونصف المتعلم لا يصلح أن يقدم ويؤتم به في العلم. الثاني: أن يكون أخذه تلك العلوم عمن عُلم تقدمه فيها. وهو شرط وجيه أيضا. الثالث: ان يكون من أخذها عنه متبعاً للسلف ومجانبا للبدع. وهذا الشرط يحتاج إلى إيضاح. فقد يقال: إن الحق ضالة المؤمن أنى وجده أخذه ومعروف انه تقدم في بعض العلوم لا سيما علوم العربية كثير ممن ابتلي ببدعة. فهل يؤخذ عنهم. لا شك أنه إذا كان يوجد من السلف من هو متقدم فيما تقدم فيه هؤلاء فالأخذ عنه أولى. أما إذا لم يوجد إلا ذلك المبتدع فلا بأس من الأخذ عنه سيما إذا لم يدع إلى بدعته، أو أمن الآخذ عنه الافتتان به. وإنما اشترط المؤلّف هذا الشرط وأطلقه احترازا لأنه قلّ أن يوجد صاحب بدعة لا يدعو إليها أو على الأقل يمزج علمه بشيء منها. هذا إذا كان الضمير في قوله (وكونه) يعود للمأخوذ عنه، أما إذا كان يعود للآخذ فالأمر واضح ولا إشكال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 يؤخذ عنه ويرجع إليه ويعتمد عليه. ثم يلزمه في الأداء: التحفظ من الزلل، والتحرز من الإحداث والتوقي عن مجاوزة ما أحاط به علمه، وقبول ما يتجه له من الصواب، وإن أتاه ذلك ممن هو دونه، والتواضع لله سبحانه الذي من عليه بما علمه، واللين لمن يتعلم منه، والجري على طريقة من تقدم من العلماء في التورع والتخوف من العثرة 1 والعلم بأنه ليس بمعصوم وأن الذي صار إليه من العلم يسير، (وإن حرمه خلق الله كثير) 2. والذين كانوا على هذا المنهاج بعد الصحابة الذين فازوا بالسبق والسؤدد، وظفروا بالحظ الأوفر من كل خير، واشتركوا في الإمامة، والعدالة، وكان بينهم تفاضل، وتقارب رضي الله عنهم هم التابعون لهم بإحسان، وهم خلق كثير، لم يخالفوا طريقة الصحابة ولم يجدثوا في الدين حدثاً. فبالمدينة من أعلامهم/ (48/أ) سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي3، والقاسم   1 في الأصل (العثره) بدون نقط على الثاء وهو تصحيف. والعثرة: الزلة انظر: (لسان العرب مادة عثر: 4/539) . 2 العبارة بين الحاصرتين غير مستقيمة. فإما أن يكون فيها سقط (من) بعد (حرمه) فيكون تصويبها هكذا (وإن حرمه من خلق الله كثير) أو يكون هناك زيادة (ألف) قبل لفظ الجلالة فتحذف وعليه تكون صحة العبارة هكذا: (وإن حرمه خلق لله كثير) وكلا الاحتمالين وارد. 3 القرشي أبو محمد، فقيه المدينة وعالمها، سيد التابعين في زمانه. قال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علما من سعيد، هو عندي أجل التابعين. ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر، وتوفي سنة 94هـ. (ترجمته في طبقات ابن سعد 5/119، المعارف 437، المعرفة والتاريخ 1/ 468، تذكرة الحفاظ 1/54، سير أعلام النبلاء 4/217. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 ابن محمد بن أبي بكر1، وسالم بن عبد الله بن عمر2 وعروة بن الزبير بن العوام3،   1 وهو: القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله، كان من سادات التابعين، وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة وكان أفضل أهل زمنه. ولد في خلافة علي رضي الله عنه، ومات سنة 101هـ وقيل 107 بقديد، موضع بين مكة والمدينة. انظر: طبقات ابن سعد 5/187، المعرفة والتاريخ 1/545، تذكرة الحفاظ 1/96، سير أعلام النبلاء 5/53، وفيات الأعيان 4/59/533، 2 هو أبو عمر ويقال أبو عبد الله سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، المدني الفقيه الحجة، أحد من جمع بين العلم والعمل والزهد والشرف، كان يشبه بأبيه في الهدي والسمت. كان مولده في خلافة عثمان رضي الله عنه، ومات سنة 106 على الصحيح. انظر ترجمته في: (الطبقات لابن سعد 5/195) والمعارف 186) و (التذكرة 1/88) والسير 4/ 457) والتقريب 1/280) . 3 وهو: عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي، الإمام عالم المدينة، أبو عبد الله القرشي أحد الفقهاء السبعة. ولد سنة 23، وقيل 29هـ، وتوفي سنة 94هـ على الراجح. انظر: (طبقات ابن سعد 5/ 178 و (المعارف: 222) و (المعرفة والتاريخ 1/364، 550) وترجمته في: (سير أعلام النبلاء 4/421) و (التقريب 2/19) و (وفيات الأعيان 3/255) و (التذكرة 1/62) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة1، وخارجة بن زيد ابن ثابت2، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف3، وسليمان بن يسار4، وقبيصة   1 هو الإمام الفقيه، أبو عبد الله عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، المدني الضرير أحد الفقهاء السبعة، وجده عتبة هو أخو الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما. ولد في خلافة عمر أو بعيدها قال فيه العجلي: كان أعمش، وكان أحد فقهاء المدينة، ثقة رجلا صالحاً جامعاً للعلم، وهو معلم عمر بن عبد العزيز، مات بالمدينة سنة 98 وقيل 99هـ. انظر: (طبقات ابن سعد 5/250) و (المعارف 250) و (المعرفة والتاريخ 1/560) و (سير أعلام النبلاء 4/475) و (التذكرة 1/78) . 2 وهو: خارجة بن زيد بن ثابت، أبو زيد الأنصاري، الإمام، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة كانت وفاته بالمدينة في خلافة عمر بن عبد العزيز سنة 99 وقيل 100هـ. انظر: (طبقات ابن سعد 5/262) و (المعارف 260) و (سير أعلام النبلاء 4/437) و (التذكرة 1/91) و (وفيات الأعيان 2/223) . 3 اسمه كنيته قاله الإمام مالك، وقيل اسمه عبد الله وقيل إسماعيل، وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، المدني الحافظ، أحد الأعلام بالمدينة، ولد سنة بضع وعشرين، وقال ابن سعد: توفي سنة 94 في خلافة الوليد، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة وقال هذا أثبت من قول من قال إنه توفي سنة أربع ومائة. انظر: (طبقات ابن سعد 5/155) و (سير أعلام النبلاء 4/287) و (التذكرة 1/63) و (التقريب 2/430) 4 هو عالم المدينة ومفتيها، أبو أيوب، وقيل أبو عبد الرحمن، وأبو عبد الله سليمان بن يسار، المدني مولى أم المؤمنين ميمونة وقيل أم سلمة، ولد في خلافة عثمان قال أبو الزناد: كان ممن أدركت من فقهاء المدينة وعلمائهم ممن يرضى وينتهي إلى قولهم: سعيد بن المسيب، وعروة ... ، وسليمان بن يسار، وقال النسائي: (أحد الأئمة) مات سنة سبع ومائة وهو ابن ثلاث وسبعين سنة. قال الذهبي: فيكون مولده آخر خلافة عثمان سنة 34هـ. انظر ترجمته في: (طبقات ابن سعد 5/174) و (طبقات خليفة ت 2131) و (سير أعلام النبلاء 2/444) و (التذكرة 1/91) و (التقريب 1/331) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 بن ذؤيب1، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث2، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج3 هـ. وبمكة: طاووس بن كيسان4 الصنعاني5، وعطاء بن أبي   1 هو الإمام الكبير الفقيه، أبو سعيد أو أبو إسحاق قبيصة بن ذؤيب بن حلحلة الخزاعي، المدني، ثم الدمشقي، مولده عام الفتح سنة ثمان، أُتي به النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير فدعا له، وكان على الختم، والبريد للخليفة عبد الملك، كان من أعلم الناس بقضاء زيد بن ثابت، وكان من علماء الأمة. توفي سنة ست أو سبع وثمانين في خلافة عبد الملك، ولأبيه صحبة. ترجمته في: (طبقات ابن سعد 5/176، 7/447) و (طبقات خليفة ت 2916) و (سير أعلام النبلاء 4/282) و (التذكرة 1/60 و (التقريب 2/122) . 2 ابن هشام بن المغيرة، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، اسمه كنيته، ولد في خلافة عمر ومات سنة 94 بالمدينة. تقدمت له ترجمة. وانظر ترجمته أيضا: في طبقات ابن سعد 5/207 وطبقات ابن خياط ت2097 وسير أعلام النبلاء 4/416 والتذكرة 1/63 والمعارف 282. 3 هو أبو داود: عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، مولى ربيعة بن الحارث بن عبد الملك الهاشمي المدني كاتب المصاحف. نزل الإسكندرية ومات بها سنة سبع عشرة ومائة. انظر ترجمته في تهذيب التهذيب 6/290) و (التقريب 1/501) و (التذكرة1/97) . 4 في الأصل (طاووس بن ليسان) وهو تحريف. 5 هو الفقيه القدوة، عالم اليمن، أبو عبد الرحمن طاووس بن كيسان، الفارسي ثم اليمني الجندي، الحافظ كان من أبناء الفرس الذين جهزهم كسرى لأخذ اليمن، ولاؤه لحمير وقيل لهمدان، ولد في خلافة عثمان أو قبلها. قيل اسمه: ذكوان، وطاووس لقب، وهو ثقة فقيه فاضل حجة باتفاق. توفي بمكة قبل التروية بيوم وقيل يوم التروية سنة ست ومائة، وصلى عليه الخليفة هشام بن عبد الملك. انظر: طبقات ابن سعد 5/537، وطبقا ابن خياط 287 وسير أعلام النبلاء 5/38، والتذكرة 1/90 وفيات الأعيان 2/509، والتقريب 1/377. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 رباح1، وعبيد بن عمير2، ومجاهد بن جبر3. وبالعراق: الحسن4، ومحمد بن سيرين5، ومطرف بن عبد الله   1 هو: أبو محمد عطاء بن أبى رباح القرشي مولاهم واسم أبي رباح أسلم مفتي الحرم، سيد التابعين علما وعملا، وإتقانا في زمانه بمكة. وكان حجة إماما كبير الشأن، مولده في خلافة عثمان وقيل في خلافة عمر – قال الذهبي: وهو أشبه. وهو من مولدي الجند باليمن ونشأ بمكة، وتوفي بها سنة أربع عشرة ومائة. وقيل خمس عشرة ومائة. وله ثمان وثمانون. انظر: الطبقات لابن سعد 5/467، والتذكرة 1/98، والميزان 3/70، والتقريب 2/22، والمعارف 444، والسير 5/78. 2 هو أبو عاصم: عبيد بن عمير بن قتادة، الليثي، الجندعي، المكي، الواعظ المفسر، ولد في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان من ثقات التابعين وأئمتهم بمكة، وكان يذكر الناس فيحضر ابن عمر رضي الله عنهما مجلسه. مات قبل ابن عمر بأيام يسيرة، وقيل توفي سنة أربع وسبعين. انظر: طبقات ابن سعد 5/463 وابن خياط ت 2524 ص 279، وسير أعلام النبلاء 4/156. 3 وهو الإمام أبو الحجاج المكي مجاهد بن جبر الأسود، المخزومي مولاهم شيخ القراء والمفسرين، أعلم الناس بالتفسير في زمانه، مات وهو ساجد سنة اثنتين، وقيل ثلاث وقيل أربع وقيل سبع وقيل ثمان ومائة. وقد بلغ ثلاثا وثمانين سنة. انظر: (طبقات ابن سعد 5/466) و (المعارف 444) و (السير 4/449) و (التذكرة 1/92) و (الميزان 3/440) . 4 هو الحسن بن أبي الحسن، واسم أبي الحسن يسار، أبو سعيد البصري، الأنصاري مولاهم، ولد بالمدينة لسنتين بقيتا من خلافة عمر، ونشأ بها بوادي القرى، وقال سليمان التميمي: كان الحسن يغزو، وكان مفتي البصرة جابر بن زيد أبو الشعثاء، ثم جاء الحسن فكان يفتي وكان رحمه الله ثقة، فاضلا مشهورا، كثير الإرسال. توفي سنة عشر ومائة. انظر: (طبقات ابن سعد 7/156) و (المعارف 440) و (السير 4/563) و (التذكرة1/71) و (الميزان 1/483) و (التقريب 1/165) . 5 هو الإمام الرباني: أبو بكر محمد بن سيرين الأنصاري البصري – مولى انس بن مالك، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان رضي الله عنه، وكان فقيها إماما غزير العلم ثقة ثبتا علامة في التعبير، رأسا في الورع مات بالبصرة سنة عشر ومائة. انظر: (طبقات ابن سعد 7/ 193) و (المعارف 442) و (السير 4/606) ، و (التذكرة 1/77) و (التقريب 2/169) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 ابن الشخير1، وج   ابر بن زيد أبو الشعثاء2، وعامر بن   1 وهو الإمام، القدوة الحجة: أبو عبد الله مطرف بن عبد الله بن الشخير (بكسر الشين المعجمة وتشديد الخاء المعجمة المكسورة) ، وكان رأسا في العلم والعمل، وله جلالة في الإسلام، ووقع في النفوس، ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأبيه صحبة، وتوفي رحمه الله سنة خمس وتسعين هـ على الصحيح. انظر ترجمته في: (طبقات ابن سعد 7/141) و (المعارف 436) و (التذكرة 1/64) و (السير 4/187) و (التقريب 2/253) . 2 وهو: جابر بن زيد الأزدي اليحمدي مولاهم البصري، الخوفي، وقيل الجوفي، نسبة إلى الخوف ناحية من عمان، أو إلى الجوف درب محلة بالبصرة. كان رحمه الله أحد الأعلام، عالم البصرة ومفتيها قبل الحسن، قال فيه قتادة يوم موته: اليوم دفن عالم أهل البصرة. أو قال عالم أهل العراق. مات سنة ثلاث وتسعين قال الذهبي: وشذّ من قال إنه توفي سنة ثلاث ومائة. وقال ابن سعد: مات جابر بن زيد سنة ثلاث ومائة مجمع عليه, ووهم من قال غير ذلك. انظر: (طبقات ابن سعد 7/179) و (المعارف 453) و (السير 4/481) و (التذكرة 1/72) و (التقريب 1/122) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 (شراحيل) 1، الشعبي2، وعلقمة بن قيس3، والأسود بن يزيد4. وبالشام: جنادة بن أبي أمية5، ورجاء بن   1 في الأصل (شرحبيل) وهو تحريف، والتصويب من كتب التراجم. 2 وهو علامة التابعين في عصره، أبو عمرو عامر بن شراحيل الهمداني، ثم الشعبي، ولد في خلافة عمر رضي الله عنه عام جلولاء وكانت سنة سبع عشرة وقيل تسع عشرة وقيل ولد سنة إحدى وعشرين. وكان إماما حافظا فقيها، متفننا ثبتا متقنا. مات سنة أربع ومائة وقد بلغ اثنتين وثمانين سنة. انظر: (طبقات ابن سعد 6/246) و (المعارف449) و (السير 4/204) و (التذكرة 1/79) و (التقريب 1/387) . 