الكتاب: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه المؤلف: محمد بن خليفة بن علي التميمي الناشر: أضواء السلف، الرياض، المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى، 1422هـ/2002م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه محمد بن خليفة التميمي الكتاب: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه المؤلف: محمد بن خليفة بن علي التميمي الناشر: أضواء السلف، الرياض، المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى، 1422هـ/2002م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه إعداد: د. محمد بن خليفة بن علي التميمي الأستاذ المشارك في كلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة بسم الله الرحمن الرحيم ال مقدمة إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران 102] . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء 1] . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب 70-71] . أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. وبعد: فهذا بحث لطيف، وسِفر منيف، يحوي في ثناياه الحديث عن مسألة وقع فيها النزاع بين أهل العلم، وتشعبت بسبب ذلك أقوالهم، منذ عصر الصحابة رضوان الله عليهم، ولهذه المسألة تعلقها بمسائل العقيدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 لصلتها بمسألة رؤية الله عز وجل من جهة، ولتعلقها كذلك بخصائص النبي صلى الله عليه وسلم من جهة أخرى، تلك هي مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه عز وجل. ومعلوم أن التأصيل لمسائل الدين جميعها في منهج أهل السنة ينطلق من نصوص الكتاب والسنة، وفهم السلف الصالح، ومن هذا المنطلق أحببت بحث المسألة، وتأصيلها وفق هذا المنهج مع جمع شتات أقوال العلماء وبيان الراجح منها. ويمكن حصر الكلام في مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في ثلاثة جوانب: 1- رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة المعراج. 2- إثبات رؤية النبي صلى الله عليه وسلم. لربه في المنام. 3- مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا. عيانا. فمسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه عز وجل ليلة المعراج من المسائل التي وقع الكلام فيها مبكرا في عهد الصحابة1. وقبل البدء في إيضاح هذه المسائل لابد من الإشارة إلى أن الأمة أجمعت على أن الله عز وجل لا يراه أحد في الدنيا بعينه2. وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور في التحذير من فتنة المسيح الدجال أنه قال: "تعلَّموا أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت" وفي لفظ الترمذي "تعلمون" 3.   1 إبطال التأولات للقاضي أبي يعلى 1/111 زاد المعاد لابن القيم 3/36. 2 انظر: الرد على الجهمية للدارمي ص 306 (ضمن عقائد السلف) ، ومجموع الفتاوى 6/510 وشرح العقيدة الطحاوية 1/222 3 أخرجه مسلم في صحيحه 18/261 كتاب الفتن باب ذكر ابن صياد رقم 7283. والترمذي في سننه 4/440-441، كتاب الفتن -باب ما جاء في علامة الدجال- حديث رقم 2235. والإمام أحمد في المسند 5/433. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 والخلاف إنما وقع في حصول الرؤية للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ليلة المعراج، وأكثر علماء أهل السنة يثبتون ذلك، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأكثر علماء أهل السنة يقولون: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج"1. على الرغم من أن الخلاف في هذه المسألة لا يعد من الأمور التي توجب الخروج عن عقيدة السلف، والأمر كما قال عنه الإمام الذهبي: "ولا نعنف من أثبت الرؤية لنبينا في الدنيا، ولا من نفاها، بل نقول الله ورسوله أعلم، بل نعنف ونبدع من أنكر الرؤية في الآخرة، إذ رؤية الله في الآخرة ثبتت بنصوص متوافرة ... "2. ولعل من أسباب عدم تعنيف المخالف في ذلك ما يلي: 1 - ليس في المسألة نص قاطع يجب الأخذ به. 2 - وقوع التنازع في المسألة بين الصحابة. 3 - أن النبوة لا يتوقف ثبوتها عليها قال ابن أبي العز: "وإن كانت رؤية الرب تعالى أعظم وأعلى، فإن النبوة لا يتوقف ثبوتها عليها البتة"3. وبناءً على ما حوته المسألة من تفريعات فقد قسمت البحث وفق الخطة التالية إلى ثلاثة مباحث: المبحث الأول: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة المعراج. وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: أقوال الصحابة في هذه المسألة.   1 مجموع الفتاوى 3/386. 2 سير أعلام النبلاء 10/114. 3 شرح العقيدة الطحاوية (1/222) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 المطلب الثاني: أقوال التابعين وتابعي التابعين. المطلب الثالث: أقوال العلماء في المسألة. المطلب الرابع: وقفات في مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة المعراج. المبحث الثاني: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في المنام. وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: الأحاديث الواردة في المسألة. المطلب الثاني: القول في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في المنام. المطلب الثالث: أقوال أهل العلم في الرؤية المنامية عمومًا. المبحث الثالث: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا عيانًا. وفيه مطلبان: المطلب الأول: قول أهل السنة في مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه عيانًا في الدنيا. المطلب الثاني: الأحاديث الموضوعة في المسألة. المبحث الرابع: رؤية البشر لربهم في الحياة الدنيا. الخاتمة. وبعد فهذا جهد المقل فلعلي أسهمت في خدمة هذه المسألة، ويسرت على إخواني الباحثين من طلاب العلم جمع ما تفرق من أقوال أهل العلم فيها، ومستند كل قول والقائل به، فأرجو أن أكون قد وفقت في توضيح جوانب هذه المسائل، وحسن عرضها، وبيان الصواب فيها، والله أسأل أن ينفعني وإخواني المسلمين بما كتبت، وأن يجعله عملاً صالحًا، ولوجهه خالصًا، وأن لا يجعل لأحد فيه شركًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 المبحث الأول: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة المعراج المطلب الأول: أقوال الصحابة في هذه المسألة ... هذه المسألة هي التي وقع الكلام فيها مبكرًا بين الصحابة، ومن أهل العلم من يرى أنه لا خلاف بين أقوالهم في المسألة وأنها متوافقة1، وإنما مرجع الخلاف إلى فهم بعض المتأخرين لأقوالهم وطريقة توجيهها، وبعضهم الآخر يرى أن هناك خلافاً بين الصحابة في المسألة، وأن أقوالهم متباينة فيها، وبنى على هذا الفهم أمورًا وأحكامًا، ومن أجل ذلك أحببت أن أعرض أقوال الصحابة بشكل مستقل، ومن ثم أعرض لأقوال التابعين وتابعيهم، وبعد ذلك أعرض أقوال العلماء وما وجّه به كل فريق قوله في المسألة، فهذا المنهج هو الأسلم لكي يفهم القارئ أقوال السلف مستقلة عن طريقة توجيه كل طائفة لها، ومن ثم سيسهل بعد تصورها مستقلة معرفة توجيه كل صاحب قول لتلك الآثار، ومستنده في فهمه لها، وأي الأقوال أولى بالصواب.   1 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ليس ذلك بخلاف في الحقيقة، فإن ابن عباس لم يقل رآه بعيني رأسه" انظر اجتماع الجيوش الإسلامية ص 48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 المطلب الأول: أقوال الصحابة في هذه المسألة القول الأول: من أثبت الرؤية مطلقا: 1 - قول ابن عباس رضي الله عنهما: أ - عن عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم"1. ب - عن ابن عباس في قوله {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} 2.قال: "رأى ربه فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى"3.   1 أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1/192) ، وقال الألباني: "إسناده صحيح على شرط البخاري". وعبد الله بن الإمام أحمد في السنة (1/299) . والنسائي في الكبرى (تحفة الأشراف 5/165) . وابن خزيمة في التوحيد (1/479، ح272) . والآجري في الشريعة (3/1541، ح1031) ، (2/1048، ح627) . وأخرجه الدارقطني في الرؤية (ص85، ح77) بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جبل الله الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم".وأورده السيوطي في الخصائص 2/330 من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - وعزاه لابن عساكر. وانظر كنز العمال 14/447 رقم 39208. وابن منده في الإيمان (3/740) ، وفي التوحيد (3/146-147، برقم 581) . والحاكم في المستدرك (1/65) وصححه ووافقه الذهبي. واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/515) . وأورده الهندي في كنز العمال (14/447) وعزاه السيوطي لابن عساكر. وأورده الذهبي في سير أعلام النبلاء (14/45) . وأورده ابن حجر في الفتح (7/218) وعزاه للطبراني في الأوسط، وقال في (8/608) : (أخرجه النسائي بسند صحيح) .اهـ. 2 الآيتان (13-14) من سورة النجم. 3 أخرجه الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب (54) (5/395، ح3280) ، وقال حديث حسن. وابن أبي عاصم في السنة (1/191) وقال الألباني: "إسناده حسن موقوف". وابن جرير في تفسيره (27/52) . وابن خزيمة في التوحيد (1/490) . وابن حبان في صحيحه (1/253-254، برقم57) . والطبراني في الكبير (10/363) . والآجري في الشريعة (3/1541-1542، ح1032) . واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/518) . والبيهقي في الأسماء والصفات (2/360، ح933) . والذهبي في العرش برقم 48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 ج - عن عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "رأى محمدٌ ربَّه". قلت: أليس الله يقول {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام 103] ، قال: ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذي هو نوره، وقال: أُرِيَه مرتين"1. د - عن عبد الله بن عمر أنه بَعَثَ إلى عبد الله بن عباس -رضي الله عنهم- يسأله: هل رأى محمدٌ صلى الله عليه وسلم ربَّه؟ فبعث إليه: "أن نعم قد رآه"، فرد رسوله إليه وقال: كيف رآه؟ فقال: "رآه على كرسي من ذهب، تحمله أربعة من الملائكة، ملك في صورة رجل، وملك في صورة أسد، وملك في صورة ثور، وملك في صورة نسر، في روضة خضراء، دونه فراش من ذهب"2.   1 أخرجه الترمذي في سننه -كتاب التفسير، باب 53 رقم 3279-. وابن أبي عاصم في السنة باب 94 رقم 435، 436، 437- وقال الألباني إسناده ضعيف واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 3/515، 521، رقم 904، 905، 906، 910، 911، 912، 913، 916، 917، 920. وعبد الله بن أحمد في السنة 1/175، 176، رقم 217، 1/292، 293، رقم 563، 2/460، 461، رقم 1044، 1045. وابن منده في الإيمان 3/5-7، رقم 754-761. وابن شاهين في الكتاب اللطيف ص265، رقم 8-98، 9-99، 10-100. والبيهقي في الأسماء والصفات 2/353 رقم 926 2 أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب العرش ص 391 رقم 38، وابن خزيمة في التوحيد 2/483 برقم 275، وعبد الله بن أحمد في السنة 1/175 رقم 217، والآجري في الشريعة 3/1543 رقم 1034، والبيهقي في الأسماء والصفات 2/311 رقم 934، وأورده ابن الجوزي في العلل المتناهية 1/23 - 24. وإسناده ضعيف قال البيهقي: هذا حديث تفرد به محمد بن إسحاق بن يسار، وقد مضى الكلام في ضعف ما يرويه إذا لم يبين سماعه فيه. وفي هذه الرواية انقطاع بين ابن عباس -رضي الله عنهما- وبين الراوي عنه وليس بشيء من هذه الألفاظ في الروايات الصحيحة عن ابن عباس رضي الله عنهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 2 - قول أنس بن مالك رضي الله عنه عن قتادة أن أنسًا - رضي الله عنه - قال: "رأى محمدٌ ربَّه"1. 3 - قول أبي هريرة رضي الله عنه قال داود بن حصين: سأل مروان أبا هريرة رضي الله عنه: هل رأى محمدٌ صلى الله عليه وسلم ربَّه عز وجل؟ فقال: "نعم، قد رآه"2. القول الثاني: من قيدها بالرؤية القلبية: وقد روي في ذلك حديث مرفوع لكنه ضعيف؛ لإرساله وهو ما رواه محمد بن كعب القرظي قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ قال: "رأيته بفؤادي، ولم أره بعيني" 3. 1 - قول ابن عباس رضي الله عنهما: أ - عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً   1 أخرجه ابن أبي عاصم في السنة 1/188 رقم 432 وقال الألباني إسناده ضعيف، وابن خزيمة في كتاب التوحيد 2/487، رقم 280. وأورده السيوطي في الدر المنثور 6/159، ونسبه إلى ابن مردويه. 2 أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة 1/176، رقم 218.قال المحقق إسناده ضعيف واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 3/571، رقم 908. 3 أخرجه الطبري 27/46-47، وابن أبي حاتم 10/3319 رقم 18699، والبستي في تفسيره ص 462 رقم 1180. وأورده السيوطي في الدر المنثور 6/160 ونسبه إلى عبد بن حميد وابن المنذر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 أُخْرَى} [النجم 13] قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بقلبه"1. ب - وعن أبي العالية عن ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بفؤاده مرتين"2. 2 - قول أبي ذر رضي الله عنه أ - عن إبراهيم التيمي أن أبا ذر - رضي الله عنه - قال: "رآه بقلبه ولم تره عيناه". وفي رواية: "رآه بقلبه"3. ب - وأخرج النسائي عن أبي ذر قال: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربَّه بقلبه ولم يره ببصره"4. القول الثالث: من نفى الرؤية مطلقا. 1 - قول عائشة رضي الله عنها عن مسروق قال: كنت متكئا عند عائشة -رضي الله عنها- فقالت: "يا   1 أخرجه مسلم في صحيحه (3/8) كتاب الإيمان -باب معنى قول الله عز وجل {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} برقم 435، وأحمد في المسند 1/223. 2 أخرجه مسلم في صحيحه (3/8) -كتاب الإيمان، باب معنى قوله {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} . وأحمد في المسند 1/223. والبستي في تفسيره ص461، رقم 1179. 3 أخرجه ابن خزيمة في كتاب التوحيد 2/516، 517، رقم 310، 311.وقال المحقق: "إسناده صحيح". واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 3/518، 519، رقم 914، 915. وابن شاهين في الكتاب اللطيف ص 273، رقم 40-915. وللدارقطني في الرؤية ص 183 رقم 289-290 وأورده السيوطي في الدر المنثور 6/160، ونسبه إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه. 4 أخرجه النسائي في تفسيره 2/345، رقم 556، قال المحقق: "صحيح، تفرد به المصنف". وابن خزيمة في كتاب التوحيد 2/516، رقم 310. واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 3/574، رقم914. وأورده السيوطي في الدر المنثور 6/160 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 أبا عائشة: ثلاث من تكلم بواحدة منهن، فقد أعظم على الله الفرية، من زعم أن محمدًا رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله، قال: وكنت متكئا فجلست فقلت: يا أم المؤمنين: أنظريني ولا تعجليني: ألم يقل الله عز وجل {وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ} {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} فقالت: أنا أول هذه الأمة، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنما هو جبريل، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين رأيته منهبطًا من السماء سادًا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض. فقالت: ألم تسمع أن الله يقول {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَار} [الأنعام 103] . أو لم تسمع أن الله يقول {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى 51] ..... "1. 2 - قول ابن مسعود رضي الله عنه عن زر بن عبد الله بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - في قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم 13] ، قال: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته، له ستمائة جناح"2.   1 أخرجه بهذا اللفظ: مسلم في صحيحه 3/9-13كتاب الإيمان باب معنى قوله تعالى {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} رقم 428س، والترمذي في سننه 5/262-263 كتاب التفسير باب ومن سورة الأنعام رقم 3068. وأحمد في المسند 6/49-50. وأخرجه البخاري في صحيحه 8/472 كتاب التفسير باب من سورة النجم رقم 4855. والترمذي في سننه 5/394-395 باب ومن سورة النجم رقم 3278 بلفظ مقارب. 2 أخرجه البخاري في صحيحه 6/360 كتاب بدء الخلق باب إذا قال أحدكم آمين ... إلخ رقم 3232، وفي 8/476 كتاب التفسير باب {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} رقم 4856،4857، ومسلم في صحيحه 3/6 كتاب الإيمان باب في قوله تعالى {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} رقم 431 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 3 - قول أبي هريرة رضي الله عنه عن عطاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في قوله تعالى {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} قال: "رأى جبريل"1. 4 - قول أبي ذر رضي الله عنه عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته، قال: عما كنت تسأله؟ قال: إذن لسألته هل رأى ربه؟ فقال: قد سألته أنا، قلت: فما قال؟ قال: "نور أنى أراه"، وفي رواية "رأيت نوراً" 2   1 أخرجه مسلم في صحيحه 3/7 كتاب الإيمان باب معنى قول الله عز وجل {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} رقم 434 2 أخرجه مسلم في صحيحه 3/15 كتاب الإيمان باب في قوله صلى الله عليه وسلم: "نور أنى أراه" وفي قوله: "رأيت نورا" والترمذي 5/396 كتاب التفسير باب ومن سورة النجم رقم 3282. وقد أخرج الإمام أحمد في المسند 5/147 من طريق عفان عن همام عن قتادة بلفظ "قد رأيته نور أنى أراه" وأخرجه أيضا عبد الله بن أحمد في السنة 1/289-290رقم 556 وأبو بكر النجاد في الرد على من يقول القرآن مخلوق ص 52 رقم 65 من طريق عفان عن يزيد بن إبراهيم عن قتادة بلفظ "قد رأيته" فقط. ونقل أبو عوانة 1/146-147 عقبه عن عثمان بن أبي شيبة أنه قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: "ما زلت منكرا لحديث يزيد بن إبراهيم حتى حدثنا عفان عن همام عن قتادة عن عبد الله بن شقيق قال قلت لأبي ذر ... " ونقل هذا الكلام كذلك الحافظ ابن كثير في تفسيره 7/453 عن الخلال فقال: "وقد حكى الخلال في علله عن الإمام أحمد قد سئل عن هذا الحديث فقال: ما زلت منكرا له، وما أدري ما وجهه". وقال ابن القيم: "سمعت شيخ الإسلام أحمد بن تيمية يقول في قوله صلى الله عليه وسلم: "نور أنى أراه" معناه كان ثَمّ نور، وحال دون رؤيته نور فأنى أراه؟ قال: ويدل عليه أن في بعض ألفاظ الصحيح "هل رأيت ربك؟ فقال: "رأيت نورًا". وقد أعظل أمر هذا الحديث على كثير من الناس، حتى صحفه بعضهم فقال: "نوراني أراه" على أنها ياء النسب، والكلمة كلمة واحدة، وهذا خطأ لفظًا ومعنى، وإنما أوجب لهم هذا الإشكال والخطأ أنهم اعتقدوا أن الرسول رأى ربه، وكان قوله "أنى أراه" كالإنكار للرؤية حاروا في الحديث ورده بعضهم باضطراب لفظه، وكل هذا عدول عن موجب الدليل" مجموع الفتاوى 6/507، اجتماع الجيوش الإسلامية ص 47 - 48 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 التعليق على الأقوال السابقة: الذي يلاحظ من الآثار السالفة الذكر أنها خلت من النص على رؤية العين فهي: إما أثبتت الرؤية مطلقًا، أو قيدتها بالرؤية القلبية أو نفتها مطلقًا. ولذلك علق شيخ الإسلام ابن تيمية على هذا بقوله: "ليس ذلك بخلاف في الحقيقة، فإن ابن عباس لم يقل رآه بعيني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 رأسه1"2. وقال أيضًا: "وليس في الأدلة ما يقتضي أنه رآه بعينه، ولا ثبت ذلك عن أحد من الصحابة، ولا في الكتاب والسنة ما يدل على ذلك، بل النصوص الصحيحة على نفيه أدل، كما في صحيح مسلم عن أبي ذر قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك: فقال: "نور أنى أراه"" 3. وكذا جزم ابن كثير بأنه لم يصح أن أحدًا من الصحابة قال بالرؤية البصرية حيث قال: "وما روي في ذلك من إثبات الرؤية بالبصر فلا يصح من ذلك لا مرفوعًا، بل ولا موقوفًا، والله أعلم"4. وقال أيضًا: "وفي رواية عنه - يعني ابن عباس - أطلق الرؤية، وهي محمولة على المقيدة بالفؤاد، ومن روى عنه بالبصر فقد أغرب، فإنه لا يصح في ذلك شيء عن الصحابة رضي الله عنهم"5. ويجب الإشارة هنا إلى أنه يجب التفريق بين قضيتين، قضية الرؤية والكلام عليها، وقضية الآيات التي استدل بها ابن عباس على إثبات رؤية النبي صلى الله عليه وسلم   1 يشار هنا إلى أن القاضي أبا يعلى أورد في إبطال التأويلات 1/113 أن أبا حفص بن شاهين روى في سننه بإسناده عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس قال: "رآى محمد صلى الله عليه وسلم -ربه عز وجل- بعينيه مرتين" وكذلك البغوي نسب إلى ابن عباس أنه قال: "رأى ربه بعينه" انظر معالم التنزيل 7/405. لكن هذا اللفظ "بعينه" لم يرد في الروايات الثابتة عن ابن عباس وكتاب السنن لأبي حفص ابن شاهين غير موجود بين أيدينا حتى نحكم على الإسناد وقد أشار محقق الكتاب اللطيف لشرح مذاهب أهل السنة لابن شاهين أنه لا يستبعد أن يكون كتاب السنن هو الكتاب اللطيف لشرح مذاهب أهل السنة ومعرفة شرائع الدين والتمسك بالسنن وأن القاضي أبا يعلى ذكره باسم السنن اختصارا انطر الكتاب اللطيف هـ 1 ص 35. والبغوي لم يذكر أيضا سندا لما ذكره عن ابن عباس فلا يمكن الحكم على قوله هذا. كما جاء عند الطبراني في الأوسط (6/50 رقم 5761) عن ابن عباس أنه كان يقول: "إن محمدا رأى ربه مرتين مرة ببصره ومرة بفؤاده" لكن إسناده ضعيف وسيأتي تخريجه كما روى الطبراني في الأوسط (9/152-153، رقم 9396) عن عكرمة عن ابن عباس قال: "نظر محمد صلى الله عليه وسلم إلى ربه تبارك وتعالى" قال عكرمة فقلت لابن عباس: نظر محمد إلىربه؟ قال: "نعم، جعل الكلام لموسى والخلة لإبراهيم والنظر لمحمد صلى الله عليه وسلم" قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن ميمون القناد إلا موسى بن سعيد تفرد به حفص ابن عمر العدني". وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/79) : "وفيه حفص بن عمر العدني روى ابن أبي حاتم توثيقه عن أبي عبد الله الطهراني وقد ضعفه النسائي وغيره". وقال الحافظ في التقريب ص (259) : "ضعيف". وفيه أيضاً يزيد بن عمرو بن البراء الغنوي ذكره ابن حبان في الثقات (9/277) ولم يوثقه غيره. وموسى بن سعيد البصري ترجمه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/145) وسكت عنه ولفظة (نظر) لم تثبت في الطرق الأخرى التي جاءت عن عكرمة عن ابن عباس كما سبق تخريجه. 2 اجتماع الجيوش الإسلامية ص (48) 3 مجموع الفتاوى 6/509-510.وانظر درء تعارض العقل والنقل 8/41-42. 4 الفصول في سيرة الرسول ص (268) . 5 تفسير ابن كثير 7 / 448. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 لربه، بينما استدلت بها عائشة وغيرها على أنها تتعلق برؤية جبريل. قال ابن القيم: "وأما قول ابن عباس أنه رآه بفؤاده مرتين فإن كان استناده إلى قوله تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} ثم قال {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} والظاهر أنه مستنده فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أن هذا المرئي جبريل رآه مرتين في صورته التي خلق عليها1"2. وعلى العموم فإن الكلام على تفسير الآيات ليس هذا مجاله3 وسيأتي الحديث عنه.   1 تقدم تخريجه. 2 زاد المعاد 3/38. 3 انظر أقوال أهل العلم في تفسيرها في تفسير الطبري 27 /50 - 52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 المطلب الثاني: أقوال التابعين وتابعي التابعين لو نظرنا في أقوال التابعين وتابعي التابعين لوجدناها لم تخرج عن أقوال الصحابة السابق ذكرها إلا أنه لم يرد عن أحد منهم نفي الرؤية مطلقًا اللهم إلا من توقف في المسألة وإليك أقوالهم: القول الأول: من أثبت الرؤية مطلقا 1 - قول كعب الأحبار: عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: قال لي كعب: "إن الله عز وجل قسَّم رؤيته وكلامه بين موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم فكلَّمه موسى مرتين ورآه محمد مرتين"1. 2 - قول عكرمة (106 هـ) أ - عن عيسى بن عبيد وسالم مولى معاوية قالا: "سمعنا عكرمة، وسئل: هل رأى محمد ربه؟. قال: "نعم، قد رأى ربَّه"2. ب - عن عباد بن منصور قال: سألت عكرمة عن قوله {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم 11] ، قال: "أتريد أن أقول لك: قد رآه. نعم قد رآه، ثم قد رآه، ثم   1 أخرجه الترمذي في سننه 5/394 كتاب التفسير باب ومن سورة النجم رقم3278 وابن خزيمة في التوحيد 2/496 قال المحقق إسناده حسن. والدارقطني في الرؤية ص 164-165 رقم 251. والرافعي في التدوين في أخبار قزوين 2/207 2 أخرجه ابن جرير في تفسيره27/48. وابن أبي حاتم في تفسيره 10/3318 رقم 18697. وأورده السيوطي في الدر المنثور 6/159. وانظر: الشفا 1/258 وتفسير البغوي 7/403. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 قد رآه، حتى ينقطع النفس"1. 3 - قول الحسن البصري (110هـ) وعن المبارك بن فضالة قال: "كان الحسن يحلف ثلاثة لقد رأى محمد ربه"2. 4 - قول الزهري (125 هـ) الإمام الزهري ممن نسب إليه القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج كما ذكر ذلك ابن حجر3. 5 - قول معمر (154 هـ) روى ابن خزيمة في التوحيد أن عبد الرزاق قال بعد أن روى حديث مسروق مع عائشة: "فذكرت هذا الحديث لمعمر، فقال: ما عائشة عندنا بأعلم من ابن عباس"4. 6 - قول إبراهيم بن طهمان (168 هـ) قال حفص بن عبد الله سمعت إبراهيم بن طهمان يقول: "والله الذي لا   1 أخرجه ابن جرير في تفسيره 27/48. وعبد الله بن أحمد في السنة 1/178 رقم 221. واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد 3/571 رقم 907. 2 أخرجه ابن خزيمة في التوحيد 2/488 رقم 281. وانظر تفسير الحسن البصري 5/85 رقم 1572. وتفسير عبد الرزاق 2/204. والشفا للقاضي عياض 1/258. وقد ذكر البغوي في تفسيره 7/403 عن الحسن أنه قال: "رآه بعينه" ولم يعزه. وذكر هذا الأثر جامع تفسير الحسن وعزاه للبغوي فقط انظر تفسير الحسن البصري 5/85 رقم 1571. 3 انظر فتح الباري 8/474 4 التوحيد لابن خزيمة 2/562 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 إله إلا هو لقد رأى محمد ربه"1. القول الثاني: من قيدها بالرؤية القلبية 1 - قول كعب الأحبار عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: "اجتمع ابن عباس وكعب، فقال ابن عباس: إنا بنو هاشم نزعم أو نقول إن محمدًا رأى ربه مرتين. قال: فكبر كعب حتى جاوبته الجبال ثم قال (أي كعب) : إن الله قسَّم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى صلى الله عليهم وسلم فرآه محمد بقلبه وكلمه موسى"2. 2 - قول مجاهد بن جبر (104 هـ) عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم 16] قال: "كان أغصان السدرة من لؤلؤ وياقوت وزبرجد، فرآه محمد صلى الله عليه وسلم بقلبه ورأى ربه"3. 3 - قول أبي العالية رفيع بن مهران (93 هـ) عن أبي العالية في قوله: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} ، قال: "محمدٌ رآه بفؤاده ولم يره بعينه"4.   1 أورده الذهبي في سير أعلام النبلاء 7/381. 2 أخرجه الترمذي في سننه 5/361 كتاب التفسير - باب من سورة النجم - رقم3278 وابن خزيمة في التوحيد 2/560 برقم 322،والدارقطني في الرؤية ص 165 رقم 252. 3 أخرجه الطبري في تفسيره 27/56 والبيهقي في الأسماء والصفات 2/353 رقم 927 وقال المحقق إسناده ضعيف. وأورده السيوطي في الدر المنثور 6/161 ونسبه إلى البيهقي وآدم بن أبي إياس. 4 أورده السيوطي في الدر المنثور 6/160، ونسبه إلى عبد بن حميد وابن جرير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 4 - قول أبي صالح مولى أم هانئ (بعد المائة) عن أبي صالح في قوله {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} ، قال: "رآه مرتين بفؤاده"1. 5 - قول الربيع بن أنس (140 هـ) عن أبي جعفر عن الربيع بن أنس في قوله {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ} : "فلم يكذبه" {مَا رَأَى} قال: "رأى ربَّه" وفي رواية قال: "رأى محمدٌ ربَّه بفؤاده"2. القول الثالث: من رجح التوقف في المسألة 6 - قول سعيد بن جبير (95 هـ) عن سعيد بن جبير قال: "لا أقول رآه ولا لم يره"3.   1 أخرجه الطبري في تفسيره 27/48. وأورده السيوطي في الدر المنثور 6/160، ونسبه إلى عبد بن حميد وابن جرير. وانظر: البحر المحيط 8/156. 2 أخرجه ابن جرير في تفسيره 27/48. 3 أخرجه أبو يعلى في الروايتين والوجهين (مسائل من أصول الديانات ص66) . والقاضي عياض في الشفا 1/259. وأورده السيوطي في الدر المنثور 6/160، ونسبه إلى عبد بن حميد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 المطلب الثالث: أقوال العلماء في المسألة . بعد استعراض أقوال الصحابة والتابعين وتابعيهم نعرض لأقوال من بعدهم في المسألة وهي خمسة أقوال: القول الأول: من أثبت الرؤية مطلقا. وهو رواية عن الإمام أحمد، وقول ابن خزيمة، والآجري، والألوسي. 1 - قول الإمام أحمد (241هـ) حكى أبو يعلى في كتابه الروايتين والوجهين اختلاف الروايات عن الإمام أحمد في مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه على ثلاث روايات أحدها أنه رآه مطلقا1. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكذلك الإمام أحمد تارة يطلق الرؤية، وتارة يقول: "رآه بفؤاده""2. وقال ابن كثير: "وممن أطلق الرؤية أبو هريرة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما"3. 2 - قول ابن خزيمة (311هـ) الإمام ابن خزيمة نصر في كتابه التوحيد القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة   1 الروايتين والوجهين مسائل في أصول الديانات ص 63-64 2 مجموع الفتاوى 6/509 3 البداية والنهاية 3/112 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 المعراج، وأطال في سرد الحجج على ذلك1. ولكن ابن كثير - رحمه الله - نسب إليه بأنه يقول بالرؤية البصرية كما سيأتي ذكر قوله. 3 - قول الإمام الآجري (360 هـ) بوب الإمام الآجري في كتابه الشريعة باباً بعنوان "باب ذكر ما خصَّ الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم من الرؤية لربه عز وجل". ثم ساق مجموعة من الأحاديث والأثار التي تدل على أنه ينصر القول بأنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه -عز وجل- ليلة المعراج2. 4 - قول الألوسي قال الألوسي في تفسيره: "وأنا أقول برؤيته صلى الله عليه وسلم ربَّه سبحانه وبدنوه على الوجه اللائق". ونسبه إلى معظم الصوفية فقال: "ومعظم الصوفية على هذا، فيقولون بدنو الله - عز وجل - من النبي صلى الله عليه وسلم، ودنوه - سبحانه - على الوجه اللائق، وكذا يقولون بالرؤية كذلك"3. القول الثاني: من قيد الرؤية بالعين نسب القول بتقييد الرؤية بالعين إلى بعض العلماء، ومن بينهم بعض الصحابة والتابعين، وفي نسبة ذلك إلى بعضهم نظر، وممن نسب لهم القول   1 انظر كتاب التوحيد لابن خزيمة 2/477-562 2 الشريعة اللآجري 3/1541-1551. 3 روح المعاني للألوسي 27/54. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 بذلك: ابن عباس، وأنس بن مالك، والحسن البصري، وعكرمة، ورواية عن الإمام أحمد، وابن خزيمة، وابن جرير، وأبو الحسن الأشعري وعامة أتباعه، وأبو عبد الله بن حامد وأبو بكر النجاد والقاضي أبو يعلى، وعبد القادر الجيلاني، وجماعة من المتأخرين. فقد نسب البغوي هذا القول إلى ابن عباس فقال في تفسيره: "وعن ابن عباس أنه قال رأى ربه بعينه"1. وقد سبق الرد على ذلك عند عرض أقوال الصحابة، وأن هذا التقييد بالعين لم يثبت عن ابن عباس. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "سمع بعض الناس مطلق كلام ابن عباس ففهم منه رؤية العين"2. وقال البغوي أيضًا:"وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه وهو قول أنس والحسن وعكرمة"3. وبالنسبة لما نسبه البغوي إلى أنس وعكرمة من تقييد الرؤية بالعين فإن الروايات السابق ذكرها عنهما جاءت مطلقة، وكذا ما أوردناه عن الحسن البصري فإن الرواية جاءت مطلقة، وقد سبق كذلك الإشارة إلى ما ورد في تفسير البغوي عن الحسن البصري أنه قال: "رآه بعينه" ولكن البغوي لم يسندها فلا يعدل عن الرواية التي سبق إيرادها عن الحسن من إطلاق الرؤية وعدم تقييدها بالعين، والله أعلم.   1 معالم التنزيل 7/405. 2 مجموع الفتاوى 6/509-510. 3 معالم التنزيل 7/403 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 قال ابن كثير: "وقول البغوي في تفسيره: وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه وهو قول أنس والحسن وعكرمة، فيه نظر والله أعلم"1. وقال ابن كثير: "ورأى، أي: النبي صلى الله عليه وسلم ربه -عز وجل- ببصره على قول بعضهم، وهو اختيار الإمام أبي بكر بن خزيمة من أهل الحديث، وتبعه في ذلك جماعة من المتأخرين"2. وقال أيضًا: "وصرح بعضهم بالرؤية بالعينين، واختاره ابن جرير، وبالغ فيه، وتبعه على ذلك آخرون من المتأخرين، وممن نص على الرؤية بعيني رأسه الشيخ أبو الحسن الأشعري فيما نقله السهيلي عنه، واختاره الشيخ أبو زكريا النووي في فتاويه"3. وحمل القاضي أبو يعلى في كتابه الروايتين والوجهين4 وفي إبطال التأويلات5 الرواية التي عن الإمام أحمد بأنها نص على الرؤية بالعين، فقال في كتاب الروايتين: "فظاهر هذا أنه أثبت رؤيا عين" وقال في إبطال التأويلات: "والرواية الأولى أصح، وأنه رآه في تلك الليلة بعينيه". وقد اعترض شيخ الإسلام على هذا التوجيه من القاضي فقال: "وكذلك الإمام أحمد تارة يطلق الرؤية، وتارة يقول: "رآه بفؤاده"، ولم يقل أحد: أنه سمع أحمد يقول رآه بعينه، لكن طائفة من أصحابه سمعوا   1 تفسير ابن كثير 7/423. 2 الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ص (268) 3 البداية والنهاية 3 / 112 4 الروايتين والوجهين مسائل من أصول الديانات ص 61. 5 إبطال التأويلات 1/111 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 بعض كلامه المطلق، ففهموا منه رؤية العين، كما سمع بعض الناس مطلق كلام ابن عباس ففهم منه رؤية العين. وليس في الأدلة ما يقتضي أنه رآه بعينه، ولا ثبت ذلك عن أحد من الصحابة، ولا في الكتاب والسنة ما يدل على ذلك، بل النصوص الصحيحة على نفيه أدل، كما في صحيح مسلم عن أبي ذر قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك: فقال: "نور أنى آراه"" 1. وقال فيما نقله عنه تلميذه ابن القيم: "قال شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه-: وليس قول ابن عباس إنه رآه مناقضا لهذا ولا قوله رآه بفؤاده وقد صح عنه أنه قال: "رأيت ربي تبارك وتعالى"2 ولكن لم يكن هذا في الإسراء ولكن كان في المدينة لما احتبس عنهم في صلاة الصبح ثم أخبرهم عن رؤية ربه -تبارك وتعالى- تلك الليلة في منامه، وعلى هذا بنى الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- وقال: نعم رآه حقا فإن رؤيا الأنبياء حق ولابد، ولكن لم يقل أحمد -رحمه الله تعالى- إنه رآه بعيني رأسه يقظة، ومن حكى عنه ذلك فقد وهم عليه، ولكن قال: مرة رآه، ومرة قال: رآه بفؤاده، فحكيت عنه روايتان، وحكيت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه أنه رآه بعيني رأسه، وهذه نصوص أحمد موجودة ليس فيها ذلك"3. وكذلك اعترض ابن القيم على توجيه القاضي أبي يعلى -أيضا- فقال: "وقد جعلها القاضي مختلفة، وجعل المسألة على ثلاث روايات، ثم احتج للرواية   1 مجموع الفتاوى 6/509-510. 2 سيأتي تخريجه. 3 زاد المعاد 3/37. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 الأولى بحديث أم الطفيل، وحديث عبد الرحمن بن عائش الحضرمي ولا دلالة فيهما، لأنها رؤية منام فقط، واحتج لها بما لا يرضى أحمد أن يحتج به، وهو حديث لا يصح عن أبي عبيدة بن الجراح مرفوعا: "لما كانت ليلة أسري بي رأيت ربي في أحسن صورة، فقال: فيما يختصم الملأ الأعلى؟ " 1 وذكر الحديث وهذا غلط قطعًا فإنما القصة كانت بالمدينة، كما قال معاذ بن جبل: "احتبس عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح حتى كدنا نترآى عين الشمس، ثم خرج وصلى بنا ثم قال: "رأيت ربي البارحة في أحسن صورة فقال: يا محمد: فيما يختصم الملأ الأعلى؟ " 2 وذكر الحديث فهذا كان بالمدينة والإسراء بمكة وليس عن الإمام أحمد، ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم نص أنه رآه بعينه يقظة، وإنما حمل القاضي كلام أحمد ما لا يحتمله، واحتج لما فهم منه بما لا يدل عليه، وكلام أحمد يصدق بعضه بعضا، والمسألة رواية واحدة عنه فإنه لم يقل بعينه، وإنما قال: رآه. واتبع في ذلك قول ابن عباس: رأى محمد ربه. ولفظ الحديث "رأيت ربي" وهو مطلق وقد جاء بيانه في الحديث الآخر. ولكن في رد الإمام أحمد قول عائشة ومعارضته بقول النبي صلى الله عليه وسلم إشعار بأنه أثبت الرؤية التي أنكرتها عائشة، وهي لم تنكر رؤية المنام، ولم تقل من زعم أن محمدًا رأى ربه في المنام فقد أعظم على الله الفرية، وهذا يدل على أحد أمرين: إما أن يكون الإمام أحمد أنكر قول من أطلق نفي الرؤية؛ إذ هو مخالفة للحديث وإما أن يكون رواية عنه بإثبات الرؤية، وقد صرح بأنه رآه رؤيا حلم بقلبه، وهذا   1 سيأتي تخريجه. 