الكتاب: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ) الناشر: مطبعة المدني، القاهرة عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ابن القيم الكتاب: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ) الناشر: مطبعة المدني، القاهرة عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] مقدمة ... حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ابن قيم الجوزية بسم الله الرحمن الرحيم وبه الإعانة الحمد لله الذي جعل جنة الفردوس لعباده المؤمنين نزلا ويسرهم للأعمال الصالحة الموصلة إليها فلم يتخذوا سواها شغلا, وسهل لهم طرقها فسلكوا السبيل الموصلة إليها ذللا خلقها لهم قبل أن يخلقهم وأسكنهم إياها قبل إن يوجدهم وحفها بالمكاره وأخرجهم إلى دار الامتحان ليبلوهم أيهم أحسن عملا وجعل ميعاد دخولها يوم القدوم عليه وضرب مدة الحياة الفانية دونه أجلا وأودعها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وجلاها لهم حتى عاينوها بعين البصيرة التي هي أنفذ من رؤية البصر وبشرهم بما أعد لهم فيها على لسان رسوله فهي خير البُشر على لسان خير البشر وكمّل لهم البشرى بكونهم خالدين فيها لا يبغون عنها حولا. والحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا وباعث الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل إذ لم يخلقهم عبثا ولم يتركهم سدى ولو يغفلهم هملا بل خلقهم لأمر عظيم وهيأهم لخطب جسيم وعمّر لهم دارين فهذه لمن أجاب الداعي ولم يبغ سوى ربه الكريم بدلا وهذه لمن لم يجب دعوته ولم يرفع بها رأسا ولم يعلق بها أملا. والحمد لله الذي رضي من عباده باليسير من العمل وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل وأفاض عليهم النعمة وكتب على نفسه الرحمة وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه دعا عباده إلى دار السلام فعمّهم بالدعوة حجة منه عليهم وعدلا وخص بالهداية والتوفيق من شاء نعمة ومنة وفضلا فهذا عدله وحكمته وهو العزيز الحكيم وذلك فضله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبده وابن عبده وابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 أمته ومن لا غنى به طرفة عين فضله ورحمته ولا مطمع له في الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا بعفوه ومغفرته. وأشهد أن محمد عبده ورسوله وأمينة على وحيه وخيرته من خلقه أرسله رحمة للعالمين وقدوة للعاملين ومحجة للسالكين وحجة على العباد أجمعين بعثه للإيمان مناديا وإلى دار السلام داعيا وللخليقة هاديا ولكتابه تاليا وفي مرضاته ساعيا وبالمعروف آمرا وعن المنكر ناهيا أرسله على حين فترة من الرسل فهدى به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل وافترض على العباد طاعته ومحبته وتعزيزه وتوقيره والقيام بحقوقه وسد إلى الجنة جميع الطرق فلم يفتحها لأحد إلا من طريقه فلو أتوا من كل طريق واستفتحوا من كل باب لما فتح لهم حتى يكونوا خلفه من الداخلين وعلى منهاجه وطريقته من السالكين. فسبحان من شرح له صدره ووضع عنه وزره ورفع له ذكره وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره فدعا إلى الله وإلى جنته سرا وجهارا وأذّن بذلك بين أظهر الأمة ليلا ونهارا إلى أن طلع فجر الإسلام وأشرقت شمس الإيمان وعلت كلمة الرحمن وبطلت دعوة الشيطان وأضاءت بنور رسالته الأرض بعد ظلماتها وتألفت به القلوب بعد تفرقها وشتاتها فأشرق وجه الدهر حسنا وأصبح الظلام ضياء واهتدى كل حيران فلما كمل الله به دينه وأتم به نعمته ونشر به على الخلائق رحمته فبلغ رسالات ربه ونصح عباده وجاهد في الله حق جهاده خيّره بين المقام في الدنيا وبين لقائه والقدوم عليه فاختار لقاء ربه محبة له وشوقا إليه فاستأثر به ونقله إلى الرفيق الأعلى والمحل الأرفع الأسنى وقد ترك أمته على الواضحة الغراء والمحجة البيضاء فسلك أصحابه وأتباعه على أثره إلى جنات النعيم وعدل الراغبون عن هديه إلى طرق الجحيم: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} . فصلى الله وملائكته وأنبياؤه ورسله وعباده المؤمنون عليه كما وحد الله وعبده وعرّفنا به ودعا إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 أما بعد فإن الله سبحانه وتعالى لم يخلق خلقه عبثا ولم يتركهم سدى بل خلقهم لأمر عظيم وخطب جسيم عُرض على السماوات والأرض والجبال فأبين وأشفقن منه إشفاقا ووجلا وقلن ربنا إن أمرتنا فسمعا وطاعة وان خيرتنا فعافيتك نريد لا نبغي بها بدلا وحمله الإنسان على ضعفه وعجزه عن حمله وباء به على ظلمه وجهله فألقى أكثر الناس الحمل عن ظهورهم لشدة مؤنته عليهم وثقله فصحبوا الدنيا صحبة الأنعام السائمة لا ينظرون في معرفة موجدهم وحقه عليهم ولا في المراد من إيجادهم وإخراجهم إلى هذه الدار التي هي طريق ومعبر إلى دار القرار ولا يتفكرون في قلة مقامهم في الدنيا الفانية وسرعة رحيلهم إلى الآخرة الباقية فقد ملكهم باعث الحس وغاب عنهم داعي العقل وشملتهم الغفلة وغرتهم الأماني الباطلة والخدع الكاذبة فخدعهم طول الأمل وران على قلوبهم سوء العمل فهمّهم في لذات الدنيا وشهوات النفوس كيف حصلت حصولها ومن أي وجه لاحت أخذوها إذا بدا لهم حظ من الدنيا بآخرتهم طاروا إليه زرافات ووحدانا وإذا عرض لهم عاجل من الدنيا لم يؤثروا عليه ثوابا من الله ولا رضوانا: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} {فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} . والعجب وكل العجب من غفلة من لحظاته معدودة عليه وكل نفس من أنفاسه لا قيمة له إذا ذهب لم يرجع إليه فمطايا الليل والنهار تسرع به ولا يتفكر إلى أين يحمل ويسار به أعظم من سير البريد ولا يدري إلى أي الدارين ينقل فإذا نزل به الموت أشتد قلقه لخراب ذاته وذهاب لذاته لا لما سبق من جناياته وسلف من تفريطه حيث لم يقدم لحياته فإذا خطرت له خطرة عارضة لما خلق له دفعها باعتماده على العفو وقال قد أنبئنا أنه هو الغفور الرحيم وكأنه لم ينبأ أن عذابه هو العذاب الأليم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 فصل ولما علم الموفقون ما خلقوا له وما أريد بإيجادهم رفعوا رؤوسهم فإذا علم الجنة قد رفع لهم فشمروا إليه وإذا صراطها المستقيم قد وضح لهم فاستقاموا عليه ورأوا من أعظم الغبن بيع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر في أبدلا يزول ولا ينفذ بصبابة عيش إنما هو كأضغاث أحلام أو كطيف زار في المنام مشوب بالنغص ممزوج بالغصص إن أضحك قليلا أبكى كثيرا وإن سر يوما أحزن شهورا ألآمه تزيد على لذّاته وأحزانه أضعاف مسراته وله مخاوف وآخره متآلف فيا عجبا من سفيه في صورة حليم ومعتوه في مسلاخ عاقل آثر الحظ الفاني الخسيس على الحظ الباقي النفيس وباع جنة عرضها السماوات والأرض بسجن ضيق بين أرباب العاهات والبليات ومساكن طيبة في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار بأعطان ضيقة آخرها الخراب والبوار وأبكارا عرابا أترابا كأنهن الياقوت والمرجان بقذرات دنسات سيئات الأخلاق مسافحات أو متخذات أخدان وحورا مقصورات في الخيام بخبيثات مسيبات بين الأنام وأنهارا من خمر لذة للشاربين بشراب نجس مذهب للعقل مفسد للدنيا والدين ولذة النظر إلى وجه العزيز الرحيم بالتمتع برؤية الوجه القبيح الذميم وسماع الخطاب من الرحمن بسماع المعازف والغناء والألحان والجلوس على منابر اللؤلؤ والياقوت والزبرجد يوم المزيد بالجلوس في مجالس الفسوق مع كل شيطان مريد ونداء المنادي يا أهل الجنة إن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا وتحيوا فلا تموتوا وتقيموا فلا تظعنوا وتشبوا فلا تهرموا بغناء المغنين: وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخر عنه ولا متقدم أجد الملامة في هواك لذيذة ... حبا لذكرك فليلمني اللوم وإنما يظهر الغبن الفاحش في هذا البيع يوم القيامة وإنما يتبين سفه بائعه يوم الحسر والندامة إذا حشر المتقون إلى الرحمن وفدا وسيق المجرمون إلى جهنم وردا ونادى المنادي على رؤوس الأشهاد ليعلمن أهل الموقف من أولي بالكرم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 من بين العباد فلو توهم المتخلف عن هذه الرفقة ما أعد الله لهم من الإكرام وادخر لهم من الفضل والإنعام وما أخفى لهم من قرة أعين لم يقع على مثلها بصر ولا سمعته أذن ولا خطر على قلب بشر لعلم أي بضاعة أضاع وأنه لا خير له في حياته وهو معدود من سقط المتاع وعلم أن القوم قد توسطوا ملكا كبيرا لا تعترية الآفات ولا يلحقه الزوال وفازوا بالنعيم المقيم في جوار الكبير المتعال. فهم في روضات الجنة يتقلبون وعلى أسرتها تحت الحجال يجلسون وعلى الفرش التي بطائنها من إستبرق يتكئون وبالحور العين يتنعمون وبأنواع الثمار يتفكهون يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعلمون يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون تالله لقد نودي عليها في سوق الكساد فما قلب ولا استام! إلا أفراد من العباد فواعجبا لها كيف نام طالبها وكيف لم يسمح بمهرها خاطبها وكيف طاب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها وكيف قر للمشتاق القرار دون معانقة أبكارها وكيف قرت دونها أعين المشتاقين وكيف صبرت عنها أنفس الموقنين وكيف صدفت عنها قلوب أكثر العالمين وبأي شيء تعوضت عنها نفوس المعرضين. شعر في وصف الجنة: وما ذاك إلا غيرة أن ينالها ... سوى كفئها والرب بالخلق أعلم وإن حجبت عنا بكل كريهة ... وحفت بما يؤذي النفوس ويؤلم فلله ما في حشوها من مسرة ... وأصناف لذات بها يتنعم ولله برد العيش بين خيامها ... وروضاتها والثغر في الروض يبسم ولله واديها الذي هو موعد المز ... يد لوفد الحب لو كنت منهم بذيالك الوادي يهيم صبابة ... محب يري أن الصبابة مغنم ولله أفراح المحبين عندما ... يخاطبهم من فوقهم ويسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 ولله أبصار ترى الله جهرة ... فلا الضيم يغشاها ولا هي تسأم فيا نظرة أهدت إلى الوجه نضرة ... أمن بعدها يسلو المحب المتيم ولله كم من خيرة إن تبسمت ... أضاء لها نور من الفجر أعظم فيا لذة الأبصار إن هي أقبلت ... ويا لذة الأسماع حين تكلم ويا خجلة الغصن الرطيب إذا انثنت ... ويا خجلة الفجرين حين تبسم فإن كنت ذا قلب عليل بحبها ... فلم يبق إلا وصلها لك مرهم ولا سيّما في لثمها عند ضمها ... وقد صار منها تحت جيدك معصم تراه إذا أبدت له حسن وجهها ... يلذ به قبل الوصال وينعم تفكه منها العين عند إجتلائها ... فواكه شتى طلعها ليس يعدم عناقيد من كرم وتفاح جنة ... ورمان أغصان به القلب مغرم وللورد ما قد ألبسته خدودها ... وللخمر ما قد ضمه الريق والفم تقسم منها الحسن في جمع واحد ... فيا عجبا من واحد يتقسم لها فرق شتى من الحسن أجمعت ... بجملتها إن السلو محرم تذكر بالرحمن بمن هو ناظر ... فينطق بالتسبيح لا يتلعثم إذا قابلت جيش الهموم بوجهها ... تولي على أعقابه الجيش يهزم فيا خاطب الحسناء إن كنت راغبا ... فهذا زمان المهر فهو المقدم ولما جرى ماء الشاب بغصنها ... تيقن حقا انه ليس يهرم وكن مبغضا للخائنات لحبها ... فتحظى بها من دونهن وتنعم وكن أيما ممن سواها فإنها ... لمثلك في جنات عدن تأيم وصم يومك الأدنى لعلك في غد ... تفوز بعيد الفطر والناس صوم وأقدم ولا تقنع بعيش منغص ... فما فاز باللذات من ليس يقدم وأن ضاقت الدنيا عليك بأسرها ... ولم يك فيها منزل لك يعلم فحي على جنات عدن فأنها ... منازلها الأولى وفيها المخيم ولكننا سبي العدو فهل ترى ... نعود إلى أوطاننا ونسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 وقد زعموا أن الغريب إذا نأى ... وشطت به أوطانه فهو مغرم وأي اغتراب فوق غربتنا التي ... لها أضحت الأعداء فينا تحكم وحي على السوق الذي فيه يلتقي ... المحبون ذاك السوق للقوم تعلم فما شئت خذ منه بلا ثمن له ... فقد أسلف التجار فيه واسلموا وحي على يوم المزيد الذي به ... زيارة رب العرش فاليوم موسم وحي على واد هنالك أفيح ... وتربته من إذفر المسك أعظم منابر من نور هناك وفضة ... ومن خالص العقيان لا تتقصم وكثبان مسك قد جعلن مقاعدا ... لمن دون أصحاب المنابر يعلم فبينا هموا في عيشهم وسرورهم ... وأرزاقهم تجري عليهم ونقسم ذاهم بنور ساطع أشرقت له ... بأقطارها الجنات لا يتوهم تجلى لهم رب السماوات جهرة ... فيضحك فوق العرش ثم يكلم سلام عليكم يسمعون جميعهم ... بآذانهم تسليمه إذ يسلم يقول سلوني ما أشتهيتم فكل ما ... تريدون عندي أنني أنا أرحم فقالوا جميعا نحن نسألك الرضا ... فأنت الذي تولى الجميل وترحم فيعطيهم هذا ويشهد جميعهم ... عليه تعالى الله فالله أكرم فيا بائعا هذا ببخس معجل ... كأنك لا تدري بلى سوف تعلم فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم فصل وهذا كتاب اجتهدت في جمعه وترتيبه وتفصيله وتبويبه فهو للمحزون سلوة وللمشتاق إلى تلك العرائس جلوة محرك للقلوب إلى أجل مطلوب وحاد للنفوس إلى مجاورة الملك القدوس ممتع لقارئه مشوق للناظر فيه لا يسأمه الجليس ولا يمله الأنيس مشتمل من بدائع الفوائد وفرائد القلائد على ما لعل المجتهد في الطلب لا يظفر به فيما سواه من الكتب مع تضمينه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 لجملة كثيرة من الأحاديث المرفوعات والآثار الموقوفات والأسرار المودعة في كثير من الآيات والنكت البديعات وإيضاح كثير من المشكلات والتنبيه على أصول من الأسماء والصفات إذا نظر فيه الناظر زاده إيمانا وجلى عليه الجنة حتى كأنه يشاهدها عيانا فهو مثير ساكن العزمات إلى روضات الجنات وباعث الهمم العليات إلى العيش الهني في تلك الغرفات. وسميته حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح فإنه اسم يطابق مسماه ولفظ يوافق معناه والله يعلم ما قصدت وما بجمعه وتأليفه أردت فهو عند لسان كل عبد وقلبه وهو المطلع على نيته وكسبه وكان جل المقصود منه بشارة أهل السنة بما أعد الله لهم في الجنة فإنهم! المستحقون للبشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ونعم الله عليهم باطنة وظاهرة وهم أولياء الرسول وحزبه ومن خرج عن سنته فهم أعداؤه وحربه لا تأخذهم في نصرة سنته ملامة اللوام ولا يتركون ما صح عنه لقول أحد من الأنام والسنة أجل في صدورهم من أن يقدموا عليها رأيا فقهيا أو بحثا جدليا أو خيالا صوفيا أو تناقضا كلاميا أو قياسا فلسفيا أو حكما سياسيا فمن قدم عليها شيئا من ذلك فباب الصواب عليه مسدود وهو عن طريق الرشاد مصدود. فيا أيها الناظر فيه لك غنمه وعلى مؤلفه غرمه ولك صفوه وعليه كدره وهذه بضاعته المزجاة تعرض عليك وبنات أفكاره تزف إليك فإن صادفت كفؤا كريما لم تعدم منه إمساكا بمعروف أو تسريحا بإحسان وإن كان غيره فالله المستعان فما كان من صواب فمن الواحد المنان وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان والله برئ منه ورسوله. وقد قسمت الكتاب سبعين بابا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 الباب الأول: في بيان وجود الجنة الآن لم يزل أصحاب رسول الله والتابعون وتابعوهم وأهل السنة والحديث قاطبة وفقهاء الإسلام وأهل التصوف والزهد على اعتقاد ذلك وإثباته مستندين في ذلك إلى نصوص الكتاب والسنة وما علم بالضرورة من أخبار الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم فإنهم دعوا الأمم إليها وأخبروا بها إلى أن نبغت نابغة من القدرية والمعتزلة فأنكرت أن تكون مخلوقة الآن وقالت بل الله ينشئها يوم القيامة وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة فيما يفعله الله وأنه ينبغي له أن يفعل كذا ولا ينبغي له أن يفعل كذا وقاسوه على خلقه في أفعالهم فهم مشبهة في الأفعال ودخل التجهم فيهم فصاروا مع ذلك معطلة في الصفات وقالوا خلق الجنة قبل الجزاء عبث فإنها تصير معطلة مددا متطاولة ليس فيها سكانها. قالوا ومن المعلوم أن ملكا لو أتخذ دارا وأعد فيها ألوان الأطعمة والآلات والمصالح وعطلها من الناس ولم يمكنّهم من دخولها قرونا متطاولة لم يكن ما فعله واقعا على وجه الحكمة ووجد العقلاء سبيلا إلى الاعتراض عليه فحجروا على الرب تعالى بعقولهم الفاسدة وآرائهم الباطلة وشبهوا أفعاله بأفعالهم وردوا من النصوص ما خالف هذه الشريعة الباطلة التي وضعوها للرب أو حرفوها عن مواضعها وضللوا وبدعوا من خالفهم فيها والتزموا فيها لوازم أضحكوا عليهم فيها العقلاء. ولهذا يذكر السلف في عقائدهم أن الجنة والنار مخلوقتان ويذكر من صنف في المقالات أن هذه مقالة أهل السنة والحديث قاطبة لا يختلفون. فيها قال أبو الحسن الأشعري في كتاب مقالات الإسلاميين واختلاف المضلين: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 "جملة ما عليه أصحاب الحديث وأهل السنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله لا يردّون من ذلك شيئا وأن الله تعالى إله واحد فرد صمد لم يتخذ صاحبه ولا ولدا وأن محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأن الله تعالى على عرشه كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وأن له يدين بلا كيف كما قال: {خلقت بيدي} وكما قال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} وأن له عينين بلا كيف كما قال: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} وأن له وجها كما قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ والإكرام} وأن أسماء الله تعالى لا يقال إنها غير الله كما قالت المعتزلة والخوارج وأقروا أن لله علما كما قال: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} وكما قال: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلاّ بِعِلْمِهِ} وأثبتوا السمع والبصر ولم ينفوا ذلك عن الله كما تعتقد المعتزلة وأثبتوا لله القوة كما قال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} وقالوا إنه لا يكون في الأرض من خير ولا شر إلا ما شاء الله وأن الأشياء تكون بمشيئة الله كما قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ} وكما قال المسلمون ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. وقالوا إن أحدا لا يستطيع أن يفعل شيئا قبل أن يفعله أو يكون أحد يقدر أن يخرج عن علم الله أو أن يفعل شيئا علم الله أنه لا يفعله وأقروا أنه لا خالق إلا الله تعالى وأن أفعال العباد يخلقها الله تعالى وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئا وأن الله تعالى وفق المؤمنين لطاعته وخذل الكافرين ولطف بالمؤمنين ونظر لهم وأصلحهم وهداهم ولم يلطف بالكافرين ولا أصلحهم ولا هداهم ولو أصلحهم لكانوا صالحين ولو هداهم لكانوا مهتدين وأن الله تعالى يقدر أن يصلح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 الكافرين ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين ولكنه أراد أن يكونوا كافرين كما علم وخذلهم وأضلهم وطبع على قلوبهم وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره ويؤمنون بقضاء الله وقدره خيره وشره وحلوه ومره ويؤمنون أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله كما قال ويلجئون أمرهم إلى الله ويثبتون الحاجة إلى الله في كل وقت والفقر إلى الله في كل حال. ويقولون إن القرآن كلام الله غير مخلوق والكلام في الوقف واللفظ فمن قال باللفظ أو بالوقف فهو مبتدع عندهم لا يقال اللفظ بالقرآن مخلوق ولا يقال غير مخلوق ويقولون إن الله تعالى يُرى بالأبصار يوم القيامة كما يُرى القمر ليلة البدر ويراه المؤمنون ولا يراه الكافرون لأنهم عن الله تعالى محجوبون قال الله تعالى: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} وأن موسى عليه السلام سال الله سبحانه وتعالى الرؤية في الدنيا وإن الله تعالى تجلى للجبل فجعله دكا فأعلمه بذلك أنه لا يراه في الدنيا بل يراه في الآخرة ولا يكفرون أحدا من أهل القبلة بذنب يرتكبه كنحو الزنا والسرقة وما أشبه ذلك من الكبائر. وهم بما معهم من الإيمان مؤمنون وإن ارتكبوا الكبائر والإيمان عندهم هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره حلوه ومره وأن ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم وأن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم والإسلام هو أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله كما جاء في الحديث والإسلام عندهم غير الإيمان ويقرون بأن الله مقلب القلوب ويقرون بشفاعة رسول الله وأنها لأهل الكبائر من أمته وبعذاب القبر وأن الحوض حق والصراط حق والبعث بعد الموت حق والمحاسبة من الله لعباده حق والوقوف بين يدي الله تعالى حق ويقرون بأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ولا يقولون مخلوق ولا غير مخلوق. ويقولون أسماء الله هي الله تعالى ولا يشهدون على أحد من أهل الكبائر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 بالنار ولا يحكمون بالجنة لأحد من الموحدين حتى يكون الله تعالى ينزلهم حيث شاء ويقولون أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم ويؤمنون بأن الله تعالى يخرج قوما من الموحدين من النار على ما جاءت به الروايات عن رسول الله وينكرون الجدال والمرآء في الدين والخصومة في القدر والمناظرة فيما يتناظر فيه أهل الجدل ويتنازعون فيه من دينهم بالتسليم للروايات الصحيحة ولما جاءت به الآثار التي رواها الثقات عدلا عن عدل حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله ولا يقولون كيف ولا لم لأن ذلك بدعة. ويقولون إن الله تعالى لم يأمر بالشر بل نهى عنه وأمر بالخير ولم يرض بالشرك وأن كان مريدا له ويعرفون حق السلف الذين اختارهم الله تعالى لصحبه نبيه صلى الله عليه وسلم ويأخذون بفضائلهم ويمسكون عما شجر بينهم صغيرهم وكبيرهم ويقدمون أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم عليا رضي الله عنهم ويقرون بأنهم الخلفاء الراشدين المهديون وأنهم أفضل الناس كلهم بعد رسول الله ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله أن الله:"ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من مستغفر" كما جاء في الحديث عن رسول الله ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُول} . ويرون اتباع من سلف من أئمة الدين وان لا يتبعوا في دينهم ما لم يأذن به الله ويقرون أن الله تعالى يجيء يوم القيامة كما قال: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} وأن الله تعالى يقرب من خلقه كيف شاء كما قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيد} . ويرون العيدين والجمعة والجماعة خلف كل إمام بر أو فاجر ويثبتون المسح على الخفين سنة ويرونه في الحضر والسفر ويثبتون فرض الجهاد للمشركين منذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 بعث الله نبيه إلى آخر عصابة تقاتل الدجال وبعد ذلك يرون الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح وأن لا يخرج عليهم بالسيف وأن لا يقاتلوا في الفتنة ويصدقون بخروج الدجال وأن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام يقتله ويؤمنون بمنكر ونكير والمعراج والرؤيا في المنام وأن الدعاء لموتى المسلمين والصدقة عنهم بعد موتهم تصل إليهم ويصدقون أن في الدنيا سحرة وأن الساحر كافر كما قال الله تعالى وأن السحر كان موجود في الدنيا. ويرون الصلاة على كل من مات من أهل القبلة مؤمنهم وفاجرهم ويقرون أن الجنة والنار مخلوقتان وأن من مات مات بأجله وكذلك من قتل قتل بأجله وإن الأرزاق من قبل الله تعالى يرزقها عباده حلالا كانت أو حراما وأن الشيطان يوسوس للإنسان ويشككه ويخبطه وأن الصالحين قد يجوز أن يخصهم الله تعالى بآيات تظهر عليهم وأن السنة لا تنسخ بالقرآن وأن الأطفال أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء فعل بهم ما أراد وأن الله تعالى عالم ما العباد عاملون وكتب أن ذلك يكون وأن الأمور بيد الله تعالى. ويرون الصبر على حكم الله والأخذ بما أمر الله تعالى والإنتهاء عمى نهى الله عنه وإخلاص العمل لله والنصيحة للمسلمين ويدينون بعبادة الله في العابدين والنصيحة لجماعة المسلمين واجتناب الكبائر والزنا وقول الزور والمعصية والفخر والكبر والازدراء على الناس والعجب. ويرون مجانبة كل داع إلى بدعة والتشاغل بقراءة القرآن وكتابة الآثار والنظر في الفقه مع التواضع والاستكانة وحسن الخلق وبذل المعروف وكف الأذى وترك الغيبة والنميمة والسعاية وتفقد المآكل والمشارب فهذه جملة ما يأمرون به ويستعملونه وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب وما توفيقنا إلا بالله وهو حسبنا ونعم الوكيل وبه نستعين وعليه نتوكل وإليه المصير. والمقصود حكايته عن جميع أهل السنة والحديث أن الجنة والنار مخلوقتان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وسقنا جملة كلامه ليكون الكتاب مؤسسا على معرفة من يستحق البشارة المذكورة وأن أهل هذه المقالة هم أهلها وبالله التوفيق. وقد دل على ذلك من القرآن قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى ورأى عندها جنة المأوى كما في الصحيحين من حديث أنس في قصة الإسراء وفي آخره: "ثم أنطلق بي جبريل حتى انتهى إلى سدرة المنتهى فغشيها ألوان لا أدرى ما هي قال ثم دخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك". وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله تعالى يوم القيامة". وفي المسند وصحيح الحاكم وابن حبان وغيرهم من حديث البراء ابن عازب قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فذكر الحديث بطوله وفيه "فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة, قال: فيأتيه من روحها وطيبها " وذكر الحديث. وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم قال فيأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل قال فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله قال فيقولان له أنظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا في الجنة " قال نبي الله صلى الله عليه وسلم " فيراهما جميعا ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وفي صحيح أبي عوانة الاسفرايني وسنن أبي داود من حديث البراء بن عازب الطويل في قبض الروح "ثم يفتح له باب من الجنة وباب من النار فيقال هذا كان منزلك لو عصيت الله تعالى أبدلك الله به هذا فإذا رأى ما في الجنة قال رب عجل قيام الساعة كيما أرجع إلى أهلي ومالي فيقال أسكن". وفي مسند البزار وغيره من حديث أبي سعيد قال شهدنا مع النبي صلى الله عليه وسلم جنازة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أيها الناس إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فإذا دفن الإنسان وتفرق عنه أصحابه جاءه ملك في يده مطراق فأقعده فقال ما تقول في هذا الرجل يعني محمدا صلى الله عليه وسلم فإن كان مؤمنا قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده رسوله فيقولون له صدقت ثم يفتح له باب إلى النار فيقولون هذا كان منزلك لو كفرت بربك فأما إذا آمنت به فهذا منزلك فيفتح له باب إلى الجنة فيريد أن ينهض إلى الجنة فيقولون له اسكن ". وذكر الحديث. وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت الحديث إلى أن قالت ثم قام فخطب الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة ". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدتم حتى لقد رأيتني آخذ قطعا من الجنة حين رأيتموني أقدم ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها حين رأيتموني تأخرت ". وفي الصحيحين واللفظ للبخاري عن عبد الله بن عباس قال: انخسفت الشمس على عهد رسول الله فذكر الحديث وفيه قال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله ". فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيناك تناولت شيئا في مقامك ثم رأيناك تكعكعت فقال:"إني رأيت الجنة وتناولت عنقودا ولو أصبته لأكلتم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 منه ما بقيت الدنيا ورأيت النار فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع ورأيت أكثر أهلها النساء:. قالوا بم يا رسول قال: " بكفرهن" قيل: أيكفرن بالله قال:" يكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط". وفي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف قال: " قد دنت مني الجنة حتى لو اجترأت عليها لجئتكم بقطاف من قطافها ودنت مني النار حتى قلت أي رب وأنا معهم فإذا امرأة حسبت أنه قال تخدشها هرة قلت ما شأن هذه قالوا حبستها حتى ماتت جوعا لا أطعمتها ولا أرسلتها تأكل". وفي صحيح مسلم من حديث جابر في هذه القصة قال: " عرضت على كل شيء تولجونه فعرضت على الجنة حتى تناولت منها قطفا فقصرت يدي عنه وعرضت على النار فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها ". وذكر الحديث. وفي صحيح مسلم عنه في هذا الحديث "ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه لقد جيء بالنار وذلك حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها وحتى رأيت فيها صاحب المحجن يجر قصبة في النار وكان يسرق الحاج بمحجنه فإذا فطن له قال إنما تعلق بمحجني وإن غفل عنه ذهب به وحتى رأيت فيها صاحبة الهرة التي ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعا ثم جيء بالجنة وذلكم حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه ثم بدا لي أن لا أفعل فما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه". وفي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو وفي هذه القصة "والذي نفس محمد بيده لقد أدنيت الجنة حتى لو بسطت يدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 لتعاطيت من قطوفها ولقد أدنيت النار منى حتى لقد جعلت أتقيها خشية أن تغشاكم " وذكرالحديث. وفي صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ أقيمت الصلاة فقال: " يا أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا ترفعوا رؤسكم فإني أراكم من أمامي ومن خلفي وأيم الذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا قالوا وما رأيت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت الجنة والنار ". وفي الموطأ والسنن من حديث كعب ابن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة حتى يرجعها الله إلى جسده يوم القيامة " وهذا صريح في دخول الروح الجنة قبل يوم القيامة ومثله حديث كعب بن مالك أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تعلق في ثمر الجنة أو شجر الجنة " رواه أهل السنن وصححه الترمذي. وسيأتي في آخر هذا الكتاب في الباب الذي يذكر فيه دخول أرواح المؤمنين الجنة قبل يوم القيامة تمام هذه الأحاديث أن شاء الله تعالى وذكر دلالة القرآن على ما دلت عليه السنة من ذلك. وفي صحيح مسلم والسنن والمسند من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما خلق الله تعالى الجنة والنار أرسل جبريل إلى الجنة فقال أذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها فذهب فنظر إلى ما أعد الله لأهلها فيها فرجع فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها فأمر الجنة فحفت بالمكاره فقال فارجع فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها قال فنظر إليها ثم رجع فقال وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد قال: ثم أرسله إلى النار قال أذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها قال فنظر إليها فإذا هي يركب بعضها بعضا ثم رجع فقال وعزتك وجلالك لا يدخلها أحد سمع بها فأمر بها فحفت بالشهوات ثم قال اذهب فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها فذهب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 فنظر إليها فرجع فقال وعزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة "حجبت الجنة بالمكاره وحجبت النار بالشهوات" وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" اختصمت الجنة والنار فقالت الجنة يا رب ما لها إنما يدخلها ضعفاء الناس وسقطهم وقالت النار يا رب ما لها يدخلها الجبارون والمتكبرون فقال أنت رحمتي أصيب بك من أشاء وأنت عذأبي أصيب بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها". وفي الصحيحين من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم" أنه قال اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف" وروى الليث بن سعد عن معاوية ابن صالح عن عبد الملك بن بشير ورفع الحديث قال:" ما من يوم إلا والجنة والنار يسألان تقول الجنة يا رب قد طاب ثمري واطردت أنهاري واشتقت إلى أوليائي فعجل إلي بأهلي وتقول النار أشتد حري وبعد قعري وعظم جمري فعجل علي بأهلي". وفي صحيح البخاري من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" بينما أنا أسير في الجنة وإذا بنهر في الجنة حافتاه قباب الدر المجوف قال قلت ما هذا يا جبريل قال هذا الكوثر الذي أعطاك ربك فضرب الملك بيده فإذا طينه المسك الأذفر". وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا ودارا فقلت لمن هذا فقيل لرجل من قريش فرجوت أن أكون أنا هو فقيل لعمر بن الخطاب فلولا غيرتك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 يا أبا حفص لدخلته " قال فبكى عمر وقال: أويغار عليك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسيأتي حديث بلال وقول النبي صلى الله عليه وسلم "ما دخلت الجنة إلا سمعت خشخشتك بين يدي " وغير ذلك من الأحاديث التي تأتي إن شاء الله تعالى. وقال عبد الله بن وهب أنبأنا معاوية بن صالح عن عيسى بن عاصم عن زر بن حبيش عن أنس بن مالك قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم صلاة الصبح ثم مد يده ثم أخرها فلما سلم قيل له يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد صنعت في صلاتك شيئا لم تصنعه في غيرها قال: " أني رأيت الجنة فرأيت فيها دالية قطوفها دانية حبها كالدباء فأردت أن أتناول منها فأوحي إليها أن استأخري فستأخرت ثم رأيت النار فيما بيني وبينكم حتى لقد رأيت ظلي وظلكم فأومأت إليكم أن استأخروا فأوحى إلي أقرهم فإنك أسلمت وأسلموا وهاجرت وهاجروا وجاهدت وجاهدوا فلم أر لي عليكم فضلا إلا بالنبوة". فإن قيل فما منعكم عن الاحتجاج على وجودها الآن بقصد آدم ودخوله الجنة وإخراجه منها بأكله من الشجرة والاستدلال بها في غاية الظهور قيل الاستدلال بذلك وإن كان عند العامة في غاية الظهور فهو في غاية الغموض لاختلاف الناس في الجنة التي أسكنها آدم هل كانت جنة الخلد التي يدخلها المؤمنون يوم القيامة أو كانت جنة في الأرض في شرفها ونحن نذكر من قال بهذا ومن قال بهذا وما احتج به كل فريق على قولهم وما رد به الفريق الآخر عليهم بحول الله وقوته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 الباب الثاني: في اختلاف الناس في الجنة التي أسكنها آدم عليه الصلاة والسلام وأهبط منها هل هي جنة الخلد أو جنة أخرى غيرها في موضع عال من الأرض؟ قال منذر ابن سعيد في تفسير قوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} فقالت طائفة أسكن الله آدم جنة الخلد التي يدخلها المؤمنون يوم القيامة وقال آخرون هي جنة غيرها جعلها الله له وأسكنه إياها ليست جنة الخلد قال وهذا قول تكثر الدلائل الشاهدة له والموجبة للقول به وقال أبو الحسن الماوردي في تفسيره: "واختلف الناس في الجنة التي أسكناها على قولين: أحدهما أنها جنة الخلد الثاني: أنها جنة أعدها الله تعالى لهما وجعلها ابتلاء وليست هي جنة الخلد التي جعلها دار جزاء" ومن قال بهذا اختلفوا فيه قولين: أحدهما: أنها في السماء لأنه أهبطهما منها وهذا قول الحسن الثاني: أنها في الأرض لأنه امتحنهما فيها بالنهي عن الشجرة التي نهيا عنها دون غيرها من الثمار وهذا قول ابن بحر وكان ذلك بعد أن أمر إبليس بالسجود لآدم عليه الصلاة والسلام والله أعلم بصواب ذلك هذا كلامه. وقال ابن الخطيب في تفسيره المشهور واختلفوا في الجنة المذكورة في هذه الآية هل كانت في الأرض أو في السماء وبتقدير أنها كانت في السماء فهل هي الجنة التي هي دار الثواب وجنة الخلد أو جنة أخرى فقال أبو القاسم البلخي وأبو مسلم الأصبهاني: "هذه الجنة في الأرض" وحملا الإهباط على الانتقال من بقعة إلى بقعة كما في قوله: {اهْبِطُوا مِصْراً} واحتجا عليه بوجوه. القول الثاني وهو قول الجبائي أن تلك الجنة التي كانت في السماء السابعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 والقول الثالث: وهو قول جمهور أصحابنا أن هذه الجنة هي دار الثواب وقال أبو القاسم الراغب في تفسيره واختلف في الجنة التي أسكنها آدم فقال بعض المتكلمين كان بستانا جعله الله تعالى له امتحانا ولم يكن جنة المآوى وذكر بعض الاستدلال على القولين. وممن ذكر الخلاف أيضا أبو عيسى الرماني في تفسيره واختار أنها جنة الخلد ثم قال والمذهب الذي اخترناه قول الحسن وعمرو وواصل وأكثر أصحابنا وهو قول أبي علي وشيخنا أبي بكر وعليه أهل التفسير واختار ابن الخطيب التوقف في المسألة وجعله قولا رابعا فقال: والقول الرابع: أن لكل ممكن والأدلة متعارضة فوجب التوقف وترك القطع قال منذر بن سعيد والقول بإنها جنة في الأرض ليست جنة الخلد قول أبي حنيفة وأصحابه قال: وقد رأيت أقواما نهضوا لمخالفتنا في جنة آدم عليه السلام بتصويب مذهبهم من غير حجة إلا الدعاوى والأماني ما أتوا بحجة من كتاب ولا سنة ولا أثر عن صاحب ولا تابع ولا تابع التابع ولا موصولا ولا شاذا مشهورا. وقد أوجدناهم أن فقيه العراق ومن قال بقوله قالوا أن جنة آدم ليست جنة الخلد وهذه الدواوين مشحونة من علومهم ليسوا عند أحد من الشاذين بل بين رؤساء المخالفين وإنما قلت هذا ليعلم أني لا أنصر مذهب أبي حنيفة وإنما أنصر ما قام لي عليه الدليل من القرآن والسنة هذا ابن زيد المالكي يقول في تفسيره سألت ابن نافع عن الجنة أمخلوقة هي فقال السكوت عن الكلام في هذا أفضل وهذا ابن عيينة يقول في قوله عز وجل: {إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى} قال يعني في الأرض وابن نافع وإمام وابن عيينة إمام وهو لا يأتوننا بمثلهما ولا من يضاد قوله قولهما. وهذا ابن قتيبة ذكر في كتاب المعارف بعد ذكره خلق الله لآدم وزوجه قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 ثم تركهما وقال أثمروا وأكثروا وأملؤا الأرض وتسلطوا على أنوان البحور وطير السماء والأنعام وعشب الأرض وشجرها وثمرها فأخبر أن في الأرض خلقه وفيها أمره ثم قال ونصب الفردوس فانقسم على أربعة أنهار سيحون وجيحون ودجلة والفرات ثم ذكر الحية فقال وكانت أعظم دواب البر فقالت للمرأة أنكما تموتان إن أكلتما من هذه الشجرة. ثم قال بعد كلام ثم أخرجه من مشرق جنة عدن إلى الأرض التي منها أخذ ثم قال قال وهب وكان مهبطه حين أهبط من جنة عدن في شرقي أرض الهند قال واحتمل قأبيل أخاه حتى أتى به واديا من أودية اليمن في شرقي عدن فكمن فيه وقال غيره فيما نقل أبو صالح عن ابن عباس في قوله أهبطوا هو كما يقال هبط فلان أرض كذا وكذا. قال منذر بن سعيد فهذا وهب بن منبه يحكي أن آدم عليه السلام خلق في الأرض وفيها سكن وفيها نصب له الفردوس وإنه كان بعدن وإن أربعة أنهار أنقسمت من ذلك النهر الذي كان يسمى فردوس آدم وتلك الأنهار بقيت في الأرض لاختلاف بين المسلمين في ذلك فاعتبروا يا أولي الألباب وأخبر أن الحية التي كلمت آدم كانت من أعظم دواب البر ولم يقل من أعظم دواب السماء فهم يقولون إن الجنة لم تكن في الأرض وإنما كانت فوق السماء السابعة. ثم قال وأخرجه من مشرق جنة عدن وليس في جنة المآوى مشرق ولا مغرب لأنه لا شمس فيها. ثم قال وأخرجه إلى الأرض التي اخذ منها يعني أخرجه من الفردوس الذي نصب له في عدن في شرقي أرض الهند وهذه الأخبار التي حكى ابن قتيبة إنما تنبئ عن أرض اليمن وعن عدن وهي من أرض اليمن وأخبر أن الله نصب الفردوس لآدم عليه السلام بعدن ثم أكد ذلك بأن قال: التي أربعة الأنهار التي ذكرناها منقسمة عن النهر الذي كان يسمى فردوس آدم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 قال منذر وقال ابن قتيبة عن ابن منبه عن أبي هريرة قال واشتهى آدم عند موته قطفا من الجنة التي كان فيها بزعمهم على ظهر السماء السابعة وهو في الأرض فخرج أولاده يطلبون ذلك له حتى بلغتهم الملائكة موته فأولاد آدم كانوا مجانين عندكم إن كان ما نقله ابن قتيبة حقا يطلبون لأبيهم ثمر جنة الخلد في الأرض. قال ونحن لم نقل غير ما قال هؤلاء ولو كانت جنة الخلد، الخلد فيها ونحن استدللنا من القرآن وغيرنا قطع وادعى بما ليس له عليه برهان. فهذا ذكر بعض أقوال من حكى الخلاف في هذه المسئلة ونحن نسوق حجج الفريقين إن شاء الله تعالى ونبين لهم ما لهم وما عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 الباب الثالث: في سياق حجج من اختار أنها جنة الخلد التي يدخلها الناس يوم القيامة قالوا قولنا هذا هو الذي فطر الله عليه الناس صغيرهم وكبيرهم لم يخطر بقلوبهم سواه وأكثرهم لا يعلم في ذلك نزاعا. قالوا وقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي مالك عن أبي حازم عن أبي هريرة وأبي مالك عن ربعي عن حذيفة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجمع الله تعالى الناس فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة فيأتون آدم عليه السلام فيقولون يا أبانا استفتح لنا الجنة فيقول وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم". وذكر الحديث. قالوا وهذا يدل على أن الجنة التي أخرج منها هي بعينها التي يطلب منه أن يستفتحها. وفي الصحيحين حديث احتجاج آدم وموسى وقول موسى أخرجتنا ونفسك من الجنة ولو كانت في الأرض فهم قد خرجوا من بساتين فلم يخرجوا من الجنة وكذلك قول آدم للمؤمنين يوم القيامة وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم وخطيئته لم تخرجهم من جنات الدنيا. قالوا وقد قال تعالى في سورة البقرة: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 فهذا يدل على أن هبوطهم كان من الجنة إلى الأرض من وجهين أحدهما من لفظة اهبطوا فإنه نزول من علو إلى سفل والثاني ولكم في الأرض مستقر عقب قوله اهبطوا فدل على أنهم لم يكونوا قبل ذلك في الأرض ثم أكد هذا بقوله في سورة الأعراف {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} ولو كانت الجنة في الأرض لكانت حياتهم فيها قبل الإخراج وبعده. قالوا وقد وصف سبحانه جنة آدم بصفات لا تكون إلا في جنة الخلد فقال: {إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} وهذا لا يكون في الدنيا أصلا فإن الرجل ولو كان أطيب منازلها لا بد أن يعرض له شيء من ذلك وقابل سبحانه بين الجوع والظمأ والعري والضحى فإن الجوع ذل الباطن والعري ذل الظاهر والظمأ حر الباطن والضحى حر الظاهر فنفى عن سكانها ذل الظاهر والباطن وحر الظاهر والباطن وذلك احسن من المقابلة بين الجوع والعطش والعري والضحى وهذا شأن ساكن جنة الخلد. قالوا وأيضا فلو كانت تلك الجنة في الدنيا لعلم آدم كذب إبليس في قوله: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} فإن آدم كان يعلم أن الدنيا منقضية فانية وأن ملكها يبلى. قالوا وأيضا هذه القصة في سورة البقرة ظاهرة جدا في أن الجنة التي أخرج منها فوق السماء فإنه سبحانه قال: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} فهذا إهباط آدم وحواء وإبليس من الجنة فلهذا أتى فيه بضمير الجمع وقد قيل إن الخطاب لهما وللحية وهذا ضعيف جدا إذ لا ذكر للحية في شيء من قصة آدم ولا في السياق ما يدل عليها وقيل الخطاب لآدم وحواء وأتى فيه بضمير الجمع كقوله وكنا لحكمهم شاهدين وهما داود وسليمان وقيل لآدم وحواء وذريتهما. وهذه الأقوال ضعيفة غير الأول لأنها قول لا دليل عليه بين ما يدل اللفظ على خلافه فثبت أن إبليس داخل في هذا الخطاب وأنه من المهبطين فإذا تقرر هذا فقد ذكر سبحانه الإهباط ثانيا بقوله: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} والظاهر أن هذا الإهباط الثاني في غير الأول وهو إهباط من السماء إلى الأرض والأول إهباط من الجنة وحينئذ فتكون الجنة التي إهبط منها أولا فوق السماء جنة الخلد وقد ظن الزمخشري أن قوله اهبطوا منها جميعا خطاب لآدم وحواء خاصة وعبر عنهما بالجمع لاستتباعهما ذرياتهما قال والدليل عليه قوله تعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ} قال ويدل على ذلك قوله: {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وما هو إلا حكم يعم الناس كلهم. ومعنى قوله بعضكم لبعض عدو ما عليه الناس من التعادي والتباغي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وتضليل بعضهم بعضا وهذا الذي اختاره أضعف الأقوال في الآية فإن العداوة التي ذكرها الله تعالى إنما هي بين آدم وإبليس وذريتهما كما قال الله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} وهو سبحانه قد أكد أمر العداوة بين الشيطان والإنسان وأعاد وأبدى ذكرها في القرآن لشدة الحاجة إلى التحرز من هذا العدو وأما آدم وزوجته فإنه إنما أخبر في كتابه أنه خلقها ليسكن إليها وجعل بينهما مودة ورحمة فالمودة والرحمة بين الرجل وامرأته والعداوة بين الإنسان والشيطان. وقد تقدم ذكر آدم وزوجه وإبليس وهو ثلاثة فلماذا يعود الضمير على بعض المذكور مع منافرته لطريق الكلام دون جميعه مع أن اللفظ والمعنى يقتضيه فلم يصنع الزمخشري شيئا؟ وأما قوله تعالى في سورة طه: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ} وهذا خطاب لآدم وحواء وقد جعل بعضهم لبعض عداوا فالضمير في قوله اهبطا منها أما أن يرجع إلى آدم وزوجته أو إلى آدم وإبليس ولم يذكر الزوجة لأنها تبع له وعلى هذا فالعداوة المذكورة للمتخاطبين بالإهباط وهما آدم وإبليس فالأمر ظاهر وأما على الأول فتكون الآية قد اشتملت على أمرين: أحدهما: أمره تعالى لآدم وزوجه بالهبوط. والثاني: إخباره بالعداوة بين آدم وزوجته وبين إبليس ولهذا أتى الضمير الجمع في الثاني دون الأول ولا بد أن يكون إبليس داخلا في حكم هذه العداوة قطعا كما قال تعالى: {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِك} وقال للذرية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} . وتأمل كيف اتفقت المواضع التي فيها ذكر العداوة على ضمير الجمع دون التثنية؟ وأما الإهباط فتارة يذكره بلفظ الجمع وتارة بلفظ التثنية وتارة بلفظ الأفراد كقوله في سورة الأعراف قال اهبط منها وكذلك في سورة ص وهذا لإبليس وحده وحيث ورد بصيغة الجمع فهو لآدم وزوجه وإبليس إذ مدار القصة عليهم وحيث ورد بلفظ التثنية فأما أن يكون لآدم وزوجه إذ هما اللذان باشرا الأكل من الشجرة وأقدما على المعصية وإما أن يكون لآدم وإبليس إذ هما أبوا الثقلين وأصلا الذرية فذكر حالهما ومآل أمرهما ليكون عظة وعبرة لأولادهما وقد حكيت القولين في ذلك. والذي يوضح أن الضمير في قوله اهبطا منها جميعا لآدم وإبليس إن الله سبحانه لما ذكر المعصية أفرد بها آدم دون زوجه فقال: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى قال قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً} وهذا يدل على أن المخاطب بالإهباط هو آدم ومن زين له المعصية ودخلت الزوجة تبعا فإن المقصود إخبار الله تعالى للثقلين بما جرى على أبويهما من شؤم المعصية ومخالفة الأمر فذكر أبويهما أبلغ في حصول هذا المعنى من ذكر أبوي الإنس فقط. وقد أخبر سبحانه عن الزوجة بأنها أكلت مع آدم وأخبر أنه أهبطه وأخرجه من الجنة بتلك الأكلة فعلم أن حكم الزوجة كذلك وأنها صارت إلى ما صار إليه آدم وكان تجريد العناية إلى ذكر حال أبوي الثقلين أولى من تجريده إلى ذكر أبي الإنس وأمهم فتأمله. قالوا وأيضا فالجنة جاءت معرفة بلام التعريف في جميع المواضع كقوله: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ} ونظائره ولا جنة يعهدها المخاطبون ويعرفونها إلا جنة الخلد التي وعد الرحمن عباده بالغيب فقد صار هذا الاسم علما عليها بالغلبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 كالمدينة والنجم والبيت والكتاب ونظائرها فحيث ورد لفظها معرفا انصرف إلى الجنة المعهودة المعلومة في قلوب المؤمنين وأما أن أريد به جنة غيرها فإنها تجيء منكرة أو مقيدة بالإضافة أو مقيدة من السياق بما يدل على أنها جنة في الأرض: فالأول كقوله: جنتين من أعناب. والثاني: كقوله ولولا إذ دخلت جنتك. والثالث كقوله: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} . قالوا: ومما يدل على أن جنة آدم هي جنة المآوى ما روى هوذة بن خليفة عن عوف عن قسامة بن زهير عن أبي موسى الأشعري قال إن الله تعالى لما أخرج آدم من الجنة زوده من ثمار الجنة وعلمه صنعة كل شيء فثماركم هذه من ثمار الجنة غير إن هذه تتغير وتلك لا تتغير قالوا. وقد ضمن الله سبحانه وتعالى له إن تاب إليه وأناب أن يعيده إليها كما روى المنهال عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} قال يا رب ألم تخلقني بيدك قال بلى قال أي رب ألم تنفخ في من روحك قال بلى قال أي رب ألم تسكني جنتك قال بلى قال أي رب ألم تسبق رحمتك غضبك قال بلى قال أرأيت أن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة قال بلى قال فهو قوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه وله طرق عن ابن عباس وفي بعضها كان آدم قال لربه إذ عصاه رب إن أنا تبت وأصلحت فقال له ربه إني راجعك إلى الجنة فهذا بعض ما احتج به القائلون بأنها جنة الخلد ونحن نسوق حجج الآخرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 الباب الرابع: في سياق حجج الطائفة التي قالت ليست جنة الخلد وإنما هي جنة في الأرض . قالوا هذا قول تكثر الدلائل الموجبة للقول به فنذكر بعضها قالوا قد أخبر الله سبحانه على لسان جميع رسله أن جنة الخلد أنما يكون الدخول إليها يوم القيامة ولم يأت زمن دخولها بعد وقد وصفها الله سبحانه وتعالى لنا في كتابه بصفاتها ومحال أن يصف الله سبحانه وتعالى شيئا بصفة ثم يكون ذلك الشيء بغير تلك الصفة التي وصفه بها. قالوا فوجدنا الله تعالى وصف الجنة التي أعدت للمتقين بإنها دار المقامة فمن دخلها أقام بها ولم يقم آدم بالجنة التي دخلها ووصفها بإنها جنة الخلد وآدم لم يخلد فيها ووصفها بأنها دار ثواب وجزاء لا دار تكليف وأمر ونهى ووصفها بأنها دار سلامة مطلقة لا دار ابتلاء وامتحان وقد ابتلى آدم فيها بأعظم الابتلاء ووصفها بأنها دار لا يعصي الله فيها أبدا وقد عصى آدم ربه في جنته التي دخلها ووصفها بأنها ليست دار خوف ولا حزن وقد حصل للأبوين فيها من الخوف والحزن ما حصل وسماها دار السلام ولم يسلم فيها الأبوان من الفتنة ودار القرار ولم يستقر فيها وقال في داخلها: {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} وقد أخرج منها الأبوان وقال: {لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ} وقد ند فيها آدم هاربا فارا وطفق يخصف ورق الجنة على نفسه وهذا النصب بعينه وأخبر أنه لا لغو فيها ولا تأثيم وقد سمع فيها آدم لغو إبليس وإثمه وأخبر أنه لا يسمع فيها لغو ولا كذاب وقد سمع فيها آدم عليه السلام كذب إبليس. وقد سماها الله سبحانه وتعالى مقعد صدق وقد كذب فيها إبليس وحلف على كذبه وقد قال تعالى للملائكة {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} ولم يقل إني جاعل في جنة المأوى فقالت الملائكة: {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} ومحال أن يكون هذا في جنة المأوى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 وقد أخبر الله تعالى عن إبليس إنه قال لآدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فإن كان الله سبحانه وتعالى قد أسكن آدم جنة الخلد والملك الذي لا يبلى فكيف لم يرد عليه ويقول له كيف تدلني على شيء أنا فيه وقد أعطيته ولم يكن الله سبحانه وتعالى قد أخبر آدم إذ أسكنه الجنة أنه فيها من الخالدين ولو علم أنها دار الخلد لما ركن إلى قول إبليس ولا مال إلى نصيحته ولكنه لما كان في غير دار خلود غرّه بما أطعمه فيه من الخلد. قالوا ولو كان أدم أسكن جنة الخلد وهي دار القدس التي لا يسكنها إلا طاهر مقدس فكيف توصل إليها إبليس الرجس النجس المذموم المدحور حتى فتن فيها آدم عليه السلام ووسوس له وهذه الوسوسة إما أن تكون في قلبه وإما أن تكون في أذنه وعلى التقديرين فكيف توصل اللعين إلى دخول دار المتقين وأيضا فبعد أن قيل له اهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها أيفسح له أن يرقى إلى جنة المأوى فوق السماء السابعة بعد السخط عليه والإبعاد له والزجر والطرد بعتوه واستكباره وهل هذا يلائم قوله: {فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ} فإن كانت مخاطبته لآدم بما خاطبه به وقاسمه عليه ليست تكبرا فما التكبر بعد هذا؟. فإن قلتم فلعل وسوسته وصلت إلى الأبوين وهو في الأرض وهما فوق السماء في عليين فهذا غير معقول لغة ولا حسا ولا عرفا وإن زعمتم أنه دخل في بطن الحية حتى أوصل إليهما الوسوسة فأبطل وأبطل إذ كيف يرتقي بعد الإهباط إلى أن يدخل الجنة ولو في بطن الحية؟ وإذا قلتم إنه دخل في قلوبهما ووسوس إليهما فالمحذور قائم وأيضا فإن الله سبحانه وتعالى حكى مخاطبته لهما كلاما سمعاه شفاها فقال: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة وهذا دليل على مشاهدته لهما وللشجرة ولما كان آدم خارجا من الجنة وغير ساكن فيها قال الله تعالى له: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} ولم يقل عن هذه الشجرة فعندما قال لهما: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة لما أطعمهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 في ملكها والخلود في مقرها أتى باسم الإشارة بلفظ الحضور تقريبا لها وإحضارا لها عندهما وربهما تعالى قال لهما: ألم أنهكما عن تلكما الشجرة ولما أراد إخراجهما منها فأتى باسم الإشارة بلفظ البعد والغيبة كأنهما لم يبق لهما من الجنة حتى ولا مشاهدة الشجرة التي نهيا عنها وأيضا فإنه سبحانه قال: {إليه يصعد الكلم الطيب} ووسوسة اللعين من أخبث الكلم فلا تصعد إلى محل القدس. قال منذر وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم" أن آدم عليه السلام نام في جنته" وجنة الخلد لا نوم فيها بالنص وإجماع المسلمين فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أينام أهل الجنة قال: " لا النوم أخو الموت والنوم وفاة " وقد نطق به القرآن والوفاة تقلب حال ودار السلام مسلمة من تقلب الأحوال والنائم ميت أو كالميت. قلت الحديث الذي أشار إليه المعروف أنه موقوف من رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد قال خلقت حواء من قصيري آدم وهو نائم. وقال أسباط عن السدي أسكن آدم عليه السلام الجنة وكان يمشي فيها وحشا ليس له زوج يسكن إليها فنام نومة فاستيقظ فإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه فسألها ما أنت قالت امرأة قال ولم خلقت قالت لتسكن إلي. وقال ابن إسحاق عن ابن عباس ألقى الله على آدم عليه السلام السنة ثم أخذ ضلعا من أضلاعه من شقه الأيسر ولأم مكانه لحما وآدم نائم لم يهب من نومته حتى خلق الله من ضلعه تلك زوجته حواء فسواها امرأة يسكن إليها فلما كشف عنه السنة وهب من نومته رآها إلى جنبه فقال لحمي ودمي وروحي فسكن إليها. قالوا ولا نزاع إن الله سبحانه وتعالى خلق آدم في الأرض ولم يذكر في موضع واحد أصلا أنه نقله إلى السماء بعد ذلك ولو كان قد نقله ذلك إلى السماء لكان هذا أولى بالذكر لأنه من أعظم الآيات ومن أعظم النعم عليه فإنه كان معراجا ببدنه وروحه من الأرض إلى فوق السماوات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 قالوا وكيف ينقله سبحانه ويسكنه فوق السماء وقد أخبر ملائكته أنه جاعله في الأرض خليفة وكيف يسكنه دار الخلد التي من دخلها خلد فيها ولا يخرج منها قال تعالى: {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} قالوا ولم يكن معناً في المسألة إلا أن الله سبحانه أهبط إبليس من السماء حين امتنع من السجود لآدم عليه السلام وهذا أمر تكوين لا يمكن وقوع خلافه ثم أدخل آدم عليه السلام الجنة بعد هذا فإن الأمر بالسجود كان عقب خلقه من غير فصل فلو كانت الجنة فوق السموات لم يكن لإبليس سبيل إلى صعوده إليها وقد أهبط منها. وأما تلك التقادير التي قدرتموها فتكلفات ظاهرة كقول من قال يجوز أن يصعد إليها صعودا عارضا لا مستقرا وقول من قال أدخلته الحية وقول من قال دخل في أجوافها وقول من قال يجوز أن تصل وسوسته إليها وهو في الأرض وهما فوق السماء ولا يخفى ما في ذلك من التعسف الشديد والتكلف البعيد وهذا بخلاف قولنا فإنه سبحانه لما أهبطه من ملكوت السماء حيث لم يسجد لآدم عليه السلام أشرب عداوته فلما أسكنه جنته حسده عدوه وسعى بكيده وغروره في إخراجه منها والله أعلم. قالوا ومما يدل على أن جنة آدم لم تكن جنة الخلد التي وعد المتقون أن الله سبحانه لما خلقه أعلمه أن لعمره أجلا ينتهي إليه وأنه لم يخلقه للبقاء كما روى الترمذي في جامعه من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لما خلق الله آدم عليه السلام ونفخ فيه الروح عطس فقال الحمد لله فحمد الله بإذنه فقال ربه يرحمك الله يا آدم اذهب إلى أولئك الملائكة إلى ملأ منهم جلوس فقال السلام عليكم قالوا وعليك السلام..الخ" ثم رجع إلى ربه فقال إن هذه تحيتك وتحية بنيك بينهم فقال الله له ويداه مقبوضتان أختر أيهما شئت فقال أخترت يمين ربي وكلتا يديه يمين مباركة ثم بسطها فإذا فيها آدم وذريته فقال يا رب ما هؤلاء قال هؤلاء ذريتك فإذا كل إنسان مكتوب بين عينيه عمره فإذا فيهم رجل أضوؤهم قال يا رب من هذا قال هذا ابنك داود قد كتبت له عمرا أربعين سنة قال يا رب زده في عمره قال ذلك الذي كتبت له قال أي رب فإني قد جعلت له من عمري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 ستين سنة قال أنت وذلك قال ثم أسكن الجنة ما شاء الله ثم أهبط منها فكان آدم عليه السلام يعد لنفسه قال فأتاه ملك الموت فقال له آدم قد عجلت قد كتبت لي ألف سنة قال بلى ولكنك جعلت لابنك داود ستين سنة فجحد فجحدت ذريته ونسي فنسيت ذريته قال فمن يومئذ أمر بالكتاب والشهود " قال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وقد روى من غير وجه عن أبي هريرة. قالوا فهذا صريح في أن آدم عليه السلام لم يخلق في دار البقاء التي لا يموت من دخلها وإنما خلق في دار الفناء التي جعل الله تعالى لها ولسكانها أجلا معلوما وفيها أسكن. فإن قيل فإذا كان آدم عليه السلام قد علم أن له عمرا مقدرا وأجلا ينتهي إليه وإنه ليس من الخالدين فكيف لم يعلم كذب إبليس في قوله هل أدلك على شجرة الخلد وقوله أو تكونا من الخالدين؟ فالجواب من وجهين: أحدهما أن الخلد لا يستلزم الدوام والبقاء بل هو المكث الطويل كما سيأتي. الثاني أن إبليس لما حلف له وغره وأطمعه في الخلود نسي ما قدر له من عمره. قالوا وأيضا فمن المعلوم الذي لا ينازع فيه مسلم أن الله سبحانه خلق آدم عليه السلام من تربة هذه الأرض وأخبر أنه خلقه من سلالة من طين وأنه خلقه من صلصال من حمأ مسنون فقيل هو الذي له صلصلة ليبسة وقيل هو الذي تغيرت رائحته من قولهم صل اللحم إذا تغير والحمأ الطين الأسود المتغير والمسنون المصبوب وهذه كلها أطوار للتراب الذي هو مبدؤه الأول كما أخبر عن أطوار خلق الذرية من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ولم يخبر سبحانه وتعالى أنه رفعه من الأرض إلى فوق السماوات لا قبل التخليق ولا بعده فأين الدليل الدال على إصعاد مادته أو إصعاده هو بعد خلقه وهذا ما لا دليل لكم عليه ولا هو لازم من لوازم ما أخبر الله به؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 قالوا من المعلوم أن ما فوق السماوات ليس بمكان للطين الأرضي المتغير الرائحة الذي قد أنتن من تغيره وإنما محل هذه الأرض التي هي محل المتغيرات الفاسدات وأما ما فوق الأفلاك فلا يلحقه تغير ولا نتن ولا فساد ولا استحالة فهذا أمر لا يرتاب فيه العقلاء. قالوا وقد قال الله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} . فأخبر سبحانه أن عطاء الجنة الخلد غير مجذوذ. قالوا: فإذا جمع ما أخبر به سبحانه من أنه خلقه من الأرض وجعله خليفة في الأرض وأن إبليس وسوس إليه في مكانه الذي أسكنه فيه بعد أن أهبطه من السماء بامتناعه من السجود له وأنه أخبر ملائكته أنه جاعل في الأرض خليفة وأن دار الخلد دار جزاء وثواب على الامتحان والتكاليف وأنه لا لغو فيها ولا تأثيم ولا كذاب وأن من دخلها لا يخرج منها ولا ييأس ولا يحزن ولا يخاف ولا ينام وأن الله حرمها على الكافرين وإبليس رأس الكفر فإذا جمع ذلك بعضه إلى بعض وفكر فيه المنصف الذي رفع له علم الدليل فشمر إليه بنفسه عن حضيض التقليد تبين له الصواب والله الموفق. قالوا: ولو لم يكن في المسألة إلا أن الجنة ليست دار تكليف وقد كلف الله سبحانه الأبوين بينهما عن الأكل من الشجرة فدل على أنها دار تكليف لا جزاء وخلد فهذا أيضا بعض ما احتجت به هذه الفرقة على قولها والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 الباب الخامس: في جواب أرباب هذا القول لأصحاب القول الأول . قالوا أما قولكم إن قولنا هو الذي فطر الله عليه عباده بحيث لا يعرفون سواه فالمسألة سمعية لا تعرف إلا بأخبار الرسل ونحن وأنتما إنما تلقينا هذا من القرآن لا من المعقول ولا من الفطرة فالمتبع فيه ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله ونحن نطالبكم بصاحب واحد أو تابع أو أثر صحيح أو حسن بأنها جنة الخلد التي أعدها الله للمؤمنين بعينها ولن تجدوا إلى ذلك سبيلا وقد أوجدناكم من كلام السلف ما يدل على خلافه ولكن لما وردت الجنة مطلقة في هذه القصة ووافقت اسم الجنة التي أعدها الله لعباده في إطلاقها وبعض أوصافها فذهب كثير من الأوهام إلى أنها بعينها فإن أردتم بالفطرة هذا القدر لم يفدكم شيئا وإن أردتم أن الله فطر الخلق على ذلك كما فطرهم على حسن العدل وقبح الظلم وغير ذلك من الأمور الفطرية فدعوى باطلة ونحن إذا رجعنا إلى فطرنا لم نجد علمها بذلك كعلمها بوجوب الواجبات واستحالة المستحيلات. وأما استدلالكم بحديث أبي هريرة رضي الله عنه وقول آدم "وهل أخرجكم منها إلا خطيئة أبيكم" فأنما يدل على تأخر آدم عليه السلام عن الاستقباح للخطيئة التي قد تقدمت منه في دار الدنيا وأنه بسبب تلك الخطيئة حصل له الخروج من الجنة كما في اللفظ الآخر إني نهيت عن أكل الشجرة فأكلت منها فأين في هذا ما يدل على أنها جنة المأوى بمطابقة أو تضمن أو استلزام وكذلك قول موسى له أخرجتنا ونفسك من الجنة فإنه لم يقل له أخرجتنا من جنة الخلد. وقولكم أنهم خرجوا إلى بساتين من جنس الجنة التي في الأرض فاسم الجنة وإن أطلق على تلك البساتين فبينها وبين جنة آدم ما لا يعلمه إلا الله وهي كالسجن بالنسبة إليها واشتراكهما في كونهما في الأرض لا ينفي تفاوتهما أعظم تفاوت في جميع الأشياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وأما استدلالكم بقوله تعالى: {وقلنا أهبطوا} عقيب إخراجهم من الجنة فلفظ الهبوط لا يستلزم النزول من السماء إلى الأرض غايته أن يدل على النزول من مكان عال إلى أسفل منه وهذا غير منكر فإنها كانت جنة في أعلى الأرض فأهبطوا منها إلى الأرض. وقد بينا أن الأمر كان لآدم عليه السلام وزوجه وعدوهما فلو كانت الجنة في السماء لما كان عدوهما متمكنا منها بعد إهباطه الأول لما أبى السجود لآدم عليه السلام فالآية أيضا من أظهر الحجج عليكم ولا تغني عنكم وجوه التعسفات والتكلفات التي قدرتموها وقد تقدمت. وأما قوله تعالى {وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} فهذا لا يدل على أنهم لم يكونوا قبل ذلك في الأرض فإن الأرض اسم جنس وكانوا في أعلاها وأطيبها وأفضلها في محل لا يدركهم فيه جوع ولا عرى ولا ظمأ ولا ضحى فاهبطوا إلى أرض يعرض فيها ذلك كله وفيها حياتهم وموتهم وخروجهم من القبور والجنة التي أسكناها لم تكن دار نصب ولا تعب ولا أذى والأرض التي أهبطوا إليها هي محل التعب والنصب والأذى وأنواع المكاره وأما قولكم إنه سبحانه وتعالى وصفها بصفات لا تكون في الدنيا فجوابه إن تلك الصفات لا تكون في الأرض التي أهبطوا إليها فمن أين لكم أنها لا تكون في الأرض التي أهبطوا منها وأما قولكم إن آدم عليه السلام كان يعلم إن الدنيا منقضية فانية فلو كانت الجنة فيها لعلم كذب إبليس في قوله: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ} . فجوابه من وجهين: أحدهما: أن اللفظ أنما يدل على الخلد وهو أعم من الدوام الذي انقطاع له فإنه في اللغة المكث الطويل ومكث كل شيء بحسبه ومنه قولهم رجل مخلد إذا أسن وكبر ومنه قولهم لأثافي الصخور خوالد لطول بقائها بعد دروس الأطلال قال: إلا رمادا هامدا دفعت ... عنه الرياح خوالد سُحم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 ونظير هذا إطلاقهم القديم على ما تقادم عهده وإن كان له أول كما قال تعالى: {كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} {إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} و {إِفْكٌ قَدِيمٌ} وقد أطلق تعالى الخلود في النار على عذاب بعض العصاة كقاتل النفس وأطلقه النبي صلى الله عليه وسلم على قاتل نفسه. الوجه الثاني: أن العلم بانقطاع الدنيا ومجئ الآخرة أنما يعلم الوحي ولم يتقدم لآدم عليه الصلاة والسلام نبوة يعلم بها ذلك وهو وأن نباه الله سبحانه وتعالى وأوحى إليه وأنزل عليه صحفا كما في حديث أبي ذر لكن هذا بعد إهباطه إلى الأرض بنص القرآن قال تعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} وكذلك في سورة البقرة: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدى} . وأما قولكم: إن الجنة وردت معرفة باللام غير مراد بها جنة الخلد قطعا كقوله تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} وقولكم: إن السياق ها هنا دل على أنها جنة في الأرض. قلنا: والأدلة التي ذكرناها دلت على أن جنة آدم عليه السلام في الأرض فلذلك صرنا إلى موجبها إذ لا يجوز تعطيل دلالة الدليل الصحيح. وأما استدلالكم بأثر أبي موسى أن الله أخرج آدم عليه السلام من الجنة وزوده من ثمارها فليس فيه زيادة على ما دل عليه القرآن إلا تزوده منها وهذا لا يقتضي أن تكون جنة الخلد. وقولكم: إن هذه تتغير وتلك لا تتغير فمن أين لكم أن الجنة التي أسكنها آدم كان التغير يعرض لثمارها كما يعرض لهذه الثمار وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم أي لم يتغير ولم ينتن وقد أبقىالله سبحانه وتعالى في هذا العالم طعام العزيز وشرابه مئة سنة لم يتغير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 وأما قولكم: إن الله سبحانه وتعالى ضمن لآدم عليه السلام إن تاب أن يعيده إلى الجنة. فلا ريب أن الأمر كذلك ولكن ليس يعلم أن الضمان إنما يتناول عوده إلى تلك الجنة بعينها بل إذا أعاده إلى جنة الخلد فقد وفى سبحانه بضمانه حق الوفاء ولفظ العود لا يستلزم الرجوع إلى عين الحالة الأولى ولا زمانها ولا مكانها بل ولا إلى نظيرها كما قال شعيب لقومه {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا} وقد جعل الله سبحانه المظاهر عائدا بإرادته الوطء ثانيا أو بنفس الوطء أو بالإمساك وكل منها غير الأول لا عينه فهذا ما أجابت به هذه الطائفة لمن نازعها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 الباب السادس في جواب من زعم أنها جنة الخلد عما احتج به منازعوهم قالوا: أما قولكم: إن الله سبحانه أخبر أن جنة الخلد إنما يقع الدخول إليها يوم القيامة ولم يأت زمن دخولها بعد فهذا حق في الدخول المطلق الذي هو دخول استقرار ودوام وأما الدخول العارض فيقع قبل يوم القيامة. وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم الجنة ليلة الإسراء وأرواح المؤمنين والشهداء في البرزخ في الجنة وهذا غير الدخول الذي اخبر الله به في يوم القيامة فدخول الخلود إنما يكون يوم القيامة فمن أين لكم أن مطلق الدخول لا يكون في الدنيا وبهذا خرج الجواب عن استدلالكم بكونها دار المقامة ودار الخلد؟ قالوا وأما احتجاجكم بسائر الوجوه التي ذكرتموها في الجنة وأنها لم توجد في جنة آدم عليه السلام من العري والنصب والحزن واللغو والكذب وغيرها فهذا كله حق لا ننكره نحن ولا أحد من أهل الإسلام. ولكن هذا إذا دخلها المؤمنون يوم القيامة كما يدل عليه سياق الآيات كلها فإن نفي ذلك مقرون بدخول المؤمنين إياها وهذا لا ينفي أن يكون فيها بين أبوي الثقلين ما حكاه الله سبحانه وتعالى من ذلك ثم يصير الأمر عند دخول المؤمنين إياها إلى ما أخبر الله عنها فلا تنافي بين الأمرين. وأما قولكم: إنها دار جزاء وثواب لا دار تكليف وقد كلف الله سبحانه آدم بالنهي عن الأكل من تلك الشجرة فدل على أن تلك الجنة دار تكليف لا دار خلود فجوابه من وجهين: أحدهما: أنه إنما تمتنع أن تكون دار تكليف إذا دخلها المؤمنين يوم القيامة فحينئذ ينقطع التكليف وأما وقوع التكليف فيها دار الدنيا فلا دليل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 على امتناعه البتة كيف وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" دخلت البارحة الجنة فرأيت امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت لمن أنت " الحديث. وغير ممتنع أن يكون فيها من يعمل بأمر الله ويعبد الله قبل يوم القيامة بل هذا هو الواقع فإن من فيها الآن مؤتمرون بأوامر من قبل ربهم لا يتعدونها سواء سمى ذلك تكليفا أو لم يسم. الوجه الثاني: أن التكليف فيهالم يكن بالأعمال التي يكلف بها الناس في الدنيا من الصيام والصلاة والجهاد ونحوها وإنما كان حجرا عليهما في شجرة واحدة من جملة أشجارها إما واحدة بالعين أو بالنوع وهذا القدر لا يمتنع وقوعه في دار الخلد كما أن كل واحد محجور عليه أن يقرب أهل غيره فيها فإن أردتم بكونها ليست دار تكليف امتناع وقوع مثل هذا فيها في وقت من الأوقات فلا دليل عليه وإن أردتم أن تكاليف الدنيا منتفية عنها فهو حق ولكن لا يدل على مطلوبكم. وأما استدلالكم بنوم آدم فيها والجنة لا ينام أهلها فهذا أن ثبت النقل بنوم آدم فإنما ينفي النوم عن أهلها يوم دخول الخلود حيث لا يموتون وأما قبل ذلك فلا. وأما استدلالكم بقصة وسوسة إبليس له بعد إهباطه وإخراجه من السماء فلعمر الله إنه لمن أقوى الأدلة وأظهرها على صحة قولكم وتلك التعسفات لدخوله الجنة وصعوده إلى السماء بعد إهباط الله له منها لا يرتضيها منصف ولكن لا يمتنع أن يصعد إلى هنالك صعودا عارضا لتمام الابتلاء والامتحان الذي قدره الله تعالى وقدر أسبابه وإن لم يكن ذلك المكان مقعدا له مستقرا كما كان وقد أخبر الله سبحانه عن الشياطين أنهم كانوا قبل مبعث رسول الله صلىالله عليه وسلم يقعدون من السماء مقاعد للسمع فيستمعون الشيء من الوحي وهذا صعود إلى هناك ولكنه صعود عارض لا يستقرون في المكان الذي يصعدون إليه مع قوله تعالى {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ} فلا تنافي بين هذا الصعود وبين الأمر بالهبوط فهذا محتمل والله أعلم وأما استدلالكم بأن الله سبحانه أعْلَمَ آدم عليه السلام مقدار أجله وما ذكرتم من الحديث وتقرير الدلالة منه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 فجوابه أن إعلامه بذلك لا ينافي إدخاله جنة الخلد وإسكانه فيها مدة وأما إخباره سبحانه إن داخلها لا يموت وإنه لا يخرج منها فهذا يوم القيامة وأما احتجاجكم بكونه خلق من الأرض فلا ريب في ذلك ولكن من أين لكم أنه كمل خلقه فيها وقد جاء في بعض الآثار أن الله سبحانه ألقاه على باب الجنة أربعين صباحا فجعل إبليس يطوف به ويقول لأمر ما خلقت فلما رآه أجوف علم أنه خلق لا يتمالك فقال لئن سلطت عليه لأهلكنه ولئن سلط علي لا عصينه مع أن قوله سبحانه {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} يدل على أنه كان معهم في السماء حيث أنبأهم بتلك الأسماء وإلا فهم لم ينزلوا كلهم إلى الأرض حتى سمعوا منه ذلك ولو كان خلقه قد كمل في الأرض لم يمتنع أن يصعده سبحانه الى السماء لأمر دبره وقدره ثم يعيده إلى الأرض فقد أصعد المسيح إلى السماء ثم ينزله إلى الأرض قبل يوم القيامة وقد أسرى ببدن رسول الله وروحه إلى فوق السموات فهذا جواب القائلين بأنها جنة الخلد لمنازعيهم والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 الباب السابع: في ذكر شبه من زعم أن الجنة لم تخلق بعد قالوا لو كانت الجنة مخلوقة الآن لوجب اضطرار أن تفنى يوم القيامة وأن يهلك كل ما فيها ويموت لقوله تعالى {هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} و {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ} الْمَوْتِ فتموت الحور العين التي فيها والولدان وقد أخبر سبحانه أن الدار دار خلود ومن فيها مخلدون لا يموتون فيها وخبره سبحانه لا يجوز عليه خلف ولا نسخ قالوا وقد روى الترمذي في جامعه من حديث ابن مسعود قال قال رسول الله:"لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال يا محمد أقريء أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " قال هذا حديث حسن غريب وفيه أيضا من حديث أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة" قال هذا حديث حسن صحيح قالوا فلو كانت الجنة مخلوقة مفروغا منها لم تكن قيعانا ولم يكن لهذا الغرس معنى قالوا وقد قال تعالى عن امرأة فرعون إنها قالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} ومحال أن يقول قائل لمن نسج له ثوبا أو بنى له بيتا أنسج لي ثوبا وابن لي بيتا وأصرح من هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة" متفق عليه وهذه جملة مركبة من شرط وجزاء تقتضي وقوع الجزاء بعد الشرط بإجماع أهل العربية وهذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وعمرو بن عنبسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 قالوا وقد جاءت آثار بأن الملائكة تغرس فيها وتبني للعبد ما دام يعمل فإذا فتر فتر الملك عن العمل قالوا وقد روى ابن حبان في صحيحه والإمام أحمد في مسنده من حديث أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله: "إذا قبض الله ولد العبد قال يا ملك الموت قبضت ولد عبدي قبضت قرة عينه وثمرة فؤاده قال نعم قال فما قال قال حمدك واسترجع قال ابنوا له بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد " وفي المسند من حديثه أيضا قال قال رسول الله: "من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة سوى الفريضة بنى الله له بيتا في الجنة" قالوا وليس هذا من أقوال أهل البدع والاعتزال كما زعمتم فهذا ابن مزين قد ذكر في تفسيره عن ابن نافع وهو من أئمة السنة أنه سئل عن الجنة أمخلوقة هي فقال: "السكوت عن هذا أفضل" والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 الباب الثامن: في الجواب عما احتجت به هذه الطائفة قد تقدم في الباب الأول من ذكر الأدلة الدالة على وجود الجنة الآن ما فيه كفاية فنقول ما تعنون بقولكم إن الجنة لم تخلق بعد أتريدون أنها الآن عدم محض لم تدخل إلى الوجود بعد بل هي بمنزلة النفخ في الصور وقيام الناس من القبور فهذا قول باطل يرده المعلوم بالضرورة من الأحاديث الصريحة الصحيحة التي تقدم بعضها وسيأتي بعضها وهذا قول لم يقله أحد من السلف ولا أهل السنة وهو باطل قطعا أم تريدون أنها لم تخلق بكمالها وجميع ما أعد الله فيها لأهلها وأنها لا يزال الله يحدث فيها شيئا بعد شيء وإذا دخلها المؤمنون أحدث الله فيها عند دخولهم أمورا أخر فهذا حق لا يمكن رده وأدلتكم هذه إنما دلت على هذا القدر وحديث ابن مسعود الذي ذكرتموه وحديث أبي الزبير عن جابر صريحان في أن أرضها مخلوقة وأن الذكر ينشىء الله سبحانه لقائله منه غراسا في تلك الأرض وكذا بناء البيوت فيها بالأعمال المذكورة والعبد كلما وسع في أعمال البر وسع له في الجنة وكلما عمل خيرا غرس له به هناك غراس وبنى له بناء وأنشئ له من عمله أنواع مما يتمتع به فهذا القدر لا يدل على أن الجنة لم تخلق بعد ولا يسوغ إطلاق ذلك وأما احتجاجكم بقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَه} فإنما أتيتم من عدم فهمكم معنى الآية واحتجاجكم بها على عدم وجود الجنة والنار الآن نظيرا احتجاج إخوانكم بها على فنائهما وخرابهما وموت أهلهما فلا أنتم وفقتم لفهم معناها ولا إخوانكم وإنما وفق لفهم معناها السلف وأئمة الإسلام ونحن نذكر بعض كلامهم في الآية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 قال البخاري في صحيحه:" يقال كل شيء هالك إلا وجهه إلا ملكه ويقال إلا ما أريد به وجهه وقال الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله:" فأما السماء والأرض فقد زالتا لأن أهلهما صاروا إلى الجنة وإلى النار وأما العرش فلا يبيد ولا يذهب لأنه سقف الجنة والله سبحانه وتعالى عليه فلا يهلك ولا يبيد" وأما قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَه} فذلك أن الله سبحانه وتعالى أنزل {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} فقالت الملائكة هلك أهل الأرض وطمعوا في البقاء فأخبر الله تعالى عن أهل السموات وأهل الأرض أنهم يموتون فقال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِك} يعني ميت إلا وجهه لأنه حي لا يموت فأيقنت الملائكة عند ذلك بالموت انتهى كلامه وقال في رواية أبي العباس أحمد بن جعفر ابن يعقوب الاصطخري ذكره أبو الحسين في كتاب الطبقات قال قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل:"هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المتمسكين بعروتها المعروفين بها والمقتدى بهم فيها من لدن أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مخالف مبتدع خارج عن الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق" وساق أقوالهم إلى أن قال:" وقد خلقت الجنة وما فيها وخلقت النار وما فيها وخلقهما الله عز وجل وخلق الخلق لهما ولا يفنيان ولا يفنى ما فيهما أبدا" فإن احتج مبتدع أو زنديق بقول الله عز وجل كل شيء هالك إلا وجهه وبنحو هذا من متشابه القرآن قيل له كل شيء مما كتب الله عليه الفناء والهلاك هالك والجنة والنار خلقتا للبقاء لا للفناء ولا للهلاك وهما من الآخرة لا من الدنيا والحور العين لا يمتن عند قيام الساعة ولا عند النفخة ولا أبدا لأن الله عز وجل خلقهن للبقاء لا للفناء ولم يكتب عليهن الموت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 فمن قال خلاف هذا فهو مبتدع وقد ضل عن سواء السبيل وخلق سبع سموات بعضها فوق بعض وسبع أرضين بعضها أسفل من بعض وبين الأرض العليا والسماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام والماء فوق السماء العليا السابعة وعرش الرحمن عز وجل فوق الماء وأن الله عز وجل على العرش والكرسي موضع قدميه وهو يعلم ما في السموات والأرضين السبع وما بينهما وما تحت الثرى وما في قعر البحر ومنبت كل شعرة وشجرة وكل زرع وكل نبات ومسقط كل ورقة وعدد كل كلمة وعدد الحصا والتراب والرمل ومثاقيل الجبال وأعمال العباد وآثارهم وكلامهم وأنفاسهم ويعلم كل شيء لا يخفى عليه من ذلك شيء وهو على العرش فوق السماء السابعة ودونه حجب من نار ونور وظلمة وما هو أعلم بها فإن احتج مبتدع ومخالف بقول الله عز وجل: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} وقوله {وهو معكم أينما كنتم} وقوله {إلا هو معهم أينما كانوا} وقوله {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم} ونحو هذا من متشابه القرآن فقل إنما يعني بذلك العلم لأن الله عز وجل على العرش فوق السماء السابعة العليا يعلم ذلك كله وهو بائن من خلقه لا يخلو من علمه مكان وقال في رواية أبي جعفر الطائي محمد بن عوف بن سفيان الحمصي قال الخلال حافظ إمام في زمانه معروف بالتقدم في العلم والمعرفة كان أحمد بن حنبل يعرف له ذلك ويقبل منه ويسأله عن الرجال من أهل بلده قال أملى على أحمد بن حنبل فذكر رسالة في السنة ثم قال في أثنائها وأن الجنة والنار مخلوقتان قد خلقتا كما جاء الخبر قال النبي صلى الله عليه وسلم صلىالله عليه وسلم "دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا ورأيت الكوثر واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها كذا وكذا .... " فمن زعم أنهما لم يخلقا فهو مكذب برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالقرآن كافر بالجنة والنار يستتاب فإن تاب وإلا قتل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وقال في رواية عبندوس بن مالك العطار وذكر رسالة في السنة قال فيها والجنة والنار مخلوقتان قد خلقتا كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها كذا وكذا وأطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها كذا وكذا" فمن زعم أنهما لم يخلقا فهو مكذب بالقرآن وأحاديث رسول الله ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار فتأمل هذه الأبواب وما تضمنته من النقول والمباحث والنكت والفوائد التي لا تظفر بها في غير هذا الكتاب البتة ونحن اختصرنا الكلام في ذلك ولو بسطناه لقام منه سفر ضخم والله المستعان وعليه التكلان وهو الموفق للصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 الباب التاسع: في ذكر عدد أبواب الجنة قال الله تعالى {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالدِين} وقال في صفة النار {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} بغير واو فقالت طائفة هذه واو الثمانية دخلت في أبواب الجنة لكونها ثمانية وأبواب النار سبعة فلم تدخلها الواو وهذا قول ضعيف لا دليل عليه ولا تعرفه العرب ولا أئمة العربية وإنما هو من استنباط بعض المتأخرين وقالت طائفة أخرى الواو زائدة والجواب الفعل الذي بعدها كما هو في الآية الثانية وهذا أيضا ضعيف فإن زيادة الواو غير معروف في كلامهم ولا يليق بأفصح الكلام أن يكون فيه حرف زائد لغير معنى ولا فائدة وقالت طائفة ثالثة الجواب محذوف وقوله "وفتحت أبوابها" عطف على قوله جاؤها وهذا اختيار أبي عبيدة والمبرد والزجاج وغيرهم قال المبرد:" وحذف الجواب أبلغ عند أهل العلم" قال أبو الفتح بن جني:" وأصحابنا يدفعون زيادة الواو ولا يجيزونه ويرون أن الجواب محذوف للعلم به بقي أن يقال فما السر في حذف الجواب في آية أهل الجنة وذكره في آية أهل النار فيقال هذا أبلغ في الموضعين فإن الملائكة تسوق أهل النار إليها وأبوابها مغلقة حتى إذا وصلوا إليها فتحت في وجوههم ففجأهم العذاب بغتة فحين انتهوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 إليها فتحت أبوابها بلا مهلة فإن هذا شأن الجزاء المرتب على الشرط أن يكون عقيبه فإنها دار الإهانة والخزي فلم يستأذن لهم في دخولها ويطلب إلى خزنتها أن يمكنوهم من الدخول وأما الجنة فإنها دار الله ودار كرامته ومحل خواصه وأوليائه فإذا انتهوا إليها صادفوا أبوابها مغلقة فيرغبون إلى صاحبها ومالكها أن يفتحها لهم ويستشفعون إليه بأولي العزم من رسله وكلهم يتأخر عن ذلك حتى تقع الدلالة على خاتمهم وسيدهم وأفضلهم فيقول:" أنا لها" فيأتي إلى تحت العرش ويخر ساجدا لربه فيدعه ما شاء الله أن يدعه ثم يأذن له في رفع رأسه وأن يسأل حاجته فيشفع إليه سبحانه في فتح أبوابها فيشفعه ويفتحها تعظيما لخطرها وإظهارا لمنزلة رسوله وكرامته عليه وإن مثل هذه الدار هي دار ملك الملوك ورب العالمين إنما يدخل إليها بعد تلك الأهوال العظيمة التي أولها من حين عقل العبد في هذه الدار إلى أن انتهى إليها وما ركبه من الأطباق طبقا بعد طبق وقاساه من الشدائد شدة بعد شدة حتى أذن الله تعالى لخاتم أنبيائه ورسله وأحب خلقه إليه أن يشفع إليه في فتحها لهم وهذا أبلغ وأعظم في تمام النعمة وحصول الفرح والسرور مما يقدر عليه بخلاف ذلك ولئلا يتوهم الجأهل أنها بمنزلة الخان الذي يدخله من شاء فجنة الله عالية غالية بين الناس وبينها من العقبات والمفاوز والأخطار مالا تنال إلا به فما لمن أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ولهذه الدار فليعد عنها إلى ما هو أولى به وقد خلق له وهيئ له وتأمل ما في سوق الفريقين إلى الدارين زمرا من فرحة هؤلاء بإخوانهم وسيرهم معهم كل زمرة على حده كل مشتركين في عمل متصاحبين فيه على زمرتهم وجماعتهم مستبشرين أقوياء القلوب كما كانوا في الدنيا وقت اجتماعهم على الخير كذلك يؤنس بعضهم بعضا ويفرح بعضهم ببعض وكذلك أصحاب الدار الأخرى يساقون إليها زمرا يلعن بعضهم بعضا ويتأذى بعضهم ببعض وذلك أبلغ في الخزي والفضيحة والهتيكة من أن يساقوا واحدا واحدا فلا تهمل تدبر قوله:"زمرا" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 وقال خزنة أهل الجنة لأهلها "سلام عليكم" فبدؤهم بالسلام المتضمن للسلامة من كل شر ومكروه أي سلمتم فلا يلحقكم بعد اليوم