3 وهو فقيه الكوفة وعالمها ومقرئها، الإمام الحافظ المجود المجتهد الكبير أبو شبل علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك النخعي الكوفي من كبار التابعين، ولد في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، هاجر في طلب العلم والجهاد ونزل الكوفة ولازم ابن مسعود رضي الله عنه حتى رأس العلم والعمل وتفقه به العلماء وبعد صيته. وتفقه به أئمة كبار كإبراهيم والشعبي. مات بعد الستين ببضع سنين. وقيل بعد السبعين. (طبقات ابن سعد 6/86) و (المعارف 431) و (السير 4/53) و (التذكرة 1/48) و (التقريب 2/31) . 4 وهو: الأسود بن يزيد بن قيس، الإمام القدوة أبو عمرو النخعي الكوفي. وقيل يكنى أبو عبد الرحمن عالم الكوفة، وابن أخي عالمها علقمة بن قيس، وخال إبراهيم النخعي، كان مخضرما أدرك الجاهلية والإسلام. سئل عنه الشعبي فقال: كان صواما قوما حجاجا. توفي رحمه الله سنة خمس وسبعين وقيل أربع وسبعين. انظر: (طبقات ابن سعد 6/70) و (المعارف 432) و (السير 4/50) و (التقريب 1/77) . 5 وهو جنادة بن أبي أميّة الأزدي الدوسي، واسم ابيه: كبير، ولأبيه صحبة، واختلف في صحبة جنادة، وقال ابن سعد والعجلي وطائفة هو تابعي شامي. قال الذهبي: وهو الصواب، ورجح ذلك أيضا ابن حجر. مات رحمه الله سنة ثمانين وقيل سبع وسبعين وقيل غير ذلك. والله أعلم. الطبقات لابن سعد: 7/439، وطبقات خليفة ص 305، والسير 4/62، والتقريب 1/134. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 حيوة1، وعبد الله بن محيريز2، وحسان بن عطية3. وفي كل ناحية قوم مشهورون. ثم من بعدهم من تأخر عنهم، ولحق متأخري الصحابة موتا وأخذوا   1 وهو: الإمام القدوة، الوزير العادل، أبو نصر، رجاء بن حيوة بن جرول وقيل ابن جزل وقيل ابن جندل، الكندي الأزدي ويقال الفلسطيني، شيخ أهل الشام من أجلة التابعين، وكان ثقة عالما فاضلاً. مات رحمه الله سنة اثنتي عشرة ومائة. طبقات ابن سعد 7/454، وابن خياط ص 310، والمعارف 472، والتذكرة 1/118، والسير 4/557، وفيات الأعيان 2/301 والتقريب 1/248. 2 هو: أبو محيريز عبد الله بن محيريز بن جنادة بن وهب الجمحي، وكان إماما، فقيها قدوة، من العاملين ومن سادة التابعين رحمه الله، كان يتيماً بمكة ثم نزل بيت المقدس مات سنة تسع وتسعين وقيل بعدها. طبقات ابن سعد 7/447، وابن خياط ص 294، والتذكرة 1/68، والسير 4/494، والتقريب 1/449. 3 وهو الإمام الحجة، أبو بكر حسان بن عطية المحاربي مولاهم الدمشقي، كان فقيها عابدا، من ثقات التابعين ومشاهيرهم، وقد رمي بالقدر، قال الذهبي: لعله رجع وتاب. مات بعد العشرين ومائة وربما بقي إلى حدود سنة ثلاثين ومائة رحمه الله. انظر ترجمته في: (حلية الأولياء 6/72-79) و (الميزان 1/ 479) و (تهذيب التهذيب 2/151) و (التقريب 1/162) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 عن كبار التابعين بعدهم. كالزهري1 بالمدينة وعمرو بن دينار2 بمكة. وإبراهيم بن يزيد النخعي 3 بالكوفة، وأيوب السختياني 4 بالبصرة،   1 وهو الإمام محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، أبو بكر القرشي المدني، ولد سنة خمسين كان ثقة كثير الحديث والعلم والرواية فقيها جامعا، من أعلم الناس بالسنة، يقول عمر بن عبد العزيز عليكم بابن شهاب هذا فإنكم لا تلقون أحدا أعلم بالسنة الماضية منه، وقال مكحول: ما بقي أعلم بسنة ماضية من ابن شهاب، مات رحمه الله سنة أربع وعشرين ومائة وهو ابن خمس وسبعين سنة، وقيل في وفاته غير ذلك. والله أعلم. انظر: (طبقات ابن سعد: الجزء الذي حققه زياد منصور (طبع المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية ص157) وتهذيب التهذيب 9/445) و (تذكرة الحفاظ 1/108) وسير أعلام النبلاء 5/326) و (التقريب 2/207) . 2 وهو الإمام الكبير الحافظ أبو محمد عمرو بن دينار الجمحي مولاهم المكي الأثرم أحد الأعلام وشيخ الحرم في عصره، ولد سنة خمس أو ست وأربعين وتوفي سنة خمس أو ست وعشرين ومائة. طبقات ابن سعد 5/479، المعارف 468، وتذكرة الحفاظ 1/113، والميزان 3/260، وسير أعلام النبلاء 5/300، تهذيب التهذيب 8/28، التقريب 2/89. 3 وهو الإمام الحافظ فقيه العراق أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي اليماني ثم الكوفي، أحد الأعلام، مات رحمه الله سنة خمس وتسعين. وهو ابن ست وأربعين سنة. (المعارف463، تذكرة الحفاظ 1/73، سير أعلام النبلاء 4/520، التهذيب 1/177) . 4 هو الإمام الحافظ أبو بكر أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني، البصري أحد الأعلام، من طبقة صغار التابعين، ولد سنة ثمان وستين وقيل ست وستين قال فيه الحسن: هذا سيد شباب أهل البصرة، وكان ثقة ثبتا في الحديث، جامعا كثير العلم حجة عدلاً، وكانت وفاته سنة إحدى وثلاثين ومائة وله خمس وستون سنة. انظر: طبقات ابن سعد 7/246، تذكرة الحفاظ 1/130، سير أعلام النبلاء 6/15تهذيب التهذيب 1/397، التقريب 1/89. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 ومكحول بالشام1، وخير بن نعيم2 بمصر، ومعاوية بن صالح3 بالأندلس. وفي وقتهم دبت البدع 4، وقرف آخرون 5 بشيء منها ولم يصح   1 هو عالم أهل الشام أبو عبد الله وقيل أبو أيوب وقيل أبو مسلم بن أبي مسلم الهذلي، الدمشقي، كان فقيهاً حافظاً قال الزهري: العلماء أربعة، ابن المسيب بالمدينة والشعبي بالكوفة، والحسن بالبصرة ومكحول بالشام، قيل كان يرى القدر، لكنه رجع عنه كما يقول الذهبي. قال الأوزاعي: كشفنا عنه فإذا هو باطل – أي رميه بالقدر. مات سنة اثنتي عشرة وقيل ثلاث عشرة ومائة. طبقات ابن سعد 7/453، التذكرة 1/107، السير 5/155، تهذيب التهذيب10/289. 2 وهو خير بن نعيم بن مرة بن كريب الحضرمي، أبو نعيم، ويقال أبو إسماعيل المصري القاضي بمصر وبرقة، كان فقيها صدوقا. مات سنة سبع وثلاثين ومائة انظر: تهذيب التهذيب 3/179، التقريب1/230. 3 وهو الإمام الفقيه أبو عمرو، معاوية بن صالح بن حدير، الحضرمي الحمصي، قاضي الأندلس، ولد في خلافة عبد الملك في حدود سنة الثمانين، وكان رحمه الله من أوعية العلم ومعادن الصدق مات في سنة ثمان وخمسين ومائة. طبقات ابن سعد 7/521، تذكرة الحفاظ1/176، ميزان الاعتدال 4/135، سير أعلام النبلاء 5/466، تهذيب التهذيب 10/209، التقريب 2/250. 4 في هذه الفترة: ظهر أربعة من كبار المبتدعين ورؤوسهم: (الجعد ابن درهم (124هـ) و (واصل بن عطاء 131، مؤسس المعتزلة) و (الجهم بن صفوان 128) و (مقاتل ابن سليمان 150) . 5 قرف: أي اتهم باقتراف شيء من البدع يقال اقترف الذنب إذا أتاه وفعله والاقتراف الاكتساب. (لسان العرب 9/279-280) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 ذلك ثم عمر الله البلاد بالفقه والحديث، فظهر بالمدينة مالك1 بن أنس، وابن أبي ذئب2 وبمكة/ (48/ب) ابن جريج3 وسفيان بن عيينة4. وبالشام: أبو عمرو الأوزاعي5، وسعيد بن عبد العزيز6.   1 هو الإمام تقدمت ترجمته. 2 وهو الإمام الفقيه أبو الحارث، عبد الرحمن بن المغيرة الحارث بن أبي ذئب- واسم ابن أبي ذئب هشام بن شعبة – القرشي العامري المدني كان يفتي بالمدينة وكان عالما ثقة، ولد سنة ثمانين، مات بالكوفة سنة ثمان وخمسين وقيل تسع وخمسين وهو يومئذ ابن تسع وسبعين سنة وكانوا يرمونه بالقدر وما كان قدريا، كما يقول ابن سعد. انظر: (طبقات ابن سعد: القسم المتمم لتابعي المدينة، نشر المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية ص 412) و (المعارف 485) تذكرة الحفاظ 1/191) سير أعلام النبلاء 7/139) تهذيب التهذيب 2/184) . 3 وهو فقيه أهل مكة في زمانه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولاهم أبو خالد وأبو الوليد، أول من دون العلم بمكة، وصنف الكتب قاله الإمام أحمد، ولد سنة ثمانين عام الجحاف سيل بمكة، مات سنة خمسين ومائة أو بعدها. انظر: المعارف 488، التذكرة 1/169، السير 6/325، الميزان 2/659، تهذيب التهذيب 6/402، التقريب 1/520. 4 وهو الإمام الكبير حافظ العصر، شيخ الإسلام الحجة مطلقا، أبو محمد سفيان بن عيينة الهلالي الكوفي ثم المكي، كان رحمه الله صاحب سنة واتباع وتقدمت له ترجمة. انظر أيضا: طبقات ابن سعد 5/497، المعارف 506، التذكرة 1/262، الميزان2/170، سير أعلام النبلاء 8/454، التهذيب 4/117. 5 وهو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد، شيخ الإسلام، وعالم أهل الشام. تقدمت له ترجمة. انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد 7/488، تذكرة الحفاظ 1/178، سير أعلام النبلاء 7/107، تهذيب التهذيب 6/238. 6 وهو: أبو محمد سعيد بن عبد العزيز التنوخي الدمشقي، ويقال: أبو عبد العزيز، فقيه أهل دمشق، كان لأهل الشام كمالك لأهل المدينة في التقدم والفقه والأمانة. ولد سنة تسعين للهجرة، كانت وفاته سنة سبع وستين ومائة وقيل بعدها وله بضع وسبعون سنة. انظر: تذكرة الحفاظ 1/219، سير أعلام النبلاء 8/32، الميزان 2/149، تهذيب التهذيب 4/59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 وبمصر: الليث بن سعد1 وعمرو بن الحارث2. وبالكوفة: سفيان بن سعيد الثوري3.   1 هو الإمام الحافظ شيخ الإسلام وعالم الديار المصرية، أبو الحارث الليث بن سعد الفهمي، وهو إمام حجة فقيه كثير التصانيف، كان مولده سنة أربع وتسعين بقرقشند قرية بمصر، ومات سنة خمس وسبعين ومائة، وله إحدى وثمانون رحمه الله. انظر: طبقات ابن سعد 7/517، التذكرة 1/226، سير أعلام النبلاء 8/136، تهذيب التهذيب 8/459، والمعارف 505. 2 وهو العلامة الحافظ الثبت، عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري مولاهم، المدني الأصل، المصري، عالم الديار المصرية، ومفتيها مع الليث بن سعد، ولد بعد التسعين في خلافة الوليد بن عبد الملك، وكانت وفاته في شوال سنة ثمان وأربعين ومائة. انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء 6/349، التذكرة 1/183، الميزان 3/252، تهذيب التهذيب 8/14. 3 وهو شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، وسيد العلماء العاملين في زمانه أبو عبد الله سفيان ابن سعيد بن مسروق بن حبيب الثوري الكوفي المجتهد، أمير المؤمنين في الحديث. وتقدمت له ترجمة موجزة. انظر ترجمته أيضا في: طبقات ابن سعد 6/371، المعارف 497، سير أعلام النبلاء 7/229، تهذيب التهذيب 4/111. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 وبالصرة: حماد بن زيد بن درهم الأزدي1. وبخراسان: عبد الله بن المبارك2. وكانوا أئمة في العلم، مشاهير بالاتباع، والأخذ عن أمثالهم، وكان في وقتهم علماء لهم تقدم في علوم، واتباع على مذهبهم لكنهم وقعوا في شيء من البدع إما القدر، وإما التشيّع أو الإرجاء عرفوا بذلك فانحطت منزلتهم عند أهل الحق. وظهر بعد ذلك: أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي3. رحمة الله   1 وهو الإمام الثبت، محدث الوقت أبو إسماعيل حماد بن زيد بن درهم الأزدي، وإمام البصرة ورجلها في زمانه، كانت وفاته سنة تسع وسبعين ومائة رحمه الله. تقدمت له ترجمة قصيرة وانظر: طبقات ابن سعد 7/286، المعارف 502، سير أعلام النبلاء 7/456، تهذيب التهذيب 3/9. 2 وهو الإمام شيخ الإسلام عالم زمانه، وأمير الأتقياء في وقته، أبو عبد الرحمن عبد الله المبارك الحنظلي مولاهم التركي ثم المروزي الحافظ الغازي، أحد الأعلام، أعلم أهل المشرق قال فيه الفراء: ما أخرجت خراسان مثل هؤلاء الثلاثة ابن المبارك، والنضر ابن شميل ويحيى بن يحيى. ولد سنة تسع عشرة ومائة وقيل ثماني عشرة، وكانت وفاته إحدى وثمانين منصرفا من الغزو. وقد تقدم له ترجمة موجزة. وانظر ترجمته أيضا في: المعارف 511، سير أعلام النبلاء 18/378، تهذيب التهذيب 5/382. 3 الإمام (150-204هـ) تقدمت له ترجمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 عليه، وأصحاب أبي حنيفة1، وأصحاب مالك2، وكثرت العصبية، واضطربت الأمور، وصعب على ناس كثيرظهور مذهب الشافعي، لقيامه بالفقه والحديث واللغة، وشرفه في النسب3 وكونه مقبولاعند المتبعين من أهل عصره. ثم ظهر الكلام وأهله وانتشرت/ (49/أ) كتب الفلاسفة4، وأهل الزيغ في   1 كالقاضي: أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم (113-182هـ) . ومحمد بن الحسن الشيباني (132-189هـ) . 2 كعبد الله بن نافع الصائغ (120-206) . وابن وهب (125-197) . وابن الماجشون (..-213) . 3 وبسبب التعصب طعن البعض في نسب الإمام الشافعي. وممن اقترف ذلك من المتأخرين الشيخ الكوثري. يقول الشيخ عبد الله محمد الصديق الغماري: (وكنا نعجب بالكوثري لعلمه وسعة اطلاعه وتواضعه، كما كنا نكره منه تعصبه الشديد للحنفية تعصباً يفوق تعصب الزمخشري لمذهب الاعتزال. حتى كان يقول عنه شيخنا الحافظ أبو الفيض: هو مجنون أبي حنيفة ولما أهداني رسالته: (إحقاق الحق) في الرد على رسالة إمام الحرمين في ترجيح مذهب الشافعي) وقرأتها وجدته غمز نسب الإمام الشافعي ونقل عبارة عن زكريا الساجي في ذلك، فلمته على هذا الغمز، وقلت له: إن الطعن في الأنساب ليس برد علمي، فقال لي: متعصب رد على متعصب - قال الشيخ الغماري- فاعترف بتعصبه) . انظر: (بدع التفاسير 180) . 