2 سيأتي تخريجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 تقييد منه للرؤية، وأطلق عنه بأنه رآه، وأنكر قول من نفى مطلق الرؤية، واستحسن قول من قال رآه ولا يقول بعينه ولا بقلبه. وهذه النصوص عنه متفقة لا مختلفة وكيف يقول أحمد: "بعيني رأسه يقظة" ولم يجد ذلك في حديث قط، فأحمد إنما اتبع ألفاظ الحديث كما جاءت، وإنكاره قول من قال: لم يره أصلا لا يدل على إثبات رؤية اليقظة بعينه والله أعلم)) 1. قول الأشعري (324هـ) وعامة أتباعه: ممن نسب هذا القول إلى أبي الحسن الأشعري وأكثر أتباعه القاضي عياض، والقرطبي في تفسيره، والنووي وابن كثير وابن حجر2. قال القاضي عياض: "وقال أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري -رضي الله عنه- وجماعة من أصحابه: أنه رأى الله -تعالى- ببصره وعيني رأسه، وقال: كلُّ آية أوتيها نبيٌّ من الأنبياء -عليهم السلام- فقد أوتي مثلها نبيُّنا، وخُصَّ من بينهم بتفضيل الرُّؤية". وهذا ما ذكره شارح جوهرة التوحيد -وهو من الأشاعرة- في شرحه فقال: "والراجح عند أكثر العلماء أنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه سبحانه وتعالى بعيني رأسه وهما في محلهما، خلافا لمن قال: حولا إلى قلبه لحديث ابن عباس وغيره"3. قول أبي بكر النجاد أحمد بن سليمان (348 هـ) حكى القاضي أبو علي بن أبي موسى عن أبي بكر النجاد قال: "رآى   1التبيان في أقسام القرآن ص 260-261 2 الشفا 1/261، تفسير القرطبي،شرح النووي على صحيح مسلم 3/9. البداية والنهاية 3/112. فتح الباري 8/474 3 شرح جوهرة التوحيد ص 118 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 محمد ربه إحدى عشرة مرة، منها بالسنة تسع مرات في ليلة المعراج، حين كان يتردد بين موسى وبين الله -عز وجل- يسأل أن يخفف عن أمته الصلاة فنقص خمسة وأربعين صلاة في تسع مقامات ومرتين بالكتاب"1. قول أبي عبد الله الحسن بن حامد (403 هـ) نقل أبو يعلى في كتابه الروايتين والوجهين أن اختيار شيخه أبي عبد الله ابن حامد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة الإسراء بعينه2. وقال القاضي أبو يعلى -بعد أن أورد الرواية الأولى عن الإمام أحمد- بأنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج بعينه، وجعلها هي الصحيحة قال: "وهذه الرواية اختيار أبي بكر النجاد"3. قول القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء (458 هـ) رجح القول بالرؤية البصرية فقال -في معرض ذكره للروايات الواردة عن الإمام أحمد-: "والرواية الأولى أصح، وأنه رآه في تلك الليلة بعينه"4. وقال: "وما رويناه عن ابن عباس أولى مما روي عن عائشة؛ لأن قول ابن عباس يطابق قول النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت رؤيته في تلك الليلة؛ ولأنه مثبت والمثبت مقدم على النافي، ولا يجوز أن يثبت ابن عباس ذلك إلا عن توقيف؛ إذ لا مجال للقياس في ذلك"5.   1 إبطال التأويلات 1/114 2 الروايتين والوجهين مسائل في أصول الديانات ص 64 3 إبطال التأويلات 1/111. 4 أبطال التأويلات 1 / 111 5 إبطال التأويلات 1 / 114 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 قول عبد القادر الجيلاني (471 هـ) وهذا القول قال به أيضًا - عبد القادر - الجيلاني في كتابه الغنية، حيث قال: "ونؤمن بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه - عز وجل - ليلة الإسراء بعيني رأسه لا بفؤاده ولا في المنام"1. قول النووي (676 هـ) قال الإمام النووي -رحمه الله- في شرحه على صحيح مسلم: "فالحاصل أن الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعيني رأسه ليلة الإسراء لحديث ابن عباس وغيره مما تقدم، وإثبات هذا لا يأخذونه إلا بالسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا مما لا ينبغي أن يتشكك فيه ثم عائشة -رضي الله عنها- لم تنف الرؤية بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان معها فيه حديث لذكرته، وإنما اعتمدت الاستنباط من الآيات"2. قول الحافظ مغلطاي (762 هـ) قال رحمه الله: "والصحيح أن الإسراء كان يقظة بجسده، وأنه مرات متعددة، وأنه رأى ربه - عز وجل - بعيني رأسه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم"3. قول السيوطي (911 هـ) قال السيوطي في الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج4: "الراجح عند أكثر   1 الغنية لطالبي طريق الحق 1/66 2 صحيح مسلم بشرح النووي3/9 3 الإشارة إلى سيرة المصطفى ص 139. 4 1/221. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 العلماء أنه صلى الله عليه وسلم رأى ربَّه بعيني رأسه ليلة الإسراء لحديث ابن عباس وغيره، وإثبات هذا لا يكون إلا بالسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تعتمد عائشة في نفي الرؤية على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما اعتمدت على الاستنباط من الآيات". قول القسطلاني (923 هـ) قال رحمه الله: " ... ثم عرج به من المسجد الأقصى إلى فوق سبع سموات ورأى ربه بعيني رأسه وأوحى إليه ما أوحى"1. قول محمد بن أحمد الصاوي (1241 هـ) قال في حاشيته على تفسير الجلالين: " ...... واختلف في تلك الرؤية، فقيل: رآه بعينه حقيقة، وهو قول جمهور الصحابة والتابعين منهم ابن عباس، وأنس ابن مالك، والحسن، وغيرهم، ... وقيل: لم يره بعينه وهو قول عائشة رضي الله عنها، والصحيح الأول؛ لأن المثبت مقدم على النافي؛ أو لأن عائشة لم يبلغها حديث الرؤية لكونها كانت حديثة السن2"3. القول الثالث: من قيدها بالرؤية القلبية قول الإمام أحمد (241هـ) ذكر أبو يعلى في الروايتين والوجهين أن للإمام أحمد رواية أخرى أثبت فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بقلبه كما جاء ذلك في بعض الروايات عن ابن عباس4.   1 المواهب اللدنية 1/373. 2 قلت: لا يصح الاحتجاج بصغر سن عائشة فإن ابن عباس كان أصغر منها سناً. 3 حاشية الصاوي على تفسير الجلالين 4/137. 4 الروايتين والوجهين مسائل في أصول الديانات ص 63 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية "وكذلك الإمام أحمد تارة يطلق الرؤية، وتارة يقول: "رآه بفؤاده""1. قول القرطبي المفسر. (671 هـ) قال في تفسير قوله تعالى {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} : "أي لم يكذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، وذلك أن الله – تعالى - جعل بصره في فؤاده حتى رأى ربه تعالى وجعل الله تلك رؤية"2. قول أبي المظفر السمعاني (489هـ) قال أبو المظفر السمعاني في تفسيره: "وقد ثبت عن ابن عباس أنه قال رأى محمد ربه بفؤاده فإن قال قائل: المؤمنون يرونه بفؤادهم، وليس ذلك إلا العلم به فما معنى تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم؟. والجواب أنهم قالوا: إن الله – تعالى - خلق رؤية لفؤاده فرأى بفؤاده مثل ما يرى الإنسان بعينه"3. قول شيخ الإسلام ابن تيمية (728هـ) قال - رحمه الله - في مجموع الفتاوى: "وأما الرؤية، فالذي ثبت في الصحيح عن ابن عباس أنه قال: "رأى محمد ربه بفؤاده مرتين" وعائشة أنكرت الرؤية. فمن الناس من جمع بينهما فقال: عائشة أنكرت رؤية العين وابن عباس أثبت رؤية الفؤاد. والألفاظ الثابثة عن ابن عباس هي مطلقة، أو مقيدة بالفؤاد، تارة يقول: "رأى محمد ربه"، وتارة يقول: "رآه محمد"،   1 مجموع الفتاوى 6/509 2 الجامع لأحكام القرأن 17/92. 3 تفسير القرآن للسمعاني 5/288. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 ولم يثبت عن ابن عباس لفظ صريح أنه رآه بعينه ... وليس في الأدلة ما يقتضي أنه رآه بعينه، ولا ثبت ذلك عن أحد من الصحابة، ولا في الكتاب والسنة ما يدل على ذلك، بل النصوص الصحيحة على نفيه أدل، كما في صحيح مسلم عن أبي ذر قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ فقال: "نور أنى آراه"" 1. وقد قال تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء 1] ، ولو كان قد أراه نفسه بعينه لكان ذكر ذلك أولى. وكذلك قوله {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} [النجم 12] ، {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم 18] ، ولو كان رآه بعينه لكان ذكر ذلك أولى. وفي الصحيحين عن ابن عباس: في قوله {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} [الإسراء 60] ، قال: "هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به"2، وهذه رؤيا الآيات لأنه أخبر الناس بما رآه بعينه ليلة المعراج، فكان ذلك فتنة لهم، حيث صدقه قوم وكذبه قوم، ولم يخبرهم أنه رأى ربه بعينه، وليس في شئ من أحاديث المعراج الثابتة ذكر ذلك، ولو كان قد وقع ذلك لذكره كما ذكر ما دونه"3. قال ابن القيم رحمه الله: "قال شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه-:   1 تقدم تخريجه. 2 أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التفسير باب {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} ص 989 رقم 4716. (ط دار السلام) . 3 مجموع الفتاوى 6/509 - 510 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 وليس قول ابن عباس: إنه رآه مناقضا لهذا، ولا قوله رآه بفؤاده، وقد صح عنه أنه قال: "رأيت ربي تبارك وتعالى" ولكن لم يكن هذا في الإسراء ولكن كان في المدينة لما احتبس عنهم في صلاة الصبح، ثم أخبرهم عن رؤية ربه - تبارك وتعالى - تلك الليلة في منامه، وعلى هذا بنى الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - وقال: نعم رآه حقا، فإن رؤيا الأنبياء حق ولابد، ولكن لم يقل أحمد - رحمه الله تعالى -: إنه رآه بعيني رأسه يقظة. ومن حكى عنه ذلك فقد وهم عليه، ولكن قال: مرة رآه، ومرة قال: رآه بفؤاده، فحكيت عنه روايتان، وحكيت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه أنه رآه بعيني رأسه. وهذه نصوص أحمد موجودة ليس فيها ذلك. وأما قول ابن عباس: أنه رآه بفؤاده مرتين، فإن كان استناده إلى قوله - تعالى - {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} ثم قال {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} والظاهر أنه مستنده فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أن هذا المرئي جبريل رآه مرتين في صورته التي خلق عليها، وقول ابن عباس هو مستند الإمام أحمد في قوله رآه بفؤاده والله أعلم"1. قول ابن كثير (704 هـ) قال ابن كثير بعد ذكر الروايات عن ابن عباس أنه رآه بفؤاده مرتين: " .... وقد خالفه ابن مسعود، وفي رواية عنه أنه أطلق الرؤية، وهي محمولة على المقيدة بالفؤاد، ومن روى عنه بالبصر فقد أغرب، فإنه لا يصح في ذلك شئ عن الصحابة -رضي الله عنهم- وقول البغوي في تفسيره: وذهب جماعة إلى أنه   1 زاد المعاد 3/37-38. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 رآه بعينه، وهو قول أنس والحسن وعكرمة، فيه نظر والله أعلم"1. وقال رحمه الله في البداية والنهاية: "واختلفوا في الرؤية فقال بعضهم: رآه بفؤاده مرتين، قاله ابن عباس وطائفة، وأطلق ابن عباس وغيره الرؤية وهو محمول على التقييد. وممن أطلق الرؤية أبو هريرة وأحمد بن حنبل - رضي الله عنهما -. وصرح بعضهم بالرؤية بالعينين، واختاره ابن جرير وبالغ فيه، وتبعه على ذلك آخرون من المتأخرين. وممن نص على الرؤية بعيني رأسه الشيخ أبو الحسن الأشعري فيما نقله السهيلي عنه، واختاره الشيخ أبو زكريا النووي في فتاويه. وقالت طائفة: لم يقع ذلك لحديث أبي ذر ... وقالوا: لم يمكن رؤية الباقي بالعين الفانية ... والخلاف في هذه المسألة مشهور بين السلف والخلف والله أعلم"2. وقال - رحمه الله - في الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم: "ورأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه - عز وجل - ببصره على قول بعضهم، وهو اختيار الإمام أبي بكر بن خزيمة من أهل الحديث، وتبعه على ذلك جماعة من المتأخرين. وروى مسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أنه رآه بفؤاده مرتين، وأنكرت عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - رؤية البصر، وروى مسلم عن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله رأيت ربك فقال: "نور أنى أراه" وإلى هذا مال جماعة من الأئمة قديما وحديثا اعتمادًا على هذا الحديث، واتباعًا لقول عائشة -رضي الله عنها - قالوا: هذا مشهور عنها، ولم يعرف لها مخالف من الصحابة إلا ما روي عن ابن عباس أنه رآه بفؤاده، ونحن   1 تفسير ابن كثير 7/423. 2 البداية والنهاية 3/112. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 نقول به، وما روي في ذلك من إثبات الرؤية بالبصر فلا يصح شيء من ذلك لا مرفوعا بل ولا موقوفا والله أعلم"1. قول ابن أبي العز (792 هـ) قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: "واتفقت الأمة على أنه لا يراه أحد في الدنيا بعينه، ولم يتنازعوا في ذلك إلا في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاصة، منهم من نفى رؤيته بالعين، ومنهم من أثبتها له صلى الله عليه وسلم"2. وقال في موضع آخر: " ... وقد تقدم ذكر اختلاف الصحابة في رؤيته صلى الله عليه وسلم ربَّه - عز وجل - بعين رأسه، وأن الصحيح أنه رآه بقلبه، ولم يره بعين رأسه. وقوله {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم 11] ، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم 13] صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا المرئي جبريل رآه مرتين على صورته التي خلق عليها"3. قول ابن حجر (852 هـ) قال رحمه الله: "جاءت عن ابن عباس أخبار مطلقة، وأخرى مقيدة فيجب حمل مطلقها على مقيدها ... وعلى هذا فيمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفي عائشة بأن يحمل نفيها على رؤية البصر، وإثباته على رؤية القلب، ثم المراد برؤية الفؤاد رؤية القلب، لا مجرد حصول العلم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان عالما بالله على الدوام، بل مراد من أثبت له أنه رآه بقلبه أن الرؤية التي   1 الفصول في سيرة الرسول ص 268. 2 شرح العقيدة الطحاوية 1/222. 3 شرح العقيدة الطحاوية 1/275. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 حصلت له خلقت في قلبه، كما يخلق الرؤية بالعين لغيره، والرؤية لا يشترط لها شيء مخصوص عقلا، ولو جرت العادة خلقها في العين"1. قول السفاريني (1118هـ) قال -رحمه الله- في لوامع الأنوار: " ... وإذاعلم ما حررناه فيمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفي عائشة - رضي الله عنهم - بأن يحمل نفيها على رؤية البصر، وإثباته على رؤية القلب كما قاله الحافظ ابن حجر في شرح البخاري"2. قول محمد الأمين الشنقيطي (1393 هـ) الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - ممن يرجح الرؤية القلبية فقد قال رحمه الله: "التحقيق الذي دلت عليه نصوص الشرع أنه صلى الله عليه وسلم لم يره بعين رأسه، وما جاء عن بعض السلف من أنه رآه، فالمراد به الرؤية بالقلب، كما في صحيح مسلم أنه رآه بفؤاده مرتين، لا بعين الرأس"3. القول الرابع: من قال رآه مرة بفؤاده ومرة بعينه. وبه قال قوام السنة أبو القاسم الأصبهاني، وأنور شاه الكشميري. 1 - قول أبي القاسم الأضبهاني (535 هـ) قال قوام السنة أبو القاسم الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة: "ومن مذهب أهل السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج، وكان رؤيا يقظة لا رؤيا منام.   1 فتح الباري 8/474 2 لوامع الأنوار البهية 2/254-255.وقد بحث مسألة الرؤية من 2/250 إلى 2/256. 3 أضواء البيان 3/399. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وروي عن أحمد بن حنبل - رحمه الله - قال: رآه بعين رأسه، وروي عنه أنه رآه بعين قلبه، والصحيح أنه رآه بعين رأسه، وعين قلبه. قيل في التفسير {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} رآه في المرة الأولى بعيني قلبه، وفي المرة الأخرى بعيني رأسه"1. 2 - قول أنور شاه الكشميري قال أنور شاه الكشميري - فيما نقله عنه صاحب فتح الملهم -: "إن الراجح في آية النجم أن الرؤية في قوله تعالى {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} أن الرؤية هنا للفؤاد، والرؤية في قوله تعالى {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} أن الرؤية هنا بالعين. وقال: وعن ابن عباس أنه كان يقول أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رأى ربَّه مرتين، مرة ببصره ومرة بفؤاده2، رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح، خلا جهور بن منصور الكوفي وجهور بن منصور ذكره ابن حبان في الثقات   1 الحجة في بيان المحجة 2/252-253. 2 أخرجه الطبراني في الأوسط (6/50 رقم 5761) وقال: لم يروه عن مجالد إلا ابنه إسماعيل. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/79) رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح خلا جهور بن منصور الكوفي، وجهور بن منصور ذكره ابن حبان في الثقات انظر الثقات لابن حبان 8/167، وسماه جمهور بن منصور وقال: يروي عن يوسف بن الماجشون، وهشيم، روى عنه الحضرمي. وفيه أيضاً مجالد وهو ابن سعيد بن عمير الهمذاني الكوفي قال عنه الحافظ في التقريب ص (920) : ليس بالقوي وقد تغير في آخره وفيه ابنه إسماعيل بن مجالد قال عنه الحافظ في التقريب ص (143) : صدوق يهم وقال محقق مجمع البحرين في زوائد المعجمين (1/102، رقم 63) : إسناده ضعيف فلا تغتر بقول الهيثمي في المجمع: ورجاله رجال الصحيح وأورده السيوطي في الدر المنثور 6/159 ونسبه إلى الطبراني وابن مردويه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 كذا في الزوائد"1. القول الخامس: من نفى الرؤية مطلقا وقال بهذا القول: الدارمي، وابن عطية، وأبو حيان. قول الإمام الدارمي (280 هـ) قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي - في رده على بشر الريسي -:"ويلك، إن تأويل هذا الحديث2 على غير ما ذهبت إليه لما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث أبي ذر: إنه لم ير ربه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن تروا ربكم حتى تموتوا" وقالت عائشة رضي الله عنها: "من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية" وأجمع المسلمون على ذلك مع قول الله {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} يعنون أبصار أهل الدنيا، وإنما هذه الرؤية كانت في المنام، وفي المنام يمكن رؤية الله على كل حال، وفي كل صورة"3. قول ابن عطية (546 هـ) ذهب ابن عطية في تفسيره إلى ترجيح مذهب عائشة - رضي الله عنها - ومن معها في أنه صلى الله عليه وسلم لم ير ربَّه، ونسبه إلى الجمهور4. قول أبي حيان الأندلسي (756 هـ) كما ذهب أبو حيان إلى ترجيح مذهب عائشة ومن معها5.   