ما تكرهون ثم قال لهم "طبتم فادخلوها خالدين" أي سلامتكم ودخولها بطيبكم فإن الله حرمها إلا على الطيبين فبشروهم بالسلامة والطيب والدخول والخلود وأما أهل النار فإنهم لما انتهوا إليها على تلك الحال من الهم والغم والحزن وفتحت لهم أبوابها وقفوا عليها وزيدوا على ما هم عليه توبيخ خزنتها وتبكيتهم لهم بقولهم: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ} هذا فاعترفوا وقالوا بلى فبشروهم بدخولها والخلود فيها وإنها بئس المثوى لهم وتأمل قول خزنة الجنة لأهلها أدخلوها وقول خزنة النار لأهلها أدخلوا أبواب جهنم تجد تحته سرا لطيفا ومعنى بديعا لا يخفى على المتأمل وهو أنها لما كانت دار العقوبة وأبوابها أفظع شيء وأشده حرا وأعظمه عما يستقبل فيها الداخل من العذاب ما هو أشد منها ويدنوا من الغمّ والخزي والحزن والكرب بدخول الأبواب فقيل ادخلوا أبوابها صغارا لهم وإذلالا وخزيا ثم قيل لهم لا يقتصر بكم على مجرد دخول الأبواب الفظيعة ولكن وراءها الخلود في النار وأما الجنة فهي دار الكرامة والمنزل الذي أعده الله لأوليائه فبشروا من أول وهلة بالدخول إلى المقاعد والمنازل والخلود فيها وتأمل قوله سبحانه: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ} كيف تجد تحته معنى بديعا وهو أنهم إذا دخلوا الجنة لم تغلق أبوابها عليهم بل تبقى مفتحة كما هي وأما النار فإذا دخلها أهلها أغلقت عليهم أبوابها كما قال تعالى {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} أي مطبقة ومنه سمي الباب وصيدا وهي مؤصدة في عمد ممددة قد جعلت العمد ممسكة للأبواب من خلفها كالحجر العظيم الذي يجعل خلف الباب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 قال مقاتل يعني أبوابها عليهم مطبقة فلا يفتح لها باب ولا يخرج منها غم ولا يدخل فيها روح آخر الأبد وأيضا فإن في تفتيح الأبواب لهم إشارة إلى تصرفهم وذهابهم وإيابهم وتبوئهم في الجنة حيث شاؤا ودخول الملائكة عليهم كل وقت بالتحف والألطاف من ربهم ودخول ما يسرهم عليهم كل وقت وأيضا إشارة إلى أنها دار أمن لا يحتاجون فيها إلى غلق الأبواب كما كانوا يحتجون إلى ذلك في الدنيا وقد اختلف أهل العربية في الضمير العائد من الصفة على الموصوف في هذه الجملة فقال الكوفيون التقدير مفتحة لهم أبوابها والعرب تعاقت بين الألف واللام والإضافة فيقولون مررت برجل حسن العين أي عينه ومنه قوله تعالى: {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} أي مأواه وقال بعض البصريين التقدير مفتحة لهم الأبواب منها فحذف الضمير وما اتصل به وقال هذا التقدير في العربية أجود من أن تجعل الألف واللام بدلا من الهاء والألف لأن معنى الألف واللام ليس من معنى الهاء والألف في شيء لأن الهاء والألف اسم والألف واللام دخلتا للتعريف ولا يبدل حرف من اسم ولا ينوب عنه قالوا وأيضا لو كانت الألف واللام بدلا من الضمير لوجب أن يكون في مفتحة ضمير الجنات ويكون معنى "مفتحة" هي ثم أبدل منها الأبواب ولو كان كذلك لوجب نصب الأبواب لكون "مفتحة" قد رفع ضمير الفاعل فلا يجوز أن يرفع به اسم آخر لامتناع ارتفاع فاعلين بفعل واحد فلما ارتفع "الأبواب" دل على أن "مفتحة" خال من ضمير و"الأبواب" مرتفعة به وإذا كان في الصفة ضمير تعين نصب الثاني كما تقول مررت برجل حسن الوجه ولو رفعت الوجه ونونت حسنا لم يجز فالألف واللام إذا للتعريف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 ليس إلا فلا بد من ضمير يعود على الموصوف الذي هو جنات عدن ولا ضمير في اللفظ فهو محذوف تقديره "الأبواب" منها وعندي أن هذا غير مبطل لقول الكوفيين فإنهم لم يريدوا بالبدل إلا أن الألف واللام خلف وعوض عن الضمير تغني عنه وإجماع العرب على قولهم حسن الوجه وحسن وجهه شاهد بذلك وقد قالوا إن التنوين بدل من الألف واللام بمعنى أنهما لا يجتمعان وكذلك المضاف إليه يكون بدلا من التنوين والتنوين بدل من الإضافة بمعنى التعاقب والتوارد ولا يريدون بقولهم هذا بدل من هذا أن معنى البدل معنى المبدل منه بل قد يكون في كل منهما معنى لا يكون في الآخر فالكوفيون أرادوا أن الألف واللام في الأبواب أغنت عن الضمير لو قيل أبوابها وهذا صحيح فإن المقصود الربط بن الصفة والموصوف بأمر يجعلها له لا مستقلة فلما كان الضمير عائدا على الموصوف نفي توهم الاستقلال وكذلك لام التعريف فإن كلا من الضمير واللام يعين صاحبه هذا يعين مفسره وهذا يعين ما دخل عليه وقد قالوا في زيد نعم الرجل إن الألف واللام أغنت عن الضمير والله أعلم وقد أعرب الزمخشري هذه الآية أعرابا أعترض عليه فيه فقال: "جنات عدن" معرفة كقوله: {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ} وانتصابها على أنها عطف بيان لحسن مآب ومفتحة حال والعامل فيها ما في المتقين من معنى الفعل وفي مفتحة ضمير الجنات والأبواب بدل من الضمير تقديره مفتحة هي الأبو اب كقولهم ضرب زيد اليد والرجل وهو من بدل الاشتمال هذا إعرابه فاعترض عليه بأن جنات عدن ليس فيها ما يقتضي تعريفها وأما قوله {الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ} فبدل لا صفة وبأن جنات عدن لا يسهل أن تكون عطف بيان لحسن مآب على قوله لأن جريان المعرفة على النكرة عطف بيان لا قائل به فإن القائل قائلان: أحدهما أنه لا يكون إلا في المعارف كقول البصريين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 والثاني أنه يكون في المعارف والنكرات بشرط المطابقة كقول الكوفيين وأبي علي الفارسي وقوله أن في مفتحة ضمير الجنات فالظاهر خلافه وأن الأبواب مرتفع به ولا ضمير فيه وقوله أن الأبواب بدل اشتمال فبدل الاشتمال قد صرح هو وغيره أنه لا بد فيه من الضمير وإن نازعهم فيه آخرون ولكن يجوز أن يكون الضمير ملفوظا به وأن يكون مقدرا وهنا لم يلفظ به فلا بد من تقديره أي الأبواب منها فإذا كان التقدير مفتحة لهم هي الأبواب منها كان فيه تكثير للإضمار وتقليله أولى وفي الصحيحين من حديث أبي حازم عن سهل بن سعد أن رسول الله قال: "في الجنة ثمانية أبواب باب منها يسمى الريان" لا يدخله إلا الصائمون" وفي الصحيحين من حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله " من أنفق زوجين في شيء من الأشياء في سبيل الله دعى من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعى من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعى من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعى من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان" فقال أبو بكر بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها فقال نعم وأرجوا أن تكون منهم" وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما منكم من أحد يتوضأ فيبالغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء" زاد الترمذي بعد التشهد "اللهم اجعلني من التوأبين واجعلني من المتطهرين" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 زاد أبو داود والإمام أحمد "ثم رفع نظره إلى السماء فقال " وعند الإمام أحمد من رواية أنس يرفعه "من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال ثلاث مرات أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فتح له أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل " وعن عتبة بن عبد الله السلمي قال سمعت رسول الله يقول "ما من مسلم يتوفى له ثلاثا من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل " رواه ابن ماجه وعبد الله بن أحمد عن ابن نمير ثنا إسحق بن سليمان ثنا جرير بن عثمان عن شرحبيل بن شفعة عن عتبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 الباب العاشر: في ذكر سعة أبوابها عن أبي هريرة قال وضعت بين يدي رسول الله قصعة من ثريد ولحم فتناول الذراع وكان أحب الشاة إليه فنهش نهشة وقال: "أنا سيد الناس يوم القيامة ثم نهش أخرى وقال أنا سيد الناس يوم القيامة فلما رأى أصحابه لا يسألونه قال ألا تقولون كيف" قالوا كيف يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقوم الناس لرب العالمين فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر" فذكر حديث الشفاعة بطوله وقال في آخره "فانطلق فأتي تحت العرش فاقع ساجدا لربي فيقيمني رب العالمين مقاما لم يقمه أحدا قبلي ولن يقيمه أحد بعدي فأقول يا رب أمتي أمتي فيقول يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصارع الجنة لكما بين مكة وهجرا أوهجر ومكة" وفي لفظ "لكما بين مكة وهجر" أو "كما بين مكة وبصرى" متفق على صحته وفي لفظ خارج الصحيح بإسناده إن ما بين عضادتي الباب لكما بين مكة وهجر وعن خالد بن عمير العدوي قال خطبنا عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن الدنيا قد أذنت بصرم وولت حذاء ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يصطبها صاحبها وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها فانتقلوا بخير ما بحضرتكم ولقد ذكر لنا أن مصراعين من مصاريع الجنة بينهما مسيرة أربعين سنة وليأتينّ عليه يوم وهو كظيظ من الزحام فهذا موقوف والذي قبله مرفوع فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذاكر له كان هذا ما بين باب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 من أبوابها ولعله الباب الأعظم وإن كان الذاكر لهم ذلك غير رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقدم على حديث أبي هريرة المتقدم ولكن قد روى الإمام أحمد في مسنده من طريق حماد بن سلمة الجريري يحدث عن حكيم بن معاوية عن أبيه أن رسول الله قال "أنتم توفون سبعين أمة أنتم آخرها وأكرمها على الله وما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاما وليأتين عليه يوم وإنه لكظيظ " وقد رواه ابن أبي داود أنبأنا إسحاق بن شاهين أنبأنا خالد عن الجريري عن حكيم بن معاوية عن أبيه يرفعه "ما بين كل مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة سبع سنين" وروينا في مسند عبد بن حميد أنبأنا الحسن بن موسى أنبأنا ابن لهيعة أنبأنا دراج أبو السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله قال ما من مصراعين في الجنة لمسيرة أربعين سنة وحديث أبي هريرة أصح وهذه النسخة ضعيفة والله أعلم وروى أبو الشيخ أنبأنا جعفر بن أحمد بن فارس أنبأنا يعقوب بن حميد أنبأنا معن حدثنا خالد بن أبي بكر عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الباب الذي يدخل منه أهل الجنة مسيرة الراكب المجود ثلاثا ثم انهم ليضطغطون عليه حتى تكاد مناكبهم تزول" رواه أبو نعيم عنه وهذا مطابق للحديث المتفق عليه "إن ما بين المصراعين كما بين مكة وبصرى" فإن الراكب الموجد غاية الإجادة على أسرع هجين لا يفتر ليلا ولا نهارا يقطع هذه المسافة في هذا القدر أو قريب منه وأما حديث حكيم بن معاوية فقد اضطرب رواته فحماد بن سلمة ذكر عن الجريري التقدير بإربعين عاما وخالد ذكر عنه التقدير بسبع سنين وحديث أبي سعيد المرفوع فيه التقدير بأربعين عاما على طريقة دراج عن أبي الهيثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 قال الإمام أحمد أحاديث دراج مناكير وقال أبو حاتم الرازي ضعيف, وقال النسائي, ليس بالقوي, فالصحيح المرفوع السالم عن الاضطراب والشذوذ والعلة حديث أبي هريرة المتفق على صحته على أن حديث حكيم بن معاوية ليس التقدير فيه بظاهر الرفع ويحتمل أنه مدرج في الحديث موقوف فيكون كحديث عتبة بن غزوان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 الباب الحادي عشر: في صفة أبوابها وأنها ذات حلق روى الوليد بن مسلم عن خليد عن الحسن {مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ} قال أبواب ترى وذكرا أيضا عن خليد عن قتادة قال أبواب يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها تتكلم وتكلم وتفهم ما يقال لها انفتحي انغلقي وقال أبو الشيخ أنبأنا محمد بن عبد الله بن محمد القيسي أنبأنا محمد بن إسحاق أنبأنا أحمد بن أبي الحواري أنبأنا عبد الله بن غياث عن الفزاري قال لكل مؤمن في الجنة أربعة أبواب فباب يدخل عليه منه زواره من الملائكة وباب يدخل عليه منه أزواجه من الحور العين وباب مقفل فيما بينه وبين أهل النار يفتحه إذا شاء ينظر إليهم لتعظم النعمة عليه وباب فيما بينه وبين دار السلام يدخل منه على ربه إذا شاء وقد روى سهيل بن أبي صالح عن زياد النمري عن أنس بن مالك قال قال رسول الله "أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة ولا فخر" وفي حديث الشفاعة الطويل من رواية ابن عيينة عن علي بن زيد عن انس قال قال رسول الله "فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها" وهذا صريح في أنها حلقة حسية تحرك وتقعقع وروى سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "آخذ بحلقة باب الجنة فيؤذن لي " ويذكر عن علي رضي الله عنه "من قال لا إله الله الملك الحق المبين في كل يوم مائة مرة كان له أمان من الفقر ومن وحشة القبر واستجلب به الغني واستقرع به باب الجنة" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 فصل ولما كانت الجنات درجات بعضها فوق بعض كانت أبوابها كذلك وباب الجنة العالية فوق باب الجنة التي تحتها وكلما علت الجنة اتسعت فعاليها أوسع مما دونه وسعة الباب بحسب وسع الجنة ولعل هذا وجه الاختلاف الذي جاء في مسافة ما بين مصراعي الباب فإن أبوابها بعضها أعلى من بعض ولهذه الأمة باب مختص بهم يدخلون منه دون سائر الأمم كما في المسند من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "باب أمتي الذي يدخلون منه الجنة عرض مسيرة الراكب الجواد ثلاثا ثم أنهم ليضغطون حتى تكاد مناكبهم تزول" وفيه من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل فأخذ بيدي فأراني باب الجنة الذي تدخل منه أمتي" الحديث وسياتي بتمامه إن شاء الله تعالى وقال خلف بن هشام البزار ثنا أبو شهاب عن عمرو بن قيس الملائي عن أبي إسحاق عن عاصم بن حمزة عن علي بن أبي طالب قال إن أبواب الجنة هكذا بعضها فوق بعض ثم قرأ {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} إذا هم عندها بشجرة في أصلها عينان تجريان فيشربون من إحداهما فلا يترك في بطونهم قذى ولا أذى إلا رمته ويغتسلون من الأخرى فتجري عليهم نضرة النعيم فلا تشعث رؤسهم ولا تغير أبشارهم بعد هذا أبدا ثم قرأ {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} فيدخل الرجل وهو يعرف منزله ويتلقاها الولدان فيستبشرون برؤيتهم كما يستبشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 الأهل بالحميم يقدم من الغيبة فينطلقون إلى أزواجهم فيخبرونهم بمعاناتهم فنقول أنت رايته فيقوم إلى الباب فيدخل إلى بيته فيتكيء على سريره فينظر إلى أساس بيته فإذا هو قد أسس على اللؤلؤ ثم ينظر في أخضر وأحمر وأصفر ثم يرفع رأسه إلى سماء بيته فلولا أنه خلق له لا لتمع بصره فيقول الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 الباب الثاني عشر: في ذكر مسافة ما بين الباب والباب روينا في معجم الطبراني أنبأنا مصعب بن إبراهيم بن حمزة الزبيري وعبد الله بن الصقر العسكري قالا أنبأنا إبراهيم بن المنذر الحرامي ثنا عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حرام حدثني عبد الرحمن بن عياش الأنصاري حدثنا دلهم بن الأسود بن عبد الله بن حاجب بن المنتفق قال دلهم وحدثنيه أيضا أبو الأسود عن عاصم بن لقيط أن لقيط بن عامر أخرج وافد إلى الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما الجنة والنار قال: لعمر إلهك أن للنار سبعة أبواب ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما وإن للجنة ثمانية أبواب ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما" وذكر الحديث بطولة وهذا الظاهر منه أن هذه المسافة بين الباب والباب لأن ما بين مكة وبصرى لا يحتمل التقدير بسبعين عاما ولا يمكن حمله على باب معين لقوله ما منهن بابان والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 الباب الثالث عشر: في مكان الجنة وأين هي قال الله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} وقد ثبت أن سدرة المنتهى فوق السماء وسميت بذلك لأنها ينتهي إليها ما ينزل من عند الله فيقبض منها وما يصعد إليه فيقبض منها وقال تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} قال ابن أبي نجيح عن مجاهد:" هو الجنة "وكذلك تلقاه الناس عنه وقد ذكر ابن المنذر في تفسيره وغيره أيضا عن مجاهد قال:" هو الجنة والنار" وهذا يحتاج إلى تفسير فإن النار في أسفل السافلين ليست في السماء ومعنى هذا ما قاله في رواية ابن أبي نجيح عنه وقاله أبو صالح عن ابن عباس الخير والشر كلاهما يأتي من السماء وعلى هذا فالمعنى أسباب الجنة والنار بقدر ثابت في السماء من عند الله وقال الحارث بن أبي أسامة حدثنا عبد العزيز بن أبان حدثنا مهدي ابن ميمون حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب عن بشر بن شغاف قال سمعت عبد الله بن سلام يقول: "أن أكرم خليقة الله أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وإن الجنة في السماء" رواه ابو نعيم عنه قال ورواه معمر بن راشد عن محمد بن أبي يعقوب مرفوعا ثم ساقه من طريق ابن منيع قال ثنا عمرو الناقد ثنا عمرو بن عثمان ثنا موسى بن أعين عن معمر به مرفوعا ثم ساق من طريق محمد بن فضيل ثنا محمد بن عبد الله عن عطية عن ابن عباس أنه قال: "الجنة في السماء السابعة ويجعلها الله حيث شاء يوم القيامة وجهنم في الأرض السابعة" وقال ابن منده ثنا أحمد بن إسحاق قال ثنا أبو أحمد الزبيري ثنا محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 بن عبد الله عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء عن عبد الله قال: "الجنة في السماء الرابعة فإذا كان يوم القيامة جعلها الله حيث يشاء والنار في الأرض السابعة فإذا كان يوم القيامة جعلها الله حيث يشاء". وقال مجاهد قلت لابن عباس أين الجنة قال فوق سبع سماوات قلت فأين النار قال تحت سبعة أبحر مطبقة رواه ابن منده عن أحمد بن إسحاق عن الزبيري عن إسرائيل عن ابن أبي يحيى عن مجاهد وأما الأثر الذي رواه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عيسى بن يونس عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن عمرو قال الجنة مطوية معلقة بقرون الشمس تنتشر في كل عام مرة وإن أرواح المؤمنين في طير كالزرازير يتعارفون ويرزقون من ثمر الجنة فهذا قد يظهر منه التناقض بين أول كلامه وآخره ولا تناقض فيه فإن الجنة المعلقة بقرون الشمس ما يحدثه الله سبحانه وتعالى بالشمس في كل سنة مرة من أنواع الثمار والفواكه والنبات جعله الله تعالى مذكرا بتلك الجنة وآية دالة عليها كما جعل هذه النار مذكرة بتلك وإلا فالجنة التي عرضها السموات والأرض ليست معلقة بقرون الشمس وهي فوق الشمس أكبر منها وقد ثبت في الصحيحين عنه أنه قال: "الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض" وهذا يدل على أنها في غاية العلو والارتفاع والله أعلم والحديث له لفظان هذا أحدهما والثاني "إن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض أعدها الله للمجاهدين في سبيله" وشيخنا يرجح هذا اللفظ وهو لا ينفي أن يكون درج الجنة أكبر من ذلك ونظير هذا قوله في الحديث الصحيح "إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة" أي من جملة أسمائه هذا القدر فيكون الكلام جملة واحدة في الموضعين ويدل على صحة هذا أن منزلة نبينا فوق هذا كله في درجة في الجنة ليس فوقها درجة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 وتلك المائة ينالها آحاد أمته بالجهاد والجنة مقببة أعلاها وأوسعها ووسطها هو الفردوس وسقفه العرش كما قال في الحديث الصحيح "إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة فوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة" قال شيخنا أبو الحجاج المزي: "والصواب رواية من رواه وفوقه بضم القاف على أنه أسم لا ظرف أي وسقفه عرش الرحمن فإن قيل فالجنة جميعها تحت العرش والعرش سقفها فإن الكرسي وسع السموات والأرض والعرش أكبر منه قيل: لما كان العرش أقرب إلى الفردوس مما دونه من الجنات بحيث لا جنة فوقه دون العرش كان سقفا له دون ما تحته من الجنات ولعظم سعة الجنة وغاية ارتفاعها يكون الصعود من أدناها إلى أعلاها بالتدريج شيئا فشيئا درجة فوق درجة كما يقال لقاريء القرآن "اقرأ وارق فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها" وهذا يحتمل شيئين أن تكون منزلته عند آخر حفظه وأن تكون عند آخر تلاوته لمحفوظة والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 الباب الرابع عشر: في مفتاح الجنة قال الحسن بن عرفة: ثنا إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسن عن شهر بن حوشب عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله " رواه الإمام أحمد في مسنده ولفظه: " مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله" وذكر البخاري في صحيحه عن وهب بن منبه أنه قيل له: "أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله قال: بلى ولكن ليس من مفتاح إلا وله أسنان فإن أتيت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح" وروى أبو نعيم من حديث أبان عن أنس قال قال: أعرابي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مفتاح الجنة قال: "لا إله إلا الله" وذكر أبو الشيخ من حديث الأعمش عن مجاهد عن يزيد بن سخيرة قال:"إن السيوف مفاتيح الجنة" وفي المسند من حديث معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ألا أدلك على باب من أبواب الجنة" قلت: بلى قال:"لا حول ولا قوة إلا بالله" وقد جعل الله سبحانه لكل مطلوب مفتاحا يفتح به فجعل مفتاح الصلاة الطهور كما قال مفتاح الصلاة الطهارة ومفتاح الحج الإحرام ومفتاح البر الصدق ومفتاح الجنة التوحيد ومفتاح العلم حسن السؤال حسن الإصغاء ومفتاح النصر والظفر الصبر ومفتاح المزيد الشكر ومفتاح الولاية المحبة والذكر ومفتاح الفلاح التقوى ومفتاح التوفيق الرغبة والرهبة ومفتاح الإجابة الدعاء ومفتاح الرغبة في الآخرة الزهد في الدنيا ومفتاح الإيمان التفكر فيما دعا الله عباده إلى التفكر فيه ومفتاح الدخول على الله إسلام القلب وسلامته له والإخلاص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 له في الحب والبغض والفعل والترك ومفتاح حياة القلب تدبر القرآن والتضرع بالأسحار وترك الذنوب ومفتاح حصول الرحمة الإحسان في عبادة الخالق والسعي في نفع عبيده ومفتاح الرزق السعي مع الاستغفار والتقوى ومفتاح العز طاعة الله ورسوله ومفتاح الاستعداد للآخرة قصر الأمل ومفتاح كل خير الرغبة في الله والدار الآخرة ومفتاح كل شر حب الدنيا وطول الأمل" وهذا باب عظيم من أنفع أبواب العلم وهو معرفة مفاتيح الخير والشر لا يوفق لمعرفته ومراعاته إلا من عظم حظه وتوفيقه فإن الله سبحانه وتعالى جعل لكل خير وشر مفتاحا وبابا يدخل منه إليه كما جعل الشرك والكبر والأعراض عما بعث الله به رسوله والغفلة عن ذكره والقيام بحقه مفتاحا للنار وكما جعل الخمر مفتاح كل إثم وجعل الغنى مفتاح الزنا وجعل إطلاق النظر في الصور مفتاح الطلب والعشق وجعل الكسل والراحة مفتاح الخيبة والحرمان وجعل المعاصي مفتاح الكفر وجعل الكذب مفتاح النفاق وجعل الشح والحرص مفتاح البخل وقطيعة الرحم وأخذ المال من غير حله وجعل الأعراض عما جاء به الرسول مفتاح كل بدعة وضلالة وهذه الأمور لا يصدق بها إلا كل من له بصيرة صحيحة وعقل يعرف به ما في نفسه وما في الوجود من الخير والشر فينبغي للعبد أن يعتني كل الإعتناء بمعرفة المفاتيح وما جعلت المفاتيح له والله ومن وراء توفيقه وعدله له الملك وله الحمد وله النعمة والفضل لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 الباب الخامس عشر في توقيع الجنة ومنشورها الذي يوقع به لأصحابها بعد الموت وعند دخولها قال تعالى {كَلاّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} فأخبر الله تعالى أن كتابهم كتاب مرقوم تحقيقا لكونه مكتوبا كتابة حقيقية وخص تعالى كتاب الأبرار بإنه يكتب ويوقع لهم به بمشهد المقربين من الملائكة والنبي صلى الله عليه وسلمين وسادات المؤمنين ولم يذكر شهادة هؤلاء لكتاب الفجار تنويها بكتاب الأبرار وما وقع لهم به وإشهارا له وإظهارا بين خواص خلقه كما تكتب الملوك تواقيع من تعظمه بين الأمراء وخواص أهل المملكة تنويها باسم المكتوب له وإشادة بذكره وهذا نوع من صلاة الله سبحانه وتعالى وملائكته على عبده وروى الإمام أحمد في مسنده وابن حبان وأبو عوانة الإسفرايني في صحيحهما من حديث المنهال عن زاذان عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبر وجلسنا حوله كأن على رؤسنا الطير وهو يلحد له فقال: "أعوذ بالله من عذاب القبر ثلاث مرات ثم قال إن المؤمن إذا كان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا تنزلت إليه الملائكة كأن على وجوههم الشمس مع كل واحد منهم حنوط وكفن فجلسوا منه مد بصره ثم يجئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان قال فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض قال فيصعدون بها فلا يمرون بها يعني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الطيب فيقولون فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح لهم ويشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل فيقول الله عز وجل اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض فأنى منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى قال فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول ربي الله فيقولان له ما دينك فيقول ديني الإسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هو رسول الله فيقولان له وما علمك فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت قال فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة والبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسحله في قبره مد بصره قال ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير فيقول أنا عملك الصالح فيقول رب أقم الساعة رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي قال وان العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال على الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب قال فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الخبيث فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهي إلى سماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} فيقول الله عز وجل اكتبوا في سجين في الأرض السفلى وتطرح روحه طرحا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول ها هاه لا أدري فينادي من السماء أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول له أبشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر فيقول أنا عملك الخبيث فيقول رب لا تقم الساعة " ورواه أبو داود بطوله بنحوه فهذا التوقيع والمنشور الأول. فصل وأما المنشور الثاني فقال الطبراني في معجمه حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عطاء بن يسار عن سلمان الفارسي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة أحد إلا بجواز بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله لفلان بن فلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية". وأخبرنا سليمان بن حمزة الحاكم أنبأنا محمد بن عبد الواحد المقدسي أنبأنا زاهر الثقفي أن عبد السلام بن محمد بن عبد الله أخبرهم أنبأنا المطهر بن عبد الواحد البراقي حدثنا محمد بن إسحاق بن منده أنبأنا محمد بن علي البلخي حدثنا محمد بن خشنام حدثنا العباس بن زياد ثقة ثنا سعدان بن سعيد ثنا سليمان التميمي عن أبي عثمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 النهدي عن سليمان الفارسي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يعطي المؤمن جوازا على الصراط بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية " قلت: وقع المؤمن في قبضة أصحاب اليمين يوم القبضتين ثم كتب من أهل الجنة يوم نفخ الروح فيه ثم يكتب في ديوان أهل الجنة يوم موته ثم يعطي هذا المنشور يوم القيامة فالله المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 الباب السادس عشر: في توحد طريق الجنة وأنه ليس لها إلا طريق واحد هذا مما اتفقت عليه الرسل من أولهم إلى خاتمهم صلوات الله وسلامه عليهم وأما طرق الجحيم فأكثر من أن تحصى ولهذا يوحد سبحانه سبيله ويجمع سبل النار كقوله تعالى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِه} وقال {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ} أي ومن السبيل جائر عن القصد وهي سبيل الغي وقال {قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} وقال ابن مسعود " خط لنا رسول الله خطا وقال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وعن يساره ثم قال هذه سبل وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} الآية" فأن قيل فقد قال الله تعالى {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ} قيل: هي سبل تجمع في سبيل واحد وهي بمنزلة الجواد والطرق في الطريق الأعظم فهذه هي شعب الأيمان يجمعها الإيمان وهو شعبة كما يجمع ساق الشجرة أغصانها وشعبها وهذه السبل هي إجابة داعي داعي الله بتصديق خبره وطاعة أمره وطريق الجنة هي إجابة الداعي إليها ليس إلا وروى البخاري في صحيحه عن جابر قال جاءت ملائكة إلى النبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم "أنه نائم وقال بعضهم العين نائمة والقلب يقظان" فقالوا "أن لصاحبكم هذا مثلا فاضربوا له مثلا" فقالوا "مثله مثل رجل بني دارا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة" فقالوا: "أولوها له يفقهها" فقال بعضهم:"إن العين نائمة والقلب يقظان الدار الجنة والداعي محمد فمن أطاع محمدا فقد أطاع الله ومن عصى محمدا فقد عصى الله ومحمد فرق بين الناس" ورواه الترمذي عنه ولفظه خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: "إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي يقول أحدهما لصاحبه أضرب له مثلا فقال أسمع سمعت أذنك واعقل عقل قلبك إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك أتخذ دارا ثم بنى فيها بيتا ثم جعل مائدة ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من تركه فالله هو الملك والدار الإسلام والبيت الجنة وأنت يا محمد الرسول فمن أجابك دخل الإسلام ومن دخل الإسلام دخل الجنة ومن دخل الجنة أكل ما فيها" وصحح الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود قال: صلى رسول الله العشاء ثم انصرف فأخذ بيدي حتى خرج بي إلى بطحاء مكة فأجلسني ثم خط على خطا ثم قال لا تبرحن خطك فإنه سينتهي إليك رجال فلا تكلمهم فإنهم لا يكلمونك ثم مضى رسول الله حيث أراد فبينا أنا جالس في خطي إذا أتاني رجال أنهم الزط أشعارهم وأجسامهم لا أرى عورة ولا أرى قشرا وينتهون إلى لا يجاوزون الخط ثم يصدرون إلى رسول الله حتى إذا كان آخر الليل لكن رسول الله قد جاءني وأنا جالس فقال: لقد رآني منذ الليلة ثم دخل على في خطي فتوسد فخذي فرقد وكان رسول الله إذا رقد نفخ فبينا أنا قاعد ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوسد فخذي إذا برجال عليهم ثياب بيض الله أعلم ما بهم من الجمال فانتهوا إلى مجلس طائفة منهم عند راس رسول الله وطائفة منهم عند رجليه ثم قالوا ما رأينا عبدا قد أوتى مثل ما أوتى هذا النبي صلى الله عليه وسلم إن عينيه تنامان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وقلبه يقظان اضربوا له مثلا مثل سيد بنى قصرا ثم جعل مأدبة فدعا الناس إلى طعامه وشرابه فمن أجابه أكل من طعامه وشرب من شرابه ومن لم يجبه عاقبه أو قال عذبه ثم ارتفعوا واستيقظ رسول الله عند ذلك فقال سمعت ما قال هؤلاء وهل تدري من هم قلت الله ورسوله أعلم قال هم الملائكة فتدري ما المثل الذي ضربوه قلت الله ورسوله أعلم قال الرحمن بني الجنة ودعا إليها عباده فمن أجابه دخل الجنة ومن لم يجبه عذبه ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 الباب السابع عشر: في درجات الجنة قال تعالى {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُاًَّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} . ذكر ابن جرير عن هشام ابن حسان عن جبلة بن عطية عن ابن محيريز قال: "فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه" قال:" هي سبعون درجة ما بين الدرجتين عدو الفرس الجواد المضمر سبعين عاما" وقال ابن المبارك: أنبأنا سلمة بن نبيط عن الضحاك في قوله تعالى {لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} قال بعضهم أفضل من بعض فيرى الذي قد فضل به فضله ولا يرى الذي هو أسفل منه أنه فضل عليه أحد من الناس وتأمل قوله كيف أوقع التفضيل أولا بدرجة ثم أوقعه ثانيا بدرجات فقيل الأول بين القاعد المعذور والمجاهد والثاني بين القاعد بلا عذر والمجاهد وقال تعالى {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} وقال تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 غير موجودة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 نفسي بيده وأقوام آمنوا بالله وصدقوا المرسلين" وهذا على شرط البخاري أيضا وفي المسند من حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن المتحأبين لترى غرفهم في الجنة كالكوكب الطالع الشرقي أو الغربي فيقال من هؤلاء فيقال هؤلاء المتحابون في الله عز وجل " في المسند من حديث أبي سعيد الخدري أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أن في الجنة مائة ولو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن وسعتهم" وفي المسند عنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة اقرأ واصعد فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه وهذا صريح في أن درج الجنة تزيد على مائة درجة " وأما حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله بين كل درجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة" فإما أن تكون هذه المائة من جملة الدرج وإما أن تكون نهايتها هذه المائة وفي ضمن كل درجة درج دونها ويدل على المعنى الأول حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من صلى هؤلاء الصلوات الخمس وصام شهر رمضان كان حقا على الله أن يغفر له هاجر أو قعد حيث ولدته أمه" قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخرج فأوذن الناس قال: "لا ذر الناس يعملون فإن في الجنة مائة درجة بين كل درجتين منها مثل ما بين السماء والأرض وأعلى درجة منها الفردوس وعليها ما يكون العرش وهي أوسط شيء في الجنة ومنها تفجر أنهار الجنة وإذا سألتم الله فسلوه الفردوس " رواه الترمذي هكذا بلفظه وروى أيضا: من حديث عطاء عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 عليه وسلم قال: "إن في الجنة مائة درجة ثم "ذكر نحو حديث معاذ وفيه أيضا من حديث عطاء عن أبي هريرة قال قال رسول الله في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين مائة عام قال هذا حديث حسن غريب وفيه أيضا من حديث أبي سعيد يرفعه "أن في الجنة مائة درجة لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم" ورواه أحمد بدون لفظة في كما تقدم وقد رويت هذه الأحاديث بلفظة في وبدونها وإن كان المحفوظ ثبوتها فهي من جملة درجها وإن كان المحفوظ سقوطها فهي الدرج الكبار المتضمنة للدرج الصغار والله أعلم ولا تناقض بين تقدير ما بين الدرجتين بالمائة وتقديره بالخمسمائة لاختلاف السير في السرعة والبطء والنبي صلى الله عليه وسلمذكر هذا تقريبا للافهام ويدل عليه حديث زيد بن حبان حدثنا عبد الرحمن بن شريح حدثني أبو هانيء التجيبي سمعت أبا علي التجيبي سمعت أبا سعيد الخدري يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " مائة درجة في الجنة ما بين الدرجتين ما بين السماء والأرض أو بعد ما بين السماء والأرض " قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قال: "للمجاهدين في سبيل الله ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الباب الثامن عشر: في ذكر أعلى درجاتها واسم تلك الدرجة روى مسلم في صحيحه من حديث عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليّ فأنه من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشرا ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي" وقال أحمد أنبأنا عبد الرزاق أنبأنا سفيان عن ليث عن كعب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال إذا صليتم فسلوا الله لي الوسيلة قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما الوسيلة قال أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل واحد وأرجو أن أكون أنا هو" هكذا الرواية أن أكون أنا هو ووجهها أن تكون الجملة خبرا عن اسم كان المستتر فيها ولا يكون أنا فصلا ولا توكيدا بل مبتدأ وفي الصحيحين من حديث جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمد الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة" هكذا لفظ الحديث مقاما بالتنكير ليوافق لفظ الآية ولأنه لما تعين وانحصر نوعه في شخصه جرى مجرى المعرفة فوصف بما توصف به المعارف وهذا ألطف من جعل الذي وعدته بدلا فتأمله وفي المسند من حديث عمارة بن غزية عن موسى بن وردان عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوسيلة درجة عند الله عز وجل ليس فوقها درجة فسلوا الله لي الوسيلة " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وذكره ابن أبي الدنيا وقال فيه: " درجة في الجنة ليس في الجنة درجة أعلى منها فسلوا الله أن يؤتينيها على رؤوس الخلائق" وقال أبو نعيم أنبأنا سليمان بن أحمد حدثنا أحمد بن عمرو بن سلم الخلال حدثنا عبد الله بن عمران العبادي حدثنا فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أنك لأحب إلي من نفسي وإنك لأحب إلي من أهلي وأحب إلي من ولدي وأحب إلي من كذا وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبين وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلمحتى نزل جبريل بهذا الآية {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} قال الحافظ أبو عبد الله المقدسي لا أعلم بإسناد هذا الحديث بأسا وسميت درجة النبي صلى الله عليه وسلم الوسيلة لأنها أقرب الدرجات إلى عرش الرحمن وهي أقرب الدرجات إلى الله وأصل اشتقاق لفظ الوسيلة من القرب وهي فعيلة من وسل إليه إذا تقرب إليه قال لبيد: بلى كل ذي رأي إلى الله واسل ومعني الوسيلة من الوصلة ولهذا كانت أفضل الجنة وأشرفها وأعظمها نورا وقال صالح بن عبد الكريم قال لنا فضيل بن عياض أتدرون لم حسنت الجنة لأن عرش رب العالمين سقفها وقال الحكم ابن أبان عن عكرمة عن ابن عباس نور سقف مساكنهم نور عرشه وقال بكر عن أشعث عن الحسن إنما سميت عدن لأن فوقها العرش ومنه تفجر أنهار الجنة وللحور العدنية الفضل على سائر الحور والقربى والزلفى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 واحد وإن كان في الوسيلة معنى التقرب إليه بأنواع الوسائل وقال الكلبي اطلبوا إليه القربة بالأعمال الصالحة وقد كشف سبحانه عن هذا المعنى كل الكشف بقوله {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَب} فقوله أيهم أقرب هو تفسير للوسيلة التي يبتغيها هؤلاء الذين يدعوهم المشركون من دون الله فيتنافسون في القرب منه ولما كان رسول أعظم الخلق عبودية لربه وأعلمهم به وأشدهم له خشية وأعظمهم له محبة كانت منزلته أقرب المنازل إلى الله وهي أعلى درجة في الجنة وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته أن يسألوها له لينالوا بهذا الدعاء زلفى من الله وزيادة الإيمان وأيضا فإن الله سبحانه قدرها له بأسباب منها دعاء أمته له بها بما نالوه على يده من الإيمان والهدى صلوات الله وسلامه عليه وقوله حلت عليه يروى عليه وله فمن رواه باللام فمعناه حصلت له ومن رواه بعلى فمعناه وقعت عليه شفاعتي والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 الباب التاسع عشر: في عرض الرب تعالى سلعته الجنة على عباده وثمنها الذي طلبه منهم وعقد التبايع الذي وقع بين المؤمنين وبين ربهم قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} فجعل سبحانه ها هنا الجنة ثمنا لنفوس المؤمنين وأموالهم بحيث إذا بذلوها فيه استحقوا الثمن وعقد معهم هذا العقد وأكده بأنواع من التأكيد أحدها: إخبارهم سبحانه وتعالى بصيغة الخبر المؤكد بأداة أن الثاني: الأخبار بذلك بصيغة المرضى الذي قد وقع وثبت واستقر الثالث: إضافة هذا العقد إلى نفسه سبحانه وأنه هو الذي اشترى هذا المبيع الرابع: أنه أخبر بأنه وعد بتسليم هذا الثمن وعدا لا يخلفه ولا يتركه الخامس: أنه أتى بصيغة على التي للوجوب أعلاما لعباده بأن ذلك حق عليه أحقه هو على نفسه السادس: أنه أكد ذلك بكونه حقا عليه السابع: أنه أخبر عن محل هذا الوعد وأنه في أفضل كتبه المنزلة من السماء وهي التوراة والإنجيل والقرآن الثامن: إعلامه لعباده بصيغة استفهام الإنكار وأنه لا أحد أوفى بعهده منه سبحان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 التاسع: أنه سبحانه وتعالى أمرهم أن يستبشروا بهذا العقد ويبشر به بعضهم بعضا بشارة من قد تم له العقد ولزم بحيث لا يثبت فيه خيار ولا يعرض له ما يفسخه العاشر: أنه أخبرهم إخبارا مؤكدا بأن ذلك البيع الذي بايعوه به هو الفوز العظيم والبيع ههنا بمعنى المبيع الذي أخذوه بهذا الثمن وهو الجنة وقوله بايعتم به أي عاوضتم وثامنتم به ثم ذكر سبحانه أنه هذا العقد الذي وقع العقد وتم لهم دون غيرهم وهم التائبون مما يكره العابدون له بما يحب الحامدون له على ما يحبون وما يكرهون السائحون وفسرت السياحة بالصيام وفسرت بالسفر في طلب العلم وفسرت بالجهاد وفسرت بدوام الطاعة والتحقيق فيها أنها سياحة القلب في ذكر الله ومحبته والإنابة إليه والشوق إلى لقائه ويترتب عليها كل ما ذكر من الأفعال ولذلك وصف الله سبحانه نساء النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي لو طلق أزواجه بدله بهن بأنهن سائحات وليست سياحتهن جهادا ولا سفرا في طلب علم ولا إدامة صيام وإنما هي سياحة قلوبهن في محبة الله تعالى وخشيته والإنابة إليه وذكره وتأمل كيف جعل الله سبحانه التوبة والعبادة قرينتين هذه ترك ما يكره وهذه فعل ما يحب والحمد والسياحة قرينتين هذا الثناء عليه بأوصاف كماله وسياحة اللسان في أفضل ذكره وهذه سياحة القلب في حبه وذكره وإجلاله كما جعل سبحانه العبادة والسياحة قرينتين في صفة الأزواج فهذه عبادة البدن وهذه عبادة القلب وجعل الإسلام والإيمان قرينتين فهذا علانية وهذا في القلب كما في المسند عنه صلى الله عليه وسلم "الإسلام علانية والإيمان في القلب" وجعل القنوت والتوبة قرينتين هذا فعل ما يحب وهذا ترك ما يكره وجعل الثيوبة والبكارة قرينتين فهذه قد وطئت وارتاضت وذللت صعوبها وهذه روضة أنف لم يرتع فيها بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 وجعل الركوع والسجود قرينتين, وجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قرينتين وأدخل بينهما الواو دون ما تقدم إعلاما بأن أحدهما لا يكفي حتى يكون مع الآخر وجعل ذلك قرينا لحفظ حدوده فهذا حفظها في نفس الإنسان وذلك أمر غيره بحفظها وأفهمت الآية خطر النفس الإنسانية وشرفها وعظم مقدارها فإن السلعة إذا خفي عليك قدرها فانظر إلى المشتري لها من هو ونظر إلى الثمن المبذول فيها ما هو وانظر إلى ما جرى على يده عقد التبايع فالسلعة النفس والله سبحانه المشتري لها والثمن جنات النعيم والسفير في هذا العقد خير خلقه من الملائكة وأكرمهم عليه وخيرهم من البشر وأكرمهم عليه: قد هيؤك لأمر لو فطنت له ... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل وفي جامع الترمذي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا أن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة" قال هذا, حديث حسن, غريب وفي كتاب صفة الجنة لأبي نعيم من حديث أبان عن أنس قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما ثمن الجنة قال:" لا إله إلا الله " وشواهد هذا الحديث كثيرة جدا وفي, الصحيحين, من حديث أبي هريرة أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة فقال: " تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان: قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئا أبدا ولا أنقص منه فلما ولى قال من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا" وفي, صحيح مسلم, عن جابر قال أتى النعمان بن قوقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم "أرأيت إذا صليت المكتوبة وحرمت الحرام وأحللت الحلال أدخل الجنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم" وفي, صحيح مسلم, عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 "من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة" وفي سنن أبي داود عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" وفي الصحيحين, عن أبي ذر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني آت من ربي فأخبرني أو قال فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك شيئا دخل الجنة قلت وأن زنى وأن سرق قال وإن زنى وأن سرق " وفي, الصحيحين, من حديث عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء" وفي لفظ: "أدخله الله الجنة على ما كان من عمل" وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى أبا هريرة نعليه فقال: "اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة" وقال روح ابن عبادة عن حبيب بن الشهيد عن الحسن قال: "ثمن الجنة لا إله إلا الله" وروى أبو نعيم من حديث أبي الزبير عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل أحدا منكم الجنة عمله ولا يجيره من النار ولا أنا إلا بتوحيد الله تعالى " وإسناده على شرط مسلم وأصل الحديث في الصحيح فصل وههنا أمر يجب التنبيه عليه وهو أن الجنة إنما تدخل برحمة الله تعالى وليس عمل العبد مستقلا بدخولها وإن كان سببا ولهذا أثبت الله تعالى دخولها بالأعمال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 في قوله: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ونفى رسول الله دخولها بالأعمال بقوله لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله ولا تنافي بين الأمرين لوجهين أحدهما: ما ذكره سفيان وغيره قال كانوا يقولون النجاة من النار يعفر الله ودخول الجنة برحمته واقتسام المنازل والدرجات بالأعمال ويدل على هذا حديث أبي هريرة الذي سيأتي إن شاء الله تعالى أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم رواه الترمذي والثاني: أن الباء التي نفت الدخول هي باء المعاوضة التي يكون فيها أحد العوضين مقابلا للآخر والباء التي أثبتت الدخول هي باء السببية التي تقتضي سببية ما دخلت عليه لغيره وأن لم يكن مستقلا بحصوله وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الأمرين بقوله: "سددوا وقاربوا وأبشروا واعلموا أن أحدا منكم لن ينجو بعمله" قالوا: ولا أنت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ولا أنا ألا أن يتغمدني الله برحمته" ومن عرف الله تعالى وشهد مشهد حقه عليه ومشهد تقصيره وذنوبه وابصر هذين المشهدين بقلبه عرف ذلك وجزم به والله سبحانه وتعالى المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 الباب العشرون: في طلب أهل الجنة لها من ربهم وطلبها لهم وشفاعتها فيهم إلى ربهم عز وجل قال الله تعالى حكاية عن أولي الألباب من عباده قولهم: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} والمعنى: وآتنا ما وعدتنا على ألسنة رسلك من دخول الجنة وقالت طائفة معناه وآتنا ما وعدتنا على الإيمان برسلك وليس يسهل حذف الاسم والحرف معا إلا أن يقدر على تصديق رسلك وطاعة رسلك وحينئذ فيتكافأ التقديران ويترجح الأول بأنه قد تقدم قولهم {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} وهذا صريح في الإيمان بالرسول والمرسل ثم توسلوا إليه بإيمانهم أن يؤتيهم ما وعدهم على السنة الرسل فإنهم أنما سمعوا بوعدهم لهم بذلك من الرسل وذلك أيضا يتضمن التصديق بهم وأنهم بلغوهم وعده فصدقوا به وسألوه أن يؤتيهم إياه وهذا هو الذي ذكره السلف والخلف في الآية وقيل المعنى آتنا ما وعدتنا من النصر والظفر على ألسنة الرسل والأول أعم وأكمل وتأمل كيف تضمن إيمانهم به والإيمان بأمره ونهيه ورسله ووعده ووعيده وأسمائه وصفاته وأفعاله وصدق وعده والخوف من وعيده واستجابتهم لأمره فبمجموع ذلك صاروا مؤمنين بربهم تعالى فبذلك صح لهم التوسل إلى سؤال ما وعدهم به والنجاة من عذابه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 وقد أشكل على بعض الناس سؤالهم أن ينجز لهم ما وعدهم مع أنه فاعل لذلك ولا بد وأجاب بأن هذا تعبد محض كقوله: {رَبِّ احْكُمْ بِالْحَق} وقول الملائكة: {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} وخفي على هؤلاء أن الوعد معلق بشروط منها الرغبة إليه سبحانه وتعالى وسؤاله أن ينجزه لهم كما أنه معلق بالإيمان وموافاتهم به وأن لا يلحقه ما يحبطه فإذا سألوه سبحانه أن ينجز لهم ما وعدهم تضمن ذلك توفيقهم وتثبيتهم وإعانتهم على الأسباب التي ينجز لهم بها وعده كان هذا الدعاء من أهم الادعية وأنفعها وهم أحوج إليه من كثير من الادعية وأما قوله رب أحكم فهذا سؤال له سبحانه وتعالى أن ينصرهم على أعدائهم فيحكم لهم عليهم بالنصر والغلبة وكذلك سؤال الملائكة ربهم أن يغفر للتائبين هو من الأسباب التي يوجب بها لهم المغفرة فهو سبحانه نصب الأسباب التي يفعل بها ما يريده بأوليائه وأعدائه وجعلها أسبابا لإرادته كما جعلها أسبابا لوقوع مراده فمنه السبب والمسبب وإن أشكل عليك ذلك فانظر إلى خلقه الأسباب التي توجب محبته وغضبه فهو يحب ويرضى ويغضب ويسخط عبر الأسباب التي خلقها وشاءها فالكل منه وبه فهو مبتدأ من مشيئته وعائد إلى حكمته وحده وهذا باب عظيم من أبواب التوحيد لا يلجه إلا العالمون بالله ونظير هذه الآية في سؤاله ما وعد به قوله تعالى {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيراً لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُولاً} يسأله إياه عباده المؤمنون ويسأله إياه ملائكته لهم فالجنة تسأل ربها أهلها وأهلها يسألونه إياها والملائكة تسألها لهم والرسل يسألونه إياها لهم ولأتباعهم ويوم القيامة يقيمهم سبحانه بين يديه يشفعون فيها لعباده المؤمنين وفي هذا من تمام ملكه وإظهار رحمته وإحسانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وجوده وكرمه وأعطائه ما سئل ما هو من لوازم أسمائه وصفاته واقتضائها لآثارها ومتعلقاتها فلا يجوز تعطيلها عن آثارها وأحكامها فالرب تعالى جواد له الجود كله يحب أن يسئل ويطلب منه ويرغب إليه فخلق من يسأله وألهمه سؤاله وخلق له ما يسأله إياه فهو خالق السائل وسؤاله ومسئوله وذلك لمحبته سؤال عباده له ورغبتهم إليه وطلبهم منه وهو يغضب إذا لم يسئل: الله يغضب إن تركت سؤاله ... وبني آدم حين يسئل يغضب وأحب خلقه إليه أكثرهم وأفضلهم له سؤالا وهو يحب الملحين في الدعاء وكلما ألح العبد عليه في السؤال أحبه وقربه وأعطاه وفي الحديث: "من لم يسأل الله يغضب عليه " فلا إله إلا هو أي جناية جنت القواعد الفاسدة على الإيمان وحالت بين القلوب وبين معرفة ربها وأسمائه وصفات كماله ونعوت جلاله والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله قال أبو نعيم الفضل حدثنا يونس هو ابن أبي إسحاق حدثنا يزيد بن أبي مرثد قال قال أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يسأل الله الجنة ثلاثا إلا قالت الجنة اللهم أدخله الجنة ومن استجار من النار بالله ثلاثا قالت النار اللهم إجره من النار" رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن هناد بن السري عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن يزيد به وقال الحسن بن سفيان حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن ليث عن يونس بن حبان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما سأل الله عبد الجنة في يوم سبع مرات إلا قالت الجنة يا رب أن عبدك فلانا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 يسألني فأدخلينه". وقال أبو يعلى الموصلى حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب حدثنا جرير عن يونس عن أبي حازم عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما استجار عبد من النار سبع مرات إلا قالت النار أن عبدك فلانا استجار مني فأجره ولا يسأل عبد الجنة سبع مرات إلا قالت الجنة يا رب أن عبدك فلانا سألني فأدخله الجنة" وإسناده على شرط الصحيحين وقال أبو داود في مسنده حدثنا شعبة حدثني يونس بن حبان سمع أبا علقمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال أسأل الله الجنة سبعا قالت الجنة اللهم أدخله الجنة " وقال الحسن بن سفيان حدثنا المقدمي حدثنا عمر بن علي عن يحيى بن عبد الله عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا مسألة الله الجنة واستعيذوا به من النار فأنهما شافعتان مشفعتان وأن العبد إذا أكثر مسألة الله الجنة قالت الجنة يا رب عبدك هذا الذي سألينك فأسكنه إياي وتقول النار يا رب عبدك هذا الذي استعاذ بك مني فاعذه" وقد كان جماعة من السلف لا يسألون الله الجنة ويقولون حسبنا أن يجيرنا من النار فمنهم أبو الصهباء صلة بن أشيم صلى ليلة إلى السحر ثم رفع يديه وقال اللهم أجرني من النار أو مثلي يجترئ أن يسألك الجنة؟ ومنهم عطاء السلمي كان لا يسأل الجنة فقال له صالح المري إن أبان حدثني عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله عز وجل انظروا في ديوان عبدي فمن رايتموه سألني الجنة أعطيته ومن أستعذ بي من النار أعذته فقال عطاء كفاني أن يجيرني من النار" ذكرها أبو نعيم وقد روى أبو داود في سننه من حديث جابر في قصة صلاة معاذ وتطويله بهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للفتي يعنى الذي شكاه: "كيف تصنع يا ابن أخي إذا صليت قال أقرأ بفاتحة الكتاب وأسأل الله الجنة وأعوذ به من النار وأني لا أدري ما دندنتك ودندنة معاذ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أني ومعاذا حولها ندندن" وفي سنن أبي داود من حديث محمد بن المنكدر عن جابر عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يسئل بوجه الله إلا الجنة" رواه عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 أحمد بن عمرو العصفري حدثنا يعقوب بن إسحاق حدثنا سليمان بن معاذ عن محمد فذكره وقد تقدم في أول الكتاب حديث الليث عن معاوية عن صالح عن عبد الملك ابن أبي بشير يرفع الحديث "ما من يوم إلا والجنة والنار يسألان تقول الجنة يا رب قد طابت ثماري وأطردت أنهاري واشتقت إلى أوليائي فعجل إلى بأهلي" الحديث فالجنة تطلب أهلها بالذات وتجذبهم إليه جذبا والنار كذلك وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نزال نذكرهما ولا ننساهما كما روى أبو يعلي الموصلي في مسنده حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا أيوب بن أبي شبيب الصنعاني قال: كان فيما عرضنا على رباح بن زيد حدثني عبد الله بن نمير سمعت عبد الرحمن بن يزيد يقول: سمعت عبد الله بن عمر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول لا تنسوا العظيمتين" قلنا: وما العظيمتان يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الجنة والنار" وذكر أبو بكر الشافعي من حديث كليب بن حرب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اطلبوا الجنة جهدكم واهربوا من النار جهدكم فإن الجنة لا ينام طالبها وإن النار لا ينام هاربها وإن الآخرة اليوم محفوفة بالمكاره وإن الدنيا محفوفة باللذات والشهوات فلا تلهينكم عن الآخرة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 الباب الحادي والعشرون: في أسماء الجنة ومعانيها واشتقاقها ولها عدة أسماء باعتبار صفاتها ومسماها واحد باعتبار الذات فهي مترادفة من هذا الوجه وتختلف باعتبار الصفات فهي متباينة من هذا الوجه وهكذا أسماء الرب سبحانه وتعالى وأسماء كتابه وأسماء رسله وأسماء اليوم الآخر وأسماء النار الاسم الأول: الجنة وهو الاسم العام المتناول لتلك الدار وما اشتملت عليه من أنواع النعيم واللذة والبهجة والسرور وقرة الأعين وأصل اشتقاق هذه اللفظة من الستر والتغطية ومنه الجنين لاستتاره في البطن والجان لاستتاره عن العيون والمجن لستره ووقايته الوجه والمجنون لاستتار عقله وتواريه عنه والجان وهي الحية الصغيرة الرقيقة ومنه قول الشاعر: فدقت وجلت واسبكرت وأكملت ... فلو جن إنسان من الحسن جنت أي لو غطى وستر عن العيون لفعل بها ذلك ومنه سمى البستان جنة لأنه يستر داخله بالأشجار ويغطيه فلا يستحق هذا الاسم إلا موضع كثير الأشجار مختلف الأنواع والجنة بالضم ما يستجن به من ترس أو غيره ومنه قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} أي يستترون بها من إنكار المؤمنين عليهم ومنه صفة الجِنة بالكسر كما قال تعالى: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} وذهبت طائفة من المفسرين إلى أن الملائكة يسمون جنة واحتجوا بقوله تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} قالوا: وهذا النسب قولهم الملائكة بنات الله ورجحوا هذا القول بوجهين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 أحدهما: إن النسب الذي جعلوه إنما زعموا أنه بين الملائكة وبينه ولا بين الجن وبينه الثاني: قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} أي قد علمت الملائكة أن الذين قالوا هذا القول محضرون للعذاب والصحيح خلاف ما ذهب إليه هؤلاء وإن الجنة هم الجن نفسهم كما قال تعالى: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} وعلى هذا ففي الآية قولان: أحدهما: قول مجاهد قال قالت كفار قريش الملائكة بنات الله فقال لهم أبو بكر فمن أمهاتهم قالوا: سروات الجن وقال الكلبي قالوا تزوج من الجن فخرج من بينهما الملائكة وقال قتادة قالوا صاهر الجن والقول الثاني: هو قول الحسن قال أشركوا الشياطين في عبادة الله فهو النسب الذي جعلوه والصحيح قول مجاهد وغيره وما احتج به أصحاب القول الأول ليس بمستلزم لصحة قولهم فإنهم لما قالوا الملائكة بنات الله وهم من الجن عقدوا بينه وبين الجن نسبا بهذا الإيلاد وجعلوا هذا النسب متوالد بينه وبين الجن وأما قوله: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} فالضمير يرجع إلى الجنة أي قد علمت الجنة أنهم لمحضرون الحساب قاله مجاهد أي لو كان بينه وبينهم نسب لم يحضروا للحساب كما قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} فجعل سبحانه عقوبتهم بذنوبهم وإحضارهم للعذاب مبطلا لدعواهم الكاذبة وهذا التقدير في الآية أبلغ في إبطال قولهم من التقدير الأول فتأمله والمقصود ذكر أسماء الجنة فصل الاسم الثاني: دار السلام وقد سماها الله بهذا الاسم في قوله: {لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} وقوله {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ} وهي أحق بهذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 الاسم فإنها دار السلامة من كل بلية وآفة ومكروه وهي دار الله واسمه سبحانه وتعالى السلام الذي سلمها وسلم أهلها {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى} والرب تعالى يسلم عليكم من فوقهم كما قال تعالى: {لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} وسيأتي حديث جابر في سلام الرب تبارك وتعالى عليهم في الجنة وكلامهم كلهم فيها سلام أي لا لغو فيها ولا فحش ولا باطل كما قال تعالى: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلا سَلاماً} وأما قوله تعالى: {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} فأكثر المفسرون حاموا حول المعنى وما وردوه وقالوا أقوالا لا يخفى بعدها عن المقصود وإنما معنى الآية والله أعلم فسلام لك أيها الراحل عن الدنيا حال كونك من أصحاب اليمين أي فسلامه لك كائنا من أصحاب اليمين الذين سلموا من الدنيا وأنكادها ومن النار وعذابها فبشر بالسلامة عند ارتحاله من الدنيا وقدومه على الله كما يبشر الملك روحه عند أخذها بقوله ابشري بروح وريحان ورب غير غضبان وهذا أول البشرى التي للؤمن في الآخرة فصل الاسم الثالث: دار الخلد وسميت بذلك لأن أهلها لا يظعنون عنها أبدا كما قال تعالى: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} وقال {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} وقال {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} وسيأتي إبطال قول من قال من الجهمية والمعتزلة بفنائها أو فناء حركات أهلها أن شاء الله تعالى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 فصل الاسم الرابع: دار المقامة قال تعالى حكاية عن أهلها {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ} قال مقاتل: أنزلنا دار الخلود أقاموا فيها أبدا لا يموتون ولا يتحولون منها أبدا قال الفراء والزجاج المقامة مثل الإقامة يقال أقمت بالمكان إقامة ومقامة ومقاما فصل الاسم الخامس جنة المأوى قال تعالى: {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} والمأوى مفعل من أوى يأوي إذا انضم إلى المكان وصار إليه واستقر به وقال عطاء عن ابن عباس هي الجنة التي يأوي إليها جبريل والملائكة وقال مقاتل والكلبي هي جنة تأوي إليها أرواح الشهداء وقال كعب جنة المأوى جنة فيها طير خضر ترتع فيها أرواح الشهداء وقالت عائشة رضي الله عنها وزر بن حبيش هي جنة من الجنان والصحيح أنه اسم من أسماء الجنة كما قال تعالى {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} وقال في النار {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} وقال: {وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 فصل الاسم السادس: جنات عدن فقيل هو اسم جنة من جملة الجنات والصحيح أنه من لجملة الجنان وكلها جنات عدن قال تعالى {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ} وقال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} وقال تعالى {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} والاشتقاق يدل على أن جميعها جنات عدن فإنه من الإقامة والدوام يقال عدن بالمكان إذا أقام به وعدنت البلد توطنته وعدنت الإبل مكان كذا لزمته فلم تبرح منه قال الجوهري ومنه جنات عدن أي إقامة ومنه سمى المعدن بكسر الدال لأن الناس يقيمون فيه الصيف والشتاء ومركزه كل شيء معدنه والعادن الناقة المقيمة في المرعى فصل الاسم السابع: دار الحيوان قال تعالى {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} والمراد الجنة عند أهل التفسير قالوا وأن الآخرة يعني الجنة لهي الحيوان لهي دار الحياة التي لا موت فيها فقال الكلبي هي حياة لا موت فيها قال وقال الزجاج هي دار الحياة الدائمة وأهل اللغة على أن الحيوان بمعنى الحياة وقال أبو عبيدة وابن قتيبة الحياة الحيوان قال أبو عبيدة الحياة والحيوان والحي بكسر الحاء واحد قال أبو علي يعني أنها مصادر فالحياة فعلة كالحلبة والحيوان كالنزوان والغليان والحي كالعي قال العجاج: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 كنا بها إذا الحياة حي أي إذا الحياة حياة وأما أبو زيد فخالفهم وقال الحيوان ما فيه روح والموتان والموات ما لا روح فيه والصواب أن الحيوان يقع على ضربين أحدهما مصدر كما حكاه أبو عبيدة والثاني وصف كما حكاه أبو زيد وعلى قول أبي زيد الحيوان مثل الحي خلاف الميت ورجح القول الأول بأن الفعلان بابه المصادر كالنزوان والغليان بخلاف الصفات فإن بابها فعلان كسكران وغضبان وأجاب من رجح القول الثاني بإن فعلان قد جاء في الصفات أيضا قالوا رجل ضميان للسريع الخفيف وزفيان قال في الصحاح ناقة زفيان سريعة وقوس زفيان سريعة الارسال للسهم فيحتمل قوله تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} معنيين أحدهما أن الحياة الآخرة هي الحياة لآنها لا تنغيص فيها ولا نفاد لها أي لا يشوبها ما يشوب الحياة في هذه الدار فيكون الحيوان مصدرا على هذا والثاني أن يكون المعنى أنها الدار التي تفنى ولا تنقطع ولا تبيد كما يفنى الأحياء في هذه الدنيا فهي أحق بهذا الاسم من الحيوان الذي يفنى ويموت فصل الاسم الثامن الفردوس قال تعالى {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} والفردوس اسم يقال على جميع الجنة ويقال على أفضلها وأعلاها كأنه أحق بهذا الاسم من غيره من الجنات وأصل الفردوس البستان والفراديس البساتين قال كعب هو البستان الذي فيه الأعناب وقال الليث الفردوس جنة ذات كروم يقال كرم مفردس أي معرش وقال الضحاك هي الجنة الملتفة بالأشجار وهو اختيار المبرد وقال الفردوس فيما سمعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 من كلام العرب الشجر الملتف والأغلب عليه العنب وجمعه الفراديس قال ولهذا سمى باب الفراديس بالشام وانشد لجرير: فقلت للركب إذ جد المسير بنا ... يا بعد يبرين من باب الفراديس وقال مجاهد هذا البستان بالرومية واختاره الزجاج فقال هو بالرومية منقول إلى لفظ العربية قال وحقيقتة أنه البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين قال حسان: وأن ثواب الله كل مخلد ... جنان من الفردوس فيها مخلد فصل الاسم التاسع جنات النعيم قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ} وهذا أيضا آسم جامع لجميع الجنات لما تضمنته من الأنواع التي يتنعم بها من المأكول والمشروب والملبوس والصور والرائحة الطيبة والمنظر البهيج والمساكن الواسعة وغير ذلك من النعيم الظاهر والباطن فصل الاسم العاشر: المقام الأمين قال تعالى {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} والمقام الأمين موضع الإقامة والأمين الآمن من كل سوء وآفة ومكروه وهو الذي قد جمع صفات الأمن كلها فهو آمن من الزوال والخراب وأنواع النقص وأهله آمنون فيه من الخروج والنغص والنكد والبلد الأمين الذي قد أمن من أهله فيه مما يخالف منه سواهم وتأمل كيف ذكر سبحانه الأمن في قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} وفي قوله تعالى: {يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ} فجمع لهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 بين أمن المكان وأمن الطعام فلا يخافون انقطاع الفاكهة ولا سوء عاقبتها ومضرتها وأمن الخروج منها فلا يخافون ذلك وأمن من الموت فلا يخافون فيها موتا فصل الاسم الحادي عشر والثاني عشر مقعد الصدق وقدم الصدق قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} فسمى الجنة مقعد صدق لحصول كل ما يراد من المقعد الحسن فيها كما يقال: مودة صادقة إذا كانت ثابتة تامة وحلاوة صادقة وجملة صادقة ومنه الكلام الصدق لحصول مقصوده منه وموضع هذه اللفظة في كلامهم الصحة والكمال ومنه الصدق في الحديث والصدق في العمل والصديق الذي يصدق قوله بالعمل والصدق بالفتح الصلب من الرماح ويقال للرجل الشجاع أنه لذو مصدق أي صادق الجملة وهذا مصداق هذا: أي ما يصدقه ومنه الصداقة لصفاء المودة والمخالة ومنه صدقني القتال وصدقني المودة ومنه قدم صدق ولسان صدق ومدخل صدق ومخرج صدق وذلك كله للحق الثابت المقصود الذي يرغب فيه بخلاف الكذب الباطل الذي لا شيء تحته ولا يتضمن أمرا ثابتا وفسر قوم قدم صدق بالجنة وفسر بالأعمال التي تنال بها الجنة وفسر بالسابقة التي سبقت لهم من الله وفسر بالرسول الذي على يده وهدايته نالوا ذلك والتحقيق أن الجميع حق فأنهم سبقت لهم من الله الحسنى بتلك السابقة أي بالأسباب التي قدرها لهم على يد رسوله وأدخر لهم جزاءها يوم لقائه ولسان الصدق وهو لسان الثناء الصادق بمحاسن الأفعال وجميل الطرائق وفي كونه لسان صدق إشارة إلى مطابقته للواقع وأنه ثناء بحق لا بباطل ومدخل الصدق ومخرج الصدق هو المدخل والمخرج الذي يكون صاحبه فيه ضامنا على الله وهو دخول وخروج بالله ولله وهذه الدعوة من أنفع الدعاء للعبد فإنه لا يزال داخلا في أمر وخارجا من أمر فمتى كان دخوله لله وبالله وخروجه كذلك كان قد أدخل مدخل صدق واخرج مخرج صدق والله المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 الباب الثاني والعشرون: في عدد الجنات وأنها نوعان جنتان من ذهب وجنتان من فضة الجنة اسم شامل لجميع ما حوته من البساتين والمساكن والقصور وهي جنات كثيرة جدا كما, روى البخاري في صحيحه, عن أنس بن مالك أن أم الربيع بنت البراء وهي أم حارثة بن سرقة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غرب فإن كان في الجنة صبرت وأن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء قال: "يا أم حارثة أنها جنان في الجنة وإن أبنك أصاب الفردوس الأعلى " وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الاشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وحليتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن وقد قال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} فذكرهما ثم قال {ومن دونهما جنتان} . فهذه أربع وقد اختلف في قوله ومن دونهما هل المراد به أنهما فوقهما أو تحتهما على قولين فقالت طائفة من دونهما أي أقرب منهما إلى العرش فيكونان فوقهما وقالت:"طائفة بل معنى من دونهما تحتهما قالوا وهذا المنقول في لغة العرب إذا قالوا هذا دون هذا أي دونه في المنزلة كما قال بعضهم لمن بالغ في مدحه أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك وفي الصحاح دون نقيض فوق وهو تقصير عن الغاية ثم قال ويقال هذا دون هذا أي أقرب منه والسياق يدل على تفضيل الجنتين الأوليين من عشرة أوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 أحدها: قوله: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} وفيه قولان أحدهما أنه جمع فنن وهو الغصن والثاني أنه جمع فن وهو الصنف أي ذواتا أصناف شتى من الفواكه وغيرها ولم يذكر ذلك في اللتين بعدهما الثاني قوله: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} وفي الآخريين فيهما عينان نضاختان والنضاخة هي الفوارة والجارية السارحة وهي أحسن من الفوارة فإنها تضمن الفوران والجريان. الثالث: أنه قال {فيهما من كل فاكهة زوجان} وفي الآخريين {فيهما فاكهة ونخل ورمان} ولا ريب أن وصف الأوليين أكمل واختلف في هذين الزوجين بعد الاتفاق على أنهما صنفان فقالت: طائفة الزوجان الرطب واليابس الذي لا يقصر في فضله وجودته عن الرطب وهو متمتع به كما متمتع باليابس وفيه نظر لا يخفى وقالت: طائفة الزوجان صنف معروف وصنف من شكله غريب وقالت: طائفة نوعان ولم تزد والظاهر والله أعلم أنه الحلو والحامض والأبيض والأحمر وذلك لأن اختلاف أصناف الفاكهة أعجب وأشهى وألذ للعين والفم الرابع: أنه قال {متكئين على فرش بطائنها من استبرق} وهذا تنبية على فضل الظهائر وخطرها وفي الأخريين قال {متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان} وفسر الرفرف بالمحابس والبسط وفسر بالفرش وفسر بالمحابس فوقها وعلى كل قول فلم يصفه بما وصف به فرش الجنتين الأوليين الخامس: أنه قال {وجنى الجنتين دان} أي قريب وسهل يتناولونه كيف شاؤا ولم يذكر ذلك في الآخريين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 السادس: أنه قال {فيهن قاصرات الطرف} أي قد قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يرون غيرهم لرضاهن بهم ومحبتهن لهم وذلك يتضمن قصرهن أطرافهن أزواجهن عليهن فلا يدعهم حسنهن أن ينظروا إلى غيرهن وقال في الآخريين {حور مقصورات في الخيام} ومن قصرت طرفها على زوجها باختيارها أكمل ممن قصرت بغيرها السابع: أنه وصفهن بشبه الياقوت والمرجان في صفاء اللون وإشراقه وحسنه ولم يذكر ذلك في التي بعدها الثامن أنه قال سبحانه وتعالى في الجنتين الأوليين: {هَلْ جَزَاءُ الأِحْسَانِ إِلّا الأِحْسَانُ} وهذا يقتضي أن أصحابهما من أهل الإحسان المطلق الكامل فكان جزاؤهم بإحسان كامل التاسع: أنه بدأ بوصف الجنتين الأوليين وجعلهما جزءا لمن خاف مقامه وهذا يدل على أنهما أعلى جزاء الخائف لمقامه فرتب الجزاء المذكور على الخوف ترتيب المسبب على سببه ولما كان الخائفون على نوعين مقربين وأصحاب يمين ذكر جنتي المقربين ثم ذكر جنتي أصحاب اليمين العاشر: أنه قال {ومن دونهما جنتان} والسياق يدل على أنه نقيض فوق كما قال الجوهري فإن قيل فكيف انقسمت هذه الجنان الأربع على من خاف مقام ربه قيل لما كان الخائفون نوعين كما ذكرنا كان للمقربين منهم الجنتان العاليتان ولأصحاب اليمين الجنتان اللتان دونهما فإن قيل فهل الجنتان لمجموع الخائفين يشتركون فيهما أم لكل واحد جنتان وهما البستانان قيل هذا فيه قولان للمفسرين ورجح القول الثاني بوجهين أحدهما من جهة النقل والثاني من جهة المعنى فأما الذي من جهة النقل فإن أصحاب هذا القول رووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هما بستانين في رياض الجنة" وأما الذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 من جهة المعنى فإن إحدى الجنتين جزاء أداء الأوامر والثانية جزاء اجتناب المحارم فإن قيل فكيف قال في ذكر النساء فيهن في الموضعين ولما ذكر غيرهن قال فيهما قيل لما ذكر الفرش قال بعدها فيهن خيرات حسان ثم أعاده في الجنتين الأخريين بهذا اللفظ ليتشاكل اللفظ والمعنى والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 الباب الثالث والعشرون: في خلق الرب تبارك وتعالى بعض الجنان وغرسها بيده تفضيلا لها على سائر الجنان وقد اتخذ الرب وتعالى من الجنان دارا اصطفاها لنفسه وخصها بالقرب من عرشه وغرسها بيده فهي سيدة الجنان والله سبحانه وتعالى يختار من كل نوع أعلاه وأفضله كما اختار من الملائكة جبريل ومن البشر محمدا ومن السموات العليا ومن البلاد مكة ومن الأشهر الأشهر الحرم ومن الليالي ليلة القدر ومن الأيام يوم الجمعة ومن الليل وسطه ومن الأوقات أوقات الصلوات إلى غير ذلك فهو سبحانه وتعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} وقال الطبراني في معجمه: حدثنا مطلب بن شعيب الازدي حدثنا عبد الله بن صالح حدثني الليث قال الطبراني في معجمه وحدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن زياد بن محمد الأنصاري عن محمد بن كعب القرظي عن فضالة بن عبيد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ينزل الله تعالى في آخر ثلاث ساعات بقين من الليل فينظر الله في الساعة الأولى منهن في الكتاب الذي لا ينظر فيه غيره فيمحو ما يشاء ويثبت ثم ينظر في الساعة الثانية إلى جنة عدن وهي مسكنه الذي يسكن فيه ولا يكون معه فيها أحد إلا الأنبياء والشهداء والصديقون وفيها ما لم تره عين أحد ولا خطر على قلب بشر ثم يهبط آخر ساعة من الليل فيقول ألا مستغفر يستغفرني فأغفر له ألا سائل يسألني فأعطيه ألا داع يدعوني فأستجيب له حتى يطلع الفجر قال تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} فيشهده الله تعالى وملائكته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 قال الحسن بن سفيان حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح قال حدثني خالي عبد الرحمن بن عبد الحميد بن سالم حدثنا يحيى بن أيوب عن داود بن أبي هند عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله بنى الفردوس بيده وحظرها على كل مشرك وكل مدمن خمر ومتكبر" وقد ذكر الدارمي والنجار وغيرها من حديث أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن متكلم فيه عن عون بن عبد الله بن الحارث ابن نوفل عن أخيه عبد الله بن أبيه عبد الله بن الحارث قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلق الله ثلاثة أشياء بيده خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس الفردوس بيده ثم قال وعزتي وجلالي لا يدخلها مدمن خمر ولا الديوث" قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عرفنا مدمن الخمر فما الديوث قال: "الذي يقر السوء في أهله" قلت المحفوظ أنه موقوف قال الدارمي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا عبيد بن مهران حدثنا مجاهد قال قال عبد الله بن عمر: " خلق الله أربعة أشياء بيده العرش والقلم وعدن وآدم عليه السلام، ثم قال لسائر الخلق كن فكان" وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن عطاء بن السائب عن ميسرة قال: "إن الله لم يمس شيئا من خلقه غير ثلاث خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس جنة عدن بيده" حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن كعب قال: "لم يخلق الله بيده غير ثلاث خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس جنة عدن بيده" ثم قال لها تكلمي قالت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} وقال أبو الشيخ: حدثنا أبو يعلي حدثنا أبو الربيع حدثنا يعقوب القمي حدثنا حفص بن حميد عن شمر بن عطية قال خلق الله جنة الفردوس بيده فهو يفتحها كل يوم خمس مرات فيقول ازدادي طيبا لأوليائي ازدادي حسنا لأوليائي وذكر الحاكم عنه عن مجاهد قال: "إن الله تعالى غرس جنات عدن بيده فلما تكلمت أغلقت فهي تفتح في كل سحر فينظر الله إليها فتقول: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 وذكر البيهقي من حديث البغوي حدثنا يونس بن عبيد الله البصري حدثنا عدي ابن الفضل عن الحريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن الله أحاط حائط الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وغرس عرشها بيده وقال لها تكلمي فقالت {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} فقال طوبى لك منزلة الملوك" وقال ابن أبي الدنيا حدثنا محمد بن أبي المثني البزار حدثنا محمد بن زياد الكلبي حدثنا بشير بن حسين عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلق الله جنة عدن بيده لبنة من درة بيضاء ولبنة من ياقوتة حمراء ولبنة من زبرجدة خضراء بلاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ وحشيشها الزعفران" ثم قال: "لها أنطقي قالت {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} فقال الله عز وجل: "وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل " ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم " {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} " وتأمل هذه العناية كيف جعل هذه الجنة التي غرسها بيده لمن خلقه بيده ولأفضل ذريته اعتناء وتشريفا وإظهارا لفضل ما خلقه وبيده وشرفه وميزه بذلك عن غيره وبالله التوفيق فهذه الجنة في الجنات كآدم في نوع الحيوان وقد روى مسلم في صحيحه عن المغيرة بن شعبة عن سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سأل موسى عليه السلام ربه: ما أدنى أهل الجنة منزلة" قال: "رجل يجيء بعد ما دخل أهل الجنة الجنة فيقال له أدخل الجنة فيقول: رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا فيقول: رضيت رب فيقول: له لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله فقال في الخامسة: رضيت رب" قال: "رب فأعلاهم منزلة" قال: أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر ومصداقه من كتاب الله: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 الباب الرابع والعشرون: في ذكر أبواب الجنة وخزنتها واسم مقدمهم ورئيسهم قال تعالى {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ} والخزنة جمع خازن: ومثل حفظة وحافظ وهو المؤتمن على الشيء الذي قد استحفظه وروى مسلم في صحيحه من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول: الخازن من أنت فأقول محمد فيقول بلى أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك" وقد تقدم حديث أبي هريرة المتفق عليه: "من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب أي فُلُ هلُمَّ" قال: أبو بكر يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك الذي لا توى عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم: "إني لأرجو أن تكون منهم" وفي لفظ: هل تدعى أحد من تلك الأبواب كلها قال: "نعم أرجو أن تكون منهم " لما سمعت همته الصديق إلى تكميل مراتب الإيمان وطمعت نفسه أن يدعي من تلك الأبواب كلها فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يحصل ذلك لأحد من الناس ليسعى في العمل الذي ينال به ذلك فخبره بحصوله وبشره بأنه من أهله وكأنه قال: هل تكمل لأحد هذه المراتب فيدعي يوم القيامة من أبوابها كلها فلله ما أعلى هذه الهمة وأكبر هذه النفس قد سمى الله سبحانه وتعالى كبير هذه الخزنة رضوان وهو اسم مشتق من الرضا وسمى خازن النار مالكا وهو اسم مشتق من الملك وهو القوة والشدة حيث تصرفت حروفه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 الباب الخامس والعشرون: في ذكر أول من يقرع باب الجنة وقد تقدم حديث أنس ورواه الطبراني بزيادة فيه قال: "فيقوم الخازن فيقول لا أفتح لأحد قبلك ولا أقوم لأحد بعدك وذلك أن قيامه إليه صلى الله عليه وسلم خاصة إظهارا لمزيته ورتبته ولا يقوم في خدمة أحد بعده بل خزنة الجنة يقومون في خدمته وهو كالملك عليهم وقد أقامه الله في خدمة عبده ورسوله حتى مشي إليه وفتح له الباب وقد روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أنا أول من يفتح باب الجنة إلا أن أمرأة تبادرني فأقول لها مالك ومن أنت فتقول أنا امرأة قعدت على يتامى" وفي الترمذي من حديث ابن عباس قال: "جلس ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرونه قال فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم فقال بعضهم: عجبا إن لله من خلقه خليلا اتخذ إبراهيم خليلا وقال آخر: ما ذلك بأعجب من كليمه موسى كلمه تكليما وقال آخر: فعيسى كلمه الله وروحه وقال أخر: آدم اصطفاه الله فخرج عليهم فسلم وقال: "سمعت كلامكم وعجبكم إن إبراهيم خليل الله وهو كذلك وكذلك وموسى نجى الله وهو كذلك وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك وآدم اصطفاه الله وهو كذلك ألا وأنا حبيب الله ولا فخر وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر وأنا أول من يحرك حلقة الجنة فيفتح لي فادخلها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر" وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أول الناس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 خروجا إذا بعثوا وأنا خطيبهم إذا أنصتوا وقائدهم إذا وفدوا وشافعهم إذا حبسوا وأنا مبشرهم إذا آيسوا لواء الحمد بيدي ومفاتيح الجنة يومئذ بيدي وأنا أكرم ولد آدم يومئذ على ربي ولا فخر يطوف على ألف خادم {كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} رواه الترمذي والبيهقي واللفظ له وفي صحيح مسلم, من حديث المختار بن فلفل عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا أكثر الناس تبعا يوم القيامة وأنا أول من يقرع باب الجنة" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 الباب السادس والعشرون: في ذكر أول الأمم دخولا الجنة وفي الصحيحين من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن السابقون الأولون يوم القيامة بيد أنهم أوتو الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم " أي: لم يسبقونا إلا بهذا القدر فمعنى بيد: معني سوى وغير وإلا ونحوها وفي صحيح مسلم من حديث أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن الأخرون الأولون يوم القيامة ونحن أول من يدخل الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فاختلفوا فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق ". وفي الصحيحين من حديث طاوس عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نحن الآخرون الأولون يوم القيامة نحن أول الناس دخولا الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم" وروى الدارقطني من حديث زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الجنة حرمت على الأنبياء كلهم حتى أدخلها وحرمت على الأمم حتى تدخلها أمتي" قال الدارقطني: غريب عن الزهري ولا أعلم روى عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الزهري غير هذا الحديث ولا رواه إلا عمرو بن أبي سلمة عن زهير فهذه الأمة أسبق الأمم خروجا من الأرض وأسبقهم