4 لا سيما بعد ترجمتها، وانتشارها في عصر الخليفة العباسي المأمون (198-218) فاطلع عليها أئمة المعتزلة وشيوخهم وأفادوا منها، وتأثروا بها وظهر ذلك واضحاً في أقوالهم، وأحكامهم، التي لا تخلو من غرابة وشذوذ، وانحراف. يقول الشهرستاني: (ثم طالع بعد ذلك شيوخ المعتزلة كتب الفلاسفة حين نشرت أيام المأمون، فخلطت مناهجها بمناهج الكلام، وأفردتها فنًا من فنون العلم، وسمتها باسم الكلام. (الملل 1/29) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 أيدي الناس، وكثرت المذاهب في الأصول. فأيد الله سبحانه بمنّه أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني1 رحمه الله، حتى قام بإظهار المنهاج الأول، وكان جامعاً، قد تقدم في الفقه فنظر في مذهب أبي حنيفة وسفيان2 أولا، ثم نظر في مذهب مالك، ثم نظر في مذهب الشافعي، واختار لنفسه ما وجده في الحديث، وكان في معرفته مبرزا، وكان شديد الورع، ومتمسكا بآثار السلف، ومتمكنا من العقل والحلم، فنشر ما كان عليه السلف، وثبت في المحنة3 ولم يأت من عنده بشيء، ولم يعول إلا على السنن الثابتة. وإنما عرف المذهب به لتفرده بالقيام4 في وقته وسكوت أترابه عن   1 وهو الإمام حقا، شيخ الإسلام صدقا أبو عبد الله. (164-241) تقدم. انظر ترجمته أيضا في: طبقات ابن سعد 7/354، طبقات الحنابلة 1/204، تذكرة الحفاظ 2/431، سير أعلام النبلاء 11/177. 2 هو (ابن عيينة 107-198هـ) تقدمت ترجمته. 3 وهي المحنة المشهورة بمحنة القول بخلق القرآن، والتي اشتدّ أوارها في أواخر عهد المأمون سنة 218هـ وصدر عهد المعتصم، العباسيين حيث امتحن العلماء، فأجاب بعضهم متأولاً، وأجاب البعض خوفا من السيف، وثبت الإمام أحمد وحمد ابن نوح. انظر: أخبار المحنة: سير أعلام النبلاء 11/232-262. 4 في وجه الباطل، والثبات على الحق والسنة ولا سيما في محنة القول بخلق القرآن كما أشرت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 ذلك، إما لخوف البعض، أو عرفان من/ (49/ب) آخرين (بأنه) 1 أولاهم بما قام به، لتقدمه عليهم في خصال الخير. واليوم فمن عرف منه لزوم المنهاج2 وظهرتقدمه في العلوم التي ذكرناها، فهو إمام مقتدى به. ومن زاغ عن الطريقة وفاوض أهل البدع والكلام، وجانب الحديث وأهله استحق الهجرإن والترك وإن كان متقدما في تلك العلوم. وأما أئمة الضلالة فالمشركون، والمدعون الربوبية، والمنافقون ثم كل من أحدث في الإِسلام حدثا، وأسس بخلاف الحديث طريقا، ورد أمر المعتقدات إلى العقليات، ولم يعرف شيوخه باتباع الآثار، ولم يأخذ السنة عن أهلها (أو أخذ) 3 (عنهم) 4 ثم خالفهم. وهم فرق، والأصول أربعة: القدرية، والمرجئة، والرافضة، والخوارج ثم تشعبت المذاهب من هذه الأربعة، والكل ضلال. فكل من رد الأمر إلى نفسه وادعى قدرته على ما يريد، وزعم أن/ (50/أ) الله سبحانه لم يقدر المعاصي ولم يكتبها، ولم يردها فهو قدري5.   1 في الأصل: (بأنهم) وهو تحريف. 2 أي: المنهاج المستقيم، باتباع الكتاب واقتفاء السنة. 3 في الأصل: (وأخذ) وهو تحرف. 4 في الأصل: الكلمة غير واضحة في الصلب أعادها الناسخ في الحاشية. 5 القدرية هم الذين يزعمون أن الاستطاعة والمشيئة والقدرة لهم وأنهم يملكون لأنفسهم الخير والشر والضر والنفع والطاعة والمعصية، والهدى والضلال بدءاً من غير أن يكون سبق لهم ذلك من الله عزّ وجلّ، أو في علم الله عزّ وجلّ. هذا هو مفهوم القدرية عند السلف إذا أطلق وانظر: (السنة للإمام أحمد 50 ضمن شذرات البلاتين) . وهذا المفهوم يتضمن أمرين: الأول: أن القدرية ينفون قدر الله عزّ وجلّ ويثبتون قدرتهم على الأفعال واستطاعتهم وإرادتهم لها. الثاني: أنهم ينفون مع ذلك تقدم علم الله بأفعالهم قبل حدوثها. وهذا في الحقيقة هو مذهب الغلاة من القدرية من متقدميهم الذين كانوا يقولون (لا قدر وان الأمر أنف) أي لم يكن الأمر بقدر الله ولم يسبق له علم به. أما جمهور القدرية فإنهم لا ينكرون تقدم علم الله بأفعالهم ويقرون بأن الله علم ما العباد فاعلون قبل أن يفعلوه 0انظر: فتاوى ابن تيمية (8/429) ويرى القرطبي فيما نقله عنه ابن حجر أن مذهب الغلاة قد انقرض وأنه لا يعرف أحدا من زمانه ينسب إليه. وأن قدرية اليوم مطبقون على تقدم علم الله بأفعال العباد قبل فعلها. انظر: فتح الباري 1/119. وأول ما ظهر الكلام في القدر زمن متأخري الصحابة موتا كابن عمر الذي أنكره وتبرأ ممن قال به، وذلك بعد منتصف القرن الأول. وكان أول من نطق به رجل يقال له سوسن أو سنسوية كان نصرانياً فأسلم ثم ارتد ثم أخذه عنه معبد الجهني الذي أظهره ونشره بالبصرة. أخرج الآجري عن ابن عون: ((أول من تكلم من الناس في القدر بالصرة معبد الجهني وأبو يونس الأسواري)) الشريعة 243. لذا يقول البعض إن معبد هو أول من اظهر القول في القدر. وقد أخرج الآجري بسنده إلى محمد بن شعيب قال: سمعت الأوزاعي رحمه الله يقول: ((أول من نطق في القدر رجل من أهل العراق يقال له سوسن وكان نصرانيا فأسلم ثم تنصر فأخذ عنه معبد الجهني وأخذ غيلان عن معبد)) الشريعة 243. رواه أيضا اللالكائي في (شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2/749-750 حـ 1398، وقال محققه أخرجه ابن بطة في الإبانة 2/414-415، وأشار إلى رواية الآجري.. وانظر عن القدرية: الفرق بين الفرق 114. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 وكل من زعم أن الإيمان قول مفرد، أو قول ومعرفة، أو قول وتصديق، أو معرفة مجردة، أو تصديق مفرد، أو أنه لا يزيد ولا ينقص، فهو مرجيء1 وبعضهم2 جهمي. وكل من يبغض أبا بكر وعمر (وعثمان) 3 رضي الله عنهم أو واحداً منهم، وأنكر إمامته وتقدمه وفضله فهو رافضي4.   1 الإرجاء: هو التأخير، يقال: أرجيته وأرجأته إذا أخرته. وسميت المرجئة بذلك لأنهم أخروا الأعمال عن الإيمان، وقالوا: لا تضر مع الإيمان معصية ولا ينفع مع الكفر طاعة. انظر: (الملل والنحل 1/139) وهم عند صاحب الملل أربعة أصناف: 1- مرجئة الخوارج. 2- مرجئة القدرية. 3- مرجئة الجبرية. 4- المرجئة الخالصة في حين جعلهم البغدادي ثلاثة أصناف ولم يذكر منهم (مرجئة الخوارج) . انظر (الملل 1/139) و (الفرق 202) . وأول من أثر عنه القول بالإرجاء في الإيمان غيلان الدمشقي المقتول بعد عام 105هـ كما قال الشهرستاني. انظر: الملل 1/139. 2 وهو من قال إن الإيمان هو المعرفة المجردة فإن هذا قول جهم بن صفوان ت (128هـ) . انظر: (الملل والنحل 1/88 و (الفرق 211) . 3 في الأصل: (عمان) وهو تحريف واضح. 4 وإنما سمي الرافضة بذلك لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر كما يقول الأشعري (المقالات 1/89) ويذكر الرازي قصة تسميتهم بذلك فيقول: (إنما سموا بالروافض لأن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم خرج على هشام بن عبد الملك فطعن عسكره في أبي بكر فمنعهم من ذلك، فرفضوه ولم يبق معه إلا مائتا فارس، فقال لهم- أي زيد بن عليّ – رفضتموني قالوا: نعم فبقي عليهم هذا الاسم. (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين 52) . وقد سئل إمام أهل السنة الإمام أحمد، عن الرافضة من هم فقال: هم ((الذين يسبون أو يشتمون أبا بكر وعمر)) (السنة لعبد الله بن أحمد 192) . وقال في ((عقيدة أهل السنة)) : وأما الرافضة: (فقد أجمع من أدركنا من أهل العلم أنهم قالوا: إن عليّ بن أبي طالب أفضل من أبي بكر الصديق وإن إسلام علي كان أقدم من إسلام أبي بكر) . (شذرات البلاتين 81) . فمبدأ الرافضة إذن يدور على أمرين الأول: الغلو في عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. والثاني: الطعن في أصحاب رسول الله وبالأخص أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. وترجع الجذور التاريخية لهذين المبدأين إلى زمن اليهودي عبد الله بن سبأ الذي يعتبر أول من ابتدع الغلو في عليّ رضي الله عنه والطعن في أبي بكر وعمر. لذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وأصل الرفض: من المنافقين والزنادقة. فإنه ابتدعه ابن سبأ الزنديق وأظهر الغلو في عليّ بدعوى الإمامة والنص، وادعى العصمة له. انظر: (الفتاوى 4/435) . بل بلغ من غلوه فيه أن زعم أنه نبي ثم إله، وتبعه على ذلك قوم فلما بلغ ذلك عليا أنكر عليهم وأمر بإحراقهم، ونفى ابن سبأ إلى المدائن. انظر: الفرق 21، 233، الملل 1/174. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 وكل من تنقص عثمان أو علياً وعائشة ومعاوية1 وأبا موسى2   1 هو معاوية بن أبي سفيان الصحابي الجليل، أسلم قبل الفتح وكتب الوحي وتوفي رحمه الله خليفة في سنة 60هـ. انظر الإصابة 3/433، والتقريب 2/259. 2 هو أبو موسى عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار الأشعري وهو صحابي مشهور وهو أحد الحكمين بصفين وفي ذلك يكمن سر بغض الخوارج له رضي الله عنه. مات رحمه الله سنة 50هـ وقيل بعدها. الإصابة 2/359، والتقريب 1/441. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 وعمرو بن العاص1 رضي الله عنهم فهوخارجي2. ومن تنقص بعضهم ولم يتنقص عثمان وعلياً فهو ضال على أي مذهب كان3. وقد روي عن النبي أنه قال: "لعنت القدرية والمرجئة على لسان   1 وهو عمرو بن العاص بن وائل السهمي، صحابي مشهور أسلم عام الحديبية وهو الحكم الثاني في صفين. مات رحمه الله بعد الأربعين وقيل بعد الخمسين. تقريب 2/72. 2 والخوارج هم: كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت عليه الجماعة واشتهر بهذا اللقب جماعة خرجوا على عليّ رضي الله عنه كانوا معه في حرب صفين، حملوه على قبول التحكيم ثم قالوا له: لم حكمت الرجال لا حكم إلا لله، وكان من أشدهم عليه الأشعث بن قيس الكندي في عصابة معه. وهم فرق عدة لهم آراء في الدين غير صائبة كالقول بتخليد صاحب الكبيرة، ويجمعهم القول بتكفير عليّ بن أبي طالب، وعثمان والحكمين، وأصحاب الجمل، ومن رضي بالتحكيم وصوب الحكمين أو أحدهما والقول بالخروج على الإمام إذاكان جائراً. انظر عنهم: الملل والنحل1/114، والفرق بين الفرق 72، 73 والمقالات 1/167. 3 لأن مذهب أهل السنة وسلف هذه الأمة: حبّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر محاسنهم كلهم أجمعين والكف عن الذي شجر بينهم فمن سبهم أو أحداً منهم فهو مبتدع، فحبهم سنة، والدعاء لهم قربة والاقتداء بهم وسيلة والأخذ بآثارهم فضيلة. هذا هو اعتقاد أئمة السلف كالإمام أحمد. انظر: (السنة شذرات البلاتين 49) وابن المديني، وأبي زرعة وابن أبي حاتم. انظر: شرح أصول اعتقاد اهل السنة 1/167، 181. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 سبعين نبيا" 1. وروي عنه في الروافض أنهم مشركون2.   1 طرف حديث روي مرفوعا من طريقين: الأول: عن طريق معاذ بن جبل رضي الله عنه بلفظ: "ما بعث الله تعالى نبيا إلا وفي أمته قدرية ومرجئة إن الله لعن القدرية والمرجئة على لسان سبعين نبياًّ". أخرجه ابن أبي عاصم في السنة 1/142 ح 324 وقال الألباني: (إسناده ضعيف) والبيهقي في الاعتقاد ص 117. وقال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه بقية بن الوليد وهو لين، ويزيد بن حصن لم أعرفه مجمع الزوائد 7/204. والثاني: من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه (ما بعث الله نبيا قبلي فاستجمعت له أمته إلا وكان منهم مرجئة وقدرية يشوشون عليه أمر أمته بعده ألا وإن الله لعن المرجئة والقدية على لسان سبعين نبيا أنا آخرهم أو أحدهم) . أخرجه: الآجري في الشريعة ص148. قال الألباني: وهو ضعيف أيضا فيه شهاب ابن خراش في في حفظه ضعف، وسويد بن سعيد أسوأ حالاً منه، ثم ذكر متابعة لسويد بن سعيد عند ابن بطة في الإبانة 7/96/2. انظر: (تعليقه على السنة لابن أبي عاصم 1/143) . وذكره صاحب: تنزيه الشريعة 1/312 وقال: وروى الهروي في ذم الكلام وقال سمعت يعقوب الحافظ يقوي هذا الحديث. 2 هو طرف من حديث روي مرفوعاً من حديث عدد من الصحابة منهم: عليّ بن أبي طالب: أخرجه عبد الله بن أحمد في (السنة ص 192) وابن أبي عاصم (السنة 2/474 ح979) وإسناده ضعيف. أم سلمة: أخرجه ابن أبي عاصم (السنة 2/475 ح980) وإسناده ضعيف أيضاً. وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه الفضل بن غانم وهو ضعيف (مجمع الزوائد 10/22) . عن ابن عباس: ابن أبي عاصم (السنة 2/475 ح981) وإسناده ضعيف. وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى والبزار والطبراني ورجاله وثقوا وفي بعضهم خلاف، ثم ساقه عنه بلفظ آخر وقال: رواه الطبراني وإسناده حسن. فاطمة بنت محمد: وقال فيه الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات إلا أن زينب بنت عليّ لم تسمع من فاطمة فيما أعلم والله أعلم. (المجمع 10/22) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 وروي عنه في الخوارج "أنهم كلاب أهل النار" 1.   