1 فتح الملهم 1/228. 2 يشير إلى حديث "رأيت ربي في أحسن صورة" وسيأتي تخريجه. 3 الرد على بشر الريسي ص523 (ضمن عقائد السلف) . 4 المحرر الوجيز لابن عطية 15/260، 261. 5 البحر المحيط لأبي حيان 8/156. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 القول السادس: من توقف في المسألة. قول القاضي عياض (544 هـ) قال القاضي عياض: "ووقف بعض مشايخنا في هذا، وقال: ليس عليه دليل واضح، ولكنه جائز أن يكون. قال القاضي أبو الفضل: الحق الذي لاامتراء فيه أن رؤيته تعالى في الدنيا جائزة عقلاً، وليس في العقل ما يحيلها"1. وقال أيضا: "وأما وجوبه لنبينا صلى الله عليه وسلم والقول بأنه رآه بعينه، فليس فيه قاطع أيضا، ولا نص، إذ المعول فيه على آية النجم والتنازع فيهما مأثور والاحتمال لهما ممكن ولا أثر قاطع متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. وحديث ابن عباس خبر عن اعتقاده لم يسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيجب العلم باعتقاد مضمنه. ومثله حديث أبي ذر في تفسير الآية، وحديث معاذ محتمل للتأويل، وهو مضطرب الإسناد والمتن. وحديث أبي ذر الآخر محتمل مشكل فروي: "نور أنى أراه" وحكى بعض شيوخنا أنه روي: "نَورَاني أراه". وفي حديثه الآخر: سألته فقال: "رأيت نورا" وليس ممكن الاحتجاج بواحد منها على صحة الرؤية فإن كان الصحيح رأيت نورا فهو قد أخبر أنه لم ير الله، وإنما رأى نورا منعه وحجبه عن رؤية الله. وإلى هذا يرجع قوله: "نور أنى أراه" أي كيف أراه مع حجاب النور   1 الشفا 1/ 261 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 المغشي للبصر، وهذا مثل ما في الحديث الآخر: "حجابه النور" وفي الحديث الآخر: "لم أره بعيني ولكن رأيته بقلبي مرتين" وتلا {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} والله قادر على خلق الإدراك الذي في البصر في القلب، أو كيف شاء لا إله غيره. فإن ورد حديث نص بين في الباب وجب المصير إليه، إذ لا استحالة فيه، ولا مانع قطعي يرده والله الموفق" 1. قول أبي العباس أحمد بن عمر القرطبي (656هـ) قال رحمه الله: "وذهبت طائفة من المشايخ إلى الوقف، وقالوا: ليس عليه قاطع نفيًا ولا إثباتًا، ولكنه جائز عقلاً وهذا هو الصحيح". وقال في موضع آخر: " ... ثم هل وقعت رؤية الله -تعالى- لمحمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء أو لم تقع؟ ليس في ذلك دليل قاطع، وغاية ما للمستدل على نفي ذلك أو إثباته التمسك بظواهر متعارضة معرّضة للتأويل، والمسألة ليست من باب العمليات فيكتفى فيها بالظنون، وإنما هي من باب المعتقدات ولا مدخل للظنون فيها"2. قول الذهبي (748 هـ) قال رحمه الله: "والذي دلَّ عليه الدليل عدم الرؤية مع إمكانها، فنقف عن هذه المسألة، فإن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، فإثبات ذلك أو نفيه صعب، والوقوف سبيل السلامة والله أعلم، ولا نعنف من أثبت الرؤية   1 الشفا 1/265. 2 المفهم 1/401-403. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 لنبينا في الدنيا، ولا من نفاها، بل نقول الله ورسوله أعلم، بل نعنف ونبدع من أنكر الرؤية في الآخرة؛ إذ رؤية الله في الآخرة ثبتت بنصوص متوافرة.. "1. ولكن ورد في كتابه العرش ما يناقض ذلك حيث صرح بإثبات الرؤية فقال: "وأكثر الصحابة على أنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه .... قلت: لأنه رآه في عالم البقاء حين خرج من عالم الفناء، وارتقى فوق السموات السبع فهذا الحديث أيضًا دال على أنه - سبحانه وتعالى - فوق السموات وفوق جميع المخلوقات، ولولا ذلك لكان معراج النبي صلى الله عليه وسلم إلى فوق السماء السابعة إلى السدرة المنتهى، ودنو الجبار منه، وتدليه - سبحانه وتعالى - بلا كيف حتى كان من النبي صلى الله عليه وسلم قاب قوسين أو أدنى، وأنه رآه تلك الليلة، وأن جبريل علا به حتى أتى به إلى الله تعالى"2.   1 سير أعلام النبلاء 10/114 2 العرش للذهبي 2/301 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 المطلب الرابع: وقفات في مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة المعراج . بعد استعرض الأقوال الواردة في المسألة يمكن استخلاص الوقفات التالية: الوقفة الأولى: بالنظر إلى الآيات القرآنية التي استدل بها كل فريق فإنها لا تدل دلالة صريحة على إثبات الرؤية ولاعلى نفيها. فنفاة الرؤية استدلوا بقوله تعالى {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَار} وقوله تعالى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} فعائشة - رضي الله عنها - استدلت بهاتين الآيتين فقالت: "من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله، والله يقول {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} والله يقول {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} ". وقد أجاب ابن عباس على الاستدلال بقوله {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} لما سئل عنها بقوله: "ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذي هو نوره". قال ابن خزيمة: "لم تحك عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خبرها أنه لم ير ربه عز وجل، وإنما تلت قوله عز وجل {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} وقوله {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً … .} تدبر الآيتين ووفق لإدراك الصواب علم أنه ليس في واحدة من الآيتين ما يستحق من قال: أن محمدًا رأى ربه الرمي بالفرية على الله كيف بأن يقول "قد أعظم الفرية على الله؟ "". لأن قوله {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} قد يحتمل معنين على مذهب من يثبت رؤية النبي صلى الله عليه وسلم خالقه عز وجل، قد يحتمل بأن يكون معنى قوله {لا تُدْرِكُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 الأَبْصَارُ} على ما قال ترجمان القرآن لمولاه عكرمة: ذاك نوره الذي هو نوره إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء. والمعنى الثاني، أي: لا تدركه الأبصار أبصار الناس لأن الأعم والأظهر من لغة العرب أن الأبصار إنما يقع على أبصار جماعة، لا أحسب عربيا يجيء من طريق اللغة يقول لبصر امرئ واحد أبصار، وإنما يقال لبصر امرئ واحد بصر، ولا سمعنا عربيا يقول لعين امرئ واحد بصرين فكيف أبصار. ولو قلنا: إن الأبصار ترى ربنا في الدنيا لكنا قد قلنا الباطل والبهتان، فأما من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه دون سائر الخلق فلم يقل: إن الأبصار قد رأت ربها في الدنيا فكيف يكون يا ذوي الحجى من يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه دون سائر الخلق مثبتا أن الأبصار قد رأت ربها فتفهموا يا ذوي الحجى هذه النكتة تعلموا أن ابن عباس -رضي الله عنهما- وأبو ذر وأنس بن مالك ومن وافقهم لم يعظموا الفرية على الله، ولا خالفوا حرفا من كتاب الله في هذه المسألة. فأما ذكرها {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ … ..} فلم يقل أبو ذر وابن عباس - رضي الله عنهما - وأنس بن مالك ولا واحد منهم ولا أحد ممن يثبت رؤية النبي صلى الله عليه وسلم خالقه عز وجل أن الله كلمه في ذلك الوقت الذي كان يرى ربه فيه، فيلزم أن يقال: قد خالفتم هذه الآية. ومن قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه لم يخالف قوله تعالى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ … .} وإنما يكون مخالفا لهذه الآية من يقول رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه فكلمه الله في ذلك الوقت"1.   1 التوحيد لابن خزيمة 2/557-559. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وأما الآيات التي استدل بها على إثبات الرؤية فهي: قوله تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم 11-14] . وقوله تعالى {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم 18] . فهذه الآيات كما ذكر أهل العلم لاتدل دلالة صريحة على إثبات رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه وإليك أقوالهم: قال الإمام ابن خزيمة عن الاستدلال بقوله تعالى {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} : "وليس هذا التأويل الذي تأولوه لهذه الآية بالبيِّن، وفيه نظر؛ لأن الله إنما أخبر في هذه الآية أنه رأى من أيات ربه الكبرى. ولم يُعلم الله في هذه الآية أنه رأى ربه - جل وعلا - وآيات ربنا ليس هو ربنا - جل وعلا - فتفهموا لا تغالطوا في تأويل هذه الآية"1. قال القاضي عياض: "وأما وجوبه لنبينا صلى الله عليه وسلم والقول: إنه رآه بعينه، فليس فيه قاطع أيضًا ولا نص، إذ المعول على آية النجم والتنازع فيهما مأثور والاحتمال لهما ممكن"2. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولا في الكتاب والسنة ما يدل على ذلك"3. وقال أيضًا: "وقد قال تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء 1] ، ولو كان قد أراه نفسه بعينه لكان ذكر ذلك أولى.   1 التوحيد لابن خزيمة 2/492. 2 الشفا (1/261) . 3 مجموع الفتاوى (6/509-510) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وكذلك قوله: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} [النجم 12] ، {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم 18] ، ولو كان رآه بعينه لكان ذكر ذلك أولى. وفي الصحيحين عن ابن عباس في قوله {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} [الإسراء 60] ، قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به، وهذه رؤيا الآيات لأنه أخبر الناس بما رآه بعينه ليلة المعراج، فكان ذلك فتنة لهم، حيث صدقه قوم وكذبه قوم، ولم يخبرهم أنه رأى ربه بعينه، وليس في شئ من أحاديث المعراج الثابتة ذكر ذلك، ولو كان قد وقع ذلك لذكره كما ذكر ما دونه"1. وقال ابن القيم "وأما قول ابن عباس أنه رآه بفؤاده مرتين، فإن كان استناده إلى قوله تعالى {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} ثم قال {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} والظاهر أنه مستنده، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أن هذا المرئي جبريل رآه مرتين في صورته التي خلق عليها2"3. وقال أيضًا: "والمقصود أن المخبر عنه بالرؤية في سورة النجم هو جبريل، وأما قول ابن عباس: "رأى محمد ربه بفؤاده مرتين" فالظاهر أن مستنده هذه الآية، وقد تبين أن المرئي فيها جبريل فلا دلالة فيها على ما قاله ابن عباس"4. وقال شارح الطحاوية: "وقوله {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم 11] ، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم 13] صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا المرئي   1 مجموع الفتاوى 6/509 - 510 2 تقدم تخريجه 3 زاد المعاد 3/38 4 التبيان في أقسام القرآن ص (256) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 جبريل رآه مرتين على صورته التي خلق عليها"1. وقال ابن كثير: "وهذا الذي قلناه من أن هذا المقترب الداني صار بينه وبين محمد صلى الله عليه وسلم إنما هو جبريل - عليه السلام - هو قول أم المؤمنين عائشة، وابن مسعود، وأبي ذر، وأبي هريرة، كما سنورد أحاديثهم قريبًا إن شاء الله. وروى مسلم في صحيحه عن ابن عباس أنه قال: "رأى محمد ربه بفؤاده مرتين"، فجعل هذه إحداهما. وجاء في حديث شريك بن أبي نمر عن أنس في حديث الإسراء "ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى" 2، ولهذا تكلم كثير من الناس في متن هذه الرواية، وذكروا أشياء فيها من الغرابة، فإن صح فهو محمول على وقت آخر، وقصة أخرى، لا أنها تفسير لهذه الآية، فإن هذه كانت ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض لا ليلة الإسراء، ولهذا قال بعده {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} ، فهذه هي ليلة الإسراء، والأولى كانت في الأرض"3. الوقفة الثانية: وبالنسبة للسنة ليس هناك دليل صريح قاطع -أيضًا- لأحد الفريقين.   1 شرح العقيدة الطحاوية 1/275. 2 جزء من حديث الإسراء الطويل أخرجه البخاري ص1577 كتاب التوحيد باب ما جاء في قوله عز وجل {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} رقم 7517. وقد ناقش الحافظ ابن حجر في فتح الباري (13/483-486) أقوال العلماء في هذه الرواية وتفرد شريك بن عبد الله بن أبي نمر ببعض الألفاظ بالتفصيل وانتهى إلى قوله: "والأولى التزام ورود المواضع التي خالف فيها غيره، والجواب عنها: إما بدفع تفرده، وإما بتأويله على وفاق الجماعة". 3 تفسير ابن كثير 7/422. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 قال ابن خزيمة: "لم تحك عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبرها أنه لم ير ربه عز وجل"1. قال القاضي عياض: "ولا أثر قاطع متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك"2. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولم ترو عائشة - رضي الله عنها - في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا، ولا سألته عن ذلك. ولا نُقل في ذلك عن الصديق - رضي الله عنه -، كما يروونه ناس من الجهال: "أن أباها سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: نعم، وقال لعائشة: لا" فهذا الحديث كذب باتفاق العلماء"3. قال النووي: "ثم عائشة - رضي الله عنها - لم تنف الرؤية بحديث عن رسول صلى الله عليه وسلم ولو كان معها حديث لذكرته، وإنما اعتمدت الاستنباط من الآيات"4. وقال السيوطي: "ولم تعتمد عائشة في نفي الرؤية على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما اعتمدت الاستنباط من الآيات"5. ومع كون الأدلة من السنة لا تنص على نفي الرؤية مطلقًا إلا أنها تنفي الرؤية البصرية. قال ابن أبي العز: "لكن لم يرد نص بأنه صلى الله عليه وسلم رأى ربَّه بعين رأسه، بل ورد ما يدل على نفي الرؤية، وهو ما رواه مسلم في صحيحه، عن أبي ذر - رضي الله   1 التوحيد لابن خزيمة 2/557 2 الشفا (1/261) 3 مجموع الفتاوى 3/386 4 صحيح مسلم بشرح النوووي (3/9) 5 الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج (1/221) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 عنه - قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ فقال: "نور أنى أراه" وفي رواية "رأيت نوراً"، وقد روى مسلم – أيضًا - عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال: "إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور - وفي رواية - النار، لو كشفه لأحرقت سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه" 1، فيكون - والله أعلم - معنى قوله لأبي ذر: "رأيت نوراً" أنه رأى الحجاب، أي: فكيف أراه والنور حجاب بيني وبينه يمنعني من رؤيته، فهذا صريح في نفي الرؤية والله أعلم. وحكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على ذلك"2. الوقفة الثالثة: إن قول ابن عباس لا يمكن أن يقال من قبيل الاجتهاد. قال ابن خزيمة: "..فقد ثبت عن ابن عباس إثباته أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه وبيقين يعلم كل عالم أن هذا من الجنس الذي لا يدرك بالعقول والأراء والجنان والظنون، ولا يدرك مثل هذا العلم إلا من طريق النبوة إما بكتاب أو بقول نبي مصطفى، ولا أظن أحدا من أهل العلم يتوهم أن ابن عباس قال رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه برأي وظن، لا ولا أبو ذر، لا ولا أنس بن مالك، نقول كما قال معمر بن راشد لما ذكر اختلاف عائشة - رضي الله عنها - وابن عباس - رضي الله عنهما - في هذه المسألة: "ما عائشة عندنا بأعلم من ابن عباس"   1 أخرجه مسلم -كتاب الإيمان، باب قوله صلى الله عليه وسلم "إن الله لا ينام". وابن ماجه رقم 195. والإمام أحمد في مسنده 4/405. 2 شرح العقيدة الطحاوية (1/222) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 نقول عائشة الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله عالمة فقيهة كذلك ابن عباس - رضي الله عنهما - ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم له أن يرزق الحكمة والعلم وهذا المعنى من الدعاء وهو المسمى بترجمان القرآن، ومن كان الفاروق - رضي الله عنه - يسأله عن بعض معاني القرآن فيقبل منه"1. قال القاضي أبو يعلى: "وما رويناه عن ابن عباس أولى مما روي عن عائشة .... ولا يجوز أن يثبت ابن عباس ذلك إلا عن توقيف؛ إذ لا مجال للقياس في ذلك"2. وقال النووي: "وإثبات هذا لا يأخذونه إلا بالسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا مما لا ينبغي أن يتشكك فيه"3. وقال السيوطي: "وإثبات هذا لا يكون إلا بالسماع"4. الوقفة الرابعة: المثبت مقدم على النافي. مع عدم وجود النص القاطع من الكتاب أو السنة، ومع ثبوت الرواية عن ابن عباس وأن ذلك لا يمكن اعتباره من باب الاجتهاد منه، فإن بعض من رجح قول ابن عباس احتج لقوله: بأن ابن عباس مثبت، وعائشة تنفي، والقاعدة تقول في مثل هذا الحال: قول المثبت مقدم على قول النافي وممن احتج بذلك: ابن خزيمة حيث قال: "وقال أبو ذر وابن عباس - رضي الله عنهما - قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه، وقد أعلمت في مواضع في كتبنا   1 التوحيد لابن خزيمة 2/559-560. 2 إبطال التأويلات (1 / 114) 3 صحيح مسلم بشرح النووي (3/9) 4 الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج (1/221) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 أن النفي لا يوجب علما، والإثبات هو الذي يوجب العلم"1. وقال القاضي أبو يعلى: "وما رويناه عن ابن عباس أولى مما روي عن عائشة. لأنه مثبت والمثبت مقدم على النافي"2 وقال البيجوري في شرحه على جوهرة التوحيد: "وقد نفت السيدة عائشة - رضي الله عنها - وقوعها له صلى الله عليه وسلم لكن قدم عليها ابن عباس؛ لأنه مثبت والقاعدة: أن المثبت مقدم على النافي"3. قال الصاوي في حاشيته على تفسير الجلالين: " ... واختلف في تلك الرؤية، فقيل رآه بعينه حقيقة، وهو قول جمهور الصحابة والتابعين منهم ابن عباس، وأنس بن مالك، والحسن، وغيرهم ... وقيل: لم يره بعينه، وهو قول عائشة رضي الله عنها، والصحيح الأول، لأن المثبت مقدم على النافي"4. الوقفة الخامسة: الجمع مقدم في حال التعارض. في حال وجود الخلاف فإن الجمع أولى من الترجيح في حال التعارض إذا كان ممكنًا، وهذا ما دعى بعض العلماء إلى حمل نفي عائشة على الرؤية البصرية، وإثبات ابن عباس على الرؤية القلبية، وبهذا يزول التعارض بين القولين. وممن أخذ بهذا الجمع شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وابن أبي العز، وابن كثير، وابن حجر، والسفاريني، والشنقيطي وغيرهم، وقد تقدم ذكر أقوالهم.   