إلى أعلى مكان في الموقف وأسبقهم إلى ظل العرش وأسبقهم إلى الفصل والقضاء بينهم وأسبقهم إلى الجواز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 على الصراط وأسبقهم إلى دخول الجنة فالجنة محرمة على الأنبياء حتى يدخلها محمد ومحرمة على الأمم حتى تدخلها أمته وأما أول الأمة دخولا فقال أبو داود في سننه حدثنا هناد بن السرى عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن عبد السلام بن حرب عن أبي خالد الدالاني عن أبي خالد مولى آل جعدة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل فأخذ بيدي فأراني باب الجنة الذي تدخل منه أمتي " فقال أبو بكر: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وددت أني كنت معك حتى أنظر إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي". وقوله: وددت أني كنت معك حرصا منه على زيادة اليقين وأن يصير الخبر عيانا كما قال إبراهيم الخليل: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} وأما الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه حدثنا إسماعيل بن عمر الطلحي أنبأنا داود بن عطاء المديني عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول من يصافحه الحق عمر وأول من يسلم عليه وأول من يأخذ بيده فيدخله الجنة" فهو حديث منكر جدا قال الإمام أحمد: داود بن عطاء ليس بشيء وقال البخاري منكر الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 الباب السابع والعشرون: في ذكر السابقين من هذه الأمة إلى الجنة وصفتهم في الصحيحين من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يتغوطون فيها ولا يتمخطون فيها آنيتهم أمشاطهم الذهب والفضة ومجامرهم الألوة ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقها من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض عن قلوبهم على قلب رجل واحد يسبحون الله بكرة وعشيا". وفي الصحيحين أيضا من حديث أبي زرعة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء أضاءة لا يبولون ولا يتغوطون ولا ينتفلون ولا ينمخطون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الالوة وأزواجهم الحور العين أخلاقهم على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء". وروى شعبة بن قيس عن حبيب عن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول من يدعي إلى الجنة يوم القيامة الحامدون الذين يحمدون الله في السراء والضراء " وقال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل عن إبراهيم حدثنا هشام الدستوائي عن يحي بن أبي كثير عن عامر العقيلي عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عرض علي أول ثلاثة من أمتي يدخلون الجنة وأول ثلاثة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 يدخلون النار فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة فالشهيد وعبد مملوك لم يشغله رق الدنيا عن طاعة ربه وفقير متعفف ذو عيال وأول ثلاثة يدخلون النار فأمير مسلط وذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله من ماله وفقير فخور " وروى الإمام أحمد في مسنده والطبراني في معجمه واللفظ له من حديث أبي عشلة المعافري انه سمع عبد الله ابن عمر يقول قال رسول الله: "هل تدرون أول من يدخل الجنة قالوا الله ورسوله أعلم قال فقراء المهاجرين الذين تنقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء تقول الملائكة ربنا نحن ملائكتك وخزنتك وسكان سمواتك لا تدخلهم الجنة قبلنا فيقول عبادي لا يشركون بي شيئا تتقي بهم المكاره يموت أحدهم وحاجته في صدره لم يستطع لها قضاء فعند ذلك تدخل عليهم الملائكة من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار". ولما ذكر الله تعالى أصناف بني آدم سعيدهم وشقيهم قسم سعداءهم إلى قسمين: سابقين وأصحاب يمين, فقال: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} واختلف في تقريرها على ثلاثة أقوال: أحدها أنه من باب التوكيد اللفظي ويكون الخبر قوله: {أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} والثاني أن يكون السابقون الأول مبتدأ والثاني خبر له على حد قولك: زيد زيد أي زيد الذي سمعت به هو زيد كما قال: وكقول الآخر: أنا أبو النجم وشعري شعري ... إذ الناس ناس والزمان زمان قال ابن عطية وهذا قول سيبويه والثالث أن يكون الأول غير الثاني ويكون المعنى السابقون في الدنيا إلى الخيرات هم السابقون يوم القيامة إلى الجنات والسابقون إلى الإيمان هم السابقون إلى الجنان وهذا أظهر والله أعلم. فإن قيل: فما تقول في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 من حديث بريدة بن الحصيب قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بلال فقال: "يا بلال بم سبقتني إلى الجنة فما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي ودخلت البارحة فسمعت خشخشتك أمامي فأتيت على قصر مريع مشرف من ذهب فقلت لمن هذا القصر قالوا: لرجل من عربي قلت: أنا عربي لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من قريش, قلت: أنا قرشي ولمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من أمة محمد قلت أنا محمد لمن هذا القصر قالوا لعمر ابن الخطاب فقال بلال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أذنت قط إلا وصليت ركعتين وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها ورأيت أن لله على ركعتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بهما". قيل: نتلقاه بالقبول والتصديق ولا يدل على أن أحدا يسبق رسول الله إلى الجنة وأما تقدم بلال بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة فلأن بلالا كان يدعوا إلى الله أولا في الأذان فيتقدم أذانه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم دخوله بين يديه كالحاجب والخادم. وقد روى في حديث " أن النبي صلى الله عليه وسلم يبعث يوم القيامة وبلال بين يديه ينادي بالأذان" فتقدمه بين يديه كرامة لرسوله وأطهارا لشرفه وفضله لا سبقا من بلال بل هذا السبق من جنس سبقه إلى الوضوء ودخول المسجد ونحوه والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 الباب الثامن والعشرون: في سبق الفقراء الأغنياء إلى الجنة قال الإمام أحمد: حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم وهو خمسمائة عام " وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح ورجال إسناده احتج بهم مسلم في صحيحه. وروى الترمذي من حديث ابن عباس الدوري عن المقبري عن سعيد بن أبي أيوب عن عمرو بن جابر الحضرمي عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يدخل فقراء أمتي الجنة قبل الأغنياء بأربعين خريفا ". وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفا" وقال الإمام أحمد حدثنا حسين بن محمد حدثنا دويد عن سليم بن بشير عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التقى مؤمنان على باب الجنة مؤمن غني ومؤمن فقير كانا في الدنيا فأدخل الفقير الجنة وحبس الغني ما شاء الله أن يحبس ثم أدخل الجنة فلقيه الفقير فقال أي أخي ماذا حبسك والله لقد احتبست حتى خفت عليك فيقول: أي أخي أني حبست بعدك محبسا فظيعا كريها ما وصلت إليك حتى سال مني العرق ما لو ورده ألف بعير كلها أكلة حمض لصدرت عنه رواء" وقال الطبراني حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي وعلي بن عبد الله الرازي قالا حدثنا على بن مهران العطار حدثنا عبد الملك بن أبي كريمة عن سفيان الثوري عن محمد بن زيد عن أبي حازم عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول أن فقراء المؤمنين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم وذلك خمسمائة عام " وذكر الحديث بطوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 والذي في الصحيح أن سبقهم لهم " بأربعين خريفا " فأما أن يكون هو المحفوظ وإما أن يكون كلاهما محفوظا وتختلف مدة السبق بحسب أحوال الفقراء والأغنياء فمنهم من يسبق بأربعين ومنهم من يسبق بخمس مائة كما يتأخر مكث العصاة من الموحدين في النار بحسب جرائمهم" والله أعلم. ولكن ها هنا أمر يجب التنبيه عليه وهو أنه لا يلزم من سبقهم لهم في الدخول ارتفاع منازلهم عليهم بل قد يكون المتأخر أعلى منزلة وأن سبقه غيره في الدخول والدليل على هذا أن من الأمة من يدخل الجنة بغير حساب وهم السبعون ألفا وقد يكون بعض من يحاسب أفضل من أكثرهم والغني إذا حوسب على غناه فوجد قد شكر الله تعالى فيه وتقرب إليه بأنواع البر والخير والصدقة والمعروف كان أعلى درجة من الفقير الذي سبقه في الدخول ولم يكن له تلك الأعمال ولا سيما إذا شاركه الغني في أعماله وزاد عليه فيها والله لا يضيع أجر من أحسن عملا فالمزية مزيتان مزية سبق ومزية رفعة وقد يجتمعان وينفردان فيحصل الواحد السبق والرفعة ويعدمهما آخر ويحصل لآخر السبق دون الرفعة ولآخر الرفعة دون السبق وهذا بحسب المقتضى للأمرين أو لأحدهما وعدمه وبالله التوفيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 الباب التاسع والعشرون: في ذكر أصناف أهل الجنة الذين ضمنت لهم دون غيرهم قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} فأخبر أنه أعد الجنة للمتقين دون غيرهم ثم ذكر أوصاف المتقين فذكر بذلهم للإحسان في حالة العسر واليسر والشدة والرخاء فإن من الناس من يبذل في حال اليسر والرخاء ولا يبذل في حال العسر والشدة ثم ذكر كيف أذاهم عن الناس بحبس الغيظ بالكظم وحبس الانتقام بالعفو ثم ذكر حالهم بينهم وبين ربهم في ذنوبهم وأنها إذا صارت منهم قابلوها بذكر الله والتوبة والاستغفار وترك الإضرار فهذا حالهم مع الله وذاك حالهم مع خلقه وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} فأخبر تعالى أنه أعدها للمهاجرين والأنصار وأتباعهم بإحسان فلا مطمع لمن خرج عن طريقتهم فيها وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} فوصفهم بإقامة حقه باطنا وظاهرا وبأداء حق عباده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم حنين أقبل نفر من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلان شهيد وفلان شهيد وفلان شهيد حتى مروا على رجل فقالوا فلان شهيد فقال رسول الله: كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا ابن الخطاب اذهب فناد في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون" قال: فخرجت فناديت: إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون" وللبخاري معناه وفي الصحيحن من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا ينادي في الناس: "إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة" وفي بعض طرقه "مؤمنة" وفي الحديث قصة وفي صحيح مسلم من حديث عياض بن حمار المجاشعى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: "ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني من يومي هذا كل مال نحلته عبد حلال وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم فحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب وقال: "إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرأه نائما ويقظان وإن الله أمرني أن أحرق قريشا فقلت: رب إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة قال: استخرجهم كما أخرجوك واغزهم نغزك وأنفق فسينفق عليك وأبعث جيشا نبعث خمسة مثله وقاتل بمن أطاعك من عصاك قال وأهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق موفق ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم وعفيف متعفف ذو عيال وأهل النار خمسة الضعيف الذي لا زير له الذين هم فيكم تبعا لا يبغون فيكم أهلا ولا مال والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانة ورجل لا يصبح ولا يمسى إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك وذكر البخل أو الكذب والشنظير الفحّاش وأن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وفي الصحيحين من حديث حارثة ابن وهب قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لابره ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواخا متكبر" وقال الإمام أحمد حدثنا علي بن إسحق قال أنبأنا عبد الله أنبأنا موسى بن علي بن رباح قال سمعت أبي يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أن أهل النار كل جعظري جواظ مستكبر جماع مناع وأهل الجنة الضعفاء المغلوبون". وذكر خلف بن خليفة عن أبي هاشم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة: "النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة والصديق في الجنة والشهيد في الجنة والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله في الجنة ونساؤكم من أهل الجنة الودود الولود التي إذا غضب أو غضبت جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها ثم تقول لا أذوق غمضا حتى ترضى" أخرج النسائي من هذا الحديث فضل النساء خاصة وباقي الحديث على شرطه. وروى الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أن أهل النار كل جعظري جواظ متكبر جماع مناع وأهل الجنة الضعفاء المغلوبون". وقال ابن ماجه في سننه حدثنا محمد بن يحيى وزيد بن أخرم قالا: أنبأنا مسلم بن إبراهيم حدثتنا أبو هلال للراسي حدثنا عقبة بن أبي ثابت الراسي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة من ملأ أذنيه من ثناء الناس خيرا وهو يسمع وأهل النار من ملأ أذنيه من ثناء الناس شرا وهو يسمع" وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال مر بجنازة فأثنى عليها خير فقال نبي الله: "وجبت وجبت" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 ومر بجنازة فأثنى عليها فقال: "وجبت وجبت وجبت فقال عمر فداك أبي وأمي مر بجنازة فأثنى عليها خيرا فقال وجبت وجبت وجبت وجبت" ومر بجنازة فأثنى عليها شر فقلت: "وجبت وجبت وجبت" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار وأنتم شهداء الله في الأرض" وفي الحديث الآخر: "يوشك أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار قالوا كيف يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بالثناء الحسن وبالثناء السيء" وبالجملة فأهل الجنة أربعة أصناف ذكرهم الله سبحانه وتعالى في قوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النبيينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} فنسأل الله أن يجعلنا منهم بمنه وكرمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 الباب الثلاثون: في أن أكثر أهل الجنة هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ فكبرنا ثم قال: أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبرنا ثم قال أني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة وسأخبركم عن ذلك ما المسلمون في الكفار إلا كشعرة بيضاء في ثور أسود أو كشعرة سوداء في ثور أبيض هذا لفظ مسلم وعند البخاري "وكشعرة سوداء في ثور أبيض بغير ألف" وعن بريدة بن الحصيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أهل الجنة عشرون ومائة صف هذه الأمة منها ثمانون صفا" رواه الإمام أحمد والترمذي وإسناده على شرط الصحيح رواه الطبراني في معجمه من حديث عبد الله بن عباس وفي إسناده خالد بن يزيد البجلي وقد تكلم فيه ورواه أيضا من حديث القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال قال كيف أنتم وربع الجنة لكم ولسائر الناس ثلاثة أرباعها قالوا الله ورسوله أعلم قال كيف أنتم وثلثها قالوا ذاك أكثر قال كيف أنتم والشطر لكم قالوا ذاك أكثر فقال رسول الله وسلم أهل الجنة عشرون ومائة صف لكم منها ثمانون صفا قال الطبراني لم يرو هذا الحديث عن القاسم بن عبد الرحمن إلا الحرث بن خضيرة تفرد به عبد الواحد بن زياد وقال عبد الله بن أحمد حدثنا موسى بن غيلان بن هاشم بن مخلد حدثنا عبد الله بن المبارك عن سفيان عن أبي عمرو عن أبيه عن أبي هريرة قال: لما نزلت {ثلة من الأولين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وثلة من الآخرين} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنتم ربع أهل الجنة أنتم ثلث أهل الجنة أنتم نصف أهل الجنة أنتم ثلثا أهل الجنة" قال الطبراني تفرد برفعه ابن المبارك عن الثوري وقال خيثمة بن سليمان القرشي حدثنا أبو قلابة هو عبد الملك بن محمد بن بكار الصيرفي حدثنا حماد بن عيسى حدثنا سفيان الثوري عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أهل الجنة عشرون ومائة صف أنتم منها ثمانون صفا". وهذه الأحاديث قد تعددت طرقها واختلفت مخارجها وصح سند بعضها ولا تنافي بينها وبين حديث الشطر لأنه رجا أولا أن يكونوا شطر أهل الجنة فأعطاه الله سبحانه رجاءه وزاد عليه سدسا آخر وقد روى أحمد في مسنده من حديث أبي الزبير أنه سمع جابرا يقول سمعت رسول الله يقول أرجو أن يكون من يتبعني من أمتي يوم القيامة ربع أهل الجنة قال فكبرنا ثم قال فأرجو أن تكونوا الشطر وإسناده على شرط مسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 الباب الحادي والثلاثون: في أن النساء في الجنة أكثر من الرجال وكذلك هم في النار ثبت في الصحيحين من حديث أيوب بن محمد بن سيرين قال: إمَّا تفاخروا وأما تذاكروا الرجال أكثر في الجنة الرجال أم النساء؟ فقال أبو هريرة: ألم يقل أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "أن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والتي تليها على أضواء كوكب دري في السماء لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم" وما في الجنة عزب فإن كن من نساء الدنيا فالنساء في الدنيا أكثر من الرجال وإن كن من الحور العين لم يلزم أن يكن في الدنيا أكثر. والظاهر أنهن من الحور العين لما رواه الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة حدثنا يونس عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " للرجال من أهل الجنة زوجتان من الحور العين على كل واحدة سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء الثياب" فإن قيل فكيف تجمعون بين هذا الحديث وبين حديث جابر المتفق عليه: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد فصلى قبل أن يخطب بغير أذان ولا إقامة ثم خطب بعد ما صلى فوعظ الناس وذكرهم ثم أتى النساء فوعظهن ومعه بلال فذكرهن وأمرهن بالصدقة قال فجعلت المرأة تلقى خاتمها وخرصها والشيء كذلك فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا فجمع ما هناك قال أن منكن في الجنة ليسير فقالت امرأة: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم قال أنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير" وفي الحديث الآخر: "أن أقل ساكني الجنة النساء" قيل: هذا يدل على أنهن إنما كن في الجنة أكثر بالحور العين التي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 خلقن في الجنة وأقل ساكنيها نساء الدنيا فنساء الدنيا أقل أهل الجنة وأكثر أهل النار أما كونهن أكثر أهل النار فلما روى البخاري في صحيحه من حديث عمران بن حصين قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء واطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء". وفي صحيح مسلمم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء" وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء واطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء" وفي المسند أيضا من حديث عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها الأغنياء والنساء" وفي الصحيح من حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار فأني رأيتكن أكثر أهل النار فقالت امرأة منهن خدلة: وما لنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر أهل النار؟ قال: "تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن" قالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما نقصان العقل والدين؟ قال: "أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل بشهادة رجل فهذا نقصان العقل وتمكث الأيام لا تصلي وتفطر فهذا نقصان الدين". وأما كونهن أقل أهل الجنة فهي إفراد مسلم عن مطرف بن عبد الله أنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 كانت له امرأتان فجاء من عند إحداهما فقالت الأخرى: جئت من عند فلانة فقال: جئت من عند عمران بن حصين فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أن أقل ساكني الجنة النساء". فإن قيل فما تصنعون بالحديث الذي رواه أبو يعلي الموصلي حدثنا عمرو بن الضحاك بن مخلد حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد حدثنا أبو رافع إسماعيل بن رافع عن محمد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في طائفة من أصحابه فذكر حديثا طويلا وفيه: " فيدخل الرجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشئ الله تعالى وثنتين من ولد آدم لهما فضل على من أنشأ الله بعبادتهما الله في الدنيا" وذكر الحديث قيل هذا قطعة من حديث الصور الطويل ولا يعرف إلا من حديث إسماعيل بن رافع وقد ضعفه أحمد ويحيى وجماعة وقال الدارقطني وغيره متروك الحديث وقال ابن عدي أحاديثه كلها مما فيه نظر وأما البخاري فقال فيه ما حكاه الترمذي عنه قال: سمعت محمدا يقول فيه: هو ثقة مقارب الحديث قلت: ولكن إذا روى مثل هذا ما يخالف الأحاديث الصحيحة لم يلتفت إلى روايته وأيضا فالرجل الذي روى عنه القرظي لا يدري من هو؟ وقد روى عنه أحمد في مسنده من حديث عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: كنا مع عمرو بن العاص في حج أو عمرة حتى إذا كنا بمر الظهران فإذا امرأة في هودجها قال: فمال فدخل الشعب فدخلنا معه فقال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المكان فإذا نحن بغربان كثيرة فيها غراب أعصم أحمر المنقار والرجلين فقال رسول الله لا يدخل الجنة من النساء إلا مثل هذا الغراب في هذه الغربان والأعصم من الغربان الذي في جناحه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 ريشة بيضاء قال الجوهري: ويقال هذا كقولهم: الأبلق العقوق وبيض الأنوق لكل شيء يعز وجوده وفي النهاية الغراب الأعصم هو الأبيض الجناحين وقيل الأبيض الرجل أراد قلة من يدخل الجنة من النساء لأن هذا الوصف في الغربان قليل عزيز وفي حديث آخر: "المرأة الصالحة مثل الغراب الأعصم" قيل: يا رسول الله وما الغراب الأعصم؟ يا رسول الله قال: "الذي إحدى رجليه بيضاء" وفي حديث آخر: "عائشة في النساء كالغراب الأعصم في الغربان" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 الباب الثاني والثلاون: فيمن يدخل الجنة في هذه الأمة بغير حساب وذكر أوصافهم ... الباب الثاني والثلاثون: فيمن يدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب وذكر أوصافهم ثبت في الصحيحين من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يدخل الجنة من أمتي زمرة هم سبعون ألفا تضيء وجوههم أضاءة القمر ليلة البدر" فقام عكاشة بن محصين الأسدي يرفع نمرة عليه فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع الله آن يجعلني منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أجعله منهم فقام رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ادع الله أن يجعلني منهم فقال: "سبقك بها عكاشة" وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد أن رسول الله قال: "ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب أو سبعمائة ألف آخذ بعضهم ببعض حتى يدخل أولهم وآخرهم الجنة وجوههم على صورة القمر ليلة البدر" فهذه هي الزمرة الأولى وهم يدخلونها بغير حساب. والدليل عليه ما ثبت في الصحيحين والسياق لمسلم حدثنا سعيد بن منصور حدثنا هشام أنبأنا خصيف بن عبد الرحمن قال كنت عند سعيد بن جبير فقال أيكم الذي رأى الكوكب الذي انقض البارحة قلت أنا ثم قلت أما أني لم أكن في صلاة ولكنني لدغت قال فما صنعت قلت استرقيت قال فما حملك على ذلك قلت حديث حدثناه الشعبي قال وما حدثكم الشعبي قلت حدثنا عن بريدة ابن الحصيب الاسلمي أنه قال لا رقيه إلا من عين أو حمة فقال قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد ورفع إلى سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي هذا موسى وقومه ولكن أنظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ثم نهض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 فدخل منزله فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب فقال بعضهم لعلهم الذين صحبوا رسول الله وقال بعضهم فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئا وذكروا أشياء فخرج عليهم رسول الله فقال ما الذي تخوضون فيه فأخبروه فقال هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة بن محصن فقال ادع الله أن يجعلني منهم فقال أنت منهم ثم قام رجل آخر فقال ادع الله أن يجعلني منهم فقال سبقك بها عكاشة وليس عند البخاري لا يرقون قال شيخنا وهو الصواب وهذه اللفظة وقعت مقحمة في الحديث وهي غلط من بعض الرواة فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الوصف الذي يستحق به هؤلاء دخول الجنة بغير حساب هو تحقيق التوحيد وتجريده فلا يسألون غيرهم أن يرقيهم ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون والطيرة نوع من الشرك ويتوكلون على الله وحده لا على غيره وتركهم الاسترقاء والتطير هو من تمام التوكل على الله كما في الحديث الطيرة الشرك قال ابن مسعود وما منا إلا من تطير ولكن الله يذهبه بالتوكل. فالتوكل ينافى التطير وأما رقية العين فهي إحسان من الراقي قد رقى رسول الله جبريل وأذن في الرقي وقال لا بأس بها ما لم يكن فيها شرك واستأذنوه فيها فقال من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه وهذا يدل على أنها نفع وإحسان وذلك مستحب مطلوب لله ورسوله فالراقي محسن والمسترقي سائل راج نفع الغير والتوكل ينافي ذلك فإن قيل فعائشة قد رقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل قد رقاه قيل أجل ولكن هو لم يسترق وهو صلى الله عليه وسلم لم يقل ولا يرقيهم راق وإنما قال لا يطلبون من أحد أن يرقيهم وفي إمتناعه أن يدعو للرجل الثاني سد لباب الطلب فإنه لو دعا لكل من سأله ذلك فربما طلبه من ليس من أهله والله أعلم وفي صحيح مسلم من حديث محمد بن سيرين عن عمران ابن حصين قال قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب ولا عذاب قيل ومن هم قال هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون" وفي صحيحه أيضا من حديث ابن الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله قال: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر حديثا طويلا وفيه فتنجوا أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفا لا يحاسبون ثم الذين يلونهم كأضواء نجم في السماء ثم كذلك " وذكر تمام الحديث وقال أحمد بن منيع في مسنده حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز حدثنا حماد عن عاصم عن زر عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسل م: "عرضت علي الأمم بالموسم فتراأيت على أمتي ثم رأيتهم فأعجبني كثرتهم وهيئتهم قد ملؤا السهل والجبل فقال: أرضيت يا محمد فقلت: نعم فقال: أن مع هؤلاء سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب وهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون" فقام عكاشة بن محصن فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ادع الله أن يجعلني منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت منهم فقام رجل آخر فقال سبقك بها عكاشة" وإسناده على شرط مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 الباب الثالث والثلاثون: في ذكر حثيات الرب تبارك وتعالى الذين يدخلهم الجنة قال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن زياد قال سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب مع كل ألف سبعون ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب وثلاث حثيات من حثيات ربي ". قلت وإسماعيل بن عياش إنما يخاف من تدليسه وضعفه فأما تدليسه فقد قال الطبراني حدثنا أحمد بن المعلي الدمشقي والحسين بن إسحاق التستري قالا حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا إسماعيل بن عياش قال أخبرني محمد بن زياد الألهاني قال: سمعت أبا أمامة يقول: فذكره وإما ضعفه فإنما هو في غير حديث الشاميين وهذا من روايته عن الشاميين وأيضا فقد جاء من غير طريقه قال أبو بكر ابن أبي عاصم: حدثنا دحيم حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر عن أبي اليمان الهوزني عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب" قال يزيد بن الأخنس: والله ما أولئك في أمتك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مثل الزباب الأصفر في الذباب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فإن الله وعدني سبعين ألفا مع كل ألف سبعون ألفا وزاد في ثلاث حثيات" قال ابو عبد الله المقدسي: أبو اليمان اسمه عامر بن عبد الله بن لحي ودحيم لقب واسمه عبد الرحمن بن إبراهيم القاضي شيخ البخاري ومن فوقه إلى أبي أمامة من رجال الصحيح إلا الهوازني وما علمت فيه جرحا قال الطبراني حدثنا أحمد بن خليد حدثنا أبو توبة حدثنا معاوية بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام يقول حدثني عامر بن يزيد البكالي أنه سمع عتبة بن عبد السلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن ربي عز وجل وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب ثم يشفع كل ألف لسبعين ألفا ثم يحثي ربي تبارك وتعالى بكفيه ثلاث حثيات فكبر عمر وقال أن السبعين الأول يشفعهم الله في آبائهم وأبنائهم وعشائرتهم وارجو أن يجعلني الله في إحدى الحثيات الأواخر" قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد: لا أعلم لهذا الإسناد علة قال الطبراني وحدثنا أحمد بن خالد حدثنا أبو توبة حدثنا معاوية بن سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام يقول حدثني عبد الله بن عامر بن قيس الكندي أن أبا سعيد الأنماري حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن ربي عز وجل وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب ويشفع لكل ألف سبعين ألفا ثم يحثي ربي ثلاث حثيات بكفيه" قال ابن قيس فقلت لأبي سعيد أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم بأذني ووعاه قلبي قال أبو سعيد: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وذلك إن شاء الله يستوعب مهاجري أمتي, ويوفى الله عز وجل بقيته من أعرابنا قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن أبي سعيد الأنماري إلا بهذا الإسناد وتفرد به معاوية ابن سلام وقد رواه محمد بن سهل بن عسكر عن أبي توبة الربيع بن نافع بإسناده وفيه قال أبو سعيد فحسب ذلك عند رسول الله فبلغ أربعمائة ألف ألف وتسعمائة ألف فقال رسول الله أن ذلك يستوعب أن شاء الله مهاجري أمتي قال الطبراني: حدثنا محمد بن صالح بن الوليد الترسي ومحمد بن يحيى بن منده الأصبهاني قالا أخبرنا أبو حفص عمرو بن علي حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن أبي بكر بن أنس عن أبي بكر بن عمير عن أبيه أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أن الله وعدني أن يدخل من أمتي ثلاثمائة ألف الجنة فقال عمير يا رسول الله صلى الله عليه وسلم زدنا فقال هكذا بيده فقال عمير يا رسول الله صلى الله عليه وسلم زدنا فقال عمير حسبك يا عمير فقال: مالنا ولك يا ابن الخطاب وما عليك أن يدخلنا الله الجنة فقال عمر: إن الله عز وجل إن شاء أدخل الناس الجنة بحفنة أو بحثية واحدة فقال نبي الله: صدق عمر" قال محمد بن عبد الواحد لا أعرف لعمير حديثا غيره وفي الحلية من حديث سليمان ابن حرب حدثنا أبو هلال عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وعدني ربي عز وجل أن يدخل من أمتي مئة ألف الجنة" فقال أبو بكر: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم زدنا قال: "وهكذا" وأشار سليمان بن حرب بيده كذلك قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: زدنا فقال عمر: إن الله قادر أن يدخل الناس الجنة بحفنة واحدة فقال رسول الله: "صدق عمر" رواه عنه إبراهيم بن الهيثم البلدي وفيه ضعف تفرد به أبو هلال الراسبي بصري واسمه محمد بن سليم وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي أربعمائة ألف" قال أبو بكر زدنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهكذا وجمع بين يديه قال زدنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وهكذا فقال عمر حسبك يا أبا بكر فقال أبو بكر دعني وما عليك أن يدخلنا الجنة كلنا!! فقال عمر إن شاء الله أدخل خلقه الجنة بكف واحد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق عمر" تفرد به عبد الرزاق وقال أبو يعلي الموصلي في مسنده حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا عبد القاهر بن السري السلمي حدثنا حميد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا قالوا زدنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هكذا وحثى بيده" قالوا يا نبي الله أبعد الله من دخل النار بعد هذا قال محمد بن عبد الواحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 لا أعلمه روى عن أنس بهذا الطريق وسئل يحيى بن معين عن عبد القاهر فقال صالح وأصحاب هذه الحثيات هم الذين وقعوا في قبضته الأولى سبحانه يوم القبضتين فإن قيل فكيف كانوا أولا قبضة واحدة ثم صاروا ثلاث حثيات مع العدد المذكور قيل الرب سبحانه وتعالى أخرج يوم القبضتين صورهم واشباحهم وقد روى أنهم كانوا كالذر وأما يوم الحثيات فيكونون أتم ما كانوا خلقه وأكمل أجساما فناسب أن تتعدد الحثيات بكلتا اليدين والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 الباب الرابع والثلاثون: في ذكر تربة الجنة وطينتها وحصبائها وبنائها ... الباب الرابع والثلاثون: في ذكر تربة الجنة وطينتها وحصائها وبنائها قال الإمام أحمد حدثنا أبو النضر وأبو كامل قالا أنبأنا زهير حدثنا سعيد الطائي حدثنا أبو مدلة مولى أم المؤمنين سمع أبا هريرة يقول: قلنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم الله إذا رأيناك رقت قلوبنا وكنا من أهل الآخرة وإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا وشممنا النساء والأولاد قال:"لو تكونون على كل حال على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأكفهم ولزارتكم في بيوتكم ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر الله لهم" قال: قلنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا عن الجنة ما بناؤها قال: "لبنة ذهب ولبنة فضة وملاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابهما الزعفران من يدخلها ينعم لا يبأس ويخلد لا يموت ولا تبلى ثيابه ولا يفني شبابه ثلاثة لا ترد دعوتهم الإمام العادل والصائم حتى يفطر ودعوة المظلوم تحمل على الغمام وتفتح لها أبواب السماوات ويقول الرب وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين" وروى أبو بكر بن مردويه من حديث الحسن عن ابن عمر قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنة فقال:"من يدخل الجنة يحيا ولا يموت وينعم ولا يبأس ولا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه" قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف بناؤها قال:"لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها مسك أذفر وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران "هكذا جاء في هذه الأحاديث أن ترابها الزعفران وكذلك روى عن يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن العلاء بن زياد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وترابها الزعفران وطينها المسك" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 وفي الصحيحين من حديث الزهري عن أنس بن مالك قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أدخلت الجنة فإذا فيها جناذب اللؤلؤ وإذا ترابها المسك" وهو قطعة من حديث المعراج وروى مسلم في صحيحه من حديث حماد بن سلمة عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سأل ابن صياد عن تربة فقال: درمكة بيضاء مسك خالص فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق" ثم رواه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة عن الجريري عن أبي نضرة أن ابن صياد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن تربة الجنة فقال: "در مكة بيضاء مسك خالص". وقال سفيان بن عيينة عن مجاهد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد قد غلب أصحابك اليوم قال وبأي شيء غلبوا قال سألهم اليهود كم عدد خزنة النار فقالوا لا ندري حتى نسأل نبينا فقال رسول الله أيغلب قوم سئلوا عما لا يعلمون فقالوا حتى نسأل نبينا ولكن هم أعداء الله سألوا نبيهم أن يريهم الله جبرة على بأعداء الله فأني سائلهم عن تربة الجنة وأنها درمكة فلما أن جاؤه قالوا يا أبا القاسم كم عدد خزنة النار فقال رسول الله بيديه كلتيهما هكذا وهكذا وقبض واحدة أي تسعة عشر فقال لهم رسول الله ما تربة الجنة فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا خبزة يا أبا القاسم فقال النبي صلى الله عليه وسلم الخبزة من الدرمكة" فهذه ثلاث صفات في تربتها ولا تعارض بينها فذهبت طائفة من السلف إلى أن تربتها متضمنة للنوعين المسك والزعفران قال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن أبي عبيد عن أبيه عن الأعمش عن مالك بن الحارث قال قال معتب بن سمى الجنة ترابها المسك والزعفران ويحتمل معنيين آخرين: أحدهما: أن يكون التراب من زعفران فإذا عجن بالماء صار مسكا والطين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 ترابا ويدل على هذا قوله في اللفظ الآخر ملاطها المسك والملاط الطين ويدل عليه أن في حديث العلاء بن زياد ترابها الزعفران وطينها المسك فلما كانت تربتها طيبة وماؤها طيبا فانضم أحدهما إلى الآخر حدث لهما طيب آخر فصار مسكا المعنى الثاني: أن يكون زعفرانا بإعتبار اللون مسكا بإعتبار الرائحة وهذا من أحسن شيء يكون البهجة والإشراق لون الزعفران والرائحة رائحة المسك وكذلك تشبهها بالدرمك وهو الخبز الصافي الذي يضرب لونه إلى صفرة مع لينها ونعومتها وهذا معنى ما ذكره سفيان بن عيينة عن أبي نجيح عن مجاهد بهذا أرض الجنة من فضة وترابها المسك فاللون في البياض لون الفضة والرائحة رائحة المسك وقد ذكر ابن أبي الدنيا من حديث أبي بكر بن أبي سبرة عن عمر بن عطاء بن زرارة عن سالم ابن المغيث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أرض الجنة بيضاء عرصتها صخور الكافور وقد أحاط به المسك مثل كثبان الرمل فيها أنهار مطردة فيجتمع فيها أهل الجنة أدناهم وآخرهم فيتعارفون فيبعث الله ريح الرحمة فتهيج عليهم ريح المسك فيرجع الرجل إلى زوجته وقد أزداد حسنا وطيبا فتقول لقد خرجت من عندي وأنا بك معجبة وأنا بك الآن أشد أعجابا". وقال ابن أبي شيبة: حدثنا معاوية ابن هشام حدثنا علي بن صالح عن عمر بن ربيعة عن الحسن عن ابن عمر قال: قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف بناء الجنة؟ قال: "لبنة من فضة ولبنة من ذهب وملاطها مسك أذفر وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران" وقال أبو الشيخ حدثنا الوليد بن أبان حدثنا أسيد ابن عاصم حدثنا الحوضي حدثنا عدي بن الفضل حدثنا سعيد الحريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال قال رسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله بنى جنات عدن بيده بناؤها لبنة من ذهب ولبنة من فضة وجعل ملاطها المسك الأذفر وترابها الزعفران الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وحصباءها اللؤلؤ ثم قال لها تكلمي فقالت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} فقالت الملائكة طوبى لك منزل الملوك" وقال أبو الشيخ حدثنا عمرو بن الحسين حدثنا أبو علانة حدثنا ابن جريح عن عطاء عن عبيد بن عمير عن أبي كعب قال قال رسول الله قلت ليلة أسري بي يا جبريل أنهم سيسألوني عن الجنة فأخبرهم أنها من درة بيضاء وأن أرضها عقيان والعقيان الذهب فإن كان ابن علانة حفظه فهي أرض الجنتين الذهبيتين فيكون جبريل أخبره بأعلى الجنتين وأفضلهما والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 الباب الخامس والثلاثون: في ذكر نورها وبياضها قال أحمد بن منصور الرمادي أنبأنا كثير بن هشام حدثنا هشام بن زياد وأبو المقدام عن حبيب بن الشهيد عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله الجنة بيضاء وأحب الزي إلى الله البياض فليلبسه أحياؤكم وكفنوا فيه موتاكم" ثم أمر برعاء الشاة فجمعت فقال: "من كان منكم ذا غنم سود فليخلط بها بيضاء" فجاءته امرأة فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني اتخذت غنما سودا فلا أراها تنمو قال: "عفري" وقوله عفري أي بيضي وذكر أبو نعيم من حديث عباد بن عباد حدثنا هشام بن زياد عن يحيى بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عباس يرفعه أن الله خلق الجنة بيضاء وأن أحب اللون إلى الله البياض فليلبسه أحياؤكم وكفنوا به موتاكم وذكر من طريق عبد الحميد بن صالح حدثنا أبو شهاب عن حمزة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالبياض فإن الله خلق الجنة بيضاء فليلبسه أحياؤكم وكفنوا فيه موتاكم" وروينا من طريق البخاري حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا سويد بن سعيد حدثنا عبد ربه الحنفي عن خاله الزميل بن السماك أنه سمع أباه يحدث أنه لقي عبد الله بن عباس بالمدينة بعد ما كف بصره فقال: يا ابن عباس ما أرض الجنة قال: "مر مرة بيضاء من فضة كأنها مرآة" قلت: فما نورها قال: "ما رأيت الساعة التي تكون فيها قبل طلوع الشمس فذلك نورها إلا أنه ليس فيها شمس ولا زمهرير وذكر الحديث وسيأتي إن شاء الله تعالى وفي حديث لقيط بن عامر الطويل الذي رواه عبد الله بن احمد في مسند أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث وقال: "وتحتبس الشمس والقمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 فلا يرون منهما واحدا" قال: قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيم تبصر قال: " مثل بصرك في ساعتك هذه وذلك مع طلوع الشمس في يوم أشرقته الأرض وواجهته الجبال" وفي سنن ابن ماجه من حديث الوليد بن مسلم عن محمد بن مهاجر عن الضحاك المغافري عن سليمان بن موسى حدثني كريب أنه سمع أسامة بن زيد يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا هل مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها وهي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة ومقام في أبد في دار سليمة وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة في محلة عالية بهية قالوا نعم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن المشمرون لها قال قولوا إن شاء الله قال القوم أن شاء الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 الباب السادس والثلاثون: في ذكر غرفها وقصورها ومقاصيرها وخيامها قال الله تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ} فأخبر تعالى أنها غرف فوق غرف وأنها مبنية بناء حقيقة لئلا تتوهم النفوس أن ذلك تمثيل وأنه ليس هناك بناء بل تتصور النفوس غرفا مبنية كالعلالي بعضها فوق بعض حتى كأنها ينظر إليها عيانا ومبنية صفة للغرف الأولى والثانية أي لهم منازل مرتفعة وفوقها منازل أرفع منها قال تعالى: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} والغرفة جنس كالجنة وتأمل كيف جزاءهم على هذه الأقوال المتضمنة للخضوع والذل والاستكانة لله الغرفة والتحتية والسلام في مقابلة صبرهم على سوء خطاب الجأهلين لهم فبدلوا بذلك سلام الله وملائكته عليهم. وقال تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} وقال تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْن} وقال تعالى: {قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ} وروى الترمذي في جامعة من حديث عبد الرحمن بن إسحق عن النعمان بن سعد عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة لغرف يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظهورها" فقام أعرابي فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن هي قال:"لمن طيب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 نيام" قال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن إسحاق وقال الطبراني حدثنا عبدان ابن أحمد حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا معاوية بن سلام عن زيد بن سلام قال حدثني أبو سلام حدثني أبو معانق الأشعري حدثني أبو مالك الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام " وقال ابن وهب حدثنا حيي عن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها" قال أبو مالك الأشعري لمن هي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وبات قائما والناس نيام" قال محمد بن عبد الواحد: وهذا عندي إسناد حسن وذكر أبي مالك فيه يدل على صحته لأن أبا مالك قد رواه وإسناده أيضا حسن وقد تقدم حديث أبي سعيد المتفق على صحته "إن أهل الجنة ليتراأون أهل الغرف كما تراأون الكوكب الغابر من الأفق" وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤ واحد مجوفة طولها ستون ميلا فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح"من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة" وقوله في حديث أبي موسى يقول الله عز وجل لمن حمد واسترجع عند موت ولده: "ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه ببيت الحمد" وفي الصحيحين من حديث عبد الله ابن أبي أوفى وأبي هريرة وعائشة أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم "هذه خديجة اقرئها السلام من ربها وأمره أن يبشرها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 ببيت في الجنة من قصب لا صخب" فيه ولا نصب والقصب هنا قصب اللؤلؤ المجوف. وقد روى ابن أبي الدنيا من حديث يزيد بن هرون عن حماد بن سلمة عن عكرمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة لقصرا من لؤلؤ ليس فيه صدع ولا وهن أعده الله عز وجل لخليله إبراهيم" وفي الصحيحين من حديث حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أدخلت الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب فقلت لمن هذا القصر قالوا لشاب من قريش فظننت أني أنا هو فقلت ومن هو قالوا لعمر بن الخطاب " وه وفيهما من حديث جابر ولفظه فأتيت على قصر مربع مشرف من ذهب وقد تقدم وقال ابن أبي الدنيا حدثنا شجاع بن الأشرس قال سمعت عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن حميد بن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دخلت الجنة فإذا فيها قصر أبيض قال قلت لجبريل لمن هذا القصر قال لرجل من قريش فرجوت أن أكون أنا فقلت لاي قريش قال لعمر بن الخطاب " وهذا إن كان محفوظا فبياضه نوره وإشراقه وضياؤه والله أعلم وقال الحسن: "قصر من ذهب لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل يرفع بها صوته وقال الأعمش: حدثنا مالك بن الحارث عن مغيث بن سمي قال: إن في الجنة قصورا من ذهب وقصورا من فضة وقصورا من لؤلؤ وقصورا من ياقوت وقصورا من زبرجد وقال الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير قال: إن أدنى أهل الجنة منزلة من له دار من لؤلؤة واحدة منها غرفها وأبوابها" وروى البيهقي من حديث حفص بن عمر حدثنا عمرو بن قيس الملائي عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة لغرفا فإذا كان ساكنها فيها لم يخف عليه ما خلفها وإذا كان خلفها لم يخف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 عليه ما فيها قيل لمن هي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لمن أطاب الكلام وواصل الصيام وأطعم الطعام وأفشى السلام وصلى والناس نيام قال وما طيب الكلام قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإنها تأتي يوم القيامة ولها مقدمات ومعقبات" قيل: وما وصال الصيام قال:"من صام شهر رمضان ثم أدرك شهر رمضان فصامه" قيل: وما إطعام الطعام قال:"من قات عياله وأطعمهم" قيل: وما إفشاء السلام قال:"مصافحة أخيك وتحيته" قيل: وما الصلاة والناس نيام قال:"صلاة العشاء الآخرة" قال: حفص بن عمر هذا مجهول لم يروه عنه غير على بن حرب فيما أعلم قلت هذا يلقب بالكفر بفتح الكاف وسكون الفاء وقد روى عنه محمد بن غالب تمتام وعلى ابن حرب وهما ثقتان ولكن ضعفه ابن عدي وابن حبان وحديثه وهذا له شواهد والله أعلم وفي فوائد ابن السماك حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن منصور حدثنا أبي حدثنا عبد الرحمن بن عبد المؤمن قال سمعت محمد بن واسع يذكر عن الحسن عن جابر بن عبد الله قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أحدثكم بغرف الجنة" قال: قلنا بلى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبينا أنت وأمنا قال: "أن في الجنة غرفا من أصناف الجوهر كله يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها فيها من النعم واللذات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت" قال: قلنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن هذه الغرف قال لمن أفشى السلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام قال قلنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يطيق ذلك قال أمتي تطيق ذلك وسأخبركم عن ذلك من لقي أخاه فسلم عليه فقد أفشى السلام ومن أطعم أهله وعياله من الطعام حتى يشبعهم فقد أطعم الطعام ومن صام رمضان ومن كل شهر ثلاثة أيام فقد أدام الصيام ومن صلى صلاة العشاء الأخيرة في جماعة فقد صلى الليل والناس نيام واليهود والنصارى والمجوس وهذا إسناد وإن كان لا يحتج به وحده فإذا انضم إليه ما تقدم استفاد قوة مع أنه قد روى بإسنادين آخرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 الباب السابع والثلاثون: في ذكر معرفتهم لمنازلهم ومساكنهم إذا دخلو الجنة وإن لم يروها قبل ذلك ... الباب السابع والثلاثون: في ذكر معرفتهم لمنازلهم ومساكنهم إذا دخلوا الجنة وأن لم يروها قبل ذلك قال تعالى {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} قال مجاهد: "يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم لا يخطئون كأنهم ساكنوها منذ خلقوا لا يستدلوا عليها أحدا" وقال ابن عباس في رواية أبي صالح: "هم أعرف بمنازلهم من أهل الجنة إذا انصرفوا إلى منازلهم" وقال محمد بن كعب: "يعرفونها كما تعرفون بيوتكم في الدنيا إذا انصرفتم من يوم الجمعة" هذا قول جمهور المفسرين وتلخيص أقوالهم ما قاله أبو عبيدة عرفها لهم أي بينها لهم حتى عرفوها من غير استدلال وقال مقاتل ابن حيان: "بلغنا أن الملك الموكل بحفظ بني آدم يمشي في الجنة ويتبعه ابن آدم حتى يأتيه أقصى منزل هو له فيعرفه كل شيء أعطاه الله في الجنة فإذا دخل إلى منزله وأزواجه انصرف الملك عنه" وقال سلمة بن كهيل: "طرقها لم ومعنى هذا أنه طرقها لهم حتى يهتدوا إليها" وقال الحسن: "وصف الله الجنة في الدينا لهم فإذا دخلوها عرفوها بصفتها وعلى هذا القول فالتعريف وقع في الدنيا ويكون المعنى يدخلهم الجنة التي عرفها لهم وعلى القول الأول يكون التعريف وأقعا في الآخرة هذا كله إذا قيل أنه من التعريف وفيها قول آخر أنه من العرف وهو الرائحة الطيبة وهذا اختيار الزجاج أي طلبها ومنه طعام معرف أي مطيب وقيل: هو من العرف وهو التتابع: أي تابع لهم طيباتها وملاذها والقول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 هو الأول وأنه سبحانه أعلمها وبينها بما يعلم به كل أحد منزله وداره فلا يتعداه إلى غيره وفي صحيح البخاري من حديث قتادة عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار يتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم بدخول الجنة والذي نفسي بيده أن أحدهم بمنزلة في الجنة أدل منه بمسكنه كان في الدنيا" وفي مسند آخر من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي بعثني بالحق ما أنتم في الدنيا بأعرف بأحوالكم ومساكنكم من أهل الجنة وبأزواجهم ومساكنهم إذا دخلوا الجنة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 الباب الثامن والثلاثون: في كيفية دخولهم الجنة وما يستقبلون عند دخولها قد تقدم قوله تعالى وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا وقال تعالى ويوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا قال ابن أبي الدنيا حدثنا محمد بن عباد بن موسى العكلي حدثنا يحيى بن سليم الطائفي حدثنا إسماعيل بن عبد الله المكي حدثنا أبو عبد الله أنه سمع الضحاك بن مزاحم يحدث عن الحرث عن علي أنه سأل رسول الله عن هذه الآية {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً} قال قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الوفد إلا ركب قال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده إنهم خرجوا من قبورهم استقبلوا بنوق بيض لها أجنحة عليها رحال الذهب شرك نعالهم نور يتلألأ كل خطوة منها مثل مد البصر وينتهون إلى باب الجنة فإذا حلقه من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب وإذا شجرة على باب الجنة ينبع من أصلها عينان فإذا شربوا من إحداهما جرت في وجوههم نضرة النعيم وإذا توضؤا من الأخرى لم تشعث أشعارهم أبدا فيضربون الحلقة بالصفيحة قالوا سمعت طنين الحلقة فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد أقبل فتستخفها العجلة فتبعث قيمتها فيفتح له الباب فلولا أن الله عز وجل عرفه نفسه لخر له ساجدا مما يرى من النور والبهاء فيقول أنا قيمك الذي وكلت بأمرك فيتبعه فيقفو أثره فيأتي زوجته فتستخفها العجلة فتخرج من الخيمة فتعلقه وتقول أنت حبي وأنا حبك وأنا الراضية فلا أسخط أبدا وأنا الناعمة فلا أبأس أبدا والخالدة فلا أظعن أبدا فيدخل بيتا من أساسه إلى سقفه مائة ذراع مبنى على جندل اللؤلؤ والياقوت طرائق حمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 وطرائق خضر وطرائق صفر ما منها طريقة تشاكل صاحبتها فيأتي الأريكة عليها سرير على السرير سبعون فراشا عليها سبعون زوجة على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ ساقها من باطن الجلد يقضي جماعهن في مقدار ليلة تجري من تحتهم أنهار مطردة أنهار من ماء غير آسن صاف ليس فيه كدر وأنهار من عسل مصفى لم يخرج من بطون النحل وأنهار من خمر لذة للشاربين لم تعصره الرجال بأقدامها وأنهار من لبن لم يتغير طعمه لم يخرج من بطون الماشية فإذا اشتهوا الطعام جائتهم طيور بيض فترفع أجنحتها فيأكلون من جنوبها من أي الألوان شاؤا ثم تطير فتذهب فيها ثمار متدالية إذا اشتهوها انشعب الغص إليهم فيأكلون من أي الثمار شاؤوا إن شاء قائما وإن شاء متكئا وذلك قوله عز وجل {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} وبين أيديهم خدم كاللؤلؤ" هذا حديث غريب وفي إسناد ضعيف وفي رفعة نظر والمعروف أنه موقوف على عليّ قال ابن أبي الدنيا حدثنا محمد بن عمر بن سليمان حدثنا محمد بن فضيل عن عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد في هذه الآية {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً} قال: "أما والله لا يحشر الوفد على أرجلهم ولكن لا يأتون بنوق لم تر الخلائق مثلها وعليها رحال الذهب وأزمتها الزبرجد فيركبون عليها حتى يضربوا باب الجنة" وقال علي بن الجعد في الجعديات: أنبأنا زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال: "يساق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى انتهوا إلى باب من أبوابها وجدوا عنده شجرة تخرج من تحت ساقها عينان تجريان إلى إحداهما كأنما أمروا بها فشربوا منها فأذهب ما في بطونهم من أذى وقذى وبأس ثم عمدوا إلى الأخرى فتطهروا منها فجرت عليهم نضرة النعيم فلن تغيرا أبشارهم أو تغير بعدها أبدا ولن تشعت أشعارهم كأنما دهنوا بالدهان ثم انتهوا إلى خزنة الجنة فقالوا: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} قال: "ثم تقلهاها الولدان يطيفون بهم كما يطيف ولدان أهل الدنيا بالحميم يقدم من غيبته فيقولون أبشر بما أعد الله لك من الكرامة كذا قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 ثم ينطلق غلام من أولئك الولدان إلى بعض أزواجه من الحور العين فيقول قد جاء فلان باسمه الذي يدعى به في الدنيا فتقول أنت رأيته فيقول أنا رأيته وهو ذا بأثرى فيستخف أحداهن الفرح حتى تقوم على أسكفة بابها فإذا انتهى إلى منزله نظر إلى أساس بنائه فإذا جندل اللؤلؤ فوقه صرح الخضر وأصفر وأحمر ومن كل لون ثم رفع رأسه فنظر إلى سقفه فاذا مثل البرق فلولا أن الله قدره له لألم أن يذهب بصره ثم طأطأ رأسه فنظر إلى أزواجه وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة فنظروا إلى تلك النعمة ثم أتكؤا {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} ثم ينادي مناد: تحيون فلا تموتون أبدا وتقيمون فلا تظعنون أبدا وتصحون فلا تمرضون أبدا وقال عبد الله بن المبارك: أنبأنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال: "ذكر لنا أن الرجل إذا دخل الجنة صور صورة أهل الجنة وألبس لباسهم وحلى حليهم وأرى أزواجه وخدمه ويأخذه سوار فرح لو كان ينبغي أن يموت لمات من سوار فرحه فيقال له أرأيت سوار فرحتك هذه فإنها قائمة لك أبدا " قال ابن المبارك وأخبرنا راشد بن سعد أنبأنا زهرة بن معبد القرشي عن أبي عبد الرحمن الجبلي قال: "أن العبد أول ما يدخل الجنة يتلقاه سبعون ألف خادم كأنهم اللؤلؤ" قال ابن المبارك وأنبأنا يحيى بن أيوب حدثني عبيد الله بن زخر عن محمد بن أبي أيوب المخزومي عن أبي الرحمن المعافري قال: "إنه ليصف للرجل من أهل الجنة سماطان لا يرى طرفاهما من غلمانه حتى إذا مر مشوا وراءه" وقال أبو نعيم أنبأنا أبو سلمة عن الضحاك قال إذا ادخل المؤمن الجنة دخل أمامه ملك فأخذ به في سككها فيقول له: انظر ما ترى قال: أرى أكثر قصورا رأيتها من ذهب وفضة وأكثر أنيس فيقول له الملك فإن هذا أجمع لك حتى إذا رفع إليهم استقبلوه من كل باب ومن كل مكان يقولون نحن لك ثم يقول امش فيقول: ماذا ترى فيقول أرى أكثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 عساكر رأيتها من خيام وأكثر أنيس قيل فإن هذا أجمع لك فإذا رفع إليهم استقبلوه فقالوا: نحن لك. وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا أو سبعمائة ألف متما سكون آخذ بعضهم ببعض لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم ووجوههم على صورة القمر ليلة البدر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 الباب التاسع والثلاثون: في ذكر صفة أهل الجنة في خلقهم وطولهم وعرضهم ومقدار أسنانهم ... الباب التاسع والثلاثون: في ذكر صفة أهل الجنة في خلقهم وخلقهم وطولهم وعرضهم ومقدار أسنانهم قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلق الله عز وجل آدم على صورته طوله ستون ذراعا فلما خلقه قال: له أذهب فسلم على أولئك النفر وهو نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحبونك فأنها تحيتك وتحية ذريتك قال فذهب فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليكم ورحمة الله فزاده ورحمة الله قال فكل من يدخل الجنة على صورة آدم طوله ستون ذراعا فلم يزل ينقص الخلق بعده حتى الآن" متفق على صحته وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد بن هرون وعفان بن مسلم قالا حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن سعد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدخل أهل الجنة الجنة جردا مردا بيضا جعادا مكحلين أبناء ثلاث وثلاثين وهم على خلق آدم ستون ذراعا في عرض سبعة أذرع" قيل تفرد به حماد عن علي بن زيد وفي جامع الترمذي من حديث شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل أهل الجنة الجنة جردا مردا مكحلين أبناء ثلاث وثلاثين " قال هذا حديث حسن غريب وقال أبو بكر بن أبي داودو حدثنا محمود بن خالد وعباس بن الوليد قال حدثنا عمر عن الأوزاعي عن هرون بن رباب عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يبعث أهل الجنة على صورة آدم في ميلاد ثلاث وثلاثين سنة جردا مردا مكحلين ثم يذهب بهم إلى شجرة في الجنة فيكسون منها لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وقال الترمذي: حدثنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله بن المبارك عن رشد بن سعد عن عمرو ابن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير يردون بني ثلاثين سنة في الجنة لا يزيدون عليها أبدا وكذلك أهل النار" فإن كان هذا محفوظا لم يناقض ما قبله فإن العرب إذا قدرت بعدد له نيف فإن لهم طريقين تارة يذكرون النيف للتحرير وتارة يحذفونه وهذا معروف في كلامهم وخطاب غيرهم من الأمم وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا القاسم بن هشام حدثنا صفوان ابن صالح حدثنا رواد بن الجراح العسقلاني حدثنا الأوزاعي عن هارون بن رباب عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم ستين ذراعا بذراع الملك على حسن يوسف وعلى ميلاد عيسى ثلاث وثلاثين سنة وعلى لسان محمد جرد مرد مكحلون" وقال ابن وهب حدثنا معاوية ابن صالح عن عبد الوهاب بن بخت عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال أن أهل الجنة يدخلون الجنة على قدر أدم ستون ذراعا على ذلك قطعت سررهم " وقد تقدم أن أول زمرة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر وأن الذين يلونهم على ضوء أشد كوكب في السماء إضاءة وأما الأخلاق فقد قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} فأخبر عن تلاقي قلوبهم وتلاقي وجوههم وفي الصحيحين: "أخلاقهم على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم عليه السلام ستون ذراعا في السماء" والرواية على خلق بفتح الخاء وسكون اللام والأخلاق كما تكون جمعا للخلق بالضم فهي جمع للخلق بالفتح والمراد تساويهم في الطول والعرض والسن وإن تفاوتوا في الحسن والجمل ولهذا فسره بقوله على صورة أبيهم آدم عليه السلام ستون ذراعا في السماء وأما أخلاقهم وقلوبهم ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة: "أول زمرة تلج الجنة" الحديث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وقد تقدم وفيه اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم على قلب رجل واحد يسبحون الله بكرة وعشية وكذلك وصف الله سبحانه وتعالى نساءهم بإنهن أتراب أي في سن واحد ليس فيهن العجائز والشواب وفي هذا الطول والعرض والسن من الحكمة ما لا يخفى فأنه أبلغ وأكمل في استيفاء اللذات لأنه أكمل سن القوة عظم الآت اللذة وباجتماع الأمرين يكون كمال اللذة وقوتها بحيث يصل في اليوم الواحد إلى مئة عذراء كما سيأتي أن شاء الله تعالى ولا يخفى التناسب الذي بين هذا الطول والعرض فإنه لو زاد أحدهما على الآخر فات الاعتدال وتناسب الخلقة يصير طولا مع دقة أو غلظا مع قصر وكلاهما غير مناسب والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 الباب الأربعون: في ذكر أعلى أهل الجنة منزلة وأدناهم أعلاهم منزلة سيد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابن مَرْيَمَ الْبَيِّنَات} قال مجاهد وغيره: منهم من كلم الله وموسى ورفع بعضهم درجات هو محمد وفي حديث الإسراء المتفق على صحته أنه لما جاوز موسى قال رب لم أظن أن ترفع على أحد ثم علا فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاوز سدرة المنتهى وفي صحيح مسلم من حديث عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا على فإنه من صلى على صلاة واحدة صلى الله عليه عشرا ثم سلوا إلى الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجوا أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة" وفي صحيح مسلم من حديث المغيرة بن شيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن موسى سأل ربه ما أدنى أهل الجنة منزلة فقال رجل يجئ بعد ما دخل أهل الجنة الجنة فيقال له أدخل الجنة فيقول رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم فيقال له أتوصي أن يكون ذلك مثل ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت رب فيقول لك ذلك ومثله ومثله ومثله فقال في الخامسة رضيت رب قال رب فأعلاهم منزلة قال أولئك الذين غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وقال الترمذي حدثنا عبد بن حميد أنبأنا شبابة عن إسرائيل عن ثوير قال سمعت بن عمر يقول قال رسول الله أن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جناته وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرد مسيرة ألف عام وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ثم قرأ رسول الله وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة قال وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن إسرائيل عن ثوير عن ابن عمر غير مرفوع قال ورواه عبد الملك بن أبحر عن ثوير عن ابن عمر مرقوفا ورواه عبد الله الأشجعي بن سفيان عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر ونحوه ولم يرفعه قلت ورواه الطبراني في معجمه من حديث أبي معاوية عن عبد الملك بن أبجر عن ثوير عن ابن عمر مرفوعا: "أن أدنى أهل الجنة منزلة لرجل ينظر في ملكه ألفى سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه ينظر إلى أزواجه وسرره وخدمه" الحديث ورواه أبو نعيم عن إسرائيل عن ثوير قال سمعت ابن عمر يقول قال إسرائيل لا أعلم ثويرا إلا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال الإمام أحمد حدثنا حسن هو ابن موسى حدثنا سكين بن عبد العزيز حدثنا أبو الأشعث الضرير عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن أدنى أهل الجنة منزلة سبع درج وهو على السادسة وفرقه السابعة وإن له ثلاثمائة خادم ويفدي عليه ويراح كل يوم بثلاثمائة صحفة ولا أعلمه قال إلا من ذهب في كل صحفة لون ليس في الآخر وإنه ليلذ أوله كما يلذ آخره وعن الأشربة بثلاثمائة إناء في كل إناء لون ليس في الآخرة وإنه ليلذ أوله كما يلذ آخره وأنه ليقول يا رب لو أذنت لي لأطعمت أهل الجنة وسقيتهم لم مما ينقص مما عندي شيء وإن له من الحور لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا وإن الواحدة منهن لتأخذ مقعدها قدر ميل من الأرض" قلت سكين بن عبد العزيز ضعفه النسائي وشهرين حوشب ضعفه مشهور والحديث منكر يخالف الأحاديث الصحيحة فإن طول ستين ذراعا لا يحتمل أن يكون مقعد صاحبه بقدر ميل من الأرض والذي في الصحيحين في أول زمرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 تلج الجنة لكل امرئ منهم زوجتان من الحور العين فكيف يكون لأدناهم اثنتان وسبعون من الحور العين وأقل ساكني الجنة نساء الدنيا فكيف فيكون يكون لأدنى أهل الجنة جماعة منهن وأيضا فان الجهتين الذهبيتين أعلى من الفضيتين فكيف يكون أدناهم في الذهبيتين قال الدولابي: شهر بن حوشب لا يشبه حديثه الناس وقال ابن عون: حوشب شهرا تركوه وقال النسائي وابن عدي: ليس بالقوي وقال أبو حاتم لا يحتج به وتركه شعبة ويحيى بن سعيد وهذان من أعلم الناس بالحديث ورواته وعلله وأن كان غير هؤلاء قد وثقه وحسن حديثه فلا ريب أنه إذا انفرد بما يخالف ما رواه الثقات لم يقبل والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 الباب الحادي والأربعون: في تحفة أهل الجنة إذا دخلوها روى مسلم في صحيحه من حديث ثوبان قال كنت قائما عند رسول الله فجاء حبر من أحبار اليهود فقال السلام عليك يا محمد فدفعته دفعة كاد يصرع منها فقال لم تدفعني فقلت: ألا تقول يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن اسمي محمدا الذي سماني به أهلي" فقال اليهودي: جئت أسألك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أينفعك بشيء أن حدثتك"فقال: أسمع بأذنى فنكث رسول الله بعود معه فقال: "سل" فقال اليهودي: أين تكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في الظلمة دون الجسر" قال: فمن أول الناس إجازة يوم القيامة قال: "فقراء المهاجرين" قال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة قال: "زيادة كبد النون" قال: فما غذاؤهم على أثرها قال: "ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها" قال: فما شرابهم قال: "من عين فيها تسمى سلسبيلا" قال: صدقت قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان قال: أينفعك إن حدثتك قال: أسمع بأذني قال: جئت أسألك عن الولد قال: "ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا منى الرجل منى المرأة اذكرا بإذن الله تعالى وإن علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله تعالى" قال اليهودي: لقد صدقت وإنك لنبي ثم انصرف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه ومالي علم بشيء حتى أتاني الله عز وجل به" وفي صحيح البخاري عن أنس قال سمع عبد الله بن سلام مقدم رسول الله المدينة وهو في أرض يخترف فأتى النبي صلى الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 فقال: أني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي فما أول أشراط الساعة وما أول طعام أهل الجنة وما ينزع الولد إلى أبيه أو أمه قال صلى الله عليه وسلم: "أخبرني آنفا" قال: جبريل قال: نعم قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة فقرأ هذه الآية {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن اليهود قوم بهت وإنهم أن يعلموا بإسلامي قبل أن يسألهم ببهتوني فجاءت اليهود فقال: "أي رجل عبد الله فيكم" قالوا: خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا قال: "أفرأيتم إن أسلم عبد الله" فقالوا: أعاذه الله من ذلك فخرج عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فقالوا: شرنا وابن شرنا وانتقصوه فقال: هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الصحيحين من حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفر لأهل الجنة" فأتى رجل من اليهود فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم إلا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة قال: "بلى" قال: تكون الأرض بزة واحدة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلينا ثم ضحك حتى بدت نواجذه ثم قال: "ألا أخبرك بإدامهم" قال: بلى قال: "إدامهم بالآدام والنون" قال: وما هذا قال: "ثور ونون يأكل من زيادة كبدهما سبعون ألفا" وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا ابن لهيعة حدثني يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير أخبره أن أبا العوام أخبره أنه سمع كعبا يقول أن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: ادخلوها أن لكل ضيف جزورا وأني أجزركم اليوم فيأتي بثور وحوت فيجرز لأهل الجنة" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 الباب الثاني والأربعون: في ذكر ريح الجنة ومن مسيرة كم ينشق قال الطبراني حدثنا موسى بن حازم الأصبهاني حدثنا محمد بن بكير الحضرمي حدثنا مروان بن معاوية الفزاري عن الحسن بن عمرو عن مجاهد عن جنادة بن أبي أمية عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل قتيلا من أهل الذمة لم يرح رائحة الجنة وأن ريحها ليوجد من مسيرة مائة عام" ورواه البخاري في الصحيح عن قيس بن حفص عن عبد الواحد بن زياد عن الحسن ابن عمرو الفقيمي عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو ولم يذكر بينهما جنادة وقال ليوجد من مسيرة أربعين عاما وقال الترمذي حدثنا محمد بن بشار حدثنا معدي ابن سليمان هو البصري عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا من قتل نفسا معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر بذمة الله فلا يراح رائحة الجنة وأن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا " قال: وفي الباب عن أبي بكرة وحديث أبي هريرة حديث حسن صحيح قال محمد بن عبد الواحد وإسناده عندي على شرط الصحيح قلت وقد رواه الطبراني من حديث عيسى بن يونس عن عوف الأعرابي عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة يرفعه من قتل نفسا معاهدة بغير حقها لم يرح رائحة الجنة وإن ريح الجنة يوجد من مسيرة مائة عام وقال الطبراني: حدثنا إسحق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن أو غيره عن أبي بكرة قال: سمعت رسول الله يقول: "ريح الجنة يوجد من مسيرة مائة عام" وهذه الألفاظ لا تعارض بينهما بوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 وقد أخرجا في الصحيحين من حديث أنس قال لم يشهد عمي مع رسول الله بدرا قال فشق عليه قال أول مشهد شهده رسول الله غبت عنه قال فإني أراني الله مشهدا فيما بعد مع رسول الله ليرين الله ما أصنع قال فهاب أن يقول غيرها قال فشهد مع رسول الله يوم أحد قال فاستقبل سعد بن معاذ فقال له أين فقال: واها لريح الجنة أجده دون أحد قال: فقاتلهم حتى قتل قال فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية فقالت أخته عمة الربيع بنت النضر: فما عرفت أخي إلا ببنانه ونزلت هذه الآية {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} قال: فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه وريح الجنة نوعان: ريح يوجد في الدنيا تشمه الآرواح أحيانا لا تدركه العباد وريح يدرك بحاسة الشم للابدان كما يشم روائح الأزهار وغيرها وهذا يشترك أهل الجنة في إدراكه في الآخرة من قرب وبعد وأما في الدنيا فقد يدركه من شاء الله من أنبيائه ورسله وهذا الذي وجده أنس بن النضر يجوز أن يكون من هذا القسم وأن يكون من الأول والله أعلم وقال أبو نعيم: حدثنا محمد بن معمر حدثنا محمد بن أحمد المؤذن حدثنا عبد الواحد بن غياث أنبأنا الربيع بن بدر حدثنا هارون بن رياب عن مجاهد عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن رائحة الجنة توجد من مسيرة خمس مائة عام" وقال الطبراني حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا محمد بن احمد بن محمد بن طريف حدثنا أبي حدثنا محمد بن كثير حدثني جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ريح الجنة يوجد من مسيرة ألف عام والله لا يجدها عاق ولا قاطع رحم" وقال أبو داود الطيالسي في مسنده: حدثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ادعى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 إلى غير أبيه لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمس مائة عام وقد أشهد الله سبحانه عباده في هذه الدار آثارا من آثار الجنة وأنموذجا منها من الرائحة الطيبة واللذات المشتهاة والمناظر البهية والفاكهة الحسنة والنعيم والسرور وقرة العين" وقد روى أبو نعيم من حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله عز وجل للجنة: طيبى لأهلك فتزداد طيبا فذلك البرد الذي يجده الناس بالسحر من ذلك كما جعل سبحانه نار الدنيا وآلامها وغمومها وأحزانها تذكرة بنار الآخرة قال تعالى في هذه النار: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً} وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم: "أن شدة الحر والبرد من أنفاس جهنم فلا بد أن يشهد عباده جنته وما يذكرهم بها" والله المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 الباب الثالث والأربعون: في الأذان الذي يؤذن به مؤذن الجنة فيها روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ينادي مناد أن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وأن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وأن لكم أن تنعموا فلا تبأسوأ أبدا " وذلك قوله عز وجل {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} قال عثمان بن أبي شيبة: حدثنا يحي بن آدم حدثنا حمزة الزيات عن أبي إسحق عن الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} قال: "نودوا أن صحوا فلا تسقموا أبدا واخلدوا فلا تموتوا أبدا وانعموا فلا تبأسوا أبدا" وفي صحيح مسلم من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن صهيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة أن لكم عند الله موعدا فيقولون ما هو ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة وينجنا من النار فيكشف الحجاب فينظرون إلى الله فوالله ما أعطاهم الله شيئا هو أحب اليهم من النظر إليه" وقال عبد الله بن المبارك أنبأنا أبو بكر الألهاني أخبرني أبو تميم الهجيمي قال: سمعت أبا موسى الأشعري يخطب على منبر البصرة يقول: أن الله عز وجل يبعث يوم القيامة ملكا إلى أهل الجنة فيقول يا أهل الجنة هل أنجزكم الله ما وعدكم؟ فينظرون فيرون الحلي والحلل والأنهار والأزواج المطهرة فيقولون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 نعم قد أنجزنا ما وعدنا قالوا ذلك ثلاث مرات فينظرون فلا يفتقدون شيئا مما وعدوا فيقولون نعم فيقول قد بقى شيء إن الله يقول: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال: ألا إن الحسنى الجنة والزيادة: النظر إلى وجه الله" وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول أنا أعطيكم أفضل من ذلك قالوا ربنا وأي شيء أفضل من ذلك قال أحل عليكم رضواني فلا اسخط عليكم بعده أبدا، ومن تراجم بخاري عليه باب كلام الرب مع أهل الجنة وسيأتي في هذا أحاديث ذكرها في باب معقود لذلك أن شاء الله وفي الصحيحين من حديث نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم فيقول يا أهل الجنة لا موت ويا أهل النار لا موت كل خالد فيما هو فيه" وهذا الأذان وإن كان بين الجنة والنار فهو يبلغ جميع أهل الجنة والنار ولهم فيها نداء آخر يوم زيارتهم ربهم تبارك وتعالى يرسل إليهم ملكا فيؤذن فيهم بذلك فيتسارعون إلى الزيارة كما يؤذن مؤذن الجمعة إليها وذلك في مقدار يوم الجمعة كما سيأتي مبينا في باب زيارتهم الرب عز وجل والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 الباب الرابع والأربعون: في أشجار الجنة وبساتينها وظلالها قال تعالى {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} وقال تعالى: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} وهو جمع فنن وهو الغصن وقال {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} والمخضود: الذي قد خضد شوكة أي نزع وقطع فلا شوك فيه وهذا قول بن عباس ومجاهد ومقاتل وقتادة وأبي الأحوص وقسامة بن زهير وجماعة واحتج هؤلاء بحجتين: أحدهما: أن الخضد في اللغة القطع وكل رطب قضيته فقد خضدته وخضدت الشجر إذا قطعت شوكة فهو خضيد ومخضود ومنه الخضد على مثال الثمر وهو كل ما قطع من عود رطب خضد بمعنى مخضود كقبض وسلب والخضاد شجر: رخو لا شوك له الحجة الثانية: قال ابن أبي داود حدثنا محمد بن مصفى حدثنا محمد بن المبارك حدثنا يحيى بن حمزة حدثنا ثور ابن يزيد حدثني حبيب بن عبيد عن عتبة بن عبد السلمي قال: كنت جالسا مع رسول الله فجاء أعرابي فقال يا رسول الله أسمعك تذكر في الجنة شجرة لا أعلم شجرة أكثر شوكا منها يعني الطلح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله جعل مكان كل شوكة منها ثمرة مثل خصوة التيس الملبود فيها سبعون فيها سبعون لونا من الطعام لا يشبه لون آخر الملبود الذي قد اجتمع شعره بعضه على بعض" وقال عبد الله بن المبارك: أنبأنا صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر قال كان أصحاب رسول الله صلى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 عليه وسلم يقولون أن الله لينفعنا بالأعراب ومسائلهم أقبل أعرابي يوما فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الله في الجنة شجرة مؤذية وما كنت أرى في الجنة شجرة تؤذى صاحبها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما هي قال السدر فإن له شوكا مؤذيا قال أليس الله يقول في سدر مخضود خضد الله شوكة فجعل مكان كل شوكة ثمرة" وقالت طائفة: المخضود هو الموقر حملا وأنكر عليهم هذا القول وقالوا لا يعرف في اللغة الخضد بمعنى الحمل ولم يصب هؤلاء الذين أنكروا هذا القول بل هو قول صحيح وأربابه ذهبوا إلى أن الله سبحانه وتعالى لما خضد شوكة واذهبه وجعل مكان كل شوكة ثمرة أو قرت بالحمل والحديثان المذكوران أن يجمعان القولين وكذلك قول من قال المخضود الذي لا يعقر اليد ولا يرد اليد عنه شوك ولا أذى فيه فسره بلازم المعنى وهكذا غالب المفسرين يذكرون لازم المعنى المقصود تارة وفردا من أفراده تارة ومثالا من أمثلته فيحكيها الجماعون للغث والسمين أقوالا مختلفة ولا اختلاف بينها فصل وأما الطلح فأكثر المفسرين قالوا إنه شجرة الموز قال مجاهد أعجبهم طلح وج وحسنه فقيل لهم {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} وهذا قول علي بن أبي طالب وابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وقالت طائفة أخرى بل هو شجر عظام طوال وهو شجر البوادي الكثير الشوك عند العرب قال حاديهم: بشرها دليلها وقالا ... غدا ترين الطلح والجبالا ولهذا الشجر نور ورائحة وظل ظليل وقد نضد بالحمل والثمر مكان الشوك وقال ابن قتيبة هو الذي نضدا بالحمل أو بالورق والحمل من أوله إلى آخره فليس له ساق بارز وقال مسروق ورق الجنة نضيد من أسفلها إلى أعلاها وأنهارها تجري من غير أخدود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وقال الليث الطلح شجر أم غيلان ليس له شوك أحجن من أعظم العضاة شوكا وأصله عودا وأجوده صمغا قال أبو إسحاق يجوز أن يعني به شجر أم غيلان لأن له نورا طيب الرائحة حدا فوعدوا بما يحبون مثله إلا أن فضله على ما في الدنيا كفضل سائر ما في الجنة على سائر ما في الدنيا فإنه ليس في الجنة إلا الأسامي والظاهر أن من فسر الطلح المنضود بالموز أنما أراد التمثيل به الحسن لحسن نضده وإلا فالطلح في اللغة هو الشجر العظام من شجر البوادي والله أعلم وفي الصحيحين من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها فاقرؤا أن شئتم {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} . وفي الصحيحين أيضا من حديث أبي حازم عن سهل بن سعد عن رسول الله إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها قال ابو حازم فحدثنا به النعمان بن أبي عياش الزرقي فقال حدثني أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها" وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا شعبة عن أبي الضحاك سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله أن في الجنة شجرة يسير فيها الراكب في ظلها سبعين أو مائة سنة هي شجرة جنة الخلد" وقال وكيع حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن زياد مولى بني مخزوم عن الزهري عن أبي هريرة رضي الله عنه: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام اقرؤا أن شئتم {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} فبلغ ذلك وكعبا فقال: صدق والذي أنزل التوراة على لسان موسى والفرقان على لسان محمد صلى الله عليه وسلم لو أن رجلا ركب جذعة أو جذعا ثم دار بأصل تلك الشجرة مائة عام ما بلغها حتى يسقط هرما أن الله غرسها بيده ونفخ فيها وإن أصلها من وراء سور الجنة ما في الجنة نهر إلا وهو يخرج من أصل تلك الشجرة" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 وقال ابن أبي الدنيا حدثنا إبراهيم عن سعيد الجوهري حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا ربيعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس قال: الظل الممدود شجرة في الجنة على ساق قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام في كل نواحيها فيخرج إليها أهل الجنة وأهل الفرف وغيرهم يتحدثون في ظلها قال قيشتي بعضهم ويذكر لهو الدنيا فيرسل الله ريحا من الجنة فتتحرك تلك الشجرة لكل لهو كان في الدنيا. وفي جامع الترمذي من حديث أبي حامد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب قال هذا حديث حسن وعن أبي هريرة قال قال رسول الله يقول الله أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا إذن سمعت ولا خطر على قلب بشر إقرؤا إن شئتم {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وفي الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها اقرؤا أن شئتم وظل ممدود وموضع سوط من الجنة خير من الدنيا وما فيها إقرؤا إن شئتم {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} " رواه بهذا اللفظ والسياق الترمذي والنسائي وابن ماجه وصدره في الصحيحين وفي صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها وإن شئتم فاقرؤا {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} وقال ابن وهب حدثنا عمرو بن الحارث أن درَّاجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رجل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما طوبى؟ قال صلى الله عليه وسلم: "شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها" وقد رواه عنه حرملة بزيادة وقال أخبرني ابن وهب أخبرني عمرو أن دراجا حدثه أن أبا الهيثم حدثه عن أبي سعيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 الخدري إن رجلا قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم طوبى لمن رآك وآمن بك فقال: "طوبى لمن رآني وآمن بي ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني" فقال رجل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طوبى قال شجرة في الجنة مسيرة مائة عام ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها" قلت وأول هذا الحديث في المسند ولفظه: " طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى لمن آمن بي ولم يرني سبع مرات" وقال ابن المبارك: حدثنا سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:"نخل الجنة جذوعها من زمرد أخضر وكربها ذهب أحمر وسعفها كسوة لأهل الجنة منها مقطعاتهم وحللهم وثمرها أمثال القلال والدلاء أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد ليس فيها عجم" وقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن بحر حدثنا هشام ابن يوسف حدثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عامر بن زيد البكالي أنه سمع عتبة بن عبد السلمي يقول: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الحوض وذكر الجنة ثم قال الأعرابي: فيها فاكهة قال:"نعم وفيها شجرة تدعي طوبى" فذكر شيئا لا أدري ما هو فقال: أي شجر أرضنا تشبهه قال: "ليست تشبه شيئا من شجر أرضك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أتيت الشام" قال: لا قال:"تشبه شجرة بالشام تدعى الجوزة تنبت على ساق واحد وينفرش أعلاها" قال: ما عظم أصلها قال:"لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرما" قال: فيها عنب قال: "نعم" قال: فما عظم العنقود قال: "مسيرة شهر للغراب لا يقع ولا يفتر" قال: فما عظم الحبة قال: "هل ذبح أبوك تيسا من غنمه قط عظيما" قال نعم قال فسلخ أهابه فأعطاه أمك وقال لها اتخذي لنا منه دلوا قال نعم قال الأعرابي فإن تلك الحبة لتشبعني أنا وأهل بيتي قال: "نعم وعامة عشيرتك" قال أبو يعلي الموصلي في مسنده حدثنا عبد الرحمن بن صالح حدثنا يونس بن بكير عن محمد وابن إسحاق عن يحيى بن عباد عن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر سدرة المنتهي فقال: "يسير في ظل الفتن منها الراكب مائة سنة و الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 قال يستظل في الفنن منها مائة راكب فيها فراش الذهب كأن ثمرها القلال" ورواه الترمذي وقال: شك يحيى وهو حديث حسن غريب وقال عبد الله بن المبارك أنبأنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أرض الجنة من ورق وترابها مسك وأصول أشجارها ذهب وورق وأفنانها لؤلؤ وزبرجد وياقوت والورق والثمر تحت ذلك فمن أكل قائما لم يؤذه ومن أكل جالسا لم يؤذه ومن أكل مضطجعا لم يؤذه {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً} قال أبو معاوية: حدثنا الأعمش عن أبي ظبيان عن جرير بن عبد الله قال: نزلنا الصفاح فإذا رجل نائم تحت شجرة قد كادت الشمس أن تبلغه قال فقلت للغلام انطلق بهذا النطع فاظله قال فانطلق فأظله فلما استيقظ إذا هو سلمان فأتيته أسلم عليه فقال: يا جرير تواضع لله فإن من تواضع لله رفعه الله يوم القيامة يا جرير هل تدري ما الظلمات يوم القيامة قلت: لا أدري قال: ظلم الناس بينهم ثم أخذ عويدا لا أكاد أراه بين أصبعيه فقال يا جرير إذا طلبت مثل هذا في الجنة لم تجده قلت: يا عبد الله فأين النخل والشجر قال أصولها اللؤلؤ والذهب وأعلاها الثمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 الباب الخامس والأربعون في ثمارها وتعداد أنواعها وصفاتها وريحانها قال تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأنهار كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} وقولهم هذا الذي رزقنا من قبل أي شبيهه ونظيره لا عينه وهل المراد هذا الذي رزقنا في الدنيا نظيره من الفواكه والثمار أو هذا نظير الذي رزقناه قبل في الجنة؟ قيل فيه قولان ففي تفسير السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم {قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} أنهم أتوا بالثمرة في الجنة فلما نظروا إليها قالوا هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا قال مجاهد: ما أشبهه به وقال ابن زيد: هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً} يعرفونه وقال آخرون هذا الذي رزقنا من قبل من ثمار الجنة من قبل هذا لشدة مشابهة بعضه بعضا في اللون والطعم واحتج أصحاب هذا القول بحجج: إحداها: أن المشابهة التي بين الثمار الجنة بعضها لبعض أعظم من المشابهه التي بينها وبين ثمار الدنيا ولشدة المشابهة قالوا: هذا هو الحجة الثانية: ما حكاه بن جرير عنهم قال ومن علة قائلي هذا القول ان ثمار الجنة كلما نزع منها شيء عاد مكانه آخر مثله كما كان حدثنا ابن بشار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 حدثنا ابن مهدي حدثنا سفيان سمعت ابن مرة يحدث عن أبي عبيدة وذكر ثمر الجنة وقال كلما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى الحجة الثالثة قوله وأتوا به متشابها وهذا كالتعليل والسبب الموجب لقولهم هذا الذي رزقنا من قبل الحجة الرابعة أن من المعلوم أنه ليس كل ما في الجنة من الثمار قد رزقوه في الدنيا وكثير من أهلها لا يعرفون ثمار الدنيا ولا رأوها ورجحت طائفة منهم ابن جرير وغيره القول الآخر واحتجت بوجوه قال ابن جرير والذي يحقق صحة قول القائلين أن معنى ذلك {هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} في الدنيا أن الله جل ثناؤه قال {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً} يقولون هذا الذي رزقنا من قبل ولم يخصص أن ذلك من قيلهم في بعض دون بعض فإذا كان قد أخبر جل ذكره عنهم أن ذلك من قبلهم كلما رزقوا ثمرة فلا شك أن ذلك من قبلهم في أول رزق رزقوه من ثمارها أتوا به بعد دخولهم الجنة واستقرارهم فيها الذي لم يتقدمه عندهم من ثمارها ثمرة فإذا كان لا شك أن ذلك من قيلهم في أوله كما هو من قبلهم في وسطه وما يتلوه فمعلوم أنه محال يقولوا لأول رزق رزقوه من ثمار الجنة هذا الذي من رزقنا من قبل هذا من ثمار الجنة وكيف يجوز أن يقولا لأول رزق من ثمارها ولما يتقدمه عندهم غيرها هذا هو الذي رزقنا من قبل أن يلبسهم ذو غية وضلال إلى قيل الكذب الذي قد طهرهم الله منه أو يدفع دافع أن يكون ذلك من قيلهم الأول رزق يرزقونه من ثمارها فيدفع صحة ما أوجب الله صحته من غير نصب دلالة على أن ذلك في حال من أحوالهم دون حال فقد تبين أن معنى الآية كلما رزقوا من ثمرة من ثمار الجنة في الجنة قالوا هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا قلت: أصحاب القول الأول يخصون هذا العام بما عدا الرزق الأول لدلالة العقل والسياق عليه وليس هذا ببدع من طريقة القرآن وأنت مضطر إلى تخصيصة ولا بد بأنواع من التخصيصات: أحدها: أن كثيرا من ثمار الجنة وهي التي لا نظير لها في الدنيا لا يقال فيها ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 الثاني: أن كثيرا من أهلها لم يرزقوا جميع ثمرات الدنيا التي لها نظير في الجنة الثالث: أنه من المعلوم أنهم لا يستمرون على هذا القول أبد الآباد كلما أكلوا ثمرة واحدة قالوا: هذا الذي رزقنا في الدنيا ويستمرون على هذا الكلام دائما إلى غير نهاية والقرآن العظيم لم يقصد إلى هذا المعنى ولا هو مما يعتني بهم من نعيمهم ولدتهم وإنما هو كلام مبين خارج على المعتاد المفهوم من المخاطب. ومعناه: أنه يشبه بعضه بعضا ليس أوله خيرا من آخره ولا هو مما يعرض له ما يعرض لثمار الدنيا عند تقادم الشجر وكبرها من نقصان حملها وصغر ثمرها وغير ذلك بل أوله مثل أخره وآخره مثل أوله هو خيار كله يشبه بعضه بعضا فهذا وجه قولهم ولا يلزم مخالفة ما نصه الله سبحانه وتعالى ولا نسبة أهل الجنة إلى الكذب بوجه والذي يلزمهم من التخصيص يلزمك نظيره وأكثر منه والله أعلم وأما قوله عز وجل {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً} قال الحسن: خيار كله لا رذل ألم تروا إلى ثمر الدنيا كيف تسترذلون بعضه وأن ذلك ليس فيه ذل وقال قتادة خيار لأرذل فيه فإن ثمار الدنيا ينقى منها ويرذل منها وكذلك قال ابن جريح وجماعة وعلى هذا فالمراد بالتشابه التوافق والتماثل. وقالت طائفة أخرى منهم ابن مسعود وابن عباس وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متشابها في اللون والمرأى وليس يشبه الطعم قال مجاهد: متشابها لونه مختلفا طعمه وكذا قال الربيع بن أنس وقال يحيى بن أبي كثير عشب الجنة الزعفران وكثبانها المسك ويطوف عليهم الولدان بالفاكهة فيأكلونها ثم يأتونهم بمثلها فيقولون هذا الذي جئتمونا به آنفا فيقول لهم الخدم كلوا فإن اللون واحد والطعم مختلف فهو قوله عز وجل: {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 وقالت طائفة: معنى الآية أن يشبه ثمر الدنيا غير أن ثمر الجنة أفضل وأطيب قال ابن وهب: قال عبد الرحمن ابن زيد: يعرفون أسماءه كما كانوا في الدنيا التفاح بالتفاح والرمان بالرمان قالوا في الجنة هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها يعرفونه وليس هو مثله في الطعم واختار ابن جرير هذا القول قال: ودليلنا على فساد قول من قال أن معنى الآية هذا الذي رزقنا من قبل أي في الجنة وتلك الدلالة على فساد ذلك القول هي الدلالة على فساد قول من خالف قولنا في تأويل قوله {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً} أن الله سبحانه وتعالى أخبر عن المعنى الذي من أجله قال القوم هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها قلت: هذا لا يدل على فساد قولهم لما تقدم وقال: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ} قال تعالى: {يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ} هذا يدل على أمنهم من إنقطاعها ومضرتها وقال تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ} وقال تعالى: {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} أي لا تكون في وقت دون وقت ولا تمنع ممن أرادها وقال فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية والقطوف جمع قطف وهو ما يقطف والقطف بالفتح الفعل أي ثمارها دانية قريبة ممن يتناولها فيأخذها كيف يشاء قال البراء بن عازب يتناول الثمرة وهو نائم وقال تعالى: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً} قال ابن عباس إذا هم أن يتناول من ثمارها تدلت له حتى يتناول ما يريده وقال غيره قريب إليهم مذللة كيف شاؤا فهم يتناولونها قياما وقعودا ومضطجعين فيكون كقوله: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} ومعنى تذليل القطف تسهيل تناوله وأهل المدينة يقولون ذلل النخل أي سو عروقها وأخرجها من السعف حتى يسهل تناولها وفي نصب دانية وجهان أحدهما: أنه على الحال عطف على قوله متكئين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 والثاني أنه صفة الجنة وقال تعالى: فيهما من كل فاكهة زوجان وفي الجنتين الأخريين فيهما فاكهة ونخل ورمان وخص النخل والرمان من بين الفاكهة بالذكر لفضلهما وشرفهما كما نص على حدائق النخل والأعناب في سورة النبأ إذ هما من أفضل أنواع الفاكهة وأطيبها وأحلاها وقد قال تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} وقال الطبراني حدثنا معاذ بن المثني حدثنا علي بن المديني حدثنا ريحان بن سعيد عن عبادة بن منصور عن أيوب عن أبي قلابة عن إسماعيل عن ثوبان بن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن الرجل إذا نزع ثمرة من الجنة عادت مكانها أخرى" وقال عبد الله بن الإمام أحمد: حدثني عقبة بن مكرم العمي حدثنا ربعي بن إبراهيم بن عليه حدثنا عوف عن قسامة بن زهير عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أهبط الله آدم من الجنة عليه السلام وعلمه صنعة كل شيء وزوده من ثمار الجنة فثماركم هذه من ثمار الجنة غير أنها تغير وتلك لا تغير" وقد تقدم: أن سدرة المنتهى نبقها مثل القلال وفي صحيح مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عرضت علي الجنة حتى لو تناولت منها قطفا أخذته وفي لفظ فتناولت منها قطفا فقصرت عنه يدي" وقال أبو خيثمة حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا عبيد الله حدثنا ابن عقيل عن جابر قال بينما نحن في صلاة الظهر إذ تقدم رسول الله فتقدمنا ثم تناول شيئا ليأخذه ثم تأخر فلما قضى الصلاة قال له أبي بن كعب يا رسول الله صلى الله عليه وسلم صنعت اليوم في صلاتك شيئا ما كنت تصنعه قال: "إنه عرضت علي الجنة وما فيها من الزهرة والنضرة فتناولت منها قطفا من عنب لآتيكم به فحيل بيني وبينه ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقصونه". وقال ابن المبارك أنبأنا سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "ثمر الجنة أمثال القلال والدلاء أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد ليس فيه عجم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 وقال سعيد بن منصور حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: "إن أهل الجنة يأكلون من ثمار الجنة قياما وقعودا ومضطجعين على أي حال شاؤا" وقال البزار في مسنده حدثنا أحمد بن الفرج الحمصي حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي حدثنا محمد بن المهاجر عن الضحاك المعافري عن سليمان بن موسى قال حدثني كريب أنه سمع أسامة بن زيد يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا مشمر للجنة فإن الجنة لا حظر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة في مقام أبدا في دار سليمة وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة في محلة عالية بهية" قالوا: نعم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن المشمرون لها قال: "قولوا إن شاء الله" قال القوم: إن شاء الله قال البزار وهذا الحديث لا نعلم من رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أسامة ولا نعلم له طريقا عن أسامة إلا هذا الطريق ولا نعلم رواه عن الضحاك المعافري إلا هذا الرجل محمد بن مهاجر وفي حديث لقيط بن صبرة الذي رواه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه وغيره قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: على ما يطلع أهل الجنة قال: "على أنهار من عسل مصفى وأنهار من كأس ما بها صداع ولا ندامة وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وماء غير آسن وبفاكهة لعمر إلهك مما يعلمون وخير من مثله معه وأما الريحان فهو كل نبت طيب الرائحة قال الحسن وأبو العالية هو ريحاننا هذا يؤتي بنص من ريحان الجنة فنشمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 الباب السادس والأربعون في زرع الجنة قال تعالى: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدث يوما وعنده رجل من أهل البادية: "أن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه عز وجل في الزرع فقال له أولست فيما اشتهيت فقال: بلى ولكني أحب أن أزرع فأسرع وبذر فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده وتكويره أمثال الجبال فيقول الله عز وجل: دونك يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شيء فقال الأعرابي: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نجد هذا إلا قرشيا أو أنصاريا فإنهم أصحاب زرع فأما نحن فلسنا بأصحاب زرع فضحك رسول الله" رواه البخاري في كتاب التوحيد في باب كلام الرب تعالى مع أهل الجنة وخرجه في غيره أيضا وهذا يدل على أن في الجنة زرعا وذلك البذر منه وهذا أحسن أن تكون الأرض معمورة بالشجر والزرع فإن قيل: فكيف استأذن هذا الرجل ربه في الزرع فأخبره أنه في غنية عنه قيل: لعله استأذنه في زرع يباشره ويزرعه بيده وقد كان في غنية عنه وقد كفى مؤونته ولا أعلم ذكر الزرع في الجنة إلا في هذا الحديث والله أعلم وروى إبراهيم بن الحكم عن أبيه عن عكرمة قال: بينما رجل في الجنة فقال: في نفسه لو أن الله يأذن لي لزرعت فلا يعلم إلا والملائكة على أبوابه فيقولون: سلام عليكم يقول لك ربك تمنيت في نفسك شيئا فقد علمته وقد بعث الله معنا البذر فيقول ابذروا فيخرج أمثال الجبال فيقول له الرب من فوق عرشه كل ابن آدم فإن ابن آدم لا يشبع والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 الباب السابع والأربعون: في ذكر أنهار الجنة وعيونها وأصنافها مجراها الذى تجرى عليه ... الباب السابع والأربعون: في ذكر أنهار الجنة وعيونها وأصنافها ومجراها الذي تجري عليه وقد تكرر في القرآن في عدة مواضع قوله تعالى: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنهار} وفي موضع {تَجْرِي تَحْتَهَا الأنهار} وفي موضع {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأنهار} وهذا يدل على أمور: أحدها: وجود الأنهار فيها حقيقية الثاني: أنهار جارية لا واقفة الثالث: أنها تحت غرفهم وقصورهم وبساتينهم كما هو المعهود في أنهار الدنيا, وقد ظن بعض المفسرين أن معنى ذلك جريانها بأمرهم وتصريفهم لها كيف شاؤوا كأن الذي حملهم على ذلك أنه لما سمعوا أن أنهارها تجري في غير أخدود فهي جارية على وجه الأرض حملوا قوله تجري من تحتها الأنهار على أنها تجري بأمرهم إذ لا يكون فوق المكان تحته وهؤلاء أوتوا من ضعف الفهم فإن أنهار الجنة وإن جرت في غير أخدود فهي تحت القصور والمنازل والغرف وتحت الأشجار وهو سبحانه لم يقل من تحت أرضها وقد أخبر سبحانه عن جريان الأنهار تحت الناس في الدنيا فقال {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أهلكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأنهار} فهذا على ما هو المعهود والمتعارفا وكذلك ما حكاه من قول فرعون {وَهَذِهِ الأنهار تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} وقال تعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} قال ابن أبي شيبة حدثنا يحيى بن يمان عن أشعب عن جعفر عن سعيد قال نضاختان بالماء والفواكه وحدثنا ابن يمان عن أبي إسحاق عن أبان عن أنس قال نضاختان بالمسك والعنبر ينضخان على دور أهل الجنة كما ينضخ المطر على دور أهل الدنيا وحدثنا عبد الله بن إدريس عن أبيه عن أبي إسحاق عن البراء قال اللتان تجريان أفضل من النضاختين وقال تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أنهار مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأنهار مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 وَأنهار مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأنهار مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} فذكر سبحانه هذه الأجناس الأربعة ونفى عن كل واحد منها الآفة التي تعرض له في الدنيا فآفة الماء أن يأسن ويأجن من طول مكثه وآفة اللبن أن يتغير طعمه إلى الحموضة وأن يصير قارصا وآفة الخمر كراهة مذاقها المنافي في اللذة وشربها وآفة العسل عدم تصفيتة وهذا من آيات الرب تعالى أن تجري أنهار من أجناس لم تجر العادة في الدنيا بإجرائها ويجريها في غير أخدود وينفي عنها الآفات التي تمنع كمال اللذة بها كما ينفي عن خمر الجنة جميع آفات خمر الدنيا من الصداع والغول والإنزاف وعدم اللذة فهذه خمس آفات من آفات خمر الدنيا تغتال العقل ويكثر اللغو على شربها بل لا يطيب لشرابها ذلك إلا باللغو وتنزف في نفسها وتنزف المال وتصدع الرأس وهي كريهة المذاق وهي رجس من عمل الشيطان توقع العداوة والبغضاء بين الناس وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة وتدعو إلى الزنا وربما دعت إلى الوقوع على البنت والأخت وذوات المحارم وتذهب الغيرة وتورث الخزي والندامة والفضيحة وتلحق شاربها بأنقص نوع الإنسان وهم المجانين وتسلبه أحسن الأسماء والسمات وتكسوه أقبح الأسماء والصفات وتسهل قتل النفس وإفشاء السر الذي في إفشائه مضرته أو هلاكه ومؤاخاة الشياطين في تبذير المال الذي جعله الله قياما له ولم يلزمه مؤونته وتهتك الأستار وتظهر الأسرار وتدل على العورات وتهون ارتكاب القبائح والمأثم وتخرج من القلب تعظيم المحارم ومدمنها كعابد وثن وكم أهاجت من حرب وأفقرت من غنى وأذلت من عزيز ووضعت من شريف وسلبت من نعمة وجلبت من نقمة وفسخت من مودة ونسجت من عداوة وكم فرقت بين رجل وزوجته فذهبت بقلبه وراحت بلبه وكم أورثت من حسرة وأجرت من عبرة وكم أغلقت في وجه شاربها بابا من الخير وفتحت له بابا من الشر وكم أوقعت في بلية وعجلت من منيته وكم أورثت من خزية وجرت على شاربها من محبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 وجرت عليه من سفلة فهي جماع الإثم ومفتاح الشر وسلابة النعم وجالبة النقم ولو لم يكن من رذائلها إلا أنها لا تجتمع هي وخمر الجنة في جوف عبد كما ثبت عنه أنه قال: "من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة. لكفى وآفات الخمر أضعاف أضعاف ما ذكرنا وكلها منتفية عن خمر الجنة فإن قيل فقد وصف سبحانه الأنهار بأنها جارية ومعلوم أن الماء الجاري لا يأسن فما فائدة قوله: {غَيْرِ آسِنٍ} قيل: الماء الجاري وإن كان لا يآسن فإنه إذا أخذ منه شيء وطال مكثه أسن وماء الجنة لا يعرض له ذلك ولو طال مكثه ما طال وتأمل اجتماع هذه الأنهار الأربعة التي هي أفضل أشربة الناس فهذا لشربهم وطهورهم وهذا لقوتهم وغذائهم وهذا للذتهم وسرورهم وهذا لشفاعتهم ومنفعتهم والله أعلم فصل وأنهار الجنة تتفجر من أعلاها ثم تنحدر نازلة إلى أقصى درجاتها كما روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أن في الجنة مائة درجة أعدها الله عز وجل للمجاهدين في سبيله بين كل درجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة وروى الترمذي نحوه من حديث معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت ولفظ حديث عبادة:"الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين مسيرة مائة عام والفردوس أعلاها درجة ومنها الأنهار الأربعة والعرش فوقها فإن سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 وفي المعجم للطبراني أني من حديث الحسن عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الفردوس ربوة الجنة وأعلاها وأوسطها ومنها تنفجر أنهار الجنة" وفي صحيح البخاري من حديث شعبة عن قتادة قال أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رفعت إلى سدرة المنتهى في السماء السابعة نبقها مثل قلال هجر وورقها مثل آذان الفيلة يخرج من ساقها نهران ظاهران ونهران باطنان فقلت: يا جبريل ما هذا قال أما النهران الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات" وفي صحيحه أيضا من حديث همام عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا أسير في الجنة إذا بنهر حافتاه قباب اللؤلؤ والمجوف فقلت ما هذا يا جبريل قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك قال فضرب الملك بيده فإذا طينة مسك أذفر" وفي صحيح مسلم من حديث المختار بن فلفل عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الكوثر نهر في الجنة وعدنيه ربي عز وجل "وقال محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فإذا بنهر يجري حافتاه خيام اللؤلؤ فضربت يدي إلى ما يجري فيه من الماء فإذا أنا بمسك أذفر فقلت لمن هذا يا جبريل قال هذا الكوثر الذي أعطاك الله عز وجل" قال الترمذي حدثنا هناد حدثنا محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن محارب بن دثار عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت تربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج" قال هذا حديث حسن صحيح وقال أبو نعيم الفضل حدثنا أبو جعفر هو الرازي حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهدا {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر} قال الخير الكثير وقال أنس بن مالك: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 نهر في الجنة وقالت عائشة: هو نهر في الجنة ليس يدخل أحد إصبعيه في أذنيه إلا سمع خرير ذلك النهر" وهذا معناه والله أعلم أن خرير ذلك النهر يشبه الخرير الذي سمعه حين يدخل إصبعيه في أذنيه وفي جامع الترمذي من حديث الجريري عن حكيم بن معاوية عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن في الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر الخمر ثم تشقق الأنهار بعد" قال هذا حديث حسن صحيح وقال الحاكم حدثنا الأصم حدثنا الربيع بن سليمان حدثنا أسد بن موسى حدثنا ابن ثوبان عن عطاء بن قرة عن عبد الله بن سمرة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يسقيه الله عز وجل من الخمر في الآخرة فليتركه في الدنيا ومن سره أن يكسيه الله الحرير في الآخرة فليتركه في الدنيا وأنهار الجنة تفجر من تحت تلال أو تحت جبال المسك ولو كان أدنى أهل الجنة حلية عدلت بحلية أهل الدنيا جميعا لكان ما يحليه الله به في الآخرة أفضل من حلية أهل الدنيا جميعا" وذكر الأعمش عن عمرو بن مرة عن مسروق عن عبد الله قال: إن أنهار الجنة تفجر من جبل مسك وهذا موقوف صحيح وذكر ابن مردويه في مسنده حدثنا أحمد بن محمد بن عاصم حدثنا عبد الله بن محمد بن النعمان حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا الحرث بن عبيد حدثنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذه الأنهار تشخب من جنة عدن في جوبه ثم تصدع بعد أنهارا" وقال ابن أبي الدنيا حدثنا يعقوب بن عبيدة حدثنا يزيد بن هرون حدثنا الحريري عن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك قال: أظنكم تظنون أن أنهار الجنة أخدود في الأرض لا والله أنها لسائحة على وجه الأرض أحدى حافتيها اللؤلؤ والأخرى الياقوت وطينها المسك الأذفر قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 قلت: ما الأذفر قال: الذي لا خلط له ورواه ابن مردويه في تفسيره عن عن محمد بن أحمد حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى حدثنا مهدي بن حكيم حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا الحريري عن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره هكذا رواه مرفوعا وقال أبو خيثمة حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أنه قرأ هذه الآية {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت الكوثر فإذا هو يجري ولم يشق شقاه وإذا حافتاه قباب اللؤلؤ فضربت بيدي إلى تربته فإذا مسك أذفر وإذا حصباؤه اللؤلؤ وذكر سفيان الثوري عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن مسروق في قوله تعالى: وماء مسكوب قال أنهار تجري في غير أخدود قال ونخل طلعها هضيم قال من أصلها إلى فروعها أو كلمة نحوها وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة" وقال عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا سعيد بن سابق حدثنا مسلمة بن علي عن مقاتل بن حبان عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أنزل الله من الجنة خمسة أنهار سيحون وهو نهر الهند وجيحون وهو نهر بلخ ودجلة والفرات وهما نهرا العراق والنيل وهو نهر مصر أنزلها الله من عين واحدة من عيون الجنة من أسفل درجة من درجاتها على جناح جبريل عليه السلام فاستودعها الجبال وأجراها في الأرض وجعل فيها منافع للناس في أصناف معايشهم فذلك قوله وأنزلنا من السماء ماء بقدر فاسكناه في الأرض وأنا على ذهاب به لقادرون فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل جبريل فيرفع من الأرض القرآن والعلم كله والحجر الأسود من ركن البيت ومقام إبراهيم وتابوت موسى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 بما فيه وهذه الأنهار الخمسة فرفع ذلك كله إلى السماء فذلك قوله تعالى: {وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض فقد حرم أهلها خيري الدنيا والآخرة" ورواه أحمد بن عدي في ترجمة مسلمة هذا مع أحاديث غيره وقال عامة أحاديثه غير محفوظة وبالجملة فهو من الضعفاء قال البخاري منكر الحديث وقال النسائي ومتروك وقال أبو حاتم لا تشتغل به وقال عبد الله بن وهب: حدثنا سعيد بن أبي أيوب عن عقيل بن خالد عن الزهري أن ابن عباس قال: "إن في الجنة نهرا يقال له البيدج عليه قباب من ياقوت تحته جوار يقول أهل الجنة انطلقوا بنا إلى البيدج فيتصفحون تلك الجوارى فإذا أعجب رجلا منهم جارية مس معصمها فتتبعه" فصل وأما العيون فقد قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} وقال تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً} قال بعض السلف: معهم قضبان الذهب حيثما مالوا مالت معهم وقد اختلف في قوله: {يَشْرَبُ بِهَا} فقال: الكوفيون الباء بمعنى من أي يشرب منها وقال آخرون: بل الفعل مضمن ومعنى يشرب بها: أي يروى بها فلما ضمنه معناه عداه تعديته وهذا أصح وألطف وأبلغ وقال طائفة: الباء للظرفية والعين أسم للمكان كما تقول كنا بمكان كذا وكذا ونظير هذا التضمين قوله تعالى: {مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} ضمن معنى يهم فعدى تعديته وقال تعالى: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً} فأخبر سبحانه عن العين التي يشرب بها المقربون صرفا أن شراب الأبرار يمزج منها لأن أولئك أخلصوا الأعمال كلها لله فأخلص شرابهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وهؤلاء مزجوا فمزج شرابهم ونظير هذا وقوله تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} فأخبر سبحانه عن مزاج شرابهم بشيئين بالكافور في أول السورة والزنجبيل في آخرها فإن في الكافور من البرد وطيب الرائحة وفي الزنجبيل من الحرارة وطيب الرائحة ما يحدث لهم باجتماع الشرابين ويجيء أحدهما على أثر الآخر حالة أخرى أكمل وأطيب وألذ من كل منهما بانفراده ويعدل كيفية كل منهما بكيفية الآخر وما ألطف موقع ذكر الكافور في أول السورة والزنجبيل في آخرها فإن شرابهم مزج أولا بالكافور وفيه من البرد ما يجيء الزنجبيل بعده فيعدله والظاهر أن الكأس الثانية غير الأولى وأنهما نوعان لذيذان من الشراب. أحدهما مزج بكافور والثاني مزج بزنجبيل وأيضا فإنه سبحانه أخبر عن مزج شرابهم بالكافور وبرده في مقابلة ما وصفهم به من حرارة الخوف والإيثار والصبر والوفاء بجميع الواجبات التي نبه على وفائهم بأضعفها وهو ما أوجبوه على أنفسهم بالنذر على الوفاء بأعلاها وهو ما أوجبه الله عليهم ولهذا قال {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} فإن في الصبر من الخشونة وحبس النفس عن شهواتها ما اقتضى أن يكون في جزائهم من سعة الجنة ونعومة الحرير ما يقابل ذلك الحبس والخشونة وجمع لهم بين النضرة والسرور وهذا جمال ظواهرهم وهذا حال بواطنهم كما جملوا في الدنيا ظواهرهم بشرائع الإسلام وبواطنهم بحقائق الإيمان ونظيره قوله في آخر السورة {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} فهذه زينة الظاهر ثم قال {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} فهذه زينة الباطن المطهر لهم من كل أذى ونقص ونظيره قوله تعالى: لأبيهم آدم عليه السلام: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} فضمن له أن لا يصيبه ذل الباطن بالجوع ولا ذل الظاهر بالعري وأن لا يناله حر الباطن بالظمأ ولا حر الظاهر بالضحى ونظير هذا ما عدده على عباده من نعمة أنه أنزل عليهم لباسا يواري سوآتهم ويزين ظواهرهم ولباسا آخر يزين بواطنهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 وقلوبهم وهو لباس التقوى وأخبر أنه خير اللباسين وقريب من هذا إخباره أنه زين السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد فزين ظاهرها بالنجوم وباطنها بالحراسة وقريب منه أمره من أراد الحج بالزاد الظاهر ثم أخبر أن خير الزاد الزاد الباطن وهو التقوى وقريب منه قول امرأة العزيز عن يوسف {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} فأرتهن حسنه وجماله ثم قالت {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} فأخبرتهن بجمال باطنه وزينته بالعفة وهذا كثير في القرآن لمتأمله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 الباب الثامن والأربعون: في ذكر طعام أهل الجنة وشرابهم ومصرفه قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وقال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَأبيهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابيهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} وقال تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ} وقال تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنهار أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} وقال تعالى: {وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ} وقال تعالى: {يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} . وفي صحيح مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأكل أهل الجنة ويشربون ولا يمتخطون ولا يتغوطون ولا يبولون طعامهم ذلك جشاء كريح المسك يلهمون التسبيح والتكبير كما تلهمون النفس" ورواه أيضا من رواية طلحة بن نافع عن جابر وفيه قالوا: فما بال الطعام قال:"جشاء ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والحمد" وفي المسند وسنن النسائي بإسناد صحيح على شرط الصحيح من حديث الأعمش عن ثمامة ابن عقبة عن يزيد بن أرقم قال جاء رجل من أهل الكتاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا القاسم تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون قال: "نعم والذي نفس محمد بيده إن أحدهم ليعطي قوة مائة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 رجل في الأكل والشرب والجماع والشهوة" قال: فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة وليس في الجنة أذى قال: "تكون حاجة أحدهم رشحا يفيض من جلودهم كرشح المسك فيضمر بطنه" ورواه الحاكم في صحيحه ولفظه أتي النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فقال: يا أبا القاسم ألست تزعم أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ويقول لأصحابه إن أقر لي بهذا خصمته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بلى والذي نفس محمد بيده إن أحدهم ليعطي قوة مائة رجل في المطعم والمشرب والشهوة والجماع" فقال له اليهودي: فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حاجتهم عرق يفيض من جلودهم مثل المسك فإذا البطن قد ضمر" وقال الحسن بن عرفة حدثنا خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله ابن مسعود قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنك لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشويا" وقد تقدم حديث أنس في قصة عبد الله بن سلام في أول طعام يأكله أهل الجنة وشرابهم على أثره وحديث أبي سعيد الخدري تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفأها الجبار بيده نزلا لأهل الجنة وقال الحاكم أنبأنا الأصم حدثنا إبراهيم بن منقذ حدثنا إدريس ابن يحيى حدثني الفضل بن المختار عن عبيد الله بن موهب عن عصمة بن مالك الخطمي عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة طيرا أمثال البخاتي" فقال أبو بكر: إنها لناعمة يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنعم منها من يأكلها وأنت ممن يأكلها يا أبا بكر". قال الحاكم وأنبأنا الأصم حدثنا يحيى بن أبي طالب أنبأنا عبد الوهاب بن عطاء أنبأنا سعيد عن قتادة في قوله تعالى: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} قال ذكر لنا أن أبا بكر قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لا أرى طير الجنة ناعمة كما أن أهلها ناعمون" قال: "من يأكلها أنعم منها وأنها أمثال البخاتي وإني لأحتسب على الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 أن تأكل منها يا أبا بكر" وبهذا الإسناد عن قتادة عن أيوب رجل من أهل البصرة عن عبد الله بن عمرو في قوله تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ} قال يطاف عليهم بسبعين صحفة من ذهب كل صحفة منها فيها لون ليس في الأخرى. وقال الدراوردي حدثني ابن أخي ابن شهاب عن أبيه عن عبد الله بن مسلم أنه سمع أنس بن مالك يقول في الكوثر قال رسول الله هو نهر أعطانيه ربي أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر فقال عمر بن الخطاب أنها يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لناعمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آكلها أنعم منها" تابعه إبراهيم بن سعيد عن ابن أخي ابن شهاب وقال فقال أبو بكر بدل عمر وقال عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا عبد الله ابن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} يقول الخمر لا فيها غول ويقول ليس فيها صداع وفي قوله تعالى: {وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} يقول لا تذهب عقولهم وقوله تعالى: {وَكَأْساً دِهَاقاً} يقول ممتلئة وقوله: {رَحِيقٍ مَخْتُومٍ} يقول: الخمر ختم بالمسك وقال علقمة عن ابن مسعود {خِتَامُهُ مِسْك} قال خلطه وليس بخاتم ثم يختم. قلت يريد والله أعلم أن أخره مسك يخالطه فهو من الخاتمة ليس من الخاتم. وقال زيد بن معاوية: سألت علقمة عن قوله تعالى: {خِتَامُهُ مِسْك} فقرأتها خاتمه مسك فقال لي: ليست خاتمه ولكن اقرأه {خِتَامُهُ مِسْك} قال علقمة: ختامه خلطه ألم تر أن المرأة من نسائكم تقول للطيب أن خلطه من مسك لكذا وكذا. وذكر سعيد بن منصور حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق: الرحيق الخمر المختوم يجدون عاقبتها طعم المسك وبهذا الإسناد عن مسروق عن عبد الله في قوله تعالى: {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ} قال تمزج لأصحاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 اليمين ويشربها المقربون صرفا. وكذلك قال ابن عباس: يشرب منها المقربون صرفا وتمزج لمن دونهم. وقال مجاهد: ختامه مسك يقول طينة وهذا التفسير يحتاج إلى تفسير ولفظ الآية أوضح منه وكأنه والله أعلم يريد ما يبقى في أسفل الإناء من الدري وذكر الحاكم من حديث آدم حدثنا شيبان عن جابر عن ابن سابط عن أبي الدرداء في قوله {خِتَامُهُ مِسْك} قال: "هو شراب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شرابهم لو أن رجلا من أهل الدنيا أدخل يده فيه ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلا وجد ريح طيبها" قال آدم: وحدثنا أبو شيبة عن عطاء قال: "التسنيم اسم العين التي يمزج بها الخمر" وقال الإمام أحمد: حدثنا هشيم أنبأنا حصين عن عكرمة عن ابن عباس في قوله وكأسا دهاقا قال هي المتتابعة الممتلئة قال ربما سمعت العباس يقول: اسقنا وأدهق لنا وقد تقدم الكلام على قوله تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً} وعلى قوله {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً} فقالت فرقة: سلسبيلا جملة مركبة من فعل وفاعل وسلسبيلا منصوب على المفعول أي سل سبيلا إليها وليس هذا بشيء وإنما السلسبيل كلمة مفردة وهي اسم للعين نفسها باعتبار صفتها ولقد شفى قتادة ومجاهد في اشتقاق اللفظة فقال قتادة: سلسة فهم يصرفونها حيث شاؤا وهذا من الاشتقاق الأكبر وقال مجاهد سلسة السيل حديدة الجرية وقال أبو العالية والمقابلان تسيل عليهم في الطرق وفي منازلهم وهذا من سلاستها وحدة جريتها وقال آخرون: معناها طيبة الطعم والمذاق وقال أبو إسحاق: سلسبيل صفة لما كان في غاية السلاسة فسميت العين بذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وقال ابن الأنباري: "الصواب في سلسبيل أنه صفة للماء وليس باسم للعين واحتج على ذلك بحجتين إحداهما: أن سلسبيلا مصروف ولو كان اسما للعين لم يصرف للتأنيث والعلمية الثانية: أن ابن عباس قال: معناه أنها تنسل في حلوقهم انسلالا قلت ولا حجة له في واحدة منهما أما الصرف فلا اقتضاء رؤوس الآي له كنظائره وأما قول ابن عباس فإنما يدل على أن العين سميت بذلك باعتبار صفة السلاسة والسهولة فقد تضمنت هذه النصوص أن لهم فيها الخبز واللحم والفاكهة والحلوى وأنواع الأشربة من الماء واللبن والخمر وليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء وأما المسميات فبينها من التفاوت ما لا يعلمه البشر فإن قيل: فأين يشوي اللحم وليس في الجنة نار فقد أجاب عن هذا بعضهم بأنه يشوي بـ: "كن" وأجاب آخرون: بأنه يشوى خارج الجنة ثم يؤتي به إليهم والصواب: أنه يشوى في الجنة بأسباب قدرها العزيز الحكيم لإنضاجه وإصلاحه كما قدر هناك أسبابا لإنضاج الثمر والطعام على أنه لا يمتنع أن يكون فيها نار تصلح لا تفسد شيئا وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مجامرهم الألوة" و"المجامر" جمع جمرة وهو البخور الذي يتبخر بإحراقه والإلوة العود المطري فأخبر أنهم يتجمرون به أي يتبخرون بإحراقه لتسطع لهم رائحته وقد أخبر سبحانه أن في الجنة ظلالا والظلال لا بد أن تفيء مما يقابلها فقال {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ} وقال {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ} وقال {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً} فالأطعمة والحلوى والتجمر تستدعي أسباب تتم بها والله سبحانه خالق السبب والمسبب وهو رب كل شيء ومليكه لا إله إلا هو وكذلك جعل لهم سبحانه أسبابا تصرف الطعام من الجشاء والعرق الذي يفيض من جلودهم فهذا سبب إخراجه وذاك سبب إنضاجه وكذلك جعل في أجوافهم من الحرارة ما يطبخ ذلك الطعام ويلطفه ويهيئه لخروجه رشحا وجشاء وكذلك ما هناك من الفواكه والثمار يخلق لها من الحرارة ما ينضجها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 ويجعل سبحانه أوراق الشجر ظلالها فرب الدنيا والآخرة واحد وهو الخالق للأسباب والحكم ما يخلقه في الدنيا والآخرة والأسباب مظهر أفعاله وحكمته ولكنها تختلف ولهذا يقع التعجب من العبد لورود أفعاله سبحانه على أسباب غير الأسباب المعهودة المألوفة وربما حمله ذلك على الإنكار والكفر وذلك محض لجهل والظلم وإلا فليست قدرته سبحانه وتعالى مقصرة عن أسباب أخر ومسببات ينشئها منها كما لا تقصر قدرته في هذا العالم المشهود عن أسبابه ومسبباته وليس هذا بأهون عليه من ذلك. ولعل النشأة الأولى التي أنشأها الرب سبحانه وتعالى فيها بالعيان والمشاهدة أعجب من النشأة الثانية التي وعدنا بها إذا تأملها اللبيب ولعل إخراج هذه الفواكه والثمار من بين هذه التربة الغليظة والماء والخشب والهواء المناسب لها أعجب عند العقل من إخراجها من بين تربة الجنة ومائها وهوائها. ولعل إخراج هذه الأشربة التي هي غذاء ودواء وشراب ولذة من بين فرث ودم ومن قيء ذباب أعجب من إجرائها أنهارا في الجنة بأسباب أخر ولعل إخراج جوهري الذهب والفضة من عروق الحجارة من الجبال وغيرها أعجب من إنشائها هناك من أسباب أخر ولعل إخراج الحرير من لعاب دودة القز وبنائها على أنفسها القباب البيض والحمر والصفر أحكم بناء أعجب من إخراجه من أكمام تنشق عنه شجر هناك قد أودع فيها وأنشئ منها ولعل جريان بحار الماء بين السماء والأرض على ظهور السحاب أعجب من جريانها في الجنة في غير أخدود. وبالجملة فتأمل آيات الله التي دعا عباده إلى التفكر فيها وجعلها آيات دالة على كمال قدرته وعلمه ومشيئته وحكمته وملكه وعلى توحده بالربوبية والإلهية ثم وازن بينهما وبين ما أخبر به من أمر الآخرة والجنة والنار تجد هذه أدل شيء على تلك شاهدة لها وتجدهما من مشكاة واحدة ورب واحد وخالق واحد ومالك واحد فبعدا لقوم لا يؤمنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 الباب التاسع والأربعون: في ذكر آنيتهم التي يأكلون فيها ويشربون وأجناسها وصفاتها قال تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ} فالصحاف جمع صحفة قال الكلبي بقصاع من ذهب وقال الليث الصحفة قصعة مسلنطحة عريضة الجمع صحاف قال الأعشى: والمكاكيك والصحاف من الفضة ... والضامرات تحت الرجال وأما الأكواب فجمع كوب قال الفراء الكوب المستدير الرأس الذي لا أذن له وأنشد العدي: متكئا تصفق أبوابه ... يسعى عليه العبد بالكوب وقال أبو عبيد الأكواب الأباريق التي لا خراطيم لها قال أبو إسحاق وإحدها كوب وهو إناء مستدير لا عروة له وقال ابن عباس هي الأباريق التي ليست لها آذان وقال مقاتل هي أوان مستديرة الرأس ليس لها عرى وقال البخاري في صحيحه الأكواب والأباريق التي لها خراطيم وقال تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} الأباريق هي الأكواب التي لها خراطيم فإن لم يكن لها خراطيم ولا عرى فهي أكواب وإبريق إفعيل من البريق وهو الصفاء فهو الذي يبرق لونه من صفائه ثم سمى كل ما كان علىشكله إبريقا وإن لم يكن صافيا وأباريق الجنة من الفضة في صفاء القوارير يرى من ظاهرها ما في باطنها والعرب تسمي السيف إبريقا لبريق لونه ومنه قول ابن أحمر: تعلقت إبريقا وعلقت جفنه ... ليهلك حيا ذا زهاء وخامل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 وفي نوادر اللحياني امرأة إبريق إذا كانت براقة وقال تعالى: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً} فالقوارير هي الزجاج فأخبر سبحانه وتعالى عن مادة تلك الآنية أنها من الفضة وأنها بصفاء الزجاج وشفافيته وهذا من أحسن الأشياء وأعجبها وقطع سبحانه توهم كون تلك القوارير من زجاج فقال: {قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ} قال مجاهد وقتادة ومقاتل والكلبي والشعبي: قوارير الجنة من الفضة فاجتمع لها بياض الفضة وصفاء القوارير قال ابن قتيبة كل ما في الجنة من الأنهار وسررها وفرشها وأكوابها مخالف لما في الدنيا من صنعة العباد كما قال ابن عباس: ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء والأكواب في الدنيا قد تكون من فضة وتكون من قوارير فأعلمنا الله أن هناك أكوابا لها بياض الفضة وصفاء القوارير قال: وهذا على التشبيه أراد قوارير كأنها من فضة وهذا كقوله تعالى: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} أي لهن ألوان المرجان في صفاء الياقوت وهذا مردود عليه فإن الآية صريحة أنها من فضة ومن ههنا لبيان الجنس كما تقول: خاتم من فضة ولا يراد بذلك أنه يشبه الفضة بل جنسه ومادته الفضة ولعله أشكل عليه كونها من فضة وهي قوارير وهو الزجاج وليس في ذلك إشكال لما ذكرناه وقوله قدروها تقديرا التقدير جعل الشيء بقدر مخصوص فقدرت الصناع هذه الآنية على قدر ريهم لا يزيد عليه ولا ينقص منه وهذا أبلغ من لذة الشارب فلو نقص عن ربه لنقص التذاذه ولو زاد حتى يشمئز منه حصل له ملالة وسامه من الباقي هذا قول جماعة من المفسرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 قال الفراء: قدروا الكأس على قدر ريِّ أحدهم لا فضل فيه ولا عجز عن ريه وهو ألذ الشراب وقال الزجاج: جعلوا الإناء على قدر ما يحتاجون إليه ويريدونه وقال أبو عبيد يكون التقدير الذين يسقون يقدرونها ثم يسقون يعني أن الضمير في قدروا للملائكة والخدم قدروا الكأس على قدر الري فلا يزيد عليه فيثقل الكف ولا ينقص منه فطلبت النفس الزيادة كما تقدم وقالت طائفة: الضمير يعود على الشاربين أي قدروا في أنهم شيئا فجاءهم الأمر بحسب ما قدروه وأرادوه وقول الجمهور: أحسن وأبلغ وهو مستلزم لهذا القول والله أعلم. وأما الكأس فقال أبو عبيدة: هو الإناء بما فيه. وقال أبو إسحاق الكأس: الإناء إذا كان فيه خمر ويقع الكأس لكل إناء مع شرابه والمفسرون فسروا الكأس بالخمر وهو قول عطاء والكلبي ومقاتل حتى قال الضحاك كل كأس في القرآن فإنما عني به الخمر وهذا نظر منهم إلى المعنى والمقصود فإن المقصود ما في الكأس لا الإناء نفسه وأيضا فإن من الأسماء ما يكون اسما للحال والمحل مجتمعين ومنفردين كالنهر والكأس فإن النهر اسم للماء ولمحلة معا ولكل منهما على انفراده وكذلك الكأس والقرية ولهذا يجيء لفظ القرية مرادا به الساكن فقط والمسكن فقط والأمران معا. وقد أخرجا في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن وفيهما أيضا من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 ولا يمتخطون ولا يتفلون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة وأزواجهم الحور العين أخلاقهم على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم عليه السلام ستون ذراعا في السماء" وفي الصحيحين من حديث حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قا ل:"لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة" وقال أبو يعلى الموصلي في مسنده حدثنا ثوبان حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا ثابت قال: قال أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الرؤيا فربما رأى الرجل الرؤيا فيسأل عنه إذا لم يكن يعرفه فإذا أثنى عليه معروف كان أعجب لرؤياه إليه فأتته امرأة فقالت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت كأني أتيت فأخرجت من المدينة فأدخلت الجنة فسمعت وجبة انفتحت لها الجنة فنظرت فإذا فلان بن فلان وفلان بن فلان فسمعت أثني عشر رجلا كان رسول الله قد بعث سرية قبل ذلك فجيء بهم عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم فقيل أذهبوا بهم إلى نهر البيدخ أو البيدح فغمسوا فيه فخرجوا ووجوههم كالقمر ليلة البدر فأتوا بصحفة من ذهب فيها بسر فأكلوا من ذلك البسر ما شاؤا فما يقلبونها من وجه إلا أكلوا من الفاكهة ما أرادوا واكلت معهم فجاء البشير من تلك السرية فقال أصيب فلان بن فلان حتى عد اثني عشر رجلا فدعا رسول الله المرأة فقال قصي رؤياك فقصتها وجعلت تقول جئ بفلان وفلان كما قال رواه الإمام أحمد في مسنده بنحوه واسناده على شرط مسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 الباب الخمسون: في ذكر لباسهم وحليهم ومناديلهم وفرشهم وبسطهم ووسائدهم ونمارقهم وزرابيهم قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ} وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ} قال جماعة من المفسرين: السندس مارق من الديباج والإستبرق ما غلظ منه وقالت طائفة: ليس المراد به الغليظ ولكن المراد بن الصفيق وقال الزجاج: هما نوعان من الحرير وأحسن الألوان والأخضر والين اللباس الحرير فجمع لهم بين حسن منظر اللباس والتذاذ العين به وبين نعومته والتذاذ الجسم به وقال تعالى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} وهاهنا مسألة وهذا موضع ذكرها وهي أن الله سبحانه وتعالى أخبر أن لباس أهل الجنة حرير وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " متفق على صحته من حديث عمر بن الخطاب وأنس بن مالك وقد اختلف في المراد بهذا الحديث فقالت طائفة من السلف والخلف: أنه لا يلبس الحرير في الجنة ويلبس غيره من الملابس قالوا وأما قوله تعالى: {وَلِبَاسُهُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 فِيهَا حَرِيرٌ} فمن العام المخصوص وقال الجمهور وهذا من الوعيد الذي له حكم أمثاله من نصوص الوعيد التي تدل على أن الفعل مقتض لهذا الحكم وقد يتخلف عنه لمانع وقد دل النص والإجماع على أن التوبة مانعة من لحوق الوعيد ويمنع من لحوقه أيضا الحسنات الماحية والمصائب المكفرة ودعاء المسلمين وشفاعة من يأذن الله له في الشفاعة فيه وشفاعة أرحم الراحمين إلى نفسه فهذا الحديث نظير الحديث الآخر من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة وقال تعالى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا} صبروا جنة وحريرا وقال: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَق} وتأمل ما دلت عليه لفظة "عاليهم" من كون ذلك اللباس ظاهرا بارزا يجمل ظواهرهم ليس بمنزلة الشعار الباطن بل الذي يلبس فوق الثياب للزينة والجمال. وقد اختلف القراء السبعة في نصب عاليهم ورفعه على قراءتين واختلف النحاة في وجه نصبه هل هو على الظرف أو على الحال على قولين واختلف المفسرون هل ذلك للولدان الذين يطوفون عليهم فيطوفون وعليهم ثياب السندس والإستبرق أو للسادات الذين يطوفون عليهم الولدان فيطوفون على ساداتهم وعلى السادات هذه الثياب وليس الحال ههنا بالبين ولا تحته ذلك المعنى البديع الرائع فالصواب أنه منصوب على الظرف فإن عاليا لما كان بمعنى فوق أجرى مجراه قال أبو علي وهذا الوجه أبين وهو أن عاليا صفة فجعل ظرفا كما كان قوله الركب أسفل منكم كذلك وكما قالوا هو ناحية من الدار وأما من رفع عاليهم فعلى الابتداء وثياب سندس خبره ولا يمنع من هذا إفراد عال وجمع الثياب لأن فاعلا قد يراد به لكثرة كما قال: ألا إن جيراني العشية رائح ... دعتهم دواع من هوى ومناوح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وقال تعالى: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ} ومن رفع خضرا أجراه صفة للثياب وهو الأقيس من وجوه: أحدها: المطابقة بينهما في الجمع الثاني: موافقته لقوله تعالى: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً} الثالث: تخلصه من وصف المفرد بالجمع ومن جر أجراه صفة للسندس على إرادة الجنس كما يقال أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض وتترجح القراءة الأولى بوجه رابع أيضا وهو أن العرب تجيء بالجمع الذي هو في لفظ الواحد فيحرونه مجرى الواحد كقوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارا} وكقوله {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} فإذا كانوا قد أفردوا صفات هذا النوع من الجمع فإفراد صفة الواحد وإن كان في معنى الجمع أولى. وفي إستبرق قراءتان الرفع عطفا على ثياب والجر عطفا على سندس وتأمل كيف جمع لهم بين نوعي الزينة الظاهرة من اللباس والحلي كما جمع لهم بين الظاهرة والباطنة كما تقدم قريبا فحمل البواطن بالشراب الطهور والسواعد بالأساور والأبدان بثياب الحرير وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأنهار يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} واختلفوا في جر لؤلؤ ونصبه فمن نصبه ففيه وجهان: أحدهما: أنه عطف على موضع قوله: {مِنْ أَسَاوِرَ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 والثاني: أنه منصوب بفعل محذوف دل عليه الأول أي: ويحلون لؤلؤا ومن جره فهو عطف على الذهب ثم يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون لهم أساور من ذهب وأساور من لؤلؤ ويحتمل أن تكون الأساور مركبة من الأمرين معا الذهب المرصع باللؤلؤ والله أعلم بما أراد. قال ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن رزق حدثنا زيد بن الحباب قال حدثني عتبة بن سعد قاضي الري عن جعفر بن أبي المغيرة عن شمر بن عطية عن كعب قال: "أن لله عز وجل ملكا منذ يوم خلق يصوغ حلي أهل الجنة إلى أن تقوم الساعة لو أن قلبا من حلي أهل الجنة أخرج لذهب بضوء شعاع الشمس فلا تسألوا بعد هذا عن حلي أهل الجنة" حدثنا الحسن بن يحيى بن كثير العنبري حدثنا أبي عن أشعث عن الحسن قال: "الحلي في الجنة على الرجال أحسن منه على النساء" حدثنا الحسن بن يحيى بن كثير العنبري, حدثنا أبي , عن أشعث عن الحسن قال: "الحلي في الجنةن على الرجال أحسن منه على النساء". حدثنا أحمد بن منيع حدثنا الحسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن رجلا من أهل الجنة أطلع فبدأ سواره لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم" وقال: ابن وهب حدثني ابن لهيعة عن عقيل بن خالد عن الحسن عن أبي هريرة قال إن أبا أمامة حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم وذكر حلي أهل الجنة فقال: "مسورون بالذهب والفضة مكللون بالدر عليهم أكاليل من در وياقوت متواصلة وعليهم تاج كتاج الملوك شباب مرد مكحلون" وقد أخرجا في الصحيحين والسياق لمسلم عن أبي حازم قال: كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة فكان يمد يده حتى يبلغ إبطه فقلت يا أبا هريرة ما هذا الوضوء فقال يا بني نبي فروخ أنتم هاهنا لو علمت أنكم هاهنا ما توضأت هذا الوضوء سمعت خليلي يقول تبلغ الحلية من المؤمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 حيث يبلغ الوضوء وقد احتج بهذا من يرى استحباب غسل العضد وإطالته والصحيح أنه لا يستحب وهو قول أهل المدينة وعن أحمد روايتان والحديث لا تدل على الإطالة فإن الحلية إنما تكون في زينة في الساعد والمعصم لا في العضد والكتف وأما قوله فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليقل فهذه الزيادة مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بين ذلك غير واحد من الحفاظ وفي مسند الإمام أحمد في هذا الحديث قال نعيم فلا أدري قوله من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أو شيء قاله أبو هريرة من عنده وكان شيخنا يقول هذه اللفظة لا يمكن أن تكون من كلام رسول الله فإن الغرة لا تكون في اليد لا تكون إلا في الوجه وإطالته غير ممكنة إذ تدخل في الرأس فلا تسمى ذلك غرة وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس ولا تبلي ثيابه ولا يفنى شبابه في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) وقوله لا تبلى ثيابه الظاهر أن المراد به الثياب المعينة لا يلحقها البلى ويحتمل أن يراد به الجنس بل لا يزال عليه الثياب الجدد كما أنها لا ينقطع أكلها في جنسه بل كل مأكول يخلفه أخر والله أعلم قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا محمد بن أبي الوضاح حدثنا العلاء ابن عبد الله بن رافع حدثنا حنان بن خارجة عن عبد الله بن عمر قال جاء أعرابي حرمي فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن الهجرة إليك أينما كنت أم لقوم خاصة أم إلى أرض معلومة إذا مت انقطعت فسأل ثلاث مرات ثم جلس فسكت رسول الله يسيرا ثم قال أين السائل فقال ها هو ذا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الهجرة أن تهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ثم أنت مهاجر وأن مت بالحضر فقام آخر فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني عن ثياب أهل الجنة أتخلق خلقا أم تنسج نسجا قال فضحك بعض القوم فقال رسول الله تضحكون من جاهل يسأل عالما فأسكت النبي صلى الله عليه وسلم ساعة ثم قال أين السائل عن ثياب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 أهل الجنة فقال ها هو ذا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا بل يشقق عنها ثمر الجنة" ثلاث مرات. وقال الطبراني في معجمه حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني والحسن بن علي الفسوي قالا حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا فضيل ابن مرزوق عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أول زمرة يدخلون الجنة كأن وجوههم ضوء القمر ليلة البدر والزمرة الثانية على لون أحسن كوكب دري في السماء لكل واحد منهم زوجتان من الحور العين على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ سوقها من وراء لحومها وحللها كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء) وهذا الإسناد على شرط الصحيح وقال الإمام أحمد: حدثنا يونس بن محمد حدثنا الخزرجي عن عثمان السعدي حدثنا أبو أيوب مولى لعثمان بن عفان عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقيد سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها ولقاب قوس أحدكم من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها ولنصيف امرأة من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها" قال قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما النصيف قال: "الخمار" وقال ابن وهب أخبرنا عمرو أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن الرجل ليتكئ في الجنة سبعين سنة قبل أن يتحول ثم تأتيه امرأة فتضرب على منكبيه فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة وأن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب فتسلم عليه فيرد السلام ويسألها من أنت فتقول أنا المزيد وأنه ليكون عليها سبعون ثوبا أدناها مثل النعمان من طوبى فينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك وأن عليها التيجان وأن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب " وروى الترمذي ذكر التيجان وأن أدنى لؤلؤة عن سويد ابن نصر عن رشدين بن سعد عن عمرو به وقال ابن أبي الدنيا حدثنا محمد بن إدريس الحنظلي حدثنا أبو عتبة حدثنا إسماعيل بن عياش عن سعيد بن يوسف عن يحيى ابن أبي كثير عن أبي سلام الأسود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 رقال سمعت أبا أمامة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما منكم من أحد يدخل الجنة إلا انطلق به إلى طوبى فتفتح له أكمامها فيأخذ من أي ذلك شاء أبيض وإن شاء أحمر وإن شاء أخضر وإن شاء أصفر وإن شاء أسود ومثل شقائق النعمان وأرق وأحسن" قال ابن أبي الدنيا وحدثنا سويد عن سعيد حدثنا عبد ربه بن بارق الحنفي عن خالد الزميل أنه سمع أباه قال قلت لابن عباس: "ما حلل الجنة قال فيها شجرة فيها ثمر كأنه الرمان فإذا أراد ولي الله كسوة انحدرت إليه من غصنها فانفلقت عن سبعين حلة ألوانا بعد ألوان ثم تنطبق ترجع كما كانت. قال وحدثنا عبد الله بن أبي خيثمة حدثنا الحسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثني دراج أبو السمح أن أبا الهيثم حدثه عن أبي سعيد عن رسول الله أن رجلا قال له يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طوبى لمن آراك وآمن بك فقال طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني فقال له رجل وما طوبى قال شجرة في جنة مسيرة مائة عام ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها" قال: وحدثني يعقوب ابن عبيد حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا حماد بن سلمة عن أبي المهزم قال قال أبو هريرة: "دار المؤمن في الجنة لؤلؤة فيها شجرة تنبت الحلل فيأخذ الرجل بإصبعيه وأشار بالسبابة والإبهام سبعين حلة منطقة باللؤلؤ والمرجان" قال وحدثنا حمزة ابن العباس حدثنا عبد الله بن عثمان أنبأنا ابن المبارك أنبأنا صفوان بن حمزة عن شريح بن عبيد قال قال كعب: "لو أن ثوبا من ثياب أهل الجنة لبس اليوم في الدنيا لصق من ينظر إليه وما حملته أبصارهم" وقال عبد الله بن المبارك أنبأنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن بشر بن كعب أو غيره قال: ذكر لنا أن الزوجة من أزواج الجنة لها سبعون حلة هي أرق من شقيقكم هذا ويرى مخ ساقها من وراء اللحم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال أهدى أكيد رد دومة إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "جبة من سندس فتعجب الناس من حسنها", فقال: "لمناديل سعد في الجنة أحسن من هذا" وفي الصحيحين أيضا من حديث البراء قال: أهدي لرسول الله ثوب حرير فجعلوا يعجبون من لينه فقال رسول الله (تعجبون من هذا لمناديل سعد ابن معاذ في الجنة أحسن من هذا". ولا يخفى ما في ذكر سعد بن معاذ بخصوصه هاهنا فإنه كان في الأنصار بمنزلة الصديق في المهاجرين واهتز لموته العرش وكان لا يأخذه في الله لومة لائم وختم الله له بالشهادة وآثر رضا الله ورسوله على رضا قومه وعشيرته وخلفائه ووافق حكمه الذي حكم به حكم الله فوق سبع سماوات ونعاه جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم موته فحق له أن تكون مناديله التي يمسح بها يديه في الجنة أحسن من حلل الملوك فصل ومن ملابسهم التيجان على رؤوسهم ذكر البيهقي من حديث يعقوب بن حميدا بن كاسب أنبأنا هشام بن سليمان عن عكرمة عن إسماعيل بن رافع عن سعد المقبري وزيد بن أسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من قرأ القرآن فقام به آناء الليل والنهار ويحل حلاله ويحرم حرامه خلطه الله بلحمه ودمه وجعله رفيق السفرة الكرام البررة وإذا كان يوم القيامة كان القرآن له حجيجا فقال يا رب كل عامل يعمل في الدنيا يأخذ بعمله من الدنيا إلا فلانا كان يقوم في آناء الليل وأطراف النهار فيحل حلالي ويحرم حرامي يقول يا رب فأعطه فيتوجه الملوك ويكسوه من حلة الكرامة ثم يقول هل رضيت فيقول يا رب أرغب له في أفضل من هذا فيعطيه الله الملك بيمينه والخلد بشماله ثم يقول له هل رضيت فيقول نعم يا رب" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وذكر الإمام أحمد في المسند من حديث أبي بريدة عن أبيه يرفعه: "تعلموا سورة البقرة فإن أخذاها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة" ثم سكت ساعة ثم قال: "تعلموا سورة البقرة وآل عمران فأنهما الزهراوان وإنهما يظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف والقرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب فيقول له هل تعرفني فيقول له: ما أعرفك فيقول له القرآن: أنا الذي أظمأتك في الهواجر وأسهرت ليلك وإن كل تاجر من وراء تجارته وإنك اليوم من وراء كل تجارة فيعطي الملك بيمينه والخلد بشماله ويوضع على رأسه تاج الوقار ويكسى والداه حليتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان بم كسينا هذا فيقال بأخذ ولدكما القرآن ثم يقال له اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها فهو في صعود ما دام يقرأ هددا كان أو ترتيلا البطلة السحرة والغيابة ما أظل الإنسان فوقه وقال عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي السمح عن أبي هريرة عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قوله عز وجل: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} فقال أن عليهم التيجان أن ادنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب" فصل وأما الفرش فقد قال تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} وقال تعالى: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} فوصف الفرش بكونها مبطنة بالإستبرق وهذا يدل على أمرين: أحدهما: أن ظهائرها أعلى وأحسن من بطائنها لأن بطائنها للأرض وظهائرها للجمال والزينة والمباشرة قال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي هبيرة ابن مريم عن عبد الله في قوله بطائنها من إستبرق قال هذه البطائن قد خبرتم بها فكيف بالظهائر الثاني: يدل على أنها فرش عالية لها سمك وحشو بين البطانة والظهارة وقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 روى في سمكها وارتفاعها آثار إن كانت محفوظة فالمرد ارتفاع محلها كما رواه الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله وفرش مرفوعة قال ارتفاعها كما بين السماء والأرض ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام قال الترمذي حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد قيل ومعناه إن ارتفاع المذكور للدرجات والفرش عليها قلت رشدين بن سعد عنده مناكير: قال الدارقطني: ليس بالقوي وقال أحمد: لا يبالي عمن روى وليس به باس في الرقاق وقال أرجو أنه صالح الحديث, وقال يحيى بن معين: ليس بشيء وقال أبو زرعة: ضعيف وقال الجوزجاني عنده مناكير ولا ريب أنه كان سيء الحفظ فلا يعتمد على ما ينفرد به وقد قال ابن وهب: حدثنا عمرو بن الحارث عن دراج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} قال: "ما بين الفراشين كما بين السماء والأرض " وهذا أشبه أن يكون هو المحفوظ فالله أعلم. وقال الطبراني: حدثنا المقدام بن داود حدثنا أسد بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن مطرف عن عبد الله بن الشخير عن كعب في قوله عز وجل: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} قال مسيرة أربعين سنة" قال الطبراني حدثنا إبراهيم بن نائلة حدثنا إسماعيل بن عمرو والبجلي حدثنا إسرائيل عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفرش المرفوعة قال: "لو طرح فراش من أعلاها إلى قرارها مائة عام " وفي رفع هذا الحديث نظر فقد قال ابن أبي الدنيا حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا معاذ ابن هشام قال وجدت في كتاب أبي القاسم عن أبي أمامة في قوله عز وجل وفرش مرفوعة قال لو أن أعلاها سقط ما بلغ أسفلها أربعين خريفا" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 فصل وأما البسط والزرابي فقد قال تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} وقال تعالى: {فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرَابي مَبْثُوثَةٌ} وذكر هشام عن أبي بشر عن سعد بن جبير قال الرفرف رياض الجنة والعبقري عتاق الزرابي وذكر إسماعيل بن علية عن أبي رجاء عن الحسن في قوله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} قال هي البسط قال وأهل المدينة يقولون هي البسط وأما النمارق فقال الواحدي هي الوسائد في قول الجميع وأحدها بضم النون وحكى الفراء نمرقة بكسرها وأنشد أبو عبيدة: إذا ما بساط الله ومد وقربت ... للذاته أنماطه ونمارقه قال الكلبي وسائد مصفوفة بعضها إلي بعض وقال مقاتل هي الوسائد مصفوفة على الطنافس وزرابي بمعنى البسط والطنافس وأحدها زريبة في قول جميع أهل اللغة والتعبير ومبثوثة مبسوطة منشورة. فصل وأما الرفرف فقال الليث: ضرب من الثياب خضر تبسط الواحد رفرفة وقال أبو عبيدة الرفارف البسط وأنشد لابن مقبل: وأنا لنازلون تغشى نعالنا ... سواقط من أصناف ريط ورفرف وقال أبو إسحاق: قالوا الرفرف ههنا رياض الجنة وقالوا الرفرف الوسائد وقالوا: الرفرف المحابس وقالوا: فضول المحابس للفرش وقال المبرد: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 هو فضول الثياب التي تتخذ الملوك في الفرش وغيره وقال الواحدي وكأن الأقرب هذا لأن الغرب تسمى كسر الخباء والخرقة التي تخاط في أسفل الخباء رفرفا ومنه الحديث في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: "فرفع الرفرف فرأينا وجهه كأنه ورقة" قال ابن الأعرابي: الرفرف هاهنا طرف البساط فشبه ما فضل من المحابس عما تحته بطرف الفسطاط فسمى رفرفا قلت أصل هذه الكلمة من الطرف أو الجانب فمنه الرفرف في الحائط ومنه الرفرف وهو كسر الخباء وجوانب الدرع وما تدلى منها الواحدة رفرفة ومنه رفرف الطير إذا حرك جناحه حول الشيء يريد أن يقع عليه والرفرف ثياب خضر يتخذ منها المحابس الواحدة رفرفة وكل ما فضل من شيء فثنى وعطف فهو رفرف وفي حديث ابن مسعود في قوله عز وجل {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} قال رأى رفرفا أخضر سد الأفق وهو في الصحيحين. فصل وأما العبقري فقال أبو عبيدة كل شيء من البسط عبقري قال ويرون أنها أرض توشى فيها وقال الليث عبقر موضع بالبادية كثير الجن يقال كأنهم جن عبقر قال أبو عبيدة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عمر فلم أر عبقريا يفري فرية وإنما أصل هذا فيما يقال إنه نسب إلى عبقر وهي أرض يسكنها الجن فصار مثلا منسوبا إلى شيء رفيع وأنشد لزهير: نخال عليها جبة عبقرية ... جديرون يوما أن ينالوا فيستعلوا وقال أبو الحسن الواحدي وهذا القول هو الصحيح في العبقري وذلك أن العرب إذا بالغت في وصف شيء نسبته إلى الجن أو شبهته بهم ومنه قول لبيد: جن البدي رواسيا أقدامها وقال آخر يصف امرأة: جنية ولها جن يعلمها ... رمي القلوب بقوس ما لها وتر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وذلك أنهم يعتقدون في الجن كل صفة عجيبة وأنهم يأتون بكل أمر عجيب ولما كان عبقر معروفا بسكناهم نسبوا كل شيء يبالغ فيه إليها يريدون بذلك أنه من عملهم وصنعهم هذا هو الأصل ثم صار العبقري اسما ونعتا لكل ما بولغ في صفته ويشهد لما ذكرنا بيت زهير فإنه نسب الجن إلى عبقر ثم رأينا أشياء كثيرة نسبت إلى عبقر غير البسط والثياب كقوله في صفة عمر عبقريا وروى سلمة عن الفراء قال العبقري السيد من الرجال وهو الفاخر من الحيوان والجوهر فلو كانت عبقر مخصوصة بالوشى لما نسب إليها غير الموشى وإنما ينسب إليها البسط الموشية العجيبة الصنعة كما ذكرنا كما نسب إليها كل ما بولغ في وصفة قال ابن عباس وعبقري يريد البسط الطنافس وقال الكلبي هي الطنافس المجملة وقال قتادة هي عتاق الزرابي وقال مجاهد الديباج الغليظ وعبقري جمع واحده عبقرية ولهذا وصف بالجمع وتأمل كيف وصف الله سبحانه وتعالى الفرش بأنها مرفوعة والزرأبي بأنها مبثوثة والنمارق بأنها مصفوفة فرفع الفرش دال على سمكها ولينها وبث الزرأبي دال على كثرتها وأنها في كل موضع لا يختص بها صدر المجلس دون مؤخره وجوانبه وصف المساند يدل على أنها مهيأة للاستناد إليها دائما ليست مخبأة تصف في وقت دون وقت والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 الباب الحادي والخمسون: في ذكر خيامهم وسررهم وأرائكهم وبشخاناتهم قال تعالى {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا" وفي لفظ لهما: "في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلا في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن" وفي لفظ آخر لهما أيضا: "الخيمة درة طولها في السماء ستون ميلا في كل زاوية منها أهل للمؤمن لا يراهم الآخرون" وللبخاري وحده في لفظ: "طولها ثلاثون ميلا" وهذه الخيم غير الغرف والقصور بل هي خيام في البساتين وعلى شواطئ الأنهار وقال ابن أبي الدنيا حدثنا الحسين بن عبد الرحمن عن أحمد بن أبي الحوري قال سمعت أبا سليمان قال: ينشأ خلق الحور العين إنشأ فإذا تكامل خلقهن ضربت عليهم الملائكة الخيام وقال بعضهم: لما كن أبكارا وعادة البكر أن تكون مقصورة في خدرها حتى يأخذها بعلها أنشأ الله تعالى الحور وقصرهن في خدور الخيام حتى يجمع بينهن وبين أوليائه في الجنة وقال ابن أبي الدنيا حدثنا إسحاق حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن جابر عن القاسم بن أبي بزة عن أبي عبيدة عن مسروق عن عبد الله قال: لكل مسلم خيرة ولكل خيرة خيمة ولكل خيمة أربعة أبواب يدخل عليها كل يوم من كل باب تحفة وهدية وكرامة لم تكن قبل ذلك لا مزجات ولا زفرات ولا بخرات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 ولا طماحات حور عين عين كأنهن بيض مكنون. حدثنا علي بن الجعد حدثنا شعبة عن عبد الله بن ميسرة قال سمعت أبا الأحوص يحدث عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} قال: در مجوف. وقال عبد الله بن المبارك أنبأنا سليمان التيمي عن قتادة عن خليد القصري عن أبي الدرداء قال الخيمة لؤلؤة واحدة لها سبعون بابا كلها من درة. قال ابن المبارك وأخبرنا همام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الخيمة درة مجوفة فرسخ في فرسخ لها أربعة الآف مصراع من ذهب. وقال ابن أبي الدنيا حدثنا فضيل بن عبد الوهاب حدثنا شريك عن منصور عن مجاهد {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} قال: في خيام اللؤلؤ والخيمة لؤلؤة واحدة حدثني محمد بن جعفر حدثنا منصور حدثنا يوسف بن الصباح عن أبي صالح عن ابن عباس حور مقصورات في الخيام قال الخيمة درة من لؤلؤة مجوفة طولها فرسخ وعرضها فرسخ ولها ألف باب من ذهب حولها س4رادق دوره خمسون فرسخا يدخل عليه من كل باب منها ملك بهديه من عند الله عز وجل وذلك قوله {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} والله أعلم وأما السرر فقال تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} وقال تعالى: {ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ} وقال تعالى: {فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ} فأخبر تعالى عن سررهم بإنها مصفوفة بعضها إلى جانب بعض ليس بعضها خلف بعض ولا بعيدا من بعض وأخبر أنها موضونة والوضن في اللغة النضيد والنسج المضاعف يقال وضمن فلان الحجر أو الآجر بعضه فوق بعض فهو موضون وقال الليث: الوضن نسج السرير وأشباهه ويقال درع موضونة مقاربة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 النسج وقال رجل من العرب لامرأته ضني متاع البيت أي قاربي بعضه من بعض قال أبو عبيدة والفراء والمبرد وابن قتيبة موضونة منسوجة مضاعفة متداخلة بعضها فوق بعض على بعض كما توضن حلق الدرع ومنه سمي الوضين وهو نطاق من سيور تنسج فيدخل بعضها في بعض وأنشدوا للأعمش: ومن نسج داود موضونه ... تساق مع الحي عيرا فغيرا قالوا موضونة: منسوجة بقضبان الذهب مشتبكة بالدر والياقوت والزبرجد قال هشيم أنبأنا حصين عن مجاهد عن ابن عباس قال مرمولة بالذهب وقال مجاهد موصولة بالذهب وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس موضونة مصفوفة فأخبر سبحانه أنها مرفوعة. قال عطاء عن ابن عباس قال سرر من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت والسرير مثل ما بين مكة وأيلة. وقال الكلبي طول السرير في السماء مائة ذراع فإذا أراد الرجل أن يجلس عليه تواضع له حتى يجلس عليه فإذا جلس عليه ارتفع إلى مكانه فصل وأما الأرائك فهي جمع أريكة قال مجاهد عن ابن عباس: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ} قال لا تكون أريكة حتى يكون السرير في الحجلة فإذا كان سريرا بغير حجلة لا يكون أريكة وإن كانت حجلة بغير سرير لم تكن أريكة ولا تكون أريكة إلا والسرير في الحجلة فإذا اجتمعا كانت أريكة وقال مجاهد هي الأسرة في الحجال قال الليث الأريكة سرير حجلة فالحجلة والسرير أريكة وجمعها أرائك وقال أبو إسحاق الأرائك الفرش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 في الحجال قلت: ها هنا ثلاثة أشياء أحدها السرير والثانية الحجلة وهي البشخانة التى تعلق فوقه والثالث الفراش الذي على السرير ولا يسمى السرير أريكة حتى يجمع ذلك كله وفي الصحاح الأريكة سرير متخذ مزين في قبة أو بيت فإذا لم يكن فيه سرير فهو حجلة والجمع الأرائك وفي الحديث أن خاتم النبي صلى الله عليه وسلم كان مثل زر الحجلة وهو الزر الذي يجمع بين طرفيها من جملة أزرارها والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 الباب الثاني والخمسون: في ذكر خدمهم وغلمانهم قال تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} وقال تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً} قال أبو عبيدة والفراء: مخلدون لا يهرمون ولا يتغيرون قال والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يشمط أنه لمخلد وإذا لم تذهب أسنانه من الكبر قيل هو مخلد وقال آخرون مخلدون مقرطون مسورون أي في آذانهم القرطة وفي أيديهم الأساور وهذا اختيار ابن الأعرابي قال مخلدون مقرطون بالخلدة وجمعها خلد وهي القرطة وروى عمرو عن أبيه خلد جاريته إذا حلاها بالخلد وهي القرطة وخلد إذا أسن ولم يشب وكذلك قال سعيد بن جبير مقرطون واحتج هؤلاء بحجتين احداهما: أن الخلود عام لكل من دخل الجنة فلا بد أن تكون الولدان موصوفين بتخليد مختص بهم وذلك هو القرطة الحجة الثانية قول الشاعر: ومخلدات باللجين كأنما ... أعجازهن رواكد الكثبان وقال الأولون: الخلد هو البقاء قال ابن عباس: غلمان لا يموتون وقول ترجمان القرآن في هذا كاف وهو قول مجاهد والكلبي ومقاتل قالوا لا يكبرون ولا يهرمون ولا يتغيرون وجمعت طائفة بين القولين وقالوا هم ولدان لا يعرض لهم الكبر والهرم وفي آذانهم القراطة فمن قال مقرطون أراد هذا المعنى أن كونهم ولدان أمر لازم لهم وشبههم سبحانه باللؤلؤ المنثور لما فيه من البياض وحسن الخلقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 وفي كونه منثورا فائدتان: احداهما: الدلالة على أنهم غير معطلين بل مبثوثون في خدمتهم وحوائجهم والثانية: أن اللؤلؤ إذا كان منثورا ولا سيما على بساط من ذهب أو حرير كان أحسن لمنظره وأبهى من كونه مجموعا في مكان واحد وقد اختلف في هؤلاء الولدان هل هم من ولدان الدنيا أم أنشأهم الله في الجنة إنشاء على قولين فقال علي بن أبي طالب والحسن البصري هم أولاد المسلمين الذين يموتون ولا حسنة لهم ولا سيئة لهم يكونون خدم أهل الجنة وولدانهم إذ الجنة لا ولادة فيها قال الحاكم أنا عبد الرحمن بن الحسن ثنا إبراهيم ابن الحسين ثنا آدم ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن في قوله ولدان مخلدون قال لم يكن لهم حسنات ولا سيئات فيعاقبون عليها فوضعوا بهذا الموضع ومن أصحاب هذا القول من قال هم أطفال المشركين فجعلهم الله خدما لأهل الجنة واحتج هؤلاء بما رواه يعقوب بن عبد الرحمن الفاري عن أبي حازم قال المديني عن يزيد الرقاشي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سألت ربي اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم فهم خدم أهل الجنة "يعنى الأطفال قال الدارقطني ورواه عبد العزيز الماجشون عن ابن المنكدر عن يزيد الرقاشي عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى ورواه فضيل بن سليمان عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن أنس وهذه الطرق ضعيفة فيزيد واه وفضيل بن سليمان متكلم فيه وعبد الرحمن بن إسحاق ضعيف قال ابن قتيبة واللاهون من لهيت عن الشيء إذا غفلت عنه وليس هو من لهوت وأصحاب القول الأول لا يقولون أن هؤلاء أولاد ولدوا لأهل الجنة فيها وإنما يقولون هم غلمان أنشأهم الله في الجنة كما أنشأ الحور العين قالوا وأما ولدان أهل الدنيا فيكونون يوم القيامة أبناء ثلاث وثلاثين لما رواه ابن وهب أنبأنا عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير يردون بني ثلاثين سنة في الجنة لا يزيدون عليها أبدا وكذلك أهل النار" رواه الترمذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 والأشبه أن هؤلاء الولدان مخلوقون من الجنة كالحور العين خدما لهم وغلمانا كما قال تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ} وهؤلاء غير أولادهم فإن من تمام كرامة الله تعالى لهم أن يجعل أولادهم مخدومين معهم ولا يجعلهم غلمانا لهم وقد تقدم في حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا وفيه يطوف على ألف خادم كأنهم لؤلؤ مكنون والمكنون المستور المصون الذي لم تبتذله الأيادي وإذا تأملت لفظة الولدان ولفظة ويطوف عليهم واعتبرتها بقوله ويطوف عليهم غلمان لهم وضممت ذلك إلى حديث أبي سعيد المذكور آنفا علمت أن الولدان غلمان أنشأهم الله تعالى في الجنة خدما لأهلها والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 الباب الثالث والخمسون: في ذكر نساء أهل الجنة وأصنافهن وحسنهن وأوصافهن وجمالهن الظاهر والباطن الذي وصفهن الله تعالى به في كتابه قال تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} فتأمل جلالة المبشر ومنزلته وصدقه وعظمة من أرسله إليك بهذه البشارة وقدر ما بشرك به وضمنه لك على أسهل شيء عليك وأيسره وجمع سبحانه في هذه البشارة بين نعيم البدن بالجنات وما فيها من الأنهار والثمار ونعيم النفس بالأزواج المطهرة ونعيم القلب وقرة العين بمعرفة دوام هذا العيش أبد الآباد وعدم انقطاعه والأزواج جمع زوج والمرأة زوج للرجل وهو زوجها هذا هو الأفصح وهو لغة قريش وبها نزل القرآن كقوله: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} ومن العرب من يقول زوجة وهو نادر لا يكادون يقولونه وأما المطهرة فإن جرت صفة على الواحد فيجرى صفة على جمع التكسير إجراء له مجرى جماعة كقوله تعالى: {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً} وقرى ظاهرة ونظائره والمطهرة من طهرت من الحيض والبول والنفاس والغائط والمخاط والبصاق وكل قذر وكل أذى يكون من نساء الدنيا فظهر مع ذلك باطنها من الأخلاق السيئة والصفات المذمومة وطهر لسانها من الفحش والبذاء وطهر طرفها من أن تطمح به إلى غير زوجها وطهرت أثوابها من أن يعرض لها دنس أو وسخ قال عبد الله بن المبارك ثنا شعبة عن قتادة عن أبي نظرة عن أبي سعيد عن النبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 صلى الله عليه وسلم {لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} قال من الحيض والغائط والنخامة والبصاق وقال عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس مطهرة لا يحضن ولا يحدثن