1 روي مرفوعا من حديث ابن أبي أوفى، وأبي أمامة. فأما حديث ابن أبي أوفى فأخرجه: الإمام أحمد في المسند 4/355. وعبد الله بن أحمد في السنة ص 247. والآجري في الشريعة ص 37. وابن ماجه: المقدمة / باب في ذكر الخوارج 1/61ح173. وابن أبي عاصم (السنة / باب المارقة والحرورية 2/438حـ904) : كلهم من طريق الأعمش عن ابن أبي أوفى به. وقال الألباني: حديث صحيح ورجال إسناده رجال الشيخين غير أن الأعمش لم يسمع من ابن أبي أوفى، وهو مع ذلك مدلس، لكن للحديث إسناد آخر يأتي في الكتاب بعده، وشاهد من حديث أبي أمامة ثم قال بعد أن ذكر الإسناد الآخر: (إسناده حسن، رجاله ثقات وفي حشرج بن نباته كلام من قبل حفظه) . وأما حديث أبي أمامة: فأخرجه: ت/كتاب تفسير القرآن 5/226 ح 3000، وقال: هذا حديث حسن. حم 5/250، 253، 256، 269. جه: المقدمة / باب من ذكر الخوارج 1/62حـ 176. عبد الله بن أحمد: السنة 251، 252. الآجري: الشريعة ص 35، 36. الطبراني في (الصغير 2/117) وفي سنده قريب والد الأصمعي منكر الحديث كما في الميزان 3/389. مشكاة المصابيح 2/1055ح 3554 وقال رواه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن. قال محققه الشيخ الألباني: إسناده حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 وروي عنه أنه قال:" من أحدث حدثاً في ديننا فهو رد عليه "1. وروي عنه عليه السلام: (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) 2.   1 خ: كتاب الصلح/باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود 5/301 حـ 2697 من حديث عائشة بلفظ: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) . م: كتاب الأقضية / باب نقض الأحكام الباطلة. ورد محدثات الأمور 3/1343 حـ13 (1718) من حديث عائشة بلفظ البخاري. حم: 6/270 مسند عائشة. حه: مقدمة / باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/7 حـ 14. د: كتاب السنة / باب لزوم السنة 5/4606 بلفظ (فيه) بدل (منه) . 2 طرف من حديث أخرجه: م: كتاب الجمعة / باب تخفيف الصلاة والخطبة 2/592 حـ 43 من حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما وفيه" ... وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة". د: كتاب السنة / باب لزوم السنة 5/13/4607 من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه. حم: 3/371 من حديث جابر، و4/126 من حديث العرباض. ن: العيدين باب كيفية الخطبة 3/153 من حديث جابر. جه: المقدمة / باب اجتناب البدع 1/17 حـ 45 من حديث جابر وحـ: 46 من حديث ابن مسعود. دي: المقدمة / باب اتباع السنة 1/44 من حديث العرباض وفي باب كراهية أخذ الرأي 1/69 من حديث جابر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 فالمتبع للأثر يجب تقدمه وإكرامه، وإن كان صغير السن غير/ (50/ب) نسيب، والمخالف له يلزم اجتنابه وإن كان مسنا شريفا. والذين بلي كثير من أهل العلم بهم: المعتزلة، وهم أعداء الأثر وأهله، و (كبراؤهم) 1 أبو الهذيل العلاف2، وجعفر بن مبشر3، والنظام4،   1 في الأصل (وكبرائهم) وهو خطأ. 2 وهو محمد بن الهذيل العبدي، كان يلقب بالعلاف لأن داره بالبصرة كانت في العلافين، وكان فصيحا جدلاً كان شيخ البصريين في الاعتزال ومن أكبر علمائهم (134-235هـ) . انظر: طبقات المعتزلة 54-59، وفيات الأعيان: 4/265. 3 وهو: أبو محمد جعفر بن مبشر الثقفي، من رؤوس المعتزلة، له تصانيف في الكلام، مات سنة 234هـ، وإليه وإلى جعفر بن حرب تنسب فرقة الجعفرية من المعتزلة. ترجمته في طبقات المعتزلة 81-82، وميزان الاعتدال 1/414، وانظر عن الجعفرية: الفرق بين الفرق 167، وميزان الاعتدال 1/414. 4 هو: أبو إسحاق إبراهيم بن سيار المعروف – بالنظام - لأنه كان ينظم الخرز في سوق البصرة- أخذ الاعتزال عن أبي الهذيل العلاف وكان من أذكياء المعتزلة، وكان واسع الاطلاع على كتب الفلاسفة، فقرر مذهبهم في القدر، وتبعه عليه خلق، وإليه تنسب النظامية من طوائف المعتزلة. مات ما بين سنة 221-223هـ. وانظر عنه وعن مذهبه طبقات المعتزلة 49-52، النجوم الزاهرة 2/234، والعبر 1/315، 456، والفرق بين الفرق 131، والمقالات 1/247، واعتقادات فرق المسلمين 41. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 والجاحظ1، وأبو علي الجبائي2، وابنه أبو هاشم3، وأبو القاسم الكعبي البلخي4 وقبل هؤلاء: عمرو بن   1 وهو: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني المعروف بالجاحظ، أبو عثمان البصري، أخذ الاعتزال عن النظام وغيره، وإليه تنسب الفرقة المعروفة من فرق المعتزلة، وله تصانيف كثيرة. مات سنة 255 وقد بلغ التسعين وقيل أكثر. ترجمته في: طبقات المعتزلة 67، وفيات الأعيان 3/470، وراجع عن فرقته: الفرق بين الفرق 175، والملل والنحل 1/75، والتبصير 49، واعتقادات فرق المسلمين 43. 2 وهو: أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي، نسبة إلى جبي (بضم الجيم وتشديد الباء) بلد من أعمال خوزستان، وهو شيخ المعتزلة، وهو الذي سهل علم الكلام وذلَّلَه ويسره وكان معروفا بقوة الجدل. وإليه تنسب الجبائية من المعتزلة. توفي سنة 303هـ انظر ترجمته في: طبقات المعتزلة 85-90، وفيات الأعيان 3/398، العبر 2/125، شذرات الذهب 2/241. وراجع عن فرقته: الفرق بين الفرق 183، والملل والنحل 1/78، والتبصير 52، واعتقادات فرق المسلمين 43، والمقالات 1/236، 277، 279. 3 وهو: أبو هاشم عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي، كان من كبار المعتزلة، ولد سنة 247 وتوفي سنة 321 ببغداد. إليه تنسب البهشمية من المعتزلة. وانظر ترجمته في الفهرست 247، طبقات المعتزلة 100، وفيات الأعيان 3/183، العبر 2/187، ميزان الاعتدال 2/618، شذرات الذهب 2/289. وانظر عن البهشمية: الفرق بين الفرق 184، والملل والنحل 1/78 مع الجبائية، والتبصير53، اعتقادات فرق المسلمين 44. 4 وهو أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي، والكعبي (بفتح الكاف وسكون العين) ، نسبة إلى بني كعب والبلخي: (بفتح الباء الموحدة وسكون اللام بعدها خاء معجمة) نسبة إلى بلخ إحدى مدن خراسان. وهو شيخ من شيوخ المعتزلة ورأس طائفة منها عرفت بالكعبية. توفي سنة 317 وقيل 319. وانظر ترجمته في: طبقات المعتزلة 88، وفيات الأعيان 3/45، والعبر 2/176، شذرات الذهب 2/218. وانظر عن الكعبية: الفرق بين الفرق 181، والتبصير 51، والملل والنحل 1/76 مع الخياطية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 عبيد1، وواصل بن عطاء2. وبعدهم: أبو عبد الله البصري3 وأبو القاسم الواسطي4.   1 وهو أبو عثمان عمرو بن عبيد بن باب المتكلم الزاهد المشهور، كان جده من سبي كابل، شارك واصل بن عطاء في ضلالته وزاد عليه أشياء. وكان شيخ المعتزلة في وقته، وإليه تنسب العمروية من المعتزلة. وكانت ولادته سنة 80هـ ووفاته سنة 144 وقيل: 2، 3، 8، وأربعين ومائة. وانظر ترجمته في: المعارف 482، وتاريخ بغداد 12/166، وطبقات المعتزلة 35، والعبر 1/193، والميزان 3/273، وفيات الأعيان 3/460، والشذرات 1/210. وراجع عن فرقته: الفرق بين الفرق 120، والملل 1/49 مع النظامية والتبصير 42، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين 40. 2 وهو: واصل بن عطاء الغزال، شيخ المعتزلة، وأول من أظهر القول بالمنزلة بين المنزلتين، ولد بالمدينة سنة 80هـ وتوفي سنةإحدى وثلاثين ومائة، وإليه تنسب الواصلية من المعتزلة. وانظر ترجمته في: ميزان الاعتدال 4/329، ولسان الميزان 6/214. وانظر عن فرقته: الفرق بين الفرق 117، والملل والنحل 1/46، والتبصير 40، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين 40. 3 هو أبو عبد الله الحسين بن علي البصري، المعروف بالكاغدي، وكان من أهل البصرة، فقيها متكلما عالي الذكر، انتهت إليه رئاسة أصحابه في عصره، كان مولده سنة 399، وفي طبقات المعتزلة 367، وقيل 369 ورجحه محقق شرح الأصول الخمسة انظره ص 17. 4 ذكره ابن المرتضى في: (باب ذكر المعتزلة من كتاب المنية والأمل) ص 64، في ترجمة أبي القاسم السيرافي من رجال الطبقة العاشرة من طبقات المعتزلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 وبعدهما: الصاحب إسماعيل بن عباد1، وعبد الجبار الأسدي2، كل هؤلاء دعاة إلى الضلالة. ثم بلي أهل السنة بعد هؤلاء بقوم يدعون أنهم من أهل الاتباع. وضررهم أكثر من ضرر (المعتزلة) 3 وغيرهم، وهم: أبو محمد بن كلاب4،   1 وهو الصاحب أبو القاسم إسماعيل بن عباد، وهو أول من لقب بالصاحب من الوزراء لأنه كان يصحب أبا الفضل ابن العميد، فقيل له صاحب ابن العميد، ثم أطلق عليه هذا اللقب لما تولى الوزارة وبقي علماً عليه. وقيل إنما سمي بذلك لصحبته مؤيد الدولة من صباه. ولد سنة ست وعشرين وثلاثمائة بإصطخر، وتوفي ليلة الجمعة الرابع والعشرين من شهر صفر سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، وكان أديبا بارعا له تصانيف في الأدب والسياسة وله كتاب في فضائل عليّ وآخر في أسماء الله وصفاته. ترجمته في: وفيات الأعيان 1/228، معجم الأدباء 2/273-343، المنتظم 7/179 وأنباه الرواة 1/101، ولسان الميزان 1/413، الأعلام 1/313. 2 وهو: أبو الحسن القاضي عبد الجبار بن أحمد بن الخليل الهمذاني الأسدأبادي نسبة إلى همذان وهي مدينة مشهورة بخراسان. (معجم البلدان 4/981) والأنساب 592 والأسد أبادي، نسبة إلى أسد أباد وهي بلدة كبيرة على منزل من همذان (معجم البلدان 1/245) و (السمعاني 32) و (اللباب 1/52) انتهت إليه رئاسة المعتزلة في عصره، ألف في أصولهم: (المغني) وشرح الأصول الخمسة وكانت وفاته سنة 415 وقيل 416 وقد جاوز التسعين. انظر ترجمته في: طبقات المعتزلة 118-120، طبقات الشافعية 3/219، لسان الميزان 3/386، وتاريخ بغداد 11/113، شذرات الذهب 3/202) . 3 في الأصل (المعزلة) وهو تصحيف. 4 تقدمت ترجمته ص 115. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 وأبو العباس القلانسي1، وأبو الحسن الأشعري2. وبعدهم: (محمد3 بن أبي تريد4 بسجستان5 وأبو عبد الله بن مجاهد6 بالبصرة. وفي وقتنا: أبو بكر بن الباقلاني7 ببغداد، وأبو إسحاق الاسفرائيني8   1 تقدمت ترجمته ص 116. 2 تقدمت ترجمته ص 116. 3 في الأصل (أحمد) وهو تحريف. والتصويب من ترجمته. 4 وهو: محمد بن محمد بن محمود أبو منصور الماتريدي (بفتح الميم وضم التاء وكسر الراء) محلة بسمرقند يقال لها ما تريد، وما تريت انظر: (اللباب 3/140) وهو من أئمة المتكلمين، وإليه تنسب الماتريدية وله مؤلّفات منها (التوحيد) و (أوهام المعتزلة) و (مآخذ الشريعة) وغير ذلك. مات سنة 333هـ. انظر ترجمته في: (الفوائد البهية 195) و (الأعلام 7/242) . 5 سجستان: بكسر أوله وثانيه: ناحية كبيرة وولاية واسعة تقع جنوبي هراة. انظر: (معجم البلدان 3/190) . 6 وهو: محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب بن مجاهد أبو عبد الله الطائي، المتكلم، صاحب أبي الحسن الأشعري، وهو من أهل البصرة سكن بغداد وعليه درس القاضي الباقلاني الكلام، كانت وفاته سنة 370. ترجمته في: (تبيين كذب المفتري 177) و (الديباج المذهب 2/210) . 7 تقدمت ترجمته ص 163. 8 هو: إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران، أبو إسحاق الإسفرائيني الملقب بركن الدين، كان أحد أئمة الأشاعرة الكبار في الكلام والأصول، وكان فقيها شافعيا. أخذ عنه الكلام عامة شيوخ نيسابور، وله تصانيف منها: كتاب: (الجامع في أصول الدين والرد على الملحدين) . كانت وفاته بنيسابور سنة 418. انظر ترجمته في: (تبيين كذب المفتري 243، وفيات الأعيان 1/28، وطبقات الشافعية للسبكي 3/111، وشذرات الذهب 3/209) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 وأبو بكر بن فورك1 بخراسان2 فهؤلاء / (51/أ) يردون على (المعتزلة) 3 بعض أقاويلهم. ويردون على أهل الأثر أكثر مما ردّوه على المعتزلة. وظهر بعد هؤلاء: الكرامية4، والسالمية5 فأتوا بمنكرات من القول.   1 تقدمت ترجمته ص 169. 2 خراسان: وهي بلاد كبيرة من الري إلى مطلع الشمس. معناها: (خر) اسم للشمس بالفارسية وأسان موضع الشيء ومكانه، وقيل معناها كل بالرفاهية، والأول أصح. (اللباب 1/429) وقال الحموي: هي بلاد واسعة أول حدودها مما يلي العراق أزاذوار قصبة جوين وبيهق، وآخر حدودها مما يلي الهند طخارستان وغزنة وسجستان وكرمان، قال: وليس ذلك منها إنما هو أطراف حدودها وتشمل على أمهات من البلاد منها نيسابور وهراة ومرو وغيرها. انظر: معجم البلدان 2/350. 3 في الأصل (المعزلة) وهو تحريف. 4 الكرامية: (بفتح الكاف والراء المشددة) فرقة من المبتدعة، تنسب إلى زعيمها ومؤسس ضلالاتها: أبي عبد الله محمد ابن كرام السجستاني، المتوفى سنة 255هـ، وكان يتظاهر بالزهد، خرج من سجستان مطروداً أيام محمد بن طاهر وورد نيسابور وراجت بدعته هناك وتبعه خلق كثير. ومن أشهر ضلالاته: القول بالمماسة وهي أن الله مماس للعرش، والقول بأن الإيمان قول باللسان وإن اعتقد بقلبه الكفر، وغير ذلك. والكرامية: طوائف عدهم بعض مؤلفي الفرق: اثنتي عشرة فرقة وذكر البغدادي أنهم ثلاث فرق، وكلهم على ضلالة. وراجع عنها: الفرق بين الفرق 215، والملل والنحل 108، والفصل 4/204. وانظر ترجمة ابن كرام في: ميزان الاعتدال 4/21، والعبر 1/10، ولسان الميزان 5/353. 