1 التوحيد لابن خزيمة 2/556. 2 إبطال التأويلات (1 / 114) 3 شرح جوهرة التوحيد ص 118 4 حاشية الصاوي على تفسير الجلالين 4/137. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 الوقفة السادسة: المقصود بالرؤية القلبية. وضح القائلون بالرؤية القلبية المقصود بذلك، ومن أقوالهم في معنى الرؤية القلبية: ما قاله القرطبي - صاحب التفسير - في تفسير قوله تعالى {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} : "أي: لم يكذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، وذلك أن - الله تعالى - جعل بصره في فؤاده حتى رأى - ربه تعالى - وجعل الله تلك رؤية"1. وقال أبو العباس القرطبي رحمه الله في المفهم: "وقول ابن عباس: أنه عليه السلام رآه بفؤاده مرتين. الفؤاد القلب ولا يريد بالرؤية – هنا - العلم، فإنه عليه الصلاة والسلام كان عالماً بالله على الدوام، وإنما أراد أن الرؤية التي تخلق في العين خلقت للنبي صلى الله عليه وسلم في القلب، وهذا على ما يقوله أئمتنا: إن الرؤية لا يشترط لها محل مخصوص عقلاً، بل يجوز أن يخلق في أي محل كان، وإنما العادة جارية بخلقها في العين"2. وقال أبو المظفر السمعاني في تفسيره: "وقد ثبت عن ابن عباس أنه قال: رأى محمد ربه بفؤاده، فإن قال قائل: المؤمنون يرونه بفؤادهم، وليس ذلك إلا العلم به فما معنى تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم. والجواب أنهم قالوا: إن الله - تعالى - خلق رؤية لفؤاده فرأى بفؤاده مثل ما يرى الإنسان بعينه"3. وقال ابن حجر رحمه الله: "ثم المراد برؤية الفؤاد رؤية القلب، لا مجرد   1 الجامع لأحكام القرأن 17/92. 2 المفهم 1/407 3 تفسير القرآن للسمعاني 5/288. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 حصول العلم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان عالما بالله على الدوام، بل مراد من أثبت له أنه رآه بقلبه أن الرؤية التي حصلت له خلقت في قلبه، كما يخلق الرؤية بالعين لغيره والرؤية لا يشترط لها شيء مخصوص عقلا ولو جرت العادة خلقها في العين"1.   1 فتح الباري 8/474 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 المبحث الثاني: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في المنام المطلب الأول: الأحاديث الواردة في المسألة ... المطلب الأول: الأحاديث الواردة في المسألة. الاعتماد في هذه المسألة على بعض الأحاديث من بينها: 1- الحديث الأول. عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: "احتبس عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة في صلاة الصبح، حتى كدنا نتراءى قرن الشمس، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا فثوّب1 بالصلاة، وصلى وتجوّز2 في صلاته فلما سلم قال: "كما أنتم على مصافكم، ثم أقبل إلينا فقال: إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة، إني قمت من الليل فصليت ما قدر لي، فنعست في صلاتي حتى استثقلت3 فإذا أنا بربي - عز وجل - في أحسن صورة. فقال: يا محمد أتدري فيما يختصم الملأ الأعلى؟ 4. قلت: لا أدري رب. قال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري ر. قال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري رب. فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله في صدري، وتجلى لي كل شيء وعرفت. فقال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى، قلت: في الكفارات والدرجات. قال وما الكفارات؟ قلت نقل الأقدام إلى الجمعات، والجلوس في المساجد   1 ثوّب من التثويب: وهو إقامة الصلاة. 2 تجوّز في صلاته، أي: خففها. 3 استثقلت، أي: نمت. 4 المراد بهم الملائكة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء على الكريهات. قال: وما الدرجات؟ قلت: إطعام الطعام، ولين الكلام، والصلاة والناس نيام. قال: سل. قلت: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون، وأسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها حق فادرسوها وتعلموها". هذا الحديث جاء عن جمع من الصحابة -رضي الله عنهم- من عدة طرق إليك تفصيلها: الأول: عن عبد الرحمن بن عائش عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - مرفوعا.. أخرجه الإمام أحمد في المسند 5/243. والترمذي في السنن 5/368 كتاب التفسير باب ومن سورة (ص) رقم 3235 وقال: "هذا حديث حسن صحيح سألت محمد بن إسماعيل - يعني البخاري - عن هذا الحديث فقال: هذا حديث حسن صحيح".وابن خزيمة في التوحيد 2/540 رقم 320 وقال عن هذه الرواية: أنها "أشبه بالصواب". والحاكم في المستدرك 1/521. والطبراني في المعجم الكبير 20/109. والدارقطني في الرؤية ص 167 رقم 253 وص 170 رقم 259. وأورد هذا الحديث بمختلف طرقه في كتابه العلل (6/54-57 رقم 973) وتكلم عليها بكلام طويل ثم حكم عليها في نهاية كلامه بقوله: "ليس فيها صحيح، وكلها مضطربة". والقاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات 1/125. وابن عدي في الكامل 6/2344 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 والنجاد في الرد على من يقول القرآن مخلوق ص 55-56 رقم 74-75. وحديث معاذ هذا صححه الإمام أحمد كما في الكامل لابن عدي 6/2344 وتهذيب التهذيب6/205. الثاني: عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي مرفوعا. أخرجه الدارمي في السنن 2/126 كتاب الرؤية باب في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم الرب تعالى في النوم. وابن خزيمة في التوحيد 2/534 رقم 318. وابن أبي عاصم في السنة 1/169 رقم 388 وفي 1/204 رقم 467-468 وقال الألباني: "حديث صحيح". والآجري في الشريعة 3/1549-1551 رقم 1041. والحاكم في المستدرك 1/520 وصححه ووافقه الذهبي. واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 3/514 رقم 901-902 مختصرا. والدراقطني في الرؤية ص 170 رقم 260. والنجاد في الرد على من يقول القرآن مخلوق ص 57 رقم 77 وص 58 رقم 80-81. والبغوي في تفسيره 7/101 وفي شرح السنة 4/35-36 رقم 924. وابن الجوزي في العلل المتناهية 1/17. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 7/176-177 وقال رجاله ثقات. وانظر الكلام حول أسانيد هذا الطريق في الميزان 2/571 والإصابة 2/405 وتهذيب التهذيب 6/204. الثالث: عبد الرحمن بن عائش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا. أخرجه الإمام أحمد في المسند 5/378.وعبد الله بن أحمد في السنة 2/489 رقم 1121. وابن خزيمة في التوحيد 2/537. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 الرابع: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - مرفوعا. أخرجه الترمذي في السنن 5/366 كتاب التفسير باب من سورة (ص) رقم 3234 وقال: "حسن غريب من هذا الوجه". وابن خزيمة في التوحيد 2/538 رقم 319. وابن أبي عاصم في السنة 1/204 رقم 469 وقال الألباني: "حديث صحيح". والآجري في الشريعة 3/1547-1549رقم 1039-1040. والدارقطني في الرؤية ص 175-176 رقم 268-269. كلهم من طريق أيوب عن أبي قلابة عن خالد بن اللجلاج عن ابن عباس مرفوعا مطولا. وجاء من طريق أيوب عن أبي قلابة، عن ابن عباس مرفوعا دون ذكر خالد بن اللجلاج. أخرجه أحمد في المسند 1/368 وقال الشيخ أحمد شاكر - في تعليقه على المسند - 5/162: "إسناده صحيح". والترمذي في السنن 5/366 كتاب التفسير باب من سورة (ص) رقم 3233. وابن خزيمة في التوحيد 2/540 رقم 320. والدراقطني في الرؤية ص 176 رقم 271-273. وأبو بكر النجاد في الرد على من يقول القرآن مخلوق ص 56 رقم 76. وابن الجوزي في العلل المتناهية 1/21. وقال الترمذي بعد الحديث: "وقد ذكروا بين أبي قلابة وبين ابن عباس في هذا الحديث رجلا، وقد رواه قتادة عن أبي قلابة، عن خالد بن اللجلاج، عن ابن عباس". الخامس: عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه ابن خزيمة في التوحيد 2/543. وابن أبي عاصم في السنة 1/204 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 رقم 470 وقال الألباني: "حديث صحيح بما تقدم له من الشواهد". والدارقطني في الرؤية ص 181 رقم 284-287. والبزار كما في كشف الأستار 3/13-14 رقم 2128. والبغوي في شرح السنة 4/38-39 رقم 925. وأبو بكر النجاد في الرد على من يقول القرآن مخلوق ص 60 رقم 83. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 7/177-178 وقال: "رواه البزار من طريق أبي يحيى عن أبي أسماء الرحبي، وأبو يحيى لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات" وكذا قال الألباني في تخريج السنة 1/205: "أنه لا يعرف أبا يحي". وعرفه ابن خزيمة كما في التوحيد 2/543 فقال: "هو عندي سليمان أو سليم ابن عامر". وجزم بذلك البغوي في شرح السنة 4/39 فقال: "هو سليم بن عامر الخبارائي تابعي سمع أبا أمامة". وهو ثقة. انظر التقريب ص 404. وفيه أبو يزيد الشامي لا يعرف بجرح ولا تعديل "التوحيد 2/544 وشرح السنة 4/39" وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 9/459 ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. السادس: عن أبي أمامة - رضي الله عنه - مرفوعا. أخرجه ابن أبي عاصم في السنة 1/170 رقم 379 وفي 1/203 رقم 466 وقال الألباني: "حديث صحيح". والطبراني في الكبير 8/349 رقم 8117. والدارقطني في الرؤية ص 178-180 رقم 277-280. وأبو بكر النجاد في الرد على من يقول القرآن مخلوق ص 58 رقم 78. وأورده السيوطي في الدر المنثور 5/597 ونسبه إلى ابن مردويه. وقال الهيثمي في المجمع 7/179: "رواه الطبراني، وفيه ليث بن أبي سليم، وهو حسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 الحديث على ضعفه، وبقية رجاله ثقات". قال الحافظ في التقريب ص 817-818 عن ليث: "صدوق اختلط جدا ولم يتميز حديثه فترك". السابع: عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - مرفوعا. أخرجه ابن أبي عاصم في السنة 1/203 رقم 465 وقال الألباني: "إسناده حسن". وأورده السيوطي في الدر المنثور 5/597 ونسبه إلى الطبراني في السنة وابن مردويه. الثامن: عن ابن عمر - رضي الله عنه - مرفوعا. أخرجه الدارقطني في الرؤية ص 180 رقم 283. والبزار كما في كشف الأستار 3/14-15 رقم 2129. وقال الهيثمي في المجمع 7/178: "رواه البزار وفيه سعيد بن سنان وهو ضعيف، وقد وثقه بعضهم، ولم يلتفت إليه في ذلك". وانظر ترجمته في تهذيب الكمال 10/495 وقال عنه الحافظ في التقريب ص 381: "متروك". التاسع: عن أبي رافع - رضي الله عنه - مرفوعا. أخرجه الطبراني في الكبير 1/317 رقم 938. وقال الهيثمي في المجمع 1/237: "رواه الطبراني في الكبير، وفيه عبد الله بن إبراهيم بن الحسين عن أبيه لم أر من ترجمهما". وأورده المتقي الهندي في كنز العمال 1/227 رقم 1151. العاشر: عن أبي هريرة مرفوعا. أخرجه الدارقطني في الرؤية ص 182 رقم 288. والنجاد في الرد على من يقول القرآن مخلوق ص 59 رقم 82. واللالكائي في شرح أصول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 الاعتقاد3/520 رقم 919. وابن الجوزي في العلل المتناهية 1/20. وأورده السيوطي في الدر المنثور 5/597 ونسبه إلى الطبراني في السنة وابن مردويه. وفيه عبد الله بن أبي حميد قال عنه الحافظ في التقريب ص 637: "متروك الحديث". الحادي عشر: عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - مرفوعا. أخرجه الدارقطني في الرؤية ص 178 رقم 276 وص 189 رقم 315. وابن حبان في المجروحين 3/135. وأبو بكر النجاد في الرد على من يقول القرآن مخلوق ص 58 رقم 79. وابن الجوزي في العلل المتناهية 1/20.والسيوطي في الدر المنثور 5/597 ونسبه إلى الطبراني في السنة والشيرازي في الألقاب. وابن حجر في الإصابة 2/406 ونسبه إلى الطبراني في السنة. وفيه يوسف بن عطية قال عنه الحافظ في التقريب ص 1094: "متروك". الثاني عشر: عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - مرفوعا. أخرجه الدارقطني في الرؤية ص 180 رقم. الثالث عشر: عن أبي عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - مرفوعا. أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد 8/151-152. وبإسناده ابن الجوزي في العلل المتناهية 1/16 من طريقين. وأورده السيوطي في الدر المنثور 5/598 ونسبه إلى الطبراني في السنة والخطيب. وقد ورد في بعض ألفاظ حديث أبي عبيدة زيادة قوله صلى الله عليه وسلم: "لما كانت ليلة أسري بي ... إلخ" كما أوردها السيوطي في الدر إلا أن هذه الزيادة لم ترد في رواية الخطيب للحديث وعنه ابن الجوزي. وقد جزم الإمام ابن القيم بأنها خطأ فقال رحمه الله: "وهو حديث لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 يصح عن أبي عبيدة بن الجراح مرفوعا: "لما كانت ليلة أسري بي رأيت ربي في أحسن صورة فقال: فيما يختصم الملأ الأعلى؟ " وذكر الحديث ثم قال: "وهذا غلط قطعا فإنما القصة كانت بالمدينة، كما قال معاذ بن جبل: "احتبس عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح حتى كدنا نترآى عين الشمس، ثم خرج وصلى بنا ثم قال: "رأيت ربي البارحة في أحسن صورة فقال: يا محمد: فيما يختصم الملأ الأعلى؟ " وذكر الحديث فهذا كان بالمدينة والإسراء بمكة".التبيان في أقسام القرآن ص260-261. الرابع عشر: عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - مرفوعا. أورده السيوطي في الدر المنثور 5/598 ونسبه إلى ابن مردويه. وفي اللفظ الذي أورده السيوطي الزيادة نفسها التي في حديث أبي عبيدة وقد سبق الكلام عليها والله أعلم. وللحافظ ابن رجب الحنبلي - رحمه الله - رسالة في شرح هذا الحديث تحت عنوان (اختيار الأولى شرح حديث اختصام الملأ الأعلى) طبعت بتحقيق حسين الجمل في مؤسسة الكتب الثقافية بيروت لبنان ط1-1407هـ. وهناك اختلاف في بعض ألفاظ الحديث، وذلك في مختلف الروايات التي جاءت من طرق أخرى عن أربعة عشر صحابيا، كما هو مبين في تخريج الحديث، إلا أني لم أتعرض لاختلاف ألفاظه؛ لأن جميع من رووه اتفقوا على الجملة الأولى وهي قوله صلى الله عليه وسلم "رأيت ربي في أحسن صورة" وهي موطن الشاهد في هذه المسألة. وقد وردت أحاديث أخرى فيها إثبات الرؤية المنامية، لكن في تصحيحها وتضعيفها نزاع كبير بين أهل العلم وهي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 2- الحديث الثاني: عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رأيت ربي عز وجل". أخرجه بهذا اللفظ الإمام أحمد في المسند 1/285،290. وعبد الله بن أحمد في السنة 2/484 رقم 1117، وفي2/503 رقم1167. وابن أبي عاصم في السنة 1/188 رقم 433، وفي 1/191-192 رقم 440. والآجري في الشريعة 3/1542 رقم 1033. واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد 3/512-513 رقم 897. والذهبي في السير 10/113-114. وأورده الهيثمي في المجمع /78 وقال: "رجاله رجال الصحيح". وقال ابن كثير في تفسيره 7/425: "إسناده على شرط الصحيح لكنه مختصر من حديث الرؤية". وقال الألباني في تخريج السنة 1/188: "حديث صحيح مختصر من حديث الرؤية". وقال: "أخرجه – أيضا - الضياء في المختارة 66/79/1" ثم قال: "وروى الضياء في المختارة عن أبي زرعة الرازي: "حديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس في الرؤية صحيح ولا ينكره إلا معتزلي". وجاء من طرق أخرى بلفظ آخر أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات 2/363-364 رقم 938، والقاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات 1/133-136، 143، والخطيب في تاريخ بغداد 11/214، وابن عدي في الكامل 2/677، وأبو بكر بن أبي داود والطبراني في السنة كما في اللالئ المصنوعة 1/29، وابن الجوزي في العلل المتناهية 1/22-23، وأورده المتقي الهندي في كنز العمال 1/228 رقم 1152. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 كلهم من طرق عن حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا لكن بلفظ: "رأيت ربي - عز وجل - جعدا أمرد عليه حلة خضراء" أو نحو ذلك. قال ابن الجوزي في العلل المتناهية 1/23: "هذا الحديث لا يثبت وطرقه كلها على حماد بن سلمة قال ابن عدي: قد قيل: أن ابن أبي العوجاء كان ربيب حماد فكان يدس في كتبه هذه الأحاديث". وقد ذكر هذه الحكاية ابن عدي في الكامل لكن من طريق محمد بن شجاع الثلجي وابن الثلجي هذا له ترجمة مظلمة انظرها في ميزان الاعتدال 3/577-579، وابن عدي نفسه قال في الكامل: "إنه كان يضع الحديث في التشبيه وينسبها إلى أصحاب الحديث يثلبهم بذلك". وانظر التنكيل 1/243-244. وقال الذهبي في السير 10/113-114: "وهو خبر منكر نسأل الله السلامة في الدين، فلا هو على شرط البخاري، ولا مسلم ورواته، وإن كانوا غير متهمين فما هم بمعصومين من الخطأ والنسيان فأول الخبر قال "رأيت ربي" وما قيده بالنوم وبعض من يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج يحتج بظاهر الحديث". ونقل السيوطي في اللالئ المصنوعة 1/31 عن ابن أبي داود قوله بعد الحديث: "فهذا من أنكر ما أتى به حماد بن سلمة، وهذه الرؤية رؤية منام إن صحت". فإن كان الحمل في هذا الحديث على حماد بن سلمة فقد قال ابن عدي في الكامل: "إن الأحاديث التي رويت عن حماد بن سلمة في الرؤية قد رواها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 غير حماد بن سلمة". وقد رد الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي في التنكيل 1/244 على الكوثري الذي زعم أن حماد بن سلمة روى أحاديث طامات من بينها هذا فقال: "والجواب: أن لهذا الحديث طرقا معروفة في بعضها ما يشعر بأنها رؤيا منام، وفي بعضها ما يصرح بذلك، فإن كان كذلك اندفع الاستنكار، وإلا فلأهل العلم في تلك الأحاديث كلام معروف". وقد أطال القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات في الكلام على طرق الحديث وذكر من صححه من أهل العلم وبخاصة كلام الإمام أحمد بما ملخصه أن الحديث صحيح والله أعلم انظر: إبطال التأويلات 1/139-145. 