ولا يتنخمن وقال ابن عباس أيضا مطهرة من القذر والأذى وقال مجاهد لا يبلن ولا يتغوطن ولا يمذين ولا يمنين ولا يحضن ولا يبصقن ولا يتنخمن ولا يلدن وقال قتادة مطهرة من الإثم والأذى طهرهن الله سبحانه من كل بول وغائط وقذر ومأثم وقال عبد الرحمن بن زيد المطهرة التي لا تحيض وأزواج الدنيا لسن بمطهرات ألا تراهن يدمين ويتركن الصلاة والصيام قال وكذلك خلقت حواء حتى عصت فلما عصت قال الله إني خلقتك مطهرة وسأدميك كما دميت هذه الشجرة وقال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} فجمع لهم بين حسن المنزل وحصول الأمن فيه من كل مكروه واشتماله على الثمار والأنهار وحسن اللباس وكمال العشرة لمقابلة بعضهم بعضا وتمام اللذة بالحور العين ودعائهم بجميع أنواع الفاكهة مع أمنهم من انقطاعها ومضرتها وغائلتها وختام ذلك أعلمهم بأنهم لا يذوقون فيها هناك موتا والحور جمع حوراء وهي المرأة الشابة الحسناء الجميلة البيضاء شديدة سواد العين وقال زيد بن أسلم الحوراء التي يحار فيها الطرف وعين حسان الأعين وقال مجاهد: الحوراء التي يحار فيها الطرف من رقة الجلد وصفاء اللون وقال الحسن: الحوراء شديدة بياض العين شديدة سواد العين واختلف في اشتقاق هذه اللفظة فقال ابن عباس: الحور في كلام العرب البيض وكذلك قال قتادة الحور البيض وقال مقاتل الحور البيض الوجوه وقال مجاهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 الحور العين التي يحار فيهن الطرف باديا مخ سوقهن من وراء ثيابهن ويرى الناظر وجهه في كبد إحداهن كالمرآة من رقة الجلد وصفاء اللون وهذا من الاتفاق وليست اللفظة مشتقة من الحيرة وأصل الحور البياض والتحوير التبييض والصحيح أن الحور مأخوذ من الحور في العين وهو شدة بياضها مع قوة سوادها فهو يتضمن الأمرين وفي الصحاح الحور شدة بياض العين في شدة سوادها امرأة حوراء بينة الحور وقال أبو عمرو الحور أن تسود العين كلها مثل أعين الظباء والبقر وليس في بني آدم حور وإنما قيل للنساء حور العين لأنهن شبهن بالظباء والبقر وقال الأصمعي ما أدري ما الحور في العين قلت خالف أبو عمرو أهل اللغة في اشتقاق اللفظة ورد الحور إلى السواد والناس غيره إنما ردوه إلى البياض أو إلى بياض في سواد والحور في العين معنى يلتئم من حسن البياض والسواد وتناسبهما واكتساب كل واحد منهما الحسن من الآخر عين حوراء إذا اشتد بياض أبيضها وسواد أسودها ولا تسمى المرأة حوراء حتى يكون مع حور عينها بياض لون الجسد والعين جمع عيناء وهي العظيمة العين من النساء ورجل أعين إذا كان ضخم العين وامرأة عيناء والجمع عين والصحيح أن العين اللاتي جمعت أعينهن صفات الحسن والملاحة قال مقاتل العين حسان الأعين ومن محاسن المرأة اتساع عينها في طول وضيق العين في المرأة من العيوب وإنما يستحب الضيق منها في أربعة مواضع فيها وخرق أذنها وانفها وما هنالك ويستحب السعة منها في أربعة مواضع ووجهها وصدرها وكاهلها وهو ما بين كتفيها وجبهتها ويستحسن البياض منها في أربعة مواضع لونها وفرقها وثغرها وبياض عينها ويستحب السواد منها في أربعة مواضع عينها وحاجبها وهدبها وشعرها ويستحب الطول منها في أربعة قوامها وعنقها وشعرها وبنانها ويستحب القصر منها في أربعة وهي معنوية لسانها ويدها ورجلها وعينها فتكون قاصر الطرف قصيرة الرجل واللسان عن الخروج وكثرة الكلام قصيرة اليد عن تناول ما يكره الزوج وعن بذله وتستحب الدقة منها في أربعة: خصرها وفرقها وحاجبها وأنفها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 فصل وقوله تعالى: {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} قال أبو عبيدة: جعلناهم أزواجا كما يزوج النعل بالنعل جعلناهم اثنين اثنين وقال يونس قرناهم بهن وليس من عقد التزويج قال والعرب لا تقول تزوجت بها وإنما تقول تزوجتها قال بن نصر هذا والتنزيل يدل على ما قاله يونس وذلك قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا} ولو كان على تزوجت بها لقال: زوجناك بها وقال ابن سلام: تميم تقول: تزوجت امرأة وتزوجت بها وحكها الكسائي أيضا وقال الأزهري تقول العرب زوجته امرأة وتزوجت امرأة وليس من كلامهم تزوجت بامرأة وقوله تعالى: {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} أي قرناهم وقال الفراء هي لغة في أزد شنوءة قال الواحدي: وقال أبي عبيدة في هذا أحسن لأنه جعله من التزويج الذي هو بمعنى جعل الشيء زوجا لا بمعنى عقد النكاح ومن هذا يجوز أن يقال كان فردا فزوجته بآخر كما يقال شفعته بآخر وإنما تمتنع الباء عند من يمنعها إذا كان بمعنى عقد التزويج قلت ولا يمتنع أن يراد الأمران معا فلفظ التزويج يدل على النكاح كما قال مجاهد: أنكحناهم الحور ولفظ الباء تدل على الاقتران والضم وهذا أبلغ من حذفها والله أعلم. وقال تعالى: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ أنس قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} وصفهن سبحانه بقصر الطرف في ثلاثة مواضع: أحدها هذا والثاني قوله تعالى: في الصافات {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ} والثالث قوله تعالى: في ص {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ} والمفسرون كلهم على أن المعنى قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يطمحن إلى غيرهم وقيل قصرن طرف أزواجهن كلهن فلا يدعهم حسنهن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 وجمالهن أن ينظروا إلى غيرهن وهذا صحيح من جهة المعنى وأما من جهة اللفظ فقاصرات صفة مضافة إلى الفاعل لحسان الوجوه وأصله قاصر طرفهن أي لبس بطامح متعد قال آدم: حدثنا ورقاء عن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} قال: يقول قاصرات الطرف على أزواجهن فلا يبغين غير أزواجهن قال آدم وحدثنا المبارك بن فضلة عن الحسن قال قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم والله ما هن متبرجات ولا متطلعات وقال منصور عن مجاهد قصرن أبصارهن وقلوبهن وأنفسهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم وفي تفسير سعيد عن قتادة قال وقصرن أطرافهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم وأما الأتراب فجمع ترب: وهو لذة الإنسان قال أبو عبيدة: وأبو إسحاق أقران أسنانهن واحدة قال ابن عباس وسائر المفسرين مستويات على سن واحد وميلاد واحد وبنات ثلاث وثلاثين سنة وقال مجاهد أتراب أمثال قال إسحاق هن في غاية الشباب والحسن وسمي سن الإنسان وقرنه تربه لأنه مس تراب الأرض معه في وقت واحد والمعنى من الأخبار باستواء أسنانهن أنهن ليس فيهن عجائز قد فات حسنهن ولا ولائد لا يقطن الوطء بخلاف الذكور فان فيهم الولدان وهم الخدم وقد اختلف في مفسر الضمير في قوله فيهن فقالت طائفة مفسره الجنتان وما حوتاه من القصور والغرف والخيام وقالت طائفة مفسره الفرش المذكورة في قوله {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَق} وفي بمعنى على وقوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ أنس قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} قال أبو عبيدة: لم يمسهن يقال ما طمث هذا البعير حبل قط أي ما مسه وقال يونس: تقول العرب هذا جمل ما طمثه حبل قط أي ما مسه وقال الفراء الطمث الافتضاض وهو النكاح بالتدمية والطمث هو الدم وفيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 لغتان طمث يطمث ويطمث قال الليث طمثت الجارية إذا افترعتها والطامث في لغتهم هي الحائض قال أبو الهيثم يقال للمرأة طمثت تطمث إذا أدميت بالافتضاض وطمثت على فعلت تطمث إذا حاضت أول ما تحيض فهي طامث وقال في قول الفرزدق: خرجن إلى لم يطمثن قبلي ... وهن أصح من بيض النعام أي: لم يمسسن قال المفسرون: لم يطأهن ولم يغشهن يجامعهن هذه ألفاظهم وهم مختلفون في هؤلاء فبعضهم يقول هن اللواتي أنشئن في الجنة من حورها وبعضهم يقول يعني نساء الدنيا أنشئن خلقا آخر أبكارا كما وصفهن قال الشعبي نساء من نساء الدنيا لم يمسسن منذ أنشئن خلقا وقال مقاتل لأنهن خلقن في الجنة وقال عطاء عن ابن عباس هن الآدميات اللاتي متن أبكارا وقال الكلبي: لم يجامعهن في هذا الخلق الذي أنشئن فيه أنس ولا جان قلت ظاهر القران أن هؤلاء النسوة لسن من نساء الدنيا وإنما هن من الحور حور العين وأما نساء الدنيا فقد طمثهن الإنس ونساء الجن قد طمثهن الجن والآية تدل على ذلك قال أبو إسحاق: وفي الآية دليل على أن الجن يغشي كما أن الأنس يغشى ويدل على أنهن الحور اللاتي خلقن في الجنة أنه سبحانه جعلهن مما أعده الله في الجنة لأهلها من الفاكهة والثمار والأنهار والملابس وغيرها ويدل عليه أيضا الآية التي بعدها وهي قوله تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} ثم قال {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ أنس قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} قال الإمام احمد: والحور العين لا يمتن عند النفخة للصور لأنهن خلقن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 للبقاء وفي الآية دليل لما ذهب إليه الجمهور أن مؤمن الجن في الجنة كما أن كافرهم في النار وبوب عليه البخاري في صحيحه فقال باب ثواب الجن وعقابهم ونص عليه غير واحد من السلف قال ضمرة بن حبيب وقد سئل هل للجن ثواب فقال نعم وقرا هذه الآية ثم قال الإنسيات للإنس والجنيات للجن وقال مجاهد في هذه الآية إذا جامع الرجل ولم يسم انطوى الجان على إحليله فجامع معه والضمير في قوله قبلهم للمعنيين بقوله متكئين وهم أزواج هؤلاء النسوة وقوله {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} قال الحسن وعامة المفسرين أراد صفاء الياقوت في بياض المرجان شبههن في صفاء اللون وبياضه وبالياقوت والمرجان ويدل عليه ما قاله عبد الله إن المرأة من النساء أهل الجنة لتلبس عليها سبعين حلة من حرير فيرى بياض ساقيها من ورائهن ذلك بأن الله يقول: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} إلا وإن الياقوت حجر لو جعلت فيه سلكا ثم استصفيته نظرت إلى السلك من وراء الحجر فصل وقال تعالى: في وصفهن: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} المقصورات المحبوسات قال أبو عبيدة: خدرن في الخيام وكذلك قال مقاتل: وفيه معنى آخر وهو أن يكون المراد أنهن محبوسات على أزواجهن لا يرون غيرهم وهم في الخيام وهذا معنى قول من قال قصرن على أزواجهن فلا يردن غيرهم ولا يطمحن إلى من سواهم وذكره الفراء قلت: وهذا معنى قاصرات الطرف ولكن أولئك قاصرات بأنفسهن وهؤلاء مقصورات وقوله في الخيام على هذا القول صفة لحور أي هن في الخيام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 وليس معمولا لمقصورات وكأن أرباب هذا القول فسروا بأن يكن محبوسات في الخيام وليس لا تفارقنها إلى الغرف والبساتين وأصحاب القول الأول يجيبون عن هذا بأن الله سبحانه وصفهن بصفات النساء المخدرات المصونات وذلك أجمل في الوصف ولا يلزم من ذلك أنهن لا يفارقن الخيام إلى الغرف والبساتين كما أن نساء الملوك ودونهم من النساء المخدرات المصونات لا يمنعن أن يخرجن في سفر وغيره إلى منتزه وبستان ونحوه فوصفهن اللازم لهن القصر في البيت ويعرض لهن مع الخدم الخروج إلى البساتين ونحوها وأما مجاهد فقال: مقصورات قلوبهن على أزواجهن في خيام اللؤلؤ وقد تقدم وصف النسوة الأول بكونهن قاصرات الطرف وهؤلاء بكونهن مقصورات والوصفان لكلا النوعين فإنهما صفتا كمال فتلك الصفة قصر الطرف عن طموحه إلى غير الأزواج وهذه الصفة قصر الرجل على التبرج والبروز والظهور فصل وقال تعالى: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} فالخيرات جمع خيرة وهي مخففة من خيره كسيدة ولينة وحسان جمع حسنة فهن خيرات الصفات والأخلاق والشيم وحسان الوجوه قال وكيع: حدثنا سفيان عن جابر عن القاسم عن أبي بزة عن أبي عبيدة عن مسروق عن عبد الله قال: لكل مسلم خيرة ولكل خيرة خيمة ولكل خيمة أربعة أبواب يدخل عليها في كل يوم من كل باب تحفة وهدية وكرامة لم تكن قبل ذلك لا ترحات ولا ذفرات ولا بخرات ولا طامحات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 فصل وقال تعالى: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً لأَصْحَابِ الْيَمِينِ} أعاد الضمير إلى النساء ولم يجر لهن ذكر لأن الفرش دلت عليهن إذ هي محلهن وقيل الفرش في قوله: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} كناية عن النساء كما يكنى عنهن بالقوارير والأزر وغيرها ولكن قوله: مرفوعة يأبى هذا إلا أن يقال المراد رفعة القدر وقد تقدم تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للفرش وارتفاعها فالصواب أنها الفرش نفسها ودلت على النساء لأنها محلهن غالبا قال قتادة وسعيد بن جبير: خلقناهن خلقا جديدا وقال ابن عباس: يريد نساء الآدميات وقال الكلبي ومقاتل: يعني نساء أهل الدنيا العُجز الشمط يقول تعالى: خلقناهن بعد الكبر والهرم وبعد الخلق الأول في الدنيا ويؤيد هذا التفسير حديث أنس المرفوع:"هن عجائزكم العمش الرمص" رواه الثوري عن موسى بن عبيدة عن يزيد الرقاشي عنه ويؤيده ما رواه يحيى الحماني حدثنا ابن إدريس عن ليث عن مجاهد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها عجوز فقال:"من هذه" فقالت: إحدى خالاتي قال: "أما أنه لا يدخل الجنة العجوز" فدخل على العجوز من ذلك ما شاء الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} خلقا آخر" "يحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلا وأول من يكسى إبراهيم خليل الله ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} قال آدم بن أبي إياس: حدثنا شيبان عن الزهري عن جابر الجعفي عن يزيد بن مرة عن سلمة بن يزيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} قال: " يعني الثيب والأبكار اللاتي كن في الدنيا" قال آدم وحدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 عليه وسلم: "لا يدخل الجنة العجز" فبكت عجوز فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أخبروها أنها يومئذ ليست بعجوز إنها يومئذ شابة إن الله عز وجل يقول: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} ". وقال ابن أبي شيبة حدثنا احمد بن طارق حدثنا مسعدة بن اليسع حدثنا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن سعيد ابن المسيب عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتته عجوز من الأنصار فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ادع الله تعالى أن يدخلني الجنة فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "إن الجنة لا يدخلها عجوز" فذهب نبي الله صلى الله عليه وسلم فصلى ثم رجع إلى عائشة فقالت عائشة: لقد لقيت من كلمتك مشقة وشدة فقال صلى الله عليه وسلم: "إن ذلك كذلك إن الله تعالى إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكارا" وذكر مقاتل قولا آخر وهو اختيار الزجاج إنهن الحور العين التي ذكرهن قيل أنشأهن الله عز وجل لأوليائه لم يقع عليهن ولادة والظاهر أن المراد أنشأهن الله تعالى في الجنة إنشاء ويدل عليه وجوه أحدها أنه قد قال في حق السابقين: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} إلى قوله: {كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} فذكر سردهم وآنيتهم وشرابهم وفاكهتهم وطعامهم وأزواجهم والحور العين ثم ذكر أصحاب الميمنة وطعامهم وشرابهم وفراشهم ونساءهم والظاهر أنهن مثل نساء من قبلهم خلقن في الجنة الثاني أنه سبحانه قال: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} وهذا ظاهر أنه إنشاء أول لا ثان لأنه سبحانه حيث يريد الإنشاء الثاني يقيده بذلك كقوله: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى} وقوله: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى} الثالث إن الخطاب بقوله: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً} إلى آخره للذكور والإناث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 والنشأة الثانية عامة أيضا للنوعين وقوله: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} ظاهره اختصاصهن بهذا الإنشاء وتأمل تأكيده بالمصدر والحديث لا يدل على اختصاص العجائز المذكورات بهذا الوصف بل يدل على مشاركتهن للحور العين في هذه الصفات المذكورة فلا يتوهم انفراد الحور العين عنهن بما ذكر من الصفات بل هنّ أحق به منهن فالإنشاء واقع على الصنفين والله أعلم وقوله: {عُرُباً} جمع عروب: وهن المتحببات إلى أزواجهن قال ابن الأعرابي: العروب من النساء: المطيعة لزوجها المتحببة إليه وقال أبو عبيدة العروب الحسنة التبعل قلت: يريد حسن مواقعها وملاطفتها لزوجها عند الجماع وقال المبرد: هي العاشقة لزوجها وأنشد للبيد: وفي الحدوج عروب غير فاحشة ... ريا الروادف يعشي دونها البصر وذكر لمفسرون في تفسير العرب أنهن العواشق المتحببات الغنجات الشكلات المتعشقات الغلمات المغنوجات كل ذلك من ألفاظهم وقال البخاري في صحيحه عربا مثقلة واحدها عروب مثل صبور وصبر وتسميها أهل مكة العربة وأهل المدينة الغنجة وأهل العراق الشكلة والعرب والمتحببات إلى أزواجهن هكذا ذكره في كتاب بدء الخلق وقال في كتاب التفسير في سورة الواقعة عربا مثقلة واحدها عروب مثل صبور وصبر تسميها أهل مكة العربة وأهل المدينة الغنجة وأهل العراق الشكلة قلت فجمع سبحانه بين حسن صورتها وحسن عشرتها وهذا غاية ما يطلب من النساء وبه تكمل لذة الرجل بهن وفي قوله: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ أنس قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} إعلام بكمال اللذة بهن فان لذة الرجل بالمرأة التي لم يطأها سواه لها فضل على لذته بغيرها وكذلك هي أيضا فصل قال تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 فالكواعب: جمع كاعب وهي الناهد قال قتادة ومجاهد والمفسرون قال الكلبي هن الفلكات اللواتي تكعب ثديهن وتفلكت واصل اللفظة من الاستدارة والمراد أن ثديهن نواهد كالرمان ليست متدلية إلى أسفل ويسمين نواهد وكواعب فصل روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ولقاب قوس أحدكم أو موضع قيده يعني سوطه من الجنة خير من الدنيا وما فيها ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحا ولأضاءت ما بينهما ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها" وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والتي تليها على أضوأ كوكب دري في السماء ولكل امرئ منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم وما في الجنة أعزب". وقال الإمام احمد: حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة حدثنا يونس عن محمد بن شيرين عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين لكل واحدة سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء الثياب" وقال الطبراني حدثنا بكر بن سهل الدمياطي حدثنا عمرو بن هشام البيروني حدثنا سليمان بن أبي كريمة عن هشام بن حسان عن الحسن عن أبيه عن أم سلمة قالت قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني عن قوله عز وجل: {وَحُورٌ عِينٌ} قال: "حور بيض عين ضخام العيون شقر الحوراء بمنزلة جناح النسر" قلت: أخبرني عن قوله عز وجل: {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ} قال: "صفاؤهن صفاء الدر الذي في الأصداف الذي لم تمسه الأيدي قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني عن قوله عز وجل: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 "خيرات الأخلاق حسان الوجوه" قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني عن قوله عز وجل: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} قال: "رقتهن كرقة الجلد الذي رايته في داخل البيضة مما يلي القشر وهو الغرقىء قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني عن قوله عز وجل: {عُرُباً أَتْرَاباً} قال: "هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز رمصا شمطا خلقهن الله بعد الكبر فجعلهن عذارى عربا: متعشقات محبَّبات أترابا: على ميلاد واحد قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء الدنيا أفضل أم الحور العين؟ قال: "بل نساء الدنيا أفضل من الحور كفضل الظهارة على البطانة" قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبم ذلك قال: "بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن الله تعالى ألبس الله وجوههن النور وأجسادهن الحرير بيض الألوان خضر الثياب صفر الحلي مجامرهن الدر وأمشاطهن الذهب يقلن نحن الخالدات فلا نموت ونحن الناعمات فلا نيأس أبدا ونحن المقيمات فلا نظعن أبدا ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا طوبى لمن كنا له وكان لنا قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والمرأة منا تتزوج زوجين أو ثلاث أو أربع ثم تموت فتدخل الجنة ويدخلون معها من يكون زوجها قال يا أم سلمة أنها تخير فتختار أحسنهم خلقا فتقول: أي رب إن هذا كان أحسنهم معي خلقا في دار الدنيا فزوجنيه يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة" تفرد به سليمان بن أبي كريمة ضعفه أبو حاتم وقال ابن عدي عمت أحاديثه مناكير ولم أر للمتقدمين فيه كلاما ثم ساق هذا الحديث من طريقه وقال لا يعرف إلا بهذا السند وقال أبو يعلى الموصلي حدثنا عمر بن الضحاك بن مخلد حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد حدثنا أبو رافع إسماعيل بن رافع عن محمد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في طائفة من أصحابه فذكر حديث الصور وفيه فأقول: "يا رب وعدتني الشفاعة فشفعني في أهل الجنة يدخلون الجنة فيقول الله قد شفعتك وأذنت لهم في دخول الجنة وكان رسول الله يقول والذي بعثني بالحق ما أنتم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم فيدخل رجل منهم على اثنتين وسبعين زوجة مما ينشئ الله واثنتين من ولد آدم لهما فضل على من أنشأ الله لعبادتهما الله عز وجل في الدنيا يدخل على الأولى منها في غرفة من ياقوت على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ عليه سبعون زوجا من سندس وإستبرق وأنه ليضع يده بين كتفيها ثم ينظر إلى يده من صدرها ومن وراء ثيابها وجلدها ولحمها لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت كبده لها مرآة وكبدها له مرآة فبينما هو عندها لا يملها ولا تمله ولا يأتيها من مرة إلا وجدها عذراء ما يفتر ذكره ولا يشتكي قلبها فبينما هو كذلك إذ نودي أنا قد عرفنا أنك لا تَمل ولا تُمل إلا أنه لا منى ولا منية إلا أن تكون له أزواج غيرها فيخرج فتأتيهن واحدة واحدة كلما جاء واحدة قالت: والله ما في الجنة شيء أحسن منك وما في الجنة شيء أحب إلي منك" هذا قطعة من حديث الصور والذي تفرد به إسماعيل بن رافع وقد روى له الترمذي وابن ماجة وضعفه احمد ويحيى وجماعة وقال الدارقطني وغيره متروك الحديث وقال ابن عدي عامة أحاديثه فيها نظر وقال الترمذي ضعفه بعض أهل العلم وسمعت محمدا يعني البخاري يقول: هو ثقة مقارب الحديث. وقال لي شيخنا أبو الحجاج الحافظ: هذا الحديث مجموع من عدة أحاديث ساقه إسماعيل أو غيره هذه السياقة وشرحه الوليد بن مسلم في كتاب مفرد وما تضمنه معروف في الأحاديث والله أعلم وقال عبد الله بن وهب حدثنا عمرو أن دراجا حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم واثنتان وسبعون زوجة وينصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية وصنعاء" رواه الترمذي ولكن دراج أبو السمح بالطريق قال احمد أحاديث مناكير وقال النسائي منكر الحديث ضعيف وقال أيضا ليس بالقوة وساق له ابن عدي أحاديث وقال عامتها لا يتابع عليها وقال الدارقطني ضعيف وقال مرة متروك وأما يحيى بن معين فقد وثقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 وأخرج عنه أبو حاتم بن حبان في صحيحه وقال عثمان بن سعيد الدارمي عن علي بن مدني هو ثقة وقال ابن وهب اخبرني عمرو بن الحارث عن أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} قال: "ينظر إلى وجهه في خدها أصفى من المرآة وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب وأنه ليكون عليها سبعون ثوبا ينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك" وقال الفريابي: أنبأنا أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه عن خالد بن معدان عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من عبد يدخل الجنة إلا ويزوج اثنتين وسبعون زوجة اثنتان من الحور العين وسبعون من أهل ميراثه من أهل الدنيا ليس منهن امرأة إلا ولها قبل شهي وله ذكر لا ينثني" قلت: خالد هذا هو ابن يزيد بن عبد الرحمن الدمشقي وهاه ابن معين وقال احمد ليس بشيء وقال النسائي غير ثقة وقال الدارقطني ضعيف وذكر ابن عدي له هذا الحديث مما أنكره عليه وقال أبو نعيم حدثنا إبراهيم بن عبد الله حدثنا محمد بن حموية حدثنا احمد بن حفص حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان عن الحجاج عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للمؤمن في الجنة ثلاث وسبعون زوجة" قلنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو له قوة على ذلك قال: "إنه ليعطى قوة مائة رجل" قلت: احمد بن حفص هذا هو السعدي وله مناكير والحجاج هو ابن أرطاة وقال الطبراني حدثنا احمد بن علي الأبار حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع وأنبانا محمد بن احمد بن هشام بن حسان السنجري ببغداد حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبان قالا حدثنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل نصل إلى نسائنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 في الجنة فقال: "إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء" قال الطبراني لم يروه عن هشام إلا زائدة تفرد به الجعفي قال محمد بن عبد الواحد المقدسي ورجال هذا الحديث عندي على شرط الصحيح وقال أبو الشيخ حدثنا أبو يحيى بن مسلم الرازي حدثنا هناد بن السرى حدثنا أبو أسامة عن هشام بن حسان عن يزيد بن أبي الحواري وهو زيد العمى عن ابن عباس قال: قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفضي إلى نسائنا في الجنة كما نفضي إليهنّ في الدنيا قال: "والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليفضي في الغداة الواحدة إلى مائة عذراء" وزيد هذا قال فيه ابن معين صالح وقال مرة: لا شيء وقال مرة ضعيف يكتب حديثه وكذلك قال أبو حاتم وقال الدارقطني صالح وضعفه النسائي قال السعدي متماسك قلت: وحسبه رواية شعبة عنه فصل والأحاديث الصحيحة إنما فيها إن لكل منهم زوجتين وليس في الصحيح زيادة على ذلك فإن كانت هذه الأحاديث محفوظة فإما أن يراد بها ما لكل واحد من السراري زيادة على الزوجتين ويكونون في ذلك على حسب منازلهم في القلة والكثرة كالخدم والولدان وإما أن يراد أنه يعطي قوة من يجامع هذا العدد ويكون هذا هو المحفوظ فرواه بعض هؤلاء بالمعنى فقال له كذا وكذا زوجة وقد روى الترمذي في جامعه من حديث قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يطيق ذلك قال يعطى قوة مائة" هذا حديث صحيح فلعل من رواه يفضي إلى مائة عذراء رواه بالمعنى أو يكون تفاوتهم في عدد النساء بحسب تفاوتهم في الدرجات والله اعلم ولا ريب أن للمؤمن في الجنة أكثر من اثنتين لما في الصحيحين من حديث أبي عمران الجوني عن أبي بكر عن عبد الله بن قيس عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن للعبد المؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤ مجوفة طولها ستون ميلا للعبد المؤمن فيها أهلون فيطوف عليهم لا يرى بعضهم بعضا" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 الباب الرابع والخمسون: في ذكر المادة التي خلق منها الحور العين وما ذكر فيها من الآثار وذكر صفاتهم ومعرفتهن اليوم بأزواجهن فأما المادة التي خلق منها الحور العين فقد روى البيهقي من حديث الحارث بن خليفة حدثنا شعبة حدثنا إسماعيل بن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الحور العين خلقن من الزعفران" قال البيهقي وهذا منكر بهذا الإسناد لا يصح عن ابن علية قلت: ولكنه حديث فيه شعبة وقال الطبراني حدثنا احمد بن رشدين حدثنا عن ابن الحسن بن هارون الأنصاري حدثني الليث بن ابنة الليث عن أبي سليم قال حدثتني عائشة بنت يونس امرأة الليث بن أبي سليم عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الحور العين من الزعفران" قال الطبراني لا يروى إلا بهذا الإسناد تفرد به علي بن الحسن بن هارون قلت وقد رواه اسحق بن راهويه عن عائشة بنت يونس قالت سمعت زوجي ليث بن سليم يحدث عن مجاهد فذكره مرفوعا إليه وهو أشبه بالصواب ورواه عقبة بن مكرم عن عبد الله بن زياد عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قوله ولا يصح رفع الحديث وحسبه أن يصل إلى ابن عباس وقال أبو سلمى عن ابن عبد الرحمن إن لولي الله في الجنة عروسا لم يلدها ادم ولا حواء ولكن خلقت من زعفران وهذا مروي عن صاحبين وهما ابن عباس وانس وعن تابعيين وهما أبو سلمى ومجاهد وبكل حال فهي من المنشات في الجنة ليست مولودات بين الآباء والأمهات والله اعلم وقد رواه الطبراني من حديث عبد الله بن زخر عن علي بن زيد عن الهيثم عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الإسناد لا يحتج به ورواه أبو نعيم حدثنا علي بن محمد الطوسي حدثنا علي بن سعيد حدثنا محمد بن إسماعيل الحساني حدثنا منصور بن المهاجر حدثنا أبو منصور الأبار عن أنس يرفعه لو أن حوراء بصقت في سبعة أبحر لعذبت البحار من عذوبة فمها وخلق الحور العين من الزعفران وإذا كانت هذه الخلقة الآدمية التي هي من أحسن الصور وأجملها مادتها من تراب وجاءت الصور من أحسن الصور فما الظن بصورة مخلوقة من مادة الزعفران الذي هناك فالله المستعان وقد روى أبو نعيم من حديث عيسى بن يوسف بن الطباع حدثنا حلس بن محمد الكلابي حدثنا سفيان الثوري حدثنا مغيرة حدثنا إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يسطع نور في الجنة فرفعوا رؤوسهم فإذا هو من ثغر حوراء ضحكت في وجه زوجها" روى نعمة بن الوليد حدثنا مجبر بن سعيد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة قال: "إن من المزيد من تمر السحابة بأهل الجنة فتقول ماذا تريدون أن أمطركم فلا يتمنون شيئا إلا أمطروا" قال: يقول كثير: لئن أشهدني الله ذلك لأقولن أمطرينا جواري مزينات وقد روى في مادة خلقهن صفة أخرى قال ابن أبي الدنيا حدثنا خالد بن سعيد عن خداش حدثنا عبد الله بن وهب حدثنا سعيد بن أيوب عن عقيل بن خالد عن الزهري أن ابن عباس قال: إن في الجنة نهرا يقال له البيدخ عليه قباب من ياقوت تحته حور ناشئات يقول أهل الجنة انطلقوا بنا إلى البيدخ فيجيئون فيتصفحون تلك الحواري فإذا أعجب رجل منهم جارية مس معصمها فتتبعه وقال الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن الوليد بن عبدة قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل يا جبريل: "قف بي على الحور العين" فأوقفه عليهن فقال: "من أنتن" فقلنا: نحن حواري قوم كرام حلوا فلم يظعنوا شبوا فلم يهرموا ونقوا فلم يدرنوا" وقال ابن المبارك أنبأنا يحيى عن أيوب عن عبد الله بن زخر عن خالد بن عمران عن ابن عباس قال كنا جلوسا مع كعب يوما فقال: "لو أن يدا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 الحور دليت من السماء لأضاءت لنا الأرض كما تضيء الشمس لأهل الدنيا" ثم قال: إنما قلت: يدها فكيف بالوجه وبياضه وحسنه وجماله. وفي مسند الإمام احمد من حديث كثير بن مرة عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين لا تؤذيه قاتلك الله فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا" وفيه مراسيل عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الحور العين لأكثر عددا منكن يدعون لأزواجهن يقلن اللهم اعنه على دينك واقبل بقلبه على طاعتك وبلغه بعزتك يا ارحم الراحمين) ذكره ابن أبي الدنيا عن حديث أسامة بن زيد عن عطاء عنه وذكر الأوزاعي عن حسان بن عطية عن ابن مسعود قال: "إن في الجنة حوراء يقال لها اللعبة كل حور الجنان يعجبن بها يضربن بأيديهن على كتفها ويقلن طوبى لك يا لعبة لو يعلم الطالبون لك لجدوا بين عينيها مكتوب من كان يبتغي أن يكون له مثلي فليعمل برضاء ربي" وقال عطاء السلمي لمالك بن دينار يا أبا يحيى شوقنا قال عطاء: إن في الجنة حوراء يتباهى أهل الجنة بحسنها لولا أن الله تعالى كتب لها على أهل الجنة أن لا يموتوا لماتوا من حسنها فلم يزل عطاء كمدا من قول مالك" وقال احمد بن أبي الحواري حدثني جعفر بن محمد قال لقي حكيم حكيما فقال: أتشتاق إلى الحور العين؟ فقال: لا فقال: فاشتق إليهن فإن نور وجههن من نور الله عز وجل فغشي عليه فحمل إلى منزله نعوده شهرا. وقال ربيعة بن كلثوم: نظر إلينا الحسن ونحن حوله شباب فقال: يا معشر الشباب أما تشتاقون إلى الحور العين وقال لي ابن أبي الحوارى حدثني الحضرمي قال: نمت أنا وأبو حمزة على سطح فجعلت انظر إليه يتقلب على فرشه إلى الصباح فقلت يا أبا حمزة ما رقدت الليلة فقال: إني لما اضطجعت تمثلت لي حوراء حتى كأني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 أحسست بجلدها وقد مس جلدي فحدثت به أبا سليمان فقال: هذا رجل كان مشتاقا وقال ابن أبي الحوارى سمعت أبا سليمان يقول: ينشأ خلق الحور العين إنشاء فإذا تكامل خلقهن ضرب عليهن الملائكة الخيام وذكر ابن أبي الدنيا عن صالح المري عن زيد الرقاشي قال: بلغني أن نورا سطع في الجنة موضع من الجنة إلا دخل من ذلك النور فيه فقيل ما هذا قال حوراء ضحكت في وجه زوجها قال صالح: فشهق رجل من ناحية المجلس فلم يزل يشهق حتى مات. وقال ابن أبي الدنيا حدثنا بشر بن الوليد حدثنا سعيد بن رزبي عن عبد الملك الجوني عن سعيد بن جبير قال سمعت ابن عباس يقول: "لو أن حوراء أخرجت كفها بين السماء والأرض لافتتن الخلائق بحسنها ولو أخرجت نصيفها لكانت الشمس عند حسنها مثل الفتيله في الشمس لا ضوء لها ولو أخرجت وجهها لأضاء حسنها ما بين السماء والأرض" وقال ابن أبي الدنيا حدثني الحسين ابن يحيى وكثير العنبري وحدثنا خزيمة أبو محمد عن سفيان الثوري قال: "سطع نور في الجنة لم يبق موضع من الجنة إلا دخل فيه من ذلك النور فنظروا فوجدوا ذلك من حوراء ضحكت في وجه زوجها" ورواه الخطيب في تاريخه من حديث عبد الله بن محمد الكرخي قال حدثني عيسى بن يوسف الطباع حدثني حلس بن محمد عن سفيان الثوري عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سطع نور في الجنة فرفعوا أبصارهم فإذا هو ثغر حوراء ضحكت في وجه زوجها". وقال الأوزاعي: عن يحيى بن أبي كثير: إذا سبحت المرأة من الحور العين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 لم يبق شجرة في الجنة إلا وردت وقال ابن المبارك حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أن الحور العين يتلقين أزواجهن عند أبواب الجنة فيقلن طال ما انتظرناكم فنحن الراضيات فلا نسخط والمقيمات فلا نظعن والخالدات فلا نموت بأحسن أصوات سمعت وتقول أنت حبي وأنا حبك ليس دونك تقصير ولا وراءك معدل" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 الباب الخامس والخمسون: في ذكر نكاح أهل الجنة ووطئهم والتذاذهم بذلك أكمل لذة ونزاهة ذلك عن المذي والمني والضعف وأنه لا يوجب غسلا ... الباب الخامس الخمسون: في ذكر نكاح أهل الجنة ووطئهم والتذاذهم بذلك أكمل لذة ونزاهة ذلك عن المذي والمني والضعف وأنه لا يوجب غسلا قد تقدم حديث أبي هريرة قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنفضي إلى نسائنا في الجنة فقال: "إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء" وأن إسناده صحيح وتقدم حديث أبي موسى المتفق عليه صحته "إن للمؤمن في الجنة خيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا له فيها أهلون يطوف عليهم" وحديث أنس "يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من النساء" وصححه الترمذي وروى الطبراني وعبد الله بن احمد وغيرهما من حديث لقيط بن عامر أنه قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يطلع من الجنة قال: "على أنهار من عسل مصفى وأنهار من كأس ما بها صداع ولا ندامة وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وماء غير آسن وفاكهة لعمر إلهك مما تعلمون وخير من مثله وأزواج مطهرة قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لنا فيها أزواج مصلحات قال الصالحات للصالحين تلذذوا بهن لذاتكم في الدنيا وتلذذكم غير أن لا توالد" وقال ابن وهب اخبرني عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي حجيرة عن أبي هريرة عن رسول الله أنه قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنطأ في الجنة؟ قال: "نعم والذي نفسي بيده دحما دحما فإذا قام عنها رجعت مطهرة بكرا" وقال الطبراني حدثنا إبراهيم بن جابر الفقيه حدثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي الواسطي حدثنا يعلى بن عبد الرحمن الواسطي حدثنا شريك عن عاصم الأحول عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أهل الجنة اذا جامعوا نساءهم عدن أبكارا قال الطبراني لم يروه عن عاصم إلا شريك تفرد به عن يعلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 قال الطبراني وحدثنا عبدان بن احمد حدثنا محمد بن عبد الرحيم البرقي حدثنا عمرو بن أبي سلمة حدثنا صدقة عن هاشم بن زيد عن سليم بن أبي يحيى أنه سمع أبا أمامة يحدث أنه سمع رسول الله وسئل هل يتناكح أهل الجنة قال بذكر لا يمل وشهوة لا تنقطع دحما دحما قال الطبراني وحدثنا احمد بن يحيى الحلواني حدثنا سويد بن سعيد حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه عن خالد بن معدان عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أيجامع أهل الجنة قال: "دحا دحا ولكن لا مني ولا منية" وهاشم وخالد وأن تكلم فيهما فليس الاعتماد عليهما وقوله: لا منى ولا منية أي لا إنزال ولا موت وقال أبو نعيم حدثنا أبو على محمد بن احمد حدثنا بشر بن موسى حدثنا أبو عبد الرحمن المقريء حدثنا عبد الحمن بن زياد حدثنا عمارة بن راشد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله أنه سئل هل يمس أهل الجنة أزواجهم قال: "نعم والذي بعثني بالحق بذكر لا يمل وفرج لا يحفى وشهوة لا تنقطع" وقال الحسن بن سفيان في مسنده حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن زيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: سئل رسول الله هل ينكح أهل الجنة قال: "أي والذي بعثني بالحق دحما دحما وأشار بيده ولكن لا مني ولا منية" وقال سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن عمرو عن عكرمة في قوله تعالى: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} قال: في إفتضاض الأبكار وقال عبد الله بن احمد: حدثنا أبو الربيع الزهراني ومحمد بن حميد قالا: حدثنا يعقوب ابن عبد الله حدثنا حفص بن حميد عن بشر بن عطية عن شفيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود في قوله: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} قال شغلهم إفتضاض العذاري وقال الحاكم أنبانا الأصم أنبانا العباس بن الوليد أخبرني شعيب عن الأوزاعي في قوله تعالى: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} قال شغلهم إفتضاض الأبكار قال مقاتل شغلوا بإفتضاض العذارى عن أهل النار فلا يذكرونهم ولا يهتمون لهم وقال أبو الأحوص شغلوا بإفتضاض الأبكار عن السرر في الحجال وقال سليمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 التيمي عن أبي مجلز قلت لابن عباس عن قول الله تعالى: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} ما شغلهم قال: إفتضاض الأبكار وقال ابن أبي الدنيا حدثنا فضيل بن عبد الواحد حدثنا يزيد بن زريع عن سليمان التيمي عن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس في شغل فاكهون قال في إفتضاض العذارى حدثنا إسحاق ابن إبراهيم حدثنا يحيى بن يمان عن أشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير أن شهوته لتجري في جسده سبعين عاما يجد اللذة ولا يلحقهم بذلك جنابة فيحتاجون إلى التطهير ولا ضعف ولا انحلال قوة بل وطئهم وطء التذاذ ونعيم لا افة فيه بوجه من الوجوه" وأكمل الناس فيه أصونهم لنفسه في هذه الدار عن الحرام فكما أن من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة ومن لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ومن أكل في صحاف الذهب والفضة في الدنيا لم ياكل فيها في الآخرة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة". فمن استوفى طيباته ولذاته وأذهبها في هذه الدار حرمها هناك كما نعى سبحانه وتعالى على من أذهب طيباته في الدنيا واستمتع بها ولهذا كان الصحابة ومن تبعهم يخافون من ذلك اشد الخوف وذكر الإمام احمد عن جابر بن عبد الله أنه رآه عمر ومعه لحم قد اشتراه لأهله بدرهم فقال: "ما هذا" قال: لحم اشتريته لأهلي بدرهم فقال أو كلما اشتهى أحدكم شيئا اشتراه أما سمعت الله تعالى يقول: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} وقال الإمام احمد حدثنا عفان حدثنا جرير بن حازم قال حدثنا الحسن قال قدم وفد أهل البصرة مع أبي موسى على عمر فكنا ندخل عليه كل يوم وله خبز ثلاثة وربما وافقناها مأدومة بالسمن وربما وافقناها مأدومة بالسمن وربما وافقناها مأدومة بالزيت وربما وافقناها مأدومة باللبن وربما وافقناها القلائد اليابسة قد دقت ثم أغلى بها وربما وافقناها اللحم العريض وهو قليل فقال: ذات يوم أني والله قد أرى تقذيركم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 وكراهيتكم لطعامي اني والله لو شئت لكنت من أطيبكم طعاما وأرقكم عيشا ولكني سمعت رسول الله يقول عير قوما بأمر فعلوه فقال: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} فمن ترك اللذة المحرمة لله استوفاها يوم القيامة أكمل ما تكون ومن استوفاها هنا حرمها هناك أو نقص كمالها فلا يجعل الله لذة من اوضع في معاصيه ومحارمه كلذة من ترك شهوته لله أبدا والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 الباب السادس والخمسون: في ذكر اختلاف الناس هل في الجنة حمل وولادة أم لا ؟ قال الترمذي في جامعه حدثنا بندار حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن عامر الأحول عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة كما يشتهي" قال هذا حديث حسن غريب وقد اختلف أهل العلم في هذا فقال بعضهم في الجنة جماع ولا يكون ولد هكذا روى عن طاووس ومجاهد وإبراهيم النخعي وقال محمد -يعني البخاري- قال اسحاق بن إبراهيم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة كان في ساعة كما يشتهي ولكن لا يشتهي قال محمد وقد روى عن أبي ذر بن العقيلي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة لا يكون لهم فيها ولد" وأبو الصديق الناجي اسمه بكر بن عمرو ويقال بكر بن قيس انتهى كلام الترمذي قلت: إسناد حديث أبي سعيد على شرط الصحيح فرجاله محتج بهم فيه ولكنه غريب جدا وتأويل إسحاق فيه نظر فإنه قال: إذا اشتهى المؤمن الولد وإذا للمتحقق الوقوع ولو أريد ما ذكره من المعنى لقال: لو اشتهى المؤمن الولد لكان حمله في ساعة فإن ما لا يكون أحق بأداة لو كما أن المتحقق الوقوع أحق بأداة إذا وقد قال أبو نعيم حدثنا عبدان بن احمد حدثنا أحمد بن إسحاق حدثنا أبو احمد الزبيري حدثنا سفيان الثوري عن إبان عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيولد لأهل الجنة فإن الولد من تمام السرور فقال: "نعم والذي نفسي بيده وما هو الا كقدر ما يتمنى أحدكم فيكون حمله ورضاعه وشبابه" حدثنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن احمد الرازي بمكة حدثنا عبد الرحمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 بن محمد بن ادريس حدثنا سليمان بن داود القزاز حدثنا يحيى بن حفص الأسدي قال سمعت أبا عمرو بن العلاء يحدث عن جعفر بن ثور العبدي عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن الرجل من أهل الجنة ليولد له كما يشتهي فيكون حمله وفصاله وشبابه في ساعة واحدة" وحديث معاذ بن هشام قال فيه بندار عامر الأحول وقال عمرو بن علي عاصم الأحول وقال الحاكم أنبأنا الأصم حدثنا محمد بن عيسى حدثنا سلام بن سليمان حدثنا سلام الطويل عن زيد العمى عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه يرفعه: "أن الرجل من أهل الجنة ليشتهي الولد في الجنة فيكون حمله وفصاله وشبابه في ساعة واحدة" قال البيهقي وهذا إسناد ضعيف بمرة وأما حديث أبي رزين الذي أشار إليه البخاري فهو حديثه الطويل ونحن نسوقه بطوله نجمل به كتابنا فعليه من الجلالة والمهابة ونور النبوة ما ينادى على صحته. قال عبد الله ابن الإمام احمد في مسند أبيه: كتب إلى إبراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة عن مصعب بن زبير الزبيري كتبت إليك بهذا الحديث وقد عرضته وسمعته على ما كتبت به إليك فحدث به عني حدثنا عبد الرحمن بن المغيرة الخزامي حدثني عبد الرحمن بن عابس المسمعي الأنصاري من بني عمرو بن عوف عن دلهم بن الأسود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي عن أبيه عن عمه لقيط بن عامر قال دلهم وحدثنيه أبو الأسود عن عاصم بن لقيط أن لقيطا خرج وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه صاحب له يقال له نهيك ابن عاصم بن مالك بن المنتفق قال لقيط: فخرجت أنا وصاحبي حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من صلاة الغداة فقام في الناس خطيبا فقال: "ألا أيها الناس إني قد خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام ألا لأسمعنكم ألا فهل من امرئ بعثه قومه فقالوا له: اعلم لنا ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا ثم لعله أن يلهيه حديث نفسه أو حديث صاحبه أو يلهيه الضلال إلا أني مسئول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 ألا هل بلغت ألا اسمعوا تعيشوا ألا اجلسوا ألا اجلسوا قال: فجلس الناس وقمت أنا وصاحبي حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عندك من علم الغيب فضحك لعمر الله وهز رأسه وعلم أني ابتغي سقطه فقال: "ضن ربك بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله وأشار بيده" قلت: وما هي قال: "علم المنية قد علم متى منية أحدكم ولا تعلمونه وعلم ما في غد ما أنت طاعم غدا ولا تعلمونه وعلم يوم الغيث يوم يشرف عليكم أذلين مشفقين فيظل يضحك قد علم أن غيركم إلى القريب قال لقيط: قلت: لن نعدم من رب يضحك خيرا وعلم يوم الساعة" قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: علمنا مما تعلم الناس وما تعلم فإنا من قبيل لا يصدقون تصديقنا أحد من مذحج التي تربوا علينا وخثعم التي توالينا وعشيرتنا التي نحن منها قال: "تلبثون ما لبثتم ثم يتوفى نبيكم ثم تلبثون ما لبثتم ثم تبعث الصائحة لعمر إلهك لا تدع على ظهرها شيئا إلا مات والملائكة الذين مع ربك عز وجل فأصبح ربك يطوف في الأرضيين وخلت عليه البلاد فأرسل ربك السماء تهضب من عند العرش فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن ميت إلا شقت القبر عنه حتى يخلقه من عند رأسه فيستوي جالسا فيقول ربك مهيم لما كان فيه يقول يا رب امتني اليوم ولعهده بالحياة عشية تحسبه حديثنا بأهله فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يجمعنا بعدما تمزقنا الرياح والبلى والسباع فقال: "أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله الأرض أشرفت عليها وهي مدرة بالية" فقلت: لا تحيا أبدا ثم أرسل ربك عليها السماء فلم تبلث عليك إلا أياما حتى أشرفت عليها وهي شربة واحدة ولعمر إلهك لهو اقدر على أن يجمعهم من الماء على أن يجمع نبات الأرض فيخرجون من الأضواء ومن مصارعهم فتنظرون إليه وينظر إليكم قال قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف ونحن ملء الأرض وهو شخص واحد ينظر إلينا وننظر إليه قال: "أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله الشمس والقمر آية منه صغيرة ترونها ويريانكم ساعة واحدة لا تضارون في رؤيتهما ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم وترونه منها" قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما يفعل بنا ربنا إذا لقيناه قال تعرضون عليه بادية له صفحاتكم لا تخفى عليه منكم خافية فيأخذ ربك عز وجل بيده غرفة من ماء فينضح قبلكم بها فلعمر إلهك ما يخطئ وجه احد منكم منها قطرة فأما المسلم فتدع وجهه مثل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 الريطة البيضاء وأما الكافر فتخطم وجهه بمثل الحمم الأسود إلا ثم ينصرف نبيكم رسول الله وينصرف على أثره الصالحون فيسلكون جسرا من النار فيطأ أحدكم الجمرة فيقول حس فيقول: ربك أو أنه فيطلعون على حوض الرسول صلى الله عليه وسلم على أظماء والله ناهله قط رأيتها فلعمر ربك ما يبسط واحد منكم يده إلا وقعه عليها قدح مطهرة من الطوف والبول والأذى وتحبس الشمس والقمر فلا ترون منهما واحدا قال قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبم نبصر قال: "بمثل بصرك ساعتك هذه وذلك من طلوع الشمس في يوم إشرقته الأرض ثم واجهته الجبال قال قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبم نجزى من حسناتنا وسيئاتنا قال: "الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها إلا أن يعفو قال قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الجنة ما النار قال: "لعمر إلهك إن للنار سبعة أبواب ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما وان للجنة ثمانية أبواب ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما قال قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فعلا ما نطلع من الجنة قال على أنهار من عسل مصفى وأنهار من كاس ما بها من صداع ولا ندامة وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وماء غير آسن وبفاكهة لعمر إلهك مما تعدون وخير من مثله معه وأزواج مطهرة قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنا فيها أزواج أو منهن صالحات قال الصالحات للصالحين تلذون بهن مثل لذاتكم في الدنيا ويلذذن بكم غير أن لا توالد قال لقيط فقلت أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه فلم يجبه النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم علاما أبايعك فبسط النبي صلى الله عليه وسلم يده وقال: "على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن لا تشرك بالله إلها غيره" قال قلت: وان لنا ما بين المشرق والمغرب فقبض النبي صلى الله عليه وسلم يده وبسط أصابعه وظن إني مشترط شيئا لا يعطينه قال: "قلت نحن منهما حيث شئنا ولا يجبني على امرئ إلا نفسه فبسط يده وقال ذلك لك تحل حيث شئت ولا يجني عليك إلا نفسك قال فانصرفنا وقال هذان ذين ها إن ذين لعمر إلهك إن حدثت إلا أنهما من اتقى الناس في الأولى والآخرة فقال له كعب بن الجدارية اخو بني بكر بن كلاب من هم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بنو المنتفق أهل ذلك قال فانصرفنا وأقبلت عليه فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 لأحد مما مضى من خبر في جاهليتهم قال قال: "رجل من عرض قريش والله إن أباك المنتفق لفي النار قال فلكأنه قد وقع جزء من جلدي ووجهي ولحمي مما قال لأبي على رؤوس الناس فهممت أن أقول وأبوك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إذا الأخرى أجمل فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهلك قال وأهلي لعمر الله ما أتيت عليه من قبر عامري أو قرشي من مشرك فقل أرسلني إليك محمد فأبشرك بما يسوءك تجر على وجهكم وبطنك في النار" قال قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعل الله بهم ذلك وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه وكانوا يحسبونهم مصلحين قال ذلك بإن الله عز وجل بعث في آخر كل سمع أمم نبيا فمن عصى نبيه كان من الضالين ومن أطاع نبيه كان من المهتدين هذا حديث كبير مشهور ولا يعرف إلا من حديث أبي القاسم عن عبد الرحمن بن المغيره بن عبد الرحمن المدني ثم من رواية إبراهيم بن حمزة الزبيري المدني عنه وهما من كبار علماء المدينة ثقتان يحتج بهما في الحديث احتج بهما الإمام محمد بن إسماعيل البخاري وروى عنهما في مواضع من كتابه رواه أئمة الحديث في كتبهم منهم أبو عبد الرحمن بن عبد الله بن الإمام احمد وأبو بكر احمد بن عمرو بن أبي العاصم وأبو القاسم الطبراني وأبو الشيخ الحافظ وأبو عبد الله بن منده والحافظ وأبو بكر احمد بن موسى بن مردويه والحافظ أبو نعيم الأصفهاني وغيرهم على سبيل القبول والتسليم قال الحافظ أبو عبد الله بن منده روى هذا الحديث محمد بن إسحاق الصنعاني وعبد الله بن احمد بن حنبل وغيرهما وقراؤه بالعراق بمجمع العلماء وأهل الدين فلم ينكره أحد منهم ولم يتكلم في إسناده وكذلك أبو زرعة وأبو حاتم على سبيل القبول وقال أبو الخير بن حمدان هذا حديث كبير ثابت مشهور وسألت شيخنا أبا الحجاج المري عنه فقال عليه جلالة النبوة وقال نفاة الإيلاذ فهذا حديث صريح في انتفاء الولادة وقوله إذا اشتهى معلق بالشرط ولا يلزم من التعليق وقوع المعلق ولا المعلق به وإذا وان كانت ظاهرة في المحقق فقد تستعمل لمجرد التعليق الأعم من المحقق وغيره قالوا وفي هذا الموضع يتعين ذلك لوجوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 أحده ا: حديث ابن رزين الثاني قوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} وهن اللاتي طهرن من الحيض والنفاس والأذى قال سفيان أنبأنا ابن أبي نجيح عن مجاهد مطهرة من الحيض والغائط والبول والنخام والبصاق والمني والولد وقال أبو معاوية حدثنا ابن جريج عن عطاء أزواج مطهرة قال من الولد والحيض والغائط والبول الثالث: قوله غير أنه لا مني ولا منية وقد تقدم والولد إنما يخلق من ماء الرجل فإذا لم يكن هناك مني ولا مذي ولا نفخ في الفرج لم يكن هناك إيلاد الرابع: أنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يبقى في الجنة فضل فينشئ الله لها خلقا يسكنهم إياها ولو كان في جنة إيلاد لكان الفضل لأولادهم وكانوا أحق بهم من غيرهم" الخامس: إن الله سبحانه جعل الحمل والولادة مع الحيض والمنى فلو كانت النساء يحبلن في الجنة لم ينقطع عنهن الحيض والإنزال السادس: أن الله سبحانه وتعالى قدر التناسل في الدنيا لأنه قدر الموت وأخرجهم إلى هذه الدار قرنا بعد قرن وجعل لهم أمدا ينتهون إليه فلولا التناسل لبطل النوع الإنساني ولهذا الملائكة لا تتناسل فإنهم لا يموتون كما تموت الإنس والجن فإذا كان يوم القيامة اخرج الله سبحانه وتعالى الناس كلهم من الأرض وأنشأهم للبقاء لا للموت فلا يحتاجون إلى تناسل يحفظ النوع الإنساني إذ هو منشأ للبقاء والدوام فلا أهل الجنة يتناسلون ولا أهل النار السابع: أنه سبحانه وتعالى قال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} فاخبر سبحانه أنه يكرمهم بإلحاق ذرياتهم الذين كانوا لهم بهم في الدنيا ولو كان ينشأ لهم في الجنة ذرية أخرى لذكرهم كما ذكر ذرياتهم الذين كانوا في الدنيا لان قرة أعينهم كانت تكون بهم كما هي بذرياتهم من أهل الدنيا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 الثامن أنه أما أن يقال باستمرار التناسل فيها لا إلى غاية أو إلى غاية ثم تنقطع وكلاهما مما لا سبيل إلى القول به لاستلزام الأول اجتماع أشخاص لا تتناهى واستلزام الثاني انقطاع نوع من لذة أهل الجنة وسرورهم وهو محال ولا يمكن أن يقال بتناسل بموت معه نسل ويخلفه نسل إذ لا موت هناك التاسع: أن الجنة لا ينموا فيها الإنسان كما ينموا في الدنيا فلا ولدان أهلها ينمون ويكبرون ولا الرجال ينمون كما تقدم بل هؤلاء ولدان صغار لا يتغيرون وهؤلاء أبناء ثلاث وثلاثين لا يتغيرون فلو كان في الجنة ولادة لكان المولود ينموا ضرورة حتى يصير رجلا ومعلوم إن من مات من الأطفال يردون أبناء ثلاث وثلاثين من غير نمو يوضحه. الوجه العاشر: إن الله سبحانه وتعالى ينشئ أهل الجنة نشأة الملائكة أو أكمل من نشأتهم بحيث لا يبولون ولا يتغوطون ولا ينامون ويلهمون التسبيح ولا يهرمون على تطاول الأحقاب ولا تنموا أبدانهم بل القدر الذي جعلوا عليه لازم لهم أبدا والله اعلم فهذا ما في المسالة فأما قول بعضهم إن القدرة صالحة والكل ممكن وقول آخرين إن الجنة دار المكلفين التي يستحقونها بالعمل وأمثال هذه المباحث فرخيصة وهي في كتب الناس وبالله التوفيق. قال الحاكم قال الأستاذ أبو سهل أهل الزيغ ينكرون هذا الحديث يعني حديث الولادة في الجنة وقد روى فيه غير إسناد وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال يكون ذلك على نحو مما روينا والله سبحانه وتعالى يقول: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ} وليس بالمستحيل أن يشتهي المؤمن الممكن من شهواته المصفى المقرب المسلط على لذاته قرة عين وثمرة فؤاد من الذين انعم الله عليهم بأزواج مطهرة فإن قيل ففي الحديث أنهن لا يحضن ولا ينفسن فأين يكون الولد؟ قلت الحيض سبب الولادة الممتد مدة بالحمل على الكثرة والوضع عليه كما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 إن جميع بلاد الدنيا من المشارب والمطاعم والملابس على ما عرف من التعب والنصب وما يعقبه كل منهما مما يحذر منه ويخاف من عواقبه وهذه خمرة الدنيا المحرمة المستولية على كل بلية قد أعدها الله تعالى لأهل الجنة منزوعة البلية موفرة اللذة فلم لا يجوز أن يكون على مثله الولد انتهى كلامه قلت النافون للولادة في الجنة لم ينفوها لزيغ قلوبهم ولكن لحديث أبي رزين غير أن لا توالد وقد حكينا من قول عطاء وغيره أنهن مطهارات من الحيض والولد وقد حكى الترمذي عن أهل العلم من السلف والخلف في ذلك قولين وقد حكى الترمذي عن أهل العلم من السلف والخلف في ذلك قولين وحكى قول أبي اسحق بإنكاره وقال أبو أمامة في حديثه غير أن لا مني ولا منية والجنة ليست دار تناسل بل دار بقاء وخلد لا يموت من فيها فيقوم نسله مقامه وحديث أبي سعيد الخدري هذا أجود أسانيده إسناد الترمذي وقد حكم بغرابته وانه لا يعرف إلا من حديث أبي الصديق الناجي وقد اضطرب لفظه فتارة يروى عنه إذا اشتهى الولد وتارة أنه ليشتهي الولد وتارة أن الرجل من أهل الجنة ليولد له فالله اعلم فان كان رسول الله قد قاله فهو الحق الذي لا شك فيه وهذه الألفاظ لا تنافي بينها ولا تناقض وحديث أبي رزين غير أن لا توالد إذ ذاك نفى للتوالد المعهود في الدنيا ولا ينفي ولادة حمل الولد فيها ووضعه وسنه وشبابه في ساعة واحدة فهذا ما انتهى إليه علمنا القاصر في هذه المسالة وقد أتينا فيها بما لعلك لا تجده في غير هذا الكتاب والله اعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 الباب السابع الخمسون: في ذكر سماع الجنة وغناء الحور العين وما فيه من الطرب واللذة ... الباب السابع والخمسون: في ذكر سماع الجنة وغناء الحور العين وما فيه من الطرب واللذة قال تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُون} قال محمد بن جرير: حدثني محمد بن موسى الحرشي قال حدثنا عامر بن نساف قال سألت يحيى بن أبي كثير عن قوله عز وجل فهم في روضة يحبرون قال الحبرة اللذة والسماع حدثنا عبد الله بن محمد الفريابي حدثنا ضمرة بن ربيعة عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير في قوله يحبرون قال السماع في الجنة ولا يخالف هذا قول ابن عباس يكرمون وقال مجاهد وقتادة ينعمون فلذة الأذن بالسماع من الحبرة والنعيم وقال الترمذي حدثنا هناد واحمد بن منيع قالا حدثنا عبد الرحمن بن اسحق عن النعمان بن سعد عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة لمجتمعا للحور العين يرفعن بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها يقلن نحن الخالدات فلا نبيد ونحن الناعمات فلا نبأس ونحن الراضيات فلا نسخط طوبى لمن كان لنا وكنا له" وفي الباب عن أبي هريرة وأبي سعيد وانس وحديث على حديث غريب قلت وفي الباب عن ابن أبي أوفى وأبي أمامة وعبد الله بن عمر أيضا فأما حديث أبي هريرة فقال جعفر الفريابي حدثنا سعد بن حفص حدثنا محمد بن مسلمة عن أبي عبد الرحمن عن زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: "إن في الجنة نهرا طول الجنة حافتاه العذارى قيام متقابلات يغنين بأصوات حتى يسمعها الخلائق ما يرون في الجنة لذة مثلها فقلنا يا أبا هريرة وما ذاك الغناء قال إن شاء الله التسبيح والتحميد والتقديس وثناء على الرب عز وجل" هكذا رواه موقوفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 وروى أبو نعيم في صفة الجنة من حديث مسلمة ابن علي عن زيد بن واقد عن رجل عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة شجرة جذوعها من ذهب وفروعها من زبرجد ولؤلؤ فتهب لها ريح فيصطفقن فما سمع السامعون بصوت شيء قط ألذ منه". وأما حديث أنس فقال أبو نعيم أنبأنا عبد الله بن جعفر حدثنا إسماعيل بن عبد الله حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن عون بن الحطاب عن عبد الله بن رافع عن أبي الأسن عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الحور العين يغنين في الجنة يقلن نحن الحور الحسان خلقن لأزواج كرام " ورواه ابن أبي الدنيا حدثنا أبو خيثمة حدثنا إسماعيل بن عمر حدثنا ابن أبي ذئب عن أبي عبد الله بن رافع عن بعض ولد أنس فذكره وأما حديث ابن أبي أوفى فقال أبو نعيم حدثنا محمد بن جعفر من أصله حدثنا موسى بن هارون حدثنا حامد بن يحيى البلخي حدثنا يونس بن محمد المؤدب حدثنا الوليد بن أبي ثور وحدثني سعد الطائي عن عبد الرحمن بن سابط عن ابن أبي أوفى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يزوج كل واحد من أهل الجنة أربعة آلاف بكر وثمانية آلاف أيم ومائة حوراء فيجتمعن في كل سبعة أيام فيقلن بأصوات حسان لم تسمع الخلائق بمثلهن نحن الخالدات فلا نبيد ونحن الناعمات فلا نبأس ونحن الراضيات فلا نسخط ونحن المقيمات فلا نظعن طوبى لمن كان لنا وكنا له ". وأما حديث أبي أمامة فقال: جعفر الفريابي حدثنا سليمان بن عبد الرحمن حدثنا خالد بن يزيد عن أبي مالك عن أبيه عن خالد بن معدان عن أبي أمامة عن رسول الله قال ما من عبد يدخل الجنة إلا ويجلس عند رأسه وعند رجليه اثنتان من الحور العين يغنيانه بأحسن صوت سمعه الإنس والجن وليس بمزامير الشيطان". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 وأما حديث ابن عمر فقال الطبراني حدثنا أبو رفاعة عمارة بن وثيمة بن موسى بن الفرات المصري حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير عن زيد ابن اسلم عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أزواج أهل الجنة ليغنين لأزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها احد قط إن مما يغنين به نحن الخيرات الحسان أزواج قوم كرام ينظرون بقرة أعين وإن مما يغنين به نحن الخالدات فلا نمتنه نحن الآمنات فلا نخفنه نحن المقيمات فلا نظعنه" قال الطبراني لم يروه عن زيد بن أسلم إلا محمد تفرد به بن أبي مريم وقال ابن وهب حدثني سعيد ابن أبي أيوب قال وقال رجل من قريش لابن شهاب: هل في الجنة سماع فإنه حبب إلي السماع فقال: إي والذي نفس ابن شهاب بيده إن في الجنة لشجرا حمله اللؤلؤ والزبرجد تحته جوار ناهدات يتغنين بألوان يقلن نحن الناعمات فلا نبأس ونحن الخالدات فلا نموت يتغنين بألوان فإذا سمع ذلك الشجر صفق بعضه بعضا فأجبن الحواري فلا ندري أصوات الحواري أحسن أم أصوات الشجر" قال ابن وهب: وحدثنا الليث بن سعد عن خالد بن يزيد: "أن الحور العين يغنين أزواجهن فيقلن نحن الخيرات الحسان أزواج شباب كرام ونحن الخالدات فلا نموت ونحن الناعمات فلا نبأس ونحن الراضيات فلا نسخط ونحن المقيمات فلا نطعن في صدر إحداهن مكتوب أنت حبي وأنا حبك انتهت نفسي عندك لم تر عيناني مثلك" وقال ابن المبارك حدثنا الأوزاعي حدثنا يحيى بن أبي كثير: "أن الحور العين يتلقين أزواجهن عند أبواب الجنة فيقلن طالما انتظرناكم فنحن الراضيات فلا نسخط والمقيمات فلا نظعن والخالدات فلا نموت بأحسن أصوات وتقول أنت حبي وأنا حبك ليس دونك مقصر ولا وراءك معدل" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 فصل ولهم سماع أعلى من هذا قال ابن أبي الدنيا حدثني دهثم بن الفضل القرشي حدثنا الأوزاعي قال: بلغني أنه ليس من خلق الله أحسن صوتا من إسرافيل فيأمره الله تبارك وتعالى فيأخذ في السماع فما يبقى ملك في السماوات إلا قطع عليه صلاته فيمكث بذلك ما شاء الله أن يمكث فيقول الله عز وجل: "وعزتي وجلالي لو يعلم العباد قدر عظمتي ما عبدوا غيري وحدثني داود بن عمر الضيبي حدثنا عبد الله ابن المبارك عن مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الذين كانوا ينزهون أسماعهم وأنفسهم عن مجالس الله ومزامير الشيطان اسكنوهم رياض المسك ثم يقول للملائكة اسمعوهم تمجيدي وتحميدي" وقال ابن أبي الدنيا حدثني محمد بن الحسن حدثني عبد الله بن أبي بكر حدثنا جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار في قوله عز وجل وان له عندنا لزلفى وحسن مآب قال اذا كان يوم القيامة أمر بمنبر رفيع فوضع في الجنة ثم نودي يا داود مجدني بذلك الصوت الحسن الرخيم الذي كنت تمجدني به في دار الدنيا قال فيستفرغ صوت داود نعيم أهل الجنان فذلك قوله تعالى: {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} وذكر حماد بن سلمة عن ثابت البناني وحجاج الأسود عن شهر بن حوشب قال إن الله جل ثناؤه يقول للملائكة: "إن عبادي كانوا يحبون الصوت الحسن في الدنيا فيدعونه من اجلي فاسمعوا عبادي فيأخذوا بأصوات من تهليل وتسبيح وتكبير لم يسمعوا بمثله قط" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 وقال عبد الله بن الإمام احمد في كتاب الزهد لأبيه حدثني علي بن مسلم الطوسي حدثني سيار حدثنا جعفر حدثنا مالك بن دينار: في قوله عز وجل: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} قال يقيم الله سبحانه داود عند ساق العرش فيقول: "يا داود مجدني اليوم بذلك الصوت الحسن الرخيم فيقول الهي كيف أمجدك وقد سلبتنيه في دار الدنيا قال فيقول الله عز وجل فاني أرده عليك قال فيرده عليه فيزداد صوته قال فيستفرغ صوت داود نعيم أهل الجنة" وقال ابن أبي الدنيا حدثنا مسلم بن إبراهيم الحراني حدثنا مسكين بن بكير عن الأوزاعي عن عبيدة بن أبي لبابة قال: "إن في الجنة شجرة ثمرها زبرجد وياقوت ولؤلؤ فيبعث الله ريحا فتصفق فتسمع لها أصوات لم يسمع ألذ منها" حدثنا أبو بكر بن يزيد وإبراهيم بن سعيد قالا حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا رفعة بن صالح عن سلمة بن زهرام عن عكرمة عن ابن عباس قال: "في الجنة شجرة على ساق قدر ما يسير الراكب في ظلها مائة عام فيتحدثون في ظلها فيشتهي بعضهم فيذكر لهو الدنيا فيرسل الله ريحا من الجنة فتحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا" حدثنا إبراهيم بن سعيد حدثنا إبراهيم بن سعيد حدثنا علي بن عاصم حدثني سعيد بن سعيد الحارثي قال حدثت إن في الجنة آجاما من قصب من ذهب حملها اللؤلؤ فإذا اشتهى أهل الجنة يسمعوا صوتا حسنا بعث الله على تلك الآجام ريحا فتأتيهم بكل صوت يشتهونه" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 فصل ولهم سماع أعلى من هذا يضمحل دونه كل سماع وذلك حين يسمعون كلام الرب جل جلاله وخطابه وسلامه عليهم ومحاضرته لم ويقرا عليهم كلامه فإذا سمعوه منه فكأنهم لم يسمعوه قبل ذلك وسيمر بك أيها السني من الأحاديث الصحاح والحسان في ذلك ما هو من أحب سماع لك في الدنيا وألذ لأذنك واقر لعينك إذ ليس في الجنة لذة أعظم من النظر إلى وجه الرب تعالى وسماع كلامه منه ولا يعطى أهل الجنة شيئا أحب إليهم من ذلك وقد ذكر أبو الشيخ عن صالح بن حبان عن عبد الله بن بريدة قال: "إن أهل الجنة يدخلون كل يوم مرتين على الجبار جل جلاله فيقرا عليهم القران وقد جلس كل امرئ منهم مجلسه الذي هو مجلسه على منابر الدر والياقوت والزبرجد والذهب والزمرد فلم تقر أعينهم بشيء ولم يسمعوا شيئا قط أعظم ولا أحسن منه ثم ينصرفون إلى رحالهم ناعمين قريرة أعينهم إلى مثلها من الغد" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 الباب الثامن والخمسون: في ذكر مطايا أهل الجنة وخيولهم ومراكبهم قال الترمذي حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن حدثنا عاصم بن علي حدثنا المسعودي عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل في الجنة من خيل قال: "إن أدخلك الله الجنة فلا تشاء إن تحمل فيها على فرس من ياقوتة حمراء يطير بك في الجنة حيث شئت" قال وسأله رجل فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل في الجنة من إبل قال: "فلم يقل ما قال لصاحبه" قال: "إن أدخلك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك" حدثنا سويد بن نصر أنبأنا عبد الله بن المبارك عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن عبد الرحمن بن سابط عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه بمعناه وهذا اصح من حديث المسعودي حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي حدثنا أبو معاوية عن واصل بن السائب عن أبي سورة عن أبي أيوب قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أحب الخيل أفي الجنة خيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخلت الجنة أتيت بفرس من ياقوتة له جناحان فحملت عليه ثم طار بك حيث شئت" قال الترمذي هذا حديث إسناده ليس بالقوي ولا نعرفه من حديث أبي أيوب إلا من هذا الوجه وأبو سورة هو ابن أخي أبي أيوب يضعف في الحديث ضعفه ابن معين جدا وسمعت محمد بن إسماعيل يقول أبو سورة هذا منكر الحديث يروي مناكير عن أبي أيوب لا يتابع عليه قلت إما حديث علقمة بن مرثد فقد اضطرب فيه علقمة فمرة يقول عن سليمان بن بريدة عن أبيه ومرة يقول عن عبد الرحمن بن سابط عن عمير بن ساعدة قال: "كنت أحب الخيل فقلت هل في الجنة خيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومرة يقول قال رجل من الأنصار يقال له عمير بن ساعدة يا رسول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 ومرة يقول عن عبد الرحمن بن سابط عن النبي صلى الله عليه وسلم والترمذي جعل هذا أصح من حديث المسعودي لأن سفيان أحفظ منه وأثبت وقد رواه أبو نعيم من حديث علقمة هذا فقال عن أبي صالح عن أبي هريرة أن أعرابيا قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفي الجنة إبل قال يا أعرابي إن يدخلك الله الجنة رأيت فيها ما تشتهي نفسك وتلذ عينك ورواه أيضا من حديث علقمة عن يحيى ابن اسحق عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الجنة فقال: "والفردوس أعلاها سموا وأوسعها منه محلا ومنها تفجر أنهار الجنة وعليها يوضع العرش يوم القيامة فقام إليه رجل فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني رجل حبب إلي الخيل فهل في الجنة خيل قال: "أي والذي نفسي بيده إن في الجنة لخيلا وإبلا هفافة تزف بين خلال ورق الجنة يتزاورون عليها حيث شاؤوا" فقام إليه رجل فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني حبب إلي الإبل وذكر الحديث وأما حديث أبي سورة فلا يعرف إلا من حديث واصل بن السائب عنه لم يروه عنه غيره وغير يحيى بن جابر الطائي وقد اخرج له أبو داود حديث ستفتح عليكم الأمصار وتجندون أجنادا وأخرج له ابن ماجة عن أبي أيوب رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فخلل لحيته وحديثا آخر في تفسير قوله تعالى: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} وأخرج له الترمذي حديث خيل الجنة فقط ورواه أبو نعيم من حديث جابر بن نوح عن واصل به وقال: "إن أهل الجنة ليتزاورون على نجائب بيض كأنها الياقوت وليس في الجنة من البهائم إلا الخيل والإبل" وقال أبو الشيخ حدثنا القاسم بن زكريا حدثنا سويد بن سعيد حدثنا مروان ابن معاوية عن أبي الحكم عن أبي خالد عن الحسن البصري عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة جاءتهم خيول من ياقوت أحمر لها أجنحة لا تبول ولا تروث فقعدوا عليها ثم طارت بهم في الجنة فيتجلى لهم الجبار فإذا رأوه خروا سجدا فيقول لهم الجبار تعالى: "ارفعوا رؤوسكم فإن هذا ليس يوم عمل إنما هو يوم نعيم وكرامة فيرفعون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 رؤوسهم فيمطر الله عليهم طيبا فيمرون بكثبان المسك فيبعث الله على تلك الكثبان ريحا فتهيجها عليهم حتى إنهم ليرجعوا إلى أهليهم وأنهم لشعث غبر" وقال عبد الله بن المبارك حدثنا همام عن قتادة عن عبد الله بن عمرو وقال: في الجنة عتاق الخيل وكرائم النجائب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 الباب التاسع والخمسون: في زيارة أهل الجنة بعضهم بعضا وتذاكرهم ما كان بينهم في الدنيا قال تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُون قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} فأخبر الله سبحانه وتعالى: إن أهل الجنة اقبل بعضهم على بعض يتحدثون ويسأل بعضهم بعضا عن أحوال كانت في الدنيا فأفضت بهم المحادثة والمذاكرة إلى أن قال قائل منهم إني كان لي قرين في الدنيا ينكر البعث والدار الآخرة ويقول ما حكاه الله عنه يقول أئنك لمن المصدقين بانا نبعث ونجازى بأعمالنا ونحاسب بها بعد أن مزقنا البلى وكنا ترابا وعظاما ثم يقول المؤمن لإخوانه في الجنة هل أنتم مطلعون في النار لننظر منزلة قريني هذا وما صار إليه. هذا أظهر الأقوال وفيها قولان آخران أحدهما: إن الملائكة تقول لهؤلاء المتذاكرين الذين يحدث بعضهم بعضا هل انتم مطلعون رواه عطاء عن ابن عباس والثاني أنه من قوله الله عز وجل لأهل الجنة يقول لهم هل أنتم مطلعون والصحيح القول الأول وان هذا قول المؤمن لأصحابه ومحادثيه والسياق كله والأخبار عنه وعن حال قرينه قال كعب: بين الجنة والنار كوى فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدو كان له في الدنيا اطلع من بعض تلك الكوى وقوله فاطلع أي اشرف قال مقاتل لما قال لأهل الجنة هل انتم مطلعون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 قالوا له أنت اعرف به منا فاطلع أنت فاشرف فرأى قرينه في سواء الجحيم ولولا إن الله عرفه إياه لما عرفه لقد تغير وجهه ولونه وغيره العذاب أشد تغيير فعندها قال الله تعالى: {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} أي إن كدت لتهلكني ولولا أن أنعم الله علي بنعمته لكنت من المحضرين معك في العذاب وقال تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} وقال الطبراني حدثنا الحسن ابن إسحاق حدثنا سهل بن عثمان حدثنا المسيب بن شريك عن بشر بن نمير عن القاسم عن أبي أمامة قال سئل رسول الله أيتزاور أهل الجنة قال يزور الأعلى الأسفل ولا يزور الأسفل الأعلى إلا الذين يتحابون في الله يأتون منها حيث شاؤوا على النوق محتقبين الحشايا" وقال الدورقي حدثنا أبو سلمة التبوذكي حدثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال بلغنا إن أهل الجنة يزور الأعلى الأسفل ولا يزور الأسفل الأعلى وقد تقدم حديث علقمة بن مرثد عن يحيى بن إسحاق عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه وقال الطبراني حدثنا محمد بن عبدوس حدثنا الحسن بن حماد حدثنا جابر بن نوح عن واصل بن السائب عن أبي سورة عن أبي أيوب يرفعه إن أهل الجنة يتزاورون على النجائب وقد تقدم فأهل الجنة يتزاورون فيها ويستزير بعضهم بعضا وبذلك تتم لذتهم وسرورهم ولهذا قال حارثة للنبي وقد سأله كيف أصبحت يا حارثة قال أصبحت مؤمنا حقا قال إن لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك قال عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري وكأني انظر إلى عرش ربي بارزا والى أهل الجنة يتزاورون فيها والى أهل النار يعذبون فيها فقال عبد نور الله قلبه" وقال ابن أبي الدنيا حدثنا عبد الله حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا سعيد بن دينار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 عن الربيع بن صبيح عن الحسن عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا دخل أهل الجنة الجنة فيشتاق الإخوان بعضهم إلى بعض قال فيسير سرير هذا إلى سرير هذا وسرير هذا إلى سرير هذا حتى يجتمعا جميعا فيقول أحدهما لصاحبه تعلم متى غفر الله لنا فيقول صاحبه يوم كنا في موضع كذا وكذا فدعونا الله فغفر لنا" قال وحدثني حمزة بن العباس أنبأنا عبد الله بن عثمان أنبأنا ابن المبارك أنبأنا إسماعيل بن عياش قال حدثني ثعلبة بن مسلم عن أيوب بن بشير العجلي عن شفي بن مانع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من نعيم أهل الجنة أنهم يتزاورون على المطايا والنجب وأنهم يؤتون في الجنة بخيل مسرجة ملجمة لا تروث ولا تبول فيركبونها حتى ينتهوا حيث شاء الله عز وجل فيأتيهم مثل السحابة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت فيقولون: أمطري علينا فما يزال المطر عليهم حتى ينتهي ذلك فوق أمانيهم ثم يبعث الله ريحا غير مؤذية فتنسف كثائب من مسك عن إيمانهم وعن شمائلهم فيأخذ ذلك المسك في نواصي خيولهم وفي مفارقهم وفي رؤوسهم ولكل رجل منهم جمة على ما اشتهت نفسه فيتعلق ذلك المسك في تلك اللجام وفي الخيل وفيما سوى ذلك من الثياب ثم يقبلون حتى ينتهوا إلى ما شاء الله تعالى فإذا المرأة تنادي بعض أولئك يا عبد الله أما لك فينا حاجة فيقول ما أنت ومن أنت فتقول إنا زوجتك وحبك فيقول ما كنت علمت بمكانك فتقول المرأة أو ما علمت إن الله قال فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون فيقول بلى وربي فلعله يشتغل عنها بعد ذلك الموقف أربعين خريفا لا يلتفت ولا يعود ما يشغله عنها إلا ما هو فيه من النعيم والكرامة" حدثني حمزة أنبأني عبد الله بن عثمان أنبأنا بن المبارك أنبأنا رشدين ابن سعد قال حدثني ابن انعم إن أبا هريرة قال: "إن أهل الجنة ليتزاورون على العيس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 الجون عليها رحال الميس تثير مناسمها غبار المسك خطام أو زمام أحدها خير من الدنيا وما فيها وذكر ابن أبي الدنيا من حديث أبي اليمان حدثنا إسماعيل بن عياش عن عمرو بن محمد عن زيد بن اسلم عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سال جبريل عن هذه الآية ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله قال هم الشهداء يبعثهم الله متقلدين أسيافهم حول عرشه فأتاهم ملائكة من المحشر بنجائب من ياقوت أزمتها الدر الأبيض برحال الذهب أعناقها السندس والإستبرق ونمارقها ألين من الحرير مد خطاها مد أبصار الرجال يسيرون في الجنة على خيول يقولون عند طول النزهة انطلقوا بنا ننظر كيف يقضي الله بين خلقه يضحك الله إليهم وإذا ضحك الله إلى عبد في موطن فلا حساب عليه قال ابن أبي الدنيا وحدثنا الفضل بن جعفر ابن حسن حدثنا أبي عن الحسن بن علي عن علي قال سمعت رسول الله يقول أن في الجنة لشجرة يخرج من أعلاها حلل ومن أسفلها خيل من ذهب مسرجة ملجمة من در وياقوت لا تروث ولا تبولا لها أجنحة خطوها مد بصرها فيركبها أهل الجنة فتطير بهم حيث شاءوا فيقول الذين أسفل منهم درجة يا رب بما بلغ عبادك هذه الكرامة قال فيقال لهم كانوا يصلون في الليل وكنتم تنامون وكانوا يصومون وكنتم تأكلون وكانوا ينفقون وكنتم تبخلون وكانوا يقاتلون وكنتم تجبنون" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 فصل ولهم زيارة أخرى أعلى من هذه واجل وذلك حين يزورون ربهم تبارك وتعالى فيريهم وجهه ويسمعهم كلامه ويحل عليهم رضوانه وسيمر بك ذكر هذه الزيارة عن قرب إن شاء الله تعالى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 الباب الستون: في ذكر سوق الجنة وما أعد الله تعالى فيه لأهلها قال مسلم في صحيحه حدثنا سعيد بن عبد الجبار الصيرفي حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسنا وجمالا فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا فيقول لهم أهلوهم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا فيقولون والله وانتم لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا رواه الإمام احمد في مسنده عن عفان عن حماد بن سلمة وقال: "فيها كثبان المسك فإذا خرجوا إليها هبت الريح" وقال ابن أبي عاصم في كتاب السنة حدثنا هشام بن عمار حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العسر عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن سعيد بن المسيب أنه لقي أبا هريرة فقال أبو هريرة: اسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة فقال سعيد أو فيها سوق قال: نعم أخبرني رسول الله أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوها بفضل أعمالهم فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة عن أيام الدنيا فيزورون الله تبارك وتعالى فيبرز لهم عرشه ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة فيوضع لهم منابر من نور ومنابر من لؤلؤ ومنابر من زبرجد ومنابر من ياقوت ومنابر من ذهب ومنابر من فضة ويجلس أدناهم وما فيها دنى على كثبان المسك والكافور ما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلسا قال أبو هريرة وهل نرى ربنا عز وجل قال نعم قال هل تمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر قلنا لا قال فكذلك لا تمارون في رؤية ربكم ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله محاضرة حتى يقول يا فلان ابن فلان أتذكر يوم فعلت كذا وكذا فيذكره ببعض غدراته في الدنيا فيقول بلى أفلم تغفر لي فيقول بلى فمغفرتي بلغت منزلتك هذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 قال فبينما هم على ذلك إذ غشيتهم سحابة من فوقهم فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه شيئا قط قال ثم يقول ربنا تبارك وتعالى قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة فخذوا ما اشتهيتم قال فيأتون سوقا قد حفت بها الملائكة فيها ما لم تنظر العيون إلى مثله ولم تسمع الأذان ولم يخطر على القلوب قال فيحمل لنا ما اشتهينا ليس يباع فيه ولا يشترى وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا قال فيقبل ذو البزة المرتفعة فيلقى من هو دونه وما فيهم دني فيروعه ما يرى عليه من اللباس والهيئة فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها قال ثم ننصرف إلى منازلنا فيلقانا أزواجنا فيقلن مرحبا وأهلا بحبنا لقد جئت وإن بك من الجمال والطيب أفضل مما فارقتنا عليه فتقول أنا جالسنا اليوم ربنا الجبار عز وجل وبحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا ورواه الترمذي في صفة الجنة عن محمد بن إسماعيل عن هشام بن عمار رواه ابن ماجة عن هشام بن عمار وليس في هذا الإسناد من ينظر فيه إلا عبد الحميد بن حبيب وهو كاتب الأوزاعي فلا ننكر عليه تفرده عن الأوزاعي بما لم يروه غيره وقد قال الإمام احمد وأبو حاتم الرازي هو ثقة وأما دحيم والنسائي فضعفاه ولا نعرف أنه حدث عن غير الأوزاعي والترمذي قال في هذا الحديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه قلت وقد رواه ابن أبي الدنيا عن الحكم بن موسى حدثنا هقل بن زياد عن الأوزاعي قال نبئت أن سعيد بن المسيب لقي أبا هريرة فذكره وقال الترمذي حدثنا أحمد بن صنيع حدثنا أبو معاوية أنبانا عبد الرحمن بن اسحق عن النعمان بن سعد عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة لسوقا ما فيها شراء ولا بيع إلا الصور من الرجال والنساء فإذا اشتهى الرجل الصورة دخل فيها " قال هذا حديث غريب وقال عبد الله بن المبارك أنبانا سليمان التيمي عن أنس بن مالك قال: "يقول أهل الجنة انطلقوا إلى السوق فينطلقون إلى كثبان المسك فإذا رجعوا إلى أزواجهم قالوا أنا لنجد لكن ريحا ما كانت لكن قال فيقلن لقد رجعتم بريح ما كانت لكم إذ خرجتم من عندنا" قال ابن المبارك وأنبانا حميد الطويل عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 أنس بن مالك قال إن في الجنة سوقا كثبان مسك يخرجون إليها ويجتمعون إليها فيبعث الله ريحا فتدخلها بيوتهم فيقول لهم أهلوهم إذا رجعوا إليهم قد ازددتم حسنا " بعدنا فيقولون لأهليهم قد ازددتم أيضا بعدنا حسنا وقال الحافظ محمد بن عبد الله الحضرمي المعروف بمطين حدثنا احمد بن محمد بن طريف البجلي حدثنا أبي حدثنا محمد بن كثير حدثني جابر الجعفي عن أبي جعفر عن علي بن الحسين عن جابر بن عبد الله قال خرج علينا رسول الله ونحن