5 وهم أتباع أبي عبد الله محمد بن أحمد بن سالم (المتوفى سنة 297) وابنه الحسن بن أحمد بن سالم (المتوفى سنة 350) ويميل السالميون في مذهبهم إلى التشبيه والمزج بين كلام المعتزلة وأهل السنة. وفيهم نزعة صوفية. انظر: شذرات الذهب 3/36، والفرق بين الفرق 157، 202، وطبقات الصوفية 414-416 والطبقات الكبرى للشعراني10/129، واللمع للسراج 472-476 ودرء تعارض العقل 1/13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 وكلهم أئمة ضلالة يدعون الناس إلى مخالفة السنة وترك الحديث وإذا خاطبهم من له هيبة وحشمة من أهل الاتباع قالوا: الاعتقاد ما تقولونه وإنما نتعلم الكلام لمناظرة الخصوم. والذي يقولونه (كذب) 1 وإنما يستترون بهذا لئلا يشنع عليهم أصحاب الحديث. فمن أنكر قولي فليأت بحديث موافق لما قالوه، ولا يجد إلى ذلك والحمد لله سبيلا. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" أخاف على أمتي الأئمة المضلين "2. ثم قد دخل في مذاهبهم خلق كثير (ممن) 3 يتظاهر بالفقه والحديث   1 في الأصل (كذبا) وهو خطأ. 2 وهو طرف من حديث ثوبان رضي الله عنه أخرجه: د: كتاب الملاحم/ باب ذكر الفتن ودلائلها: 4/450حـ4252. ت: كتاب الفتن / باب ما جاء في الأئمة المضلين 4/504 حـ 2229. وقال أبو عيسى: (وهذا حديث حسن صحيح) . حم: 5/278، 284، ومن حديث شداد بن أوس 4/123. جه: المقدمة / باب ما يكون من الفتن 2/1304 حـ3952. دي: المقدمة / باب كراهية أخذ الرأي 1/70. دي: الرقائق / باب في الأئمة المضلين 2/311. 3 في الأصل (فيمن) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 فمنهم من أظهر ذلك وعرف به، ومنهم المنكرأنه منهم في الظاهر، وهويعضدهم في الباطن، ويثني عليهم في الباطن، يرضى لنفسه بالكذب والنفاق. ويتعلق قوم من المغاربة علينا بأن أبا محمد بن أبي زيد1 وأبا الحسن (القابسي) 2 قالا: إن الأشعري إمام3 وإذا بان صحة حكايتهم / (51/ب) عن   1 وهو: أبو محمد عبد الله بن أبي زيد، واسم أبي زيد عبد الرحمن، وهو إمام المالكية في وقته، كان يلقب بمالك الصغير، فهو جامع مذهب مالك وشارح أقواله ... وله تصانيف كثيرة منها (الرسالة) وله (رسالة النهي عن الجدل) ورسالة في الرد على القدرية، ورسالة في (أصول التوحيد) توفي رحمه الله سنة 386، وانظر ترجمته في: الديباج المذهب 1/427-430 وترتيب المدارك 2/492-497. وتاريخ التراث لسزكين 2/154. 2 في الأصل (القلانسي) وهو تحريف. وهو أبو الحسن عليّ بن محمد بن خلف المعافري المعروف بابن القابسي، كان علامة المغرب في وقته إماما في علم الحديث متونه وأسانيده وجميع ما يتعلق به وصنف ((ملخص الموطأ) وأحكام الديانة، و (المنقذ من شبه التأويل) . وكانت ولادته سنة أربع وعشرين وثلاثمائة ووفاته سنة ثلاث وأربعمائة بمدينة القيروان، وقد بلغ الثمانين أو نحوها. انظر: ترجمته في: (ترتيب المدارك 2/616) و (وفيات الأعيان 3/320) و (التذكرة 3/1079) و (اللباب 3/5) و (الرسالة المستطرفة 12) وشذرات الذهب 3/168) و (تاريخ التراث لسزكين 2/162) و (تاريخ الأدب العربي بروكلمان 3/217) . 3 ذكر ابن عساكر: لأبي محمد بن أبي زيد: رسالة كتبها جواباً لعليّ بن أحمد البغدادي المعتزلي قال فيها: (هو يعني الأشعري – رجل مشهور أنه يرد على أهل البدع وعلى القدرية والجهمية، متمسك بالسنة) انظر: تبيين كذب المفترى 122-123. وذكر ابن عساكر أيضاً عن محمد بن موسى بن عمار الكلاعي المايرقي: أن لأبي الحسن القابسي رسالة في أبي الحسن الأشعري رحمه الله أحسن الثناء عليه وذكر فضله وإمامته. وقال ابن عساكر: قرأت بخط بعض أهل العلم بالفقه والحديث من أهل الأندلس ... في جواب سؤال سئل عنه أبو الحسن عليّ الفقيه القيرواني المعروف بابن القابسي وهو من كبار أئمة المالكية بالمغرب سأله عنه بعض أهل تونس من بلاد المغرب فكان في جوابه له أن قال: ((واعلموا أن أبا الحسن الأشعري رضي الله عنه لم يات من هذا الأمر يعني الكلام إلا ما أراد به إيضاح السنن والتثبيت عليها ودفع الشبه عنها فهمه من فهمه بفضل الله عليه وخفي عمن خفي بقسم الله وما أبو الحسن الأشعري إلا واحد من جملة القائمين بنصر الحق ما سمعنا من أهل الإنصاف من يؤخره عن رتبته تلك ولا من يؤثر عليه في عصره غيره ومن بعده من أهل الحق سلكوا سبيله في القيام بأمر الله غز وجل والذب عن دينه حسب اجتهادهم قال وأما قولكم وإن كان التوحيد لا يتم إلا بمقالة الأشعري فهذا يدل على أنكم فهمتم أن الأشعري قال في التوحيد قولاً خرج به عن أهل الحق فإن كان قد نسب هذا المعنى عندكم إلى الأشعري فقد أبطل من قال ذلك عليه، لقد مات الأشعري رضي الله عنه يوم مات وأهل السنة باكون عليه وأهل البدع مستريحون منه، فما عرفه من وصفه بغير هذا)) .المصدر السابق 122-123. وقال ابن فرحون في ترجمة الأشعري: ((وكان أبو الحسن القابسي يثني عليه وله رسالة في ذكره لمن سأله عن مذهبه فيه أثنى عليه وأنصف وأثنى عليه أبو محمد بن أبي زيد وغيره من أئمة المسلمين)) . الديباج المذهب 2/94-96. ولم أجد أيا من الرسالتين، ولم أطلع على من ذكرهما غير من ذكرت سوى السبكي نقلاً عن ابن عساكر. انظر: طبقات الشافعية 2/256. ولعل هذه الرسالة هي ما ورد في ثبت مؤلفات أبي محمد باسم (مناقضة رسالة البغدادي المعتزلي) انظر: المدارك 2/ 494، وما ذكر من ثنائهما على أبي لالحسن الأشعري. غير مستبعد سيما وقد نقله عنهما من ذكرت، وإنما أثنوا عليه لموافقته السنة وانتصاره لمذهب السلف وذبه عن الحق ورده على المعتزلة وتفنيده لباطلهم ومقارعته لحججهم، وذلك أمر مشهور عنه رحمه الله مدون في كتبه، لا ينكر فضله، ولا يغمط حقه. فكل من أحب الأشعري وأثنى عليه أو انتصر له من أهل العلم المعروفين بالاتباع فإنما يحبه ويثني عليه إما لموافقته لأهل السنة والحديث، وإما لرده على من خالف السنة والحديث وبيانه تناقض حججهم أو لكلا الأمرين. ومن تكلم فيه أو ذمه من أهل العلم، فإنما تكلم فيه بقدر مخالفته للسنة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((ومن تُكُلِّم فيه من العلماء والأمراء وغيرهم إنما تكلم فيه أهل الإيمان لمخالفته السنة والشريعة – قال – وبهذا ذم السلف والأئمة: أهل الكلام والمتكلمين الصفاتيه، كابن كرام، وابن كلاب، والأشعري، وما تكلم فيه من تكلم من أعيان الأمة وأئمتها المقبولين فيها من جميع طوائف الفقهاء، وأهل الحديث والصوفية إلا بما يقولون أنهم خالفوا فيه السنة والحديث لخفائه عليهم، أو إعراضهم عنه، أو لاقتضاء أصل قياس – مهدوة – رد ذلك كما يقع نحو ذلك في المسائل العلمية – قال- فإن مخالفة المسلم الصحيح الإيمان النص إنما يكون لعدم علمه به أو لاعتقاده صحة ما عارضه)) . انظر: الفتاوى 4/14-15. ومعلوم أن أبا الحسن الأشعري رحمه الله كان من كبار المعتزلة ومتكلميهم، ثم سلك طريقة ابن كلاب، ثم انتقل إلى مذهب أهل السنة فكان كما يقول ابن تيمية له خبرة مفصلة بالكلام مجملة بالحديث، انظر: درء التعارض 7/462. لذا وقع في كلامه ما أنكره عليه بعض أهل العلم، فلم يكن في جميع مذهبه وآرائه على السنة المحضة بل كان له من الانتصار للسنة والموافقة للحديث وأهله ما حمد لأجله، ووقع في قوله من المخالفة ما ذم لأجله أيضا. وذلك كقوله في مسألة قيام الأفعال الاختيارية بذاته تعالى مثل كونه يتكلم بمشيئته سبحانه وتعالى، فإن الأشعري مع إثباته لكلام الله سبحانه وأنه غير مخلوق إلا أنه نقل عنه أن كلامه معنى واحد قائم بذاته لا يتعلق بمشيئة. انظر أيضا: الفتاوى 13/131. وربما كان حمل ما ورد عنه من ذلك على أن ذلك قوله قبل أن ينتقل إلى مذهب السلف أولى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 هذين فلا (يخلو) 1 حالهما من أحد وجهين: أن يدعى أنهماكانا على مذهبه فلا يحكم بقولهما بإمامته، وإن كانت لهما منزلة كبيرة كما لم يحكم بما يقول ابن الباقلاني وأشكاله2. وإما أن يقر بأنهما مخالفان له في الاعتقاد فقولهما بعد ذلك (انه) 3 إمام لا يؤثر شيئا يفرح به4. وهذه رسالة أبي محمد بن أبي زيد في الفقه، ورسالة الأبي الحسن القابسي في الاعتقاد، موجودتان5.   1 في الأصل (يخلوا) بإثبات الألف وهو تحريف. 2 في الأصل كلمة غير واضحة ورسمها مقارب لما أثبت. 3 في الأصل الكلمة غير واضحة اجتهدت في تقديرها بما يناسب السياق. 4 ويمكن أن يحمل قولهما بإمامته. على أنهما قالاه بعد أن ثبت رجوعه إلى مذهب السلف. وهو أظهر. 5 أما رسالة ابن أبي زيد: فمطبوعة متداولة وهي مشهورة بـ (الرسالة) وأما القابسي فله كتاب (أحكام الديانة) و (المنقذ من شبه التأويل) و (كتاب المنبه للفطن من غوائل الفتن) و (كتاب الاعتقادات) و (أحكام المتعلمين والمعلمين) انظر: (ترتيب المدارك 2/618-619) ذكر الأخيرة بركمان وسزكين باسم الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 فأبو محمد قال في رسالته: ((إن الله فوق عرشه بائن من خلقه)) 1. وعند الأشعري أن اعتقاد هذا كفر2 وعندنا أن أبا محمد محق فيما قال، والسنة معه فيه. ولأبي محمد كتاب في (إنكار) 3 الكلام والجدال والحث على الأثر واتباع السلف4. وأبو الحسن القابسي ذكر في كتابه: ((إن الاعتماد على السمع وإن الكلام والجدال مذموم وذكر فيه ((إن لله يدين كما يقول أهل الأثر)) . وعند بعض أصحاب الأشعري أن لله يداً واحدة، ومن قال إن له يدي صفة ذاتيه فهو زائغ5.   1 في الرسالة (وأنه فوق عرشه المجيد بذاته وهو في كل مكان بعلمه) . انظر الرسالة مع شرحها الثمر الداني ص11. وفي كتاب الجامع له أيضا: ((وأنه فوق سمواته على عرشه دون أرضه، وأنه في كل مكان بعلمه)) ص108. 2 تقدم نحوه انظر التعليق غليه ص 130. 3 هذه الكلمة مكررة في الأصل حذفت إحداهما. 4 له (رسالة النهي عن الجدال) انظر: (الديباج المذهب 1/427-430) ومقدمة محققي (كتاب الجامع ص47، وترتيب المدارك 2/494) وله كتاب (الاقتداء بأهل السنة) انظر: نفس المصدر. 5 تقدم الكلام على هذه المسألة انظر ص 263. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 فبان بما ذكرنا أن هذين الشيخين/ (52/أ) رحمهما الله (إن) 1 قالا ما يحكى عنهما من إمامة الأشعري فإنما قالاه لحسن ظنهما به، لتظاهره بالرد على المعتزلة، والروافض، ولم يخبرا مذهبه، ولو خبراه لما قالا ما قالاه والله أعلم2. وإذا جاز لأبي محمد أن يخالفه في كرامات الأولياء3 وفي معنى   (إن) ليست في الأصل زدتها لاقتضاء السياق. 2 الأولى أن يحمل ذلك على أنهما قالا ذلك فيه بعد رجوعه إلى السنة ونصرته لها. كما سبق وأن أشرت إلى ذلك. 3 يشير إلى ما أشيع عن ابن أبي زيد من أنه أنكر الكرامات، حيث ألف رحمه الله كتابي ((الكشف)) و ((الاستظهار)) في الرد على عبد الرحيم الصقلي ونقض كتابه في خوارق العادات. ففهم بعض المتصوفة، وكثير من أصحاب الحديث أنه ينكر كرامات الأولياء وشنعوا عليه لذلك. وألف في الرد عليه كثير من أهل الأندلس وأهل المشرق، كأبي الحسن ابن جهضم الهمداني، وأبي بكر الباقلاني، وأبي عمر الطلمنكي وغيرهم، بيد أن تأليف الباقلاني لم يكن رداً عليه أكثر منه توضيحا لقصده وشرح مراده، لذا يقول القاضي عياض ((وكان أرشدهم – يعني الذين تصدوا للرد على ابن أبي زيد، وإيضاح مراده – في ذلك وأعرفهم بغرضه ومقداره إمام وقته أبو بكر بن الخطيب اباقلاني فإنه بين مقصوده)) . ترتيب المدارك للقاضي عياض 2/495. بينما يرى الطلمنكي أن تلك هنة وقعت منه رحمه الله جره إليها الجدل ومناظرة الخصوم. ثم رجع عن القول بذلك. فيقول: كانت تلك من أبي محمد نادرة لها أسباب أوجبها نفي الكرامات – بل من طالع كتابه عرف مقصده. قلت: لذا نرى شيخ الإسلام ابن تيمية عند كلامه على هذه المسألة يقول بعد أن ذكر من أنكر الكرامات من المعتزلة: ((بل يحكي هذا القول عن أبي إسحاق الاسفرائيني وأبي محمد ابن أبي زيد ولكن كأن في الحكاية عنهما غلطا)) . النبوات ص 5. ونخلص من ذلك إلى احتمالين: الأول: أن ابن أبي زيد لم ينكر الكرامات الثابتة للصالحين وإنما أنكر ما يدعيه أهل البدع من وقوع خوارق العادات واعتبارها كرامات لهم، فلم يفهم كثير مقصوده ونسب إليه القول بإنكار الكرامات. وهذا الرأي يميل إليه الباقلاني والقاضي عياض وابن تيمية. كما سبق. الثاني: أنه وقع منه ذلك، لأسباب منها داعي المناظرة والجدال والإلزام لكنه رجع عن ذلك وهذا ماذهب إليه الطلمنكي. وعلى كلى الاحتمالين فلا يعتبر منكراً لكرامات الأولياء لأنه إما لم يكن وقع ذلك منه أصلا، أو يكون قد وقع منه ورجع عنه. والله تعالى أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 الاستواء، وغير ذلك، وجاز لأبي محمد مخالفته، والقول بما نطق به الكتاب، وثبت به الأثر. (فهو) 1 غيرقائل بإمامته في السنة. وبالله التوفيق.   1 في الأصل (وهو) وهو تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 الفصل الحادي عشر: في الحذر من الركون إلى كل أحد، والأخذ من كل كتاب لأن التلبيس قد كثر والكذب على المذاهب قد انتشر اعلموا رحمنا وإياكم الله سبحانه، أن هذا الفصل من أولى هذه الفصول بالضبط لعموم البلاء، وما يدخل على الناس بإهماله، وذلك أن أحوال أهل الزمان قد اضطربت، والمعتمد فيهم قد عز، ومن يبيع دينه بعرض يسير، أو تحببا إلى من يراه قد كثر (والكذب على المذاهب قد انتشر فالواجب) 1 على كل مسلم يحب الخلاص (أن) 2 لا يركن إلى كل أحد ولا يعتمد على كل كتاب، ولا يسلم عنانه إلى من أظهر له الموافقة. فلقد وقفت على رسالة عملها رجل/ (52/ب) من أهل أصبهان يعرف بابن اللبان3 وهو حي بعد فيما بلغني، وسماها ((بشرح مقالة الإمام الأوحد أبي   1 هذه العبارة في الأصل فيها اضطراب ونصها هكذا: (الكذب على المذاهب وقد فالواجب) والتصويب مستوحى من عنوان الفصل الوارد في مقدمة المؤلف، وقد أثبته في أول الفصل. (أن) ليست في الأصل والسياق يقتضيها. 