3- الحديث الثالث: عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب - رضي الله عنهما - قالت: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أنه رأى ربه - عز وجل - في المنام في صورة شاب موفر في خضر على فراش من ذهب، في رجليه نعلان من ذهب". أخرجه ابن أبي عاصم في السنة 1/205 رقم 471. والطبراني في المعجم الكبير 25/143 رقم 346. والبيهقي في الأسماء والصفات 2/367-369 رقم 942. والدارقطني في الرؤية ص 190 رقم 316. والقاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات 1/141. والخطيب في تاريخ بغداد 13/311. وابن الجوزي في العلل المتناهية 1/15 وفي الموضوعات 1/181 من طريق الخطيب. والهيثمي في مجمع الزوائد 7/179. والسيوطي في اللالئ المصنوعة 1/30. وابن عراق في تنزيه الشريعة 1/145. والشوكاني في الفوائد المجموعة ص 447-448. والمتقي الهندي في كنز العمال 1/228 رقم 1153 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 وقال ابن حبان في الثقات 5/245: "عمارة بن عامر عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت ربي" حديثا منكرا لم يسمع عمارة من أم الطفيل وإنما ذكرته لكي لا يغتر الناظر فيه، فيحتج به من حديث أهل مصر". وقال البخاري في التاريخ الكبير 6/3111: "لا يعرف سماع عمارة من أم الطفيل" وقال في التاريخ الأوسط 1/435 "ولايعرف عمارة ولا سماعه من أم الطفيل". وقد حكم عليه ابن الجوزي بالوضع وقال: "أما نعيم فقد وثقه قوم، وقال ابن عدي: كان يضع الحديث، وكان يحيى بن معين يهجنه في رواية حديث أم الطفيل، وكان يقول ما كان ينبغي به أن يحدث بمثل هذا الحديث" وانظر: تاريخ بغداد 13/311. ثم قال: "وأما مروان فقال أبو عبد الرحمن النسائي: ومن مروان حتى يصدق على الله عز وجل. قال مهنا: سألت أحمد عن هذا الحديث، فحوّل وجهه عني، وقال: هذا حديث منكر، هذا رجل مجهول: يعني مروان" اهـ. انظر إبطال التأويلات 1/140.ثم قال: "ولا يعرف – أيضا - عمارة". وتبعه في ذلك الشوكاني كما في الفوائد المجموعة ص 447، 448 وقال: "موضوع، وفي إسناده وضاع وكذاب ومجهول". لكن تعقبه المحقق الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي - رحمه الله - بقوله: "يريد بالأول نعيم بن حماد بناء على قول ابن الجوزي، قال ابن عدي: يضع الحديث. وهذا وهم قبيح من ابن الجوزي، وإنما حكى ابن عدي، عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 الدولابي، عن بعضهم لا يدرى من هو ورده ابن عدي، وحمل على الدولابي". راجع ترجمة نعيم في تهذيب التهذيب ومقدمة الفتح. ويريد بالكذاب مروان بن عثمان بناء على ما روى عن النسائي أنه قال: ومن مروان بن عثمان حتى يصدق على الله، وهذا لا يعطي أنه كذاب، وعدم التصديق لا يستلزم التكذيب، فإنه يحتمل التوقف، ويحتمل قوله على أنه أخطأ. ويدل على هذا أن النسائي أخرج لمروان هذا في سننه. ويريد بالمجهول عمارة بن عامر بن حزم، ويقال: عمارة بن عمير، وذكره البخاري في الضعفاء، وذكره ابن حبان في الثقات، وذكر هذا الحديث وقال: منكر لم يسمعه عمارة من أم الطفيل، وله شواهد ذكرها في اللآلئ، وحاصله رؤيا المنام تجيء - غالبا - على وجه التمثيل المفتقر إلى التأويل، والله أعلم. وقال الألباني في تخريج السنة 1/205 رقم 471: "حديث صحيح بما قبله وإسناده ضعيف مظلم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 المطلب الثاني: القول في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في المنام . أثبت العلماء رؤية النبي صلى الله عليه وسلم المنامية لربه - عز وجل -، واعتمدوا في ذلك على الأحاديث الواردة بهذا الشأن، والتي تقدم ذكرها في المطلب الأول، وهذه الرؤيا ليست محل خلاف، وقد وقعت بالمدينة النبوية، وهناك فرق بينها وبين الرؤية التي وقعت ليلة الإسراء بمكة، والتي دار الخلاف عليها حسب ما تقدم ذكره في المبحث الأول، وهذه الرؤيا التي وقعت في المنام داخلة في عموم أن رؤيا الأنبياء وحي. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد صح عنه أنه قال: "رأيت ربي تبارك وتعالى" ولكن لم يكن هذا في الإسراء، ولكن كان في المدينة لما احتبس عنهم في صلاة الصبح، ثم أخبرهم عن رؤية ربه - تبارك وتعالى - تلك الليلة في منامه، وعلى هذا بنى الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - وقال: نعم رآه حقا، فإن رؤيا الأنبياء حق ولابد"1. وقال أيضًا: "وكذلك الحديث الذي رواه أهل العلم أنه قال: "رأيت ربي في صورة كذا وكذا"، يروى من طريق ابن عباس، ومن طريق أم الطفيل، وغيرهما وفيه "أنه وضع يده بين كتفيَّ حتى وجدت برد أنامله على صدري"، هذا الحديث لم يكن ليلة المعراج، فإن هذا الحديث كان بالمدينة. وفي الحديث: أن النبي نام عن صلاة الصبح، ثم خرج إليهم، وقال: "رأيت كذا وكذا" وهو من رواية من لم يصل خلفه إلا بالمدينة كأم الطفيل وغيرها،   1 زاد المعاد 3/37 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 والمعراج إنما كان من مكة باتفاق أهل العلم، وبنص القرآن والسنة المتواترة، كما قال الله تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء 1] . فعلم أن هذا الحديث كان رؤيا منام بالمدينة، كما جاء مفسرًا في كثير من طرقه أنه كان رؤيا منام، مع أن رؤيا الأنبياء وحي، لم يكن رؤيا يقظة ليلة المعراج"1.   1 مجموع الفتاوى 3/387 - 388 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 المطلب الثالث: أقوال أهل العلم في الرؤية المنامية عمومًا ذكر غير واحد من أهل العلم أن رؤية الله في المنام جائزة، وهذه الرؤية شأنها شأن سائر الرؤى المنامية تعبر، فإن النائم لا يرى الله حقيقة، فرؤيا المنام لها حكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة، ولها تعبير، وتأويل؛ لما فيها من الأمثال المضروبة للحقائق، وإليك بعض أقوال العلماء في هذه المسألة. قال الإمام الدارمي: "وفي المنام يمكن رؤية الله على كل حال، وفي كل صورة"1. قال الإمام البغوي: "رؤية الله في المنام جائزة، قال معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إني نعست فرأيت ربي" وتكون رؤيته - جلّت قدرته - ظهور العدل، والفرج، والخصب، والخير لأهل ذلك الموضع، فإن رآه فوعد له جنة أو مغفرة، أو نجاة من النار، فقوله حق ووعده صدق. وإن رآه ينظر إليه، فهو رحمته، وإن رآه معرضا عنه فهو تحذير من الذنوب، لقوله سبحانه وتعالى {أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ} [آل عمران 77] وإن أعطاه شيئا من متاع الدنيا فأخذه فهو بلاء ومحن، وأسقام تصيب بدنه، يعظم بها أجره، لا يزال يضطرب فيها حتى يؤديه إلى الرحمة، وحسن العاقبة"2. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد يرى المؤمن ربه في المنام في صور متنوعة على قدر إيمانه ويقينه، فإذا كان إيمانه صحيحا لم ير إلا صورة حسنة،   1 الرد على المريسي (ضمن عقائد السلف) ص (523) 2 شرح السنة للبغوي 12/227-228. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 وإذا كان في إيمانه، نقص رأى ما يشبه إيمانه ورؤيا المنام لها حكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة ولها تعبير وتأويل، لما فيها من الأمثال المضروبة للحقائق"1. وقال - رحمه الله - في بيان تلبيس الجهمية: "فالإنسان قد يرى ربه في المنام ويخاطبه. فهذا حق في الرؤيا، ولا يجوز أن يعتقد أن الله في نفسه مثل ما رأى في المنام، فإن سائر ما يرى في المنام لا يجب أن يكون مماثلاً، ولكن لابد أن تكون الصورة التي رآه فيها مناسبة، ومشابهة لاعتقاده في ربه، فإن كان إيمانه واعتقاده مطابقا أتي من الصور وسمع من الكلام ما يناسب ذلك، وإلا كان بالعكس. قال بعض المشايخ: "إذا رأى العبد ربه في صورة كانت تلك الصورة حجاباً بينه وبين الله. وما زال الصالحون وغيرهم يرون ربهم في المنام ويخاطبهم، وما أظن عاقلاً ينكر ذلك، فإن وجود هذا مما لا يمكن دفعه، إذ الرؤيا تقع للإنسان بغير اختياره، وهذه مسألة معروفة، وقد ذكرها العلماء من أصحابنا وغيرهم في أصول الدين. وحكوا عن طائفة من المعتزلة وغيرهم إنكار رؤية الله، والنقل بذلك متواتر عمن رأى ربه في المنام، ولكن لعلهم قالوا: لا يجوز أن يعتقد أنه رأى ربه في المنام، فيكونون قد جعلوا هذا من أضغاث الأحلام، ويكونون من فرط سلبهم ونفيهم نفوا أن تكون رؤية الله في المنام رؤية صحيحة كسائر ما يرى في المنام، فهذا مما يقوله المتجهمة، وهو باطل، مخالف لما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها، بل ولما اتفق عليه عامة عقلاء بني آدم، وليس في رؤية الله في المنام نقص ولا عيب يتعلق به سبحانه وتعالى، وإنما ذلك بحسب حال الرائي،   1 مجموع الفتاوى 3/390. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 وصحة إيمانه وفساده، واستقامة حاله وانحرافه، وقول من يقول: ما خطر بالبال أو دار في الخيال فالله بخلافه ونحو ذلك [بياض بمقدار أربع كلمات] إذا حمل على مثل هذا كان محملاً صحيحًا، فلا نعتقد ما يتخيله الإنسان في منامه أويقظته من الصور أن الله في نفسه مثل ذلك، بل نفس الجن والملائكة لا يتصورها الإنسان، ويتخيلها على حقيقتها، بل هي على خلاف مايتخيله ويتصوره في منامه ويقظته، وإن كان ما رآه مناسبًا ومشابهًا لها، فالله -تعالى- أجل وأعظم"1.   1نقض تأسيس الجهمية (1/73-74) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 المبحث الثالث: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا عيانا المطلب الأول: قول أهل السنة في مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه عيانا في الدنيا ... المطلب الأول: قول أهل السنة في مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه عيانًا في الدنيا. ينبغي - هنا - التفريق، وعدم الخلط بين مسألتين، المسألة الأولى: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة المعراج، وهذه هي التي حصل الكلام فيها بين أهل السنة، وقد تقدم بسط ذلك في المبحث الأول؛ والمسألة الثانية: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا عيانًا وهذه لم يختلف فيها قول أهل السنة، فهم مجمعون على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه في الدنيا عياناً، وأن ما ذكر من أحاديث في هذه المسألة فهو في عداد الموضوعات التي لا يصح نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد اتفق المسلمون على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعينه في الأرض، وأن الله ينزل له إلى الأرض، وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم قط حديث فيه أن الله نزل له إلى الأرض، بل الأحاديث الصحيحة: "أن الله يدنو عشية عرفة" 1   1 أخرجه البزار كما في كشف الأستار (2/28) من طريق أيوب، عن أبي الزبير، عن جابر. وابن حبان في صحيحه (248) - موارد -. وأخرجه أبو يعلى في المسند (4/69-70) ، كلاهما من طريق هشام الدستوائي عن أبي الزبير عن جابر. وأخرجه ابن خزيمة في الصحيح (4/263) . والبغوي في شرح السنة (7/159) . واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/439 برقم751-752) . وابن عبد البر في التمهيد (1/120) . جميعهم من طريق مرزوق الباهلي، عن أبي الزبير عن جابر. ولفظه "إذا كان يوم عرفة أن الله ينزل إلى سماء الدنيا ... " الحديث. وقال الألباني: "إسناده ضعيف لضعف أبي الزبير"، انظر صحيح ابن خزيمة (4/263) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 وفي رواية "إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفرله؟ " 1"2.   1 أخرجه الإمام مالك في الموطأ (1/214) . والإمام أحمد في المسند (2/264) . ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في الدعاء والذكر (1/521، ح758) . وأبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب أي الليل أفضل (2/76 ح135) . والترمذي في سننه، كتاب الدعوات (5/526 ح3498) عن أبي هريرة. والحديث متواتر عن أكثر من عشرين صحابيا. 2 مجموع الفتاوى 3/386-388 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 المطلب الثاني: الأحاديث الموضوعة في المسألة . علم في المطلب السابق أنه لم يصح حديث في مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا عياناً، وقد ذكر العلماء أن ما يروى في هذا الشأن فهو كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، وليس له أصل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكل حديث فيه "أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينه في الأرض"، فهو كذب باتفاق المسلمين وعلمائهم، هذا شيء لم يقله أحد من علماء المسلمين ولا رواه أحد منهم. وقال أيضًا: "وبالجملة أن كل حديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينيه في الأرض، وفيه أنه نزل له إلى الأرض، وفيه أن رياض الجنة خطوات الحق، وفيه أنه وطئ على صخرة بيت المقدس، كل هذا كذب باطل باتفاق علماء المسلمين، من أهل الحديث وغيرهم"1. ومن الأحاديث الموضوعة في هذا الشأن ما يلي: 1- الحديث الأول. عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - مرفوعا: "رأيت ربي عز وجل على جمل أحمر عليه إزاران وهو يقول: قد سمحت قد غفرت إلا المظالم، فإذا كان ليلة المزدلفة، ثم يصعد إلى السماء، وينصرف الناس إلى منى". أورده ابن الجوزي في الموضوعات (1/180) وقال عنه: "هذا حديث لا يشك أحد في أنه موضوع، محال".   1مجموع الفتاوى 3/389. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 والسيوطي في اللآلي المصنوعة 1/27. وابن عراق في تنزيه الشريعة 1/139 رقم 17 وقال: "أخرجه الأهوازي في الصفات من حديث أسماء فقبح الله واضعه". 2- الحديث الثاني. عن أبي رزين العقيلي - رضي الله عنه - مرفوعا: "رأيت ربي بمنى يوم النفر، على جمل أورق عليه جبة صوف أمام الناس". أورده الذهبي في ميزان الاعتدال 1/513 وفي السير 18/16-17. والقاضي الفتني في تذكرة الموضوعات ص 12-13. والقاري في المصنوع في معرفة الحديث الموضوع ص 102. واتفقوا على أنه موضوع باطل، وأن المتهم به هو أبوعلي الأهوازي، كما قال ابن عساكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 المبحث الرابع: رؤية البشر لربهم في الحياة الدنيا . لعل من المناسب بعد ذكر ما يتعلق بمسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه، وما يتصل بها من مسائل، الإشارة إلى مسألة رؤية البشر لربهم في الحياة الدنيا، وذلك لما بين المسألتين من ترابط من جهة وجود نوع علاقة بين المسألتين، باعتبار أن من زعم جواز حصول الرؤية للبشر استند في زعمه على ما ذكر من أحاديث مكذوبة في وقوع الرؤية للنبي صلى الله عليه وسلم في الحياة الدنيا، ومعلوم أن بضاعة المتصوفة الذين جوزوا حصول ذلك لأوليائهم هي الأحاديث المكذوبة من مثل ما تقدم ذكره في المطلب الثاني من المبحث الثالث، وعلى هذا الاعتبار بنى أولئك المتصوفة مزاعمهم، بأن ذلك يجوز حصوله لمن وصل إلى مرحلة معينة في الولاية التي قد يعتبرها البعض منهم فوق منزلة النبوة، وبهذه النظرة ما المانع أن يحصل مثل ذلك لغير النبي صلى الله عليه وسلم. وأما من قال بامتناع رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا عياناً، فلا شك أنه يقول بامتناعها على غيره من باب أولى، فإذا كانت الرؤية لم تحصل للنبي صلى الله عليه وسلم -مع ما له من مكانة وشرف ومنزلة عظيمة عند الله - فكيف تحصل لمن هو دونه في المنزلة والمكانة، على أن مستند من نفى رؤية البشر لله في الدنيا هو نص السنة، كما سيأتي ذكره. ومسألة رؤية البشر لله عمومًا يتنازعها ثلاث طوائف: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 الطائفة الأولى: من نفى الرؤية بإطلاق فلم يثبتها في الدنيا، ولا في الآخرة على حد سواء، بل نفى حتى الرؤيا المنامية. وهؤلاء هم الجهمية والمعتزلة المعطلة الذين ليس عندهم فوق العرش إلا العدم المحض. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وحكوا عن طائفة من المعتزلة وغيرهم إنكار رؤية الله، والنقل بذلك متواتر عمن رأى ربه في المنام، ولكن لعلهم قالوا: لا يجوز أن يعتقد أنه رأى ربه في المنام فيكونون قد جعلوا هذا من أضغاث الأحلام، ويكونون من فرط سلبهم ونفيهم نفوا أن تكون رؤية الله في المنام رؤية صحيحة كسائر ما يرى في المنام، فهذا مما يقوله المتجهمة، وهو باطل مخالف لما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها، بل ولما اتفق عليه عامة عقلاء بني آدم"1. وقال أيضًا: "وإنما يكذب بها أو يحرفها - أي: أحاديث الرؤية في الآخرة - الجهمية، ومن تبعهم من المعتزلة والرافضة ونحوهم، من الذين يكذبون بصفات الله تعالى، وبرؤيته وغير ذلك، وهم المعطلة شرار الخلق والخليقة. ودين الله وسط بين تكذيب هؤلاء بما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآخرة، وبين تصديق الغالية، بأنه يرى بالعيون في الدنيا، وكلاهما باطل"2.   1 نقض تأسيس الجهمية (1/73-74) 2 مجموع الفتاوى 3/391-392. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 الطائفة الثانية: من يثبت الرؤية بإطلاق فيزعم أن الله يرى في الدنيا عياناً، كما يرى في الآخرة عياناً. وهذا يقول به بعض المتصوفة من الاتحادية والحلولية. فأما الاتحادية أهل وحدة الوجود فهم الذين لا يميزون الخالق بصفات تميزه عن المخلوق، ويقولون بأن وجود الخالق هو وجود المخلوق. فعلى سبيل المثال هم يقولون بأن الله هو المتكلم بكل ما يوجد من الكلام، وفي ذلك يقول ابن عربي: ألا كل قول في الوجود كلامه ... سواء علينا نثره ونظامه يعم به أسماع كل مكون ... فمنه إليه بدؤه وختامه1 فيزعمون أنه هو المتكلم على لسان كل قائل. ولا فرق عندهم بين قول فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات 24] {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص 28] وبين القول الذي يسمعه موسى {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه 14] ، بل يقولون: إنه الناطق في كل شيء، فلا يتكلم إلا هو، ولا يسمع إلا هو، حتى قول مسيلمة الكذاب، والدجال، وفرعون، يصرحون بأن أقوالهم هي قوله"2. وهذا قول أصحاب وحدة الوجود كابن عربي، وابن سبعين، وابن الفارض، والعفيف التلمساني. وأصل مذهبهم: أن كل واحد من وجود الحق، وثبوت الخلق يساوى الآخر، ويفتقر إليه، وفي هذا يقول ابن عربي: فيعبدني وأعبده ... ويحمدني وأحمده3 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 ويقول: إن الحق يتصف بجميع صفات العبد المحدثات، وإن المحدث يتصف بجميع صفات الرب، وإنهما شيء واحد؛ إذ لا فرق في الحقيقة بين الوجود والثبوت فهو الموصوف عندهم بجميع صفات النقص والذم والكفر والفواحش والكذب والجهل، كما هو الموصوف عندهم بصفات المجد والكمال فهو العالم والجاهل، والبصير والأعمى، والمؤمن والكافر، والناكح والمنكوح، والصحيح والمريض، والداعي والمجيب، والمتكلم والمستمع، وهو عندهم هوية العالم ليس له حقيقة مباينة للعالم، وقد يقولون: لا هو العالم ولا غيره، وقد يقولون: هو العالم – أيضا - وهو غيره، وأمثال هذه المقالات التي يجمع فيها في المعنى بين النقيضين مع سلب النقيضي"1. وهؤلاء الاتحادية يجمعون بين النفي العام، والإثبات العام، فعندهم أن ذاته لا يمكن أن ترى بحال وليس له اسم ولا صفة ولا نعت، إذ هو الوجود المطلق الذي لا يتعين، وهو من هذه الجهة لا يرى ولا اسم له. ويقولون: إنه يظهر في الصور كلها، وهذا عندهم هو الوجود الاسمي لا الذاتي، ومن هذه الجهة فهو يرى في كل شيء، ويتجلى في كل موجود، لكنه لا يمكن أن ترى نفسه، بل تارة يقولون كما يقول ابن عربي: ترى الأشياء فيه، وتارة يقولون: يرى هو في الأشياء، وهو تجليه في الصور، وتارة يقولون كما يقول ابن سبعين: عين ما ترى ذات لا ترى ... وذات لا ترى عين ما ترى وهم مضطربون؛ لأن ما جعلوه هو الذات عدم محض، إذ المطلق لا وجود   1 بغية المرتاد (ص 408) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 له في الخارج مطلقًا بلا ريب، لم يبق إلا ما سموه مظاهر ومجالي، فيكون الخالق عين المخلوقات لا سواها، وهم معترفون بالحيرة والتناقض مع ما هم فيه من التعطيل والجحود1. وفي هذا يقول ابن عربي: فإن قلت بالتنزيه كنت مقيداً ... وإن قلت بالتشبيه كنت محدداً وإن قلت بالأمرين كنت مسددًا ... وكنت إمامًا في المعارف سيدًا فمن قال بالإشفاع كان مشركًا ... ومن قال بالإفراد كان موحدًا فإياك والتشبيه إن كنت ثانيًا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردًا فما أنت هو بل أنت هو وتراه ... في عين الأمور مسرحا ومقيدًا 2 وأما الفرق بين الاتحاد والحلول، فإن الاتحاد كاتحاد الماء باللبن3، وأما الحلول فكحلول الماء في الإناء4. والقسمة بين الحلولية والاتحادية رباعية، فإن كل واحد من الحلول والاتحاد: إما معين في شخص، وإما مطلق5. قال شيخ الإسلام: "وذلك أن القسمة رباعية؛ لأن من جعل الرب هو العبد حقيقة، فإما أن يقول بحلوله فيه، أو اتحاده به، وعلى التقدرين: فإما أن يجعل ذلك مختصا ببعض الخلق كالمسيح، أو يجعله عاما لجميع الخلق، فهذه أربعة أقسام:   1 المصدر السابق (ص 473) . 2 بغية المرتاد (ص473) 3 مجموع الفتاوى 2/465 4 مجموع الفتاوى 2/171 5 مجموع الفتاوى 2/465 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 الأول: هو الحلول الخاص: وهو قول النسطورية من النصارى ونحوهم ممن يقول: إن اللاهوت حل في الناسوت وتدرع به، كحلول الماء في الإناء، وهؤلاء حققوا كفر النصارى؛ بسبب مخالطتهم للمسلمين، وكان في زمن المأمون؛ وهذا قول من وافق هؤلاء النصارى من غالية هذه الأمة، كغالية الرافضة الذين يقولون: إنه حلَّ بعلي بن أبي طالب، وأئمة أهل بيته، وغالية النُسَّاك الذين يقولون بالحلول في الأولياء، ومن يعتقدون فيه الولاية أو في بعضهم، كالحلاج ويونس والحاكم ونحو هؤلاء. والثاني: هو الاتحاد الخاص: وهو قول يعقوبية النصارى، وهم أخبث قولاً، وهم السودان والقبط، يقولون: إن اللاهوت والناسوت اختلطا وامتزجا كاختلاط اللبن بالماء، وهو قول من وافق هؤلاء من غالية المنتسبين إلى الإسلام. والثالث: هو الحلول العام: وهو قول الذي ذكره أئمة أهل السنة والحديث عن طائفة من الجهمية المتقدمين، وهو قول غالب متعبدة الجهمية الذين يقولون: إن الله بذاته في كل مكان، ويتمسكون بمتشابه من القرآن كقوله {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} [الأنعام 3] وقوله {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد 4] والرد على هؤلاء كثير مشهور في كلام أئمة السنة، وأهل المعرفة وعلماء الحديث. الرابع: الاتحاد العام: وهو قول هؤلاء الملاحدة الذين يزعمون أنه عين وجود الكائنات، وهؤلاء أكفر من اليهود والنصارى من وجهين: من جهة أن أولئك قالوا: إن الرب يتحد بعبده الذي قربه واصطفاه بعد أن لم يكونا متحدين، وهؤلاء يقولون: مازال الرب هو العبد وغيره من المخلوقات ليس هو غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 والثاني من جهة أن أولئك خصوا ذلك بمن عظَّموه كالمسيح، وهؤلاء جعلوا ذلك ساريا في الكلاب والخنازير والأقذار والأوساخ، وإذا كان الله - تعالى - قد قال {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} الآية، فكيف بمن قال: إن الله هو الكفار، والمنافقون، والصبيان، والمجانين، والأنجاس، والأنتان، وكل شيء؟! "1. وأما عن الحلولية، فقد قال الأشعري: "وفي الأمة قوم ينتحلون النسك، يزعمون أنه جائز على الله - تعالى - الحلول في الأجسام، وإذا رأوا شيئا يستحسنونه قالوا: لا ندري، لعله، ربنا. ومنهم من يقول: إنه يرى الله في الدنيا على قدر الأعمال، فمن كان عمله أحسن رأى معبوده أحسن. ومنهم من يجوِّز على الله - تعالى - المعانقة والملامسة والمجالسة في الدنيا، وجوّزوا مع ذلك على الله - تعالى الله عن قولهم - أن نلمسه. ومنهم من يزعم أن الله - سبحانه - ذو أعضاء وجوارح وأبعاض: لحم ودم على صورة الإنسان له ما للإنسان من الجوارح - تعالى ربنا عن قولهم علوا كبيرا. وكان في الصوفية رجل يُعرف بأبي شعيب يزعم أن الله يسر ويفرح بطاعة أوليائه، ويغتم ويحزن إذا عَصَوْهُ. وفي النسَّاك قوم يزعمون أن العبادة تبلغ بهم إلى منزلة تزول عنهم العبادات، وتكون الأشياء المحظورات على غيرهم - من الزنا وغيره - مباحات لهم. وفيهم   1 مجموع الفتاوى 2/171-173. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 من يزعم أن العبادة تبلغ بهم أن يروا الله، ويأكلوا من ثمار الجنة، ويعانقوا الحور العين في الدنيا، ويحاربوا الشياطين، ومنهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم إلى أن يكونوا أفضل من النبيين والملائكة المقربين"1. وعلق شيخ الإسلام على كلام الأشعري بعد أن أورده في منهاج السنة بقوله: "قلت: هذه المقالات التي حكاها الأشعري - وذكروا أعظم منها - موجودة في الناس قبل هذا الزمان. وفي هذا الزمان منهم من يقول بحلوله في الصور الجميلة، ويقول: إنه بمشاهدة الأمرد يشاهد معبوده، أو صفات معبوده، أو مظاهر جماله، ومن هؤلاء من يسجد للأمرد. ثم من هؤلاء من يقول بالحلول والاتحاد العام، لكنه يتعبد بمظاهر الجمال، لما في ذلك من اللذة له، فيتخذ إلهه هواه، وهذا موجود في كثير من المنتسبين إلى الفقر والتصوف. ومنهم من يقول: إنه يرى الله مطلقًا ولا يعيِّن الصورة الجميلة، بل يقولون إنهم يرونه في صور مختلفة. ومنهم من يقول: إن المواضع المخضرَّة خطا عليها، وإنما اخضرت من وطئه عليها، وفي ذلك حكايات متعددة يطول وصفها. وأما القول بالإباحة وحل المحرمات - أو بعضها - للكاملين في العلم والعبادة فهذا أكثر من الأول، فإن هذا قول أئمة الباطنية القرامطة الإسماعيلية، وغير الإسماعيلية، وكثير من الفلاسفة، ولهذا يُضرب بهم المثل فيقال: فلان يستحل دمي، كاستحلال الفلاسفة محظورات الشرائع، وقول كثير ممن ينتسب إلى التصوف والكلام، وكذلك من يفضل نفسه أو متبوعه على الأنبياء، موجود كثير في الباطنية والفلاسفة وغلاة المتصوفة وغيرهم، وبسط الكلام على هذا له موضع آخر.   1 مقالات الإسلاميين ص 288-289. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 ففي الجملة هذه مقالات منكرة باتفاق علماء السنة والجماعة، وهي - وأشنع منها - موجودة في الشيعة. وكثير من النسَّاك يظنون أنهم يرون الله في الدنيا بأعينهم، وسبب ذلك أنه يحصل لأحدهم في قلبه بسبب ذكر الله - تعالى - وعبادته من الأنوار ما يغيب به عن حسه الظاهر، حتى يظن أن ذلك شيء يراه بعينه الظاهرة، وإنما هو موجود في قلبه. ومن هؤلاء من تخاطبه تلك الصورة التي يراها خطاب الربوبية ويخاطبها أيضًا بذلك، ويظن أن ذلك كله موجود في الخارج عنه، وإنما هو موجود في نفسه، كما يحصل للنائم إذا رأى ربه في صورة بحسب حاله. فهذه الأمور تقع كثيرًا في زماننا وقبله، ويقع الغلط منهم حيث يظنون أن ذلك موجود في الخارج. وكثير من هؤلاء يتمثل له الشيطان، ويرى نورًا أو عرشا أو نورًا على العرش، ويقول: أنا ربك. ومنهم من يقول: أنا نبيك، وهذا قد وقع لغير واحد. ومن هؤلاء من تخاطبه الهواتف بخطاب على لسان الإلهية أو غير ذلك، ويكون المخاطب له جنيًّا، كما قد وقع لغير واحد. لكن بسط الكلام على ما يُرى ويُسمع وما هو في النفس والخارج، وتمييز حقه من باطله ليس هذا موضعه، وقد تكلمنا عليه في غير هذا الموضع. وكثير من الجهَّال أهل الحال وغيرهم يقولون: إنهم يرون الله عيانًا في الدنيا، وأنه يخطو خطوات"1.   1 منهاج السنة (2/622-625) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 وقال ابن القيم: "ومن ظنَّ من القوم أن كشف العين ظهور الذات المقدسة لعيانه حقيقة فقد غلط أقبح الغلط. وأحسن أحواله: أن يكون صادقًا ملبوسًا عليه. فإن هذا لم يقع في الدنيا لبشر قط، وقد منع منه كليم الرحمن صلى الله عليه وسلم. وقد اختلف السلف والخلف: هل حصل هذا لسيد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه؟ فالأكثرون على أنه لم ير الله سبحانه، وحكاه عثمان بن سعيد الدارمي إجماعًا من الصحابة. فمن ادعى كشف العيان البصري عن الحقيقة الإلهية فقد وهم وأخطأ، وإن قال: إنما هو كشف العيان القلبي، بحيث يصير الرب سبحانه كأنه مرئي للعبد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "أن تعبد الله كأنك تراه" فهذا حق، وهو قوة يقين، ومزيد علم فقط. نعم، قد يظهر له نور عظيم، فيتوهم أن ذلك نور الحقيقة الإلهية، وأنها قد تجلت له، وذلك غلط أيضاً، فإن نور الرب – تعالى – لا يقوم له شيء، ولما ظهر للجبل منه أدنى شيء ساخ وتدكدك، وقال ابن عباس في قوله تعالى {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} قال: "ذاك نوره الذي هو نوره إذا تجلى به لم يقم له شيء". وهذا النور الذي يظهر للصادق: هو نور الإيمان الذي أخبر الله عنه في قوله {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ} قال أبي بن كعب: "مثل نوره في قلب المؤمن" فهذا نور يضاف إلى الرب، ويقال هو نور الله كما أضافه الله - سبحانه - إلى نفسه، والمراد: نور الإيمان الذي جعله الله له خلقًا وتكوينًا كما قال تعالى {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} فهذا النور إذا تمكن من القلب، وأشرق فيه: فاض على الجوارح. فيرى أثره في الوجه والعين، ويظهر في القول والعمل. وقد يقوى حتى يشاهده صاحبه عياناً؛ وذلك لاستيلاء أحكام القلب عليه، وغيبة أحكام النفس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 والعين شديدة الارتباط بالقلب تظهر ما فيه، فتقوى مادة النور في القلب ويغيب صاحبه بما في قلبه عن أحكام حسه. بل وعن أحكام العلم فينتقل من أحكام العلم إلى أحكام العيان. وسر المسألة: أن أحكام الطبيعة والنفس شيء، وأحكام القلب شيء، وأحكام الروح شيء، وأنوار العبادات شيء، وأنوار استيلاء معاني الصفات والأسماء على القلب شيء، وأنوار الذات المقدسة شيء وراء ذلك كله. فهذا الباب يغلط فيه رجلان، أحدهما: غليظ الحجاب، كثيف الطبع والآخر: قليل العلم، يلتبس ما في ذهنه بما في الخارج، ونور المعاملات بنور رب الأرض والسموات {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} "1. وقال أيضًا: "والرب - تبارك وتعالى - وراء ذلك كله، منزه مقدس عن اطلاع البشر على ذاته، أو أنوار ذاته، أو صفاته، أو أنوار صفاته. وإنما هي الشواهد التي تقوم بقلب العبد، كما يقوم بقلبه شاهد من شواهد الآخرة والجنة والنار، وما أعد الله لأهلهما"2. وقال أيضًا: "فإن نور الجلال في القلب ليس هو نور ذي الجلال في الخارج. فإن ذلك لا تقوم له السموات والأرض؛ ولو ظهر للوجود لتدكدك، لكنه شاهد دال على ذلك، كما أن المثل الأعلى شاهد دال على الذات. والحق وراء ذلك كله، منزه عن حلول واتحاد، وممازجة لخلقه؛ وإنما تلك رقائق وشواهد تقوم بقلب العارف، تدل على قرب الألطاف منه في عالم الغيب حيث يراها، وإذا فني فإنما يفنى بحال نفسه لا بالله ولا فيه، وإذا بقي فإنما يبقى بحاله هو   1 مدارج السالكين 3/229-230 2 مدارج السالكين 3/249 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 ووصفه، لا ببقاء ربه وصفاته، ولا يبقى بالله إلا الله، ومع ذلك فالوصول حق يجد الواصل آثار تجلي الصفات في قلبه، وآثار تجلي الحق في قلبه. ويوقف القلب فوق الأكوان كلها بين يدي الرب - تعالى - وهو على عرشه، ومن يكاشف بآثار الجلال والإكرام فيجد العرش والكرسي تحت مشهد قلبه حكما، وليس الذي يجده تحت قلبه حقيقة العرش والكرسي بل شاهد ومثال علمي يدل على قرب قلبه من ربه، وقرب ربه من قلبه، وبين الذوقين تفاوت فإذا قرب الرب - تعالى - من قلب عبده بقيت الأكوان كلها تحت مشهد قلبه، وحينئذ يطلع في أفقه شمس التوحيد فينقشع بها ضباب وجوده ويضمحل ويتلاشى، وذاته وحقيقته موجودة بائنة عن ربه، وربه بائن عنه، فحينئذ يغيب العبد عن نفسه ويفنى، وفي الحقيقة هو باق غير فان، ولكنه ليس في سره غير الله قد فني فيه عن كل ما سواه. نعم، قد يتفق له في هذه الحالة أن لا يجد شيئا غير الله؛ فذلك لاستغراق قلبه في مشهوده وموجوده، ولو كان ذلك في نفس الأمر لكان العبد في هذه الحال خلقا بارئا مصورا أزليا أبديا. فعليك بهذا الفرقان، واحذر فريقين هما أعدى عدو لهذا الشأن فريق الجهمية المعطلة التي ليس عندها فوق العرش إلا العدم المحض، فشَمُّ رائحة هذا المقام من أبعد الأمكنة حرام عليها، وفريق أهل الاتحاد القائلين بوحدة الوجود وأن العبد ينتهي في هذا السفر إلى أن يشهد وجوده هو عين وجود الحق جل جلاله، وعيشك بجهلك خير من معرفة هاتين الطائفتين، وانقطاعك مع الشهوات خير من أن تكون معهما1 والله المستعان وعليه التكلان"2.   1 في الأصل (خيرك معهما) . 2 مدارج السالكين 3/382-383. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 الطائفة الثالثة: من نفى الرؤية العيانية في الدنيا، وأثبتها في الآخرة وذلك في عرصات يوم القيامة، وفي الجنة. وهذا قول أهل السنة والجماعة. قال الإمام البربهاري: "ومن زعم أنه يرى ربه في دار الدنيا؛ فهو كافر بالله عز وجل"1. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكذلك كل من ادعى أنه رأى ربه بعينه قبل الموت فدعواه باطلة باتفاق أهل السنة والجماعة، لأنهم اتفقوا جميعًا على أن أحدًا من المؤمنين لا يرى ربه بعيني رأسه حتى يموت. وثبت ذلك في صحيح مسلم عن النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه لما ذكر الدجال قال: "واعلموا أن أحداً منكم لن يرى ربه حتى يموت" 2. كذلك روي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أخر، يحذر أمته فتنة الدجال، بين لهم أن أحدًا منهم لن يرى ربه حتى يموت، فلا يظن أحد أن هذا الدجال الذي رآه هو ربه. ولكن الذي يقع لأهل حقائق الإيمان من المعرفة بالله ويقين القلوب ومشاهدتها وتجليتها هو على مراتب كثيرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل - عليه السلام - عن الإحسان قال: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"3.   1 شرح السنة ص 84. 2 سبق تخريجه. 3 جزء من حديث جبريل المشهور أخرجه البخاري في صحيحه ص 14 كتاب الإيمان باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان ... رقم 50. (ط دار السلام) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 وقد يحصل لبعض الناس في اليقظة – أيضاً - من الرؤيا نظير ما يحصل للنائم في المنام، فيرى بقلبه مثل ما يرى النائم. وقد يتجلى له من الحقائق ما يشهده بقلبه، فهذا كله يقع في الدنيا. وربما غلب أحدهم ما يشهده قلبه وتجمعه حواسه فيظن أنه رأى ذلك بعيني رأسه، حتى يستيقظ فيعلم أنه منام، وربما علم في المنام أنه منام. فهكذا من العباد من يحصل له مشاهدة قلبية تغلب عليه حتى تفنيه عن الشعور بحواسه، فيظنها رؤية بعينه وهو غلط في ذلك، وكل من قال من العباد المتقدمين أو المتأخرين أنه رأى ربه بعيني رأسه فهو غالط في ذلك بإجماع أهل العلم والإيمان. نعم، رؤية الله بالأبصار هي للمؤمنين في الجنة، وهي أيضًا للناس في عرصات القيامة، كما تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس في الظهيرة ليس دونها سحاب، وكما ترون القمر ليلة البدر صحوًا ليس دونه سحاب" 1"2. " ... وهذه الأحاديث وغيرها في الصحاح، وقد تلقاها السلف والأئمة بالقبول، واتفق عليها أهل السنة والجماعة، وإنما يكذب بها أو يحرفها الجهمية ومن تبعهم من المعتزلة والرافضة ونحوهم من الذين يكذبون بصفات الله - تعالى - وبرؤيته وغير ذلك، وهم المعطلة شرار الخلق والخليقة. ودين الله وسط بين تكذيب هؤلاء بما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآخرة، وبين تصديق الغالية، بأنه يرى بالعيون في الدنيا، وكلاهما باطل.   1 حديث متواتر. 2 مجموع الفتاوى 3/389-390. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 وهؤلاء الذين يزعم أحدهم أنه يراه بعيني رأسه في الدنيا هم ضلال كما تقدم، فإن ضموا إلى ذلك أنهم يرونه في بعض الأشخاص، إما بعض الصالحين، أو بعض المردان، أو بعض الملوك أو غيرهم، عظم ضلالهم وكفرهم، وكانوا حينئذ أضل من النصارى الذين يزعمون أنهم رأوه في صورة عيسى بن مريم. بل هم أضل من أتباع الدجال الذي يكون في آخر الزمان، ويقول للناس أنا ربكم. فهذا - أي الدجال - ادعى الربوبية وأتى بشبهات فتن بها الخلق، حتى قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، واعلموا أن أحدًا منكم لن يرى ربه حتى يموت"1، فذكر لهم علامتان ظاهرتين يعرفهما جميع الناس، لعلمه صلى الله عليه وسلم بأن من الناس من يضل فيُجَوِّز أن يرى ربه في الدنيا في صورة البشر، كهؤلاء الضلال الذين يعتقدون ذلك، وهؤلاء قد يسمون (الحلولية) و (الاتحادية) "2. فهؤلاء الضلال الكفار الذين يزعم أحدهم أنه يرى ربه بعينه، وربما زعم أنه جالسه وحادثه أو ضاجعه، وربما يعين أحدهم آدميًا إما شخصًا، أو صبيًا، أو غير ذلك، ويزعم أنه كلمهم. يستتابون، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم وكانوا كفارًا، إذ هم أكفر من اليهود والنصارى الذين قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم، فإن المسيح رسول كريم وجيه عند الله في الدنيا والآخرة ومن المقربين، فإذا كان الذين قالوا: إنه هو الله، وإنه اتحد به أو حل فيه قد كفرهم وعظم كفرهم، بل الذين قالوا أنه اتخذ ولدًا حتى قال {وَقَالُوا   1 سبق تخريجه في بداية البحث. 2 مجموع الفتاوى 3/391-392. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أن أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} [مريم 88-93] ، فكيف بمن يزعم في شخص من الأشخاص أنه هو؟ هذا أكفر من الغالية الذين يزعمون أن عليًا - رضي الله عنه -، أو غيره من أهل البيت هو الله. وهؤلاء هم الزنادقة الذين حرقهم علي - رضي الله عنه - بالنار، وأمر بأخاديد خدت لهم عند باب كنده، وقذفهم فيها بعد أن أجلهم ثلاثًا ليتوبوا، فلما لم يتوبوا أحرقهم بالنار، واتفقت الصحابة - رضي الله عنهم - على قتلهم، لكن ابن عباس - رضي الله عنهما - كان مذهبه أن يقتلوا بالسيف بلا تحريق، وهو قول أكثر العلماء، وقصتهم معروفة عند العلماء"1.   1 مجموع الفتاوى 3/393-394 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 الخاتمة بعد هذا العرض لمسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه، ولبعض المسائل المتعلقة بها أعرض أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذا البحث فأقول: أولاً: بالنسبة لرؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة المعراج فإن الأدلة التي استعرضانها في المبحث الخاص بهذه المسألة ليست قاطعة، وغالبها مبني على الاجتهاد مما يصعب مهمة الترجيح بينها، لكن الذي تطمئن إليه النفس هو ترجيح مذهب من جمع بين أقوال الصحابة ومن بعدهم من نفي وقوع الرؤية البصرية، وأن الرؤية التي أثبتها بعضهم إنما المراد بها الرؤية القلبية، وهو مذهب جماعة من المحققين على رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية وابن كثير وابن حجر - رحمهم الله جميعا - وغيرهم. ثانياً: أما بالنسبة لرؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في المنام فإن هذه المسألة متفق على وقوعها له صلى الله عليه وسلم وجواز وقوعها لغيره من البشر، ولم يقع نزاع في ذلك بين أهل السنة والجماعة. ثالثاً: أما الرؤية العيانية في الدنيا فقد اتفق أهل السنة والجماعة على عدم وقوعها لأحد لا للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لغيره، وأن كل الأحاديث التي تروى في هذه المسألة فهي موضوعة لا يصح منها شيء. وكل ما يدعيه الصوفية خاصة، ومن نحا نحوهم من رؤيتهم الله -تبارك وتعالى- عيانًا في هذه الدنيا فإنه كذب محض ولا أساس له من الصحة. فإن هذا مما وقع الاتفاق على عدم وقوعه لأحد كما سبق. وفي الختام فهذا جهدي أقدمه لإخواني القراء، فما كان فيه من صواب فمن الله وحده، وما كان فيه من خطأ فمني وأستغفر الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 مصادر ومراجع ... قائمة المصادر والمراجع الأسماء والصفات، أحمد بن حسين البيهقي، تحقيق عبد الله بن محمد الحاشدي، مكتبة السوادي للتوزيع، جدة، المملكة العربية السعودية، ط1، 1413هـ/1993م. أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن، محمد الأمين الشنقيطي، مطبعة المدني، مصر. أعلام الموقعين عن رب العالمين، محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، مصر، 1388هـ. الإبانة عن أصول الديانة، أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، تحقيق عبد القادر الأرنؤوط، مكتبة دار البيان، دمشق، سوريا، ط1، 1401هـ/1981م. إبطال التأويلات لأخبار الصفات، أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن الفراء، تحقيق محمد بن حمد الحمود، مكتبة دار الإمام الذهبي، الكويت، ط1، 1401هـ. اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية، ابن قيم الجوزية محمد بن أبي بكر، تحقيق د/ عواد عبد الله المعتق، مكتبة الرشد، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط2، 1415هـ/1995. الإشارة إلى سيرة المصطفى، الحافظ مغلطاي، تحقيق محمد نظام الدين الفتيح، دار القلم، دمشق سوريا، الدار الشامية بيروت لبنان، ط1، 1416هـ، 1996م. الإصابة في تمييز الصحابة، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، ابن القيم، مكتبة المعارف، الرياض. الإيمان، محمد بن إسحاق بن يحيى بن منده، تحقيق د/علي بن محمد ناصر الفقيهي، من مطبوعات المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية. اختيار الأولى شرح حديث اختصام الملأ الأعلى - ابن رجب الحنبلي - تحقيق حسين الجمل، مؤسسة الكتب الثقافية بيروت لبنان ط1، 1407هـ. البحر المحيط، أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي، تحقيق مجموعة من الباحثين، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، ط1، 1413هـ، 1993م. البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي، مكتبة المعارف، بيروت، لبنان، ط4، 1401هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (نقض تأسيس الجهمية) ، شيخ الإسلام بن تيمية أحمد بن عبد الحليم، مطبعة الحكومة، مكة المكرمة، المملكة العربية السعودية، ط1، 1391هـ. التاريخ الأوسط، محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق محمد بن إبراهيم اللحيدان، دار الصميعي، الرياض، ط1، 1418هـ، 1998م. التاريخ الكبير، عبد الله بن إسماعيل البخاري، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، لبنان، 1407هـ. تاريخ بغداد، أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. تاريخ دمشق، علي بن الحسن بن عساكر، تحقيق: محب الدين العمروي، دار الفكر، بيروت، لبنان، 1415هـ. التبيان في أقسام القرآن، محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية. تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، أبو الحجاج يوسف المزي، تحقيق عبد الصمد شرف الدين، الدار القيمة، بمباي الهند، ط2، 1403هـ، 1983م. تحفة المريد بشرح جوهرة التوحيد، إبراهيم اللقاني، دار الكتب العلمية، لبنان. التدوين في أخبار قزوين، عبد الكريم الرافعي، تحقيق عزيز الله العطاردي، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، 1408هـ، 1987م. تفسير القرآن العظيم، عبد الرحمن ابن أبي حاتم، تحقيق أسعد محمد الطيب، مكتبة نزار الباز، مكة المكرمة، ط1، 1417هـ، 1997م. تفسير القرآن، إسحاق بن إبراهيم البستي، تحقيق عثمان معلم محمود شيخ علي، رسالة دكتوره بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة. تفسير الحسن البصري، جمع د/ شير علي شاه، الجامعة العربية، كراتشي باكستان، ط1، 1413هـ، 193م. تفسير القرآن، أبو المظفر السمعاني، تحقيق ياسر بن إبراهيم وغنيم غنيم، دار الوطن، الرياض، ط1، 1418هـ، 1997م. التفسير الكبير، فخر الدين محمد بن عمر الرازي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 تفسير النسائي، جمع صبري عبد الخالق الشافعي وآخر، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت لبنان، ط1، 1410هـ، 1990م. تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن كثير، دار المعرفة، بيروت، لبنان. تقريب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: أبو الأشبال صغير أحمد شاغف الباكستاني، دار العاصمة، ط1، 1416هـ. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، أبو عمرو يوسف بن عبد الله بن عبد البر، تحقيق: عبد الله بن الصديق، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية، ط2، 1399هـ/1979م. تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة، أبو الحسن علي بن محمد بن عراق، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف وعبد الله محمد الصديق، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط2، 1401هـ. التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل، عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية، الرياض، 1403هـ، 1983م. تهذيب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، مجلس دائرة المعارف النظامية، الهند، ط1، 1325. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، أبو الحجاج يوسف المزي، تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط5، 1415هـ/1994م. التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل، محمد بن إسحاق بن خزيمة، تحقيق: عبد العزيز بن إبراهيم الشهوان، مكتبة الرشد، الرياض، ط1، 1408هـ. التوحيد ومعرفة أسماء الله وصفاته على الاتفاق والتفرق، ابن مندة، تحقيق: د/علي بن محمد بن ناصر فقيهي، الجامعة الإسلامية، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية. الثقات، محمد بن حبان البستي، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الهند. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمد بن جرير الطبري، تحقيق: محمود محمد شاكر، شركة ومكتبة مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط3. الجامع الصحيح، محمد بن إسماعيل البخاري، دار السلام، الرياض، ط1، 1417 هـ، 1997م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 الجامع الصحيح، محمد بن إسماعيل البخاري، طبعة دار السلام، الرياض، المملكة العربية السعودية. حاشية الصاوي على تفسير الجلالين، أحمد الصاوي المالكي، دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان. الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة، قوام السنة إسماعيل بن محمد الأصبهاني، تحقيق: محمد بن ربيع بن هادي المدخلي، دار الراية، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط1، 1411هـ/1990م. الدر المنثور في التفسير بالمأثور، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، دار المعرفة، بيروت، لبنان. درء تعارض العقل والنقل، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق: د/ محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض، المملكة العرببة السعودية. الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج، جلال الدين السيوطي، تحقيق أبو إسحاق الحويني، دار ابن عفان، الخبر، ط1، 1416هـ، 1996م. ذيل طبقات الحنابلة، عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، طبع بذيل طبقات الحنابلة. الرؤية، علي بن عمر الدارقطني، تحقيق: مبروك إسماعيل مبروك، مكتبة القرآن، القاهرة، مصر. الرد على الجهمية، عثمان بن سعيد الدارمي، ضمن مجموعة عقائد السلف، منشأة المعارف، الإسكندرية، مصر. الرد على المريسي، عثمان بن سعيد الدارمي، ضمن مجموعة عقائد السلف، منشأة المعارف، الإسكندرية، مصر. الرد على من يقول القرآن مخلوق، أحمد بن النجاد، تحقيق: رضا الله محمد إدريس، مكتبة الصحابة، الكويت، 1400هـ. الروايتين والوجهين (مسائل من أصول الديانات، أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء، تحقيق سعود الخلف، دار البخاري، المدينة النبوية. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، أبي الفضل شهاب الدين محمود البغدادي الآلوسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 زاد المعاد في هدى خير العباد، ابن قيم الجوزية، محمد بن أبي بكر، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط14، 1407هـ. سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، محمد بن يوسف الصالحي، تحقيق عادل عبد الموجود وآخر، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، ط1، 1414هـ. السنة، أبو بكر عمرو بن أبي عاصم، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط1، 1400هـ. السنة، أحمد بن محمد بن هارون الخلال، تحقيق: د/عطية الزهراني، دار الراية، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط1، 1410هـ. السنة، عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل، تحقيق: د/محمد بن سعيد القحطاني، دار ابن القيم، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط1، 1406هـ. السنن (مع شرح السيوطي، وحاشية السندي) ، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر النسائي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. السنن، أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي، تعليق عزت عبيد الدعاس وعادل السيد، نشر وتوزيع محمد علي السيد، حمص، ط1، 1388هـ. السنن، أبو عبد الله، محمد بن يزيد بن ماجه القزويني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. السنن، أبو عيسى، محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، تحقيق: أحمد شاكر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. السنن، عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. سير أعلام النبلاء، محمد بن أحمد بت عثمان الذهبي، تحقيق: مجموعة من العلماء، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط2، 1402هـ. شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، هبة الله بن الحسن الطبري اللالكائي، تحقيق: د/أحمد سعد حمدان، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط1. شرح السنة، حسين بن مسعود بن محمد البغوي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وزهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، 1394هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز الحنفي، تحقيق: الشريعة، محمد بن الحسين الآجري، تحقيق: د/ عبد الله بن عمر الدميجي، دار الوطن، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط1، 1418هـ/1997م. الشفا بمعرفة حقوق المصطفى، القاضي عياض، تحقيق علي محمد البجاوي، دار الكتاب العربي، بيروت لبنان، 1404هـ، 1984م. صحيح ابن حبان، ترتيب ابن بلبان علاء الدين الفارسي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. صحيح مسلم بشرح النووي، مسلم بن الحجاج القشيري، دار الفكر، بيروت، لبنان، ط2، 1399هـ. ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بريوت، لبنان، ط1، 1400هـ. العرش، محمد بن عثمان ابن أبي شيبة، تحقيق محمد بن خليفة التميمي، مكتبة الرشد، الرياض، ط1، 1418هـ، 1998م. العلل، علي بن عمر الدارقطني، نحقيق محفوظ الرحمن السلفي، دار طيبة، الرياض، ط1، 1406هـ، 1986م. العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، أبو الفرج، عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، تحقيق: إرشاد الحق الأثري، دار العلوم الأثرية، فيصل أباد، باكستان، ط2، 1401هـ. الغنية لطالبي طريق الحق، عبد القادر الجيلاني، شركة البابي الحلبي، القاهرة، مصر، ط3، 1375هـ. فتح الباري، محمد بن علي بن حجر العسقلاني، المكتبة السلفية، القاهرة، مصر. فتح الملهم، بشير أحمد الديوبندي، مكتبة الحجاز، كراتشي باكستان. الفتوحات الإلهية، سليمان بن عمر العجيلي، المكتبة التجارية الكبرى، مصر. الفصول في اختصار سيرة الرسول، إسماعيل بن كثير، مطبعة العلوم، ط1، 1357هـ. الفوائد المجموعة من الأحاديث الموضوعة، محمد بن علي الشوكاني، نحقيق عبد الرحمن المعلمي، مطبعة السنة المحمدية، 1397هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 الكامل في ضعفاء الرجال، أبو أحمد، عبد الله بن عدي الجرجاني، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، ط1، 1404هـ. الكتاب اللطيف لشرح مذاهب أهل السنة، عمر بن أحمد بن شاهين، تحقيق: عبد الله بن محمد البصيري، مكتبة الغرباء، المدينة النبوية، ط1، 1416هـ. كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة، علي بن أبي بكر الهيثمي، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط1، 1399هـ. كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، علاء الدين علي بن لامتقى بن حسام الدين الهندي، مؤسسة الرسالة، 1399هـ. اللآلئي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط3، 1401هـ. لسان الميزان، علي بن حجر العسقلاني، مصورة عن طبعة دائرة المعارف بالهند، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط2، 1390هـ. لوامع الأنوار البهية، محمد بن أحمد الفارييني، مطبعة المدني. المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين، أبو حاتم، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان البستي، تحقيق: محمد إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب، سوريا، ط1، 1396هـ. مجمع البحرين في زوائد المعجمين، نور الدين الهيثمي، تحقيق عبد القدوس محمد نذير، مكتبة الرشد، الرياض، ط1، 1413هـ، 1992م. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 1402هـ. مجموع الفتاوى، شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، دار العربية، بيروت، لبنان. المحرر الوجيز، عبد الحق بن غالب بن عطية، تحقيق المجلس العلمي بفاس، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، 1395هـ، 1975م. مدارج السالكين، ابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 1972م. المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة، عبد اله بن سلمان الأحمدي، دار طيبة، الرياض، ط2، 1416هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله، محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، دار الفكر، بيروت، لبنان، 1398هـ. المسند (البحر الزخار) ، البزار، تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله، مؤسسة علوم القرآن، بيروت، لبنان، ط1، 1409هـ. المسند، الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، دار صادر، بيروت، لبنان. مصنف عبد الرزاق، عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، ط2، 1403هـ. معالم التنزيل، الحسن بن مسعود البغوي، مطابع المنار، ط1. المعجم الأوسط، سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق: طارق بن عوض الله وعبد المحسن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين، القاهرة، مصر، 1416هـ. المعجم الكبير، أبو القاسم، سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، الدار العربية، بغداد، العراق، ط1. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي، تحقيق مجموعة من الباحثين، دار ابن كثير ودار الكلم الطيب، دمشق سوريا، ط1، 1417هـ، 1996م. مقالات الإسلاميين، أبو الحسن، علي بن إسماعيل الأشعري، تحقيق: محمد محيى الدين، مكتبة النهضة، مصر، 1389هـ. منهاج السنة، شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، طبع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، المملكة العربية السعودية. المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، أحمد بن محمد القسطلاني، تحقيق صالح أحمد الشامي، المكتب الإسلامي، بيروت لبنان، ط1، 1412هـ، 1991م. الموضوعات، عبد الرحمن بن محمد بن الجوزي، تحقيق نور الدين بويا جيلار، أضواء السلف، الرياض، ط1، 1418هـ، 1997م. ميزان الاعتدال، محمد بن أحمد عثمان الذهبي، تحقيق: علي البجاوي، دار المعرفة، بيروت، لبنان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110