مجتمعون فقال يا معشر المسلمين إن في الجنة لسوقا ما يباع فيها ولا يشترى إلا الصور من أحب صورة من رجل أو امرأة دخل فيها والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 الباب الحادي والستون: في ذكر زيارة أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في مسنده حدثنا إبراهيم بن محمد قال حدثني موسى بن عبيدة قال حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة عن عبد الله بن عبيد بن عمير أنه سمع أنس بن مالك يقول أتى جبريل بمرآة بيضاء فيها وكانت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذه قال الجمعة فضلت بها أنت وأمتك فأناس لكم فيها تبع اليهود والنصارى ولكم فيها خير وفيها ساعة لا يوافقها مؤمن يدعو الله بخير إلا استجيب له وهو عندنا يوم المزيد قال النبي صلى الله عليه وسلم يا جبريل وما يوم المزيد قال إن ربك اتخذ في الفردوس واديا أفيح فيه كثب المسك فإذا كان يوم القيامة انزل الله تبارك وتعالى ما شاء من ملائكته وحوله منابر من نور عليها مقاعد النبيين وحف تلك المنابر بمنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد عليها الشهداء والصديقون فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب فيقول الله تبارك وتعالى أنا ربكم قد صدقتم وعدي فسلوني أعطكم فيقولون ربنا نسألك رضوانك فيقول قد رضيت عنكم ولكم علي ما تمنيتم ولدي مزيد فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش وفيه خلق آدم عليه الصلاة والسلام وفيه تقوم الساعة ولهذا الحديث طرق سنشير إليها في باب المزيد إن شاء الله تعالى وروى أبو نعيم من حديث شيبان بن خيبر بن فرقد عن الحسن عن أبي برزة الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة ليغدون في حلة ويروجون في أخرى كغدو أحدكم ورواحه إلى ملك من ملوك الدنيا كذلك يغدون ويروحون إلى زيارة ربهم عز وجل وذلك لهم بمقادير ومعالم يعلمون تلك الساعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 التي يأتون فيها ربهم عز وجل" قال وروى جعفر بن حسن بن فرقد عن أبيه مثله وذكر أبو نعيم أيضا من حديث أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال إذا سكن أهل الجنة الجنة أتاهم ملك فيقول لهم إن الله تبارك وتعالى يأمركم إن تزوروه فيجتمعون فيأمر الله تبارك وتعالى داود عليه السلام فيرفع صوته بالتسبيح والتهليل ثم يوضع مائدة الخلد" قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما مائدة الخلد قال: "زاوية من زواياه أوسع مما بين المشرق والمغرب فيطعمون ثم يسقون ثم يكسون فيقولون لم يبق إلا النظر في وجه ربنا عز وجل فيتجلى لهم فيخرون سجدا فيقال لهم: لستم في دار عمل إنما أنتم في دار جزاء" وقال ابن أبي الدنيا حدثنا أبو موسى إسحاق بن إبراهيم الهروي حدثنا القاسم بن يزيد الموصلي قال حدثني أبو إلياس قال حدثني محمد ابن علي بن الحسين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثني أبو نعيم حدثنا محمد ابن علي بن حنيش حدثنا إبراهيم بن شريك حدثنا احمد بن يونس حدثنا المعافى بن عمران وكان من خيار الناس قال حدثني إدريس بن سنان عن وهب بن منبه عن محمد بن علي قال إدريس ثم لقيت محمد بن علي بن الحسين بن فاطمة فحدثني قال قال رسول الله أن في الجنة شجرة يقال لها طوبى لو سخر الجواد الراكب أن يسير في ظلها لسار فيها مائة عام ورقها برود خضر وزهرها رياض صفر وأقنابها سندس واستبرق وثمرها حلل وصمغها زنجبيل وعسل وبطحاؤها ياقوت احمر وزمرد أخضر وترابها مسك وحشيشها زعفران منيع وإلا لنجوج يؤججان من غير وقود ويتفجر من أصلها أنهار والسلسبيل والمعين والرحيق وظلها مجلس من مجالس أهل الجنة يألفونه ومتحدث يجمعهم فبينما هم يوما يتحدثون في ظلها إذ جاءتهم الملائكة يقودون نجبن جبلت من الياقوت ثم نفخ فيها الروح مزمومة بسلاسل من ذهب كأن وجوهها المصابيح نضارة وحسنا وبرها خز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 أحمر ومرزعي أبيض مختلطان لم ينظر الناظرون إلى مثلها عليها رجائل ألواحها من الدر والياقوت مفصصة باللؤلؤ والمرجان وصفافها من الذهب الأحمر ملبسة بالعبقري والأرجوان فأناخوا إليهم تلك النجائب ثم قالوا لهم إن ربكم تبارك وتعالى يقرئكم السلام ويستزيركم لتنظروا إليه وينظر إليكم وتحيونه ويحييكم ويكلمكم وتكلمونه ويزيدكم من سعته وفضله أنه ذو رحمة واسعة وفضل عظيم فيتحول كل رجل منهم على راحلته ثم انطلقوا صفا واحدا معتدلا لا يفوق منه شيء شيئا ولا يقرب أذن الناقة أذن صاحبتها ولا تركب ناقة بركت صاحبتها ولا يمرون بشجر من أشجار الجنة إلا أتحفتهم بثمرها ورحلت لهم بمن طريقهم كراهية أن ينثلم صفهم أو يفرق بين الرجل ورفيقه فلما دفعوا إلى الجبار تبارك وتعالى أسفر لهم عن وجهه الكريم وتجلى لهم في عظمته العظيمة فقالوا ربنا أنت السلام ومنك السلام ولك حق الجلال والإكرام فقال لهم ربهم تبارك وتعالى إني السلام ومني السلام ولي حق الجلال والإكرام مرحبا بعبادي الذين حفظوا وصيتي وراعوا عهدي وخافوني بالغيب وكانوا مني على كل حال مشفقين قالوا وعزتك وجلالك وعلو مكانك ما قدرناك حق قدرك وما أدينا إليك كل حقك فائذن لنا بالسجود لك فقال لهم ربهم تبارك وتعالى إني قد وضعت عنكم مؤنة العباد وأرحت لكم أبدانكم فلطالما ما أتعبتم لي الأبدان وأعنيتم لي الوجوه فالآن أفضيتم إلى روحي ورحمتي وكرامتي فاسألوني ما شئتم وتمنوا علي أعطكم أمانيكم فإني لن أجزيكم اليوم بقدر أعمالكم ولكن بقدر رحمتي وكرامتي وطولي وجلالي وعلو مكاني وعظمة شأني فلا يزالون في الأماني والعطايا والمواهب حتى إن المقتصر من أمنيته ليتمنى مثل جميع الدنيا منذ خلقها الله عز وجل إلى يوم أفناها فقال لهم ربهم عز وجل لقد قصرتم في أمانيكم ورضيتم بدون ما يحق لكم فقد أوجبت لكم ما سألتم وتمنيتم وألحقت بكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 ذريتكم وزدتكم ما قصرت عنه أمانيكم ولا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحسبه أن يكون من كلام محمد بن علي فغلط فيه بعض هؤلاء الضعفاء فجعله من كلام النبي صلى الله عليه وسلم عليه الصلاة والسلام وإدريس بن سنان هذا هو سبط وهب بن منبه ضعفه ابن عدي وقال الدارقطني متروك وأما أبو إلياس المتابع له فلا يدري من هو وأما القاسم بن يزيد الموصلي الراوي عنه فمحمول أيضا ومثل هذا لا يصح رفعه والله أعلم وقال الضحاك في قوله عز وجل يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا قال على النجائب عليها الرحال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 الباب الثاني والستون: في ذكر السحاب والمطر الذي يصيبهم في الجنة قد تقدم في حديث سوق الجنة أنه يغشاهم يوم الزيارة سحابة من فوقهم فتمطر عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه قط وقال بقية بن الوليد حدثنا بحير بن سعيد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة قال إن من المزيد أن تمر السحابة بأهل الجنة فتقول ماذا تريدون أن أمطركم فلا يتمنون شيئا إلا أمطروا" وقال ابن أبي الدنيا حدثني أزهر بن مروان حدثنا عبد الله بن عبد الله الشيباني عن عبد الرحمن بن بديل عن أبيه عن صفي اليماني قال سأله عبد العزيز بن مروان عن وفد أهل الجنة أنهم يفدون إلى الله سبحانه وتعالى كل يوم خميس فتوضع لهم أَسِرة كل إنسان منهم أعرف بسريره منك بسريرك هذا الذي أنت عليه فإذا قعدوا عليه واخذ القوم مجالسهم قال تعالى: "اطعموا عبادي وخلقي وجيراني ووفدي فيطعموا ثم يقول: أسقوهم قال فيأتون آنية من ألوان شتى مختمة فيشربون منها ثم يقول عبادي وخلقي وجيراني ووفدي قد طعموا وشربوا فكهوهم فتجيء ثمرات شجر تدلى فيأكلون منها ما شاؤا ثم يقول عبادي وخلقي وجيراني ووفدى قد طعموا وشربوا وفكهوا اكسوهم فتجيء ثمرات شجر اصفر وأخضر وأحمر وكل لون لم تنبت إلا الحلل فتنشر عليهم حللا وقمصا ثم يقول عبادي وخلقي وجيرإني ووفدي قد طعموا وشربوا وفكهوا وكسوا طيبوهم فيتناثرون عليهم المسك مثل رذاذا المطر ثم يقول عبادي وجيراني وخلقي ووفدى قد طعموا وشربوا وفكهوا وكسوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 وطيبوا لا تجلين لهم حتى ينظروا إلي فإذا تجلى لهم فنظروا إليه نضرت وجوههم ثم يقال لهم ارجعوا إلى منازلكم فتقول لهم أزواجهم خرجتم من عندنا على صورة ورجعتم على غيرها فيقولون ذلك إن الله جل ثناؤه تجلى لنا فنظرنا إليه فنضرت وجوهنا" وقال عبد الله بن المبارك أنبانا إسماعيل بن عياش قال حدثني ثعلبة بن مسلم عن أيوب بن بشير العجلي عن شفي بن مانع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من نعيم أهل الجنة أنهم يتزاورون على المطايا والنجب وأنهم يؤتون في الجنة بخيل مسرجة ملجمة لا تروث ولا تبول يركبونها حتى ينتهوا حيث شاء الله فيأتيهم مثل السحابة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت فيقولون أمطري علينا فما يزال المطر عليهم حتى ينتهي ذلك فوق أمانيهم ثم يبعث الله ريحا غير مؤذية فتنسف كثبانا من مسك عن إيمانهم وعن شمائلهم فيأخذون ذلك المسك في نواصي خيولهم وفي مفارقها وفي رؤوسهم ولكل رجل منهم جمة على ما اشتهت نفسه فيتعلق ذلك المسك في تلك الجمام وفي الخيل وفيما سوى ذلك من الثياب ثم يقبلون حتى ينتهوا إلى ما شاء الله من فإذا المرأة تنادي بعض أولئك يا عبد الله أما لك فينا من حاجة فيقول ما أنت ومن أنت فتقول أنا زوجتك وحبك فيقول ما كنت علمت بمكانك فتقول المرأة أو ما تعلم أن الله وتعالى قال: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فيقول بلى وربي فلعله يشتغل عنها بعد ذلك الموقف أربعين خريفا ما يشغله عنها إلا ما هو فيه من النعيم" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 فصل وقد جعل الله سبحانه وتعالى السحاب وما يمطره سببا للرحمة والحياة في هذه الدار ويجعله سببا لحياة الخلق في قبورهم حيث يمطر على الأرض أربعين صباحا مطرا متداركا من تحت العرش فينبتون تحت الأرض كنبات الزرع ويبعثون يوم القيامة والسماء تطش عليهم وكأنه والله أعلم اثر ذلك المطر العظيم كما يكون في الدنيا ويثير لهم سحابا في الجنة يمطرهم ما شاؤوا من طيب وغيره وكذلك أهل النار ينشئ لهم سحابا يمطر عليهم عذابا إلى عذابهم كما أنشأ لقوم هود وقوم شعيب سحابا أمطر عليهم عذابا أهلكهم فهو سبحانه ينشئه للرحمة والعذاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 الباب الثالث والستون: في ذكر ملك الجنة وان أهلها كلهم ملوك فيها قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيرا} قال ابن أبي نجيح عن مجاهد ملكا كبيرا قال عظيما وقال استئذان الملائكة عليهم لا تدخل الملائكة عليهم إلا بإذن وقال كعب في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيرا} يرسل إليهم ربهم الملائكة فتأتي الملائكة فتستأذن عليهم الملائكة وقال بعضهم الخدم ولا يدخل عليهم الملائكة إلا بإذن وقال الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس أنه ذكر مراكب أهل الجنة ثم تلا {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيرا} وقال ابن أبي الحواري سمعت أبا سليمان يقول في قوله عز وجل: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيرا} قال الملك الكبير: إن رسول الله يأتيه بالتحفة واللطف فلا يصل إليه حتى يستأذن له عليه فيقول للحاجب استأذن على ولي الله فإني لست أصل إليه فيعلم ذلك الحاجب حاجبا آخر وحاجبا بعد حاجب ومن داره إلى دار السلام باب يدخل منه على ربه إذا شاء بلا إذن فالملك الكبير أن رسول الله رسول رب العزة لا يدخل عليه إلا بإذن وهو يدخل على ربه بلا إذن وقال ابن أبي الدنيا حدثنا صالح بن مالك حدثنا صالح المري حدثنا يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك يرفعه إن أسفل أهل الجنة أجمعين درجة من يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم حدثنا محمد بن عباد بن موسى أنبأنا زيد بن الحباب عن أبي هلال الراسبي أنبأنا الحجاج بن عتاب العبدي عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي هريرة قال إن أدنى أهل الجنة منزلة وليس فيهم دنيء من يغدو عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 كل يوم ويروح خمسة عشر ألف خادم ليس منهم خادم إلا ومعه طرفة ليست مع صاحبه وحدثني محمد بن عباد حدثنا زيد بن الحباب عن أبي هلال حدثنا حميد بن هلال قال ما من رجل من أهل الجنة إلا وله ألف خازن ليس منهم خازن الأعلى عمل ليس عليه صاحبه وحدثني هارون بن سفيان أنبأنا محمد بن عمر أنبأنا الفضل بن فضالة عن زهرة بن معبد عن أبي عبد الرحمن الحبلى قال إن العبد أول ما يدخل الجنة يتلقاه سبعون ألف خادم كأنهم اللؤلؤ" حدثني هارون بن سفيان حدثنا محمد بن عمر أنبأنا محمد بن هلال عن أبيه عن أبي هريرة قال: إن أدنى أهل الجنة منزلة وما فيهم دنيء لمن يغدو عليه عشرة آلاف خادم مع كل خادم طرفة ليست مع صاحبه وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا يحيى بن أيوب حدثني عبد الله بن رجز عن محمد بن أبي أيوب المخزومي عن أبي عبد الرحمن المغافري قال أنه ليصف للرجل من أهل الجنة سماطان لا يرى طرفاهما من غلمانه حتى إذا مر مشوا وراءه وقال أبو خيثمة حدثنا الحسن ابن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم واثنتان وسبعون زوجة وتنصب له قبة من لؤلؤ وياقوت وزبرجد كما بين الجابية وصنعاء وقال عبد الله بن المبارك أنبأنا بقية بن الوليد حدثني أرطاة بن المنذر قال: سمعت رجلا من مشيخة الجند يقال له أبو الحجاج قال جلست إلى أبي أمامة فقال: إن المؤمن يكون متكئا على أريكة إذا دخل الجنة وعنده سماطان من الخدم وعند طرف السماطين باب مبوب فيقبل الملك من ملائكة الله عز وجل ليستأذن فيقوم أدنى الخدم إلى الباب فإذا هو بالملك يستأذن فيقول للذي يليه ملك يستأذن ويقول للذي يليه ملك يستأذنه حتى يبلغ المؤمن فيقول ائذنوا له فيقول أقربني إلى المؤمن ائذنوا له ويقول الذي يليه للذي يليه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 ائذنوا له كذلك حتى يبلغ أقصاهم الذي عند الباب فيفتح له فيدخل فيسلم ثم ينصرف وقال ابن أبي الدنيا حدثني محمد بن الحسن حدثنا قبيصة حدثنا سليمان العنبري عن الضحاك بن مزاحم قال بينا ولي الله في منزله إذ أتاه رسول من الله عز وجل فقال للإذن استأذن لرسول الله على ولي الله فيدخل الإذن فيقول له يا ولي الله هذا رسول من الله يستأذن عليك قال ائذن له فيأذن له فيدخل على ولي الله فيضع ما بين يديه تحفة فيقول يا ولي الله إن ربك يقرا عليك السلام ويأمرك أن تأكل من هذه قال فيشبهه بطعام أكله أيضا فيقول إنما أكلت هذا الآن فيقول إن ربك يأمرك أن تأكل منها فيأكل منها فيجد منها طعم كل ثمرة في الجنة قال فذلك قوله تعالى: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً} وفي صحيح مسلم من حديث المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سأل موسى عليه السلام ربه ما أدنى أهل الجنة منزلة قال هو رجل يجيء بعد ما ادخل أهل الجنة الجنة فيقال له ادخل الجنة فيقول أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا آخذاتهم فيقال له أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت ربي فيقول له لك ذلك ومثله ومثله ومثله فقال في الخامس رضيت ربي فيقول هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك فيقول رضيت" ربي وذكر الحديث وقد تقدم ذكره بتمامه وقال الباز في مسنده حدثنا محمد بن المثنى حدثنا المغيرة بن سلمة حدثنا وهيب عن الحريري عن أبي بصرة عن أبي سعيد قال خلق الله الجنة لبنة من فضة ولبنة من ذهب وغرسها بيده وقال لها تكلمي فقالت: {قَدْ أَفْلَحَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 الْمُؤْمِنُونَ} فدخلتها الملائكة فقالت طوبى لك منزلة الملوك هكذا رواه وهيب عن الحريري موقوفا ورواه عدي بن الفضل عن الحريري فرفعه وقال البزار ولا نعلم أحدا رفعه إلا عدي ابن الفضل بهذا الإسناد وعدي بن الفضل ليس بالحافظ وهو شيخ بصري قلت عدي ابن الفضل هذا انفرد به ابن ماجة وقد ضعفه يحيى بن معين وأبو حاتم والحديث صحيح موقوف والله أعلم وقد تقدم ذكر التيجان على رؤوسهم وإنما يلبسها الملوك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 الباب الرابع والستون: في أن الجنة فوق ما يخطر بالبال أو يدور في الخيال وان موضع سوط منها خير من الدنيا وما فيها قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وتأمل كيف قابل ما أخفوه من قيام الليل بالجزاء الذي أخفاه لهم مما لا تعلمه نفس وكيف قابل قلقهم وخوفهم واضطرابهم على مضاجعهم حين يقوموا إلى صلاة الليل بقرة الأعين في الجنة وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" مصداق ذلك في كتاب الله: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وفي لفظ آخر فيهما يقول الله عز وجل أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخرا بله ما أطلعتكم عليه ثم قرأ فلا تعلم نفس وفي صحيح مسلم من حديث سعد بن سهل الساعدي قال: شهدت مع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 النبي صلى الله عليه وسلم مجلسا وصف فيه الجنة حتى انتهى ثم قال آخر حديثه فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قرأ هذه الآية تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاب قوس أحدكم في الجنة خير مما طلعت عليه الشمس أو تغرب وقد تقدم حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا مشمر في للجنة فان الجنة لا خطر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة ومقام في ابد في دار سليمة وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة ومحلة عالية بهية ولو لم يكن من خطر الجنة وشرفها إلا أنه لا يسأل بوجه الله غيره شرفا وفضلا وكما في سنن أبي داود من محمد بن سليمان بن معاذ بن المنذر عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يسأل بوجه الله إلا الجنة" وفي معجم الطبراني من حديث بقية عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله: "لما خلق الله جنة عدن خلق فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قال لها تكلمي فقالت: قد افلح المؤمنون وفي صحيح البخاري من حديث سهل ابن سعد قال سمعت رسول الله يقول موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها وقال الإمام احمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر حدثنا همام عن أبي هريرة رضي الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيد سوط أحدكم من الجنة خير مما بين السماء والأرض وهذا الإسناد على شرط الصحيحين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 وقال الترمذي حدثنا سويد بن نصر حدثنا ابن المبارك أنبأنا ابن لهيعة عن يزيد ابن أبي حبيب عن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو أن اقل ظفر مما في الجنة بدا لتزخرفت له ما بين خوافق السماوات والأرض ولو أن رجلا من أهل الجنة اطلع فبدا أساوره لطمس لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء الكواكب قال الترمذي هذا حديث حسن غريب لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من حديث ابن لهيعة وقد روى يحيى بن أيوب هذا الحديث عن يزيد بن أبي حبيب وقال عن عمر بن سعد ابن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت وقد رواه ابن وهب أنبأنا عمرو يعني ابن الحارث أن سليمان بن حميد حدثه أن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال سليمان لا أعلم إلا أنه حدثني عن أبيه عن رسول الله عن رسول الله أنه قال لو أن ظفر من الجنة برز للدنيا لتزخرفت له ما بين السماء والأرض وفي الباب عن أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري وعبد الله ابن عمرو بن العاص وكيف يقدر قدر دار غرسها الله بيده وجعلها مقرا لأحبابه وملاها من رحمته وكراماته ورضوانه ووصف نعيمها بالفوز العظيم وملكها بالملك الكبير وأودعها جميع الخير بحذافيره وطهرها من كل عيب وآفة ونقص فإن سألت عن أرضها وتربتها فهي المسك والزعفران وان سلالت عن سقفها فهو عرش الرحمن وان سألت عن بلاطها فهو المسك الاذفر وان سألت عن حصبائها فهو اللؤلؤ والجوهر وان سألت عن بنائها فلبنة من فضة ولبنة من ذهب وان سألت عن أشجارها فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب وفضة لا من الحطب والخشب وان سألت عن ثمرها فأمثال القلال ألين من الزبد وأحلى من العسل وان سألت عن ورقها فأحسن ما يكون من رقائق الحلل وان سألت عن أنهارها فأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى وان سألت عن طعامهم ففاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 سألت عن شرابهم فالتسنيم والزنجبيل والكافور وان سألت عن آنيتهم فانية الذهب والفضة في صفاء القوارير وإن سألت عن سعة أبوابها فبين المصراعين مسيرة أربعين من الأعوام وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام وان سألت عن تصفيق الرياح لأشجارها فإنها تستفز بالطرب لمن يسمعها وان سألت عن ظلها ففيها شجرة واحدة يسير الراكب المجد السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها وان سألت عن سعتها فأدنى أهلها يسير في ملكه وسرره وقصوره وبساتينه مسيرة الفي عام وان سألت عن خيامها وقبابها 2فالخيمة الواحدة من درة مجوفة طولها ستون ميلا من تلك الخيام وان سألت عن علاليها وجواسقها فهي غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وان سألت عن ارتفاعها فانظر إلى الكوكب الطالع أو الغارب في الأفق الذي لا تكاد تناله الأبصار وان سألت عن لباس أهلها فهو الحرير والذهب وان سألت عن فرشها فبطائنها من استبرق مفروشة في أعلى الرتب وان سألت عن أرائكها فهي الأسرة عليها البشخانات وهي الحجال مزررة بأزرار الذهب فما لها من فروج ولا خلال وان سألت عن وجوه أهلها وحسنهم فعلى صورة القمر وان سألت عن أسنانهم فأبناء ثلاث وثلاثين على صورة آدم عليه السلام أبي البشر وسألت عن سماعهم فغناء أزواجهم من الحور العين وأعلى منه سماع أصوات الملائكة والنبيين وأعلى منهما خطاب رب العالمين وان سألت عن مطاياهم التي يتزاورون عليها فنجائب إن شاء الله مما شاء يسير بهم حيث شاؤوا من الجنان وان سألت عن حليهم وشارتهم فأساور الذهب واللؤلؤ على الرؤوس ملابس التيجان وان سألت عن غلمانهم فولدان مخلدون كأنهم لؤلؤ مكنون وان سألت عن عرائسهم وأزواجهم فهن الكواعب الأتراب اللاتي جرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 في أعضائهن ماء الشباب فللورد والتفاح ما لبسته الخدود وللرمان ما تضمنته النهود واللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور وللرقة واللطافة ما دارت عليه الخصور تجري الشمس من محاسن وجهها إذا برزت ويضيء البرق من بين ثناياها إذا ابتسمت إذا قابلت حبها فقل ما تشاء في تقابل النيرين وإذا حادثته فما ظنك بمحادثة الحبين وان ضمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين يرى وجهه في صحن خدها كما يرى في المرآة التي جلاها صيقلها ويرى مخ ساقها من وراء اللحم ولا يستره جلدها ولا عظمها ولا حللها لو اطلعت على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحا ولاستنطقت أفواه الخلائق تهليلا وتكبيرا وتسبيحا ولتزخرف لها ما بين الخافقين ولا غمضت عن غيرها كل عين ولطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم ولامن من على ظهرها بالله الحي القيوم ونصيفها على رأسها خير من الدينا وما فيها ووصالها أشهى إليه من جميع أمانيها لا تزداد على طول الأحقاب إلا حسنا وجمالا ولا يزداد لها طول المدى إلا محبة ووصالا مبرأة من الحبل والولادة والحيض والنفاس مطهرة من المخاط والبصاق والبول والغائط وسائر الأدناس لا يفنى شبابها ولا تبلى ثيابها ولا يخلق ثوب جمالها ولا يمل طيب وصالها قد قصرت طرفها على زوجها فلا تطمح لأحد سواه وقصر طرفه عليها فهي غاية أمنيته وهواه إن نظر إليها سرته وان أمرها بطاعته أطاعته وان غاب عنها حفظته فهو معها في غاية الأماني والأمان هذا ولم يطمثها قبله أنس ولا جان كلما نظر إليها ملأت قلبه سرورا وكلما حدثته ملأت أذنه لؤلؤا منظورما ومنثورا وإذا برزت ملأت القصر والغرفة نورا وان سألت عن السن فأتراب في اعدل سن الشباب وان سألت عن الحسن فهل رأيت الشمس والقمر وان سألت عن الحدق فأحسن سواد في أصفى بياض في أحسن حور وان سألت عن القدود فهل رأيت أحسن الأغصان وإن سألت عن النهود فهن الكواعب نهودهن كالطف الرمان وإن سألت عن اللون فكأنه الياقوت والمرجان وإن سألت عن حسن الخلق فهن الخيرات الحسان اللاتي جمع لهن بين الحسن والإحسان فأعطين جمال الباطن والظاهر فهن أفراح النفوس قرة النواظر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 وان سألت عن حسن العشرة ولذة ما هنالك فهن العرب المتحببات إلى الأزواج بلطافة التبعل التي تمتزج بالروح أي امتزاج فما ظنك بامرأة إذا ضحكت في وجه زوجها أضاءت الجنة من ضحكها وإذا انتقلت من قصر إلى قصر قلت هذه الشمس متنقلة في بروج فلكها وإذا حاضرت زوجها فيا حسن تلك المحاضرة وان خاصرته فيا لذة تلك المعانقة والمخاصرة: وحديثها السحر الحلال لو أنه ... لم يجن قتل المسلم المتحرز إن طال لم يملل وان هي حدثت ... ود المحدث أنها لم توجز وإن غنت فيا لذة الأبصار والأسماع وان أنست وأمتعت فيا حبذا تلك المؤانسة والإمتاع وان قبلت فلا شيء أشهى إليه من ذلك التقبيل وان نولت فلا ألذ ولا أطيب من ذلك التنويل هذا وان سألت عن يوم المزيد وزيادة العزيز الحميد ورؤية وجهه المنزه عن التمثيل والتشبيه كما ترى الشمس في الظهيرة والقمر ليلة البدر كما تواتر عن الصادق المصدوق النقل فيه وذلك موجود في الصحاح والسنن والمسانيد من رواية جرير وصهيب وانس وأبي هريرة وأبي موسى وأبي سعيد فاستمع يوم ينادي المنادي يا أهل الجنة أن ربكم تبارك وتعالى يستزيركم فحي على زيارته فيقولون سمعا وطاعة وينهضون إلى الزيارة مبادرين فإذا بالنجائب قد أعدت لهم فيستوون على ظهورها مسرعين حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعدا وجمعوا هناك فلم يغادر الداعي منهم أحدا أمر الرب تبارك وتعالى بكرسيه فنصب هناك ثم نصبت لهم منابر من نور ومنابر من لؤلؤ ومنابر من زبرجد ومنابر من ذهب ومنابر من فضة وجلس أدناهم وحاشاهم إن يكون فيهم دنيء على كثبان المسك وما يرون أن أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا حتى إذا استقرت بهم مجالسهم واطمأنت بهم أماكنهم نادى المنادي يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون ما هو ألم يبيض وجوهنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 ويثقل موازيننا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار فبينما هم كذلك إذ سطع لهم نور أشرقت له الجنة فرفعوا رؤوسهم فإذا الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه قد أشرف عليهم من فوقهم وقال يا أهل الجنة سلام عليكم فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى يضحك إليهم ويقول يا أهل الجنة فيكون أول ما يسمعونه منه تعالى أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني فهذا يوم المزيد فيجتمعون على كلمة واحدة أن قد رضينا فأرض عنا فيقول يا أهل الجنة إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي هذا يوم المزيد فاسألوني فيجتمعون على كلمة واحدة أرنا وجهك ننظر إليه فيكشف لهم الرب جل جلاله الحجب ويتجلى لهم فيغشاهم من نوره ما لولا أن الله تعالى قضى أن لا يحترقوا لاحترقوا ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه تعالى محاضرة حتى أنه ليقول يا فلان أتذكر يوم فعلت كذا وكذا يذكره ببعض غدراته في الدنيا فيقول يا رب ألم تغفر لي فيقول بلى بمغفرتي بلغت منزلتك هذه فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة ويا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجه الكريم في الدار الآخرة ويا ذلة الراجعين بالصفقة الخاسرة {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} فحي على جنات عدن فإنها ... منازلك الأولى وفيها المخيم ولكننا سبي العدو فهل ترى ... نعود إلى أوطاننا ونسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 الباب الخامس والستون: في رؤيتهم ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم جهرة كما يرى القمر ليلة البدر وتجليه لهم ضاحكا إليهم هذا الباب اشرف أبواب الكتاب واجلها قدرا وأعلاها خطرا واقرها عينا أهل السنة والجماعة وأشدها على أهل البدعة والضلالة وهي الغاية التي شمر إليها المشمرون وتنافس فيها المتنافسون وتسابق إليها المتسابقون ولمثلها فليعمل العاملون إذا ناله أهل الجنة نسوا ما هم فيه من النعيم وحرمانه والحجاب عنه لأهل الجحيم اشد عليهم من عذاب الجحيم اتفق عليها الأنبياء والمرسلون وجميع الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام على تتابع القرون وأنكرها أهل البدع المارقون والجهمية المتهوكون والفرعونية المعطلون والباطنية الذين هم من جميع الأديان منسلخون والرافضة الذين هم بحبائل الشيطان متمسكون ومن حبل الله منقطعون وعلى مسبة أصحاب رسول الله عاكفون وللسنة وأهلها محاربون ولكل عدو لله ورسوله ودينه مسالمون وكل هؤلاء عن ربهم محجوبون وعن بابه مطرودون أولئك أحزاب الضلال وشيعة اللعين وأعداء الرسول وحزبه وقد اخبر الله سبحانه وتعالى عن أعلم الخلق به في زمانه وهو كليمه ونجيه وصفيه من أهل الأرض أنه سال ربه تعالى النظر إليه فقال له ربه تبارك وتعالى: {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً} وبيان الدلالة من هذه الآية من وجوه عديدة أحدها أنه لا يظن بكليم الرحمن ورسوله الكريم عليه أن يسأل ربه ما لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 يجوز عليه بل ما هو من أبطل الباطل وأعظم المحال وهو عند فروخ اليونان والصابئة والفرعونية بمنزلة أن يسأله أن يأكل ويشرب وينام ونحو ذلك مما يتعالى الله عنه فيا لله العجب كيف صار أتباع الصابئة والمجوس والمشركين عباد الأصنام وفروخ الجهمية والفرعونية أعلم بالله تعالى من موسى بن عمران وبما يستحيل عليه ويجب له واشد تنزيها له منه الوجه الثاني إن الله سبحانه وتعالى لم ينكر عليه سؤاله ولو كان محالا لأنكره عليه ولهذا لما سال إبراهيم الخليل ربه تبارك وتعالى أن يريه كيف يحيي الموتى لم ينكر عليه ولما سأل عيسى بن مريم ربه إنزال المائدة من السماء لم ينكر عليه سؤاله ولما سأل نوح ربه نجاة ابنه أنكر عليه سؤاله وقال: {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني اكن من الخاسرين الوجه الثالث أنه أجابه بقوله لن ترني ولم يقل لا تراني ولا إني لست بمرئي ولا تجوز رؤيتي والفرق بين الجوابين ظاهر لمن تأمله وهذا يدل على أنه سبحانه وتعالى يرى ولكن موسى لا تحتمل قواه رؤيته في هذه الدار لضعف قوة البشر فيها عن رؤيته تعالى يوضحه الوجه الرابع وهو قوله ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فأعلمه ان الجبل مع قوته وصلابته لا يثبت لتجليه له في هذه الدار فكيف بالبشر الضعيف الذي خلق من ضعف الوجه الخامس إن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل الجبل مستقرا مكانه وليس هذا بممتنع في مقدوره بل هو ممكن وقد علق به الرؤية ولو كانت مجالا في ذاتها لم يعلقها بالممكن في ذاته ولو كانت الرؤيا محالا لكان ذلك نظير أن يقول: إن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 استقر الجبل فسوف آكل واشرب وأنام فالأمران عندكم سواء الوجه السادس قوله سبحانه وتعالى {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً} وهذا من أبين الأدلة على جواز رؤيته تبارك وتعالى فإنه إذا جاز أن يتجلى للجبل الذي هو جماد لا ثواب له ولا عقاب عليه فكيف يمتنع أن يتجلى لأنبيائه ورسله وأوليائه في دار كرامتهم ويريهم نفسه فأعلم سبحانه وتعالى موسى إن الجبل إذا لم يثبت لرؤيته في هذه الدار فالبشر اضعف الوجه السابع أن ربه سبحانه وتعالى قد كلمه منه إليه وخاطبه وناجاه وناداه ومن جاز عليه التكلم والتكليم وان يسمع مخاطبه كلامه معه بغير واسطة فرؤيته أولى بالجواز ولهذا لا يتم إنكار الرؤية إلا بإنكار التكليم وقد جمعت هذه الطوائف بين إنكار الأمرين فأنكروا أن يكلم أحدا أو يراه أحد ولهذا سأله موسى عليه السلام النظر إليه واسمعه كلامه وعلم نبي الله جواز رؤيته من وقوع خطا به وتكليمه لم يخبره باستحالة ذلك عليه ولكن أراه أن ما سأله لا يقدر على احتماله كما لم يثبت الجبل لتجليه وأما قوله تعالى: {لَنْ تَرَانِي} فإنما يدل على النفي في المستقبل ولا يدل على دوام النفي ولو قيدت بالتأبيد فكيف إذا أطلقت قال تعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً} مع قوله تعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 فصل الدليل الثاني قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ} وقوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلام} وقوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ} وقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} وأجمع أهل اللسان على أن اللقاء متى نسب إلى الحي السليم من العمى والمانع اقتضى المعاينة والرؤية ولا ينتقض هذا بقوله تعالى: فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه فقد دلت الأحاديث الصحيحة الصريحة على أن المنافقين يرونه تعالى في عرصات القيامة بل والكفار أيضا كما في الصحيحين من حديث التجلي يوم القيامة وسيمر بك عن قريب إن شاء الله تعالى وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال لأهل السنة احدها أن لا يراه إلا المؤمنون والثاني يراه جميع أهل الموقف مؤمنهم وكافرهم ثم يحتجب عن الكفار فلا يرونه بعد ذلك والثالث يراه المنافقون دون الكفار والأقوال الثلاثة في مذهب احمد وهي لأصحابه وكذلك الأقوال الثلاثة بعينها لهم في تكليمه لهم وشيخنا في ذلك منصف مفرد وحكى فيه أقوال الثلاثة وحجج أصحابها وكذا قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} إن عاد الضمير على العمل فهو رؤيته في الكتاب مسطورا مثبتا وإن عاد على الرب سبحانه وتعالى فهو لقاؤه الذي وعد به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 الدليل الثالث قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} فالحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجهه الكريم كذلك فسرها رسول الله الذي انزل عليه القران فالصحابة من بعده كما روى مسلم في صحيحيه من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا ويريد أن ينجزكموه فيقولون ما هو ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار فيكشف الحجاب فينظرون الله فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه وهي الزيادة وقال الحسن بن عرفة حدثنا مسلم بن سالم البلخي عن نوح بن أبي مريم عن ثابت عن أنس قال سئل رسول الله عن هذه الآية للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال للذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى وهي الجنة والزيادة وهي النظر إلى وجه الله تعالى وقال محمد بن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا إبراهيم بن المختار عن ابن جريج عن عطاء عن كعب بن عجزة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال الزيادة النظر إلى وجه الرحمن جل جلاله قلت لعطاء هذا هو الخراساني وليس عطاء بن أبي رباح قال ابن جرير وحدثنا ابن عبد الرحيم حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال سمعت زهيرا بن محمد قال حدثني من سمع أبا العالية الرياحي يحدثوا قال يعقوب ابن سفيان حدثنا صفوان بن صالح حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا زهير بن محمد قال حدثني من سمع أبا العالية الرياحي يحدث عن أبي كعب قال سألت رسول الله عن الزيادة في كتاب الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 عز وجل قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل وقال أسد السنة حدثنا قيس بن الربيع عن أبان عن أبي تميمة الهيجمي أنه سمع أبا موسى يحدث أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يبعث الله عز وجل يوم القيامة مناديا ينادي يا أهل الجنة بصوت يسمع أولهم وآخرهم أن الله وعدكم الحسنى والحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل" وقال ابن وهب أخبرني شبيب عن إبان عن ابن تيمية الهجيمي أنه سمع أبا موسى الأشعري يحدث عن رسول الله أن الله عز وجل يأمر يوم القيامة مناديا ينادي يا أهل الجنة بصوت يسمع أولهم وأخرهم أن الله وعدكم الحسنى وزيادة الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الرحمن وأما الصحابة فقال ابن جرير حدثنا ابن يسار حدثنا عبد الرحمن هو ابن مهدي حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال النظر إلى وجه الله الكريم وبهذا الإسناد عن أبي إسحاق عن مسلم بن يزيد عن حذيفة للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال النظر إلى وجه ربهم تعالى وحدثنا على بن عيسى حدثنا شبابة حدثنا أبو بكر الهذلي قال سمعت أبا تميمة الهجيمي يحدث عن أبي موسى الأشعري قال إذا كان يوم القيامة يبعث الله تعالى إلى أهل الجنة مناديا ينادي هل أنجزكم الله ما وعدكم فينظرون إلى ما اعد الله لهم من الكرامة فيقولون نعم فيقول للذين أحسنوا الحسنى وزيادة النظر إلى وجه الرحمن عز وجل" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 وقال عبد الله بن المبارك عن أبي بكر الهذلي أنبأنا أبو تميمة قال سمعت أبا موسى الأشعري يخطب الناس في جامع البصرة ويقول أن الله يبعث يوم القيامة ملكا إلى أهل الجنة فيقول يا أهل الجنة هل أنجزكم الله ما وعدكم فينظرون فيرون الحلي والحلل والأنهار والأزواج المطهرة فيقولون نعم قد أنجزنا الله ما وعدنا ثم يقول الملك هل أنجزكم الله ما وعدكم ثلاث مرات فلا ينقدون شيئا مما وعدوا فيقولون نعم فيقول قد بقي لكم شيء إن الله عز وجل يقول للذين أحسنوا الحسنى وزيادة إلا أن الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله تعالى وفي تفسير أسباط بن نصر عن إسماعيل السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة قال أما الحسنى فالجنة وأما الزيادة فالنظر إلى وجه الله تعالى وأما القتر فالسواد وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى وعامر بن سعد وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي والضحاك بن مزاحم وعبد الرحمن بن سابط وأبو إسحاق السبيعي وقتادة وسعيد بن المسيب والحسن البصري وعكرمة مولى ابن عباس ومجاهد بن جبر الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله تعالى وقال غير واحد من السلف في الآية ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة بعد النظر إليه والأحاديث عنهم بذلك صحيحة ولما عطف سبحانه الزيادة على الحسنى التي هي الجنة دل على إنها أمر آخر من وراء الجنة وقدر زائد عليها ومن فسر الزيادة بالمغفرة والرضوان فهو من لوازم رؤية الرب تبارك وتعالى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 فصل الدليل الرابع قوله تعالى: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} ووجه الاستدلال بها أنه سبحانه وتعالى جعل من أعظم عقوبة الكفار كونهم محجوبين عن رؤيته واستماع كلامه فلو لم يره المؤمنون ولم يسمعوا كلامه كانوا أيضا محجوبين عنه وقد احتج بهذه الحجة الشافعي نفسه وغيره من الأئمة فذكر الطبراني وغيره من المزي قال سمعت الشافعي يقول في قوله عز وجل: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} فيها دليل على أن أولياء الله يرون ربهم يوم القيامة وقال الحاكم حدثنا الأصم أنبأنا الربيع بن سليمان قال حضرت محمد بن إدريس الشافعي وقد جاءته رقعة من الصعيد فيها ما تقول في قول الله عز وجل: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} فقال الشافعي لما أن حجب هؤلاء في السخط كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضي قال الربيع فقلت يا أبا عبد الله وبه تقول قال نعم وبه أدين الله ولو لم يوقن محمد بن إدريس أنه يرى الله لما عبد الله عز وجل ورواه الطبراني في شرح السنة من طريق الأصم أيضا وقال أبو زرعة الرازي سمعت احمد بن محمد بن الحسين يقول سئل محمد بن عبد الله ابن الحكم هل يرى الخلق كلهم ربهم يوم القيامة المؤمنون والكفار فقال محمد ابن عبد الله ليس يراه إلا المؤمنون قال ممد وسئل الشافعي عن الرؤية فقال يقول الله تعالى: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} ففي هذا دليل على أن المؤمنين لا يحجبون عن الله عز وجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 فصل الدليل الخامس قوله عز وجل {لهم ما يشاؤن فيها ولدينا مزيد} قال الطبراني قال علي بن أبي طالب وانس بن مالك هو النظر إلى وجه الله عز وجل وقاله من التابعين زيد بن وهب وغيره فصل الدليل السادس قوله عز وجل لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار والاستدلال بهذا أعجب فإنه من أدلة النفاة وقد قرر شيخنا وجه الاستدلال به أحسن تقرير وألطفه وقال لي أنا ألتزم أنه لا يحتج مبطل بآية أو حديث صحيح على باطله إلا وفي ذلك الدليل ما يدل على نقيض قوله فمنها هذه الآية وهي على جواز الرؤية أدل منها على امتناعها فان الله سبحانه إنما ذكرها في سياق التمدح ومعلوم أن المدح إنما يكون بالأوصاف الثبوتية وأما العدم المحض فليس بكمال ولا يمدح به وإنما يمدح الرب تبارك وتعالى بالعدم إذا تضمن أمرا وجوديا كتمدحه بنفي السنة والنوم المتضمن كمال القيومية ونفي الموت المتضمن كمال الحياة ونفي اللغوب والإعياء المتضمن كمال القدرة ونفي الشريك والصاحبة والولد والظهير المتضمن كمال ربوبيته والهيئة وقهره ونفي الأكل والشرب المتضمن كمال الصمدية وغناه ونفي الشفاعة عنده بدون إذنه المتضمن كمال توحيده وغناه عن خلقه ونفي الظلم المتظمن كمال عدله وعلمه وغناه ونفي النسيان وعزوب شيء عن علمه المتضمن كمال علمه وإحاطته ونفي المثل المتضمن لكمال ذاته وصفاته ولهذا لم يتمدح بعدم محض لا يتضمن أمرا ثبوتيا فان المعدوم يشارك الموصوف في ذلك العدم ولا يوصف الكامل بأمر يشترك هو والمعدوم فيه فلو كان المراد بقوله لا تدركه الأبصار أنه لا يرى بحال لم يكن في ذلك مدح ولا كمال لمشاركة المعدوم له في ذلك فان العدم الصرف لا يرى ولا تدركه الأبصار والرب جل جلاله يتعالى إن يمدح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 بما يشاركه فيه العدم المحض فإذا المعنى أنه يرى ولا يدرك ولا يحاط به كما كان المعنى في قوله وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة أنه يعلم كل شيء وفي قوله وما مسنا من لغوب أنه كامل القدرة وفي قوله ولا يظلم ربك أحدا أنه كامل العدل وفي قوله لا تأخذه سنة ولا نوم أنه كامل القيومية فقوله لا تدركه الأبصار يدل على غاية عظمته وأنه اكبر من كل شيء وأنه لعظمته لا يدرك بحيث يحاط به فان الإدراك هو الإحاطة بالشيء وهو قدر زائد على الرؤية كما قال تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاّ} فلم ينف عن موسى الرؤية ولم يريدوا بقولهم أنا لمدركون أنا لمرئيون فان موسى صلوات الله وسلامه عليه نفى إدراكهم إياهم بقوله كلا واخبر الله سبحانه وتعالى أنه لا يخاف دركهم بقوله: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى} فالرؤية والإدراك كل منهما يوجد مع الآخر وبدونه فالرب تعالى يرى ولا يدرك كما يعلم ولا يحاط به وهذا هو الذي فهمه الصحابة والأئمة من الآية قال بن عباس لا تدركه الأبصار لا تحيط به الأبصار قال قتادة هو أعظم من أن تدركه الأبصار وقال عطية ينظرون إلى الله ولا تحيط أبصارهم به من عظمته وبصره يحيط بهم فذلك قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} فالمؤمنون يرون ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم عيانا ولا تدركه أبصارهم بمعنى أنها لا تحيط به إذ كان غير جائز أن يوصف الله عز وجل بان شيئا يحيط به وهو بكل شيئا محيط وهكذا يسمع كلام من يشاء من خلقه ولا يحيطون بكلامه وهكذا يعلم الخلق ما علمهم ولا يحيطون بعلمه ونظير هذا استدلالهم على نفى الصفات بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وهذا من أعظم الأدلة على كثرة صفات كماله ونعوت جلاله وإنها لكثرتها وعظمتها وسعتها لم يكن له مثل فيها وإلا فلو أريد بها نفي الصفات لكان العدم المحض أولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 بهذا المدح منه مع أن جميع العقلاء إنما يفهمون من قول القائل فلان لا مثل له وليس له نظير ولا شبيه ولا مثل أنه قد تميز عن الناس بأوصاف ونعوت لا يشاركونه فيها وكلما كثرت أوصافه ونعوته فات أمثاله وبعد عن مشابهة أضرابه فقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} من أدل شيء على كثرة نعوته وصفاته وقوله لا تدركه الأبصار من أدل شيء على أنه يرى ولا يدرك وقوله هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير من أدل شيء على مباينة الرب لخلقه فانه لم يخلقهم في ذاته بل خلقهم خارج عن ذاته ثم بان عنهم باستوائه على عرشه وهو يعلم ما هم عليه فيراهم وينفذهم بصره ويحيط بهم علما وقدرة وإرادة وسمعا وبصرا فهذا معنى كونه سبحانه معهم أينما كانوا وتأمل حسن هذه المقابلة لفظا ومعنى وبين قوله {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَار} فانه سبحانه لعظمته يتعالى أن تدركه الأبصار وتحيط به وللطفه وخبرته يدرك الأبصار فلا تخفي عليه فهو العظيم في لطفه اللطيف في عظمته العالي في قربه القريب في علوه الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير فصل الدليل السابع قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وأنت إذا أجرت هذه الآية من تحريفها عن مواضعها والكذب على المتكلم بها سبحانه فيما أراده منها وجدتها منادية نداء صريحا إن الله سبحانه يرى عيانا بالأبصار يوم القيامة وإن أبيت إلا تحريفها الذي يسميه المحرفون تأويلا فتأويل نصوص المعاد والجنة والنار والميزان والحساب أسهل على أربابه من تأويلها وتأويل كل نص تضمنه القران والسنة كذلك ولا يشاء مبطل على وجه الأرض أن يتأول النصوص ويحرفها عن مواضعها إلا وجد إلى ذلك من السبيل ما وجده متأول مثل هذه النصوص وهذا الذي افسد الدين والدنيا وإضافة النظر إلى الوجه الذي هو محله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 في هذه الآية وتعديته بأداة إلى الصريحة في نظر العين وإخلاء الكلام من قرينة تدل على أن المراد بالنظر المضاف إلى الوجه المعدي بإلى خلاف حقيقته وموضوعه صريح في أن الله سبحانه وتعالى أراد بذلك نظر العين وإخلاء الكلام من قرينه تدل على أن المراد بالنظر المضاف إلى الوجه المعدي بالي خلاف حقيقة وموضوعه صريح في أن الله سبحانه وتعالى أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى نفس الرب جل جلاله فان النظر له عدة استعمالات بحسب صلاته وتعديه بنفسه فان عدى بنفسه فمعناه التوقف والانتظار كقوله {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} وأن عدى بـ:"في" فمعناه التفكر والاعتبار كقوله أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وأن عدى بـ: "إلى" فمعناه المعاينة بالأبصار كقوله {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر قال يزيد بن هارون أنبانا مبارك عن الحسن قال نظرت إلى ربها تبارك وتعالى فنظرت بنوره فاسمع الآن أيها السني تفسير النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين وأئمة الإسلام لهذه الآية قال ابن مردويه في تفسيره حدثنا إبراهيم عن محمد حدثنا صالح بن احمد حدثنا يزيد بن الهيثم حدثنا محمد ابن الصباح حدثنا المصعب بن المقدام حدثنا سفيان عن ثوير بن أبي ناجية عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} قال من البهاء والحسن إلى ربها ناظرة قال في وجه الله عز وجل وقال أبو صالح عن ابن العباس إلى ربها ناظرة قال تنظر إلى وجه ربها عز وجل وقال عكرمة وجوه يومئذ ناضرة قال من النعيم إلى ربها ناظرة قال تنظر إلى ربها نظرا ثم حكى عن ابن عباس مثله وهذا قول كل مفسر من أهل السنة والحديث. فصل وأما الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الدالة على الرؤية فمتواترة رواها عنه أبو بكر الصديق وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري وجرير ابن عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 البجلي وصهيب بن سنان الرومي وعبد الله بن مسعود الهذلي وعلي ابن أبي طالب وأبو موسى الأشعري وعدي بن حاتم الطائي وانس بن مالك الأنصاري وبريدة بن الحصيب الأسلمي وأبو رزين العقيلي وجابر بن عبد الله الأنصاري وأبو أمامة الباهلي وزيد بن ثابت وعمار بن ياسر وعائشة أم المؤمنين وعبد الله بن عمر وعمارة بن رويبة وسلمان الفارسي وحذيفة بن اليمان وعبد الله ابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وحديثه موقوف وأبي بن كعب وكعب بن عجرة وفضالة بن عبيد وحديثه موقوف ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم غير مسمى فهاك سياق أحاديثهم من الصحاح والمسانيد والسنن وتلقاها بالقبول والتسليم وانشراح الصدر لا بالتحريف والتبديل وضيق العطن ولا تكذب بها فمن كذب بها لم يكن إلى وجه ربه من الناظرين وكان عنه يوم القيامة من المحجوبين فصل فأما حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال الإمام احمد حدثنا إبراهيم ابن إسحاق الطالقاني قال حدثني النضر بن شميل المازني قال حدثني أبو نعامة قال حدثني أبو عنيدة البراء بن نوفل عن دالان العدوي عن حذيفة عن أبي بكر الصديق قال أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فصلى الغداة فجلس حتى إذا كان من الضحى ضحك الرسول ثم جلس مكانه حتى صلى الأولى والعصر والمغرب كل ذلك لا يتكلم حتى صلى العشاء الأخيرة ثم قام إلى أهله فقال الناس لأبي بكر: ألا تسأل رسول الله ما شانه صنع اليوم شيئا لم يصنعه قط قال فسأله فقال نعم عرض علي ما هو كائن من أمر الدنيا والآخرة فجمع الأولون والآخرون في صعيد واحد فقطع الناس بذلك حتى انطلقوا إلى آدم والعرق ويكتد يلجمهم فقالوا يا آدم أنت أبو البشر وأنت اصطفاك الله عز وجل اشفع لنا إلى ربك قال قد لقيت مثل الذي لقيتم انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم إلى نوح: {إِنَّ اللَّهَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} قال فينطلقون إلى نوح عليه الصلاة والسلام فيقولون اشفع لنا إلى ربك فأنت اصطفاك الله واستجاب لك في دعاءك ولم يدع على الأرض من الكافرين ديارا فيقول ليس ذلكم عندي انطلقوا إلى إبراهيم فإن الله اتخذه خليلا فينطلقون إلى إبراهيم فيقول ليس ذلكم عندي انطلقوا موسى فإن الله عز وجل كلمه تكليما فيقول موسى ليس ذلك عندي انطلقوا إلى عيسى ابن مريم فإنه كان يبرأ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى فيقول عيسى ليس ذلكم عندي انطلقوا إلى سيد ولد آدم انطلقوا إلى محمد فليشفع لكم إلى ربكم قال فينطلق فيأتي جبريل ربه تبارك وتعالى فيقول له الله عز وجل ائذن له وبشره بالجنة فينطلق به جبريل صلى الله عليه وسلم فيخر ساجدا قدر جمعة ويقول الله عز وجل ارفع رأسك وقل تسمع واشفع تشفع قال فيرفع رأسه فإذا نظر إلى وجه ربه خر ساجدا قدر جمعة أخرى فيقول الله عز وجل ارفع رأسك وقل تسمع واشفع تشفع قال فيذهب ليقع ساجدا فيأخذ جبريل بضبعيه فيفتح الله عليه من الدعاء شيئا لم يفتحه على بشر قط فيقول أي رب خلقتني سيد ولد آدم ولا فخر وأول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة ولا فخر حتى أنه ليرد على الحوض أكثر مما بين صنعاء وأيلة ثم يقال ادعوا الصديقين فيشفعون ثم يقال ادعوا الأنبياء قال فيجيء النبي ومعه العصابة والنبي صلى الله عليه وسلم معه الخمسة والستة والنبي ليس معه أحد ثم يقال ادعوا الشهداء فيشفعون لمن أرادوا قال فإذا فعلت الشهداء ذلك قال فيقول الله عز وجل أنا ارحم الراحمين ادخلوا جنتي من كان لا يشرك بي شيئا قال فيدخلون الجنة قال ثم يقول الله عز وجل انظروا في أهل النار هل تلقون من أحد عمل خيرا قط قال فيجدون في النار رجلا فيقولون له هل عملت خيرا قط فيقول لا غير إني كنت أسامح الناس في البيع فيقول الله عز وجل اسمحوا لعبدي بسماحته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 إلى عبيدي ثم يخرجون من النار رجلا يقول له هل عملت خيرا قط فيقول لا غير إني أمرت ولدي إذا مت فأحرقوني في النار ثم اطحنوني حتى إذا كنت مثل الكحل فاذهبوا بي إلى البحر فاذروني في الريح فو الله لا يقدر على رب العالمين أبدا فقال الله عز وجل له لم فعلت ذلك قال من مخافتك قال فيقول الله عز وجل انظر إلى ملك أعظم ملك فان لك مثله وعشرة أمثاله قال فيقول أتسخر بي وأنت الملك قال وذلك الذي ضحكت منه من الضحى فصل وأما حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن ناسا قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل نرى ربنا يوم القيامة فقال رسول الله هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر قالوا لا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب قالوا لا قال فإنكم ترونه كذلك يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر والقمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله تعالى في صورة غير صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله عز وجل في صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه ويضرب الصراط بين ظهر إني جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجيز ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم السعدان قالوا: نعم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله عز وجل تخطف الناس بأعمالهم فمنهم الموبق بعمله ومنهم المجازى حتى ينجو فإذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله أن يرحمه ممن يقول لا اله إلا الله فيعرفونهم بأثر السجود وتأكل النار من ابن آدم إلا اثر السجود وحرم الله على النار أن تأكل أثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 السجود فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار وهو آخر أهل الجنة دخولا الجنة فيقول أي رب اصرف وجهي عن النار فانه قد شبني ريحها واحرقني ذكاؤها فيدعو الله ما شاء الله أن يدعوه ثم يقول الله تبارك وتعالى هل عسيت إن فعلت ذلك أن تسأل غيره فيقول لا أسألك غيره فيعطي ربه من عهود ومواثيق ما شاء الله فيصرف الله عن وجهه عن النار فإذا اقبل على الجنة ورآها سكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول أي ربي قدمني الى باب الجنة فيقول الله أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك لا تسألني غير الذي أعطيتك ويلك يا ابن آدم ما أغدرك فيقول أي ربي فيدعو الله حتى يقول له فهل عسيت إن أعطيتك ذلك أن تسألني غيره فيقول لا وعزتك فيعطي ربه ما شاء من عهود ومواثيق فيقدمه الله تعالى إلى باب الجنة فإذا قام على باب الجنة أنفهقت له الجنة فرأى ما فيها من الخير والسرور فسكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول أي رب أدخلني الجنة فيقول الله تبارك وتعالى له أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسألني غير ما أعطيت ويلك يا ابن آدم ما أغدرك فيقول أي رب لا أكون أشقى خلقك فلا يزال يدعو الله حتى يضحك الله منه فإذا ضحك الله منه قال ادخل الجنة فإذا دخلها قال الله له تمن فيسأل ربه ويتمنى حتى إن الله ليذكره فيقول تمن كذا وكذا حتى إذا انقطعت به الأماني قال الله عز وجل ذلك لك ومثله معه قال أبو سعيد الخدري وعشرة أمثاله معه قال عطاء بن يزيد وأبو سعيد الخدري مع أبي هريرة لا يرد عليه من حديثه شيئا حتى إذا حدث أبو هريرة قال إن الله عز وجل قال لذلك الرجل ومثله معه قال أبو سعيد وعشرة أمثاله معه يا أبا هريرة قال أبو هريرة ما حفظت إلا قوله ذلك لك ومثله معه قال أبو سعيد اشهد إني حفظت من رسول الله قوله ذلك لك وعشرة أمثاله قال أبو هريرة وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا الجنة وفي الصحيحين أيضا عن أبي سعيد الخدري أن ناسا في زمن رسول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل نرى ربنا يوم القيامة قال رسول الله نعم هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب قالوا لا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما تضارون في رؤيته تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن ليتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار حتى إذا لم يبقى إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر وغبرات أهل الكتاب فتدعى اليهود فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد عزير بن الله فيقال كذبتم ما اتخذ الله من صاحبه ولا ولد فماذا تبغون قالوا عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار إليهم إلا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار ثم تدعى النصارى فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال لهم كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فيقال لهم ماذا تبغون فيقولون عطشنا يا ربنا فاسقنا قال فيشار إليهم ألا تردون فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر أتاهم الله رب العالمين سبحانه وتعالى في أدنى صورة من التي راوه فيها قال فماذا تنتظرون لتتبع كل أمة ما كانت تعبد قالوا يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا مرتين أو ثلاثا حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه بها فيقولون نعم فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ثم يرفعون رؤوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا ثم يضرب لهم الجسر على جهنم وتحل الشفاعة قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما الجسر قال دحض مزلة في خطاطيف وكلاليب وحسكة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم حتى إذا خلص المؤمنون من النار فو الذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد مناشدة في استيفاء الحق من المؤمنين لله تعالى يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم اخرجوا من عرفتهم فيحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى أنصاف ساقيه وإلى ركبتيه فيقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم ندر فيها ممن أمرتنا أحدا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم بقى تدر فيها أحد ممن أمرتنا فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم ندر فيها ممن أمرتنا أحدا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم ندر فيها خيرا قط وكان أبو سعيد الخدري يقول إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤوا إن شئتم: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} فيقول الله عز وجل شفعت الملائكة وشفع النبي صلى الله عليه وسلمون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا ارحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوم لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل إلا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون منها إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنك كنت ترعى بالبادية قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتيم يعرفهم أهل الجنة فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه ثم يقول ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين فيقول لكم عندي أفضل من هذا فيقولون يا ربنا وأي شيء أفضل من هذا فيقول تعالى رضائي فلا اسخط عليكم بعده أبدا" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 فصل وأما حديث جرير بن عبد الله ففي الصحيحين من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عنه قال كنا جلوسا مع النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة فقال إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فافعلوا ثم قرأ قوله فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب رواه عن إسماعيل بن أبي خالد عبد الله بن إدريس الأزدي ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن محمد المحاربي وجرير بن عبد الحميد وعبيد بن حميد وهشيم بن بشير وعلي بن عاصم وسفيان بن عيينة ومروان بن معاوية وأبو أسامة وعبد الله بن نمير ومحمد بن عبيد وأخوه يعلى بن عبيد ووكيع بن الجراح ومحمد بن الفضيل والطفاوي ويزيد بن هارون وإسماعيل ابن أبي خالد وعنبسة بن سعيد والحسن بن صالح بن حي وورقاء بن عمرو وعمار بن زريق وأبو الأعز سعيد ابن عبد الله ونصر بن طريف وعمار بن محمد والحسن بن عياش أخو أبو بكر ويزيد بن عطاء وعيسى بن يونس وشعبة بن الحجاج وعبد الله بن المبارك وأبو حمزة السكري وحسين بن واقد ومعمر بن سليمان وجعفر بن زياد وخداش بن المهاجر وهريم ابن سفيان ومندل بن علي وأخوه سنان بن علي وعمر بن يزيد وعبد الغفار بن القاسم ومحمد بن بشير الحريري ومالك بن مغول وعصام بن النعمان وعلي بن القاسم الكندي وعبيد بن الأسود الهمدإني وعبد الجبار ابن العباس والمعلى بن هلال ويحيى بن زكريا ابن أبي زائدة والصباح بن محارب ومحمد بن عيسى وسعيد بن حازم وأبان بن أرقم وعمرو بن النعمان ومسعود بن سعد الجعفي وعثمان بن علي وحسن بن حبيب وسنان بن هارون البرجمي ومحمد بن يزيد الواسطي وعمرو بن هشام ومحمد بن مروان ويعلى بن الحارث المحاربي وشعيب بن راشد والحسن بن دينار وسلام ابن أبي مطيع وداود بن الزبرقان وحماد بن أبي حنيفة ويعقوب بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 حبيب وحكام ابن سلم وأبو مقاتل بن حفص ومسيب بن شريك وأبو حنيفة النعمان بن ثابت وعمرو بن سمر الجعفي وعمرو بن عبد الغفار التيمي وسيف بن هارون البرجمي أخو سنان وعابد بن حبيب ومالك بن سعير بن الخمس ويزيد بن عطاء مولى أبي عوانة وخالد بن يزيد العصري وعبد الله بن موسى وخالد بن عبد الله الطحان وأبو كدينة يحيى بن المهلب ورقبة بن مصقلة ومعمر بن سليمان الرقي ومرحى ابن رجاء وعمرو بن جرير ويحيى بن هاشم السمسار وإبراهيم ابن طهمان وخارجة ابن مصعب وعبد الله بن عثمان شريك شعبة وعبد الله بن فروح وزيد ابن أبي أنيسة وجوده فقال فستعاينون ربكم عز وجل كما تعاينون هذا القمر وأبو شهاب الخياط وقال سترون ربكم عيانا وحارثة بن هرم وعاصم بن حكيم ومقاتل بن سليمان وأبو جعفر الرازي والحسن بن أبي جعفر والوليد بن عمرو وأخوه عثمان بن عمرو وعبد السلام بن عبد الله بن قرة العنبري ويزيد بن عبد العزيز وعلي بن صالح بن حي وزفر بن الهذيل والقاسم بن معن تابع إسماعيل بن أبي خالد عن قيس جماعة منهم بيان بن بشر ومجالد بن سعيد وطارق بن عبد الرحمن وجرير بن يزيد بن جرير البجلي وعيسى بن المسيب كلهم عن قيس ابن أبي حازم عن جرير وكل هؤلاء شهدوا على إسماعيل بن أبي خالد وشهد إسماعيل بن أبي خالد على قيس ابن أبي حازم وشهد قيس بن أبي حازم على جرير بن عبد الله وشهد جرير بن عبد الله على رسول الله فكأنك تسمع رسول الله وهو يقول ويبلغه لامته ولا شيء اقر لأعينهم منه وشهدت الجهمية والفرعونية والرافضة والقرامطة والباطنية وفروخ الصابئة والمجوس واليونان بكفر من اعتقد ذلك وأنه من أهل التشبيه والتجسيم وتابعهم على ذلك كل عدو للسنة وأهلها والله تعالى ناصر كتابه وسنة رسوله ولو كره الكافرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 فصل وأما حديث صهيب فرواه مسلم في صحيحه من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال قال رسول الله إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله عز وجل تريدون شيئا أزيدكم يقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم ثم تلا هذه الآية للذين أحسنوا الحسنى وزيادة وهذا حديث رواه الأئمة عن حماد وتلقوه عن نبيهم بالقبول والتصديق فصل وأما حديث عبد الله بن مسعود فقال الطبرإني حدثنا محمد بن نصر الأزدي وعبد الله بن احمد بن حنبل والحضرمي قالوا حدثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة الحراني حدثنا محمد بن سلمة الحراني عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة بن عبد الله عن مسروق بن الأجدع حدثنا عبد الله بن مسعود عن رسول الله قال يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياما أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء قال وينزل الله عز وجل في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي ثم ينادي مناد أيها الناس ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا أن يولى كل ناس منكم ما كانوا يتولون ويعبدون في الدنيا أليس ذلك عدلا من ربكم قالوا بلى قال فينطلق كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويتولون في الدنيا قال فينطلقون ويمثل لهم أشباه ما كانوا يعبدون فمنهم من ينطلق إلى الشمس ومنهم من ينطلق إلى القمر وإلى الأوثان من الحجارة وأشباه ما كانوا يعبدون قال ويمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى ويمثل لمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 كان يعبد عزيرا شيطان عزير ويبقى محمد وأمته فيأتيهم الرب عز وجل فيقول ما بالكم لا تنطلقون كما انطلق الناس قال فيقولون إن لنا إلها ما رأيناه بعد فيقول هل تعرفونه إن رأيتموه فيقولون أن بيننا وبينه علامة إذا رأيناها عرفناه قال فيقول ما هي فيقولون يكشف عن ساقه فعند ذلك يكشف عن ساق فيخرون له سجدا ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر يريدون السجود فلا يستطيعون وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ثم يقول ارفعوا رؤوسكم فيرفعون رؤوسهم فيعطيهم نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يعطى نوره على قدر الجبل العظيم يسعى بين أيديهم ومنهم من يعطى نورا اصغر من ذلك ومنهم من يعطى نورا مثل النخلة بيمينه ومنهم من يعطى نورا اصغر من ذلك حتى يكون آخرهم رجلا يعطى نوره على إبهام قدمه يضيء مرة ويطفئ مرة فإذا أضاء قدم قدمه ومشى وإذا أطفئ قام والرب تبارك وتعالى أمامهم حتى يمر في النار فيبقى أثره كحد السيف قال ويقول مروا فيمرون على قدر نورهم منهم من يمر كطرف العين ومنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالسحاب ومنهم من يمر كانقضاض الكوكب ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كشد الفرس ومنهم كشد الرحل حتى يمر الذي أعطى نوره على قدر إبهام قدمه يحبو على وجهه ويديه ورجليه تجر يد وتعلق يد وتجر رجل وتعلق رجل وتصيب جوانبه النار فلا يزال كذلك حتى يخلص فإذا خلص وقف عليها ثم قال الحمد لله لقد أعطاني الله ما لم يعط أحدا إذ نجاني منها بعد أن رأيتها قال فينطلق به إلى غدير عند باب الجنة فيغتسل فيعود إليه ريح أهل الجنة وألوانهم فيرى ما في الجنة من خلال الباب فيقول رب أدخلني الجنة فيقول الله تبارك وتعالى له أتسال الجنة وقد نجيتك من النار فيقول يا رب اجعل بيني وبينها حجابا لا اسمع حسيسها قال فيدخل الجنة قال ويرى أو يرفع له منزل أمام ذلك كأنما الذي هو فيه حلم ليدخله فيقول رب اعطني ذلك المنزل فيقول لعلك إن أعطيتكه تسأل غيره فيقول لا وعزتك لا أسأل غيره وأي منزل يكون أحسن منه قال فيعطاه فينزله قال ويرى أو يرفع له إمام ذلك منزل آخر ليدخله فيقول رب اعطني ذلك المنزل فيقول الله عز وجل فلعلك إن أعطيتكه تسأل غيره فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره وأي منزل يكون أحسن منه قال فيعطاه فينزله قال ويرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 أو يرفع له أمام ذلك منزل آخر كأنما الذي هو فيه إليه حلم فيقول رب اعطني ذلك المنزل فيقول الله جل جلاله فلعلك إن أعطيتكه تسال غيره قال لا وعزتك لا أسال غيره وأي منزل يكون أحسن منه قال فيعطاه فينزله ثم يسكت فيقول الله عز وجل مالك لا تسأل فيقول رب لقد سألتك حتى استحييتك وأقسمت لك حتى استحييتك فيقول الله عز وجل ألا ترضى أن أعطيك مثل الدنيا منذ يوم خلقتها إلى يوم أفنيتها وعشرة أضعافه فيقول أتستهزئ بي وأنت رب العزة فيضحك الرب عز وجل من قوله قال فرأيت عبد الله بن مسعود إذا بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن قد سمعتك تحدث بهذا الحديث مرارا كلما بلغت هذا المكان ضحكت فقال إني سمعت رسول الله يحدث بهذا الحديث مرارا كلما بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك حتى تبدو أضراسه قال فيقول رب العزة عز وجل لا ولكني على ذلك قادر سل فيقول ألحقني بالناس فيقول الحق ألحق بالناس قال فينطلق يرمل في الجنة حتى إذا دنا من الناس رفع له قصر من درة فيخر ساجدا فيقال له ارفع رأسك مالك فيقول رأيت ربي أو تراءى لي ربي فيقال له إنما هو منزل من منازلك قال ثم يلقى فيها رجلا فيهيأ للسجود فيقال له مه مالك فيقول رأيت إنك ملك من الملائكة فيقول له إنما أنا خازن من خزانك عبد من عبيدك تحت يدي ألف قهرمان على مثل ما أنا عليه قال فينطلق أمامه حتى يفتح له القصر قال وهو في درة مجوفة سقائفها وأبوابها وإغلاقها ومفاتيحها منها تستقبله جوهرة خضراء مبطنة بحمراء كل جوهرة تفضي إلى جوهرة على غير لون الأخرى في كل جوهرة سرور وأزواج ووصائف أدناهن حوراء عيناء عليها سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء حللها كبدها مرآته وكبده مرآتها إذا اعرض عنها أعرضت ازدادت في عينه سبعين ضعفا عما كانت قبل ذلك فيقول لها والله لقد ازددت في عيني سبعين ضعفا فتقول له والله والله وأنت لقد ازددت في عيني سبعين ضعفا فيقال له اشرف قال فيشرف فيقال له ملكك مسيرة مائة عام ينفذه بصره قال فقال عمر إلا تسمع إلى ما يحدثنا ابن أم عبد يا كعب عن أدنى أهل الجنة منزلا فكيف أعلاهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 قال كعب يا أمير المؤمنين فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت أن الله عز وجل جعل دارا فيها ما شاء من الأزواج والثمرات والأشربة ثم أطبقها فلم يرها أحد من خلقه لا جبريل ولا غيره من الملائكة ثم قرأ كعب {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} قال وخلق دون ذلك جنتين وزينهما بما شاء وأراهما من شاء من خلقه ثم قال من كان كتابه في عليين نزل تلك الدار التي لم يرها أحد حتى أن الرجل من أهل عليين ليخرج فيسير في ملكه فلا تبقى خيمة من خيام الجنة إلا دخلها من ضوء وجه فيستبشرون بريحه فيقولون واها لهذا الريح هذا الرجل من أهل عليين قد خرج يسير في ملكه فقال ويحك يا كعب هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها فقال كعب والذي نفسي بيده إن لجهنم يوم القيامة لزفرة ما يبقى من ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا يخر تربيته حتى أن إبراهيم خليل الله يقول رب نفسي نفسي حتى لو كان لك عمل سبعين نبيا إلى عملك لظننت انك لا تنجو هذا حديث كبير حسن رواه المصنفون في السنة كعبد الله بن أحمد والطبراني والدارقطني في كتاب الرؤية رواه عن ابن صاعد حدثنا محمد بن أبي عبد الرحمن المقري قال حدثنا أبي حدثنا ورقاء بن عمر حدثنا أبو طيبة عن كرز بن وبرة عن نعيم بن أبي هند عن أبي عبيدة عن عبد الله ورواه من طريق عبد السلام ابن حرب حدثنا الدالاني حدثنا المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة به ورواه من طريق زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة به ورواه من طريق احمد بن أبي طيبة عن كرز بن وبرة عن نعيم بن أبي هند عن أبي عبيدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 فصل وأما حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال يعقوب بن سفيان حدثنا محمد بن المصفى حدثنا سويد بن عبد العزيز حدثنا عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزور أهل الجنة الرب تبارك وتعالى في كل جمعة وذكر ما يعطون قال ثم يقول الله تبارك وتعالى اكشفوا حجابا فيكشف حجاب ثم حجاب ثم يتجلى لهم تبارك وتعالى عن وجهه فكأنهم لم يروا نعمة قبل ذلك وهو قوله تبارك وتعالى: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} فصل وأما حديث أبي موسى ففي الصحيحين عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم تبارك وتعالى إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن" وقال الإمام احمد حدثنا حسن بن موسى وعثمان قالا حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عمارة عن أبي بردة عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يجمع الله الأمم في صعيد واحد يوم القيامة فإذا بدا لله أن يصدع بين خلقه مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون فيتبعونهم حتى يقحمونهم النار ثم يأتينا ربنا عز وجل ونحن على مكان رفيع فيقول من أنتم فنقول نحن المسلمون فيقول ما تنتظرون فنقول ننتظر ربنا عز وجل فيقول وهل تعرفونه إن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 رأيتموه فنقول نعم إنه لا عدل له فيتجلى لنا ضاحكا فيقول أبشروا يا معشر المسلمين فانه ليس منكم أحد إلا جعلت في النار يهوديا أو نصرانيا مكانه" وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عمارة القرشي عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يتجلى لنا ربنا تبارك وتعالى ضاحكا يوم القيامة" وذكر الدارقطني من حديث إبان بن أبي عياش عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يبعث الله يوم القيامة مناديا بصوت يسمعه أولهم وآخرهم إن الله عز وجل وعدكم الحسنى وزيادة فالحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل" فصل وأما حديث عدي بن حاتم الطائي ففي صحيح البخاري قالط" بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتى إليه رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتى إليه آخر فشكا إليه قطع السبيل فقال يا عدي هل رأيت الحيرة قلت لم أرها وقد أنبئت عنها قال فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف الكعبة لا تخاف أحدا إلا الله قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار طيء الذين سعروا البلاد ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى قلت: كسرى بن هرمز قال كسرى بن هرمز ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له فيقولن ألم ابعث إليك رسولا فيبلغك فيقول بلى يا رب فيقول ألم أعطك مالا وأفضل عليك فيقول بلى فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم "قال عدي بن حاتم سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اتقوا النار ولو بشق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 تمرة فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة قال عدي فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ولئنطالت بكم حياة لترون ما قال النبي صلى الله عليه وسلم" فصل وأما حديث أنس بن مالك ففي الصحيحين من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجمع الله الناس يوم القيامة فيهتمون لذلك وفي لفظ فيلهمون لذلك فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا فيأتون آدم فيقولون أنت آدم أبو الخلق خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا عند ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا فيقول لست هنا كم فيذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه منها ولكن ائتوا نوحا أول رسول بعثه الله عز وجل قال فيأتون نوحا فيقول لست هنا كم فيذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه منها ولكن ائتوا إبراهيم الذي الذي اتخذه الله خليلا فيأتون إبراهيم فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه منها ولكن ائتوا موسى الذي كلمه الله تكليما وأعطاه التوراة فيأتون موسى فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه منها ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته فيأتون عيسى روح الله وكلمته فيقول لست هناكم ولكن ائتوا محمدا عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فيأتون فاستأذن على ربي فيؤذن لي فإذا أنا رأيته فأقع ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعط واشفع تشفع فارفع رأسي فاحمد ربي بتحميد يعلمنيه ربي فأشفع فيحد لي حدا فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود فأقع ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول ارفع رأسك يا محمد قل تسمع وسل تعط واشفع تشفع فأرفع رأسي فاحمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 ربي بتحميد يعلمنيه ربي ثم اشفع فيجد لي حدا فأخرجهم من النار وأخلهم الجنة قال فلا أدري في الثالثة أو في الرابعة قال فأقول يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن أي وجب عليه الخلود" وذكر ابن خزيمة عن ابن عبد الحكم عن أبيه وشعيب بن الليث عن الليث حدثنا معمر بن سليمان عن حميد عن أنس قال: يلقى الناس يوم القيامة ما شاء الله أن يلقوه من الحبس فيقولون انطلقوا بنا إلى آدم فيشفع لنا إلى ربنا فذكر الحديث إلى أن قال فينطلقون إلى محمد فأقول أنا لها فانطلق حتى استفتح باب الجنة فيفتح لي فادخل وربي على عرشه فأخر ساجدا وذكر الحديث وقال أبو عوانة وابن أبي عروبة وهمام وغيرهم عن أنس في هذا الحديث فاستأذن على ربي فإذا رايته وقعت ساجدا وقال عفان عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس فآتي ربي وهو على سريره أو كرسيه فأخر له ساجدا له وساقه ابن خزيمة بسياق طويل وقال فيه فاستفتح فإذا نظرت إلى الرحمن وقعت له ساجدا له ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في هذا المقام ثابتة عنه ثبوتا يقطع به أهل العلم بالحديث والسنة وفي حديث أبي هريرة أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر وأنا سيد ولد آدم ولا فخر وأنا صاحب لواء الحمد ولا فخر وأنا أول من يدخل الجنة ولا فخر اخذ بحلقة باب الجنة فيؤذن لي فيستقبلني وجه الجبار جل جلاله فاخر له ساجدا وقال الدارقطني حدثنا محمد بن إبراهيم النسائي العدل بمصر حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر القاضي حدثنا أبو بكر إبراهيم بن محمد حدثنا الخليل عن عمر الأشج عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال النظر إلى وجه الله تعالى عز وجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 حدثنا أبو صالح عبد الرحمن بن سعيد بن هارون الأصبهاني ومحمد بن جعفر بن احمد الطبري ومحمد بن علي بن إسماعيل الأيلي قالوا حدثنا عبد الله بن روح المدائني حدثنا سلام بن سليمان حدثنا ورقاء وإسرائيل وشعبة وجرير بن عبد الحميد كلهم قالوا حدثنا ليث بن عثمان بن أبي حميد عن أنس بن مالك قال قال سمعت رسول الله يقول " أتاني جبريل وفي كفه كالمرآة البيضاء يحملها فيها كالنكتة السوداء فقلت ما هذه التي في يدك يا جبريل فقال هذه الجمعة فقلت وما الجمعة قال لكم فيها خير كثير قلت وما يكون لنا فيها قال يكون عيدا لك ولقومك من بعدك ويكون اليهود والنصارى تبعا لك قلت وما لنا فيها قال لكم فيها ساعة لا يسأل الله عبد فيها شيئا إلا وهو له قسم إلا أعطاه إياه أو ليس له بقسم إلا ذخر له في آخرته ما هو أعظم منه قلت وما هذه النكتة التي فيها قال هي الساعة ونحن ندعوه يوم المزيد قلت وما ذاك يا جبريل قال إن ربك اتخذ في الجنة واديا فيه كثبان من مسك أبيض فإذا كان يوم الجمعة هبط من عليين على كرسيه فيحف الكرسي بكراسي من نور فيجيء النبيون حتى يجلسوا على تلك الكراسي ويحف الكراسي بمنابر من نور ومن ذهب مكللة بالجوهر ثم يجيء الصديقون والشهداء حتى يجلسوا على تلك المنابر ثم ينزل أهل الغرف من غرفهم حتى يجلسوا على تلك الكثبان ثم يتجلى لهم الله عز وجل فيقول أنا الذي صدقتكم وعدي وأتممت عليكم نعمتي وهذا محل كرامتي فسلوني فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم فيفتح لهم في ذلك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وذلك بمقدار منصرفكم من الجمعة ثم يرتفع على كرسيه عز وجل ويرتفع معه النبي صلى الله عليه وسلمون والصديقون ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم وهي لؤلؤة بيضاء وزبرجدة خضراء وياقوتة حمراء غرفها وأبوابها وأنهارها مطردة فيها وأزواجها وخدامها وثمارها متدليات فيها فليسوا إلي شيء بأحوج منهم إلى يوم الجمعة ليزدادوا نظرا إلى ربهم ويزدادوا منه كرامة "هذا حديث كبير عظيم الشان رواه أئمة السنة وتلقوه بالقبول وجمل به الشافعي مسنده فرواه عن إبراهيم بن محمد قال حدثني موسى بن عبيدة قال حدثني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 أبو الأزهر عن عبد الله بن عبد بن عمير أنه سمع أنس بن مالك فذكر بنحوه وقد تقدم لفظه ثم قال الشافعي أنبانا إبراهيم قال حدثني أبو عمران إبراهيم ابن الجعد عن أنس شبيها به وزاد فيه أشياء ورواه محمد بن إسحاق قال حدثني ليث بن أبي سليم عن عثمان بن عمير عن أنس به وقال فيه:" ثم يتجلى لهم ربهم عز وجل حتى ينظروا إلى وجهه الكريم" وذكر باقي الحديث ورواه عمرو ابن أبي قيس عن أبي ظبية عن عاصم عن عثمان بن عمير أبي اليقظان عن أنس وجوده وفيه "فإذا كان يوم الجمعة نزل على كرسيه ثم حف الكرسي بمنابر من نور فيجيء النبي صلى الله عليه وسلمون حتى يجلسوا عليها ويجيء أهل الغرف حتى يجلسوا على الكثب قال ثم يتجلى لهم ربهم تبارك وتعالى فينظرون إليه فيقول أنا الذي صدقتكم وعدي وأتممت عليكم نعمتي وهذا محل كرامتي سلوني فيسألونه الرضى قال رضاي آمن لكم داري وأنا لكم كرامتي سلوني فيسألونه الرضى قال فيشهدهم بالرضاء ثم يسألونه حتى تنتهي رغبتهم" وذكر الحديث ورواه على ابن حرب حدثنا إسحاق ابن سليمان حدثنا عنبسة بن سعيد عن عثمان بن عمير ورواه الحسن بن عرفة حدثنا عمار بن محمد بن أخت سفيان الثوري عن ليث بن أبي سليم عن عثمان وقال فيه ثم يرتفع على كرسيه ويرتفع معه النبي صلى الله عليه وسلمون والصديقون والشهداء ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم ورواه الدارقطني من طريق آخر من حديث قتادة عن أنس قال سمعته يقول بينا نحن حول رسول الله إذ قال أتاني جبريل في يده كالمرآة البيضاء في وسطها كالنكتة السوداء قلت يا جبريل ما هذا قال هذا يوم الجمعة يعرضه عليك ربك ليكون لك عيدا ولامتك من بعدك قال قلت يا جبريل ما هذه النكتة السوداء قال هي الساعة وهي تقوم يوم الجمعة وهو سيد أيام الدنيا ونحن ندعوه في الجنة يوم المزيد قال قلت يا جبريل ولم تدعونه يوم المزيد قال إن الله اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك أبيض فإذا كان يوم الجمعة نزل ربنا عز وجل على كرسيه إلى ذلك الوادي وقد حف الكرسي بمنابر من ذهب مكاله بالجوهر وقد حفت تلك المنابر بكراسي من نور ثم يؤذن لأهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 الغرف فيقبلون يخوضون كثبان المسك إلى الركب عليهم أسورة الذهب والفضة وثياب السندس والحرير حتى ينتهوا إلى ذلك الوادي فإذا اطمأنوا فيه جلوسا بعث الله عليهم ريحا يقال لها المثيرة أثارت ينابيع المسك الأبيض في وجوههم وثيابهم وهم يومئذ جرد مرد مكحلون أبناء ثلاث وثلاثين سنة على صورة آدم يوم خلقه الله عز وجل فينادي رب العزة تبارك وتعالى رضوان وهو خازن الجنة فيقول يا رضوان ارفع الحجب بيني وبين عبادي وزواري فإذا رفع الحجب بينه وبينهم فرأوا بهاءه ونوره هموا له بالسجود فيناديهم تبارك وتعالى بصوته ارفعوا رؤوسكم فإنما كانت العبادة في الدنيا وأنتم اليوم في دار الجزاء سلوني ما شئتم فأنا ربكم الذي صدقتكم وعدي وأتممت عليكم نعمتي فهذا محل كرامتي فسلوني ما شئتم فيقولون ربنا وأي خير لم تفعله بنا الست أعنتنا على سكرات الموت وآنست منا الوحشة في ظلمات القبور وآمنت روعتنا عند النفخة في الصور ألست أقلت عثراتنا وسترت علينا القبيح من فعلنا وثبت على جسر جهنم أقدامنا لست الذي أدنيتنا من جوارك وأسمعتنا لذاذة منطقك وتجليت لنا بنورك ذي خير لم تفعله بنا فنعوذ بالله عز وجل فيناديهم بصوته فيقول أنا ربكم الذي صدقتكم وعدي وأتممت عليكم نعمتي فسلوني فيقولون نسألك رضاك فيقول برضائي عنكم أقلتكم عثراتكم وسترت عليكم القبيح من أموركم وأدنيت مني جواركم وأسمعتكم لذاذة منطقي وتجليت لكم بنوري فهذا محل كرامتي فسلوني فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم ثم يقول عز وجل سلوني فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم ثم يقول عز وجل سلوني فيقولون رضينا وربنا وسلمنا فيزيدهم من مزيد فضله وكرامته مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ويكون ذلك مقدار تفرقهم من الجمعة قال أنس فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما مقدار تفرقهم قال كقدر الجمعة إلى الجمعة قال ثم يحمل عرش ربنا تبارك وتعالى معهم الملائكة والنبيون ثم يؤذن لأهل الغرف فيعودون إلى غرفهم وهما غرفتان من زمردتين خضراوين وليسوا إلى شيء أشوق منهم إلى الجمعة لينظروا إلى ربهم عز وجل وليزيدهم من مزيد فضله وكرامته قال أنس سمعته من رسول الله وليس بيني وبينه أحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 ورواه الدارقطني أيضا عن أبي بكر النيسابوري قال أخبرني أبو العباس بن الوليد بن يزيد قال اخبرني محمد بن شعيب قال اخبرني عمر مولى عفرة عن أنس ورواه محمد بن خالد بن جني حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع حدثنا صفوان قال قال أنس قال رسول الله ورواه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الرحمن بن محمد عن ليث عن أبي عثمان عن أنس ورواه إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة عن زهير بن حرب حدثنا جرير عن ليث عن عثمان بن أبي حميد عن أنس ورواه الأسود بن عامر قال ذكر لي عن شريك عن أبي اليقظان عن أنس ورواه ابن بطة في الإبانة من حديث الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة وسيأتي سياقه وقد جمع ابن أبي داود طرقه فصل وأما حديث بريدة بن الحصيب فقال إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة حدثنا أبو خالد عبد العزيز بن إبان القرشي حدنا بشير بن المهاجر عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله "أما منكم من أحد إلا سيحلو الله به يوم القيامة ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 فصل وأما حديث أبي بن رزين العقيلي فرواه الإمام احمد من حديث شعبة وحماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن خدش عن أبي رزين قال قلنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أكلنا يرى ربه عز وجل يوم القيامة قال نعم قلت وما آية ذلك في خلقه قال أليس كلكم ينظر إلى القمر ليلة البدر قلنا نعم قال الله اكبر وأعظم قال عبد الله قال أبي الصواب حدس وقال أبو داود سليمان بن الأشعث حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة به فقد اتفق شعبة وحماد بن سلمة وحسبك بهما على روايته عن يعلى بن عطاء ورواه الناس عنهما وعن أبي رزين فيه إسناد آخر قد تقدم ذكره في حديثه الطويل وأبو رزين العقيلي له صحبة وعداده من أهل الطائف وهو لقيط بن عامر ويقال لقيط بن صبرة هكذا قال البخاري وابن أبي حاتم وغيرهما وقيل هما اثنان ولقيط بن عامر غير لقيط بن صبرة والصحيح الأول وقال ابن عبد البر من قال لقيط بن صبرة نسبه إلى جده وهو لقيط بن عامر ابن صبرة فصل وأما حديث جابر بن عبد الله فقال الإمام احمد حدثنا روح بن جرير اخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يسأل عن الورود فقال نحن يوم القيامة على كذا وكذا أي فوق الناس فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول ومن تنتظرون فيقولون ننتظر ربنا فيقول أنا ربكم فيقولون حتى ننظر إليك فيتجلى لهم تبارك وتعالى يضحك قال فينطلق بهم ويتبعونه ويعطى كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نورا ثم يتبعونه على جسر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 جهنم وعليه كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله ثم يطفأ نور المنافق ثم ينجو المؤمنون فتنجوا أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر وسبعون ألفا لا يحاسبون ثم الذين يلونهم كأضواء النجوم في السماء ثم كذلك ثم تحل الشفاعة حتى يخرج من النار من قال لا اله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة فيجعلون بفناء الجنة ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتون نبات الشيء في السيل ويذهب حراقه ثم يسأل حتى يجعل الله له الدنيا وعشرة أمثالها معه ا "رواه مسلم في صحيحه وهذا الذي وقع في الحديث من قوله على كذا وكذا قد جاء مفسرا في رواية صحيحة ذكرها عبد الحق في الجمع بين الصحيحين نحن يوم القيامة على تل مشرفين على الخلائق وقال عبد الرزاق أنبانا رباح بن زيد قال حدثني ابن جريج قال أخبرني زياد بن سعد أن أبا الزبير اخبره عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يتجلى لهم الرب تبارك وتعالى ينظرون إلى وجهه فيخرون له سجدا فيقول ارفعوا رؤوسكم فليس هذا بيوم عبادة" وقال الدارقطني أنبأنا احمد بن عيسى بن السكن حدثنا احمد بن محمد محمد بن عمر بن يونس حدثنا محمد بن شرحبيل الصنعاني قال حدثني ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله: "يتجلى لنا ربنا عز وجل يوم القيامة ضاحكا" ورواه أبو قرة عن مالك بن أنس عن زياد بن سعد حدثنا أبو الزبير عن جابر أنه سمع رسول الله يقول: "إذا كان يوم القيامة جمعت الأمم" فذكر الحديث وفيه فيقول أتعرفون الله عز وجل إن رأيتموه فيقولون نعم فيقول وكيف تعرفونه ولم تروه فيقولون نعلم أن لا عدل له قال فيتجلى لهم تبارك وتعالى فيخرون له سجدا وقال ابن ماجة في سننه حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب حدثنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 أبو عاصم العباداني عن فضل بن عيسى الرقاشي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله: "بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب جل جلاله قد اشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم أهل الجنة وهو قول الله عز وجل {سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} فلا يلتفتون إلى شيء مما هم فيه من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم وتبقى فيهم بركته ونوره وقال حرب في مسائله حدثنا يحيى ابن أبي حزم حدثنا يحيى بن محمد أبو عاصم العباداني فذكره وعند البيهقي في هذا الحديث سياق آخر رواه أيضا من طريق العباداني عن الفضل بن عيسى بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله: "بينا أهل الجنة في مجالس لهم إذ سطع لهم نور على باب الجنة فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب تبارك وتعالى قد اشرف فقال تعالى: يا أهل الجنة سلوني قالوا نسألك الرضى عنا قال رضائي أحلكم داري وأنالكم كرامتي هذا أوانها فسلوني قالوا نسألك الزيادة قال فيؤتون بنجائب من ياقوت احمر أزمتها زمرد اخضر وياقوت احمر فجاءوا عليها تضع حوافرها عند منتهى طرفها فيأمر الله بأشجار عليها الثمار فتجيء جواري الحور العين وهن يقلن نحن الناعمات فلا نبأس ونحن الخالدات فلا نموت أزواج قوم مؤمنين كرام ويأمر الله عز وجل بكثبان من مسك أبيض أذفر فيثير عليهم ريحا يقال لها المثيرة حتى تنتهي بهم إلى جنة عدن وهي قصبة الجنة فتقول الملائكة يا ربنا قد جاء القوم مرحبا بالصادقين ومرحبا بالطائعين قال فيكشف لهم الحجاب فينظرون إلى الله تبارك وتعالى ويتمتعون بنور الرحمن حتى لا يبصر بعضهم بعضا ثم يقول أرجعوهم إلى القصور بالتحف فيرجعون وقد أبصر بعضهم بعضا فقال رسول الله: " فذاك قوله تعالى: {نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} " رواه في كتاب البعث والمنشور وفي كتاب الرؤية قال وقد مضى في هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 الكتاب وفي كتاب الرؤية ما يؤكد هذا الخبر وقال الدارقطني أنبأنا الحسن بن إسماعيل أنبانا أبو الحسن بن إسماعيل أنبانا أبو الحسن علي بن عبدة حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن ابن أبي ذئب عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يتجلى للناس عامة ويتجلى لأبي بكر خاصة" فصل وأما حديث أبي أمامة فقال ابن وهب اخبرني يونس بن يزيد عن عطاء الخراساني عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني عن عمرو بن عبد الله الحضرمي عن أبي أمامة قال: خطبنا رسول الله فكان أكثر خطبته ذكر الدجال يحذرنا منه ويحدثنا عنه حتى فرغ من خطبته فكان فيما قال لنا يومئذ إن الله عز وجل لم يبعث نبيا إلا حذر أمته وإني آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وهو خارج فيكم لا محالة فان يخرج وأنا بين أظهركم فانا حجيج كل مسلم وإن يخرج فيكم بعدي فكل امرئ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم أنه يخرج من خلة بين العراق والشام عاث يمينا وعاث شمالا يا عباد الله اثبتوا وأنه يبدأ فيقول أنا نبي ولا نبي بعدي ثم يثني فيقول أنا ربكم ولن تروا ربكم حتى تموتوا وانه مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن فمن لقيه منكم فليتفل في وجهه وليقرأ فواتح سورة أصحاب الكهف وانه يسلط على نفس من بني آدم فيقتلها ثم يحييها وانه لا يعدو ذلك ولا يسلط على نفس غيرها وإن من فتنته إن معه جنة ونارا فناره جنة وجنته نار فمن ابتلي بناره فليغمض عينيه وليستغث بالله تكن بردا وسلاما كما كانت النار بردا وسلاما على إبراهيم وإن أيامه أربعون يوما يوما كسنة ويوما كشهر ويوما كجمعة ويوما كالأيام وآخر أيامه كالسراب يصبح الرجل عند باب المدينة فيمسي قبل إن يبلغ بابها الآخر قالوا فكيف نصلي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الأيام قال تقدرون كما تقدرون في الأيام الطوال ورواه الدارقطني عن ابن صاعد عن احمد بن الفرح عن ضمرة بن ربيعة عن يحيى بن أبي عمرويه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 فصل وأما حديث زيد بن ثابت فقال الإمام احمد حدثنا أبو المغيرة قال حدثني أبو بكر قال حدثني ضمرة بن حبيب عن زيد بن ثابت أن رسول الله علمه دعاء وأمره أن يتعاهد به أهله كل يوم قال قل حين تصبح لبيك اللهم لبيك لبيك وسعديك والخير في يديك ومنك وإليك اللهم وما قلت من قول أو نذرت من نذر أو حلفت من حلف فمشيئتك بين يديه ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بك انك على كل شيء قدير اللهم وما صليت من صلاة فعلى من صليت وما لعنت من لعنة أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما والحقني بالصالحين أسألك اللهم الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك من غير ضراء ومضرة ولا فتنة مضلة أعوذ بك اللهم أن اظلم أو اظلم أو اعتدي أو يعتدى علي أو اكسب خطيئة محبطة أو ذنبا لا تغفره اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة ذا الجلال والإكرام فاني اعهد إليك في هذه الحياة الدنيا وأشهدك وكفى بك شهيدا إني اشهد أن لا اله إلا أنت وحدك لا شريك لك لك الملك ولك الحمد وأنت على كل شيء قدير واشهد أن محمدا عبدك ورسولك واشهد أن وعدك حق وأن لقائك حق والجنة حق والساعة آتية لا ريب فيها وأنت تبعث من في القبور واشهد انك تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضيعة وعورة وذنب وخطيئة وإني لا أثق إلا برحمتك فاغفر لي ذنبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت وتب علي انك أنت التواب الرحيم رواه أبو داود في صحيحه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 فصل وأما حديث عمار بن ياسر فقال الإمام احمد حدثنا إسحاق الأزرق عن شريك عن أبي هاشم عن أبي مجلز قال صلى بنا عمار صلاة فاوجز فيها فأنكروا ذلك فقال ألم أتم الركوع والسجود قالوا بلى قال أما إني قد دعوت فيها بدعاء كان رسول الله يدعو به اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي وأسالك خشيتك في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الغضب والرضا والقصد في الفقر والغنى ولذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين وأخرجه ابن حبان والحاكم في صحيحيهما فصل وأما حديث عائشة ففي صحيح الحاكم من حديث الزهري عن عروة عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر: يا جابر إلا أبشرك قال بلى بشرك الله بخير قال شعرت أن الله أحيا أباك فأقعده بين يديه فقال تمن علي عبدي ما شئت أعطكه قال يا رب ما عبدتك حق عبادتك أتمنى عليك أن تردني إلى الدنيا فأقاتل مع نبيك فأقتل فيك مرة أخرى قال أنه قد سلف مني انك إليها لا ترجع وهو في المسند من حديث جابر وفي مسنده ادخله وللترمذي فيه سياق أتم من هذا عن جابر قال لما قتل عبد الله بن عمرو ابن حزام يوم أحد قال قال رسول الله يا جابر إلا أخبرك ما قال الله عز وجل لأبيك قال بلى قال ما كلم الله عز وجل أحدا إلا من وراء حجاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 وكلم أباك كفاحا فقال يا عبدي تمن علي أعطك قال يا رب تحييني فاقتل فيك ثانية قال أنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون قال يا رب فابلغ من ورائي فانزل الله عز وجل هذه الآية ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا الآية قال الترمذي هذا حديث حسن غريب قلت وإسناده صحيح ورواه الحاكم في صحيحه فصل وأما حديث عبد الله بن عمر فقال الترمذي حدثنا عبد بن حميد عن شبابة عن إسرائيل عن ثوير بن أبي فأخته وقال الطبراني حدثنا أسد بن موسى حدثنا أبو معاوية محمد بن حازم عن عبد الملك بن ابجر عن ثوير بن أبي فاختة عن ابن عمر قال قال رسول الله: "إن أدنى أهل الجنة منزلة لرجل ينظر في ملكه ألفي سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه ينظر إلى أزواجه وسرره وخدمه وإن أفضلهم منزلة من ينظر إلى وجه الله تبارك وتعالى كل يوم مرتين" قال الترمذي وروى هذا الحديث من غير وجه عن إسرائيل عن ثوير عن ابن عمر مرفوعا ورواه عبد الملك بن ابجر عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعا وروى الأشجعي عبيد الله عن سفيان الثوري عن مجاهد عن ابن عمر نحوه ولم يرفعه حدثنا بذلك أبو كريب قلت ورواه الحسن بن عرفة عن شبابة عن إسرائيل عن ثوير عن ابن عمر مرفوعا وزاد فيه ثم قرأ رسول الله {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وقال سعيد بن هشيم بن بشير عن أبيه عن كريز بن حكيم عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوم القيامة أول يوم نظرت فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 عين إلى الله تبارك وتعالى" ورواه الدارقطني عن جماعة عن احمد بن يحيى بن حبان الرقي عن إبراهيم بن خرزاذ عنه وقال الدارقطني حدثنا احمد بن سليمان حدثنا احمد بن يونس حدثنا عبد الحميد بن صالح حدثنا أبو شهاب الخياط عن خالد بن دينار عن حماد بن جعفر عن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله يقول" إلا أخبركم بأسفل أهل الجنة قالوا بلى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث إلى أن قال حتى إذا بلغ النعيم منهم كل مبلغ وظنوا أن لا نعيم أفضل منه واشرف الرب تبارك وتعالى عليهم فينظرون إلى وجه الرحمن عز وجل فيقول يا أهل الجنة هللوني وكبروني وسبحوني بما كنتم تهللونني وتكبروني وتسبحوني في دار الدنيا فيتجاوبون بتهليل الرحمن فيقول تبارك وتعالى لداود يا داود قم فمجدني فيقوم داود فيمجد ربه عز وجل" وقال عثمان بن سعيد الدارمي في رده على بشر المريسي حدثنا احمد بن يونس عن أبي شهاب الخياط عن خالد بن دينار عن حماد بن جعفر عن ابن عمر يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم إن أهل الجنة إذا بلغ النعيم منهم كل مبلغ وظنوا أن لا نعيم افضل منه تجلى لهم الرب تبارك وتعالى فنظروا إلى وجه الرحمن فنسوا كل نعيم عاينوه حين نظروا إلى وجه الرحمن فصل وأما حديث عمارة بن رويبة فقال ابن بطة في الإبانة حدثنا عبد الغافر بن سلامة الحمصي حدثنا محمد بن عوف بن سفيان الطائي حدثنا أبو اليمان حدثنا إسماعيل بن عياش عن عبد الرحمن بن عبد الله بن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي بكر بن عمارة بن رويبة عن أبيه قال نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى القمر ليلة البدر فقال: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضارون في رؤيته فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا" قال ابن بطة واخبرني أبو القاسم بن عمر بن احمد عن أبي بكر احمد بن هارون حدثنا عبد الرزاق بن منصور حدثنا المغيرة حدثنا المسعودى عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي بكر بن عمارة بن رويبة عن أبيه قال: نظر رسول الله إلى القمر ليلة البدر فقال: "إنكم سترون ربكم تبارك وتعالى كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 فان استطعتم أن لا تغلبوا على ركعتين قبل طلوع الشمس وركعتين بعد غروبها فافعلوا" فصل وأما حديث سلمان الفارسي فقال أبو معاوية حدثنا عاصم الأحول عن أبي عثمان عن سلمان الفارسي قال" يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون يا نبي الله إن الله فتح بك وختم بك وغفر لك قم فاشفع لنا إلى ربك فيقول نعم أنا صاحبكم فيخرج يحوش الناس حتى ينتهي إلى باب الجنة فيأخذ بحلقة الباب فيقرع فيقال من هذا فيقال محمد قال فيفتح له فيجيء حتى يقوم بين يدي الله فيستأذن في السجود فيؤذن له" الحديث فصل وأما حديث حذيفة بن اليمان فقال ابن بطة اخبرني أبو القاسم عمر بن احمد عن أبي بكر احمد بن هارون حدثنا يزيد بن جمهور حدثنا الحسن بن يحيى ابن كثير العنبري حدثني أبي عن إبراهيم بن المبارك عن القاسم بن مطيب عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة بن اليمان وقال البزار وحدثنا محمد بن معمر واحمد بن عمرو بن عبيد العصفري قالا حدثنا يحيى بن كثير حدثنا إبراهيم ابن المبارك عن القاسم بن مطيب عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة قال قال رسول الله " أتاني جبريل فإذا في كفه مرآة كأصفى المرايا وحسنها وإذا في وسطها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 نكتة سوداء قال يا جبريل ما هذه قال هذه الدنيا صفاؤها وحسناه قال قلت وما هذه اللمعة في وسطها قال هذه الجمعة قال قلت وما الجمعة قال يوم من أيام ربك عظيم وسأخبرك بشرفه وفضله واسمه في الآخرة أما شرفه وفضله في الدنيا فان الله تعالى جمع فيه أمر الخلق وأما ما يرجى فيه فإن فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم أو أمة مسلمة يسألان الله تبارك وتعالى فيها خيرا إلا أعطاهما إياه وأما شرفه وفضله واسمه في الآخرة فان الله تبارك وتعالى إذا صير أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار وجرت عليهم أيامها وساعاتها ليس بها ليل ولا نهار إلا قد علم الله تبارك وتعالى مقدار ذلك وساعاته فإذا كان يوم الجمعة في الحين الذي يبرز أو يخرج فيه أهل الجنة إلى جمعتهم نادى مناد يا أهل الجنة اخرجوا إلى دار المزيد لا يعلم سعته وعرضه وطوله إلا الله عز وجل في كثبان من المسك قال فيخرج غلمان الأنبياء بمنابر من نور ويخرج غلمان المؤمنين بكراسي من ياقوت قال فإذا وضعت لهم واخذ القوم مجالسهم بعث الله تبارك وتعالى عليهم ريحا تدعى المثيرة تثير عليهم آثار المسك الأبيض تدخله من تحت ثيابهم وتخرجه في وجوههم وأشعارهم فتلك الريح اعلم كيف تصنع بذلك المسك من امرأة أحدكم لو دفع إليها ذلك الطيب بإذن الله تعالى قال ثم يوحي الله سبحانه إلى حملة العرش فيوضع بين ظهراني الجنة وبينه وبينهم الحجب فيكون أول ما يسمعون منه أن يقول أين عبادي الذين أطاعوني في الغيب ولم يروني وصدقوا رسلي واتبعوا أمري فسلوني فهذا يوم المزيد قال فيجتمعون على كلمة واحدة ربنا رضينا عنك فارض عنا قال فيرجع الله تعالى في قولهم أن يا أهل الجنة إني لو لم ارض عنكم لما أسكنتكم جنتي فسلوني فهذا يوم المزيد قال فيجتمعون على كلمة واحدة رب وجهك أرنا ننظر إليه قال فيكشف الله تبارك وتعالى تلك الحجب ويتجلى لهم فيغشاهم من نوره لولا أنه قضى عليهم أن لا يحترقوا إلا احترقوا مما غشيهم من نوره قال ثم يقال ارجعوا إلى منازلكم قال فيرجعون إلى منازلهم وقد خفوا على أزواجهم وخفين عليهم مما غشيهم من نوره, فإذا صاروا إلى منازلهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 يزاد النور وأمكن ويزاد وأمكن حتى يرجعوا إلى صورهم التي كانوا عليها قال فيقول لهم أزواجهم لقد خرجتم من عندنا على صورة ورجعتم على غيرها قال فيقولون ذلك بأن الله تبارك وتعالى تجلى لنا فنظرنا منه إلى ما خفينا به عليكم قال فلهم في كل سبعة أيام الضعف على ما كانوا فيه قال وذلك قوله عز وجل {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وقال عبد الرحمن بن مهدي حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم بن يزيد السعدي عن حذيفة في قوله عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال النظر إلى وجه الله عز وجل قال الحاكم وتفسير الصحابي عندنا في حكم المرفوع فصل وأما حديث ابن عباس فروى ابن خزيمة من حديث حماد بن سلمة عن ابن جدعان عن أبي نضرة قال خطبنا ابن عباس فقال قال رسول الله ما من نبي إلا وله دعوة تعجلها في الدنيا وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فآتي باب الجنة فآخذ بحلقة الباب فاقرع الباب فيقال من أنت فأقول أنا محمد فآتي ربي وهو على كرسيه أو على سريره فيتجلى لي ربي فاخر له ساجدا ورواه ابن عيينة عن ابن جدعان فقال عن أبي سعيد بدل بن عباس وقال أبو بكر بن أبي داود حدثنا عمى محمد بن الأشعث حدثنا ابن جبير قال حدثني أبي جبير عن الحسن عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن أهل الجنة يرون ربهم تبارك وتعالى في كل يوم جمعة في رمال الكافور وأقربهم منه مجلسا أسرعهم إليه يوم الجمعة وأبكرهم غدوا" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 فصل وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص فقال الصنعاني حدثنا صدقة بن عمرو العقدي قال قرأت على محمد بن إسحاق حدثني أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يحدث مروان بن الحكم وهو أمير المدينة قال" خلق الله الملائكة لعبادته أصنافا فان منهم لملائكة قياما صافين من يوم خلقهم إلى يوم القيامة وملائكة ركوعا خشوعا من يوم خلقهم إلى يوم القيامة وملائكة سجودا منذ خلقهم إلى يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة وتجلى لهم تعالى ونظروا إلى وجهه الكريم قالوا سبحانك ما عبدناك حق عبادتك" فصل وأما حديث أبي بن كعب فقال الدارقطني حدثنا عبد الصمد بن علي حدثنا محمد بن زكريا بن دينار قال حدثني قحطبة بن علاقة حدثنا أبو جلدة عن أبي العالية عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال النظر إلى وجه الله عز وجل وأما حديث كعب ابن عجرة فقال محمد بن حميد حدثنا إبراهيم بن المختار عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال الزيادة النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 فصل وأما حديث فضالة بن عبيد فقال عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا محمد بن المهاجر عن أبي حليس عن أبي الدرداء أن فضالة يعني ابن عبيد كان يقول:" اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقاءك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة" فصل وأما حديث عبادة بن الصامت ففي مسند أحمد من حديث بقية حدثنا يحيى ابن سعيد عن خالد بن معدان عن عمرو بن الأسود عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا إن مسيح الدجال رجل قصير أفحج جعد أعور مطموس العين ليست بناتئة ولا جحراء فإن التبس عليكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور وإنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا" وأما حديث الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال الصنعاني حدثنا روح بن عبادة حدثنا عباد بن منصور قال سمعت عدي بن أرطاة يخطب على المنبر بالمدائن فجعل يعظ حتى بكى وأبكانا ثم قال كونوا كرجل قال لابنه وهو يعظه يا بني أوصيك أن لا تصلي صلاة إلا ظننت أنك إلا تصلي بعدها غيرها حتى تموت وتعال يا بني نعمل عمل رجلين كأنهما قد وقفا على النار ثم سألا الكرة ولقد سمعت فلانا نسي عباد اسمه ما بيني وبين رسول الله غيره فقال أن رسول الله قال إن لله ملائكة ترعد فرائصهم من مخافتة ما منهم ملك تقطر دمعته من عينه إلا وقعت ملكا يسبح الله تعالى قال وملائكة سجود منذ خلق الله السماوات والأرض لم يرفعوا رؤوسهم ولا يرفعونها إلى يوم القيامة وصفوف لم ينصرفوا عن مصافهم ولا ينصرفون إلى يوم القيامة فإذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 كان يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة وتجلى لهم ربهم فنظروا إليه قالوا سبحانك ما عبدناك كما ينبغي لك أن نعبدك فصل وهاك بعض ما قاله بعض أصحاب رسول الله والتابعون وأئمة الإسلام بعدهم قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال أبو إسحاق عن عامر بن سعد قرأ أبو بكر الصديق {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} فقالوا: ما الزيادة يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال عبد الرحمن بن أبي حاتم حدثنا علي بن ميسرة الهمداني حدثنا صالح ابن أبي خالد العنبري عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق الهمداني عن عمارة ابن عبيد قال سمعت عليا يقول من تمام النعمة دخول الجنة والنظر إلى وجه الله تبارك وتعالى في جنته" قول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم عن زيد عن حذيفة قال الزيادة النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى قول عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم ذكر أبو عوانة عن هلال عن عبد الله بن حكيم قال سمعت عبد الله بن مسعود يقول في هذا المسجد مسجد الكوفة يبدأ باليمين قبل أن يحدثنا فقال والله ما منكم من إنسان إلا أن ربه سيخلو به يوم القيامة كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر قال فيقول ما غرك بي يا ابن آدم ثلاث مرات ماذا أجبت المرسلين ثلاثا كيف عملت فيما علمت وقال ابن أبي داود حدثنا احمد بن الأزهر حدثنا إبراهيم بن الحكم حدثنا أبي عن عكرمة قال قيل لابن عباس كل من دخل الجنة يرى الله عز وجل؟ قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 نعم وقال أسباط بن نصر عن إسماعيل السدي عن أبي ملك وأبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود لزيادة النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى قول معاذ بن جبل قال عبد الرحمن بن أبي حاتم أنبانا إسحاق بن احمد الخراز حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي عن المغيرة بن مسلم عن ميمون بن أبي حمزة قال كنت جالسا عند أبي وائل فدخل علينا رجل يقال له أبو عفيف فقال له شقيق بن سلمة يا أبا عفيف إلا تحدثنا عن معاذ بن جبل قال بلى سمعته يقول يحشر الناس يوم القيامة في صعيد واحد فينادي أين المتقون فيقومون في كنف واحد من الرحمن لا يحتجب الله منهم ولا يستتر قلت من المتقون قال قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان واخلصوا لله في العبادة فيمرون إلى الجنة قول أبي هريرة رضي الله عنه قال ابن وهب اخبرني ابن لهيعة عن أبي النصر أن أبا هريرة كان يقول لن تروا ربكم حتى تذوقوا الموت قول عبد الله بن عمر قال حسين الجعفي عن عبد الملك بن ابجر عن ثوير عن ابن عمر قال إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر إلى ملكه ألفي عام يرى أدناه كما يرى أقصاه وإن أفضلهم منزلة لمن ينظر إلى وجه الله في كل يوم مرتين قول فضالة بن عبيد ذكر الدارمي عن محمد بن مهاجر عن أبي حليس عن أبي الدرداء أن فضالة بن عبيد كان يقول اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك وقد تقدم قول أبي موسى الأشعري قال وكيع عن أبي بكر الهذلي عن أبي تميمة عن أبي موسى قال الزيادة النظر إلى وجه الله ويرى يزيد بن هارون وابن أبي عدي وابن علية عن التيمي عن اسلم العجلي عن أبي مزانة عن أبي موسى الاشعري أنه كان يحدث الناس فشخصوا بأبصارهم فقال ما صرف أبصاركم عني قالوا الهلال قال فكيف بكم إذا رأيتم وجه الله جهرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 قول أنس بن مالك قال ابن أبي شيبة حدثنا يحيى بن يمان حدثنا شريك عن أبي اليقظان عن أنس بن مالك في قوله عز وجل ولدينا مزيد قال يظهر لهم الرب تبارك وتعالى يوم القيامة قول جابر بن عبد الله قال مروان بن معاوية عن الحكم بن أبي خالد عن الحسن عن جابر قال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأديم عليهم بالكرامة جاءتهم خيول من ياقوت احمر لا تبول ولا تروث لها أجنحة فيقعدون عليها ثم يأتون الجبار فإذا تجلى لهم خروا له سجدا فيقول يا أهل الجنة ارفعوا رؤوسكم فقد رضيت عنكم لا سخط بعده قال الطبري فتحصل في الباب ممن روى عن رسول الله من الصحابة حديث الرؤية ثلاث وعشرون نفسا منهم علي وأبو هريرة وأبو سعيد وجرير وأبو موسى وصهيب وجابر وابن عباس وانس وعمار بن ياسر وأبي ابن كعب وابن مسعود وزيد بن ثابت وحذيفة بن اليمان وعبادة بن الصامت وعدي بن حاتم وأبو رزين العقيلي وكعب بن عجرة وفضالة بن عبيد وبريدة بن الحصيب ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقال الدارقطني أنبأنا محمد بن عبد الله حدثنا جعفر بن محمد الأزهر حدثنا مفضل بن غسان قال سمعت يحيى بن معين يقول عندي سبعة عشر حديثا في الرؤية كلها صحاح وقال البيهقي روينا في إثبات الرؤية عن أبي بكر الصديق وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وأبي موسى وغيرهم ولم يرو عن أحد منهم نفيها ولو كانوا فيها مختلفين لنقل اختلافهم في ذلك إلينا فلما نقلت رؤية الله سبحانه وتعالى بالأبصار في الآخرة عنهم ولم ينقل عنهم في ذلك اختلاف كما نقل عنهم فيها اختلاف في الدنيا علمنا أنهم كانوا على القول برؤية الله بالأبصار في الآخرة متفقين ومجتمعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 فصل وأما التابعون ونزل الإسلام وعصابة الإيمان من أئمة الحديث والفقه والتفسير وأئمة التصوف فأقوالهم أكثر من أن يحيط بها إلا الله عز وجل قال سعيد بن المسيب الزيادة النظر إلى وجه الله رواه مالك عن يحيى عنه وقال الحسن الزيادة النظر إلى وجه الله رواه ابن أبي حاتم عنه وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى الزيادة النظر إلى وجه الله تعالى رواه حماد بن زيد عن ثابت عنه وقاله عامر بن سعد البجلي ذكره سفيان عن أبي إسحاق عنه وقاله عبد الرحمن ابن سابط رواه جرير بن ليث عنه وقاله عكرمة ومجاهد وقتادة والسدي والضحاك وكعب وكتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله أما بعد فاني أوصيك بتقوى الله ولزوم طاعته والتمسك بأمره والمعاهدة على ما حملك الله من دينه واستحفظك من كتابه فإن بتقوى الله نجا أولياء الله من سخطه وبها رافقوا أنبياءه وبها نضرت وجوههم ونظروا إلى خالقهم وهي عصمة في الدنيا ومن الفتن ومن كرب يوم القيامة وقال الحسن لو علم العابدون في الدنيا أنهم لا يرون ربهم في الآخرة لذابت أنفسهم في الدنيا وقال الأعمش وسعيد بن جبير أن اشرف أهل الجنة لمن ينظر إلى الله تبارك وتعالى غدوة وعشية وقال كعب ما نظر الله سبحانه إلى الجنة قط إلا قال طيبي لأهلك فزادت ضعفا على ما كانت حتى يأتيها أهلها وما من يوم كان لهم عيد في الدنيا إلا ويخرجون في مقداره في رياض الجنة فيبرز لهم الرب تبارك وتعالى فينظرون إليه وتسفى عليهم الريح المسك ولا يسألون الرب تعالى شيئا إلا أعطاهم حتى يرجعوا وقد ازدادوا على ما كانوا عليه من الحسن والجمال سبعين ضعفا ثم يرجعون إلى أزواجهم وقد ازددن مثل ذلك وقال هشام بن حسان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 أن الله سبحانه وتعالى يتجلى لأهل الجنة فإذا رآه أهل الجنة نسوا نعيم الجنة وقال طاووس أصحاب المرآء والمقاييس لا يزال بهم المرآء والمقاييس حتى يجحدوا الرؤية ويخالفوا أهل السنة وقال شريك عن أبي إسحاق السبيعي الزيادة النظر إلى وجه الرحمن تبارك وتعالى وقال حماد بن زيد عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه تلا هذه الآية: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال إذا دخل أهل الجنة الجنة أعطوا فيها ما سألوا وما شاؤا فيقول الله عز وجل لهم أنه قد بقي من حقكم شيء لم تعطوه فتجلى لهم ربهم فلا يكون ما أعطوه عند ذلك بشيء فالحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه ربهم عز وجل ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة بعد نظرهم إلى ربهم تبارك وتعالى وقال علي بن المديني سألت عبد الله بن المبارك عن قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً} قال عبد الله من أراد النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى خالقه فليعمل عملا صالحا ولا يخبر به أحدا وقال نعيم بن حماد سمعت ابن المبارك يقول ما حجب الله عز وجل أحدا عنه إلا عذبه ثم قرأ {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} قال بالرؤية ذكره ابن أبي الدنيا عن يعقوب عن إسحاق عن نعيم وقال عباد بن العوام قدم علينا شريك بن عبد الله منذ خمسين سنة فقلت له يا أبا عبد الله أن عندنا قوما من المعتزلة ينكرون هذه الأحاديث أن الله ينزل إلى السماء الدنيا وأن أهل الجنة يرون ربهم فحدثني بنحو عشرة أحاديث في هذا وقال أما نحن قد أخذنا ديننا هذا عن التابعين عن أصحاب رسول الله فهم عمن اخذوا وقال عقبة بن قبيصة أتينا أبا نعيم يوما فنزل إلينا من الدرجة التي في داره فجلس وسطها كأنه مغضب فقال حدثنا سفيان ابن سعيد ومنذر الثوري وزهير بن معاوية وحدثنا حسن بن صالح بن حي وحدثنا شريك بن عبد الله النخعي هؤلاء أبناء المهاجرين يحدثوننا عن رسول الله أن الله تبارك وتعالى يرى في الآخرة حتى جاء ابن يهودي صباغ يزعم أن الله تعالى لا يرى يعني بشر المريسي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 فصل في المنقول عن الأئمة الأربعة ونظائرهم وشيوخهم وأتباعهم على طريقهم ومناهجهم ذكر قول إمام دار الهجرة مالك بن أنس قال احمد بن صالح المصري حدثنا عبد الله بن وهب قال قال مالك بن أنس: الناس ينظرون إلى ربهم عز وجل يوم القيامة بأعينهم وقال الحارث بن مسكين حدثنا أشهب قال سئل مالك بن أنس عن قوله عز وجل {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} أتنظر إلى الله عز وجل قال نعم فقلت إن أقواما يقولون تنظر ما عنده قال بل تنظر إليه نظرا وقد قال موسى يا رب ارني انظر إليك قال لن تراني وقال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} وذكر الطبري وغيره أنه قيل لمالك بن أنس أنهم يزعمون أن الله لا يرى فقال مالك السيف السيف ذكر قول ابن الماجشون قال أبو حاتم الرازي قال أبو صالح كاتب الليث أملى على ابن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون وسألته عما جحدت الجهمية فقال لم يزل يملي الشيطان حتى جحدوا قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فقالوا لا يراه أحد يوم القيامة فجحدوا والله أفضل كرامة الله التي أكرم بها أولياءه يوم القيامة من النظر إلى وجهه ونضرته إياهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر فورب السماء والأرض ليجعلن رؤيته يوم القيامة للمخلصين له ثوابا لينضر بها وجههم دون المجرمين وتفلح بها حجتهم على الجاحدين وهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون لا يرونه كما زعموا أنه لا يرى ولا يكلمهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب اليم ذكر قول الأوزاعي ذكر ابن أبي حاتم عنه قال إني لأرجو أن يحجب الله عز وجل جهما وأصحابه عن أفضل ثوابه الذي وعده الله عز وجل أولياءه حين يقول: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فجحد جهم وأصحابه أفضل ثوابه الذي وعده الله أولياءه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 ذكر قول الليث بن سعد قال ابن أبي حاتم حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث حدثنا الهيثم بن خارجة قال سمعت الوليد بن مسلم يقول سالت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية فقالوا تمر بلا كيف قول سفيان بن عيينة ذكر الطبري وغيره عنه أنه قال من لم يقل أن القران كلام الله وأن الله يرى في الجنة فهو جهمي وذكر عنه ابن أبي حاتم أنه قال يصلي خلف الجهمي والجهمي الذي يقول لا يرى ربه يوم القيامة قول جرير بن عبد الحميد ذكر ابن أبي حاتم عنه أنه ذكر حديث ابن سابط في الزيادة إنها النظر إلى وجه الله فأنكره رجل فصاح به وأخرجه من مجلسه قول عبد الله بن المبارك ذكر عبد الرحمن بن أبي حاتم عنه إن رجلا من الجهمية قال له يا أبا عبد الرحمن خدارا بان جهان جون ببيند ومعناه كيف يُرى الله يوم القيامة فقال بالعين وقال ابن أبي الدنيا حدثنا يعقوب بن إسحاق قال سمعت نعيم بن حماد يقول سمعت بن المبارك يقول ما حجب الله عنه أحدا إلا عذبه ثم قرأ {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} قال ابن المبارك بالرؤية قول وكيع بن الجراح ذكر ابن أبي حاتم عنه أنه قال يراه تبارك وتعالى المؤمنون في الجنة ولا يراه إلا المؤمنون قول قتيبة بن سعيد ذكر ابن أبي حاتم عنه قال قول الأئمة المأخوذ في الإسلام والسنة والإيمان بالرؤية والتصديق بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله في الرؤية قول أبي عبيد القاسم بن سلام ذكر ابن بطة وغيره عنه أنه إذا ذكرت عنده هذه الأحاديث التي في الرؤية فقال هي عندنا حق ورواها الثقات عن الثقات إلى أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 صارت إلينا إلا أنا إذا قيل لنا فسروها لنا قلنا لا نفسر منها شيئا ولكن نمضيها كما جاءت قول اسود بن سالم شيخ الإمام احمد قال المروزي حدثنا عبد الوهاب الوراق قال سألت اسود بن سالم عن أحاديث الرؤية فقال احلف عليها بالطلاق وبالمشي إنها حق قول محمد ابن إدريس الشافعي قد تقدم رواية الربيع عنه أنه قال في قوله تعالى: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} لما حجب هؤلاء في السخط كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضا قال الربيع فقلب يا أبا عبد الله ونقول به قال نعم وبه ابن الله ولو لم يوقن محمد بن إدريس أنه يرى الله عز وجل لما عبده وقال ابن بطة حدثنا ابن الأنباري حدثنا أبو القاسم الأنماطي صاحب المزني قال قال الشافعي رحمه الله {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} دلالة على إن أولياء الله يرونه يوم القيامة بأبصارهم ووجوههم قول إمام السنة احمد بن حنبل قال إسحاق بن منصور قلت لأحمد أليس ربنا تبارك وتعالى يراه أهل الجنة أليس تقول بهذه الأحاديث قال احمد صحيح قال ابن منصور وقال إسحاق بن راهويه صحيح ولا يدعه إلا كل مبتدع أو ضعيف الرأي وقال الفضل بن زياد سمعت أبا عبد الله وقيل له تقول بالرؤية فقال من لم يقل بالرؤية فهو جهمي قال سمعت أبا عبد الله وبلغه عن رجل أنه قال إن الله لا يرى في الآخرة فغضب غضبا شديدا ثم قال من قال إن الله لا يرى في الآخرة فقد كفر عليه لعنة الله وغضبه من كان من الناس أليس يقول الله عز وجل {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وقال {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} وقال أبو داود سمعت احمد وذكر له عن رجل شيء في الرؤية فغضب وقال من قال إن الله لا يرى فهو كافر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 وقال أبو داود وسمعت احمد بن حنبل وقيل له في رجل يحدث بحديث عن رجل عن أبي العطوف إن الله لا يرى في الآخرة فقال لعن الله من يحدث بهذا الحديث اليوم ثم قال أخزى الله هذا وقال أبو بكر المرزوي قيل لأبي عبد الله تعرف عن يزيد بن هارون عن أبي العطوف عن أبي الزبير عن جابر إن استقر الجبل فسوف تراني وإن لم يستقر فلا تراني في الدنيا ولا في الآخرة فغضب أبو عبد الله غضبا شديدا حتى تبين في وجهه وكان قاعدا والناس حوله فأخذ نعله وانتعل وقال أخزى الله هذا لا ينبغي أن يكتب ودفع أن يكون يزيد بن هارون رواه أو حدث به وقال هذا جهمي كافر خالف ما قال الله عز وجل {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وقال {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} أخزى الله هذا الخبيث قال أبو عبد الله ومن زعم ان الله لا يرى في الآخرة فقد كفر وقال أبو طالب قال أبو عبد الله قول الله عز وجل {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} فمن قال: إن الله لا يرى فقد كفر وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ سمعت ابا عبد الله يقول من لم يؤمن بالرؤية فهو جهمي والجهمي كافر وقال يوسف بن موسى بن محمد القطان قيل لأبي عبد الله أهل الجنة ينظرون إلى ربهم تبارك وتعالى ويكلمونه ويكلمهم قال نعم ينظر إليهم وينظرون إليه ويكلمهم ويكلمونه كيف شاؤوا إذا شاءوا قال حنبل ابن إسحاق سمعت أبا عبد الله يقول القوم يرجعون إلى التعطيل في أقوالهم ينكرون الرؤرية والآثار كلها وما ظننتم على هذا حتى سمعت مقالاتهم قال حنبل وسمعت ابا عبد الله يقول من زعم إن الله لا يرى في الآخرة فهو جهمي فقد كفر ورد على الله وعلى الرسول ومن زعم إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا فقد كفر ورد على الله قوله قال أبو عبد الله فنحن نؤمن بهذه الأحاديث ونقرها ونمرها كما جاءت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله يقول فأما من يقول إن الله لا يرى في الآخرة فهو جهمي قال أبو عبد الله وإنما تكلم من تكلم في رؤية الدنيا وقال إبراهيم بن زياد الصائغ سمعت احمد بن حنبل يقول الرؤية من كذب بها فهو زنديق وقال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول أدركنا الناس وما ينكرون من هذه الأحاديث شيئا أحاديث الرؤية وكانوا يحدثون بها على الجملة يمرونها على حالها غير منكرين لذلك ولا مرتابين وقال أبو عبد الله قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} وكلم الله موسى من وراء حجاب فقال رب ارني انظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني فاخبر الله عز وجل أن موسى يراه في الآخرة وقال: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} ولا يكون حجاب إلا لرؤية اخبر الله سبحانه وتعالى إن من شاء الله ومن أراد أن يراه والكفار لا يرونه قال حنبل وسمعت أبا عبد الله يقول قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} والأحاديث التي تروى في النظر إلى الله تعالى حديث جابر بن عبد الله وغيره وتنظرون إلى ربكم أحاديث صحاح وقال للذين أحسنوا الحسنى وزيادة النظر إلى وجه الله تعالى قال أبو عبد الله نؤمن بها ونعلم أنها حق أحاديث الرؤية ونؤمن بأن الله يرى نرى ربنا يوم القيامة لا نشك فيه ولا نرتاب قال وسمعت أبا عبد الله يقول ومن زعم أن الله لا يرى في الآخرة فقد كفر بالله وكذب بالقرآن ورد على الله أمره يستتاب فإن تاب وإلا قتل قال حنبل قلت لأبي عبد الله في أحاديث الرؤية فقال هذه صحاح نؤمن بها ونقر بها وكلما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم إسناده جيد أقررنا به قال أبو عبد الله إذا لم نقر بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ودفعناه ورددنا على الله أمره قال الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 قول إسحاق بن راهويه ذكر الحاكم وشيخ الإسلام وغيرهما عنه إن عبد الله بن طاهر أمير خراسان سأله فقال يا أبا يعقوب هذه الأحاديث التي يروونها في النزول والرؤية ما هن فقال رواها من روى الطهارة والغسل والصلاة والأحكام وذكر أشياء فان يكونوا في هذه عدولا وإلا فقد ارتفعت الأحكام وبطل الشرع فقال شفاك الله كما شفيتني أو كما قال قول جميع أهل الإيمان قال إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتابه إن المؤمنين لم يختلفوا أن المؤمنين يرون خالقهم يوم المعاد ومن أنكر ذلك فليس بمؤمن عند المؤمنين قول المزني ذكر الطبري في السنة عن إبراهيم عن أبي داود المصري قال كنا عند نعيم بن حماد جلوسا فقال نعيم للمزني ما تقول في القرآن فقال أقول أنه كلام الله فقال غير مخلوق فقال غير مخلوق قال وتقول أن الله يرى يوم القيامة قال نعم فلما افترق الناس قام اليه المزني فقال يا ابا عبد الله شهرتني على رؤوس الناس فقال إن الناس قد أكثروا فيك فأردت أن أبرئك قول جميع أهل اللغة قال أبو عبد الله بن بطة سمعت أبا عمر محمد بن عبد الواحد صاحب اللغة يقول سمعت أبا العباس احمد بن يحيى ثعلبا يقول في قوله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلام} اجمع أهل اللغة على أن اللقاء هاهنا لا يكون إلا معاينة ونظرا بالأبصار وحسبك بهذا الإسناد صحة واللقاء ثابت بنص القران كما تقدم وبالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وكل أحاديث اللقاء صحيحة كحديث أنس في قصة حديث بئر معونة أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا وحديث عبادة وعائشة وأبي هريرة وابن مسعود من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه وحديث أنس أنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله وحديث أبي ذر لو لقيني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لقيتك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 بقرابها مغفرة وحديث أبي موسى من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة وغير ذلك من أحاديث اللقاء التي اطردت كلها بلفظ واحد فصل في وعيد منكري الرؤية قد تقدم قوله تعالى: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} وقول عبد الله ابن المبارك ما حجب الله عنه أحدا إلا عذبه ثم قرأ قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ} ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون قال بالرؤية وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل نرى ربنا يوم القيامة قال: "هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست فيها سحابة" قالوا لا قال هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس فيه سحابة قالوا لا قال فوالذي نفس محمد بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما فيلقى العبد فيقول أي قل الم أكرمك وأسودك وأزوجك واسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وترفع فيقول بلى فيقول أفظننت أنك ملاقى فيقول لا فيقول فاني انساك كما نسيتني ثم يلقى الثاني فيقول أي فل الم أكرمك وأسودك وأزوجك واسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وترفع فيقول بلى أي ربي فيقول أفظننت أنك ملاقي فيقول لا فيقول إني أنساك كما نسيتني ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك فيقول يا رب آمنت بك وبكتبك ورسلك وصليت وصمت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع فيقول ها هنا إذا ثم يقال الآن نبعث شاهدا عليك فيتفكر في نفسه من الذي يشهد علي فيختم على فيه ويقال لفخذه انطقي فينطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه فأجمع بين قوله فإنكم سترون ربكم وقوله لمن ظن أنه غير ملاقيه فإني أنساك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 كما نسيتني وإجماع أهل اللغة على أن اللقاء المعاينة بالأبصار يحصل لك العلم بان منكر الرؤية أحق بهذا الوعيد ومن تراجم أهل السنة على هذا الحديث باب في الوعيد لمنكري الرؤية كما فعل شيخ الإسلام وغيره وبالله التوفيق فصل قد دل القران والسنة المتواترة وإجماع الصحابة وأئمة الإسلام وأهل الحديث عصابة الإسلام ونزل الإيمان وخاصة رسول الله على أن الله سبحانه وتعالى يرى يوم القيامة بالأبصار عيانا كما يرى القمر ليلة البدر صحوا وكما ترى الشمس في الظهيرة فإن كان لما اخبر به الله ورسوله عنه من ذلك حقيقة وان له والله حق الحقيقة فلا يمكن أن يروه إلا من فوقهم لاستحالة إن يروه من أسفل منهم أو خلفهم أو إمامهم أو عن يمينهم أو عن شمالهم وان لم يكن لما اخبر به حقيقة كما يقوله أفراخ الصابئة والفلاسفة والمجوس والفرعونية بطل الشرع والقران فان الذي جاء بهذه الأحاديث هو الذي جاء بالقران والشريعة والذي بلغها هو الذي بلغ الدين فلا يجوز أن يجعل الله ورسوله عضين بحيث يؤمن ببعض معانيه ويكفر ببعضها فلا يجتمع في قلب العبد بعدد الإطلاع على هذه الأحاديث وفهم معناها وإنكارها والشهادة بأن محمد رسول الله أبدا والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كان لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق والمنحرفون في باب رؤية الرب تبارك وتعالى نوعان أحدهما من يزعم أنه يرى في الدنيا ويحاضر ويسامر والثاني من يزعم أنه لا يرى في الآخرة البتة ولا يكلم عباده وما اخبر الله به ورسوله واجمع عليه الصحابة والأئمة يكذب الفريقين وبالله التوفيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 وحديث أنس في يوم المزيد ومخاطبته فيه لأهل الجنة مرارا وبالجملة فتأمل أحاديث الرؤية تجد في أكثرها ذكر التكليم قال البخاري في صحيحه باب كلام الرب تبارك وتعالى مع أهل الجنة وساق فيه عدة أحاديث فأفضل نعيم أهل الجنة رؤية وجهه تبارك وتعالى تكليمه لهم فإنكار ذلك إنكار لروح الجنة وأعلى نعيمها وأفضله الذي ما طابت لأهلها إلا به والله المستعان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 الباب السادس والستون: في تكليمه سبحانه وتعالى لأهل الجنة وخطابه لهم ومحاضرته إياهم وسلامه عليهم قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال في حق الذين يكتمون ما انزل الله من البينات والهدى ولا يكلمهم الله يوم القيامة فلو كان لا يكلم عباده المؤمنين لكانوا في ذلك هم وأعداؤه سواء ولم يكن في تخصيص أعدائه بأنه لا يكلمهم فائدة أصلا إذ تكليمه لعباده عند الفرعونية والمعطلة مثل أن يقال يؤاكلهم ويشاربهم ونحو ذلك تعالى الله عما يقولون وقد اخبر الله سبحانه أنه يسلم على أهل الجنة وان ذلك السلام حقيقة وهو قول من رب رحيم وتقدم تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الآية في حديث جابر في الرؤية وانه يشرف عليهم من فوقهم ويقول سلام عليكم يا أهل الجنة فيرونه عيانا وفي هذا إثبات الرؤية والتكليم والعلو والمعطلة تنكر هذه الأمور الثلاثة وتكفر القائل بها وتقدم حديث أبي هريرة رضي الله عنه في سوق الجنة وقول النبي صلى الله عليه وسلم ولا يبقى أحد في ذلك المجلس إلا حاضره الله محاضرة فيقول يا فلان أتذكر يوم فعلت كذا وكذا الحديث وتقدم حديث عدي بن حاتم ما منكم إلا من سيكلمه ربه يوم القيامة وحديث أبي هريرة في الرؤية وفيه يقول الرب تبارك وتعالى للعبد: "ألم أكرمك وأسودك " الحديث وحديث بريدة: "ما منكم من أحد إلا سيخلوا به ربه وليس بينه وبينه ترجمان ولا حجاب" الحديث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 الباب السابع والستون: في أبدية الجنة وأنها لا تفنى ولا تبيد هذا مما يعلم بالاضطرار إن الرسول أخبر به قال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} أي مقطوع ولا تنافي بين هذا وبين قوله إلا ما شاء ربك واختلف السلف في هذا الاستثناء فقال معمر عن الضحاك هو في الذين يخرجون من النار فيدخلون الجنة يقول سبحانه وتعالى أنهم خالدون في الجنة ما دامت السماوات والأرض إلا مدة مكثهم في النار قلت وهذا يحتمل أمرين أحدهما أم يكون الأخبار عن الذين سعدوا وقع عن قوم مخصوصين وهم هؤلاء والثاني وهو الأظهر أن يكون وقع عن جملة السعداء والتخصيص بالمذكورين هو في الاستثناء وما دل عليه وأحسن من هذين التقديرين أن ترد المشيئة إلى الجميع حيث لم يكونوا في الجنة في الموقف وعلى هذا فلا يبقى في الآية تخصيص وقالت فرقة أخرى هو استثناء استثناه الرب تعالى ولا يفعله كما تقول والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك وأنت لا تراه بل تجزم بضربه وقالت فرقة أخرى العرب إذا استثنت شيئا كثيرا مع مثله ومع ما هو أكثر منه كان معنى إلا في ذلك ومعنى الواو سواء والمعنى عى هذا سوا ما شاء الله من الزيادة على مدة دوام السماوات والأرض هذا قول الفراء وسيبويه يجعل إلا بمعنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 لكن قالوا ونظير ذلك لان تقول لي عليك ألف إلا الألفين الذين قبلها أي سوى الألفين قال ابن جرير وهذا أحب الوجهين إلى إن الله تعالى لا خلف لوعده وقد وصل الاستثناء بقوله عطاء غير مجذوذ قالوا ونظيره أن تقول أسكنتك داري حولا إلا ما شئت أي سوى ما شئت أو لكن ما شئت من الزيادة عليه وقالت فرقة أخرى هذا الاستثناء إنما هو مدة احتباسهم عن الجنة ما بين الموت والبعث والبرزخ إلى أن يصيروا إلى الجنة ثم هو الخلود الأبد فلم يغيبوا عن الجنة إلا بمقدار إقامتهم في البرزخ وقالت فرقة أخرى العزيمة قد وقعت لهم من الله بالخلود الدائم إلى أن يشاء الله خلاف ذلك إعلاما لهم بأنهم مع خلودهم في مشيئته وهذا كما قال لنبيه ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك وقوله {فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} وقوله قل لو شاء الله ما تلوته علكم ونظائره واخبر عباده سبحانه وأن الأمور كلها بمشيئته ما شاء الله كان وما شاء لم يكن وقالت فرقة أخرى الرماد بمدة دوام السماوات والأرض في هذا العالم فأخبر سبحانه أنهم خالدون في الجنة مدة دوام السماوات والأرض إلا ما شاء الله أن يزيدهم عليه ولعل هذا قول من قال إن إلا بمعنى سوى ولكن اختلفت عبارته وهذا اختيار بن قتيبة قال المعنى خالدين فيها مدة العالم سوى ما شاء أن يزيدهم من الخلود على مدة العالم وقالت فرقة أخرى ما بمعنى من قوله {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} والمعنى إلا من شاء ربك أن يدخله النار بذنوبه من السعداء والفرق بين هذا القول وبين أول الأقوال أن الاستثناء على هذا القول من المدة وعلى ذلك القول من الأعيان وقالت فرقة أخرى المراد بالسماوات والأرض سماء الجنة وأرضها وهما باقيتان أبدا وقوله {إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ} إن كانت ما بمعنى من فهم الذين يدخلون النار ثم يخرجون منها وان كانت بمعنى الوقت فهو مدة احتباسهم في البرزخ والموقف قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 الجعفي سألت عبد الله بن وهب عن هذا الاستثناء فقال سمعت فيه أنه قدر وقوفهم في الموقف يوم القيامة إلى أن يقضي بين الناس وقالت فرقة أخرى الاستثناء راجع إلى مدة لبثهم في الدنيا وهذه الأقوال متقاربة ويمكن الجمع بينها بان يقال اخبر سبحانه وعن خلودهم في الجنة كل وقت إلا وقتا يشاء ان لا يكونوا فيها وذلك يتناول وقت كونهم في الدنيا وفي البرزخ وفي موقف يوم القيامة وعلى الصراط وكون بعضهم في النار مدة وعلى كل تقدير فهذه الآية من المتشابه وقوله فيها {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} محكم وكذلك قوله وما هم منها وقوله أن هذا لرزقنا ما له من نفاد وقوله {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} وقوله دمائهم منها بخرجين وقد أكد الله سبحانه وتعالى خلود أهل الجنة بالتأبيد في عدة مواضع من القران واخبر أنهما لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى وهذا الاستثناء منقطع وإذا ضممته إلى الاستثناء في قوله إلا ما شاء ربك تبين لك المراد من الآيتين واستثناء الوقت الذي لم يكونوا فيه في الجنة من مدة الخلود كاستثناء الموتة الأولى من جملة الموت فهذه موتة تقدمت على حياتهم الأبدية وذاك مفارقة للجنة تقدم على خلودهم فيها وبالله التوفيق وقد تقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم من يدخل الجنة ينعم ولا يبؤس ويخلد ولا يموت وقوله ينادي مناد يا أهل الجنة إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وان تشبوا فلا تهرموا أبدا وان تحيوا فلا تموتوا أبدا وثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يجاء بالموت في صورة كبش املح فيوقف بين الجنة والنار ثم يقال يا أهل الجنة فيطلعون مشفقين ويقال يا أهل النار فيطلعون فرحين فيقال هل تعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت فيذبح بين الجنة والنار ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 فصل وهذا موضع اختلف فيه المتأخرون على ثلاثة أقوال احدها إن الجنة والنار فانيتان غير أبدتيين بل كما هما حادثتان فهما فانيتان والقول الثاني أنهما باقيتان دائمتان لا يفنيان أبدا والقول الثالث أن الجنة باقية أبدية والنار فانية ونحن نذكر هذه الأقوال وما قابلها وما احتج به أرباب كل قوله ونرد ما خالف كتاب الله وسنة رسوله فأما القول بفنائهما فهو قول قاله جهم بن صفوان إمام المعطلة الجهمية وليس له فيه سلف قط من الصحابة ولا من التابعين ولا أحد من أئمة الإسلام ولا قال به أحد من أهل السنة وهذا القول مما أنكره عليه وعلى أتباعه أئمة الإسلام وكفروهم به وصاحوا بهم من أقطار الأرض كما ذكره عبد الله بن الإمام احمد في كتاب السنة عن خارجة بن مصعب أنه قال كفرت الجهمية بثلاث آيات من كتاب الله عز وجل بقول الله سبحانه وتعالى: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} وهم يقولون لا يدوم وبقول الله تعالى ان هذا لرزقنا ما له من نفاد وهم يقولون ينفد وبقول الله عز وجل ما عندكم ينفد وما عند الله باق قال شيخ الإسلام وهذا قاله جهم لا صلة الذي اعتقده وهو امتناع وجود ما لا يتناهى من الحوادث وجعلوا ذلك عمدتهم في حدوث العالم فرأى الجهم أن ما يمنع من حوادث لا أول لها في الماضي يمنع في المستقبل كما هو ممتنع عنده عليه في الماضي وأبو الهذيل العلاف شيخ المعتزلة وافقه على هذا الأصل لكن قال: إن هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 يقتضي فناء الحركات لكونها متعاقبة شيئا بعد شيء فقال بفناء حركات أهل الجنة والنار حتى يصيروا في سكون دائم لا يقدر احد منهم على حركة وزعمت فرقة ممن وافقهم على امتناع حوادث لا نهاية لها أن هذا القول مقتضى العقل لكن لما جاء السمع ببقاء الجنة والنار قلنا بذلك وكان هؤلاء لم يعلموا أن ما كان ممتنعا في العقل لا يجيء في الشرع بوقوعه إذ يستحيل عليه أن يخبر بوجود ما هو ممتنع في العقل وكأنهم لم يفرقوا بين محالات العقول ومجازاتها فالسمع يجيء بالثاني لا بالأول فالسمع يجيء بما يعجز العقل عن إدراكه ولا يستقل به ولا يجيء بما لا يعلم العقل أحالته والأكثرون الذين وافقوا جهما وأبا الهذيل على هذا الأصل فرقوا بين الماضي والمستقبل وقالوا الماضي قد دخل في الوجود بخلاف المستقبل والممتنع إنما هو دخول ما لا يتناهى في الوجود لا تقدير دخوله شيئا بعد شيء قالوا أو هذا نظيران يقول القائل لا أعطيك درهما إلا وأعطيتك بعده درهما آخر فهذا ممكن والأول نظير أن يقول لا أعطيك درهما إلا وأعطيك قبله درهما فهذا محال وهؤلاء عندهم وجود ما لا يتناهى في الماضي محال ووجوده في المستقبل واجب ونازعهم في ذلك آخرون فقالوا بل الأمر في الماضي كما هو في المستقبل ولا فرق بينهما بل الماضي والاستقبال أمر نسبي فكل ما يكون مستقبلا يصير ماضيا وكل ماض فقد كان مستقبلا فلا يعقل إمكان الدوام في أحد الطرفين وإحالته في الطرف الآخر قالوا وهذه مسألة دوام فاعلية الرب تبارك وتعالى وهو لم يزل ربا قادرا فاعل فانه لم يزل حيا عليما قديرا ومن المحال أن يكون الفعل ممتنعا عليه لذاته ثم ينقلب فيصير ممكنا لذاته من غير تجدد شيء وليس للأزل حد محدود حتى يصير الفعل ممكنا له عند ذلك الحد ويكون قبله ممتنعا عليه فهذا القول تصوره كاف في الجزم بفساده ويكفي في فساده أن الوقت الذي انقلب فيه الفعل من الإحالة الذاتيه إلى الأماكن الذات إما أن يصح أن يفرض قبله وقت يمكن فيه الفعل أولا لا يصح فان قلتم لا يصح كان هذا تحكما غير معقول وهو من جنس الهوس وان قلتم يصح قيل وكذلك ما يفرض قبله لا إلى غاية فما من زمن محقق أو مقدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 إلا والفعل مكن فيه وهو صفة كمال وإحسان ومتعلق حمد الرب وتعالى وربوبيته وملكه وهو لم يزل ربا حميدا ملكا قادرا لم تتجدد له هذه الأوصاف كما أنه لم يزل حيا مريدا عليما والحياة والإرادة والعلم والقدرة تقتضي آثارها ومتعلقاتها فكيف يعقل حي قدير عليم مريد ليس له مانع ولا قاهر يقهره يستحيل عليه أن يفعل شيئا ألبتة وكيف يجعل هذا اصل من أصول الدين ويجعل معيارا على ما اخبر الله به ورسوله ويفرق به بين جائزات العقول ومحالاتها فإذا كان وهذا شان الميزان فكيف يستقيم الموزون به وأما قول من فرق بان الماضي قد دخل في الوجود دون المستقبل فكلام لا تحقيق وراءه فان الذي يحصره الوجود من الحركات هو المتناهي ثم يعدم فيصير ماضيا كما كان معدوما لما كان مستقبلا فوجوده بين عدمين وكلما انقضت جملة حدثت بعدها جملة أخرى فالذي صار ماضيا هو بعينه الذي كان مستقبلا فان دل الدليل على امتناع ما لا يتناهى شيئا قبل شيء فهو بعينه دال على امتناعه شيئا بعد شيء وأما تفريقكم بقولكم المستقبل نظير قوله ما أعطيك درهما إلا وأعطيك بعده درهما فهذا ممكن والماضي نظير قوله ما أعطيك درهما إلا وأعطيك قبله درهما فهذا الفرق فيه تلبيس لا يخفى وليس بنظير ما نحن فيه بل نظيره ان يقول ما أعطيك درهما إلا وقد تقدم مني أعطاء درهم قبله فهذا ممكن الدوام في الماضي على حد إمكانه في المستقبل ولا فرق في العقل الصحيح بينهما البتة ولما لم يجد الجهم وأبو الهذيل واتباعهما بين الأمرين فرقا قالوا بوجوب تناهي الحركات في المستقبل كما يجب ابتداؤها عندهم في الماضي وقال أهل الحديث بل هما سواء في الإمكان والوقوع ولم يزل الرب سبحانه تعالى فعالا لما يريد ولم يزل ولا يزال موصوفا بصفات الكمال منعوتا بنعوت الجلال وليس المتمكن من الفعل كل وقت كالذي لا يمكنه الفعل إلا في وقت معين وليس من يخلق كمن لا يخلق ومن يحسن كمن لا يحسن ومن يدبر الأمر كمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 لا يدبر وأي كمال في أن يكون رب العالمين معطلا عن الفعل في مدة مقدرة أو محققة لا تتناهى يستحيل منه الفعل وحقيقة ذلك أنه لا يقدر عليه وإن أبيتم هذا الإطلاق وقلتم أن المحال لا يوصف بكونه غير مقدور عليه فجمعتم بين محالين الحكم بإباحة الفعل من غير موجب لإحالته وانقلابه من الإحالة الذاتية إلى الإمكان الذاتي من غير تجدد سبب وزعمتم أن هذا هو الأصل الذي تثبتون به وجود الصانع وحدوث العالم وقيامه الأبدان فجنيتم على العقل والشرع والرب تعالى لم يزل قادرا على الفعل والكلام بمشيئته ولم يزل فعالا لما يريد ولم يزل ربا محسنا والمقصود إن القول بفناء الجنة والنار قول مبتدع لم يقله أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أحد من أئمة المسلمين والذين قالوه إنما تلقوه عن قياس فاسد كما اشتبه أصله على كثير من الناس فاعتقدوه حقا وبنوا عليه القول بخلق القران ونفي الصفات وقد دل القرآن والسنة والعقل الصريح على أن كلمات الله وأفعاله لا تتناهى ولا تنقطع بآخر ولا تحد بأول قال تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} فاخبر عن عدم نفاد كلماته لعزته وحكمته وهذان وصفان ذاتيان له سبحانه وتعالى لا يكون إلا كذلك وذكر ابن أبي حاتم في تفسيره عن سليمان بن عامر قال سمعت الربيع بن أنس يقول إن مثل علم العباد كلهم في علم الله عز وجل كقطرة من هذه البحور كلها وقد انزل الله سبحانه وتعالى في ذلك: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ} الآية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 وقوله: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً} الآية يقول سبحانه وتعالى قل لو كان البحر مدادا لكلمات الله والشجر كلها أقلام لانكسرت الأقلام وفني ماء البحر وكلمات الله تعالى باقية لا يفنيها شيء لان أحدا لا يستطيع أن يقدر قدره ولا يثني عليه كما ينبغي بل هو كما أثنى على نفسه إن ربنا كما يقول وفوق ما يقول ثم إن مثل نعيم الدنيا أوله وآخره وفي نعيم الآخرة كحبة من خردل في خلال الأرض كلها فصل وأما أبدية النار ودوامها فقال فيها شيخ الإسلام فيها قولان معروفان عن السلف والخلف والنزاع في ذلك معروف عن التابعين قلت هاهنا أقوال سبعة احدها ان من دخلها لا يخرج منها أبدا بل كل من دخلها مخلد فيها أبد الآباد بإذن الله وهذا قول الخوارج والمعتزلة والثاني أن أهلها يعذبون فيها مدة ثم تنقلب عليهم وتبقى طبيعة نارية لهم يتلذذون بها لموافقتها لطبيعتهم وهذا قول إمام الاتحادية ابن عربي الطائي قال في فصوصه الثناء بصدق الوعد لا بصدق الوعيد والحضرة الإلهية تطلب الثناء المحمود بالذات فيثني عليها بصدق الوعد لا بصدق الوعيد بل بالتجاوز فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله ولم يقل وعيده بل قال ويتجاوز عن سيئاتهم مع أنه توعد على ذلك وأثنى على اسماعيل بانه كان صادق الوعد وقد زال الامكان في حق الحق لما فيه من طلب المرجح فلم يبق إلا صادق الوعد وحده ... وما لوعيد الحق عين تعاين وان دخلوا دار الشقاء فانهم ... على لذة فيها نعيم مباين نعيم جنان الخلد والامر واحد ... وبينهما عند التجلي تباين يسمى عذابا من عذوبة طعمه ... وذاك له كالقشر والقشر صاين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 وهذا في طرف والمعتزلة الذين يقولون لا يجوز على الله أن يخلف وعيده بل يجب عليه تعذيب من توعده بالعذاب في طرف فأولئك عندهم لا ينجو من النار من دخلها أصلا وهذا عنده لا يعذب بها أحد أصلا والفريقان مخالفان لما علم بالاضطرار إن الرسول جاء به واخبر به عن الله عز وجل الثالث قول من يقول إن أهلها يعذبون فيها إلى وقت محدود ثم يخرجون منها ويخلفهم فيها قوم آخرون وهذا القول حكاه اليهود للنبي فأكذبهم فيه وقد أكذبهم الله تعالى في القرآن فيه فقال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ} يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون فهذا القول إنما هو قول أعداء الله اليهود فهم شيوخ أر بابه والقائلين به وقد دل القران والسنة وإجماع الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام على فساده قال تعالى: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} وقال {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ} وقال {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا} وقال تعالى: كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقال تعالى: {لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَ} وقال تعالى: {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 وهذا أبلغ ما يكون في الإخبار عن استحالة دخولهم الجنة الرابع قول من يقول يخرجون منها وتبقى نارا على حالها ليس فيها أحد يعذب حكاه شيخ الإسلام والقران والسنة أيضا يردان على هذا القول كما تقدم الخامس قول من يقول بل تفنى بنفسها لأنها حادثة بعد أن لم تكن وما ثبت حدوثه استحال بقاؤه وأبديته وهذا قول جهنم بن صفوان وشيعته ولا فرق عنده في ذلك بين الجنة والنار السادس قول من يقول تفنى حياتهم وحركاتهم ويصيرون جمادا لا يتحركون ولا يحسون بألم وهذا قول أبى الهذيل العلاف إمام المعتزلة طردا لامتناع حوادث لا نهاية لها والجنة والنار عنده سواء في هذا الحكم السابع قول من يقول بل يفنيها ربها وخالقها تبارك وتعالى فانه جعل لها أمدا تنتهي إليه ثم تفنى ويزول عذابها قال شيخ الإسلام وقد نقل هذا القول عن عمر وابن مسعود وأبى هريرة وأبى سعيد وغيرهم وقد روى عبد بن حميد وهو من اجل أئمة الحديث في تفسيره المشهور حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن الحسن قال قال عمر: لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه وقال حدثنا حجاج بن منهال عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أن عمر بن الخطاب قال لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون منه ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} فقد رواه عبد وهو من الأئمة الحفاظ وعلماء السنة عن هذين الجليلين سليمان بن حرب وحجاج ابن منهال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 وكلاهما عن حماد بن سلمة وحسبك به وحماد يرويه عن ثابت وحميد وكلاهما يرويه عن الحسن وحسبك بهذا الإسناد جلالة والحسن وإن لم يسمع من عمر فإنما رواه عن بعض التابعين ولو لم يصح عنده ذلك عن عمر لما جزم به وقال عمر بن الخطاب ولو قدر أنه لم يحفظ عن عمر فتداول هؤلاء الأئمة له غير مقابلين له بالإنكار والرد مع أنهم ينكرون على من خالف السنة بدون هذا فلو كان خذا القول عند هؤلاء الأئمة من البدع المخالفة لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأئمة لكانوا أول منكر له قال ولا ريب أن من قال هذا القول عن عمر ونقله عنه إنما أراد بذلك جنس أهل النار الذين هم أهلها فأما قوم أصيبوا بذنوبهم فقد علم هؤلاء وغيرهم أنهم يخرجون منها وأنهم لا يلبثون قدر رمل عالج ولا قريبا منه ولفظ أهل النار لا يختص بالموحدين بل يختص بمن عداهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولا يناقض هذا قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا} وقوله {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} بل ما أخبر الله به هو الحق والصدق الذي لا يقع خلافه لكن إذا انقضى اجلها وفنيت تفنى الدنيا لم تبق نارا ولم يبق فيها عذاب قال أرباب هذا القول وفي تفسير علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس في قوله تعالى: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} قال لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه ولا ينزلهم جنة ولا نارا قالوا وهذا الوعيد في هذه الآية ليس مختصا بأهل القبلة فانه سبحانه: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الأِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 الأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} وكذلك نولى بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون وأولياء الجن من الإنس يدخل فيه الكفار قطعا فإنهم أحق بموالاتهم من عصاة المسلمين كما قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} وقال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ} وقال تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} وقال تعالى: {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ} وقال تعالى: {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} وقال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} والاستثناء وقع في الآية التي أخبرت عن دخول أولياء الشياطين النار فمن هاهنا قال ابن عباس لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه قالوا قول من قال أن إلا بمعنى سوى أي سوى ما شاء الله أن يزيدهم من أنواع العذاب وزمنه لا تخفى منافرته للمستثنى والمستثنى منه وإن الذي يفهمه المخاطب مخالفة ما بعد "إلا" لما قبلها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 قالوا وقول من قال أنه لإخراج ما قبل دخولهم إليها من الزمان كزمان البرزخ والموقف ومدة الدنيا أيضا لا يساعد عليه وجه الكلام فانه استثناء من جملة خبرية مضمونها أنهم إذا دخلوا النار لبثوا فيها مدة دوام السماوات والأرض إلا ما شاء الله وليس المراد الاستثناء قبل الدخول هذا ما لا يفهمه المخاطب ألا ترى أنه سبحانه يخاطبهم بهذا في النار حين يقولون ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا فيقول لهم حينئذ النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله وفي قوله ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا نوع اعتراف واستسلام وتحسر أي استمتع الجن بنا واستمتعنا بهم فاشتركنا في الشرك ودواعيه وأسبابه وآثرنا الاستمتاع على طاعتك وطاعة رسلك وانقضت آجالنا وذهبت أعمارنا في ذلك ولم نكتسب فيها رضاك وإنما كان غاية امرنا في مدة آجالنا استمتاع بعضنا ببعض فتأمل ما في هذا القول من الاعتراف بحقيقة ما هم عليه وكيف بدت لهم تلك الحقيقة ذلك اليوم وعلموا أن الذي كانوا فيه في مدة آجالهم هو حظهم من استمتاع بعضهم ببعض ولم يستمتعوا بعبادة ربهم ومعرفته وتوحيده ومحبته وإيثار مرضاته وهذا من نمط قولهم لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير وقوله فاعترفوا بذنبهم وقوله فعلموا أن الحق لله ونظائرة والمقصود أن قوله إلا ما شاء الله عائد إلى هؤلاء المذكورين مختصا بهم أو شاملا لهم ولعصاة الموحدين وأما اختصاصه بعصاة المسلمين دون هؤلاء فلا وجه له ولما رأت طائفة ضعف هذا القول قالوا الاستثناء يرجع إلى مدة البرزخ والموقف وقد تبين ضعف هذا القول ورأت طائفة أخرى أن الاستثناء يرجع إلى نوع آخر من العذاب غير النار قالوا والمعنى أنكم في النار أبدا إلا ما شاء الله أن يعذبكم بغيرها وهو الزمهرير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 وقد قال تعالى: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} قالوا وإلا بدلا يقدر بالأحقاب وقد قال ابن مسعود في هذه الآية ليأتين يوم على جهنم زمان وليس فيها أحد وذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا وعن أبي هريرة مثله حكاه البغوي عنهما ثم قال ومعناه عند أهل السنة أن ثبت أنه لا يبقى فيها أحد من أهل الإيمان قالوا قد ثبت ذلك عن أبي هريرة وابن مسعود وعبد الله بن عمر وقد سال حرب اسحق بن راهويه عن هذه الآية فقال سالت إسحاق قلت قول الله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ} فقال أتت هذه الآية على كل وعيد في القران حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا معتمر بن سليمان قال قال أبي حدثنا أبو نضرة عن جابر أو أبي سعيد أو بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال هذه الآية تأتي على القران كله إلا ما شاء ربك أن ربك فعال لما يريد قال المعتمر قال أتى على كل وعيد في القران حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن أبي بلخ سمع عمرو بن ميمون يحدث عن عبد الله بن عمرو قال ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا حدثنا عبيد الله حدثنا أبي حدثنا شعبة عن يحيى بن أيوب عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال ما أنا بالذي لا أقول أنه سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد وقرا قوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} الآية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 قال عبيد الله كان أصحابنا يقولون يعني به الموحدين حدثنا أبو معن حدثنا وهب بن جرير حدثنا شعبة عن سليمان التيمي عن أبي نضرة عن جابر ابن عبد الله أو بعض أصحابه في قوله خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك قال هذه الآية تأتي على القران كله وقد حكى ابن جرير هذا القول في تفسيره عن جماعة من السلف فقال وقال آخرون عنى بذلك أهل النار وكل من دخلها ذكر من قال ذلك ثم ذكر الآثار التي نذكرها وقال عبد الرزاق أنبانا ابن التيمي عن أبيه عن أبي نضرة عن جابر أو أبي سعيد أو عن رجل من أصحاب رسول الله في قوله إلا ما شاء ربك أن ربك فعال لما يريد قال هذه الآية تأتي على القران كله يقول حيث كان في القران خالدين فيها تأتي عليه قال وسمعت أبا مجلز يقول جزاؤه فان شاء الله تجاوز عن عذابه وقال ابن جرير حدثنا الحسن بن يحيى أنبانا عبد الرزاق فذكره وقال وحدثت عن المسيّب عمن ذكره عن ابن عباس: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ} قال: لا يموتون وما هم منها بمخرجين ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك قال استثنى الله قال أمر الله النار أن تأكلهم قال وقال ابن مسعود ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد بعد ما يلبثون فيها أحقابا حدثنا ابن حميد حدثنا جرير عن بيان عن الشعبي قال جهنم أسرع الدارين عمرانا وأسرعهما خرابا وحكى ابن جرير في ذلك قولا آخر فقال وقال آخرون اخبرنا الله عز وجل بمشيئته لأهل الجنة فعرفنا معنى ثنياه بقوله عطاء غير مجذوذ وأنها لفي الزيادة على مقدار مدة السماوات والأرض قالوا ولم يخبرنا بمشيئته في أهل النار وجائز أن يكون مشيئته في الزيادة وجائز أن تكون في النقصان حدثني يونس أنبانا ابن وهب قال اقل ابن زيد في قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ} فقرأ حتى بلغ: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} فقال اخبرنا بالذي يشاء لأهل الجنة فقال عطاء غير مجذوذ ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار وقال ابن مردويه في تفسيره حدثنا سليمان بن احمد حدثنا جبير بن عرفة حدثنا يزيد بن مروان الخلال حدثنا أبو خليد حدثنا سفيان يعني الثوري عن عمرو بن دينار عن جابر قال قرأ رسول الله فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك قال رسول الله أن شاء الله أن يخرج أناسا من الذين شقوا من النار فيدخلهم الجنة فعل وهذا الحديث يدل على أن الاستثناء إنما هو للخروج من النار بعد دخولها خلافا لمن زعم أنه لما قبل الدخول ولكن إنما يدل على إخراج بعضهم من النار وهذا حق بلا ريب وهو لا ينفي انقطاعها وفناء عذابها وآكلها لمن فيها وأنهم يعذبون فيها دائما ما دامت كذلك وما هم منها بمخرجين فالحديث دل على آمرين أحدهما أن بعض الأشقياء أن شاء الله أن يخرجهم من النار وهي نار فعل وأن الاستثناء إنما هو فيما بعد دخولها لا فيما قبله وعلى هذا فيكون معنى الاستثناء ما شاء ربك من الأشقياء فانهم لا يخلدون فيها ويكون الأشقياء نوعين نوعا يخرجون منها النار ونوعا يخلدون فيها فيكونون من الذين شقوا أولا ثم يصيرون من الذين سعدوا فتجتمع لهم الشقاوة والسعادة في وقتين قالوا وقد قال تعالى: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباًلا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً إِلا حَمِيماً وَغَسَّاقاً جَزَاءً وِفَاقاً إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّاباً} فهذا صريح في وعيد الكفار المكذبين بآياته ولا يقدر إلا بديّ بهذه الأحقاب ولا غيرها كما لا يقدر به القديم ولهذا قال عبد الله بن عمرو فيما رواه شعبة عن أبي بلخ سمع عمرو بن ميمون يحدث عنه" ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 فصل والذين قطعوا بدوام النار لهم ست طرق أحدها اعتقاد الإجماع فكثير من الناس يعتقدون أن هذا مجمع عليه بين الصحابة والتابعين لا يختلفون فيه وأن الاختلاف فيه حادث وهو من أقوال أهل البدع الطريق الثاني أن القران دل على ذلك دلالة قطعية فانه سبحانه وتعالى اخبر أنه عذاب مقيم وانه لا يفتر عنهم وأنه لن يزيدهم إلا عذابا وأنهم خالدين فيها أبدا وما هم بخارجين منها أي من النار وما هم منها بمخرجين وأن الله حرم الجنة على الكافرين وأنهم لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وأنهم لا يقضي عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها وأن عذابها كان غراما أي مقيما لازما قالوا وهذا يفيد القطع بدوامه واستمراره الطريق الثالث أن السنة المستفيضة أخبرت بخروج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان دون الكفار وأحاديث الشفاعة من أولها إلى آخرها صريحة بخروج عصاة الموحدين من النار وأن هذا حكم مختص بهم فلو خرج الكفار منها لكانوا بمنزلتهم ولم يختص الخروج بأهل الإيمان الطريق الرابع أن الرسول وقفنا على ذلك وعلمناه من دينه بالضرورة من غير حاجة بنا إلى نقل معين كما علمنا من دينه دوام الجنة وعدم فنائها الطريق الخامس أن عقائد السلف وأهل السنة مصرحة بان الجنة والنار مخلوقتان وأنهما لا يفنيان بل هما دائمتان وإنما يذكرون فناءهما عن أهل البدع الطريق السادس أن العقل يقضي بخلود الكفار في النار وهذا مبني على قاعدة وهي أن المعاد وثواب النفوس المطيعة وعقوبة النفوس الفاجرة هل هو مما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 يعلم بالعقل أو لا يعلم إلا بالسمع فيه طريقتان لنظار المسلمين وكثير منهم يذهب إلى أن ذلك يعلم بالعقل مع السمع كما دل عليه القران في غير موضع كإنكاره سبحانه على من زعم أنه يسوى بن الأبرار والفجار في المحيا والممات وعلى من زعم أنه خلق خلقه عبثا وأنهم إليها لا يرجعون وأنه يتركهم سدى أي لا يثيبهم ولا يعاقبهم وذلك يقدح في حكمته وكماله وانه نسبه إلى ما لا يليق به وربما قرروه بان النفوس البشرية باقية واعتقاداتها وصفاتها لازمة لها لا تفارقها وأن ندمت عليها لما رأت العذاب فلم تندم عليها لقبحها أو كراهة ربها لها بل لو فارقها العذاب رجعت كما كانت أولا قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} فهؤلاء قد ذاقوا العذاب وباشروه ولم يزل سببه ومقتضيه من نفوسهم بل خبثها وكفرها قائم بها لم يفارقها بحيث لو ردوا لعادوا كفارا كما كانوا وهذا يدل على أن دوام تعذيبهم يقضى به العقل كما جاء به السمع قال أصحاب الفناء الكلام على هذه الطرق يبين الصواب في هذه المسالة فأما الطريق الأول فالإجماع الذي ادعيتموه غير معلوم وإنما يظن الإجماع في هذه المسالة من لم يعرف النزاع وقد عرف النزاع فيها قديما وحديثا بل لو كلف مدعي الإجماع أن ينقل عن عشرة من الصحابة فما دونهم إلى الواحد أنه قال إن النار لا تفنى أبدا لم يجد إلى ذلك سبيلا ونحن قد نقلنا عنهم التصريح بخلاف ذلك فما وجدنا عن واحد منهم خلاف ذلك بل التابعون حكوا عنهم هذا وهذا قالوا والإجماع المعتد به نوعان متفق عليهما ونوع ثالث مختلف فيه ولم يوجد واحد منها في هذه المسالة النوع الأول ما يكون معلوما من ضرورة الدين كوجوب أركان الإسلام وتحريم المحرمات الظاهرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 الثاني ما ينقل عن أهل الاجتهاد التصريح بحكمه والثالث أن يقول بعضهم القول وينشر في الأمة ولا ينكره أحد فأين معكم واحد من هذه الأنواع ولو أن قائلا ادعى الإجماع من هذه الطرق واحتج بان الصحابة صح عنهم ولم ينكر أحد منهم عليه لكان اسعد بالإجماع منكم قالوا وأما الطريق الثاني وهو دلالة القران على بقاء النار وعدم فنائها فأين في القران دليل واحد يدل على ذلك نعم الذي دل عليه القران أن الكفار خالدين في النار أبدا وأنهم غير خارجين منها وانه لا يفتر عنهم عذابها وأنهم لا يموتون فيها وأن عذابهم فيها مقيم وانه غرام لازم لهم وهذا كله مما لا نزاع فيه بين الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وليس هذا مورد النزاع وإنما النزاع في أمر آخر وهو أنه هل النار أبدية أو مما كتب الله عليه الفناء وأما كون الكفار لا يخرجون منها ولا يفتر عنهم من عذابها ولا يقضى عليهم فيموتوا ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط فلم يختلف في ذلك الصحابة ولا التابعون ولا أهل السنة وإنما خالف في ذلك من قد حكينا أقوالهم من اليهود والاتحادية وبعض أهل البدع وهذه النصوص وأمثالها تقتضي خلودهم في دار العذاب ما دامت باقية ولا يخرجون منها مع بقائها البتة كما يخرج أهل التوحيد منها مع بقائها فالفرق بين من يخرج من الحبس وهو حبس على حاله وبين من يبطل جنسه بخراب الحبس وانتقاضه قالوا وأما الطريق الثالث وهو مجيء السنة المستفيضة بخروج أهل الكبائر من النار دون أهل الشرك فهي حق لا شك فيه وهي إنما تدل على ما قلناه من خروج الموحدين منها وهي دار العذاب لم تفن ويبقى المشركون فيها ما دامت باقية والنصوص دلت على هذا وعلى هذا قالوا وأما الطريق الرابع وهو أن رسول الله وقفنا على ذلك ضرورة فلا ريب أنه من المعلوم من دينه بالضرورة أن الكفار باقون فيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 ما دامت باقية هذا معلوم من دينه بالضرورة وأما كونها أبدية لا انتهاء لها ولا تفنى كالجنة فأين من القران والسنة دليل واحد يدل على ذلك قالوا وأما الطريق الخامس وهو أن في عقائد أهل السنة أن الجنة والنار مخلوقتان لا يفنيان أبدا فلا ريب أن القول بفنائهما قول أهل البدع من الجهمية والمعتزلة وهذا القول لم يقله أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أحد من أئمة المسلمين وأما فناء النار وحدها فقد أوجدنا كم من قال به من الصحابة وتفريقهم بين الجنة والنار فكيف يكون القول به من أقوال أهل البدع مع أنه لا يعرف عن أحد من أهل البدع التفريق بين الدارين فقولكم أنه من أقوال أهل البدع كلام من لا خبرة له بمقالات بني آدم وآرائهم واختلافهم قالوا والقول الذي يعد من أقوال أهل البدع ما خالف كتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأمة أما الصحابة أو من بعدهم وأما قول يوافق الكتاب والسنة وأقوال الصحابة فلا يعد من أقوال أهل البدع وأن دانوا به واعتقدوه فالحق يجب قبوله ممن قاله والباطل يجب رده