3 وهو: عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن، أبو محمد الوائلي البكري الأصبهاني المعروف بابن اللبان – نسبة إلى بيع اللبن. (اللباب 3/ 126-127) قال الخطيب: كان أحد أوعية العلم ومن أهل الدين والفضل، أخذ عن أبي بكر الباقلاني علم أصول الديانات وأصول الفقه، ودرس فقه الشافعي على ابي حامد الاسفرائيني وكان متديناً حافظاً للقرآن حسن الصوت به، ومات بأصبهان سنة ست وأربعين وأربعمائة. انظر ترجمته في: (تبيين كذب المفتري 261) و (طبقات الشافعية السبكي 3/ 207) و (التذكرة 3/ 1124) و (اللباب 3/ 127) وشذرات الذهب 3/ 274) و (الأعلام 4/ 266) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل)) 1 وذكر فيها مذهب الأشعري المخالف لأحمد (أعطى) 2 منها نسخا إلى جماعة يطوفون بها في البلاد، ويقولون هذا إمام من أئمة (أصحاب) 3 أحمد رحمة الله عليه، قد شرح مقالته ليكتبها العوام ويظنوا صدق الناقل فيقعوا في الضلالة. وأُخرج هذا الرجل من بغداد بهذا السبب4 وعاد إلى أصبهان، وهو من أصحاب أبي بكر بن الباقلاني5. وههنا بمكة معنا من6 شغله برواية الحديث أكثر وقته   1 لم أجد من نسبها إليه ممن ترجم له، وذكر ابن عساكر عن الخطيب أن له كتباً كثيرة. انظر: (التبيين 261) . 2 في الأصل: (اعطا) . 3 في الأصل: بالحاشية. 4 لم أجد من ذكر ذلك ممن ترجم له، وذكر ابن عساكر عن الخطيب أنه أدرك شهر رمضان من سنة 427 ببغداد، فصلى بالناس التراويح في جميع الشهر، ثم ذكر وفاته بأصبهان. انظر: (تبيين كذب المفتري 261) . 5 أخذ عنه علم الكلام وأصول الفقه. كما هو في ترجمته. 6 لعله يشير إلى أبي ذر عبد بن أحمد الهروي (355 – 434 هـ) الذي جاور بمكة واشتغل بعلم الحديث، وخرج على الصحيحين، وله مستدرك عليهما، وكان حافظاً كثير الشيوخ، لكنه التقى في بغداد بأبي بكر بن الباقلاني وتردد عليه، وأخذ عنه طريقته في الكلام، وأدخلها إلى الحرم وعنه أخذها أهل المغرب، روى أبو إسماعيل الهروي عن أبي أسامة المكي: أن أبا ذر أول من حمل الكلام إلى الحرم وأول من بثه في المغاربة. انظر: (درء تعارض العقل والنقل 1/ 271) . وكان قد وقع بين أبي ذر وأبي نصر السجزي – المصنف – خلاف معروف في مسألة اللفظ فكان أبو ذر ينصر القول بأن اللفظ بالقرآن مخلوق، وأبو نصر ينصر القول بأن اللفظ بالقرآن غير مخلوق، وصنف كتابه المشهور بالإبانة في ذلك، وإن كان الحق في مسألة اللفظ عدم إطلاق الأمرين والاكتفاء بالقول بأن القرآن كيف تصرف غير مخلوق، وكان الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة يقولون: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع، كما تقدم لنا ذكر ذلك. راجع (درء تعارض العقل والنقل 1/ 268 – 271) . وانظر: ترجمة أبي ذر ومسألة اعتناقه مذهب الباقلاني في: (تبيين كذب المفتري 255) و (المدارك 2/ 696) و (تذكرة الحفاظ 3/ 1103) لكن قول المصنف هنا (يصيح أنه ليس بأشعري) يجعلنا لا نجزم بأن المراد هو أبو ذر الهروي؛ لأن أبا ذر لم ينكر أنه أشعري، بل صرح بانتمائه لمذهب الأشعري وذكر قصة اعتناقه له. انظر: (تذكرة الحفاظ 3/ 1104 – 1105) وكذا في تبيين كذب المفتري في ترجمته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 و (يصيح) 1 أنه ليس بأشعري، ثم يقول: (رأيت منهم أفاضل ومن التراب تحت رجله أفضل من خلق، وإذا قدم البلد رجل منهم قصده قاضيا لحقه، وإذا دخله رجل من أصحابنا جانبه وحذر منه. وكلما ذكر بين يديه شيخ من شيوخ الحنابلة وقع فيه، وقال: أحمد نبيل لكنه بلي بمن يكذب) 2.   1 في الأصل (يصبح) وهو تصحيف. 2 هذه النصوص لم أهتد إلى تخريجها لا عن أبي ذر ولا عن غيره من الأشاعرة فيما وقفت عليه, سوى الجملة الأخيرة وهي قوله: (أحمد نبيل ولكنه بلي بمن يكذب) فقد رأيت في تبيين كذب المفتري كلاماً بمعناها يرويه أبو ذر الهروي عن ابن شاهين، حيث يقول أبو ذر: (سمعت ابن شاهين يقول: رجلان صالحان بليا بأصحاب سوء جعفر بن محمد وأحمد بن حنبل) . انظر: تبيين كذب المفتري 164) . وابن شاهين هذا هو: أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين (297 – 385 هـ) انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 3/ 987) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 وهذا مكر منه لا يحيق إلا به. ولو جاز أن يقال: إن أصحاب أحمد كذبوا عليه قي الظاهر من مذهبه، والمنصوص له، لساغ أن يقال إن أصحاب مالك والشافعي وغيرهما كذبوا عليهم فيما نقلوه عنهم، وهذا لا / (53/أ) يقوله إلا جاهل رقيق الدين قليل الحياء. ومن الناس من يظهر الرد على الأشعرية ويقول: ما أتكلم في الحرف والصوت. ومن كان هكذا، لم يخل أمره من أحد وجهين: إما أن يكون غير خبير بمذهب أهل الأثر، وهو يريد التظاهر به تكسباً أو تحبباً. وإما أن يكون من القوم1 فيتظاهر بمخالفتهم، ليدلس قولهم فيما يقولونه، فيقبل منه، أو يحسن قبيحهم فيتابع عليه ظناً أنه مخالف لهم، وكثيراً ما يتم على أهل السنة مثل هذا. فمن رام النجاة من هؤلاء، والسلامة من الأهواء فليكن ميزانه الكتاب، والأثر في كل ما يسمع ويرى فإن كان عالماً بهما عرضه عليهما واتباعه للسلف2.   1 أي من الكلابية أو الأشعرية. 2 قوله (واتباعه للسلف، معطوف على الكتاب والأثر) وتقدير الكلام: ((فليكن ميزانه الكتاب والأثر واتباعه للسلف)) . والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 ولا يقبل من أحد قولاً إلا وطالبه على صحته بآية محكمة، أو سنة ثابتة، أو قول صحابي من طريق صحيح. وليكثر النظر في كتب السنن لمن تقدم مثل: أبي داود السجستاني1، وعبد الله بن أحمد بن حنبل2، وأبي بكر الأثرم3، وحرب بن إسماعيل السيرجاني4، وخشيش بن أصرم   1 تقدمت ترجمته ص 183 وكتابه (السنن) مطبوع مشهور، وهو أحد الكتب الستة ويتضمن (كتاب السنة) وكله فيما يتعلق بالاعتقاد. 2 تقدمت ترجمته ص 254. وله كتاب (السنة) مطبوع متداول. 3 وهو الحافظ الكبير: أبو بكر أحمد بن محمد بن هانيء الإسكافي الطائي الأثرم صاحب الإمام أحمد وأحد تلامذته الكبار، قال الخلال: كان جليل القدر حافظاً، وله كتاب (السنن) ، و (العلل) وذكر سزكين له (مسائل أحمد) وقال: منها مقتبسات عند ابن أبي يعلى في الطبقات (1/ 66 – 74) انظر: تاريخ التراث 2/ 309 ولعلها (السنن) وكانت وفاته بعد الستين ومائتين. ورجح ابن حجر أن وفاته تأخرت إلى سنة 273 نقل ذلك عن ابن قانع. انظر: التهذيب 1/ 79. وانظر: ترجمته أيضاً في: (الفهرست 320 وقال: (له كتاب السنن في الفقه على مذهب أحمد وشواهده من الحديث) وطبقات الحنابلة 1/ 66 – 74، والتذكرة 2/ 570، والعبر 2/ 22، وسير أعلام النبلاء 12/ 623، وطبقات الحفاظ 256، والمنهج الأحمد 1/ 218، وشذرات الذهب 2/ 141. 4 وهو: حرب بن إسماعيل بن خلف الحنظلي الكرماني، أبو محمد، وقيل: أبو عبد الله، وكان فقيهاً حافظاً من أصحاب الإمام أحمد، روى عنه مسائل. قال الذهبي: ((مسائل حرب من أنفس كتب الحنابلة وهو كبير في مجلدين)) قال سزكين: ومنه مقتبسات عند ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/ 145 – 146) و (تاريخ التراث 2/ 205) . وكانت وفاته سنة مائتين وثمانين وقد قارب التسعين. والسيرجاني ((بكسر السين وسكون الياء والراء وفتح الجيم)) نسبة إلى سيرجان مدينة من بلاد كرمان مما يلي بلاد فارس. (اللباب 2/ 165) . وانظر ترجمته في: طبقات الحنابلة (1/ 145 – 146) و (تذكرة الحفاظ 2/ 613) و (سير أعلام النبلاء 13/ 245) و (المنهج الأحمد 1/ 394) و (شذرات الذهب 2/ 176) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 النسائي1، وعروة بن مروان الرقي2، وعثمان بن سعيد الدارمي السجستاني3.   1 وهو خشيش (بالتصغير) بن أصرم بن الأسود أبو عاصم النسائي، وكان حافظاً حجة صاحب سنة واتباع مات بمصر سنة 253، وله كتاب (الاستقامة في السنة والرد على أهل الأهواء) ، ولا يوجد منه إلا نص نقله الملطي في كتابه (التنبيه ص 77) كما ذكر سزكين. وانظر الرسالة المستطرفة 30، وانظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ 2/551، سير أعلام النبلاء 12/250، تهذيب التهذيب 3/142، شذرات الذهب 2/129، معجم المؤلفين 4/99، الأعلام 2/353، تاريخ التراث: سزكين 2/ 369. 2 لعله: عروة بن مروان العرقي، وعرقة – قرية من عمل طرابلس الشام، أبو عبد الله، كان عابداً متقشفاً، لكنه ليس بالقوي في الحديث، قال الذهبي: ((ويقال له أيضاً الرقي لسكناه الرقة مدة ومنهم من فصلهما وجعلهما اثنين بل هما واحد)) ولم يذكر تاريخ وفاته. لكن ذكر أنه روى عن ابن المبارك وعبيد الله بن عمرو وطبقتهما. انظر: ميزان الاعتدال 3/64، ولسان الميزان 4/164. 3 وهو الإمام الحجة: أبو سعيد عثمان بن سعيد بن خالد السجستاني، وكان جذعاً وقذى في أعين المعتزلة قيماً بالسنة ثقة ثبتاً، ولد قبل المائتين بيسير، توفي سنة ثمانين ومائتين. وله تصانيف. منها: كتاب ((الرد على الجهمية)) وكتاب ((الرد على بشر المريسي)) وهما مطبوعان. وانظر ترجمته في: طبقات الحنابلة 1/221، تذكرة الحفاظ 2/621، العبر 2/64، سير أعلام النبلاء 13/319، طبقات الشافعية للسبكي 2/ 53، البداية والنهاية 11/69، طبقات الحفاظ ص274، شذرات الذهب 2/176، تاريخ التراث 1/370. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 وليحذر تصانيف من تغير1 حالهم فإن فيها العقارب وربما تعذر2 الترياقي3. ولقد قال بعض السلف: (سمعت مبتدعاً) 4 في ... 5 قولاً اجتهد في إخراجه من قلبي/ (53/ب) وسمعي، ولا يتم لي ذلك) 6.   1 في الأصل (تخير) . 2 صعب وتعسر. (اللسان 4/ 549) . 3 الترياق: ((بكسر التاء)) هو: (دواء السموم، يقال: ترياق ودرياق، وهو فارسي معرب. انظر: (لسان العرب 10/ 32) . 4 في الأصل (مبتدع) وهو خطأ. 5 في الأصل كلمة لم أتبينها. 6 هذا الأثر يبدو أنه وقع فيه سقط، ولم أجد تخريجه بهذا اللفظ. لكن ورد بنحوه عن محمد بن سيرين أخرجه الخلال في مسائله عن أحمد ولفظه: أن رجلا دخل على محمد بن سيرين في بيته فذكر له شيئا من القدر فقال محمد: ((إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عنى الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)) . قال: وأخذ بأصبعيه في أذنيه فقال لتخرجن من عندي أو لأخرجن عنك فخرج الرجل فقالوا يا أبا بكر لو سمعت من الرجل، فقال محمد إن قلبي ليس بيدي وإني خفت أن ينفث في قلبي شيئاً لا أستطيع أن أخرجه من قلبي، فكان أحب إلي أن لا أسمع كلامه)) . (مسائل أحمد برواية الخلال 178 – آ) مخطوط، وانظر المطبوع: 7/9 برقم 1967. وأخرج نحوه: اللالكائي (شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/ 133 ح 242) وليس فيه الآية، وفيه أن الداخل رجلان. وكذا (ابن بطة في الإبانة 1/ 40 – ب) وابن وضاح: (البدع والنهي عنها 53) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 وكان (ابن) 1 طاووس2 يسد أذنه إذا سمع مبتدعاً يتكلم ويقول: القلب ضعيف3. وليكن من قصد من تكلم في السنة اتباعها وقبولها لا مغالبة الخصوم، فإنه يعان بذلك عليهم، وإذا أراد المغالبة ربما غلب.   (ابن) ليست في الأصل، والتصويب من مراجع التخريج؛ لأن الأثر إنما رووه عن ابن طاووس. 2 وهو: عبد الله بن طاووس بن كيسان اليماني، يروي عن أبيه وعطاء، وكان ثقة مأموناً، وكانت وفاته سنة 132، وقيل: 131 هـ. انظر ترجمته في: المعرفة والتاريخ 1/ 709، وسير أعلام النبلاء 6/ 103، والتهذيب 5/ 267. 3 أخرجه عبد الرزاق عن معمر – بلفظ أتم منه – قال: ((كنت عند ابن طاووس وعنده ابن له، إذ أتاه رجل يقال له صالح يتكلم في القدر فتكلم بشيء فتنبه فأدخل ابن طاووس أصبعيه في أذنيه وقال لابنه أدخل أصابعك في أذنيك واشدد فلا تسمع من قوله شيئاً فإن القلب ضعيف)) المصنف 11/ 125 ح 20099. وأخرجه: اللالكائي من طريق عبد الرزاق. (شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/ 135) . وأخرجه: ابن بطة في الإبانة (1/ 40 – ب) . وذكره عبد الله بن أحمد في (السنة 18) وبلفظ أخصر منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 وقال الحسن1: (المؤمن ينشر حكمة الله فإن قبلت منه حمد الله، وإن ردت عليه حمد الله) 2 وموضع الحمد في الرد أنه قد وفق لأداء ما عليه. وقال الهيثم بن جميل3: قلت لمالك بن أنس يا أبا عبد الله الرجل يكون عالماً بالسنة يجادل عليها؟ قال: لا. يخبر بالسنة فإن قبلت منه وإلا أمسك) 4 هـ. [وقال العباس بن غالب الهمداني الوراق5 قلت لأحمد بن حنبل   1 هو البصري تقدم. 2 ذكره الآجري بدون إسناد. انظر: (الشريعة 71) بلفظ أتم من هذا وفيه: (قال الحسن: المؤمن لا يداري ولا يماري ينشر حكمة الله عز وجل فإن قبلت حمد الله عز وجل وإن ردت حمد الله عز وجل وعلا) . 