على من قاله وكان معاذ بن جبل يقول الله حكم قسط هلك المرتابون أن من ورائكم فتنا يكثر فيها المال ويفتح فيها القران حتى يقرؤه المؤمن والمنافق والمرآة والصبي والأسود والأحمر فيوشك أحدهم أن يقول قد قرأت القران فما أظن أن يتبعوني حتى ابتدع بدلهم غيره فإياكم وما ابتدع فان كل بدعة ضلالة وإياكم وزيغة الحكيم فان الشيطان قد يتكلم على لسان الحكيم بكلمة الضلالة وأن المنافق قد يقول كلمة الحق فتلقوا الحق عمن جاء به فان على الحق نورا قالوا وكيف زيغة الحكيم قال هي الكلمة تروعكم وتنكرونها وتقولون ما هذه فاحذروا زيغته ولا تصدنكم عنه فانه يوشك أن يفيء وأن يراجع الحق وأن العلم والإيمان مكانهما إلى يوم القيامة والذي اخبر به أهل السنة في عقائدهم هو الذي دل عليه الكتاب والسنة واجمع عليه السلف أن الجنة والنار مخلوقتان وأن أهل النار لا يخرجون منها ولا يخفف عنهم من عذابها العذاب ولا يفتر عنهم وأنهم خالدون فيها ومن ذكر منهم أن النار لا تفنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 أبدا فإنما قاله لظنه أن بعض أهل البدع قال بفنائها ولم يبلغه تلك الآثار التي تقدم ذكرها قالوا وأما حكم العقل بتخليد أهل النار فيها فأخبار عن العقل بما ليس عنده فان المسالة من المسائل التي لا تعلم إلا بخبر الصادق وأما اصل الثواب والعقاب فهل يعلم بالعقل مع السمع أول لا يعلم إلا بالسمع وحده ففيه قولان لنظار المسلمين من اتباع الأئمة الأربعة وغيرهم والصحيح أن العقل دل على المعاد والثواب والعقاب إجمالا وأما تفصيله فلا يعلم إلا بالسمع ودوام الثواب والعقاب مما لا يدل عليه العقل بمجرده وإنما علم بالسمع وقد دل السمع دلالة قاطعة على دوام ثواب المطيعين وأما عقاب العصاة فقد دل السمع أيضا دلالة قاطعة على انقطاعه في حق الموحدين وأما دوامه وانقطاعه في حق الكفار فهذا معترك النزال فمن كان السمع من جانبه فهو اسعد بالصواب وبالله التوفيق فصل ونحن نذكر الفرق بين دوام الجنة والنار شرعا وعقلا وذلك يظهر من وجوه أحدها أن الله سبحانه وتعالى اخبر ببقاء نعيم أهل الجنة ودوامه وانه لا نفاد له ولا انقطاع وانه غير مجذوذ وأما النار فلم يخبر عنها بأكثر من خلود أهلها فيها وعدم خروجهم منها وأنهم لا يموتون فيها ولا يحيون وإنها مؤصدة عليهم وأنهم كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وأن عذابها لازم لهم وانه مقيم عليهم لا يفتر عنهم والفرق بين الخبرين ظاهر الوجه الثاني أن النار قد اخبر سبحانه وتعالى في ثلاث آيات عنها بما يدل على عدم أبديتها الأولى قوله سبحانه وتعالى قال: {النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} والثانية قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} الثالثة قوله {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} ولولا الأدلة القطعية الدالة على أبدية الجنة ودوامها لكان حكم الإستثنائين في الموضعين واحدا كيف وفي الآيتين من السياق ما يفرق بين الإستثنائين فانه قال في أهل النار {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} فعلمنا أنه الله سبحانه وتعالى يريد أن يفعل فعلا لم يخبرنا به وقال في أهل الجنة عطاء غير مجذوذ فعلمنا أن هذا العطاء والنعيم غير مقطوع عنهم أبدا فالعذاب موقت معلق والنعيم ليس بموقت ولا معلق الوجه الثالث أنه قد ثبت أن الجنة لم يدخلها من لم يعمل خيرا قط من المعذبين الذين يخرجهم الله من النار وأما النار فلم يدخلها من لم يعمل سوءا قط ولا يعذب إلا من عصاه الوجه الرابع أنه قد ثبت أن الله سبحانه وتعالى ينشئ للجنة خلقا آخر يوم القيامة يسكنهم إياها ولا يفعل ذلك بالنار وأما الحديث الذي قد ورد في صحيح البخاري من قوله وأما النار فينشئ الله لها خلقا آخرين فغلط وقع من بعض الرواة انقلب عليه الحديث وإنما هو ما ساقه البخاري في الباب نفسه وأما الجنة فينشئ الله لها خلقا آخرين ذكره البخاري رحمه الله مبينا أن الحديث انقلب لفظه على من رواه بخلاف هذا وهذا والمقصود أنه لا تقاس النار بالجنة في التأبيد مع هذه الفروق يوضحه الوجه الخامس أن الجنة من موجب رحمته ورضاه والنار من غضبه وسخطه ورحمته سبحانه تغلب غضبه وتسبقه كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 عنده موضوع على العرش أن رحمتي تغلب غضبي وإذا كان رضاه قد سبق غضبه وهو يغلبه كان التسوية بين ما هو من موجب رضاه وما هو من موجب غضبه ممتنعا" يوضحه الوجه السادس أن ما كان بالرحمة وللرحمة فهو مقصود لذاته قصد الغايات وما كان من موجب الغضب والسخط فهو مقصود لغيره قصد الوسائل فهو مسبوق مغلوب مراد لغيره وما كان بالرحمة فغالب سابق مراد لنفسه يوضحه الوجه السابع وهو أنه سبحانه وتعالى قال للجنة أنت رحمتي ارحم بك من أشاء وقال للنار أنت عذابي أعذب بك من أشاء وعذابه مفعول منفصل وهو ناشئ عن غضبه ورحمته هاهنا هي الجنة وهي رحمة مخلوقة ناشئة عن الرحمة التي هي صفة الرحمن فهاهنا أربعة أمور رحمة هي وصفه سبحانه وثواب منفصل هو ناشئ عن رحمه وغضب يقوم به سبحانه وعقاب منفصل ينشا عنه فإذا غلبت صفة الرحمة صفة الغضب فلان يغلب ما كان بالرحمة لما كان بالغضب أولى وأحرى فلا تقاوم النار التي نشأت عن الغضب الجنة التي نشأت عن الرحمة يوضحه الوجه الثامن أن النار خلقت تخويفا للمؤمنين وتطهيرا للخاطئين والمجرمين فهي طهرة من الخبث الذي اكتسبته النفس في هذا العالم فان تطهرت هاهنا بالتوبة النصوح والحسنات الماحية والمصائب المكفرة لم يحتج إلى تطهير هناك وقيل لها مع جملة الطيبين سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين وأن لم نطهر في هذه الدار ووافت الدار الأخرى بدرنها ونجاستها وخبثها أدخلت النار طهرة لها ويكون مكثها في النار بحسب زوال ذلك الدرن والخبث والنجاسة التي لا يغسلها الماء فإذا تطهرت الطهر التام أخرجت من النار والله سبحانه خلق عباده حنفاء وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها فلو خلوا وفطرهم لما نشؤا إلا على التوحيد ولكن عرض لا كثر الفطر ما غيرها ولهذا كان نصيب النار أكثر من نصيب الجنة وكان هذا التغيير مراتب لا يحصيها إلا الله فأرسل الله رسله وانزل كتبه يذكر عباده بفطرته التي فطرهم عليها فعرف الموفقون الذين سبقت لهم من الله الحسنى صحة ما جاءت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 به الرسل ونزلت به الكتب بالفطرة الأولى فتوافق عندهم شرع الله ودينه الذي أرسل به رسله وفطرته التي فطرهم عليها فمنعتهم الشرعة المنزلة والفطرة المكملة أن تكتسب نفوسهم خبثا ونجاسة ودرنا يعلق بها ولا يفارقها بل كلما ألم بهم شيء من ذلك ومسهم طائف من الشيطان أغاروا عليه بالشرعة والفطرة فأزالوا موجبه وأثره وكمل لهم الرب تعالى ذلك بأقضية يقضيها لهم مما يحبون أو يكرهون تمحص عنهم تلك الآثار التي شوشت الفطرة فجاء مقتضى الرحمة فصادف مكانا قابلا مستعدا لها ليس فيه شيء يدافعه فقال ههنا أمرت وليس لله سبحانه غرض في تعذيب عباده بغير موجب كما قال تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً} واستمر الأشقياء مع تغيير الفطرة ونقلها مما خلقت عليه إلى ضده حتى استحكم الفساد وتم التغيير فاحتاجوا في إزالة ذلك إلى تغيير آخر وتطهير ينقلهم إلى الصحة حيث لم تنقلهم آيات الله المتلوة والمخلوقة وأقداره المحبوبة والمكروهة في هذه الدار فأتاح لهم آيات آخر وأقضية وعقوبات فوق التي كانت في الدنيا تستخرج ذلك الخبث والنجاسة التي لا تزول بغير النار فإذا زال موجب العذاب وسببه زال العذاب وبقي مقتضى الرحمة لا معارض له فان قيل هذا حق ولكن سبب التعذيب لا يزول إلا إذا كان السبب عارضا كمعاصي الموحدين أما إذا كان لازما كالكفر والشرك فان أثره لا يزول كما لا يزول السبب وقد أشار سبحانه إلى هذه المعنى بعينه في مواضع من كتابه منها قوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} فهذا إخبار بان نفوسهم وطبائعهم لا تقتضي غير الكفر والشرك وإنها غير قابلة للإيمان أصلا ومنها قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} فاخبر سبحانه أن ضلالهم وعماهم عن الهدى دائم لا يزول حتى مع معاينة الحقائق التي أخبرت بها الرسل وإذا كان العمى والضلال لا يفارقهم فان موجبه وأثره ومقتضاه لا يفارقهم ومنها قوله تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} وهذا يدل على أنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 ليس فيهم خير يقتضي الرحمة ولو كان فيهم خير لما ضيع عليهم أثره ويدل على أنهم لا خير فيهم هناك أيضا قوله اخرجوا من النار من كان في قلبه أدنى مثقال ذرة من خير فلو كان عند هؤلاء أدنى أدنى مثقال ذرة من خير لخرجوا منها مع الخارجين قيل لعمر الله أن هذا لمن أقوى ما يتمسك به في المسألة وأن الأمر لكما قلتم وأن العذاب يدوم بدوام موجبه وسببه ولا ريب أنهم في الآخرة في عمي وضلال كما كانوا في الدنيا وبواطنهم خبيثة كما كانت في الدنيا والعذاب مستمر عليهم دائم ما داموا كذلك ولكن هل هذا الكفر والتكذيب والخبث أمر ذاتي لهم زواله مستحيل أم هو أمر عارض طارئ على الفطرة قابل للزوال هذا حرف المسألة وليس بأيديكم ما يدل على استحالة زواله وانه أمر ذاتي وقد اخبر سبحانه وتعالى أنه فطر عباده على الحنيفية وأن الشياطين اجتالتهم عنها فلم يفطرهم سبحانه على الكفر والتكذيب كما فطر الحيوان البهيم على طبيعته وإنما فطرهم على الإقرار بخالقهم ومحبته وتوحيده فإذا كان هذا الحق الذي قد فطروا عليه وقد خلقوا عليه قد أمكن زواله بالكفر والشرك الباطل فإمكان زوال الكفر والشرك الباطل بضده من الحق أولى وأحرى ولا ريب أنهم لو ردوا على تلك الحال التي هم عليها لعادوا لما نهوا عنه ولكن من أين لكم أن تلك الحال لا تزول ولا تتبدل بنشأة أخرى ينشئهم فيها تبارك وتعالى إذا أخذت النار مأخذها منهم وحصلت الحكمة المطلوبة من عذابهم فان العذاب لم يكن سدى وإنما كان لحكمة مطلوبة فإذا حصلت تلك الحكمة لم يبق في التعذيب أمر يطلب ولا غرض يقصد والله سبحانه ليس يشتفي بعذاب عباده كما يشتفى المظلوم من ظالمه وهو لا يعذب عبده لهذا الغرض وإنما يعذبه طهرة له ورحمة به فعذابه مصلحة له وأن تألم به غاية الألم كما أن عذابه بالحدود في الدنيا مصلحة لأربابها وقد سمى الله سبحانه وتعالى الحد عذابا وقد اقتضت حكمته سبحانه أن جعل لكل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 داء دواء يناسبه ودواء الضال يكون من اشق الأدوية والطبيب الشفيق يكون المريض بالنار كيا بعد كي ليخرج منه المادة الرديئة الطارئة على الطبيعة المستقيمة وأن رأى قطع العضو أصلح للعليل قطعه وأذاقه اشد الألم فهذا قضاء الرب وقدره في إزالة مادة غريبة طرأت على الطبيعة المستقيمة بغير اختيار العبد فكيف إذا طرا على الفطرة السليمة مواد فاسدة باختيار العبد وإرادته وإذا تأمل اللبيب شرع الله تبارك وتعالى وقدره في الدنيا وثوابه وعقابه في الآخرة وجد ذلك في غاية التناسب والتوافق وارتباط ذلك ببعضه البعض فان مصدر الجميع عن علم تام وحكمة بالغة ورحمة سابغة وهو سبحانه والملك الحق المبين وملكه ملك رحمة وإحسان وعدل الوجه التاسع أن عقوبته للعبد ليست لحاجته إلى عقوبته لا لمنفعة تعود إليه ولا لدفع مضرة وألم يزول عنه بالعقوبة بل يتعالى عن ذلك ويتنزه كما يتعالى عن سائر العيوب والنقائص ولا هي عبث محض خال عن الحكمة والغاية الحميدة فانه أيضا يتنزه عن ذلك وتعالى عنه فأما أن يكون من تمام نعيم أوليائه وأحبابه وأما أن يكون من مصلحة الأشقياء ومداواتهم أو لهذا ولهذا وعلى التقادير الثلاث فالتعذيب أمر مقصود لغيره قصد الوسائل لا قصد الغايات والمراد أن الوسيلة إذا حصل على الوجه المطلوب زال حكمها ونعيم أوليائه ليس متوقفا في أصله ولا في كماله على استمرار عذاب أعدائه ودوامه مصلحة الأشقياء ليست في الدوام والاستمرار وأن كان في اصل التعذيب مصلحة لهم الوجه العاشر أن رضى الرب تبارك وتعالى ورحمته صفتان ذاتيتان له فلا منتهى لرضاه بل كما قال أعلم الخلق به سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضى نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته فإذا كانت رحمته غلبت غضبه فان رضى نفسه أعلى وأعظم فان رضوانه أكثر من الجنات ونعيمها وكل ما فيها وقد اخبر أهل الجنة أنه يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبدا وأما غضبه تبارك وتعالى وسخطه فليس من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 صفاته الذاتية التي يستحيل انفكاكه عنها بحيث لم يزل ولا يزال غضبان والناس لهم في صفة الغضب قولان أحدهما أنه من صفاته الفعلية القائمة به كسائر أفعاله والثاني أنه صفة فعل منفصل عنه غير قائم به وعلى القوانين فليس كالحياة والعلم والقدرة التي يستحيل مفارقتها له والعذاب إنما ينشا من صفة غضبه وما سعرت النار إلا بغضبه وقد جاء في اثر مرفوع أن الله خلق خلقا من غضبه وأسكنهم بالمشرق وينتقم بهم ممن عصاه فمخلوقاته سبحانه نوعان نوع مخلوق من الرحمة وبالرحمة ونوع مخلوق من الغضب وبالغضب فانه سبحانه له الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي يتنزه عن تقدير خلافه ومنها أنه يرضى ويغضب ويثيب ويعاقب ويعطي ويمنع ويعز ويذل وينتقم ويعفو بل هذا موجب ملكه الحق وحقيقة الملك المقرون بالحكمة والرحمة والحمد فإذا زال غضبه سبحانه وتعالى وتبدل برضاه زالت عقوبته وتبدلت برحمته فانقلبت العقوبة إلى رحمة بل لم تزل رحمة وأن تنوعت صفتها وصورتها كما كان عقوبة العصاة رحمة وإخراجهم من النار رحمة فتقلبوا في رحمته في الدنيا وتقلبوا فيها في الآخرة لكن تلك الرحمة يحبونها وتوافق طبائعهم وهذه رحمة يكرهونها وتشق عليهم كرحمة الطبيب الذي يضع لحم المريض ويلقي عليه المكاوي ليستخرج منه المواد الرديئة الفاسدة فان قيل هذا اعتبار غير صحيح فان الطبيب يفعل ذلك بالعليل وهو يحبه وهو راض عنه ولم ينشا فعله به عن غضبه بغضبه عليه ولهذا لا يسمى عقوبة وأما عذاب هؤلاء فانه إنما حصل بغضبه سبحانه عليهم وهو عقوبة محضة قيل هذا حق ولكن لا ينافي كونه رحمة بهم وأن كان عقوبة لهم وهذا كإقامة الحدود عليهم في الدنيا فانه عقوبة ورحمة وتخفيف وطهرة فالحدود طهرة لأهلها وعقوبة وهم لما أغضبوا الرب تعالى وقابلوه بما لا يليق أن يقابل به وعاملوه أقبح المعاملة وكذبوه وكذبوا رسله وجعلوا اقل خلقه وأخبثهم وامقتهم له ندا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 له وإلهه معه واثروا رضاهم على رضاه وطاعتهم على طاعته وهو ولي الإنعام عليهم وهو خالقهم ورازقهم ومولاهم الحق اشتد مقته لهم وغضبه عليهم وذلك يوجب كمال أسمائه وصفاته التي يستحيل عيله تقدير خلافها ويستحيل عليه تخلف آثارها ومقتضاها عنها بل ذلك تعطيل لأحكامها كما أن نفيها عنه تعطيل لحقائقها وكلا التعطيلين محال عليه سبحانه وتعالى فالمعطلون نوعان أحدهما عطل صفاته والثاني عطل أحكامها وموجباتها وكان هذا العذاب عقوبة لهم من هذا الوجه ودواء لهم من جهة الرحمة السابقة للغضب فاجتمع فيه الأمران فإذا زال الغضب بزوال المادة الفاسدة بتغيير الطبيعة المقتضية لها في الجحيم بمرور الأحقاب عليها وحصلت الحكمة التي أوجبت العقوبة عملت الرحمة عملها وطلبت أثرها من غير معارض يوضحه الوجه الحادي عشر وهو أن العفو أحب إليه سبحانه من الانتقام والرحمة أحب إليه من العقوبة والرضا أحب إليه من الغضب والفضل أحب إليه من العدل ولهذا ظهرت آثار هذه المحبة في شرعه وقدره ويظهر كل الظهور لعباده في ثوابه وعقابه وإذا كان ذلك أحب الأمرين إليه وله خلق الخلق وانزل الكتب وشرع الشرائع وقدرته سبحانه صالحة لكل شيء لا قصور فيها بوجه ما وتلك المواد الردية الفاسدة مرض من الأمراض وبيده سبحانه وتعالى الشفاء التام والأدوية الموافقة لكل داء وله القدرة التامة والرحمة السابغة والغنى المطلق بالعبد أعظم حاجة إلى من يداوي علته التي بلغت به غاية الضرر والمشقة وقد عرف العبد أنه عليل وأن دواءه بيد الغني الحميد فتضرع إليه ودخل به عليه واستكان له وانكسر قلبه بين يديه وذل لعزته وعرف أن الحمد كله له وأن الحق كله له وانه هو الظلوم الجهول وان ربه تبارك وتعالى عامله بكل عدله لا ببعض عدله وأن له غاية الحمد فيما فعل به وأن حمده هو الذي أقامه في هذا المقام وأوصله إليه وانه لا خير عنده من نفسه بوجه من الوجوه بل ذلك محض فضل الله وصدقته عليه وانه لا نجاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 له مما هو فيه إلا بمجرد العفو والتجاوز عن حقه فنفسه أولى بكل ذم وعيب ونقص وربه تعالى أولى بكل حمد وكمال ومدح فلو أن أهل الجحيم شهدوا نعمته سبحانه ورحمته وكماله وحمده الذي أوجب لهم ذلك فطلبوا مرضاته ولو بدوامهم في تلك الحال وقالوا أن كان ما نحن فيه رضاك فرضاك الذي نريد وما أوصلنا إلى هذه الحال إلا طلب مالا يرضيك فأما إذا أرضاك هذا منا فرضاك غاية ما نقصده وما لجرح إذا أرضاك من ألم وأنت ارحم بنا من أنفسنا واعلم بمصالحنا ولك الحمد كله عاقبت أو عفوت لانقلبت النار عليهم بردا وسلاما وقد روى الإمام احمد في مسنده من حديث الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يأتي أربعة يوم القيامة رجل أصم لا يسمع شيئا ورجل أحمق ورجل هرم ورجل مات في فترة فأما الأصم فيقول رب لقد جاء الإسلام وما اسمع شيئا وأما الأحمق فيقول رب لقد جاء الإسلام والضبيان يحذفوني بالبعر وأما الهرم فيقول ربى لقد جاء الإسلام وما اعقل شيئا وأما الذي مات في الفترة فيقول رب ما أتاني لك من رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار قال فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما وفي المسند أيضا من حديث قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة مثله وقال فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ومن لم يدخلها يسحب إليها فهؤلاء لما رضوا بتعذيبهم وبادروا إليه لما علموا أن فيه رضى ربهم وموافقة أمره ومحبته انقلب في حقهم نعيما ومثل هذا ما رواه عبد الله بن المبارك حدثني رشدين قال حدثني ابن انعم عن أبي عثمان أنه حدثه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله قال أن رجلين ممن دخلا النار يشتد صياحهما فقال الرب جل جلاله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 أخرجوهما فإذا أخرجا فقال لهما لأي شيء اشتد صياحكما قال فعلنا ذلك لترحمنا قال رحمتي لكما أن تنطلقا فتلقيا أنفسكما حيث كنتما من النار قال فينطلقان فيلقي أحدهما نفسه فيجعلها الله سبحانه عليه بردا وسلاما ويقوم الآخر فلا يلقي فيقول له الرب تبارك وتعالى ما منعك أن تلقي نفسك كما ألقى صاحبك فيقول رب إني أرجوك أن لا تعيدني فيها بعدما أخرجتني منها فيقول الرب وتعالى لك رجاؤك فيدخلان الجنة جميعا برحمة الله وذكر الأوزاعي عن بلال بن سعد قال يؤمر بإخراج رجلين من النار فإذا خرجا ووقفا قال الله لهما كيف وجدتما مقيلكما وسوء مصيركما فيقولان شر مقيل وأسوا مصير صار إليه العبد فيقول لهما بما قدمت أيديكما وما أنا بظلام للعبيد قال فيؤمر بصرفهما إلى النار فأما أحدهما فيغدوا في أغلاله وسلاسله حتى يقتحمها وأما الآخر فيتلكا فيؤمر بردهما فيقول للذي غدا في أغلاله وسلاسله حتى اقتحمها ما حملك على ما صنعت وقد خرجت منها فيقول إني خبرت من وبال معصيتك وما لم اكن أتعرض لسخطك ثانيا ويقول للذي تلكأ ما حملك على ما صنعت فيقول حسن ظني بك حين أخرجتني منها أن لا تردني إليها فيرحمهما جميعا ويأمر بهما إلى الجنة الوجه الثاني عشر أن النعيم والثواب من مقتضى رحمته ومغفرته وبره كرمه ولذلك يضيف ذلك إلى نفسه وأما العذاب والعقوبة فإنما هو من مخلوقاته ولذلك لا يسمى بالمعاقب والمعذب بل يفرق بينهما فيجعل ذلك من أوصافه وهذا من مفعولاته حتى في الآية الواحدة كقوله تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ} وقال: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 ومثلها في آخر الأنعام فما كان مقتضى أسمائه وصفاته فانه يدوم بدوامها ولا سيما إذا كان محبوبا له وهو غاية مطلوبة في نفسها وأما الشر الذي هو العذاب فلا يدخل في أسمائه وصفاته إن ادخل في مفعولاته لحكمة إذا حصلت زال وفنني بخلاف الخير فانه سبحانه وتعالى دائم المعروف لا ينقطع معروفه أبدا وهو قديم الإحسان ابدي الإحسان فلم يزل ولا يزال معاقبا على الدوام غضبان على الدوام منتقما على الدوام فتأمل هذا الوجه تأمل ففيه في باب أسماء الله وصفاته يفتح لك باب من أبواب معرفته ومحبته يوضحه الوجه الثالث عشر وهو قول اعلم خلقه به واعرفهم بأسمائه وصفاته والشر ليس إليك ولم يقف على المعنى المقصود من قال الشر لا يتقرب به إليك بل الشر لا يضاف إليه سبحانه بوجه لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا في أسمائه فان ذاته لها الكمال المطلق من جميع الوجوه وصفاته كلها صفات كمال ويحمد عليها ويثنى عليه بها وأفعاله كلها خير ورحمة وعدل وحكمة لا شر فيها بوجه ما وأسماؤه كلها حسنى فكيف يضاف الشر إليه بل الشر في مفعولاته ومخلوقاته وهو منفصل عنه إذ فعله غير مفعول ففعله خير كله وأما المخلوق المفعول ففيه الخير والشر وإذا كان الشر مخلوقا منفصلا غير قائم بالرب سبحانه فهو لا يضاف إليه وهو لم يقل أنت لا تخلق الشر حتى يطلب تأويل قوله وإنما نفى إضافته إليه وصفا وفعلا وأسماء وإذا عرف هذا فالشر ليس إلا الذنوب وموجباتها وأما الآخر فهو الإيمان والطاعات وموجباتها والإيمان والطاعات متعلقة به سبحانه ولأجلها خلق الله خلقه وأرسل رسله وانزل كتبه وهي ثناء على الرب تبارك وتعالى وإجلاله وتعظيمه وعبوديته وهذه لها آثار تطلبها وتقتضيها فتدوم آثارها بدوام متعلقها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 وأما الشرور فليس مقصودة لذاتها ولا هي الغاية التي خلق لها الخلق فهي مفعولات قدرت لأمر محبوب وجعلت وسيلة إليه فإذا حصل ما قدرت له اضمحلت وتلاشت وعاد الأمر إلى الخير المحض الوجه الرابع عشر أنه سبحانه وتعالى اخبر إن رحمته وسعت كل شيء فليس شيء من الأشياء إلا وفيه رحمته ولا ينافي هذا أنت ترحم العبد بمات يشق عليه ويؤلمه وتشتد كراهته له فان ذلك من أيضا كما تقدم وقد ذكرنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه آنفا وقوله تعالى: لذينك الرجلين رحمتي لكما إن تنطلقا فتلقيا أنفسكما حيث كنتما من النار وقد جاء في بعض الآثار إن العبد إذا دعى لمبتلى قد اشتد بلاؤه وقال اللهم ارحمه يقول الرب تبارك وتعالى كيف ارحمه من شيء به ارحمه فالابتلاء رحمة منه لعباده وفي اثر الهي يقول الله تعالى أهل ذكر أهل مجالستي وأهل طاعتي أهل كرامتي وأهل شكري أهل زيادتي وأهل معصيتي لأقنطهم من رحمتي إن تأبوا فأنا حبيبهم وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ابتليهم بالمصايب لأطهرهم من المعايب فالبلاء والعقوبة قدرته لإزالة أدواء لا تزول إلا بها والنار هي الدواء الأكبر فمن تداوى في الدنيا أغناه ذلك عن الدواء في الآخرة وإلا فلا بدله من الدواء بحسب دائه ومن عرف الرب تبارك وتعالى بصفات جلاله ونعوت كماله من حكمته ورحمته وبره وإحسانه وغناه وجوده وتحببه إلى عباده وإرادة الأنعام عليهم وسبق رحمته لهم يبادر لا إنكار ذلك إن لم يبادر إلى قبوله يوضحه الوجه الخامس عشر إن أفعاله سبحانه لا تخرج عن الحكمة والرحمة والمصلحة والعدل فلا يفعل عبثا ولا جورا ولا باطلا بل هو المنزه عن ذلك كما ينزه عن سائر العيوب والنقائص وإذا ثبت ذلك فتعذيبهم إن كان رحمة بهم حتى يزول ذلك الخبث وتكمل الطهارة فظاهر وإن كان لحكمة فإذا حصلت تلك الحكمة المطلوبة زال العذاب وليس في الحكمة دوام العذاب أبدا الآباد بحيث يكون دائما بدوام الرب تبارك وتعالى وإن كان لمصلحة وإن كان لمصلحة فإن كان يرجع إليهم"فليست مصلحتهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 في بقائهم في العذاب كذلك, وإن كانت المصلحة تعود إلى أوليائه فان ذلك أكمل في نعيمهم فهذا لا يقتضي تأبيد العذاب وليس نعيم أوليائه وكماله موقوفا على بقاء آبائهم وأبنائهم وأزواجهم في العذاب السرمد فان قلتم إن ذلك موجب الرحمة والحكمة والمصلحة قلتم ما لا يعقل وإن قلتم إن ذلك عائد إلى محض المشيئة ولا تطلب له حكمة ولا غاية فجوابه من وجهين أحدهما إن ذلك محال على أحكم الحاكمين واعلم العالمين إن تكون أفعاله معطلة عن الحكم والمصالح والغايات المحمودة والقرآن والسنة وأدلة العقول والفطر والآيات المشهودة شاهدة ببطلان ذلك والثاني أنه لو كان الأمر كذلك لكان بقاؤهم في العذاب وانقطاعه عنهم بالنسبة إلى مشيئته سواء ولم يكن في انقضائه ما ينافي كماله وهو سبحانه لم يخبر بأبدية العذاب وانه لا نهاية له وغاية الأمر على هذا التقدير إن يكون من الجائزات الممكنات الموقوف على حكمها على خبر الصادق فان سلكت طريق التعليل بالحكمة والرحمة والمصلحة لم يقتض الدوام وإن سلكت طريق المشيئة المحضة التي لا تعلل لم تقتضه أيضا وإن وقف الأمر على مجرد السمع فليس فيه متن يقتضيه الوجه السادس عشر أن رحمته سبحانه سبقت غضبه في المعذبين فانه أنشأهم برحمته ورباهم برحمته ورزقهم وعافاهم برحمته وأرسل إليهم الرسل برحمته وأسباب النقمة والعذاب متأخر عن أسباب الرحمة طارئة عليها فرحمته سبقت غضبه فيهم وخلقهم على خلقة تكون رحمته إليهم اقرب من غضبه وعقوبته ولهذا ترى الأطفال الكفار قد آلت عليهم رحمته فمن رآهم رحمهم ولهذا نهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 عن قتلهم فرحمته سبقت غضبه فيهم فكانت هي السابقة إليهم ففي كل حال هم في رحمته في حال معافاتهم وابتلائهم وإذا كانت الرحمة هي السابقة فيهم لم يبطل أثرها بالكلية وان عارضها اثر الغضب والسخط فذلك لسبب منهم وأما اثر الرحمة فسببه منه سبحانه وتعالى فما منه يقتضي رحمتهم وما منهم يقتض عقوبتهم والذي منه سابق وغالب وإذا كانت رحمته تغلب غضبه فلان يغلب اثر الرحمة اثر الغضب أولى وأحرى الوجه السابع عشر أنه سبحانه وتعالى يخبر عن العذاب أنه عذاب يوم عقيم وعذاب يوم عظيم وعذاب يوم اليم ولا يخبر عن النعيم أنه نعيم يوم ولا في موضع واحد وقد ثبت في الصحيح تقدير يوم القيامة بخمسين ألف سنة والمعذبون متفاوتون في مدة لبثهم في العذاب بحسب جرائمهم والله سبحانه جعل العذاب على ما كان في الدنيا وأسبابها وما أريد به الدنيا ولم ولك يرد به الله فالعذاب على ذلك وأما إن كان للآخرة وأريد به وجه الله فلا عذاب والدنيا قد جعل لها اجل تنتهي إليه فما انتقل منها إلى تلك الدار مما ليس لله فهو المعذب به وأما ما أريد به وجه الله والدار الآخرة فقد أريد به ما لا يفنى ولا يزول فيدوم بدوام المراد به فان الغاية المطلوبة إذا كانت دائمة لا تزول ما لم يزل ما تعلق بها بخلاف الغاية المضمحلة الفانية فما أريد به غير الله يضمحل ويزول بزوال مراده ومطلوبه وما أريد به وجه الله يبقى ببقاء المطلوب المراد فإذا اضمحلت الدنيا وانقطعت أسبابها وانتقل ما كان فيها لغير الله من الأعمال والذوات وانقلب عذابا وآلاما لم يكن له متعلق يدوم بدوامه بخلاف النعيم الوجه الثامن عشر أنه ليس في حكمة احكم الحاكمين إن يخلق خلقا يعذبهم ابد الآباد عذابا سرمدا لا نهاية له ولا انقطاع أبدا وقد دلت الأدلة السمعية والعقلية والفطرية على أنه سبحانه وتعالى حكيم وأنه أحكم الحاكمين فإذا عذب خلقه عذبهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 بحكمة كما يوجد التعذيب والعقوبة في الدنيا في شرعه وقدره فان فيه من الحكم والمصالح وتطهير العبد ومداواته وإخراج المواد الردية عنه بتلك الآلام ما تشهده العقول الصحيحة وفي ذلك من تزكية النفوس وصلاحها وزجرها وردع نظائرها وتوقيفها على فقرها وضرورتها الى ربها وغير ذلك من الحكم والغايات الحميدة ما لا يعلمه إلا الله ولا ريب إن الجنة طيبة لا يدخلها إلا طيب ولهذا يحاسبون إذا قطعوا الصراط على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا ذهبوا ونفوا أذن لهم في دخول الجنة ومعلوم إن النفوس الشريرة الخبيثة المظلمة التي لو ردت إلى الدنيا قبل العذاب لعادت لما نهيت عنه لا يصلح إن تسكن دار السلام في جوار رب العالمين فإذا عذبوا في النار عذابا تخلص نفوسهم من ذلك الخبث والوسخ والدرن كان ذلك من حكمة احكم الحاكمين ورحمته ولا يتنافى الحكمة خلق نفوس فيها شر يزول بالبلاء الطويل والنار كما يزول بها خبث الذهب والفضة والحديد فهذا معقول في الحكمة وهو من لوازم العالم المخلوق على هذه الصفة أما خلق نفوس لا يزول شرها أبدا وعذابها لا انتهاء له فلا يظهر في الحكمة والرحمة وفي وجود مثل هذا النوع نزاع بين العقلاء أعنى ذواتا هي شر من كل وجه ليس فيها شيء من خير أصلا وعلى تقدير دخوله في الوجود فالرب تبارك وتعالى قادر على قلب الأعيان وإحالتها وإحالة صفاتها فإذا وجدت الحكمة المطلوبة من خلق هذه النفوس والحكمة المطلوبة من تعذيبها فالله سبحانه قادر إن ينشئها نشأة أخرى غير تلك النشأة ويرحمها في النشأة الثانية نوعا آخر من الرحمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 يوضحه الوجه التاسع عشر وهو أنه قد ثبت إن الله سبحانه وتعالى ينشئ للجنة خلقا آخر يسكنهم إياها ولم يعملوا خيرا قط تكون الجنة جزاء لهم عليه فإذا اخذ العذاب من هذه النفوس مأخذه وبلغت العقوبة مبلغها فانكسرت تلك النفوس وخضعت وذلت واعترفت لربها وفاطرها بالحمد وانه عدل فيها كل العدل وإنها في هذه الحال كانت في تخفيف منه ولو شاء إن يكون عذابهم اشد من ذلك لفعل وشاء كتب العقوبة طلبا لموافقة رضاه ومحبته وعلم إن العذاب أولى بها وانه لا يليق بها سواه ولا تصلح إلا له فذابت منها تلك الخبائث كلها وتلاشت وتبدلت بذل وانكسار وحمد وثناء الرب تبارك وتعالى لم يكن في حكمته إن يستمر بها في العذاب بعد ذلك إذ قد تبدل شرها بخيرها وشركها بتوحيدها وكبرها بخضوعها وذلها ولا ينتقض هذا بقول الله عز وجل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه فان هذا قبل مباشرة العذاب الذي يزيل تلك الخبائث وإنما هو عند المعاينة قبل الدخول فانه سبحانه وتعالى قال: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} فهذا إنما قالوه قبل إن يستخرج العذاب منهم تلك الخبائث فأما إذا لبثوا في العذاب أحقابا والحقب كما رواه الطبراني في معجمه من حديث أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الحقب خمسون ألف سنة فانه من الممتع إن يبقى ذا الكبر والشرك والخبث بعد هذه المدد المتطاولة في العذاب الوجه العشرون أنه قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 حديث الشفاعة فيقول عز وجل شفعت الملائكة وشفع النبي صلى الله عليه وسلمون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيها في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حمل السيل فيقول الله الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه فهؤلاء أحرقتهم النار جميعهم فلم يبق في بدن أحدهم موضع لم تمسه النار بحيث صاروا حمما وهو الفحم المحترق بالنار وظاهر السياق أنه لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير فان لفظ الحديث هكذا فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا فيقول الله عز وجل شفعت الملائكة وشفع النبي صلى الله عليه وسلمون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا ارحم الراحمين فيقبض الله قبضة من نار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط فهذا السياق يدل على إن هؤلاء لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير ومع هذا فأخرجتهم الرحمة ومن هذا رحمته سبحانه وتعالى للذي أوصى أهله إن يحرقوه بالنار ويذروه في البر والبحر زعما منه بأنه يفوت الله سبحانه وتعالى فهذا قد شك في المعاد والقدرة ولم يعمل خيرا قط ومع هذا فقال له ما حملك على ما صنعت قال خشيتك وأنت تعلم فما تلافاه إن رحمه الله فلله سبحانه وتعالى في خلقه حكم لا تبلغه عقول البشر وقد ثبت في حديث أنس رضي الله عنه إن رسول الله قال يقول الله عز وجل اخرجوا من النار من ذكرني يوما أو خافني في مقام قالوا ومن ذا الذي في مدة عمره كلها من أولها إلى آخرها لم يذكر به يوما واحدا ولا خافه ساعة واحدة ولا ريب إن رحمته سبحانه وتعالى إذا أخرجت من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 النار من ذكره وقتا أو خافه في مقام ما فغير بدع إن تنفى النار ولكن هؤلاء خرجوا منها وهي نار الوجه الحادي والعشرون إن اعتراف العبد بذنبه حقيقة الاعتراف المتضمن لنسبة السواء والظلم واللوم إليه من كل وجه ونسبة وعدل والحمد والرحمة والكمال المطلق إلى ربه من كل وجه يستعطف ربه تبارك وتعالى عليه ويستدعي رحمته له وإذا أراد إن يرحم عبده ألقى ذلك في قلبه والرحمة معه ولا سيما إذا اقترن بذلك جزم العبد على ترك المعاودة لما يسخط ربه عليه وعلم الله إن ذلك داخل في قلبه وسويدائه فانه لا تتخلف عنه الرحمة مع ذلك وفي معجم الطبراني من حديث يزيد بن سنان الرهاوي عن سليمان بن عامر عن أبي أمامة رضي الله عنه قال قال رسول الله " إن آخر رجل يدخل الجنة رجل يتقلب على الصراط ظهرا لبطن كالغلام يضربه أبوه وهو يفر منه يعجز عنه عمله إن يسعى فيقول يا رب بلغ بي الجنة ونجني من النار فيوحي الله تبارك وتعالى إليه عبدي إن أنا نجيتك من النار وأدخلتك الجنة أتعترف لي بذنوبك وخطاياك فيقول العبد نعم يا رب وعزتك وجلالك إن نجيتني من النار لاعترفن لك بذنوبي وخطاياي فيجوز الجسر فيقول العبد فيما بينه وبين نفسه لئن اعترفت له بذنوبي وخطاياي ليردني إلى النار فيوحي الله إليه عبدي اعترف لي بذنوبك وخطاياك اغفرها لك وأدخلك الجنة فيقول العبد لا وعزتك وجلالك ما أذنبت ذنبا قط ولا أخطأت خطيئة قط فيوحي الله إليه عبدي إن لي عليك بينة فيلتفت العبد يمينا وشمالا فلا يرى أحدا فيقول أي رب ارني بينتك فينطق الله تعالى جلده بالمحقرات فإذا رأى ذلك العبد يقول يا رب عندي وعزتك العظائم فيوحي الله إليه عبدي أنا اعرف بها منك اعترف لي بها اغفرها لك وأدخلك الجنة فيعترف العبد بذنوبه فيدخل الجنة ثم ضحك رسول الله حتى بدت نواجذه يقول هذا أدنى أهل الجنة منزلة فكيف بالذي فوقه" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 فالرب تبارك وتعالى يريد من عبده الاعتراف والانكسار بين يديه والخضوع والذلة له والعزم على مرضاته فما دام أهل النار فاقدين لهذه الروح لروح فهم فاقدون الرحمة فإذا أراد عز وجل إن يرحمهم أو من يشاء منهم جعل في قلبه ذلك فتدركه الرحمة وقدرة الرب تبارك وتعالى غير قاصرة عن ذلك وليس فيه ما يناقض موجب أسمائه وصفاته وقد اخبر أنه فعال لما يريد الوجه الثاني والعشرون أنه سبحانه وتعالى أوجب الخلود على معاصي الكبائر وقيده بالتأبيد ولم يناف ذلك انقطاعه وانتهاؤه فمنها قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} ومنها قول النبي صلى الله عليه وسل" من قتل نفسا بحديدة فحديدته في يده يتوجا بها في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا" وهو حديث صحيح وكذلك قوله في الحديث الآخر في قاتل نفسه فيقول الله تبارك وتعالى بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة وابلغ من هذا قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} فهذا وعيد مقيد بالخلود والتأبيد مع انقطاعه قطعا بسبب العبد وهو التوحيد فكذلك الوعيد العام لأهل النار لا يمتنع انقطاعه بسبب ممن كتب على نفسه الرحمة وغلبت رحمته غضبه فلو يعلم الكافر بكل ما عنده من الرحمة لما يئس من رحمته كما في صحيح البخاري عنه خلق الله الرحمة يوم خلقها مائة رحمة وقال في آخره فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة ولو يعلم المسلم بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار الوجه الثالث والعشرون أنه لو جاء الخبر منه سبحانه وتعالى صريحا بأن عذاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 النار لا انتهاء له وانه ابدي لا انقطاع له لكان ذلك وعيدا منه سبحانه وتعالى والله تعالى لا يخلف وعده وأما الوعيد فمذهب أهل السنة كلهم إن إخلافه كرم وعفو وتجاوز يمدح الحرب تبارك وتعالى به ويثنى عليه به فانه حق له إن شاء تركه وإن شاء استوفاه والكريم لا يستوفي حقه فكيف بأكرم الأكرمين وقد صرح سبحانه وتعالى في كتابه في غير موضع بأنه لا يخلف وعده ولم يقل في موضع واحد لا يخلف وعيده وقد روى أبو يعلى الموصلي ثنا هدبة بن خالد حدثنا سهيل بن أبي حزم ثنا ثابت البنائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه إن رسول الله قال من وعده الله على عمل ثوابا فهو منجزه ومن واعده على عمل عقابا فهو فيه بالخيار وقال أبو الشيخ الأصبهاني ثنا محمد بن حمزة ثنا احمد بن الخليل ثنا الأصمعي قال جاء عمرو بن عبيد إلى أبي عمرو بن العلاء فقال يا أبا عمرو يخلف الله ما وعده قال لا قال أفرأيت من أوعده الله على عمله عقابا أيخلف الله وعده عليه فقال أبو عمرو بن العلاء من العجمة أتيت يا أبا عثمان إن الوعد غير الوعيد إن العرب لا تعد عارا ولا خلفا إن تعد شرا ثم لا تفعله ترى ذلك كرما وفضلا وإنما الخلف إن تعد خيرا ثم لا تفعله قال فأوجدني هذا في كلام العرب قال نعم أما سمعت إلى قول الأول: ولا يرهب ابن العم ما عشت سطوتي ... ولا اختشي من صولة المتهدد وإني وإن اوعدته أو وعدته ... لمخلف ايعادي ومنجز موعدي قال أبو الشيخ وقال يحيى بن معاذ الوعد والوعيد حق فالوعد حق العباد على الله ضمن لهم إذا فعلوا كذا وإن يعطيهم كذا ومن أولى بالوفاء من الله والوعيد حقه على العباد قال لا تفعلوا كذا فأعذبكم ففعلوا فان شاء عفا وإن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 شاء اخذ لان حقه وأولاهما بربنا تبارك وتعالى العفو والكرم أنه غفور رحيم ومما يدل على ذلك ويؤيده خبر كعب بن زهير حين أوعده رسول الله فقال: نبئت إن رسول الله أوعدني ... والعفو عند رسول الله مأمول فإذا كان هذا في وعيد مطلق فكيف بوعيد مقرون باستثناء معقب بقوله إن ربك فعال لما يريد وهذا أخبار منه أنه يفعل ما يريد عقيب قوله إلا ما شاء ربك فهو عائد إليه ولا بد ولا يجوز أن يرجع إلى المستثنى منه وحده بل إما أن يختص بالمستثنى أو يعود إليهما وغير خاف أن تعلقه بقوله إلا ما شاء ربك أولى من تعلقه بقوله خالدين بخالدين فيها وذلك ظاهر للمتأمل وهو الذي فهمه الصحابة فقالوا أتت هذه الآية في وعيد القران ولم يريدوا بذلك الاستثناء وحده فان الاستثناء مذكور في الأنعام أيضا وإنما أرادوا أنه عقب الاستثناء بقوله إن ربك فعال لما يريد وهذا التعقيب نظير قوله في الأنعام خالدين فيها إلا ما شاء ربك إن ربك حكيم عليم فاخبر إن عذابهم في جميع الأوقات ورفعه عنهم في وقت يشاؤه صادر عن كمال علمه وحكمته لا عن مشيئة مجردة عن الحكمة والمصلحة والرحمة والعدل إذ يستحيل تجرد مشيئته عن ذلك الوجه الرابع والعشرون إن جانب الرحمة اغلب في هذه الدار من الباطلة الفانية الزائلة عن قرب من جانب العقوبة والغضب ولولا ذلك لما عمرت ولا قام لها وجود كما قال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} وقال ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة فلولا سعة رحمته ومغفرته وعفوه لما قام العالم ومع هذا فالذي أظهره من الرحمة في هذه الدار وانزله بين الخلائق جزء من مائة جزء من الرحمة فإذا كان جانب الرحمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 قد غلب في هذه الدار ونالت البر والفاجر والمؤمن والكافر مع قيام مقتضى العقوبة به ومباشرته له وتمكنه من إغضاب ربه والسعي في مساخطته فكيف لا يغلب جانب الرحمة في دار تكون الرحمة فيها مضاعفة على ما في هذه الدار تسعة وتسعين ضعفا وقد اخذ العذاب من الكفار مأخذه وانكسرت تلك النفوس ونهكها العذاب وأذاب منها خبثا وشرا لم يكن يحول بينها وبين رحمته لها في الدنيا بل كان يرحمها مع قيام مقتضى العقوبة والغضب بها فكيف إذا زال مقتضى الغضب والعقوبة وقوى جانب الرحمة أضعاف أضعاف الرحمة في هذه الدار واضمحل الشر والخبث الذي فيها فأذابته النار وأكلته وسر الأمر إن أسماء الرحمة والإحسان اغلب واظهر وأكثر من أسماء الانتقام وفعل الرحمة أكثر من فعل الانتقام وظهور آثار الرحمة أعظم من ظهور آثار الانتقام والرحمة أحب إليه من الانتقام وبالرحمة خلق خلقه ولها خلقهم وهي التي سبقت غضبه وغلبته وكتبها على نفسه ووسعت كل شيء وما خلق بها فمطلوب لذاته وما خلق بالغضب فمراد لغيره كما تقدم تقرير ذلك والعقوبة تأديب وتطهير والرحمة إحسان وكرم وجود والعقوبة مداواة والرحمة عطاء وبذل الوجه الخامس والعشرون أنه سبحانه وتعالى لا بد إن يظهر لخلقه جميعهم يوم القيامة صدقه وصدق رسله وإن أعداؤه كانوا هم الكاذبين المفترين ويظهر لهم حكمه الذي هو اعدل حكم في أعدائه وانه حكم فيهم حكما يحمدونه هم عليه فضلا عن أوليائه وملائكته ورسله بحيث ينطق الكون كله بالحمد لله رب العالمين ولذلك قال تعالى: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فحذف فاعل القول لإرادة الإطلاق وان ذلك جار على لسان كل ناطق وقلبه قال الحسن لقد دخلوا النار وإن قلوبهم لممتلئة من حمده ما وجدوا عليه سبيلا وهذا هو الذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 حسن حذف الفاعل من قوله {قِيلَ ادْخُلُوا أبوابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} حتى كان الكون كله قائل ذلك لهم إذ هو حكمه العدل فيهم ومقتضى حكمته وحمده وأما أهل الجنة فقال تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} فهم لم يستحقوها بأعمالهم وإنما استحقوها بعفوه ورحمته وفضله فإذا اشهد سبحانه وتعالى ملائكته وخلقه كلهم حكمه العدل وحكمته الباهرة وضعه العقوبة حيث تشهد العقول والفطر والخليقة أنه أولى المواضع وأحقها بها وإن ذلك من كمال حمده الذي هو مقتضى أسمائه وصفاته وإن هذه النفوس الخبيثة الظالمة الفاجرة لا يليق بها غير ذلك ولا يحسن بها سواه بحيث تعترف بها هي من ذواتها بأنها أهل ذلك وإنها أولى به حصلت الحكمة التي لأجلها وجد الشر وموجباته في هذه الدار وتلك الدار وليس في الحكمة الإلهية إن الشرور تبقى دائما لا نهاية لها ولا انقطاع أبدا فتكون هي والخيرات في ذلك على حد سواء فهذا نهاية أقدام الفريقين في هذه المسألة ولعلك لا تظفر به في غير هذا الكتاب فان قيل فإلي أين أنهى قدمكم في هذه المسألة العظيمة الشأن التي هي اكبر من الدنيا بأضعاف مضاعفة قيل إلى قوله تبارك وتعالى {إِنَّ رَبَكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} وإلى هنا قدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيها حيث ذكر دخول أهل الجنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 الجنة وأهل النار النار وما يلقاه هؤلاء وهؤلاء وقال ثم يفعل الله بعد ذلك ما يشاء بل وإلى هنا هاهنا انتهت أقدام الخلائق وما ذكرنا في هذه المسألة بل في الكتاب كله من صواب فمن الله سبحانه وتعالى وهو المانّ به وما كان من خطا فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريء منه وهو عند لسان كل قائل وقلبه وقصده والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 الباب الثامن والستون: في ذكر آخر أهل الجنة دخولا إليها ... الباب الثامن والستون: قصده والله اعلم في ذكر آخر أهل الجنة دخولا إليها في الصحيحين من حيث أبي منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا الجنة رجلا يخرج من النار حبوا فيقول الله له اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه إنها ملأى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملأى فيقول الله له اذهب فادخل الجنة قال فيأتيها فيخيل إليه إنها ملأى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملأى فيقول الله له اذهب فادخل الجنة فان لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها أو أن لك عشرة أمثال الدنيا قال فيقول أتسخر بي وتضحك بي وأنت الملك قال لقد رأيت رسول الله يضحك حتى بدت نواجذه قال فكان يقول ذلك أدنى أهل الجنة منزلة" وفي صحيح مسلم من حديث الأعمش عن عمرو بن سويد عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله "إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة وآخر أهل النار خروجا منها رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها فيعرض عليه صغار ذنوبه فيقال عملت يوم كذا وكذا وكذا وكذا وعملت يوم كذا وكذا وكذا وكذا فيقول نعم لا يستطيع أن ينكر وهو مشفق من كبار ذنوبه إن تعرض عليه فيقال له فان لك مكان كل سيئة حسنة فيقول رب قد عملت أشياء لا أراها ههنا فلقد رأيت رسول الله ضحك حتى بدت نواجذه " وقال الطبراني حدثنا عبد الله بن سعد بن يحيى الزرقي حدثنا أبو فروة يزيد بن محمد بن سنان الرهاوي قال حدثني أبي عن أبيه قال حدثني أبو يحيى الكلاعي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن آخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 رجل يدخل الحنة رجل يتقلب على الصراط ظهرا لبلعن كالغلام يضربه أبوه وهو يفر منه يعجز عنه عمله أن يسعى فيقول يا رب بلغ بي الجنة ونجني من النار فيوحي الله تبارك وتعالى إليه عبدي إن أنا نجيتك من النار وأدخلتك الجنة أتعترف لي بذنوبك وخطاياك فيقول العبد نعم يا رب وعزتك وجلالك لئن نجيتني من النار لاعترفن لك بذنوبي وخطاياي فيجوز الجسر فيقول العبد فيما بينه وبين نفسه لئن اعترفت له بذنوبي وخطاياي ليردني إلى النار فيوحي الله إليه عبدي اعترف لي بذنوبك وخطاياك اغفرها لك وأدخلك الجنة فيقول العبد لا وعزتك وجلالك ما أذنبت ذنبا قط ولا أخطأت خطيئة قط فيوحي الله إليه عبدي إن لي عليك بينة فيلتفت العبد يمينا وشمالا فلا يرى أحدا فيقول يا رب ارني بينتك فيستنطق الله جلده بالمحقرات فإذا رأى ذلك العبد فيقول يا ربي عندي وعزتك العظائم فيوحي الله إليه عبدي أنا اعرف بها منك اعترف لي بها اغفرها لك وأدخلك الجنة فيعترف العبد بذنوبه فيدخل الجنة ثم ضحك رسول الله حتى بدت نواجذه يقول هذا أدنى أهل الجنة منزلة فكيف بالذي فوقه ورواه ابن أبي شيبة عن هاشم بن القاسم ثنا أبو عقيل عبد الله بن عقيل الثقفي عن يزيد بن سنان به وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله قال آخر من يدخل الحنة رجل فهو يمشي على الصراط مرة ويكبو مرة وتسعفه النار مرة فإذا جاوزها التفت إليها فقال تبارك الله الذي نجاني منك لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأولين والآخرين فترتفع له شجرة فيقول أي رب أدنني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 من هذه الشجرة استظل بظلها واشرب من مائها فيقول الله تبارك وتعالى يا ابن آدم لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها فيقول لا يا رب ويعاهده إن لا يسأله شيئا غيرها وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها فيستظل بظلها ويشرب من مائها ثم ترتفع له شجرة هي أحسن من الأولى فيقول يا رب أدنني من هذه لا شرب من مائها واستظل بظلها لا أسالك غيرها فيقول يا ابن آدم ألم تعاهدني انك لا تسألني غيرها فيقول لعلي إن أدنيتك منها إن تسألني غيرها فيعاهده إن لا يسأله غيرها وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها فيستظل بظلها ويشرب من مائها ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين فيقول أي رب أدنني من هذه الشجرة لاستظل بظلها واشرب من مائها لا أسألك غيرها فيقول يا ابن آدم ألم تعاهدني إن لا تسألني غيرها قال بلى يا رب هذه لا أسألك غيرها وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها فإذا أدناه منها سمع أصوات أهل الجنة فيقول يا رب ادخلنيها فيقول يا ابن آدم ما يرضيك مني أيرضيك أنى أعطيتك الدنيا ومثلها معها قال يا رب أتستهزئ مني وأنت رب العالمين فضحك ابن مسعود فقال ألا تسألونني مم اضحك قالوا مم تضحك قال ضحك رسول الله فقالوا مم تضحك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ضحك رب العالمين حين قال أتستهزئ بي وأنت رب العالمين فيقول لا استهزئ بك ولكن على ما أشاء قادر وفي صحيح البرقاني عن أبي سعيد البرقاني من حديث أبي سعيد الخدري نحو هذه القصة ونحن نسوقه بتمامه من عنده وهو بإسناد مسلم سواء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أدنى أهل النار عذابا منتعل بنعلين من نار يغلي دماغه من حرارة نعليه وإن أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار قبل الجنة ومثل له شجرة ذات ظل فقال أي رب قدمني إلى هذه الشجرة لأكون في ظلها فقال الله عز وجل هل عسيت إن فعلت إن تسألني غيره قال لا وعزتك فقدمه الله إليها ومثل له شجرة ذات ظل وثمر أخرى فقال أي رب قدمني إلى هذه الشجرة استظل بظلها وآكل من ثمرها قال فقال هل عسيت إن أعطيتك ذلك إن تسألني غيره قال لا وعزتك لا أسألك غيره فيقدمه الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 الباب التاسع والستون: وهو باب جامع فيه فصول منثورة لم تذكر فيما تقدم من الأبواب فصل في لسان أهل الجنة قال ابن أبي الدنيا حدثنا القاسم بن هاشم ثنا صفوان بن صالح حدثني رواد ابن الجراح العسقلاني ثنا الأوزاعي عن هارون ابن زباب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم ستين ذراعا بذراع الملك على حسن يوسف وعلى ميلاد عيسى ثلاث وثلاثون سنة وعلى لسان محمد جرد مرد مكحلون" وروى داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال لسان أهل الجنة عربي وقال عقيل قال الزهري لسان أهل الجنة عربي فصل في احتجاج الجنة والنار في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "احتجت الجنة والنار فقالت هذه يدخلني الجبارون والمتكبرون وقالت هذه يدخلني الضعفاء والمساكين فقال الله عز وجل لهذه أنت عن أبي أعذب بك من أشاء وقال لهذه أنت رحمتي ارحم بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها" وفي رواية أخرى تحاجت النار والجنة فقالت النار أوثرت بالمتكبرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 والمتجبرين وقالت الجنة ما مالي لا يدخلني ألا ضعفاء الناس وسقطهم وعجزهم فقال الله سبحانه للجنة أنت رحمتي ارحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكما ملؤها فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع قدمه عليها فتقول قط قط فهنالك تمتلئ وينزوي بعضها على بعض ولا يظلم الله من خلقه أحدا وأما الجنة فان الله عز وجل ينشئ لها خلقا فصل في إن الجنة يبقى فيها فضل فينشئ الله لها خلقا دون النار وفي الصحيحين عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط بعزتك وكرمك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة" وفي لفظ مسلم يبقى من الجنة ما شاء الله إن يبقى ثم ينشىء الله سبحانه لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة وفي لفظ مسلم يبقى من الجنة ما شاء الله ان يبقى لمما يشاء وأما اللفظ الذي وقع في صحيح البخاري في حديث أبي هريرة وانه ينشئ للنار من يشاء فيلقى فيها فتقول هل من مزيد فغلط من بعض الرواة انقلب عليه لفظه والروايات الصحيحة ونص القران يرده فان الله سبحانه واخبر أنه يملا جهنم من إبليس واتباعه فانه لا يعذب ألا من قامت عليه حجته وكذب رسله قال تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ} ولا يظلم الله أحدا من خلقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 فصل قي امتناع النوم على أهل الجنة روى ابن مردويه من حديث سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله "النوم أخو الموت وأهل الجنة لا ينامون "وذكر الطبراني من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد ابن المنكدر عن جابر قال سئل نبي الله فقيل أينام أهل الجنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم "النوم أخو الموت وأهل الجنة لا ينامون" فصل في ارتقاء العبد وهو في الجنة من درجة إلى درجة أعلى منها قال الإمام احمد ثنا يزيد أنبانا حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله" إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول يا رب إن لي هذه فيقول باستغفار ولدك لك" فصل في إلحاق ذرية المؤمن به في الدرجة وإن لم يعملوا عمله قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} وروى قيس عن عمرو بن مرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله إن الله ليرفع ذرية المؤمن إليه في درجته وإن كانوا دونه في العمل لتقربهم عينه ثم قرا {والذين آمنوا واتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم وما التناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين} قال ما نقصنا الآباء مما أعطينا البنين وذكر ابن مردويه في تفسيره من حديث شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال شريك أظنه حكاه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل الرجل الجنة سال عن أبويه وزوجته وولده فيقال إنهم لم يبلغوا درجتك أو عملك فيقول يا رب قد عملت لي ولهم فيؤمر بالإلحاق بهم ثم تلا ابن عباس {والذين آمنوا واتبعناهم ذرياتهم بإيمان} إلى آخر الآية وقد اختلف المفسرون في الذرية في هذه الآية هل المراد بها الصغار أو الكبار أو النوعان على ثلاثة أقوال واختلافهم مبني على إن قوله بإيمان حال من الذرية والتابعين أو المؤمنين المتبوعين فقالت طائفة المعنى والذين آمنوا واتبعناهم ذرياتهم في إيمانهم فأتوا من الإيمان بمثل ما أتوا به وألحقناهم بهم في الدرجات قالوا ويدل على هذا قراءة من قرأ واتبعتم ذريتهم فجعل الفعل في الإتباع لهم قالوا وقد أطلق الله سبحانه الذرية على الكبار كما قال ومن ذريته داود وسليمان " قال " ذرية من حملنا مع نوح وقال وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون وهذا قول الكبار والعقلاء قالوا ويدل على ذلك ما رواه قول سعيد بن جبير عن ابن عباس يرفعه: "إن الله يرفع ذرية المؤمن إلى درجته وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه فهذا يدل على أنهم دخلوا الجنة بأعمالهم ولكن لم يكن لهم أعمال يبلغوا بها درجة آبائهم فبلغهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 إياها وإن تقاصر عملهم عنها قالوا أيضا فالأيمان هو القول والعمل والنية وهذا إنما يمكن من الكبار وعلى هذا فيكون المعنى إن الله سبحانه يجمع ذرية المؤمن إليه إذا أتوا من الإيمان بمثل إيمانه إذ هذا حقيقة التبعية وإن كانوا دونه في الإيمان رفعهم الله إلى درجته إقرارا لعينه وتكميلا لنعيمه وهذا كما إن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم معه في الدرجة تبعا وإن لم يبلغوا تلك الدرجة بأعمالهن وقالت طائفة أخرى الذرية هاهنا الصغار والمعنى والذين آمنوا واتبعناهم ذرياتهم في إيمان الآباء والذرية تتبع الآباء وإن كانوا صغارا في الإيمان وإحكامه من الميراث والدية والصلاة عليهم والدفن في قبور المسلمين وغير ذلك ألا فيما كان من أحكام البالغين ويكون قوله بإيمان على هذا في موضع نصب على الحال من المفعولين أي واتبعناهم ذرياتهم بإيمان الآباء قالوا ويدل على صحة هذا القول البالغين لهم حكم أنفسهم في الثواب والعقاب فإنهم مستقلون بأنفسهم ليسوا تابعين الآباء في شيء من أحكام الدنيا ولا أحكام الثواب والعقاب لاستقلالهم بأنفسهم ولو كان المراد بالذرية البالغين لكن أولاد الصحابة البالغون كلهم في درجة آبائهم وتكون أولاد التابعين البالغون كلهم في درجة آبائهم وهلم جرا إلى يوم القيامة فيكون الآخرون في درجة السابقين قالوا ويدل عليه أيضا أنه سبحانه جعلهم معهم تبعا في الدرجة كما جعلهم تبعا معهم في الإيمان ولو كانوا بالغين لم يكن إيمانهم تبعا بل إيمان استقلال قالوا ويدل عليه إن الله سبحانه وتعالى جعل المنازل في الجنة بحسب الأعمال في حق المستقلين وأما الإتباع فان الله سبحانه وتعالى يرفعهم إلى درجة أهليهم وإن لم يكن لهم أعمالهم كما تقدم وأيضا فالحور العين والخدم في درجة أهليهم وان لم يكن لهم عمل بخلاف المكلفين البالغين فإنهم يرفعون إلى حيث بلغتهم أعمالهم وقالت فرقة منهم الواحدي الوجه إن تحمل الذرية الصغار والكبار لأن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 الكبير يتبع الأب بإيمان نفسه والصغير يتبع الأب بإيمان الأب قالوا والذرية تقع على الصغير والكبير والواحد والكثير والابن والأب كما قال تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُون} أي آباءهم والإيمان يقع على الإيمان التبعي وعلى الاختياري الكسبي فمن وقوعه على التبعي قوله فتحرير رقبة مؤمنة فلو اعتق صغيرا جاز قالوا وأقوال السلف تدل على هذا قال سعيد بن جبير عن ابن عباس إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه في العمل لتقربهم عيونهم ثم قرأ هذه الآية وقال ابن مسعود في هذه الآية الرجل يكون له القدم ويكون له الذرية فيدخل الجنة فيرفعون إليه لتقر بهم عينه وإن لم يبلغوا ذلك وقال أبو مجلز يجمعهم الله له كما كان يحب إن يجتمعوا في الدنيا وقال الشعبي ادخل الله الذرية بعمل الآباء الجنة وقال الكلبي عن ابن عباس إن كان الآباء ارفع درجة من الأبناء رفع الله الأبناء إلى الآباء وإن كان الأبناء ارفع درجة من الآباء رفع الله الآباء إلى الأبناء وقال إبراهيم أعطوا مثل أجور آبائهم ولم ينقص الآباء من أجورهم شيئا وقال ويدل على صحة هذا القول إن القراءتين كالآيتين فمن قرأ واتبعتهم ذريتهم فهذا من حق البالغين الذين تصح نسبة الفعل إليهم كما قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} ومن قرأ واتبعناهم ذرياتهم فهذا في حق الصغار الذين اتبعهم الله إياهم في الإيمان حكما فدلت القراءتان على النوعين قلت واختصاص الذرية هاهنا بالصغار اظهر لئلا يلزم استواء المتأخرين بالسابقين في الدرجات ولا يلزم مثل هذا في الصغار فان أطفال كل رجل وذريته معه في درجته والله اعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 فصل في إن الجنة تتكلم قد تقدم قوله احتجت الجنة والنار وقوله قالت الجنة يا رب قد أطردت أنهاري وطابت ثماري فعجل على بأهلي وقال إسماعيل ابن أبي خالد عن سعيد الطائي أخبرت إن الله تعالى لما خلق الجنة قال لها تزيني فتزينت ثم قال لها تكلمي فتكلمت فقالت طوبى لمن رضيت عنه وقال قتادة لما خلق الله الجنة قال لها تكلمي فقالت طوبى للمتقين وقال الطبراني حدثنا احمد بن علي ثنا هشام بن خالد ثنا بقية عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما خلق الله جنة عدن خلق فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قال لها تكلمي فقالت {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} فصل في إن الجنة تزداد حسنا على الدوام قال عبد الله بن احمد ثنا خلف بن هشام ثنا خالد بن عبد الله عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن كعب قال: ما نظر الله إلى الجنة ألا قال طيبي لأهلك فتزداد ضعفا حتى يدخلها أهلها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 فصل في إن الحور العين يطلبن أزواجهن أكثر مما يطلبهن أزواجهن كما تقدم حديث معاذ بن جبل في ذلك وقول الحوراء لامرأته في الدنيا لا تؤذيه فيوشك إن يفارقك ألينا حديث عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الحور العين" اللهم اعنه على دينك واقبل بقلبه على طاعتك" وذكر ابن أبي الدنيا عن أبي سليمان الداراني قال كان شابا بالعراق يتعبد فخرج مع رفيق له إلى مكة فكان إن نزلوا فهو يصلي وإن أكلوا فهو صائم فصبر عليه رفيقه ذاهبا وجائيا فلما أراد إن يفارقه قال له يا أخي اخبرني ما الذي هيجك إلى ما رأيت قال رأيت في النوم قصرا من قصور الجنة وإذا لبنة من فضة ولبنة من ذهب فلما تم البناء إذا شرافة من زبر جدة وشرافة من ياقوت وبينهما حوراء من حور العين مرخية شعرها عليها ثوب من فضة ينثني عليها معها كلما تثنت فقالت جد إلى الله في طلبي فقد والله جددت إليه في طلبك فهذا الذي تراه في طلبها قال أبو سليمان هذا في طلب حوراء فكيف بمن قد طلب ما هو اكثر منها فصل في ذبح الموت بين الجنة والنار قال الله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 : "يجاء بالموت كأنه كبش املح فيوقف بين الجنة والنار فيقال يا أهل الجنة هل تعرفون هذا فيشرأبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت ثم يقال يا أهل النار هل تعرفون هذا فيشرأبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت قال فيؤمر به فيذبح قال ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت ثم قرأ رسول الله {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون} " متفق عليه وفي الصحيحين أيضا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال" يدخل أهل الجنة الجنة ويدخل أهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم فيقول يا أهل الجنة لا موت ويا أهل النار لا موت كل خالد فيما هو فيه" وعنه قال قال رسول الله " إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وصار أهل النار إلى النار أتي بالموت حتى يجعل بين النار والجنة ثم ينادى مناد يا أهل الجنة لا موت ويا أهل النار لا موت فيزداد أهل الجنة فرحا ويزداد أهل النار حزنا إلى جهنم " وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار أتي بالموت ملبيا فيوقف على السور الذي بين أهل الجنة وأهل النار ثم يقال يا أهل الجنة فيطلعون خائفين ثم يقال يا أهل النار فيطلعون مبشرين يرجون الشفاعة فيقال لأهل الجنة وأهل النار هل تعرفون هذا فيقول هؤلاء وهؤلاء قد عرفناه هو الموت الذي وكل بنا فيضجع فيذبح ذبحا على السور ثم يقال يا أهل الجنة خلود لا موت ويا أهل النار خلود لا موت رواه النسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح وهذا الكبش والإضجاع والذبح ومعاينة الفريقين ذلك حقيقة لا خيال ولا تمثيل كما أخطأ فيه بعض الناس خطا قبيحا وقال الموت عرض والعرض لا يتجسم فضلا عن ان يذبح وهذا لا يصح فان الله سبحانه ينشئ من الموت صورة كبش يذبح كما ينشئ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 من الأعمال صورا معاينة يثاب بها ويعاقب والله تعالى ينشئ من الأعراض أجساما تكون الأعراض مادة لها وينشئ من الأجسام أعراضا كما ينشئ سبحانه وتعالى من الأعراض أعراضا ومن الأجسام أجساما فالأقسام الأربعة ممكنة مقدوره للرب تعالى ولا يستلزم جمعا بين النقيضين ولا شيئا من المحال ولا حاجة إلى تكلف من قال أن الذبح لملك الموت فهذا كله من الاستدراك الفاسد على الله ورسوله والتأويل الباطل الذي لا يوجبه عقل ولا نقل وسببه قله الفهم لمراد الرسول من وكلامه فظن هذا القائل أن لفظ الحديث يدل على أن نفس العرض يذبح وظن غالط آخر أن العرض يعدم ويزول ويصير مكانه جسم يذبح ولم يهتد الفريقان الى هذا القول الذي ذكرناه وأن الله سبحانه ينشئ من الأعراض أجسام ويجعلها مادة لها كما في الصحيح عنه تجيء البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان الحديث فهذه هي القراءة التي ينشئها الله سبحانه تعالى غمامتين وكذلك قوله في الحديث الآخر أن ما تذكرون من جلال الله من تسبيحه وتحميده وتهليله يتعاطفن حول العرش لهن دوي كدوي النحل يذكرن بصاحبهن ذكره احمد وكذلك قوله في حديث عذاب القبر ونعيمه للصورة التي يراها فيقول من أنت فيقول أنا عملك الصالح وأنا عملك السيء وهذا حقيقة لا خيال ولكن الله سبحانه أنشأ له من عمله صورة حسنة وصورة قبيحة وهل النور الذي يقسم بين المؤمنين يوم القيامة إلا نفس إيمانهم أنشأ الله سبحانه لهم منه نورا يسعى بين أيديهم فهذا أمر معقول لو لم يرد به النص فورود النص به من باب تطابق السمع والعقل وقال سعيد عن قتادة بلغنا أن نبي الله قال أن المؤمن إذا خرج من قبره صور له عمله في صورة حسنة وبشارة حسنة فيقول له من أنت فوالله أنى لأراك أمرا الصدق فيقول له أنا عملك فيكون له نورا وقائدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 إلى الجنة وأما الكافر إذا خرج من قبره صور له عمله في صورة سيئة وبشارة سيئة فيقول ما أنت فوالله إني لأراك أمرا السوء فيقول له أنا عملك فينطلق به حتى يدخله النار وقال مجاهد مثل ذلك وقال ابن جريج يمثل له عمله في صورة حسنة وريح طيبة يعارض صاحبه ويبشره بكل خير فيقول له من أنت فيقول أنا عملك فيجعل له نورا بين يديه حتى يدخله الجنة فذلك قوله يهديهم ربهم بإيمانهم والكافر يمثل له عمله في صورة سيئة وريح منتنة فيلازم صاحبه ويلاده حتى يقذفه في النار وقال ابن المبارك ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن أنه ذكر هذه الآية {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} قال علموا أن كل نعيم بعده الموت أنه يقطعه فقالوا {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} قيل لا قالوا أن هذا لهو الفوز العظيم وكان يزيد الرقاشي يقول في كلامه أمن أهل الجنة من الموت فطاب لهم العيش وآمنوا من الأسقام فهنا هم في جوار الله طول يبكي حتى تجري دموعه على لحيته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 فصل في ارتفاع العبادات في الجنة إلا عبادة الذكر فإنها دائمة روى مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل يأكل أهل الجنة فيها ويشربون ولا يتخمطون ولا يتغوطون ولا يبولون ويكون طعامهم ذلك جشاء ورشحا كرشح المسك يلهمون التسبيح والحمد كما يلهمون النفس " وفي رواية التسبيح والتكبير كما تلهمون بالتاء المثناة من فوق أي تسبيحهم وتحميدهم يجري مع الأنفاس كما تلهمون انتم النفس فصل قي تذاكر أهل الجنة ما كان بينهم في دار الدنيا قال الله تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} الآيات وقد تقدم الكلام عليها وقال تعالى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} وذكر ابن أبي الدنيا من حديث الربيع بن صبيح عن الحسن عن أنس يرفعه إذا دخل أهل الجنة الجنة فيشتاق الإخوان بعضهم إلى بعض فيسير سرير هذا إلى سرير هذا وسرير هذا إلى سرير هذا حتى يجتمعا جميعا فيتكئ هذا أو يتكئ هذا فيقول أحدهما لصاحبه تعلم متى غفر الله لنا فيقول صاحبه نعم يوم كذا وكذا وموضع كذا وكذا فدعونا الله فغفر لنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 وإذا تذاكروا ما كان بينهم فتذاكرهم فيما كان يشكل عليهم في الدنيا من مسائل العلم وفهم القرآن والسنة وصحة الأحاديث أولى وأحرى فان المذاكرة في الدنيا في ذلك ألذ من الطعام والشراب والجماع فتذاكر في الجنة أعظم لذة وهذه لذة يختص بها أهل العلم ويتميزون بها على من عداهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 الباب السبعون: في ذكره من يستحق هذه البشارة دون غيره ... الباب السبعون: في ذكر من يستحق هذه البشارة دون غيره قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا} وقال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} وقال تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ} وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} وقال تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً} وقال تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} وقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} وقال تعالى: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} وقال في الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} وقال: {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} وقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} وقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} إلى قوله {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وفي المسند وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قد أنزلت علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم تلا: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} حتى ختم العشر آيات وقال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} إلى قوله {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} وقال تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ_ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} وقال تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً} وقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} إلى قوله وبشر المؤمنين وقال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} وقال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} وهذا في القرآن كثير مقداره على ثلاث قواعد إيمان وتقوى وعمل خالص لله على موافقة السنة فأهل هذه الأصول الثلاثة هم أهل البشرى دون من عداهم من سائر الخلق وعليها دارت بشارات القرآن والسنة جميعها وهي تجتمع في اصلين إخلاص في طاعة الله وإحسان إلى خلقه وضدها يجتمع في الذين يراءون ويمنعون الماعون وترجع إلى خصلة واحدة وهي موافقة الرب تبارك وتعالى في محابه ولا طريق إلى ذلك ألا بتحقيق القدوة ظاهرا وباطنا برسول الله وأما الأعمال التي هي تفاصيل هذا الأصل فهي بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق وبين هاتين الشعبتين سائر الشعب التي مرجعها تصديق الرسول في كل ما أخبر به وطاعته في جميع ما أمر به إيجابا واستحبابا كالإيمان بأسماء الرب وصفاته وأفعاله وآياته من غير تحريف لها ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل كما قال الشافعي رحمه الله الحمد لله الذي هو كما وصف به نفسه وفوق ما يصف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 به خلقه وكأنه أخذ هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم لك الحمد كالذي تقول وخيرا مما تقول" وقد ذكرنا في أول الكتاب جملة م مقالات أهل السنة والحديث التي اجمعوا عليها كما حكاه الأشعري عنهم ونحن نحكي إجماعهم كما حكاه حرب صاحب الإمام احمد عنهم بلفظه قال في مسائله المشهورة هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المتمسكين بها المقتدى بهم فيها من لدن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مخالف مبتدع خارج عن الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق قال وهو مذهب احمد وإسحاق بن إبراهيم وعبد الله بن مخلد وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم كمن جالسنا وأخذنا عنهم العلم وكان من قولهم أن الإيمان قول وعمل ونية وتمسك بالسنة والإيمان يزيد وينقص ويستثنى من الإيمان غير أن لا يكون الاستثناء شكا إنما هي سنة ماضية سد العلماء فإذا سئل الرجل أمؤمن أنت فانه يقول انا مؤمن أن شاء الله أو مؤمن ارجوا ويقول أمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله ومن زعم أن الإيمان قول بلا عمل فهو مرجىء ومن زعم أن الإيمان هو القول والأعمال شرائع فهو مرجئ ومن زعم أن الإيمان يزيد ولا ينقص فقد قال بقول المرجئة ومن لم ير الاستثناء في الإيمان فهو مرجئ ومن زعم أن إيمانه كإيمان جبريل والملائكة فهو مرجئ ومن زعم أن المعرفة في القلب وأن لم يتكلم بها فهو مرجئ والقدر خيره وشره وقليله وكثيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 وظاهره وباطنه وحلوه ومره ومحبوبه ومكروهه وحسنه وسيئه وأوله وآخره من الله عز وجل قضاء قضاه على عباده وقدر قدره عليهم لا يعدوا واحد منهم مشيئة الله ولا يجاوزه قضاؤه بل هم كلهم صائرون إلى ما خلقهم له واقعون فيما قدر عليهم وهو عدل منه جل ربنا وعز والزنا والسرقة وشرب الخمر وقتل النفس وأكل المال الحرام والشرك والمعاصي كلها بقضاء الله من غير أن يكون لأحد من خلقه على الله حجة بل لله الحجة البالغة على خلقه لا يسئل عما يفعل وهم يسألون وعلم الله عز وجل ماض في خلقه بمشيئة منه سبحانه وتعالى فهو سبحانه قد علم من إبليس ومن غيره ممن عصاه من لدن عصى الله تبارك وتعالى إلى قيام الساعة المعصية وخلقهم لها وعلم الطاعة أهل الطاعة وخلقهم لها فكل يعمل لما خلق له له وصائر إلى ما قضى عليه لا يعدو أحد منهم قدر الله ومشيئته والله الفعال لما يريد ومن زعم أن الله سبحانه وتعالى شاء لعباده الذين عصوه وتكبروا الخير والطاعة وأن العباد شاءوا لأنفسهم الشر والمعصية فعملوا على مشيئتهم فقد زعم أن مشيئته العباد اغلب من مشيئة الله تعالى وأي افتراء على الله اكبر من هذا ومن زعم أن الزنا ليس بقدر قيل له أرأيت هذه المرأة حملت من الزنا وجاءت بولد هل شاء الله عز وجل أن يخلق هذا الولد وهل مضى في سابق علمه فان قال لا فقد زعم أن مع الله خالقا وهذا الشرك صراحا ومن زعم أن السرقة وشرب الخمر وأكل المال الحرام ليس بقضاء وقدر فقد زعم أن هذا الإنسان قادر على أن يأكل رزق غيره وهذا صراح قول المجوسية بل أكل رزقه الذي قضى الله أن يأكله من الوجه الذي أكله ومن زعم أن قتل النفس ليس بقدر من الله عز وجل فقد زعم أن المقتول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 مات بغير اجله وأي كفر أوضح من هذا بل ذلك بقضاء الله عز وجل وذلك عدل منه في خلقه وتدبيره فيهم وما جرى من سابق علمه فيهم وهو العدل الحق الذي يفعل ما يريد ومن اقر بالعلم لزمه الإقرار بالقدر والمشيئة على الصغر والقماءة ولا نشهد على أحد من أهل القبلة أنه في النار لذنب عمله ولا لكبيرة أتاها إلا أن يكون في ذلك حديث كما جاء في حديث ولا بنص الشهادة ولا نشهد لأحد أنه في الجنة بصالح عمله ولا لخير أتاه إلا أن يكون في ذلك حديث كما جاء على ما روي ولا بنص الشهادة والخلافة في قريش ما بقي من الناس اثنان وليس لأحد من الناس أن ينازعهم فيها ولا نخرج عليهم ولا نقر لغيرهم بها إلى قيام الساعة والجهاد ماض قائم مع الأئمة بروا أو فجروا لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل والجمعة والعيدان والحج مع سلطان وأن لم يكونوا بررة عدو لا أتقياء وأتقياء ودفع الصدقات والخراج والأعشار والفيء والغنائم إليهم عدلوا فيها أو جاروا والانقياد لمن والاه الله عز وجل أمركم لا تنزع يدا من طاعته ولا تخرج عليه بسيف حتى يجعل الله لك فرجا ومخرجا ولا تخرج على السلطان وتسمع وتطيع ولا تنكث بيعته فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف مفارق للسنة للجماعة وأن أمرك السلطان بأمر فيه لله معصية فليس لك أن تطيعه البتة وليس لك أن تخرج عليه ولا تمنعه حقه والإمساك في الفتنة سنة ماضية واجب احترامها فان أبتليت فقدم نفسك دون دينك ولا تعن على الفتنة بيد ولا لسان ولكن اكفف لسانك ويدك وهواك والله المعين والكف عن أهل القبلة فلا تكفر أحدا منهم بذنب ولا تخرجه عن الإسلام بعمل إلا أن يكون في ذلك حديثا كما جاء وما روى فتصدقه وتقبله وتعلم أنه كما روى نحو كفر من يستحل نحو ترك الصلاة وشرب الخمر وما أشبه ذلك أو يبتدع بدعة ينسب صاحبها إلى الكفر والخروج من الإسلام فاتبع ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 ولا تجاوزه والأعور الدجال خارج لا شك في ذلك ولا ارتياب وهو اكذب الكاذبين وعذاب القبر حق يسال العبد عن دينه وعن ربه وعن الجنة وعن النار ومنكر ونكير حق وهما فتانا القبر نسال الله الثبات وحوض محمد حق حوض ترده أمته ولهم آنية يشربون بها منه والصراط حق يوضع على سواء جهنم ويمر الناس عليه والجنة من وراء ذلك والميزان حق يوزن به الحسنات والسيئات كما شاء الله أن يوزن والصور حق ينفخ فيه إسرافيل فتموت الخلق ثم ينفخ فيه الأخرى فيقومون لرب العالمين للحساب وفصل القضاء والثواب والعقاب والجنة والنار واللوح المحفوظ يستنسخ منه أعمال العباد لما سبق فيه من التقادير والقضاء والقلم حق كتب الله به مقادير كل شيء وأحصاه في الذكر والشفاعة يوم القيامة حق يشفع قوم في قوم فلا يصيرون إلى النار ويخرج قوم من النار بعدما دخلوها ولبثوا فيها ما شاء الله ثم يخرجهم من النار وقوم يخلدون فيها أبدا وهم أهل الشرك والتكذيب والجحود والكفر بالله عز وجل ويذبح الموت يوم القيامة بين الجنة والنار وقد خلقت الجنة وما فيها وخلقت النار وما فيها خلقهما الله عز وجل وخلق الخلق لهما ولا يفنيان ولا يفنى فيهما ما فيهما أبدا فإذا احتج مبتدع أو زنديق بقول الله عز وجل {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَه} وبنحو هذا من متشابه القرآن قيل له كل شيء مما كتب الله عليه الفناء والهلاك هالك والجنة والنار خلقهما الله للبقاء لا للفناء ولا للهلاك وهما من الآخرة لا من الدنيا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 والحور العين لا يمتن عند قيام الساعة ولا عند النفخة ولا أبدا لان الله عز وجل خلقهن للبقاء لا للفناء ولم يكتب عليهن الموت فمن قال خلاف هذا فهو مبتدع ضل عن سواء السبيل وخلق سبع سماوات بعضها فوق بعض وسبع أرضين بعضها أسفل من بعض وبين الأرض العليا والسماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام والماء فوق السماء العليا السابعة وعرش الرحمن عز وجل فوق الماء والله عز وجل على العرش والكرسي موضع قدميه وهو يعلم ما في السماوات والأرضين وما بينهما وما تحت الثرى وما في قعر البحر ومنبت كل شعرة وشجرة وكل زرع وكل نبات ومسقط كل ورقة عدد كل كلمة وعدد الرمل والحصى والتراب ومثاقيل الجبال وأعمال العباد وأثارهم وكلامهم وأنفاسهم ويعلم كل شيء ولا يخفى عليه من ذلك شيء وهو على العرش فوق السماء السابعة ودونه حجب من نار ونور وظلمة وما هو اعلم به فإذا احتج مبتدع أو مخالف بقول الله عز وجل ونحن اقرب إليه من حبل الوريد وقوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} ونحو هذا من متشابه القرآن فقل إنما يعني بذلك العلم أن الله عز وجل على العرش فوق السماء السابعة العليا يعلم ذلك كله وهو بائن من خلقه لا يخلو من علمه مكان ولله عز وجل عرش وللعرش حملة يحملونه والله عز وجل مستو على عرشه وليس له حد والله عز وجل سميع لا يشك بصير لا يرتاب عليم لا يجهل جواد لا يبخل حليم لا يعجل حفيظ لا ينسى ولا يسهو قريب لا يغفل ويتكلم وينظر ويبسط ويضحك ويفرح ويحب ويكره ويبغض ويرضى ويغضب ويسخط ويرحم ويعفو ويغفر ويعطي ويمنع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ويوعيها ما أراد وخلق آدم بيده على صورته والسماوات والأرض يوم القيامة في كفه ويضع قدمه في النار فتنزوي ويخرج قوما من النار بيده وينظر إلى وجهه أهل الجنة يرونه فيكرمهم ويتجلى لهم وتعرض عليه العباد يوم القيامة ويتولى حسابهم بنفسه ولا يلي ذلك غير الله عز ووجل والقرآن كلام الله الذي تكلم به وليس بمخلوق فمن زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر ومن زعم أن القرآن كلام الله ووقف ولم يقل ليس بمخلوق فهو أخبث من القول الأول ومن زعم أن ألفاظنا وتلاوتنا مخلوقة والقرآن كلام الله فهو جهمي وكلم الله موسى تكليما منه إليه وناوله التوراة من يده إلى يده ولم يزل الله عز وجل متكلما والرؤيا من الله وهي حق إذا رأى صاحبها في منامه ما ليس ضغثا فقصها على عالم وصدق فيها فأولها العالم على اصل تأويلها الصحيح ولم يحرف فالرؤيا تأويلها حينئذ حق وقد كانت الرؤيا من الأنبياء وحيا فأي جاهل اجهل ممن يطعن في الرؤيا ويزعم أنها ليست بشيء وبلغني أن من قال هذا القول لا يرى الاغتسال من الاحتلام وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رؤيا المؤمن كلام يكلم به الرب عبده وقال أن الرؤيا من الله وذكر محاسن أصحاب رسول الله كلهم والكف عن ذكر مساويهم التي شجرت بينهم فمن سب أصحاب رسول الله أو واحدا منهم أو نقصه أو طعن عليه أو عرض بعيبهم أو عاب أحدا منهم فهو مبتدع رافضي خبيث مخالف لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا بل حبهم سنة والدعاء لهم قربة والإقتداء بهم وسيلة والأخذ بآثارهم بها فضيلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 وخير الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر بعد أبي بكر وعثمان بعد عمر وعلي بعد عثمان ووقف قوم على عثمان وهم خلفاء راشدون مهديون ثم أصحاب رسول الله بعد هؤلاء الأربعة خير الناس لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساوئهم ولا أن يطعن في واحد منهم بعيب ولا نقص فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته ليس له أن يعفو عنه بل يعاقبه ويستتيبه فان تاب قبل منه وأن لم يتب أعاد عليه العقوبة وخلده في الحبس حتى يموت أو يرجع ونعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها ونحبهم لحديث الرسول الله فان أحبهم إيمان وبغضهم نفاق ولا نقول بقول الشعوبية وأراذل الموالي الذين لا يحبون العرب ولا يقرون لهم بفضل فان قولهم بدعة ومن حرم المكاسب والتجارات وطلب المال من وجهه فقد جهل وأخطأ وخالف بل المكاسب من وجوهها خلال قد أحلها الله عز وجل ورسوله فالرجل ينبغي له أن يسعى على نفسه وعياله من فضل ربه فان ترك ذلك على أنه لا ير الكسب فهو مخالف والدين إنما هو كتاب الله عز وجل وآثار وسنن وروايات صحاح عن الثقات بالإخبار الصحيحة القوية المعروفة يصدق بعضها بعضا حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله وأصحابه رضي الله عنهم والتابعين وتابعي التابعين ومن بعدهم من الأئمة المعروفين المقتدى بهم المتمسكين بالسنة والمتعلقين بالآثار ولا يعرفون ببدعة ولا يطعن فيهم بكذب ولا يرمون بخلاف إلى أن قال فهذه الأقاويل التي وصفت مذاهب أهل السنة والجماعة والأثر وأصحاب الروايات وحملة العلم الذين أدركناهم وأخذنا عنهم الحديث وتعلمنا منهم السنن وكانوا أئمة معروفين ثقات أهل صدق وأمانة يقتدى بهم ويؤخذ عنهم ولم يكونوا أهل بدعة ولا خلاف ولا تخليط وهو قول أئمتهم وعلمائهم الذين كانوا قبلهم فتمسكوا بذلك وتعلموه وعلموه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 قلت حرب هذا صاحب احمد وإسحاق وله عنهما مسائل جليلة وأخذ عن سعيد بن منصور وعبد الله بن الزبير الحميدي وهذه الطبقة وقد حكى هذه المذاهب عنهم واتفاقهم عليها ومن تأمل المنقول عن هؤلاء وأضعاف أضعافهم من أئمة السنة والحديث وجده مطابقا لما نقله حرب ولو تتبعناه لكان بمقدار هذا الكتاب مرارا وقد جمعت منه في مسالة علو الرب تعالى على خلقه واستوائه على عرشه وحدها سفرا متوسطا فهذا مذهب المستحقين لهذه البشرى قولا وعملا واعتقادا وبالله التوفيق فصل ونختم الكتاب بما ابتدأنا به أولا وهو خاتمة دعوى أهل الجنة قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال حجاج عن ابن جريج أخبرت أن قوله دعواهم فيها سبحانك اللهم قال إذا مر بهم الطير ليشتهونه قالوا سبحانك اللهم وذلك دعواهم فيأتيهم الملك بما اشتهوا فيسلم عليهم فيردون عليه فذلك قوله تعالى: وتحيتهم فيها سلام قال فإذا أكلوا حمدوا الله ربهم فذلك قوله تعالى: وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين قال سعيد عن قتادة قوله تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} يقول ذلك دعاؤهم فيها وتحيتهم فيها سلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 وقال الأشجعي سمعت سفيان الثوري يقول إذا أرادوا الشيء قالوا سبحانك اللهم فيأتيهم ما دعوا به ومعنى هذه الكلمة تنزيه الرب تعالى وتعظيمه وإجلاله عما لا يليق به وذكر سفيان عن عبد الله بن موهب سمعت موسى بن طلحة قال سئل رسول الله عن سبحان الله فقال تنزيه الله عن السوء وسال بن الكواء عليا عنها فقال كلمة رضيها الله تعالى لنفسه وقال حفص بن سليمان بن طلحة ابن يحيى بن طلحة عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله قال سالت رسول الله عن تفسير سبحان الله فقال هو تنزيه الله عن كل سوء فأخبر الله تعالى عن أول دعواهم إذا استدعوا شيئا قالوا سبحان الله وعن آخر دعواهم عند ما يحصل لهم هو قولهم الحمد لله رب العالمين ومعنى الآية اعم من هذا والدعوى مثل الدعاء والدعاء يراد به الثناء ويراد به المسالة وفي الحديث أفضل الدعاء الحمد لله رب العالمين فهذا دعاء ثناء وذكر يلهمه الله أهل الجنة فأخبر سبحانه وعن أوله وآخره فأوله تسبيح وآخره حمد يلهمونهما كما يلهمون النفس وفي هذا إشارة إلى أن التكاليف في الجنة يسقط عنهم ولا تبقى عبادتهم إلا هذه الدعوى التي يلهمونها وفي لفظ اللهم إشارة إلى صريح الدعاء فإنها متضمنة لمعنى يا الله فهي متضمنة للسؤال والثناء وهذا هو الذي فهمه من قال إذا أرادوا شيئا قالوا سبحانك اللهم فذكروا بعض المعنى ولم يستوفوه مع أنهم قصروا به فإنهم أوهموا أنهم إنما يقولون ذلك عندما يريدون الشيء وليس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 في الآية ما يدل على ذلك بل يدل على أن أول دعائهم التسبيح وآخره الحمد وقد دل الحديث الصحيح على أنهم يلهمون ذلك كما يلهمون النفس فلا تختص الدعوى المذكورة بوقت إرادة الشيء وهذا كما أنه لا يليق بمعنى الآية فهو لا يليق بحالهم والله تعالى أعلم بالصواب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418