3 هو: الهيثم بن جميل أبو سهل البغدادي ثم الأنطاكي، كان ثقة صاحب سنة من أصحاب الحديث. مات سنة 213. انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد 7/ 490، ترتيب المدارك 1/ 276، ذكره في الرواة عن مالك، تذكرة الحفاظ 1/ 363، ميزان الاعتدال 4/320، سير أعلام النبلاء 10/396، تهذيب التهذيب 11/90. 4 ذكره ابن عبد البر بدون إسناد ولفظه مقارب. انظر: (جامع بيان العلم وفضله 2/ 15) وذكره أيضاً القاضي عياض في (ترتيب المدارك 1/ 170) . 5 هو: العباس بن غالب الوراق، وكان شيخاً ثقة لا بأس به، وثقه أبو زرعة وأبو داود، مات ببغداد سنة ثلاث وثلاثين ومائتين. ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 136، وانظر: طبقات الحنابلة 1/ 236، والمنهج الأحمد 1/ 433. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 رحمه الله: يا أبا عبد الله / (54/أ) : أكون في المجلس ليس فيه من يعرف السنة غيري فيتكلم مبتدع فيه أرد عليه؟ فقال: لا تنصب نفسك لهذا، قال: أخبر بالسنة ولا تخاصم. فأعدت عليه القول، فقال: ما أراك إلا مخاصماً] 1. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا أراد الله بقوم شراً ألقى بينهم الجدل وخزن العمل" 2. وقيل للحسن بن أبي الحسن البصري: نجادلك؟ فقال: لست في   1 ذكره ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/ 236) والعليمي في (المنهج الأحمد 1/ 433. 2 هو بهذا اللفظ إنما يروى من كلام الأوزاعي وليس بمرفوع. أخرجه عنه: اللالكائي: (شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/ 145) . وابن عبد البر: (جامع بيان العلم وفضله 2/ 114) . والهروي: (ذم الكلام وأهله) انظر: (صون المنطق للسيوطي 58) . وقد ورد مرفوعاً بمعناه من حديث أبي أمامة رضي الله عنه بلفظ: (ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} الزخرف 58. أخرجه: ت: كتاب التفسير / باب من سورة الزخرف 5/ 378 حـ 3253 وقال: هذا حديث حسن صحيح. حم: 5/ 256. جه: المقدمة باب اجتناب البدع والجدل 1/ 19 حـ 48. وابن أبي عاصم في السنة 1/ 47 وقال الألباني إسناده حسن وقد صححه جماعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 شك من ديني) 1. وقال مالك بن أنس: (أكلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم لجدله) 2 3. وقال حسان بن عطية4 لغيلان5: إنك وإن أعطيت لساناً / (54/ب) فإنا   1 أخرجه الآجري في (الشريعة 57) . واللالكائي: (شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/ 128) باختلاف في اللفظ وأبو المظفر السمعاني: (الانتصار لأهل الحديث) عن السيوطي: صون المنطق 153) وروى نحوه عن الإمام مالك. انظر: (العلو للعلي الغفار 104) . 2 أخرجه: الخطيب البغدادي (شرف أصحاب الحديث ص5) بلفظ مقارب. واللالكائي: (شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/ 144 حـ 294، 293 من طريق الطباع عن مالك. والهروي (ذم الكلام وأهله 5/ 94/ 1) وقال الألباني: وسنده صحيح (مختصر العلو 140) وذكر نحوه ابن عبد البر بدون إسناد: (جامع بيان العلم وفضله 2/ 117) ، وأخرجه البيهقي في المدخل: 1/217 برقم 238. 3 الكلام من قوله: وقال العباس بن غالب إلى هنا يوجد بنصه تقريباً ونفس الترتيب، في (طبقات الحنابلة للقاضي أبي الحسين محمد بن أبي يعلى 1/ 236) وأحسب أنه اقتبسه عن المؤلف. والله أعلم. 4 هو المحاربي من ثقات التابعين ومشاهيرهم. تقدم. 5 هو غيلان بن مسلم أبو مروان الدمشقي، القدري، ثاني من تكلم في القدر بعد موت معبد الجهني كما قال الأوزاعي، صلبه هشام بن عبد الملك بباب دمشق. انظر: المعارف: ص 484، والميزان 3/ 338. وانظر: الملل والنحل 1/ 28 والفرق بين الفرق 19، واللباب 2/ 398، وطبقات ابن سعد 7/ 478، والأعلام 5/ 320 وجعل وفاته بعد 105 قال: لأن خلافة هشام الذي يقال إنه صلبه كانت في هذه السنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 نعلم أنا على حق وأنك على الباطل1. وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) 2 " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم والمحدثات فإن كل محدثة (بدعة) " 3 4. وقال الأوزاعي5: (عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوا لك القول) 6. فليحذر كل مسلم مسئول ومناظر من الدخول فيما ينكره على غيره وليجتهد في اتباع السنة، واجتناب المحدثات، كما أمر7، وليعلم أن   1 روى نحوه أبو نعيم بسنده إلى الأوزاعي من طريقين عن حسان مع اختلاف في اللفظ أحدهما قريب من رواية المصنف وفيه (قال حسان بن عطية لغيلان القدري: أما والله لئن أعطيت لساناً لم نعطه، إنا لنعرف باطل ما تأتي به) الحلية 6/ 72. 2 في الأصل: توجد كلمة (صلى) غير واضحة وباقي الجملة ليس في الأصل. 3 ساقط من الأصل. 4 وهو بعض من حديث العرباض بن سارية، وقد تقدم ض 144. 5 عبد الرحمن بن عمرو تقدم ص 187. 6 أخرجه الآجري: (الشريعة 102) وفيه: (وإن زخرفوها لك بالقول) وقال الألباني: سنده صحيح. انظر: (مختصر العلو 138) . وابن عبد البر: (جامع بيان العلم وفضله 2/ 177) من طريق الآجري. والهروي في ذم الكلام وأهله عن (صون المنطق ص39) والخطيب البغدادي: (شرف أصحاب الحديث ص 7) وفيه: (وإن زخرفوه بالقول فإن الأمر ينجلي وأنت على طريق مستقيم) . وأخرجه البيهقي في المدخل 1/213 رقم 233. 7 النص من قوله: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي.. إلى هنا، ذكره بنص مقارب وبنفس الترتيب: ابن أبي يعلى في: (طبقات الحنابلة 1/ 236) ولعله اقتبسه عن المؤلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 الله سبحانه لو أراد أن يَكِل الأمر إلى الناس ويأمرهم بالاجتهاد فيه برأيهم لفعل لكنه أبى ذلك، وأمرهم ونهاههم، ثم الزمهم الاجتهاد في القيام بما أمروا به، واجتناب ما نهوا عنه. وأنا أرجو أن من تأمل هذه الرسالة حق التأمل وجد فيها بتوفيق الله سبحانه شفاء غليله. وأسأل الله تعالى أن يجعل قيامي بها لوجهه خالصاً، وأن ينفع بها من نظر فيها. إنه ولي ذلك والقادر عليه. هـ تمت الرسالة والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. هـ1.   1 في الأصل توجد كلمة لم أتبينها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 مصادر ومراجع ... الفها رس ثبت المراجع (أ) 1. الإبانة / أبو الحسن الأشعري. تحقيق وتعليق. د. فوقيه حسين محمود. ط: الأولى 1397هـ 1977م. مصر. 2. الإتقان في علوم القرآن / جلال الدين السيوطي / تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ط: الأولى / 1387هـ 1967م. طبعة المشهد الحسيني بمصر. 3. الإجماع / أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر / تحقيق: أبو حماد صغير أحمد. ط: الأولى 1402هـ 1982م. نشر: دار طيبة الرياض. 4. الإحكام في أصول الأحكام / سيف الدين الآمدي / تحقيق: عبد الرزاق عفيفي. ط: الأولى 1387هـ نشر: علي الحمد الصالحي. 5. الأدب المفرد / الإمام البخاري. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. ط: المطبعة العربية لالبور باكستان. نشر: المكتبة الأثرية. 6. الإرشاد / إمام الحرمين الجويني. تحقيق: د. محمد يوسف موسى وعلي عبد المنعم الحمد. ط: مطبعة السعادة بمصر، 1369هـ. نشر: مكتبة الخانجي بمصر. 7. الاستيعاب في أسماء الأصحاب / ابن عبد البر. ط: 1398هـ 1987م. نشر: دار الفكر بيروت. 8. أسد الغابة في معرفة الصحابة / لابن عبد البر (على هامش الإصابة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 9. الأسماء والصفات. أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي. دار إحياء التراث. بيروت. 10. الإصابة في تمييز الصحابة. ابن حجر. ط: 1398هـ 1978م. نشر: دار الفكر بيروت. 11. أصول الدين / عبد القادر البغدادي/ مصورة عن ط: الأولى 1346هـ – 1928، مطبعة الدولة – استانبول. ط الثانية 1400هـ بيروت / دار الفكر. 12. أصول السرخسي / أبو بكر محمد بن أحمد السرخسي / تحقيق: أبو الوفاء الأفغاني، ط: دار الكتاب العربي 1372هـ نشر: لجنة إحياء المعارف. حيدر آباد. 13. الاعتقاد / أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي / ط: المطبعة العربية. نشر: فيصل آباد باكستان. 14. اعتقادات فرق المسلمين والمشركين / الرازي. مراجعة: علي سامي النشار / ط: 1402هـ بيروت لبنان. 15. إعجاز القرآن / للباقلاني / تحقيق: سيد أحمد صقر، ط: الرابعة القاهرة – مطابع دار المعارف. 16. الأعلام/ الزركلي. ط: الثالثة. 17. الاقتصاد في الاعتقاد / الغزالي. ط: الأخيرة: مصطفى بابا الحلبي مصر 1385 هـ. 18. الإكمال / لابن ماكولا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 19. الانتصار لنقل القرآن / الباقلاني. تحقيق: د. محمد زغلول إسلام / ط: الاسكندرية/ منشأة المعارف. 20. الأنساب / السمعاني / نشر: المستشرق د. س. مرجليوت. 21. الأنساب المتفقة / محمد بن طاهر القيسراني. 22. الإنصاف / الباقلاني / تحقيق: الكوثري، نشر: الخانجي. ط: مطبعة السنة المحمدية، مصر الثانية 1382 هـ. 23. الإيمان / ابن تيمية / ط: الثانية 1392 هـ المكتب الإسلامي. 24. الإيمان / ابن أبي شيبة / ط: شريف شرف رضاء آل يحيى. تحقيق: الألباني. 25. الإيمان / أبو عبيد القاسم بن سلام / تحقيق: الألباني كسابقه. (ب) 26. باب ذكر المعتزلة من كتاب النية والأمل، ابن المرتضى، اعتنى بتصحيحه توما أرنلد، نشر دار صادر بيروت. 27. الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث / لابن كثير / أحمد محمد شاكر. ط: الثالثة – محمد علي صبيح – مصر. 28. البداية والنهاية / ابن كثير / مكتبة المعارف – بيروت. 29. البرهان / الجويني. تحقيق: د. عبد العظيم الديب. ط: 1400هـ دار الأنصار القاهرة. 30. بيان تلبيس الجهمية / ابن تيمية / ط: الأولى – مطبعة الحكومة مكة المكرمة 1392 هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 (ت) 31. تاج التراجم / ابن قطلوبغا. 32. تاريخ الأدب العربي /بروكلمان /ط: الرابعة – دار المعارف – مصر. 33. تاريخ الإسلام السياسي / د. حسن إبراهيم حسن / ط: السابعة 1965م – مكتبة النهضة – مصر. 34. تاريخ بغداد / الخطيب البغدادي. 35. تاريخ التراث العربي / فؤاد سزكين / ط: 1977 م – الهيئة المصرية للكتاب. 36. التاريخ الكبير / البخاري. 37. تاريخ اليعقوبي / اليعقوبي. 38. تأويل مختلف الحديث / ابن قتيبة / ط: 1393 هـ / نشر: دار الجيل / لبنان. 39. تبصرة المنتبه بتحرير المشتبه / ابن حجر / تحقيق: محمد علي البجاوي ومحمد علي النجار. ط: المؤسسة المصرية للنشر. 40. تبيين كذب المفتري / ابن عساكر / ط: الثانية 1399 هـ دار الفكر/ دمشق. 41. تذكرة الحفاظ / الذهبي / دار إحياء التراث العربي. 42. ترتيب المدارك / القاضي عياض / تحقيق: أحمد بكير محمود. ط: فؤاد بلبان وشركاؤه لبنان / مكتبة الحياة – بيروت. 43. تفسير القرآن الجليل المسمى بمدارك التنزيل / النسفي / ط: مؤسسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 عبد الحفيظ البساط / المكتبة الأموية. بيروت، دمشق. 44. التفسير الكبير / فخر الدين الرازي / ط: طهران / دار الكتب العلمية طهران. 45. تفسير القرآن العظيم / ابن كثير / ط: 1388هـ / دار إحياء التراث العربي بيروت. 46. التعريفات/الشريف علي الجرجاني / دار الكتب العلمية بيروت. 47. تقريب التهذيب / ابن حجر / تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف. المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، النمنكاني. 48. التمهيد / ابن عبد البر، ج 7 تحقيق: عبد الله بن الصديق 1399 هـ. 49. التمهيد / الباقلاني / تصحيح: الأب رتشرد يوسف مكارثي اليسوعي / المكتبة الشرقية / بيروت 1957 م. 50. التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع / أبو الحسن الملطي. تحقيق: الكوثري. 1368 هـ. نشر: السيد عزت العطار. 51. تهذيب الأسماء واللغات / النووي / عن الطبعة المنيرية / دار الكتب العلمية بيروت. 52. تهذيب التهذيب / ابن حجر / ط: الأولى / مجلس دائرة المعارف 1326 هـ. دار صادر بيروت. 53. تهذيب الكمال / المزي / مصور عن المخطوط. 54. التوحيد وإثبات صفات الرب / تحقيق: محمد خليل هراس. ط: 1388 هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 55. تيسير العزيز الحميد / سليمان بن عبد الله بن عبد الوهاب. ط: الثالثة 1397هـ المكتب الإسلامي. (ج) 56. الجامع في السنن والآداب ... / ابن أبي زيد القيرواني / تحقيق: محمد أبو الأجفان وعثمان بطيخ / ط: الأولى 1402هـ المكتبة العتيقة. تونس. 57. الجامع الصغير / السيوطي / ط: الرابعة: دار الفكر. 58. جامع الترمذي / تحقيق: أحمد محمد شاكر د. إبراهيم عطوه: ط: الحلبي بمصر 1398 هـ. 59. جامع بيان العلم وفضله / ابن عبد البر / ط: الثانية 1388 هـ / العاصمة بمصر. نشر: السلفية بالمدينة. 60. جمهرة أنساب العرب / ابن حزم / ط: الأولى 1403 هـ – 1983 م / دار الكتب العلمية. بيروت. 61. الجواهر المضيئة / القرشي / تحقيق: د. عبد الفتاح محمد الحلو. ط: عيسى الحلبي. 1398 هـ – 1978 م. (ح) 62. الحبائك في أخبار الملائك / السيوطي / تعليق: عبد الله الصديق / نشر: مطبعة التأليف بمصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 63. حسن المحاضرة / للسيوطي. 64. حلية الأولياء / لأبي نعيم. (خ) 65. خلق أفعال العباد / للإمام البخاري / ضمن مجموعة عقائد السلف د. علي سامي النشار. نشر: منشأة المعارف بمصر1971 م. (د) 66. درء تعارض العقل والنقل / ابن تيمية / تحقيق: د. محمد رشاد سالم. ط: جامعة الإمام بن سعود 1400 هـ. 67. الديباج المذهب / لابن فرحون المالكي / تحقيق: محمد الأحمدي أبو النور / نشر: دار التراث – القاهرة. (ر) 68. الرد على الجهمية والزنادقة / للإمام أحمد بن حنبل / تحقيق: د. عبد الرحمن عميره. ط: 1397 هـ. دار اللواء بالرياض. 69. الرد على الجهمية / الدارمي / ط: المكتب الإسلامي. 1398 هـ الثالثة: بيروت. 70. الرد على الجهمية / لابن منده / تحقيق: د. علي بن محمد بن ناصر فقيهي / ط: الأولى 1404 هـ. 71. رسالة ابن أبي زيد القيرواني/ مع شرحها الثمر الداني. 72. رسالة إلى أهل الثغر/ أبو الحسن الأشعري، بتحقيق / عبد الله شاكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 الجنيدي، نشر/ المجلس العلمي في الجامعة الإسلامية 1413هـ. 73. رسالة في الاستواء / لشيخ الإسلام الجويني والد إمام الحرمين / ضمن مجموع الرسائل المنبرية / عناية إدارة المطابع المنيرية 1243 هـ. نشر: محمد أمين دمج بيروت. 74. الرسالة المستطرفة / للكتاني / ط: الثانية 1400 هـ. دار الكتب العلمية بيروت. 75. روضة العقلاء / أبو حاتم ابن حبان البستي / تحقيق: محمد حامد الفقي / ط: مطبعة السنة المحمدية. 76. روضة الناظر وجنة المناظر/ابن قدامة/ط: السلفية – 1385 هـ. (ز) 77. الزهد / عبد الله بن المبارك المروزي / تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي / دار الكتب العلمية بيروت. (س) 78. سلسلة الأحاديث الصحيحة / الألباني / ط: الثانية 1399 هـ – 1979 م. المكتب الإسلامي بيروت، دمشق. 79. السنة / للإمام أحمد / ضمن شذرات البلاتين / تحقيق: محمد حامد الفقي / ط: السنة المحمدية 1375 هـ. 80. السنة / أبو بكر بن هارون الخلال/ بتحقيق د. عطية عتيق الزهراني، نشر/ دار الراية 1420هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 81. السنة / عبد الله بن الإمام أحمد / ط: السلفية / مكة المكرمة 1349 هـ. 82. السنن الكبرى / البيهقي / الأولى / المعارف العثمانية 1355 هـ. 83. السنة / ابن أبي عاصم / ط: الأولى 1400 هـ – 1980 م. مطابع المكتب الإسلامي. 84. سنن أبي داود / أبو داود / تحقيق: عزت عبيد الدعاس – عادل السيد / ط: الأولى 1388هـ – 1969م. محمد السيد علي حمص. 85. سنن الدارمي / أبو محمد الدارمي / دار الفكر. 86. سنن ابن ماجه / ابن ماجه / تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي/ دار إحياء التراث العربي 1395 هـ – 1975 م. 87. سنن النسائي / النسائي / ط: الأولى 1383 هـ / مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر. 88. سير أعلام النبلاء / الذهبي / تحقيق: شعيب الأرنؤوط / ط: الأولى والثانية 1401 – 1403 هـ مؤسسة الرسالة. 89. السيف الصقيل، لتقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي ط/ الأولى، 1356هـ نشر مطبعة السعادة بمصر. 90. شرح الأصول الخمسة / القاضي عبد الجبار / تحقيق: عبد الكريم عثمان. ط: الأولى 1384 هـ الاستقلال – مصر. 91. شرح اعتقاد أهل السنة / اللالكائي / تحقيق: د. أحمد سعد حمدان / ط: العبيكان – الرياض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 92. شرح حديث النزول/ابن تيمية/ط: المكتب الإسلامي. 93. شرح الطحاوية / ابن أبي العز / تخريج الألباني / ط: الرابعة المكتب الإسلامي. 94. الشريعة / الآجري / تحقيق: محمد حامد الفقي / ط: الأولى 1369هـ –1950م. السنة المحمدية / مصر. 95. شذرات الذهب /ابن العماد الحنبلي/ دار الآفاق الجديدة / بيروت. 96. الشعر والشعراء / ابن قتيبة/ تحقيق: أحمد محمود شاكر/ ط: الثالثة سنة 1799م. 97. شكاية أهل السنة / القشيري / طبقات الشافعية / السبكي / ط: الثانية / دار العارف بيروت. (ص) 98. صحيح البخاري مع الفتح / ط: السلفية 1380 هـ / الطبعة التي أشرف عليها الشيخ عبد العزيز بن باز – القاهرة. 99. صحيح الجامع الصغير / الألباني / ط: الأولى 1388 هـ المكتب الإسلامي. 100. صحيح مسلم / الإمام مسلم / تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي / إحياء التراث العربي / بيروت. 101. الصفات / الدارقطني / تحقيق: عبد الله الغنيمان / ط: الأولى 1402 هـ. مكتبة الدار بالمدينة المنورة. الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم/ ابن قدامة، بتحقيق د. محمد الخميس، نشر/مكتبة الفرقان الإمارات، 1419هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 103. شرح حديث النزول / ابن تيمية / ط: المكتب الإسلامي. 104. صون المنطق / السيوطي / تعليق: النشار. مكتبة الباز مكة. (ط) 105. الطبقات / خليفة بن خياط / تحقيق: د. أكرم العمري / ط: الثانية 1402 هـ / دار طيبة – الرياض. 105. طبقات الحفاظ / السيوطي / تحقيق: علي محمد عمر / ط: الأولى 1393 هـ مطبعة الاستقلال / مكتبة وهبة – القاهرة. 106. طبقات الحنابلة / ابن أبي يعلى / دار المعرفة/ بيروت لبنان. 107. طبقات الشافعية / السبكي / ط: الثانية / دار المعرفة / بيروت. 108. طبقات المعتزلة. (ظ) 109. ظلال الجنة / للألباني / مع السنة / لابن أبي عاصم. 110. ظهر الإسلام/ أحمد أمين/ط: الخامسة/ دار الكتاب العربي/ بيروت. (ع) 111. العبر / الذهبي، تحقيق/فؤاد سيد، ط/الكويت. 112. عقيدة السلف وأصحاب الحديث / الصابوني / مجموعة الرسائل المنيرية / محمد أمين دمج / 1970 م بيروت. 113. العقيدة النظامية / الجويني / تحقيق: أحمد السقا. ط: 1399 هـ / مكتبة الكليات الأزهرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 114. العلل / ابن المديني / تحقيق: محمد الأعظمي. ط: الثانية 1980 م/ المكتب الإسلامي. 115. العلو / الذهبي / تقديم: عبد الرحمن محمد عثمان / ط: الثانية 1388 هـ / السلفية بالمدينة. 116. علوم الحديث / ابن الصلاح / تحقيق: نور الدين عتر / ط: 1386 هـ. المكتبة العلمية بالمدينة. 117. عمل اليوم الليلة / ابن السني / تحقيق: عبد القادر أحمد عطا / ط: 1399 هـ دار المعرفة بيروت. (غ) 118. غاية المرام / الآمدي / تحقيق: حسن محمود عبد اللطيف. 119. غاية النهاية في طبقات القراء / ابن الجزري/ ط: الثالثة 1402 هـ عناية: برجستراسر / دار الكتب العلمية. (ف) 120. فتاوى ابن تيمية / ابن تيمية / ط: الأولى 1398 هـ / الدار العربية بيروت. 121. فتح الباري / ابن حجر / ط: السلفية 1380 هـ / الطبعة التي أشرف عليها الشيخ عبد العزيز بن باز – القاهرة. 122. الفتوى الحموية / ابن تيمية / ضمن مجموعة نفائس. 123. الفرق بين الفرق / البغدادي/ تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 / دار المعرفة – بيروت. 124. الفروق في اللغة / العسكري / ط: 1977 م / دار الآفاق – بيروت. 125. الفصل في الملل والنحل / ابن حزم / ط: الثانية 1395 هـ دار المعرفة – بيروت. 126. فقه اللغة وسر العربية / الثعالبي / ط: الاستقامة – القاهرة / المكتبة التجارية. 127. الفهرست / ابن نديم / دار المعرفة – بيروت. 128. فهرست اللّبلي/أحمد بن يوسف بن يعقوب الفهري، بتحقيق ياسين يوسف عياش، وعواد عبد ربه أبو زينه، ط/الأولى 1408هـ، نشر/دار الغرب الإسلامي، بيروت. 129. فهم القرآن / المحاسبي / تحقيق: د. حسين القوتلي / ط: الثانية 1398 هـ. دار الكندي – بيروت. 130. الفوائد البهية في تراجم الحنفية /ط: كراتشي– باكستان1393هـ. (ق) 131. القاموس المحيط / الفيروز آبادي. (ك) 132. الكامل في التاريخ / ابن الأثير/ دار صادر – بيروت 1386هـ. 133. 126م كتاب الصمت / ابن أبي الدنيا / تحقيق: د. نجم عبد الرحمن خلف / دار الغرب الإسلامي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 134. كشف الظنون / حاجي خليفة. (ل) 135. اللباب في تهذيب الأسماء / ابن الأثير / ط: 1400 هـ / دار صادر – بيروت. 136. لسان العرب / ابن منظور / دار صادر – بيروت. 137. اللمع / الأشعري / تعليق: د. حموده غرابه / ط: مصر، مكتبة الخانجي بالقاهرة / والمثنى ببغداد. 138. لوامع الأنوار / السفاريني / ط: الثانية 1402هـ / مؤسسة الخافقين. (م) 139. ما اتفق لفظه واختلف معناه/ أبو محمد اليزيدي، تحقيق د. عبد الرحمن العثيمين، ط/الأولى 1407هـ. 140. مجمع الزوائد / الهيثمي / ط: الثالثة 1402 هـ / دار الكتاب العربي – بيروت. 141. محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية / الخضري / ط: العاشرة – الاستقامة بالقاهرة، المكتبة التجارية - مصر. 142. مختار الصحاح / الرازي / ط: 1398 هـ – 1978 م المكتبة الأموية – بيروت – دمشق. 143. مختصر الصواعق المرسلة / الموصلي / دار الفكر. 144. مختصر العلو / الألباني /ط: الأولى 1401هـ – 1981 م المكتب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 الإسلامي – بيروت – دمشق. 145. المدخل إلى السنن الكبرى، الحافظ البيهقي، بتحقيق/أ. د. محمد ضياء الرحمن الأعظمي، ط/الثانية، 1420هـ نشر/مكتبة أضواء السلف بيروت. 146. مراتب الإجماع / ابن حزم / دار الكتب العلمية / بيروت. 147. المراسيل / ابن أبي حاتم الرازي / عناية: شكر الله نعمة الله قوجاني / ط: الثانية 1402 هـ – مؤسسة الرسالة – بيروت. 148. المزهر / السيوطي / تعليق: محمد أحمد جاد وغيره / ط: عيسى البابي الحلبي / دار إحياء الكتب العربية. 149. مسائل أحمد من رواية أبي داود / أبو داود / ط: الثانية / محمد أمين دمج بيروت. 150. المستصفى / الغزالي. 151. مسند إسحاق بن راهويه، إسحاق بن راهويه، بتحقيق/د. عبد الغفور البلوشي، نشر مكتبة الإيمان. 152. مسند الحميدي / الحميدي. 153. المسودة في الأصول / آل تيمية / تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد. مطبعة المدني - القاهرة. 154. المشتبه / للذهبي. 155. مشكاة المصابيح / بتخريج الألباني. 156. مشكل الحديث وبيانه / ابن فورك / ط: 1400هـ – 1980م / الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 دار الكتب العلمية – بيروت. 157. المصنف / عبد الرزاق / تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. ط: الثانية 1403 هـ/ توزيع: المكتب الإسلامي. 158. المعارف / ابن قتيبة / تحقيق: د. ثروت عكاشة / ط: الرابعة / دار المعارف. 159. معالم السنن / الخطابي / مع مختصر سنن أبي داود. تحقيق: أحمد محمد شاكر – محمد الفقي. دار المعرفة. 160. معجم البلدان / ياقوت الحموي / ط: دار صادر بيروت. 161. المعجم الصغير / الطبراني / ط: المكتبة السلفية بالمدينة / سنة 1388 هـ. 162. المعجم الكبير / للطبراني. 163. المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم / محمد فؤاد عبد الباقي / ط: مطابع الشام 1378 هـ. 164. 154 المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي / أ. ي. ونسنك / ط: مكتبة بريل ليدن – 1936 م. 165. معجم المؤلفين / كحالة. 166. المعرفة والتاريخ / يعقوب بن سفيان البسوي / تحقيق: د. أكرم العمري / ط: الثانية 1401 هـ – مؤسسة الرسالة. 167. المغني / ابن قدامة /ط: دار الإفتاء – الرياض 1401 هـ. 168. مقالات الإسلاميين / الأشعري / تحقيق: محمد محيي الدين عبد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 الحميد. ط: الثانية 1389 هـ / مكتبة النهضة المصرية. 169. الملل والنحل / الشهرستاني / تحقيق: عبد العزيز محمد الوكيل / ط: 1387 هـ الحلبي – القاهرة. 170. المنتظم / ابن الجوزي / ط: الأولى 1358 هـ. 171. 161- منهاج السنة / ابن تيمية / تحقيق: د. محمد رشاد سالم. ط: المدني 1382 هـ – القاهرة. 172. المنهج الأحمد / العليمي / تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد. ط: الأولى 1403 هـ / عالم الكتب بيروت. 173. موطأ مالك / مالك بن أنس / تعليق: محمد فؤاد عبد الباقي / دار إحياء التراث العربي. 174. ميزان الاعتدال / الذهبي / تحقيق: علي محمد البجاوي / دار المعرفة – بيروت. (ن) 175. النشر في القراءات العشر / ابن الجوزي / علي محمد الضباع. / دار الكتب العلمية – بيروت. 176. نهاية الإقدام / الشهرستاني/ تحرير وتصحيح الفرد جيوم. 177. النهاية في غريب الحديث / ابن الأثير / تحقيق: أحمد محمود الطناحي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 (هـ) 178. هداية العارفين في أسماء المؤلفين / البغدادي / ط: 1951 م / استنبول. (و) 179. الوسائل في معرفة الأوائل / السيوطي / تحقيق: إبراهيم العدوي / د. علي محمد عمر. مكتبة الخانجي. 180. وفيات الأعيان / ابن خلكان / تحقيق: د. إحسان عباس / ط: 1397هـ دار صادر بيروت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390